Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 7

‫ضوابط الزواج بالصغيرة في الفقه اإلسالمي‬

‫ليس في الشريعة تحديد لسن زواج الرجل أو المرأة‪ ،‬وقد أجمع أهل العلم على جواز تزويج الصغيرة إذا زوجها أبوها من‬
‫كفء‪ .‬وأما البالغة‪ ،‬فال يشترط أن يزوجها أبوها‪ ،‬بل يزوجها سائر األولياء‪ ،‬ويشترط إذنها ورضاها‪ .‬وبلوغ األنثى يحصل‬
‫بواحد من أربعة أمور‪:‬‬

‫الحيض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سنَةً ‪ -‬إنباتُ ال َعان ِة ‪ -‬إنزا ُل ال َمني ِ بشهوةٍ يقظةً أو مناما ً ‪-‬‬
‫تما ُم خمس عشرة َ‬

‫وقد دل الكتاب والسنة على صحة تزويج الصغيرة وهي التي لم تبلغ بعد‪ ،‬وعدم تحديد ذلك بسن معين‪.‬‬

‫قال ابن قدامة رحمه هللا‪" :‬وإذا زوج الرجل ابنته البكر‪ ،‬فوضعها في كفاءة‪ ،‬فالنكاح ثابت‪ ...‬أما البكر الصغيرة‪ ،‬فال خالف فيها‪.‬‬
‫قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم‪ ،‬أن نكاح األب ابنته البكر الصغيرة جائز‪ ،‬إذا زوجها من كفء‪ ،‬ويجوز له‬
‫سا ِئ ُك ْم‬ ‫الال ِئي َي ِئسْنَ ِمنَ ْال َم ِح ِ‬
‫يض ِمن ِن َ‬ ‫تزويجها مع كراهيتها وامتناعها‪ ،‬وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و ا‬
‫الالئِي لَ ْم يَ ِحضْنَ ﴾ فجعل للالئي لم يحضن عدة ثالثة أشهر‪ ،‬وال تكون العدة ثالثة أشهر إال من‬ ‫ارت َ ْبت ُ ْم فَ ِعدات ُ ُه ان ث َ َالثَةُ أ َ ْش ُه ٍر َو ا‬
‫إِ ِن ْ‬
‫طالق في نكاح أو فسخ‪ ،‬فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق‪ ،‬وال إذن لها فيعتبر‪.‬‬

‫وقالت عائشة رضي هللا عنهما‪( :‬تزوجني النبي صلى هللا عليه وسلم وأنا ابنة ست‪ ،‬وبنى بي وأنا ابنة تسع) متفق عليه‪ ،‬ومعلوم‬
‫أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها‪ ،‬وروى األثرم‪ ،‬أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست‪ ،‬فقيل له‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ابنة الزبير إن مت ورثتني‪ ،‬وإن عشت كانت امرأتي‪ ،‬وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنهما" انتهى من "المغني" (‪.)30 /7‬‬

‫واتفق الفقهاء على أن الصغر في الشرع ينتهي بالبلوغ‪.‬‬

‫جاء في (الموسوعة الفقهية)‪ :‬واصطالحا هو‪ :‬وصف يلحق باإلنسان منذ مولده إلى بلوغه الحلم‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫فال يصح شرعا أن تبلغ البنت البلوغ الشرعي بالحيض أو غيره‪ ،‬وتوصف مع ذلك بالصغر الذي تتعلق به أحكام شرعية‪ .‬ومن‬
‫ذلك مسألة النكاح‪ ،‬فال خالف بين أهل العلم في أن من بلغت فليست بصغيرة في هذا الحكم‪ .‬والبلوغ قد يحصل في سن مبكرة‬
‫كالعاشرة مثال‪.‬‬

‫طفَا ُل ِمن ُك ُم ْال ُحلُ َم فَ ْليَ ْستَأ ْ ِذنُوا ﴾ [النور‪:‬‬


‫قال البخاري في صحيحه‪ :‬باب بلوغ الصبيان وشهادتهم‪ ،‬وقول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإذَا بَ َل َغ ْاأل َ ْ‬
‫يض‬ ‫ْ‬ ‫ا‬
‫‪ ]59‬وقال مغيرة‪« :‬احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة»‪ .‬وبلوغ النساء في الحيض‪ ،‬لقوله عز وجل‪َ ﴿ :‬والالئِي َيئِسْنَ ِمنَ ال َم ِح ِ‬
‫ض ْعنَ َح ْملَ ُه ان ﴾ [الطالق‪ ]4 :‬وقال الحسن بن صالح‪« :‬أدركت جارة لنا جدة‪ ،‬بنت‬ ‫سائِ ُك ْم ﴾ [الطالق‪ ]4 :‬إلى قوله ﴿ أَن يَ َ‬
‫ِمن نِ َ‬
‫إحدى وعشرين سنة»‪.‬‬
‫وال يخفى أن هذه الجدة قد تزوجت وسنها صغيرة‪ ،‬وحملت وهي بنت عشر سنين‪ ،‬والحمل عالمة قطعية على البلوغ‪ .‬ومثل هذا‬
‫ينبغي أن ال يكون محل خالف‪ .‬وعليه ال يصح شرعا استنكار بعض الناس لزواج البنت في سن مبكرة‪ ،‬ما دامت قد بلغت‬
‫البلوغ الشرعي وأطاقت الزواج وأعباءه!!‪.‬‬

‫وأما الصغيرة التي لم تبلغ‪ ،‬فالسؤال في حقها عن مسألتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬العقد عليها‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬االستمتاع بها‪ ،‬بالوطء أو بما دون الوطء‪.‬‬

‫وجواب السؤال األول‪ ،‬أن العقد على الصغيرة صحيح عند أكثر أهل العلم‪ ،‬حتى لقد ُحكي اإلجماع عليه‪ ،‬والحقيقة أنه قد خالف‬
‫في صحته قلة من أهل العلم‪ ،‬وهم‪ :‬ابن شبرمة‪ ،‬وعثمان البتي‪ ،‬وأبو بكر األصم‪ ،‬فقالوا بأنه ال يزوج الصغير وال الصغيرة حتى‬
‫يبلغا؛ لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬حتاى إِذَا بَلَغُوا النِكَا َح ﴾ (النساء‪.)6:‬‬

‫وذكر السرخسي في المبسوط تعليلهم في ذلك فقال‪ :‬فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة‪ ،‬وألن ثبوت الوالية على‬
‫الصغيرة لحاجة المولى عليه‪ ،‬حتى إن في ما ال تتحقق فيه الحاجة ال تثبت الوالية كالتبرعات‪ ،‬وال حاجة بهما إلى النكاح؛ ألن‬
‫مقصود النكاح طبعا هو قضاء الشهوة‪ ،‬وشرعا النسل‪ ،‬والصغر ينافيهما‪ ،‬ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ‪،‬‬
‫فال يكون ألحد أن يلزمهما ذلك إذ ال والية ألحد عليهما بعد البلوغ‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫واختار هذا القول بعض المعاصرين‪ ،‬كالشيخ ابن عثيمين رحمه هللا فقال في الشرح الممتع‪ :‬القول الراجح أن البكر المكلفة ال بد‬
‫من رضاها‪ ،‬وأما غير المكلفة وهي التي تم لها تسع سنين‪ ،‬فهل يشترط رضاها أو ال؟ الصحيح أيضا أنه يشترط رضاها؛ ألن‬
‫بنت تسع سنين بدأت تتحرك شهوتها وتحس بالنكاح‪ ،‬فال بد من إذنها‪ ،‬وهذا اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪ ،‬وهو الحق‪.‬‬
‫وأما من دون تسع سنين فهل يعتبر إذنها؟ يقولون‪ :‬من دون تسع السنين ليس لها إذن معتبر؛ ألنها ما تعرف عن النكاح شيئاً‪،‬‬
‫وقد تأذن وهي تدري‪ ،‬أو ال تأذن؛ ألنها ال تدري‪ ،‬فليس لها إذن معتبر‪ ،‬ولكن هل يجوز ألبيها أن يزوجها في هذه الحال؟ نقول‪:‬‬
‫األصل عدم الجواز؛ لقول النبي ـ عليه الصالة والسالم ـ‪« :‬ال تنكح البكر حتى تستأذن»‪ ،‬وهذه بكر فال نزوجها حتى تبلغ السن‬
‫الذي تكون فيه أهالً لالستئذان‪ ،‬ثم تستأذن‪ .‬لكن ذكر بعض العلماء اإلجماع على أن له أن يزوجها‪ ،‬مستدلين بحديث عائشة ـ‬
‫رضي هللا عنها ـ‪ ،‬وقد ذكرنا الفرق‪ ،‬وقال ابن شبرمة من الفقهاء المعروفين‪ :‬ال يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبداً؛ ألننا‬
‫إن قلنا بشرط الرضا فرضاها غير معتبر‪ ،‬وال نقول باإلجبار في البالغة فهذه من باب أولى‪ ،‬وهذا القول هو الصواب‪ ،‬أن األب‬
‫ال يزوج بنته حتى تبلغ‪ ،‬وإذا بلغت فال يزوجها حتى ترضى‪ .‬لكن لو فرضنا أن الرجل وجد أن هذا الخاطب كفء‪ ،‬وهو كبير‬
‫يزوجوها حسب أهوائهم‪ ،‬ال حسب‬ ‫السن‪ ،‬ويخشى إن انتقل إلى اآلخرة صارت البنت في والية إخوتها أن يتالعبوا بها‪ ،‬وأن ِ‬
‫مصلحتها‪ ،‬فإن رأى ا لمصلحة في أن يزوجها من هو كفء فال بأس بذلك‪ ،‬ولكن لها الخيار إذا كبرت؛ إن شاءت قالت‪ :‬ال‬
‫أرضى بهذا وال أريده‪ .‬وإذا كان األمر كذلك فالسالمة أال يزوجها‪ ،‬وأن يدعها إلى هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فربما أنه اآلن يرى هذا‬
‫الرجل كفئا ً ثم تتغير حال الرجل‪ ،‬وربما يأتي هللا لها عند بلوغها النكاح برجل خير من هذا الرجل؛ ألن األمور بيد هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وأما اختيار شيخ اإلسالم الذي ذكره الشيخ فهو في خصوص من لها تسع سنين ولم تبلغ‪.‬‬

‫قال المرداوي في (اإلنصاف)‪ :‬البكر التي لها تسع سنين فأزيد‪ ،‬إلى ما قبل البلوغ‪ :‬له تزويجها بغير إذنها‪ ،‬على الصحيح من‬
‫المذهب‪ ،‬وعليه جماهير األصحاب‪ ...‬وعنه‪ :‬ال يجوز تزويج ابنة تسع سنين إال بإذنها‪ .‬قال الشريف أبو جعفر‪ :‬هو المنصوص‬
‫عن اإلمام أحمد‪ .‬قال الزركشي‪ :‬وهي أظهر‪ ...‬واختار أبو بكر‪ ،‬والشيخ تقي الدين رحمهما هللا‪ :‬عدم إجبار بنت تسع سنين بكرا‬
‫كانت أو ثيبا‪ .‬قال في رواية عبد هللا‪ :‬إذا بلغت الجارية تسع سنين فال يزوجها أبوها وال غيره إال بإذنها‪ .‬قال بعض المتأخرين‬
‫من األصحاب‪ :‬وهو األقوى‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫والمقصود أن ننبه على أن المسألة فيها شيء من الخالف‪ ،‬وليست من المسائل القطعية‪ .‬مع كون الراجح عندنا هو قول الجمهور‬
‫القائلين بصحة العقد‪.‬‬

‫وجمهور العلماء الذين يصححون العقد على الصغيرة‪ ،‬يستحبون أن ينتظر والدها بلوغها ليستأذنها‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬اعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا‪ :‬يستحب أن ال يزوج األب والجد البكر حتى تبلغ‪ ،‬ويستأذنها لئال يوقعها في أسر‬
‫الزوج وهي كارهة‪ .‬وهذا الذي قالوه ال يخالف حديث عائشة؛ ألن مرادهم أنه ال يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة‬
‫يخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة‪ ،‬فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ ألن األب مأمور بمصلحة ولده فال يفوتها‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وهذا ما رجحه الدكتور عبد الكريم زيدان في موسوعته (المفصل في فقه األسرة) فقال‪ :‬نرجح على وجه االستحباب أن ال‬
‫يزوج األب ابنته حتى تبلغ‪ ،‬إال إذا وجد المبرر المقبول لتزويجها وهي صغيرة ‪ .‬اهـ‪ .‬وذكر لذلك عدة أسباب فراجعها هناك‪.‬‬

‫وهذا ما اختارته أيضا الباحثة سها القيسي في رسالتها للماجستير‪( :‬زواج الصغار في ضوء تحديد سن الزواج ) حيث رجحت‬
‫صحة العقد ثم قالت‪ :‬األولى عدم تزويجها إال إذا ظهرت مصلحة راجحة‪ .‬اهـ‪ .‬وذكرت لذلك أربعة أسباب‪.‬‬

‫وهنا ننبه على أن إنكاح الصغيرة إنما هو مراعاة لمصلحتها‪ ،‬ال لمجرد رغبة والدها‪ ،‬حتى لقد نص بعض أهل العلم على بطالن‬
‫الزواج إذا لم تراع فيه مصلحة الصغيرة‪ ،‬وأن على القاضي حينئذ فسخه‪.‬‬

‫قال الشوكاني في‪( :‬وبل الغمام على شفاء األوام في أحاديث األحكام)‪ :‬أما مع عدم المصلحة المعتبرة‪ ،‬فليس للنكاح انعقاد من‬
‫األصل‪ ،‬فيجوز للحاكم بل يجب عليه التفرقة بين الصغيرة ومن تزوجها‪ ،‬ولها الفرار متى شاءت‪ ،‬سواء بلغت التكليف أم لم‬
‫تبلغ‪ ،‬ما لم يقع منها الرضا بعد تكليفها‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫ومن أجل ضمان تزويج األب ابنته الصغيرة ممن في زواجها منه مصلحة لها‪ ،‬فقد ذكر بعض العلماء لصحة تزويجه إياها‬
‫شروطا أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬أال يكون بينها وبين والدها عداوة ظاهرة‪.‬‬

‫‪ -2‬أال يكون بينها وبين الزوج عداوة‪.‬‬


‫‪ -3‬أال يزوجها بمن في زواجها منه ضرر ِبين عليها كهرم‪ ،‬ومجبوب ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يزوجها بكفء غير معسر بصداقها‪.‬‬

‫ومما يحسن ذكره في الداللة على مراعاة الوالد لمصلحة ابنته عند قبول خطبتها بمن يكبرها في السن‪ ،‬حديث بريدة قال‪ :‬خطب‬
‫أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما فاطمة‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إنها صغيرة‪ .‬فخطبها علي‪ ،‬فزوجها منه‪ .‬رواه‬
‫النسائي‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬

‫قال القاري في (المرقاة)‪ :‬يحتمل أنها كانت صغيرة عند خطبتها‪ ،‬ثم بعد مدة حين كبرت ودخلت في خمسة عشر خطبها علي‪،‬‬
‫أو المراد أنها صغيرة بالنسبة إليهما لكبر سنهما‪ ،‬وزوجها من علي لمناسبة سنه لها‪ ،‬أو لوحي نزل بتزويجها له‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقال السندي في حاشيته على النسائي‪( :‬فخطبها علي) أي عقب ذلك بال مهلة كما تدل عليه الفاء‪ ،‬فعلم أنه الحظ الصغر بالنظر‬
‫إليهما‪ ،‬وما بقي ذاك بالنظر إلى علي فزوجها منه‪ ،‬ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلى المؤالفة‪ ،‬نعم‬
‫قد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وسن فاطمة رضي هللا عنها حين تزوجت‪ ،‬كما قال ابن عبد البر في (االستيعاب)‪َ :‬كانَ سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة‬
‫وخمسة أشهر ونصفًا‪ ،‬وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وبذلك قال أكثر المؤرخين كالمزي وابن كثير وابن األثير واليافعي وابن العماد والعصامي‪.‬‬

‫وقال الذهبي في (تاريخ اإلسالم)‪ :‬دخل بها علي رضي هللا عنه بعد وقعة بدر‪ ،‬وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وقال المناوي في (إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل)‪ :‬لما شبت فاطمة وترعرعت‪ ،‬وبلغت من العمر خمس‬
‫عشرة سنة‪ .‬وقيل‪ :‬ست عشرة سنة‪ .‬وقيل‪ :‬ثماني عشرة سنة‪ .‬وقيل‪ :‬أحدى وعشرين‪ .‬تزوجها علي‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫الصغَر الذي ال تطيق معه‬


‫وأما المسألة الثانية‪ :‬وهي مسألة وطء الصغيرة أو الدخول بها‪ ،‬فقد نص أكثر أهل العلم على أن ِ‬
‫الوطء‪ ،‬مانع من موانع تسليمها لزوجها‪ ،‬ووافقهم الحنابلة في من لم تبلغ تسع سنين‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬أما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها‪ ،‬فإن اتفق الزوج والولي على شيء ال ضرر فيه على الصغيرة‬
‫عمل به‪ .‬وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد‪ :‬تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها‪ .‬وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة‪ :‬حد ذلك‬
‫أن تطيق الجماع‪ .‬ويختلف ذلك باختالفهن وال يضبط بسن‪ .‬وهذا هو الصحيح‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وجاء في (الموسوعة الفقهية)‪ :‬ذهب الفقهاء إلى أن من موانع التسليم الصغر‪ ،‬فال تسلم صغيرة ال تحتمل الوطء إلى زوجها حتى‬
‫تكبر ويزول هذا المانع؛ ألنه قد يحمله فرط الشهوة على الجماع فتتضرر به‪ .‬وذهب المالكية والشافعية إلى زوال مانع الصغر‬
‫بتحملها للوطء‪ .‬قال الش افعية‪ :‬ولو قال الزوج‪ :‬سلموها لي وال أطؤها حتى تحتمله‪ ،‬فإنه ال تسلم له وإن كان ثقة؛ إذ ال يؤمن من‬
‫هيجان الشهوة‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وأما عند الحنفية فقال ابن نجيم في (البحر الرائق)‪ :‬اختلفوا في وقت الدخول بالصغيرة‪ ،‬فقيل‪ :‬ال يدخل بها ما لم تبلغ‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يدخل بها إذا بلغت تسع سنين‪ .‬وقيل‪ :‬إن كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها‪ ،‬وإال فال‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وجاء في الفتاوى الهندية‪ :‬أكثر المشايخ على أنه ال عبرة للسن في هذا الباب وإنما العبرة للطاقة‪ ،‬إن كانت ضخمة سمينة تطيق‬
‫الرجال وال يخاف عليها المرض من ذلك؛ كان للزوج أن يدخل بها وإن لم تبلغ تسع سنين‪ ،‬وإن كانت نحيفة مهزولة ال تطيق‬
‫الجماع‪ ،‬ويخاف عليها المرض ال يحل للزوج أن يدخل بها وإن كبر سنها‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫ودخول النبي صلى هللا عليه وسلم بأمنا عائشة كان بعد بلوغها هذا المبلغ‪ ،‬ولذلك تأخر بعد العقد عليها بنحو ثالث سنوات‪ ،‬كما‬
‫في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى هللا عليه وسلم "تزوجها وهي بنت ست سنين‪ ،‬وبنى بها وهي بنت تسع سنين‪.‬‬

‫قال الداودي‪" :‬كانت عائشة قد شبت شبابا حسنا"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫ومما يؤكد مراعاة هذا المعنى قبل زفاف عائشة‪ ،‬أنها قالت‪ :‬أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فلم أُقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب‪ ،‬فسمنت عليه كأحسن السمن‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه‪ ،‬وصححه‬
‫األلباني‪.‬‬

‫وهنا نؤكد على أن الصغر الذي هو مانع من التسليم ليس هو الصغر المقابل للبلوغ‪ ،‬وإنما هو بمعنى عدم القدرة على الوطء‪.‬‬

‫قال النووي في ( روضة الطالبين)‪" :‬المراد بالصغيرة والصغير من ال يتأتى جماعه‪ ،‬وبالكبير من يتأتى منه الجماع‪ ،‬ويدخل فيه‬
‫المراهق"‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وبهذا يتبين أن الدخول بالصغيرة منوط بقدرتها على الوطء‪ ،‬ال بمجرد العقد‪ ،‬والقاعدة الكلية في ذلك هي قول النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ :‬ال ضرر وال ضرار‪ .‬رواه أحمد وابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباني‪.‬‬
‫وهذه إحدى القواعد الكلية الخمسة التي ينبني عليها الفقه اإلسالمي‪ ،‬فمتى ثبت الضرر ثبوتا شرعيا‪ ،‬فقد جاء الشرع الحنيف‬
‫بإزالته ومنعه‪ .‬ولذلك ينبغي ضبط أنواع االستمتاع بما دون الوطء بعدم المضرة أيضا‪ ،‬وذلك بكون البنت مطيقة وأهالً له‪ ،‬فقد‬
‫يبلغ بها الصغر أن يمنع االستماع بها بالكلية‪ ،‬ويعد اشتهاؤها من األمور الشاذة الخارجة عن المعتاد‪ ،‬كالطفلة غير المميزة‪،‬‬
‫ولذلك ال يحرم النظر إلى عورتها‪.‬‬

‫وهذه المسألة من المسائل التي تحتاج إلى تحرير‪ ،‬نعني مسألة‪ :‬االستمتاع بما دون الوطء قبل إمكان الوطء؟‬

‫والذي نميل إليه أن تجعل إطاقة الوطء في الجملة أو مراهقة هذا الحد هو الوصف المبيح لسائر أنواع االستمتاع‪ ،‬درء للضرر‬
‫المحتمل على الطفلة الصغيرة التي ال تدرك مثل هذه األمور‪ ،‬ومما يستأنس به لذلك ما قاله ابن عابدين في تعليل وجوب نفقة‬
‫الزوجة الصغير ة التي تشتهى للوطء فيما دون الفرج‪ ،‬حيث قال‪ :‬ألن الظاهر أن من كانت كذلك‪ ،‬فهي مطيقة للجماع في الجملة‪.‬‬
‫اهـ‪ .‬حيث قرن بين اشتهاء ما دون الوطء‪ ،‬وبين إطاقة الوطء في الجملة‪.‬‬

‫وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن رجل طلق زوجته طالقا بائنا‪ ،‬وله منها بنت سنها خمس سنين‪ ،‬وزوجها والدها بشخص‪ ،‬وأراد‬
‫ذلك الشخص أن ينزعها من والدتها وينفق عليها ويربيها عنده في بيته مثال أو عند من يختار‪ ،‬فهل له ذلك وتسقط حضانة األم‬
‫بذلك أم ال؟‬

‫فأجاب‪ :‬ال تسقط حضانة األم بذلك؛ ألن الزوج إنما يكون أولى بالحضانة من جميع األقارب حيث كان له بالزوجة استمتاع بأن‬
‫تطيق الوطء‪ ،‬وإال لم تسلم له‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫فجعل إطاقة الوطء هو سبيل االستمتاع وموجب التسليم‪.‬‬

‫وهاهنا أمر آخر ينبغي مراعاته ال سيما في أمر الزواج‪ ،‬وهو العرف‪ ،‬فإن ا ا‬
‫طرد باستهجان االستمتاع بالزوجة الصغيرة التي ال‬
‫تدرك وال تميز‪ ،‬فينبغي مراعاة ذلك‪ ،‬فال تسلم الزوجة قبل إدراكها‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى)‪ :‬وإذا كان موجب العقد من التقابض مرده إلى العرف‪ ،‬فليس العرف أن المرأة‬
‫تسلم إليه صغيرة‪ ،‬وال يستحق ذلك لعدم التمكن من االنتفاع‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫وحددت وزارة العدل السعودية توصياتها بشأن إقرار اآللية المناسبة لمعالجة زواج النساء‪ ،‬بقصر زيجات من هن دون السادسة‬
‫عشرة على المحاكم المختصة‪ ،‬ومنع المأذونين كافة من تولي ذلك إال بموافقة خطية من قبل المحكمة المختصة‪.‬‬

‫فقد تضمن المشروع اإلذن بزواج من هي دون السادسة عشرة بعد استكمال ثالثة ضوابط نص عليها المشروع؛ بداية بتقدم ولي‬
‫البنت لقاضي المحكمة بطلب استثناء ابنته من السن المعتبر بالمشروع‪ ،‬وإحضار ولي الفتاة تقريرا طبيا من لجنة مختصة‬
‫تتكون من اختصاصية نساء ووالدة‪ ،‬واختصاصية نفسية‪ ،‬واختصاصية اجتماعية‪ ،‬الستصدار تقرير يثبت اكتمال الصغيرة من‬
‫الناحية الجسمية والعقلية‪ ،‬وأن زواجها ال يشكل خطرا عليها‪.‬‬
‫واشتملت ضوابط المشروع على أن يثبت لدى قاضي المحكمة موافقة البنت ووالدتها على هذا الزواج‪ ،‬ال سيما إذا كانت األم‬
‫مطلقة‪ ،‬كما تضمن المشروع التأكيد على ولي الفتاة بعدم إتمام زواجها بعد عقد قرانها مباشرة وإنما تعطى الفرصة الكافية‬
‫لتهيئتها من الناحية النفسية وتدريبها لمتطلبات الحياة األسرية‪ ،‬واشتملت كذلك على أن يتضمن المشروع وضع خطة إعالمية‬
‫لتوعية المجتمع للرفع من مستوى الوعي لدى أولياء األمور‪.‬‬

‫أن المشروع بكامل تفاصيله معروض على هيئة كبار العلماء للنظر فيه‪ ،‬بعد تشكيل الوزارة لجنة من عدة جهات حكومية ذات‬
‫صلة بهذا الموضوع لوضع الرؤية الشرعية والنظامية لهذه الوقائع والتي انتهت من محضرها الشمولي المتضمن للرؤية‬
‫الشرعية واالجتماعية والطبية ووضع توصياتها‪ ،‬ووصف وقائع زواج النساء الصغيرات التي تم الوقوف عليها بالمعدودة‬
‫والمحدودة‪ ،‬مضيفا‪« :‬ال تتجاوز ست حاالت»"‪.‬‬

‫ومستدركا بأنه وعلى الرغم من قلة الوقائع‪ ،‬فإن الوزارة ترى أنها من حيث صورتها وحالتها مقلقة ومزعجة‪ ،‬مما دعا الوزارة‬
‫إلى تبني الرؤية السابقة التي ستكفل معالجة التجاوزات‪ ،‬وإنما بوصفه «زواج الصغيرات وليس القاصرات»‪ ،‬وزاد‪« :‬بعد‬
‫وقوف الوزارة على بعض وق ائع زواج الصغيرات‪ ،‬بدأت باستشعار اآلثار السلبية المترتبة عليه؛ حيث بادرت من حينه بالرفع‬
‫إلى الجهات العليا‪ ،‬موضحة موقف الوزارة تجاه تلك الزيجات‪ ،‬ومقترحة في الوقت نفسه تنظيمها ومعالجتها بما يتفق مع‬
‫المقاصد الشرعية والسياسية المرعية"‪.‬‬

‫وبشأن إيقاع العقوبات في حال المخالفة‪ ،‬قال المتحدث الرسمي باسم وزارة العدل إنه «ال بد أن يدرك أن الزواج بحد ذاته هو‬
‫ممارسة فطرية أكد عليها الشرع وجعل الطريقة الموصلة لها هو الزواج الشرعي المعتبر مناطا فيه بالوالية إلى األب‪ ،‬وهو‬
‫أقرب الناس إلى معرفة مصلحة ابنته‪ ،‬وهو أكثر الناس حرصا على سالمتها وعفافها‪ ،‬وتبعا لذلك‪ ،‬ال يسوغ أن تتخذ إجراءات‬
‫تتضمن المعاقبة والمحاسبة لمن يفترض به العناية بأبنائه دون غيره"‪.‬‬

‫ويحظى التنظيم الجديد بترحيب وتأييد كاملين من األوساط القضائية والقانونية واألكاديمية باعتبار أنه سيدفع «الضرر عن‬
‫األطفال من البنات»‪ ،‬وفقا للمتخصصين‪.‬‬

You might also like