Professional Documents
Culture Documents
فارس الظلام منصة معنى
فارس الظلام منصة معنى
فارس الظلام منصة معنى
McGowan, Todd (2012). Hero’s form of appearance: the necessary darkness of the dark night. In Todd McGowan (auth.) the
fictional Christopher Nolan, Austin, Texas: the university of Texas press, pp. 123-146.
1
والقناع الذي يرتديه األبطال الخارقون ـ سعيهم لتقديم اختلق ( )fictionحول أنفسهم ـ يؤشر على علقتهم العقدة
بالقانون .فضباط البوليس العاديين بوسعهم أن يجهروا بهويتهم على الأل ،وهذا هو ما يميزهم عن املجرمين ،الذين سيكون
ّ
التخفين يتوقفون عن إخفاء هويتهم فور انتهاء كل مهمة، مثواهم السجن لو جهروا بهويتهم على أعين الناس .حتى الضباط
وأولئك الذين ال يستطيعون فعل ذلك بنجاح يتحولون هم أنفسهم إلى مجرمين .فأن يكون الرء رجل قانون يتضمن الجهر
علنا 1.لكن البطل الخارق شخص مختلف من هذه الجهة .فبينما هم يتصارعون مع املجرمين الذين ينتهكون القانون، بهويته ً
عوضا عن ذلك ،هم يمثلون الجانب السفلي للقانون،ليس بمقدور األبطال الخارقين أن يربطوا أنفسهم صراحة بالقانون .و ً
جانب الدعم الخفي الذي يحتاجه لكي يؤدي وظيفته بنجاح كمؤسسة عمومية2.
موضعا خارج حكم القانون ببساطة بفضل قواهم فوق الطبيعية .ف ً
غالبا ما ً وحتى أشد األبطال الخارقين إيتيقية يشغلون
ً
تحديد ا بسبب استقامته ،بسبب غياب أي جانب مظلم في ً
واحدا من األبطال الخارقين األقل جاذبية، يعتبر النقاد سوبرمان
شخصيته 3.فعلى خلف األبطال الخارقين اآلخرين ،سوبرمان يكاد ال يخرق القانون على اإلطلق ـ باستثناء تعريه في كبائن
التليفون ربما ـ في سبيل الحفاظ على النظام القانوني .لكنه في الفيلم األول له سوبرمان ( )1978لريتشارد دونر خرق قوانين
الكون (جعل كوكب األرض يعكس دورانه والزمن يسير إلى الوراء) لكي ينقذ لويس لين (مارجو كايدر) .ويعرض الفيلم هذا الفعل
بصفته أزمة إيتيقية ،ألنه يكشف عن علقة سوبرمان االستثنائية بالقانون وعن الطريقة التي تضعه بها قواه الخارقة في تعارض
ُ ُ
امل َ
حددة واملحددة للقانون .وعلى مستوى أكثر أرضية ،يعمل سوبرمان خارج القانون عن طريق عدم حصوله على مع الطبيعة
ً
مذكرة تفتيش أبدا ،وعدم قراءته لحقوق املجرمين على أسماعهم ،وعدم خوضه في أي إجراءات بيروقراطية أخرى يطلبها
القانون من البوليس .هذا التجاور القلق وغير الريح بين البطل الخارق والقانون ليدفع هيجل إلى اعتبارهما نقيضين.
فعلى الرغم من أنه لم يكن يعرف سوبرمان ،إال أن هيجل قد فكر ً
كثيرا في الظاهرة التي يمثلها سوبرمان .ففي فلسفته
اإلستاطيقيةّ ،ميز بين حقبتين ،العصر البطولي وعصر النظام القانوني .وفي الحقبة الثانية ،تتحقق الفاعلية اإليتيقية في
القوانين التي تسنها الدولة وليس في األفعال الفردية .وبالرغم من أن القوانين قد تكون غير عادلة وبالتالي قد يتعين علينا إ ً
يتيقيا
مكانا للبطل ،للشخص الذيأن نغيرها ،إال أننا نفعل ذلك من خلل القانون وليس من خارجه .ال يترك النظام القانوني ،إذنً ،
دوما على تأليف قانونها الخاص حتى لو لم تكن تقصد ً
نقيضا للقانون ألنها تعمل ً يتصرف خارج مقيدات القانون .إن البطولة
فعل ذلك .فبالنسبة للبطل ،وكما يقول هيجل" ،الفردية هي قانون لنفسها ،من دون أن تكون خاضعة لقانون وقضاء ومحكمة
1البعد العلني بالضرورة لهوية ضابط البوليس ينبع من الطبيعة العلنية للقانون نفسه .فقانون لم ُيعلن ليس بقانون ،ودولة تعمل بقوانين خفية ليست
بدولة بالعنى السليم للكلمة.
ُ ّ
رابطة توثق بين الذوات، القانون العمومي .فبينما يوفر القانون 2يعرض فيلم النوار ( )noirالتصوير الفني لا يحدث عندما تغلب الصلحة الخاصة على
يبين عالم النوار كيف يمزق انتصار الصلحة الخاصة هذه الرابطة .وكنتيجة لذلك ،ال يسع الرء أن يمحض ثقته ألي أحد في هذا العالم .وكما يلحظ هيو مانون
ُ"يدعى ُمشاهد فيلم النوار إلى النظر في أشياء وأشخاص وأحداث الحياة اليومية بنظرة شر وشؤم" .انظر:
X-Ray Visions: Radiography, Chiaroscuro, and the Fantasy of Unsuspicion in Film Noir,” Film Criticism 32, no. 2 (2007/2008): 8.
ً
3رفض زاك سنايدر ،مخرج فيلم )2006( 300فرصة إخراج فيلم لسوبرمان بسبب افتقار الشخصية للتعقيد األخلقي .ويشرح سنايدر قائل "سوبرمان هو
أبو كل أبطال القصص الصورة ،لكني ال أعرف كيف يمكنك إقناع جمهور رفيع الذوق بهذا الضرب من الصرامة بعد اآلن" .مذكور فيUSA today, July 28, 2008, :
] Scott Bowles, “ are superheroes done for?” 2d.لكن يبدو أن شهية سنايدر قد فتحت على سوبرمان فيما بعد ،إذ أخرج فيلم لسوبرمان وهو man of steel
( ،)2013وأردفه بفلمين يحضر فيهما سوبرمان إلى جانب أبطال خارقين آخرين وهما )2016( batman v superman: dawn of justiceو .(2017( Justice league
وفيما يتعلق بخصوصية سوبرمان كبطل خارق ،ثمة تأويل شيق للغاية قدمه كوانتين ترانتينو على لسان billفي نهاية الجزء الثاني من فيلمه kill Billم[.
2
ً
قائمة على نحو مستقل" 4.في سياق النظام القانوني ،إذن ،قد تغدو أفعال البطل أفعاال إجرامية ،وقد ال تكون ثمة طريقة للتميز
بينها وبين أفعال الشر .وهذا هو سبب نبذ هيجل لفكرة البطل الحديث .فمثل هذا البطل يفشل في رؤية كيف أن األخلقية
الفردية التي يطرحها كبديل عن النظام القانوني أو كمكمل له ُمضمنة بالفعل في هذا النظام .وكنتيجة لتناقضهما البنيوي،
سيكون من شأن أفعال البطل أن تقوض القانون حتى لو كان القصد منها هو تكميل القانون .لكن الشكلة تترك هكذا دونما
حل ،إذ أن عجز القانون عن أن يحقق العدالة ،واستمرار وجود الظلم داخل النظام القانوني يؤديان إلى استدعاء البطل
واالستثناء البطولي من القانون5.
ً
يتخذ فارس الظلم لكريستوفر نوالن من الشكلة التي يطرحها البطل ومكانة البطل االستثنائية في علقته بالقانون شاغل
رئيسا له .لكن الفيلم ليس ببساطة مجرد انتقاد للستثنائية البطولية .ففي عالم الفيلم ،الحاجة إلى استثناء للقانون واضحة ً
بجلء .فمن دون باتمان (كريستيان بيل) الذي يمد يد العون للملزم جيمس جوردن (جاري أولدمان) ،سيعيث ملوك الجريمة في
جوثام الفساد جاعلين منها مدينة غير صالحة للسكن .وحتى مع مساعدة باتمان ،تصميم مشاهد الفيلم ()mise-en-scene
الهدد والنذر بالسوء يكشف عن مدى ضبط اإلجرام إليقاع الحياة في الدينة .فعلى خلف فيلم ظهور باتمان الذي بدت فيه
جوثام مستبشرة بالستقبل بالرغم من مشكلة الجريمة ،تشكل الجريمة هنا منظر وشعور الدينة .فالباني بحاجة إلى الترميم،
وثياب الناس مشعثة ،وحتى الشاهد النهارية تقع تحت سماء معتمة.
وبالنظر إلى تقدير الفيلم للحاجة إلى االستثناء البطولي من النظام القانوني ،من اليسير علينا أن نفهم لاذا قد يعتبر معلق
سياس ي يميني الفيلم بمثابة تكريم لجورج بوش االبن ولحربه على العراق .ففي مقالته بصحيفة وول استريت جورنال العنونة
بـ"الش يء الشترك بين بوش وباتمان" يقول أندرو كلفان "ليس لدي أدنى شك في أن فيلم باتمان فارس الظلم ،الذي يحقق ً
حاليا
أعلى إرادات في التاريخ ،هو على مستوى ما نشيد مدائحي لإلقدام والشجاعة األخلقية التي أظهرها جورج بوش في زمن اإلرهاب
والحرب الذي نحيا فيه .فمثل بوش ،باتمان مذموم ومحتقر بسبب مواجهته لإلرهابيين بالطريقة الوحيدة التي يفهمونها .ومثل
ً
متيقنا من أنه سيعيد تكريس بوش ،يضطر باتمان في بعض األحيان إلى تجاوز حدود الحقوق الدنية لكي يتعامل مع حالة طارئة،
هذه الحدود مرة ثانية عندما تنتهي حالة الطوارئ هذه" 6.يتمثل الشبه بين باتمان وبوش ،إذن ،في اتفاقهما على أن التهديد
استثناء ً
خارجا عن القانون .بالرغم من أن كلفان قد احتاج إلى ّلي عنق الفيلم حتى ً االستثنائي للنظام القانوني تتطلب مجابهته
4 G. W. F. Hegel, Aesthetics: Lectures on Fine Art: Vol. 1, trans. T. M. Knox (Oxford:
Clarendon Press, 1975), 185.
ُ 5يتفهم هيجل عدم كفاية النظام القانوني ومن ّ
ثم الحاجة إلى استثناء ،لكنه ال يجعل محل االستثناء هو البطل وإنما صاحب السيادة .إن هيجل يلح على
الحفاظ على النظام اللكي حتى في ظل الحداثة ،ألنه مدرك لضرورة الحفاظ على موضع استثناء خارج القانون .انظر:
G. W. F. Hegel, Philosophy of Right, trans. T. M. Knox (Oxford: Oxford University Press, 1952).
6 Andrew Klavan, “What Bush and Batman Have in Common,” Wall Street Journal, July 25, 2008,
http://online.wsj.com/article/SB121694247343482821.html.
ً بعد نشر هذا القال ،أشار الدونون اليساريون (مثل كريستوفر أور) على الفور ً
تقريبا إلى اإلشكالية الركزية في طرح كلفان وهي :أوال ،ضمير باتمان اإليتيقي
ً
وثانيا ،بوش لم ُيعد تكريس حدود الحقوق الدنية كما فعل باتمان ،وثالثا ،يريد كلفان لبطولة بوش أن يعترف بها في
ُ شريراً ،
يحرم عليه أن يقتل أي أحد مهما كان ُ
ُ
حين أن الفيلم يؤكد على أن البطولة الحقة ال يمكن أن يعترف بها .لكن على الرغم من ذلك ،ثمة جانب ما في الفيلم يسوغ تحليل كلفان .فبدفاعه عن الحاجة إلى
الشخص الستثنى من القانون ،يقدم فارس الظلم حجة أساسية للسياسة املحافظة (والفاشية حتى).
3
يصل إلى أطروحته القائلة بأن الفيلم يمثل "فيلم محافظ يدور حول الحرب على اإلرهاب" ،إلى أنه قد قبض بشكل صحيح على
دعوى الفيلم األساسية القائلة بأننا نحتاج إلى شخص مستثنى من القانون7.
والحال ،أن مشكلة تقبل االستثناء البطولي واالحتفاء به ليست هي فتح الباب للقراءات املحافظة الخاطئة ،وإنما هي وجود
متأصل في هذه االستثنائية لكي تتوالد وتضاعف نفسها أكثر فأكثر .وفي فارس الظلم حدث هذه التوالد م ً
بكرا في الفيلم، ّ ميل
حيث وضع القلدون لباتمان أنفسهم واآلخرين في خطر .وفي الواليات التحدة وأثناء الحرب على اإلرهاب ،اتخذ هذا التوالد شكل
ُ
تنامي ال ينفك يتزايد للمراقبة واإلجراءات األمنية .فبمجرد ما أن نقر بالحاجة إلى موضع االستثناء ،ال يعود بوسع القانون أن
ً
يحدد من هم املخول لهم شغل هذا الوضع ،وال أن يقيد أفعالهم .وبمجرد ما أن ننتهك حقوق غير الواطنين ،سننتهك عاجل
حقوق الواطنين كذلك ،وفي نهاية الطاف ،سينتهي بنا الحال في مجتمع ال تعود فيه الحقوق بما هي كذلك موجودة .إن االستثناء
ً
استثنائيا .االستثناء هو كذبه أو يوجد بالضرورة وراء حدود القانون ،ولو كان بمقدور القانون أن يحتوي مداه وقوته لن يعود
انتهاك لحقيقة القانون تهدد بتخطي القانون بالكلية ،لكن القانون وعلى الرغم من ذلك يحتاجها بشده .وهذه هي العضلة التي
يتشكل حولها فارس الظلم .إن شعبية الفيلم غير العادية ال تشهد ببساطة على براعة نوالن كمخرج أو على نجاح حملة الفيلم
الترويجية فحسب ،وإنما ً
أيض ا على أهمية وراهنية السائل التي يتناولها الفيلم.
ً
ابتداء .ففكرة فيلم ظهور باتمان هي التالية :على األفراد أن يتوحدوا بمعنى ما ،نوالن يجيب هنا على مشكلة هو من خلقها
مع البطل الخارق بصفته فجوة في النظام االجتماعي .وفارس الظلم يبدأ بالشكلة التالية :عدد من الواطنين ينصاعون لهذا
األمر على نحو حرفي باستنساخ زي باتمان وأساليبه .بوسع الرء أن يقول أنهم قد أساؤوا فهم القصود من التوحد مع البطل
الخارق ،من ربط أنفسهم بهذه الفجوة .لكنهم على الرغم من ذلك يكشفون عن إشكالية االستثناء.
ويبدأ الفيلم بإدراك باتمان لهذه الشكلة ،حيث يصور محاولته التخلي عن مكانته االستثنائية وترك النظام القانوني يعمل
بمفرده .ولفعل ذلك ،يتطلب األمر شكل مختلف من البطولة .والسعى الذي يدور حوله فارس الظلم هو محاولة باتمان أن يجد
مناسبا لهذا الشكل املختلف من البطولة .هو منجذب لهارفي دينت (هارون إيكهارد) ألن دينت على ما يبدو يجسد ً وجها ً
عاما ً
إمكانية وجود بطولة متسقة مع القانون العام وبالتبع يمكنها أن تعمل عملها من دون الحاجة إلى التخفي ،إلى القناع .لكن بعد
موت ريتشل دوس (ماجي جالينهول) ،والحرق الخطير الذي أصاب وجه دينت وتحوله من مدافع عن القانون إلى مجرم :صاحب
الوجهين ،رأى باتمان استحالة االستغناء عن قناع البطل .فدينت ،البطل الرجو من دون قناع ،قد أضحى وعلى نحو سريع
تثناء ،لكنه يبين ً
أيضا أن صادما .يكشف هذا التحول في األحداث عن أن البطل ال بد أن يظل اس ً ً مجرما عندما اختبر ً
فقدا
بطولية البطل البد أن تنتحل هيئة نقيضها (أي اإلجرام) .إن فيلم نوالن يبين أن البطل يتعين عليه أن يكذب.
فخاتمة فارس الظلم توضح أن الظهر الحقيقي للبطولة مظهر شرير .فالفيلم ينتهي بتحمل باتمان عن طيب خاطر
مسؤولية جرائم القتل التي ارتكبها دينت/ذي الوجهين .وبفعله ذلك ،قد سمح لدينت أن يموت كبطل في أعين الناس ،لكنه ً
أيضا ـ
وهو األكثر أهمية ـ قد غير إدراك الناس لوضعيته االستثنائية .فبقبوله ألن يظهر كمجرم في آخر الفيلم ،يقر باتمان ،في الوقت
عينه ،بالحاجة إلى االستثناء البطولي وبالحاجة إلى أن يظهر هذا االستثناء كإجرام .فلو أردنا للستثناء البطولي أن ال يتوالد على
نحو يهدد أية إمكانية لتحقيق العدالة ،البد أن يكون مظهره غير قابل للتمييز عن اإلجرام.
7الرجع نفسه.
4
ً
مجرما .وهذا هو الفرق بين باتمان في فارس الظلم وراس الغول (ليام والحال أن اتخاذ مظهر اإلجرام ليتضمن غدو الرء
نيسين) في ظهور باتمان ،وهكذا يتعين علينا تأويل رفض باتمان الطلق للقتل .فراس الغول يتحول عن عمد إلى األفعال
اإلجرامية في سبيل تحقيق الخير األكبر ألنه يؤمن بنقائه الشخص ي وبالنقاء املحتمل للمجتمع .بينما يتخذ باتمان مظهر اإلجرام
ويحرم على نفسه القتل ال لكي يتجنب السقوط في اإلجرام وإنما ،وعلى نحو ساخر ،لكي ُيبقي
كإقرار منه بعدم نقائه الشخص يّ ،
على عدم نقائه ويحفظه.
إن اإليماءة البطولية ،كما يصورها فارس الظلم ،ال تتألف من أي من أنشطة مكافحة الجريمة أو إنقاذ الحياة التي يقوم
عوضا عن ذلك في احتضان مظهر اإلجرام الذي ُيختتم به الفيلم .وسرد جوردن ً بها باتمان على مدار الفيلم .وإنما هي تكمن
الدائحي لباتمان الذي يتخلل خاتمة الفيلم يؤكد على أن ذلك هو الفعل البطولي بحق .ويستوجب هذا الفعل الخطأ في التعرف
عليه :فمن خلل هذا الخطأ وحده يمكن للمرء أن يراه على نحو صحيح .فلو كان ألهل جوثام أن ينظروا إلى مظهر باتمان
ويتبينوا ما وراءه :بطولته الحقيقية ،ستضيع هذا البطولة على الفور ألن ذلك سيجعلها تتوالد وتضاعف استثنائيتها (فوحدها
رؤية الناس لباتمان كمجرم هي ما سيمنعهم من محاكاته على نحو حرفي) .فكما يصوره الفيلم ،مظهر البطولة الحقة البد أن
يكون هو مظهر الشر .وبهذه الطريقة وحدها يتجنب االستثناء البطولي الذي يجسده البطل الخارق وضعنا على الطريق الوصلة
إلى الحكم الفاش ي.
8وفقا لبنيامين ،حضور العنف الؤسس للقانون في النظام االجتماعي ال يختفي بتوقف فعل العنف نفسه وتأسيس القانون .فالنظام االجتماعي يعتمد على
فكرة هذا العنف حتى يحافظ على وجوده ووظيفته .يقول بنيامين" :عندما يختفي الوعي بالحضور الستتر للعنف في النظام القانوني ،ينهار هذا النظام إلى حطام".
انظر:
Critique of Violence, trans. Edmund Jephcott, in Walter Benjamin: Selected Writings, Volume 1, 1913–1926, ed. Marcus Bullock and
Michael W. Jennings (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1996), 244.
]في مقابل هذا النوع من العنف ،العنف الؤسس للقانون والحافظ له ،يطرح بنيامين نوع آخر من العنف ،عنف منبت الصلة ً
تماما عن القانون ،ليس
الهدف منه تأسيس القانون وفرضه وال الحفاظ عليه .يسميه بالعنف اإللهي أو العنف الثوري –م[.
5
هذا اللجوء إلى العنف االستثنائي غير موجود في فيلم البطل الخارق .فهذا الضرب من األفلم ال يتعامل مع ضرورة العنف
الؤسس للقانون وإنما مع ضرورة عنف آخر موجود خارج القانون 9.عنف يلجأ إليه القانون في األوضاع التفاقمة التي ال يمكن
ملجرد العنف القانوني أن يتعامل معها .وفي فارس الظلم الوضع التفاقم هو اإلجرام الستفحل لشتى العصابات التي تسيطر
ً
فمستجيبا لكل انفجار للنشاط اإلجرامي الفادح الذي يعجز البوليس نفسه عن التعامل معه ،يض يء اللزم جوردن على جوثام.
مؤقتا والتي سيمارس فيها باتمان العنف بغرض علمة الوطواط في سماء الليل وبذلك يعلن مرسوم بفرض حالة الطوارئ ً
مساعدة البوليس.
وعلى خلف شان ،ال يغادر باتمان ،في نهاية الطاف ،املجتمع الذي يدعمه بعنفه .فباتمان يبقى كاستثناء الزب ال يمكن
للقانون أن يعمل بنجاعة من دونه ،وبالتالي ،فإن فيلم البطل الخارق يتصدى لعضلة أكبر من تلك التي يتصدى لها فيلم
الويسترن .يمكن لفيلم الويسترن أن ينتهي ببساطة مع رحيل البطل (أو بتدجينه كما في خاتمة النهر األحمر )1948( red river
لهاورد هوكس) ،أما فيلم البطل الخارق فل يملك هذا الخيار .ففي سبيل إمكانية تحقيق العدالة ال بد للبطل الخارق أن يظل
موجودا .لكن وجوده كاستثناء أمر ُمشكل ،ويشكك في شرعية القانون .فبمجرد وجودهم ،يكشف األبطال الخارقون عن ً
القصور التأصل في القانون ،ويدفعون الجميع إلى التشكك في فاعليته .إن االستثناء البطولي يعمل باستمرار على تقويض
القانون الذي يكمله.
وبدوره ،يرى جورجيو أجامبين الخطر التأصل في االستثناء .فاالستثنائية ،بالنسبة ألجامبين ،تدشن ً
حربا أهلية قانونية
ومن ّ
ثم تلعب الدور الرئيس ي في االنتقال من الديمقراطية إلى السلطوية الفاشية .فإعلن حالة االستثناء أو قل الطوارئ يرمي إلى
"خلق وضع يصير االستثناء فيه هو القاعدة ويغدو التمييز فيه بين الحرب والسلم (وبين الحرب الخارجية والحرب األهلية)
ً
مستحيل" 10.إن الشكلة هي أن الزمن االستثنائي ال ينتهي ً
أبدا ،وزوال التمييز بين حالة الطوارئ والحياة اليومية العادية يدفع
ً
باملجتمع نحو وضعية حرب أهلية ،وهي الوضعية التي كان من الفترض أصل لحالة االستثناء نفسها أن تمنع من الوصول إليها.
فعوضا عن أن تعمل كحل مؤقت ملجتمع على حافة القضاء على نفسه ،تدفع حالة االستثناء ،في واقع األمر ،املجتمع ً
مزيدا في ً
ثم الساعدة على تغذية حرب هوبزية ،حرب الجميع ضد اتجاه القضاء على نفسه .فبتقويض التمييز بين القانون واإلجرام ومن ّ
الجميع ،يكون كل فعل من أفعال السلطة السيادية ً
مبررا باسم فرض النظام.
يبدأ فيلم فارس الظلم بالتركيز على الشكلة التي تسببها حالة االستثناء املجسدة في باتمان .إنه شخص خارج عن القانون،
عليه يعتمد القانون للتعامل مع عتاة مجرمي جوثام .لكن نجاح باتمان الكبير في مكافحة الجريمة خارج القانون قد أنتج ،في
بداية الفيلم ،العديد من القلدين له ـ حراس ساهرون يرتدون مثله ويقضون الليل في مكافحة الجريمة .واملحصلة كانت ارتفاع
درجة انعدام القانون واألمان في الدينة .وعبر هؤالء القلدين ،يبدأ الفيلم بتجلية خطر االستثناء الباح الوجود خارج القانون.
فبمجرد ما أن ُيقبل باالستثناء كحل ،لن تنفك الحاجة إليه تزداد ،ألن االستثناء سيعزز من الشكلة عينها التي ُيفترض منه حلها.
باتمان ما مزيف وضع محاولة باتمان األصلي الحتكار هذه االستثنائية في موضع الساءلة صراح ة .فبعدما أنقذهم باتمان
من محاولتهم الخائبة إلفساد صفقة مخدرات ،حذرهم من مثل هذه األفعال .فقال أحدهم" :ما الذي يعطيك الحق؟ ما الفرق
وفقا لتقسيمات بنيامين؟ هل هو مجرد عنف حافظ للقانون، 9إن السؤال بالنسبة لفيلم البطل الخارق هو :ما هي بالضبط وضعية عنف البطل الخارق ً
مكمل لعنف البوليس؟ أم أنه عنف إلهي ،أي ذلك الضرب من العنف الوجود خارج القانون ،والذي يحقق عدالة غير محدودة تمض ي إلى أبعد من الوازنات
والحسابات؟ وعلى أساس هذا التقابل علينا أن نحكم على كل فعل من أفعال العنف االستثنائي.
10 Giorgio Agamben, State of Exception, trans. Kevin Attell (Chicago: University of Chicago Press, 2005), 22.
6
ُ
بيني وبينك؟" فأجابه باتمان" :أنا ال أرتدي واقيات هوكي" .وبالرغم من ظرفه ،إال أن هذا الرد ال يصلح أبدا كحجة .فليس لباتمان
ّ
سيظل اآلخرون ينجذبون نحوه كذلك ـ واستثنائية أي حق في أن يحتكر االستثنائية لنفسه ،وطالا هو يشغل هذا الوضع،
تتوالد ً
ذاتي ا من شأنها أن تقوض النظام االجتماعي برمته11.
تبرر حالة االستثناء أي فعل ـ أي انتهاك للحريات الدنية ـ في سبيل تحقيق العدالة التي يعجز القانون العادي عن تحقيقها.
ً
متجسدا في باتمان وانتهاك الحريات الدنية الرافق لإلعلن الرسمي ويربط فارس الظلم وبكل صراحة بين االستثناء البطولي
لحالة الطوارئ (في حالة الحرب على اإلرهاب على سبيل الثال) .إن باتمان يعمل على نحو استثنائي ليس بارتدائه قناع وخرقه
ّ لقلة من قوانين الرور وفقط وإنما بإنشاء نظام مراقبة يمحو ً
تماما فكرة املجال الخاص في جوثام .فعندما كلف باتمان مصممه
جهازا يسمح له بتعيين موقع كل أحد في مدينة جوثام برمتها ،تررد فوكسالتقني لوشيس فوكس (مورجان فريمان) أن يصنع ً
بسبب ما سيقتضيه ذلك من انتهاك للحريات الدنية .لقد وافق على مساعدته حتى يستطيع االمساك بالجوكر (هيث ليدجر)
لكنه وعده بأنه سيستقيل بعدها على الفور .ومن داعم قديم لباتمان والستثنائيته ،يدل غضب فوكس على أن باتمان قد تجاوز
الحد الذي بعده ال يمكن تمييزه عن املجرمين الذين يسعى ورائهم .لكن في سبيل القبض على الجوكر وإفساد خططه اإلجرامية،
البد لباتمان ،وكما يوضح الفيلم بجلء ،أن يتجاوز الحد .وبذلك يضعه الفيلم في نطاق السياسة الراهنة ،وإلى جوار الرموز
السياسية املحافظة.
والحال أن منطق الحرب على اإلرهاب التي شنها في أول األمر جورج بوش االبن ونائبه ديك تشني (وتواصلت بعد رحيلهما)
مستمد مباشرة من فكرة أنهما يحكمان في حالة طوارئ ،حيث لن يكون حكم القانون العادي كافيا لحماية الشعب األمريكي.
ً
استثنائيا خارج القانون .وأحد تبعات هذه الفكرة هو شرعنة التعذيب كممارسة ً
موضعا وبالتالي البد للمرء أن يتبوأ لنفسه
ُ
طبيعية أثناء التحقيق مع أي شخص يشتبه في أنه على صلة بأية منظمة ارهابية .لكن التبعات األخرى تحيل مباشرة على أفعال
باتمان في فارس الظلم :الحرب على اإلرهاب ،في تصور بوش وتشينيُ ،تخاص بواسطة الزيد من الراقبة أكثر مما تخاض بالزيد
من األسلحة .فطبيعة الطوارئ تتطلب تدابير رقابية استثنائية ـ من ضمنها التنصت على الكالات الهاتفية ،التجسس على البريد
اإلليكتروني ،واستخدام األقمار الصناعية لرصد التحركات ،وكل ذلك يتم من دون تصريح قضائي .وعندما استخدم باتمان
جهاز الراقبة الذي صممه له فوكس يكون رقى نفسه إلى استثناء بالعنى الذي يعنيه هذه الصطلح عند بوش وتشيني .وهذه هي
إحدى نقاط التشابه التي دفعت كلفان للربط بين باتمان وبوش .لكن ثمة على الرغم من ذلك اختلف جوهري بين االثنين وبين
علقة كل منهما باالستثناء.
بمقدور الرء أن يفترض أن االختلف بينهما يكمن في استعداد باتمان للتخلي عن نظام الراقبة الشاملة بعد القبض على
الجوكر وانتهاء حالة الطوارئ .فلقد ضبط باتمان النظام بحيث يدمر نفسه بعدما ينتهي فوكس من استخدامه ،وبينما هو
بتهاجا بالتزام باتمان اإليتيقي با لتخلي عن السلطة التي خولها لنفسه. ً
مبتعدا عن الجهاز الذي يدمر نفسه ،ابتسم فوكس ا ً يمش ي
ً ُ هذه الصورة تبدو متناقضةً ،
عوضا عن أن يدمر يقينا ،مع صورة نظام الراقبة الذي كرس أثناء الحرب على اإلرهاب ،الذي نما
نفسه مع غدو أحداث 11سبتمبر شيئا من الاض ي .فل الرئيس بوش وال أوباما ]وال ترامب من باب أولى[ سيدعو إلى إنهاء الحرب
ً
استثناء للقانون 11تنشأ ظاهرة القلد كاستجابة للستثنائية أو إلدراكها .فالقاتل التسلسل القلد ،على سبيل الثال ،يعتبر القاتل التسلسل ال بوصفه
ثم يقلد فعل القتل .االستثنائية تحرض القلدين بفضل موضعها خارج القانون ،وهو الكان الذي نعين وحسب وإنما بوصفه استثناء لإلجرام العادي كذلك ،ومن ّ
ً
فيه موضع التعة .فمن منظور أولئك الوجودين داخل القانون (اللتزمين به) يبدو االستثناء عاج بالتعة؛ والقلدون يرمون إلى الولوج إلى هذه التعة ،لكنهم دائما ما
يفشلون ،ألنهم يحاولون فعل ذلك بواسطة واقيات الهوكي وليس بألياف الكيفلر (أي أنهم يبقون ،عبر فعل التقليد ،ضمن القانون).
7
شبها بين استعادة باتمان للحقوق الدنية على اإلرهاب أو إبطال كل مناحي قانون .patriotلكن كلفان قد يرى بالرغم من ذلك ً
وبين عزم بوش على أن يفعل ذلك فور انتهاء حالة الطوارئ .والحال أن الفرق بين نسختي بوش وباتمان من حالة االستثناء ـ بين
النسخة املحافظة والنسخة اليسارية ـ ال يتمثل في واقع كون نسخة باتمان مؤقتة بينما نسخة بوش (وخلفه) مؤبدة .فكلهما
يعتبرها مؤقتة ،لكن ما يميز باتمان هو الوقف الذي يتخذه حيال هذا االنتهاك للقانون :إنه يتقبل كون استثنائيته هذه تجعل
ً ً ً ً
تحديدا هو ما يأبى بوش تقبله ،وهو ما يجعله إجراميا ،وبالتالي هو حريص على محوه بسرعه .وهذا مجرما .ألنه يراها فعل منه
اعا شبه ً
أبديا. يرى حربه على اإلرهاب صر ً
ً
تاريخيا ،إلى الواجهة .وهذا ال يعني لقد اشتهر فيلم البطل الخارق كجنس سنيمائي عندما انتقلت إشكالية حالة االستثناء،
بالطبع القول بأن أفلم البطل الخارق تدين بشعبيتها لجورج بوش اإلبن ،وإنما يعني أنها قد اجتذبت الزيد من الجماهير عندما
أضحت العلقة بين االستثناء والقانون في موضع الساءلة على نحو ال ينفك يتزايد .وكما الحظ أجامبين" :تميل حالة االستثناء
وعلى نحو متزايد ألن تظهر بوصفها براديم (نموذج) الحكم الهيمن في السياسات العاصرة .هذا التحويل لتدابير مؤقتة
واستثنائية إلى تقنية حكم يهدد بشكل جذري بتغيير ـ بل لقد غير وبشكل ملموس في واقع األمر ـ بنية ومعنى التمييزات القانونية
التقليدية"( 12بين القاعدة واالستثناء ،بين الحالة الطبيعية وحالة الطوارئ ... ،إلخ) .إن حالة االستثناء هيً ،
وفقا ألجامبين،
ً
السبيل الذي تتحول به الديمقراطية إلى فاشية .إن االستثناء يختلط بالقاعدة ثم يحل محلها عاجل .وبداية من هذه اللحظة
تظهر سلطة كلية تمارس سلطتها على الناس وتتخذ من حفظ أمنهم ً
مبررا لها .وألن االستثناء البطولي هو أحد لوازم هذا الجنس
السينمائي ،يوجد فيلم البطل الخارق ضمن هذا السياق السياس ي.
فمعظم أفلم البطل الخارق تؤكد على حاجتنا للست ثناء البطولي لكنها ال تضع وضعية االستثناء هذه في موضع الساءلة.
هذا هو الحال بالنسبة لفيلم الرجل الحديدي )2008(iron manلجون فافريوس ولفيلم هالك االستثنائي the incredible
تقريبا في نفس الوقت الذي عرض فيه فارس الظلم .وكنتيجة )2008( hulkللوي ليتيرى ،حتى نذكر اثنين فحسب قد عرضا ً
لذلك ،وحتى عندما تتضمن محتوى ً
نقدي ا لأليديولوجيا الحاكمة ـ كالنقد (املحتشم) للمركب الصناعي-العسكري في الرجل
الحديدي ـ فإن شكل توظيفها للستثناء البطولي ُيبطل هذا املحتوى النقدي ،ومن ّ
ثم ينتهي بها الحال إلى تبرير التوجهات
املحافظة للسياسات الراهنة .ففي هذه األفلم ،حتى لو تسبب االستثناء البطولي في بعض الشاكل ،فإنها تعتبر ضرورية بشكل
أساس ي لقضية العدالة ،التي قد تخسر ببساطة من دونها.
والحال ،أن علقة البطل باالستثناء البطولي هي التي تشكل أساس البطولة الحقيقية .فلو اتخذ البطل موضع االستثناء
بوصفه الواجب الصعب الذي يتعين عليه تأديته في سبيل تحقيق الخير األكبر (وهو موقف الرجل الحديدي والرئيس بوش
وسوبرمان ومعظم األبطال الخارقين) فستغدو الحالة االستثنائية غاية في حد ذاتها ولن تنقطع الحاجة إليها ً
أبدا .لكن لو اتخذ
البطل موضع االستثناء بوصفه واجب إجرامي ،بوصفه ضرورة تخرجه من نطاق البطولة بالكلية (موقف باتمان هنا) ،فسيغدو
ً
عوضا عن انتاجه للمزيد من الظلم .إن فيلم نوالن يبين لنا أن البطولة الحقيقية تظهر بالضرورة في ً
خادما للعدالة االستثناء
مظهر الشر.
8
اإليتيقا بوصفها مزحة
ُ ّ تمسكنا بالقانون معيوب ًإن العدالة تحتاج إلى استثناء ألن ّ
دوما من البداية .والعديد من النظرين الذين تناولوا مسألة علقة
الذات بالقانون قد واجهوا هذه اإلشكالية نفسها .فرويد على سبيل الثال يرى أن أساس خضوعنا للقانون يكمن في الحسد ـ
حسد اآلخر على تلبيته لرغباته ـ وهو األمر الذي من شأنه أن يشوه ال محالة كل الترتيبات االجتماعية .وبالثل ،يرى كانط أن
إخلصنا للقانون ليس إخلصا للقانون من أجل القانون وإنما لدوافع باثولوجية (أي نفعية) أخرى .فحتى لو أننا أطعنا القانون
على نحو مبدئي وغريزي فإننا نفعل ذلك ألسباب غير صحيحة (أي ال تتعلق بطاعة القانون بما هو كذلك).
فعندما نوجد كذوات ،نحن نفعل ذلك ككائنات شريرة على نحو راديكالي (جذري ،أصلي) ـ أي كائنات تفعل الخير من أجل
أسباب شريرة .نحن نساعد الجار من أجل االعتراف (التقدير ،االمتنان ).. ،الذي سيمنحنا إياه؛ نحن نتطوع في الدرسة حتى
نظهر كآباء ملتزمين؛ نحن نتصدق بالال لتخفيف كارثة حلت بآخرين حتى ال نشعر بالذنب حيال مستوى حياتنا الريح ً
ماديا؛
ً
استعصاء على االجتثاث .يقول وهكذا .وهذه هي ،عند كانط ،الشكلة األساسية التي تواجهها األخلقية وضرب الشر األشد
ً
شارحا:
إن اإلنسان (حتى األفضل من بينهم) شرير ،فقط ألنه يقلب النظام األخلقي لحوافزه الضمنة في قواعد سلوكه.
صحيح أنه ُيضمن في هذه القواعد القانون األخلقي إلى جانب قانون حب النفس؛ لكن بمجرد ما أن يتبين له أن اإلثنين
(القانون األخلقي وحب النفس) ال يمكن لهما أن يكونا على قدم الساواة وإنما ال بد ألحدهما أن يكون ً
تابعا لآلخر
باعتباره شرطه األعلى ،فإنه يجعل حوافز حب النفس وميولها شرط االنصياع للقانون األخلقي ـ في حين أن هذا األخير
وبوصفه الشرط األعلى الضابط لتلبية األولى ،كان من التعين أن ُيضمن في قاعدة السلوك العامة التعلقة باالختيار
بوصفه الحافز الوحيد13.
بالرغم من أن كانط يعتقد أننا نمتلك القدرة على التحول من كوننا كائنات شريرة راديكاليا إلى كائنات أخلقية ،إال أنه يرى أننا ال
نستطيع اإلفلت من ضرب من الشر الراديكالي األصيل يدفعنا إلى وضع الحوافز النابعة من محبتنا ألنفسنا فوق القانون ومن
ثم يمنعنا من أن ننصاع للقانون من أجل القانون14.ّ
يكشف وجود هذا الشر الجذري في قلب االنصياع للقانون عن القصور الجوهري الذي يعاني منه القانون .ليست
الشكلة ،وكما فهم كانط ذلك بشكل صحيح ،هي أن القانون ليس بمقدوره أن يتغلب على ميل طبيعي إلى حب النفس وإنما هي أن
القانون ال يمكن أن ينشأ إال على خلفية الشر الجذري (طاعة القانون ألسباب شخصية وليس من أجل القانون نفسه) .فمن
دون هذه الخلفية لن يكون ثمة قانون .ينبني القانون إذن على الشر الذي يتوخى محوه .وهكذا فإن أغلب طاعة القانون األخلقي
هي ،في عين كانط ،شر جذري ـ أي طاعة من أجل األسباب الخاطئة.
ثمة على الدوام عدم اتزان بين القانون واإلجرام .ألن اإلجرام ُمضمن في القانون نفسه في شكل طاعة ضالة ،وال يوجد
قانون يمكنه أن يحرر نفسه من االعتماد على شر هذه الطاعة .وتنشأ اإليتيقا التبعاتية (consequentialist؛ التي ترى أن
13 Immanuel Kant, Religion Within the Boundaries of Mere Reason, in “Religion Within the Boundaries of Mere Reason,” and Other
Writings, trans. and ed. Allen Wood and George di Giovanni (New York: Cambridge University Press, 1998), 59.
استعدادا ّ
خيرا ،ومهما تصرف في حياته وفق هذا االستعداد ،فإن اإلنسان ينطلق من الشر ،وهذا دين من الستحيل ً 14أو كما يقول كانط" :مهما كان لديه
عليه أن يقضيه" .الرجع نفسه ص .88
9
أخلقية فعل ما تحدد على أساس تبعاته وأثاره فحسب) ،كضرب من التسوية مع هذا الشر الجذري الثاوي في قلب القانون.
فبالنسبة لهذا الوقف اإليتيقي ،ما يهم هو الغاية ـ طاعة القانون ـ وليس الوسائل الشريرة التي قادت اإلنسان إلى هذه الغاية.
ويسود أولئك الذين يقبلون بالتسوية مع الشر الجذري في املجتمع ،ويشكلون القاعدة السلوكية .إنهم ينصاعون للقانون عندما
ضروريا لكنهم يفعلون ذلك بغرض إشباع بعض الحوافز الصادرة عن محبة الذات .إن أخلقيتهم هي أخلقية ً يكون ذلك
حسابات فيها يكون لألفعال قيمة على حسب النفع النهائي الذي تحققه والصلحة التي تخدمها .أما من يطيع القانون من أجل
ً
استثنائيا. ً
شخصا القانون فيغدو
والحال ،أن باتمان والجوكر كلهما موجودان خارج أخلقية الحسابات هذه التي يتبعها البوليس والواطنون النصاعون
للقانون وعالم الجريمة في جوثام .كلهما استثناء ألنهما يستمسكان بكود أخلقي يتعارض مع حوافزهما الصادرة عن حب النفس
وينتهك أي أخلقية تبعاتية .فعلى الرغم من أن باتمان يحاول أن ينقذ جوثام والجوكر يحاول أن يدمرها ،وعلى الرغم من أن
باتمان يكرس نفسه للعدالة والجوكر يكرسها لنقيضها ،إال أن كليهما يتشاركان موقفا يتجاوز اإليتيقا الحسابية والقاصرة
ُ
الشرعة من طرف القانون نفسه .إن االختلفات بينهما تحجب خلفها علقتهما التشابهة مع أخلقية كانطية .وعبر هذا التشابه
القائم بينهما ،يوضح نوالن الدور الذي يلعبه الشر ً
حتما في البطولة الحقيقية.
والحق ،أن الجوكر هو مساهمة نوالن األهم في قصة باتمان .بالطبع هذه الشخصية موجودة من قبل فيلم نوالن بكثير ،بل
قد ظهرت حتى في أول فيلم عن باتمان الذي أخرجه تيم بيرتون في ،1989ناهيك عن وجوده في القصص الصورة والسلسلت
ً ً ً
فعوضا عن أن يظل مجرد جديدا في فارس الظلم. التليفزيونية .إنه العدو األساس ي لباتمان .لكن نوالن قد أعطى الجوكر شكل
مجرم هزلي ،أضحى الجوكر الركز اإليتيقي للفيلم ،وقد أضحى كذلك ألنه اختلق( )fictionمحض من دون أية حقيقة مؤسسة،
ّ
مظهر محض من دون أي وجود واقعي .إن خلق هذه الشخصية يمثل لحظة محورية في الفحص السينمائي الذي يقدمه نوالن في
جميع أعماله للكذب واالختلق.
إن الجوكر ،وليس باتمان ،هو من يقدم التوصيف األشد فصاحة للموضع اإليتيقي الذي يشغلنه ً
سويا .إنه ينتصب في
مواجهة اإليتيقا التبعاتية والنفعية التي تحكم جوثام ،ويحاول أن يحلل هذه اإليتيقا حتى يتسنى له فهم ما يدفع البشر إلى تبنيها.
فكما يراها الجوكر ،شتى املجموعات في جوثام ،وبالرغم من اختلفاتها الظاهرة ،منغمسة جميعها في إيتيقا واحدة يسميها
بناء على صحة أو خطأ الفعل نفسه وإنما بغرض بـ"التخطيط والتدبير األخلقي الخفي" ( .)schemingأي أنهم ال يتصرفون ً
تحقيق هدف ما نهائي .وبفعلهم ذلك ،يحطون من شأن أفعالهم ويجردوها من أساسها من الحرية (أي االختيار املحض للقيام
عبدا لهدف تدبيره بفعل ما أو عدم القيام به من دون الطمع في جني ش يء من وراءه) .إن التدبير والتخطط يجعل صاحبه ً
وخطته.
وواقع األمر أن مشكلة التدبير والتخطيط ليست ،في نظر الجوكر ،مشكلة أخلقية بقدر ما هي مشكلة إستاطيقية
(جمالية) 15.فعندما يفكر الرء في الفعل من جهة الغاية التي سيحققها ،فإنه يجرد بذلك نفسه من استقلليتها .وأثناء حديثه في
ً
الستشفى مع دينت ،بعد تشوه وجه األخير ،وضح الجوكر قائل:
15النقد االستاطيقي التي يقدمه الجوكر لألخلقية التي تحكم الشخصيات األخرى ،يردد صدى إدانة نيتشه لا يسميه بأخلقية العبيد .ولقد جعل نوالن
ً الرابط بين الجوكر ونيتشه ً
جليا أثناء السطو على البنك في افتتاحية الفيلم .فأثناء وضعه لقنبلة يدوية في فم مدير البنك ،قال له الجوكر معدال لواحدة من
10
ليس لدي خطة .العصابات لديها خطة ،البوليس لديه خطة .أتعرف ما أنا عليه يا هارفي؟ أنا ككلب أطارد السيارات ،وال
أعرف ماذا سأفعل إذا ما أمسكت بواحدة منها .إنني أفعل ما أفعله فحسب .أنا مجرد عقبة ،لقمة في الحلق .أنا أكره
الخطط .خططك وخططهم وخطط كل أحد .ماروني لديه خططه .وجوردن لديه خططه .ذوي الخطط يحاولون أن
ً
خططا .وإنما أنا ّ
أبي ن للمخططين كم هي محاوالتهم للسيطرة على األشياء يبسطوا سيطرتهم على عالهم .أنا لست ُم
شخصيا ،فاعرف أنني أخبرك بحقيقةً مثيرة للشفقة .وهكذا عندما أقول لك أن ما حدث لك ولخليلتك لم يكن ً
شأنا
األمر.
إن الجوكر ينكر هنا صراحة أنه يبتغي أية هدف من وراء نشاطه اإلجرامي ،وهو ما يفصله بشكل حاسم عن املجرمين اآلخرين في
يعرض حياته للخطر الفيلم .وهو ما يمنحه حرية ال أحد غيره ،خل باتمان ،يتمتع بها .فبمقدوره أن يحرق أكوام من النقود أو أن ّ
ألنه ال يفكر في أفعاله من جهة الغايات التي ستحققها له .إنه يهرب مما يسميه كانط بالـ ( heteronomyالتبعية اإليتيقية؛
عوضا عن التصرف وفق ما يمليه الواجب اإليتيقي) حتى يحقق ما يسميه كانط بالـ autonomy ً تصرف الرء وفق هواه ورغباته
عوضا عن التصرف وفق هواه ورغباته)16.(االستقللية اإليتيقية؛ تصرف الرء وفق ما يمليه الواجب اإليتيقي ً
وفقا لكانط ،اإلنصياع للقانون من أجل تحصيل هدف أو مصلحة ما ،يترك الرء ،في نهاية الطافُ ،م ً
جردا من حريته .فكما ً
يقول في كتابه أساس ميتافيزيقا األخلق" ،لو توخت اإلرادة من القانون أي ش يء سوى ضبط قواعد سلوكها ـ وبالتبع ،لو ذهبت
إلى ما وراء ذلك ،واتبعت القانون ال من أجل القانون نفسه وإنما من أجل غاية ما ـ فإن الـ heteronomyتنتج حينها على الدوام.
واإلرادة في هذه الحالة ال تهب نفسها للقانون ،وإنما تهب القانون ،بما يحققه من هدف ،إلى نفسها عوضا عن ذلك" 17.بالرغم من
ً ً
نموذجا على أخلقيته ،إال أن األخير يتجنب إعلء أي هدف فوق القانون ،على خلف ،مثل، أن كانط لم يكن ليتخذ من الجوكر
الواطنين النصاعين للقانون في الفيلم .لكن قانون الجوكر ،هو قانون لم يكن لكانط أن يعترف به .فالجوكر يرتكب الشر من
مقوالت نيتشه" :أعتقد أن ما ال يقتلك ببساطه يجعلك ...أغرب" (مقولة نيتشه األصلية هي ما ال يقتلك ببساطة يجعلك أقوى .ولنلحظ التشابه اللفظي بين كلمتي
أغرب وأقوى في االنجليزية ـ strongerو.)stranger
ُ
شخصا من العسير فهمه ،حتى بالنسبة لباتمان .ففي أول األمر ،فهمه باتمان باعتباره مجرد مجرم آخر يريد أن يثري نفسه ،لكن ألفريد ً 16وهو ما يجعله
شخصا مثل الجوكر .وعبر قصه من ماضيه ،طرح ألفريد فكرة أن ً (مايكل كاين) أشار إلى إمكانية فشل هذا التأويل في أن ُيمسك بالدوافع الحقيقية التي تحرك
الجوكر يفعل من أجل الفعل نفسه وليس من أجل هدف متوخى من وراء الفعل كالال مثل .لقد أخبر بروس وين بالتالي:
كنت أنا وصديق لي نعمل لصالح الحكومة املحلية .وكانت األخيرة تسعى إلى كسب والء قادة القبائل عبر رشوتهم عندما كنت في بورما ،منذ أمد بعيدُ ،
ُ
باألحجار الكريمة .لكن كارافاناتهم (منازلهم التحركة) كان ُيغار عليها من طرف قاطع طريق في غابه في الشمال من رانجون .وقد طلب منا أن نعالج هذه
الشكلة ،وبالتالي شرعنا في تقفي أثر األحجار الكريمة .لكننا وبعد ستة شهور لم نستطع العثور على أي شخص قام بشرائها من قاطع الطريق هذا.
ً
وذات يوم لقيت طفل يلعب بياقوته في حجم برتقالة .لقد كان قاطع الطريق يرميها.
فسأله باتمان :لاذا كان يسرقها إذن؟
فأجاب ألفريد :ألنه كان يرى في ذلك تسلية ممتعة .ألن بعض البشر ال يسعون وراء أي ش يء منطقي ،مثل الال .وهؤالء ال يمكن شرائهم وال ترهيبهم وال
إقناعهم بالحجة وال التفاوض معهم .بعض البشر يريدون فقط أن يروا العالم يحترق.
يحاول ألفريد هنا أن يعلم بروس أن حسابات الصلحة ال يمكنها أن تكون دوما تفسيرا للشر ،إذ ثمة شر إبليس ي ( ،)diabolicalبتعبير كانط ،أي شر من أجل الشر،
شر يجد بهجته في القيام بفعل الشر نفسه.
17 Immanuel Kant, Groundwork of the Metaphysic of Morals, in Practical Philosophy, trans. and ed. Mary J. Gregor (New York: Cambridge
11
أجل الشر ـ بأن يكون "عقبة ،لقمة في الحلق" ،كما قال لهارفي دينت ـ وهو األمر الذي يشير إلى موقف إيتيقي يعتقد كانط أنه
مستحيل الوجود :الشخص الشرير على نحو إبليس ي (18.)diabolically
إن الجوكر وباتمان يتمتعان بمكانة استثنائية في الفيلم ألنهما يرفضان الـ heteronomyالتي تنتج عن التصرف بناء على
كرسا نفسيهما لبدأ إيتيقي ويتبعانه حتى نقطة النهاية .بالنسبة لباتمان هذا البدأ هو محاربة حسابات الغاية .إنهما شخصان ّ
الظلم وبالنسبة للجوكر هو خلق الفوض ى .وحتى عندما يلحق هذا البدأ الضرر بهما أو يهدد سعادتهما ،يظلن مستمسكان به.
ففي مناسبات عدة ،رحب الجوكر بموته كجزء من مسعاه لنشر الفوض ى ،وباتمان ال يتحمل األلم الجسدي الذي يعانيه من
أيضا غياب أي تقدير لا يفعله .فليس من المتنع عليه أن يكشف عن أن بروس جراء قتاله ضد الظلم وحسب ،وإنما يتحمل ً ّ
ً ً
ومجرما .حتى ريتشل الشخص الوحيد من خارج وين هو باتمان وحسب ،وإنما عليه في نهاية الفيلم أن يتقبل أيضا كونه منبوذا
دائرته الذي يعرف هويته الحقيقية ليس بمقدورها أن تحبه بحق ألن إخلصه االستثنا ئي لكافحة الظلم يصيره غير قادر على
الوجود في علقة حب .إن باتمان والجوكر كلهما معزوالن بالكلية ألنهما يوجدان على مستوى إيتيقي مختلف عن الستوى
اإليتيقي الذي يوجد فيه باقي شخصيات الفيلم19.
وبالرغم من أن باتمان والجوكر يشغلن نفس الوضع االستثنائي .يكشف نوالن عن األولوية اإليتيقية للشخص الشرير
ّ
منهما أي الجوكر .فالجوكر يمض ي إلى أبعد من باتمان في ابتغاء موقف ايتيقي ُيغلب الفعل نفسه على عواقبه .فعلى خلف
باتمان ،ال يحتفظ الجوكر بهوية رمزية (بالعنى اللكاني لكلمة رمزي ،أي هوية اجتماعية ببساطة)يخفيها تحت مكياجه .وبهذا
ً
صريحا بين القناع والكياج .فإذا ما أزال الرء قناع باتمان سيكتشف هويته الحقيقية .أما مكياج ً
تعارضا العنى ،يقيم الفيلم
ً
الجوكر فل يخفي هويته الحقيقية ،وإنما هو يشهد على غيابها عوضا عن ذلك .فكل ما يمثله الجوكر في هذا العالم موجود في
مظهره .إنه اختلق ( )fictionمحض من دون أية حقيقة كامنة تحته.
والواقع أن حالة مكياج الجوكر طوال الفيلم لتكشف عن أن وظيفته ليست هي إخفاء هويته الحقيقية .فحتى في أول مرة
ً
رأينه فيها أثناء السطو على البنك لم يكن الكياج األبيض الذي يغطي وجهه كامل .فالتجاعيد على جبهته كان بها فراغات كشفت
عن جلده العاريً .
وتاليا أثناء استجوابه في قسم الشرطة ظهر الزيد من الفراغات في الكياج األبيض ،واللون األسود حول عينيه
يشوه منظره ،إال أن التحلل التدريجي لكياج الجوكر لم يزعجه ً
أبدا ولم يهدده بانكشاف انتشر فوق جبهته .وعلى الرغم من أنه ّ
هويته.
18كما الحظت ألينكا زوبانجج ،اتباع منطق كانط األخلقي يقودنا إلى االستنتاج التالي :بنية الشر اإلبليس ي هي نفس بنية االنصياع للقانون األخلقي (فعل
الشر من أجل الشر واالنصياع للقانون من أجل القانون) .وبحسب زوبانجج ،فإن نبذ كانط إلمكانية وجود الشر اإلبليس ي ـ أي الشر من أجل الشر ـ نابع من اعترافه
اللوعي بهذه الوحدة البنيوية .تقول" :الشر اإلبليس ي ،الشر األعظم ،غير قابل للتمييز عن الخير األسمى ،فكلهما ليس سوى تعريفان لفعل (إيتيفي) ُمنجز.
وبعبارة أخرى ،على مستوى بنية الفعل اإليتيقي ،الفرق بين الخير والشر غير موجود .فعلى هذا الستوى ،الشر غير متمايز شكليا عن الخير" .انظر كتابها ethics of
عوضا عن ذلك ،ليشمل األفعال ً the real: Kant, Lacanصفحة .92والحال ،أن استنتاج زوبانجج هذا لم يدفعها إلى نبذ قانون كانط األخلقي وإنما إلى توسعته،
فوفق ا لها يكتسب الشر اإلبليس ي مكانة أخلقية ألنه ينتج عن محو كل الرغبات والحسابات الباثولوجية (بالعنى الكانطي للكلمة). ً الشريرة على نحو إبليس ي.
وبمقدورنا أن نرى الشر اإلبليس ي باعتباره شكل من األخلقية في شخصية مثل أنطون شيجر (خافير بارديم) في فيلم ال مكان للرجال العجائز ( )2007لألخوين
كوين .فعلى الرغم من أنه يتصرف بل رحمة ويقتل العديد من الناس إال أنه يتصرف ضد مصلحته الشخصية كذلك بسبب اخلصه لدافعه الشرير.
ً ً
مستشهدا بشكل حرفي بالتعبير 19تجلت الرابطة بين باتمان والجوكر في مناسبات ع ّدة .مثل عندما استجوب باتمان الجوكر في زنزانته ،قال له الجوكر،
الشهير عن علقة الحب الرومانس ي من فيلم جيري ماجوير ( )1996لكاميرون كرو" :أنت تكملني".
12
لكن المباالة الجوكر هذه بمكياجه تدفعنا للتساؤل عن السبب الذي جعله يضعه من األساس .ليس الهدف من الكياج هو
خداع اآلخرين بالعنى التقليدي للكلمة وإنما هدفه ً
عوض ا عن ذلك هو إخفاء الحقيقة التالية :أنه ليس لديه ما يخفيه .إنه يخدع
شخصيات الفيلم ألنهم يعزون أفعاله إلى دوافع معينة في حين أن هذه األفعال ليس لها أية دوافع سوى نفسها .أي أن الجوكر
يفعل من أجل الفعل نفسه وليس من أجل دفع مظلمة وقعت عليه وال تحقيق هدف يرنو إليه .وهذا التكرس التام للفعل نفسه
يهبه حرية ال تتمتع بها أية شخصية أخرى في الفيلم حتى باتمان .فأثناء استجوابه من طرف باتمان ،كان بمقدوره أن يقول وبكل
مصداقية" :ليس بحوزتك أي ش يء يمكنك أن تهددني به" .فالجوكر يفعل ما يفعله من دون أي انشغال بأهداف ما ،ومن دون أية
ُ
هوية يمكن لهذه األفعال أن تستغل من قبل أي أحد لتهديدها.
هوية (أو انعدام هوية) الجوكر هذه تشهد على التزامه بالفعل نفسه .فبخلف باقي شخصيات الفيلم (ومن ضمنها باتمان)
ليس لديه هوية يسعى الفيلم لكشفها .فنوالن قد ترك شخصية الجوكر ـ أصوله ودوافعه واسمه الحقيقي ـ ً
لغزا بالكامل بالنسبة
ّ للمشاهدين ،لكن ليس ً
لغزا من النوع الذي يمكن للمرء أن يتوصل إلى حله .فاللغز نفسه هو الحل .فحتى عندما قبض عليه
فردا على سؤال العمدة عم يعرفونه عن الجوكر ،قال جوردن" :ال البوليس ،لم يستطيعوا أن يعثروا على أية معلومات عنهً .
ش يء .ال يوجد ،DNAوال بصمات .الثياب مصنوعة بالطلب ،ليس عليها علمات تجارية وال ماركة .ال ش يء في جيوبه سوى
ً
مؤشرا على أن الجوكر قد نجح سكاكين وشاش .ال يوجد اسم .وال حلفاء آخرين ".هذا الغياب التام ألية معلومات تعريفية ليس
في إخفاء هويته الحقيقية ،وإنما هي مؤشر على أنه ليس لديه هوية ليخفيها .ف ليس ثمة شخص حقيقي تحت الظهر الخادع.
يبين الفيلم باإلضافة إلى ذلك أنه حتى العلومات التعلقة بسيرة الجوكر الذاتية ليست سوى مظهر محض .ففي مناسبتين،
ً مشوها .عندما نسمع التوصيف األول ،يبدو ً ً ً ّ
وصفا معقوال لصدمة في الطفولة. توصيفا للكيفية التي غدى بها وجهه قدم الجوكر
ً
فعندما كان يستعد لقتل رجل العصابة جامبل ،شرح قائل " :أتريد أن تعرف كيف حصلت على هذه الندوب؟ إليك ما جرى ،لقد
ً ً ً ً
متجاوزا للمعتاد .وعمدت أمي إلى سكينة الطبخ ووحشا ال يعرف الرحمة .وفي إحدى الليالي اشتط في جنونه سكيرا، كان أبي رجل
لتدافع عن نفسها .فلم يعجبه ذلك .لم يعجبه على اإلطلق .وعلى مرأى مني ،راح يطعنها بالسكينة بينما هو يضحك ،والتفت إلي
وكرر :لاذا أنت متجهم؟ ثم غرس نصل السكين في فمي وقال :دعونا نرسم وقال :لاذا أنت متجهم؟ لقد جاء إلي والسكين في يده ّ
بسمة على هذا الوجه" .صور نوالن شرح الجوكر هذا في سلسلة من اللقطات القربة التبادلة على كل من الجوكر وجامبل.
والشدة التجلية على وجه الجوكر توحي بصدق هذه القصة .وعندما قتل جامبل على الفور بعدها بتمزيق وجهه ،بدا أن الدافع
األساس ي لهذا الفعل هو العنف الذي تعرض له الجوكر عندما كان ً
صبيا.
شيئا عن ماض ي الجوكرمغايرا .وهذه النسخة الثانية تبين لشاهدي الفيلم أنهم ال يعرفون ً
ً ً
توصيفا لكن ً
تاليا قدم الجوكر
شوهت وجهه .فعندما اقتحم حفلة جمع التمويل من أجل دينت ،أمسك بريتشل وأخبرها القصة التالية: وال عن الصدمة التي ّ
علي أن ابتسم ً
مزيدا .هي التي كانت تعاقر القمار لقد كان لي زوجة ،جميلة ،مثلك ،أخبرتني بأنني مفرط في قلقي .وأن ّ
وتورطت حتى أذنيها مع الرابين .انظري إلي! في يوم من األيام مزقوا وجهها .ولم يكن لدينا الال الكافي إلجراء العمليات
الجراحية لها .لم يمكنها تقبل ذلك .وأردت فقط أن أراها تبتسم مرة ثانية .أردت فقط أن تعرف أنني ال أعبأ بندوبها.
فغرزت شفرة حلقة في فمي وفعلت ذلك في نفس ي .أتعرفين ما جرى عندها؟ لم تستطع تحمل منظري ورحلت .واآلن أرى
الجانب الطريف لا جرى .أنا مبتسم على الدوام.
13
وعلى النقيض من الشهد األول ،حيث يروي الجوكر قصته في سلسلة من اللقطات القربة ،يحكي الجوكر قصته في هذا الشهد
ّ
تعقبية تدور بزاوية 360درجة حول الجوكر وريتشل .هذا التحول الشكلي في تصوير شرح الجوكر يساعد على تبديل ولقطة
استجابة الشاهدين له.
والحال أن توصيف الجوكر األول الذي يحكي تعرضه في طفولته إليذاء بشع من طرف والده ،ليضرب على أوتار التفسيرات
معقوال ،وإن لم يكن ًً ثم هو يقدم ًالراهنة لإلجرام العنيف ،ومن ّ
مبررا بالكامل ،ألفعال الجوكر اإلجرامية .وشكل الفيلم سببا
أثناء هذا الشرح يعطيه الزيد من الصداقية .فاللقطات القربة التبادلة لوجه الجوكر ووجه ضحيته تسجل جدية ما يقوله.
واضحا بجلء .فاللقطة التعقبية ً لكن عندما يحكي تاريخ ندوبه مرة ثانية بمضمون جديد ،يبدو افتقار هذه التأريخ للجدية
الدوارة بزاوية 360درجة ،تخلق عدم اتزان عند الشاهد ،مناسب للكشف عن أن الجوكر ال يحكي بالفعل تاريخ ندوبه .نحن
ً
وصحيحا على ما يبدو لتاريخه إلى اللقطة التعقبية الدوارة بزاوية 360درجة ً
مباشرا ننتقل من اللقطات القربة التي تقدم ً
وصفا
التي تجس د الراوغة في الكلم التجلية في سماعنا لنسخة جديدة من القصة .والفيلم ال يمدنا بأية سبيل يمكننا من الحكم على
عوض ا عن ذلك ،هو أن أصل الندوب ليس باألمر الهم وال بذي البال. القصتين أيهما صحيحة وأيهما خاطئة ،وإنما ما يقوله لناً ،
تفسيرا ألفعاله اإلجرامية 20.إن أفعاله ال يمكن لها أن ُترد إلى
ً إن الجوكر يستخدم قصة أصل الندوب ليصدم ويرعب ال ألن يقدم
الدوافع الكامنة ورائها وتختزل فيها ،وعلى مدار الفيلم يحاول الجوكر أن ينشر االحترام اللئق بهذه األفعال.
وألن الجوكر يبغض أخلقية التخطيط (األخلقية التبعاتية) ويريد أن يدمرهاُ ،يجري سلسلة من االختبارات التي من شأنها
وهدد بأنه سيفجر مستشفى فأكره باتمان على االختيار بين إنقاذ هارفي دينت أو ريتشل دوس؛ ّ أن تتحدى قدرة هذه األخلقيةَ .
ُ ً ّ َ
فجرا يمكن ركاب كل منهما من الشخص الذي هدد بفضح هوية باتمان؛ وأعطى قاربين مغادرين لجزيرة جوثام م إذا لم يقتل أحد
تفجير القارب اآلخر ،ووعد بأن يفجر االثنين بنفسه مالم يفجر أحدهما اآلخر قبل منتصف الليل .وهذا االختبار األخير يمهد
السبيل ،في واقع األمر ،لواطني جوثام لكي يتجاوزوا أخلقية الحسابات كما يفعل الجوكر .وتبدو مشكلة القاربين أنها تعرض
معضلة أخلقية بسيطة .فلو فكر الرء بمنطق أكبر مصلحة ألكبر عدد من الناس ـ لو تبنى الرء موقف املخططيين األخلقيين ـ
فمن الجلي أن أحد القاربين عليه أن يفجر اآلخر ومن ثم يحول دون إفناء جميع من على القاربين .وبما أن أحد القاربين مملوء
بمجرمين واآلخر ممل وء بمواطنين عاديين ،فإن العضلة اإليتيقية التي يطرحها الجوكر تبدو سهلة الحل 21.لكن نوالن يصور لنا
ً ً
نبذا ألخلقية املخططين هذه وهو ما يبدو في أول األمر تمثيل للخداع السردي الذي يجده الرء عادة في أفلم هوليوود.
والحال أن الفعلين اإليتيقيين اللذان يصلن بالفيلم إلى أوجه يبدو أنهما يؤشران على ابتعاد عن الحافة النقدية التي
سابقا وعلى استسلم ألخلقية عاطفية ترى الخير الكامن في قلب اإلنسانية .وبوسع الرء أن يرى خاتمة فارس أظهرها الفيلم ً
الظلم كنسخة جديدة من خاتمة فيلم إنها لحياة رائعة ( )1946لفرانك كابرا ،التي هب الناس فيها إلنقاذ جورج بالي (جيمي
عوضا عن تحمل مسئولية قتل ركاب ً قرر ركاب كل القاربين أن يتقبل موتهما ستيوارت) من الدمار الالي .ففي فارس الظلم ّ
القارب اآلخر .لكن على العكس من كابرا ،قد ّ
عقد نوالن البعد اإليتيقي لهذه األفعال .إذ بدأ ببيان اللأخلقية الطلقة للدعاوى
األخلقية النفعية أو التبعاتية التقليدية .فالواطنين الدنيين على أحد القاربين بدؤوا بالتوكيد على حقهم األخلقي في تدمير
20ندوب الجوكر وتفسيراته التضاربة لها ليس لها أية سلف في قصص باتمان الصورة وال أفلم باتمان السابقة على فيلم فارس الظلم .فالذكور ً
سابقا أن
التشوه ال يتضمن ً
ندوبا تمتد من فمه. ّ شوه وجه الجوكر ،وهذامواد كميائية حارقة هي ما ّ
21أشد الدافعين ضراوة عن اإليتيقا النفعية في الثقافة العاصرة هو مسلسل .24ففيه يواجه العميل الفيدرالي جاك بور سلسلة من العضلت اإليتيقية
يحولها باستمرار إلى مسائل ّ
كمية لكي يصل إلى القرار اإليتيقي الناسب.
14
قائل" :لقد حظوا بفرصتهم"ً .ً
ووفقا لهذه مجموعة املجرمين الوجودة على القارب اآلخر .أحد الركاب حاجج لصالح هذا الرأي
ً
الحجة ،ارتكاب الرء لجريمة ما يجعله أقل استحقاقا للنجاة من الوت .فإذا كان على أحد الجماعتين أن تموت لكي تنقذ األخرى ـ
هذه هي القاعدة التي أرساها الجوكر في هذا االختبار ـ فإنه سيكون من الواضح للمواطن النصاع للقانون أية جماعة ينبغي أن
ُ
تعيش وأيهما ينبغي أن تباد .فل أحد من الدنيين قد حاجج ضد تفجير قارب املجرمين ،ومن الجلي أن حججهم لم يكن لها أية
علقة باألخلقية وإنما كانت متعلقة ً
تماما بنجاتهم.
وعلوة عل ذلك ،يفضح الفيلم العلقة الضد إيتيقية بالكامل بين الفعل اإليتيقي ومؤسسات الديموقراطية .فالسؤول
مدفوعا بطلب صريح من أحد الركاب ،وبإخلصه أليديولوجيا الديمقراطية على األرجح ـ أن يصوت ً على قارب الدنيين قرر ـ
الركاب على تفجير القارب اآلخر .وكما يبين الفيلم ،فإن مجرد فعل التصويت على مسألة كهذه ليشدد على عدم لياقة هذا النوع
من االستجابة .لكن عندما فرز السؤولون األصوات وتبين أن األغلبية ( 396ضد )140اختارت تفجير قارب املجرمين ،نرى بجلء
أن اإلجراءات الديمقراطية (كاالقتراع العام) ليس لها أية مكانة إيتيقة على اإلطلق .بل واقع األمر أن التصويت السري يسمح
عوضا عن مواجهتها .فالفيلم يصور أحد الركاب وهو يصوت ويسلم الورقةً لكل شخص بأن يبتعد عن صدمة القرار اإليتيقي
بكل حزم ،بينما تكشف لقطة أخرى عن الصراع العاطفي الذي يعتمل في نفس مصوت آخر أمام هذه الشكلة األخلقية .لكن
الطريقة التي صور بها نوالن هذين الراكبين ـ ومعالجته لعملية التصويت ككل ـ طافحة بالسخرية .فكل الوقفين حيال التصويت
يعملن فقط على توضيح عبثية التصويت على تفجير قارب آخر عاج بالناس .فالتصويت آلية قاصرة غير صالحة لحسم قرار
من هذا الحجم.
والحال ،أن الفعل اإليتيقي لم يقع عبر اإلدالء التعجل باألصوات على قارب الدنيين وإنما عبر االستحواذ الثوري على
السلطة على قارب الساجين .أثناء األزمة ركز نوالن العديد من اللقطات على مجموعة من السجناء الضخام مجتمعين سوية
ص ّور بها السجناء ُتبرز خطرهم :إذ يحدقون
يتآمرون على ما يبدو ألخذ الفجر من بين يدي السئولين على القارب .والطريقة التي ُ
بنظرة متوعدة في السؤولين؛ ويهمسون لبعضهم البعض؛ وعلى وجوههم تعبير قاطب وحازم .هذه العلمات الرئية باإلضافة إلى
سابقا بأنهم مجرمين خطرين توحي بأنهم يخططون للستحواذ على الفجر ومن ّ
ثم تفجير القارب اآلخر في أن الفيلم قد أبلغنا ً
سبيل الحفاظ على حياتهم .لكن الفيلم قد قلب الطاولة على توقعات الشاهد.
فقائد ثلة املجرمين هذه اقترب من الحارس الذي يحمل الفجر وواجهه .وأظهرت لنا لقطة للنظرة الرعوبة على وجه
الحارس كيف أن هذا السجين قد روعه ،ليس ألنه خائف من أن يتغلب عليه السجين وإنما ألنه يعتقد أن السجين ُ
سيكرهه على
ً
فعل ما يريد هو فعله على أية حال :تفجير القارب اآلخر .وما جرى هو أن السجين قد نهر الحارس قائل" :إنك ال تريد أن تموت
لكنك ال تعرف أي ش يء هو إزهاق نفس" .وعقب قول السجين ذلك قطع نوالن الشهد ً
عائدا إلى القارب اآلخر حيث يقول أحد
الدنيين" :هؤالء الرجال على القارب اآلخر قد حسموا اختياراتهم" .ويبدو أن تتابع الشاهد التقاطعي هذا ُيرس ي ً
نوعا من التكافؤ
األخلقي :بالرغم من أن السجين أكثر صراحة حيال استعداده ألن يقتل من أجل أن يعيش ،إال أن الدني يتخذ الوقف عينه.
عائدا إلى قارب السجناء ،يطرح السجين حجته األخيرة قبل أن يأخذ الفجر من الحارس ،إذ يقول" :أعطه وعندما يقطع الفيلم ً
لي .بوسعك أن تخبرهم أنني قد أخذته منك عنوة .أ عطه لي ،وسأفعل ما كان يتعين عليك فعله قبل عشر دقائق خلت" .تضع هذه
ً ّ
عوضا عن ذلك نراه يأخذ الفجر الكلمات اللمسة األخيرة على الرأي القائل بأن السجين يخطط لتفجير القارب اآلخر ،لكن
قاضيا بذلك على فرصته في النجاة .وفي لقطة مقربة تالية نرى الدني الذي تطوع على القارب اآلخر للضغطً ويرمي به في الاء،
على زر التفجير ُيرجعه بلطف إلى صندوقه مرة أخرى.
15
لم يتصرف الدنيين والساجين كلهما بطريقة مضادة لصلحتهما (أن يموتوا مغبة رفضهم لقتل آخرين) وفقط وإنما
ً
فطبقا للقواعد اللعبة التي وضعها الجوكر ،إن لم يفجر أحد القاربين اآلخر ،سيفجر هو بطريقة مضادة ألية حسابات عقلنية.
وفقا ألي حسابات للمصلحة النهائية ،سيكون من اإلثنين .ورفض هذا الرهان يتطلب رفض أخلقية الحسابات برمتها ألنه ً
عوضا عن تدميرهما معا .هنا يكشف نوالن عن أن مجموعة من الناس الغمورين بوسعهم أن يقوموا األفضل نجاة أحد القاربين ً
ثم املحافظة على ّ
انك)كابرية ( )Capraesqueـ ومن ّبفعل إ يتيقي عظيم ،لكن ما ينقذ هذا التصوير من أن يغدو ضرب من الـ (فر
استيهام أيديولوجي ،يسمح للمشاهد بأن يترك الفيلم وهو ّ
متيقن من الخيرية الجوهرية للطبيعة البشرية ـ هو الوقع الذي وضع
فيه الفعل اإليتيقي وماهية العوامل التي تعمل ضده.
فمصدر الفعل اإليتيقي ليس هو االقتراع العام (الذي سار صراحة ضد التصرف على نحو إيتيقي) ،وال هو األم الطيبة
الساعية لحماية أوالدها (والتي حاججت لصالح تفجير القارب اآلخر) ،وال هم الحراس ممثلي السلطة (الذين غدوا عاجزين،
وغير قادرين على اتخاذ أحد القرارين) .وإنما السجين ،رمز اإلجرامً ،
عوضا عن ذلك ،وحده هو من كان ً
قادرا على القيام باإليماءة
اإليتيقية .والجوكر نفسه هو في نهاية الطاف مصدر هذا العرض اإليتيقي الذي نراه في آخر الفيلم .فبتدبيره لوقف إيتيقي
وفقا لنطق الحسابات ،يكون الجوكر قد منحهم الفرصة للقطع مع هذا النطق .لقد بغيض ،توقع أن يتصرف الناس فيه ً
ً
مأخوذا إلى نقطة نهايته ،وهو ما يخلق الفرصة للرتداد عن هذا النطق ،وهو ما جرى واجههم بمنطق حساباتهم وتخطيطهم
بالفعل.
إن الجوكر هو الركز اإليتيقي لـفارس الظلم ألنه استطاع أن يتحدى منطق الحسابات األخلقية الهيمن على جوثام ،وأن
ً
يبين أن عالا آخر ،عالم ال تكون األفعال اإليتيقية فيه جزء من الحسابات التخطيطية ،هو عالم ممكن .بالطبع قام الجوكر
وفجر مستشفى؛ وقتل ما ال ُيحص ى من الناس؛ ونحو ذلك .وبوضعه في بأشياء مريعة :طعن رجل بالقلم الرصاص في عينه؛ ّ
ً
عوضا عن ذلك أن يبين أن ثمة الركز اإليتيقي للفيلم ،لم يرد نوالن أن يبرئ الجوكر من هذه األفعال أو أن يحتفي بها .وإنما أراد
قدر ضروري من العنف خلف كل األفعال اإليتيقية .إذ أن عليها أن تمحو بعنف عالم الحسابات الهيمن الذي يؤسس ويفسد
كل طاعة للقانون .على الرغم إذن من أن الجوكر نفسه هو رمز للشر في الفيلم ،إال أن عنفه يستهدف الشر الجذري الكامن في
الطاعة العادية للقانون ـ أي حقيقة أننا نطيع القانون ،كما الحظ كانط ،ألسباب أخرى سوى القانون نفسه .إن شر الجوكر
يوفر األساس ألية بطولة إيتيقية ألنه يكشف عن شر الحسابات الذي يحدد علقة الذات بالقانون ويسعى إلى محوه .وبذلك هو
يشكل األرضية التي يمكن للفعل اإليتيقي أن يظهر عليها.
16
عالقا في حسابات الصالح؛ من دون قناع الشر الطاف قناع شر" 22.فمن دون قناع الشر ال يمكن للخير أن يظهر وسيظل ً
تحديدا هو ما يكشف عنه هارفي دينت ،بالرغم من ً سيظل الخير مجرد تخطيط أخلقي ( -)schemingبلغة الجوكر .وهذا
ً
اإلمكانية التي يراها فيه باتمان ألن يكون ممثل لشكل مثالي من البطولة.
رمزا للخير النقي .وهذه الخيرية تسمح له بأن ال يكون ً
أبدا في حيرة على مدار الجزء االفتتاحي من الفيلم ،يبدو هارفي دينت ً
من أمره فيما يتعلق بما يتعين عليه قوله أو فعله .حتى عندما حاول رجل عصابات أن يطلق عليه النار في محاكمة علنية ،أخذ
السدس بكل هدوء من الرجل ولكمه في وجهه .وبعد هذه اللكمة نرى على محياه سكينة تامة ،بالرغم من كونه قد تعرض ًتوا
تيقنه التام من أن األحداث ستجري ً
طبقا لخططه .والسرعة التي َمنتج بها نوالن تهديد ملحاولة قتل .وينبع هذا الهدوء البارد من ّ
رجل العصابات ورد فعل دينت تقلل إحساس التفرج بالخطر إلى حدوده الدنيا .فتهديد حياة دينت يختفي ً
تقريبا قبل أن نشعر
بوجوده ،وهو ما يوحي بافتقار هذا التهديد لسمة الواقعية بالنسبة لدينت وللمتفرج على حد السواء .إن مشهد املحكمة هذا
ً
يكرس دينت بوصفه بطل ال يمكن ألحد أن ُيلحق به األذى .في القابل ،وعلى نحو ساخر ،بدا البطل الخارق في الفيلم ،باتمان،
غير محصن ،ففي أول مرة ظهر فيها عضته الكلب بالرغم من كل دروعه .هذا التمييز في الحصانة بين كل من دينت وباتمان
ً ً
حقيقيا. يوضح لا ال يمكن لألول أن يكون بطل
على النقيض من باتمان ،ال تتضمن بطولة هارفي دينت تجربة الفقد؛ بل هي مؤسسة في واقع األمر على إنكار إمكانية الفقد
نفسها .فبروس وين اتخذ لنفسه هوية باتمان بعد صدمة السقوط في كهف مآلن بالوطاويط وصدمة فقد والديه ،بينما بطولة
دينت لم تحركها تجربة فقد صادم كهذه .إنه يتحول إلى بطل من خلل التوحد الباشر مع الخير ،وهو ما يمكنه من التمتع بهذا
النقاء الذي يفتقر إليه باتمان .ليس ثمة رحيل ثم عودة تالية تحرك التزام دينت بالعدالة .ويمكنه الجهر علنية بأفعاله البطولية
ألنه يؤديها بطريقة نقية ،من دون اللجوء إلى قناع الشر .لكن زيف هذا التوحد الباشر مع الخير يبدو ً
جليا في إنكار دينت للفقد،
وهو ما وضعه نوالن في العادة التي تسم شخصية دينت :ميله لتقليب العملة من أجل حل العضلت.
ففي العديد من الناسبات ،يعمد إلى تقليب عملة (أهداها له والده) حتى يدخل إمكانية الخسارة على أفعاله .فبتقليب
العملةُ ،يقر الرء بأن األمور قد ال تسير وفق الخطة ،وأن الطرف اآلخر قد يفوز ،وأن الخسارة هي إمكانية حاضرة على الدوام.
عوضا عن أن تكون حتمية إال أنه يمثل ً
أيضا وبالرغم من أن تقليب العملة يمثل محاولة للسيطرة على الخسارة بجعلها عشوائية ً
ً ّ ً
متأخرا على استجواب شاهد أساس ي في قبوال بواقع كون الرء عرضة للخسارة .أول مرة قلب فيها دينت العملة هي عندما كان
املحاكمة ،وتقليب العملة كان بغرض تعيين أيهما سيستجوب الشاهد ،هو أم معاونته ريتشل .وعندما سألته ريتشل كيف يسعه
مهم ا كهذا بين يدي الصدفة ،أجاب دينت" :أنا أصنع حظي بنفس ي" ،وبعد ذلك مباشرة حاول رجل العصابات أمرا ً
أن يترك ً
إطلق النار على دينت وفشل في محاولته ،وهو األمر الذي يشدد على حصانة دينت مزيدا.
ولقد ربح دينت في تقليب العملة هذه والتقليبات التالية في الجزء األول من الفيلم ألنه كان يستخدم عملة منحازة لنتيجة
بعينها ،عملة ذات وجهين متماثلين .عندما يتعلق األمر بتقليب العملة إذن ،فإن دينت يصنع حظه عن طريق محو عنصر
الصدفة .إن العملة التي يستخدمها تضمن له تجنب إمكانية الخسارة .هذه العملة بمثابة حيلة بارعة نعم ،لكنها تمثل ً
أيضا
ً
معادال ً
مادي ا الفتقار دينت للبطولة الحقيقية .إن مباشرة بطولة دينت ال يمكنها أن تحتمل أية وساطة ،فبمجرد ما دخلت
ً
مجرما. الخسارة إلى عالم دينت ،اختفت بطولته وأضحى
22 Slavoj Žižek, Violence: Six Sideways Reflections (New York: Picador, 2008), 66.
17
تحول هارفي دينت بعد تشوهه تحول درامي بشكل ال ُيصدق .ففي يوم هو الدافع املحض عن العدالة بينما في اليوم إن ّ
التالي هو قاتل مهتاج مستعد إلطلق النار على األطفال األبرياء .قد يعزو الرء هذا التغير السريع إلى ضرب من التعجل واإلهمال
من طرف نوالن ،إلى حرص على االنتقال بسرعة مفرطة إلى لحظات توتر الفيلم الختامية .لكن سرعة هذا التحول تدل على ما
جدا وناشزة بشكل صادم .إنها تدعونا للنظر بأثر رجعي في علقة دينت بالقانونهو أكثر من ذلك في واقع األمر ألنها تبدو متكلفة ً
كما تبدت في بداية الفيلم.
لقد أضحى دينت الشرير ،ذي الوجهين ،بعد تشوهه ،لكن بفعل ذلك يكون قد تلبس ،في واقع األمر ،بالهوية التي كونها عنه
محقق ا في شأن الضباط اآلخرين ،استحق دينت لقب "ذي ً قسم الشرطة حينما كان يعمل في قطاع الشئون الداخلية .فباعتباره
الوجهين" بإصراره على النقاء الطلق وباستهدافه ألية علمة على فساد رجال البوليس .حتى جوردن ،وهو الضابط غير الفاسد
ُ
بالطبع ،قد اشتكى لدينت من التأثيرات الشلة لهذه التكتيكات على عمل قسم البوليس .فمن ناحية ،يبدو أن التشديد على
إيتيقيا غير حسابي على نحو متسق .فبمقدور الرء أن يتصور كيف أن التشديد على النقاء ً النقاء من طرف هارفي دينت ً
موقفا
يعيق الهدف طويل األمد التمثل في تطبيق أفضل للقانون (وهو ما يدفع جوردن لعارضته) .لكن على الناحية األخرى ،طلب
دائما ما يخلفه الفشل .فالبطل النقي يغدو بسرعة ً
مجرما عندما تمزق تجربة فقد هذا النقاء. النقاء ً
فردا على هذا االستعراض السافر لإلجرام حدث ذلك أول مرة عندما ُقتل جوردن ،على ما يبدو ،في جنازة مأمور الشرطةً .
ً
مستخدم ا لخدعة العملة كوسيلة للتعذيب النفس ي .وبالرغم من العلني ،اعتدى دينت على أحد الشتبه بهم وهدده بالقتل حتى،
اويا على قتل الشتبه به إال أن باتمان قد تدخل في هذا االستجواب الخاص ووبخ دينت على أساليبه .وهذا أن دينت لم يكن ن ً
أيضا تبعات نمط البطولة الذي يمثله .إن دينت تاليا في الفيلم ،لكنه يبين ً
الشهد يعطينا أول إلاحة على ما سيصير إليه دينت ً
يلجأ إلى التعذيب ألنه ال يمتلك مساحة أ نطولوجية الختبار الفقد .وعندما يحدث الفقد ،تنحرف بطولته بالكلية عن الصراط.
ً
صادم ا على وجود دينت .وقد بين نوالن تبعات هذا التغير من خلل التغير الذي أدخل موت ريتشل وتشوه وجهه ً
فقدا
جرى لعملته أثناء االنفجار الذي قتل ريتشل .لقد أحرق االنفجار أحد وجهي عملة دينت التماثلين (التي رماها لريتشل عندما
ثم غدت ،بواسطة قوة االنفجار الصدمية ،عملة ذات وجهين مختلفين .يشير الفيلم هنا إلى كانوا يأخذونه إلى السجن) ،ومن ّ
الكيفية التي ُتدخل بها الصدمة الفقد إلى العالم والكيفية التي يمحو بها ذلك كل يقين ذاتي (امتلكه دينت عندما كان يصنع عبر
العملة ذات الوجهين التماثلين حظه بنفسه).
ّ
عندما يقلب دينت باعتباره ذي الوجهين العملة التي لم تعد متماثلة الوجهين ،فإن هذا الفعل يتخذ داللة جديدة بالكلية.
متيقنا من نتيجة تقليب العملة .لقد قلب العملة الجديدة ليقرر ما إذا كان سيقتل ً فعلى خلف الوضع ً
سابقا ،هو لم يعد
الجوكر في الستشفى ،وما إذا كان سيقتل املحقق فيرتز في الحانة ،وما إذا كان سيقتل املحقق رميرز في زقاق .ومن بين الثلثة
ً مقتوال ،لكن دينت قتل ًً
أيضا ضابطا آخر ،وقائد العصابة ماروني مع بعض من رجاله .وانتهى هذا وحده فيرتز من انتهى به الحال
ُ ً ً ً
الهياج بدينت متخذا من عائلة جوردن رهائن ومهددا بقتل األعز منهم على قلب األخير .لقد أضحى دينت قاتل لكي يذيق اآلخرين
من كأس الفقد الذي تجرعه هو حتى الثمالة :لقد أخبر جوردن بأنه يريد أن يقتل األعز عنده حتى يشعر بما شعر هو به (عندما
قتلت ريتشل).
وبعد موت دينت ،ينتهي الفيلم بباتمان وهو يتحمل مسؤولية جرائم القتل التي ارتكبها دينت ،حتى ينقذ سمعته العمومية،
ومن ّ
ثم يحافظ على صورة البطل العلني .فباتمان وجوردن كلهما اعتقدا أن هذه اإليماءة ضرورية إلنقاذ الدينة ولإلبقاء على
18
أمل تحقيق العدالة .عندما يقول جوردن" :جوثام تريد بطلها الحقيقي" ،نرى لقطة له وهو يقلب وجه دينت ليخفي الجانب
أبدا وهو حي :قناع بطولة سيخفي إجرامه.قناعا لم يكن ليرتديه ً
املحترق ويظهر الجانب السليم .بعد موته ،سيرتدي دينت إذن ً
ً
كما يصورها الفيلم ،هذه الكذبة ـ النقاء ممكن ـ تمثل شرطا ال غنى عنه للوجود االجتماعي .فمن دون فكرة أن الرء بمقدوره أن
إيتيقيا ،ال يمكن لحسابات الصالح أن تزحزحه عنه ،قد تصير الدينة ً
مرتعا لإلجرام23. ً يتخذ ً
موقفا
لكن الهم الحقيقي لخاتمة الفيلم يتعلق بباتمان وبالظهر الذي تتخذه بطولته .يبدو األمر أن باتمان لم يتحمل مسؤولية
جرائم دينت لكي ينقذ دينت وإنما لكي يلطخ صورته بلطخة شر ال تمحى .لقد تعين على باتمان أن يكذب ،هو ال يزال البطل
جذري ا .فلكي يضمن أن دينت سيموت كبطل عليه أن يتحمل مسئولية جرائمه ويعيش ً االستثنائي ،لكن بذلك قد تغيرت مكانته
هو كمجرم .وبهذه اإليماءة ،يرتدي باتمان قناع الشر بحق .في اللقطات الختامية ،نرى البوليس يطارده ،وجوردن يحطم شارة
وأخيرا باتمان يغرق في ظلمة الليل فوق دراجته اآللية .وأثناء هذه اللقطات الختامية نسمع صوت جوردن وهو يقول: ً الباتمان،
"إنه البطل الذي تستحقه جوثام ،ولكن ليس البطل الذي تحتاجه اآلن .ولذلك نحن سنطارده ،ألن بمقدوره أن يتحمل ذلك،
ً
ألنه ليس بطل .وإنما هو حارس صامت ،حامي ساهر ...فارس ظلم" .وبينما ينطق جوردن الكلمة األخيرة ،يقطع الفيلم إلى لقطة
ً
تحديدا مظلمة لصورة باتمان فوق دراجته .والحال ،أن ميلودرامية كلم جوردن هذا ُلتصعد من بطولة باتمان ،لكنها تفعل ذلك
ألنه ّ
تقب ل أن يظهر كشرير .هذه اإليماءة ،حتى أكثر من أي من أفعاله الادية الباسلة ،هي إيماءة البطل الحقيقي ،ألنها تتركه من
دون أي اعتراف ببطولته أو تقدير لها .فبالنسبة للبطل الذي يظهر في صورة الشر ،البد أن يكون االستثناء البطولي غاية في حد
ذاته من دون أي طمع في أية مكافئة أكبر .وعندما يتخذ االستثناء هذا الشكل ،يتجنب الخطر الذي يحدق بالبطل التقليدي.
فقناع الشر يسمح للستثناء أن يبقى لكن من دون تكثير نفسه .وبتبنيه لهذا الوقف في نهاية الفيلم ،يكشف باتمان عن أنه قد
ّ
تعلم الدرس من الجوكر وفهم أهمية القطع مع منطق الحسابات .إن دينت البطل الذي أراد أن يظهر كبطل ،انحط إلى شرير
قاتل ،لكن باتمان ،البطل الذي تقبل أن يظهر كشرير ،حافظ على السبيل الوحيد المكن للبطولة االستثنائية.
أما بعد ،ففي حقبة يتجلى فيها قصور القانون وعجزه بوضوح ،تغدو الحاجة إلى البطولة االستثنائية أكثر صراحة .لكن
خطورة االستثناء لم تتجل ً
أبدا بوضوح أكثر مما هي عليه اآلن .إن إعلنات حالة االستثناء تغمر عالم اليوم ،وهي تسمح لنا برؤية
العواقب السلبية التي تنجم عن االستثناء ،مهما كانت النوايا من ورائه بطولية .إن التفرجين يحتشدون لشاهدة أفلم البطل
ً
الخارق بحثا عن استثناء بطولي يمكنهم تبنيه ،استثناء يمكنه أن يعمل على تحقيق العدالة لكن من دون أن يعزز الظلم في
الوقت عينه كما هو حال استثناءات عالم اليوم الفعلية .وفي فارس الظلم يقدم باتمان صورة صالحة للستثناء البطولي :إن
مظهر البطل البد أن يكون نقيض البطولة إذا ما أراد أن يتجنب التورط في الظلم الذي يسعى لكافحته .إن البطل الحقيقي
الوحيد هو الذي يكذب حيال بطولته .وعليه فالدرس الذي ينبغي الستثناءات عالنا الفعلية أن تتعلمه هو درس صعب :ف ً
عوضا
أن ُيحتفى به باعتباره محرر العراق ،ومنقذ الحرية األمريكية ،سيكون على جورج بوش أن يحث في الكواليس على رفع التهم ضده
أمام محكمة العدل الدولية باعتباره مجرم حرب ،وعندها سيكون عليه أن يفر هارًبا في شوارع الهي (مقر املحكمة) حيث تطارده
23عند سلفوي جيجك ،تقبل الفيلم عند هذه النقطة للكذبة االجتماعية ،يؤشر على رضوخه لأليديولوجيا .فدونما مواربة ،هو يزعم أن "فارس الظلم هو
آية على ردة أيديولوجية معممة" .انظر:
Living in the End Times (New York: Verso, 2010),61.
19
السلطات هناك ً
(تماما كما جرى لباتمان في شوارع جوثام ) .ففي أعين الناس ،البد لألبطال الحقيقين أن يكونوا مطابقين للشر
الذي نحاربه.
ولكي يفعلوا ذلك ،على هؤالء األبطال أن يلتزموا بالخداع والتخفي كما يلتزمون بالحقيقة .فمن دون الكذب ،قد يكون ثمة
ً
ظاهرا في صورة املجرم ،ألن نوالن يدرك القدرة التحريرية التي نقاء لكن لن يكون ثمة بطولة .إن فارس الظلم ينتهي بباتمان
يتمتع بها االختلق ( .) fictionفمن خلل االختلق الذي يمثله الفيلم ،استطاع أن يخلق لحظات استثناء فيها يمكن للمشاهدين
أن يهربوا من نطاق القانون ،لكنه في الوقت عينه حال دون حدوث توحد بين االستثناء والقانون ،وهو األمر الذي يحدث في عالنا
كلما أعلن شخص ما "حالة الطوارئ".
20