Professional Documents
Culture Documents
غم في عشق PDF
غم في عشق PDF
غم في عشق PDF
11-2-2016
new.I
liillii
غم يف عشق
إس������م ال���ك���ت���ابٌّ :
خمتارات من المذكرات اجلعادية العرفانية« :كان الله ولم
يكن معه يشء».
مناجاة عرفانية للهشيد الدكتور مصطفى شمران.
ت���������رج���������م���������ة :حوراء احلسيين ،حممد ترمس،
ت����������ح����������ري����������ر :عالء قبييس
ت���دق���ي���ق ل���غ���وي :فيصل األشمر
تصميم ال��غ�لاف :حممد عيل خفاجي
إخ�����راج وط��ب��اع��ة:
ﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺈﻋﺎدة إﺻﺪار ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب أو ﲣﺰﻳﻨﻪ ﰲ ﻧﻄﺎق اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت أو ﻧﻘﻠﻪ
أو اﺳﺘﻨﺎﺴﺧﻪ ﺑﺄي ﺷﻜﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل
ّ
ّ ّ
ّ ّ
الفهرس
13 مقدمة
-5-
37 من مذكّ رات لبنان
37 قطرة دم ع
41 بهدوء وطمأنينة
42 في بوتقة االختبار
44 ر ّباه ..سخّ رني إلرادتك
45 محفل الوجود
47 السماء أفرح بارتفاع ّ
48 رسالة إلى نريمان
51 هنا الفاجعة
53 غ ًدا يولد المسيح
54 أعبد الله العظيم
55 كيمياء العشق
56 أعشقك من األعماق
58 لم أصبح الئ ًقا للقائه
60 ..صرت دخا ًنا
61 الصدر
رسالة عشق إلى اإلمام ّ
68 ذكريات ليلة ق َدري
71 رحلة إلى ال ّنبعة الشّ هيدة
73 يدي من الحياة غسلت ّ
77 بانتظار مس ّلح
78 البط من ّ
الطوفان؟ أوهل يخاف ّ ّ
-6-
79 ّ
بالخط األحمر َمن سيرسم
80 أحب القدس ّ
وعلي ُّ
83 ال ّتحليق في الملكوت
86 دواء روحي
89 ألجله خلق اإلنسان
93 من مذكّ رات إيران
93 أ ّماه ها إنّي أعو د
95 مزرعة االستقالل
96 ثورة األمل
98 الشّ يء ا ّلذي يفسد الحياة
99 احذروا ...
103 الطاغية سقط ّ
104 «باوه» ال ّتح ّدي العظيم
109 مناجاة الدموع
109 في اتجاه الحق
112 أيها الرب الرفيع الجناب
114 تابع 10أيار 1968
117 في محضر الحق
120 لقد غدوت حرا ً
121 قلبي دائم االحتراق
-7-
124 الطبيــع ة
126 السماء السامي ة
128 أنت ضالتي الوحيدة
129 أنا هذا التراب الجسور
130 أحترق
131 محك االمتحان
132 أريد أن أحترق ألضيء الطريق
134 لتنتصر ثورة إيران المقدسة
631 إلهي ،هب لنا اإليمان
138 لنحفظ الثورة بدمائنا
341 نار العشق
144 أنت من يسمع أنّاتي في األسحار
145 حزنٌ وأل م
146 لقد جعلتني زاهدا ً
147 اصنعني على عينيك
149 نفير الحيا ة
150 إلهي يا صانع المعجزات العظيمة
151 ق
رمز العش
154 أردتني القربان المجلل
157 العشاق األصفيا ء
-8-
161 المالحق
161 نبذة عن الشهيد القائد مصطفى شمرا ن
خطاب اإلمام الخميني { عند شهادة القائد مصطفى
170 شمران ممثل اإلمام في المجلس األعلى للدفاع
172 الموضوع :تعيين وزير الدفاع
173 الموضوع :تعيين وزير الدفاع الوطني
174 الموضوع :تعيين مستشار المجلس األعلى للدفاع الوطني
-9-
•| كونوا كشمران[[[ |•
هذا الشهيد كان عالماً أوالً ،ث ّم شخصاً المعاً وعظيم االستعداد ،فهو
نفسه كان يقول لي إنّه في تلك الجامعة التي درس فيها في الواليات
المتحدة األميركية ،تلك الدراسات العليا ـ وكما أذكر ،فإنّه كان أحد
أفضل اثنين في تلك الجامعة ،وعلى صعيد ذلك التخصص والفرع
العلمي ـ وكان يشير إلى تعامل األساتذة معه وتطوره في األعمال
العلمية.
كان عالماً بكل الموازين .وفي ذلك الوقت ،كان مستوى اإليمان القلبي
(العشقي) لهذا العالم إلى درجة أنّه أعرض عن االسم والمقام والعنوان
والمستقبل الدنيوي الذي هو بالظاهر عقالئي ،وذهب ليكون إلى
جانب اإلمام موسى الصدر في لبنان ويقوم باألنشطة الجهادية.
ومنذ بداية الثورة ،كان له حضو ٌر في الساحات الحساسة .فذهب إلى
كردستان ،وكان له حضو ٌر ف ّعال في المعارك التي جرت هناك ،ث ّم
- 11 -
بعدها جاء إلى طهران وأضحى وزيرا ً للدفاع .وعندما اندلعت الحرب،
ترك الوزارة وباقي المناصب الحكومية والمقامات جانباً وجاء إلى
األهواز ،حارب وصمد إلى حين شهادته بتاريخ 31خرداد لعام 60هـ.
ش ( 21حزيران .)1981
لم يكن رجالً جافاً ال يفهم لذائذ الحياة ،بل على العكس ،فقد كان
لطيفاً جدا ً وذ ّواقاً ...وف ّناناً وصاحب قلب مفعم بالصفاء .لم يدرس
توحيدي
ٍّ ٍ
مسلك أي
أحد في ّالعرفان النظري ،ولعلّه لم يدرس على يد ٍ
ٍ
سلوك عملي ،ولك ّن قلبه كان طالباً لله ،قلباً صافياً إلهياً ،من أهل أو
المناجاة والمعنويات.
كان يتابع األعمال حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ،وعند
الصباح الباكر المعتم أو المسفر كان يتواجد قبل الجميع في الجبهة،
وفي كل مكان يلزم؛ فعلينا أن نتم ّرن على التواجد الدائم في الزمان
والمكان المطلوبين.
- 12 -
•| مقدمة |•
- 13 -
غير آمل بال ّنصر ،لذلك فقد وطّن نفسه على اآلالم ،وأنس بمناجاة
الغ ّم ،وتواعد مع الموت والشّ هادة .وأصبح ذلك فلسفته الّتي أسندها
إلى التّاريخ والواقع ،وكان يقول :نحن نريد احتضان عروس الشّ هادة
دون أمل بال ّنصر ...فما أجمل احتضان الموت واإلسراع للقاء الله .كان
علي ،ومثاله في الشّ هادة الحسين ،كان يتغ ّنى بفداء
مثاله في القهر ّ
الحسين .Q
بعد انتصار الثّورة اإلسالمية في إيران ،عاد الشّ هيد شمران إلى إيران
ليكون في عداد من حفل بال ّنصر وآمن به واعتبره معجز ًة إله ّية ،وقد
عمل من أجل حمايته حتّى ال ّرمق األخير.
كل ما كان يُعانيه ،كان متف ِّك ًرا عارفًا يعرج من منز ٍل إلى منزل، مع ّ
ويصعد مدارج الكمال مرقاة فمرقاة ،ويحلِّق في عالم الملكوت مرحلة
فمرحلة .كان يحترق كال َفراش ،يذوب كالشّ مع ،يتر ّمد كالجمر ،وكانت
قي هو
الشّ هادة المعبر الوحيد الباقي إلى لقائه بالله ،وكان العشق ال ّن ّ
بيته اآلمن الّذي بناه في وادي القلب بعي ًدا عن ال ّزعازع وال ّرياح.
قَبِل بالموت الّذي أحبّه راف ًعا له هامته على رغم الجراح الّتي نزفت
تريد ثنيها على كتفيه ،فقد تلقّى الشّ هادة بإرادة فوالذيّة وشوق عاشق
متيّم بلقاء حبيبه.
أحد طلاّ به
- 14 -
مقدمة الطّ بعة الفارس ّية |•
ّ •|
الشّ هيد ال ّدكتور مصطفى شمران وما أدراك من هو؟ وهنيئًا لمن
عرفه ،رجل عظيم حقًّا ،عارف رقيق ومناضل جسور ،فهو لم يكن
إنسانًا عاديًّا ،وقد حفلت شخص ّيته المثيرة وامتألت بالكثير من
األسرار وال ّنورانيّة ،والمعاني العالية ،والحرارة والفت ّوة وال ّدفء .وقد
تبلورت في معترك أحداث وظروف وتح ّوالت حساسة ودقيقة ج ًدا.
السمات والتبصر ،حيث احتوت العديد من ّ ّ إنّها جديرة باإلمعان
الفذّة والفريدة والعذبة.
لقد أمضى الشّ هيد عمره المتدفِّق والم ّواج ،في ميادين ال ّنضال ،في
مواجهة الشّ اه وتأميم ال ّنفط في إيران ،إلى أن سافر إلى أمريكا لع ّدة
سنوات ليكمل دراسته هناك دون أن يخفت تن ّور روحه اللاّ هبة ،ثم
إلى مصر ،ثم إلى لبنان ،حيث بقي فيه رد ًحا من ال ّزمن ،قائ ًدا لل ّنضال
والمحتل من جنوب لبنان، ّ والمقاومة على حدود فلسطين المحتلّة،
الخميني
ّ ثم إلى إيران حيث أقفل رحلة عمره عائ ًدا مع انتصار اإلمام
- 15 -
في ثورته على نظام الشّ اه ،ليتولّى مسؤوليّات أساسيّة متع ّددة قبل أن
يشرب من الكأس الّتي ما كان قلبه يثلج وال نفسه تطمئ ّن من دونها،
الملكوتي القاتل.
ّ إنها كأس الشّ هادة وشراب العشق
قصة حياة ساقية متيّمة أب ًدا بالبحر ،حياتها حيث تموت،رحلة شمران ّ
قصة فراشة مجنونة متل ّهفة لالحتراق بنار الجمال حيث تفنى فيهّ ،
الملكوتي لل ّنفس من رحم ال ّدنيا ،وفرارها
ّ قصة الخروجالمشتعل ،إنّها ّ
وقصة استخراج رائع للؤلؤة ال ّروح من صدف من حبائل الشّ رنقةّ ،
البدن لتوضع على ق ّمة تاج الملك.
لقد عاش الشّ هيد شمران مقاطع زمان ّية متفارقة ومتفاوتة ،يربط
شغف آس ٌر من أجل الروح
خاص ،ثم تال ًيا ٌ
وروحي ّ
ّ شعوري
ّ بينها خ ّط
اإلنسانية ،وترفّع عن هذه ال ّدنيا الوضيعة وزهد فيها ،للوصول إلى
األحدي.
ّ الحق
المعشوق ،ولقاء ّ
الحق والجهاد
هذا ال ّرجل لم يهدأ للحظة ،لقد أوقف نفسه لخدمة ّ
في سبيله ،دون أن يكون لديه خوف ،أو أمل واكتراث بأي شيء أو
بأي شخص ،سوى بالله تعالى .كان من رأسه إلى أخمص قدميه يهيم
عشقًا ،وكان قلبه يترقرق ح ًّبا وحماسة صافيين ،كان شعلة ال تذوي،
خالصا له وفيه سبحانه ،وقد أضنى نفسه بالمجاهدات وسعيًا نضاليًّا ً
الكثيرة لتطهير نفسه ،وبناء ذاته وتنظيم قواها وقدراتها ،وقد تح ّمل
كل ألم وفراق وتف ّجع ،وكانت حياته أشواطًا متتابعة
في هذا الطّريق ّ
- 16 -
والسمو ،وفي ال ّنهاية كان
من عذاب العشق والفراق والغ ّم والوحدانيّة ّ
على موعد مع الشّ هادة الّتي تض ّمخ برحيقها ،ومأل صدره من طيبها،
السلسبيل.
وارتشف من شرابها ّ
أمضى مصطفى شمران ،المولود سنة (1932م) ،أيّام الحضانة
وال ّدراسة االبتدائ ّية في مدرسة إنتصاريّة في طهران (شارع 15خرداد
المتوسطة في ثانويّتَي [دار الفنون] و[ألبرز]،ّ -عودالجان) ،والمرحلة
ثم دخل كليّة الهندسة في جامعة طهران ،وأنهى دراسته عام بامتياز
متخص ًّصا في مجال الكهرباء .كان تلميذًا متم ّي ًزا .وكان خالل كل ّ
مراحل ال ّدراسة المثال المحتذى ،إضافة إلى أنّه كان ذا حضور ف ّعال
للشاب الطّاهر ،المجتهد،
ّ السياسيّة وال ّدينيّة ،وأمثول ًة
في كل ال ّنضاالت ّ
والمحبوب لدى الجميع .وباالستفادة من منحة الطّالب األ ّول ،سافر
إلى أميركا لمتابعة ال ّدراسة؛ حيث نال في البداية شهادة ال ّدراسات
العليا في هندسة الكهرباء من جامعة تكساس ،ث ّم شهادة ال ّدكتوراه
في مادة اإللكترونيك وفيزياء البالزما بأعلى المع ّدالت في واحدة من
أكبر وأه ّم جامعات أميركا المعروفة «باركلي» في كاليفورنيا ،وتحت
إشراف أفضل أساتذة الفيزياء .كما أمضى م ّد ًة في أحد المختبرات
الكبيرة مشغوالً بالبحث في دراسات مه ّمة في ذلك الوقت.
كان الشّ هيد شمران ،إلى جانب هذه المسيرة المثيرة لإلعجاب وال ّنادرة،
مؤس ًسا ومنظِّ ًما للعديد من الحركات ضد أعداء اإلسالم وضد نظام ِّ
- 17 -
ومؤس ًسا لل ّنشاطات اإلسالميّة العديدة في أميركا.
ّ الشّ اه الطّاغوتي،
وبعد هزيمة العرب في حرب عام ،1967ضاق عليه فضاء أميركا
ال ّرحب ،فذهب إلى أوروبا ،الجزائر ومصر لتعلّم الفنون العسكريّة
وبقي سنتين في مصر .وبعد وفاة جمال وفنون حروب العصاباتَ ،
عبد الناصر عام 1970م ،سافر إلى لبنان البلد المعذّب والجميل حيث
الصدر
خاصة من اإلمام موسى ّ يعيش الشّ يعة ظروفًا مؤلمة ،بدعوة َّ
اإلسالمي البارز .وأقام في جنوب لبنان في مدينة صور قربّ القائد
فكل
حدود فلسطين الغالية ،ولك ّنه كان حاض ًرا في كل مكان من لبنانّ ،
الساحة
مكان كان فيه خطر وقضيّة كان الشهيد شمران حاض ًرا في ّ
هناك.
أخذ ال ّدكتور شمران على عاتقه بناء المجموعات العسكريّة المقاوِمة
إلسرائيل باإلضافة إلى التّربية ال ّدينيّة وتقوية ال ّروح والعقيدة اإلسالميّة.
بعد انتصار الثّورة اإلسالم ّية اإليران ّية ،عاد الشّ هيد شمران إلى إيران
شخصا من ال ّنخب والكوادر
ً بصحبة مجموعة من اثنين وتسعين
الخميني
ّ السياس ّية وال ّدين ّية اللّبنان ّية ،وأسرع متل ّهفًا إلى لقاء اإلمام
ّ
العظيم .وقد بقي في إيران بنا ًء على توصية منه .كان يتابع باستمرار
مؤسسي الحرسبرامجه في لبنان ،في ذات الوقت الّذي كان فيه من ّ
الخميني { ،وقد شارك كمقاتل ّ الثّوري في إيران بأمر من اإلمام
في الحرب ضد مؤامرات جيش ص ّدام حسين االنفصالية الخطرة في
- 18 -
السالح ،واندفعكردستان .ورغم أنّه كان مستشا ًرا لرئيس الوزراء ،حمل ّ
لص ّد مؤامرات األعداء الشّ ديدة من خالل تنظيم وتفعيل الق ّوات
وخاصة الشّ عبيّة منها ،وقد ُح ِفر اسمه هناك في التّاريخ
ّ المسلّحة
اإلسالمي إلى األبد ،ومعه اسم [باوه] وحوادثها البطول ّية امتثاالً ألمر
[[[
ّ
الخميني { الحاسم هناك.
ّ اإلمام
مع بدء الحرب ،انطلق نحو خوزستان وتولّى قيادة الق ّوات التّطوع ّية
بالحكَم ،والبطوالت .وحين كان العسكريّة والشّ عبيّة .وخ ّط كتابًا مليئًا ِ
تمنح المقاتلين المعنويات ،وتقصم اسمه وق ّواته المقاتلة والشّ جاعة ُ
ظهر األعداء المعتدين ،احتضن الشّ هادة ظهر يوم الحادي والعشرين
في شهر حزيران عام 1981م ،في قرية تدعى [دهالويه] قرب
الملكوتي ،مسر ًعا نحو معبوده
ّ [سوسنغرد] ،وحلّق إلى أوج العروج
حقيقي[ :أحيا ٌء
ّ حيث وصل إلى لقاء ربّه كي يصبح ممن هم وبشكل
عند ربّهم يُرزَقون].
لم يكن ال ّدكتور شمران يجلس عاطالً عن العمل للحظة ،فهو إ َّما كان
يعمل ،أو يقرأ ،أو يكتب .حتّى حينما كان يتأخّر عقد جلسة ما ،بضع
دقائق ،كان أيضً ا يستفيد من هذه الفرصة القصيرة ويكتب .وكان يخ ّط
لكي يُنشر يو ًما .كان يع ّبر
ما يكتبه لنفسه وقلبه ال ألجل اآلخرين وال ّ
عن مكنوناته القلب ّية ،فحي ًنا كان يناجي ربّه [تبارك وتعالى] ،وأحيانًا
- 19 -
عليًا Qوأحيانًا أخرى الحسين ،Qأ ًو يؤرخ حادث ًا ،أو يطلق
الملكوتي
ّ العنان لروحه الشّ اعريّة والعرفان ّية ،أو يطير بجنا َحي قلبه
في سفر وصعود روحانيّيْن ،وفي حين آخر يبيِّن حقائق تاريخيّة
ببساطة وصراحة ،وفي أحيان أخرى كان يتح ّدث عن آالمه وعذاباته
وغمومه الّتي كانت جميعها آال ًما وعذابات اجتماع ّية.
وحيثما كانت تذهب أفكاره ،كان يكتب ما يعتمل في داخله دون
والسعادة تارةً ،وطو ًرا عن العشق
تص ّنع وتكلّف .عن التّأثر والشّ وق ّ
والمح ّبة اإلله ّية ،وحي ًنا عن اآلالم والعذابات ،وم ّرة عن الحرب والقتال
والسلوك
والسير ّ
الملكوتي ّ
ّ والمقاومة والشّ هادة ،ويو ًما عن التّحليق
العرفاني .ولم يكن قد كتب ما كتبه ليقرأه أح ٌد ،ولم يكن يستحسن ّ
ليداوي قلبه الجريح المعذّب .وقد كانت كلماته
َ ذلك ،بل كان يكتب
مناجا ًة داخليّة وسي ًرا وسلوكًا عرفانيًا ،وما نحن بصدده اآلن هو هذه
الخواطر والكتابات.
وقد ُجمعت في ع ّدة أبواب ومواضيع بنا ًء لوقت الكتابة .وقد كُتبت
خالل سنين طوال ،حول مواضيع شتّى ومتن ّوعة وقد تم ّيزت بالخ ّط
اإللهي المستقيم والعميق ،رغم اختالف األمكنة واألزمنة وتباعدها، ّ
سيني .وقد تألأل
َوي وال ُح ّ
بكل ما فيها من معاني العشق والعرفان ،ال َعل ّ
الساطع والباهر ،وهو ما حصل عليه في فيها منذ البداية نو ُر الشّ هادة ّ
بكل سم ّو وهدوء الملكوتيّين المطمئ ّنين. ال ّنهاية ّ
- 20 -
السيد محمد قيصري الّذي أو ّجه إليه شكريجمع هذه المذكّرات ّ
وأرجو الله أن يمنحه األجر الكامل على أمل أن يوفّقنا الله العظيم
لمعرفة هؤالء ال ّرجال ،الشّ هداء العظماء الفريدين ،المربّين
لإلنسان.
[[[
مهدي شمران
- 21 -
مذكرات أميركا |•
ّ •| من
1 ً
صاحلا نويت أن أكون
أوائل صيف 1959
يدي من
صالحا؛ أغسل ّ لقد نويت من اآلن فصاع ًدا أن أصبح إنسانًا ً
وجلّ ،
وأغض طرفي عن ال ّدنيا وما ال ّذنوب ،أس ّلم قلبي بكامله لله ع َّز ّ
فيها وأجعل أنسي فقط في دموع المقلتين.
لقد قضيت أ ّيام طفولتي في عل ّو المقام والشّ رف وال ّزهد وال ّتقوى،
ويجب أن أص ّمم مج ّد ًدا ومن اآلن على أن أصلح نفسي وأدفع بها
ُقدُ ًما نحو ال ّتكامل ،وأن أع ّلم نفسي كيف أنَّ حوادث الحياة ،ول ْذع نار
ال ّذنوب تُنضج اإلنسان وتجعله أكثر ف ْه ًما لألسرار.
أريد أن أعرف ذاتي 2
أوائل ربيع 1960
علي حوالَي ّ
السنة وأنا أكتوي بنار حارقة .وقليلة هي ال ّليالي مضى َّ
اآلهات الحارق ُة
ُ ا ّلتي ِن ْم ُت فيها دون ذرف ال ّدموع ،ودون أن تجعل
قلبي وروحي رما ًدا.
علي أن أتع ّذب؟علي أن أحترق؟ إلى متى ّرباه ،ال أدري إلى متى ّ
كل األحوال ،في كل األماكن وعلى ال ّدوام َ
كنت شاه ًدا. وأنت في ِّ
ولكن
لدي عشق طاهر ،وقد كنت أربطه بعبادة ذاتك المق ّدسةّ ، كان ّ
ذلك قد خ ّلف في قلبي نا ًرا محرقة جعلت وجودي دخانًاُّ .
أحس أنّني
ّ
سأظل أحترق إلى األبد .وسأكون شمعة محترقة سعيدة باحتراقها!
الصبر في سيري إليك .رباه أغثني..
ر ّباه ،أطلب منك ّ
اليوم هو ال ّتاسع عشر من رمضان ،اليوم ا ّلذي تخضّ ب فيه إمام البشر ّية
يوم يذ ّكرني بتضحياته ،عظمته وأفعاله الجليلة ا ّلتي العظيم بدمهٌ .
عشق ،دموعي...عصار َة حياتي.ٍ منها أستم ّد العزم ،وإليه أق ّدم ّ
بكل
ألتجئ إلى الجبال كي أناجيه ،وفي تلك الوحدة ،وعلى بعد آالف
السنين ،أبوح له بلواعج قلبي.األميال وقرون ّ
كل العالم وما فيه ال يرضيني. ر ّباه ،ال أدري ما هدفي من الحياةّ .إن ّ
كل اتّجاه :يعملون ،يتعبون ،ليصلوا في حين أرى ال ّناس يركضون في ّ
- 24 -
إلى نقطة ترضيهم قد وضعوها نصب أعينهم.
ولكن ،أ ّيها ال ّرب الكبير ،إنّني أنفر من األشياء ا ّلتي يسعى وراءها
ضحيت براحة ال ّليل
اآلخرون برغم أنّني أعمل أكثر منهم ،ورغم أنّني ّ
وترف ال ّنهار ،وال أزال ،فإنّ نتائج ذلك ال تسعدني .وأنا إنّما أمضي
قد ًما ،مشار ًكا في معترك الحياة وعلى هذا ّ
الطريق دون أن أنتظر أ ّية
نتيجة ،ألنّ ذلك واجبي!
السهاد عاد ًّيا وطبيع ًّيا ،وتحت
لقد أصبح ال ّتعب بال معنى عندي ،وصار ّ
ِ
العذابات والمحن لم تعد غدوت جب ًال مني ًعا ،وإنّ
ُ الغم والحزن
وطأة ّ
تحزنني.
أنّى تس ّنى لي ال ّنوم ن ِْم ُت ،وفي ّأي وقت اقتضى ال ّنهوض أفقت ،آكل ّأي
الساعات ّ
الطوال نمت فيها على ال ّتراب في ال ّتالل شيء ُوجد .كم من ّ
المحاذية لبركلي[[[ ،وكم من ال ّليالي ّ
الطوال قضيتها هائ ًما على ال ّتالل
الطويلةالصبح .وكم من األ ّيام ّ وفي الشّ وارع المهجورة ح ّتى انبالج ّ
وهائم ،حائ ٌر في وادي اإلنسان ّية،
ٌ بت فيها جائ ًعا .أنا درويش ا ّلتي ُّ
وأماني ليست كاآلخرين. ّ ور ّبما أكون قد خرجت منه ،ألن أحاسيسي
يا ر ّبي العظيم ،ماذا بقي لي؟ على ّأي أساس يجب أن أضع اسمي؟
هل جلدي وعظمي هما من سيحددان اسمي وشخص ّيتي؟ هل ستكون
أمنياتي وتص ّوراتي وآمالي مكنونًا لشخص ّيتي؟ ّأي شيء يشّ كل هذه
- 25 -
«األنا»؟ ّأي شيء هو ذاك ا ّلذي يعرفني ال ّناس به؟ ...أنظر في وجودي،
أبحث في ما حولي كي أتب ّين معل ًما لكياني ليصبح قاب ًال للفهم ،على
األقل بال ّنسبة لي.
في هذه األثناء لست أنا سوى قلب محترق تتصاعد منه ألسنة ال ّلهب،
ا ّلتي ر ّبما تضي ُء وجودي ،أو ر ّبما ُأدفن تحت رمادها .نعم ،ال أرى
كل شي ٍء بواسطته ،أرى ال ّدنيا ُ
وأعقل ّ قلب ملتهب، لوجودي أث ًرا سوى ٍ
خذ الموجودات مظاهر أخرى لها. من ك ّو ِتهِ ،في حين تتغ ُّير األلوان ،وت ّت ُ
- 26 -
3 رب ...يا مظهر اآليات
يا ّ
29أيّار 1960
- 27 -
جناحي ،وجعلتني أسي ًرا مهمو ًما دونّ الطويلة سلسلة اآلمال واألمنيات ّ
ح ّر ّية .أجل ،فبيني وبين الح ّر ّية الواقع ّية فاصل كبير.
أحس أنّك ٌ
مرشد ولكن ،يا ر ّبي العظيم ،في هذه المرحلة ا ّلتي أحياهاُّ ،
حكيم ،تأخذ بيدي وتنصحني ،وتُظهر لي آياتك المق ّدسة وتق ّدم لي
العبر! كم من أمر كان يوحشني ويخيفني ساعدتني عليه ،وأعطيت
األشيا َء المستحيلة والممتنعة بال ّنسبة لي إمكان ّي َة الحدوث .وكم من
لت فيها االطمئنان واإليمان بمقدا ٍر ما ،إ ّال أنّك حص ُ
كنت قد ّ أحوال ُ
والهم ،مظه ًرا لي أن إرادة ّ الغم
كنت تسلبه مني وتجعلني أعاني ّ
ومشيئة ّأي شيء هي بيدك .فمهما نج ّد في العمل ونحاول هنا وهناك
تبقى الع ّزة وال ّذ ّلة بيدك وحدك.
- 28 -
4 الغم تعال أ ّيها
ّ
18تشرين أ
ال ّول 1960
الغم ،تعال
الغم ،إليك سالمي الحا ّر ،وروحي فدا ٌء لك .أنت أ ّيها ّ
أ ّيها ّ
رفيقي ال ّدائم .تعال ،فمحادثتك تكفيني .تعال فأنا أشتعل ،تعال
َ وكن
غصتي تخنقني .تعال كي أق ّدم لك ال ّدمع ،تعال سألقي بقلبي فإنّ ّ
عند قدميك.
الغم ،تعال ففؤادي منقبض ،روحي ذابلة ،قلبي منكسر ،وكأس أ ّيها ّ
صبري قد فاضت .تعال ّ
وحل ُع َقدي ،تعال وح ّررني من العالم ،تعال
محتاج بش ّدة إلى وجودك.
ٌ فإنّني
كنت أكثر َمن رافقني في حياتي َ
وكنت أكثر مِن ّأي شخص الغم ،لقد َ أ ّيها ّ
تؤ ّيدني .واآلن تعال فأنا أريد أن أض ّمك إلى قلبي لألبد ،وأرتمي في حضنك.
تعال فال أعرف صدي ًقا أفضل منك .تعال فأنت تريدني وأنا أريدك .تعال
كالسماء م ّت ٌ
صل فسفينتك المضطربة لها مكان في بحر قلبي .تعال ففؤادي ّ
باألبد ّية وال ّالنهاية وبإمكانك أن تح ّلق فيه بحر ّية.
- 29 -
يا صديقي القدمي 5
12أيّار 1961
تعب وحيران .لم يعد بي رمق .قد انتهى صبري وتح ّملي. ر ّباه إنني ٌ
الحياة في نظري صعبة ومم ّلة؛ أريد الفرار من الجميع ،أريد أن أهرب
إلى زاوية العزلة .آه! قلبي منقبض ،قد تف ّت َت تحت وطأة الضّ غط.
أتوجه إليك طال ًبا منك العون .ال أملك سواك غو ًثا وملجأً ،فلتكن
ر ّباه! ّ
مقلتي.
ّ وحدك من يعلم ،أنت فقط من يعلم بضميري .أس ّلم لك دموع
ر ّباه! ساعدني ،فقليلة هي الشّ هور ا ّلتي ّ
توجهت فيها إليك ،أكثر
أوقاتي ُص ِر َفت لآلخرين.
ر ّباه! عفوك .لقد تعبت وشبعت من العلم والمعرفة ،من العمل
كل األصدقاء ،من المع ّلم والمدرسة، والج ّد ،من ال ّدنيا وما فيها ،من ّ
والسماء.
من األرض ّ
أقضي م ّدة في زاوية الخلوة معك فقط .أسكب َ ر ّباه! كم ي ِل ّذ لي أن
أئن مف ّر ًغا ضغوطي وأشجاني ال ّداخل ّية.
ال ّدمعّ ،
أ ّيها ال ّر ّب العظيم ،لست أفهم معنى الحياة .واألشياء ا ّلتي تسعد
كل شيء ،حتى أنّي أنفر من اآلخرين تتعبني .لقد شبع قلبي من ّ
السعادة وال ّل ّذة .األمور ا ّلتي يسعى ورا َءها اآلخرون أف ّر منها .هناك
ّ
- 30 -
سماوي يظ ّلل قلبي وروحي وال يتعبني أب ًدا .إنّه صديق
ّ فقط مالك
ألتذ بمجالسته .فقطقديم قد تع ّرفت عليه من أ ّول العمر وال زلت ُّ
بفرح دو ًما ،أال
ساطع واحد ،ونغمة تداعب القلبٍ ، ٌ حلو ونو ٌر
اب ٌ شر ٌ
الغم.
وهو صديقي القديمّ :
الغم ،يا صديقي القديمٌ ،
سالم عليك ،تعال فقلبي يخفق ألجلك. أ ّيها ّ
- 31 -
ال أمنية يل سواك 6
1أيلول 1961
- 32 -
وأطلب منك أيضً ا يا إلهي العظيم أن تعينني أكثر.
لدي سوى سبيلك وكمالك وجمالك .إنّ أنت يا إلهي ،تعلم أنّ ال أمنية ّ
وتعلم أن الع ّزة وال ّذ ّلة بيدك .وأعلم
ُ ما أريد ُه هو أمر قد أَ َم ْر َت به أنت،
بكل إخالص أن تساعدني وتأخذ بيدي. أنّني بدونك ال شيء ،فأرجوك ّ
- 33 -
ر ّباه إنّي أختنق 7
10أيّار 1965
ر ّباه إنّني ألوذ بك .ر ّباه إنّني أسير إليك .ر ّباه إنّني ذو ّ
حظ س ّيئ .ر ّباه!
يتفجر .ر ّباه! إنّني أتع ّذب .ر ّباه! قد أصبح
إنّني أحترق .ر ّباه! إنّ قلبي ّ
العالم مظل ًما ومعت ًما في نظري.
ُ
أصبحت مسكي ًنا. ر ّباه! قد
إلي ،أصبح مك َّد ًرا.
أحب ال ّناس ّ
ر ّباه! العشق ،ح ّتى عشق ّ
ر ّباه! إنّني مسكين.
ر ّباه ،قد أصبحت سماء آمالي وأمنياتي مظلم ًة وك ِد َرة .ألوذ بك ،وأم ّد
قلبي
السكينة ،هب َ نجني ،هبني ّ إليك ي ًدا ترجو المعونة .ساعدنيّ ،
أحد سواك .وفي الحقيقة ال أح َد لي المتأ ّل َم َّ
الطمأنين َة ،فليس لي ٌ
أطمئن إلى أحد .ال يمكنني أن أعيش على أملِ ّ غيرك .ال يمكنني أن
أحد .لقد نفر قلبي من الجميع .إنّني يائس من الجميع .إنّني متأ ّلم
من ال ّدنيا.
مغتم وذو قلب ذاوٍ ،رغم أنّ الجميع يظ ّنون أنّني سعيد.
أنا َتع ٌِبّ ،
فرحا
رغم أنّني أذهب إلى أصعب المه ّمات ،رغم أنّني يجب أن أكون ً
وضاح ًكا .ولكن كم أنا حزين وكئيب .الحزن واألسى يضغطان على
- 34 -
ُ
اقتربت من االختناق. قلبي ح ّتى أنّني ال أستطيع البكاء أو التأ ّوه .لقد
فنجني .أنت فقط من يستطيع أن يساعدني في هذه ر ّباه! ألوذ بك ّ
محتاج إلى عونك ،وليس هناك أحد
ٌ أتوجه إليك .إنّني
المحن .إنّني ّ
يحل مشكلتي سواك. يقدر على أن َّ
- 35 -
مذكرات لبنان |•
ّ •| من
الصدر .مضت أشهر عزمت ال ّذهاب إلى برج ح ّمود بأمر اإلمام موسى ّ
على محاصرة هذه المنطقة أ ّيام الحرب األهل ّية ،وال يمكن ألحد أن يخرج
كل يو ٍم ُيقتل عدد من المسلمين البؤساء خالل عبورهم من هذه منهاّ .
المنطقة .قبل ع ّدة أ ّيام ،ذبح س ّتة أشخاص أثناء خروجهم من برج ح ّمود.
للصراخ .تسعون في المائة من س ّكان الفقر والجوع يدفعان المرء ّ
هذه المنطقة المنكوبة قد هرب .إنّها منطقة مصابة ومبتالة .إنّها
عرضة لالعتداء والقصف في ال ّليل وال ّنهار!
أذهب إلى هناك وأوز َّع مقدا ًرا من ّ
الطحين ،األر ّز َ لقد ُأمرت أن
والس ّكر والحاجات األخرى .أن أرى عن قرب حاجات ال ّناس وأج َد ح ًال ّ
لهؤالء المفجوعين.
- 37 -
على الشّ خص أن يكتب وص ّيته ،ويج ّهز نفسه للموت .وقد فعلت ذلك.
منذ أشه ٍر وأنا على هذه الحال ،وكأنّ حياتي ومماتي س ّيان!
ألي حركة .قطعت كانت المنطقة الفاصلة منطق َة موت .ال وجود ّ
محطمة ،عند ّ
كل زاوية الطريق .أنابيب المياه ّ القذائف الثّقيلة أوصال ّ
وجانب ترى س ّيارة مد ّمرة ومحترقة .ما أوحش ذلك! لقد ألقى الموت
بظ ّله على ّ
كل مكان.
وصلنا إلى حاجز بعض الميليشياتُ ،أو ِق ْفنا لل ّتفتيش .كانت لحظة
علي النتهى أمري ...هنا يذبح ال ّناس ،اآلالف قد خطرة ،لو تع ّرفوا ّ
خسروا حياتهم عند هذه ال ّنقطة وبأفجع صورة .لحظة الموت ،انتظار
الموت؛ كم أنّ ذلك مخي ًفا ...لك َّنها لحظة ال تش ّكل ّ
لدي فر ًقا ،فالموت
ُ
تآلفت فيها مع الموت. إلي جميل ومحبوب .مضت سنون بال ِّنسبة ّ
الس ّيارة هاد ًئا ومبتس ًما ّ
بكل برودة أعصاب، جالسا في مؤخّ رة ّ
كنت ً
ومعي ثالثة بمنأى عن االعتداءات .إنّهم محسوبون من ضمن رعايا
هيئة األمم ويمألون المنطقة الفاصلة...
الس ّيارات الحاجز واحد ًة تلو األخرى ،أخي ًرا وصلت سيارتنا إلى تجتاز ّ
تدل على أنّه ٌ
ضابط ضابطا ،وكانت مالبسه ُّ الحاجز .كان مأمور الحاجز ً
طلب بطاقات الهو ّية .أظهر الثّالثة بطاقاتهم واح ًدا تلو
في المغاويرَ .
اآلخر .كان يطالعها بد ّقة ممع ًنا ال ّنظر في الوجوه ّ
وموج ًها بعض األسئلة.
جاء دوري .كان قلبي يخفق بش ّدة ،لك ّنني حافظت على هدوئي.
- 38 -
استسلمت للقضاء والقدر وتو ّكلت على الله ،مح ّد ًقا في وجه الضّ ابط
وأعصاب باردة .كنت أعلم أنّه ال يمكنني أن أم َّر بسالم ،لك ّني ٍ بهدوء
كنت أحمل جواز سف ٍر لغريب يشبهني .أعطيته له .أخذه وق ّل َب ُه
بدقة ورماني بنظرة عميقة ومخيفة ...كأنّها نظرة عزرائيل .خاطبته
ببضع كلمات فرنسية قائ ًال له« :إنّني طبيب وقد جئت لتف ّقد مشفى
الفرنس ّيين» ،وكأنّه ص ّدق كالمي وس ّلم أمام نظراتي المؤثرة والهادئة،
ٌ
منطقة وأرجع لي جواز السفر .عبرنا حاجز الموت ودخلنا األشرفية .إنّها َ
الكل فيها مس ّلح .في كل مكان ترى آثار الدمار والخراب. مد ّمرةّ ،
منطقة مخيفة ،في كل مكان منها يكمن الرعب ،كأنّها القلعة ا ّلتي
السواد ،وصور القتلى مع ّلقة تنتظر هجوم العد ّو .ال ّنساء ك ّلهن يلبسن ّ
على الجدران ،وآثار الموت والحداد واضحة على األبواب والجدران.
صد ًقا إنّه ألمر مؤ ّثر.
عبرنا األشرف ّية ووصلنا إلى برج ح ّمود ،ثم دخلنا إلى ال ّنبعة .إنها منطقة
والبسة ثوب الحداد ،وجائعة ومحتاجة .قد عانت ٌ منكوبة ومحرومة
من الجوع والحصار وتح ّملت مصائب هذه الحرب القذرة.
أحس أنّني أشارك جميع ساكنيها :األطفال، عندما أمشي في ال ّنبعةُّ ،
ال ّنساء والمقاتلين إحساسهم باأللم ،وأبادلهم المح ّبة .إنّه اإلحساس
بأنّ هؤالء ال ّناس يعانقون الموت لي ًال ونها ًرا ،ويقضون ال ّليل وال ّنهار
تحت خطر االنفجار .لي ًال نها ًرا يسمعون نداء الموت يطرق أبوابهم
ويأخذهم واح ًدا تلو اآلخر .إنّه اإلحساس بأنّهم يقاومون الخطر
- 39 -
والجوع ويكملون طريقهم ويتن ّفسون .هذه األحاسيس المختلفة أ ّثرت
خاص لها. فيّ ،
ولدي اعتبا ٌر ٌ ّ
الصدر) بمساعدة ذهبت أو ًال إلى المشفى ا ّلذي ّأس َسه اإلمام (موسى ّ
الفرنس ّيين .آه ،ر ّباه كم كان ذلك مفج ًعا! كان هناك رجالن مصابان
بال ّرصاص يحتضران على سرير ويعانقان الموت .كان دمهما ينزف
ويجري على األرض .كان هناك بضع ُة جرحى آخرين جالسين في غرفة
االنتظار .كان ذلك مؤل ًما ج ًدا...
الطرف اآلخر ،وتحدي ًدا في مقابلنا ،كانت توجدوراء المتاريس ،وفي ّ
متاريس .لو أن مقات َلين متواج َهين نظرا إلى بعضهما من ك ّو ٍة ما بين
كل منهما .وكنت ّ
أتعجب عيني ّ
المتاريس ،الستطاعا أن يعرفا حتى لون ّ
كيف يمكن إلنسانٍ أن ينظر إلى عينِ إنسان آخر بهذا القرب ويقتله! في
الطرفين؛ كانت نقطة خطرة.أشخاص كثيرون من ّ
ٌ هذه ال ّنقطة كان قد مات
مقاتل من المدافعين عن المنطقة قد استق َّر ثلج الشّ يب على رأسه،ٌ
برق الشّ وق في عينيه ووهج العشق سالحا بيد ووردة باألخرىُ ، ُ
يحمل ً
في قلبه ،في معرض الخطر ،تحت مرمى نيران العد ّو ،يذهب وراء
الجمال ليع ّبر له عن الشّ جاعة وال ّتضحية! ّأي شجاعة هذه! لقد كانت
صورة ج ّذابة.
شفتي كانتا ترتجفان ،وكان
ّ أحضر ورد ًة وق ّدمها لي .أردت شكرهّ ،
لكن
قلبي يغلي وصوتي ال يخرج ،لذلك أجبته بقطرة دمع.
- 40 -
2 بهدوء وطمأنينة
حزيران 1976
ر ّباه! ّأي نعمة كبيرة وهبتنيها إذ ال أخاف الموت وال أخضع لتهديد
والسفهاء.
ووعيد قصيري ال ّنظر ّ
كل مكانُ ،يخضعان ال ّناس ده ٌر عجيب :اإلرهاب والوحشة يحكمان ّ
ألوامرهما وأفكارهما بق ّوة ال ّرصاص والحراب .وال ّناس الجبناء كال ّنعام
يسجدون أمام الق ّوة .أ ّما أنا ،أنا المتأ ّلم ،أنا ا ّلذي يرى الموت حل ًوا
وج ّذا ًبا ،أنا المبتسم دائ ًما للموت والمسارع الستقباله على ال ّدوام،
لدي في هذه ال ّدنيا وال أخس ُر شيئًا بالموت،أمل وال أمني َة ّ أنا ا ّلذي ال َ
أحس بالق ّوة ّ
والطمأنينة .وهؤالء ،سوا ًء السفالء ُّأنا في مواجهة هؤالء ّ
متعجبين :كيف يمكنني أن أقف ّ األعداء أو األصدقاء ،يتساءلون
بجسارة أمام عواصف األحداث وأستقبل بروحي أمواج الموت ثم
الطمأنينة وهذا الهدوء؟ أبتسم بهذه ّ
- 41 -
يف بوتقة االختبار 3
9كانون أ
ال ّول 1971
حدث عند الحدود الجنوب ّية مع فلسطين ٍ م ّرت ع ّدة أ ّيام دونما
دوي االنفجارات يصل إلى األسماع على ال ّدوام.
المحتلة .قبل ذلك كان ّ
واضحا أنّ اإلسرائيل ّيين يقصفون القرى بالمدفع ّية ّ
والطيران .كان وكان ً
واضحا من على بعد ع ّدة كيلومترات ،ويه ُّز أبواب
صوت االنفجار يصل ً
وحيطان المدرسةّ .
وكل عدة أ ّيام ُيحضر المواطنون أحد الشّ هداء من
خاصة بدفن الشّ هداء.
اسم ّالحدود ويوارونه الثّرى ضمن مر َ
في أميركا ،كان مسير العمر مالئماً وهادئاً ،ولك ّنه هنا عاصف ومتوتّر.
كل يوم من أ ّيام الحياة هنا زوبعة ،ومع ّ
كل خطوة د ّوامة من األعمال. في ّ
وحيث إن للعقل والقانون دور مح ّدد ،فإنّ المصير يح ّدده ّ
الطوفان.
ال ّدنيا! هي دنيا القهر والحقد ،إذ يمكن لحادثة صغيرة أن تقلب
رأسا على عقب ويمكن لمسألة واهية أن تجعل وجودك هباء.
حياتك ً
كنت قد سمعت عن القبض والبسط [الشّ دة واليسر] في الحياة ،لك ّنني لم
أكن قد ج ّربتهما إلى هذا الح ّد .خالل األشهر الثّالثة ا ّلتي قضيتها هنا كبرت
ع ّدة سنوات .عندما خرجت من أميركا لم يكن هناك شيب في شعري ،ولك ّنه
كل مالبسي قد أصبحت اآلن أصبح كثيرا! وزني تضاءل ج ًّدا إلى ح ّد أنّ ّ
علي لدرجة أنّني لم ألبسه في أميركا، واسعة ،بعض سراويلي كان ض ّي ًقا ّ
- 42 -
الصبر وال ّتح ّمل ا ّلذي كابدت ُه
أ ّما اآلن فإنّه يبدو كبي ًرا وواس ًعا .مع كل هذا ّ
وأكابد ُه ،فليس ببعيد أب ًدا أن أكون قد أصبت بالقرحة! ذلك أنّني في أغلب
األوقات أحترق بنار القهر والغضب وحسرة ال ّنفس .ضغط األعصاب هنا
أم ٌر طبيعي ،وأولئك ا ّلذين لم يعتادوا عليه هم في معرض الخطر .بحقّ ،
إنّ اإلنسان يقول الكثير عن ُبعد ،وي ّدعي ا ّدعاءات كثيرة ،ولكن في بوتقة
االختبار تستبين المعادن .برأيي أنّ الحرب مع إسرائيل ليست أم ًرا معق ًدا
كثي ًرا بال ّنسبة للعرب .مشاكلهم الواقع ّية معق ّدة أكثر بكثير من مشكلة
بالطبع يمكن ُّ
حل المشكالت األساس ّية روي ًدا روي ًدا خالل الحرب مع إسرائيلّ .
الحرب .ولكن يجب أن ُيعلم أنّ إسرائيل ذاتها كانت وليدة تلك المشاكل
الواقع ّية واألساس ّية .ومشكالتُها أكب ُر بم ّرات مما ك ّنا نراه من الخارج.
- 43 -
سخرين إلرادتك
ر ّباهّ .. 4
تشرين الثّاني 1972
أ ّيتها ال ّنار أغيثيني ،أغيثيني فأنا أحترق بنا ٍر دائمة .قد نفد صبري.
السكينة
أهب نفسي ّ قلبي المليء باأللم لم تعد لديه ُّأي طاقةُ .
عيني ج ّفتا كذلك.
لكن َّ
بواسطة ال ّدموعّ ،
ر ّباه قد لجأت إليك .امأل قلبي بح ّبك بحيث ال يكون فيه ّأي مكان
قدمي إلرادتك
ّ لعشق اآلخرين .سخّ ر وجودي من رأسي إلى أخمص
لدي.
كي ال أفكر في غيرك وال يكون لألمور األخرى ّأي شأن ّ
- 44 -
5 حمفل الوجود
تشرين الثّاني 1972
كل المالئكة حضرت في ساحة ال ّر ّب العظيم .كان كان يوم القيامةّ .
يو ًما مليئًا باأل ّبهة .كان الجميع يتق ّدمون ويرون منزلتهم وقدرهم
في محضر العدل اإللهي .وتبعاً لشأنهم وقيمتهم كانوا يستق ّرون في
الموضع المحدد لهمّ .
كل األشياء ،ال ّنباتات ،الحيوانات ،البشر ،والعقول
المج ّردة ،كانت تتق ّدم لترى منزلتها.
أتت ال ّنملة وتح ّدثت عن عملها ال ّدؤوب ،وجلست في مكانٍ ما .أتى
الطاووس ،أتىالكلب ،ق ِد َم الغزال ،أتى ال ّديك ،جاء ّ
ُ العصفور ،جاء
كل تح ّدث عن شأنه وجماله واستق ّر في مكان ما. األسدٌّ ،
كل قد عرض شأنه وخدماته وجلس أتت الوردة ،الشّ جرة ،سنبلة القمحٌّ ،
قصصا عن ال ّذكريات
في مكانه .أتى البشر ،جاء آدم ،جاءت ح ّواء ،وس َردا ً
البعيدة ّ
والطويلة .ذكرا ال ّل ّذة األولى واعترفا بالخطيئة األولى .سجدا لله
ثم استقرا مكانهما .جاء ال ّناس اآلخرون ،جاء نوح ،Qجاء إبراهيم ّ
،Qجاء موسى ،Qجاء عيسى المسيح ،Qجاء محمد
علي .Qجاء ،Pوتح ّدث عن رسالته العظيمة للبشر ّية وجاء ّ
الجميع وتح ّدثوا ساردين قصصهم وعجائبهم وجلسوا في أماكنهم. ُ
كل تح ّدث عن عباداته و ُق ُرباته وجلس في مكانه. جاءت المالئكةٌّ .
عندئذ ،جاء العقل؛ زاغت األبصار من نوره ،وخضعت ال ّرؤوس لجالله،
كشمس ساطع ٍة وسط العالم .تح ّدث ٍ كرسي عالٍ
ّ واستق ّر هو على
- 45 -
العقل عن أفضل ّيته .لقد ع ّلم البشر كيف ّية إيقاد ال ّنار .وصنع العجلة
لنقل األشياء الثّقيلة ،اكتشف الحديد ،ه ّيأ وسائل العيش .خ ّب َر عن
ال ّذكريات البعيدة وتن ّبأ بالمستقبل المبهمَ .منح اإلنسان األفضل ّية على
فأي كائنٍ يمكنه أن يدانيه؟الطبيعة ،وفي هذا المجال ُّ ّ
الصمت على المكان ك ّله .وفجأة حدث برق ورعد، م ّرت م ّدة ،استولى ّ
والسماء ،وانطلق ندا ٌء من عند الله يأمر العقل بأن تزلزلت األرض ّ
يسكت ،قائ ًال :إليكم أعظم خلقي ا ّلذي خلقت كل الخلق ألجله ،إنّه
القلب من هذا العالم فستنطفئ الحياة .إن ُ
سلبت أزلت َ القلب .فإن أنا ُ
كل ذرات الوجود .لو لم يكن القلب والعشق، الكون العشقَ تتالشى ُّ
يعي الجمال؟ كيف كان له أن يدرك عظمة فكيف كان لإلنسان إ ًذا أن َ
وتوسل ال ّنجوم في قلب ال ّليل؟
السماوات؟ كيف كان له أن يسمع دعا َء ّ ّ
كيف كان له أن يدرك ما وراء الخلق ،أو يدرك وجود الخالق؟
جلس الجميع في أماكنهم ،وجلس العقل خَ ِج ًال على كرس ّيه ،واستق َّر
القلب كمظ ّل ٍة من نو ٍر على رأس جميع موجودات عالم الخلق على أنّه
أول ٍّ
تجل لل ّرب العظيم.
منذ أن خلق الله الخلق ،كان القلب فقط موضع ثقة الله العظيم،
هدف الحياة .القلب وحده المعراج إلى َ وصار العشق ،وتج ّلياته،
السماوات ،وهو الوسيلة الوحيدة ا ّلتي ُي ْد َرك بها اللهَ .إنّه ملكوت ّ
ٌ
مضيئة تني ُر شمس
ٌ نجمة االفتخار ،تسطع على جبين الخليقة .إنّه
وعصارة الوجود باطن الكون وتوصل اإلنسان إلى الله .القلب هو روح ّ
ا ّلتي ال معنى للحياة بدونها.
- 46 -
6 السماء
أفرح بارتفاع ّ
تشرين الثّاني 1972
- 47 -
رسالة إىل نرميان
[[[
7
12كانون ّأول 1973
السنة عزيزي نريمان ..تق ّبل سالمي الحميم من القلب المع ّذب ،ففي ّ
كنت قد خسرت «جماالً» .ولقد كان بال ّنسبة لي قبل أن يكون، الماضية ُ
مج ّرد أمنية ،خياالً ،أم ًال ،قد يتح ّقق يو ًما ما ،مقتف ًيا أثر والده ُ
ويرث
كل شيء .وموت خسرت ُّ وجوده وشخص ّيته .وفق هذا الحساب فقد
وجع ُأضيف إلى الوجع ّ
السابق ال ّدائم ا ّلذي كان يع ّذبني وال يزال. جمال ٌ
نفترض أنفسنا محور ال ّدنيا وما فيها ،ونعتقد أنّ ّ
كل ُ نحن ،بمعظمنا،
السماء واألرض وال ّنجوم تسي ُر وتجري الستقبالنا.ال ّدنيا تجري ألجلناّ ،
السماء ستبكي لغ ّمنا ،أو أن قلب الحجر سيذوب من ألمنا، نعتقد أنّ ّ
أو أنّ جريان ال ُفلك سيتو ّقف .لك ّننا فيما بعد فهمنا أنّ هناك ماليين
البشر مثلنا في هذه ال ّدنيا الكبيرة قد جاؤوا وذهبوا ،ولم يحدث ّأي
تغيير في سير الحياة .نحن المغرورون وا ّلذين ُّ
نظن أنفسنا كبا ًرا.
ولك ّننا نحن فع ًال أضعف من قشّ ة صغيرة تتأرجح على يد عواصف
البالء واألمواج المتالطمة في محيط الوجود دون إرادةٍ ،ودون قدرة
على تغيير حركة األمواج أو اتجاهها .مع إدراكنا لهذه الحقيقة علينا
أن ننزل عن مركب الغرور ونختار ألنفسنا طريق ال ّرضا وال ّتسليم ،أن
- 48 -
نتق ّبل اآلالم ،أن ال نغت ّر بال ّل ّذات العابرة ،أن ال ّ
نتوهم ألنفسنا الخلود،
الطرف عن اآلمال واألمنيات البعيدة ّ
والطويلة. ونغض ّ
َّّ
كنت أريدُ أن أخلط عشق المرأة مع عبادة الله الواحد .كنت أو ُّد أن
أعبد «براونه»[[[ ،وأعتبر هذه العبادة ضمن فلسفة الوحدة ،وجز ًءا من
عبادة الله؛ كنت أريد أن أذوب في وجودها وأج ّرب حالة الفناءُ .
أردت
أمزج الحياة ال ّزوج ّية بالعبادة والفناء وال ّتوحيد .أردت أن أضع يدي
أن َ
بيد الله ،أردت أن أخلط الجسم وال ّروح مع بعضهما .أردت أن ألخّ َص
الوجود في الله والله في [بروانه] .ولك ّنها لم تكن لمثل ذلك أه ًال،
ور ّبما لن يوجد أحد آخر يملك أن يكون لذلك أه ًال.
أحس
الفلسفي .إنّني ّ
ّ إنّ إدراك هذا األمر أوجد ّ
في نو ًعا من اليأس
بوحدة شديدة ،وحدة مطلقة ،وحد ٍة حيث أقف في ٍ
طرف ما والله
طرف آخر وبقية العالم في صمت وموت وعدم .أف ّكر أحيانًا في في ٍ
أنّ الله أيضً ا كان وحي ًدا .فخلق الله في البداية ّ
السماء واألرض وال ّنجوم
أحد منها مش ِب ًعا لوحدته.
والمالئكة والموجودات ،ولكن لم يكن ٌ
والحب ،وجعل روحه ّ عندها خلق اإلنسان على صورته .أعطاه األلم
متحدة به وسابحة في بحر أحديته .ولك ّنني أنا اإلنسان ،أخاف منه.
لدي سواه ،وأنه اللقد وقفت أمامه وحي ًدا ،وألنّني أحسست أن ال أحد ّ
علي أن أتّجه فقط وفقط َصو َبهُ ،لذا وبسببيمكن ال ّلجوء إ ّال إليه وأنّه ّ
- 49 -
ُ
أحسست عدم القدرة على االختيار ،وبسبب هذه السبيل اإلجبار ّية،
َ
فتزلزل كياني. بالوحشة
كل المفاتن،الطرف عن ّ أغض ّ
كل شيء ،أن ّ أعلم أنّني يجب أن أو ّدع ّ
علي أن أنسى ال ّزوجة والولد، ال ّلذات ،واألمور المح ّببة إلى ال ّنفسّ .
علي أن َّ
أحس بوجود علي أن أنساهم .عندئ ٍذ ّ وح ّتى األصدقاء كذلك ّ
علي أن أغوص في تج ّليا ِت ِه وأتع ّلق بذاته.
الله في تلك العزلة المطلقةّ .
لدي ّأي رفيق فيعلي أن أف ّر من الظاهر وأغوص في الباطن .وليس ّ ّ
لدي ُّأي أحد يشاركني ألمي. ّ ليس مساعد. أي
ّ ّلدي ليس ريق. ّ
الط هذا
وحيد أناٌ ،
وحيد أنا ،وحيد.. ٌ
كل البشر ا ّلذين عاد ًة ال يفهمون ما أجل إنّ قدر اإلنسان ،قدر ّ
خضم المشكالت وضوضاء الحياة ،إنّهم كالموتى ،إال أنّهم ّ يجري في
يتح ّركون ،يسيرون وال يعون شيئًا.
لقد أحيط قدرنا أيضً ا بالغموض ،فال الماضي كان بأيدينا وال المستقبل
يكون كما نريد .اآلالم والعذابات المترافقة مع ال ّلذات العابرة والغرور
كل زاوية كما ّ
القش، تُشغل اإلنسان ،وحوادث ال ّدهر تلقي بنا في ّ
ونحن نمضي ُقدُ ًما مس ّلمين بالقضاء وراضين بمشيئته ،إلى أن تبتلعنا
ثعابين الموت.
- 50 -
8 هنا الفاجعة
كانون أ
ال ّول 1975
- 51 -
كل هدف ،وفوق عالم الفداء لتحقيق هدف مق ّدس أكبر من ّ سبيل العدالةَ ،
حب ال ّذات واألنان ّيات وفوق األعمال الحيات ّية وال ّتجار ّية،
كل شيء ،وفوق ّّ
كل ما يملكه حتى حياته .لكن ،إذا نجح أحد في تجاوز كل ذلك، ويتجاوز ّ
ٌ
فاجعة مهولة. ثم وقع في بئر اليأس وال ّتشاؤم ،فقد حصلت
- 52 -
9 غدا يولد املسيح
ً
25كانون أ
ال ّول 1975
- 53 -
أعبد اهلل العظيم 10
22نيسان 1975
إنّني أختنق ،أريد أن أبكي ،أريد أن أصرخ ،أريد أن ألتجئ إلى البحر ،وأريد
بالسماء .ال ّدمع يجري على صفحة وجهي األصفر ،أمسحه ،أف ُّر إلى أن ألوذ ّ
إلي .احترقت ع ّد َة ساعاتٍ ،وغرقت في حالة من أحد ّ
ال ّزوايا كي ال يلتفت ٌ
الحماسة والثّورة ال ّربان ّية .كان قلبي قد انشقّ ،وروحي قد ح ّلقت .كنت
أحس أنّني قد تجاوزت ال ّدنيا وما فيها.
أحس أنّني قد اقتربت من الله .كنت ُّ ُّ
للغم،
مجالسا ًّ ً
وكنت فقط منشغال بال ّروح، ّ
كنت قد تركت الجميع وكل شيءُ ،
متك ّي ًفا مع األلم .وكنت فقط أعبد الله العظيم وحده.
- 54 -
11 كيمياء العشق
22نيسان 1975
ح ًّقا ،ما العبادة سوى تلك األذكار التي تُكسب ال ّروح سم ًّوا؟ وتوجد في
قلب اإلنسان ذلك اإلحساس ا ّلذي ال يوصف؟ اإلحساس ا ّلذي ُيحرق الجسم،
كل ذ ّرات وجوده ترتعش ،ويجعل ال ّروح ُيلهب القلب ،يس ّيل ال ّدمع ،يجعل ّ
العرفاني ،ا ّلذي ينطلق من
ّ مح ّلقة ال ترى وال تريد غير الله .هذا اإلحساس
أعماق وجود اإلنسان ويح ّلق باتّجاه أبد ّية ال ّر ّبُ ،يس ّمى العبادة.
أ ّيها ال ّر ّب العظيم ،كنت أعبدك لع ّدة ساعات ،وكانت عباد ًة عجيبة!
غم آخر .هناك حيث تلتقي دنيا غم مع ّ عبادة قد نتجت عن التقاء ّ
اتخذت لقب العاشق المتأ ّله، ُ الوحدة مع موجو ٍد وحيد ،هناك ُ
حيث
أخمص قدميه.
ِ التقيت بمالكٍ قد ُملئ عش ًقا من رأسه إلى
ر ّباه! ّأي دنيا قد خلق َتها؟ ّأي سماوات عاليةّ ،أي ورود متن ّوعةّ ،أي
بحارّ ،أي جبال ،صحاري ،غابات ،قلوب مكسورة ،أرواح ذابلة ،آالم
وأي حرمان؟ وأي دموع ّ قاتلة ،أحاسيس عاشقة ،تضحياتّ ،
والغم والحرمان،
ّ وعظم َة اإلنسان في األلم عجيب أنّك جعلت رفعة َ
فلست تريدُ العالم دون ألم وأنين وحرمان .نحن كذلك عاشقون َ
لوجودك ونذهب باتّجاهك بقلوب محترقة ودون حيلة .أنت تحرقنا
الغم ،وتب ّدل بكيمياء العشق طينتنا ال ّتراب ّية إلى روح سامية فوق بنار ّ
والسماوات ال تريد غيرك وال تعبد سواك. األرض ّ
- 55 -
أعشقك من األعماق 12
1976
وأفتح قلبي المليء َ يا حسين ،أ ّيها الشّ هيد العظيمُ ،
أتيت كي أناج َيك،
باأللم لك .لقد فررت من الثّور ّيين الكاذبين .إنّني ُأبغض ال ّتجا َر ع ّبا َد
الما ّدة الم ّدعين للثّورة .إنّني أمقت ا ّلذين يتاجرون بدماء الشّ هداء.
بأي قيمة إنسان ّية هارب من هؤالء الميكيافيل ّيين ا ّلذين ال يلتزمون ّ
إنّني ٌ
ويفدون مصالحهم الشّ خص ّية وأغراضهم الماد ّية الحقيرة بكل ما يملكه
ال ّناس :حياتهم ووجودهم وشرفهم ،وحتى اسم الثّورة المق ّدس.
يا حسين ،قلبي مغموم وروحي حزينة .إنّني أتابع نضالي بنا ًء على
خضم طوفان األحداث ا ّلتي تسحبنا كما
يائسا متأل ًما في ّ وظيفتي فقط ً
الطرف أو ذاك .وأحيانًا أنوء تحت وطأة الضّ غط القش إلى هذا ّ كومة ّ
والغم ،لكي ُأخرج على
ّ وحي فأتع ّلق بعباءة الشّ هادة فا ًّرا من األلم
ال ّر ّ
األقل نفسي من هذا ال ّنفق الموحش ا ّلذي ابتلع الثّورة والجميعَ ،
وأترك
بثوب هذا العالم الحقير وهؤالء الم ّدعين الكاذبين َ
وأنال لقاء الخالق ٍ
طاهر وكفن دا ٍم.
ثوري
كل ّ كنت أق ّدس فيها ّ
أ ّيها الحسين المق ّدس ،م ّرت م ّدة طويلة ُ
وأقرن اسمه بذكرك ،وأجعله في قلبي ،وكنت أعشقه كعشقي لك،
بأيوكنت أق ّدسه كقدس ّيتك ،وفي سبيل مساعدته لم أكن أبخل ّ
تضحية ح ّتى بذل حياتي ووجودي.
- 56 -
درسا كبي ًرا وم ًّرا بأنّ ّ
السالح والقتال والثّورة وح ّتى لكن ال ّتجربة علمتني ً ّ
الشّ هادة يجب أن ال تُحت َرم وتق ّدس لذاتها ،بل المهم هو اإلنسان ّية،
ال ّتضحية في سبيل المثل اإلنسان ّية ،ال ّتغلب على األنان ّية والغرور
يهم أكثر من ّأي
والمصالح الماد ّية ال ّدنيئة ،واإليمان بالقيم اإلله ّية .ما ّ
ألي شيء أن يأخذ مكانها. شيء هو اإلنسان ّية والقيم اإلله ّية ،وال يمكن ّ
يجب صنع اإلنسان ،يجب تحديد الهدف على أساس منظومة القيم،
وأنّ المعيار والمقياس يجب أن يقوما فقط وفقط على أساس القيم
واإلنسان ّية واإلله ّية.
تقديس أعمق وأش ّد ً
وهجا .يا ٌ يا حسين ،اليوم أيضً ا أق ّدسك ،ولك ّنه
حسين تعشقك أعماق وجودي وح ّتى سماء روحي ،وتريدك وتبغي
وصالك.
وأحس أنّ ليس من دوا ٍء َُ
يهب ُّ يا حسين ،إنّني متأ ّل ٌم ،كسي ُر القلب،
السكين َة لقلبي المحترق َ
سواك وسوى طريقك. َ
يا حسين ،إنّني ال أسعى للبقاء ح ًّيا ،لست أخشى من الموت ،قلبي
متع ّلق بالشّ هادة ،وقد غسلت ّ
يدي من ّ
كل شيء ،ولك ّنني ال أستطيع
تق ّب َل أن تكون القيم اإلله ّية وحتى قداسة الثّورة قد أصبحت لعبة
السياسيين وال ّت ّجار ع ّباد الما ّدة.
ّ
- 57 -
مل أصبح ً
الئقا للقائه 13
1976
- 58 -
أوجه ال ّناس إليه .أسير على ال ّدوام باتّجاهه وهو هدف حياتي.
ّ
لك ّنني لم أجلس قبالته وج ًها لوجه ودون حاجز أب ًدا .وكأنّني أخاف أن
أصاب بالعمى من ش ّدة نوره .أخشى أن أنمحي من جالله .أخجل من
أن أجلس في مقابله وفي قلبي وروحي ٌ
أحد سواه.
أح ّبه كثي ًرا .إنّه ر ّبي .قِبل ُة مناجاتي .رفيق َّ
ليالي المظلمة .الوحيد ا ّلذي
لم يتركني في أي حال ،وأنا أيضً ا لم أترك ذكره في ضميري أب ًدا.
كل وجودي مغمور بعشقه ومح ّبته ،لك ّنني أخاف منه ،أخجل من
حضوره ،أتج ّنبه على ال ّدوام ،أناديه ،أناجيه من خلف ّ
الستار ،أراسله،
ّ
أدل الجميع إليه ،أذرف ال ّدمع للقائه ،لكن وعندما يأتي لمالقاتي ،أنا
من يتج ّنب ذلك ،أختفي ،أغرق في صمت مميت .ال جرأة ّ
لدي على
مالقاته .لست أجد في نفسي صفاء حضوره.
كل ّ
الظروف .ولك ّنني أنا كل حين وفي ّ
هو حاض ٌر دائ ًما لمالقاتي في ّ
من ال أرى نفسي الئق ًة للقائه .أخجل من خوفي ووضاعتي ،فأف ّر منه.
- 59 -
..صرت دخا ًنا 14
1976
كان شمع ًة .انفصل عن دنياه ،ودخل صرح وجود العالم .وقع في فخ
عشق [بروانه] وأصبح أسي ًرا ،احترق وصار هبا ًء.
وكل شخص ذهب إلى شأنه .ذهب الجميع لك ّنه استفاق من ال ّنومّ ،
وتركوه وحي ًدا ،شمعة ملقاة بعي ًدا.
كنت جم ًعاُ ،
صرت كنت عش ًقاُ ،
صرت ما ًءُ . صرت دم ًعاُ ،كنت شم ًعاُ ، ُ
روحا .كنت قل ًبا ،صرت نو ًرا .كنت نا ًرا ،صرت دخانًا.
ً
- 60 -
15 الصدر
رسالة عشق إىل اإلمام ّ
30حزيران 1976
الصدر ،إلى من أعرفه أوصي من أح ّبه فوق الح ّد ،حبيبي ،اإلمام موسى ّ
وارث الحسين ،Qالشخص الذي لعلي ،Qوأعتبره َ َمظه ًرا ّ
الطائفة الشّ يع ّية في لبنان وفخرها ،وحامل ألف وأربعمائة هو رمز ّ
الغم ،الحرمان ،ال ّتحدي ،واإلصرار وطلب الحقّ ،وأخي ًرا
سنة من األلمّ ،
الشّ هادة .أجل أضع وص ّيتي لإلمام.
طبيعي ،ولقد تع ّرفت عليه منذ م ّدة
ّ لقد تج ّهزت للموت ،وهذا أمر
طويلة ،ولك ّنها الم ّرة األولى ا ّلتي أوصي فيها.
الطريق .سعيد إنّني سعيد ألنّني أصل إلى الشّ هادة على مثل هذا ّ
ألنّني انقطعت عن العالم وما فيه .قد تركت كل شيء ووضعت كل
حطمت القيد واألغالل وط ّلقت ال ّدنيا وما فيهاقدميّ .
ّ الشّ ؤون تحت
ثال ًثا ،وها أنا ذاهب بصد ٍر رحب الستقبال الشّ هادة.
لست آس ًفا على قدومي إلى لبنان حيث عانيت فيه مشاكل عصيبة
ست سنوات .لست ناد ًما على أنّني قد تركت أميركا، م ّدة خمس أو ّ
أنّني قد وضعت دنيا ال ّلذات وال ّراحة وراء ظهري ،أنّني نسيت دنيا
تخطيت كل المباهج ،وذكرى زوجتي العزيزة وأوالدي العلم ،وأنّني ّ
األح ّباء.
- 61 -
ّ
تخطيت تلك ال ّدنيا الما ّدية والمترفة ،ودخلت دنيا األلم والحرمان،
العذاب واالنكسار ،الشّ كوى والفقر والوحدة .أصبحت رفيقَ
المحرومين ،وصِ ْر ُت عض ًوا في جوقة المتأ ّلمين والمنكسرين.
الظالمين وأصحاب رؤوس األموال ،وولجت عالم يت عالم ّ ّ
تخط ُ
المحرومين والمظلومين ،وفي ّ
كل األحوال لست ناد ًما.
أنت يا حبيبي ،قد فتحت لي دنيا جديدة ليختب َرني الله العظيم
َ
ألبعث َ
ألحترق، ألصبح فراش ًة،
َ بشكل أفضل .أنت أعطيتني المجال
الظهور،اتي اإلنسانية ا ّلتي ال نظير لها من ّ ال ّنور ،ألعشقَ ،ألم ّك َن قدر َ
ألطأ لبنان من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه وأب ّي َن للجميع
ألصبح مظه ًرا
َ القيم اإلله ّية ،كي أع ّر َفهم طري ًقا جدي ًدا وقو ًّيا وإله ًّيا،
وأذوب في المجتمع، َ أنفصل عن وجودي َ للعشق ،كي أصير نو ًرا ،كي
كي ال أعود أرى نفسي وال أطلب ذاتي ،كي ال أرى سوى المحبوب وال
أختار طري ًقا سوى طريق العشق وال ّتضحية؛ كي أعرف الموت وأصادقه
وأتح ّرر من كل القيود واألغالل الماد ّية.
ألف الطائفة ،وتحمل على كاهلك ألم وعذاب ٍ أنت يا محبوبي ،رمز ّ
وأربعمائ ِة سنةٍ ،تتح ّمل على ال ّدوام هجوم وتهمة وأذى وكراهية
ألف وأربعمائ ِة سنةٍ ،وتعاني من أحقاد الماضي والعداوات ال ّتاريخية ٍ
والحسد واألحقاد ا ّلتي تحرق الكون .تقوم بال ّتضحية ،وتتغاضى عن
يخصك .تجعل من حياتك ووجودك فدا ًء للهدف ولوحدة كل ما ّ
بالسباب والخيانة. ال ّناس ،أما أعداؤك فيبادلونك على ذلك ّ
- 62 -
يوجهون إليك ته ًما كاذبة ،ويثيرون الجاهلين عليك .وأنت أ ّيها اإلمام ،ال
ّ
تنحرف عن الحقّ للحظة ،وال تبادلهم بالمثل .وكما الجبل في مواجهة
عواصف الحوادث ،تحث الخطى آم ًنا مطمئ ًّنا باتّجاه الحقيقة والكمال،
علي Qووارث الحسين .Qوأنا أفاخر بأنّني لذلك أنت ممثّل ّ
أقاتل في ركابك وأتذ ّوق شراب الشّ هادة في طريقك المليء بالفخر.
يا حبيبي ،ألم تعرفني بعد!
ذلك أنّ ال ّتواري والحياء منعاني من أن أكشف لك عن نفسي ،أو ّ
أسطر
كال ًما في العشق ،أو أتح ّدث عن حرقتي ولوعة داخلي.
شخصا عاد ًّيا .أنا
لست ً أ ّما أنا ،أنا ا ّلذي أق ّدم وصيتي ،أنا ا ّلذي أح ّبكُ ...
والسماحة، من أرباب العشق والعبادة ،أنا ممثّل الحقّ ،عنوان الفداء ّ
ال ّتواضع ،الثّورة والقتال .البركان ا ّلذي في داخلي يكفي لحرق ّأي
قلب ٍ
قاس، دنيا .نار عشقي وصلت إلى ح ّد أنّها قادرة على إذابة ّأي ٍ
تضحيتي وصلت إلى درجة ق ّلما وصل إليها أحد.
لقد أصبحت مم ّي ًزا بثالث خصال:
العشق :حيث يرشح العشق من كالمي ونظراتيّ ،
يدي وحركاتي،
حياتي ومماتي .إنّني أحترق بنار العشق ،وال أعرف هد ًفا للحياة سوى
العشق .ال أريد شيئًا في الحياة غير العشق ،ولست ح ًّيا بغير العشق.
محتاجا ،ولو أرخصوا لي
ً الفقر :إذ إنّني ح ّر من قيد كل شيء ،ولست
السماء واألرض فال يؤثر ذلك َّ
فـي. ّ
- 63 -
محتاج
ٌ الوحدة :ا ّلتي تصلني بالعرفان وتع ّرفني بالحرمان .من هو
للعشق يحترق في دنيا الوحدة بالحرمان ،وال يستطيع ٌ
أحد غير الله
أن يكون أنيس لياليه الموحشة ،ولن يمسح دموعه إال ال ّنجوم ،ولن
الصباح سوىيحس بآهات ّ يسمع مناجاته غير الجبال العالية ،ولن َّ
لينطوي بين يديه أو ليعشقه،َ الس َحر .أنا من يبحث عن إنسان ديك ّ
ولك ّنه ك ّلما بحث أكثر ،ك ّلما تضاءل وجود مثل هؤالء.
هذا ا ّلذي يوصي ليس إنسانًا عاد ًّيا ،لقد حاز أعلى المراتب العلم ّية.
ذاق برودة وحرارة الحياة .تعامل مع أجمل وأش ّد قصص الحب .قطف
كل ما هو جميل ومح ّبذ. من ثمر شجرة ل ّذاتها .كان له نصيب من ّ
كل شيء ،وق ِب َل حياة األلم
ولك ّنه في أ ْوج االكتفاء والكمال ،قد ترك ّ
وال ّدموع والشّ هادة من أجل هدف مق ّدس.
أجل ،يا حبيبي ،مثل هذا الشّ خص يوصي إليك.
كلوصيتي ال تتع ّلق بالمال والمنال ،ألنّك تعلم أنّني ال أملك شيئًاّ .
والمؤسسة .ولم آخذ من كل ما قدّ لدي يرجع إليك وإلى الحركة ما ّ
ليدي شيئًا لحاجاتي الشّ خص ّية ،ولم أرد شيئًا غير حياة بسيطة.
وصل ّ
ح ّتى زوجتي ،ولدي ،أبي وأ ّمي كذلك لم يصلهم م ّني شيء .وحيث إنّ
فمعلوم أنّ ّ
كل ما أملكه يرجع لك أيضً ا. ٌ وجودي بأكمله هو لك وللحركة،
لست مديونًا ألحد ،وفي الوقتوص ّيتي ليست حول القرض وال َّدينُ ،
ُ
ا ّلذي قد أقرضت فيه اآلخرين الكثير ،فإنّني لم أسِ ْئ إلى أحد .لم أكن
- 64 -
أستسيغ في حياتي سوى المح ّبة ،ال ّتضحية ،ال ّتواضع ،واالحترام ،ومن
هذه الجهة لست مديونًا ألحد.
أجل ،إنّ وص ّيتي ال تتع ّلق بهذه األشياء.
وص ّيتي هي حول العشق والحياة والواجب.
أحس أن شمس عمري قد وصلت إلى حا ّفة األفول ،ولم تعد ّ
لدي
فرصة ألوصيك.
أوصيك في الوقت ا ّلذي قد وضعت فيه روحي على ك ّفي ،وأنتظر في
كل لحظة أن أو ّدع هذه ال ّدنيا وال أراك بعدها.
إنّني أح ّبك .وهذه المح ّبة ليست لجهة الحاجة أو ال ّتجارة .لست
محتاجا إلى أحد في هذه ال ّدنيا ،وح ّتى أنّني أحيانًا أحس باالكتفاء
ً
وال ّرضا ح ّتى عن طلب الحاجة إلى الله العظيم أيضً ا .وال أطلب منه
أحس باالحتياج وال أريد شيئاً[[[ .ال أشتكي وليس ّ
لدي ّأي شيئًا .ال ّ
أمنية .عشقي سببه أنّك الئق بالعشق والمح ّبة ،وأنا أجد عشقك جز ًءا
من عشق الله ،وكما أعبد الله وأعشقه ،أعشقك أنت ممثّله على األرض
طبيعي كما ال ّتنفس.
ّ أيضً ا ،وهذا العشق بال ّنسبة لي
العشق هو هدف حياتي ومح ّركها .ولم أ َر شيئًا أجمل من العشق ،ولم
أرد شيئًا فوق العشق.
الر ّب أمنيته وطلبه ،ريف� ىض� ّ
بكل ما بالرضا حيث ال يريد ت ىّ
ح� تحميل ّ .1هذه حالة عرفان ّية تُعرف ّ
يريده هللا
- 65 -
إنّه العشق ا ّلذي يجبر روحي على االنطالق ويوصل قلبي إلى درجة
الغليان ،يظهر قدراتي الخافية ويبعدني عن األنان ّية وال ّتك ّبر .إنّني
ُّ
وأضمحل في عالم الوجود. أحس بعالم آخر،
ّ
حساسٌ ،
وعين ترى الجمال في رجفة ورقة، لدي إحساس لطيف ،قلب ّ ّ
الس َحر ال ّلطيفِ ،
موج البحر، نو ِر نجمة بعيدة ،حشرة صغيرة ،في نسيم ّ
كل هذه األشياء تأسر إحساسي وروحي ،وتنقلني من وغروب الشّ مسّ .
ِ
هذا العالم إلى دنيا أخرى .وك ّلها من تجل ّيات العشق.
أضحي من أجل العشق .أنظر بال مباالة إلى ال ّدنيا وأبحث عن
إنني ّ
أبعا ٍد أخرى من أجل العشق .أرى ال ّدنيا جميلة وأعبدُ الجمال من
أحس بالله وأعبده وأق ّدم له حياتي
أجل العشق .ومن أجل العشق ُّ
ووجودي.
أشخاصا كث ًرا وح ّتى قد عشقتهم
ً أعلم أنّني في هذه ال ّدنيا قد أحببت
ولك ّنني لم أحصل سوى على اإلساءة جوا ًبا .إنهم ّ
يفسرون العشق
بالضّ عف ،وحسب تعبيرهم :قد تذاكوا واستغلوا المح ّبة!
لكن هؤالء الج ّهال ،ال يعلمون ّأي نعمة عظيمة هي العشق والمح ّبة،
هم محرومون .ال يعلمون بأنّهم لم يدركوا أعظم ُبعد للحياة .ال
ليس سوى إفالس وسوء ّ
حظ ومذ ّلة. يعلمون بأنّ تذاكيهم َ
وأنا أرى ق ْدري أكبر من أن أحرم أح ًدا مح ّبتي ،ح ّتى وإن لم يدركها،
وأساء االستفادة منها.
- 66 -
أحب من أجل الثّواب أو أن يكون لي ثمن في مقابل أنا أكبر من أن ّ
أعظم ٍ
ثواب ُ العشق .أنا أحترق في عشقي وأتل ّذذ ،وهذه ال ّلذة هي
حسب مقاب ًال لعشقي.
يمكن أن ُي َ
تحب ال ّناس،
تسبح في بحر العشقُّ ، ُ أعلم أنّك أنت أيضً ا يا حبيبي،
وتحسن إلى الجميع دون بخلٍ .وما أكثر أولئك ا ّلذين استغ ّلوا هذه
ُ
المحبة ،وح ّتى أنّهم يسخرون منك ،ويعتقدون أنّهم يخدعونك .وأنت
تعلم هذا كله ولك ّنك ال تعمل على تغيير أسلوبك .ذلك أنّ مقامك
فطري ،كما
ّ وتحب تحت تأثير اآلخرين .عشقك ّ أكبر من أن تعشق
الشّ مس تسطع على كل مكان ،وكما المطر يتساقط على العشب
واألرض الجرداء ،وال تتأ ّثر بر ّدات فعل قساة القلوب.
السامية الخارجة من دائرة األنان ّية وال ّتك ّبر
سالمي الحار إلى روحك ّ
السماوات وأسماء الله المق ّدسة. الضّ يقة والمعتمةّ ،
والسارحة في عظمة ّ
ليكن عشقي الحارق فدا ًء لعشقك ا ّلذي هو أعظم وأجمل ميزة
لوجودك ،وأغلى شي ٍء قد جذبني إليك ،وأقدس خصالٍ توضَ ع في
اإللهي.
ّ الميزان
- 67 -
قدري
ذكريات ليلة َ 16
أيلول 1976
ما أج ّلها ليل ًة كانت ليل ُة قدري .ليلة كنت أسكب فيها ال ّدمع ح ّتى
السيارة من ال ّليل حتى الصباح ،وأصعد إلى أعلى عل ّيين .كنت أقود ّ ّ
جالسا قربي .كان طري ًقا طوي ًال .ك ّنا نعبر خالل وكنت أنت ً َ الصباح
ّ
ّ
السيارة يضيء الطريق فيما األشجار والجبال والغابات .كان مصباح ّ
جالس ْين في
ك ّنا نعبر خالل نهر من ال ّنور .كان هناك شخصان آخران َ
المقعد خلفنا ،وهما يتح ّدثان وأحيانًا كانا ينامان.
لكن شعلة بركان روحي كانت تستعر ،وقلبي الهائج كان يالطم ،كما ّ
أمواج البحر العاتية ،صخرة وجودي .ولم يكن ُيرى من حياتي سوى
الغم والعبادة .لقد أصبح لساني ناط ًقا ،وكأنّ
ال ّنور ،العشق والوجدّ ،
إلي من أعماق روحي .كنت أب ّين ُج َم ًال جميلة وعميقة كانت تُوحى ّ
الصور كما يفعل شاعر قادر ،في الوقت ا ّلذي تجليات روحي بأبهى ّ
حطمت كل القيود كانت فيه ال ّدموع تجري رقراق ًة على وجهي .كنت قد ّ
واألغالل .كنت قد س ّلمت زمام أمري إلى القلب ،فكنت ُأخرج ما كان
يعتمل في وجودي دون خجل وخوف .كنت أتح ّدث عن عشقي وغ ّمي،
الصغيرة والكبيرة ،عن شؤون ال ّنفس
عن حسناتي وس ّيئاتي ،عن ذنوبي ّ
وسالت ،وعذابات ال ّروح وتأ ّوهات القلب ،عنوال ّرغبات ،عن الوجد وال ّت ّ
يختص بي .ما كنت أقوله كان عصارة حياتي ،وكان الحقيقة .كان كل ما ّ
- 68 -
وجودي ا ّلذي كنت أق ّدمه لك مرف ًقا بال ّدموع ،وأنت أيضً ا كنت تذرف
جناحا إلى جنب جناحَ .
وكنت السماوات ً ال ّدمع معي ،وتطير معي نحو ّ
تحترق وتتأ ّلم وتعبد الله معي قل ًبا إلى جنب قلبّ .أي ليل ٍة كانت ليل ُة
قدري! ليل ُة ارتقائي إلى السماوات ومعراجي ،عبادتي ،ممارسة عشقي،
حلليلة كان قد تح ّول فيها جسدي إلى روح ...ليلة كان الله فيها قد ّ
كل ذنوبي ،ليلة في وجودي ،وليلة كانت نار العشق قد أحرقت فيها ّ
الطفل .وأنتكنت فيها أناجي ر ّبي طاه ًرا وبريئًا كما طهارة ال ّنار وبراءة ّ
كنت وتحس بنار وجودي وتسمع طوفان روحيَ ، ّ كنت ترى دمعي إذ َ
كنت أناجيكحجة الله .كنت أتح ّدث معك وكأنّني أتح ّدث مع ر ّبيُ . ّ
َ
أصبحت معي بطريقة يمكن أن أمارسها فقط بين ي َد ّي اللهَ .
كنت قد
أحس أحس بالخجل ،ولم أكن ّ واح ًدا ووصلت إلى درجة االتحاد .لم أكن ّ
بالغربة ،ولم أكن مستوحشً ا من إبرازي ألسراري ال ّداخلية.
ما أج ّلها ليل ًة ليلة قدري .ليلة معراجي إلى السماوات.
سمعت عن طغيان العشق ،وكنت أعرف قدرة العشق ُ ُ
كنت قد
مهما في تلك ال ّليلة هو أنّ وجودي كان قدالمعجزة ،لكن ما كان ًّ
روحا ،وروحي كانت قد استعرت .كانت تريد أن تنفصل عن أصبح ً
األرض ال ّترابية مثل ال ّنور وتح ّلق نحو المج ّرات .عندئ ٍذ حضرت نا ُر
العشق ألستعين بها .وكان جسمي ال ّترابي قد احترق ،ولم يكن قد
بقي م ّني غير ال ّدخان ،وكان ال ّدخان هو من رافق روحي ليصال إلى
السماوات.
أقصى ّ
- 69 -
ليلة قدري ،ليلة كانت فيها خاليا جسمي قد غ ّيرت ماه ّيتها بنار العشق،
وأنا كأنّني لم أكن شيئًا غير العشق .قلبي كان قد أصبح كعبة العالم،
كان يحترق ،كان يسطع نو ًرا ،وكان الوحي اإللهي ينزل عليه ،وكان قد
صار أقدس مكان لعبادة الله .كانت تنطلق منه أمواج العشق العاتية
كل األنحاء .كانت تتك ّون فيضانات جارفة من ارتطام وتنتشر إلى ّ
الغم وصحاري الوحدة ،وكانت األحاسيس ال ّرقيقة وال ّلطيفة بجبال ّ
نار العشق تج ّر وجودي ك ّله إلى صحراء الفناء ،إلى ديار ال ّالمكان
وال ّالحدود .وتح ّررني من سجن الوجود المحدود.
ليتني كنت أستطيع أن أتذ ّكر ّ
كل الخواطر الملهمة لليلة الق ْدر هذه.
كم آسف ألنّ حبل أفكاري وطغيان إحساسي وشعلة روحي كانت
سريع وملهِب بحيث لم يكن ّأي شيء قاد ًرا على ٍ تتد ّفق بشكلٍ
تسجيلها وكتابتها.
كان نو ٌر يسطع على قلبي في تلك ال ّليلة المق ّدسة ،يجري على لساني،
ويسيل دم ًعا على وجهي .أنا أبيع كل حياتي من أجل ليلة قدر واحدة،
وإنّني أحيا من أجل ليالي القدر .وتجل ّيات ليلة القدر هي عبادتي
وكمالي وهدف حياتي.
- 70 -
17 رحلة إىل النّبعة ّ
الشهيدة
أيلول 1976
قبل ع ّدة سنوات ،دخلت ال ّنبعة برفقة أحد األصدقاء أل ّول م ّرة .حقيق ًة
ُ
وأصبحت مغمو ًما اغتم قلبي ،اكتأبت روحيّأي دنيا عجيبة كانت! ّ
وحزي ًنا من فقر وعوز محرومي ال ّنبعة.
في الحقيقة كان ذلك عجي ًبا ،األحياء والشّ وراع الضّ يقة والمظلمة،
البنايات غير المكتملة وا ّلتي تظهر األعمدة اإلسمنت ّية فوق أسقف
أكثرها ّ
وتدل على أنّ طاب ًقا منها لم يكتمل بناؤه بسبب الفقر.
كانت األحياء والشّ وراع قد امتألت باألطفال والشّ باب والكهول ،وكذلك
الفتيات وال ّنساء ،العجائز والشّ ابات ،جلسن إلى جانب الشّ ارع وراء
أوالدهن
ّ فرجتهن ،وقد أطلقن
ّ أبواب البيوت ،وجعلن من الشّ ارع
بينهن.
وهن مشغوالت بالحديث فيما ّ وسطهّ ،
أكث ُر الشوارع واألحياء كانت ممتلئة بعربات الج ّر التي كان أصحابها
وملحن .بعض الرجال كانوا يقفون مرتفع ّ
ٍ ينادون على بضاعتهم بصوت
للتف ّرج ،وعدد آخر كانوا يسحبون أنفسهم بصعوبة من بين الجمع
األسماع إلى
َ فيصم ُ
صوت بوقها ّ ويعبرون .أحيانًا ،كانت تمر سيارة ما،
أن يتق ّد َم ال ّناس ويتراجعوا بصعوب ٍة وتفتح العربات ّ
الطريق قلي ًال،
الس ّيارة قلي ًال .والويل إذا ما أسرع
بأوالدهن ح ّتى تتق ّدم ّ
ّ وتصيح ال ّنسوة
- 71 -
سائقٌ ما ،وقلقت ٌّأم على حياة ولدها؛ وعلى شرفات المنازل ،كانت
توجد ٌ
حبال ممدود ٌة قد نُشِ َر عليها غسيل ألبسة مختلفة.
َ
أغمضت عينيك؟ لقد أحضرتُك إلى ال ّنبعة كي تشاهد صديقي ،لماذا
السرقات وسفك ال ّدماء ّ
والظلم وال ّتجني البيوت الخربة والحرائقّ ،
ا ّلذي يعاني منه شعبنا هناك.
ال ،ال ،لم تعد ّ
لدي طاقة على رؤية هذه المشاهد المحزنة والموجعة!
كفى!
ما قد رأيته ٍ
كاف ،إنّني أرتجف ،أحترق ،ولم أعد أريد ال ّنظر إلى هذا
البؤس وهذه الجنايات.
إذا كنت تريد أن تتن ّهد وتس ّكن ألم قلبك الملتهب ،أنت ح ّر ،ولكن
من األفضل أن تترك آلهاتك المحرقة أن تمتزج بآهات ّ
كل األ ّمهات
وال ّنسوة ال ّلواتي رأ ْي َن الويل.
- 72 -
18 يدي من احلياة
غسلت ّ
كانون الثّاني 1978
ر ّباه ،إنّي ال أعلم في دنيا البشر إنسانًا أعظم وأكمل وأفضل من
علي ،Q ولك ّنك مع ذلك لم تنصره في ٍّأي من نضاالت حياته ،وقد ٍّ
تتحطم تحت سياط ظلم وجور وفساد تركت حكومته العادلة والمح ّقة ّ
معاوية ،دون أن تنتصر لها ،ولم تسمح لنبتة العدل والحر ّية واإلنسان ّية
وأي ا ّدعاءات!
تلك أن تنم َو .فماذا أقول أنا؟ ماذا أنتظر؟ ّأي أمنيات ّ
أساسا ،ح ّتى مح ّمد Pا ّلذي كان مدينة الحقّ ا ّلتي ارتوى منها ّ
علي ً
ّ
،Qإلى أين وصل به األمر في ال ّنهاية بعد كل تلك ال ّتضحيات،
الصعبة واالنتصارات العجيبة؟ كم قتل من كل تلك ال ّنضاالت ّ وبعد ّ
ال ّرجاالت وال ّنخب ا ّلذين تر ّبوا في مدرسة مح ّمد ص ّلى الله عليه وآله
علي .Q ومدرسة ّ
تد ّث َر الحسين ،Qسيد الشّ هداء ،أفضل ثمر ٍة لبستان ال ّرسالة
الطاهرةالظلم ،وال ّدم واالغتراب ،ألنّ شخصيته ّ بكل ذاك ّواإلمامةّ ،
واإلنسان ّية لم تكن مقبولة من ِق َبل نظام يزيد الج ّبار والفاسد ّ
والظالم.
على مدى تاريخ الشّ يعة ّ
الطويل واألليم ،ك ّنا على ال ّدوام ،نشاهد أفضل
نماذج الكمال وأعظم أحرار المجتمع يناضلون دون أن يحفلوا بال ّنصر،
ثم يعرجوا قرابين من على مسلخ العشق. ّ
- 73 -
واليوم كذلك ،نرى أمامنا مشه ًدا مشهو ًدا لصراع الحقّ والباطل ،مليئًا
بالحماسة ،حيث يق ّدم أبطال الحقّ والعدالة ال ّتضحيات ،ويكسبون
فخ ًرا كبي ًرا .ولكن ،هل يمكن أن ينشر طي ُر ال ّنصر ظالله علينا،
الظلم والكفر ،وينتشر العدل في المجتمع ،وترتفع ويستسلم شيطان ّ
علي المألى بالمفاخر على ق ّمة ال ّتاريخ؟ هيهات! فنحن نندفع راية ّ
فقط من أجل أن نحتضن عروس الشّ هادة ،ونح ّقق أبهى تجل ّيات
الفداء والعبادة والعشق ،وليس لنا ّأي حظٍ من مغانم الحياة ومفاتنها
المتالشية والمد ّمرة.
وبنا ًء على هذا ،فإنّني لم أؤ ّمل بال ّنصر ،ولم أجعله هد ًفا في ٍّأي من
أسع أب ًدا ّ
ألضح َي بطهارة معارك حياتي ،ولم أضع أملي في أحدٍ ،ولم َ
قلبي ولطافته في سبيل ال ّنصر وال ّنجاة ،لقد كان ال ّنصر ّ
أقل م ّما أريد.
لدي ّأي ٍ
داع يجعلني كل شيء ،ولم يعد ّ أنا ا ّلذي قد تر ّفعت عن ّ
والسلطات ،الضغوط ،ال ّتهديدات واإلغراءات .لقد
أخضع أمام األنظمة ّ
ولست أبيع طهارتي ونزاهتي هذه ّ
بأي شيء، ُ كل شيء، تح ّررت من ّ
ح ّتى بال ّنجاة وال ّنصر.
ٍ
نجاحات باهرة، ر ّباه ،لقد نصرتني في امتحانات كثيرة ،ووهبتني
وم ّيزتني من بين الكثيرين .لك ّنني ال أنسى أ ّيام ال ّدراسة ،كيف أنّني
كل امتحان أتخ ّبط بالخوف ،على رغم تم ّيزي ونجاحي كنت وقبل ّ
المتو َّقع واألكيد ،ألنّ ّأي خطأٍ صغي ٍر كان سيؤدي إلى سقوطي وخسارتي
للمكانة واالمتياز العلم ّي ْين ،وسيكون ذلك محزنًا وشدي َد األلم وغي َر
- 74 -
نصريَ ولكن هذا الخوف نفسه قد جعل قابلٍ لل ّتح ّمل بال ّنسبة ليّ .
األحقّ في معركة الحياة مح َّب ًذا ولذي ًذا .وأعتقد أنّ أصعب امتحان كان
في حياتي هو في سن َتي الحرب (حرب لبنان ال ّداخل ّية) وأنّ أعظم نصر
ح ّققته كان في ثباتي على طريق الحقّ ،وتح ّملي للعذابات واآلالم
الظلم والكفر .في حين واألخطار ،واالنتصار على موانع الشّ ّر والفسادّ ،
أنّه لم تكن هناك ّأي آمال مرج ّوة ،ولم أكن مطمئ ًّنا إلى حياتي ولو
فأظن أنّ الله العظيم يريد تهيئتي المتحانٍ للحظة واحدة .أ ّما اآلنّ ،
كل بقايا الغرور في وجودي الملتهب ،وتعود سما ُء أكبر ،تحترق معه ّ
كل روحي مضيئ ًة صافي ًة دون ّأي أنان ّية ،ويخرج من قلبي المحترق ّ
رجاء بغير العشق والعبادة للحقّ و ُيباد تما ًما.
اإللهي اآلتي ،أخاف من ال ّزلل ،الخطأ
ّ إنّني أخاف من هذا االمتحان
وال ّتقصير ،أخاف من القضاء والقدر وأستعيذ بالله.
حي؟ ماذا أريد من ر ّباهّ ،أي شيء أنا؟ من أكون؟ لماذا ُ
أتيت؟ لماذا أنا ٌّ
درويش ولهانٌ ،ذو قلب محترق ،ذو فؤاد منكسرٌ ،
يائس ٌ حياتي؟ ،أنا
وحيد ،أذهب الستقبال الموت ،حيث خطر الموت يتساقط من ال ّدنياٌ ،
كما المطر ،أسبح في بحر الخطر ،وأع ّد ال ّلحظات على أمل الشّ هادة،
هذا أنا.
وهناك حيث يوزّعون الجوائز والمنافع ،ويحتفل الجميع راقصين
فرحين بال ّنصر ،فال مقعد لي ،أجلس فري ًدا ووحي ًدا في زاوية ،وأختلي
مع ر ّبي وال ّدمع ،وال أتأ ّم ُل العطايا والمنافع ،وال أخاف من الخسارة،
- 75 -
السمعة وال ّتهجم وال ّتهمة والكذب.
وال أحزن من تشويه ّ
الحياة في نظري تفاهة ،انتصاراتها وخساراتها! حياتها ومماتها! أحزانها
وأفراحها! وما تر ّق ُب األمنيات وما الخوف في نظري سوى تفاهة .ال
شيء وال أحد يفرحني ،ولست مستوحشً ا من ّأي شيء أو أي أحد .لقد
يدي من الحياة. ُ
غسلت ّ
- 76 -
19 بانتظار مسلّح
15كانون الثّاني 1978
- 77 -
الطوفان؟
البط من ّ
أوهل يخاف ّ
ّ 20
25كانون الثّاني 1978
- 78 -
21 باخلط األحمر
ّ َمن سريسم
4شباط 1978
أصيح من أعماق القلب ،أدعو ال ّدنيا إلى ال ّنضال ،ولكن ال أحد يسمع
صياحي ،وأذهب وحي ًدا إلى حرب العالم .آخذ وجودي إلى ال ّنارُ .أريق
لعل وجدانًا يصحو ،لعل ُأ ُذنَ ضمي ٍر
لعل أح ًدا يعيّ ، دمي على األرض ّ
تسمع صرخة استغاثتي .ولكن واأسفاه فقد ج ّرت المصالح الماد ّية
وحب الحياة والمنافع الشّ خص ّية الجميع بسلسلة حديد ّية .وأصبح ّ
ًّ ّ ّ
الجميع أسراء وأذالء .أريدُ مت ّي ًما يرسم على الوجود كله خطا أحمر، ُ
السالسل ،ومن أسر الحسابات والمخاوف والعالئق ويتح ّرر من كل ّ
ال ّدنيو ّية ،يصير نا ًرا بشكلٍ كاملٍ ،يصير عش ًقا ،يصير صرخة ،يصير نضاالً،
ويغوص في طريق الشّ هادة ،ناق ًال
ُ يصير سي ًفا ،يصير منتص ًرا ،يصير أس ًدا
راية األمل بسعادة اإلنسان األسير ال ّدامية من نسلٍ إلى آخر.
- 79 -
وعلي
ّ أحب القدس
ُّ 22
8شباط 1978
أتيت إلى هذه البالد بعالم من آمال الجهاد ،واألحالم ر ّباه ،لقد ُ
الطاهرة ،واألماني المق ّدسة واإلله ّية ا ّلتي لم يكن فيها ّأي لونٍ لألنان ّيةّ
عصب .كنت أتم ّنى أن أق ّد َم نفسي في سبيل ثورة فلسطين، وال ّت ّ
وأجعل من روحي وثيقة تحرير لها ،فقد شممت عطر ال ّنصر.
كنت أتم ّنى وآمل أن أسافر إلى القدس راج ًال ،وأسجد هناك لله العظيم
وأشكر لطفه ورحمته.
كنت أتم ّنى أن أناضل في سبيل الحق والعدالة ،وأكون صاح ًبا
للمحرومين والمستضعفين وذوي القلوب المنكسرة وملجأً لهم.
علي في األرض ،وأفتح ستائ َر
علي ،جراح ّ
كنت أتم ّنى أن أغرس راية ّ
والطاهر بكلالساطع ّ ال ّتاريخ على نهار الحقيقةُ ،فأظهر وجوده ّ
فخر وعشق لعطشى الحقيقة والعدالة ،وأجمع اإلنسان ّية حول شمع
وجوده ال ّذائب في طريق الكمال ،وآخذ اله ّمة من إرادته العالية،
الصعبة والمتعبة في حيا ٍة ملؤها االمتحان
خالل مواجهة المشكالت ّ
يدي قاصرةوالغم ،األلم والمصائب .وفي يوم القيامة ،حيث تكون ّ ّ
ألثبت صدقي وعشقي عن ّ
كل شيء ،أق ّدم عل ًّيا شفي ًعا بين ي َدي الله َ
وإيماني.
- 80 -
كنت أتم ّنى أن أحمل راية الحسين ال ّدامية على كاهلي ،وأضيف
السلسلة ّ
الطويلة لشهداء طريق بال ّتضحية بوجودي حلقة أخرى إلى ّ
الحقّ ،وأجعل اإلنسان ّية أقرب ولو بخطو ٍة واحدة إلى الخالص.
أؤسس مدين ًة فاضلة تظ ّلها العدالة ،ويروي فيها نبع
كنت أتم ّنى أن ّ
الطاهرة ،ويغادر الحقد والحسد، العشق والمحبة أرض صدور ال ّناس ّ
ال ّتهمة والكفر ،الجهل ّ
والظلم ،األرض وكل ما فيها.
ما أجمل االعتماد على الله وال ّتحليق بقلب مطمئن حين تعصف
العواصف ،وال ّتخبط بكل عشق في قعر ال ّزوابع الخطرة ،وال ّذهاب
إلى حضن الشّ هادة في معركة الحياة والممات دون تر ّدد ،وتقديم
وجود المرء ك ّله قربانًا لله على مذبح العشق ،وال ّتر ّفع عن ّ
كل شيءٍ،
والوصول إلى الح ّر ّية المطلقة!
ما أجمل تح ّمل اآلالم والعذابات في سبيل المعشوق ،وال ّتفتت تحت
الغم ،وال ّتعرض لالتهام من
أحجار طاحونة الحياة ،والغوص في بحر ّ
أجل الحقّ ،وسماع كلمات الشّ تم وال ّلعن ،والمقت من ّ
كل مكان،
ّ
والطرد من ق َبل اآلخرين.
ما أجمل االلتزام بالقيم ال ّر ّبان ّية ،والعذاب من أجل الله ،والثّبات
والمعاناة من أجل الحقّ ،وصرف المرء نظره عن ّ
كل ما يملكه ويق ّيده،
وال ّتفكير فقط وفقط بالله ّ
والسير نحوه.
ما أجمل أن يصير المر ُء قندي ًال يضيء ّ
الطريق ،أن يبتغي تح ّدي الكفر
- 81 -
والجهل ،و ُيخضع وحش ّ
الظلمة ،ويجعل من وجوده سب ًبا أساس ًّيا
النتصار ال ّنور على ّ
الظالم!
ما أجمل البقاء مع الله فقط واالنقطاع عن العالم ك ّله ،واليأس تما ًما
كل مكان ّ
وكل شخص ،دون ّأي أمل وأمنية وك ّوة نور ،غير الله. من ّ
كل مظاهر الوجود، والسيطرة على ّ
ما أجمل اإلسراع للقاء اللهّ ،
وال ّتحكم ّ
بكل العالم وقوانين ال ّدنيا ،وسحق ظروف ال ّتاريخ القاهرة
وقلب مسيرته ،وإلحاق الهزيمة بالشّ يطان ،وإظهار جمال اإلنسان في
تكاملي لل ّنفس!
ٍّ أعظم ٍّ
تجل
يحس بلحظاتنا الثّقيلة والخطيرة ر ّباه ،من يعلم بحياتنا العاصفة؟ ومن ُّ
وكل ما نملك ،المه ّدد بخطر ال ّزوالّ .
كل يوم تُقام والقاتلة؟ وجودنا ّ
كل زاوية وطرف نرى ال ّتهمة والخداع ض ّدنا مؤامرة ودسيسة ما .من ّ
وال ّتزوير .لقد أصبح األفق مظل ًما ،المستقبل مبه ًما واآلمال مقطوع ًة.
ال تُنتظر المساعدة من ّأي مكان أو ّأي شخص .لقد تر َكنا األصدقاء
ليلجأوا جماعات جماعات إلى البلدان الخارج ّية من أجل العمل ورفع
سجاداتهم وجلسوا في زاوية مستوى المعيشة .ال ّتقليد ّيون أخذوا ّ
المسجد مب ِّرئين أنفسهم ومب ّررين فرارهم من المعركة بأعذار أقبح
المضحون كذلك َتعِبين وجائعين ّ من ال ّذنب .لقد أصبح الفدائ ّيون
هجم وال ّتهمة والخطرومش ّردين ومحزونين وآيسين .وصاروا معرضً ا لل ّت ّ
والموت .ح ًّقا ،إنّه لظلم كبير يوحي بمستقبل مبهم ومظلم.
- 82 -
23 التّحليق يف امللكوت
10شباط 1978
- 83 -
لذلك أردت أن أجعل أمني واستقراري بعي ًدا عن األمور الما ّد ّية ،وأتّكل
وأبني مستق ّري في بيت القلب ،وأبحث عن أمني على العشق والمح ّبةَ ،
واطمئنان خاطري في ُبع ٍد أعلى من أبعاد الحياة العاد ّية ،أسكن بيت
العشق ا ّلذي يبقى ويثبت خالل العواصف والزوابع وال يزول ح ّتى بالموت.
يتيم بعينين باكيتين ،وال تخرق صرخة موجع سكوت
كنت أتم ّنى أن ال ينام ٌ
ّ
الظلمة في منتصف ال ّليل ،وال ترتفع إلى ّ
السماء آهة محرقة بسبب اليأس.
وكل شخص، كل مكان ّ كنت أتم ّنى أن أرى تج ّلي ّ
الصفات ال ّر ّبان ّية في ّ
وأن أشاهد الجمال والجالل ،الكمال والعلم ،اإلبداع والعشق ،المح ّبة
واإلخالص واإلنسان ّية ،مدار الحياة.
الظلمة قدمي ،وأجبر ّكنت أتم ّنى أن أكون شم ًعا ،أحترق من رأسي إلى ّ
على الفرار ،وال أجيز للكفر ،الجهل ّ
والطمع أن يسيطروا على ال ّدنيا.
كنت أتم ّنى ،ر ّبما أمنيات بعيدة وطويلة! أمنيات ذهب ّية ،لك ّني اآلن
أحس أنها ك ّلها أصبحت ترا ًبا! فقد أسلمت للقضاء والقدر ساح ًبا يدّ
يائسا ومنكسر القلب.
األمانيً ،
الحظ .وفهمت أنّه، قد ع ّلقت القلب بالموت فقي ًرا ،مسكي ًنا وس ّيئ ّ
الطويل المليء باأللم ،كان لدى اآلالف اآلالف مثلي خالل هذا ال ّتاريخ ّ
أمنيات كبيرة ،ك ّلها اندثرت وأصبحت بعد ال ّتجارب المريرة ترا ًبا .وأنا
كذلك لست أفضل ولست أعلى مقا ًما من هؤالء ،ويجب أن ال أطلق
لدي تو ّقعات في غير مح ّلها.
ا ّدعاءات كاذبة ،وال تكون ّ
- 84 -
حال ًّيا صارت الحياة في نظري حقيرة ،إلى ح ّد أنّني لست حاض ًرا
ألدوس على ّأي حقّ من أجل نفسي ،بل وال من أجل ّ
كل ال ّدنيا ،أو
آخذ ح ّبة من نملة بالق ّوة ،أو أخاف خالل أداء كلمة حقّ من الموت
يدي من حياتي ،سارعت إلى مواجهة ُ
غسلت ّ أو شي ٍء أو أحد .بل لقد
الحوادث بنفسي ،وق ّدمت كل وجودي ّ
بكل إخالص.
- 85 -
دواء روحي 24
19شباط 1978
عدد من اآلباء واأل ّمهات من القرى الحدود ّية الجنوب ّية كي
اليوم ،جاء ٌ
ُيخرجوا أوالدهم من المدرسة ا ّلتي أديرها أنا في [جنوب لبنان]ُ ،سئلوا
عن ذلك فقالوا :بأنّ الجنود اإلسرائيل ّيين قد أ ّكدوا لهم بأنّ كل من
مؤسسة جبل عامل فليخرجه منها؛ ألنّ إسرائيل ستقصف ابن في ّلديه ٌ
المدرسة ،وبسبب ذلك امتأل اآلباء واألمهات رع ًبا وخو ًفا بشكلٍ يفوق
الوصف ،وها هم ُيخرجون أوالدهم من المدرسة بعد أن أتوا إليها
مسرعين جماعات جماعات.
هل ستقصف إسرائيل المدرسة؟
مدرسة جبل عامل هي منبع العشق والفداء المتد ّفقُ ،
نبع اإليمان
الحقيقي والقيم ال ّر ّبان ّية ،مدرسة قد ق ّدمت إلى اآلن أكثر
ّ واإلسالم
من عشرة أساتذة وتالمذة شهداء ،مدرسة هاجمها األعداء واألوغاد،
وقاتلت بنداء الله أكبر تحت وابل من ال ّرصاص والقنابل والمدافع،
ٌ
مدرسة هي معقل المسلمين الثّابتين بكل شرف،ودافعت عن موقعها ّ
مدرسة هي بيت اإلمام موسىٌ علي (ع) في جنوب لبنان، من شيعة ّ
الصدر ،وحركة المحرومين ا ّلتي كان يقودها ،وهي رمز ّ
الطائفة، ّ
مدرسة تُعتبر حصن الحقّ واإليمان.
- 86 -
الصفات ،فليس بمستبع ٍد أن تقصف إسرائيل المدرسة ،وتقتل مع هذه ّ
وتجرح ال ّتالمذة األبرياء .أنا بقيت في المدرسة وأريد أن أبقى كي أنال
الشّ هادة مع تالمذتي في حال وقع الهجوم.
غرق إسرائيل مدرستي بال ّتراب وال ّدم .لقد ق ّررت أن ُأخضع كابوسفل ُت ْ
ال ّرعب ّ
وأحطم وحش الموت بقدرة اإليمان وال ّتضحية وبحتم ّية الشّ هادة.
الحسيني ورقة مل ّونة من الفخار.
ّ تاريخ اإلسالم
أرسم في ِفليكن ذلك كي َ
كان االتّكاء على العشق واالستقرار في منزل القلب َ
األمل واألمنية
ذكي ينقذ روحي المضطربة القلقة من عقالني ّ
ٌّ الملكوت ّية ،كان تدبي ٌر
لدي أمانًا في ُبعد العشق وال ّروح ،مستق ًّال عن الجسد
ال ّتشويش ،ويوجدُ ّ
يرض ال ّر ّب العظيم بهذا األمن وهذه والمسكن .ولكن ،واأسفاه إذ لم َ
الطمأنينة ،ح ّتى في ُبعد العشق وال ّروح أيضاً ،ولم يشأ أن ي ّتخذ له من ّ
فيتحصل
ّ عشقي ال ّالهب،
َ قلبي منزالً للعشق ،أو أن يصير قلبي مستق َّر
أحد تحمل عشقي ،ولم لي من خالل ذلك أمن وطمأنينة .لم يستطع ٌ
يمنح روحي الهائمة الهدوء ،ولم ُيج ْد باالستقرار على قلبي المجذوب.
والطمأنينة ،كذلك .صرفت ال ّنظر عن كل ال ّرغبات تر ّفعت عن العشق ّ
الشّ خص ّية وال ّلذات الفرد ّية .أردت أن أمنح قلبي االطمئنان بال ّنضال في
سبيل العدالة وانتشار القيم اإلله ّية .أردت أن أسعد نفسي بالعشق
الطواغيت ،وتحرير البشر الظلمة ،وهزيمة ّ اإللهي ،وانتصار ال ّنور على ّ
ّ
من قيد األسر ،وأن أسعد ال ّناس .أردت أن أجتاز أبعاد ال ّتم ّنيات وال ّرغبات
الملكوتي للمحكمة
ّ حظي عند الحرم البشرية العاد ّية ،وأفرش متاع ّ
- 87 -
اإلله ّية .تناسيت زوجتي وفلذات أكبادي وأسلمتهم جمي ًعا ليد القدر،
الغم وبحر األلم في قلبي كي أساعد األيتام والموجعين .تق ّبلت جبل ّ
فلربما أداوي بذلك غموم وآالم المستضعفين .تق ّبلت الحرمان والفقر
قلب من الحرمان وال تصبح ٌ
روح ذابلة والوحدة لنفسي كي ال يحترق ٌ
من الوحدة ،وال تخرق صمت ّ
الظلمة في قلب ال ّليل آهة متأ ّلم.
- 88 -
25 ألجله خلق اإلنسان
19شباط 1978
العالم ج ّب َة الوجود
َ ألبس
كان الله وال شيء سواه .لم يكن الخالق قد َ
الظلمة ،كان الجهل ،كان العدم ،بار ًدا وموحشً ا ،ولم يكن بعد .كانت ّ
قد ُوجد شيء في دائرة اإلمكان .كان الكون كلمة ،كلمة لم تكن قد
ُأل ِق َيت بعد .كان الله خال ًقاّ ،
لكن قدرته الخَ لقية كانت ما تزال مخف ّية[[[.
ولكن سحابة رحمته لم تكن قد أمطرت بعد .كان كان الله رحي ًماّ ،
ولكن جماله لم يكن قد تج ّلى بعد .كان الله عادالًّ ،
ولكن الله جمي ًالّ ،
ولكن قدرتهعدله لم يكن قد حكم الوجود بعد ،كان الله قاد ًرا وقدي ًراّ ،
والظلمةلم تكن قد تج ّلت في ميدان العمل .كيف ُيظهر في العدم ّ
كلمة في الصمت؟ كيف تتجلى شعاع كماله جالله وجماله؟ كيف تولد ٌ
السكوت الظالم ،كان ّالقدرة واإلبداع في الجمود؟ كان العدم ،كان ّ
السماوات ثم تج ّلت إرادة الله ،خلق الجبال ،البحارّ ،
والجمود والوحشةّ .
والمج ّراتّ .أي انفجاراتّ ،أي فيضانات! ّأي سيول! ّأي جلبة كانت قد
ش ّكلت أساس الخلقة ،وكانت تنشر الحياة في كل اتّجاه بحماستها
ونشاطها الفائق الوصف .تح ّركت األشجار ،الحيوانات ّ
والطيور .خ ّيم
الجالل على عالم الوجود ،وأظهر الجمال وجهه ال ّرائع ،وتع ّهد الكمال
- 89 -
بإدارة هذا ال ّنظام العجيب .بدأت الحيوانات بال ّتحرك ّ
والطيور بال ّتغريد،
وأنشد الوجود نغمة الفرح ،وشرعت المالئكة بنشيد العبادة.
عندئذٍ ،خلق الله اإلنسان [من حمأ مسنون][[[ ،وجعله على صورته،
َ
وأفلت هذا الخلق العجيب وسط جلبة الوجود ونفخ فيه من روحه[[[،
مستوحشً ا غري ًبا.
بالصمت،
والصحبة ،فالذت ّ الصداقة ّ
ذهب إلى المالئكة وطلب منها ّ
عاتب نفسه قائ ًال« :أ ّيها ّ
الطين ال تطمع بمجالسة المالئكة».
كل واحد منها تجاوزه دون جواب .عرض نفسه اقترب من الحيواناتّ ،
بالصمت .عرض السحاب وال ّرياح ،على البحور واألمواج ،ك ّلها الذت ّ
على ّ
نفسه على الجبال فأخذها الشّ موخ والجالل وتعالت عليه بجبروت،
ولى منكس ًرا
السماء ،على ال ّنجوم ،ولكن دون جدوىّ ، عرض نفسه على ّ
الصحاري دون أن يحفل ببريق أمل فشعر بحقارة ما ّدته ،وحزن، نحو ّ
ذرف ال ّدمع ،صرخ من أعماقه ،استجدى ّ
كل الكائنات طال ًبا اإلغاثة :من
يجيب أنيني؟ من يأخذ بيدي؟
كالصدى،والسماء ّ
فجأة ،ه ّبت عاصفة ،تزلزلت األرض ،تر ّدد صوت في األرض ّ
ُ
خلقت ال ّدنيا كل الموجودات قائ ًال« :أ ّيها اإلنسان أنت حبيبي .لقد
و ِبلغة ّ
أحد
يلب ٌ ألجلك ،وخلقتك على صورتي ،ونفخت فيك من روحي .وإن لم ِّ
- 90 -
نداءك ،فألنّه ليس من نوعك وليست لديه جرأة مرافقتك وال ّتماثل معك.
ح ّتى جبرائيل ،أعظم المالئكة ،ال يستطيع ال ّتحليق بعي ًدا معك.
أ ّيها اإلنسان ،أنت الوحيد ا ّلذي يدرك الكمال .يجذبك الجمال والجالل.
أنت الوحيد ا ّلذي يعبد الله بالعشق الح ّر ال بالجبر .أنت الوحيد ا ّلذي
وحجة الله .أ ّيها اإلنسان ،أنت وحدك ا ّلذي
صار بال ّتوحيد خليفة الله ّ
يعي قدرة وإبداع الله .أنت ا ّلذي يغت ّر ويعصي ،ويحارب بإصرار ويهزم
ويحطم ،ويدرك عظمة وجبروت الله بطبعه العالي وفكره .أنت فقط ّ
القادر على أن تطوي المسافة الفاصلة بين الملك والملكوت ،وتعرج
إلى الله ،وتثبت أنّك أفضل المخلوقات! أنت فقط من يذهب إلى
المعالي بمساعدة أجنحة ال ّروح .أنت فقط من يسكره جمال الغروب
ويحترق من الشّ وق ويذرف ال ّدموع.
أ ّيها اإلنسان ،وبامتياز خاص وص َلت الخلقة فيك إلى الكمالّ ،
وتجسدت
الكلمة فيك ،وظهر الجمال في ناظريك المطال َعين للجمال ،وأصبح
للعشق مفهوم ومعنى بوجودك ،وألوه ّيتي قد تج ّلت في صورتك.
أ ّيها اإلنسان ،أنت تح ّبني وأنا كذلك أح ّبك ،أنت م ّني ّ
وإلي تعود».
- 91 -
مذكرات إيران |•
ّ •| من
- 93 -
واحدة من حياتي لم تكن ممكنة بدون حضوره.
إنّني سعيد يا أ ّماه ،ليس فقط ألنّني أعود إلى حضن الوطن بعد هذه
الهجرة ّ
الطويلة ،بل ألنّ أكبر طواغيت العصر قد ُهزم ،وقد اج ُتثّت
جذور ّ
الظلم والفسادّ ،
وهب نسيم الح ّر ّية واالستقالل.
- 94 -
2 مزرعة االستقالل
29بهمن 18( - 1357شباط )1979
[[[
بهشت زهراء -طهران
إلى مزار الشّ هداء
تحسبن ا ّلذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ر ّبهم
َّ [وال
ُيرزقون] .ما هذا البستان المليء بالورود!
[[[
هدايا أ ّمة بطلة إلى ال ّر ّب العظيم .إنّهم األخيار ال ّالئقون ،ورود س ّلة
ال ّتاريخ.
تضحي بأفضل أع ّزائها؟ ّ
وتستقل دون أن ّ ترى هل يمكن أل ّمة أن تتح ّرر
- 95 -
ثورة األمل 3
29بهمن 1357
السالم الحا ّر والعميق من شيعة لبنان إلى شعب إيران البطل .إنّ ّ
الطواغيت انتصار أهل إيران المسلمين ،ا ّلذي ال نظير له في هزيمة ّ
وإخضاع المستكبرين ،عميق ومفاجئٌ إلى درجة أنّه قد أدهش
والظالمة ،وأهدى وزلزل األنظمة الفاسدة َّ العالم ،وغ ّير توازن القوى،
للمحرومين والمستضعفين في العالم البشرى والبركة وال ّرحمة.
وظلِموا من ال ّداخل والخارج. شيعة لبنان هم ا ّلذين قد ُقتِلوا لسنين طويلةُ ،
الظلم والفساد إلى يوم قد عانوا األم ّرين تحت االحتالل .وقد أوصلهم ُّ
أسود .ومصيرهم المظلم والمبهم ال يداويه سوى معجزة سماو ّية .وهذه
المعجزة الكبيرة قد حدثت اليوم ،وهي هذه الثّورة اإلسالم ّية اإليران ّية
الخميني.
ّ المق ّدسة بقيادة أعلى مرجع لل ّتقليد لدى الشّ يعة حضرة آية الله
لدى شيعة لبنان ارتباط قلبي واشتراك مذهبي مع شعب إيران ،ويمكن
لهذا الشّ عب اآلن أن يتخ ّلص من المؤامرات اإلسرائيل ّية واألميرك ّية
وال ّل َعب ّ
السياس ّية ال ّدول ّية القذرة ،وال ّنكبات المتتالية إلى األبد.
بعد قرون طويلة من ال ّذل والجور واألسر ،بعد تح ّمل األذى والعذابات،
مضي أيام الوحشة ّ
والظلمة المؤلمة ،أخي ًرا نزلت ال ّرحمة والعناية بعد ّ
خصوصا ،و ُوهِ بوا قائ ًدا حكي ًما
ً اإلله ّية على لبنان والمحرومين الشّ يعة
الصدر ا ّلذي استطاع خالل م ّدة بسيطة السيد موسى ّ
وحنونًا وقدي ًرا هو ّ
- 96 -
أن يفعل الكثير ،أن يمنحهم الفخر والع ّزة واالحترام ،أن يقطع أيادي
سرطان الفساد ّ
والظلم والقهر عنهم ،أن يواجه القوى ا ّلتي تريد بلبنان
الطواغيت ،أن يزرع مفهوم الجهاد كل ّبكل شجاعة ،ويحارب ّ ش ًّرا ّ
ومفهوم الشّ هادة العميق في عروق المؤمنين باإلسالم والحسين (ع).
األعداء لم يستطيعوا تح ّمل وجود مثل هذا القائد ،لذا فقد خُ طف هذا
وسجن .وقد مضت ستة أشهر على غرق مصيره في ظالم ال ّرمز الكبير ُ
الحقد وظلمة المؤامرة .وقد أصبح شيعة لبنان أيتاماً .لقد فقدوا روحهم.
إنّهم مكسورو األفئدة ،حزانى ،يغلون من ش ّدة الغضب ،يصرخون من
ش ّدة األلم .ولك ّنهم من أجل سالمة قائدهم يلجمون أحاسيسهم الثّائرة
ويصبرون ،يحترقون ويس ّكنون قلوبهم الملتهبة بال ّدمع.
هؤالء الشّ يعة المظلومون وذوو القلوب المنكسرة قد نظروا بعين
األمل إلى إخوانهم اإليران ّيين المسلمين.
وأرواح مفعمة
ٍ ممثلو شيعة لبنان يطأون بقلوب مليئة بالحماسة
يتحسسوا ُش َعل هذا البركان المق ّدس للثّورةباألمل كعبة آمالهم كي ّ
اإلسالم ّية بلحومهم وجلودهم أيضً ا ،ويتن ّفسوا في الهواء الممتلئ فخ ًرا
من جالل وعظمة الحكومة اإلسالم ّية ،ويشحذوا اله ّمة من األرواح
الطاهرة ،وينقلوا ألهلهم شيعة لبنان المبا َركة لشهداء هذه األرض ّ
نفحة من إيمان شعب هذه البالد وتضحياته الخالصة ومح ّبته الج ّياشة.
شعب إيران العزيز .عندما
قدرنا نحن شيعة لبنان مرتبط بقدركم أنتم َ
تكونون أحرا ًرا وأقوياء ومنتصرين ،ففي ذلك ع ّز لنا ،ونصركم هو أعظم
أمنية قلب ّية وحيات ّية لشعب لبنان.
- 97 -
ّ
الشيء الّذي يفسد احلياة 4
اسفند ( - 1357شباط -آذار )1979
- 98 -
5 احذروا...
(آخر أيّار -حزيران )1979
- 99 -
السالح ،وزال القانون والجيش والشّ رطة،
األذهان حين حملت األحزاب ّ
كل ليلة كانت تحصل حوادث ّ
السرقة والقتل واالغتصاب ،وال وفي ّ
تعلمون ّأي أعمال قبيحة تلك ا ّلتي كانت تقع!
السوء إذ إنه وإذا كانوا قد اختاروا مثال لبنان ليق ّلدوه ،فذلك في غاية ّ
كل ال ّناس عنهم، السيطرة المس ّلحة لألحزاب ،تخ ّلى ّ بعد سنتين من ّ
الخارجي «إسرائيل» على هذه ّ وح ّتى أنّهم أحيانًا كانوا يفضّ لون العد ّو
تقتدي بهَ األحزاب .فهل تريدون من هذا المثل السيئ والمكشوف أن
والطاهرة؟ ّأي خطأ ال يغتفر هذا، الثّورة اإلسالم ّية اإليران ّية المق ّدسة ّ
وأي جريمة هذه؟! ّ
السافاك؟ بلى يوجد ،بل يوجد المئات. أال يوجد اليوم عشرون ً
ضابطا من ّ
أليست جاهزة لتدفع عشرين مليون دوال ًرا لتوجد الفتنة؟ أال توجد ِف َر ٌق
مجموعات ترفع شعارات ماركس ّية ولكن أميركا ٌ قذرة؟ بلى ،وكثيرة هي،
هي ا ّلتي تح ّركها .إذن ،لماذا ال يقومون بانقالب؟ جواب ذلك ،أنّ أرض ّية
االنقالب ليست موجودة؛ ألن ال ّناس ال يقبلون .لقد ثار ال ّناس ،وال ّناس
الخميني العظيم ،مثالِ اإليمانّ لديهم كلمة موحدة .وبوجود اإلمام
مجال لالنقالبيين .كم هموالطهارة واإلخالص وال ّنور والهداية ،ليس هناك ٌ ّ
بحجة ال ّدفاع عنللسخرية أولئك الذين يه ّزون وحدة شعب إيران ّ مثيرون ّ
العسكري ،ويلت ّفون على أمر قائدّ الثّورة اإلسالم ّية والخوف من االنقالب
الثّورة ،ويه ّيئون عمل ًّيا األرض ّية الشّ عب ّية لالنقالب طبق ّ
الخطة األميرك ّية،
مثل الثّامن والعشرين من مرداد ،ويعتبرون أنفسهم ثور ّيين أيضً اّ .
لكن
[[[
رسالة ال ّدكتور شمران إلى شعب إيران
بسم الله ال ّرحمن ال ّرحيم
يا شعب إيران الشّ ريف والبطل،
كل الشّ هداء ال ّدامية أكفانهم في [باوه] ،باسم المجروحين باسم ّ
المضحين ،أشكركم يا أبناء الوطن األع ّزاء من صميم
ّ وباسم ّ
كل الجنود
وكل هذاوكل هذه العظمة ّ الطاهرة ّ قلبي على كل هذه األحاسيس ّ
الشّ عور بالمسؤول ّية.
أظن أب ًدا أن أبقى ح ًّيا وتصل صرخة استغاثتي مع هذا الشّ كر
لم أكن ّ
القلبي إليكم .وسط طلقات ال ّرصاص ،وسط طاحونة األعداء ،لم يكن ّ
أمل بالبقاء على قيد الحياة ،وقد ص ّممت لدي ولو للحظة واحدة ٌ ّ
قطعي على أن أذهب الستقبال الشّ هادة بكل افتخار ،وأب ّينّ بشكل
لل ّدنيا كيف يخاطر مج ّندو اإلسالم بأنفسهم في ساحة الموت والحياة،
وكيف يواجهون الموت .كنت أتن ّقل من معركة مرعبة إلى أختها،
وأركض مسر ًعا من ساحة موجعة إلى أخرى ،وكنت أسعى ،بالتو ّكل
ا� ف ي� أوج حرب الدكتور شمران [قائد تحرير باوه] إىل الشّ عب إ ن
الير ي ّ وجهها ّ
.1هذه رسالة كان قد ّ
«مدينة باوه» وبعد هزيمة أعداء الثّورة
الرب العظيم..
أيها ّ
حي ..أسعى للقيام بواجبي إلى ح ّد استطاعتي ،ال أترك ميداناًطالما أنا ّ
خالياً للعدو أبداً ،أصارع الظلم والفساد ،أدافع عن المستضعفين
والمظلومينُ ،وأنذر نفسي للقلوب المتألمة ودموع األيتام وآهات األرامل.
دائم الحضور في ذهني ..أستعين بك في جميع األمور ،ومنك أنت َُ
أطلب طريق الحل للمشكالت.
ُ
ساعات طويلة مع قمرك المنير أناجيه ..وأبثّه أسراري ُوأجري
ٍ أقضي
دمعي بين يديه ،عندما يذهب خلف الغيوم ،انتظره بفارغ الصبر،
أحياناً أذهل لشدة جماله فأصرخ وأعدو بكل اتجاه كالمجنون وعندما
ُأن َهكُ ،
أجلس في زاوية أسيل له قطرات دمع مرفقة بالصمت كأعمق
سالمات قلبي.
آه ..إن جمال شروق شمسك وغروبها ،بديع إلى درجة أنني ال أستطيع
قدمي،
أقف في قبالها ،أغرق فيها من رأسي إلى ّأن أقول شيئاً سوى أن َ
وأقدسك..
آه ..إنّ تج ّليات جمالك كثيرة ال أقدر إحصاءها ،ولكنها هي التي
تيمتني..
كلما كنت أواجه شيئاً لم أكن أرى سوى التأثر والغم ،تصغر السماء
عيني وتضغط على قلبي ،ويظلم النهار المنير ،ويصبح قاتماً في ّ
في بصري ،وأعبر بهدوء على جنبات الطرقات المليئة بالتعرجات
وأح ّدث اإلله العظيم ..وكانت السماوات العلى ترافقني
واإلنحاناءاتَ ،
وتشاركني أسراري.
أحياناً ..كنت أطوي مد ّرجات الملعب (في الجامعة) ألصل أعلى درجة
فيه ..كي أرى أفقاً أوسع ..كانت الشجرات التي ترتعش من النسيم..
والمصابيح التي كان نورها يتراوح بين نور الغروب وظلمته ..البيوت
واألبنية التي غرقت بين النور األصفر واألحمر الباهت ،قد اتخذت
لنفسها حالة من الغم والحزن .كان شعاع الشمس جهة الغروب ما
زال ُيرى وهو يل ّون الغيمات التي ترافق األفق .وكأنّها تو ّدع النهار آلخر
مرة ،وتسلم العالم أليدي الظالم ،وغيوم الغم والحزن تتقدم رويداً
رويداً صوب المشرق وقد أسلمت الطبيعة نفسها دون أن تنبس ببنت
شفة ..كما لو أنها صيد عاجز..
كان السكون يشمل ّ
كل مكان ،ولم يعد يرى ٌّأي من األحياء ،وقد سكت
صوت الطيور أيضاً..
إلهي العظيم ..وأذرف الدمع كغيوم
عندها كان يأتي دوري ألناجي َ
إلهي ..لقد كنت أحترق في غمي وألمي ،لكنك أغرقتني في آالم وهموم
المعذبين والمحرومين ومكسوري القلب ،فنسيت آالمي وهمومي..
لقد ع ّرفتني بعذاب وآالم كل المحرومين والمظلومين في التاريخ،
علي ،والحسين ،وآالم وهموم زينب ،لقد مزجتني
وبذلك ع ّرفتني على ّ
بالتاريخ ..لقد نسيت نفسي فيه ،واتحدت مع األزل واألبد ،وإني
ألشكرك على هذه النعمة العظيمة.
إلهي ..أشكرك أن أعطيتني التوكل والرضا ،وألهمتني الطمأنينة
والسكينة في أصعب التيارات وأخطرها ..حتى أتصالح مع القدر وكل
انحداراته وارتقاءاته ..فرضيت بما قسمت لي.
ما أحبب ُته أنا وأخذتَه أنت مني؛ قبلته بطيب خاطر ..وما لم أملكه
علي؛ شكرتك عليه.
وترحمت به ّ
لقد ارتحت من العذابات القاتلة ..وتح ّررت من قيد المتعلقات
الفانية ..وتخ ّلصت من أغالل ُ
المقلقات المميتة.
وعلمت أنّ عاقبتي ..حياتي ومماتي ..وعزتي و ُذلي ..ب َيدك أنت .لذا
ُ
غدوت حراً من ُ
المح ِّزنات الكثيرة.
إلهي ..أشكرك أنّك خلقت البحر ،وأنّي أستطيع بمساعدة روحي أن
أركب الموج وأسير حتى األفق الالمتناهي وأتّصل باألبد ،وأخرج بهذا
من قيود الزمان والمكان ..فتغدو ضغوط الحياة ال شيء عندي.
إلهي ..أشكرك أنّك وهبتني العين ،وأظهرت لي محاسن الدنيا،
علي ب َد ْرك الجمال ،حتى أحلق في المحاسن وهذا الجمال
وت ّرحمت ّ
وأعتبر ذلك جزءاً من عبادة ذاتك.
تطل بي على العالم الخارجي .من خالل هذه العين هي الكوة التي ّ
النافذة تدخل نفسي العالم اآلخر ..وأذهب إلى اآلفاق البعيدة ..وأسير
على ارتفاعات الغيوم إلى األبدية ..وأح ِّلق حتى أعماق المجرات..
وأذهب حتى آخر حد لعالم الوجود ..وأوصل نفسي إلى عالم الفناء..
وأفنى ..فأشعر بوجودي في ذاتك..
عيني نبع دمع ،ألغسل بها تعلقات
إلهي ..أشكرك أنّك جعلت في ّ
قلبيُ ،وأهدئ بقدرتها ُ
المسكنة براكين هائجة في داخلي..
حقاً ..لو لم تكن السماء لتوصل روحي بالعالم الالمحدود ،ولو لم
يكن هذا البحر ألهدئ به قلبي المضطرب ،ويرسل روحي المتعبة
إلى اآلفاق البعيدة ،ويحررني من هذا التراب المظلم ،لكنت اختنقت
تحت ظل الهم واأللم..
إلهي ..أنا مذنب اغفر لي ..فأنا لم أتخل عن عبادة األصنام حتى اآلن ،ما زلت
طف ًال ،ما زلت أسعى خلف الليل ،أبني صنماً في كل لحظة ،وأعبد خياالتي.
إلهي ..أعطني لياقة الغفران ،أعطني لياقة عبادة مطلقيتك ،فال أشتبه
بينك وبين األصنام.
آنس بك وأتعرف عليك في عالم
إلهي ..أغنني بنعمة الوحدة ..دعني ُ
الوحدة ،دع عشقك وجمالك وكمالك يجذب روحي وقلبي فال يبقى
للوجود الوهمي أي حب في قلبي..
كسرت قلبي ،ك ّلما شغف قلبيَ إلهي ،مالي ك ّلما تع ّلق قلبي بأح ٍد ما،
بأح ٍد ما ،أخذته مني .أينما أردت تسكين قلبي المضطرب ،ووجدت
جئت لتقلب كل شي ٍء دفع ًةاألمن لقلبي في ظل أملٍ ،وألجل أمنيةٍَ ،
واحد ًة ،فتركتني في خضّ ٌم عواصف الحوادث المرعبة ،كي ال تكبر أي
آمل بأي شيء ،وال أشعر أبداً بالهدوء والطمأنينةأمني ٍة في قلبي وال ُ
في قلبي .إلهي ،أنت فعلت كل ذلك ،كي ال أتّخذ غيرك محبوباً ،وال
لدي سواك أمني ًة ،وال أعلق أملي إال بك ،وال أشعر بالطمأنينة يكون ّ
والسكينة إال في ظل التوكل عليك... .
إلهي أشكرك على كل هذه النعم.
***
إلهي ،كم أحب أن أق ّدم لك هدي ًة ،كعربون شك ٍر على هذا النصر
العظيم ،ولكن ال أملك سوى روحي.
لقد ق ّدم أفضل الشباب حياتهم ووجودهم ،البعض أمواله ،والبعض
اآلخر مصالحه ومنافعه وعمله.
خجل ،وال أعرف كيف أشكرك.من شدة سروري ،إني أحترق ،أرتعشٌ ،
أريد أن أعطي كل ما أملك .أريد أن أضحي بنفسي .أق ّدم كل ما أملك
لدي مال ،أو ُملك ،فأنا درويش ،ال أملك شيئاً ،فقط
بكل إخالص ،ليس ّ
.1هذه المناجاة ،كان قد كتبها الدكتور شمران عند وصوله إىل إيران بعد ثمانية أيام انتصار الثورة
ين
وتسع� وفد مؤلف من ي ن
اثن� وع�ين سنة ،من لبنان برفقة ٍ السالمية .فعاد إىل وطنه بعد غياب إحدى رش
إ
شخصية لبنانية .وعندما ارتحل عن هذه الدنيا -بعد شهادته-لم يك يملك شيئاً سوى سالحاً وثياباً
وثالث� ألف تومان ف ي�
آالف من الكتب ومعاشه خمسة ي ن ف ين
مرمل� بالدماء ،وبعض الثياب � طهران ،وعدة ٍ
للخرين. حسابه ف� بنك مل الذي لم يكني قد أخذه .هذا الحساب مازال موجوداً ف� البنك ليكون ع� ًة آ
رب ي ي ي
رت
الهليكوب� المبا� أل ريم�كا عىل إيران ،حيث أن طائرات
رش .1إشار ًة اىل حادثة صحراء طبس والهجوم
قد اصطدمت ببعضها البعض بسبب عاصفة رملية مما أدى إىل قتل كل طواقمها.
.2الرجوع اىل ص85
إلهي ،وأمأل قلوبنا بالعشق المتوهج ،كي يصبح مذاق لهب الرصاص حلواً.
إلهي ،اكفنا من الدنيا ومافيها ،كي نسعى كإبراهيم Qبكل شوقٍ
إلى مذبح عشقك ،ونفدي إسماعيل وجودنا في سبيلك المقدس.
إلهي ،ألهمنا مع العشق الوقاّد وإلى جانبه الصب َر والتدبي َر ،كي نتحمل
مش ّقات الطريق برضا وابتسام ،وكي ال يسبب استعجالنا الشهادة
تلوث القلب.
إلهي ،لقد نظرت إلينا نظر ًة رحيمة ،فجعلت مسؤولية حفظ هذه الثورة
في رقابنا .فهب لنا أن نحفظ هذه الثورة حتى آخر قطرة من دمائنا.
إلهي ،لقد رحمت شعبنا ،ومننت عليه بهذه الثورة المقدسة ،فاجعلنا
جديرين بأن نحفظ هذه النعمة.
إلهي ،لقد جعلت راية اإلسالم العزيز ترفرف بأيدينا ،فاهدنا كي نعمل
برسالتك المقدسة كعلي ،Qوأن ّ
نضحي بأرواحنا في سبيلها
كالحسين .Q
إلهي ،ارزقنا الوعي كي ال نقع في فخ المنافقين والمتآمرين ،وكي
نحفظ أخالقنا اإلسالمية وصدقنا وإخالصنا الثوري ووحدتنا الدينية.
إلهي ،أنت تعلم بأنّ كل وجودي مفطو ٌر على حبك .فمنذ اللحظة األولى
التي ُولدت فيها ،قد قرأوا اسمك في مسامعي وعقدوا ذكرك في قلبي.
أنت تعلم أنّي لم أنساك أبداً في كل لحظات عمري ،في البالد النائية
أنت فقط كنت إلى جانبي ،أنيس ألمي وحزني ،في ساحات الخطر
كنت حافظي ،دموعي المنهمرة وذكراك هما بلسم قلبي المجروح.
إلهي ،أنت تعلم بأني دافعت عن دينك المقدس حتى عندما كان
ُيعتبر فيه نصرة اإلسالم رجعية وتخلف.
ولم أكن أريد أجراً على ما فعلت ،فكل ما هو ّ
لدي هو من عطائك ،وما
قد فعلته أنت يسرته لي.
أذنت لنفسي بمناجاتك ،في حين أنّي أعلم جيداً
إلهي ،أعتذر ألني ُ
بأني لم أكن ألكون لوال إرادتك.
***
إلهي ،أشكرك ألنّك جعلت كل الموجودات والرغائب حقيرة وخسيسة
في نظري كي أتحمل بكل يس ٍر جميع التهم والعذابات.
إلهي ،أشكرك ألنك مننت على روحي بلذة العروج ،كي أتجاوز أحياناً
دنيا المادة ،حيث هناك ال أرى إال وجودك ،وال أبتغي إال لقاءك.
إلهي ،أشكرك ألنّك أخذت مني أحزاني وآالمي الشخصية التي كانت
قذرة ومميتة ،ووهبتني أحزاناً وآالماً إلهية ،متعالية وجملية.
إلهي ،لقد عجنت كل وجودي بالحزن وأذقتني ح ّر صحراء الفقر
والحرمان والوحدة ،فأشكرك أنّك جعلتني حجر الطاحونة ،حتى نسيت
نفسي وأنا أشكرك على هذه النعمة العظيمة.
علي فأعطيتني جسماً سالماً وجمي ًال ،وقدمين قويتين
إلهي ،لقد مننت ّ
وسريعتين ،ووهبتني ساعدين قويين وأنامل فنانة ،وفكراً عميقاً وذهناً
و ّقاداً ،وأنا أشكرك على كل ذلك.
لكنك أعطيتني األمل والحزن لتصنع من وجودي إكسيراً ال مثيل له،
لقد ع ّرفتني على كيمياء األلم حتى لم أعد قادراً على شكرك.
***
إلهي ،أشكرك ألنك ع ّرفتني كيمياء األلم.
إلهي ،لقد أظهرت لي فساد وعبثية اللذات السريعة الزوال ،لقد دللتني
على تصرم الدهر ،وأذقتني لذة القتال ،وع ّلمتني قمية الشهادة.
إلهي ،أشكرك ألنّك حررتني من العبثية واالضطراب .إنّ سعادة الحياة
ليست في الملذات والهدوء والركود ،بل في النضال ومقارعة الكفر
والظلم وفي النهاية الشهادة.
***
إلهي....
أنت الذي جعلتني أحب مجالسة المحرومين ومكسوري القلب.
أنت الذي جعلتني زاهداً كي أنأى بنفسي جانباً أثناء النصر واالحتفال
وتقسيم الغنائم وكي أبقى وحيداً مع ربي في صحراء وحدتي.
إلهي ،أنا وحيد ،يموج في قلبي كالم كثير ،فليس لقلبي محرم أبوح له ما
يختلج فيه .لقد تراكمت اآلآلم واألحزان على قلبي ،ال أحد يتحمل قلبي
المكسور والمجنون .ال أحد يرافق روحي المتمردة والمح ّلقة الطامحة.
أشق طريقي في معارك الحياة الصعبة والخطرة بكل شجاعة ،وأخوض
غمار بحار الموت ،أرمي نفسي في أعاصير الحوادث.
آه ،آه ،آه ... ،أريد أن أحمل على عاتقي جراب آالمي وأحزاني ،وأن
أمضي في صحراء التفاني وحيداً فريداً ،وكم أحب أن أقدم لله العظيم
رأسمالي من األلم والحزن ،وأن أتباهى بهذه اإلنجازات المقدسة في
محضره.
أوه ،إلهي سامحني ،فأنا لست شيئاً مذكوراً ،فلماذا أعلقت قلبي
بجلبابي؟ كم أنا كثير اإل ّدعاء؟ كم أن توقعاتي ال قيمة لها؟ لماذا ال
أستحي من ربي؟ وكيف وقعت في شباك تعلقاتي العبثية؟
إلهي ،خلصني من نفسي ومن كل تعلقاتها .امنحني الرفعة والسمو
كي ال أحتاج إلى اإلفتخار .واجعلني متواضعاً كي ال أقوم بالمحاسبة
والمتاجرة مع ربي ألجل كسب االمتيازات .سخّ ر روحي كي ال يكون
لنفسي أي وجو ٍد ُيذكر.
إلهي ،أعوذ بكُ ،أس ّلم لك نفسي ،اهدني حتى ال أكون عرض ًة لعصبية
إلي بالخير .أن أسكت أمام التهم االنتقام ،وأن أقابل الذين يسيئون ّ
واالفتراءات التي يلصقونها بي ،وأن أمضي في سبيلي وأن ال تهمد
علي،عزيمتي .أن أستطيع زيادة محبتي في مواجهة اللؤم الممارس ّ
أن أستطيع إبراز ُبعد النظر والمروءة أمام حقدهم وحسدهم ،أن
ال أضعف في حركتي البناءة أمام أعمالهم المسيئة ،أن ال أسلك في
مواجهة الظلم وعدم اإلنصاف نفس أسلوبهم ،أن ال يج ِد اليأس سبي ًال
إلي ،وأن ال يضيق صدري.
ّ
***
إلهي ،دعني أكون نموذجاً جيداً للعشق والمحبة واإليثار والتضحية،
أن ال ُاستسلم إال إلرادتك ،أن ال أطلب مثوب ًة اال اإلحتراق في سبيلك.
إلهي ،دعني أصبح حراً ،ساكناً وصامتاً ال تهزني الرياح العاتية.
***
إلهي ،أنت خلقت العالم ،ونشرت األرض والسماء ،وجعلت كل
المخلوقات في خدمة اإلنسان ،وشخّ صت هدف اإلنسان بعبادة الله
كي يطرد كل الطواغيت من نفسه وال يعبد إال إ ّياك.
إلهي ،لقد دعوتني إليك ،وأنا جئتك بكل وجودي .لقد تخليت عن
كل ما أملك ،لقد تركت الحياة المادية المرفهة مع كل امتيازاتها ،لقد
وولدي ال َل َذ ْين أحبهما بشدة ،وهاجرت من عالم الغرب
َّ تركت زوجتي
وكل مظاهره الجميلة والجذابة ،ومضيت نحو جنوب لبنان ،وسكنت
في أكثر األماكن خطراً ،إلى جانب المش ّردين الفلسطينيين ،ووقفت
حياتي أليتام الشيعة الذي فقدوا أحبتهم ج ّراء القصف اإلسرائيلي
الوحشي.
إلهي ،أشكرك أنك نج ّيتني من المستكبرين والمسرفين في الغرب،
وجعلتني مهجوراً مع أكثر محرومي ومستضعفي الدنيا ،حتى إذا ما
استطعت مجاراة ألمهم وألشاركهم في الحد األدنى آالمهم وهمومهم.
إلهي ،لقد أصبح تنور حرب الظالمين مستعراً ،وأصبح مال ونفس
وعرض وعزة وشرف المسلمين عرض ًة لهجمات إسرائيل وحلفائهاّ ،
وتم
ج ّر اآلآلف المؤلفة من المستضعفين والمحرومين المظلومين إلى
مسالخ القتل ،وأنا لم أكن أستطيع السكوت واالكتفاء بمشاهدة هذه
الجرائم ،لذا لب ّيت األمر اإللهي ،لكن الله لم يرد أن يكرمني بشرف
صعب ومؤلم ،فقبل أفضلٍ الشهادة ،بل جعلني في معرض امتحانٍ
إخوتي وفلذات أكبادي الذين ربيتهم لسنوات ،وأحببتهم كعيني،
الوالدة والنشأة:
ولد الشهيد القائد مصطفى شمران عام (1932م) في مدينة قم ،وما
لبثت عائلته الفقيرة أن انتقلت إلى طهران للعيش بعد عام واحد من
مولده لتسكن هذه األسرة المكونة من ثمانية أفراد في بيت صغير
ُمستأجر .وقد كان شمران طف ًال مح ّباً للعزلة ،غارقاً في التأمل والتفكر،
متج ّنباً للصخب والضجيج ،ومستغرقاً في مشاهدة جمال وجالل
الطبيعة والوجود اإللهي.
أنهى شمران دراسته االبتدائية في مدرسة «انتصارية» بالقرب من
«پامنار» ،انتقل بعدها إلى ثانوية «دار الفنون» ،ومنها إلى ثانوية
«البرز» .كان تلميذاً ممتازاً طوال مراحل الدراسة ،كما كان يتميز
بالر ّقة والحساسية المفرطة ،فيتألم من صميم قلبه آلالم المحرومين،
ويشاركهم عناءهم بعواطفه المستفيضة .كما كان يواظب على
الحضور في مجالس العلم والعلماء.
العروج:
في وقت السحر من يوم 21حزيران لعام 1981م ،استشهد قائد منطقة
دهال ِو ّيه «إيرج رستمي» .فأَحضَ ر الدكتور شمران أحد القادة إلى
الجبهة ليكون بديلاً عن الشهيد في دهال ِو ّيه ،وعند خروجه من مركز
القيادة و ّدعه من كان حوله ،واقتفى الرفاق أثره بنظراتهم وآذانهم،
«حكم»
ُ
ال���زم���ان 8 :مهر 1358هـ ..ش 8 /ذي القعدة 1399هـ ..ق (30
أيلول )1979
ال��م��ك��ان :قم
المخاطب :مصطفى شمران
باسمه تعالى
سعادة الدكتور مصطفى شمران
بنا ًء على اقتراح رئيس الحكومة المؤقتة ومصادقة أعضاء مجلس
قيادة الثورة ،تقرر تعيين سعادتكم وزيراً للدفاع الوطني .أسأل الله
تعالى التوفيق للحكومة المؤقتة ولكم في إنجاز المهام الموكلة إليكم
وإحراز رضا ذاته المقدسة.
روح الله الموسوي الخميني
«حكم»
ُ
ال���زم���ان 16 :آبان 1358هـ .ش 16 /ذي الحجة 1399هـ .ق (7
تشرين ثاني 1979م)
ال��م��ك��ان :قم
المخاطب :السيد مصطفى شمران
باسمه تعالى
حضرة السيد الدكتور مصطفى شمران
تم
بناء على اقتراح مجلس الثورة في الجمهورية اإلسالمية االيرانيةّ ،
تعيين سيادتكم وزيراً للدفاع الوطني .أسأل الله تعالى التوفيق لكم
في إنجاز المهام الموكلة إليكم ونيل رضاه ّ
جل وعال.
روح الله الموسوي الخميني
«قرار»
ال���زم���ان 20 :ارديبهشت 1359هـ .ش 24 /جمادى الثانية 1400
هـ .ق ( 10أيار 1980م)
ال��م��ك��ان :طهران ،شميران ،دربند
المخاطب :مصطفى شمران