Professional Documents
Culture Documents
أخلاق اللصوص
أخلاق اللصوص
حرموا "
سرقة الفقراء والنساء والجيران واستحلوا أموال
مانعي الزكاة
قبل 18ساعة
،أنا النار ،أنا العار ،...لو كلمني الفيل لم يخرس ،أو ...أنا الموج الكدِر ،أنا القفل العسِر"
البحر لم ييبس ،أو عضني الكلب لم يضرس ،أو رآني النمرود لم يتقدس ،أصدقائي أكثر
من خوص البصرة ،وخردل مصر ،وعدس الشام ،وحصى الجزيرة ،...وحنطة
الموصل ،...وزيتون فلسطين"؛ هكذا قدّم أحد لصوص العرب نفسه في معرض إبراز
قدراته ،وفقا لما يرويه أبو سعد اآلبي الرازي (ت 421هـ) في كتابه ‘نثر الدر في
‘.المحاضرات
وهذا الكالم العجيب -فيما يبدو -جزء من لغة خاصة اندثرت كانت متداولة بين جماعات
كبيرة من اللصوص والعيارين والشطار والدُّعّار ،وهي أسماء مترادفة لفئة من أهل
.الشغب أزعجت العديد من الحواضر العربية الكبرى مثل بغداد ودمشق والقاهرة
وفي هذا المقال؛ سنحاول أن نقترب من فئة منهم كانت تحترف اللصوصية في المجتمع
واإلزعاج العام للسلطات ،وكانت جزءا من حركة عارمة أفرزتها عوامل عدة ،بينها
.تفاوت الدخل بين طبقات المجتمع ،وزيادة الترف في الحياة االجتماعية والسياسية
لحظة الميالد
يرى الدكتور عبد العزيز الدوري (ت 2010م) أن ظهور فئة العيارين والشطار –أو
اللصوص -ببغداد في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث كانت وراءه فكرة
كبرى ،هي قضية العدل االجتماعي التي بدأت تختمر في تلك الحقبة ،وأن جذور حركة
هؤالء -وإن كان ظاهرهم أنهم عصابات تسطو على األسواق وبيوت األغنياء -تعود إلى
رغبة الطبقة المنكوبة ماليا في أخذ ثأرها من ال ُمثْرين.
ومن رأي الدوري -في كتابه ‘تاريخ العراق االقتصادي في القرن الرابع الهجري‘ -أنه
خالل القرن الرابع الهجري استمر العيارون والشطار مصدرا لبالء بغداد حيث قاموا
بجمع الضرائب ،لكن "مما يجلب االنتباه أن كثيرا من العلويين والعباسيين كانوا في
صفوف العيارين".
منظم لجماعات العيارين واللصوص في لحظة حرب أهلية شديدة الخطورة بدأ أول ظهور ّ
وقعت بين األخوين الخليفة األمين (ت 198هـ) وولي عهده المأمون (ت 218هـ) ،ودارت
رحاها خمس سنوات في محيط عاصمة الخالفة العباسية بغداد.
وقد حاول المؤرخ الطبري (ت 310هـ) أن يقدم إلماعات بسيطة عن تلك الفئة التي تدخلت
في تلك اللحظة ،حيث الحظ أن تلك الفئة تولت قيادة المقاومة الشعبية ضد اجتياح جيش
المأمون لبغداد ،وانحازت في القتال إلى جانب األمين ،خصوصا بعد أن تخاذل عنه الكثير
من قواده وجنوده "فذلوا وانكسروا وانقادوا ،وذلت األجناد وتواكلت عن القتال ،إال باعة
الطريق ..وأهل السجون واألوباش والرعاع والطرارين وأهل السوق" .هذا في الوقت
الذي انسحب من المعركة كثير من الطبقات واألعيان ،وسعوا لتأمين مصالحهم عندما
مالت كفة ميزان الصراع نحو المأمون.
وقد رصد الطبري والعديد من المؤرخين عدة وقائع لهذا الصراع الدامي ،ولعل أشدها
كانت تلك التي دارت رحاها في باحة ‘قصر صالح‘ ببغداد ،وكان سببها هروب قائد
شرطة بغداد محمد بن عيسى الذي طلب األمان من طاهر بن الحسين الخزاعي (ت
207هـ) قائد جيش المأمون ،وكان بصحبة الفرق التي تقاتل مع صاحب الشرطة فيلق من
"أهل السجون واألوباش" ،وكانت لحظة عصيبة على األمين أشرف فيها على النهاية؛
بحسب ما يقوله الطبري.
وهنا استبسل اللصوص أشد ما يكون االستبسال خصوصا أن أم األمين زبيدة بنت جعفر
العباسية (ت 216هـ) كانت في موضع الخطر ،و"أقبلت الغواة من العيارين وباعة الطرق
واألجناد ،فاقتتلوا داخل قصر صالح وخارجه إلى ارتفاع النهار" .والحقيقة أن هذه لم تكن
مجرد موقعة عادية بل كانت هي األشد واألخطر على جيش المأمون ،إذ "لم تكن وقعة
قبلها وال بعدها أشد على طاهر وأصحابه منها ،وال أكثر قتيال وجريحا ..من أصحاب
طاهر من تلك الوقعة".
شكلت حرب النزاع على عرش الخالفة العباسية بين األمين والمأمون البداية الحقيقة
)الجزيرة(لنشأة ظاهرة تنظيمات العيارين في التاريخ اإلسالمي
تنظيمات محكمة
تمتع هؤالء القوم ببنية قوية وأكسبتهم الحياة الصعبة والنوم في الخالء صالبة ،فكانوا
يتحملون األلم الشديد ويتبارون في استعذاب الجلد بالسياط ،وكانوا أصحاب مران عجيب
على تحمل األلم ،حتى قيل عن أحدهم "لو ادعى النبوة و[جعل] أن معجزته الصبر على
الضرب بالسياط ألدخل ..به شبهة عظيم"؛ على حد تعبير الراغب األصفهاني (ت
502هـ) في كتابه ‘محاضرات األدباء‘ .لقد كان يُضرب المثل بتحملهم حتى إن جالدي
طار" ،أي فاقهم في
ش َ أحمد بن حنبل (ت 241هـ) كانوا يقولون "لقد بطل أحمدُ بن حنبل ال ُّ
الصبر على الضرب وذلك أيام محنته ليقول بخلق القرآن.
عرف عنهم وكان إمام السنة أحمد يدعو ألبي الهيثم الطرار وكان أحد اللصوص الذين ُ
الصبر على سياط الشرطة ،ولما سأله ولده عن سر دعائه لهذا اللص أجابه" :لما مددت
للسياط إذا برجل يجذب ثوبي من خلفي وقال :يا ابن حنبل ،أما تعرفني؟ قال :قلت :ال ،قال:
ضربت ثمانية عشر ألف سوط تحملتها من أجل الدنيا ومن أنا اللص الطرار أبو الهيثمُ ،
أجل الشيطان ،أفال تصبر أنت لطاعة الرحمن؟".
وكان لجماعات العيارين زعماء يتخذون لهم أسماء و ُكنَى عجيبة؛ فقد أورد الطبري في
أحداث سنة 251هـ -أسماء لبعض قادتهم منهم "ينتويْه ويكنى أبا جعفر[ ،كما] يُدعى
ضها أبو
أحدهم دونل ،واآلخر دمحال ،واآلخر أبا نملة ،واآلخر أبا عصارة" .ويذكر بع َ
حيان التوحيدي (ت بعد 400هـ) في ‘اإلمتاع والمؤانسة‘؛ حيث قال إنه كان "من العيارين
قواد ،وأشهرهم :ابن كبرويه ،وأبو الدود ،وأبو الذباب ،وأسود الزبد ،وأبو األرضة ،وأبو
النوابح".
وبحسب وصف المؤرخ المسعودي (ت 346هـ) لطرائق حروبهم؛ فإنهم كانوا ينتظمون
في جماعات تحت إمرة قادة ميدانيين لهم فكان "على كل عشرة منهم عريف ،وعلى كل
عشرة عرفاء نقيب ،وعلى كل عشرة نقباء قائد ،وعلى كل عشرة قواد أمير" .ويبدو أنهم
كانت لهم الحرية في انتخاب قادتهم؛ إذ يسجل الطبري أنه في سنة 251هـ "رأّس العيارون
عليهم رجال يُدعى ‘ينتويْه‘ ويكنى أبا جعفر ،...لم يزل رئيسا على عياري الجانب الغربي
[من بغداد] ،حتى انقضى أمر هذه الفتنة".
وقد ظهرت تشكيالت العيارين العسكرية أيضا في سنة 251هـ خالل الحرب على عرش
الخالفة بين المستعين باهلل (ت 252هـ) وابن أخيه المعتز باهلل (ت 255هـ)؛ فعندما حوصر
المستعين في بغداد -مثل حصار األمين -استنجد بالعيارين وفرض لهم األموال ،وجعل
عليهم رئيسا هو ‘ينتويه‘ اللص المتقدم ذكره.
حرب عصابات
وصف المسعودي –في كتابه ‘مروج الذهب‘ -أسلوب العيارين القتالي فقال إنهم "كانوا
يقاتلون عراة في أوساطهم التبابين والميازر" (‘التبابين‘ جمع تُـبّان وهو السروال القصير
جدا ..و‘الميازر‘ جمع مئزر وهو اإلزار) ،وقد وضعوا على رؤوسهم ُخوذات من
الخوص ودروعا " ُحشيت بالرمل والحصى".
وقد أبرزت الحروب األهلية بين الخلفاء العباسيين المقدرة القتالية لتلك الفئة بحيث تبدو
قريبة من نظام حروب العصابات المعروف اليوم ،وهو نظام قتالي مرهق عادة ألي جيش
نظامي.
اعالن
وينقل لنا مؤرخون لحظة مواجهة بين هذين النمطين من التشكيالت القتالية؛ فقد قال
الطبري إن قائدا خراسانيا من جيش المأمون كان يوصف بالبأس خرج إلى القتال "فنظر
عراة ال سالح معهم" ،وهو يقصد هنا فيلق اللصوص الذين كانوا يقاتلون وهم إلى قوم ُ
عراة ،وكان ذلك من تقاليدهم المعروفة التي ال يزال بعضها يسري في بعض البالد فيما
يعرف بـ"البالطجة".
استحقر القائد الخرساني هؤالء المقاتلين فردّ عليه جنوده قائلين إنهم "هم اآلفة" في
المعارك ،وكان هذا الوصف نابعا من هول ما القوه من قتال هؤالء العراة ،فتعجب القائد
لنكوص جنوده وهم "في السالح الظاهر ،والعدة والقوة ،...والشجاعة والنجدة".
وفي إحدى جوالت القتال بين الفريقين؛ تقدم فارس نظامي محترف إلى أحد اللصوص
وأخذ يقذفه بالسهام ،واللص يقفز ويستتر بشكل بهلواني ،بل إنه كان يجمع السهام التي
تطلق عليه ،وظل الحال هكذا حتى نفدت سهام المحارب وه ّم أن يضربه بسيفه ،فما كان
من اللص إال أن أخرج من "مخالته حجرا فجعله في مقالع ورماه فما أخطأ به عينه ،ثم
ثنّاه بآخر فكاد يصرعه عن فرسه لوال تحاميه ،وكر [الفارس النظامي] راجعا وهو يقول:
ليس هؤالء بإنس"!!
ويروي لنا التوحيدي -في ‘اإلمتاع والمؤانسة‘ -صورة أكثر قربا ألحد العيارين؛ فيقول إنه
"من غريب ما جرى أن أسود الزبد كان عبدا يأوي إلى قنطرة الزبد ،ويلتقط النوى
ويستطعم من حضر ذلك المكان بلهو ولعب ،وهو عريان ال يتوارى إال بخرقة ..وال يُبالَى
به ،ومضى على هذا دهر ،فلما ...وقعت الفتنة وفشا الهرج والمرج ،ورأى هذا األسود َمن
هو أضعف منه قد أخذ السيف وأعمله ،طلب سيفا وشحذه ،ونهب وأغار وسلب ،وظهر
سن جسمه ،...واأليام تأتي بالغرائب
ْك (= جلد) إنسان ،...وح ُ
منه شيطان في َمس ِ
والعجائب"!!
وقد وجد الشعراء تلك المناسبة للتعريف بالقوى االجتماعية الجديدة التي قامت على
عصبية مختلفة عن العصبية القبلية التي كانت سائد منذ عهود؛ إذ هم –على حد قول أحد
شعرائهم" -ال لقحطانها وال لنزار" ،بل هم محاربون جدد في "جواشن (= دروع)
الصوف" ،وال يأبهون إال لـ"طعنة الفتى العيّار (= اللص)".
تنظيمات الشطار والعيارين انتقلت من هامش اللصوصية التقليدية إلى صلب الصراع
)الجزيرة( داخل أجنحة السلطة فأتقنت حرب العصابات
أعداد ضخمة
والعجيب في أمرهم هو ضخامة عددهم طبقا لما رصده مؤرخون؛ فقد قال المسعودي إنه
"ثارت العُراة في ذات يوم في نحو مئة ألف (ومرة قال 50ألف) بالرماح والقصب
والطرادات من القراطيس على رؤوسها ،ونفخوا في بوقات القصب وقرون البقر،
ونهضوا مع غيرهم من المحمدية (= أتباع األمين العباسي) ،وزحفوا من مواضع كثيرة
نحو المأمونية (= أتباع المأمون العباسي) ،...وكانت [نتائج المعركة] للعُ َراة على
المأمونية إلى الظهر ،...ثم ثارت المأمونية على العُ َراة من أصحاب محمد فغرق منهم
وأحرق نحو عشرة آالف". ِ وقـُتل
هزه كثيرا مشهد جثث اللصوص والعيارين التي مألت الطرقات وصفحاتأحد الشعراء ّ
مياه النهر ،وكانت تدوسهم خيول جيش المأمون واألمين على السواء؛ فقال متحسرا:
طاهُ الخيول في الجانبين يا قتيل ‘العُ َراة‘ ُم ْلقَى على الشط ** ت َ َ
ما الذي كان في يديك إذا ما ** اصطـــــلح الناس أية الخَلتي ِْن
ويبدو أن هذه التقديرات العددية غير دقيقة إذا كانت تتعلق بلصوص عاديين ،والظاهر أنه
تقف خلف هؤالء فكرة ما توجههم أو تمنحهم الطاقة لكل هذا االستبسال واستعدادهم
للتضحية ،وأن ثمة ما يزيد تمرسهم العسكري وعنادهم القتالي؛ فهل هو السخط العام
والتفاوت في الدخل المادي فقط؟
والالفت أنه في إحدى اللحظات الحرجة حينما أطبق الخناق على األمين "دخل إليه
الصعاليك من أصحابه" ،وأشاروا عليه بأن يترك القصر مقدِّمين له ‘خطة خروج آمن‘ ِمن
بغدد ،وكاد أن يميل إلى رأيهم لوال أن طبقة أصحاب المصالح من ذوي المال أقنعوه
بالتخلي عن الفكرة ،خوفا من رد فعل جيش المأمون الذي هددهم بالعقاب في حال هرب
األمين؛ كما يقول المسعودي.
لصوص مثقفون
هناك ملمح آخر مهم يكشف لنا جانبا آخر في حياة اللصوص والعيارين ،حيث امتلك
بعضهم مستوى عاليا من الثقافة والتكوين األدبي بل إنهم ادّعوا امتالكهم قسطا من "الفقه"؛
فقد نقل لنا المحدّث المؤرخ الخطيب البغدادي (ت 463هـ) -في كتابه ‘تاريخ بغداد‘-
صورة عن "الثقافة الشرعية" ألحد هؤالء اللصوص ،كان قدمها في سياق نقاشه مع أحد
ضحاياه مستعينا بـآراء فقهية" ينسبها إلى اإلمام مالك بن أنس (ت 179هـ).
لص أحدَ أصحاب البساتين وأراد أن يسرقه ويأخذ مالبسه ،فاستمهله صاحب فقد استوقف ٌّ
البستان حتى يصل بيته ثم يرسل له مالبسه ،وأقسم له على صدقه في ذلك؛ فردّ عليه اللص
األيمان التي يُحلَف بها للصوص .قلت :فأحلف
ُ قائال" :إنا روينا عن مالك أنه قال :ال تـَلزم
أال أحتال في إيماني هذه؛ قال :هذه يمين مر ّكبة على أيمان اللصوص"!!
اعالن
صاحب البستان خالصة تاريخية في لبوس َ وتطور الحديث بينهما حتى منح "اللص الفقيه"
حكمة قال فيها" :تصفحتُ أمر اللصوص من عهد رسول هللا (ص) وإلى وقتنا هذا فلم أجد
وز ُرها و ْ
وز ُر َمن ي ْ لصا أخذ بـ[دَيْن] نسيئة ،وأكره أن أبتدع في اإلسالم بدعة يكون عل ّ
عمل بها بعدي إلى يوم القيامة ،اخلع ثيابك ،قال :فخلعتها ودفعتها إليه فأخذها
وأنصرف"!!
يفوت الجاحظ (ت 255هـ) فرصة الحديث عن هذه الفئة الخطيرة من المجتمع؛ وكالعادة لم ّ
فقد خالط العيارين واللصوص وسجل طائفة من أخبارهم ،ونقل عنهم بعض أفكارهم
وطرقهم في السرقة والحيل التي يستخدمونها في ذلك .ويبدو أنه كان "متعاطفا" مع بعض
جماعاتهم؛ إذ أورد ياقوت الحموي (ت 626هـ) "كتاب ‘أخالق الشطار‘" في قائمة
مؤلفات الجاحظ ،األمر الذي جعل أبا منصور البغدادي (ت 429هـ) يقول –في ‘الفَ ْرق بين
ال ِف َرق‘ -عن الجاحظ إن أفكاره المضمنةَ "كتا َبه في حيل اللصوص ..علّم بها الفسقة وجوه
السرقة".
المهارات القتالية للشطار والعيارين خولتهم تأسيس تشكيالت مسلحة لها قادة معروفون
)الجزيرة( ينظمون أعمال السطو والسرقة العلنية
تأويالت فقهية
أفرد القاضي أبو علي التنوخي (ت 384هـ) -في كتابه ‘الفرج بعد الشدة‘ -مبحثا للعديد من
قصص العيارين التي ظهر فيها أن دور الجاحظ لم يقتصر على رصده لتجارب
اللصوص ،بل إنه نقل مبرراتهم لما كانوا يفعلونه ،وهو ما تذرع به بعضهم الحقا أمام
ضحاياه .ومن ذلك هذه القصة التي وقعت لتاجر اسمه أبو أحمد الحارثي وقع هو وقافلته
التجارية في قبضة "أمير" لصوص يُدعى ابن سيار الكردي ،وكان اللص "بزي األمراء
[سمتُه] على فهم وأدب ..يروي الشعر ويفهم النحو".
طاع ..يدل ْ ال بزي القُ ّ
بدا للحارثي التاجر أنه وجد الطريق إلى قلب هذا اللص األديب فأنشده أبياتا يمدحه بها،
فرد عليه اللص قائال" :لست أعلم إن كان هذا من شعرك"! ثم قرر اللص أن يمتحن التاجر
الشاعر فألقى إليه ببعض القوافي وطلب منه أن ينشئ له شعرا على نسقها ،ففعل التاجر
أخذ منه فرده إليه مع
أخذ منك ألرده عليك؟" فذكر له ما ِ
وصدّقه اللص ثم سأله" :أي شيء ِ
متاع لبعض رفاقه في القافلة.
لم يضيّع الحارثي الفرصة وقرر أن يتعرف على حقيقة هذا اللص األديب ،وأن يفهم
الظروف التي ألجأته إلى تلك المهنة؛ فأجابه اللص بأنه قرأ في كتاب الجاحظ عن
اللصوص أن من أسباب ظهورهم في المجتمعات عدم إخراج التجار لزكاة أموالهم،
و"هؤالء التجار خانوا أماناتهم ومنعوا زكاة أموالهم ،فصارت أموالهم مستهلَكة بها،
واللصوص فقراء إليها ،فإذا أخذوا أموالهم -وإن كرهوا أخذها -كان ذلك مباحا لهم ،ألن
عين المال مستهلكة بالزكاة".
وظفه اللصوص ألخذ المال عنوة ،تماشيا مع قول وهنا نالحظ فكرة "التأول الفقهي" الذي ّ
شاعرهم:
وأسرق مال هللا من كل فاجر ** وذي بِ ْ
طنة للطيبات أ ُكول
وحين حاول الحارثي مجادلة اللص ابن سيار بشأن ما إن كان هؤالء التجار من مانعي
لزكاة؟ رد عليه اللص" :أنا أحضر هؤالء التجار الساعة ،وأريك بالدليل الصحيح أن
أموالهم لنا حالل .ثم قال ألصحابه :هاتوا التجار ،فجاؤوا .فقال ألحدهم :منذ كم أنت تتّجر
في هذا المال الذي قطعنا عليه؟ قال :منذ كذا وكذا سنة .قال :فكيف كنت تُخرج زكات َه؟
بكالم َمن ال يعرف الزكاة على حقيقتها فضال عن أن يخرجها.
ِ فتلجلج ،وتكلم
اعالن
ثم دعا آخر ،فقال له :إذا كان معك ثلث مئة درهم (فضة) وعشرة دنانير (ذهب) ،وحالت
عليك السنة؛ فكم تُخرج منها للزكاة؟ فما أحسن أن يجيب .ثم قال آلخر :إذا كان معك متاع
للتجارة ،ولك دَيْن على نفسيْن (= شخصين) أحدهما مليء واآلخر معسر ،ومعك دراهم،
وقد حال الحول على الجميع؛ كيف تخرج زكاة ذلك؟ قال :فما فهم السؤال ،فضال عن أن
يتعاطى الجواب .فصرفهم ،ثم قال لي :بان لك صدق حكاية أبي عثمان الجاحظ؟ وأن
هؤالء التجار ما ز َّك ْوا قط؟"!!
وقد نقل التنوخي االبن أيضا عن أبيه القاضي علي التنوخي قصة له مع أحد اللصوص
قطع عليه مرة الطريق ثم تبين أنه كان تربّى وهو صبي في دار آل التنوخي؛ فلما استفسره
عن سبب هذا التحول ،قال له" :يا سيدي! نشأت فلم أتعلم غير معالجة السالح ،وجئت إلى
ي هؤالء الرجال وطلبت قطع بغداد أطلب الديوان (= الجيش) فما قبلني أحد ،فانضاف إل ّ
ونزلني بحيث أستحق من الشجاعة وانتفع بخدمتي ،ماالطريق؛ ولو كان السلطان أنصفني ّ
كنت أفعل هذا بنفسي"!!
وضمن نزعة التبرير هذه؛ سادت في بعض الفترات معادلة اللص الفقير والسلطة الفاسدة،
ولذلك جاء في كتاب ‘محاضرات األدباء‘ للراغب األصفهاني (ت 502هـ) أن "اللص
أحسن حاال من الحاكم المرتشي والقاضي الذي يأكل أموال اليتامى" .وقال عثمان الخياط
–وهو أحد منظري تطبيع اللصوصية اجتماعيا -مخاطبا أتباعه من العيارين" :لم تزل
األمم يسبي بعضهم بعضا ويسمون ذلك غزوا ً وما يأخذونه غنيمة ،وذلك من أطيب
سكم غزاة ً كما س ّمى الخوار ُج
س ُّموا أنف َ
أغدر؛ ف َ
ُ الكسب ،وأنتم في أخذ مال الغدر والفَ َجرة
شراةً"!!
سهم ُ
أنف َ
ورغم إعجاب العامة وبعض الكتاب بسلوك هؤالء اللصوص؛ فإن الفقهاء رفضوا تماما
أي مبرر أو دافع للسرقة ،فقد اعتبر مثال ابن الجوزي (ت 597هـ) -في كتابه ‘تلبيس
فن من فنونإبليس‘ -أن منطق اللصوص والعيارين "األخالقي" في استباحة السرقات ٌّ
تلبيس إبليس عليهم ،وانتقد سلوك "العيارين في أخذ أموال الناس؛ فإنهم يس َّمون بالفتيان،
ويقولون :الفتى ال يزني وال يكذب ،ويحفظ ال ُح ُرم وال يهتك ستر امرأة ،ومع هذا ال
يتحاشون من أخذ أموال الناس".
ومنطق ابن الجوزي هنا مفهوم؛ فهو يرى أن "نبل الغاية" ال يمكن أن يكون مبررا للجوء
إلى الفاسد من الوسائل مثل السرقة والسطو وقطع الطرق ،ولكن سيظل هناك نقص في
قراءة المشهد اجتماعيا –ال شرعيا وأخالقيا -إذا أغفلنا الظروف التي دفعت هؤالء الى
اللصوصية.
كثيرا ما وظف "المثقفون" من الشطار والعيارين معارفهم العلمية واألدبية لتبرير ما
)الجزيرة( يقومون به من سلب ألموال الناس
قواعد الصنعة
بعض
ُ سها
كان عند بعض اللصوص والعيارين قوانين ومبادئ يتحاكمون إليها ،وضع أس َ
المنظرين والمو ّجهين "الفكريين" لجماعات اللصوص والعيارين في تلك الفترة ،كان من ّ
أبرزهم عثمان الخياط السالف الذكر ،الذي وصفه اآلبي الرازي -في ‘نثر الدر‘ -بأنه كان
"من كبار الفتيان والشطار" ،ول ِقّب "الخياط" ال ألن له عالقة بخياطة المالبس ونحوها،
ب أحد البيوت وسرقتها ،ثم بعد ذلك سدّ النَّ ْقب فصار وكأنه قد خاطه!
بل ألنه قام بنَ ْق ِ
قط ولو كان عدوا ،والويحكي شيخ اللصوص هذا عن نفسه فيقول" :ما سرقت جارا ُّ
سرقت كريما وأنا أعرفه ،وال خنت َمن خانني .وال كافأت غدرا بغدر" .بل إنه يقدم نفسه
مكافحا للمجرمين الذين ال تحكمهم مبادئ وال مواثيق شرف" :ولقد قتلت بيدي أكثر من
مئة خنّاق ومبنج؛ ألنهما ال يقتالن وال يسلبان إال عند وجوب الحرمة وعند ...الثقة".
ويوصي أصحابه قائال" :ال بد لصاحب هذه الصناعة (= اللصوصية) من جراءة وحركة
وفطنة وطمع ،وينبغي أن يخالط أهل الصالح ،وال يتزيّا بغير زيّه"!
والعجيب أن هذا "الشيخ الوقور" كان يقدم االنضباط واالستقامة الخلقية في اللصوص
كأحد أسباب نجاتهم ،ومن ضمانات إتمام أعمالهم بنجاح؛ فكان يُرشد أصحا َبه بقوله:
"اضمنوا لي ثالثا أضمن لكم السالمة :ال تسرقوا الجيران ،واتـّـقوا ال ُح ُرم ،وال تكونوا أكثر
من شريك ُمناصف ،وإن كنتم أولى بما في أيديهم لكذبهم وغشهم وتركهم إخراج الزكاة
وجحودهم الودائع" .وهنا نلمح كيف كانت سطوة القيم األخالقية على الحياة في الحضارة
وظفتها جماعة احترفت السرقة!! اإلسالمية إلى حدّ أنها ّ
كما يال َحظ أن قيم المروءة والفروسية لم تغب أيضا عند شريحة من هؤالء؛ فقد خرج أحد
شيوخ اللصوص مع بعض أصحابه ليلة ،وحين اقترح أحدهم عليه قائال" :دعنا نقم على
مفارق الطرق لنأخذ من بعض المارة نفقة يومنا" ،وافق على ذلك مشترطا فقال" :على أال
تبطشوا بهم ،فقالوا :وهل يفعل ذلك إال الجبان"! فالهدف كان السرقة وأخذ "نفقة اليوم"
مر بهم شاب يبدو عليه الوقار "فلما قرب سلّم عليهم ،فرد
دون إيذاء ،وبينما هم كذلك إذ ّ
عليه بعضهم السالم ،فقام إليه بعضهم ،فقال رئيسهم :دعه فإنه سلّم ليَ ْسلَم ،وأجابه بعضكم
فصار له ذمة بذلك ،قالوا :فنخلي سبيله"!
والحقيقة أنهم لم يكتفوا بتركه بعد أن بادرهم بالسالم ،بل قرروا أن يحيطوه بالحماية حتى
غيركم ،ليذهب معه ثالثة يوصلونه إلى منزله، يبلغ مأمنه؛ فقال لهم زعيمهم" :أخاف عليه َ
ففعلوا" .ولكن الشاب الوقور هالته أخالق هؤالء اللصوص فقرر أن يكافئهم -بعد أن أبلغوه
مأمنه -فدفع إليهم مكافأة مالية "فلما عادوا بالدراهم ،قال رئيسهم :هذا أقبح من األول،
تأخذون ماال على قضاء الذمام والوفاء بالعهد! ال أبرح أو تردون إليه المال ،فقالوا :قد
افتـُضحنا بالصبح! فقال :لئن نفتضح بالصبح خير من تضييع الذمام"!!
ويندرج في "ميثاق شرف اللصوص" ما كتبه القاضي التنوخي عن زعيم إحدى جماعات
اللصوص في بغداد يدعى "ابن حمدي اللص" (قـُتل سنة 332هـ)؛ فقد قال إنه كان "إذا
قطع [الطريق على المارة] لم يعرض ألرباب البضائع اليسيرة التي تكون دون األلف
درهم ،وإذا أخذ ممن حاله ضعيفة شيئا قاسمه عليه وترك شطر ماله في يديه ،وأنه ال
يفتش امرأة وال يسلبها".
ترسيم اللصوصية
وينقل التنوخي موقف ابن حمدي اللص هذا من مجمل األوضاع االجتماعية والسياسية،
عبر رواية نقلها له أحد الذين قطع عليهم الطريق قرب بغداد ،وكان هذا الرجل من الذكاء
بمكان بحيث إنه تحدث إلى هذا "اللص النبيل" باللغة التي يفهمها وبلسان "القيم" التي
يؤمن به ،فحلف له أنه سوف يصير فقيرا بعد مصادرة ماله وسيكون أهالً ألخذ الصدقات!
ولكن ابن حمدي –في جوابه للرجل -قدّم لنا قراءته لظاهرة الفساد الحكومي التي انتشرت
في تلك الفترة في بغداد ،معيدا لنا منطق اللصوص في تبرير سلوكهم بأنه رد فعل على
فساد السلطة الذي ضيّق عليهم أسباب العمل المشروع؛ فـ"هللا بيننا وبين هذا السلطان الذي
أحوجنا إلى هذا! فإنه قد أسقط أرزاقنا وأحوجنا إلى هذا الفعل" .ثم إنه قارن بين موقفهم
من السرقة وموقف السلطة قائال" :لسنا فيما نفعله نرتكب أمرا أعظم مما يرتكبه السلطان"
حين ينهب خيرات الشعب ويتركه فريسة للفقر والفاقة!!
وقد تحدث ابن حمدي عن ممارسات قيادات ومسؤولين معينين مثل أمير بغداد ابن شيرزاد
والقائد أبي عبد هللا البريدي (ت 333هـ) في واسط والبصرة ،حيث كان كل منهم "يصادر
ضياع والدور والعقار ،ويتجاوزون ذلك إلى ال ُح ُرم".
الناس ويفقرهم" ،و"يأخذون أصول ال ِ ّ
ثم قال" :فاحسبونا نحن (= اللصوص) مثل هؤالء"!!
اعالن
واستمر الرجل المسروق يجادل ابن حمدي ويذ ّكره بالوقوف أمام هللا يوم الحساب ،منبها
إياه إلى أن "ظلم َّ
الظلَ َمة ال يكون حجة ،والقبيح ال يكون سنة" ،فما كان من اللص إال أن
رد عليه نصف ماله ،فطلب منه أن يرسل معه من يؤ ّمنه في طريقه حتى ال يتعرض له
أحد باإليذاء ،ففعل اللص.
وقد حاولت السلطة استمالة ابن حمدي اللص هذا بالدخول معه في مجاله؛ فيقول ابن
مسكويه (ت 421هـ) –في كتابه ‘تجارب األمم‘ -إنه "خلع عليه ابن شيرزاد وأثبته برسم
الجند" ،أو "ض ّمنه ابن شيرزاد اللصوصية" ،أي عهد إليه بإدارة وتنظيم العاملين فيها
مقابل تقديم جزء من مدخولهم منها إلى هذا المسؤول الحكومي؛ حسبما يقول الذهبي (ت
748هـ) في ‘تاريخ اإلسالم‘.
ويوضح ابن األثير (ت 630هـ) -في ‘الكامل‘ -ما قام به ابن شيرزاد من تعاقد مع اللص
ابن حمدي ،وأنه اشترط عليه أن يقاسمه ما يجمعه من أموال بحيث "يوصله كل شهر
خمسة عشر ألف دينار مما يسرقه هو وأصحابه ،وكان يستوفيها من ابن حمدي ،...فعظم
شره حينئذ ،وهذا ما لم يسمع بمثله" من قبلُ!!
ويبدو أن هذا الفخ الذي نُصب البن حمدي ع ّجل بنهايته؛ حيث ظفر به قائد شرطة بغداد
بعض ما هم فيه" .ولعل هذا يذكرنا
ُ فخف عن الناس
ّ أبو العباس الديلمي "فقتله،...
بـ"شروط السالمة" التي نصح بها ابن الخياط أتباعه من اللصوص ،وأن تخلي العيارين
كليا عن القيم والمبادئ األخالقية كفيل برسم نهاية تعيسة كالتي انتهى إليها ابن حمدي.
ويبدو أن السلطة واصلت محاوالتها السيطرة على تلك الجماعات من "اللصوص النبالء"،
حتى أصبح اللصوص والعيارون كما يقول ابن خلدون (ت 808هـ) "يتمسكون بالجاه من
أهل الدول فال يقدر بهروز على منعهم"! ويروي المؤرخ ابن األثير أنه في سنة 538هـ
"زاد أمر العيارين وكثروا ألمنهم من الطلب بسبب ابن الوزير".
وحين حاول الخليفة العباسي المقتفي أن يضع حدا لسلوك اللصوص الذي بات يهدد أمن
البالد؛ خاطبه قائد الشرطة -كما يقول ابن االثير -مبديا عجزه عن مواجهتهم" :يا سلطان
العالم! إذا كان عقيدُ العيارين ولدَ وزيرك وأخا امرأتك ،فأي قدرة لي على المفسدين؟!".
وصل االنقسام الطائفي في المجتمع اإلسالمي إلى فئة اللصوص فكان لكل طائفة مذهبية
)الجزيرة( شطار وعيارون توظفهم في عنفها ضد الطائفة األخرى
سالح طائفي
ربط هذا المؤرخ بين صعود قوى اللصوصية والعيارين والحروب األهلية والصراعات
على الحكم التي شهدتها عواصم مثل بغداد ،ورأى أن تلك الظروف كانت المناخ المناسب
وتمرسها بالقتال والمناكفة ،والخروج بها من النطاق
ّ لخروج تلك القوى
االجتماعي/االقتصادي إلى المجال االجتماعي/الطائفي؛ حيث يقول إنه في سنة 361هـ
"وقعت ببغداد فتنة عظيمة ...وتحزب الناس ،وظهر العيارون وأظهروا الفساد وأخذوا
أموال الناس".
أما ابن مسكويه؛ فقد حدثنا عن سياق مهم آخر يضاف إلى تحليل ابن األثير ،وهو أن
ظهور اللصوص ال يحدث إال في لحظة "انحدار بهاء الدولة" ،وأنهم ال تعلو قوتهم إال إذا
"رفعت الحشمة وجرى من الحرب بين أهل الدروب والمحا ّل ...ما أعيا فيه الخطب ُ
وتكرر الحريق والنهب ،تارة على أيدي العيارين وتارة على أيدي الوالة".
ثم إنه بدءا من القرن الرابع الهجري ،وتحديدا خالل العقود األولى من الدولة البويهية؛
حدث تطور بالغ الخطورة في تاريخ تنظيمات العيارين ،إذ أصبحت سالحا يتم توظيفه في
الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة ،ولم تعد مقتصرة على حروب أجنحة السلطة التقليدية
المألوفة.
ويقدم التوحيدي صورة بليغة لتلك الفتن التي لمع فيها نجم العيارين؛ فيقول حين سئل عن
رأيه في أغرب غرائب فتنة سنة 361هـ" :كل ما كنا فيه كان غريبا بديعا عجيبا شنيعا،
شنّت الغارة ،واتصل النهب ،وتوالى الحريق حتى لم يصل حصل لنا من العيارين قواد ..و ُ
إلينا الماء من دجلة".
وها هو ابن األثير يصف لنا وقائع فتنة سنة 361هـ التي حدثت في بغداد ،واستخدم فيها
وأحرقت الدور ،وفي جملة ما احترق محلةِ سالح العيارين "فنُهبت األموال وقـُتل الرجال
الكرخ وكانت معدن التجار والشيعة .وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب [العلوي] أبي أحمد
الموسوي (ت 400هـ وهو والد الشريف الرضي ت 406هـ) والوزير أبي الفضل
الشيرازي" الذي "كان شديد التعصب للسنة"؛ حسب تعبير ابن كثير (ت 774هـ) في
‘البداية والنهاية‘.
ويسجل ابن كثير أنه وقعت في سنة 425هـ "الفتنة بين السنة والروافض حتى بين العيارين
من الفريقين ،و ُمنع ابنا األصفهاني -وهما مقدَّما عياري أهل السنة -أه َل الكرخ من ورود
ماء دجلة فضاق عليهم الحال".
اعالن
ويقول الذهبي -في ‘تاريخ اإلسالم‘ -إنه حين تم تطويق الفتنة "رو ِسل [نقيب العلويين
الشيعة] المرتضى (ت 436هـ) بإحضار العيارين إلى داره ،وأن يقول لهم :من أراد منكم
التوبة قـُبلت توبته ،ومن أراد خدمة السلطان استُخدم مع صاحب المعونة ،ومن أراد
االنصراف عن البلد كان آمنا على نفسه ثالثة أيام .فعرض ذلك عليهم ،فقالوا :نخرج.
وتجدد الفساد واالستيفاء"