Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 179

‫‪1‬‬

‫نيكوابر‬
‫نيكوابر‪..‬‬
‫حبيبيت اإلنسيه‬

‫لـ‬
‫أنغام زايد‬
‫‪2‬‬
‫نيكوابر‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة © عصري الكتب للنشر اإللكرتوين‬

‫‪http://book-juice.com‬‬

‫نيكوابر‬
‫املؤلفة ‪ :‬أنغام زايد‬

‫نشر يف ‪ :‬ديسمرب ‪6102‬‬

‫‪3‬‬
‫نيكوابر‬
‫مقدمة‬

‫السائق على غير عادته اليوم‪ ،‬لفت انتباهي؛ فوجهه لونه‬


‫شاحب‪ ،‬ويداه ال تقوى على القيادة‪.‬‬
‫سألته وأنا يساورني القلق‪:‬‬
‫مالك ياعم سمير؟‬
‫قال لي بصوت يصاحبه أنين‪:‬‬
‫ـ معدتي تعباني شوية يا دكتورة‪ ،‬شكلي تقّلت في الفطار‪.‬‬
‫تجول بنظر ِه أثناء القياد ِة حتى وجدَ على يمين ِه مسجدًا‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ـ هستأذنك بس خمس دقايق أروح الجامع ده أغسل وشي ‪.‬‬
‫قلت له وبعيني مسحة من الشفقة‪:‬‬
‫ـ طيب نروح مستشفى‪ ،‬وأنا هعتذر عن المحاضرة بتاعة‬
‫النهاردة‪.‬‬
‫التفت إلي وأشاح بيده بالنفي ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ ال ال ال ال أنا كويس وهللا‪.‬‬
‫أطفأ َ محرك السيارة في هدوء‪ ،‬وأوقفها أمام المسجد ودلف‬
‫بداخله‪.‬‬
‫نظرت لساعة الهاتف وأخذت أحدث نفسي؛ المحاضرة‬
‫الساعة الواحدة ال زال هناك ساعة كاملة علي الموعد‪ ،‬دوي‬

‫‪4‬‬
‫نيكوابر‬
‫صوت اآلذان‪ ،‬فأيقنت أنه لن يخرج قبل أن يصلي‪ ،‬أخرجت‬
‫أوراق المحاضرة أللقي نظرة‪.‬‬
‫وكان العنوان "كيف تغير نفسك"‬
‫تعمقت في القراءة فأخذني الوقت‪ ،‬نظرت للساعة مجددًا‬
‫وجدتها الواحدة إال ربع‪ ،‬دقات قلبي باتت سريعة‪ ،‬وعقلي ال‬
‫يكف عن التفكير‪ ،‬حدثت نفسي في صمت؛ ترى ما الذي‬
‫حدث وجعله يتأخر كل هذا الوقت؟ قلقي جعلني أخرج من‬
‫السيارة‪.‬‬
‫وأقف أمام المسجد‪ ،‬نظرت للباب وجدته مغلق ولكن هناك‬
‫صوت صراخ أنثوي يدوي بالمكان‪ ،‬وقفت مترددة لعدة‬
‫دقائق ولكنني قررت اكتشاف ما يجري حولي‪ ،‬اقتربت من‬‫ِ‬
‫باب المسجد أكثر فأكثر ولمست الباب ففتح ‪ ،‬ما إن نظرت‬
‫بداخل ِه حتى فزعت‪ ،‬وتطايرت كل أوراق المحاضرة من بين‬
‫يدي عندما رأيت هذا الكم من النساء‪ ،‬نظرت إحداهن إلي‬
‫نظرة غريق يستغيث‪ ،‬واألخرى تلطم وجهها وتصنع‬
‫بأظافرها شوارع من دماء‪ ،‬وهناك من تجلس وتهز منكبيها‬
‫وتقول كلمات غير مفهومة‪ ،‬وامرأة يبدو على مًلمحها أنها‬
‫في سن األربعين تمزق بمًلبسها وهي تضغط أسنانها‬
‫ببعضها بغضب حتى انكشفت سيقانها وال أحد حاو َل أن‬
‫يسترها‪.‬‬
‫ارتعش قلبي وجعًا عليها وأنا أقول في نفسي؛ كيف‬
‫سينتبهون لها وكل واحدة منهما تنتظر دورها برعب وفزع‪.‬‬
‫صوت رجال بالجانب اآلخر يتألمون‪ ،‬المكان منقسم لجزئين‬
‫والجميع يعاني؛ الذكرى ناوشتني كحلم يقظة‪ ،‬أريد أن أهرب‬
‫ولكن قدماي قد تخليتا عني‪ ،‬ال تريدان الركض أو حتى‬

‫‪5‬‬
‫نيكوابر‬
‫الرجوع للخلف؛ وكأنهما أصيبتا بشل ٍل مؤقت‪ ،‬إرتجفت‪،‬‬
‫تدحرجت دموعي وكأن هناك من يلقيها باستمرار‪.‬‬
‫يد وضعت على كتفي فجأة؛ فلم أقوى على تمالك أعصابي‬
‫وسقطت على األرض‪.‬‬
‫قال السائق في فزع‪:‬‬
‫ـ أنا آسف يا دكتورة إني خضيتك بس ماكانش قصدي‪ ،‬قعدت‬
‫أنادي عليكي كتير بس إنتي ماسمعتينيش‪.‬‬
‫ثم مد يده لي وساعدني على النهوض‪ .‬تبسمت له بود وقلت‪:‬‬
‫ـ وال يهمك أهم حاجة إنت كويس‪.‬‬
‫ـ الحمد هلل وآسف على التأخير‪ ،‬بعد ما صليت لقيت واحد‬
‫قاعد على عتبة المسجد بيبكي حاولت أعرف ماله‪ ،‬حكالي‬
‫قصة غريبة‪ ،‬بصراحة ماصدقتهاش‪ ،‬نفس موضوع الستات‬
‫الي جوه دول‪.‬‬
‫وأشار بيده تجاه صوت الصراخ‪ .‬أومأت برأسي تفه ًما وسرنا‬
‫تجاه السيارة‪ .‬ركبت السيارة مجددًا‪ ،‬وعم سمير بدأ الحديث‬
‫ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ بتصدقي الحاجات دي ؟‬
‫نظرت إليه في صمت؛ فقد أيقنت بأنه سيتحدث في هذا‬
‫الموضوع‪ ،‬تركته يخرج ما في جعبته ويسأل عما يريد‪،‬‬
‫فأكمل‪:‬‬
‫ـ مرضى نفسيين هما صح؟‬

‫‪6‬‬
‫نيكوابر‬
‫نظرت إلى عينيه في المرآة‪ ،‬فارتبكت بًل سبب وحاولت‬
‫االبتسام فلم أستطع‪ ،‬قلت له فجأة‪:‬‬
‫ـ أقولك سر؟‬
‫نظر إلي وعيونه تلمع من كثرة الفضول‪ ،‬فاسترسلت في‬
‫الحديث‪:‬‬
‫ـ أنا زمان كنت زيك كده؛ بس نظرتي ليهم أتغيرت فجأة‪،‬‬
‫وخصوصًا بعد قصة بنت حصلت قدامي‪ ،‬إيه رأيك تحضر‬
‫محاضرة النهاردة مع الطًلب هتستفاد كتير‪.‬‬
‫أومأ رأسه بلهفة وأعلن موافقته‪ .‬دقائق ووصلنا أمام‬
‫الجامعة‪ .‬دخلت القاعة ويدي خاليتان من ك ّل شيء‪ ،‬فقد‬
‫ذهبت األوراق مع الريح وكل ما كنت قد قررت قوله قد تبدل‪،‬‬
‫اعتذرت عن التأخير ووقفت لبرهة أفكر كيف سأعرض‬
‫عليهم هذه المحاضرة الغريبة‪ ،‬أمسكت القلم وكتبت بخط‬
‫عريض‪..‬‬
‫"نيكوبار‪"11_11_0202‬‬
‫نظرت إلى وجوه الحاضرين الذين كست مًلمحهم أسئلة‬
‫كثيرة‪ ،‬ونظروا بدهشة إلى تلك الكلمة التي كتبتها‪ ،‬فأردفت‬
‫قائلة‪:‬‬
‫ـ موضوع النهارده هيكون مختلف‪ ،‬وإسم نيكوبار دا اخترته‬
‫عشان هيكون جزء كبير في موضوعنا‪ ،‬إيه رأيكم أحكي‬
‫قصة بنت ونستفاد منها كلنا‪ .‬إ ِلّي موافق يرفع إيده‪.‬‬
‫رفع الجميع أيديهم بالموافقة ومن بينهم عم سمير الذي‬
‫اختار مقعدًا بآخر القاعة‪ ،‬غمز لي فرحًا ألنه الوحيد الذي‬

‫‪7‬‬
‫نيكوابر‬
‫تبسمت وبدأت في سرد‬ ‫يعلم ما الذي سأتحدث عنه؛‬
‫الحكاية‪.‬‬

‫***‬

‫‪8‬‬
‫نيكوابر‬
‫الصديق المفاجئ‬

‫حكايتنا مع العزلة‪ ،‬وعدم اإلنصات‪ ،‬تلك العزلة التي ربما‬


‫تفرض نفسها عنوة علينا‪ ،‬أو يفرضها األهل بدعوى الحفاظ‬
‫على بناتهم من غيًلن البشر؛ وما هي إال كل شر‪.‬‬
‫روفيدا فتاة بالخامسة عشر من عمرها‪ ،‬نعم الزالت صغيرة‬
‫على الزواج ولكن من طباعِ هذه العزبة تزويج الفتيات بسن‬
‫بسن‬
‫ِ‬ ‫صغير‪ ،‬حديثها يفوق سنها بمرات كحديث إمرأة‬
‫ضا ساعد‬‫الثًلثين بسبب كثرة جلوسها مع نسوة القرية‪ ،‬وأي ً‬
‫جسدها في بلوغه وظهور مفاتنه بسن مبكرة على كثرة‬
‫الخطاب‪ ،‬بشرتها بيضاء‪ ،‬وعيناها واسعة‪ ،‬لم تكن تحب‬
‫الضفائر وعلى الرغم من قصر شعرها إال أن والدتها كانت‬
‫تجدلها رغ ًما عنها‪ ،‬فارعة الطول بجسد متناسق‪ ،‬كل من‬
‫كان يراها يقوم بإلقاء كلمات غزل وهذا ما جعل والدها‬
‫كثيرا ما كانت‬
‫ً‬ ‫يغضب ويقسو عليها دون ذنب تقترفه‪.‬‬
‫تتسائل‪:‬‬
‫"هبة الجمال نعمة أعطاها هللا لي؛ لماذا أدفع ثمنها جهًل من‬
‫التعليم والدين؟ وأصبح امرأة وأنا لم أذق شقاوة الطفولة‬
‫حتى اآلن؟‬
‫كانت تعيش مع أبيها وأمها في عزبة صغيرة‪ ،‬تتبع مركز‬
‫دسوق‪ ،‬ولها أ ًخا واحدًا اسمه وحيد؛ كانت تعشق اسمها ألنه‬
‫كثيرا بما جناه يومها‬
‫ً‬ ‫هو من قام بتسجيلها به‪ ،‬كان يضحكها‬
‫من ضرب بسبب معارضة والدها عليه ألنه كان يريد أن‬
‫يسميها مسعدة على اسم جدتها‪ ،‬ووحيد همس للموظف‬
‫بأذنه أن يسميها روفيدا ألن والدتها توفيت بعد والدتها‬

‫‪9‬‬
‫نيكوابر‬
‫مباشرة وهذا اإلسم كان وصيتها؛ أشفق الموظف وقام‬
‫بتسميتها بناء على طلب هذا الفتى الشقي ولكن سرعان ما‬
‫اكتشف األب ما حدث وانهال عليه بالضرب‪.‬‬
‫منزلهم كمعظم البيوت الريفية‪ ،‬كبير جدًا‪ ،‬ولكن أثاثه بسيط‪،‬‬
‫األرض كلها "حصير" وغرفة الضيوف بها مقاعد خشبية‬
‫و"كنب"‪ ،‬غرفتها كانت بأول البيت تطل على الشارع‪ ،‬أما‬
‫غرفة والدها ووالدتها ففي الجزء األيمن من البيت‬
‫ضا غرفة وحيد المغلقة من سنوات‬ ‫وبجوارها الحمام‪ ،‬وأي ً‬
‫بالجانب اآلخر من البيت وكأنها شقة منعزلة‪.‬‬
‫كانت روفيدا تمتلك مفتاحها‪ ،‬عندما التقطته من وحيد قبل‬
‫خروجه‪ ،‬ودفنته في قلبها‪ ،‬ولم يعرف أحد هذا السر‪،‬‬
‫خصصت له حفرة صغيرة بغرفتها‪ ،‬أغلقت عليها الوجع‪،‬‬
‫وتركت مكانا ً تستنشق منه الحنين من وقت آلخر‪ ،‬فتسحب‬
‫ذلك الخيط وتذهب لتقابل دفاتر أخيها‪ ،‬تمسح األتربة وتقبل‬
‫مصحفه‪ ،‬لم ير هذا المفتاح سوى فأر صغير تجسس عليها‬
‫ذات يوم‪ ،‬وترك فضًلته ً‬
‫دليًل ألثر الجريمة‪.‬‬
‫أما هو فكانت تجلس بجواره تناغيه وتحدثه عما في‬
‫الكًلم‪ ،‬فهو‬
‫ِ‬ ‫صدرها‪ ،‬ولم يبدي يو ًما أي اعتراض على‬
‫مستمع ممتاز ال يقاطع محدثه أبدًا‪ ،‬بيتهم لم يكن به سواه؛‬
‫على الرغم من وجوده بحظيرة كبيرة بها طواله متدرجة‬
‫(مكان يوضع فيه الطعام للبهائم عند إطعامهم) وموصدة‬
‫ً‬
‫فضًل عن‬ ‫بباب خشبي ثقيل يستعصي عليه فتحه بالنطحِ‪،‬‬
‫وجود ترباس عظيم يحتل منتصف الباب األيسر بعرض‬
‫نصف الباب‪ ،‬وخلو الحظيرة من الحيوانات يدل على أن‬
‫أصحابها من الطراز الحديث من الفًلحين المودرن الذين‬

‫‪11‬‬
‫نيكوابر‬
‫تركوا تربية الحيوانات وأكتفوا بامتًلك األرض‪ .‬كانت هذه‬
‫ً‬
‫مفعوال‪.‬‬ ‫أمرا كان‬
‫الحظيرة مسكنه إلي أن يقضي هللا ً‬
‫وهي الوحيدة التي كانت تشفق عليه في وحدته‪ ،‬فهي تعلم‬
‫االجتماع؛ فلقد فرض عليها أبوها الوحدة‬
‫ِ‬ ‫ألم الوحدة بعد‬
‫سرا من‬
‫والعزلة وعدم الخلطة؛ وذنبها في ذلك أن حباها هللا ً‬
‫أسرار الجمال‪ ،‬ففرض عليها الحصار حتى شرفة المنزل لم‬
‫تكن لتقربها؛ مخافة العار كما كان يكرر أبوها‪.‬‬
‫وما هي جريمتها هل هي التي تأتي بهم أسفل شرفتها ابتغاء‬
‫نظرة إليها‪ ،‬ليس لها في ذلك ذنب ولكن كل العواقب لها‬
‫وحدها‪ ،‬تركت المدرسة‪ ،‬وانعزلت عن العالم وعن صديقاتها‬
‫ولم تبرح عتبة بيتها إال عندما تم خطبتها‪ ،‬والسبب في ذلك‬
‫عالم مليء بالحمقى والمرضى‪ ،‬وما إن أتى‬ ‫ٍ‬ ‫أنها تعيش في‬
‫ً‬
‫ذلك الخروف إلي بيتها‪ ،‬حتى اتخذت منه صديقا لها‪ ،‬تجلس‬
‫معه وتحدثه وتؤنس وحدتها ال وحدته‪ ،‬فهي من كانت تحتاج‬
‫إلي من يسمعها أكثر و يعطف عليها أكثر وأكثر فوجدت في‬
‫"فلفل" الخروف خير أنيس؛ هكذا أسمته حتى تحادثه‪.‬‬
‫ت معظمه ً‬
‫ليًل‪ ،‬تتسلل إليه‬ ‫كانت تقضي معه الكثير من الوق ِ‬
‫خفية من أه ِلها؛ في البداية كانت تحدثه وهو منشغل بأكله‪،‬‬
‫يتابعها بأذنيه فقط‪ ،‬إلى أن حدث ذلك التحول الذي أعجبها‪،‬‬
‫ولكنها ال تدري عواقبه‪.‬‬
‫كان إذا ما دخلت إليه هرع إليها‪ ،‬يتمسح بها يعبر لها عن‬
‫اشتياقه لرؤيتها وامتنانه لزيارتها؛ وفي نفسها هي من كانت‬
‫تمتن له؛ ألنه أوالها االهتمام والترحيب‪ ،‬فأكثرت من زيارته‬
‫بأي حجة والحجج كثيرة‪ ،‬مرة بطعامه‪ ،‬ومرة بشرابه‪ ،‬ومرة‬
‫باالطمئنان على حياته‪ ،‬وكان يتفاعل معها إذا حدثته‪ ،‬وكأنه‬

‫‪11‬‬
‫نيكوابر‬
‫أعز صديق‪ ،‬وكان يضاحكها‪ ،‬وكأنه بهلوان فأحبته أكثر‪.‬‬
‫كثيرا بالتفكير‬
‫ً‬ ‫ولكنها ال تعلم حقيقة تحول معاملته‪ ،‬ولم تعبأ‬
‫في األمر‪ ،‬ولهذا من العواقب ما يفزع‪.‬‬
‫لطالما أحبت العيد‪ ،‬ألجل الفرحِ والسرور‪ ،‬ورؤية األهل‬
‫الذين حرمتهم بًل ذنب‪ ،‬ولكن هذا العيد كرهته ألنه سيأخذ‬
‫منها ود صديق وجدته صدفة‪.‬‬

‫***‬

‫‪12‬‬
‫نيكوابر‬
‫ليلة العيد‬

‫في صبيحة ليلة العيد جلست روفيدا بجوار فلفل تواسيه قبل‬
‫ذبحه‪ ،‬كانت تتجنب الذهاب إليه من الباب الكبير المطلة‬
‫فتحته على الشارع‪ ،‬ألن هذه الفكرة كانت ستجعلها تخرج‬
‫من البيت في هذا الوقت‪ ،‬فكانت تمشي بخفة تجاه الباب‬
‫الداخلي للحظيرة المتصل مباشرة بالبيت‪ ،‬تنزل السلم‬
‫بخطوات ثابتة وتركض نحوه‪ ،‬باألمس لم تنم؛ تعلم بأنه‬
‫سيكون األضحية؛ عندما دخلت الحظيرة ورأته‪ ،‬أجهشت‬
‫بالبكاء جلست بجواره على حجر صغير‪ ،‬وأخذت تتحدث‬
‫معه‪:‬‬
‫ـ فلفل آخر يوم هشوفك النهاردة‪ ،‬إنت ما قعدتش في بيتنا‬
‫كتير‪ ،‬بقالك أقل من شهر‪ ،‬بس أنا حاسة إن بقالك سنين هنا‪،‬‬
‫وكأنك مولود وسطينا‪ ،‬اتعودت عليك وحبيتك أوي‪ ،‬إنت‬
‫عارف إنك كنت صديقي الوحيد‪ ،‬إلن المكان اللي إحنا فيه ده‬
‫ما فيهوش بنات كتير علشان بيتجوزوا وهما صغيرين وحتى‬
‫فرحانة صاحبتى‪ ،‬أبويا مش بيرضى يخليني أروحلها‪.‬‬
‫صمتت روفيدا ً‬
‫قليًل وابتلعت ريقها وقالت‪:‬‬
‫ـ أنا خايفة من الجواز أوي يا فلفل‪ ،‬فرحي بعد أسبوعين‪،‬‬
‫حاسة بقلق كده ومرعوبة‪ ،‬ما أعرفش محمد هيبقى كويس‬
‫معايا وأال أل؟ ويا ترى هيضربني زي ما أبويا بيضرب أمي‬
‫ويشتمها؟‬
‫تأففت وزفرت بضيق‪ ،‬وأكملت كلماتها وهى تجهش ببكاء‬
‫عنيف‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ فلفل أنا مش عايزة أتجوز‪ ،‬ساعات بحس إني مش عايزاه‪،‬‬
‫بس بخاف أقول ألبويا‪ ،‬إنت الوحيد اللي بتسمعني لما ببقى‬
‫عايزة اتكلم‪.‬‬
‫سمعت صوتًا أجشا قريبًا منها يقول‪:‬‬
‫ـ ما تخافيش أنا مش هسيبك‪.‬‬
‫نظرت حولها بذعر‪ ،‬وأخذت تبحث عن مصدر الصوت فلم‬
‫تجد أحدًا‪.‬‬
‫غلق باب الحظيرة‬
‫ِ‬ ‫انتفضت واقفة وذهبت لتتأكد من‬
‫الخارجي‪ ،‬وأن الرجال ال يزالون بالمساجد يكبرون تكبيرات‬
‫العيد‪ ،‬تنهدت باطمئنان‪ ،‬وعادت لتكمل حديثها مع فلفل‪ ،‬وهي‬
‫الزالت توليه ظهرها وتنظر إلى الشارع‪:‬‬
‫ـ أنا شكلي إتهبلت وأال أيه‪ ،‬الناس لسه في الجوامع بتصلي‪،‬‬
‫كل ده بسببك يا سي فلفل الواحد المفروض ما يتعلقش‬
‫بعصفورة حتى‪.‬‬
‫سمعت الصوت مرة أخري ‪:‬‬
‫ـ هيدبحوني النهاردة‪ ،‬وال هتًلقي حد تهزري معاه وال غيره‪.‬‬
‫نظرت للخلف وهي مرعوبة‪ ،‬فوجدت فلفل ملقيًا ظهره على‬
‫الحائط‪ ،‬كأنه يحكه‪ ،‬واقفًا على قدميه الخلفيتين‪ ،‬محدقًا بها‪،‬‬
‫عا‪ ،‬وأخذت‬ ‫وتلوح بعينيه نظرة مقلقة‪ ،‬اتسعت عيناها فز ً‬
‫تسأل نفسها‪ ،‬هل هذا الذي تراه حقيقة؟ أم أنها يخيل إليها؟‬
‫صرخت ولكن ضاع صوتها وسط مكبرات الصوت‪ .‬اعتدل‬
‫فلفل في وقفت ِه‪ ،‬وهي تسمرت بمكانها دون حراك‪ ،‬ما إن‬
‫يصمت صوت التكبير لبرهة‪ ،‬حتى يتحدث فلفل‪ ،‬وعندما‬

‫‪14‬‬
‫نيكوابر‬
‫يكرروا التكبير يصمت‪ ،‬اهتزت لثوان‪ ،‬ولكنها تحاملت على‬
‫جسدها‪ ،‬وهرعت لباب الحظيرة‪ ،‬أمسكت بالمقبض وحاولت‬
‫الهرب ولكن دون فائدة‪ ،‬فالباب وكأن أحدهم أغلقه من‬
‫الخارج‪.‬‬
‫انطفأت المأذن في المساجد‪ ،‬وبدأ األشخاص في الخروجِ‪،‬‬
‫ركض فلفل نحوها وقال‪:‬‬
‫ـ بصي أنا هحكيلك قصتي بس تهدي شوية‪ ،‬علشان كلها‬
‫دقايق والجزار يجي؛ لو فضلتي كده مش هتكلم وهتندمي‬
‫طول العمر‪.‬‬
‫أومأت رأسها بالموافقة وهي تتصبب عرقًا من كثرة الخوف‪.‬‬

‫***‬

‫‪15‬‬
‫نيكوابر‬
‫البيتزا العجيبة‬

‫وقف فلفل على ساقين كوقفة الكنغر‪ ،‬وأخذها من يدها متجها‬


‫إلى "الطوالة" التي يوضع بها علفه‪ ،‬نظرت روفيدا لحوافره‬
‫وهي تلمس يدها بذعر‪ ،‬غير مصدقة ما تراه‪ ،‬وكأنها‬
‫بكابوس وستكون النهاية مؤلمة‪ ،‬مشيت متثاقلة ببطىء حتى‬
‫وصل للطوالة وأعتًلها؛ طلب منها أن تجلس بجواره‪ ،‬حتى‬
‫يقص حكايته‪.‬‬
‫بدأ يحكي لها عن حياته‪ ،‬وهو يحرك ساقيه وكأنه يجلس‬
‫على شاطئ البحر ويداعب المياه‪:‬‬
‫ـ بصي يا ستي أنا شاب اسمى حاتم عندي واحد وعشرين‬
‫سنة‪ ،‬كملتهم من شهرين‪ ،‬كنت عايش مع عمتي بعد ما أبويا‬
‫ً‬
‫أصًل إلي ربتني‪ ،‬كان ليا‬ ‫وأمي ماتوا في حادثة‪ ،‬يعتبر هي‬
‫وديعة في البنك باسمي‪ ،‬مش هتتفك إال لما أكمل الواحد‬
‫وعشرين سنة‪.‬‬
‫تنهد ثم أكمل‪:‬‬
‫ـ المهم عمتي دي كان ليها بنت كانت عايزة تجوزها لي‪،‬‬
‫ً‬
‫أصًل‪ ،‬كانت بتعمل حاجات غريبة‪،‬‬ ‫بس أنا ماكنتش بطيقها‬
‫وتاكل أكًلت فظيعة زيها كانت بتعمل ساندوتشات جوافة‬
‫بالبيض في العيش الفينو تخيلي تخيلييييي؛ لحد مابقت‬
‫ً‬
‫أصًل كنت بحب واحدة زميلتي‬ ‫عاملة زي الفيل بالظبط‪ .‬وأنا‬
‫في الكلية حاجة كده لوز اللوز‪ ،‬وكنت حاكيلها على كل حاجه‬
‫حتى موضوع الوديعة‪ .‬أخر ما فاض بيا اتخانقت مع عمتي‬
‫وقولتلها بعلو الصوت‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫نيكوابر‬
‫"أل أنا بحب البت سماح والزم أخطبها؛ ومن ساعة ما‬
‫اتكلمت وهي اتقلبت عليا وبقت تعاملني وحش‪ ،‬وكل يوم‬
‫تروح تشتري فسيخ علشان عارفة إ ِنّي بكره ريحته‪،‬‬
‫ومابقعدش في البيت اليوم الّي بياكلوا فيه األكلة المعفصة‬
‫دي"‪.‬‬
‫بدأ خوف روفيدا يتًلشي شيئًا فشيئًا‪ ،‬تستمع له بتعجب غير‬
‫مصدقة‪ ،‬لفت انتباهها هذه الكلمة فسألته‪:‬‬
‫ـ معلش يعني إيه معفصة؟‬
‫نظر لها فلفل وهو يحرك أذنيه للخلف وقال‪:‬‬
‫ـ بصي لو هتقاطعيني مش مكمل‪.‬‬
‫ـ ال خًلص خًلص كمل‪.‬‬
‫ـ المهم يا ستي سيبت البيت ومشيت‪ ،‬قلت خًلص كلها أيام‬
‫وأبقي مليونير جيت رايح مأجر شقة وقاعد فيها‪ ،‬وإتفقت مع‬
‫حبيبتي وقت ما أخد الفلوس نتجوز على طول‪ ،‬بعد كام يوم‬
‫لقيت الباب بيخبط نص الليل‪ ،‬قعدت أبص من فتحة الباب‬
‫لقيتها سماح؛ فتحتلها بسرعة وأنا مخي عمال يودي‬
‫ويجيب‪ .‬دخلت وقعدت تعيط‪ ،‬وتقولي أبوها هيطلق أمها‬
‫وإنها خًلص مش قادره تستحمل وحوارت كده‪ .‬صعبت‬
‫عليا؛ جيت مطبطب عليها وقلتلها هانت كلها أيام ونبقى مع‬
‫بعض‪.‬‬
‫ضحكت ضحكة "رقيعة" كده‪ ،‬وقالتلي إمتي بقي هيهيهيهي‪.‬‬
‫بصراحة استغربت‪ .‬قلت البت دي مالها كده!!‬
‫بعد شوية لقيتها عمَّالة تلعبلي في دقني‪ ،‬وقالتلي تيمو أنا‬
‫جعانة قوي‪ ،‬أطلبلنا ديليفري قمت اتصلت جبت بيتزايتين‬

‫‪17‬‬
‫نيكوابر‬
‫وروحت المطبخ أجيب أطباق وأظبطهم‪ ،‬دخلت ورايا وقعدت‬
‫ِتسبلّي بعنيها وقالتلي أطلع برا إنت وسيب كل حاجة عليا‬
‫ياسي تيمو‪ ،‬وكملت ضحكاتها الرقيعة هيهيهيهيهي‪.‬‬
‫وأنا بصراحة انبسطت وانشكحت أول مرة حد يدلعني كدا‪.‬‬
‫طلعت بعد خمس دقايق كده‪ ،‬وقعدت توكلني في بقي وشوية‬
‫ياأختي ولقيتلك شعر عمال يطلعلي‪ ،‬وصوتي بدأ يزيق‪،‬‬
‫وكإني بتغرغر كده‪ ،‬وهوب صوت فتق البنطلون وشي راح‬
‫ألوان وأشكال وقلت في سري إيه الفضيحة دي‪ ،‬بس لقيت‬
‫حاجه طرية كده قاعد عليها‪ ،‬اكتشفت بعدين إنها اللية‬
‫الجميلة دي‪.‬‬
‫ثم والها ظهره وأخذ يهزها بطريقة مضحكة‪ .‬ضحكت روفيدا‬
‫على ما فعل وتركته ليكمل‪:‬‬
‫ـ شوية ولقيت البنطلون طار‪ ،‬حاولت استر نفسي بحاجة؛‬
‫جيت أمسك المخدة ما بتتمسكش‪ ،‬أبص إليديا لقيت الصوابع‬
‫بقت حوافر‪ ،‬أدور على سبب فتق البنطلون‪ ،‬لقيت المؤخرة‬
‫بتاعتي اتنفخت وبقت حاجة صعبة؛ بحط إيدي على وشي‬
‫لقيته بقي طويل لقدام‪ ،‬جيت مصوت ولسه هشد في شعري‬
‫لقيت ودنين طوال كده؛ قلت مابدهاش بقى؛ حاولت أوصل‬
‫ألقرب مرايا لقيت نفسي بمشي على أربع رجلين‪.‬‬
‫وعمال اتزحلق وهوب اتقلبت على ضهري‪ ،‬بس وصلت بعد‬
‫قهر يا أختي للحمام‪ .‬ساعة ما شفت نفسي في المراية‬
‫اتصدمت؛ طلعت أجري اطمن على حبيبتي قلت شكل إلي‬
‫عمل البيتزا دي حطلنا فيها حبوب صراصير‪ ،‬علشان نتخيل‬
‫حاجات غريبة‪ ،‬ببص عليها لقيتها زي ماهي ما حصلهاش‬
‫حاجة؛ أنا فكرت هًلقي نعجة بقى ونقعد نمأمأ للصبح‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫نيكوابر‬
‫كانت ماسكة التليفون وعمالة تتكلم بالراحة؛ قلت بنت التيت‬
‫بتخوني وفي بيتي‪ ،‬دي لسه طافحه بيتزاية بخمسة وتًلتين‬
‫جنيه؛ رميت ودني علشان أتأكد قلت لما أسمع بتقول إيه؛‬
‫لقيتها بتكلم عمتي وبتقولها كله تمام أنا حطيتله السحر زي‬
‫ماقلتي واتقلب "خروف" شوفي بقي الغنَّام ييجي ياخده‪ ،‬أنا‬
‫كده عملت إلي عليا‪ ،‬نص الفلوس إلي في الوديعة تكون‬
‫عندي يومها وإال أروح فيكم في داهية اااه‪.‬‬
‫قعدت على األرض من الصدمة؛ أعيط مافيش دموع‪ ،‬أصوَّ ت‬
‫لقيت نفسي بمأمأ‪ ،‬أغني إلليسا "مصدومة بجد ومش‬
‫بنطق" مافيش صوت ‪.‬‬
‫كان نفسي أقتلها من الضرب‪ ،‬قلت في سري وحياة خالتك‬
‫محاسن مرات حسن كلبشات ألروح فيكي أنا في داهيتين‬
‫يابنت برعي األعور؛ جيت عامل هجمة مرتدة وخابط برجلي‬
‫في األرض وجريت إديتها نطحة في بطنها وقعت على‬
‫األرض ما نطقتش‪ ،‬وفضلت أدوس عليها وأقعد فوق منها‬
‫لحد ما كتمت نفسها‪.‬‬
‫صاحت روفيدا بفرح‪:‬‬
‫ـ ماتت؟‬
‫أخرج فلفل لسانه‪ ،‬وكأن هناك شيء من العلف عالق به‪ ،‬قال‬
‫لها وهو يدخل لسانه مجددا ً‪:‬‬
‫ـ ما أعرفش بس أنا قعدت على قفصها الصدري وكتمت‬
‫نفسها "بليّتي" ما لحقتش أتأكد علشان شوية وعمتي جات‬
‫هي والغنَّام‪ ،‬وكان كل همي استخبى منهم‪ ،‬قعدت أجري في‬
‫الشقة‪ ،‬وعايز أهرب ماعرفتش‪ ،‬لقيت واحد مع الغنام قد‬

‫‪19‬‬
‫نيكوابر‬
‫الفحل كده عمال يجري ورايا بخشبة ويضربني‪ ،‬وأمأمأ على‬
‫أخري مافيش رحمة؛ استسلمت بقى أصل عقد الشقة فيه‬
‫شرط جزائي لو حاجة باظت ادفع تمنها‪ ،‬ودافع شهرين مقدم‬
‫فقلت في سري ياال بقى هيبقى موت وخراب ديار‪ ،‬أمري هلل‪.‬‬
‫بقيت من عربية لعربية‪ ،‬ومن زريبة لزريبة؛ وبقيت أحب‬
‫العلف زي ما كنت بحب السي فود‪ ،‬وأحب البرسيم زي ما‬
‫كنت بحب عصير القصب لحد ما جيتلك يا جميل‪.‬‬
‫حزنت روفيدا ألجل ِه وقالت‪:‬‬
‫ـ طيب إيه الحل ؟! ترجع زي ما كنت إزاي؟‬
‫ـ ما أعرفش بس أنا مش عايز اندبح رقبتي هتوجعني‪.‬‬
‫قطع الحديث صوت والدها؛ رجل طويل وعريض‪ ،‬مًلمحه‬
‫دائما ً تظهر عابسة‪ ،‬أصلع ولهذا ال تفارقه الطاقية البيضاء‪.‬‬
‫ـ ياال يا أم حسن هاتي الطشت والسكاكين‪.‬‬
‫أم حسن أرملة فقيرة تعيش بالبيت المجاور لهم‪ ،‬تساعدهم‬
‫دائ ًما في أي عمل لتجني بعض النقود أو ليعطوها الطعام‬
‫الفائض‪ .‬بكت روفيدا وهرولت نحو والدها؛ نظر لها بتعجب‪،‬‬
‫وسألها‪:‬‬
‫ـ بتعملي إيه لوحدك هنا؟‬
‫إعترتها رجفة وهي تتحدث‪:‬‬
‫ـ كنت قاعدة مع فلفل؛ فلفل إنسان يابابا إوعي تدبحه‪.‬‬
‫ثم أمسكت فلفل من رأسه وأخذت تهزه بقوة‪.‬‬
‫ـ قولهم قصتك إلّي قولتهالي‪ ،‬اتكلم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫نيكوابر‬
‫نظرت ألبوها وأكملت‪:‬‬
‫ـ هو خايف ماحدش يصدقه؛ طيب إسأله إنت كده‪.‬‬
‫ضغط والدها على أسنانه بغضب وصاح بها‪:‬‬
‫ـ أسأل مين يابنت الكـ ‪....‬‬
‫ما ال يقل عن مائة كلمة سباب‪ ،‬أنا قلتلك ميت مرة‪،‬‬
‫ماتقعديش مع الزفت ده في الضلمة لوحدك‪ ،‬شكل مخك‬
‫إتلحس‪ ،‬إطلعي بره وما أسمعش كلمة من إلّي بتقوليها دي‬
‫تاني‪ ،‬لو أهل خطيبك عرفوا هيفكروكي ملبوسة‪.‬‬
‫ثم وبخ أم حسن لتأخيرها‪ ،‬دخلت تلهث‪ ،‬وهي تحمل الطشت‬
‫ارتعش قلب روفيدا عندما رأتها‪ ،‬أخذت تلكز‬
‫َ‬ ‫على رأسها‪.‬‬
‫فلفل بيدها وهو صامت؛ سحبته من الحبل الملتف حول عنقه‬
‫لينطق ولكن دون جدوي‪ .‬برقت عينا والدها من كثرة الغضب‬
‫ونادى والدتها‪:‬‬
‫ـ خدي البت دي من قدامي أحسن أطير رقبتها مع الخروف‪.‬‬
‫ثم مسك السكينة ليبدأ الذبح‪ ،‬صرخت روفيدا وركضت نحوه‪،‬‬
‫أخذتها من يده ورمتها على األرض؛ لطمها أبوها على‬
‫وجهها فغابت عن الوعي‪.‬‬
‫***‬
‫استيقظت على رائحة بصل وأمها تضع يدها على وجهها في‬
‫حنان‪ .‬إنتفضت واقفة ونظرت حولها فوجدت آثار دماء؛‬
‫أخذت تلطم وجهها عندما رأت رأسه مفصولة عن جسده‪،‬‬
‫نظر لها فلفل وأخرج لسانه‪ ،‬وأخذ يغمز لها بعينيه بردت‬
‫أطرافها وانتفض قلبها‪ ،‬وغابت عن الوعي مجددًا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫نيكوابر‬
‫مر الوقت واستيقظت روفيدا على صوت جلبة بالبيت‪ ،‬فتحت‬
‫عينيها فوجدت نفسها على السرير بغرفتها؛ إعترتها رعشة‬
‫عندما شعرت بشيء ملتف حول خصرها وكأن يد تحاوطها؛‬
‫توجست و رفعت الغطاء عنها فلم تجد شيئًا فهدأت ً‬
‫قليًل ثم‬
‫حدثتها نفسها‪:‬‬
‫ـ إيه الصوت إلّي بره ده؟ البوليس جه وأخد أبويا‪ ،‬هيعدمه‬
‫علشان دبح فلفل‪ ،‬بس أمي كانت قاعدة هادية ليه جنبي! أنا‬
‫مش فاهمة حاجة‪.‬‬
‫غرفتها كانت رقيقة كمشاعرها‪ ،‬سرير متوسط الحجم بأرجل‬
‫خشبية تتيح لها أن تضع أسفل منه ما تريد‪ ،‬شباك مزين‬
‫بستارة صغيرة بها رسومات لفراشات وورود يطل على‬
‫الشارع الرئيسي‪ ،‬بجوار السرير يوجد كرسي خشبي شبه‬
‫بدال من ضلفته الخشبية موضوع‬ ‫متهالك‪ ،‬ودوالب صغير ً‬
‫مًلئة قديمة لحين يحن عليها والدها ويحضر نجار يصلحه‪.‬‬
‫نهضت من فراشها وجسدها ال زال يترنح؛ اتجهت للشباك‬
‫ووقفت تختلس النظر‪ ،‬فوجدت أطفال القرية يلعبون‬
‫بالمسدسات ويثيرون ضجر المارة بالبومب‪ ،‬التفتت للجهة‬
‫األخرى فوجدت والدها يقف وهو يلبس جلبابه األبيض‬
‫ويعايد الناس‪ ،‬وكأن شيئًا لم يكن؛ هرولت خارج غرفتها‬
‫لتتحدث مع والدتها‪.‬‬
‫كان المطبخ بركن في الصالة عبارة عن بوتاجاز وبالقرب‬
‫منه صندوق خشبي يوضع به األواني‪ ،‬نظرت بكل مكان لم‬
‫تجد أمها فهمت بالخروجِ لتبحث عنها بمكان آخر بالبيت‪ ،‬ما‬
‫إن خطت خطوتين حتى سمعت طرق بإناء على النار؛‬
‫تراجعت في خطواتها‪ ،‬إقتربت رفعت الغطاء‪ ،‬فوجدت شاب‬

‫‪22‬‬
‫نيكوابر‬
‫كعقلة اإلصبع يسبح وسط قطع اللحم؛ جحظت عيناها من‬
‫هول الصدمة‪ ،‬وفتحت فمها ال إراديًا‪ .‬أخرج رأسه من اإلناء‬
‫وقال لها‪:‬‬
‫ـ قولي ألمك تزود الشوربة دي ملح أحسن أبوكي يطلقها‪،‬‬
‫آااه حاجه كمان ياريت تهدي النار‪.‬‬
‫شحب لون جلدها مجددًا‪ ،‬وكادت تغيب عن الوعي مرة‬
‫أخري‪ ،‬حتى وجدت يدًا تسحبها من شعرها؛ نظرت خلفها في‬
‫فزع وجدته خطيبها‪ .‬نظر لها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ بقالي ساعة عمال أكلمك للدرجة دي جعانة؟! وبعدين فيه‬
‫واحدة تقابل خطيبها بالهدوم دي أومال لو ماكانش عيد‪.‬‬
‫كانت ترتدي عباءة مفضلة لديها لونها رمادي ولكن ما حدث‬
‫بالحظيرة جعلها تلطخ ويضيع زهوها‪ .‬تجاهلت حديثه‬
‫ونظرت لإلناء فلم تجد شيئًا؛ أخذت تدعك في عينيها ونظرت‬
‫مرة أخرى لكن بتركيز؛ لكزها خطيبها بقبضته برفق‪ ،‬نظرت‬
‫له فأكمل حديثه‪:‬‬
‫ـ بكلمك أنا‪ ،‬أمك قالتلي على ّإلي حصل‪ ،‬شكلي هتجوز عيلة؛‬
‫كل ده علشان حتة خروف‪.‬‬
‫نظرت روفيدا لوالدتها التي تقف خلفه بعتاب وأكملت‬
‫حديثها‪:‬‬
‫ـ إنت مش فاهم إلّي حصل‪.‬‬
‫ـ حصل إيه؟ من كتر ما بتحبيه مخك اتلحس‪ ،‬بقولك إيه‬
‫قومي غيري الزفت إلّي لبساه ده؛ أهلي كمان شوية هييجوا‬
‫يعيدوا عليكي‪ ،‬ولو شافوكي كده هيتريقوا‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫نيكوابر‬
‫ابتلعت ريقها ونظرت له قائلة‪:‬‬
‫ـ محمد‪ ،‬أنا عايزة اتكلم معاك‪ ،‬فلفل مش خروف‪ ،‬حد‬
‫يصدقني يا بشر‪.‬‬
‫ـ طيب روحي غيّري وبعد الغدا نتكلم ماشي‪.‬‬
‫ـ طيب‪.‬‬
‫نظرت له قبل المغادرة فوجدت هيئته كغير العادة سألته‪:‬‬
‫ـ محمد بطنك عاملة كده ليه؟‬
‫نظر لبطنه ولمس جلبابه ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ مالها بطني‪ ،‬الجًلبية دي عمًللي كرش؟‬
‫نظرت له وهي تتفحصه من قدميه لشعر رأسه‪:‬‬
‫ـ ال مش كرش‪ ،‬فيه زي كورة كده أهي بص‪ ،‬وكمان عينيك‬
‫هي عينك الشمال وجعاك؟‬
‫قال لها بصوت غاضب‪:‬‬
‫ـ فيفي ما فيش كور‪ ،‬وال حاجة وجعاني‪ ،‬إنتي بس إلّي لسه‬
‫صاحية من النوم ّ‬
‫ياال روحي غيري‪.‬‬
‫إلتفتت له مجددًا‪ ،‬فوجدت مؤخرته منتفخة‪ ،‬وهناك طفل‬
‫األرض‪ ،‬أخذت تغلق عينيها‬ ‫ِ‬ ‫يعتليها‪ ،‬كادت تسقط على‬
‫وتفتحهما عدة مرات‪ ،‬فوجدت خطيبها بهيئته المعتادة‪ ،‬ال‬
‫طفل وال كور‪ ،‬وعيناه براقتان‪.‬‬
‫أشارت له ووالدتها تسحبها من يدها بغضب لتذهب لغرفتها‪،‬‬
‫ضحكت بشدة وقالت‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أنا هروح أغير هه رايحة‪ ،‬وهللا ما أنت قايل حاجة؛ أنا‬
‫مشيت خًلص‪.‬‬
‫دفعتها والدتها داخل الغرفة وهي تردد بصوت يكاد يسمع‪:‬‬
‫ـ ربنا يعدي اليوم دا على خير‪.‬‬
‫ثم رمقتها بنظرة حادة وهي تكمل‪:‬‬
‫ـ أعقلي الواحد مش ناقص هم كل عيد الزم مشكله تحصل‪.‬‬
‫وتركتها وخرجت من الغرفة‪ .‬ألقت روفيدا جسدها على‬
‫السرير‪ ،‬وأخذت تتحسس وجهها وتحدث نفسها‪:‬‬
‫ـ فيه إيه‪ ،‬طيب الزهايمر نسيان مش خياالت‪ ،‬أنا اتجننت؟؟‬
‫ً‬
‫أصًل كل الحيوانات‬ ‫الال أكيد من العياط بس؛ وهللا أنا هبلة‬
‫بتطلع لسانها بعد ما تدبح وبتقفل عينيها بعد فترة‪ ،‬وأنا إلّي‬
‫فكرته بيغمزلي‪.‬‬
‫ثم ضحكت بسخرية على ما بدر منها‪ .‬صمتت لبرهة ثم‬
‫أكملت وهي تنظر لسقف الغرفة وكأنها تكتشفه ألول مرة‪:‬‬
‫ـ أقوم ألبس قبل ما حماتي البومة تيجي وتقعد تفليني‪،‬‬
‫وبعدين غريبة أوي إن محمد وافق يسمعني وأحكيله الي‬
‫حاسه بيه‪ ،‬أي نعم هو شكًلً مش حلو‪ ،‬أسمر كده وشعره‬
‫أكرت وعينيه عاملة شبه الصينين وتخين‪ ،‬بس أمي على‬
‫طول تقولي الراجل ما يعيبهوش غير جيبه وبكره تتجوزيه‬
‫وتتهني‪.‬‬
‫وضعت رأسها بين كفيها وهي تتسائل‪:‬‬
‫ـ بس هو الّي شفته ده مش حقيقي؟‬

‫‪25‬‬
‫نيكوابر‬
‫وكان الرد زفرة بضيق وهي تعاتب نفسها قائلة‪:‬‬
‫ـ أوووف مش وقته أما ألحق ألبس‪.‬‬
‫كثيرا‪ ،‬أصبحت تحب‬
‫ً‬ ‫في األون ِة األخيرة تغيرت أحوال روفيدا‬
‫الجلوس بغرفتها أغلب الوقت‪ ،‬ال تريد محادثة أحد‪ ،‬أصابها‬
‫وخم النوم‪ ،‬تريد أن تستلقي على سريرها وتحتضن وسادتها‬
‫فقط‪ ،‬تشعر بأن هناك شخص تتوق إليه‪ ،‬وكأنه قد صب‬
‫غرامه بقلبها دفعة واحدة ولكن كيف وهي في عصمة الحب‬
‫لرجل آخر‪.‬‬
‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫حملت روفيدا مًلبسها ودخلت الحمام‪ ،‬نظرت لنفسها‬
‫أمام المرآة‪ ،‬أخذت تلتف وتتراقص وتتمايل وهي تنظر‬
‫لهيئتها بإعجاب كبير‪ ،‬كان الضوء بالحمام يرتعش ولكنها لم‬
‫تنتبه له ألنها لم تعتاد أن تضيئه نهارا ً‪.‬‬
‫شعرت بشيء غريب وكأن هناك شيء ملتصق بقدمها؛ مالت‬
‫بجذعها ونظرت لساقها فلم تجد شيئاً؛ ضحكت بصوت عال‬
‫وأكملت الرقص وهي تغني‪ ،‬فجأة وصل أذنها صوت شيء‬
‫معدني يسقط؛ جثت على األرض وأخذت تفتش‪ ،‬وجدت‬
‫عمًلت معدنية كثيرة تمأل الحمام‪ ،‬لفت انتباهها صوت‬
‫صفير‪ ،‬فنظرت خلفها وجدته الطفل الذي رأته بالمطبخِ‪،‬‬
‫يضع يده بفمه ويصفر‪ ،‬ثم أخرج يده وقفز من على الشباك‬
‫أر ً‬
‫ضا‪ ،‬وأخذ يرقص ويقول‪:‬‬
‫ـ قِشطة عليك ياموز يا مقلوظ إنت‪ ،‬ياجميل يا قمر‪.‬‬
‫ثم عض شفتيه وأكمل‪:‬‬
‫ـ أما عليكي سمانة رجل وال هند رستم في زمنها‪.‬‬
‫لفت روفيدا جسدها بالمنشفة من الخجل‪ ،‬ثم صرخت به‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ واد إنت إيه إلّي دخلك الحمام وابن مين إنت؟‬
‫ثم اقتربت منه وسحبته من أذنه فصرخ‪:‬‬
‫ـ آاااااااااااي أااااااااااااااااااااي‪.‬‬
‫ثم مسك يدها‪ ،‬فوجدت هيأته تغيرت فجأة‪ ،‬ليصبح شاب‬
‫طويل عريض‪ ،‬التصقت بالحائط وجسدها يتصبب عرقًا‪ .‬قال‬
‫لها موب ًخا‪:‬‬
‫ـ مش عيب لما واحدة تمسك جوزها المستقبلي من ودانه‬
‫كده‪ ،‬ده سماح قبل ما تموت عمرها ماعملتها ياال صالحيني‪.‬‬
‫كانت روفيدا تنظر له في صمت‪ ،‬وأطراف جسدها تبرد‬
‫ودقات قلبها باتت سريعة بطريقة غير عادية‪ ،‬هذا الوجه‬
‫كثيرا ولكن أين؟ عندما وجدها صامتة أكمل حديثه‪:‬‬
‫رأته ً‬
‫ـ مش هتصالحيني يعني‪.‬‬
‫كلمات قالها وهو يقترب منها جدًا زاما شفتيه‪ .‬لم تتمالك‬
‫ضا‪ .‬صوت طرق على الباب‪.‬‬‫نفسها فسقطت أر ً‬
‫ـ ّ‬
‫ياال يا روفيدا أهل خطيبك جم‪.‬‬

‫***‬

‫‪27‬‬
‫نيكوابر‬
‫الرغيف النازف‬

‫لكزتها أمها‪ ،‬فنظرت جوارها وجدت نفسها على مائدة‬


‫الطعام‪ ،‬خجلت وظنت أن ما حدث كان خيال ليس أكثر؛‬
‫سمعت صوت حماتها تقول‪:‬‬
‫ـ كل السكوت ده علشان بنتكلم عن الفرح؟‬
‫تحدثت أمها‪:‬‬
‫ـ معلش أصل البنت بتتكسف‪.‬‬
‫تبسمت روفيدا وحاولت أن تشاركهم الطعام‪.‬‬
‫هو أنا طلعت من الحمام إزاي؟ ولبست إمتى ؟ وبقالي قد إيه‬
‫قاعدة معاهم؟‬
‫كلها أسئلة دارت في ذهنها بينما هم يتحدثون‪ .‬كان الجميع‬
‫يجلس على األرض‪ ،‬هناك "طبلية" للرجال‪ ،‬وأخرى‬
‫للنساء‪ ،‬محمد يرمقها كل فترة بنظرة‪ ،‬وهي ال تراه‪ ،‬أحست‬
‫بحماتها تتابع طريقة أكلها ومضغها للطعام‪ ،‬فتحاشت النظر‬
‫لها‪ ،‬وتناولت رغيف خبز‪ ،‬وضعت يدها لتقطع جزء من‬
‫الرغيف؛ فسمعت صرخة‪:‬‬
‫ت مافيش عندك رحمة‬
‫ـ آاااااااااااي كده تقطعي إيدي‪ ،‬إن ِ‬
‫باإلنتاج الغذائي‪.‬‬
‫كف إنسان مبتور أمامها؛‬ ‫نظرت جهة الصوت‪ ،‬وجدت‬
‫عندما وجدت الجميع يكمل‬ ‫جحظت عيناها ولجم لسانها‪،‬‬
‫ً‬
‫طويًل‪ ،‬وأخذت‬ ‫نظرت ألمها‬ ‫طعامه وال أحد يرى ما تراه؛‬
‫والدتها شفتيها في غضب‬ ‫تغمز لها تجاه الطعام‪ ،‬زمت‬

‫‪28‬‬
‫نيكوابر‬
‫ورمقتها بنظرة حادة معناها‪" .‬خلي ليلتك البيضة دي تعدي‬
‫على خير"‬
‫سمعت صوت حماتها جوارها‪:‬‬
‫ـ مالك ياروفيدا إنتي ما بتاكليش لحمة ليه؟ لسه صعبان‬
‫عليكي‪ ،‬وهللا عشنا وشفنا بنات أخر زمن‪.‬‬
‫انطلقت تلك العبارة منها بصوت عال ثم تبعتها ضحكة‬
‫سخريه‪ .‬نظرت لها روفيدا بابتسامة خفيفة مغلفه بصمت؛‬
‫كانت تخاف كل شيء‪ ،‬تعيش برهبة المستقبل وهذا البيت‬
‫الذي ستذهب إليه في القريب العاجل‪ ،‬وتشيب فيه وتموت‬
‫بين جدرانه‪ ،‬تركتها تسخر منها كما تريد وادعت الخجل‬
‫الزفاف وكل‬
‫ِ‬ ‫يوم‬
‫لتتفادى الرد‪ .‬بنهاية جلستهم اتفقوا على ِ‬
‫شيء‪.‬‬
‫عندما وجدتهم يهموا بالرحيل‪ ،‬ذهبت لتتحدث مع خطيبها‬
‫كما وعدها ولكنه تحجج بأن يوم العيد من طبعه االزدحام‬
‫والبد من مغادرته مع أهله ليعايدوا على باقي األهل‪ .‬غادرت‬
‫حماتها بضجر وهي تصب على أذن ابنها النصائح التي‬
‫خربت الكثير من البيوت؛ البد أن تعاملها بشدة كي تتحمل‬
‫المسؤلية‪ ،‬البد أال تتركها تتحدث وتجادل معك لتنفذ ما تطلبه‬
‫منها دون أن تنبس بكلمة واحدة‪ ،‬كن صارم معها وال تقل لها‬
‫كلمة حلوة أو تغازلها لتخافك‪ .‬في أول أيام زواجكم أريد أن‬
‫أسمع صراخها وأن تلطمها علي وجهها من أتفه األسباب‬
‫حتى ال تستطيع أن تنظر في عينيك وأن تأمرها بما تريد‪.‬‬
‫أبوه يمشي مطأطأ أذنيه يعد خطاه بجوارهم‪ ،‬متكئًا علي‬
‫عصاه‪ ،‬يفكر بكل كلمة تقولها ويتمنى أن يعود الزمن‬
‫ليستعيد رجولته التي داستها بجبروتها وأصبحت رجل البيت‬

‫‪29‬‬
‫نيكوابر‬
‫بدال منه‪ .‬كان عكس والدها بكل شيء‪ ،‬ال يسمع له صوت‬ ‫ً‬
‫ومتدين جدًا‪ ،‬ال تفارقه مسبحته وال يقوم من علي سجادة‬
‫صًلته إال لقضاء حوائجه‪ .‬ولكن هذا هو الطبع البشري‪ ،‬حب‬
‫النفس والتملك وفرض السيطرة‪ ،‬اإلفراط في أي شيء يجلب‬
‫التعاسة‪.‬‬
‫فمثًل طيبتك الزائدة عن الحد لن تجعل منك سوى شاب‬ ‫ً‬
‫بطباع عجوز الكل يتعامل معك على أنك بعقل َخرف تسمع‬
‫كلماتك وال تنفذ‪ ،‬وأنت خضوعك المطلق سيجعلك خادمة‬
‫لتلبي الحوائج ليس أكثر‪ .‬البد من االحترام المتبادل‬
‫كًل منا بشخصيته المستقلة‬ ‫والوسطية بكل شيء ليعيش ً‬
‫منفردًا بطباعه الخاصة‪ ،‬أن نجد من يقدرنا وقت الغضب‬
‫والتوتر وحاجتنا للوحدة‪ ،‬أن نخرج اإلنسان بداخلنا ونضع‬
‫صوب أعيننا أننا لن نعيش مدى الحياة‪.‬‬
‫كل شيطان جن ولكن‪..‬؟‬

‫اتجهت روفيدا لغرفتها وأغلقت الباب من الداخل حدثت‬


‫نفسها وهي تغدو في الغرفة جيئتا ً وإيابا ً‪:‬‬
‫ـ إيه الّي بيحصلي ده؟ أنا مش مجنونة‪ ،‬واشمعنى أنا الّي‬
‫بشوف الحاجات دي وماحدش بياخد باله؟‬
‫اقتربت من السرير وهي ترتبه بعد الفوضى التي أحدثتها قبل‬
‫ذهابها للحمام وعقلها ال يكف عن التفكير‪ ،‬أعادت كل‬
‫المًلبس التي لم ترتديها للدوالب مرة أخرى واضعة إياها‬
‫على األرفف بغضب‪ ،‬طوت فرش السرير ليأخذ شكل مثلث‬

‫‪31‬‬
‫نيكوابر‬
‫كما تحب أن تفعل دائ ًما‪،‬جلست علي طرف السرير وهي‬
‫تضع رأسها بين كفيها بحزن‪ ،‬تنهدت وزفرت كل ما في‬
‫صدرها بضيق وجدت يدًا ربتت علي كتفها في حنو‪ ،‬ثم‬
‫داعبت خصًلت شعرها؛ أحست باألمان وظنتها والدتها‪،‬‬
‫ً‬
‫قليًل في هدوء‪ ،‬دقيقة وتذكرت‬ ‫فهدأت أعصابها و بكت‬
‫غلقها للباب‪.‬‬
‫نهضت بفزعٍ‪ ،‬ونظرت علي السرير مجددًا وجدته نفس‬
‫الشاب الذي رأته بالحمام‪ ،‬صرخت فقام من مكانه‪ ،‬ووض َع‬
‫يده على فمها وقال‪:‬‬
‫ـ أنا مش هأذيكي‪ ،‬بس ما تصرخيش‪ ،‬ثم رفع يده من على‬
‫فمها‪ ،‬أخذت تتمتم وتقول "أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬
‫"‪ ،‬وصدرها يعلو ويهبط وكأنها تركض‪ .‬جلس الشاب علي‬
‫األرض وانفجر في الضحك‪.‬‬
‫ظلت مغمضة العينين وهي ترتجف وتكرر استعاذتها من‬
‫الشيطان‪ ،‬زاد بقلبها الخوف وهي الزالت تسمع صوت‬
‫ضحكاته‪ ،‬تسائلت بصمت إذا كان هذا شيطان‪ ،‬لماذا لم‬
‫ينصرف ؟!‬
‫قرأ أفكارها فقال‪:‬‬
‫ـ مين قالك إنَّي شيطان؟!‬
‫نظرت له بدهشة وفرائصها ترتعد‪ ،‬وسـألته‪:‬‬
‫ـ أومال إنت مين؟! ودخلت األوضة بتاعتي إزاي وأنا‬
‫قفًلها؟! وبعدين مش إنت الّي كنت في الحمام؟ يبقى إنت‬
‫عفريت فلفل وجاي تنتقم‪.‬‬
‫صمتت ً‬
‫قليًل وأكملت‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ وأنا طلعت من الحمام إزاي؟‬
‫شعرت بدوار فجأة‪ ،‬وصداع شديد برأسها فجلست أر ً‬
‫ضا‪.‬‬
‫اقترب منها وهو يحبو على األرض وكأنه طفل رضيع ثم‬
‫بسط يديه‪ ،‬وحدثها وهو رافع حاجبيه‪:‬‬
‫ـ أنا لبستك وشيلتك على إيديا إلّي يتلفوا في حرير دول‪،‬‬
‫وفضلت مصلبك جنبهم لحد ما أمك غزتك بكوعها وفوقتي‪.‬‬
‫أخذت تصرخ وتندب‪:‬‬
‫ـ ياميلة بختك يا فيفي؛ أنا كان مالي ومال الهم ده‪ ،‬عفريت‬
‫في أوضتي يا أمَّااا إلحقوني‪.‬‬
‫اقترب منها وقال‪:‬‬
‫ـ ما تعمليش في نفسك كده‪ ،‬تعالي في حضني وبطلي عياط‪.‬‬
‫قالت له غاضبة‪:‬‬
‫ـ ما تحترم نفسك وتبعد عني بقى؛ عايز تموتني موتني بدل‬
‫القهر الّي بقيت فيه ده‪.‬‬
‫وأكملت نواحها‪.‬‬
‫ـ يا سنينك الزرقا ياروفيداااااا‪ ،‬ياميلة بختك‪.‬‬
‫اعتدَ في وقفته‪ ،‬وشد ياقة قميصه وقال‪:‬‬
‫ـ احترم نفسي ليه يا أختي؛ أقل من أمير وال أقل من أمير؟‬
‫صمتت ونظرت له متسائلة‪:‬‬
‫ـ أمير مين؟‬

‫‪32‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بتاع مسلسل فريحة‪ .‬إوعي تكوني مفكراني مش شايفك‪،‬‬
‫الاا أنا متابعك من زمان أوووي؛ تنكري إنك بتقعدي متنحة‪،‬‬
‫ومقهورة كده وتحسدي البت "فريحه" عليه‪ ،‬وتقولي في‬
‫سرك ياريتني كنت أنا بصوت اسمه إيه ده مش فاكره؛ تعالي‬
‫"عبوسك" بوسة‪ ،‬بدل الي خلتك يغمى عليكي فيها في‬
‫الحمام دي وما بوستهاش؛ تعالي مش هتندمي‪.‬‬
‫أكملت الصراخ‪:‬‬
‫ـ عفريت عايز يبوس بنتك ياااما‪ ،‬ده أنا عمر ما بني آدم‬
‫عملها معايا‪ .‬إشبعي يااأختي كنتي بتدعي عليا‪ ،‬وتقولي‬
‫عفريت ينططك أهو بينططني أهوووت يادهوتي‪.‬‬
‫ـ بت يا فيفي‪.‬‬
‫ـ عايز إيه من زفتة؟‬
‫ـ أوالً‪ :‬ما تقوليش علي نفسك زفتة‪ ،‬ده إنتي قمر‪.‬‬
‫ثم نظر لها طويًل وقال‪:‬‬
‫ـ ثانيًا‪ :‬أنا مش شيطان أنا جن‪.‬‬
‫ويسارا بحركة‬
‫ً‬ ‫وضعت يدها علي وجهها ورأسها يهتز يمينًا‬
‫ال إرادية ثم قالت‪:‬‬
‫ـ يعني هتفرق يعني؟ ما كله سواد ناقع ما تتلم بقى وابعد‬
‫عني‪.‬‬
‫ـ ال تفرق كتير؛ كل شيطان جن‪ ،‬بس مش كل جن شيطان‪،‬‬
‫ألن الشيطان كافر‪ ،‬أنا مسلم زيك وبعدين ما تقوليش اتلم دي‬
‫تاني؛ إنتي ماتلمتيش ليه يا أختي‪ ،‬وإنتي عمالة تتدلعي‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫نيكوابر‬
‫وعمًللي "كيت هيدسون" وقاعدة تتمايصي قدام المراية‬
‫وترقصي‪ ،‬إنتي إلّي غوتيني‪.‬‬
‫سرت في جسدها رعشة مفاجئه؛ شعرت خًللها بأن شعر‬
‫رأسها انتصب وهناك تمنيلة غريبة تشل حركتها‪ ،‬تريد أن‬
‫تتحدث ولكن الحروف تتزاحم على طرف لسانها وتلجمها‪،‬‬
‫بعد صعوبة تمالكت نفسها وسألته‪:‬‬
‫ـ يعني إيه؟ رقصي وغنايا ده السبب‪.‬‬
‫ـ أيوه طبعًا يا حتة القشطة إنتي؛ خلتيني جيت من سابع‬
‫أرض علشان أخطفك يا جميل‪.‬‬
‫ـ تخطفني؟‬
‫ـ أقصد اتجوزك يعني‪.‬‬
‫انقبض قلبها فجأة‪ ،‬ففتحت عينيها دهشة‪ ،‬وأخذت تتلعثم‬
‫وهي تقول‪:‬‬
‫ـ تتجوز مين؟ ما تروح تتجوز جنية قريبتك‪.‬‬
‫ـ ال إنتي أحلى‪ ،‬وأنا بحبك بصراحة‪.‬‬
‫نظرت له في تعجب‪ ،‬فأكمل‪:‬‬
‫ـ أيوه بحبك وهقدر أحافظ عليكي واسعدك‪ ،‬على فكرة أنا‬
‫مخلص وهتشوفي‪.‬‬
‫ً‬
‫أصًل ‪ ،‬مش أبويا دبحك؟‬ ‫ـ ازاي تتجوزني‪ ،‬وإنت ميت‬
‫ضحك بسخرية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ الاا‪ .‬ده ياعيني فلفل الَّي اندبح؛ أنا كنت بحب اشوفك‬
‫واسمعك‪ ،‬بس كنت خايف أظهرلك تخافي مني؛ علشان كده‬

‫‪34‬‬
‫نيكوابر‬
‫كنت بدخل جسم فلفل‪ ،‬وأناديكي تسلّيني بالليل‪ ،‬لما أبوكي‬
‫دخل طلعت جري‪ ،‬وسبت فلفل لمصيره المحتوم‪ ،‬إهىء‬
‫إهىء إهىء‪ ،‬كان غلبان أوي فلفل ده‪.‬‬
‫ـ طيب مش إنت قلتلي إنك مسحور؟‬
‫ـ ال دي قصة كده‪ ،‬الواد حندق صاحبي قالها للموزة بتاعته‪،‬‬
‫وصعب عليها قلت أما أجرب أقولهالك‪ ،‬وشكلكم كلكم قلبكم‬
‫دعييييف‪ ،‬ما تطفي النور وأنا‪.....‬‬
‫قبل أن يكمل حديثه قامت روفيدا فزعة وصرخت قائلة‪:‬‬
‫ـ النور ال ال ال‪ ،‬هي ناقصة سواد يا ربي‪ ،‬النور ال الالاال‪.‬‬
‫ـ خًلص يا ستي جاتك لؤه‪ ،‬إنتي حرة؛ كنت هقولك وأنا‬
‫هحكيلك حدوتة‪ ،‬وأخدك على جناحي وأخليكي تشوفي بًلد‬
‫عمرك ما شوفتيها‪.‬‬
‫نظرت له متسعة العينين خائفه وسألته‪:‬‬
‫ـ إنت بتطير؟!‬
‫ـ أنا اعمل علشان خاطرك أي حاجة يا جميل ‪،‬هاتيجي؟‬
‫ـ طيب افرض خطفتني؟‬
‫ـ أوعدك هرجعك تاني‪ ..‬هااااااااا‬
‫ً‬
‫طويًل‪ ،‬ث َّم سألته‪:‬‬ ‫نظرت له روفيدا‬
‫ـ وأنا أثق فيك إزاي؟‬
‫رد عليها ضاح ًكا‪:‬‬
‫ـ مضيني على وصل أمانة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫نيكوابر‬
‫التفتت له وكأن الخوف والفزع الذي بداخلها تم انتشاله دفعة‬
‫واحدة‪ ،‬بدأت تتعامل معه وكأنه شخص يعيش معها وتعرفه‬
‫منذ سنوات‪ ،‬أطالت النظر إليه وهي تضغط أسنانها ببعضها‬
‫بغضب‪:‬‬
‫ـ إيه الظرف ده‪ ،‬أنا عمري ما شفت جن كده‪.‬‬
‫ـ داه علي أساس إنك شفتي قبلي‪ ،‬ده الواد لهيطة من كتر ما‬
‫بحكيله عنك‪ ،‬كان هيموت ويشوفك اتخانقت معاه‪ ،‬ولطشتله‬
‫‪ ..‬أه معلش‪ ،‬إال أهل بيتي أنا مش المؤاخذة يعني‪.‬‬
‫قالت له مشدودة لكلماته‪:‬‬
‫ـ طيب بص أنا موافقة أطير معاك بس بشرط‪.‬‬
‫كثيرا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اقترب منها حاتم‪ ،‬ونظر لها وهو يرمش بعينيه‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ـ يا نهار أبيض‪ ،‬شرط واحد‪ ،‬ده إنت تشرط وتؤمر يا جميل‪.‬‬
‫جزت على أسنانها مجددًا بغيظ‪:‬‬
‫ـ إنت صايع ليه كده؟‬
‫ـ أنا مش صايع‪ ،‬بس أبوكي هو الي خًلني انحرف‪ ،‬من كتر‬
‫ما بيتفرج علي قنوات الرقص بس ليه حق وهللا‪ ،‬في واحدة‬
‫تنام جنب جوزها بكلسون‪ ..‬كلسوووون يا فيفي‪ ،‬وكمان‬
‫بالطرحة‪ ،‬تعرفي ياحبيبتي لو عملتي كده لما نتجوز‪ ،‬هعمل‬
‫فيكي إيه!! هعلقك علي باب البيت من مناخيرك‪ ،‬علشان‬
‫تبقي عبرة لكل واحدة مهملة‪ّ ،‬‬
‫ياال بقى‪.‬‬
‫رفعت حاجبيها بدهشةٍ‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ إنت تعرف ده كله منين؟ وبعدين إيه الي بيدخلك عندهم؟‬
‫وقف فجأة وجذبها من يدها متجهًا بها إلي السرير‪ ،‬تقدمت‬
‫معه بخطوات مرتبكة حتى وصًل لحافة السرير فأجلسها‬
‫وجلس بجوارها وأجابها‪:‬‬
‫ت يا لوز‪ ،‬إنت قمر كده وبتروقي‬ ‫ـ أومال أنام فين؟ ما إن ِ‬
‫نفسك‪ ،‬قبل ما تنامى وتدهني وشك إشي مسك أبيض ومسك‬
‫أحمر‪ ،‬وإنتي حمرة لوحدك زي الطمطماية‪ ،‬وبنت الكلب الّي‬
‫اسمها فرحانة صاحبتك‪ ،‬أقنعتك تدكعي كوعك ورجلك بزيت‬
‫زيتون‪ ،‬ال ومخلية أبوها قاريلك عليها قرآن‪ ،‬أنام جنبك إزاي‬
‫بقي قوليلي؟ الحاجات دي بتخليني أطفش منك‪ ،‬زي ما‬
‫أبوكي بيطفش من أمك بسبب الكلسون‪.‬‬
‫مشيرا على الكرسي الموضوع عليه كوبًا من الماء‬
‫ً‬ ‫ثم أكمل‬
‫وبه بعض من عيدان الريحان‪:‬‬
‫ـ يا ما نفسي أكسر الكوباية‪ ،‬إلي كل يوم بتحطي فيها‬
‫ريحان‪ ،‬دي كمان علشان تبطلي تشمي فيه‪.‬‬
‫نظرت له بصمت غير مستوعبه لماذا يكره هذه األشياء ثم‬
‫سألته‪:‬‬
‫ـ طيب بتنام فين؟‬
‫ـ في مناخير أبوكي‪.‬‬
‫صدمتها الكلمة‪ ،‬فصرخت به قائلة‪:‬‬
‫ـ نعم؟!!‬
‫ـ أه وهللا‪ ..‬حمايا ده مسخرة وهللا‪ ،‬بيفضل يضحكني ويتاووب‬
‫وهو فاتح بقه‪ ،‬ال وإيه يقعد يقول هااااا هااااا هاااااا ساعة‪..‬‬

‫‪37‬‬
‫نيكوابر‬
‫أجي قايله مين هناك‪ ،‬وناطط في مناخيره‪ ،‬أقعد ألعب باليه‬
‫مائي شوية وبعدين أنام‪.‬‬
‫تذكرت أخوها "وحيد" ذات يوم وهي طفلة‪ ،‬كانت تتثاءب‬
‫وال تضع يدها على فمها‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫ـ عارفه فيه حديث صحيح عن أبي هريرة‪ ،‬بيقول فيما معناه‪.‬‬
‫إن ربنا بيحب العطاس ويكره التثاؤب‪ ،‬إلن لو حد عطس‬
‫وسمع صوته الي حواليه‪ ،‬بيدعو له بالرحمة‪ ،‬فيرد الحمد‬
‫هلل‪ ،‬أما الي بيتاوب ويسيب فمه مفتوح؛ ضحك عليه‬
‫الشيطان‪ .‬حطي إيدك علي بقك يًلاا يًلاا‪ ،‬متخليش الشيطان‬
‫اللعين دا يضحك؛ ثم حملها ولف بها الغرفة كلها فأغمضت‬
‫عينيها وتزينت بضحكاتها التي لم تخرج من قلبها سوى‬
‫معه‪ ،‬كان يومها شعرها طويل جدًا منسدل على ظهرها‬
‫ويغطيه بالكامل‪ ،‬عندما رفعها من على األرض طار معها من‬
‫كثرة الفرح‪.‬‬
‫ب الذكري صوت حاتم‪:‬‬
‫أخرجها من غياه ِ‬
‫ـ مش هنطير بقى؟‬
‫شعرت برغبة عارمة في البكاء وهي تتحسس شعرها‬
‫القصير؛ أول مرة أمسكت المقص وجزته كان في ليلة أحد‬
‫وال زالت تذكر اليوم والتاريخ وكأنهما حدثا اآلن‪ ،‬كان مشهد‬
‫غريب؛ تركض خلف وحيد الذي يحمل حقائبه ويبكي بعد أن‬
‫طرد من البيت‪ ،‬الحقها والدها ممس ًكا بها من شعرها حتى‬
‫اختفى أخوها من أمام عينيها‪ ،‬دخلت غرفتها وقصت شعرها‬
‫وكأنه كان السبب في إجبارها على البقاء في هذا البيت‪،‬‬
‫ومن بعدها كلما تأذت مشاعرها تقصه وكأنه دميتها بالصغر‬
‫تصب عليه كل غضبها وبعد انتهائها تجفف دموعها‬

‫‪38‬‬
‫نيكوابر‬
‫وتتنفس الصعداء وهي تشعر بالقوة‪ ،‬تساقطت دموعها‬
‫عنوة‪ ،‬حاول أن يهدأها دون جدوى؛ فوضع إصبعه على‬
‫خده‪ ،‬وصمت لبرهة‪ ،‬ثم أردف‪:‬‬
‫ـ طب تيجي أوريكي الواد توفيق الي بقاله سنين غايب‪ ،‬هو‬
‫فين؟‬
‫قالت ساخطة وهي تمسح دموعها بأطراف فستانها‪:‬‬
‫ـ توفيق! إلي بيته في غرب البلد؟ ‪ ،‬بس ده بيقولوا مات‬
‫وأهله كمان أخدوا فيه العزا‪.‬‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال حاتم‬
‫ـ مااااات إيه بس ده ابن محظوظة‪ ،‬ده اتجوز حتة جنية إنما‬
‫إيه‪ ،‬شبه بنات المنصورة عندكم حاجة كده احتًلل‪.‬‬
‫قالت له متعجبة لحديثه‪:‬‬
‫ـ طب ودي حبته على إيه بقى؟!‬
‫ثم أكملت ممازحة‪:‬‬
‫ـ كان عنده سمانة هند بردو؟‬
‫ـ إيه ده إنتي قلبتي سماح ليه؟؟ ما أنت كنت "مؤتييبه"‪.‬‬
‫ـ تقصد إيه يعني؟‬
‫ـ وال حاجه ياستي‪ ،‬هقولك إيه السبب؛ هو كان مايص زيك‬
‫كده برده‪.‬‬
‫نظرت له مضيقة عينيها ثم قالت‪:‬‬
‫ـ هتغلط تاني هجيب إزازة المسك وادفسها في مناخيرك‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ تدفسيها تصدقي قفلتيني ومش هحكي‪.‬‬
‫ـ الالال خًلص ياتيمو بهزر‪.‬‬
‫رفع يده بوجهها ثم قال‪:‬‬
‫ـ سيمااااااح بًلش تيمو دي بتوتري أعصابي‪.‬‬
‫غضبت منه وقالت له بحدة‪:‬‬
‫ـ لو شبهتني بيها تاني هزعلك‪.‬‬
‫ـ خًلص خًلص هقولك‪:‬‬
‫ـ بصي ياستي أبوه كان شغال في العراق "عامل" في فندق‪،‬‬
‫وواحد أجنبي رمى بوكسرين في األوضة بتاعته‪ ،‬لقاهم وهو‬
‫بينضف؛ فرح وقال يجيبهم للولية تغير فيهم؛ شافهم توفيق‬
‫شبط فيهم‪ ،‬ماكانوش لسه نزلوا‪ ،‬والشباب كلها بقت تسقط‬
‫البنطلون‪ ،‬علشان توريكم إنهم البسين قطونيل‪ ،‬قعد يتمخطر‬
‫طول اليوم بيهم زي الوزة المتزغطة‪ ،‬وكان عنده عضًلت‬
‫مربيهم من شيل الطوب في الورشة‪ ،‬فضل يبص لنفسه في‬
‫المراية‪ ،‬ويعمل حركات بعضًلته‪ ،‬شافته بقى وحبته من أول‬
‫بوكسر‪ .‬وأهو متهني يا أختي‪ ،‬كل يوم تعملّه شكل‪ ،‬مرة‬
‫هيفا‪ ،‬مرة إليسا‪ ،‬ومره البت الموزة إلي في فيلم حصل خير‬
‫دي‪.‬‬
‫صمتت لثوان‪ ،‬حتى تذكرت اإلسم وقالته‪:‬‬
‫ـ قمر؟‬
‫سا‪:‬‬
‫اقترب منها‪ ،‬وقال هام ً‬
‫ـ مفيش حد غيرك قمر ياااالوز إنت‪ .‬مش هتيجي بقى؟‬

‫‪41‬‬
‫نيكوابر‬
‫قالت فرحة‪:‬‬
‫ـ نطير‪.‬‬
‫ـ إيه رأيك؟‬
‫ـ امممممم أفكر‪.‬‬
‫وقف بالشارع " توكتوك "‪ .‬نظرت للجن‪ ،‬وهي الزالت‬
‫تفكر؛ فوجدته يزم شفتيه بغضب‪ ،‬ويقول بصوت منخفض‪،‬‬
‫وجسده يهتز بالكامل‪.‬‬
‫ـ خليه يقفله‪ ،‬خلييييييبيه يقفله‪.‬‬
‫لم تفهم ما الذي يقصده‪ ،‬نظرت له مجددًا‪ ،‬وجدته يرتجف‬
‫ويضع يده على رأسه ويردد‪:‬‬
‫ـ تكذبان‪ ،‬تكذبااااان‪ ،‬تكذباااااااان‪ .‬ااااااااه‪.‬‬
‫يصرخ ويرددها‪ .‬استرقت السمع‪ ،‬ووضعت أذنها على‬
‫الحائط‪ ،‬سمعت صوت منخفض ال تعلم‪ ،‬هل أغاني أم تمتمة؟‬
‫فتحت الشباك مرة واحدة؛ فدوي الصوت‪ ،‬وسمعت بوضوح‬
‫(سورة الرحمن)‬
‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّ َب ِ‬
‫ان‪..‬‬ ‫الري َحان‪َ ..‬ف ِبأ َ ّ‬ ‫ف َو َّ‬ ‫" َوال َحب ذو ال َعص ِ‬
‫ج‬
‫َّار ٍ‬
‫ان ِمن م ِ‬ ‫ق ال َج َّ‬ ‫صا ٍل كَالفَ َّخ ِار‪َ ..‬و َخلَ َ‬ ‫صل َ‬‫سانَ ِمن َ‬ ‫اإلن َ‬
‫ق ِ‬ ‫َخلَ َ‬
‫ان‪َ ..‬رب ال َمش ِر َقي ِن َو َرب‬ ‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّبَ ِ‬ ‫ِ ّمن نَّ ٍار‪ ..‬فَ ِبأ َ ّ‬
‫ان‪َ ..‬م َر َج ال َبح َري ِن َيلت َ ِق َي ِ‬
‫ان‪..‬‬ ‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّ َب ِ‬
‫ال َمغ ِر َبي ِن‪ ..‬فَ ِبأ َ ّ‬
‫ان"‪.‬‬ ‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّبَ ِ‬ ‫ان‪ ..‬فَ ِبأ َ ّ‬
‫بَينَه َما بَر َزخ ّال يَب ِغيَ ِ‬
‫كانَ صوت الشيخِ عذب‪ ،‬فأخذت تستمع له في خشوع‪ ،‬وبعد‬
‫بالقرآن معه وتقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫برهة أخذت تتغنى‬

‫‪41‬‬
‫نيكوابر‬
‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما‬‫"فَيَو َمئِ ٍذ ّال يسئًل عَن ذَن ِب ِه ِإنس َوال َجان‪ ..‬فَ ِبأ َ ّ‬
‫اصي‬ ‫ان‪ ..‬يع َرف المج ِرمونَ ِبسِي َماهم فَيؤ َخذ ِبالنَّ َو ِ‬ ‫تك َِذّ َب ِ‬
‫ان‪َ ..‬ه ِذ ِه َج َهنَّم الَّ ِتي يكَذِّب‬ ‫ي ِ ءا َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّبَ ِ‬
‫َواألَقد َِام‪ ..‬فَبِأ َ ّ‬
‫يم آ َ ٍن‪ ..‬فَ ِبأ َ ّ‬
‫ي ِ ءا َ َالَ ِء‬ ‫ِب َها المج ِرمونَ ‪ ..‬يَطوفونَ بَينَ َها َوبَينَ َح ِم ٍ‬
‫ان"‬‫اف َمقَا َم َر ِبّ ِه َجنَّت َ ِ‬
‫ان‪َ ..‬و ِل َمن َخ َ‬ ‫َر ِبّك َما تك َِذّ َب ِ‬
‫ـ إخرسييييي‪ ..‬بس بقى‪ ..‬إسكتي إسكتييي‪.‬‬
‫فتقطع صوتها‪ ،‬وهي تتغنى‪:‬‬
‫ـ فبأي ءا َ ِ‬
‫الء ربكما تكذ‪....‬‬
‫التفتت له وجدته يتلوى على األرض‪ ،‬كالمصاب بمغص‬
‫كلوي شديد‪ .‬اقتربت منه‪ ،‬ووضعت يدها على وجهه‪ ،‬وأخذت‬
‫تحدثه‪:‬‬
‫ـ مالك‪ ،‬إيه إلي بيحصلك؟‬
‫أشفقت على حاله‪ ،‬وبكت‪ ،‬فوضع يده على وجهها‪ ،‬وسألها‪:‬‬
‫ـ حبتيني زي ماحبيتك؟‬
‫كان " التوكتوك "ابتعد‪ ،‬ولم يعد هناك صوت‪ .‬من وسط‬
‫دموعها قالت بصو ٍ‬
‫ت متهدجٍ‪:‬‬
‫ـ أنا حاسة إني شفتك كتير قبل كده‪ ،‬مش عارفة ليه مابقتش‬
‫خايفة منك‪ ،‬مًلمحك وصوتك مش غريب عني‪ .‬أنا طول‬
‫عمري بخاف من الجن والعفاريت‪ ،‬وساعات كنت بحس إن‬
‫ملكمش وجود ودي قصص خرافية وخًلص‪ ،‬إنت غيرت‬
‫نظرتي ليهم خالص‪ ،‬بس برده ما ينفعش نتجوز‪ ،‬إنت مش‬
‫بني آدم زيي‪.‬‬
‫قال لها بصوت يصاحبه األلم‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ً‬
‫أوال‪ :‬اللي مش بيعترف بينا ده يعتبر كافر‪ ،‬ألن فيه سورة‬
‫ً‬
‫وفعًل إنتي شفتيني‬ ‫كاملة عننا في القرآن اسمها "الجن"‪،‬‬
‫كتير قوي‪ ،‬أنا من زمان وأنا جنبك‪ ،‬كنت بجيلك في الحلم‬
‫واتكلم معاكي‪ ،‬وكنت براقبك من بعيد‪ ،‬ولما كنتي بتقفلي على‬
‫نفسك األوضة وتعيطي‪ ،‬كنت باجي أقعد معاكي وأسليكي من‬
‫غير ما تعرفي‪ ،‬علشان ما تخافيش لحد ما لقيت الوقت‬
‫المناسب‪ ،‬وقلت الزم أظهرلك‪.‬‬
‫صمت لبرهة‪ ،‬ثم قال هسألك سؤال‪:‬‬
‫ـ مين الي قال لسيدنا سليمان إنه ممكن يجيب عرش ملكة‬
‫سبأ؟‬
‫داعبت خصًلت شعرها وهي تفكر‪ ،‬ثم هللت قائلة‪:‬‬
‫ـ أيوه أنا عارفة الشيخ "علي" ‪ ،‬بيحب يقول القصة دي في‬
‫الخطبة بتاعة الجمعة على طول استنى هفتكر‪.‬‬
‫وضعت يدها علي وجهها‪ ،‬وأخذت تتلو عليه بعض اآليات‬
‫من سورة النمل‪:‬‬
‫امكَ‬‫" قَا َل ِعفريت ِمنَ ال ِج ِّن أ َ َنا آَتِيكَ بِ ِه قَب َل أَن تَقو َم ِمن َمقَ ِ‬
‫ب‬‫علَي ِه لَقَ ِوي أ َ ِمين (‪ )93‬قَا َل الَّذِي ِعندَه ِعلم ِمنَ ال ِكتَا ِ‬ ‫َو ِإ ِنّي َ‬
‫أَنَا آ َ ِتيكَ ِب ِه قَب َل أَن َيرتَدَّ ِإلَيكَ َطرفكَ َفلَمَّا َرآَه مست َ ِق ًّرا ِعندَه قَا َل‬
‫َهذَا ِمن فَض ِل َر ِبّي ِليَبل َو ِني أَأَشكر أَم أَكفر َو َمن َ‬
‫شك ََر فَ ِإنَّ َما‬
‫غنِي ك َِريم (‪")12‬‬ ‫س ِه َو َمن َكفَ َر فَ ِإ َّن َر ِبّي َ‬
‫يَشكر ِلنَف ِ‬
‫بعدما انتهت رفعت يدها من على وجهها وصرخت كطفلة‪:‬‬
‫ـ أيوه بلقيس الي اتذكرت في القرآن‪.‬‬
‫ضحك حاتم وقال‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ً‬
‫أوال‪ :‬اسم بلقيس مااتذكرش في القرآن‪ ،‬بس القصة اتذكرت‬
‫في سورة النمل‪ ،‬لما سيدنا سليمان كان بيتفقد حاشيته‪،‬‬
‫وكان من ضمنهم هدهد‪ ،‬فضل يدور عليه مش لقاه‬
‫فاستحلفله بقى لما ييجي ليعذبه‪ .‬جه الهدهد وحكاله على‬
‫الناس الي شافها في سبأ‪ ،‬وقاله عن إنه لقى امرآه عندها‬
‫عرش عظيم وإن هي والقوم بتوعها بيسجدوا للشمس‪ ،‬قاله‬
‫امرأة‪ ،‬مش بلقيس‪.‬‬
‫ـ يعني هي مااسمهاش كده؟‬
‫ـ ال اسمها بلقيس‪ ،‬بس اسمها مااتذكرش في القرآن زي ما‬
‫إنتي قولتي اتذكر لفظ " امرأة" فحبيت انبهك‪ ،‬علشان لو‬
‫حد سألك ما تبقيش زي كيس البرتقال أبو صره‪.‬‬
‫ثم احول بعينيه وهو يقلد صوت ضحكتة الساحرة الشريرة‬
‫التي نراها بأفًلم الكارتون "نهه هاا هاااا‪ .‬ضحكت روفيدا‬
‫حتَّي دمعت عيناها‪ .‬اقترب منها‪ ،‬وقال هامسًا‪:‬‬
‫ـ أول مرة أعرف إن دموع العين بتحلي‪.‬‬
‫لم تعرف ماذا تقول‪ ،‬فهي لم تسمع كلمات غزل سوى بالتلفاز‬
‫وكل ما استطاعت فعله هو تغيير دفة الحديث‪:‬‬
‫ـ مش هتكمّل القصة ّ‬
‫وال إيه؟!‬
‫منتصرا‪ ،‬بعدما جعلها تخجل‪ ،‬واسترسل في الحديث‪:‬‬
‫ً‬ ‫ابتسم‬
‫ـ هكملك ياست فيفي الي حصل‪ ،‬طبعًا سيدنا سليمان كان‬
‫عايز يعرف الحقيقة‪ ،‬فقاله يروح برسالة ليهم يدعوهم فيها‬
‫لعبادة ربنا‪ .‬لما استلمت بلقيس الرسالة‪ ،‬وقفت تقراها‬
‫للشعب بتاعها‪ ،‬وقالتلهم إنها مش هتاخد قرار إال لما‬
‫يستشيروا بعض‪ ،‬فقعدوا بقى يقولولها احنا أقويا وعددنا‬

‫‪44‬‬
‫نيكوابر‬
‫كبييير‪ ،‬وقالولها األمر ليكي عايزة تحاربي نحارب‪ ،‬بس‬
‫بلقيس كانت ناصحه‪ ،‬خافت عليهم من األسر والمهانة‬
‫والقتل‪ ،‬فقررت تبعتله هدية‪ ،‬وتشوف رد فعله‪ ،‬يا إما يقبلها‬
‫مثًل‪ ،‬تتبعت كل سنة‬‫ويبعد عنهم‪ ،‬يا إما يفرض عليهم جزية ً‬
‫والقرآن قال "هدية"‪ ،‬ما قالش مرجان وياقوت ودهب‬
‫وتماثيل وأحمدك يارب‪.‬‬
‫ثم تأفأف ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫أبو األفورة بتاعت اإلعًلم بتاعكم ده‪ ،‬الواحد بيحس إنه‬
‫بيتفرج على مغارة علي بابا‪.‬‬
‫ثم ختم حديثه بضحكة طويلة‪ .‬نظرت له روفيدا بغضب‪،‬‬
‫فأكمل وهو يتنحنح‪:‬‬
‫ـ إحم المهم‪ ..‬سيدنا سليمان رفض الهدية‪ ،‬وقرر يخرج‬
‫ويقاتل سبأ‪ ،‬وقبل مايخرج قال مين منكم يجيبلي عرشها قبل‬
‫قدومها؟ فعرض عليه عفريت من الجن إنه يجيبه‪ ،‬لما جات‬
‫بلقيس بقى اندهشت من ملك سليمان وحكمته وأسلمت‪،‬‬
‫شفتي بقى إننا مذكورين في القرآن وبقوتنا كمان‪.‬‬
‫راجعت روفيدا اآلية مرة أخرى وقالت‪:‬‬
‫ـ بس العفريت عرض إنه يجيبه‪ ،‬بس ما اتذكرش إن هو الي‬
‫جابه‪.‬‬
‫ً‬
‫طويًل‪ .‬كان كل همه يستعرض قوته طبعًا‪ .‬بعدَ‬ ‫صمت الجن‬
‫برهة قال‪:‬‬
‫ـ أيوه مش هو الي جابه‪ ،‬الي عنده علم الكتاب إلي يعرف‬
‫اسم ربنا األعظم‪ ..‬دعا ربنا فالدعوة استجابت والعرش جه‪..‬‬
‫بس ده ما يمنعش إننا أقويا‪ ،‬لو ماكنش الجن هيقدر يجيبه‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫نيكوابر‬
‫ماكنش عرض على سيدنا سليمان إنتي شفتي كان هيعمل‬
‫في الهدهد إيه علشان ملقهوش‪ ،‬هو العمر بعزقة يعني‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا وقالت‪:‬‬
‫ـ ماشي ياسيدي أقنعتني‪ ،‬بس ما ينفعش نتجوز أنا وإنت‬
‫ً‬
‫أصًل‪ ،‬وبعدين أنا مخطوبة وإنت‬ ‫برده‪ ،‬إلنك جن مابتتشافش‬
‫عارف‪.‬‬
‫‪ -‬ليه ما ينفعش؟ طب ما أنا هتشكلك في أحلى صورة إنتي‬
‫عايزاها‪.‬‬
‫قاطعته قائله‪:‬‬
‫ـ نتكلم في الموضوع ده بعدين لما تبقى كويس‪ ،‬أجيبلك‬
‫الدكتور بتاع الوحدة‪.‬‬
‫ضحك ونظر لسقف الغرفة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ هتجيبي دكتور لجن في أوضتك‪ ،‬تعرفي إنتي طيبة أوي‪،‬‬
‫وده بيخليكي تصعبي عليا‪ ،‬بس أنا بحبك ودي حاجة غصب‬
‫عني‪ ،‬الزم تكوني ليا وبس‪.‬‬
‫أمسك يدها وقبلها وجذبها إليه‪ ،‬نظرت لوجهه‪ ،‬وكأن هناك‬
‫طيف يجذبها‪ ،‬شعرت بأن روحه تعانقها‪ ،‬لم تتخيل فارس‬
‫أحًلمها يو ًما بهذا الحسن‪ ،‬عيناه لونهما غريب‪ ،‬وكأنهما‬
‫بحر يدعوك للغوص فيه‪ ،‬وجه ساحر بكل ما تعنيه الكلمة‪،‬‬
‫من يراه يقع سجينًا لتأثير جماله‪ .‬حاوط خصرها بيده‪ ،‬وكاد‬
‫أن يقبلها‪ ،‬فدفعته بعيدًا عنها‪ .‬شعرت بدوار مرة أخرى‪،‬‬
‫ً‬
‫طويًل‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬ ‫نظرت له‬
‫ـ أنا حاسة إحساس غريب‪ .‬إنت إزاي مسيطر عليا كده‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫نيكوابر‬
‫نهض بصعوبة وقال‪:‬‬
‫ـ ألني بحبك‪.‬‬
‫شهقت وهي الزالت تشعر بدوار‪ ،‬وقالت له‪:‬‬
‫ـ والحب ده هيخليني أعيش معاك تحت األرض؟‬
‫كثيرا‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫ضحك ً‬
‫ـ ليه‪ ،‬هو إنتي هوا علشان أشفطك وأنفخك معايا تحت‬
‫األرض‪ ،‬الخاصية دي متاحة في هواتف األندرويد بس‪ ،‬الّي‬
‫هو إحنا يعني‪.‬‬
‫ـ إنت بتهزر؟؟‬
‫ـ ما إنتي غريبة أوي يافيفي‪ ،‬ثم مسكها من وجنتاها وقال‪:‬‬
‫ـ الخدود دي الي هي لحمة يعني‪ ،‬هتخترق األرض إزاي‪ ،‬أنا‬
‫ممكن أخدك المملكة بتاعتنا عن طريق أوكار وتمشي في‬
‫خنادق تحت األرض‪ ،‬بس إنك تخترقي أبواب وأرض‬
‫وحاجات من دي مستحيل طبعًا‪ ،‬بصي أنا أعرف واحدة جنية‬
‫عايشة في إسكندرية‪ ،‬مأجرة شقة في كرموز ومعاها دلوقتى‬
‫‪9‬عيال‪.‬‬
‫تبسمت خيبة‪ ،‬وزادت على حديثه وهي تسترد استقرارها‬
‫النفسي من جديد‪:‬‬
‫ـ مأجرة!!! كمان فقر‪ ،‬ال ياعم مش العبة‪ ،‬وبعدين ياال‬
‫علشان نطير أنا اتشوقت‪.‬‬
‫ـ إيه ده؟! يعني أخيرا ً هبقى عًلء الدين‪ ،‬وإنتي ياسمينا‪،‬‬
‫قشطة‪ ،‬طب ّ‬
‫ياال تحبي أتشكلك في إيه؟‬

‫‪47‬‬
‫نيكوابر‬
‫صمتت لثوان‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫ـ اممممممم‪ ،‬بص كنت بشوف عالم الطيور الجمعة الي‬
‫فاتت‪ ،‬وكان فيه حمامة اسمها "نيكوبار" شكلها حلو أوي‪،‬‬
‫عايزاها‪.‬‬
‫قال بدون أن ينظر لها‪:‬‬
‫ـ على آخر الزمن حاتم يبقى نيكوبار‪ ،‬و كمان حمامة أنثى!!‬
‫ده حتى عيب على رجولتي‪ ،‬بس ياال كله يهون علشان‬
‫خاطرك يا جميل‪ .‬غمضي‪.‬‬
‫ـ أهوووو‪.‬‬
‫أغمضت روفيدا عينيها‪ ،‬وعندما طلب منها أن تفتحهم مرة‬
‫أخرى‪ ،‬وجدت أمامها حمامة لم تكن تتوقع أنها بهذا الجمال‪،‬‬
‫فمهما شاهدنا بالتلفاز ال يصل جمال المنظر كما هو‪ .‬رأسها‬
‫باللون الرمادي وريشها بلون خضار ريش الطاووس‪،‬‬
‫وبنهاية ذيلها هناك عًلمة بيضاء‪ .‬وقف حاتم يحرك ذيل‬
‫نيكوبار‪ ،‬ويحرك أجنحته كطائرة تتأهب لإلقًلع‪.‬‬
‫ـ إحم‪ ..‬إحم‪ ..‬يًل ياهانم قد حان موعد التحليق‪ ،‬وبسرعة ألن‬
‫الست نيكوبار جيالك من جنوب شرق آسيا والولية اتبهدلت‬
‫في الطريق‪.‬‬
‫ثم وضع جناحه قرب منقاره وقال‪:‬‬
‫ـ أصل بعيد عنك المدام حامل‪.‬‬
‫لحقت كلماته ضحكة بصوت عال ثم أكمل‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بس هعمل إيه الوحيدة الي بتحب المغامرة في جزيرة‬
‫نيكوبار‪ ،‬ده أنا سلكتها من جوزها بالعافية‪ ،‬أصل قال إيه‬
‫بيغير‪ ،‬خايف عليها من تيمو قال‪ ،‬ده أنا وديع‪.‬‬
‫نظرت له ضاحكة‪ ،‬واقتربت منه لتمتطيه‪ .‬ابتعد عنها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ رايحة فين؟‬
‫قالت له في دهشة‪:‬‬
‫ـ هكون رايحة فين‪ ،‬إنت رجعت في كًلمك؟!‬
‫ـ ال‪ ،‬بس هطلع بيكي من الشباك ده ازاي؟؟ إنتي زي‬
‫الشاطرة تتسحبي وتطلعي من باب البيت‪ ،‬وهستناكي برة ‪،‬‬
‫وياال علشان نيكوبار بدأت تضايق‪.‬‬
‫ـ طيب حاضر‪.‬‬
‫أخذت طريقها للخروج‪ ،‬فسمعت صوته مجددًا‪:‬‬
‫ـ بسسسس بسس‪ ،‬ياغزال ياللي ماشي‪ ،‬يا أرض اتهدي‪،‬‬
‫ياحتة جبنة فيتا من غير زتون‪.‬‬
‫نظرت له وهي منفجرة من الضحك‪:‬‬
‫ـ وجدته يستعمل جناحه كمروحة‪ ،‬ووجهه أحمر بلون‬
‫الكريز‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ـ مالك؟‬
‫ـ مالي إيه بس‪ ،‬ياال هقولك واحنا في السما‪.‬‬
‫ثم طار ووقف برهة بالشباك‪ ،‬وأخذ يدندن‪:‬‬
‫ـ إديني حنان ملي أنا مث حاثة بقالي زمان‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫نيكوابر‬
‫ضحكت وقالت‪:‬‬
‫ـ حتّى اإلعًلن ده حافظه‪.‬‬
‫ـ بقولك أبوكي بيشووووف بًلوي بًلاااوي يافيفي‪ ،‬أمال لو‬
‫أقولك الحاجات التانية إلي انا حافظها ياااااختااي‪.‬‬
‫أشاحت له بوجهها وهي تعطيه ظهرها وتتجه صوب الباب؛‬
‫فتحت جزء منه وأخذت تختلس النظر للصالة لبضع ثوان‬
‫لتتأكد من أن والدها الزال بالخارج يعايد أقاربه فقد خرج بعد‬
‫مغادرة أهل خطيبها وذهبت والدتها للحظيرة لتقف علي يد‬
‫"أم حسن" وهي تنظفها من بواقي الذبح‪.‬‬
‫كان بجوار بيتهم عدد كبير من البيوت وعلى أول الشارع‬
‫مسجد بوسط األراضي الزراعية؛ أخذت طريقها لخارج‬
‫المنزل بخفة حتى ال ينبح "أوباما" وهو كلب والدها‪،‬‬
‫مسحت الطريق بعينها لترى حاتم‪،‬عندما رأها تخرج من‬
‫البيت لفت انتباهها بصوت أجنحته فالتفتت جهة الصوت‬
‫وجدته يقف على شجرة صفصاف قريبة من البيت‪ ،‬ما إن‬
‫اقتربت من الشجرة حتى نزل أر ً‬
‫ضا‪.‬‬
‫وجدت يدًا تجذبها من ذراعها‪ ،‬التفتت هلعة وجدتها فرحانة‬
‫صديقتها‪.‬‬
‫ـ كل سنه وإنتي طيبة يا فيفي‪ ،‬بس إيه الحًلوة دي‪ ،‬فستانك‬
‫جميل قوي‪.‬‬
‫قالت كل هذا وهي تقبّلها عدة مرات‪ .‬توقفت لثوان لتأخذ‬
‫أنفاسها‪ ،‬ثم قالت لها وجسدها اليزال به رجفة الفزع‪ ،‬ودقات‬
‫قلبها سريعة‪ .‬لقد خافت أن يكون أحد من أهلها‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫نيكوابر‬
‫ختصارا لإلسم كما‬
‫ً‬ ‫ـ وإنتي طيبة يا فرح ‪ -‬هكذا كانت تناديها‬
‫يفعل أهلها وينادوها فيفي ‪ -‬مش أجمل من فستانك‪.‬‬
‫سألتها فرحانة‪:‬‬
‫ـ رايحة فين في الوقت دا المغرب قرب يأذن؟!‬
‫ـ هتمشى لحد أخر الشارع وأرجع‪ ،‬ما صدقت إن أبويا مش‬
‫في البيت قلت أطلع اتفك شوية‪.‬‬
‫سمعت صوت غريب‪ ،‬فالتفتت بنظرها إلى حاتم‪ ،‬وجدته يحفر‬
‫في األرض بمنقاره بغضب‪ ،‬ثم رفع جناحه ووضعه بوسط‬
‫ً‬
‫قليًل‬ ‫جسده‪ ،‬وأخذ يهز ساقه‪ ،‬أشارت له بيدها أن أصبر‬
‫ولكن فرحانة لم تكف عن الحديث‪.‬‬
‫نظرت له مجددًا‪ ،‬فأخرج لسانه من منقاره ورمى بنفسه على‬
‫األرض نائم علي ظهره ورافعًا ساقيه ألعلى‪ ،‬وكأنهم‬
‫متخشبتان واصطنع الموت‪.‬‬
‫انفجرت روفيدا من الضحك‪ ،‬فصفعتها فرحانة على كتفها‬
‫مداعبة‪ ،‬وسألتها عما يضحكها فابتلعت ريقها ولم ترد‪.‬‬
‫غضب الجن وطار في الهواء‪ ،‬فصرخت فرحانة‪ .‬نظرت لها‬
‫روفيدا وسألتها‪:‬‬
‫ـ مالك يا فرح؟‬
‫ـ قالت فرحانة بإشمئزاز‪:‬‬
‫ـ ييييييييييع‪.‬‬
‫ـ إيه بس؟‬

‫‪51‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ مش شايفة يعني الحمامة الي عملت عليا بيبي دي‪ ،‬يييييع‪،‬‬
‫ريحته معفنة خالص‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا وقالت‪:‬‬
‫ـ بس ماله كتير كده ليه؟ شكلها ياعيني جالها نزلة معوية‬
‫من الدهنة إلي في لحمة العيد‪ ،‬روحي غيري هدومك‪.‬‬
‫ـ طيب يا ستي سًلم‪.‬‬
‫ما إن غابت فرح عن نظرها‪ ،‬حتى هرولت تجاه حاتم‪ ،‬كان‬
‫الزال نائ ًما على ظهره‪ ،‬وهو واضع جناحه على صدره‪،‬‬
‫الضحك بطريقة هستيرية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ومنفجر من‬
‫قالت له‪:‬‬
‫ـ دي حركة تعملها يا تيمو!!‬
‫ـ بتمد إيدها عليكي ليه؟ تعرفي لو كنت حسيتك اتوجعتي كنت‬
‫أذيتها بجد‪.‬‬
‫قالت له بلهجة حادة حتى ال يكرر فعلته‪:‬‬
‫ـ بس دي بتهزر‪.‬‬
‫ـ ما تمدش إيدها برده‪ ،‬وياال اطلعي‪.‬‬
‫اعتلت روفيدا ظهرها‪ ،‬وهي تشعر بشيء يجذبها تلقائيًا‪،‬‬
‫كأنها مغيبة‪ ،‬أصبحت ال تخافه وال تخاف شيء‪ ،‬فقط تريد أن‬
‫تفعل ما يمليه عليها‪.‬‬
‫جسده أصبح عمًلق‪ ،‬وكأنه ديناصور طائر‪ ،‬أصبحوا اآلن‬
‫بالسماء‪ ،‬فكت ضفيرتها بفرحة‪ ،‬الهواء بدأ يداعب شعرها‬

‫‪52‬‬
‫نيكوابر‬
‫وكأن أحدهم يصففه بحنان‪ ،‬نسمات تقبل وجنتيها‪ ،‬إحساس‬
‫بنشوة غريبة يسري بجسدها‪.‬‬
‫ً‬
‫محاوال لفت انتباهها‪:‬‬ ‫قال حاتم‬
‫ـ إحم إحم‪ ..‬ياااهانم‪ ..‬يا أستاذة‪.‬‬
‫أفاقت مما هي به وقالت‪:‬‬
‫ـ نعم‪.‬‬
‫ـ هو حد قالك إنك راكبة حمار؟‬
‫زامت ما بين حاجبيها‪ ،‬وقالت له متعجبة‪:‬‬
‫ـ ليه بتقول كده؟‬
‫ـ ما أنتي عمالة تزغديني في ضهري من ساعة ما ركبتي‪،‬‬
‫فاضل شوية وتقوليلي شييييي‪.‬‬
‫حاوطت عنقه‪ ،‬واقتربت من رأسه وقالت‪:‬‬
‫ـ معلش ما أخدتش بالي‪ ،‬أنا فرحانة قووي‪ ،‬حاسة إني مش‬
‫أنا‪ ،‬إيه اإلحساس ده‪ ،‬شوف البيوت شكلها جميل إزاي من‬
‫بعيد‪ ،‬والشجر‪.‬‬
‫دفعها من علي ظهره فجأة‪ ،‬وانقلب على ظهره‪ ،‬خافت‬
‫أخيرا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وصرخت‪ ،‬فوجدت نفسها على صدره‪ ،‬تمكن منها‬
‫وحاوطها بجناحيه وقال‪:‬‬
‫ـ ما تخافيش بس بصراحة كنت عايز أخدك في حضني وأنا‬
‫ت‬
‫بقولك إن الفرح ده هعيشك فيه طول العمر‪ ،‬بس ده إن ِ‬
‫هتطلعي عيني‪ ،‬إنت تقيلة كده ليه يا فيفي‪ ،‬بطلي أكل عجوة‬
‫دي مش ليك يا ماما‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫نيكوابر‬
‫غضبت روفيدا‪ ،‬وحاولت رفع رأسها من على صدره‪ .‬فقال‬
‫لها مماز ًحا‪:‬‬
‫معاك وال إيه؟ قوليلي بقى نفسك‬
‫ِ‬ ‫ـ أنا ما اعرفش أهزر‬
‫تروحي فين‪.‬‬
‫تغيرت مًلمح وجهها مجددًا‪ ،‬وقالت له‪:‬‬
‫ـ أنا نفسي أشوف أخويا‪ ،‬بقالي ست سنين ما شفتهوش‪.‬‬
‫قال لها بضيق‪:‬‬
‫ـ وجاي يوحشك دلوقتى؟‬
‫ردت عليه بغضب‪:‬‬
‫ـ ياال خليني أطلع علي ضهرك‪ ،‬ولو حاولت تعمل الحركة‬
‫دي معايا تاني هزعلك‪.‬‬
‫ـ هللا يسامحك ياعبده‪.‬‬
‫كلمات صدرت منه وهو يرفعها مجددًاعلى ظهره‪ .‬سألته‪:‬‬
‫مين عبده ده؟‬
‫ـ دا شاعر ياستي اسمه "عبده نافع" سمعته بيقول مرة‪:‬‬
‫"البنت رقيقه فـ مًلمحها تحضنها تكون بسكوته فـ الشاي‬
‫مش الزم أبدًا توجعها‪ ..‬غنيلها‪ ..‬غنيلها ومتقولش إزاي"‬
‫قلت اعمل بكًلمه بس مفيش أي حاجه بتحوق معاكي‬
‫معرفش مالك معندكيش أحاسيس ومشاعير زيينا كدا‪ ،‬أديني‬
‫جربت الحضن منفعش‪ ،‬لما أشوف الغنا هينفع وال إيه‬
‫ظروفه هو كمان‪.‬‬
‫شدته من ريشه بغيظ وهي تقول‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ لو إتريقت عليا تاني هخلعلك الريش ده ريشة ريشة‪.‬‬
‫ً‬
‫متوسًل‪:‬‬ ‫قال لها‬
‫ـ خًلص أنا آسف‪ ،‬مش هتتكرر بس سيبي‪ ،‬على فكرة أنا‬
‫ضعيف جدًا دلوقتي‪ ،‬ألني مش في صورتي الطبيعية‪ ،‬يعني‬
‫قوتي أقل من العيل الصغير‪ ،‬ما يغركيش إن حجمي بقى كبير‬
‫كده‪ ،‬أنا أول ما أنزل علي األرض‪ ،‬هخليها تصغر تاني‬
‫والتشكيل ده بيرهقني وبيتعبني جامد‪ ،‬بس كله يهون علشان‬
‫الجميل‪.‬‬
‫ـ طيب ها توديني وال أل؟‬
‫قال لها بنبرة ودودة‪ ،‬عندما شعر بحزنها في السؤال‪:‬‬
‫ـ هو بيته فين؟‬
‫ـ ما أعرفش‪ ،‬أنا أبويا غضبان عليه من زمان‪ ،‬حاول يرجع‬
‫كتير‪ ،‬لكن أبويا ضربه وطرده برده‪ ،‬تعرف كل ده بسبب إنه‬
‫ملتحي ومتدين‪ ،‬خاف ينتمي لحاجة سياسية ويضره‪ ،‬بس‬
‫أخويا ده كان جميل قووي‪ ،‬كان بيقرالي حاجات حلوة‬
‫وبيلعب معايا‪.‬‬
‫ـ طيب بس ما تعيطيش بقى‪ ،‬إستني أشوفه فين‪.‬‬
‫صمت لبرهة ثم قال‪:‬‬
‫ـ يالهووووي‪ ،‬ال بًلش نروح هناك‪ ،‬هلعب معاكي أنا‬
‫وخًلص‪.‬‬
‫تعجبت من ردة فعله‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ ليه بقى مش هنروح؟‬

‫‪55‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أصل علشان نوصله‪ ،‬الزم نعدي على كفر خضيرة في كفر‬
‫الشيخ‪.‬‬
‫قالت له مضيقة عينيها‪:‬‬
‫ـ طيب ودي فيها إيه؟!‬
‫ـ ال ‪ ،‬فيها كتير‪.‬‬
‫ـ أنا عايزة أشوفه وحياتي يا تيمو وحياتي‪.‬‬
‫ـ طب بًلش أسلوب السهوكة ده‪ ،‬علشان قلبي ما‬
‫بيستحملش‪ ،‬وبعدين إنتي مش عارفة الي حصل في الكفر‬
‫ده‪.‬‬
‫ـ حصل إيه؟‬
‫ـ حصل يااااستي‪ ..‬بصي أنا هحكيلك‪ ،‬بس احنا خًلص قربنا‪،‬‬
‫تعالي نقعد على شجرة الجميز دي‪ ،‬علشان مش هينفع اتكلم‬
‫هناك‪.‬‬
‫أنزلها من على ظهره على فرع الشجرة "شجرة الجميز من‬
‫الشجر الكبير الحجم ولكنه خاوي من الداخل كقلوب بعض‬
‫البشر‪ ،‬األفرع كبيرة جدًا الواحد منها كجذع شجرة برتقال‬
‫ً‬
‫مثًل"‪.‬‬
‫جلست بجواره وقامت بثني ركبتيها وحاوطتهم بزراعيها‪،‬‬
‫انتبهت لحديثه وهو يشير لها على القرية بجناحه‪ ،‬نظرت‬
‫على المكان الذي أشار عليه‪ ،‬تعجبت؛ فإنه على الرغم من‬
‫بعدها‪ ،‬إال إن اإلضاءة بها تجعلك تراهم من هذا العلو‬
‫بوضوح‪.‬‬
‫مفسرا ما حدث‪:‬‬
‫ً‬ ‫قال لها‬

‫‪56‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ الكفر ده كان اسمه (كفر خضيرة) بس دلوقتى بقي اسمه‬
‫كفر السبعين يوم‪.‬‬
‫سألته روفيدا عن سبب تغيير اإلسم‪ .‬فقال لها وهو يسند‬
‫بجناحيه على فرع الشجرة ويمدد ساقيه لألمام‪.‬‬
‫ـ من سنييين طويلة كانت الكفر دي حلوة‪ ،‬بس لألسف فجأة‬
‫حصلت حريقة كبيرة‪ ،‬وماحدش قدر يطفيها‪ ،‬وكل يوم في‬
‫نفس الميعاد بيت يتحرق‪ ،‬لحد ما السبعين بيت اتفحموا‬
‫بصي بنفسك‪.‬‬
‫للكفر الذي تصدر منه أصوات غناء وطبول‪،‬‬
‫ِ‬ ‫نظرت روفيدا‬
‫علي الرغم من العتمة إال إن القمر يظهر البيوت بوضوح‪،‬‬
‫بيوت خربة وجدرانها تظهر عليها عًلمات أدخنة النيران‪،‬‬
‫والشبابيك متآكلة بالكامل‪ .‬سرت ارتعاشة بجسدها من‬
‫المنظر‪ ،‬اقتربت منه وسألته‪:‬‬
‫ـ طيب إزاي؟ ما كانوش بيعرفوا يطفوا النار دي‪ ،‬وكانوا‬
‫بيفضلوا لحد ما بيتهم يتحرق؟‬
‫ـ اتعودوا كل يوم الي بيته عليه الدور‪ ،‬يقعد بالحلل‬
‫والطشوت على حرف الترعة‪ ،‬على أمل يطفي النار بس على‬
‫مين؟ بعد ما الكفر إتحرق‪ ،‬حصلت حريقة في كام بيت في‬
‫الكفر الّي بعده‪ ،‬بس الحرايق انطفت فجأة وانتهى الموضوع‪.‬‬
‫ـ بس دي حاجة غريبة يا حاتم‪ ،‬طيب ما تقولي السبب يا‬
‫تيمو‪.‬‬
‫ـ عرفاني بضعف من الدلع ده‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫نيكوابر‬
‫ضربته علي جناحه مداعبة‪ ،‬فسقط على ظهره للمرة الثانية‪،‬‬
‫وهو يدعي انقطاع النفس‪ .‬فضربته مجددًا وهي تضحك‬
‫قائلة‪:‬‬
‫ـ احكي بقى بطل غًلسة‪.‬‬
‫استسلم لألمر وأعتدل في جلسته‪ ،‬وأكمل‪:‬‬
‫ـ هقولك يا ستي‪.‬‬
‫كل ده بسبب واحدة دلقت زيت مغلي في الحمام فسلخت‬
‫"زهبندار" وجاله شلل رباعي‪ ،‬فكل القبيلة بتاعته قررت‬
‫تنتقم‪ ،‬فكل يوم يحرقوا بيت لحد ما بقى كويس وخف بعد‬
‫سبعين يوم فسابوهم بقى‪.‬‬
‫فقالت له روفيدا‪:‬‬
‫ـ وإيه إلّي د ّخل زهبندار ده الحمام‪ ،‬كان مزنوق وال إيه‪.‬‬
‫نظر لها حاتم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ أه يا مقرفة‪ ،‬موووقرفة ‪ ،‬بقى فيه حد قمر كده‪ ،‬يقول‬
‫مزنوق‪ ..‬إخييييه‪.‬‬
‫قالت له روفيدا وهي تبتسم‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫بطل لكاعة واحكي‪.‬‬
‫ـ بصي يا فيفي‪ ،‬كل البيوت فيها جن وشياطين بس بيختلف‪،‬‬
‫بيت زي بيتكم مثل عم "جلفنار" عنده كرش تحسيه عامله‬
‫حضانة أطفال جواه‪ ،‬وبيقعد يطبل عليه ويرعشه وال فيفي‬
‫عبده‪.‬‬
‫ـ اإلسم ده في بيتنا؟! وده جني؟!‬

‫‪58‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ال مش جن‪ ،‬ده شيطان صاحب أبوكي‪ ،‬هو السبب في‬
‫ربربته دي‪ ،‬أصله بياكل زي اللطخ بإيديه اإلتنين وما‬
‫بيسميش‪.‬‬
‫قالت له غاضبة‪:‬‬
‫تاني هتشتم على أبويا؟‬
‫ـ يا ستي ما دي حقيقة‪ ،‬وطول الليل جلفنار بيتحزم ويرقص‬
‫ورا أبوكي‪ ،‬وهو بيتفرج على األفًلم الزبالة‪.‬‬
‫حزن‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫صمتت في‬
‫فنظر لها مبتس ًما‪ ،‬وقال لها في حنو‪:‬‬
‫ـ أنا باكل معاكي إنتي علشان إنتي بتسمي‪.‬‬
‫ً‬
‫خجًل‪،‬‬ ‫أمسكت روفيدا ورقة من فرع الشجرة‪ ،‬وهي تذوب‬
‫نظر لها حاتم‪ ،‬وأخذ يصفق بجناحيه ويقول‪:‬‬
‫ـ أيوه بقى يا فيفي‪ ،‬أنا كنت عارف إنك هتحبيني هيييييح‬
‫بقى‪ ،‬وعلشان الخدود الحمر دول هقولك نطرد جلفنار إزاي‪.‬‬
‫اعتدلت في جلستها في انتظار إجابته‪:‬‬
‫ـ الزم أبوكي ياكل بإيده اليمين‪ ،‬ويستعيذ بالشيطان‪ ،‬ويسمي‬
‫هللا‪ ،‬إلن الشيطان بياكل أي شيء ما اتذكرش اسم ربنا عليه‪،‬‬
‫وقبل دخول البيت يسمي‪ ،‬وإنتي أي حاجة تعمليها سمي‪،‬‬
‫ومشي الكلب األسود المعفن الي مالوش أي تًلتين الزمة في‬
‫البيت ده‪ ،‬ال بيحرس حاجة‪ ،‬وال بينيل وعلى فكرة هو ابن‬
‫جلفنار واسمه "زعبًلوي" بتشوفي النقطتين البيض الي‬
‫فوق عينيه في وسط لونه األسود ده؟ ده الي قال عليه‬

‫‪59‬‬
‫نيكوابر‬
‫الرسول‪ :‬عليكم باألسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان‪.‬‬
‫يعني حًلل قتله ألنه شيطان‪.‬‬
‫سرحت روفيدا ً‬
‫قليًل‪ ،‬وتنهدت وجعًا وهي تتذكر أخوها وحيد‪،‬‬
‫فقد كانت نصائحه سببًا لطرده من البيت‪ ،‬جلس ذات يوم‬
‫معهم وقال‪:‬‬
‫‪:‬عن جابر رضي هللا عنه قال ‪ :‬سمعت رسو َل هللاِ يقول‪ :‬إذا‬
‫دخل الرجل بيته‪ ،‬فذكر هللا عند دخوله وعند طعامه‪ ،‬قال‬
‫الشيطان ال مبيت لكم وال عشاء‪ ،‬وإذا دخل فلم يذكر هللا عند‬
‫دخوله‪ ،‬قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر هللا عند‬
‫طعامه‪ ،‬قال أدركتم المبيت والعشاء‪ .‬زام والدها يومها على‬
‫شفتيه في غضب وقال له‪ :‬عاملّي شيخ!! وهللا كويس‪ ،‬حزن‬
‫وحيد وحاول أن يوضح له‪ ،‬فتركه وغادر"‪.‬‬
‫كثيرا من القرآن‪.‬‬
‫ً‬ ‫كانت روفيدا تحب حديثه‪ ،‬فقد جعلها تحفظ‬
‫عادت لنفسها مجددًا على صوت حاتم الذي يقول‪:‬‬
‫ـ بس بقولك إيه إوعي إنتي بالذات تسمّي‪.‬‬
‫تعجبت من طلبه‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ ليه اشمعنى؟‬
‫نظر لها مصطنعًا البكاء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ علشان لو سميتي وإنتي بتلبسي‪ ،‬مش هشوف السمانة‬
‫وأنا أدمنتها‪ ،‬أنا مريض‪ ،‬يرضيكي أتعب أكتر‪ ،‬وبعدين ده‬
‫هيدل على إنك خايفة مني‪ ،‬ولو خايفة خًلص‪.‬‬
‫قالت له في خجل‪:‬‬
‫ـ ال مش خايفة‪ ،‬بس بشرط‪ ،‬تقولي حاجات كتير عنكم ماشي‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ماشي يا ستي موافق‪.‬‬
‫قبل أن يكملوا حديثهم وجدت روفيدا رأس ثعبان يتدلى‬
‫مصدرا فحيحه‪ ،‬صرخت وكادت تسقط‬ ‫ً‬ ‫أمامها مخرجًا لسانه‬
‫من على الشجرة‪ ،‬وهي تتراجع للخلف فحاوطها حاتم‬
‫بجناحه وهو يساعدها لتعتدل بجلستها مجددًا‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫ـ ما تخافيش‪.‬‬
‫ليرد الثعبان‪:‬‬
‫ـ إنسية مرة واحدة طول عمرك عطاط يا صاحبي‪.‬‬
‫ـ مش هبقى زيك اقالقول ‪ ،‬أمك عاملة إيه ياض‪ ،‬لسه اسمها‬
‫سيموالن وال غيرته‪.‬‬
‫برقت عينا الثعبان‪ ،‬وأخرج لسانه بغضب وقال‪:‬‬
‫ـ كان يوم أسود لما دخلت الصنايع‪.‬‬
‫وتركهم واختفي‪ .‬وقف حاتم وتأهب للطيران فاعتلت روفيدا‬
‫ظهره وضحكت قائلة‪:‬‬
‫ـ عندكم مدارس زينا‪ ،‬وبرده ما بتحبوش حد يعرف اسم‬
‫أمهاتكم‪ ،‬أخويا وحيد كان بينام حاضن اإلستمارة‪ ،‬علشان ما‬
‫حدش يعرف اسم أمي من زمايله‪.‬‬
‫ضحك وقال‪:‬‬
‫ـ أيوه طبعًا الي قدامك ده خريج دبلوم صنايع قسم كهربا‪ ،‬أه‬
‫أنا متعلم مش جاهل‪.‬‬
‫ـ بس شكلك كنت بتاع بنات يا تيمو‪.‬‬
‫تنحنح وقال‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بس ده قبل ما أشوفك‪ ،‬إنتي في عيني ست البنات‪.‬‬
‫فقالت له ممازحة‪:‬‬
‫ـ كًلمنجي‪.‬‬
‫مشيرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫أخذا طريقهما لبيت أخيها‪ ،‬بعد دقائق قال لها حاتم‬
‫ـ شايفة البيت الي هناك ده؛ بيت أخوكي‪.‬‬
‫فرحت روفيدا واحتضنته‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫أخيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـ ياااااااه‬
‫قال لها حاتم‪:‬‬
‫ـ لما تشوفي تعبان بعد كده‪ ،‬ابقي قولي أعوذ بكلمات هللا‬
‫التامات من شر ما خلق‪.‬‬
‫ثم أكمل ضاح ًكا‪:‬‬
‫ـ ليكون قلقول‪ ،‬ويسألك على اسم أمي‪ ،‬ده واد سهن وأنا‬
‫عارفه‪ ،‬وبعدين فيه كتير من الجن بتتشكل في التعابين‪ ،‬وفيه‬
‫حديث عن الرسول بيأكد ده‪ ،‬بيقول فيه‪" :‬الجن ثًلثة‬
‫أصناف‪ ،‬صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء‪ ،‬وصنف‬
‫حيات وكًلب‪ ،‬وصنف يحلون ويظعنون"‪.‬‬
‫قالت له روفيدا مشجعة‪:‬‬
‫ـ كل معلومة هتقولهالي عليها مكافئة‪.‬‬
‫هلل فرحًا وقال‪:‬‬
‫ـ بوسة؟‬
‫صفعته برفق‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ مش "مؤتييب"‪.‬‬
‫ضحك بشدة‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫ـ خًلص هبقى "مؤتيب" وأقولك حاجة كمان‪ .‬فيه صنفين‬
‫الرسول قال يتقتلوا من غير ماتقولوا عليهم القسم‪.‬‬
‫قالت له روفيدا غير مستوعبة لما يقول‪:‬‬
‫ـ قسم إيه؟؟‬
‫ـ القسم ده المفروض أي حد يقوله أول ما يشوف حية في‬
‫بيته‪ ،‬ألنها ممكن تكون جن وتأذيه "أقسم عليك باهلل أن‬
‫تخرجي من هذا المنزل‪ ،‬وأن تبعدي عنا شرك وإال قتلناك"‬
‫لو جات بعد القسم ده بقى بتًلت أيام اقتلوها‪.‬‬
‫ـ إنت مش لسه قايل ممكن يكون جن ويأذينا‪.‬‬
‫ـ أيوه‪ ،‬بس هي كده ممكن تكون أفعى حقيقية‪ ،‬وتستحق‬
‫القتل‪ ،‬أو جن كافر يستحق القتل برده علشان هو جاي‬
‫يخوفكم ويأذيكم‪.‬‬
‫تنحنحت روفيدا‪ ،‬وقالت وهي تمط كلماتها‪:‬‬
‫ـ يعني إنت حًلل قتلك صح‪.‬‬
‫صمت حاتم ً‬
‫قليًل وأردف‪:‬‬
‫ـ معنى كًلمك إنك مش عايزاني أقولك إيه هما الصنفين‪.‬‬
‫ً‬
‫محاوال أن يشغلها بشيء ليبعد عنها تلك‬ ‫قال لها تلك الكلمات‬
‫األفكار‪ .‬قالت روفيدا مداعبة‪:‬‬
‫ـ الال بهزر‪ ،‬قول بقى واوصف شكلهم‪ ،‬ألن كل التعابين شكل‬
‫بعض‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ حاضر يا ستي على الرغم إنك مصلحجية كده‪.‬‬
‫ضحكوا سويًا‪ ،‬وبدأ بوصف هذه الحيّات ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ األبتر وذي الطفيتين‪ ..‬األبتر ده حية خبيثة‪ ،‬صنف أزرق‬
‫مقطوع الذنب الذيل ‪ ،‬تحسي إن حد قطعلها ديلها لو الحامل‬
‫شافتها‪ ،‬وبصتلها كتير تسقط على طول‪ .‬الطفيتين بقى على‬
‫ضهرها خطين لونهم‪ ،‬أسود‪ ،‬أبيض‪ ،‬أصفر‪ ،‬ودي مجرد ما‬
‫حد يبصلها تخطف بصره‪.‬‬
‫ب على‬‫اهتز جسد حاتم فجأة‪ ،‬وشعرت روفيدا بشيء غري ٍ‬
‫جسدها‪ ،‬وكأن هناك ريشة تًلمسه‪ ،‬سمعت صوت كطنين‬
‫نحل‪ ،‬ودوى صوت آخر كصرير الريح‪ .‬أخذ حاتم طريقه‬
‫لألرض‪ ،‬وأنزلها‪ ،‬قال لها‪:‬‬
‫ـ انزلي هنا‪ ،‬كان قلبي حاسس باللي هيحصل‪.‬‬
‫قديم‪ ،‬وهي ترتجف‪ ،‬ترى خياالت‬
‫ٍ‬ ‫ت‬‫وقفت روفيدا بجوار بي ٍ‬
‫وأصوات غريبة‪ ،‬شيء يسري على جسدها وال تستطيع‬
‫التحكم به‪ ،‬شيء يسحبها من شعرها وآخر يؤلمها فتصرخ‪.‬‬
‫ال ترى سوى حاتم الذي يلف بدوامة‪ ،‬صرخ بها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ روفيدا اقري آية الكرسي بسرعة ‪.‬‬
‫أمام عينيها‪ ،‬لم تعد ترى‬ ‫نظرت له بفزعٍ‪ ،‬فاختفي فجأة من ِ‬
‫بالبكاء‪ ،‬ثم جثت على األرض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سوى خياالت‪ ،‬أجهشت‬
‫ووضعت رأسها وسط ركبتيها وأخذت تردد‪:‬‬
‫اَلل الَ إِ َٰلَ َه إِالَّ ه َو ال َحي القَيوم الَ تَأخذه ِ‬
‫س َنة َو َال َنوم لَّه َما‬ ‫" َّ‬
‫َّ‬
‫ض َمن ذَا الذِي يَشفَع ِعندَه ِإالَّ‬ ‫َ‬
‫ت َو َما فِي األر ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫فِي ال َّ‬
‫بِ ِإذنِ ِه يَعلَم َما بَينَ أَيد ِ‬
‫ِيهم َو َما َخلفَهم َوالَ ي ِحيطونَ ِبشَيءٍ ِمّن‬

‫‪64‬‬
‫نيكوابر‬
‫ت َواألَر َ‬
‫ض َوالَ يَؤوده‬ ‫اوا ِ‬ ‫سيه ال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫س َع كر ِ‬ ‫ِعل ِم ِه ِإالَّ ِب َما شَاء َو ِ‬
‫ِحفظه َما َوه َو ال َع ِلي ال َع ِظيم"‬
‫كانت تسمع صوت كأنين المرضي‪ ،‬صوت أناس تعذب‪،‬‬
‫صراااخ‪ ،‬وضعت يديها علي أذنيها وعلت وتيرة صوتها‪،‬‬
‫وهي تكمل اآلية وكررت نهايتها عدة مرات‪:‬‬
‫"وهو العلي العظيم"‬
‫سمعت صوت صفير‪ ،‬فنظرت حولها فلم تجد أحد‪ ،‬المكان‬
‫أصبح خال من األصوات والخياالت‪ ،‬التفتت حولها عدة‬
‫مرات فلم تجد شيء‪ .‬تجولت بنظرها فوجدت نفسها محاطة‬
‫بالخراب‪ ،‬كل البيوت مدمرة‪ ،‬والطرق ممتلئة ببواقي‬
‫األخشاب والطوب المتساقط من البيوت‪ ،‬منظر مخيف‬
‫ومرعب‪ ،‬حتى البيت الذي كانت تقف بجواره شعرت بأن‬
‫هناك عيون تنظر لها من الداخل‪ ،‬فركضت بعيدًا عنه وهي‬
‫ترتعد‪ .‬سمعت صوت حاتم ينادي‪ً ،‬‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ ياال بينا مشيوا خًلص‪.‬‬
‫قالت روفيدا‪ ،‬وهي تلتفت حولها وتلتقط أنفاسها بصعوبة‪:‬‬
‫ـ إنت فين مش شايفاك؟‬
‫ـ معلش مش هينفع أتشكل دلوقتي‪ ،‬نيكوبار جناحها وجعها‬
‫فيه عرقين لفوا على بعض ومزمزقة شوية‪.‬‬
‫ـ طيب تعالى امشي جمبي أنا خايفه أوي‪،‬حاسة إن فيه حد‬
‫بيراقبني‪.‬‬
‫ـ أنا واقف جمبك متخافيش‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ إيه الي حصل ده طيب؟ واشمعنى آية الكرسي بالذات الي‬
‫طلبت مني اقرأها‪.‬‬
‫صمت ولم يرد‪ .‬فكررت السؤال‪ .‬فرد ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ امممممم‪ ،‬أصل لقيتك خايفة فخليتك تواسي نفسك‪ ،‬وبعدين‬
‫مش ربنا قال "أال بذكر هللا تطمئن القلوب"؟‬
‫ـ عندك حق‪ ،‬طيب مين الي كانوا بيحاربوك وليه؟‬
‫ـ دول يا ستي سكان السبعين يوم‪ ،‬أصل كان بينا تار قديم‪،‬‬
‫لما كنت في مدرسة الصنايع كانت بنت العمدة في مدرسة‬
‫التجارة الي في وشنا‪ ،‬كنت بهتم بنفسي بقى جيل في شعري‪،‬‬
‫وبرفانات إيه‪ ،‬وبناطيل جينز شارلستون‪ ،‬ونضارة شمس‪،‬‬
‫كنت واد مافيش منه يعني عاكستها كام مرة فحبتني‪ ،‬أخوها‬
‫قفشنا هربانين من المدرسة‪ ،‬وقاعدين ناكل درة مشوي عند‬
‫عم "درفلعان"‪ .‬كان عايز يضربني‪ ،‬اديته بشلة في وشه‪،‬‬
‫عيط بقى وحلفلي لو عديت من عند بلدهم ليكسرلي رجلي‪،‬‬
‫ويخلي وشي شوارع‪ .‬وهي خًلها سابت المدرسة‬
‫وماشوفتهاش من ساعتها‪.‬‬
‫توقفت روفيدا ثواني لتأخذ أنفاسها‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ طيب إنت كويس‪ ،‬حصلك حاجة؟‬
‫ـ قفايا واجعني أوي يا فيفي‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا‪ ،‬وتخيلت ما حدث له‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ كان عندك كام سنة وقتها‪ ،‬قدي كده؟ أكيد كنت صغير‪.‬‬
‫انفجر حاتم من الضحك‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ قدك إيه بس‪ ،‬ده وأنا قدك كده كنت لسه برضع‪ ،‬أنا كان‬
‫عندي ‪192‬سنة لسه عيل برده‪.‬‬
‫فزعت من رده‪ ،‬وسألته مجددًا‪:‬‬
‫ـ يالهووي أومال عندك كام دلوقتى؟‬
‫ـ عندي ‪182‬سنة‪ ،‬يعني أنسب سن للجواز هاا‪ ،‬هتفرحي‬
‫بيكي معايا إمتى يا فوفة‪.‬‬
‫ـ إنت تسكت خالص‪ ،‬فرح إيه في الهم ده‪ ،‬إنتوا ما‬
‫بتموتوش‪.‬‬
‫ـ بتفولي عليا ليه يا بنت سنيه‪.‬‬
‫قالت له في غضب‪:‬‬
‫ـ احترم نفسك ومالكش دعوة بأمي‪.‬‬
‫ـ طيب يا أختي عمو ًما‪ ،‬إحنا بنموت بس فيه إلي بيعيش‬
‫مئات السنين‪ ،‬وإلي بيعيش آالف إبليس الوحيد هو الي مش‬
‫هيموت لحد يوم القيامة‪ ،‬وربك الي قال كده لمّا إبليس طلب‬
‫من ربنا‪" .‬قال ربّ إنظرني إلّي يوم يبعثون قال فإنّك من‬
‫المنظرين" فهمتي؟ ممكن نمشي بقى‪.‬‬
‫نظرت روفيدا للقمر الذي حجبه سحاب قاتم فجأة‪ ،‬فلم يعد‬
‫يظهر ضوءه الكامل‪ .‬لفت انتباهها صوت غريب‪ ،‬فسألته‪:‬‬
‫ـ إيه الصوت ده يا تيمو؟‬
‫ـ ده لعبة كاندي كراش أصل الواد قلقلول‪ ،‬بعتلي طلب عشان‬
‫أفتحله مرحلة‪ ،‬قلت أنا غلست عليه النهاردة ابعتله‪ ،‬والشبكة‬
‫هنا حلوة‪ ،‬فقلت ألعب كام دور واحنا ماشيين‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أااه إنت معاك موبايل غالي زي أبويا‪ ،‬وعامل فيس وكده‪.‬‬
‫ـ أيوه‪ ،‬بس مش مسمّي نفسي مدام منى زي أبوكي‪ ،‬أنا تيمو‬
‫من قديمه‪.‬‬
‫ـ أبويا مسمي نفسه منى؟! طيب ليه؟‬
‫صمت حاتم لبرهة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ ما أنا لمّا بتكلم بتزعلي‪ ،‬عمو ًما أصله مدمن اليكات‪،‬‬
‫وعارف إن الشباب غًلبة ما حدش بيعبرهم‪ ،‬إنما لو بنت‬
‫كحت على الفيس‪ ،‬ممكن تًلقي ‪ 082‬اليك‪ ،‬و‪ 302‬كومنت‪.‬‬
‫منهم الّي يقول سًلمتك يا قمر‪ ،‬مالك يا جميل‪ ،‬اغلي ورق‬
‫جوافة واشربيه‪ ،‬علشان صوت الكروان ما يتجرحش‪،‬‬
‫أجيبلك حبيتين أنتينال وأجي نتعشى سوا‪.‬‬
‫ـ إنت كداب يا تيمو‪.‬‬
‫ـ بصراحة أه ‪ ،‬واسكتي بقى علشان ما فضلش غير‬
‫محاولتين‪ ،‬والكريز واقف في حيطة سد‪.‬‬
‫ـ يارب تقع علشان سايبني ماشية‪ ،‬ورجليا اتكسرت وعمال‬
‫تلعب‪.‬‬
‫ـ معلش اتمزقت وأنا بتخانق يا وليه‪ ،‬إنتي إيه تاخديني لحم‬
‫وترميني عضم‪ ،‬كان مالي ومال الجواز‪ .‬كان زماني قاعد‬
‫ألعب المزرعة السعيدة‪ ،‬ومستني حد يرويلي الشجر‪.‬‬
‫ـ علي فكرة بقيت غلس‪.‬‬
‫ـ خًلص خًلص متزعليش‪ ،‬وعد هاخدك على جناحي بكرة‬
‫الصبح‪ ،‬بس ما تقريش آية الكرسي وأنا جايلك‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بكرة؟! احنا مش هنرجع النهاردة؟ أنا كده أبويا ممكن‬
‫يقتلني‪.‬‬
‫ـ ال ما تخافيش‪ ،‬أنا هروح أقعد مع حمايا على إني إنتِ‪،‬‬
‫وبكرة هاجي أوديكي لوحيد‪.‬‬
‫وقفت روفيدا بمكانها‪ ،‬وأخذت تنظر للخراب الذي تمشي‬
‫فوقه وصرخت به‪.‬‬
‫ـ وحيد‪ ،‬أمَّال إنت موديني فين؟ يا حوستك يا فيفي‪ ،‬يا‬
‫دهوتك‪.‬‬
‫قال لها وهو يقلد صوتها‪:‬‬
‫ـ بس يا فيفي يا أختي‪ ،‬اهدي بس هقولك يامصيبتييي‪،‬‬
‫علشان تروحي لوحيد الزم أطير بيكي المكان قريب‬
‫بالطيران‪ ،‬بس استحالة نروح مشي‪.‬‬
‫ـ طيب أنا هقعد فين دلوقتى؟‬
‫ـ هوديكي عند األخت زلفارة‪ ،‬جوزها مش في البيت‪ ،‬هتباتي‬
‫معاها للصبح لحد ما أجيلك‪.‬‬
‫ـ تعرفها منين دي؟ وإيه اإلسم ده؟!‬
‫ـ دي واحدة أنقذت إبنها من الموت مرة‪ ،‬هي مسلمة زيك‪.‬‬
‫ـ أنقذته إزاي؟‬
‫ـ كان متشعبط ورا عربية نص نقل‪ ،‬والسواق كان ضارب‬
‫ترمادول وطاير على آخره‪ ،‬وهو عايز ينزل‪ ،‬شوفته وأنا‬
‫طاير الصبح بجيب ألمي فول للفطار‪ ،‬جيت منزله‪ ،‬بس كده‪.‬‬
‫ـ ياال البيت أهو‪ ،‬الصبح هكون عندك‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫نيكوابر‬
‫تركها وحدها وغادر‪ ،‬وقال لها بصوت عال وهو يبتعد‪:‬‬
‫ـ هتوحشيني يا فيفيييي‪ ،‬ليلتك سودة مني يا حمايا‪.‬‬
‫فقالت له روفيدا بعلو الصوت‪:‬‬
‫ـ ما تتفرجش معاه علي حاجة‪ ،‬وخليه يتوب‪.‬‬
‫ـ يتوب بس يا حبيبتي‪ ،‬أنا ممكن أموتهولك لو عايزة‪ ،‬أنا‬
‫أصًل‪ ،‬شكله كده هيقولي الستاير والموكيت‬‫ً‬ ‫مش طايقه‬
‫عليك‪.‬‬

‫***‬

‫‪71‬‬
‫نيكوابر‬
‫بيت العمار‬

‫ت طف ٍل صغير أمامها‪ ،‬يقول‪:‬‬


‫التفتت روفيدا على صو ِ‬
‫ـ تفضلي يا خالة‪ ،‬ال تخجلي فالبيت ليس به سوى أنا وأمي‬
‫وأخوتي‪.‬‬
‫تجولت بنظرها تبحث عن الطفل لم تجد أحد سوى قط لونه‬
‫زاهي جميل يشبه النمور‪ ،‬استلقى على ظهره‪ ،‬وهو يحرك‬
‫رأسه ويلف بجسده عدة مرات‪ .‬ظنت أن الطفل يقف خلف‬
‫الباب خائف منها‪ ،‬فانتظرت أن يدعوها مجددًا للدخول‪ ،‬أو‬
‫تخرج أمه تقابلها‪.‬‬
‫روفيدا من عشاق القطط‪ ،‬جثت على ركبتيها‪ ،‬ومدت يدها‬
‫لتداعب القط‪ ،‬ولكنها ترددت وسحبتها مجددًا‪ .‬أغمض عينيه‬
‫ووضع يده عليهما‪ ،‬وقال بحزن‪:‬‬
‫ـ لماذا سحبتي يدك مجددًا‪ ،‬خائفة مني؟‬
‫انتفض قلبها عندما وجدت صوت الطفل يصدر منه‪ ،‬ولكنها‬
‫لم ترغب أن يسمع الرعشة التي اعترت صوته‪ ،‬فلم ترد‬
‫عليه ومدت يدها مجددًا‪ ،‬وأخذت تداعبه من بطنه ومن‬
‫رأسه‪ ،‬وهو يضحك تارة‪ ،‬وعندما ترفع يدها يناغي كطفل‬
‫صغير‪ .‬قال لها‪:‬‬
‫ـ أنا سعيد جدًا‪ ،‬فأنا لم أرى إنسية من قبل‪ ،‬قالوا لي أن معظم‬
‫اإلناث تحب القطط‪ ،‬ولهذا اخترت هذا اللون ما رأيك؟‬
‫شعرت ببعض األمان وضحكت‪ ،‬ثم قالت بفرحة‪:‬‬
‫ـ هللا إنت جميل‪ ،‬أنا بعشق القطط‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫نيكوابر‬
‫قفز القط من مكانه والتف حول ساقها‪ ،‬وأخذ يحك جسده بها‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ـ له حق خالي يعشقك فأنت جميلة‪.‬‬
‫ردت روفيدا ساخطة‪:‬‬
‫ـ خالك؟‬
‫قال الهر‪:‬‬
‫ـ نعم خالي إنه‪.‬‬
‫قاطعته قطة أخري بيضاء‪ ،‬ووقفت بجواره‪ ،‬كانت تلعق يدها‬
‫وتنظر له بغضب‪ ،‬تنحنح القط ودعاها للدخول مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬إحم‪ ..‬إحم‪ ..‬ألن تدخلي؟‬
‫تبسمت روفيدا‪ ،‬وسألته عن اسمه‪:‬‬
‫ـ اسمي‪..‬‬
‫معتذرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫صفعته القطة بذيله‪ ،‬فقال‬
‫ـ تفضلي يا خالة‪.‬‬
‫وقفت روفيدا على باب البيت مترددة‪ ،‬صدرها اختنق فجأة‬
‫وجف ريقها‪ ،‬ولكن ال يوجد مكان آخر تذهب إليه‪ .‬ما طمأنها‬
‫هو حفظها لبعض اآليات القرآنية التي ستحميها‪ ،‬وهذا ما‬
‫توصلت إليه بعد حديث النفس الطويل وقررت الدخول ‪.‬‬
‫دخلت وهي تتلفت حولها ‪ ،‬فكل البيوت بالخارج كانت مطلية‬
‫باللون األخضر‪ ،‬ولكنها لم تر منهم سوى أجزاء بسيطة‪،‬‬
‫والباقي مهدّم‪ ،‬ولكن هذا البيت من الخارج‪ ،‬وكأنّه بيت‬
‫عروس جديدة بزينته وطًلء الباب الًلمع‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫نيكوابر‬
‫من الداخل البيت بسيط جدًا‪ ،‬ال يوجد أثاث‪ ،‬فقط وسائد‬
‫كبيرة‪ ،‬و هناك الكثير من القطط بالبيت‪ ،‬أكثر من عشرة قطط‬
‫يلعبون ويمرحون‪ .‬أدخلها القط غرفة صغيرة‪ ،‬وطلب منها‬
‫الجلوس وخرج‪.‬‬
‫التفتت روفيدا لكل زوايا الغرفة الفارغة‪ ،‬البيت من الداخل‬
‫مدمر‪ ،‬ولكنه يشع شيئًا غريبًا‪ .‬دخل القط مجدداً‪ ،‬فسألته‪:‬‬
‫ـ ما بتخافوش هنا‪ ،‬المنظر يرعب؟‬
‫أخرج لسانه وأغمض عينيه من كثرة الضحك‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ يقول لي أبي أن قدي ًما كان الجن يخاف البشر‪ ،‬بل يهرب‬
‫منهم‪ ،‬ولكن خوف بني اإلنس منّا جعلنا نقوى عليهم‪ .‬وهذا‬
‫ما ذكره لي بقصة سيدنا عمر بن الخطاب‪ ،‬كانت الشياطين‬
‫عندما تراه تسلك طريقًا غير طريقه‪ ،‬ويفرون هاربين‪،‬‬
‫أترين‪ ..‬ولكنه كان قوي اإليمان‪ ،‬وصريح‪ ،‬وال يخاف شيء‪،‬‬
‫أما أنتم‪ ،‬تستعيذون منا‪ ،‬وترتجفون عند ذكر اسمنا‪ ،‬وهذا ما‬
‫يجعلنا أقوى منكم‪ ،‬ولهذا فنحن نعيش وسطكم بًل خوف وال‬
‫فزع‪.‬‬
‫هنا نظرت روفيدا للقط بدهشة‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ طيب إيه الي غير الوضع‪ ،‬وخًلكم تبقوا كده؟‬
‫أخرج القط مخالبه‪ ،‬وحك عنقه عدة مرات‪ ،‬ثم أجابها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ بداية القصة عندما بدأ العرب قدي ًما ينزلون الوديان‬
‫والصحراء‪ ،‬ويستعيذون بنا كانوا يقولون‪ :‬نعوذ بسيد هذا‬
‫الوادي‪ ،‬أن يحفظ أموالنا وأوالدنا‪ ،‬وكل شيء معهم يذكروه‪.‬‬
‫ودليل على كًلمي هو قول ربك‪َ " :‬وأَنَّه كَانَ ِر َجال ِمنَ ِ‬
‫اإلن ِس‬
‫َيعوذونَ ِب ِر َجا ٍل ِمنَ ال ِج ِّن فَ َزادوهم َر َهقًا"‪ .‬ومعناه أن البشر‬

‫‪73‬‬
‫نيكوابر‬
‫شا من البراري وغيرها‬ ‫عندما كانوا ينزلون مكانًا موح ً‬
‫يعوذون بعظيم هذا المكان من الجان‪ ،‬أن يصيبهم بشيء‬
‫يسوؤهم‪ .‬عندما وجد جدودي هذا الشيء منكم زادوكم رهقا‪،‬‬
‫وذعرا حتى تصبحوا أشد منا مخافة‪ ،‬ولهذا‬
‫ً‬ ‫أي خوفًا وإرهابًا‬
‫تجرأنا عليكم‪ ،‬وأصبحنا سبب خوفكم الرئيسي بكل شيء‪،‬‬
‫وهذا ما جعلكم ضعفاء‪.‬‬
‫ثم صمت ً‬
‫قليًل‪ ،‬وقال لها بنبرة تمتزج بضيق‪:‬‬
‫ـ حالكم غريب تخافون وال تذكرون هللا‪ ،‬أترين هذا الخراب‬
‫الذي نسكنه؟ تكسوه أمي كل ليلة بخيمة ورود‪ ،‬وهي سورة‬
‫البقرة وتحصننا جميعًا بأية الكرسي‪.‬‬
‫ثم اقترب منها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫لك‪ ،‬فهي مريضة‪،‬‬
‫ـ أعتذر يا خالة على عدم استقبال أمي ِ‬
‫ألنها بآخر شهر لها بالحمل‪.‬‬
‫قالت له روفيدا بود‪:‬‬
‫ـ طيب أروح أسلم عليها أنا‪.‬‬
‫ـ الالال‪ ،‬فهي بالشهر الخامس عشر‪ ،‬وال تتحمل أحدًا‪.‬‬
‫قالت روفيدا محدثة نفسها‪:‬‬
‫ـ يالهوي ‪ 12‬شهر!! ده حمل ده‪ ،‬احنا الواحدة بتحمل تسعة‬
‫وساعات بتولد في السابع‪ ،‬وما بتبقاش مستحملة‪ ،‬والجن‬
‫كمان بيتعب زينا سبحان هللا‪.‬‬
‫تحصين‪..‬‬

‫‪74‬‬
‫نيكوابر‬
‫ترددت الكلمة بأذنيها‪ ،‬وتذكرت حاتم عندما طلب منها قراءة‬
‫آية الكرسي‪ .‬ولكن لماذا رفض البوح بفوائدها؟‬
‫أرادت روفيدا أن تجعل القط يخبرها بالسبب‪ ،‬فحاولت‬
‫إغراءه كأي طفل تريد أن تخرج من بين شفتاه المطبقة‬
‫بعض األسرار‪:‬‬
‫ـ هخليك تيجي معايا بيتنا‪ ،‬عندنا لعب كتير‪ ،‬وأكل كتير‬
‫وحلويات‪ ،‬بس قولي اسمك وكلمني عن خالك‪.‬‬
‫هلل القط فرحًا‪:‬‬
‫ـ حقًا يا خالة حقاااا؟؟ سأقول ِ‬
‫لك كل شيء‪ ،‬فأمي ال تريد‬
‫رؤيتك‪.‬‬
‫غضبت روفيدا وجزت على أسنانها من كلمته‪ ،‬شعر بحزنها‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫ـ ال تغضبي‪ ،‬فهي تخاف عليك‪ ،‬فقد نهانا هللا عن هذا ألم يقل‬
‫ربك "وخلق لكم من أنفسكم أزواجًا" أمي حاولت إقناعه‬
‫كثيرا‪ ،‬ولكن خالي هذا فاسق‪.‬‬
‫ً‬
‫كررت روفيدا كلمته‪:‬‬
‫ـ فاسق!‬
‫ـ نعم فهو مسلم وال يصلي‪ ،‬كيف لمسلم أال يصلي‪ ،‬أليس هذا‬
‫ضا كان يشرب حشيش‪.‬‬ ‫ركن من أركان اإلسًلم؟ وأي ً‬
‫أكمل القط ضاح ًكا‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ لقد ضربه جدي‪ ،‬وربطه من ساقه أمام المملكة كلها ذات‬
‫يوم‪ ،‬ألنه سرق منه بعض النقود وذهب مع جنية عاهرة‬
‫للتنزه‪.‬‬
‫ضحكت‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ إنت ليه بتتكلم كده؟ خالك بيتكلم عادي‪.‬‬
‫ـ إلننا ولدنا بأفغانستان‪ ،‬كنا بنحارب بها‪ ،‬ولكن بعد فترة قرر‬
‫والدي الرجوع‪.‬‬
‫ـ وخالك كان معاكم؟‬
‫ـ يا خالة‪ ،‬قلت لك إنه فاسق‪ ،‬في هذه األثناء‪ ،‬كان يجلس‬
‫بسوق القرية‪ ،‬ينظر للنساء في الذهاب واإلياب‪ ،‬ووظيفته‬
‫األصلية هي إذاعة األخبار الكاذبة بين الناس‪ ،‬فكان يفرح‬
‫كثيرا عندما تحدث شجارات بين الباعة والزبائن‪ ،‬ولكنه اآلن‬
‫ً‬
‫ترك هذا المجال‪.‬‬
‫ـ إنتوا حياتكم إزاي؟عندكم ناس مش كويسة زينا؟‬
‫انطلقت تلك العبارة منها بنبرة خافتة‪.‬‬
‫ـ نعم عندنا كل شيء‪ ،‬فمنا المسلم‪ ،‬والكافر‪ ،‬والنصراني‪،‬‬
‫والشيعي‪ ،‬والبوذي‪ ،‬كل شيء‪.‬‬
‫ـ طيب لما خالك مسلم ليه بيضايق من القرآن؟!‬
‫لك‪ ،‬ومحاولة إغوائك رغ ًما عنك‪،‬‬
‫ـ ألنه يغضب ربه بالظهور ِ‬
‫فنحن الجن لنا قدرة هائلة باختراق األجساد‪ ،‬وإثارة البشر‪،‬‬
‫ولكن تكون أمه داعية عليه كما تقولون إذا ذكر اإلنسي ربه‪،‬‬
‫وسمى أثناء اختراق جسده فيحرق الجن على الفور‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫نيكوابر‬
‫قالت له روفيدا‪:‬‬
‫ـ هسألك على حاجه وتجاوبني‪ ،‬وأنا عند وعدي معاك‪ ،‬خالك‬
‫سمع سورة الرحمن وجسمه اتنفض إشمعنى السورة دي‪،‬‬
‫وليه كلمة تكذبان الي تعبته؟‬
‫ـ إلن الجن المؤمن‪ ،‬إذا ذكرت اآلية "فبأي آالء ربكما‬
‫تكذبان"يرد‪ :‬ال بشيء من آالئك ربنا نكذب فلك الحمد‪ .‬وهو‬
‫يعصي هللا بمحاولة التقرب منك‪ ،‬نحن نذهب للبيوت‪ ،‬ونقرأ‬
‫القرآن معهم‪ ،‬ونصلي ونأكل‪ ،‬ولكن ال ندخل على امرأة‬
‫عارية‪ ،‬أو نختلس النظر‪ ،‬ولكن خالي "بصباص" ياخالة‪ .‬ال‬
‫يغرك كًلمه المعسول‪ ،‬هو خفيف الظل حقًا وأي شخص‬
‫كثيرا‪ ،‬لماذا ال تصلي وتنامي‬
‫ً‬ ‫يحبه‪ ،‬وإنتي بعيدة عن ربك‬
‫شبه عارية‪ ،‬ولست محجبة أليس الحجاب فرض بدينك؟‬
‫خجلت روفيدا من كلماته‪ ،‬فوجدت يده عليها واستلقى على‬
‫ظهره مجددًا‪.‬‬
‫ـ داعبيني كما تفعلون‪ ،‬فإنني أحب هذه الحركة تجلعني أغار‪.‬‬
‫عبارة خرجت منه وهو يقرب رأسه منها‪ .‬دخلت قطة‬
‫بيضاء‪ ،‬وصرخت به‪:‬‬
‫حرم هللا علينا الحديث مع اإلنس‪.‬‬
‫ـ عثمان‪ ..‬ألم يقل لك أبوك‪َّ ،‬‬
‫قفز من علي السرير وذهب تجاهها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ ولكنّها ضيفة ستمل وحدها‪.‬‬
‫قالت له أخته‪:‬‬
‫ـ لن تمل‪ ..‬بعد قليل سنصلي لتقف معنا‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫نيكوابر‬
‫نظر عثمان لروفيدا ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ هيا ياخالة‪ ،‬فقد قال رسول هللا‪ :‬ثًلثة أصوات يحبها هللا‪،‬‬
‫صوت الديك‪ ،‬وصوت الذي يقرأ القرآن‪ ،‬وصوت المستغفرين‬
‫باألسحار‪ .‬أحبّ هللا صوتك هيا بنا‪.‬‬
‫لكزته أخته قائلة‪:‬‬
‫ـ مشاغب‪ ،‬سأخبر أمك‪.‬‬
‫دفعها بعيدًا عنه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫كثيرا‪ ،‬ولن تنالي منه شيئًا‪.‬‬
‫ـ سأذهب لبيتها‪ ،‬وأحضر طعا ًما ً‬
‫كانت روفيدا تستمع لحديثهم غير مصدّقة لما يحدث‪ ،‬تسأل‬
‫نفسها‪:‬‬
‫"أسأصلي مع جماع ٍة من الجن؟ البد أنني أحلم‪.‬‬
‫لملمت مًلبسها وخرجت خلفهم‪ .‬كانت الصالة واسعة‬
‫وخاوية‪ ،‬وجدت والدتها تخرج من غرفة قريبة‪ ،‬نظرت لها‬
‫غير مصدقة ولم تلبث الذهاب لها‪ ،‬حتى وجدت عثمان يحك‬
‫جسده بها ويقول‪:‬‬
‫ـ إنها أمي ال تتحدثين معها اآلن‪ ،‬قلت لها بأنك ستصلين‬
‫فتشكلت في جسد والدتك لتطمئنك‪ ،‬اذهبي وتوضأي‪ ،‬وضعت‬
‫بالحمام‪ ،‬ألن مًلبسك ال تناسب الصًلة‪ ،‬فهي‬
‫ِ‬ ‫لكي جلبابًا‬
‫تظهر مفاتنك‪ ،‬والبد أن نحتشم أمام هللا‪.‬‬
‫تبسمت له وجثت علي ركبتها‪ ،‬وداعبته من رأسه‪ ،‬كانت‬
‫القطط األخريات تنظر لها بتوجس وال تحاول التقرب منها‪،‬‬
‫فقط عثمان الولد الوحيد بالبيت الذي يحاول مساعدتها‪ ،‬سار‬
‫أمامها للحمام فشكرته ودخلت‪ ،‬دخل خلفها وشدها من‬

‫‪78‬‬
‫نيكوابر‬
‫مًلبسها بأسنانه‪ ،‬فخرجت مجددًا نظرت حولها وجدت جميع‬
‫القطط ينامون على ظهورهم ويضحكون قال لها عثمان‪:‬‬
‫ـ دخول الحمام بالقدم اليسرى وليس اليمنى يا خالة‪ ،‬فالخًلء‬
‫مكان للقذارة والخبث‪ ،‬ال يجب تكريمهم‪ ،‬ألن اليمين لكل‬
‫شيء نكرمه‪ ،‬وكان سيد الخلق يدخل الخًلء باليسرى‪.‬‬
‫ثم قفز على شوال قريب ليكون بمستوى رأسها‪ ،‬وأشار لها‬
‫فهمس بأذنها ً‬
‫قائًل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫بيده أن تقترب‪ .‬اقتربت منه روفيدا‪،‬‬
‫ً‬
‫مقاال على النت‪ ،‬بأن شق اإلنسان األيمن‪،‬‬ ‫ـ قرأت منذ فترة‬
‫أضعف من األيسر‪ ،‬وأقل مقاومة للميكروبات‪ ،‬وعندما يدخل‬
‫الشخص بشقه القوي "األيسر"‪ ،‬فهو يحمي جزئه األيمن‬
‫من التعرض المباشر وهللا أعلم‪ ،‬ولكني أثق بأن كل شيء‬
‫قاله رسولنا الحبيب به فوائد كثييييرة بالنسبة لنا‪ .‬سأسبقك‪،‬‬
‫ألني سأكون اإلمام‪ ،‬وال تنسي بالخروج أن تقولي‬
‫"غفرانك"‪ ،‬أو الحمد هلل الذي أذهب عني األذى وعافاني‪،‬‬
‫فالحاجة التي ستقضيها‪ ،‬غيرك يتلوى بالمشفى لتخرج منه‪.‬‬
‫قفز عثمان وخلفه كل القطط‪ ،‬دخلت روفيدا الحمام بقدمها‬
‫مكان حولها‪ ،‬لم يكن هناك شيء‬‫ٍ‬ ‫اليسرى‪ ،‬وأخذت تتلفت بكل‬
‫سوى حفرة باألرض‪ ،‬وقالبين من الطوب على الجانبين‪ ،‬إناء‬
‫صغير فخاري به ماء‪ ،‬توضأت وخرجت‪ ،‬وهي تلبس ذلك‬
‫الجلباب الفضفاض‪ .‬صوت قرآن يدوي بالبيت‪ ،‬ممزوج‬
‫بصوت نهنهة وبكاء‪ ،‬تقهقرت روفيدا من الخوف عندما‬
‫وجدت الجميع ينحني هلل حتى الوسائد‪ ،‬وقفت بالصف وقلبها‬
‫وكأن الحصى من تحت أقدامها يرفعها‬‫ّ‬ ‫يكاد يقف من الخوف‪،‬‬
‫لتنحني هلل أي ً‬
‫ضا‪ .‬عثمان يجهر بصوت ِه ويقول ‪-:‬‬

‫‪79‬‬
‫نيكوابر‬
‫ض‬‫ت َو َمن ِفي األَر ِ‬ ‫اوا ِ‬‫س َم َ‬ ‫"أَلَم ت َ َر أ َ َّن َّ‬
‫اَللَ يَسجد َله َمن فِي ال َّ‬
‫ش َجر َوالدَّ َواب َو َك ِثير‬‫شمس َوالقَ َمر َوالنجوم َوال ِج َبال َوال َّ‬ ‫َوال َّ‬
‫اَلل َف َما لَه ِمن‬‫علَي ِه العَذَاب َو َمن ي ِه ِن َّ‬
‫ق َ‬ ‫اس َو َكثِير َح َّ‬ ‫ِ ّمنَ النَّ ِ‬
‫مك ِر ٍم إِ َّن َّ‬
‫اَللَ يَفعَل َما يَشَاء"‬
‫انتهت الصًلة فسمعت"أم عثمان" صوت بكاء روفيدا‬
‫الشديد وهي الزالت راكعة اقتربت منها ورفعت وجهها من‬
‫على األرض وقالت لها‪:‬‬
‫ت مؤمنة‬‫ـ قال ربك "إن كيد الشيطان كان ضعيفًا"‪ ،‬وأن ِ‬
‫يمكنك التغلب عليه‪ ،‬ماذا عن الكافرين؟‬
‫نظرت لها روفيدا‪ ،‬والدموع تنساب منها وال تدري بما ترد‪،‬‬
‫كل القطط تجمعت حولها والوسائد حذو الحائط كما كانت‪،‬‬
‫اقترب منها عثمان وقال‪:‬‬
‫عذرا يا خالة‪ ،‬الوسائد كانوا بعض الجيران‪ ،‬ولكنهم لم‬
‫ً‬ ‫ـ‬
‫يستطيعوا التشكل‪ ،‬ألنهم ضعفاء فتلبسوا بالوسائد‪ ،‬حتى ال‬
‫تفزعي منهم‪ ،‬نظرت أم عثمان لكل القطط فاصطفوا‪ ،‬ثم‬
‫وجهت لهم سؤال‪:‬‬
‫ـ من منكم سيرافقها بالغرفة حتى ال تخاف؟‬
‫بصو ٍ‬
‫ت واحدٍ‪ ،‬قالوا "عثمان"‪ ،‬ال نريد أن نكون معها‪.‬‬
‫ـ ال بأس‪ ،‬فعثمان ال زال ً‬
‫طفًل‪ ،‬اذهب معها‪.‬‬
‫هلل عثمان واستلقي على ظهره‪ ،‬وقال لها‪:‬‬
‫ـ احمليني ودلليني اليوم‪.‬‬
‫صرخت أمه به‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ عثمان تهذب‪.‬‬
‫انتفض واقفًا‪ ،‬وأخذ يحك رأسه بساقه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ آسف يا أمي‪.‬‬
‫سبقها عثمان للغرفة‪ ،‬وجلس وهو يضع ساقًا على ساق‬
‫على الوسائد وأخذ يدندن‪ .‬رأته روفيدا فضحكت‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ إنت بتغني ياعثمان؟‬
‫ـ ال‪ ،‬إني أبتهل‪.‬‬
‫ـ طيب ما تسمعني‪.‬‬
‫اعتدل في جلسته‪ ،‬ووضع يده على أذنه وقال‪:‬‬
‫ـ قمر سيدنا النبي قمر‪ ..‬وجميل وجميل سيدنا النبي وجميل‪.‬‬
‫دخلت قطة من خلف الباب فجأة‪ ،‬وأشارت لعينها‪ ،‬وأكملت‪:‬‬
‫ـ كحيل الطرف حبيبي لو تراه هللا‪ ..‬هللا‪.‬‬
‫تجمع كل إخوته‪ ،‬وبيدهم الدفوف‪ ،‬طار قلب روفيدا من‬
‫الفرح‪ ،‬وأخذت تردد معهم‪ ..‬هللا‪ ..‬هللا‪.‬‬
‫ـ ضحوك السن للعاشق رماه هللا‪ ..‬هللا‪ .‬بهي الطلعة فالمولى‬
‫اصطفاه‪..‬هللا‪ ..‬هللا‪.‬‬
‫بعد انتهائهم من اإلبتهال‪ ،‬احتضنوها جميعًا‪ ،‬وأخذوا‬
‫يداعبوها‪ ،‬وطلبوا منها أن تحكي لهم عن البشر‪ ،‬تعجبت‬
‫روفيدا‪ ،‬وقالت لهم‪:‬‬
‫ـ أنا الي أقول ؟ إنتوا مش بتعرفوا كل حاجة حتى الغيب؟‬
‫صمت الجميع‪ ،‬ورد عثمان‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ معاذ هللا يا خالة‪ ،‬استغفري‪ ،‬يقول هللا تعالى‪" :‬ال يعلم من‬
‫في السموات واألرض الغيب إال هللا" ما تسمعيه ليس سوى‬
‫خدعة‪ ،‬واستخدام من السحرة الكفار للقرين‪.‬‬
‫ـ يعني أنا ليا قرين؟‬
‫سؤاال‪ ،‬يضحك الجميع عليها‪ ،‬وينظرون‬‫ً‬ ‫كلما سألت روفيدا‬
‫لها وكأنها جاهلة‪ .‬خرج إخوة عثمان بعد سماع صراخ‬
‫أمهم‪ ،‬ودعوتها لهم بالحضور في الحال‪ .‬اقترب منها عثمان‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫ً‬
‫قليًل‪ ،‬جعلتي البنات يضحكن عليك‪.‬‬ ‫ـ أال تستطيعي الصبر‬
‫أمي تقول دائ ًما كل بني آدم لسانهم فالت‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ بقى كده‪ ،‬وحتى والدتك كمان‪ ،‬طيب عملنالها إيه بقى هي‬
‫كمان؟!‬
‫ـ لم تفعلوا بها هي‪ ،‬بل أبي لليوم وهو مطارد بسبب إنسي‪.‬‬
‫ـ طيب قولي حكاية القرين ده إيه؟ وبعدين إحكيلي قصة‬
‫والدك وليه عايشين في الخراب ده‪.‬‬
‫ـ حسنا ً‪ ..‬القرين مًلزم لإلنسان حتى الموت‪ ،‬لكل شخص‬
‫ث صحيحٍ‪:‬‬ ‫منكم قرين من الجن‪ .‬وقد قال الرسول هذا في حدي ٍ‬
‫إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫الشيطان يعلم ما يميل إليه اإلنسان ويشتهيه‪ ،‬ويوسوس له‬
‫بالمعصية‪ ،‬وقد سألوا الرسول وقالوا له حتى أنت لديك‬
‫قرين؟ قال‪ :‬نعم ولكن أعانه هللا عليه وأسلم فكان ال يأمره إال‬
‫بالخير‪ .‬وهناك آية في سورة "ق" تقول‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫نيكوابر‬
‫" قَا َل قَ ِرينه َربَّنَا َما أَطغَيته َولَ ِكن كَانَ فِي ض ًََل ٍل بَ ِعي ٍد‪ ..‬قَا َل َال‬
‫َي َوقَد قَدَّمت ِإلَيكم ِبال َو ِعي ِد"‪ .‬هل فهمتي معنى‬ ‫تَخت َ ِصموا لَد َّ‬
‫اآلية؟ أترين ما الذي يفعله الشيطان بالشخص الذي ابتعدَ‬
‫عن ربه وضل السبيل‪ .‬هناك آية أخرى أوضح‪ ،‬يقول هللا‬
‫ان اكفر فَلَمَّا َك َف َر قَا َل ِإ ِنّي‬
‫س ِ‬‫إلن َ‬ ‫ان ِإذ قَا َل ِل ِ‬ ‫تعالى " َك َمثَ ِل ال َّ‬
‫شي َط ِ‬
‫بَ ِريء ِمنكَ إِ ِنّي أ َ َخاف َّ‬
‫اَللَ َربَّ العَالَ ِمينَ "‪.‬‬
‫عبثت أصابعها بأهداب فستانها‪ ،‬ولكنها لم تنبس بكلمة‪،‬‬
‫واص َل عثمان حديثه‪:‬‬
‫ـ ما يحدث أن الساحر يرسل الجن الذي أخذ معه عهدًا‪،‬‬
‫ويعصي هللا من أجله لقرين ذلك الشخص‪ ،‬فيعرف منه كل ما‬
‫يريد‪ ،‬ويوهم الناس بأنه يعلم الغيب‪ .‬ومن يدعي بأنه يعلم‬
‫علم الغيب‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬ومن يصدق أي ً‬
‫ضا‪ ،‬ألنه هكذا كفر بآية‬
‫من كتاب هللا‪ .‬وهناك حديث عن الرسول يقول فيما معناه‪ :‬أن‬
‫من أتى عرافًا‪ ،‬فسأله عن شيء لم تقبل له صًلة أربعين‬
‫ليلة‪ .‬والعراف يعني الكاهن والمنجّم والساحر‪ .‬لو كانت الجن‬
‫ت سيدنا سليمان‪ ،‬وتوقفوا عن‬ ‫تعلم الغيب‪ ،‬لكانت علمت بمو ِ‬
‫األعمال الشاقة‪ ،‬ولكن بأمر هللا كل شيء يحدث‪ ،‬ما نبههم‬
‫سوى حشرة أكلت عصاه وجعلته يسقط‪ .‬وتأكدي أن معظم ما‬
‫يقال كذب‪ ،‬ألن حياتنا سر ونحن ال نبوح باألسرار‪ ،‬وحتى أنا‬
‫أسرارا كثيرة عنا‪ ،‬والصدق في حديثي هو ما ذكر‬
‫ً‬ ‫لن أخبرك‬
‫به هللا والرسول لنكن متفقين على هذا‪ ،‬حسنًا؟‬
‫أومأت رأسها بالموافقة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ اتفقنا يا عثمان قولي بقى حكاية أبوك؟‬
‫ـ أبي كان اسمه "زعزوع"‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫نيكوابر‬
‫ً‬
‫خجًل‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ضحكت روفيدا‪ ،‬ثم وضعت يدها على فمها‬
‫ـ أنا آسفة‪ ،‬بس إيه اإلسم ده؟‬
‫نهض عثمان فجأة‪ ،‬وأكمل حديثه وهو يمشي في الغرفة‬
‫ذهابًا وإيابًا‪:‬‬
‫ـ هناك أنواع كثيرة من الجن‪ ،‬مثل العاشق ‪ -‬الذي هو خالي‬
‫حاليًا ‪ -‬الغواص‪ ،‬الطيار‪ ،‬جن المقابر‪ ،‬عامر البيت‪ ،‬خادم‬
‫الحمام‪ ،‬جن الجلب والتحضير‪ ،‬وأنواع كثيرة‪ ،‬وكل منهم له‬
‫اسم‪ .‬أما زعزوع‪ ،‬هو عبارة عن طفل من الجن‪ ،‬عندما يقوم‬
‫الساحر بتحضيره يجلب قالب طوب أبيض من المقابر‪،‬‬
‫ويضعه في صندوق‪ ،‬ويعزم على الصندوق فترة‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يفتحه‪ ،‬فيجد فيه طفل يبكي‪ ،‬فيقول له ما يريده‪ ،‬وبعدما ينفذ‬
‫أوامر الساحر يرجع هذا الطفل ألمه مرة أخري‪ .‬وهذا ما كان‬
‫يحدث ألبي حتى استاء من اإلنسي ومما يفعل وهرب منه‪.‬‬
‫وبالطبع فقد تأذى الساحر من الشيطان‪ ،‬ويريد االنتقام من‬
‫أبي‪ ،‬ولهذا فهو دائ ًما مطارد‪.‬‬
‫نظرت روفيدا لعثمان‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫ـ يعني إيه جلب ومحبة دي؟‬
‫ـ هذا سحر يتم عمله ألي فتاة أو شاب‪ ،‬بأن ينبض قلبهم‬
‫لشخص ما وخصوصًا لو كانوا يكرهوه‪ ،‬أو رفضوا الزواج‬
‫ٍ‬
‫منه فيحلمون به‪ ،‬ويفكرون ويسرحون‪ ،‬حتى يصلوا لمرحلة‬
‫الهيام وعدم الصبر فيذهبون إليه خاضعين أذلة‪ ،‬ويحدث لهم‬
‫حاالت وسوسة بالحرام‪ ..‬وبعد أن يصاب الشخص‪ ،‬ويقع‬
‫األهل تحت يد "الساحر الكافر"‪ ،‬في بعض األحيان يجعلهم‬
‫يتوهموا َّ‬
‫بأن ابنتهم ليست عذراء‪ ،‬وهذا بسبب الجن‪ ،‬ويقول‬

‫‪84‬‬
‫نيكوابر‬
‫لهم "حتى لو ذهبتوا ألكبر األطباء لن تجدوا غشاء‬
‫ابنتكم"وقد يختلي هو بها ويفعل فعلته وهذا "زنا" وعقوبته‬
‫الرجم حتى الموت‪ ،‬وبعد أن يقول كل هذا يأخذ من األهل‬
‫وللعلم "من يقع تحت يد ساحر‪ ،‬ال يتركه‬ ‫ِ‬ ‫مبالغ طائلة‪،‬‬
‫وتكرارا ليأخذ منه نقودًا‬
‫ً‬ ‫مرارا‬
‫ً‬ ‫بسهولة‪ ،‬ويجعله يذهب إليه‬
‫ضا بأعما ِل الجلب‪ ،‬والمحبة‬ ‫أكثر"‪ ..‬كان جدي موكل أي ً‬
‫وخًلفه‪ ،‬وكل العائلة كانت تقوم بهذا األمر‪ ..‬وهم من‬
‫الشياطين‪ ،‬ولكن إذا كان اإلنسان يستمع إلى الرقية‬
‫الشرعية‪ ،‬ويحصّن نفسه لن يؤثر معه شيء‪.‬‬
‫فزعت روفيدا‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ يعني أبوك شيطان‪ ،‬وبيعمل ده كله؟‬
‫سار عثمان بضع خطوات‪ ،‬وألقى بجسده على وساد ٍة مقابلة‬
‫َ‬
‫لروفيدا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ نامي يا خالة‪ ،‬يبدو أنني سأتعب معك‪ ،‬تصبحين علي خير‪.‬‬
‫نهضت روفيدا من مجلسها‪ ،‬وجلست بالقرب منه‪ ،‬مدت يدها‬
‫ووضعتها علي رأسه مداعبة‪ ،‬ثم حملته ووضعته على‬
‫ركبتيها‪ ،‬وأكملت مداعبة من بطنه حتى ضحك واستسلم‬
‫لألمر‪.‬‬
‫ـ حسنًا حسنًا‪ ،‬إني أغار‪ ..‬سأقص عليك ما حدث‪ ..‬عندما كبر‬
‫أبي كان يريده جدي أن يصبح مثله‪ ،‬ويكمل في هذا العمل‬
‫ّ‬
‫ليعظموه ويغضبوا هللا من أجل أفعالهم‪.‬‬ ‫ويطيع السحرة‪،‬‬
‫أتعلمين ما صفات الساحر؟ وما الذي يفعله حتى ينول رضا‬
‫الشيطان؟‬

‫‪85‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أل‪ ،‬صفاته إيه؟ وإيه الحاجات الّي بيعملها علشان الشيطان‬
‫يعملّه كل حاجة ويبقى غني كده؟‬
‫ـ هههههه‪ ،‬أين الغنى يا خالة ؟ الساحر يبيع في حياته وبعد‬
‫مماته كل ملكه حتى ذريته للشيطان‪ ،‬ولو كان الشيطان‬
‫يغني‪ ،‬ما جلس الساحر يتلو طًلسمه الغبية ويستغل الناس‪،‬‬
‫لكان فعل كل المعاصي والذنوب خفية‪ ،‬وتقاضى أجره من‬
‫شي َطان‬
‫فقيرا ألم يقل ربك " ال َّ‬ ‫ً‬ ‫الشيطان‪ ،‬ولكن الساحر يموت‬
‫اَلل يَ ِعدكم مَّغ ِف َرةً ِمّنه َوفَضًلً‬
‫يَ ِعدكم الفَق َر َويَأمركم ِبالفَحشَاء َو ّ‬
‫ع ِليم "‪ ،‬والفحشاء القصد منها هنا البخل‪ ،‬أن‬ ‫سع َ‬ ‫َو ّ‬
‫اَلل َوا ِ‬
‫يبدأ الشخص بعدم إعطاء الزكاة‪ ،‬ويمتنع عن صلة الرحم‪،‬‬
‫ويحرص على جمع المال من الحرام‪ ،‬فتكون نهايته الهًلك‪.‬‬
‫ـ طيب إيه الصفات الّي بتخلي الساحر يقدر يعمل ده كله؟‬
‫عليك وقت أخر‪ ،‬ولكنّي سأكمل‬
‫ِ‬ ‫ـ هذا حوار طويييل‪ ،‬سأقصه‬
‫اآلن قصة أبي ما رأيك؟‬
‫ـ اتفقنا كمل‪.‬‬
‫ـ أبي كان موكل ذات يوم بأذية إنسية‪ ،‬ولكن العمل كان‬
‫مطلق "إذا رش على عتبة باب‪ ،‬ودخل أي شخص آخر‬
‫فمر رجل على هذا العمل فتلبّس به أبي‪.‬‬
‫يمكنه أن يصاب" َّ‬
‫ـ هو فيه كذا نوع من األعمال؟‬
‫ـ نعم‪ ..‬هما مطلق ومقيد‪ ،‬شرحت لك المطلق‪ ،‬أمّا المقيد‪،‬‬
‫فهو من يكون موجه بإالسم‪ ،‬وال يصيب أحد سوى الشخص‬
‫المراد أذيته‪ ..‬البيت الذي دخله أبي متلبسًا بهذا اإلنسي‪ ،‬كان‬
‫بيت طاهر وإناس متدينون‪ ،‬وكانت أمي من عمّار هذا البيت‪.‬‬
‫ـ يعني إيه عمّار دي؟‬

‫‪86‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ العمار هم فريق من الجن المسلم‪ ،‬يسكنون معكم‪ ،‬ويصلون‬
‫وينامون ويأكلون‪ ،‬فإذا وضع الطعام يأكلون مما لم يذكر اسم‬
‫هللا عليه‪ ،‬وال يؤذون أحد في الغالب‪ ،‬ولهذا البد أن تقولي‬
‫بسم هللا قبل أي شيء تفعليه‪.‬‬
‫ـ زي تيمو كده؟ هو قالي بياكل معايا لما بسمي‪.‬‬
‫ضحك القط بصوت عا ٍل وسألها‪:‬‬
‫ـ تيمو مين؟‬
‫ـ خالك مش اسمه حاتم؟‬
‫ـ ال يا خالة خالي اسمه‪....‬‬
‫معتذرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قاطع حديثه ضحكة مفاجأة رغ ًما عنه ثم تنحنح‬
‫ـ إحم لن أستطيع‪ ..‬ولكن خالي هذا رهيب‪ ..‬تيمو!! تيمو!!‬
‫قلت لك إنه فاسق‪ ،‬ولكنّه خفيف الظل حقًا‪ ،‬ولكن من الجميل‬
‫ت لي حتى استغله بسبب هذا اإلسم‪.‬‬‫أنك قل ِ‬
‫ِ‬
‫يحرك أذنيه ويغمض‬ ‫ّ‬ ‫لثوان‪ ،‬ونظر لها وهو‬
‫ٍ‬ ‫صمت عثمان‬
‫أردف‪:‬‬
‫َ‬ ‫عينيه بأسفٍ ‪ ،‬ث َّم‬
‫منك ستندمين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫لك يا خالة‪ ،‬ال تجعليه يتمكن‬ ‫ـ نصيحتي ِ‬
‫ستحبين الوحدة واإلنطواء والعزلة‪ ،‬وستكرهين الرجال‪،‬‬
‫وربما يجعلك تفكرين بالفاحش ِة‪ ،‬وتمارسيها مع نفسك مرات‬
‫ألن الجن ال يبالي بمزاج الشخص المصاب سواء‬ ‫ومرات‪َّ ،‬‬
‫بالفرح أو الحزن‪ ،‬كل ما يريده هو تحقيق رغبته‪.‬‬
‫نظر "عثمان" ليدها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أرى بيدك خات ًما‪ ،‬سيجعلك تتركين خطيبك وتتألمين‪ ،‬ألن‬
‫الجن أناني وال يترك حبيبته لغيره‪.‬‬
‫تغيَّرت مًلمح روفيدا وخافت‪ ،‬تذكرت ما يحدث لها باألونة‬
‫األخيرة‪ ،‬من تغير بطباعها وحبها للوحدة‪ ،‬وعدم اشتياقها‬
‫لخطيبها‪ .‬حاول عثمان طمأنتها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـ لتعلمين‪ ،‬خالي لآلن لم يمسّك‪ّ ،‬‬
‫ألن عقلك طاهر‪ ،‬وتفعلين‬
‫منك‪.‬‬
‫بعض األشياء التي تحصّنك دون علم ِ‬
‫الجن يعلم من يرغب في الخياالت العارية والدعابات‬
‫الجنسية‪ ،‬ويشاهد األفًلم القبيحة‪ ،‬فيدخل له مدخل شر‬
‫ويغويه‪.‬‬
‫قالت له وبعينها مسحة من المرارة‪:‬‬
‫ـ يعني ذنبي في الحياة إني جميلة‪ ،‬اتحرم من كل حاجة‬
‫علشان محدش يشوفني‪ ،‬حتّى الجن يحطني في دماغه أنا‬
‫نفسي أموت بجد‪ ،‬أنا تعبت‪.‬‬
‫أكملت حديثها بكاء‪ ،‬وهي تتذكر أخوها "وحيد" وضعت‬
‫روفيدا رأسها بين كفيها محاولة كتم مشاعرها‪ .‬قال لها‬
‫عثمان بتأثر‪:‬‬
‫ـ ال تقولي هذا يا خالة‪ ،‬كيف تتمنين الموت؟‬
‫ً‬
‫محاوال جعلها تضحك‪،‬‬ ‫ث ّم صمتَ وجذب شعرها بمخالبه‬
‫وعندما وجد الحزن والخوف يغلف وجهها‪ ،‬أكمل‪:‬‬
‫ـ من قال أن جمالك سبب حب خالي؟ الجن أكثر شيء يجذبه‬
‫باإلنسان الجسد‪ ،‬وأقبح امرأة بعالمكم هي ملكة بعالمنا‪ ،‬ولو‬

‫‪88‬‬
‫نيكوابر‬
‫كان العشق للجمال‪ ،‬لكان ترك الجن المصاب بعد أن يكبر‬
‫ً‬
‫جماال‪.‬‬ ‫آخر أكثر‬
‫شخص ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بالسن ويبيض شعره‪ ،‬ويبحث عن‬
‫نظرت له روفيدا‪ ،‬وقلبها يتمزق شوقًا على أخيها‪ ،‬قالت له‬
‫بترجي‪:‬‬
‫ـ عثمان ممكن تساعدني؟‬
‫ـ كيف تريديني أن أساعدك؟‬
‫ـ قولي أعمل إيه علشان يبعد عني؟ كًلمك عن السحرة‬
‫والجلب والحاجات دي خوفني أوي‪ ،‬خايفة يحصلّي حاجة‪.‬‬
‫ضحك عثمان‪ ،‬ألنه فهم الشيء الذي أخافها بهذا الشكل‪،‬‬
‫حاول طمأنتها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـ تشكل الجن في هيئة إنسان صعب الحدوث‪ ،‬أي شبه‬
‫بشخص‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مستحيل‪ ،‬ولكن ما يحدث أن الجن عندما يتلبس‬
‫يثير الشهوة عند المصاب سواء رجل أو امرأة‪ ،‬فنجد الشاب‬
‫كثيرا‪ ،‬والفتاة تقوم بفعل العادة السرية مرات ومرات‬‫ً‬ ‫يحتلم‬
‫فإن هذه األشياء تجعل الجن يعشقهم أكثر‪،‬‬ ‫يوميًا‪ ،‬وبالطبع َّ‬
‫وال يتركهم وهذه العادات لها أضرار بالغة‪ ،‬ولكن الجن ال‬
‫يستطيع في هذه الحالة سوى إثارة الشخص‪ ،‬ألنه ليس قوي‬
‫بهذه الدرجة‪ ،‬وال يمكنه أن يفقد فتاة عذريتها إال‪..‬‬
‫تغيّر وجه روفيدا‪ ،‬واحمّرت وجنتاها‪ ،‬وقلبها بدأ يرتعش‬
‫وهو في انتظار الرد من عثمان‪ .‬عندما نظر عثمان لها ووجد‬
‫هذا الذعر على وجهها‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لك أن تشكل الجن في هيئة اإلنسان صعب الحدوث‪،‬‬‫ـ قلت ِ‬
‫ألنّه يخضع لهذه الهيئة‪ً ،‬‬
‫مثًل لو تش ّكل في هيئة إنسان‪،‬‬
‫وطعن أو ضرب بالنار يموت‪ ،‬ولهذا فنحن نتشكل للحظة أو‬

‫‪89‬‬
‫نيكوابر‬
‫لحظات‪ ،‬حتى ال يمكن ألحد أن يمسك بنا‪ ،‬ولو كان األمر‬
‫بهذه السهولة‪ ،‬لكانت األرض مسكن لنا وألوالدنا‪ ،‬ولولد بكل‬
‫ت جني وزادت الفاحشة‪ ،‬ونسب كل طفل أتى عن طريق‬ ‫بي ٍ‬
‫الخطيئة لنا‪ ،‬هذه حكمة من ربك‪ ،‬أن بعدنا عنكم فقد أصبحنا‬
‫مظلومين وسطكم يا خالة‪ ،‬حقًا كل شيء ينسب للعمل‬
‫والسحر‪ ،‬لو الشخص مصاب بمغص يقولون‪ ،‬ربما فًلن فعل‬
‫لك سحر لتتألم‪.‬‬
‫ثم ضحك عثمان‪ ،‬وأكمل‪:‬‬
‫ـ دعونا وشأننا أيها الظالمون‪.‬‬
‫لم تبادله روفيدا الضحكة‪ ،‬بل قالت له وهي خائفة‪:‬‬
‫ـ بس خالك إتشكل في هيئة إنسان‪ ،‬يعني كان ممكن‪...‬‬
‫اقترب منها عثمان‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫منك ما فعل هذا‪،‬‬‫ت من أعطاه هذه الجرأة‪ ،‬لو كان خائف ِ‬ ‫ـ أن ِ‬
‫لك من‬‫ت تحفظين من كتاب هللا ما يضره لما ظهر ِ‬ ‫ولو كن ِ‬
‫األصل‪ ،‬الجن يلعب على حبال الشهوة‪ ،‬فممكن أن يجعل‬
‫الفتاة هي من تضر نفسها وتهتك عذريتها‪ ،‬ولو تركته‬
‫ضا‪ ،‬ألنه يتشكل بأجمل الصور‪ ،‬وهنا‬ ‫يتشكل بهيئة إنسي أي ً‬
‫يمكنه أن يغويها لفعل الرزيلة‪ ،‬ضعي بذهنك دائ ًما أنه قبيح‬
‫الشكل ال يغرك الصورة التي يظهر لك بها ألم يقل ربك أن‬
‫شجرة الزقوم طلعها كأنه رءوس الشياطين أترين التشبيه‪.‬‬
‫سألته روفيدا ببراءة األطفال‪ ،‬وهي تضغط شفتيها بحزن‪:‬‬
‫ـ ممكن تقولي وصف الشجرة دي‪.‬‬
‫حرك عثمان أذنيه عدة مرات‪ ،‬ث َّم قال‪:‬‬
‫َّ‬

‫‪91‬‬
‫نيكوابر‬
‫شجرة الزقوم هي شجرة ملعونة موجودة في جهنم وهي‬
‫وم‪َ .‬ط َعام‬ ‫ش َج َرةَ َّ‬
‫الزق ِ‬ ‫طعام أهل النار وقال عنها ربك ِإ َّن َ‬
‫يم‪ .‬خذوه فَاعتِلوه‬ ‫ون‪َ .‬كغَلي ِ ال َح ِم ِ‬
‫يم‪ .‬كَالمه ِل يَغ ِلي فِي البط ِ‬ ‫األَثِ ِ‬
‫يم"‪.‬‬ ‫ب ال َح ِم ِ‬‫عذَا ِ‬
‫س ِه ِمن َ‬ ‫ق َرأ ِ‬‫يم‪ .‬ث َّم صبوا فَو َ‬
‫اء ال َج ِح ِ‬ ‫إِلَى َ‬
‫س َو ِ‬
‫بكت روفيدا بحرقة‪ ،‬فواصل عثمان حديثه‪:‬‬
‫ـ ألم أقل لك من قبل كيف تحصنين نفسك‪ ،‬عوّ دي لسانك على‬
‫ذكر اسم هللا‪ ،‬حتى تقي أوالدك أي ً‬
‫ضا‪،‬كلها أيام وتصبحين‬
‫زوجة‪ ،‬هناك حديث يقول "إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى‬
‫الجان على إحليله فجامع معه"‬
‫أترين العًلج؛ أذكر اسم هللا صعب‪ ..‬أنتم من تصعبون‬
‫األمور‪ ..‬وآخر آيتين بسورة البقرة فوائدهما عظيمة‪.‬‬
‫نهض عثمان فجأة‪ ،‬وقال لها انتظري دقيقة‪ ،‬خرج من‬
‫الغرفة وبعد عدة دقائق أتى وأحضر معه ورقة وعلبة‬
‫صغيرة بها حبر لونه أحمر‪ ،‬وكتب لها بها شىء وعندما‬
‫انتهى وضعها بقبضة يدها‪.‬‬
‫ً‬
‫طويًل‪ ،‬ث َّم فتحتها وبدأت تقرأ‪.‬‬ ‫نظرت لها روفيدا‬
‫"صديقتي اإلنسية‬
‫مودتي أما بعد‪...‬‬
‫ال تنسي ذلك القط الشقي‪ ،‬وعليك بقراءة األذكار‪ ،‬وسماع‬
‫الرقية‪ ،‬وذكر اسم هللا واآليات التالية تؤثر في ذلك العاشق‬
‫"تيمو"‪ .‬احفظيهم أو ردديهم من الورقة‪ ،‬هيَّا تأهبي‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫نيكوابر‬
‫اَللِ‬ ‫اَللِ أَندَادًا ي ِحبونَهم كَحبّ ِ َّ‬ ‫ون َّ‬ ‫اس َمن يَت َّ ِخذ ِمن د ِ‬ ‫" َو ِمنَ النَّ ِ‬
‫َوالَّ ِذينَ آ َ َمنوا أَشَد حبًّا ِ ََّللِ َولَو َي َرى الَّ ِذينَ َظلَموا ِإذ َي َرونَ‬
‫ب"‬ ‫شدِيد العَذَا ِ‬ ‫اب أ َ َّن القوَّ ةَ ِ ََّللِ َج ِميعًا َوأ َ َّن َّ‬
‫اَللَ َ‬ ‫العَذَ َ‬
‫ت‬ ‫ش َه َوا ِ‬ ‫ع َليكم َوي ِريد الَّ ِذينَ يَتَّبِعونَ ال َّ‬ ‫وب َ‬ ‫اَلل ي ِريد أَن يَت َ‬ ‫" َو َّ‬
‫ف عَنكم َوخ ِل َق‬ ‫اَلل أَن ي َخ ِفّ َ‬ ‫أَن ت َ ِميلوا َمي ًًل ع َِظي ًما‪ .‬ي ِريد َّ‬
‫ض ِعيفًا‪".‬‬ ‫سان َ‬ ‫اإلن َ‬
‫ِ‬
‫غا إِن كَادَت لَتبدِي ِب ِه لَو َال أَن‬ ‫سى فَ ِار ً‬ ‫" َوأَصبَ َح فؤَاد أ ِ ّم مو َ‬
‫علَى َقل ِب َها ِلتَكونَ ِمنَ المؤ ِم ِنينَ "‬ ‫َر َبطنَا َ‬
‫اب‬ ‫ت األَب َو َ‬ ‫غلَّقَ ِ‬
‫س ِه َو َ‬ ‫اودَته الَّتِي ه َو فِي بَيتِ َها عَن نَف ِ‬ ‫" َو َر َ‬
‫اي ِإنَّه َال‬ ‫سنَ َمث َو َ‬ ‫اَللِ ِإنَّه َر ِبّي أَح َ‬ ‫َوقَالَت َهيتَ لَكَ قَا َل َم َعاذَ َّ‬
‫الظا ِلمونَ ‪َ .‬ولَقَد َهمَّت بِ ِه َو َه َّم بِ َها لَو َال أَن َرأَى برهَانَ‬ ‫يف ِلح َّ‬
‫ف عَنه السو َء َوالفَحشَا َء ِإنَّه ِمن ِعبَا ِدنَا‬ ‫َر ِبّ ِه َكذَ ِلكَ ِل َنص ِر َ‬
‫المخلَ ِصينَ "‬
‫سِجن أ َ َحب ِإلَ َّي ِممَّا يَدعونَنِي ِإلَي ِه َو ِإ َّال تَص ِرف‬ ‫" قَا َل َربّ ِ ال ّ‬
‫اب لَه‬ ‫ع ِنّي كَيدَه َّن أَصب إِلَي ِه َّن َوأَكن ِمنَ ال َجا ِه ِلينَ ‪ .‬فَاست َ َج َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ف عَنه كَيدَهن إِنه ه َو الس َِّميع العَ ِليم‪".‬‬ ‫َّ‬ ‫ص َر َ‬ ‫َ‬
‫َربه ف َ‬
‫س ِه‬ ‫يز ت َرا ِود فَتَا َها عَن نَف ِ‬ ‫" َوقَا َل نِس َوة فِي ال َمدِينَ ِة ام َرأَة العَ ِز ِ‬
‫ين"‬‫شغَفَ َها حبًّا إِنَّا لَنَ َرا َها ِفي ض ًََل ٍل م ِب ٍ‬ ‫قَد َ‬
‫ت لَعَلَّكم‬ ‫ت بَيِّ َنا ٍ‬‫ورة أَن َزلنَا َها َوفَ َرض َنا َها َوأَن َزلنَا فِي َها آَيَا ٍ‬ ‫"س َ‬
‫َ‬
‫اح ٍد ِمنه َما ِمائ َة َجلدَ ٍة‬ ‫الزانِي فاج ِلدوا ك َّل َو ِ‬ ‫َ‬ ‫الزانِيَة َو َّ‬ ‫تَذَ َّكرونَ ‪َّ .‬‬
‫اَلل ِإن كنتم تؤ ِمنونَ ِب َّ ِ‬
‫اَلل‬ ‫ِين َّ ِ‬ ‫َو َال تَأخذكم ِب ِه َما َرأفَة ِفي د ِ‬
‫الزانِي َال‬ ‫عذَابَه َما َطائِفَة ِمنَ المؤ ِمنِينَ ‪َّ .‬‬ ‫َواليَو ِم اآلَ ِخ ِر َوليَش َهد َ‬
‫ان أَو‬ ‫الزانِيَة َال يَن ِكح َها إِ َّال َز ٍ‬ ‫يَن ِكح َّإال َزانِيَةً أَو مش ِركَةً َو َّ‬
‫علَى المؤ ِم ِنينَ ‪".‬‬ ‫مش ِرك َوح ِ ّر َم ذَ ِلكَ َ‬

‫‪92‬‬
‫نيكوابر‬
‫س الَّ ِتي‬ ‫اَللِ ِإلَهًا آ َ َخ َر َو َال يَقتلونَ النَّف َ‬‫" َوالَّ ِذينَ َال يَدعونَ َم َع َّ‬
‫ق أَثَا ًما‪.‬‬ ‫ق َو َال َيزنونَ َو َمن َيف َعل ذَ ِلكَ َيل َ‬ ‫اَلل ِإ َّال ِبال َح ّ ِ‬
‫َح َّر َم َّ‬
‫يضَاعَف لَه العَذَاب يَو َم ال ِقيَا َم ِة َويَخلد فِي ِه م َهانًا‪".‬‬
‫ي ِ آ َ َال ِء َر ِبّك َما تك َِذّبَ ِ‬
‫ان‬ ‫ورات فِي ال ِخيَ ِام (‪ )20‬فَبِأ َ ّ‬ ‫" حور َمقص َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )29‬لَم يَط ِمثهن إِنس قبلهم َو َال َجان‪".‬‬
‫َّ‬
‫" َو ِحي َل بَينَهم َوبَينَ َما يَشتَهونَ َك َما ف ِع َل بِأَشيَا ِع ِهم ِمن قَبل‬
‫ب‪".‬‬ ‫إِنَّهم كَانوا فِي ش ٍَّك م ِري ٍ‬
‫وكما قلت لك األذكار يا خالة األذكاااار‪ .‬كلمة ال إله إال هللا‬
‫تجعلهم يتدافعون هاربين ‪.‬‬
‫والجن المسلم إذا قرأتي آية الكرسي ‪2‬مرات‪ ،‬واإلخًلص‪2‬‬
‫مرات‪ ،‬والبقرة ‪ 9‬مرات ‪،‬بإذن هللا تحمي منه‪.‬‬
‫ع َلى الَّ ِذينَ‬ ‫وقد قال ربك على الشيطان‪ِ " :‬إنَّه َلي َ‬
‫س َله سل َطان َ‬
‫علَى َر ِب ِّهم َيت َ َو َّكلونَ ‪".‬‬
‫آ َمنوا َو َ‬
‫كوني أمة متوكلة‪ ،‬وسيحفظك هللا من كل شر‪ .‬وال تنسي‬
‫الدعاء بنية الستر"‬
‫انتهت روفيدا من القراءة‪ ،‬ومسحت دموعها بأطراف‬
‫كثيرا وهي تحتضن الورقة‪ ،‬وسألته‪:‬‬
‫أناملها‪ ،‬وشكرته ً‬
‫ـ أعلق الورقة دي تميمة؟‬
‫كثيرا‪ ،‬وأردف‪:‬‬
‫ضحك عثمان ً‬
‫ـ وهللا إنتوا يا خالة بشر لكم العجب‪ ،‬أتعلمين بالقرآن آية‬
‫وحيدة بدأت بحرف الظاء‪ ،‬وهي " َظ َه َر الفَ َ‬
‫ساد ِفي ال َب ِ ّر‬
‫ض الَّذِي ع َِملوا‬ ‫سبَت أَيدِي النَّ ِ‬
‫اس ِليذِيقَهم بَع َ‬ ‫َوالبَح ِر بِ َما َك َ‬
‫لَعَلَّهم يَر ِجعونَ ‪ ".‬وصدق ربي بكل شيء قاله‪ ،‬إنكم تصدقون‬

‫‪93‬‬
‫نيكوابر‬
‫أشياء غريبة‪ ،‬أتعلمين ما الذي تحويه التمائم؟ إنها قطعة‬
‫طماطم وفلفل‪ ،‬وكأنه طبق سلطة بالداخل وتمائم أخرى‬
‫تحوي طًلسم وتعويذات للجن‪ ،‬وأخرى بها اسم الشيطان‪ ،‬ال‬
‫تميمة تشفي‪ ،‬وال حجاب يقي‪ ،‬لقد أعطيتك الورقة لتقرأيها ال‬
‫لتطويها هذه كلها بدع وحرام يا خالة‪ ،‬قال تعالى‪َ " :‬وننَ ِ ّزل‬
‫شفَاء َو َرح َمة ِللمؤ ِمنِينَ ‪ ".‬وقال أيضا ً " لَو‬ ‫ِمن القرآن َما ه َو ِ‬
‫عا ِمّن َخشيَ ِة‬
‫ص ِدّ ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫علَ َٰى َج َب ٍل ل َرأيتَه َخا ِ‬
‫شعًا مت َ َ‬ ‫نزلنَا َٰ َهذَا القرآنَ َ‬
‫أَ َ‬
‫اَللِ‪ ".‬معناه إن لو هذا الجبل في غلظته وقسوته وفهم‬ ‫َّ‬
‫القرآن‪ ،‬فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف هللا‪ .‬القرآن‬
‫للتًلوة يا خالة‪ ،‬كلماته نزلت لتخترق روحك وتريح قلبك‪..‬‬
‫ً‬
‫سؤاال‪:‬‬ ‫سأسألك‬
‫نظرت له روفيدا في انتظار سؤاله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـ لو رأيتي المصحف على أحد الرفوف‪ ،‬هل سيتأثر قلبك‬
‫بشيء؟‬
‫ً‬
‫سؤاال آخر‪:‬‬ ‫أومأت روفيدا رأسها بالنفي‪ ،‬فسألها‬
‫ـ لو كان بجوار هذا المصحف شيخ‪ ،‬ويقرأ في خشوع‬
‫لك؟‬
‫وصوته عذب‪ ،‬ماذا سيحدث ِ‬
‫أجابت‪:‬‬
‫ـ ممكن أبكي‪ ،‬وهحس إن قلبي ارتاح‪.‬‬
‫اقترب منها عثمان‪ ،‬وحركاته تدل على فرحته‪ ،‬رفع رأسه‬
‫ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ هذا هو العًلج يا خالة‪ ،‬ال تهجري القرآن فهو خير ونيس‬
‫وخير رفيق للقلب‪ ..‬هل أكمل قصة أبي أم نكتفي؟‬

‫‪94‬‬
‫نيكوابر‬
‫أومأت رأسها‪ ،‬وهي مبتسمة‪ ،‬بأن يكمل فواصل حديثه‪:‬‬
‫ـ عندما بدأت تظهر عًلمات التلبس على هذا الشخص‪ ،‬جاء‬
‫شيخ وأخرجه من اإلنسي بعد أن أقنع والدي باإلسًلم‪ ،‬أحب‬
‫بعدها أمي وتزوجها‪ ،‬وهي من قوّ ت عزيمته باإلسًلم‪ ،‬ومن‬
‫يومها وهو مطارد من أهله ومن ذلك الساحر البغيض‪.‬‬
‫ليًل في هذا الخراب‪ ،‬حتى يعود والدي من عمله‬ ‫نهرب ً‬
‫بالصباح‪ .‬وعندما يعود نرجع لبيتنا بالمملكة‪ ،‬ألن ال أحد يعلم‬
‫بهذا المكان‪ ،‬وخصوصًا أن هذا البيت الذي كانت تعمره أمي‬
‫وتحميه قبل زواجها‪ ..‬ولكن بعدما تزوجت ورجعت المملكة‪،‬‬
‫أخذه الشياطين ودمروه وبعد عودتها لم تجد أي إنسي بهذه‬
‫البلدة فحصنته‪ ،‬وهانحن نعيش كمن هرب من قضية وحكم‬
‫عليه باإلعدام‪.‬‬
‫سألها‪:‬‬
‫ـ أتسمعين نباح الكًلب ونهيق الحمير اآلن؟‬
‫ـ نعم‪.‬‬
‫فأكمل‪:‬‬
‫أوصاك الرسول‪ ،‬ألنهم حقًا يرون ما الترون‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـ استعيذي كما‬
‫سأنام لبعض الوقت‪ ،‬ألني سـأستيقظ ألقيم الليل‪ ،‬بجوارك‬
‫بعض الطعام تناوليه وتصبحين على خير‪.‬‬
‫قفز عثمان من على ركبتها‪ ،‬واستلقى بعيدًا على أحد‬
‫الوسائد‪ .‬نظرت روفيدا للطعام‪ ،‬كان طبق مليء بالتمر‬
‫وبجواره كوب به لبن‪ ،‬رفعت نظرها ووجهت الحديث لعثمان‬
‫قائلة‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ عثمان‪ ..‬هتيجي معايا بكرة؟‬
‫نظر لها فرحًا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ أتوافقين على اصطحابي؟ حقًا؟! ولكن هذا عبء كبير‬
‫عليكي‪ ،‬البد أن نتعاهد على أشياء كثيرة وأولها سًلمتي‬
‫بالرجوع‪ ،‬واحذري إن حدث لي شيء ستًلقين ما التتوقعينه‪.‬‬
‫ـ ماتخافش ياسيدي هرجعك تاني‪ ،‬وهعملك كل الّي إنت‬
‫عايزه وهعاهدك بس بشرط‪.‬‬
‫أومأ عثمان برأسه باالستفهام‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ـ تقولي اسم تيمو الحقيقي‪.‬‬
‫ـ اسمه "مطرش"‪ ،‬وهذا سر بيننا ال تخبريه‪ ،‬حتى ال‬
‫يضربني فيده ثقيلة جدًا يا خالة‪.‬‬
‫أحنى عثمان عنقه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ رقبتي تعاني حتى اآلن من صفعاته‪.‬‬
‫ثم ضحك مجددًا واستلقى على األرض مغم ً‬
‫ضا عينيه وأكمل‬
‫حديثه‪:‬‬
‫ـ ولكن كلمة تيمو رهيبة لن أنساها‪ ..‬هللا معي فيما سأعانيه‬
‫بسببها‪.‬‬
‫اعتدل في جلسته مجددًا وأقترب منها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ نسيت أن أخبرك بأال تقرأي آية الكرسي‪ ،‬حتى تستطيعي‬
‫العودة إلّى أهلك‪ ،‬ألن خالي تركك اليوم عندنا بسبب قراءتك‬
‫لها‪.‬‬
‫ـ طيب ليه إيه السبب؟‬

‫‪96‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ كما حدث بقصة أبي هريرة‪.‬‬
‫ـ إيه القصة دي؟‬
‫ـ خالة أعدك سأقص عليك هذه الحكاية‪ ،‬وصفات الساحر‬
‫غدًا‪ ،‬ولكن اتركيني أنام ما رأيك ؟‪ .‬خخخخخخخخ‪.‬‬
‫ـ عامل نفسك نمت‪ ،‬طيب تصبح على خير بس الصبح الزم‬
‫تقولي‪.‬‬
‫ـ خخخخخخخخ‪.‬‬
‫ـ ههههه ما خًلص يا عثمان‪ ،‬مناخيرك هتكبر من كتر‬
‫الشخير ده‪.‬‬
‫جلست روفيدا وحدها‪ ،‬كحال الكثير عندما يكون بزيارة عند‬
‫أحدهم وينام‪ ،‬وعندما يستيقظ يجد نفسه وحيدًا فيبدأ بتأمل‬
‫السقف‪ ،‬وربما يجد بعض الشقوق أو عنكبوت لم يلبس بدأ‬
‫خيط واحد ببيته‪ .‬صوت الضجيج بالخارج جعل الخوف يدبّ‬
‫بقلبها‪ ،‬نادت عثمان‪:‬‬
‫ـ عثمان‪....‬عثماااان‪...‬عثماااااااااااااان‪.‬‬
‫ـ خخخخخخخخ‪.‬‬
‫ـ عثمان أنا عارفة إنك صاحي‪ ،‬أنا خايفة أوي‪ ،‬طيب تعالى‬
‫نام جنبي‪.‬‬
‫ً‬
‫بصوت يغلبه النعاس‪:‬‬ ‫قال لها‬
‫ـ ال يصح نومي بجوارك‪ ،‬وال تخافي لن يحدث لك شيء‬
‫ت معنا‪.‬‬
‫وأن ِ‬
‫ـ بس صوت الكًلب والحمير عمال يزيد يا عثمان‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫نيكوابر‬
‫لم يرد عليها‪ .‬فقالت‪:‬‬
‫ـ هجيبلك شيكوالتة جواها حاجات بتعمل زغازيغ‪ ،‬وكمان‬
‫فيها ملبن من جوه‪ ،‬وهشتريلك أكتر من كتاب فيه معلومات‬
‫طبية و‪...‬‬
‫لم تكمل حديثها‪ ،‬حتى وجدته فوق صدرها يخرج لسانه‪،‬‬
‫وينظر لها ببًلهة‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ـ مووووووافق‪.‬‬
‫ـ طيب أنا عايزة أبص من الشباك على إلى بيحصل بره‪.‬‬
‫ـ الالالالال‪ ،‬الليلة قمرية هناك أشياء مشينة بالخارج‪ ،‬لن‬
‫تستطيعي رؤيتها‪.‬‬
‫ـ هجيبلك تليفون فيه ألعاب كتير‪.‬‬
‫ـ امممممم حسنًا‪ ،‬ولكن‪..‬‬
‫ـ إيه؟‬
‫ـ البد أن تسمعي كًلمي بكل حرف‪.‬‬
‫ـ حاضر يا عثمان‪ّ ،‬‬
‫ياال بقى افتح الشباك‪.‬‬
‫ذهب عثمان وفتح الشباك وقفز ووقف به‪ ،‬ذهبت روفيدا‬
‫خلفه‪ ،‬وأخذت تختلس النظر‪ ،‬وما إن رأت منظر الرجل الذي‬
‫تنبح عليه الكًلب‪ ،‬حتى صرخت وولت عثمان ظهرها‪.‬‬
‫بك يا خالة؟‬
‫ـ هههههه ماذا ِ‬
‫ـ إيه الراجل الغريب ده‪ ،‬وبيعمل إيه هنا؟‬

‫‪98‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ هذا ساحر يحاول التودد للشيطان‪ ،‬وهذا ما يفعله السحرة‬
‫قبل أن يرضى الشيطان عنه ويعطيه أحد من جنوده‪.‬‬
‫جلست روفيدا على األرض‪ ،‬وعثمان ال زال جالسًا بالشباك‬
‫ويتحدث معها‪ ،‬سألته‪:‬‬
‫ضر جن‪ ،‬الزم ييجي في مكان زي ده كده‪،‬‬ ‫ـ والّي عايز يح ّ‬
‫مينفعش في بيته؟‬
‫يمكن أن يفعل هذا في بيته‪ ،‬ولكن هناك شروط كثيرة البد أن‬
‫يفعلها مثل الخلوة والقذارة‪ ،‬ومعظم السحرة يبدأون حياتهم‬
‫بوسط أهلهم‪ ،‬قبل أن يتجهوا لهذا الفعل ويفعلون هذا في‬
‫الخفاء‪ ،‬ويكون من الصعب عليهم أن يقوموا بعمل التحضير‬
‫الكامل في البيت‪ ،‬فيلجأون لألماكن المهجورة والخربة وهذا‬
‫الساحر يبدو أنه يريد أن يزيد في مرتبته عند الشيطان‬
‫ويأخذ جن أقوى‪.‬‬
‫ضر جن‪،‬‬ ‫ـ طيب أنا األوضة بتاعتي لوحدي‪ ،‬لو حبيت أح ّ‬
‫ضرك أعمل كده‬ ‫أعمل إيه؟ ممكن تعلمني علشان لما أحب أح ّ‬
‫يا عثمان يا عسل‪.‬‬
‫ـ اممممممم سأعلمك‪ ،‬انتبهي لي جيدًا‪.‬‬
‫وقف عثمان بالشباك‪ ،‬ورفع يده وبدأ يشرح‪:‬‬
‫ـ ً‬
‫أوال‪ :‬البد أن ال تتحدثي مع أي شخص لمدة يومين‪ ،‬وبعدها‬
‫تقومي بإحضار نصف زجاجة زيت خروع‪ ،‬وتشتري كيلو‬
‫من كبدة "الماعز" وتضعيها بإناءٍ من األلمونيوم‪ ،‬وتغطيه‬
‫بالماء ثم تحكمي عليه الغطاء جيدًا ومعه دجاجة صغيرة‬
‫ب لمده عشرة أيام‪ ،‬وبعد ذلك تحضريهم‬ ‫بمكان رط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وتتركيهم‬
‫وتطفأى الضوء وتشعلي شمعة‪ ،‬والبد أن يكون المكان‬

‫‪99‬‬
‫نيكوابر‬
‫عتمة‪ ،‬وعندما تتأكدي أن الغرفة ال يوجد بها سوى ضوء‬
‫الشمعة‪ ،‬تفتحي اإلناء وتضعي قطعة الكبدة على قالب‬
‫خشبي وتقطعيها قطع صغيرة‪ ،‬والبد أن تتحملي رائحة‬
‫النتانة‪ ،‬وتضعي على الدجاجة قطعة من القماش‪ ،‬ثم تبدأ أهم‬
‫مرحلة وهي التحضير‪.‬‬
‫كانت روفيدا تستمع له بانتباهٍ‪ ،‬وتحفظ كل ما يقول‪.‬‬
‫ـ التحضير البد أن يكون الساعة الثانية بعد منتصف الليل‬
‫وأول شيء تقومي بوضع زيت الخروع على عتبة الباب‪،‬‬
‫وتفعلي مثلما سأفعل اآلن‪ ،‬قفز عثمان على األرض واقترب‬
‫منها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫طويًل كما أفعل‪ ،‬وتنادي على الجن بعلو‬ ‫ً‬ ‫ـ تغمضي عينيك‬
‫صوتك وتتأوهي اااااااااااااااااه ااااااااااااااااااااه ثم تقولي‪..‬‬
‫هاااااااااااااااااااااااااااا هاااااااااااااااااا تعالووووووا تعاااااالوا‪،‬‬
‫كثيرا‪ ،‬بعد فترة‬
‫ً‬ ‫لقد أحضرت لكم الطعام العفن‪ ،‬وتكرري هذا‬
‫بسيطة ستسمعي طرق على باب غرفتك وطرق على جدران‬
‫البيت‪ ،‬وأصوات خطوات بعض األشخاص سيفتح الباب فجأة‬
‫و‪...‬‬
‫قاطعته روفيدا قائلة‪:‬‬
‫ـ بس أنا عايزاك إنت بس‪ ،‬مش إنت وعيلتك‪.‬‬
‫ـ مين قال إنهم عائلتي؟‬
‫ـ أمَّال مين الّي هيدخلوا دول؟‬
‫ـ إنهم أشخاص سيأتون ليعطوكي ضربًا مبرحًا ‪ ،‬بسبب‬
‫إزعاجك لهم وهم أهلك نهه هه هاااااا‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫نيكوابر‬
‫ضحكت روفيدا ثم قالت له معاتبة‪:‬‬
‫ـ كده يا عثمان تضحك عليا‪.‬‬
‫ـ قلت لك من قبل‪ ،‬من يفعل هذا يكون كافر‪.‬‬
‫ـ بس ده فضول للمعرفة مش أكتر ‪.‬‬
‫كل السحرة كان بداية طريقهم فضول‪ ،‬انهضي وانظري ما‬
‫الذي جنوه من فضولهم‪.‬‬
‫****‬
‫مسحت القاعة بعيني‪ ،‬معظم الحاضرين مشغولين بشيء ما‪،‬‬
‫هذا يطالع "الفيس بوك" ويضحك مع نفسه وهو ينظر‬
‫لشاشته اإللكترونية‪ ،‬وهذه منذ بدء المحاضرة وهي تتحدث‬
‫مع صديقتها‪ ،‬وهذا يأكل‪ ،‬وهذا يمزح مع صديقه‪ ،‬غضبت‬
‫وكدّت أترك القاعة وأنهي المحاضرة‪ ،‬ولكن‪...‬‬
‫صمت الجميع فجأة‪ ،‬عندما انطفئ الضوء‪ ،‬القاعة أظلمت‪،‬‬
‫بصيص من نور الهواتف بالكاد ينير الوجوه‪ ،‬دبَّ الخوف‪،‬‬
‫تعالت اآليات القرآنية من األفواه‪ ،‬تنحنحت ث ّم قلت‪:‬‬
‫ـ حاسة إنكم خايفين‪ ،‬أكمل وأال نستنى لما النور ييجي؟‬
‫القليل وافق على التكملة‪ ،‬وهناك من أراد الخروج‪ ،‬ولكن‬
‫الظًلم والزحمة منعته‪ ،‬وبالنهاية قررنا االنتظار ً‬
‫قليًل‪ ،‬طال‬
‫الوقت وطلب مني بعض األشخاص المصابين بالفضول أن‬
‫أكمل‪ .‬جلست على الكرسي وبدأت الحديث‪ .‬لم ألبث أن قلت‬
‫كلمتين حتى رأيت شيء غريب بجواري‪ ،‬أطلت النظر لهذا‬
‫الشيء الذي يصعد فوجدته دخان على الحائط‪ ،‬دبَّ الخوف‬
‫بداخلي‪ ،‬يد وضعت على كتفي فصرخت‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ماتخافيش يا دكتورة‪ ،‬أنا نزلت من المدرج علشان أكون‬
‫جنبك لو احتجتي حاجة‪.‬‬
‫كانت هذه الجملة من عم سمير الذي يشعل سيجارته‬
‫باطمئنان وأنا أضع يدي على صدري‬‫ٍ‬ ‫بجواري‪ .‬زفرت‬
‫وشكرته‪ ،‬ث َّم طلبت منه أن يطفئها ألن التدخين ممنوع‪،‬‬
‫اعتذرت للطًلب عمّا حدث‪ ،‬وضحكت ألخفي خجلي‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫ـ شكل عم سمير بيهيئني لجزء األكشن الّي جاي‪ .‬يًل بينا‬
‫نكمل‪...‬‬
‫****‬
‫وقفت روفيدا بالشباك تنظر على الرجل‪ ،‬كان يقف بجوار‬
‫ت مهجور‪ ،‬وقد رسم دائرة كبيرة‪ ،‬ونقش داخلها وخارجها‬ ‫بي ٍ‬
‫بعض الطًلسم‪ ،‬وأسماء الشياطين‪ ،‬قفز فجأة داخل الدائرة‬
‫كالقردة‪ ،‬وهو قابض على شمعتين بيديه‪ ،‬ويقول كلمات‬
‫غريبة‪ ،‬ضحكت روفيدا عليه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ الراجل ده عمّال يتنطط كده ليه؟ ده شكله أهبل يا عثمان‪،‬‬
‫وبعدين هو مش خايف من وجوده في المكان ده؟‬
‫ـ ليس مجنون يا خالة‪ ،‬فهناك من يراقبه ليتأكد من نواياه‪،‬‬
‫هو يفعل كل هذا حتى يجعل الشيطان يمضي معه عقدًا‪،‬‬
‫سيأتي مندوب الشيطان اآلن ويحدد له يوم‪ ،‬والساحر يدرب‬
‫نفسه على هذه األشياء فترة طويلة‪ ،‬حتى يموت قلبه‪ ،‬وهذه‬
‫صفات الساحر‪ ،‬أن يكون عديم الحياء كما ترين عريه الكامل‬
‫هذا كقرد مشوه‪ ،‬ويكون عديم الضمير واإلحساس‪ ،‬وال‬
‫يعترف بالرحمة وال أي عاطفة من العواطف‪ ،‬ولهذا تجدينه‬
‫يدمر الناس بدون ذنب‪ ،‬والبد ّأال يخاف شيء حتى ال ترتعد‬

‫‪112‬‬
‫نيكوابر‬
‫فرائصه عند ظهور سيده إبليس‪ ،‬وأن يكون عنده من المكر‬
‫ما يجعله أدهى من الثعلب‪ ،‬ويكون كافر بكل األديان‬
‫السماوية‪ .‬الساحر يضع المصحف بالحمام‪ ،‬ويلبس الخبز‬
‫كنع ٍل‪ ،‬ويسكب اللبن بالمرحاض‪ ،‬ويعتزل الماء أربعين يو ًما‬
‫بمعنى أن رائحة الكلب أفضل من هذا الرجل الذي يقفز‬
‫كالقرد‪ ،‬هل بعد هذا الكفر تريدين فعل هذا؟‬
‫ـ أومأت روفيدا بالنفي‪ ،‬ونظرت مجددًا مع عثمان من‬
‫الشباك‪.‬‬
‫ظهر فجأة كائن نصفه إنسان ونصفه حيوان‪ ،‬ارتعدت روفيدا‬
‫وخبّأت رأسها في عثمان‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫ـ هذا مندوب الشيطان‪.‬‬
‫رفعت رأسها واسترقت السمع‪ ،‬فسمعته وهو يدعو الرجل‬
‫لمكان آخر اآلن‪ ،‬ألن هناك تقوم حفلة تعميدية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫للذهاب‬
‫ـ سألت عثمان‪ ،‬يعني إيه الّي بيقوله ده ياعثمان؟‬
‫هذه حفلة يحضر بها جميع السحرة الذين يودون إمضاء عقد‬
‫مع الشيطان‪ ،‬ويجب عليهم التزين والتجمل‪ ،‬ألنها ستكون‬
‫آخر ليلة تمس أجسامهم الماء‪ ،‬وعندما يجتمعون يخلعون‬
‫مًلبسهم كما فعل هذا الساحر‪ ،‬ويرسمون طًلسم الستدعاء‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫ـ طيب أنا عايزة أروح المكان ده واتفرج‪.‬‬
‫ً‬
‫ساخطا‪:‬‬ ‫ردَّ عليها عثمان‬
‫ـ مااااذا؟!!‬
‫ـ نقف نتفرج من بعيد‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫نيكوابر‬
‫َّ‬
‫هز رأسه وهو مغمض عينيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫عليك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـ ال يا خالة أخاف‬
‫وأخيرا اهتدى تفكيرها‪،‬‬
‫ً‬ ‫صمتت لبرهةٍ‪ ،‬تفكر بشيء لتقنعه‪،‬‬
‫وقالت‪:‬‬
‫ـ تخاف من إيه؟ مش إنت قولتلي إن محدش يقدر يأذيني‬
‫طول ما أنا متحصنة بآية الكرسي والقرآن واألذكار‪.‬‬
‫ـ نعم قلت هذا‪.‬‬
‫ـ يبقى خًلص متخافش‪ ،‬أنا هقف من بعيد ومش هعمل‬
‫صوت ّ‬
‫ياالاا بقى‪.‬‬
‫نظر لها عثمان وهو متردد في أخذ هذا القرار‪ ،‬صمت لبعض‬
‫الوقت‪ ،‬ثم نهض من مكانه وأحضر الوسائد التي كانت تمأل‬
‫كل أركان الغرف‪ ،‬ووضعها فوق بعضها تحت الشباك وطلب‬
‫من "روفيدا" أن تجلس عليهم‪.‬‬
‫جلست روفيدا فوضع "عثمان" يده على عينيها‪ ،‬وطلب‬
‫تغلّف المكان‪،‬‬
‫منها أن تغمضهم‪ ،‬الضوء اختفى‪ ،‬رياح قوية ِ‬
‫الجو مظلم والطريق مليء بالحجارة‪ ،‬وبواقي األثاث التالف‬
‫وكأن روحها خرجت منها‪،‬‬‫ّ‬ ‫من البيوت‪ ،‬شيء تخللها فجأة‪،‬‬
‫يد طبقت على يدها وجذبتها‪ ،‬فتحت عينيها فوجدت عثمان‬
‫يسير أمامها‪.‬‬
‫تبعت روفيدا خطوات عثمان‪ ،‬حتى دوى فجأة في المكان‬
‫صو ٍ‬
‫ت مفزع‪ ،‬أوقفها بيده وأشار لها أن تختبىء تحت حجرة‬
‫ت مرتبكة‪ ،‬حتّى‬‫كبيرة لتراقب ما يحدث‪ .‬تقدّمت بخطوا ٍ‬
‫وصلت للحجرة‪ ،‬انبطحت أر ً‬
‫ضا وأخذت تنظر‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫نيكوابر‬
‫مكان كبير رائحته عفنة‪ ،‬جميع األشخاص غريبي األطوار‪،‬‬
‫كل شخص يقف بدائرة صغيرة بمقاس قدميه‪ ،‬وبوسط‬
‫الدوائر دائرة كبيرة تتسع وتتفتح‪ ،‬السحرة يقفون داخل‬
‫الدوائر عراة تما ًما‪ ،‬ال يوجد شيء بالمكان سوى السواد‪،‬‬
‫األرض اهتزت فجأة‪ ،‬وأقبل مندوب الشيطان الذي رأته‬
‫ت غريبة‬ ‫روفيدا منذ قليل‪ ،‬أخذوا يهللوا ويتغنوا بكلما ٍ‬
‫ويتراقصون‪ ،‬تزاحموا فجأة وشبّ شجار بينهم‪.‬‬
‫قال مندوب الشيطان‪ :‬الصمتتتت‪ ،‬فركعوا فجأة‪.‬‬
‫قالت روفيدا لعثمان بسخرية‪:‬‬
‫ـ إيه الهبل ده يا عثمان‪ ،‬أنا كنت مفكراها حاجات ترعب‪،‬‬
‫وممكن يغمى عليا من المناظر دي وال كإنها حفلة للهنود‬
‫الحمر‪ ،‬وبعدين هما في طابور عيش؟!! عمالين يضربوا‬
‫بعض ومتجمعين كده ليه حوالين النص حمار في بني آدم‬
‫ده؟‬
‫ـ هشششش‪ ..‬يا خالة احذري إن الشيطان يرانا ويراقب كل‬
‫ما نفعل‪.‬‬
‫همست له ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ طيب هو ممكن يإذينا كده ما دام شايفنا؟‬
‫ـ ال‪ ،‬إلننا محصنون‪ ،‬ولكن‪..‬‬
‫قطع حديثه صوت عمدة السحرة‪ ،‬وهو يصرخ بصو ٍ‬
‫ت غليظٍ‬
‫ويقدّم السحرة لمندوب الشيطان‪ .‬بدأ األشخاص يسبون‬
‫لألديان كلها‪ ،‬كاد قلب روفيدا يخرج من مكانه عندما رأت‬
‫نساء كثيرات ورجال يسجدون ويقبلون حوافر مندوب‬
‫الشيطان‪ .‬اشمئزت من المنظر والكلمات التي تسمعها‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫نيكوابر‬
‫قال عثمان فجأة‪:‬‬
‫ـ اغمضي عينيك مجددًا‪.‬‬
‫ـ ليه يا عثمان؟؟‬
‫ـ أغمضي عينيك يا خالة وال تجادلي‪.‬‬
‫أغمضت روفيدا عينيها‪ ،‬وال زالت االبتسامة على وجهها‪:‬‬
‫ـ حاضر يا عثمان ‪.‬‬
‫سمعت صوت غلييظ يقول‪:‬‬
‫ـ شروط العقد‬
‫" أن يبيع الساحر روحه للشيطان في الحياة والممات‪.‬‬
‫أن يبيع الساحر ماله وزوجته وذريته للشيطان‪.‬‬
‫الشيطان غير مضطر لمساعدة الساحر‪ ،‬وله الحق في عدم‬
‫مساعدته في أي وقت‪.‬‬
‫الشيطان له الحق فقط‪ ،‬أن يضر الناس وال يساعد الساحر‬
‫في عمل شيء له‪.‬‬
‫انتهت الشروط يا موالااااي‪.‬‬
‫اسجدوااااااااااا‪".‬‬
‫ت خاف ٍ‬
‫ت‪:‬‬ ‫قال لها عثمان بصو ٍ‬
‫ـ لقد اتى الشيطان‪ ،‬وكان يمكن أن يتوقف قلبك عند رؤيته‪،‬‬
‫فالمندوب إلى حد ما شكله مضحك‪ ،‬أما الشيطان مرعب‪ ،‬لن‬
‫تستطيعي رؤيته‪.‬‬
‫ثم صمت لوهلة وواصل حديثه‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ سأصف لك ما سيحدث اآلن‪ .‬لقد أمر الشيطان أعوانه‬
‫باختراق النساء من السحرة‪ ،‬وبدأ الرجال يقفون صفًا‪،‬‬
‫ليعطيهم التحية ويمضي العقد‪.‬‬
‫ارتعش جسدها رعشة خفيفة‪ ،‬عندما سمعت صوت صفعات‬
‫وركًلت متتالية وارتطام باألرض‪:‬‬
‫ـ إيه الصوت ده يا عثمان‪ ،‬هما بيضربوا بعض؟‬
‫هذه هي تحية الشيطان‪ ،‬يركل الساحر ثم يضربه في معدته‬
‫ورأسه ضربة قوية‪ ،‬حتى ينزل الدم‪ ..‬لكي يغرق العقد بهذا‬
‫الدم ويمضي عليه‪.‬‬
‫ـ طيب لو العقد ده لو ضاع هينضرب تاني؟‬
‫قالت هذه الجملة وهي خائفة واألصوات الغريبة تعلو من‬
‫حولها‪ .‬ردّ عليها عثمان‪ً ،‬‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ الااا ‪ ..‬يحدث أفظع من هذا‪ ،‬فهو يأمر الساحر بإحضار‬
‫حيوان معين له كقربان‪ ،‬ويقوم بذبحه وكتابة عقد جديد‬
‫ٍ‬
‫بدمه‪ ،‬وبعدها يحول للمحاكمة ويستجوب كما يفعل وكيل‬
‫النيابة مع المجرمين عندكم‪ ..‬ويأخذ التحية‪ ،‬وهي الضرب‬
‫بالطبع‪ ،‬ثم يمتنع عن السحر لمدة شهر كعقوبة‪.‬‬
‫تذكرت روفيدا الشيخ جمعة‪ ،‬عندما قال بالخطبة السابقة آية‪:‬‬
‫اَللِ‬ ‫علَيكم ال َميتَة َوالدَّم َولَحم ال ِخن ِز ِ‬
‫ير َو َما أ ِه َّل ِلغَي ِر َّ‬ ‫" ح ِ ّر َمت َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِب ِه َوالمن َخنِقَة َوال َموقوذة َوالمت َ َر ِدّيَة َوالن ِطي َحة َو َما أ َك َل السَّبع‬
‫ب َوأَن تَستَقسِموا ِباألَز َال ِم‬ ‫علَى النص ِ‬ ‫ِإ َّال َما ذَ َّكيتم َو َما ذ ِب َح َ‬
‫س الَّ ِذينَ َكفَروا ِمن دِينِكم فَ ًَل تَخشَوهم‬ ‫ذَ ِلكم فِسق اليَو َم يَ ِئ َ‬
‫علَيكم نِع َمتِي‬ ‫َواخشَو ِن اليَو َم أَك َملت َلكم دِينَكم َوأَت َممت َ‬

‫‪117‬‬
‫نيكوابر‬
‫غي َر‬ ‫اإلس ًَل َم دِينًا فَ َم ِن اضط َّر فِي َمخ َم َ‬
‫ص ٍة َ‬ ‫َو َر ِضيت َلكم ِ‬
‫غفور َر ِحيم‪".‬‬ ‫اَللَ َ‬‫مت َ َجانِفٍ ِ ِإلث ٍم فَ ِإ َّن َّ‬
‫اَللِ ِب ِه" أي ما ذبح لعبادة غير‬ ‫وقال معنى "و َما أ ِه َّل ِل َغي ِر َّ‬
‫هللا‪ ،‬وكذلك ما ذبِح وسمّي عليه بغير اسم هللا عز وجل‪ ،‬ففي‬
‫تقربًا إلى هذه األصنام‪ .‬حدّثت روفيدا‬ ‫الجاهلية كانوا يذبحون ّ‬
‫نفسها وهي حزينة على ما يحدث‪،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ الجهل بالدين حقًا كشباك صياد‪ ،‬يلتقفك ويكون مصيرك‬
‫معلوم‪ ،‬إما أن تتحنط أفكارك ويحركونك كدمية‪ ،‬أو يتم طهيك‬
‫على نار هادئة لتتبع تلك العادات الجاهلة المتوارثة التي‬
‫تجعلك تغضب هللا مقابل إرضاء البشر‪ .‬وهذا ما يحدث اآلن‪،‬‬
‫أصبح الكثير من البشر مغيبون بسبب جهلهم‪.‬‬
‫عادت لنفسها مجددًا عند سماع صوت عثمان‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫ـ أتعلمين ما يحدث اآلن؟‬
‫ـ إيه يا عثمان؟!‬
‫الشيطان أمرهم بالسجود له‪ ،‬ليبصق عليهم‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا بسخرية وقالت‪:‬‬
‫ـ طيب ممكن أروح أتف معاه عليهم‪ ،‬إيه القرف ده يا ربي‪،‬‬
‫وإيه الّي جابرهم لكده؟‬
‫لكي ينالوا ما يريدوه‪ ،‬كل هذا ليهبهم الشيطان أحد من‬
‫جنوده‪ ،‬ليساعدهم على فعل الشر‪ ،‬أما البصقة فهي تظهر‬
‫قطعة لحم بجسد الساحر‪ ،‬على شكل دائرة وهي بيت‬
‫الشيطان المًلزم له‪.‬‬
‫نظرت له روفيدا بنظرة اشمئزاز وأردفت ‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ علشان ما يهربش يعني؟‬
‫استدار عثمان برأسه تجاهها وأجاب‪:‬‬
‫ـ ال‪ ،‬الخادم طوال فترة مًلزمته للساحر يكون مختنقًا‪ ،‬بسبب‬
‫أنه أخذ رغ ًما عنه من المملكة إلى الساحر‪ ،‬ويكون عنده‬
‫إرادة الهرب‪ ،‬فيستغل أي فرصة ليهرب كما حدث مع أبي‪.‬‬
‫ثم صمت ً‬
‫قليًل وهو يراقب ما يحدث حوله ثم أكمل‪:‬‬
‫ـ سبب مطاردة الساحر لوالدي‪ ،‬أن حكم عليه الشيطان‬
‫بإعطائه طفل من أطفاله‪ ،‬بديل عن الخادم الذي هرب‪.‬‬
‫نظرت له روفيدا متسعة العينين خائفة‪:‬‬
‫ـ أنا حاسة إني بسمع برنامج خلف األسوار يا عثمان‪.‬‬
‫قفز عثمان فجأة وصاح بها مما جعل قلبها يرتجف‪:‬‬
‫ـ نعم هذا ما سيحدث اآلن‪ ..‬هيااااااا اركضي يا خالة‪.‬‬
‫ردت عليه بنبرات مرتعشة‪:‬‬
‫ـ اركض؟! فيه إيه؟‬
‫ناظرا للخلف‪:‬‬
‫ً‬ ‫صاح بها مجددًا وهو يركض‬
‫ـ انظري خلفك‪.‬‬
‫نظرت روفيدا‪ ،‬وجدت جميع السحرة ينظرون لها‪ ،‬ويتأهبون‬
‫للحاق بها‪.‬‬
‫ارتعشت رعشة خفيفة ثم تلتها رعشات وكأن هناك نوبة‬
‫صقيع مفاجئة‪ ،‬همست لعثمان وهي الزالت جالسة بمكانها‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ الناس دي بتبص علينا ليه كده؟! وبعدين هما البسين فردة‬
‫جزمة واحدة ليه؟!‬
‫جذبها عثمان من طرف فستانها‪ ،‬وجعلها تركض خلفه‪ .‬ثم‬
‫قال لها‪ ،‬وهو يلهث‪:‬‬
‫وذبحوك‪ ،‬سيعفيهم من‬
‫ِ‬ ‫أحضروك‬
‫ِ‬ ‫ـ لقد قال لهم الشيطان‪ ،‬إذا‬
‫التحية وإسالة دمائهم‪ ،‬وتكونين قربانًا له‪ ،‬وبالنسبة للحذاء‪،‬‬
‫فقد نهاكم الرسول عن هذا وقال‪" :‬ال يمشي أحدكم في نع ٍل‬
‫واحد ٍة‪ ،‬ليحفهما جميعًا‪ ،‬أو لينعلهما جميعا ً‪ ".‬وأظن إنك‬
‫أن الشيطان ينتعل ً‬
‫نعًل واحدًا فقط‪.‬‬ ‫فهمتي السبب اآلن‪ ،‬وهو ّ‬
‫وقفت روفيدا ساخطة‪ ،‬وأخذت تولول‪:‬‬
‫ـ يا لهوووي ياااما‪ ،‬هيدبحوني زي فلفل‪.‬‬
‫ثم نظرت خلفها فجأة‪ ،‬عندما شعرت بخطر قادم‪ ،‬فوجدت‬
‫عشرات السحرة يركضون خلفها‪ ،‬لم تستطع الحراك من‬
‫هول المنظر‪ ،‬واعتراها إجهاد شديد وألم غلّف جسدها‬
‫بالكامل‪ .‬صرخ بها عثمان‪ً ،‬‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ هيا يا خالة اقتربنا من البيت‪ ،‬هياااااا‪.‬‬
‫حاولت روفيدا أن تسرع خطواتها‪ ،‬ولكنها تعثرت وسقطت‪،‬‬
‫ب كمغناطيس‬ ‫حاولت أن تنهض‪ ،‬ولكنها شعرت بشيء غري ٍ‬
‫يجذبها لألرض‪ .‬قال عثمان في فزعٍ‪:‬‬
‫ـ اقرأي آية الكرسي واستعيذي من الخبث والخبائث‪.‬‬
‫قرأت في سرها اآليات‪ ،‬وحاولت النهوض مجددًا‪ ،‬ولكنها لم‬
‫تستطع‪ ،‬اقترب منها األشخاص‪ ،‬كانت خطوتهم سريعة‪،‬‬
‫نظرت حولها فلم تجد عثمان‪ ،‬صرخت ولكن صراخها‬

‫‪111‬‬
‫نيكوابر‬
‫كغريق‪ ،‬كل بيوت الكفر عادت لهيئتها‬
‫ٍ‬ ‫مكتوم‪ ،‬بدأت تستغيث‬
‫أخضر لونه‪ ،‬أعمدة‬
‫ّ‬ ‫األولى مجددًا‪ ،‬حتى الشجر اليابس‬
‫اإلنارة تقف‪ ،‬ولمباتها ترتعش‪ ،‬وكأنها تساند خوفها‪ ،‬كل‬
‫الشبابيك مكتظة باألشخاص وينظرون لها في صمت‪ ،‬تجمّع‬
‫حولها السحرة ووقف الناس أمام بيوتهم يتابعون المشهد‪،‬‬
‫وال أحد تجرأ في المشاركة في إنقاذها‪ ،‬انهال عليها‬
‫السحرة بالضرب‪ ،‬حتى سال دمها‪ ،‬سحبها أحدهم وهي‬
‫مغيّبة‪ ،‬وأودعها غرفة مدثّرة بالظًلم‪ ،‬توافد عليها‬
‫األشخاص‪ ،‬وغمسوا أقًلمهم في دمائها‪ ،‬وهي طريحة‬
‫األرض وكتبوا بعض الكلمات‪ ،‬مزقوا جسدها بطعنا ٍ‬
‫ت‬
‫بخنجر كلمة شيطان‪ ،‬لطخ‬ ‫ٍ‬ ‫صغيرة‪ ،‬ورسموا على ظهرها‬
‫فستانها بدمائها صرخت وش ّكلت دموعها بحيرة صغيرة‬
‫بالقرب منها‪ ،‬عند سماع صوت آذان الفجر تركوها‪ ،‬ظلت‬
‫مغمضة العينين وهي ترتجف‪ ،‬شعر ذراعها منتصب‪،‬‬
‫ودمائها ممزوجة بعرق الخوف‪ ،‬تقول كلمات غير مفهومة‪،‬‬
‫تحاول أن تلتقط أنفاسها بدون جدوى‪ ،‬بدأ لون وجهها يتبدل‬
‫للون األزرق‪ ،‬توقف صدرها عن الحركة‪ ،‬وبدأت تفقد القدرة‬
‫على التنفس‪ .‬هنا ركض عثمان خارج الغرفة‪ ،‬وأحضر كوبًا‬
‫من الماء‪ ،‬سكبه على روفيدا فجأة شهقت وفتحت عينيها‬
‫بذهو ٍل‪ .‬تحسّست يداها‪ ،‬وجهها‪ ،‬قدماها‪ ،‬نظرت لكل الغرفة‬
‫وحدّثت نفسها "أال زلت هنا ولكن كيف؟!!"‬
‫معتذرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خجًل‪ ،‬وقال‬ ‫اقترب منها عثمان وهو‬
‫ـ أسف على ما حدث‪ ،‬ولكني لم أخاف عليك من شياطين‬
‫الجن؛ خفت عليك من شياطين اإلنس‪.‬‬
‫بذعر‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ردّت روفيدا‬

‫‪111‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ عملتلي إيه؟ وإيه الّي أنا شفته ده؟‬
‫ـ لقد جعلتك ترين حلم يقظة‪ ،‬وتنسجين بخيالك مخاوفك‪ ،‬أنا‬
‫بك لهذا المكان يقتلني الشيطان‪ ،‬ويإذيكي‬
‫ال أستطيع الذهاب ِ‬
‫البشر‪ ،‬أنا أسف‪.‬‬
‫تناهى إلى سمعها أصوات مريبة وصراخ‪ ،‬انكمشت جوار‬
‫مذعور‪ ،‬اقترب منها عثمان وأخذ يهدأها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫الحائط كطفل‬
‫لك شيء‪ ،‬لم تخرجي من‬
‫ـ ال تخافي يا خالة‪ ،‬لم يحدث ِ‬
‫الغرفة‪.‬‬
‫أصابتها هيستيريا مما يقول عثمان ومما رأت‪ ،‬ظلت تضحك‬
‫أكثر من ساعة‪.‬‬
‫قال لها عثمان ‪:‬‬
‫ت بخير‪.‬‬
‫ـ قلت لكي ال‪ ،‬وأصريتي يبدو إنك لس ِ‬
‫ـ بخير إيه بس‪ ،‬أنا حاسة إني كنت في فيلم هاري بوتر‪،‬‬
‫وكنت هتسخط سحلية‪ ،‬إيه الناس دي يا عثمان‪ ،‬إيه إلّي احنا‬
‫بقينا فيه ده؟!‬
‫ـ هذه عًلمات البعد عن هللا يا خالة‪ ،‬الكفر ملى البًلد‪.‬لقد‬
‫أقسم الشيطان أن يغوي بني آدم‪ ،‬إال عباده هللا المخلصين‪،‬‬
‫"قَا َل فَ ِب ِع َّز ِتكَ َألغ ِو َينَّهم أَج َم ِعينَ "‪ .‬من يبتعد عن ربه سيلقى‬
‫جزاءه‪.‬‬
‫ـ طيب لو كان ده حقيقي؟ وكانوا موتوني والبوليس مسكهم‪،‬‬
‫كان الشيطان هيخليهم يطلعوا براءة؟‬
‫ـ بالطبع ال‪ ،‬فالساحر ما هو إال عبد للشيطان‪ ،‬وال يستطيع‬
‫حتى الزواج إال بإذنه‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ طيب ما تحكي قصة أبي هريرة بقى بالمرة‪.‬‬
‫ـ حسنًا‪ .‬أتى للرسول أموال زكاة‪ ،‬وقدي ًما تعلمين أنه لم يكن‬
‫هناك بنوك أو أي شيء‪ ،‬فسأل الرسول من يحفظها عنده‬
‫فقال أبا هريرة أنا يا رسول هللا‪ ،‬أخذها وظل بجوارها‬
‫يحرسها‪ ،‬ولكن غلبه النعاس فنام‪ ،‬وبعد نومه سمع صوت‬
‫وكأن أحدهم يسرق منها‪ ،‬فاستيقظ‬ ‫ّ‬ ‫األموال ترتطم ببعضها‪،‬‬
‫ومسك السارق في ظلمة الليل وقال له‪ ،‬تسرق أموال‬
‫المسلمين‪ ،‬سآخذك إلى رسول هللا‪ ،‬أخذ يبكي ويشتكي الفقر‬
‫والحاجة والعيال‪ ،‬وحلف له أنه لن يأتي مرة أخرى فتركه‪،‬‬
‫بعد صًلة الفجر التقى رسول هللا بأبي هريرة فقال له‪" :‬ماذا‬
‫فعل أسيرك البارحة‪ ،‬فقال له يارسول هللا حلف أنه لن يأتي‬
‫وشكى لي الفقر والحاجة‪ ،‬فتركته فقال له الرسول كذبك‬
‫وسيعود"‪ ..‬وبالليلة الثانية حدث نفس الشيء‪ ،‬وحلف له‬
‫السارق مره أخرى‪ ،‬أنه لن يعود‪ ،‬وبالليلة الثالثة نفس‬
‫الشيء حدث فمسكه أبا هريرة‪ ،‬فأخذ السارق يشكو له الفقر‬
‫والحاجة مرة أخرى‪ ،‬فقال له ال هذه المرة الثالثة لن أتركك‪.‬‬
‫فلما علم السارق أنه مـأخوذ ال محالة‪ ،‬فقال له يا أبا هريرة‪،‬‬
‫أتركني وسأعلمك كلمات ينفعك هللا بهن‪ ،‬وأيام الرسول كانوا‬
‫أشد حرصًا للخير ‪ ،‬فقبل منه النصيحة مقابل تركه‪ ..‬فقال له‬
‫السارق‪" :‬إذا أخذت مضجعك أي وضعت رأسك لتنام‪ ،‬فأقرأ‬
‫آية الكرسي‪ ،‬فإنه ينزل عليك من هللا حافظ‪ ،‬حتى تصبح"‬
‫فأخذ يحدّث نفسه لربما صادق‪ ،‬وقال حسنا سأتركه‪ ،‬وباليوم‬
‫التالي سأله رسول هللا ماذا فعل أسيرك البارحة؟ فقصّ عليه‬
‫ما حدث وما قاله عن آية الكرسي‪ ،‬فقال له الرسول‪ ،‬صدقك‬
‫وهو كذووب‪ ..‬ثم قال له أتدري من الذي كنت تتحدث معه‬
‫لمدة ثًلثة أيام وتأسره وتتركه‪ .‬قال أبا هريرة‪ :‬ال‪ .‬فقال له‬

‫‪113‬‬
‫نيكوابر‬
‫الرسول إنه الشيطان‪ ..‬فهمتي اآلن ما فوائد تلك اآلية؟ لو‬
‫استغفر الناس‪ ،‬لما كان هناك حاجة لكل ما يفعلون‪ ،‬ألم‬
‫غفَّ ً‬
‫ارا‬ ‫تقرأي قوله تعالى‪ " :‬فَقلت استَغ ِفروا َربَّكم إِنَّه كَانَ َ‬
‫ارا‪".‬‬ ‫علَيكم ِمد َر ً‬ ‫س ِل ال َّ‬
‫س َما َء َ‬ ‫(‪ )12‬ير ِ‬
‫بعد هذا الشرح الطويل‪ ،‬صمت عثمان لبرهةٍ‪ ،‬وأكمل‪:‬‬
‫ـ الفجر أذن منذ فترة‪ ،‬هيا بنا نصلي‪.‬‬
‫ذهبت روفيدا وتوضأت لتصلي معهم‪ ،‬بدأت تصلي ولكن أين‬
‫تركيزها‪ ،‬ظلت شاردة تتذكر ما حدث‪ ،‬تستعيذ بالشيطان‬
‫وأخيرا استطاعت أن تخرج تلك األفكار من رأسها‬
‫ً‬ ‫وتكمل‪،‬‬
‫وأتمت الصًلة بذهن صافي‪ ،‬شعرت براح ٍة نفسية كبيرة بعد‬
‫انتهاءها‪ ،‬زال بعض الرعب الذي دخل في قلبها‪ .‬عند‬
‫رجوعها للغرفة اقترب منها عثمان ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ خالة‪ ،‬هل أصبحتي بخير؟‬
‫سكتت لحظة ثم عادت لتقول له بصوت هادئ‪:‬‬
‫ـ الحمد هلل ياعثمان‪.‬‬
‫اقترب عثمان من رأسها وحك جسده بها ثم أردف‪:‬‬
‫ـ أيمكنني أن أخبرك شيء وال تغضبي مني؟‬
‫ناظرا‬
‫ً‬ ‫أومأت رأسها باإليجاب في انتظار حديثه‪ .‬وقف أمامها‬
‫لألرض بخجل ثم استرسل في الحديث‪:‬‬
‫ـ أمي كانت معنا بالغرفة وهي من كانت تخبرني بكل شيء‪،‬‬
‫فأنا الزلت صغير وليس عندي هذا القدر من المعلومات‪،‬‬
‫طلبت مساعدتها وأتت ولكنها لم تظهر حتى تتحدثي‬

‫‪114‬‬
‫نيكوابر‬
‫وتسألينني عما تريدين دون خجل‪ ،‬أردت فقط أن أخبرك حتى‬
‫عليك بشيء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال أكون كذبت‬
‫بعد انتهاءه من الحديث جذبته من يده ثم داعبته من رأسه‬
‫وقبلته‪ ،‬ابتعد بهدوء بعدها لركن الغرفة واستلقى على ظهره‬
‫واستعد للنوم‪ ،‬ولكن روفيدا لم تستطع النوم‪ ،‬جلست تراقب‬
‫الظًلم ليبتعد وتتمنى أن تسدل الشمس ستارها‪ ،‬الوقت ال‬
‫يمضي كسلحفاة مقلوبة على ظهرها وال تجيد الحراك‪،‬‬
‫نوم عميق‪ ،‬لف ساقه حول رأسه‪ ،‬وحنى‬ ‫عثمان غاص في ٍ‬
‫رأسه بطريق ٍة جميلةٍ‪ ،‬أخذت تراقب نومه‪ ،‬وصوت الحشرجة‬
‫الذي يصدر منه كالشخير‪ ،‬يرمش بعينه كل فترة وهو فاتح‬
‫فمه‪ ،‬تهمس له وتنادي‪ ،‬فقد ملّت ولكنها تناديه دون صو ٍ‬
‫ت‪.‬‬
‫الضباب مأل السماء‪ ،‬وحاوط بأبخرته الطرق والبيوت‪،‬‬
‫سمعت روفيدا صوت طرق على الشباك‪ ،‬فاقتربت ودقات‬
‫قلبها تصدر نداءها لعثمان‪ ،‬الذي لم يسمع شيء وال زال‬
‫نائ ًما ‪ .‬عقلها يراودها باألفكار‪ ،‬يا هل ترى السحرة أتوا هذه‬
‫المرة حقيقة‪ ،‬ليكملون طقوسهم عليها‪ ،‬ويتحقق ذلك‬
‫الكابوس؟ أم حرامي؟ ولكن ما الذي سيجنيه سارق من هذا‬
‫الخراب؟‬
‫ال زالت السماء قاتمة‪ ،‬وال تظن أن حاتم سيأتي بهذا الوقت‪.‬‬
‫سمعت صوت غناء ‪ ،‬فوضعت أذنيها علي الحائط‪ ،‬فإذا‬
‫ت ير ّج الحائط‪.‬‬
‫بصو ٍ‬
‫ـ يا حلو صبّح يا حلو طل‪ ..‬يا حلو صبّح نهارنا فل‪.‬‬
‫دبَّ بقلبها الفرح‪ ،‬وقالت بسرها حااااتم‪ ،‬فتحت الشباك فجأة‪،‬‬
‫ففزع عثمان ووقف يلهث‪ ،‬أخرجت رأسها من الشباك‪ ،‬وهي‬

‫‪115‬‬
‫نيكوابر‬
‫حجر‬
‫ٍ‬ ‫تبحث عن مصدر الصوت‪ ،‬فوجدت حاتم يقف علي‬
‫ب‪ ،‬ويكمل غناء وهو يشيح بجناحيه ويجهر بصوته‪:‬‬
‫قري ٍ‬
‫ـ من أد إيه وأنا بستناك‪ ،‬وعيني ع الباب والشباك‪ ،‬علشان‬
‫أقولك وأترجاااك يا حلو يا حلو‪ ..‬ياااا يا حلو صبّح‪.‬‬
‫وقفت روفيدا تراقبه وال تنبس بكلمة‪ ،‬كل ما تريده هو أن‬
‫تقفز وتعتلي ظهره‪ ،‬لتعود للبيت مر ٍة أخري‪ ،‬طار حاتم بالجو‬
‫ووقف علي الشباك بجوارها‪ ،‬أخذ ينظر لها وهي صامتة‪،‬‬
‫كان يظن أن ما بها بسبب كذبه‪ ،‬وعدم قول حقيقة بيت أخته‪،‬‬
‫حاول تلطيف الجو‪ ،‬فأكمل األغنية وهو يرفع وجهها بجناحه‬
‫‪ً ،‬‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ يا عيني مال الجميل مشغول ومتحير‪ ،‬أولي له بدري عليك‬
‫الحيرة يا صغير‪ ،‬وحق ورد الخدود والعود وتفاحه ببسمة‬
‫حلوة تخلي الدنيا تتغير‪ ،‬يااااااااااااااا فيفي يا حلوه ياااا بنت‬
‫سنية‪.‬‬
‫ال زالت روفيدا صامتة‪ ،‬أقترب برأسه من أذنها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ مالك يا قمر متنحة ليه كده؟ أديني أتعلمت األغاني وبردوا‬
‫مفيش نتيجه أعمل إيه تاني بقي؟‬
‫قالت له بحزن‪:‬‬
‫ـ متعملش حاجة‪ ..‬رجعني البيت‪.‬‬
‫ـ مش هتروحي لوحيد؟‬
‫تذكرت كلمات عثمان عنه‪ ،‬وقررت أال تجعله يتدخل بحياتها‬
‫لثوان‪ ،‬تذكرت ذلك المشهد الذي رأته عن‬
‫ٍ‬ ‫بعد اليوم‪ ،‬شردت‬
‫السحرة‪ ،‬تحسست جسدها المصاب بالعطب والوجع من‬

‫‪116‬‬
‫نيكوابر‬
‫محاوالتها الهرب بذلك الكابوس اللعين‪ .‬التفتت روفيدا إلي‬
‫حاتم ‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫ـ يوم تاني علشان ما ينفعش أروحله دلوقتى الجو لسه‬
‫مضلم‪.‬‬
‫هنا نظر حاتم لها بدهشة ولكنه أستسلم لطلبها وأردف‪:‬‬
‫ـ طيب براحتك‪.‬‬
‫ثم تجول بنظره ألرضية الغرفة فوجد عثمان ينظر له‬
‫ويضحك‪ ،‬ما إن رآه حتى صدم من المفاجأة‪ ،‬فتح فمه‬
‫وبرقت عيناه‪ ،‬فقال له عثمان ساخرا ً‪:‬‬
‫ـ كيف حالك يا تيمو‪.‬‬
‫ردّ حاتم ساخطا ً‪:‬‬
‫ـ تيمووووو!! حتي دي عرفتها‪.‬‬
‫تثاءب عثمان ووضع يده علي فمه وهو يجيب‪:‬‬
‫علي شيء‪ ،‬ولكنه إختيار موفق‪ ،‬يليق بك‬
‫ّ‬ ‫ـ نعم‪ ..‬أنا ال يخفي‬
‫يا خال‪.‬‬
‫كانت روفيدا تراقب ردود أفعالهم وتضحك‪ .‬سأل حاتم‬
‫عثمان‪:‬‬
‫ـ واد إنت‪ ،‬مش كنت عند بيت أهل أبوك إمبارح‪ ،‬إيه إلّي‬
‫جابك؟ أنا لو كنت أعرف إنك هنا ماكنتش سبتها معاكم‪.‬‬
‫ـ نعم‪ ،‬لقد كنت هناك‪ ،‬ولكني أتيت بالمساء‪ ،‬ألن أبي كلف‬
‫بعم ٍل ما‪ ،‬والبد أن يكون بالبيت رجل ولهذا أرسل لي‬
‫فحضرت‪ ،‬مفاجأة جميلة أليس كذالك؟‬

‫‪117‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ امممممم مفاجأة لذيذة ياخويا‪ ،‬أمك فين ياض؟‬
‫تثاءب مجددا وأردف‪:‬‬
‫ـ نائمة‪.‬‬
‫أطمئن حاتم بسبب نوم أخته وقفز من الشباك ليصبح أمام‬
‫عثمان‪ ،‬أحتضنه وهو ينظر لروفيدا ويقول‪:‬‬
‫ـ بس إنت وحشتني أوي يا عثمان‪ ،‬الساعات إلّي فاتت دي‬
‫عدت عليا سنين‪ ،‬ما تجيب بوسة لخالك يا عثمان‪ ،‬كان‬
‫يحتضن عثمان ويقبّله ويغمز لها‪.‬‬
‫بضيق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫دفعه عثمان بعيدا ً عنه‪ ،‬وقال له‬
‫ـ يا خااال يا ااخال‪ ،‬ال أحب أن أكون كوبري‪ ..‬تهذّب‪.‬‬
‫ـ بتقول لخالك تهذّب يا عثمان‪ ،‬وهللا هزلت يا ولد‪ ،‬ده انت‬
‫من كام سنة كنت بتعملها علي روحك‪.‬‬
‫ـ وأنت أي ً‬
‫ضا‪ ،‬لم تفطم إال وأنت بآخر سنة دراسية لك‪.‬‬
‫إنفجرت روفيدا من الضحك‪ ،‬ضرب حاتم عثمان علي رأسه‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫ـ كده تفضحني قدام زوجتي المستقبلية‪ ،‬وهللا ألوريك‪.‬‬
‫وأخذ يركض خلفه في الغرفة‪ ،‬وعثمان يصرخ حتى وصل‬
‫لروفيدا ‪ ،‬واختبأ تحت أقدامها‪ .‬رفعت روفيدا يدها في وجه‬
‫حاتم‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ هو كده بقي في حمايتي‪ ،‬لو لمسته هزعلك‪.‬‬
‫جلس حاتم علي األرض‪ ،‬ووضع ساق علي ساق‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ هللا هللا‪ ،‬وكمان بتردي علي جوزك‪ ،‬كده كتيير يا فيفي‪،‬‬
‫أسيبك كام ساعة مع القرد ده يغيّر أحوالك كده!‬
‫صمتت روفيدا لبرهةٍ‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ طول ما إحنا بعيد عن ربنا‪ ،‬بتكون زي الغريب إلّي مش‬
‫القي وطن‪ ،‬وأنا لقيت طريقي خًلص‪ ،‬ممكن ترجعني بيتي‬
‫بقي‪ ،‬علشان فيه حاجات كتير الزم أعملها‪.‬‬
‫أنتفض حاتم واقفاً‪ ،‬ودبَّ به الخوف والفزع ولكنه لم يجعلها‬
‫تشعر بهذا؛ خرج من الشباك ووقف ينتظرها بالخارج وبعد‬
‫دقائق خرجت وعثمان علي يدها‪ .‬قال لها صارخا ً‪:‬‬
‫ـ رايح فين ده؟‬
‫ـ جاي معايا‪.‬‬
‫ـ جاي معاكي فين؟ ال طبعاً‪ ،‬أمه مش هتوافق وأنا لو حصله‬
‫حاجة ماليش دعوة‪.‬‬
‫ـ أنا إستأذنتها ووافقت وهو ملزوم مني‪ ،‬إلّي هيكون عليك‬
‫إنك هترجعه بس‪ّ ،‬‬
‫ياال بقي‪.‬‬
‫إنكمش عثمان بين أحضان روفيدا‪ ،‬عندما صرخ به حاتم‪،‬‬
‫وأخذ يصدر مواء هادئ‪ ،‬أستسلم حاتم إللحاحها‪ ،‬وهو في‬
‫حالة غضب لم تراها من قبل‪ ،‬اعتلوا ظهر نيكوبار والصمت‬
‫رابعهم‪ ،‬دقائق ووصلوا البيت‪.‬‬

‫***‬

‫‪119‬‬
‫نيكوابر‬
‫فستان العشرينات‬

‫األجواء هادئة‪ ،‬والجميع نيام‪ ،‬دخلت روفيدا بخف ٍة البيت‪،‬‬


‫ودلفت لغرفتها‪ ،‬عثمان ال زال بين أحضانها وحاتم يتمتم‬
‫ببعض الكلمات‪ ،‬وكأنّه يسبّ ويلعن‪ .‬جلست روفيدا علي‬
‫طرف السرير‪ ،‬ووضعت عثمان بجوارها‪ ،‬نظر لها قائًلً‪:‬‬
‫ـ بيتكم شكًلً جميل‪ ،‬ولكنه يفتقد للروح‪ ،‬غرفة أخوكي هي‬
‫الوحيدة التي تشع نور‪.‬‬
‫ـ وحيد؟! طيب إشمعني؟‬
‫ـ غرفة بسيطة خالية من الصور والتماثيل‪ ،‬كان يتعبد بها‪،‬‬
‫ب‪ ،‬وإضاءتها بسبب صًلته لقيام الليل‪،‬‬ ‫وجاعلها محرا ٍ‬
‫ً‬
‫أتدرين أن قيام الليل شرف المؤمن حقا أخوكي كان يبكي في‬
‫خشوعٍ وهو يصلي كل شيء بغرفته يفتقده اآلن‪ .‬فإذا خرجت‬
‫المًلئكة من بيت‪ ،‬عششت به الشياطين‪ ،‬وما شاء هللا ما‬
‫أكثرهم ببيتكم‪.‬‬
‫سمعت روفيدا صوت صراخ‪ ،‬فمسحت بعينيها الغرفة بحثا ً‬
‫عن حاتم لم تجده سألت عثمان‪:‬‬
‫ـ خالك مطرش فين يا عثمان؟‬
‫ـ ال أدري‪ ،‬ولكن ألم أخبرك أن هذا سر بيننا ال تقوليه‪ ،‬البد‬
‫أن تنسي هذا اإلسم‪.‬‬
‫ـ طيب خًلص ما تزعلش‪.‬‬
‫خرجت روفيدا من الغرفة سريعًا‪ ،‬فوجدت والدها يركض‬
‫خلف حاتم بالشبشب في البيت ويصرخ به ً‬
‫قائًل‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ وهللا ألوريك يا غراب الكلب‪ ،‬أنت من ساعة ما شفتك‬
‫والبيت منحوس‪.‬‬
‫حاتم يركض ويولولول وال أحد يسمعه سوي روفيدا‪.‬‬
‫ـ يالهووي يا فيفي يالهووي‪ ،‬أبوكي جاله عمي ألوان‬
‫مفكرني غراب‪ ،‬يااختاااي‪.‬‬
‫قذفه والدها بالشبشب‪ ،‬فصرخ‪:‬‬
‫ـ ااااااااااااااه الهي تتشك في مناخيرك يا بعيد‪ ،‬الولية حامل‪.‬‬
‫ثم نظر لروفيدا وأكمل‪:‬‬
‫ـ ما تحوشي الراجل ده بدل ما انت واقفة متسمرة كده‪ ،‬أنا‬
‫ماضي علي تعهد مع جوزها‪ ،‬لو جرالها حاجة هروح في‬
‫داهية يا فيفي‪ ،‬أبوكي إتجنن يا فيفي‪.‬‬
‫حاولت روفيدا أن تهدأ والدها‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ـ غراب إيه يابا‪ ،‬دي حمامة‪ ،‬وبعدين عملت إيه عشان‬
‫تضربها كده‪.‬‬
‫صرخ بها والداها‪:‬‬
‫ـ أتكتمي يابت إنتِ‪ ،‬وأدخلي أوضتك أنا مش طايق أشوفك‬
‫قدامي‪ ،‬بسبب إلّي عملتيه إمبارح‪.‬‬
‫تم ّكن حاتم من الهرب‪ ،‬وعاد والدها لغرفته بعد أن رمقها‬
‫بنظر ٍة حادة‪ .‬كانت والدتها قد إستيقظت‪ ،‬ونظرت لها هي‬
‫أيضا ً ولم تتحدث‪ ،‬وتركتها ودخلت لتغسل وجهها‪ ،‬شعرت‬
‫روفيدا بفضو ٍل قات ٍل‪ ،‬فدخلت لعثمان الذي إختبأ تحت السرير‪،‬‬
‫ونادته قائلة‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ عثمااان‪ ،‬شكل خالك عمل بلوه إمبارح‪ ،‬وأنا عايزة أعرف‬
‫حصل إيه؟‬
‫أخرج عثمان رأسه من تحت السرير ث ّم قال‪:‬‬
‫ـ ال أعرف ما الذي حدث‪.‬‬
‫داعبت رأسه بأصابعها‪ ،‬وح ّكت له ذقنه‪ ،‬فهي تعلم أن القطط‬
‫تحب هذه الحركة‪ ،‬ثم قالت له بدال ٍل‪:‬‬
‫ـ طيب ما تحاول تعرف‪.‬‬
‫ـ إذا حاولت‪ ،‬البد أن أتحدث مع قرين والدك أو والدتك‪ ،‬وهم‬
‫من الشياطين‪ ،‬وأنا ال أريد أن أختلط بهم‪ ،‬إنسي األمر سنعلم‬
‫الحقا ً‪.‬‬
‫جلست علي األرض مسندة ظهرها إلي الحائط‪ ،‬ونظرت له‬
‫قائلة‪:‬‬
‫ـ طيب ما هما لو فضلوا زعًلنين كده‪ ،‬مش هيدوني فلوس‬
‫ومش هعرف أجيبلك الحاجات إلّي وعدتك بيها‪.‬‬
‫أردف‪:‬‬
‫َ‬ ‫صمت عثمان لبعض الوقت‪ ،‬ث َّم‬
‫ـ حسنًا‪ ..‬سأحاول‪.‬‬
‫دخل عثمان تحت السرير مجددًا‪ ،‬وبعد بره ٍة سمعت روفيدا‬
‫صوت ضحكاته‪:‬‬
‫ـ هههههه أحقا ً فعل هذا !! هههههه وماذا أي ً‬
‫ضا‪ ،‬ههههههه‬
‫خالي هذا رهيب‪ ،‬هيا أكمل‪.‬‬
‫الفضول يأكل روفيدا‪ ،‬تريد أن تسحب عثمان من ذيله‪،‬‬
‫لتعرف ما حدث‪ ،‬دقائق وخرج لها وهو في هستريا ضحك‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫نيكوابر‬
‫نظر لها طويًلً وضحك مجددا ً‪ .‬عقدت ذراعيها أمام صدرها‬
‫وهي تنظر له بغضب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـ أتدرين ما الذي فعلتيه البارحة‪.‬‬
‫ـ أنا؟!‬
‫ت‬
‫ت تعلمين أن خالي إحتل جسدك‪ ،‬وكان هو أن ِ‬ ‫نعم‪ ،‬فأن ِ‬
‫البارحة‪ ،‬مبارك علينا الطرد من البيت‪.‬‬
‫ـ إيه!! طرد‪.‬‬
‫نعم لقد ضربتي خطيبك‪ ،‬وسكبتي الشربات علي مًلبس‬
‫ت فوق والدك وهذا باإلضافة إلّي‬ ‫حماتك‪ ،‬وتعثرتي وسقط ِ‬
‫مًلبس جدتك التي إرتديتيها‪.‬‬
‫ـ أنا مش فاهمة حاجة‪ ،‬إيه إلّي بتقول عليه ده كله؟ وشربات‬
‫إيه وحماتي إيه؟‬
‫حماك مريض‪ ،‬وأراد أن‬
‫ِ‬ ‫ـ لقد أشهروا زواجك البارحة‪ ،‬ألن‬
‫يطمئن علي إبنه قبل أن يحدث له شيء ‪ ،‬فتجمعت العائلتان‬
‫وفضحتيهم‪.‬‬
‫لعثمان غير مستوعبة لما يقول‪ ،‬فتبسّم لها‬
‫ٍ‬ ‫نظرت روفيدا‬
‫وأكمل‪:‬‬
‫ـ أعلم بأن هذا كأنه وقت سرق من عمرك‪ ،‬وهذا ما سيحدث‬
‫إن جعلتيه يأخذ مكانك ثانية‪ ،‬ستكونين كمن في إغماءة‬
‫وإستيقظ فجأة‪ ،‬تعالي سأجعلك ترين كل شيء‪ ..‬أطفئي‬
‫الضوء وإستلقي علي السرير‪.‬‬
‫فعلت روفيدا ما قاله عثمان‪ ،‬وأغمضت عينيها‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫نيكوابر‬
‫فًلش باااك‪..‬‬
‫صوت طرق علي الباب‪ ،‬والدتها دخلت سريعًا‪..‬‬
‫ـ روفيدا أهل خطيبك بعتوا عايزين يكتبوا الكتاب النهاردة‪،‬‬
‫حماك تعبان خالص وخايف يموت قبل ما يطمن علي‬ ‫ِ‬ ‫علشان‬
‫محمد‪.‬‬
‫روفيدا "تيمو" تجلس علي طرف السرير‪ ،‬وهي تهز‬
‫بتوتر‪ ،‬ث َّم قالت‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫منكبيها‬
‫ياال مع السًلمة‪ ،‬وبعدين أنا مالي بس يا خسارة‬‫ـ ما يموت‪ّ ،‬‬
‫حماتي إلّي مش طيقاها دي مش تحصله هي كمان عشان‬
‫أرتاح‪.‬‬
‫صرخت والدتها بها‪:‬‬
‫ياال قومي إلبسي وإتعدلي شوية‬‫ـ إيه الكًلم إلّي بتقوليه ده‪ّ ،‬‬
‫ت فعًلً‬
‫في كًلمك‪ ،‬يا إما هقول ألبوكي كل إلي قولتيه‪ ،‬ده أن ِ‬
‫ت عايزة واحد زي أبوكي مش حماكي الطيب‪.‬‬ ‫كن ِ‬
‫أغلقت الباب بقوة خلفها وتركتها لتجهز‪.‬‬
‫بألوان ذهبية‬
‫ٍ‬ ‫أخرج "تيمو" فستان زفاف جدتها المزكرش‬
‫وورود‪ ،‬فستان قصير جدا ً من األمام وطويل من الخلف‪،‬‬
‫الكتفين عليهم وردتين كبيرتين مع "طرحة" قصيرة جداً‪،‬‬
‫وعليها عصفورة حمراء وريش كثيف‪ .‬زين وجهها بإصبعين‬
‫من "الروج السحري"‪ ،‬الذي مهما فعلت به لن يخرج من‬
‫شفاهها‪ ،‬كيلو بودرة علي الوجه‪ ،‬الكحل بالعينين كنفرتيتي‬
‫بعد التعديل؛ التي تقف بمدخل مدينة سمالوط بالمنيا‪ .‬وها قد‬
‫جهزت روفيدا المسجونة بذلك الجسد‪ ،‬خرجت تتبختر‬
‫كخطوات محمد سعد بفيلم "كركر"‪ .‬فتحت باب غرفتها‬

‫‪124‬‬
‫نيكوابر‬
‫وجدت الصالة مليئة باألشخاص‪ ،‬وضعت الطرحة علي‬
‫وجهها‪ ،‬وأزاحتها فجأة قائلة‪:‬‬
‫ـ طاطاطاطا‪ ..‬إيه رأيكم فيا بقي‪ ،‬برجعلكم الزمن الجميل في‬
‫العشرينات‪.‬‬
‫صعق أهلها من شكلها‪ ،‬وسقط بعض األشخاص علي األرض‬
‫من كثرة الضحك‪ ،‬إنتفضت والدتها وأخدتها من يدها ودفعتها‬
‫داخل غرفتها‪ ،‬وإنهالت عليها بالتوبيخ‪:‬‬
‫ـ أنتي هتموتيني ناقصة عمر ‪ ،‬إيه إلّي بتعمليه ده عايزة‬
‫تفضحينا‪.‬‬
‫ـ دفعها "تيمو" بعيداً‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ إيدك بس كدا أحاجة‪ ،‬هو ده مش فستان أمك إلّي كل فترة‬
‫علي إلّي قلت أفكرك‬
‫َّ‬ ‫تاخديه في حضنك‪ ،‬وهاتك ياعياط الحق‬
‫بيها‪.‬‬
‫ب‪:‬‬
‫ضغطت والدتها علي أسنانها بغض ٍ‬
‫ـ مش عايزة أفتكرها يا ختي‪ ،‬إتنيلي إلبسي حاجة عدلة‬
‫وإطلعي‪ ،‬وال أقولك أنا هطلعلك مش ناقصة مصايب‪.‬‬
‫فتحت والدتها الدوالب‪ ،‬وأخرجت فستان لونه وردي‪،‬‬
‫وأمسكت روفيدا من يدها وأزالت من علي جسدها المًلبس‬
‫الغريبة التي إرتدتها‪ .‬وكل ما كان يفعله تيمو هو الضحك‪:‬‬
‫ـ هيهيهي عيب يااما‪ ،‬طيب إطلعي بره‪ ،‬مكسوفة أنا يا ولية‬
‫بس‪.‬‬
‫ـ إتكتمي يا بت وخلّي يومك يعدي‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫نيكوابر‬
‫أمسكت والدتها منديل‪ ،‬وحاولت مسح أحمر الشفاه‪ ،‬ولكن‬
‫محاوالتها فشلت‪ ،‬فوضعت علي وجهها علبة بودرة كاملة‪،‬‬
‫حتى تخفي لون اإلحمرار‪ ،‬ومسحت الكحل‪،‬حاولت تخفيف ما‬
‫بوجهها والناتج كان لوحة فنية سقطت علي األرض أثناء‬
‫سكب الرسام األلوان بطريقة عشوائية علي أمل أن تباع‬
‫لوحته بمًليين‪.‬‬
‫خرجت من الغرفة خلف والدتها‪ ،‬وجلست بالصالة مع‬
‫األقارب‪ ،‬أرتفع صوت "الدي جي" باألغاني الدينية كعادة‬
‫أي عرس بأوله‪ ،‬وبعد قليل جاء والدها وسألها عن رأيها‬
‫للمرة األخيرة‪ ،‬لم تلبث أن ترد حتى خرج وأعلن موافقتها‪.‬‬
‫الزغاريد مألت البيت وبعد انتهاء المراسم خرج الجميع من‬
‫الغرفة وتركوها مع زوجها‪ ،‬رآها محمد فصدم من شكلها‪،‬‬
‫ولكنه إبتلع ريقه وحاول أن يتجاهل األمر إقترب منها قائًلً‪:‬‬
‫ـ خًلص بقيتي مراتي‪ ،‬ثم أمسك يدها وقبلها‪.‬‬
‫صفعه "تيمو" بنفس اليد‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ إوعي تكون مفكر إنك علشان بقيت جوزي‪ ،‬هسمحلك تعمل‬
‫حاجة مش مؤدبة معايا‪ ،‬راجل قليل األدب‪.‬‬
‫نظر لها وهو يضع يده علي وجهه غير مصدق‪ ،‬كظم غيظه‬
‫منها وهو يحاول أن يستوعب ما يحدث‪ ،‬دخلت حماتها فجأة‪،‬‬
‫وخلفها والدتها وهي تحمل صينية الشربات علي يدها‪،‬‬
‫اقتربت روفيدا من أمها وأخذت تهمس لها وهي تأخذ منها‬
‫الشربات‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫‪126‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ عنك يااما‪ ،‬الليلة فرحي يعني أنا العروسة‪ ،‬يعني الليلة هنا‬
‫وسرور‪ ،‬يعني كل المعازيم تنط السور يعني إتكلي علي هللا‬
‫ّ‬
‫ياالاااا‪.‬‬
‫أمسكت صنية الشربات‪ ،‬وقدّمت لحماتها كوبا ً وهي تنظر‬
‫لألرض بخج ٍل‪ ،‬إرتعشت يدها فجأة فسقط الكوب علي مًلبس‬
‫حماتها‪ ،‬انتفضت السيدة واقفة‪ ،‬وهي تحاول تنظيف‬
‫مًلبسها‪ ،‬وتيمو ينظر لها بشماتة‪ .‬دخل أبو روفيدا‪ ،‬بعدما‬
‫أبلغته أمها بما حدث‪ ،‬عندما رآه "تيمو" تعثّر في الفستان‬
‫وسقط عليه‪ .‬إنتفض أبوها واقفا ً ورفع يده ليضربها‪ ،‬فأمسك‬
‫محمد يده‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ من كام دقيقة كان ممكن تضربها‪ ،‬بس هي بقت مراتي‬
‫يعني ماحدش يمد إيده عليها‪.‬‬
‫جثا محمد علي ركبتيه‪ ،‬وساعدها على النهوض‪ ،‬ث ّم‬
‫استأذنهم وأخذ والدته وعاد إلي البيت‪ .‬طوال الطريق لم تكف‬
‫أمه علي توبيخه بسبب ما حدث وهو يبرر فعلته بأنه خاف‬
‫أن تحدث مشكلة وتتسبب في تدهور حالة والده‪ ،‬وبعد جدال‬
‫طويل تقبلت ما حدث علي مضض‪ .‬بيت روفيدا أصبح خاليا‬
‫من كل األشخاص‪ ،‬دخل والدها عليها غرفتها‪ ،‬ليكمل‬
‫توبيخه‪ .‬فنظرت له قائلة‪:‬‬
‫ياال ياحاج إتكل علي هللا‪ ،‬بدل ما أعضك من صرصور ودنك‬ ‫ـ ّ‬
‫أجيبلك تسمم حمل‪.‬‬
‫إستيقظت من الحلم فزعه علي صوت طلقا ٍ‬
‫ت نارية‪ .‬انتفضت‬
‫وهي تسمع والدها يقول‪:‬‬
‫ـ نشن على إبن الكلب ده‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫نيكوابر‬
‫ليضحك اآلخر‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ـ إذا سمعت صوت الغراب فتب ّ‬
‫شر بالخراب‪.‬‬
‫عثمان يقفز في الهواء ويحاول فتح الشباك‪ ،‬نظرت له‬
‫ب‪ ،‬وسألته قائلة‪:‬‬
‫روفيدا بإستغرا ٍ‬
‫ـ مالك يا عثمان؟‬
‫ـ خالي في خطر يا خالة‪ ،‬فهذه الحمامة جسدها ثقيل‪ ،‬ونحن‬
‫نكون ضعفاء عندما نتشكل‪ ،‬أفتحي الشباك لندخله ونخبأه‪،‬‬
‫فهم يريدون قتله‪.‬‬
‫فجأة دوي صوت ارتطام‪ ،‬نظروا للشباك وجدوا حاتم رأسه‬
‫ملتصق بالشباك ويخرج لسانه‪ ،‬فتحت روفيدا الشباك فجأة‪،‬‬
‫فسقط بأرض الغرفة‪ ،‬نظروا له وهو مستلقي ورأسه تحت‬
‫جسده‪ ،‬وصدره يعلو ويهبط بسرعة ويسبّ والدها بكلما ٍ‬
‫ت‬
‫تكاد تكون مسموعة‪ .‬حملته روفيدا ووضعته علي السرير‪،‬‬
‫نظر له عثمان مشفقًا‪ ،‬ما إن أفاق مما هو به‪ ،‬حت ّى قال‪:‬‬
‫ـ هللا يمسخك سحلية حولة يا أبو وحيد‪ ،‬جاك جالوص طين يا‬
‫أخي‪.‬‬
‫ث ّم وضع جناحيه علي رأسه وقال‪:‬‬
‫ـ الراجل ده ما بيشوفش ما بيشوفش‪ ،‬يا رب يجيله إسهال‬
‫وهو مسافر علي طريق مدة سفره ست ساعات هه بقي‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ تستاهل علشان إلّي عملته إمبارح ده‪ ،‬المفروض يدبحك‬
‫ويعملك حمام بالفريك‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫نيكوابر‬
‫ب‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫نظر حاتم لعثمان بغض ٍ‬
‫ـ طبعا ً المزغود الصغير عثمان هو إلّي قالك إلّي حصل‪ ،‬وهو‬
‫علي كده‪ ،‬بس تدري ليش بيعمل‬ ‫ّ‬ ‫كمان السبب إنك إتقلبتي‬
‫هيك‪.‬‬
‫وحركت‬
‫ّ‬ ‫هزت رأسها‬ ‫ضحك عثمان ونظر لروفيدا التي ّ‬
‫عينيها في إنتظار إجابته‪.‬‬
‫صرخ قائًلً‪:‬‬
‫ـ ألني ما ربيته‪ ..‬ما ربيته‪.‬‬
‫إنفجر الجميع من الضحك‪ ،‬وقال عثمان‪:‬‬
‫ـ أيمكننا أن ننام لبعض الوقت‪ ،‬ثم تأفأف وهو يقول‪ ،‬ليلة‬
‫أمس كانت مرهقة للغاية‪.‬‬
‫رد حاتم عليه‪:‬‬
‫ـ ناام ياخويا نام‪ ..‬نوم الظالم عبادة‪.‬‬
‫ال تتحدث عن الظلم يا تيمو‪ ،‬وإال سأخبرها عن زعلوطة التي‬
‫ترملت بسببك‪.‬‬
‫ـ أنا مالي هي إلي أعجبت بيا‪.‬‬
‫نظرت له روفيدا في دهشة‪ ،‬وهي تردد االسم وتضحك‪:‬‬
‫ـ زعلوطة! بتخوني مع زعلوطة يا تيمو ياااللهول‪.‬‬
‫ـ نامي يا فيفي نامي‪ّ ،‬‬
‫ياال إتخمدوا إنتوا اإلتنين‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫نيكوابر‬
‫إستلقت روفيدا لتنام‪ ،‬ووقف حاتم علي طرف سريرها علي‬
‫ساق واحدة‪ ،‬وأدخل رأسه تحت جناحه‪ .‬اقترب عثمان من‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫روفيدا‪ ،‬ومد يده بهاتفها‪ ،‬وهمس لها‪:‬‬
‫ـ ألن تتحدثين مع خطيبك؟ فهو أيضا ً لم ينم حتى اآلن‪ ،‬ولكن‬
‫قلة نومه بسبب حزنه مما حدث‪.‬‬
‫تبسمت له روفيدا وأخذت الهاتف منه‪ ،‬ونهضت بهدوءٍ من‬
‫فراشها‪ ،‬حتى ال يراها حاتم‪ ،‬وأخذت وجهتها لخارج البيت‪،‬‬
‫جلست تحت شجرة الصفصاف‪ ،‬واتصلت به وقبل أن تنتهي‬
‫أول رنة سمعت صوته‪:‬‬
‫ـ إزيك ياروفيدا‪.‬‬
‫ـ امممم‪ ،‬مادام ماقولتش فيفي يبقي لسه زعًلن مني‪ ،‬أنا‬
‫عارفة إني زودتها إمبارح‪ ،‬وأنا مش عارفة أعمل إيه‬
‫علشان أرضيك‪ ،‬أنا أسفة يا محمد‪.‬‬
‫ـ ماحصلش حاجة‪.‬‬
‫ـ ال حصل وكتير قووي‪ ،‬بس بجد أنا مش عارفة كان مالي‪،‬‬
‫يمكن من فرحتي كنت زي المجانين‪.‬‬
‫ت فرحانة؟‬
‫ت إمبارح كن ِ‬
‫ـ يعني إن ِ‬
‫ـ أيوه طبعاً‪ ،‬مش بقيت مراتك‪.‬‬
‫ـ خاينة خاااااينة الزم تموتي تمووتي بووو بووو بووو‪.‬‬
‫هذا ما قاله حاتم عند سماعه لمكالمتها الهاتفية‪ .‬وقفت‬
‫روفيدا تبحث عن مصدر الصوت‪ ،‬وجدته يجلس فوق‬
‫الشجرة ويوجه جناحه كمسدس تجاهها‪ .‬أصابها صداع‬
‫شديد‪ ،‬وتركت الهاتف من يدها‪ .‬ثم نظرت له‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫‪131‬‬
‫نيكوابر‬
‫علي‪.‬‬
‫ـ إنت جيت إمتي هنا‪ ،‬وكمان بتتريق ّ‬
‫ـ بتريق‪ ،‬ده أنا هنفخك‪ ،‬بتخونيني يا فيفي ماشي أنا لو شفتك‬
‫بتكلمي الواد ده تاني هزعلك وهزعله‪ ،‬وقد زعتر من بعتر‪.‬‬
‫شعور غريب يتملكها‪ ،‬وكأنه إنتزع وقت الصفاء الذي كان‬
‫بينها وبين خطيبها‪ ،‬تريد أن تتحدث معه هو فقط تريد العودة‬
‫لغرفتها‪ ،‬نظرت له بعد وهلةٍ‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ بتغير عليا؟‬
‫ـ أيوه طبعا ً بغير‪ ،‬أنتي كل حاجة في دنيتي‪.‬‬
‫ـ يا سًلم‪.‬‬
‫ـ اه طبعاً‪ ،‬حتي شوفي‪.‬‬
‫نظرت له‪ ،‬وجدت صدره قد تشكل في شكل قلب‪ ،‬وكأنه‬
‫ينبض‪ .‬لم تلبث أن تتحدث‪ ،‬صوت طلقة أوجع قلبها‪ ،‬سقطت‬
‫علي األرض من هول الصدمة‪ ،‬وجهها لطخ بالدماء التي‬
‫تسيل من رأس حاتم المتدلي من علي الشجرة‪ ،‬إلتفتت‬
‫وأخذت تنظر لمن قتله بعدم إستيعاب‪ ،‬وهو ينظر لها ضاحكاً‪،‬‬
‫وكأنه قد فاز في معركته‪ .‬صوت مواء‪ ،‬عثمان يصرخ وال‬
‫أحد يسمعه‪ ،‬يريد تسلق الشجرة‪ ،‬ولكنه ال يستطيع‪ ،‬بدأ‬
‫ينادي علي حاتم‪ ،‬وهو يقفز من علي األرض قائًلً‪:‬‬
‫ـ خااالي خاااالي‪ ،‬ال تتركني وحدي‪ ،‬خاالي ال تمت‪.‬‬
‫يبكي بحرق ٍة علي الدماء التي أصبحت بركة‪ ،‬جلس قربها‬
‫وهو يضع يده علي وجهه غير مصدق‪ .‬روفيدا دموعها‬
‫تسيل كمجري نهر‪ ،‬ال تقوي علي صلب جسدها‪ ،‬وكأنها قد‬

‫‪131‬‬
‫نيكوابر‬
‫أصيبت بشلل‪ .‬إقترب الصائد من نيكوبار‪ ،‬وأسقطها ببندقيته‬
‫ثم حملها ورماها علي عثمان‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫ياال حًلل عليك‪ ،‬أنا بصطاد الحمام للمتعة بس‪.‬‬
‫ثم نظر لروفيدا وأكمل‪:‬‬
‫ـ وإبقي قولي ألبوكي صبحي إيده ما تخيبش صيدة‪.‬‬
‫وتركهما ومضي‪ .‬حاولت روفيدا أن تصل له‪ ،‬مدت يدها‬
‫ولكن جسدها وكأنه مخدر‪ .‬عثمان يضع رأسه علي جسد‬
‫نيكوبار‪ ،‬ويحاول أن ينعش قلبها‪ ،‬ولكن بدون جدوي‪ ،‬فقد‬
‫شم الرأس تماماً‪ ،‬إبتعد فجأة عن الحمامة‪ ،‬وصرخ قائًلً‪:‬‬
‫ته َّ‬
‫ـ سأحرق بيوتكم كما حرقتم قلبي عليه‪ ،‬سأجعل الحزن يدخل‬
‫قلوبكم دفعة واحدة‪.‬‬
‫ث َّم ركض وإختفي‪ .‬روفيدا لسانها قد لجم‪ ،‬تريد أن تنادي‬
‫تئن فقط‪ ،‬تمكنت أخيرا ً من‬
‫عليه‪ ،‬ولكن ال يصدر منها صوت ّ‬
‫سحب نيكوبار تجاهها‪ ،‬أخذت تلمس ريشه وتضع يدها علي‬
‫قلبه‪ ،‬وتحدثه وهي تجهش بالبكاء‪.‬‬
‫ـ سبتني ومشيت أنت كمان‪.‬‬
‫ـ الحقيني بمية سخنة ياختاااااااي‪.‬‬
‫انطلقت تلك العبارة من جسد نيكوبار‪ ،‬انطلقت بصرخة جعلت‬
‫الخوف يسري في جسد روفيدا‪ .‬إرتجفت‪ ،‬نظرت له في‬
‫تهز نيكوبار بقوة وتضع يدها األخرى علي‬‫دهشةٍ‪ ،‬وهي ّ‬
‫رأسها‪ ،‬وتضغط علي جبهتها كثيرا ً غير مصدقه ما سمعته‪،‬‬
‫حتى سمعت الصوت مرة أخري‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بقولك قومي هاتي مية سخنة‪ ،‬الولية بتولد يا فييفي‪ ،‬أنا‬
‫حاتم يا حبيبتي ولسه عايش‪ ،‬الحمد هلل إن الوحيدة إلّي بتحب‬
‫المغامرة كانت حامل‪ ،‬كنت ذهبت بًل رجعة‪ ،‬إستخبيت جوه‬
‫علي وما قدرتش‬‫ّ‬ ‫البيضة بتاعتها لمّا إلّي يتشل في إيده نشن‬
‫أطير ّ‬
‫ياال قومي‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا‪ ،‬ودموع الحزن ال زالت تسقط من عينيها‪:‬‬
‫ـ يا خسارة الدموع إلّي نزلت مني عليك‪ ،‬انت زي القطط‬
‫بميت روح‪.‬‬
‫قال حاتم بنبرات خافتة‪:‬‬
‫ـ ياأختي إعتبري نفسك غسلتي عينيكي‪.‬‬
‫بس أنا لوجيبت مية سخنة كده هسلقك‪ ،‬وأنضف الريش‪..‬‬
‫المية للبني آدمين بس‪.‬‬
‫صمت حاتم لبرهة‪ ،‬ث َّم أردف‪:‬‬
‫ـ اممممم عندك حق‪ ،‬طيب المفروض أعمل إيه علشان أطلع‪،‬‬
‫ماذا نحن بفاعلون يا بنت سنية؟‬
‫قالت له وهي تتذكر صديقة قديمة لها‪:‬‬
‫ـ كنت مع واحدة صاحبتي مرة‪ ،‬والوالدة كانت صعبة‪،‬‬
‫ومافيش طلق‪ ،‬ركبولها محلول وحطولها فيه حقنة كده فيها‬
‫حرف السين‪ ..‬أاااه "سنتيسينون"‪.‬‬
‫ياال روحي هاتيلي أمبول عشر وحدات ‪ ،‬ودوريلي‬ ‫ـ طيب ّ‬
‫علي وريد حلو كده اااااااااااااااه يا دهوتي يادهوتي‬
‫ياااادهوتي‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ مالك يا ابني؟‬
‫لفت انتباهها شيء أبيض صغير يتدحرج أمامها‪ ،‬أطالت‬
‫النظر فوجدت بيضة تقفز علي األرض‪ ،‬مسكتها بيدها وهي‬
‫تتأملها‪ ،‬ثم سألته‪:‬‬
‫ـ إنت هتطلع من البيضة دي إزاي بقي؟‬
‫ـ أنا هفقس بعد أسبوعين‪ ،‬يعني الزم أتدفي الفترة دي‬
‫إحضنيني يا فيفي‪.‬‬
‫قالت له ساخرة‪:‬‬
‫ـ حد قالك إن أطرافي ريش‪ ،‬هعمل إيه في الحوسة دي يا‬
‫ربي‪ ،‬وكمان إبن أختك إلّي إختفي ده‪.‬‬
‫ـ قلتلك بًلش ييجي معانا‪ ،‬الواد ده دمه حامي وهيبهدلكم‬
‫الدنيا‪ ،‬بس معلش هما أربعتاشر بيت بس إلّي هيتحرقوا‬
‫إبتداء باللي مابيخيبش صيده ده‪ ..‬مااشي أصبحي أحبيب‬
‫قلبي‪.‬‬
‫همست روفيدا محدّثة نفسها‪:‬‬
‫ـ الناس بتصرف العفاريت وأنا جبتهم بيتي بنفسي‪ ،‬هعمل‬
‫إيه في البلوة دي أنا الزم أستغل الفرصة‪.‬‬
‫أمسكت البيضة بين أصابعها وهي تتذكر كلمات عثمان‪ ،‬ال‬
‫منك ستندمين ‪ ،‬وأخيرا ً جائتها فكرة وقالت‪:‬‬
‫تجعليه يتمكن ِ‬
‫ـ بص يا تيمو‪ ،‬إنت دلوقتى روحك بين إيديا‪ ،‬يعني ممكن‬
‫أرمي البيضة دي في حتة وهتموت‪ ،‬وممكن أكسرها كمان‪،‬‬
‫بس أنا هنقذ حياتك وليا طلبين إيه رأيك؟‬

‫‪134‬‬
‫نيكوابر‬
‫رد حاتم‪ ،‬ونبرته يغلّفها الحزن‪:‬‬
‫ـ كده يا فيفي‪ ،‬بعد حبي ليكي وكل إلّي عملته‪.‬‬
‫ـ إنت ماعملتش حاجة غير إنك كنت عايز تأذيني‪ ،‬دلوقتى‬
‫تعاهدني إني لو أنقذت حياتك تسيبني في حالي‪،‬‬
‫وماتتعرضليش وتخرج من بيتنا وترجع مملكتك تاني‪ ،‬وده‬
‫أول طلب‪ ،‬هااا أكمل وال مش موافق؟‬
‫صمت ولم يرد‪ ،‬فوضعت البيضة قرب حائط‪ ،‬ثم نهضت‬
‫مجددا ً وسارت بضع خطوات‪ ،‬تدحرجت البيضة حتى وصلت‬
‫تحت أقدامها‪.‬‬
‫ـ موافق كملي‪.‬‬
‫قالت روفيدا سريعا ً‪:‬‬
‫ـ إتفقنا‪ ،‬بس الزم تعاهدني‪ ،‬قولي عهد من عهودكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫وكأن أحدهم يرفع عليه‬ ‫صمت حاتم لوهلةٍ‪ ،‬ثم قال لها‬
‫مسدس ليوقع علي عقد بيع ألمًلكه‪:‬‬
‫ـ طيب يا فيفي‪ ..‬أعاهدك بالعهد الذي أخذه علينا سليمان‪ ،‬أن‬
‫أبتعد عنك وأخرج من بيتك بًل رجعه تمام كده‪ ،‬إيه هو‬
‫الطلب التاني؟‬
‫ـ إنك تجيب عثمان‪ ،‬وماتخليهوش يحرق حاجة‪.‬‬
‫ـ أهو ده إلّي صعب بقي‪ ،‬ألنّي مسجون هنا ومش هقدر‬
‫أوصله‪ ،‬بس ممكن أفيدك في حاجات تانية‪.‬‬
‫ـ زي إيه؟‬

‫‪135‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ الناس هتتأكد إن في جن في المنطقة‪ ،‬وده هيخليهم‬
‫يستعينوا بالشيوخ‪ ،‬أنا ممكن أقولك مين من الناس دي‬
‫ساحر ومين منهم شيخ‪ ،‬بس إتصرفي وحطيني في مكان‬
‫دلوقتى علشان البيضة تفقس‪.‬‬
‫تذكرت روفيدا والدتها‪ ،‬عندما كان الدجاج يرفض أن يرقد‬
‫علي البيض كانت تحضر لمبة جاز وكرتونة صغيرة وتضع‬
‫البيض داخل تبن‪ ،‬وتغطيه وبالفعل قامت بفعل هذا‪ .‬بعد قرابة‬
‫الساعة سمعت صوت محمد‪ ،‬كانت كل أبواب البيت مفتوحة‪،‬‬
‫وأبوها وأمها يجلسون أمام البيت‪ ،‬سلم عليهم ورافقته أمها‬
‫للداخل‪ ،‬كانت روفيدا تجلس بالصالة وبجوارها الكرتونة‬
‫التي تحتوي علي حاتم‪ .‬تقدمت أمها بخطوات مرتبكة حتى‬
‫وصلت للبوتاجاز لتعد له الشاي متجاهله أبنتها‪ ،‬تنظر لها‬
‫بين الفينة واألخرى نظرات خاطفة وتسترق السمع لتعلم ما‬
‫حدث وهذا ما يحدث دائ ًما في قطيعتها إلبنتها‪ .‬صعق محمد‬
‫عندما رآها‪ ،‬أمسك يدها وهو يسألها‪:‬‬
‫ـ إيه إلّي عورك كده‪.‬‬
‫ـ عورني؟! أنا مش متعورة‪.‬‬
‫ـ مش متعورة إزاي؟ أمال إيه الدم ده؟‬
‫ب وهو يتفحص وجهها‪ .‬وضعت‬
‫كلمات قالها محمد بتعج ٍ‬
‫روفيدا يدها علي كتفه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ـ هحكيلك علي كل حاجة‪.‬‬
‫جلس محمد بالقرب منها‪ ،‬وأخرج منديله األبيض وبدأ ينظف‬
‫لها وجهها‪ ،‬أخبرته بكل ما حدث وهو ينظر لها غير مصدق‪،‬‬
‫أردف‪:‬‬
‫َ‬ ‫وبعد انتهائها‬

‫‪136‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ فيفي أنا حاسس ان فيه حاجة غير كده مخبياها عليّا‪.‬‬
‫أطالت النظر لعينيه‪ ،‬حتى يتأكد من صدق حديثها‪:‬‬
‫ـ أنا مش مخبية عليك حاجة‪ ،‬وكل إلّي قولته حقيقي‪ ،‬ولو‬
‫مش مصدقني هقولك حاجة تثبت‪ ،‬عارف صبحي إبن عم‬
‫همام بتاع اللحمة؟‬
‫ـ أيوه عارفه‪ ،‬ده صاحبي‪ ..‬ماله؟‬
‫ـ بيته هيتحرق النهاردة‪ ،‬لو جدع بقي خليه يلحق الحريقه‬
‫قبلها‪.‬‬
‫زام محمد مابين حاجبيه‪ ،‬وهو يسألها‪:‬‬
‫ـ وإنتي إيه إلّي عرفك إنه أول واحد‪ ،‬مش انتي بتقولي ‪11‬‬
‫بيت هيتحرقوا؟ إشمعني ده‪.‬‬
‫صمتت طويًلً‪ ،‬فهي لم تخبره بحاتم المسجون داخل بيضة‪،‬‬
‫خافت أن يقتله‪ ،‬كل ما قالته أن عثمان توّ عد بحرق البيوت‬
‫لمدة أسبوعين‪ .‬بعد بره ٍة اهتدى تفكيرها لشيء‪:‬‬
‫ـ أصل هو إلّي قتله‪ ،‬وأكيد هيكون أول حد ينتقموا منه‪،‬‬
‫عموما ً أنا قلتلك وده إلّي هيثبت كًلمي‪.‬‬
‫لم تلبث أن تنهي حديثها‪ ،‬حتى سمعت صوت صفير "هذا ما‬
‫يحدث بالقرى لينّبه األهالي أن هناك حريق ببيت أحدهم"‪،‬‬
‫استرقت السمع وهي تسمع صوت خبط علي ميكرفون‪،‬‬
‫المسجد القريب ودقيقة وسمعت صوت شيخ المسجد‪.‬‬
‫ـ يا أهالي البلد الكرام‪ ،‬فيه حريق في بيت الحاج همام إلّي‬
‫عنده أنبوبة يقفلها‪ ،‬وإلّي عايز يروح يروح وربنا يقدركم‬
‫علي فعل الخير‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫نيكوابر‬
‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫نظرت له روفيدا ووجهها مغلّف بمسح ٍة من الحزن‪،‬‬
‫هذا ذنبها‪:‬‬
‫ـ شفت بقي يا محمد مش قلتلك؟‬
‫وضعت أمها الشاي بصمت فأعتذر عن تناوله وتركهما‬
‫وركض نحو بيت صبحي‪ ،‬وقف يلهث وهو يرى األدخنة‬
‫تمأل السماء وجميع األهالي مجتمعين بالطريق‪ ،‬بعد أن‬
‫التهمت النيران البيت بالكامل وخمدت وحدها‪ ،‬صبحي يجلس‬
‫أمام البيت ويده علي رأسه غير مصدق‪ ،‬أقترب منه محمد‬
‫وحاول أن يواسيه‪.‬‬
‫ـ قدر هللا وما شاء فعل يا صاحبي ربنا يعوضك‪ ،‬الحمد هلل‬
‫إنها جات في شوية كراكيب‪.‬‬
‫ـ الحمد هلل يا محمد‪.‬‬
‫فسأله محمد بلؤم‪:‬‬
‫ـ أال صحيح إيه سبب الحريقة؟‬
‫ـ ما فيش حاجة حصلت لوحدها كده‪.‬‬
‫ـ طيب ماحصلش حاجة غريبة قبلها؟‬
‫جذبه صبحي من يده وذهب به بعيدًا عن الناس‪ ،‬وقال له‬
‫سا‪:‬‬
‫هام ً‬
‫ـ أنا حاسس إني إتجننت يا محمد‪ ،‬فيه قط شكله غريب كده‬
‫قرب مني وقاللي قبل الحريق‪ .‬إنت حرقت قلبي‪ ،‬وأنا هحرق‬‫ّ‬
‫قلبك هع هع هع‪ ،‬أه وهللا‪ ،‬وضحك بالطريقة دي‪ ،‬فكرت ده‬
‫من قلة النوم ومالحقتش أخش البيت إال وحصل إلّي حصل‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫نيكوابر‬
‫وقتها تأكد محمد مما قالته روفيدا‪ ،‬وحاول أن يستغل‬
‫الموقف‪ .‬قال لصبحي بتأنيب‪:‬‬
‫ـ يبقي أنت أذيت جن‪ ،‬وهينتقم منك ومن البلد كلها‪ ،‬إحنا الزم‬
‫نتصرف ونجيب شيخ يقرأ في البيوت القريبه منك قرآن‬
‫والناس تحصّن نفسها‪.‬‬
‫ـ الساعة عشرة‪ ،‬وبعدين إيه موضوع الجن ده إنت عارف‬
‫إني بخاف من الحاجات دي وما بحبش سيرتها‪.‬‬
‫ـ طيب تفسر إلّي حصل ده بإيه؟‬
‫ـ مش عارف يا محمد‪.‬‬
‫مسكه محمد من كتفه وهزه هزة خفيفة‪ ،‬وهو يسأله‪:‬‬
‫ـ هي الساعة كام دلوقتى؟؟‬
‫ـ الساعة عشرة‪.‬‬
‫زفر محمد بضيق‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ يبقي فيه كل يوم بيت هيتحرق فى الوقت ده‪ ،‬الزم نعمل‬
‫حسابنا‪ .‬تعالى بقي قولّي مين أكتر بيت مش ملتزم جنبك‪،‬‬
‫صنفلي الناس األوحش فاألقل‪.‬‬
‫قال له صبحي ضاحكا ً‪:‬‬
‫ـ يا محمد المنطقة كلها مستودع شياطين‪ ،‬ضحكتني وأنا في‬
‫بلوة‪.‬‬
‫ـ يعني إيه؟؟‬
‫ـ هبسطهالك‪ ،‬ده زي المثل إلّي بيقول من بره هًلااا هًلاا‬
‫ومن جوه يعلم هللا‪ ،‬أنا بحكم شغلي في الجزارة مع أبويا وفي‬

‫‪139‬‬
‫نيكوابر‬
‫األرض بتاعتنا مصاحب البلد كلها‪ ،‬وممكن أقولك كل واحد‬
‫وواحدة بيعملوا إيه‪.‬‬
‫أردف محمد في إرتياب‪:‬‬
‫ـ شكل قعدتنا هتطول‪.‬‬
‫ثم جلس بجوار صبحي الذي أخذ يقص عليه حكاوي وأسرار‬
‫البيوت‪ ،‬أشار له علي بيت امرأة زوجها توفي منذ أعوام‪،‬‬
‫ولها أطفال يتامى ينعتها بالفاجرة‪ ،‬يسبها ويقول لعنة هللا‬
‫عليها تخرج وتترك أطفالها وحدهم‪ ،‬وتأتي بعد منتصف الليل‬
‫غير أن هناك رجل يدخل بيتها مرتين باألسبوع غير مبالية‬
‫أن هذا سيكون أول بيت‬ ‫بحديث الناس عليها‪ ،‬من المؤكد ّ‬
‫يحرق بهذه المنطقة‪ ،‬وهذا البيت به شيخ صالح‪ ،‬ولكن ابنه‬
‫فاسق يشرب الحشيش ويسبّ الدين دائماً‪ ،‬وسرق عقد‬
‫والدته أثناء نومها‪ ،‬وانهال عليها ضربا ً عندما حاولت منعه‪،‬‬
‫لتاجر يبيع‬
‫ٍ‬ ‫غير بار بوالديه‪ ،‬سجل عندك الرقم‪ .‬وهذا البيت‬
‫بميزان تالف‪ ،‬وتطاول في بنيانه من سرقة الناس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الناس‬
‫وهذا البيت لرجل زير نساء وهذا البيت لــ‪....‬‬
‫ـ كفاية ياصاحبي‪.‬‬
‫قالها محمد هذه العبارة بعد أن وضع يده علي فم صبحي‬
‫ليصمت‪ .‬أبعد صبحي يد محمد من علي فمه‪ ،‬وقال لها‬
‫ضاحكا ً‪:‬‬
‫ـ ليه يا عم إتصدمت وال إيه؟‬
‫ـ ال بس شوف رحمة ربنا علينا‪ ،‬إزاي ساترنا وسايبنا‬
‫نعصيه وفاتح باب التوبة في أي وقت‪ ،‬بقولك إيه أنا مروح‬
‫دع الخلق للخالق‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫نيكوابر‬
‫مشي محمد وهو يضرب كف علي كف‪ .‬روفيدا تجلس أمام‬
‫البيت صامتة تنتظره‪ ،‬لمحته من بعيد فهرولت تجاهه لتعلم‬
‫منه ما حدث‪:‬‬
‫ـ عملت إيه يا محمد؟‬
‫ـ البلد شكلها هتولع كلها‪ ،‬مش عارف أحدد البيوت إلّي‬
‫عليها الدور‪ ،‬علشان نلحقها وال عارف أتصرف‪.‬‬
‫أطرقت روفيدا مفكره ثم صاحت‪:‬‬
‫ـ لقيت حل‪.‬‬
‫ـ إيه هو؟‬
‫ـ فاكر موضوع السلعوة إلّي بيتنشر كل فترة ده؟ الناس بتقعد‬
‫في بيوتها مرعوبة‪ ،‬إحنا ممكن نستغله ونقول أنها هي إلّي‬
‫بتولّع البيوت‪ ،‬والزم الناس تشغل قرآن بقي وكده علشان‬
‫هي كانت هتموت واحد وإعترفتله إنها جنية وربنا نجّاه‪،‬‬
‫الكل بقي هياخد حذره إيه رأيك؟‬
‫ـ برافو عليكي يا فيفي‪ ،‬بس الزم علشان الموضوع يتم‬
‫نخوف الناس‪ ،‬ونخلي السلعوة تظهر‪.‬‬
‫ثم صمت قليًلً وأرف‪:‬‬
‫ـ أنا هجيب التوكتوك بتاع الواد سًلمة‪ ،‬وإحنا عندنا في‬
‫البيت جلد معزة سودة نربطه ونرن الجرس علي الناس‬
‫بالليل‪ ،‬ونقف بعيد بأتنين ليزر ونزغلل عنيهم‪.‬‬
‫***‬

‫‪141‬‬
‫نيكوابر‬
‫صدر صوت من أحد الجالسين‪ ،‬وقال وهو يعلي وتيرة‬
‫صوته‪:‬‬
‫ـ ال ال ال‪ ،‬ثواني بقي يا دكتورة‪ ،‬روفيدا وسعت الحكاية كده‪.‬‬
‫قلت له بضيق‪:‬‬
‫ـ يعني إنت جاي بعد ما قربت أخلص وتقولي وسعتها‪،‬‬
‫وسايب المشاوير إلّي عماله تقضيها بالطيران والبيضة إلّي‬
‫هتفقس كمان أسبوعين‪ ،‬وبتحتج علي السلعوة‪.‬‬
‫ثم نظرت للطًلب موجهة كًلمي لهم‪:‬‬
‫ـ لو مش حابين نكمل ممكن نقف هنا؟‬
‫قال الجميع بصوت واحد‪:‬‬
‫ـ كملي يا دكتورة‪.‬‬
‫مشيت ذهابًا وإيابًا وأنا أكمل‪.‬‬
‫***‬
‫"اللسان ال يوجد به سكين ولكنه يذبح‪.‬أحذر من تفوهك بما‬
‫ال تعلم لربما يفتح جر ًحا بقلب أحدهم وأنت ال تدري"‬
‫تغيّرت حياة روفيدا الرتيبة المملة‪ ،‬لتصبح فجأة حياة مليئة‬
‫باألحداث‪ ،‬بدأت الترتيبات ليجعلوا القرية كلها تفزع وتلجأ‬
‫للقرآن‪ ،‬ساعد صبحي محمد ورفيدا بالخطة‪ ،‬وسًلمة يعشق‬
‫المقالب إنقاد معهم وهو اليفهم شىيئ ًا بالموضوع‪ ،‬سوي أنها‬
‫خدعة ليضحكوا الناس‪ ،‬عندما دقت الساعة الثانية عشر بعد‬
‫منتصف الليل في هذا اليوم‪ ،‬تسللت روفيدا من الشباك‬
‫وخرجت بخفه متجهه إلى توكتوك سًلمة الذي يقف قرب‬

‫‪142‬‬
‫نيكوابر‬
‫بيتهم‪ .‬بعد دقائق وصلوا عند بيت السيدة التي تربي أيتام‪،‬‬
‫طرقوا الباب فخرجت السيدة لتري من الطارق‪.‬‬
‫وقف محمد من بعيد‪ ،‬وهو بهيئة العنزة السوداء‪ ،‬وصبحي‬
‫وسًلمة يقلدون صوت السلعوة‪ ،‬ويسلّطون الليزر بأعين‬
‫لثوان حتى سقطت علي األرض‪،‬‬‫ٍ‬ ‫السيدة‪ .‬لم تلبث الوقوف‬
‫أبنتها سمعت صوت ارتطامها فخرجت تصرخ‪ ،‬عندما رأت‬
‫أمها علي فاقدة للوعي حاولت أن تحملها وتدخلها البيت‬
‫ولكن جسدها الصغير لم يقوي‪ .‬قالت روفيدا لصبحي‪:‬‬
‫ـ يا لهووي‪ ..‬الست أغمي عليها الزم نساعدها‪.‬‬
‫رد عليها ساخطا ً‪:‬‬
‫ـ ال مش هينفع نروح هناك‪ ،‬البيت ده مشبوه وسمعتنا ممكن‬
‫تروح في الرجلين كده‪.‬‬
‫نزلت روفيدا من التوكتوك‪ ،‬غير مكترثة لشيء وركضت نحو‬
‫السيدة‪ ،‬ضمت طفلتها وسألتها عما حدث فقالت لها أن‬
‫والدتها تعاني من حمي‪ ،‬وكانت ترتجف منذ قليل‪ ،‬وضعت‬
‫روفيدا يد السيدة علي كتفها وساعدتها‪ ،‬حتى دخلت البيت‪،‬‬
‫ث َّم خرجت سريعا ً متجهة إلى محمد‪ ،‬وطلبت منه أن يحضر‬
‫طبيب الوحدة‪ .‬صبحي يتذمر مما حدث‪ ،‬ويدعو عليها‪،‬‬
‫ويقول أن هذا جزاء ما تفعله ويريد منع محمد من الذهاب‪،‬‬
‫ولكن بعد محايًلت روفيدا ذهب وأحضر الطبيب‪ .‬بعد الكشف‬
‫سأل الطبيب السيدة عما حدث‪ ،‬فنظرت لكل من يقف في‬
‫خج ٍل‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫ـ أنا بقالي كام يوم تعبانة‪ ،‬بس كنت في سفر النهاردة‬
‫وماقدرتش ماروحش‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫نيكوابر‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫نظر لها صبحي‪ ،‬وقال‬
‫ـ اااه‪ ،‬سفر إيه بقي‪ ،‬وإيه إلّي تاعبك يا أم اليتامى وجابرك‬
‫تسيبي عيالك وتسافري‪.‬‬
‫لكزه محمد فصمت‪ ،‬نظر لها الطبيب أن تكمل‪ ،‬فواصلت‬
‫حديثها قائلة‪:‬‬
‫ـ أنا بروح السوق الكبير في دسوق‪ ،‬أجمع جبنة وبيض من‬
‫الفًلحين‪ ،‬وبروح أوديهم إسكندرية لتجار‪ ،‬وما عنديش‬
‫تًلجة علشان أشيلهم فيها‪ ،‬خفت يبوظوا فكان الزم أروح‬
‫أبيعهم‪.‬‬
‫قبل أن تنهي حديثها‪ ،‬دخل طفل في التاسعة من عمره‪ ،‬وهو‬
‫يحبو كطفل رضيع ‪ ،‬أقترب من السرير واعتًله في قفزة‬
‫واحد ٍة وأحتضن والدته‪ .‬نظر صبحي لها في دهشة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ إبنك ده مش كان كويس‪ ،‬وبيمشي علي رجله‪.‬‬
‫ردّت السيدة‪ ،‬وهي تجهش بالبكاء‪:‬‬
‫ـ جاله دور سخونية بعد موت أبوه‪ ،‬جريت بيه علي‬
‫الدكاترة‪ ،‬أخد حقنة غلط عملت فيه كده‪.‬‬
‫ـ ومين إلّي بييجي مرتين في األسبوع ليكي ده؟‬
‫ـ الشيخ رائد جزاه هللا خير‪ ،‬بييجي يحفظه قرآن‪.‬‬
‫تأفأف الطبيب‪ ،‬ثم قال له في غضب‪:‬‬
‫ـ فيه إيه ياأستاذ‪ ،‬ده ماكانش كشف ده‪ ،‬إنت وكيل نيابة وال‬
‫إيه‪ ،‬ثم مد يده بورقة العًلج الذي أخذها محمد سريعاً‪،‬‬
‫وخرج ولم ينبس بكلمة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫نيكوابر‬
‫ركب التوكتوك مع سًلمة‪ ،‬وطلب منه أن يقله ألقرب‬
‫صيدلية‪ ،‬وبعد برهة أقترب من أذن سًلمة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ بقولك إيه ياض يا سولم‪.‬‬
‫مال سًلمة بعنقه للخلف‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫ـ إيه يا سعادة البيه الباش مهندس‪.‬‬
‫ـ عندك أغنية ليه كل الناس بتتكلم علي كل الناس؟‬
‫ضحك سًلمة من طلبه‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫ـ ال بس عندي أغنية أحلي منها‪.‬‬
‫أراح محمد ظهره للكرسي مجددًا‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫ـ سمعني‪.‬‬
‫بدأت األغنية بصوت الدفوف‪ ،‬وبعد دقيقة بدأت الكلمات‪.‬‬
‫"تتن تتن تتتتتان‪..‬‬
‫جاي يفضحني يحرق دمه‪ ،‬الفضيحة لفت لزقت في أمه‪..‬‬
‫أمه أمه أمه أمه‪..‬‬
‫جاي يعايرني أبو دم خفيف‪ ،‬أخته إتطلقت وأدي وش‬
‫الضيف‪..‬‬
‫الضيف الضيف الضيف‪..‬‬
‫يهزأني ويقول أنا مجنون‪ ،‬وأبوه أصًلً كان رد سجون‪..‬‬
‫جاي ّ‬
‫مسجون مسجون مسجون مسجون‪..‬‬
‫جاي يدحرج التماسي‪ ،‬الصيدلية أهي شكلك ناسي‪..‬‬

‫‪145‬‬
‫نيكوابر‬
‫ناسي ناسي ناسي نااسي‪..‬‬
‫قال سًلمه أخر مقطع من وحي خياله بعد أن ألتفت لمحمد‬
‫وهو يشير علي الصيدلية‪ .‬انفجر محمد ضاحكاً‪ ،‬وخبط‬
‫سًلمة خبطة مزاح علي رأسه‪ ،‬وهو يتأهب للنزول‪:‬‬
‫ـ وهللا أنت نكتة ياواد يا سولم‪ ،‬دقيقتين وراجع‪.‬‬
‫أحضر العًلج وعاد مجدداً‪ ،‬وهو يصفق مع سًلمة‬
‫بالتوكتوك علي أغانيه الغريبة‪ .‬دلف محمد داخل بيت‬
‫السيدة‪ ،‬وأعطي الطبيب العًلج الذي طلبه‪ ،‬بعد انتهائهم‬
‫خرج صبحي وهو مطأطأ رأسه‪ ،‬أقترب منه محمد‪ ،‬فقال له‬
‫خجًلً‪:‬‬
‫ـ عارف يا محمد أنا ما زعلتش علي بيتي إلّي إتحرق‪ ،‬علي‬
‫قد ما زعلت علي الست دي‪ ،‬إبنها جاب المصحف وقعد‬
‫يقرالها قرآن بصوت مش ممكن تتخيل إنه يطلع من طفل‪،‬‬
‫خًلنا بكينا كلنا‪ ،‬إلّي كنت مفكره بيت مش كويس طلع أحسن‬ ‫ّ‬
‫بيت‪ ،‬أنا كنت فاكر إن بيت المعلم بسيوني بس إلّي مش‬
‫هيتحرق‪ ،‬ألن مراته ونعم الست مش بتخرج من البيت‪ ،‬وال‬
‫الشارع بيشوفها‪ ،‬شكل البيتين دول إلّي مش هيتحرقوا‪.‬‬
‫رد عليه سًلمة‪:‬‬
‫ـ بًلش إنت تتكلم حياااة عيالك‪ ،‬وحرايق إيه وبتاع إيه‪،‬‬
‫خلينا نروح بدل ما حد يشوفنا ويف ّكرنا بنسرق البهايم بتاعة‬
‫الناس‪.‬‬
‫ركب الجميع التوكتوك‪ ،‬وأوصلهم سًلمة لبيوتهم وعاد إلي‬
‫بيته‪ ،‬وقف محمد أمام شباك روفيدا‪ ،‬بعد أن أدخلها منه‬
‫ً‬
‫طويًل‪:‬‬ ‫وتأكد أنه لم يراها أحد من أهلها‪ ،‬وأخذ ينظر لها‬

‫‪146‬‬
‫نيكوابر‬
‫قالت له روفيدا هامسة‪:‬‬
‫ـ ّ‬
‫ياال بقي روح‪ ،‬علشان ما حدش يشوفك‪.‬‬
‫ـ يعني أطلع أتف في وشه دلوقتي ده‪ ،‬كل ده علشان أنا‬
‫محبوس طيب ماشي بكرة أعرفه‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا علي حاتم الذي يسترق السمع ويسب محمد‪،‬‬
‫ثم لوحت لمحمد من بعيد وأغلقت الشباك علي عجل ونظرت‬
‫جهة الكرتونة وأخذت تتحدث مع حاتم‪:‬‬
‫ـ إزيك يا تيمو ياسبب المصايب‪ ،‬وبعدين إنت مش عاهدتني‬
‫تسيبني في حالي هترجع في كًلمك تاني؟‬
‫ـ أهًلً يااختي‪ ،‬عاملة إيه؟ وأمك عاملة إيه؟ وبعدين أنا‬
‫عاهدتك أه بس بعد ما أفقس‪.‬‬
‫ـ أممممم ماشي‪ ،‬عموما ً أمي كويسة‪ّ ،‬‬
‫ياال تصبح علي خير‬
‫علشان أنا تعبانة‪.‬‬
‫ـ هتنامي وتسبيني كده زي كوز الدرة المشوي المليان نمل؟‬
‫تتثاءبت بقوة ثم قالت‪:‬‬
‫ـ وإنت إيه ّإلي جاب النمل عندك؟‬
‫ـ ما أنا بايت في الطل من إمبارح لوحدي‪.‬‬
‫ألقت بجسدها علي السرير‪ ،‬ثم توجهت بنظرها إلي الكرتونة‬
‫وأسترسلت في الحديث‪:‬‬
‫ـ طيب تعالى أسألك شوية أسئلة نتسلي بيها‪.‬‬
‫ـ إتفضلي‪ ،‬شفتى أنا مؤدب إزا ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أه أوي‪ ،‬ربنا يهدي‪ ،‬أول سؤال‪ :‬لما الشياطين عندهم‬
‫القدرة علي أذية الناس والتلبس بيهم‪ ،‬ليه بقي مايتلبسوش‬
‫بكل المسلمين ويدمروهم ويخلوا حياتهم جحيم؟‬
‫ـ علشان مش هدف الشيطان الرئيسي هًلك اإلنسان‪ ،‬هدفه‬
‫هو التضليل في الدين وربنا‪ ،‬وضحها لما قال‪َ " :‬وي ِريد‬
‫شي َطان أَن ي ِضلَّهم ض ًََل ًال بَ ِعيدًا"‪ ،‬وكمان فيه آية تانية علي‬ ‫ال َّ‬
‫ِيهم َو ِمن‬‫لسان الشيطان بتقول‪" :‬ث َّم آلتِيَنَّهم ِمن بَي ِن أَيد ِ‬
‫ش َمائِ ِل ِهم َوال تَ ِجد أَكث َ َرهم‬‫َخل ِف ِهم َوعَن أَي َمانِ ِهم َوعَن َ‬
‫شَا ِك ِرينَ " معظم الناس دلوقت بعدوا عن ربنا ال بيشكروا وال‬
‫بيصلوا وال بيعملوا خير الذنوب الكتير دي خلت حياتهم‬
‫جحيم‪ .‬وده إلّي بيحصل لما اإلنسان بيسمع كًلم الشيطان ‪،‬‬
‫وده هدفه الرئيسي‪ .‬وإلّي يضحكك بقي‪ ،‬إن الشيطان يفضل‬
‫يغوي وأول ما الشخص يكفر يتبرأ منه‪ ،‬ويعمل نفسه من‬
‫بنها ويقوله "إِنِّي أَ َخاف َّ‬
‫اَللَ َربَّ العَالَ ِمينَ "‬
‫صمت حاتم قليًلً في انتظار حديثها ثم أردف‪:‬‬
‫ـ إيه باقي األسئلة بقي؟ روفيدا‪ ،‬أبت‪ .‬سبتيني أكلم نفسي‬
‫ونمتي‪ ،‬ماشي يا بنت سنية‪.‬‬
‫في صبيحة اليوم التالي‪ ،‬جلست روفيدا علي المصطبة وهي‬
‫تراقب المارة‪ ،‬تفكر كثيرا ً فيما سيحدث باأليام الرابعة عشر‬
‫القادمة‪ .‬نظرت للساعة مرات ومرات‪ ،‬حتى أصبحت العاشرة‬
‫صباحاً‪ ،‬بدأ صوت الصفير والمساجد تعلن عن البيت الذي‬
‫شب به الحريق‪.‬‬
‫قالت بدهشة محدِّثة نفسها‪:‬‬
‫ـ البيت ده إزاي يتحرق؟‬

‫‪148‬‬
‫نيكوابر‬
‫بعدما خمدت النيران جاءها محمد وهو يضحك‪ ،‬ث ّم قال‪:‬‬
‫ـ شفتي البيت الطاهر إلّي كان بيقول عليه صبحي!! مرات‬
‫المعلم بسيوني طلعت تجري في الشارع بفستان غريب كده‪،‬‬
‫وشوية ولقينا الواد سبارس طالع وراها من البيت وهو‬
‫بيصوت‪ ،‬وال يعلم خبايا النفوس إال هللا‪ .‬صبحي مف ّكر إن‬
‫الست إلّي مقفول عليها باب‪ ،‬وما حدش بيشوفها محترمة‬
‫وده الغباء بنفسه‪ ،‬ألن إلّي عايزة تخون هتخون‪ ،‬ولو مقفول‬
‫عليها بمليون قفل ولو حتي جوزها جنبها‪ .‬ممكن تخونه‬
‫بإحساسها وقلبها كمان‪ ،‬بصي إحنا نسيبهم بقي يولعوا كده‬
‫علشان يتعظوا‪.‬‬
‫ـ عندك حق‪ ،‬يمكن دي مصيبة علشان يفوقوا لنفسهم‪.‬‬
‫ـ بس علي فكرة‪ ،‬موضوع السلعوة جاب نتيجة‪ ،‬والناس‬
‫بدأت تخاف‪.‬‬
‫ـ طيب ربنا يستر‪.‬‬
‫سارت المحادثة بينهما بعد ذلك بشكل عادي‪ ،‬حتى انتهت‬
‫وغادر محمد لبيته‪ .‬دخلت روفيدا غرفتها فسمعت صوت‬
‫حاتم وهو يقول‪:‬‬
‫ـ تعرفي بقي إن خطيبك ده فاشل في كل حاجة حتي تفسير‬
‫مشاكل الحب‪.‬‬
‫اتجهت روفيدا ناحية الكرتونة‪ ،‬ورفعت غطاءها‪ ،‬ووضعت‬
‫البيضة علي راحتها‪ ،‬وحدَّثته‪:‬‬
‫ـ طيب ما تقولي إنت‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ الحب يا فيفي زي فرن عيش فينو‪ ،‬ريحته بتخلي كل‬
‫الناس نفسها تدوقه وده الجواز وإلّي بيعمل الخطوة دي‪،‬‬
‫ويدخل برجله علشان يسد جوعه واحد من اتنين‪ ،‬يا إما‬
‫واحد غبي أول ما ياخد العيش يحطه وهو سخن فى كيس‬
‫بًلستيك؛ فيتعجن وما يبقاش ليه طعم‪ ..‬وده إلّي بيقفل علي‬
‫حبيبه ‪ 122‬باب‪ ،‬ويفتكر إن دي شطارة وهو بيموته‪ ،‬يا إما‬
‫واحد ناصح يحافظ عليه‪ ،‬يعرف إمتي يسيبه لحد ما يحتاج‬
‫ً‬
‫فعًل إنه يقفل عليه ويحتويه‪.‬‬
‫قالت له روفيدا بسخري ٍة ‪-:‬‬
‫ـ ودي حكمة محشش؟‬
‫ال‪ ،‬حكمة فران‪.‬‬
‫ضحكت روفيدا بصوت عال‪ .‬رد عليها حاتم مماز ًحا‪:‬‬
‫ـ تضحكين من قلبك!! أغدقيني بقليل من الحب مقابل هذه‬
‫الدعابة‪.‬‬
‫أكملت روفيدا الضحك ولم ترد عليه ثم خرجت من الغرفة‬
‫مجددًا لتتابع ما يحدث بالقرية‪ .‬مضي اليوم كاأليام السابقة‪،‬‬
‫وبزغ قمر مختلف بصبيحة اليوم التالي‪.‬‬

‫***‬

‫‪151‬‬
‫نيكوابر‬
‫شيوخ ولكن‬

‫بدأ خبر السلعوة يجعل األهالي تلجأ للشيوخ‪ .‬وكان أول شيخ‬
‫من نصيب بيت روفيدا‪.‬‬
‫دخلت والدة روفيدا سريعًا‪ ،‬وأخبرتها بأن هناك شيخ أتي‬
‫ليرقي كل من بالبيت‪ ،‬قاطع حديثها صوت أجش تنحنح‪ ،‬ثم‬
‫قال‪:‬‬
‫ـ دستور يا أسيادنا‪.‬‬
‫صوت والدها دعاه للدخول‪ ،‬ثم نادى زوجته‪ ،‬غادرت والدتها‬
‫الغرفة وتركتها‪ .‬نظرت روفيدا من الشباك‪ ،‬وجدت رجل في‬
‫الخمسين من عمره‪ ،‬له ذقن تصل حتي صدره‪ ،‬بيده سبحة‬
‫طويلة‪ ،‬سمعت صوت حاتم بجوارها وهو يضحك‪ً ،‬‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ الساحر الكبير وصل‪.‬‬
‫قالت لحاتم‪ ،‬بينما تتأمل مًلبس ذلك الشخص وجلبابه‬
‫الواسع‪:‬‬
‫ـ ساحر إيه بس يا حاتم‪ ،‬ده شيخ‪ ،‬وأبويا جايبه علشان‬
‫يقرالنا قرآن ويحصنا‪ ،‬وكله بسببك وبسبب أبن أختك‪.‬‬
‫ـ أه ويعملكم زار‪ ،‬ده هيطفّش شوية المًليكة الباقيين في‬
‫أوضة أخوكي‪ ،‬هتشوفي إلّي هيعمله‪ ،‬وأنا هقعد حاطط رجل‬
‫علي رجل كده لحد ما يخلص‪ ،‬وبعدين قلتلك بًلش عثمان‬
‫بًلاااش إنتي إلي صممتي‪ ..‬ماسمعتيش كلمة "دستور يا‬
‫أسيادنا" إلّي قالها وهو داخل‪ ،‬دي تعظيم للجن بيقوله يا‬
‫سيدي أهو‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫نيكوابر‬
‫والدتها دخلت فجأة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫أبوك هيزعق‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـ ّ‬
‫ياال يا روفيدا‬
‫ـ أنا مش طالعة لحد‪ ،‬أنا كويسة‪.‬‬
‫دخل والدها عندما سمع كلماتها‪ ،‬جذبها من يدها وهو‬
‫يسبها‪ ،‬فتعثرت قدماها وسقطت‪ ،‬ساعدتها والدتها علي‬
‫النهوض‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬
‫ـ وقعت علي أختك أحسن منك‪.‬‬
‫أكمل حاتم الضحك‪ ،‬وناداها ً‬
‫قائًل‪:‬‬
‫ـ أمك هي كمان شكلها إنضمت لحزب السحرة واألشرار‪،‬‬
‫ليك أخت من الجن تحت األرض بتقولك أختك‬ ‫مفكرة إن ِ‬
‫تأذيك‪ ،‬يخرب بيت الجهل يا‬
‫ِ‬ ‫أحسن منك‪ ،‬علشان مش‬
‫شيخة‪ ..‬فيفي‪ ،‬علشان تتأكدي إنه ساحر‪ ،‬أول حاجة هيسألك‬
‫عليها هو إسمك وإسم أمك يا بنت سنية‪.‬‬
‫كانت روفيدا تنصت له وال تصدق ما تسمعه أذناها‪ .‬خرجت‬
‫من الغرفة وهي صامتة‪ ،‬وقفت أمام الشيخ ترتجف‪ ،‬نظر لها‬
‫وهو يبتسم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أأذيك‪ ،‬أنا جاي أساعدك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـ ما تخافيش أنا مش جاي علشان‬
‫ثم طلب من والدها أن يدخلهم غرفة وحدهم‪ ،‬وحجة هذا أنه‬
‫يخاف إذا كان هناك جني أن يخرج منها ويتلبس بشخص‬
‫آخر‪ ،‬ثم طلب منه إحضار شمعتين‪ .‬بدأ هذا الشخص الغير‬
‫معلوم هويته بتحضير ما سيفعله‪ ،‬قرأ علي الشمعتين بعض‬
‫الكلمات الغير مفهومة ووضعهم علي عتبة الباب‪،‬كان هناك‬

‫‪152‬‬
‫نيكوابر‬
‫مساعد يجلس خارج الغرفة‪ ،‬حتى إذا انطفأت الشموع‬
‫يشعلها من جديد‪.‬‬
‫دخلت روفيدا وهي مترددة الغرفة‪ ،‬أغلق المساعد الباب‬
‫عليهم وترك جزء بسيط مفتوح‪ ،‬ثم طلب من األهل أن يقفوا‬
‫بعيدًا‪ .‬روفيدا ال تعلم ما سيحدث لها‪ ،‬تنظر لوجه الرجل‬
‫بفزع‪ ،‬ودخان البخور يمأل المكان‪ ،‬تريد أن تهرب ولكنها‬
‫خائفة من والدها‪ ،‬أول شيء طلبه منها هو خلع فردة الحذاء‬
‫اليسرى‪ ،‬ألنه سيضع ورقة تحت قدمها تذكرت وقتها ما رأته‬
‫ضا حديث الرسول عن الشيطان‪ ،‬أنه يمشي‬ ‫يوم السحرة‪ ،‬وأي ً‬
‫ضا خافت أن يكون بالورقة قرآن‪ .‬سألته‬ ‫بخف واحد‪ ،‬وأي ً‬
‫متذمرة‪:‬‬
‫ـ ليه؟ والورقة دي فيها إيه؟ ممكن تقراها؟‬
‫ـ لما نخلص هديهالك تقريها‪.‬‬
‫ـ ال‪ ،‬أنا عايزة أقراها دلوقتى‪.‬‬
‫دقات علي الباب من والدها ثم كلمات سباب وغضب‪،‬‬
‫استسلمت لألمر ووقفت‪ ،‬قال لها‪:‬‬
‫ـ لو حاسة إن جسمك في حاجة بتزقه لليمين أو للشمال‬
‫قولي‪.‬‬
‫مرت الدقائق وجسدها ترنح بالفعل‪ .‬تسائلت بصمت "هل‬
‫لرائحة البخور دخل بالموضوع؟ ثم أحست كما قال أديب أن‬
‫الدموع تطرق أبواب عيونها الخلفية"‪ .‬بدأ الخوف يسري‬
‫بجسدها‪ .‬نظر لها الشيخ ضاح ًكا‪ ،‬ث َّم قال‪:‬‬
‫ـ خًلص خًلص إقعدي‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫نيكوابر‬
‫جلست روفيدا بجواره ‪ ،‬وضع يده علي رأسها‪ ،‬وأخذ يقرأ‬
‫بعض اآليات‪ ،‬أقترب منها أكثر‪ ،‬حاول أن يتحرش بها‬
‫فصرخت‪ ،‬فرح األهل وقالوا هاهو الجن سيخرج‪ ،‬أكملت‬
‫الصراخ‪ ،‬وهو يكتف يدها ويلتصق بها برقت عيناها عندما‬
‫وضع يده علي فمها‪ ،‬لم يعد هناك ملجأ إال هللا‪ ،‬أخذت تقرأ‬
‫بعض اآليات التي علمها لها وحيد وأولهم آية الكرسي‪،‬‬
‫أبعدت يده بأعجوبة عنها‪ ،‬وأعلت وتيرة صوتها وهي ترتل‬
‫علَى مل ِك سلَي َمانَ َو َما َكفَ َر‬ ‫اطين َ‬ ‫" َوات َّ َبعوا َما تَتلوا ال َّ‬
‫ش َي ِ‬
‫سِح َر َو َما‬ ‫اس ال ّ‬ ‫اطينَ َكفَروا يعَ ِلّمونَ النَّ َ‬ ‫سلَي َمان َولَ ِك َّن ال َّ‬
‫شيَ ِ‬
‫ان ِمن أ َ َح ٍد‬ ‫علَى ال َملَكَي ِن ِببَا ِب َل َهاروتَ َو َماروتَ َو َما يعَ ِلّ َم ِ‬ ‫أن ِز َل َ‬
‫وال ِإنَّ َما نَحن فِتنَة فَ ًَل تَكفر فَ َيت َ َعلَّمونَ ِمنه َما َما‬ ‫َحتَّى َيق َ‬
‫َارينَ بِ ِه ِمن أ َ َح ٍد إِ َّال‬ ‫يفَ ِ ّرقونَ بِ ِه بَينَ ال َمر ِء َو َزو ِج ِه َو َما هم بِض ِ ّ‬
‫ع ِلموا لَ َم ِن‬ ‫اَللِ َويَتَعَلَّمونَ َما َيضرهم َو َال يَنفَعهم َولَقَد َ‬ ‫ِب ِإذ ِن َّ‬
‫س َما ش ََروا ِب ِه‬ ‫اشت َ َراه َما لَه ِفي اآلَ ِخ َر ِة ِمن َخ ًَل ٍ‬
‫ق َولَ ِبئ َ‬
‫سهم لَو كَانوا يَعلَمونَ "‪ .‬ركل محمد الباب ودخل‪ ،‬هرولت‬ ‫أَنف َ‬
‫عليه روفيدا واختبأت خلف ظهره‪ ،‬كاد يدب شجار بين‬
‫والدها وبينه‪ ،‬حتى أهتدى تفكيره لشيء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـ معلش يا أبو وحيد‪ ،‬أنا قلت أدخل أساعد الشيخ بس‪ ،‬أصل‬
‫لقيته مش قادر يكتفها لوحده‪.‬‬
‫رد الشيخ‪:‬‬
‫ـ خير يا جماعة خير‪ ،‬هي بقت كويسة‪ ،‬هقولكم شوية‬
‫حاجات تعملوها‪ ،‬ثم أخرج من جيبه ورقة‪ ،‬وكتب لهم بعض‬
‫األعشاب من عند العطار‪.‬‬
‫ثم طلب منهم أن يتركوه وحده بالغرفة‪ .‬أغلق الباب وبدأ في‬
‫كتابة كلمات غريبة باللون األحمر‪ ،‬علي بعض األوراق ثم‬

‫‪154‬‬
‫نيكوابر‬
‫شق الورق ونادي والدها‪ .‬دخل والد روفيدا بعد أن أرسل‬
‫أحد أطفال الشارع ليحضر له األعشاب من العطار‪ ،‬أعطاه‬
‫الرجل الورق وقال له‪:‬‬
‫ـ الورق ده تحرقه وتبخرها بيه‪ ،‬واألعشاب تبخر بيها البيت‬
‫كله‪ ،‬وتكتب آية الكرسي علي بطنها بالقلم ده‪ ،‬وتقعد أربعين‬
‫يوم ما تلمسش المية‪ ،‬وإيدك علي ألف جنيه بالصًلة علي‬
‫النبي كده‪ ،‬بنتك كان عليها قبيلة بحالها‪.‬‬
‫ـ ألف جنيه!!‬
‫ـ طيب علشان خاطر إنت شكلك غلبان‪ ،‬هخليهم تسعمية‬
‫جنيه ولو إتكلمت تاني‪ ،‬هسيبهم يرجعولك‪.‬‬
‫ـ ال يا سيدي أتفضل‪.‬‬
‫محمد أخذ روفيدا من يدها للصالة وأجلسها وأقترب منها‬
‫ً‬
‫محاوال أن يهدأها‪ ،‬ووالدها بدأ في تكملة‬ ‫وهو يتحدث بلين‬
‫طقوس السحر بنفسه‪ ،‬رائحة العشب جعلته يضع يده علي‬
‫أنفه والجميع فر خارج البيت‪.‬‬
‫تبكي روفيدا بحرقة‪ ،‬وال تستطيع أن تقول لمحمد شيء‪ ،‬قال‬
‫لها في حنو‪:‬‬
‫ـ ما تعيطيش بقي‪ ،‬أنا واحد صاحبي قالي علي شيخ كويس‪،‬‬
‫هاخدك بكرة نروحله إيه رأيك؟ بس سر بينا ماشي‪.‬‬
‫أومأت رأسها بالموافقة‪ .‬دخلت والدتها بعد دقائق وأخذتها‬
‫لتكمل عليها باقي الشعائر‪ ،‬نظر لها محمد وغمز لها أن‬
‫إتفقنا‪ ،‬ابتسمت له ودخلت غرفتها‪ .‬استلقت علي السرير‬
‫بمساعدة والدتها‪ ،‬التي بدأت في حرق الورق وتبخيرها‪،‬‬
‫وبعد انتهاءها طلبت منها أن تقوم بقلب مًلبسها الداخلية‬

‫‪155‬‬
‫نيكوابر‬
‫وتلبسها مجددًا‪ ،‬وأحضرت شبكة صياد قديمة ووضعتها‬
‫بجوارها‪ .‬تعجبت روفيدا مما يحدث‪ ،‬وسألتها‪:‬‬
‫ـ ليه كل ده يا أمي؟!‬
‫ردحاتم وهو يضحك‪:‬‬
‫ـ علشان لما تبلبطي بعيد يصطادوك‪ ،‬قولي ألمك تحط مع‬
‫الشبكة رغيف عيش علشان تلم السمك هاهاااي‪.‬‬
‫ضحك حاتم بشدة ثم أكمل‪:‬‬
‫ـ إلحقي إلحقي‪ ،‬دي جابت زهرة من بتاعة الهدوم‪ ،‬هتعمل‬
‫خمسات علي وشك دلوقتى‪ ،‬زهرة ياسنية‪ .‬ده إنتي هتشوفي‬
‫بًلوي يا فيفي‪.‬‬
‫روفيدا تسمع كلمات حاتم‪ ،‬وال تستطيع أن تتكلم‪ ،‬باتت تخاف‬
‫من كل شيء‪ ،‬تؤجل الضحك واألسئلة لحين خروج والدتها‪.‬‬
‫بعد برهة سألت أمها مجددًا‪:‬‬
‫ـ عايزاني أقلب هدومي ليه؟‬
‫ـ علشان لو عين صابتك تتقلب علي إلي حسدك‪.‬‬
‫ضحك حاتم مجددًا‪:‬‬
‫ت مسخرة يا سنية وربنا‪ ،‬هاتي كمان ورقة وخزقي‬ ‫ـ إن ِ‬
‫العنين والمناخير‪.‬‬
‫بعد انتهاء والدتها من إكمال أعمال الشعوذة لهذا الساحر‪،‬‬
‫وكتابة بعض اآليات القرآنية مستعينة بجارة لهم تجيد‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬تركتها لترتاح وخرجت‪ .‬رفعت روفيدا‬

‫‪156‬‬
‫نيكوابر‬
‫قطعة القماش الموضوعة فوق الكرتونة‪ ،‬وأخذت البيضة‬
‫بين أصابعها‪ ،‬وأخذت تتحدث مع حاتم‪:‬‬
‫ـ هو أنت مش هتبطل عمايلك دي؟‬
‫ـ أعمل إيه بس‪ ،‬ما أنتوا ناس فظاع‪.‬‬
‫زفرت روفيدا بضيق وكأنها تعاتبه ثم أكملت حديثها‪:‬‬
‫ـ طيب ما هو الراجل ماسألنيش عن إسم أمي أهو‪.‬‬
‫ساخرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫رد حاتم‬
‫ـ وهيسألك ليه وأبوك قاله كل حاجة‪.‬‬
‫ـ طيب ممكن تفهمني بقي إلي حصل ده؟؟‬
‫أوال األعشاب إلي ريحتها مقرفة دي‪ ،‬إلي‬ ‫ـ بصي يا ستي‪ً ،‬‬
‫أبوك قلب معدتنا بيها‪ ،‬دى بتطفش المًليكة‪ ،‬ده لو كان فيه‬
‫ِ‬
‫أصًل ‪ ،‬وكل الخزعبًلت دي حاجات بيعملها للجن إلي‬ ‫ً‬ ‫مًليكة‬
‫بيخدمه الورق إلي إتبخرتي بيه ده كان طًلسم وبعدين قرآن‬
‫إيه إلي يتكتب علي الجسم‪ ،‬بكرة يطلبوا منكم تكتبوه علي‬
‫عورتكم أو تحطوه تحت رجليكم‪ ،‬حجة ألي حاجة والناس‬
‫هتكون منقادة ورا الساحر وتعمل إلّي هو عايزه‪ .‬تعرفي‬
‫ياروفيدا إن فيه سحرة بيخلوا بعض الناس‪ ،‬تكتب القرآن‬
‫علي مًلبسهم الداخلية فيه كفر أكتر من كده؟‬
‫قالت بنبرات مرتعشة‪:‬‬
‫ـ طيب أنا أعرف الساحر من الشيخ إزاي؟ ما كلهم بيقرأو‬
‫قرآن وبدقون‪ ،‬محمد هياخدني لشيخ بكرة ومش عايزة‬
‫أروح‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ ما تروحيش ياكش يولع‪.‬‬
‫ـ بتقول إيه؟‬
‫ـ بقولك روحي ليزعل‪.‬‬
‫صمتت روفيدا لثوان‪ ،‬وكررت سؤالها‪:‬‬
‫ـ طيب قولي بقي أفرق إزاي؟!‬
‫ـ بصي لو روحتي لواحد وسألك عن إسمك وإسم أمك‪ ،‬أو حد‬
‫من أهلك راحوله وقالهم عايز " أتر" فيه عرقك‪ ،‬زي‬
‫فستان فانلة إيشارب‪ ،‬أي حاجة من هدوم أو حاجاتك‪ .‬لو‬
‫طلب حيوان بصفات معينة‪ ،‬علشان يدبحه‪ ،‬وعلي فكرة مش‬
‫بيسمي عليه‪ ،‬وممكن يحط الدم ده على األماكن إلي بتوجعك‪،‬‬
‫وده بيكون قربان للجن‪ .‬الطًلسم الغريبة والحاجات إلي أمك‬
‫بخرتك بيها‪ ،‬ويقعد يقول كًلم غريب مش مفهوم‪ ،‬أو يديكي‬
‫حجاب فيه حروف ومربعات غريبة‪ ،‬أو يقولك الزم تقعدي‬
‫في مكان بعيد عن الناس ماتدخلهوش الشمس الناس بتقول‬
‫عليها الحجبة أو ماتلمسيش المية لمدة معينه‪ ،‬أو يدي أهلك‬
‫حاجة تدفنيها في األرض‪ ،‬وعلي فكرة ممكن يعرف كل شيء‬
‫عنك من غير ما تقولي‪ ،‬وده عن طريق القرين زي ما أنتي‬
‫فاهمة‪.‬‬
‫صمتت روفيدا لبرهة‪ ،‬وأخذت تفكر فيما حدث لها‪ ،‬وبعد‬
‫حديث طويل بينها وبين نفسها سألته‪:‬‬
‫ـ الراجل ده لما قرأ عليا جسمي إتهز ً‬
‫فعًل‪ ،‬وحسيت إني‬
‫هقع‪ ،‬ده معناه إيه؟‬
‫حاتم يتحدث كلمتين ويضحك‪ ،‬ولكن عندما شعر بغضب‬
‫روفيدا‪ ،‬أكمل بجدية‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ أي حد يا فيفي بيركز كل تفكيره في حاجة لمدة معينة‪،‬‬
‫هيحصله كده‪ ،‬جربي كده بصي للسقف لمدة عشر دقايق‪،‬‬
‫هتًلقي عينيكي زغللت‪.‬‬
‫إستلقت روفيدا علي السرير‪ ،‬ووجهت نظرها نحو سلك‬
‫يتدلي بجانب الحائط‪ ،‬وبعد دقائق لم تستطع أن تكمل‪ ،‬وجهت‬
‫حديثها لحاتم قائلة‪:‬‬
‫ـ عندك حق ً‬
‫فعًل ما قدرتش‪ ،‬طيب وإلي بياخدوا فلوس دول‬
‫سحر برده؟‬
‫ـ ال مش شرط‪ ،‬فيه شيوخ بتاخد‪ ،‬بس إلي بيطلب مبالغ‬
‫كبيرة بيتاجر بآيات ربنا وعذابه عظيم يوم القيامة‪ ،‬وفيه‬
‫شيوخ بتقرأ قرآن علي مية‪ ،‬وتقولك إشربيها أو إستحمي‬
‫بيها‪ ،‬ده عادي برده‪ ،‬بس أهم شيء ماتدلقش في الحمام بعد‬
‫ما الشخص يستحمى بيها‪ ،‬يرشها جنب حيط‪.‬‬
‫سارت المحادثة بينهم قرابة النصف ساعة علي هذا‬
‫الموضوع وبعد انتهائهم قررت روفيدا الذهاب لغرفة وحيد‪،‬‬
‫كسارق يتخفي عن األنظار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أخذت المفتاح وذهبت لغرفته‬
‫ب يبحث عن ملجأ‪ ،‬أراحت رأسها علي‬ ‫دخلت الغرفة بقل ٍ‬
‫الباب لبرهة‪ ،‬وهي تضع يدها علي قلبها لتطمئن دقاتها التي‬
‫تصرخ‪ .‬الغرفة قد زارها بعد العناكب‪ ،‬واستولوا عليها‬
‫بوضع اليد‪ ،‬بيوتهم بكل مكان‪ .‬روفيدا تتجول بنظرها في‬
‫الغرفة‪ ،‬التي أصبحت كنهر مياهه راقدة‪ ،‬يريد بعض األحجار‬
‫تقذف به فجأة لتحركه وتداعبه‪ .‬كتبت بأصابعها علي األتربة‬
‫التي إغتالت كل الكتب واألرفف بدون وجه حق وحيد وعلي‬
‫أخرى وحيدة‪ .‬لم ترفع إصبعها من علي مكتبه‪ ،‬وهي تمشي‬

‫‪159‬‬
‫نيكوابر‬
‫وتتلكأ في خطوتها‪ ،‬ليشكل خط طويل كتبت بنهايته "مثلك‬
‫أنا"‪.‬‬
‫لفت انتباهها أجندة صغيرة‪ ،‬التقطتها وجلست بزاوية الغرفة‬
‫كقطة خائفة انتصب شعر جسدها من الزعر ووقفت ترتجف؛‬
‫بعد دقائق من الصمت والدموع المنهمرة بسبب أشياء‬
‫كثيرة‪ ،‬تسللت أصابعها وفتحت األجندة علي أول صفحاتها‪.‬‬
‫يومياتي‪..‬‬
‫القصة رقم ‪029‬‬
‫اليوم ذهبت مع صديق لي لشيخ كبير بإحدى القرى‪ ،‬كان‬
‫يصرخ عندما يسمع القرآن‪ ،‬يتلوي علي األرض وهو واضع‬
‫رأسه بين منكبيه كوضع الجنين‪ ،‬ال يستطيع الصًلة‪ ،‬ما إن‬
‫يقول المسجد هللا أكبر؛ حتى يرتجف جسده وكأن يلبس رداء‬
‫من جليد‪ ،‬يفقد الوعي‪ ،‬بعد إفاقته ال يتذكر شيء مما حدث‪.‬‬
‫ذهبنا لبيت أحد الشيوخ‪ ،‬عند وصولنا لتلك البلدة‪ ،‬كان هناك‬
‫كثير من األشخاص علي قارعة الطريق‪ ،‬أقترب منا الكثير‪،‬‬
‫وكل شخص يريد أن يقدم لنا المساعدة بترحيب وود‪ ،‬أنشرح‬
‫صدرنا مما حدث وركبنا توكتوك ليقلّنا‪ .‬بعد عدة دقائق‪ ،‬قال‬
‫لنا السائق‪:‬‬
‫ـ مين فيكم الملبوس؟‬
‫نظرنا لبعضنا البعض ونحن في ذهو ٍل‪ ،‬فقد صعقنا سؤاله‪.‬‬
‫نظر لنا السائق مجددا ً في المرآة‪ ،‬وهو يضحك‪:‬‬
‫ـ ما تخافوش أنا مش زي الصبيان بتوعهم إلي علي كوبري‬
‫البلد‪.‬‬
‫قلنا بصوت واحد‪ ..‬صبيااان؟؟‬

‫‪161‬‬
‫نيكوابر‬
‫أومأ الرجل رأسه قائًلً‪:‬‬
‫ـ أيوه‪ ،‬الناس إلي إتلمت حواليكم‪ ،‬دول كلهم بًل إستثناء‬
‫شغالين مع السحرة‪ ،‬بياخدوا الشخص علي عماه ويقعدوا‬
‫يسألوه أسئلة كتيرة ويبلغوها للساحر‪ ،‬فأنت أول ما تدخل‬
‫يقولك كل إلي وصله من الصبي بتاعه فتنبهر بيه‪ ،‬وتحس‬
‫إنه إنسان خارق‪ ،‬بيعرف كل حاجة وبكده تديه كل إلي هو‬
‫عايزه‪.‬‬
‫بعد إنتهاء السائق سألنا من أين نحن‪ ،‬علوان‪ ،‬صديقي كان‬
‫سيخبره‪ ،‬ولكني لكزته فصمت‪ ،‬تحدثت أنا وأخبرت الرجل‬
‫عن الكثير‪ ،‬أتحدث وعلوان ينظر لي غير مصدق‪ ،‬فأنا لم‬
‫أكذب من قبل ولكن بنظري بعض المواقف تستحق الكذب‪.‬‬
‫بعد عدة دقائق أشار لنا السائق علي بيت بوسط األراضي‬
‫الزراعية‪ ،‬سلكنا الطريق الذي ال يخلو من نقيق الضفادع‪،‬‬
‫وصوت صراصير الحقل وجدنا بنهايته بيت قديم‪ ،‬بابه‬
‫الخشبي به مقبض علي هيئة كف‪ ،‬طرقنا الباب ففتح وحده‪،‬‬
‫استدرنا بظهرنا للخلف ورمينا السًلم‪:‬‬
‫ـ السًلم عليكم‪.‬‬
‫ـ وعليكم السًلم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬
‫الرد جاء من رجل عجوز يجلس بالركن األيمن من الباب‪.‬‬
‫أشار لنا بيده أن ندخل وبعد دخولنا نظر لنا بصمت وطلب منا‬
‫الجلوس علي أريكة قريبة من الباب‪ ،‬نهض من مقعده متجها ً‬
‫نحوي وبدأ في سرد ما قلته للسائق‪ ،‬تصنعت التصديق ألري‬
‫ما الذي يحويه هذا البيت‪ .‬بدأ بإلقاء بعض العزائم‪ ،‬وأخذ‬
‫بعض من المواد الكيماوية التي تشتعل فوق سطح الماء‪،‬‬
‫وألقاها وهو يصرخ ببعض الكلمات في إناء كبير من‬

‫‪161‬‬
‫نيكوابر‬
‫األلومنيوم‪ ،‬وبعد انتهائه تنهد وأخبرنا بأن العمل قد أحضره‬
‫الجن وحرقوه وطلب مني خمسمائة جنيها ً‪ .‬قلت له مبتسما ً‪:‬‬
‫ـ طلباتك أوامر يا شيخنا‪ ،‬بس هكلم حد مستنينا بره معاه‬
‫الفلوس ييجي‪.‬‬
‫رفعت هاتفي‪ ،‬وإتصلت بذلك السائق الذي لم أنس أخذ رقم‬
‫هاتفه قبل النزول‪ ،‬دقائق ووصل‪ ،‬بعد دخوله البيت طلبت‬
‫منه أن يغلق الباب‪ .‬كان هناك عصاة خشبية تشبه عصاة‬
‫جدي رحمه هللا معلقة علي الحائط‪ ،‬شعرت بأنها تناديني‬
‫قائلة‪ :‬لم أستخدم منذ زمن وطلبت مني أن أقبض عليها بيدي‬
‫فلم أمانع‪ .‬جذبتها مشفقا ً وقلت بسري‪:‬‬
‫ـ العصا لمن عصا وتعصعصا‪.‬‬
‫مقولة كان يقولها لنا الشيخ بالكتاب‪ ،‬عندما نخطئ بتًلوة‬
‫آية‪ ،‬ال أدري من أين عرفها ولكني أحبها وها هو وقتها‪.‬‬
‫أنهلت عليهم بالضرب‪ ،‬وأتلفت كل البيت وخرجت مع‬
‫صديقي نضحك مما حدث‪ .‬كانت هذه بدايتي في البحث‬
‫والمعرفة عن كيفية عًلج من صرعهم الجن‪.‬‬
‫سمعت روفيدا صوت جلبة بالخارج‪ ،‬فغادرت غرفة وحيد‬
‫سريعا ً وأغلقت الباب واتجهت لغرفتها لتنام‪.‬‬
‫مضي اليوم وأتي محمد باليوم التالي‪ ،‬بعد أن قام حريق آخر‬
‫ببيت أحد كبار العزبة‪ .‬كان رجل يجمع محاصيل البطاطس‬
‫من كل القرى ويبيعه بالسوق السوداء‪ ،‬وها هي القرية نالت‬
‫البطاطس مشوية بدون تعب‪ .‬كان الوقت قد تأخر عندما دخل‬
‫ليصطحبها‪ ،‬أستأذن والدها وأخبره بما سيحدث وبعد‬
‫محايًلت كثيرة وافق‪ .‬دخلت روفيدا لتبدل مًلبسها‪ ،‬وأخرجت‬

‫‪162‬‬
‫نيكوابر‬
‫حجاب من دوالب والدتها وانتقت مًلبس واسعة‪ ،‬حاتم ال‬
‫يستطيع رؤيتها‪ ،‬ألنها قالت بسم هللا قبل أن تبدل مًلبسها‪،‬‬
‫وقالت آية الكرسي بسرها حاول أن يؤخرها ليحدث بينها‬
‫وبين خطيبها مشكلة‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫ـ عارفة خطيبك إتأخر عليك ليه؟‬
‫ـ لما أخرج هسأله‪ ،‬الغايب حجته معاه‪.‬‬
‫ـ أنا ممكن أقولك‪.‬‬
‫جلست روفيدا علي طرف السرير والفضول بمحاذاتها‪ ،‬ثم‬
‫طلبت منه أن يقص عليها ما حدث‪ ،‬بدأ حاتم في سرد كل‬
‫شيء‪ .‬نادها محمد مرات‪ ،‬وهي تتحجج بعدم إكمالها‬
‫لمًلبسها بعد‪ .‬خرجت بعد فترة ليست بطويلة‪ ،‬سلكوا‬
‫طريقهم باتجاه بلدة أخرى‪ ،‬ركبوا أحد المواصًلت ونزلوا‬
‫عند بداية القرية الموجود بها الشيخ‪ ،‬العشاء قد أذنت منذ‬
‫أكثر من ساعة‪ ،‬أوقف محمد أحد المارة‪ ،‬وسأله عن البيت‬
‫فشرح له الطريق‪ ،‬روفيدا ال تتحدث‪ ،‬حاول محمد أن يشرح‬
‫موقفه فقال‪:‬‬
‫ـ أنا عارف إنك زعًلنة علشان أتأخرت بس الحريقة إلي‬
‫حصلت دي هي السبب‪ ،‬وحصل موقف كده هحكيلك عليه‪.‬‬
‫قالت له بغيظ‪:‬‬
‫ـ موضوع التعابين إلي أخرك صح؟‬
‫ـ أنت عرفتي؟!‬
‫ـ أيوه عرفت‪ ،‬وعلي فكرة الراجل إلي أنت دخلته بيوت‬
‫العزبة كلها‪ ،‬ده ساحر‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫نيكوابر‬
‫رد عليها ساخطا ً‪:‬‬
‫ـ ساحر!!‬
‫ـ أيوه ساحر‪ ،‬الناس دي بتقرأ عزيمة إسمها العزيمة‬
‫الرفاعية‪ ،‬بيستعين بالجن بيها ودي عزايم كفرية‪ ،‬وبيعمل‬
‫حاجة من تًلت حاجات‪ ،‬يا الجن يقوله إن فيه تعبان في‬
‫البيت فيدخل ويقول ألصحاب البيت إن فيه تعبان‪ ،‬وهو ممكن‬
‫يخرجه مقابل فلوس‪ ،‬ويقعد يتمتم ويقول كًلم غريب‬
‫وطًلسم فيروح الجن يجيب التعبان من مكانه قدام كل‬
‫الناس‪ ..‬أو يكون البيت أصًلً مافيهوش تعبان‪ ،‬والراجل‬
‫يكون معاه حبل أو عصا حاطه حوالين وسطه ويقعد يعمل‬
‫حركات لحد ما تقع علي األرض بخفة من غير ماحد يشوفه‪،‬‬
‫فيتخيل للناس عن طريق السحر إنها تعبان‪ ،‬وده إسمه سحر‬
‫التخيل‪ ،‬زي ما حصل في قصة سيدنا موسي‪" .‬قَالوا يَا‬
‫سى ِإمَّا أَن تل ِق َي َو ِإمَّا أَن نَكونَ أَوَّ َل َمن أَلقَى‪ .‬قَا َل بَل أَلقوا‬
‫مو َ‬
‫سح ِر ِهم أَنَّ َها تَسعَى‪".‬‬‫فَ ِإذَا ِحبَالهم َو ِع ِصيهم ي َخيَّل إِلَي ِه ِمن ِ‬
‫وساعات بيكون معاه تعبان غير سام حاطه في هدومه بردوا‬
‫ويقعد يتنطط ويوقعه قدام الناس‪ .‬أو الجن بنفسه يتشكل في‬
‫هيئة تعبان ويخرج للناس‪ ،‬وطبعا ً الراجل إلي بيعمل كده‬
‫بيشترط علي أهل البيت إنه هياخد التعبان معاه‪ ،‬وقال إيه إنه‬
‫هيخلع سنته علشان مايكونش سام‪ .‬ده إلي بيحصل‪ ،‬شفت‬
‫بقي؟‬
‫نكس محمد رأسه في األرض خجًلً‪ ،‬وحاول أن يغير‬
‫الموضوع‪ ،‬فحكى لها موقف حدث اليوم أيضاً‪ ،‬بدأ الحديث‬
‫معها قائًلً‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ تعرفي حصل النهاردة حاجة غريبة كمان‪ ،‬صبحي كان‬
‫حكالي علي واحد تاجر وقالي إنه بيسرق الناس في الميزان‪،‬‬
‫الراجل ده شوفته النهاردة بعد ما صليت الفجر‪ ،‬كان ماشي‬
‫يتسحب في حارة ورا بيتنا‪ ،‬بصراحة قلقت منه ومشيت‬
‫وراه‪ ،‬علشان أشوفه بيعمل إيه‪ ،‬لقيته خبط علي بيت وحط‬
‫ظرف ومشي‪ .‬راجل كبير جدا ً في السن فتح الباب وبص‬
‫علي األرض‪ ،‬زي ما يكون كان مستني الظرف ده‪ ،‬فتحه‬
‫وطلع منه فلوس وقعد يبوس فيهم ويبص للسما ويبكي‪.‬‬
‫الراجل التاجر ده‪ ،‬كان واقف علي أول الشارع بيراقب‬
‫الراجل العجوز ومبتسم‪ ،‬لمحني وأنا ببص عليه فمشي‬
‫بسرعة‪ .‬ناديت عليه فوقف‪ ،‬إتكلمت معاه كتير وقلتله مادام‬
‫إنت بتعمل خير كده ليه بتسرق في الميزان وبتضيع أجرك؟‬
‫فقالي إنه عمره ما سرق في الميزان‪ ،‬والناس علشان ربنا‬
‫كرمه فجأة طلعوا عليه كده‪ ،‬وقالي علي السر إلي خلي‬
‫تجارته حصل فيها كده‪.‬‬
‫قالت روفيدا بلهفة‪:‬‬
‫ـ إيه هو؟؟‬
‫ـ سحر ياروفيدا‪.‬‬
‫نظرت له في جزع غير مصدقه وهي تتساءل في صمت‪:‬‬
‫ـ هل كل الدنيا أصبحت تتعامل بالسحر والشعوذة؟!‬
‫طال صمتها فأكمل‪:‬‬
‫ـ مش مصدقه‪ ،‬طيب تعرفي إن الجنيه بعشرة على طول‪،‬‬
‫وعمل ده من أول يوم أشتغل فيه‪ ،‬خصص جزء معين من‬

‫‪165‬‬
‫نيكوابر‬
‫فلوس التجارة‪ ،‬وكل يوم قبل ما يروح يزود فلوسه لليوم إلي‬
‫بعده‪.‬‬
‫سألته روفيدا‪:‬‬
‫ـ طيب ماقالش مين إلي كان بيعمله الموضوع ده؟‬
‫ـ ال قال‪ ..‬ربنا‪ ،‬كل يوم كان بيتصدق من فلوس تجارته‪،‬‬
‫وربنا باركله في شغله وغناه‪ ،‬الجنيه بعشرة أمثاله‪ ،‬ده غير‬
‫دعوات الناس وفرحتهم وبكاهم‪ ،‬لما يتفك كربهم شوفي إحنا‬
‫بنظلم إزاي‪ ،‬ونتكلم في سمعة الناس وأعراضهم‪ ،‬وإحنا ما‬
‫بنعملش خير ربع إلي بيعملوه‪.‬‬
‫نظرت له طويًلً‪ ،‬وعبثت أصابعها بأهداب الفستان‪ ،‬ولم‬
‫تنبس بكلمة‪ .‬الطريق الذي وصفه الرجل طويل جداً‪ ،‬وبه‬
‫أراضي زراعية علي الجانبين‪ ،‬مشوا في إلتواءات الطريق‬
‫وهم يكملون الحديث بمثل هذه المواضيع حتى وصلوا لمكان‬
‫ليس به أحد‪ .‬وقف محمد يتأفأف وينظر حوله في كل مكان‪،‬‬
‫حتى لمح بغل "وهو خليط من الحصان والحمار" يقف أمام‬
‫أحد األراضي فهرول تجاهه‪ .‬وهو يجذب روفيدا معه‪ ،‬سألته‬
‫لماذا يسرع خطواته؟‬
‫فقال لها‪:‬‬
‫ـ أكيد فيه حد في األرض دي‪ ،‬ورابط البغل ده بره‪ ،‬أنا‬
‫حاسس إننا تهنا هسأله علي بيت الشيخ ده‪.‬‬
‫طالت وقفتهم‪ ،‬ولم يخرج أحد من األرض‪ ،‬وال زال البغل‬
‫واقف بمكانه‪ ،‬لم يكن مقيد بشيء ‪ ،‬يخبط بقدمه كل برهة‬
‫ويهز ذيله‪ ،‬نادى محمد على الرجل عدة مرات وصفق بيده‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ يالي هنا‪ ،‬ياحاج يالي البغل بتاعك واقف قدام األرض ممكن‬
‫كلمة‪.‬‬
‫لم يرد عليه أحد‪ ،‬فوضع يده علي ظهر البغل‪ ،‬وهو يتأفف‬
‫ويحدث نفسه‪.‬‬
‫ـ الراجل ده بيعمل إيه جوه كله ده؟!‬
‫لف البغل رأسه ونظر لمحمد‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ بيلبي نداء الطبيعة ياخويا‪ ،‬إيه بًلااش؟‬
‫رفع محمد يده غير مصدق أنه سمع شيء‪ ،‬لكز روفيدا‬
‫بكوعه ليسألها إن كانت سمعت شيء ‪،‬فوجدها تضحك‪ ،‬لم‬
‫يلبث أن نظر مرة أخري تجاه البغل‪ ،‬حتى وجد هيأته تغيرت‬
‫ليصبح بحجم البيت‪ ،‬رفع جلبابه بيده وركض‪ .‬نظرت له‬
‫روفيدا وهو يختفي عن نظرها والتفتت مرة أخري لتجد‬
‫نفسها تقف أمام الجن وحيدة‪ ،‬أغمضت عينيها لثوان غير‬
‫مستوعبة ما حدث‪ ،‬ثم تمتمت محدثة نفسها بحزن‪:‬‬
‫ـ ده سابني ومشي‪ ،‬ما خافش عليا ‪،‬وال حاول يحميني‪.‬‬
‫ليرد عليها الجن‪:‬‬
‫ـ أه واطي أوي‪ ،‬لو منك أرميله دبلته في وشه وال أعرفه‬
‫تاني‪ ..‬ميسم‪ ..‬رجالة أخر زمن‪.‬‬
‫قالت روفيدا سريعا ً بغضب‪ ،‬وهي تزجره‪:‬‬
‫ـ تعرف تسكت إنت خالص‪.‬‬
‫تقلص جسده مجدداً‪ ،‬ثم صفعها علي مؤخرة رأسها بساقه‬
‫األمامية‪ .‬برقت عيناها من كثرة الغضب‪ ،‬وقالت له‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ بتضربني ليه دلوقتى؟‬
‫ـ قفاكي شتمني‪.‬‬
‫هنا دفعته روفيدا بعيدا ً عنها بعنف‪ ،‬فقال لها بإستغراب‪:‬‬
‫ـ هللا هللا ‪ ،‬واضح جدا ً إنك مش خايفة مني‪.‬‬
‫قالت له وهي تقبض يدها لتلكمه بأي وقت‪:‬‬
‫ـ وأخاف منك ليه‪ ،‬أوالً ما تقدرش تأذيني‪ ،‬ألني محصنة‬
‫نفسي‪ ،‬وثانيا ً أنا ممكن أقرأ آية الكرسي عليك دلوقتى‬
‫أحرقك‪ ،‬ألنك عارف إن ما ينفعش تأذي إنسي ماعملكش‬
‫حاجة‪ ،‬وكمان إنك تظهرله كده‪ ،‬هو مش ربنا خلقكم مخفين‪،‬‬
‫ليه تتشكل بقي وتخوف الناس‪ ،‬وبعدين أنا بصلي وبصوم‪.‬‬
‫قال لها بسخرية‪:‬‬
‫ـ عادي ما إحنا ممكن نأذي إلي بيصلي وبيصوم‪ ،‬البًلء مش‬
‫الزم بسبب معصية ممكن يكون تذكرة تكوني في غفلة يعني‪،‬‬
‫وده بيكون تنبيه‪ ،‬وبعدين ليه بس مش بتخافى‪ ،‬إنتي شكلك‬
‫أمك ماكانتش بتخوفك بينا وإنتي صغيرة‪.‬‬
‫هنا نظرت روفيدا له بدهشة‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫ـ أمي!!‬
‫أكمل‪:‬‬
‫ـ هقولك‪ ،‬بس متأذنيش‪.‬‬
‫ت صح؟‬
‫ـ يعني إنت عارف إن حًلل قتلك دلوق ِ‬
‫نكس رأسه خيبة باألرض وصمت‪ .‬لوحت روفيدا بيدها‬
‫قائلة‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ مالك سكت يعني‪ ..‬اممم طيب كمل خًلص إتفقنا مش‬
‫هأذيك‪.‬‬
‫نظر لها فرحاً‪ ،‬وبدأ حديثه قائًلً‪:‬‬
‫ـ معظم األمهات واألهل بيخوفوا أطفالهم بينا‪ ،‬من غير ما‬
‫ياخدوا بالهم‪ ،‬زي هتنام وال أجيبلك أمنا الغولة‪ ،‬لو طلعت‬
‫بره أبو رجل مسلوخة هياكلك‪ ،‬يعملوا حركات مضحكة‪ ،‬أو‬
‫يلبسوا وشوش ويقولوا عفريييت‪ ،‬وده إلي بيخلي الخوف‬
‫مننا راسخ في قلوب األشخاص من وهما صغيرين‪ ،‬فتًلقي‬
‫راجل زي خطيبك ده‪ ،‬وعذرا ً لكلمة راجل إلي مايشبهاش‬
‫أصًلً‪ ،‬المهم أول مايشوفنا يجري ويصوت كده زي الحريم‪.‬‬
‫قالت له بنبرة ودودة‪:‬‬
‫ـ طيب ممكن ماتعملش الحركات دي تاني وتخوف الناس‪.‬‬
‫أخذ يصيح ويبكي‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫ـ أنا أسف ‪ ،‬بس هما السبب‪.‬‬
‫ـ هما مين؟‬
‫ـ الناس‪ ،‬المكان ده فيه واحد مات مقتول‪ ،‬وأنا كنت القرين‬
‫بتاعه‪ ،‬وبصراحة لما لقيتهم بيخافوا من المنطقة دي بالذات‪،‬‬
‫ويمشوا مرعوبين ويقولوا فيه هنا عفريت‪ ،‬قلت أما أتسلى‪،‬‬
‫ساعات أطلع بشكل الراجل إلي كنت القرين بتاعه‪ ،‬وبصوته‪،‬‬
‫وساعات أتشكل في أي شيء تاني‪ ،‬وأضحك بقي لما يجروا‬
‫‪ ،‬بشوف حاجات تهلك من الضحك‪.‬‬
‫سألته روفيدا‪ ،‬وهي تنظر حولها بحثا ً عن طريق عودتها‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫نيكوابر‬
‫ـ هو مش كل واحد بيموت بطريقة غير طبيعية بيطلعله‬
‫عفريت؟‬
‫ـ ال طبعاً‪ ،‬العفريت ده من الجن مالوش عًلقة بيكم‪ ،‬اإلنسان‬
‫لما بيموت روحه بتطلع‪ ،‬ودي مايعرفهاش غير ربنا‪ ،‬هو‬
‫مش فيه آية في القرآن بتقول " َويَسأَلونَكَ ع َِن الروحِ ق ِل‬
‫يًل"‪ .‬لو كل‬ ‫الروح ِمن أَم ِر َر ِبّي َو َما أوتِيتم ِمنَ ال ِعل ِم ِإ َّال قَ ِل ً‬
‫واحد إتقتل بقاله عفريت‪ ،‬مش هتًلقي شبر مافيهوش‬
‫عفريت‪ ،‬شوفي الحروب بيتقتل فيها ناس قد إيه والحوادث‬
‫والحرايق‪ ،‬والحاجات دي من سنين السنين‪ ،‬أنا مروح بقي‬
‫ياآنسة عشان إنتي أحبطيني‪.‬‬
‫ـ طيب إستنى ماتزعلش‪ ،‬ممكن توصلني ألقرب موقف‪،‬‬
‫إعمل خير في دنيتك‪.‬‬
‫ـ إنتي بتحرجيني علشان عارفة إن قلبي طيب‪ ،‬ومش هقدر‬
‫أسيبك في الحتة المقطوعة دي‪ ،‬لعفريت يطلعلك وال حاجة‪.‬‬
‫قالها وهو يحرك ذيله ومؤخرته ويضحك بطريقة غريبة‪.‬‬
‫ردت عليه وهي الزالت تتجول بنظرها علي الطريق وتفكر‬
‫في رجوعها لبيتها في هذا الوقت وحدها‪:‬‬
‫ـ مثًلً يعني‪.‬‬
‫ـ طيب أنا هتشكل في شكل كلب‪ ،‬علشان أعرف أمشي جنبك‪.‬‬
‫تشكل الجن ورافقها‪ ،‬انعطف عند ناصية شارع‪ ،‬وهي تمشي‬
‫خلفه وتسرع خطوتها‪ ،‬توقف فجأة قبل مكان العربات بشارع‬
‫و أشار لها عليهم ثم ودعها بعينيه وانصرف‪.‬‬
‫جمع الركاب األجرة‪ ،‬ولم تكن روفيدا تمتلك مال‪ ،‬ولكي‬
‫تخرج نفسها من الموقف‪ ،‬أخذت تبحث داخل جيبها عن‬

‫‪171‬‬
‫نيكوابر‬
‫محفظة وصرخت‪ ،‬وكأنها ضاعت وتذكرت خطيبها عندما‬
‫تركها وحدها وهذا الموقف‪ ،‬وبكت بحرقة‪ ،‬أشفق عليها‬
‫السائق وقال لها‪:‬‬
‫عليك يا بنتي حصل خير انا مش عايز فلوس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـ ربنا يعوض‬
‫نزلت من العربة حزينة‪ ،‬سلكت الطريق لبيتها‪ ،‬الشوارع‬
‫مليئة بالرجال الذين ينظرون لها نظرات مريبة ويتهامسون‪،‬‬
‫من وسط الهمس علمت بأن حماها قد مات‪ .‬أسرعت خطوتها‬
‫وعندما وصلت البيت وجدت أهلها في انتظارها‪ .‬رآها والدها‬
‫فنهض من مجلسه‪ ،‬وأخذ طريقه إليها وهو يصرخ بوجهها‬
‫ويخبرها بما حدث‪ .‬فزعت وارتمت أرضا ً على أثر صفعة منه‬
‫وهو يكيل علي أذنيها االتهامات بأنها تريد أن تصبح خليفة‬
‫أخيها وتتعامل مع الجن ‪ ،‬أمسكته من طرف جلبابه ليرحمها‬
‫ويكف عن الضرب‪ ،‬ولكن هيهات هيهات بعد أن أفرغ غله‬
‫علي جسدها تركها‪.‬‬
‫تركها تتذكر ذلك الماضي البعيد البريء‪ ،‬ذلك المشهد الذي‬
‫ضا بعد ضربا ً مبرحا ً‬
‫كثيرا‪ ،‬كان فراق وحيد أي ً‬
‫ً‬ ‫يتكرر بذهنها‬
‫كهذا‪ .‬بكت كثيرا ً ودخلت غرفتها‪ ،‬وهي تتحامل علي جسدها‬
‫بصعوبة‪ ،‬جثت علي األرض وجذبت مفتاح‪ .‬غرفة وحيد‪،‬‬
‫وقبل أن تخرج ناداها حاتم‪:‬‬
‫ـ فيييييفي‪.‬‬
‫لم ترد عليه فيكفي ما حدث لها بسببه‪ .‬دخلت الغرفة‬
‫بشوق واستعدت لقراءة‬
‫ٍ‬ ‫وأحضرت تلك األجندة‪ ،‬واحتضنتها‬
‫باقي اليوميات‪.‬‬
‫القصة رقم ‪021‬‬

‫‪171‬‬
‫نيكوابر‬
‫شيخ بدل من‬
‫ٍ‬ ‫اليوم ذهبت للمسجد مع علوان‪ ،‬للبحث عن‬
‫هؤالء السحرة‪ ،‬ولكن هناك شيء أحزنني‪ ،‬كان هناك ستائر‬
‫تفصل بيننا وبين النساء‪ ،‬الشيوخ تقرأ (كانت جلسة كشف)‬
‫مع كل امرأة محرم‪ ،‬كي ال يمسها الشيخ‪.‬تذكرت حديث عن‬
‫الرسول‪" :‬ألن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير‬
‫له من أن يمس إمرأه ال تحل له"‪ .‬يفعل الشيخ هذا‪ ،‬ولكنه ال‬
‫ينتبه للعواقب األخرى‪.‬‬
‫ماذا لو تعرت المرأة وانكشفت عورتها‪ ،‬ماذا لو شقت‬
‫جلبابها‪ ،‬تعرى شعرها‪ ،‬انكشفت ساقها‪ .‬فًل حرج عليها فهي‬
‫ليست بوعيها‪ ،‬ولكن محارم السيدات ولو خرج المحارم‬
‫وتركوا النساء كيف سيساعدون بعضهم البعض وجميعهم‬
‫مصروعين‪ ،‬واألخريات الًلتي يجلسن للكشف‪ ،‬لربما يصبن‬
‫بالمس من كثرة الخوف والفرغ مما يرون‪ .‬يفعلون هذا‬
‫لحرمة االختًلء بالنساء ولمسهم ولكن العواقب أفظع‪ .‬إن‬
‫عالجت النساء أو الرجال بإذن هللا لن أفعل هذا‪ .‬سأعالج كل‬
‫شخص بمفرده‪ ،‬ويكون الباب مفتوح‪ ،‬سأعالج النساء من‬
‫بعيد‪ ،‬فأهم شيء معرفة اآليات التي تأذيهم‪.‬‬
‫*ملحوظة‬
‫لقد فادني هذا الشيخ بشيء مهم اليوم‪ .‬بعض الشيوخ‬
‫يطيلون الوقت بسؤالهم عن إسم الجن‪ ،‬ومحايًلت طويلة بأن‬
‫يخرج من بين أصابعه‪ ،‬خوفا ً من فقع عين الشخص أو‬
‫جرحه‪ ،‬وما هذا إال مضيعة للوقت فالجن جسده شفاف غير‬
‫مرئي‪ ،‬ولو كان بمقدرته فقع العين وجرح الجسد‪ ،‬لكنا رأينا‬
‫الدماء تسيل بعد خروجه من جسد الشخص المصروع‪.‬‬
‫***‬

‫‪172‬‬
‫نيكوابر‬
‫لم أستطع النظر لعم سمير في هذا الظًلم‪ ،‬أردت أن أقول له‪:‬‬
‫هذا ما رأيناه بالمسجد اليوم‪ ،‬جلسة الكشف هذه هي من‬
‫أعادت لي ذكري الوجع‪ ،‬ولكني أجلت الحديث لحين ركوبي‬
‫السيارة معه‪ ،‬ونكون بمفردنا‪.‬‬
‫ليتني أنا‬

‫غفت بسبب إرهاقها وألم جسدها‪ ،‬بالصباح استيقظت علي‬


‫رائحة حريق‪ .‬سرت في جسدها رعشة مفاجئة ووجدت‬
‫راحتا يديها مبللتين‪ ،‬لم تستطع التنفس‪ ،‬البيت أصبح سحابة‬
‫سوداء‪ .‬كسر أحدهم الباب عليها وأخرجها‪ ،‬تجولت بنظرها‬
‫علي البيت‪ ،‬وهي ملقاة أرضا ً أمامه‪ ،‬بات حطام‪ ،‬رماد‪.‬‬
‫كل شيء تفحم‪ ،‬بكت علي حاتم‪ ،‬تألمت علي أوراق أخيها‪،‬‬
‫التي كانت تلجأ لهم وقت الضيق‪ .‬أخذتها فرحانة‪ ،‬وأضافتها‬
‫عندهم هي وأهلها حتى يقرروا ماذا سيفعلوا‪ ،‬كان البيت‬
‫بسيط كبيتهم‪ ،‬روفيدا ذهبت مع فرح وقاسمتها غرفتها‪ ،‬أما‬
‫أبوها وأمها فذهبوا لغرفة الضيوف‪ ،‬بينما كانت تتأمل المنزل‬
‫البسيط الذي أمتلئ ببعض المقاعد الخشبية والوسائد الكبيرة‬
‫الملونة التي تشبه البيوت بالنوبة‪ ،‬سمعت شجار بالبيت؛‬
‫خرجت هي وفرحانة ففوجئت بخطيبها وحماتها يقفون‬
‫بالقرب من الباب وصوتهم عال لدرجة جعلت كل الجيران‬
‫يلتفون حولهم‪ ،‬كادت تركض وتختبئ بين أحضانه حتى‬
‫لطمتها كلماته؛ كانت تظن بأنه أتى لينتشلها من الوجع‪،‬‬
‫ليأخذها لبيته ويعوضها الفرح الذي تخلى عنها منذ سنوات‪،‬‬
‫ولكنه ألقي عليها يمين الطًلق‪ ،‬سقط قلبها بسابع أرض من‬
‫فرط الوجع‪ ،‬احتضنتها فرحانة وأدخلتها الغرفة‪ ،‬ظلت‬

‫‪173‬‬
‫نيكوابر‬
‫ترتجف قرابة الساعة علي السرير‪ ،‬صوت "ردح" حماتها‬
‫ونعتها بأنها مخاوية وفضيحتها بالقرية ألجمت لسانها‪،‬‬
‫كلماتها بأن صبرهم عليها كان بسبب مرض أبوه وها هو قد‬
‫مات؛ جعل الظًلم والوحدة واألعصاب المتوترة تحيطها من‬
‫كل جانب‪.‬‬
‫ظلت طريحة الفراش طوال هذه األيام بًل حراك‪ ،‬ال تستصاغ‬
‫طعام‪ ،‬ال تفتح جفونها لترى ضوء النهار أو انبًلج الفجر كما‬
‫كانت تحب دائماً‪ ،‬أفاقت بعد أيام مما هي به ‪،‬ظلت تراقب كل‬
‫شيء من بعيد وهي صامته‪ .‬أسبوع كامل بعد استعادتها‬
‫الستقرارها النفسي رأت بهم المعني الحقيقي لألب‪ .‬كان والد‬
‫فرحانة يدللها ويقبلها‪ ،‬يحضر لها األلعاب‪ ،‬تنام علي ساقه‬
‫ويجدل لها ضفائرها‪.‬‬
‫باع أبو روفيدا أرضه بعد فشله بإقناع العزبة بأن الحريق‬
‫كان سببه الغاز‪ ،‬فقرر الذهاب للمدينة‪ .‬غادرت روفيدا بيت‬
‫فرحانة‪ ،‬وهي تنظر لها بوجع‪ ،‬تحقد عليها وتقول محدثة‬
‫نفسها‪ ،‬ماذا لو كنت بدالً منها‪ ،‬فوالدها رجل طيب‪ .‬غادرت‬
‫روفيدا وكلها أمل بأن تتغير حياتها بالمدينة‪ ،‬نظرت خلفها‬
‫أثناء السير فوجدت عثمان يقف قرب شجرة الجميز ؛عاتبته‬
‫بنظرة من عينيها ومضت‪.‬‬
‫****‬
‫أمسكت القلم مجددا‪ ،‬وكتبت للطًلب علي نور كشاف صغير‬
‫أحضره أحد الفراشين‪..‬‬
‫"على شاطئ الغرباء بالمدينة الكبيرة تجلس فتاة كلها أمل"‬
‫انتهت المحاضرة‪..‬‬

‫‪174‬‬
‫نيكوابر‬
‫***‬
‫رفع أحد الجالسين يده وسأل‪:‬‬
‫ـ أنا أول مرة أحضر محاضرة تنمية بشرية بالشكل ده‪ ،‬إيه‬
‫إلي المفروض نعمله إحنا دلوقت‪ ،‬والبنت دي أصًلً عندها‬
‫إيه؟‬
‫أجبته قائلة‪:‬‬
‫ـ البنت دي كان عندها مرض إسمه "نوستالجيا"‪ ،‬وده‬
‫بيحصل بسبب طاقة رهيبة‪ ،‬ومخزون جوه الشخص ده‪،‬‬
‫بيحن للماضي ودي في الغالب بتكون حالة سوية جوه‬
‫الشخص‪ ،‬بس أحيانا ً بتتحول من نعمة لنقمة‪ .‬وإلي بيحصل‬
‫لما يبدأ المرض هو هروب وخوف من الوضع إلي اإلنسان‬
‫وصله‪ ،‬وتمنيه يرجع لحياته القديمة‪ .‬روفيدا كانت هتتجوز‬
‫في سن صغيرة جدًا‪ ،‬طفلة المفروض إنها لسه بتفرح بلعبة‬
‫وفسحة‪ ،‬تتحول فجأة لست بيت ومربية وطباخة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إن بقالها سنين ماشافتش أخوها الشيخ وحيد إلي في األصل‬
‫كان بيخرج الجن من علي الناس‪ ،‬وكان بيشرحلها كتير‬
‫الحاجات دي‪ ،‬وساعات كانت بتسمعه وبتشوف الناس‬
‫المصابة‪ ،‬والجن بيتكلم وبيخرج منهم‪ ،‬وأي شخص في‬
‫مكانها هيتخيل لو الجن ده عشقه هو هيحصل إيه‪ .‬وده إلي‬
‫فعًل‪ ،‬وخصوصا ً إن خطيبها كان قاسي ونسخة من‬ ‫حصلها ً‬
‫أبوه‪ ،‬ماقدرش يحتويها‪ ،‬وده إلّي خًلها تتخيل قصة حبها مع‬
‫تيمو وكمان مساندته ليها‪ .‬وكل إلي حسته بينها وبينه‪ ،‬ده‬
‫ماحصلش‪ ،‬يعني ماوقفش جنبها من أول ماحس إنها ممكن‬
‫تكون ملبوسة‪ ،‬طلقها قبل ما تدخل بيته علشان يريح نفسه‪،‬‬
‫بدل ما يتجوزها ويحاول يعالجها قرر يبعد‪ ،‬وكمان كرهها‬

‫‪175‬‬
‫نيكوابر‬
‫لكًلم المصاطب والغيبة والنميمة‪ ،‬إلّي بعد فترة بيطلعوا‬
‫بيتكلموا علي الناس بالباطل ومحاولتها إنها تجيب حق‬
‫الناس دي‪.‬‬
‫عادت اإلضاءة مجددا ً فكتب لهم‪.‬‬
‫ـ كلمة نوستالجيا في األصل كلمة يوناني‪ ،‬بتوصف مدي األلم‬
‫إلي بيعانيه الشخص‪ ،‬وخوفه إنه ما يقدرش يرجع زي ما‬
‫كان‪ ،‬وده إلي حصلّها لما إتحدد ميعاد فرحها‪ ،‬مش الزم‬
‫يكون الحنين لموقف أو لشخص ممكن يكون لشخصيتنا‬
‫القديمة‪ ،‬وحياتنا قبل ما نتعرض لمواقف مؤلمة‪ ،‬ونتلوث من‬
‫المجتمع الي حوالينا بسلوكه وإعتقاداته‪ .‬وممكن نلخص ده‬
‫كله في جملة‪ ..‬إن إلي حصل لروفيدا ده نوع من إغتراب‬
‫الذات وإنفصالها عن الواقع‪ ،‬وممكن نقول الحمد هلل إن‬
‫المرض إتلحق بدري وإتعالجت‪ .‬كل المعلومات إلي أنا قلتها‬
‫مسندة بالقرآن واألحاديث دي حقيقية‪ ،‬بس عالم الجن عالم‬
‫غيبي ومهما حكوا عن نفسهم مش هيقولوا كل الحقيقة‪ ،‬ألن‬
‫الجن بطبعه الكذب‪.‬‬
‫دوي صوت ضحكات بالقاعة‪ ،‬وكل شخص يقول كلمة‪،‬‬
‫وصلتني بعض الكلمات فطرقت على المكتب عدة طرقات‬
‫حتى صمتوا ‪ .‬بدأت حديثي قائلة‪:‬‬
‫ـ علي فكرة‪ ،‬مش زي ما بتقولوا ياريتها كانت ممسوسة من‬
‫الجن‪ ،‬أو مصابة كان أحسن من المرض النفسي‪ .‬الجن ده‬
‫عالم وبحر كبير مالوش آخر‪ .‬إنما المرض النفسي معروف‬
‫آخره‪ ،‬وعلي األقل لو صعب الشفاء منه بيتحط المريض في‬
‫مصحة نفسية وما بيأذيش حد وال بيأذي نفسه‪ ،‬إنما‬
‫الشخص الملبوس بيكون خطره أكبر‪ ،‬ألنه قدام الناس واعي‬

‫‪176‬‬
‫نيكوابر‬
‫ومسئول عن إلي بيعمله‪ ،‬وهو مش داري بشيء‪ ،‬إلن الجن‬
‫بيتحكم فيه‪.‬‬
‫وقف أحد الجالسين‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ أنا ممكن ألخص لحضرتك المحاضر كلها في خمس دقايق‪.‬‬
‫التفتت فزعه وسألته‪:‬‬
‫ـ إزاي؟‬
‫ـ مش حضرتك بتقولي إنها حالة سوية‪ ،‬جوه كل شخص فينا‬
‫ده قبل ما تكون مرض‪.‬‬
‫أكتفيت بإيمائة من رأسي وتركته يكمل‪:‬‬
‫ـ طيب ممكن حضرتك تديني المايك‪ ،‬وكل القاعة هتعترف بده‬
‫لما يرجعوا للماضي سنين‪.‬‬
‫اقتربت منه وأعطته الميكروفون‪ ،‬أخرج هاتفه ووضعه قرب‬
‫الجهاز‪ ،‬وبدأت موسيقي تتسلل في آذان الحاضرين‪ ،‬ثم بدأ‬
‫محمد فؤاد يغني‪" .‬ساعات بشتاق ليوم عشته وأنا صغير‬
‫لشكلي قبل ما أتغير أليام فيها راحة البال علشان كنا ساعتها‬
‫عيال‪:‬‬
‫مسحت كل القاعة مجددا ً بنظري‪ ،‬تأملت الوجوه‪ ،‬ابتسامة‬
‫علي وجه أحدهم عند مقطع معين‪ ،‬واآلخر إغرورقت عيناه‪،‬‬
‫ألتصق بعض األصدقاء‪ ،‬ورفع اآلخر هاتفه واتصل بأحدهم‪،‬‬
‫وأخرجت أخرى صورة من حقيبتها وقبلتها ووضعتها بين‬
‫أحضانها‪ ،‬وكأنها ترمي قلبها بين أحضان غائب‪ .‬تمتمت‬
‫محدثة نفسي‪" :‬جميعنا مرضي نفسيين‪ ،‬ولكن بدرجات‪ ،‬من‬
‫منا لم يمر عليه يوم وهو يرى هاتفه يرن وال يريد التحدث‬

‫‪177‬‬
‫نيكوابر‬
‫مع أحد‪ ،‬يكون بريده اإللكتروني مليء بالرسائل وال يقوي‬
‫علي الرد‪ .‬جميعنا نصاب باالكتئاب فترة‪ ،‬ونعود كما كنا‪ .‬بعد‬
‫انتهاء األغنية‪ ،‬قلت لهم‪:‬‬
‫ـ هستناكم يوم الخميس في محاضرة جديدة‪ ،‬وأتمني تكونوا‬
‫إستفدتوا حاجة‪.‬‬
‫وقف أحد الحاضرين‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ـ أنا عرفت إن محمد فؤاد كان عنده نوستالجيا‪ ،‬وهو بيقول‬
‫األغنية دي‪.‬‬
‫وأكمل كلماته بضحك هو وباقي القاعة‪ ،‬تبسمت لهم‬
‫وغادرت‪ .‬غادرت القاعة وأنا أسبّ نفسي وألعنها ‪ ،‬كيف‬
‫ضعفت وقصصت عليهم حياتي السابقة‪ ،‬ولماذا قلت كل‬
‫الجوانب السيئة‪ ،‬ولم أقل كيف وصلت من فتاة جاهلة إلي‬
‫امرأة مثقفة‪ ،‬ودكتورة تعطي دروس بالتنمية البشرية‪ ،‬بعد‬
‫أن كدت أصاب باالكتئاب‪ .‬قررت أن أقص عليهم باقي‬
‫الحكاية بالمحاضرة القادمة‪ ،‬وبنفس اإلسم الذي اخترته‬
‫ألخبئ نفسي خلفه‪ ،‬لن أقول لهم أن الدكتورة فريدة عمران‪،‬‬
‫التي تخبرهم بقصة تلك الفتاة هي روفيدا‪.‬‬
‫بحثت عن عم سمير لم أجده‪ ،‬بالصدفة وجدت الشاب الذي‬
‫كان يجلس بجواره‪ ،‬أوقفته وهو يمشي مع صديق له قائلة‪:‬‬
‫ـ لو سمحت‪ ،‬كان فيه راجل جنبك سنه فوق األربعين‪،‬‬
‫وقمحاوي شوية ماتعرفش خرج إمتي؟‬
‫نظر الشاب لصديقه وضحك‪ .‬لم أنبس بكلمة بانتظار رده‪ .‬قال‬
‫لي وال زالت البسمة على وجهه‪:‬‬
‫ـ أنا كنت قاعد وجنبي محمد صاحبي‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫نيكوابر‬
‫ثم أشار على صديقه الذي يقف بجواره‪ ،‬وأكمل‪:‬‬
‫ـ ماحدش كان جنبنا يا دكتورة‪.‬‬
‫هنا وجدت السيارة تقف أمام بوابة الجامعة‪ ،‬فشكرتهم‬
‫وأخذت طريقي إليها‪ .‬دلفت داخلها وأنا أنظر لعم سمير‬
‫وأسأله بأي مكان كان‪ .‬ألتفت لي برأسه فصرخت‪:‬‬
‫ـ حاااااااااااااااااااااااااتم‪.‬‬

‫*** تم بحمد هللا***‬

‫‪179‬‬
‫نيكوابر‬

You might also like