مكتبة نور شرح منظومة القواعد الفقهية للشيخ السعدي رحمه الله تعالى

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 97

‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪‬بسم ال الرحمن الرحيم‪‬‬

‫‪ ‬الحمد ل وحده والصلةا والسلما على من ل نبي بعده أما بعد‪:‬‬


‫لقد يسر ال تعالى شرح منظومة القواعد الفقهية للشيخ السعدي رحمه ال تعالى في‬
‫الدورةا العلمية المقامة في الفترةا ما بين ‪ 10/5-28/4‬هـ في جامع الحبيب في الموطأ‬
‫في مدينة بريدةا تزامن مع ذلك إقامة دورةا أخرى في نفس المنظومة لمجموعة من‬
‫طالبات العلما في القسما النسائي في مركز توعية الجاليات في مدينة بريدةا‪ ,‬ولرغبة كثير‬
‫من الخوةا والخوات طباعتها قامت بعض طالبات العلما بإخراجها بعد طباعتها‪.‬‬
‫أسأل ال أن ينفع بها وأن يجزي خي ار من أعان على نشرها‪.‬‬
‫وال تعالى أعلما‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫خالد بن إبراهيم الصقعبي‬

‫‪1‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫منظومة‬

‫القواعد الفقهية‬
‫للشيخ العلماة عبدالرحمن بن ناصر بن عبدا‬
‫ابن ناصر السعدي‬
‫))رحمه ا ((‬
‫) ‪ 1376 – 1307‬هـ (‬

‫وجامـلع الشيـالء والمفـرر ل‬


‫ق‬ ‫ل العلـي الرف ـ ل‬
‫ق‬ ‫‪ .1‬الحمدد ل‬
‫ي‬
‫والحككـلما البـاهـرلةا الكثـيـرةا‬ ‫‪ .2‬ذي الينعـلما الواسعـلة الغزيـرةا‬
‫على الرسولل القدكرلشـي الخاتلـلما‬ ‫‪ .3‬ثما الصلةاد مـع سـلمما دائـلما‬
‫ب الفـخالر‬‫الب ارلرالحائـزي مرات ك‬ ‫‪ .4‬و آلـله وصحبـله الب ـ ارلر‬
‫ك عنـك والـيدرنن‬ ‫علمما ديزيل الش ك‬ ‫ت كأن أفضـل اللمكننن‬ ‫اعلما دهدي ك‬ ‫‪.5‬‬
‫صـدل الكعنبـكد إلـى المطلـولب‬ ‫ويو ل‬ ‫ق لـذي القلـوب‬ ‫ف الح ك‬ ‫كويكش د‬ ‫‪.6‬‬
‫كد‬
‫جامعلة المسـائلل الـشـوارلد‬ ‫ص على فهمك للقواعـلد‬ ‫فاحر ن‬ ‫‪.7‬‬
‫وتقتفي سبـل الـذي قـد وفقـا‬ ‫فترتقي في العلما خيـرمرتقـى‬ ‫‪.8‬‬
‫من كتب أهل العلما قـد حصلتهـا‬ ‫‪ .9‬هــذه قـواعـد نظمتـهـا‬
‫والعفـو مـع غفـ ارنـه والـبـر‬ ‫‪ .10‬جزاهما المولى عظيـما الجـر‬
‫بهـا الصـلح والفسـاد للعمـل‬ ‫‪ .11‬النية شـرطم لسائـر العمـل‬
‫فـي جلبهـا والـدرء للقبـائـح‬ ‫‪ .12‬الدين مبنـيى علـى المصالـح‬
‫يقـدما العلـى مـن المصـالـح‬ ‫‪ .13‬فإن ت ازحـما عـدد المصالـح‬
‫يرتكـب الدنـى مـن المفاسـد‬ ‫‪ .14‬وضـيده ت ازحـما المفـاسـد‬
‫فـي كـل أمـر نابـه تعسـيـر‬ ‫‪ .15‬ومن قواعد الشريعة التيسيـر‬
‫ول محرما مع اضـطـرار‬ ‫‪ .16‬وليس واجـب بـل اقتـدار‬
‫بقـدر مـا تحتاجـه الـضـرورنةا‬ ‫‪ .17‬وكل محظور مـع الضـرورنةا‬
‫فـل يزيـل الـشـك لليقـيـن‬ ‫‪ .18‬وترجـع الحكـاما لليقيـن‬

‫‪2‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫والرض والثياب والحـجـارةا‬ ‫‪ .19‬والصل فى مياهنـا الطهـارةا‬


‫والنفـس والمـوال للمعـصـوما‬ ‫‪ .20‬والصل في النبضاع واللحـوما‬
‫فافـهـما هــداك ال مايـمـدل‬ ‫‪ .21‬تحريمها حتـى يجـىء اللحـدل‬
‫حتـى يجـيء صـارف الباحـة‬ ‫‪ .22‬والصل في عادتنـا الباحـة‬
‫غيدر الذي فـي شرعنـا مذكـونر‬ ‫‪ .23‬وليس مشروع ا مـن المـونر‬
‫واحكـما بهـذا الحكـما للزوائـد‬ ‫‪ .24‬وسائـل المـور كالمقاصـد‬
‫أسقطـه معبـودنـا الرحـمـان‬ ‫‪ .25‬والخطأ والكـراه والنسيـان‬
‫وينتفـي التأثيـما عنـه والزلـل‬ ‫‪ .26‬لكن مع التلف يثبت البدل‬
‫يثبـت ل إذا استـقـل فـوقـع‬ ‫‪ .27‬ومن مسائل الحكاما في التبـع‬
‫يثبـت ل إذا استـقـل فـوقـع‬ ‫‪ .28‬والدعرف معمول بـه إذا ورند‬
‫قد باء بالخسـران مـع حرمانـه‬ ‫‪ .29‬معاجل المحظـور قبـل آنـه‬
‫أو شرطه ‪ ،‬فـذو فسـاد وخلـل‬ ‫‪ .30‬إوان أتى التحريما في نفس العمل‬
‫بعد الدفاع بالتـي هـي أحسـدن‬ ‫‪ .31‬ومتلف مؤذيه ليـس يضمـدن‬
‫تعطي العمـوما ‪ ،‬أوسيـاق النهـى‬ ‫‪ .32‬والنكرات في سيـاق النفـي‬
‫فـي الجمـع والفـراد كالعليـما‬ ‫‪ .33‬وأل تفيـد الكل فـى العمـوما‬
‫كل العمـوما يـا أخـي فاسمعـا‬ ‫‪ .34‬كذاك )منن(ْ و)ما(ْ تفيدان معا‬
‫فافهما هديت الرشد مـا يضـاف‬ ‫‪ .35‬ومثلـه المفـرد إذ يضـاف‬
‫كـل الشـروط والموانـع ترتفـع‬ ‫‪ .36‬وليتما الحكما حتـى تجتمـع‬
‫قد استحـق مالـه علـى العمـل‬ ‫‪ .37‬ومن أتى مما عليه مـن عمـل‬
‫وهي التي قـد أوجبـت لشرعتـه‬ ‫‪ .38‬وكل حكما دائمر مـع عليتلـه‬
‫فـي البيـع والنكـاح والمقاصـد‬ ‫‪ .39‬وكل شــرط لزما للعاقـد‬
‫أو عكسـه فباطـلت فاعلـمـا‬ ‫‪ .40‬إل شروط ا حللـت محرمـا‬
‫من الحقـوق أو لـدى الت ازحـما‬ ‫‪ .41‬تستعمل القرعة عند المبهـما‬
‫وفـعـل إحداهـمـا فاستمـعـا‬ ‫‪ .42‬إوان تساوى العملن اجتمعـا‬
‫مثـالـه المـرهـون والدمسـيبـدل‬ ‫‪ .43‬وكل مشغـومل فـل يشغـل‬
‫له الرجـوع ‪ :‬إن نـوى يطالبـا‬ ‫‪ .44‬ومن يؤد عن أخيـه واجبـا‬

‫‪3‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫كالوازع الشرعـي بـل نكـران‬ ‫‪ .45‬والوازع الطبعي عن العصيـان‬


‫فـي البـدء والختـاما والــدواما‬ ‫‪ .46‬والحمـد ل علـى التـمـاما‬
‫علـى النبـي وصحبـه والتـابـع‬ ‫‪ .47‬ثما الصلةا مع سـلما شائـع‬

‫‪1‬‬
‫الحمد ل القائل‪‬كينرفكلع الللهد الللذيكن آكمدنوا لمنندكنما كوالللذيكن دأوتدوا انللعنلكما كدكركجامت‪‬‬
‫والصلةا والسلما على إماما العلماء دموكرثَ الفقهاء القائل‪‬من يرد ال به خي ار ديفقه في‬
‫الدين‪.2‬‬
‫وعلى أله وصحبه الدعاةا العاملين والعاللمين الدمبللغين وسلما تسليما كثي ارا‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن علما القواعد الفقهية من أعظما علوما الشريعة وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي‬
‫والحاكما‪ ,‬وبه تتدرب مدارك طلب العلما ويفتح لهما بها آفاق المسائل وتشعبات الفروع‪,‬‬

‫‪) 1‬المجادلة‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬


‫‪ 2‬الراوي‪ :‬عبدال بن عباس ‪ -‬خلصة الدرجة‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ‪ -‬المحدثَ‪ :‬الوادعي ‪ -‬المصدر‪:‬‬
‫الصحيح المسند ‪ -‬الصفحة أو الرقما ‪618‬‬

‫‪4‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وهو الرض الصلبة التي ينطلقوا منها للستنباط والنظر والستدلل مع توقمد في ملكة‬
‫الفهما والستعاب لدراك معاني النصوص وفقهها‪ ,‬وكل هذا يتأتى إليهما وزيادةا عليه‬
‫بإتقان قواعد هذا العلما حفظ ا وفهماا‪ ,‬والتوسع في دراستها ومدارستها‪.‬‬
‫وسعيا لتحقيق ما دذكر لطلب العلما وطالباته في هذه المنطقة قاما فضيلة الشيخ خالد‬
‫الصقعبي وفقه ال تعالى بشرح(ْمنظومة القواعد الفقهية(ْ‪ ,‬وقد أذن مشكو ار بإخراج ما‬
‫تفضل بشرحه "وهي هذه المذكرةا التي بين أيدينا" بعد مراجعتها وتنقيحها‪.‬‬
‫نسأل ال تعالى أن يجزل لشيخنا المثوبة ويبارك في علمه وعمله‪.‬‬
‫وأن يفقهنا في دينه وأن يرزقنا الخلص والعمل‪ ,‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ,‬وآخر‬
‫دعوانا أن ل الحمد ل رب العالمين والصلةا والسلما على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلما‪.‬‬

‫القواعد في اللغة‪ :‬جمع قاعدةا‪ ,‬ومعنى القاعدةا أصل الس‪ ,‬وأساس البناء والقواعد‬
‫الساس‪ ,‬وقواعد البيت أساسه ومنه قوله تعالى‪ ‬ك إولانذ كينرفكعد إلنب كارلهيدما انلقككوالعكد لمكن انلكبنيلت‬
‫ك إولانسكمالعيدل كرلبكنا تكقكلبنل لملنا‪ 3‬وقوله تعالى‪‬فكأككتى الللهد دبننكياكنهدنما لمكن انلقككوالعلد‪.4‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬حكما أغلبي ينطبق على معظما جزيئاته لتعرف أحكامها منه‪.‬‬
‫حكما‪ :‬الحكما هو إضافة شيء إلى شيء أو نفيه كقولك)الرجل قائما(ْ هذا حكمه)الربا‬
‫حراما(ْ أضفت الحرمة إلى الربا فهذا حكمه‪.‬‬
‫أغلبي‪ :‬والمراد بالغلبي أي أنه ل ينطبق على معظما جزيئاته‪ ,‬إوانما المراد أنه يأتي‬
‫على أكثر فروعه‪.‬‬
‫وقال أغلبي‪ :‬ليخرج بذلك القواعد الصولية لنها قواعد كلية تنطبق على جميع أجزائها‬
‫وفروعها مثل}المر يقتضي الوجوب{ فهذه قاعدةا أصولية‪ ,‬فكل أمر الصل أنه‬
‫للوجوب‪ .‬أما القواعد الفقهية فهي أغلبية ل تأتي على جميع الفروع إوانما على بعض‬
‫أبوابه‪ ,‬ولذلك القواعد الفقهية الصل إعمالها‪ ,‬ولكن حينما نأتي على كتب القواعد‬

‫‪) 3‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(127‬‬


‫‪) 4‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(26‬‬

‫‪5‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وكتب الفقه نجد أن هناك بعض الفروع الفقهية التي هي من صميما وتطبيقات هذه‬
‫القاعدةا ولكنها ل تدخل فيها ول يحتاج إخراجها إلى دليل‪ ,‬إوانما لكونها أكثر شبه ا‬
‫بقاعدةا أخرى‪ ,‬فهذا كا م‬
‫ف في عدما دخولها في هذه القاعدةا‪.‬‬
‫"ينطبق على معظما جزئياته"‪:‬‬
‫هذا بمعنى قوله أغلبي‪ .‬وكما تقدما أن القاعدةا الصولية تنطبق على كل جزئياته‪ .‬وقوله‬
‫على معظما جزئياته نستفيد أن الكثر والغلب أنه في القاعدةا‪ ,‬ولذلك كان خروج بعض‬
‫الفروع الفقهية على سبيل الستثناء‪ ,‬بينما ل تجد في كتب أصول الفقه بأي حال من‬
‫الحوال قاعدةا ثما يقول لق المستثنيات‪ ,‬لن القاعدةا الصولية ل يخرج منها شيء إل‬
‫بدليل من كتاب أو سنة أو نحو ذلك‪ ,‬بينما القواعد الفقهية حتى الكبار تجد أن العلماء‬
‫حينما يؤصلونها ويتكلمون عنها يختمون المسألة بقولهما "ما يستثنى من القاعدةا" إشارةا‬
‫إلى أنها ل تحوي جميع الفروع‪.‬‬
‫"لتعرف أحكامها منه"‪ :‬هذه الجزئية من التعريف هي ثمرةا القواعد الفقهية‪ ,‬لتعرف‬
‫الحكاما من هذه القواعد فإن النسان ربما يسأل عن مسألة فقهية وقد ل يكون‬
‫مستحض ار في كثير من الحيان للدليل فتأتي هذه القاعدةا كالدليل‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬الفرق بين القواعد الصولية والقواعد الفقهية(‬
‫أول من فرق بين قواعد هذين العلمين وميز بينهما هو الماما شهاب الدين القرافي من‬
‫علماء المالكية وذلك في مقدمة كتابه الفروق‪.‬‬
‫والفروق كثيرةا لكنها تتركز في محورين أساسيين هما‪:‬‬
‫أ(ْ أن القواعد الصولية شاملة وعامة لجميع أحكاما الشريعة‪ .‬مثل}النهي يقتضي‬
‫التحريم{ هذه القاعدةا الصولية ليست خاصة بالفقه إوانما هي عامة تدخل في الفقه‬
‫والتفسير والحديثَ والعقيدةا كما في قوله تعالى‪‬كول تدنسلرفدوا‪ 5‬فالنهي هنا للتحريما‪ .‬أما‬
‫القواعد الفقهية فهي خاصة بالفقه فقط‪.‬‬
‫ب(ْ أخص من الفرق الول‪ ,‬وهو أن القواعد الصولية كما تقدما قواعد عامة كلية معنى‬
‫ذلك أنها تشمل جميع ما يدخل تحتها من فروع‪ ,‬بينما القواعد الفقهية تتناول أغلب‬
‫الفروع أي أن القاعدةا الفقهية تتناول أغلب الفروع الداخلة تحتها‪ ,‬مثلا}المر يقتضي‬

‫‪) 5‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(141‬‬

‫‪6‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الوجوب{ هذه قاعدةا أصولية كما تقدما فليس هناك أمر نحمله على غير الوجوب إل‬
‫ل‪.‬‬
‫بدليل ينقله من الوجوب إلى الستحباب مث ا‬
‫)الفرق بين القاعدةا الفقهية والضابط الفقهي(‬ ‫فرع‪:‬‬
‫القاعدةا الفقهية‪ :‬لها صور في أغلب أبواب الفقه مثال ذلك}ل عمل إل بنية{ هذه تأتي‬
‫في باب الطهارةا وفي كتاب النكاح والجنايات وتأتي في باب الحدود والقصاص ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫أما الضابط الفقهي‪ :‬فإنه يتعلق باب واحد من أبواب الفقه فكلا من القواعد الفقهية‬
‫والضابط الفقهي يختصان بجانب الفقه لكن ضابط الفقه معلق بباب واحد من أبواب‬
‫الفقه مثال ذلك}ما صح في الفريضة صح في النافلة{ هذه في الصلةا فقط مع أن‬
‫الضابط الفقهي يشارك القاعدةا بكونه أغلبي ولكنه ل يحوي ألفاظ ومسائل الفقه وأنما‬
‫تكون رحاه دائرةا على باب واحد من أبواب الفقه‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬ميز القواعد الفقهية‪ ,‬ومكانتها في الشريعة‪ ,‬وفؤائد دراستها(ْ‪.‬‬
‫أما الميز فهي على ما يلي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أنها قواعد كثيرةا جدا وغير محصورةا بعدد‪ ,‬وهي منثورةا في كتب الفقه العاما والفتاوى‬
‫والحكاما‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أنها تمتاز يإيجاز عبارتها مع عموما معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية فهي‬
‫قاعدةا من كلمة أو كلمتين كقاعدةا }العمال بالنيات{‪},‬المور بمقاصدها{‪},‬المشقة‬
‫تجلب التيسير{ ومع ذلك يندرج تحتها ما ل يحصيى من المسائل الفقهية المختلفة‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أنها تمتاز بأن كلا منها ضابط يضبط فروع الحكاما العلمية‪ ,‬ويربط بينها برابطة‬
‫تجمعها إوان اختلفت موضوعاتها وأبوابها مثل‪:‬‬
‫}المشقة تجلب التيسير{ فهذه في كتاب الطهارةا "التيمما إذا عدما الماء أو عند عدما‬
‫القدرةا على استعماله"‪ .‬وهذه في كتاب الصلةا "الجمع والقصر في السفر" على القول‬
‫بأن علة الترخيص في السفر المشقة وهي علة مضطربة كما سيأتي‪ .‬وفي كتاب‬
‫الصياما يرخص للنسان أن يفطر في حال السفر‪ .‬وفي كتاب الحج "المرأةا إذا لما‬
‫تستطع الرمي لي سبب من السباب يرمي عنها وليها"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فهذه القاعدةا في موضوعات مختلفة في كتاب الطهارةا والصلةا والصياما والحج ومع‬
‫ذلك تربط بينها هذه القاعدةا‪.‬‬
‫أما فؤائد القواعد الفقهية فهي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أنها حاصرةا وهذا الحصر يغني طالب العلما عن الكثير من التتبع‪ ,‬قال القرافي‬
‫رحمه ال تعالى‪ :‬من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لندراجها‬
‫في الكليات‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أنها تربي في طالب العلما ملكة الفهما والستنباط والنظر والجتهاد في الفروع الفقهية‬
‫بحيثَ ل يغدو طالب العلما حافظ ا فقط لكتب الفروع إوانما يتربى على ضما المسألة إلى‬
‫مثيلتها ونظيراتها وما يشابهها وهذا يفيد الطالب في إبعاده عن الجمود الفكري والنظر‬
‫الفقهي فينتقل على إثر ذلك من مرحلة التقليد لغيره إلى مرحلة أوسع وهي مرحلة أوسع‬
‫وهي مرحلة الستدلل والنظر‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن دراسة القواعد الفقهية واللماما بها واستيعابها مما يعين القضاةا والمفتين والحكاما‬
‫عند البحثَ عن حلول للمسائل المعروضة والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق‪,‬‬
‫ولذلك قال بعضهما‪ :‬إن حكما دراسة القواعد الفقهية واللماما بها على القضاء والمفتين‬
‫فرض عين وعلى غيرهما فرض كفاية‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬لما كانت القواعد الفقهية في أكثرها موضع اتفاق بين الئمة المجتهدين حتى‬
‫ومواضع الخلف فيها قليلة‪ ,‬فإن دراسة القواعد الفقهية واللماما بها تربي عند طالب‬
‫العلما ملكة المقارنة بين المذاهب المختلفة وتوضح لها وجها من وجوه الختلف وأسبابه‬
‫بين المذاهب‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬مصادر القواعد الفقهية(ْ‬
‫والمقصود بذلك منشأ كل قاعدةا وأساس ورودها‪.‬‬
‫وهي تنقسما إلى ثلثَ أقساما‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬قواعد فقهية مصدرها من النصوص الشرعية الكتاب والسنة‪ ,‬ولذلك نجد‬
‫أن بعض القواعد جزء من آية أو حديثَ فمن اليات التي جرت مجرى القواعد مثل قوله‬

‫‪8‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تعالى‪‬كوأككحلل الللهد انلكبنيكع كوكحلركما الرربا‪ ,6‬فهذه الية على وجازةا لفظها جمعت أنواع البيوع‪.‬‬
‫ما أحل ال وما حرما عدا ما استثني‪.‬‬
‫ومن السنة كمثل قوله صلى ال عليه وسلما‪‬ل ضرر ول ضرار‪‬رواه أحمد وابن ماجه‬
‫في سننه‪ .‬فهذه قاعدةا وهي جزء من الدليل‪ .‬وقوله‪‬كل مسكر خمر‪‬رواه البخاري‬
‫ومسلما‪.‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬ما كان من غير المنصوص ولكنها أتت بمعنى الدليل مثال ذلك}المور‬
‫بمقاصدها{ هذه ليست بدليل ولكن الدليل دل عليها وهو قوله عليه الصلةا والسلما‪‬إنما‬
‫العمال بالنيات‪ ‬رواه البخاري ومسلما‪ ,‬وكقولهما}العادة محكمة{ مأخؤذه من قوله تعالى‬
‫ض كعلن انلكجالهلليكن‪ 7‬والعرف هو العادةا‪.‬‬ ‫‪‬دخلذ انلعنفو ونأمر لبانلعر ل‬
‫ف كوأكنعلر ن‬ ‫ك ك ك د ن دن‬
‫القسما الثالثَ‪ :‬أن تكون القاعدةا ليست دليلا ول بمعنى إوانما الدليل دل عليها كقوله‬
‫}الصل في الشياء الباحة{ فهذه القاعدةا لما يرد فيها نص ول بمعناه ولكن الدليل قاما‬
‫طالعمما‬
‫عليها فهذه مأخؤذةا من قوله تعالى‪‬دقنل ل أكلجدد لفي كما دأولحكي لإلكلي دمكحلرما كعكلى ك‬
‫ض كجلميع ا‪.9‬‬‫ق لكدكنما كما لفي انلكنر ل‬‫طكعدمهد لإلل أكنن كيدكوكن كمنيتكةا‪ ‬دهكو الللذي كخلك ك‬
‫‪8‬‬
‫كي ن‬
‫مسألة‪ :‬هل يجوز أن نجعل القاعدةا الفقهية دليلا شرعيا يستنبط منه حكما شرعي؟‬
‫هنالك أقوال لهل العلما وهي بمجموعها تفيد أنه ل يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة‬
‫شرعية لستنباط الحكاما لسببين‪:‬‬
‫أ(ْأن هذه القواعد ثمرةا للفروع المختلفة وجامع ورابط لها وليس من المعقول أن ديجعل ما‬
‫هو ثمرةا وجامع دليلا لستنباط أحكاما الفروع‪.‬‬
‫ب(ْ أن معظما هذه القواعد ل تخلو من المستثنيات‪ ,‬فقد تكون المسألة المبحوثَ عن‬
‫حكمها من المسائل والفروع المستثناةا‪.‬‬
‫ولذلك ل يجوز بناء الحكما على أساس هذه القواعد‪ ,‬ولكنها تعتبر شواهد مصاحبة‬
‫للدلة يستأنس بها في تخريج الحكاما للوقائع الجديدةا قياس ا على المسائل الفقهية‬

‫‪) 6‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬


‫‪) 7‬لعراف‪ْ(199:‬‬
‫‪) 8‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(145‬‬
‫‪) 9‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬

‫‪9‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫المدونة‪ .‬ولكن هذا ل يؤخذ على إطلقه‪ ,‬وقد مكر معنا أن من القواعد الفقهية ما كان‬
‫أصله ومصدره من كتاب ال تعالى أو من سنة صلى ال عليه وسلما أو يكون مبني ا على‬
‫أدلمة واضحة من الكتاب والسنة المطهرةا أو مبني ا على دليل شرعي من الدلة المعتبرةا‬
‫عند العلماء‪ ,‬أو تكون القاعدةا مبنية على الستدلل القياسي وتعليل الحكاما‪ .‬فهذه أدلة‬
‫شرعية‪ ,‬وقواعد فقهية يمكن الستناد إليها في استنباط الحكاما إواصدار الفتاوى إوالزاما‬
‫القضاء بها‪.‬‬

‫كتب في القواعد‬
‫‪ -1‬القواعد في الفقه‪ /‬للماما ابن رجب الحنبلي‪ ,‬وهذا كتاب جما الفؤائد‪.‬‬
‫‪ -2‬المنثور في القواعد الفقهية‪ /‬للماما بدر الدين محمد بن عبدال الزركشي الشافعي‬
‫المتوفي سنة ‪794‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب الشباه والنظائر‪ /‬لجمال الدين عبدالرحيما بن حسن بن علي السنوي‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب الشباه والنظائر‪ /‬لبن الملقن‪.‬‬
‫‪ -5‬المدخل الفقهي العاما‪/‬لمصطفى الزرقاء الحلبي‪.‬‬
‫‪ -6‬القواعد في الفروع‪/‬لعلي بن عثمان الغزي الدمشقي الحنفي شرف الدين‪ ,‬المتوفى‬
‫سنة ‪799‬هـ‪.‬‬
‫‪ ‬من ضمنها هذه المنظومة للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي عليه رحمه ال تعالى‬
‫الحنبلي المتوفي سنة ‪1376‬هـ‪.‬‬
‫وبعون ال تعالى نشرع في المنظومة‪:‬‬

‫مقدمة القواعد الفقهية‬


‫البداءة في الخطب بحمد ال ‪‬‬

‫‪10‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪1‬‬

‫وجـامع الشأياء والمفرق‬ ‫الحمد ل العلي الرأفق‬

‫من البيت الول إلى البيت السابع لن نتوقف عندها كثي ار لنها ليست من القواعد الفقهية‬
‫بل هي مقدمة‪.‬‬
‫قوله الحمد‪:‬‬
‫الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه إواجلله‪ ,‬فإن تجرد عن ذلك فهو‬
‫مدح‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬هو الثناء بالذكر الجميل‪ .‬والول أرجح‪.‬‬
‫والفرق بين الحمد والمدح‪ :‬الحمد والمدح كلهما فيه ذكر للمحمود في صفة الكمال‪ ,‬أما‬
‫الفرق فهو أن الخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخبا ار مجردا من حب إوارادةا فهذا‬
‫مدح‪ ,‬إوان كان مقرونا بهما فهو حمد‪.‬‬
‫وقوله ل‪:‬‬
‫اللما هنا للجنس المفيدةا الستغراق‪ ,‬فالمستحق للحمد المطلق هو ال عز وجل‬
‫والمختص به هو ال تعالى‪ ,‬ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلما إذا أصابته السراء‬
‫قال‪‬الحمد ل الذي بنعمته تتما الصالحات‪ ‬وأن أصابته ضراء قال‪) :‬الحمد ل على كل‬
‫حال(ْ‪ ,‬وقد ورد ذلك من حديثَ عائشة رضي ال عنها‪ .‬قال النووي عليه رحمة ال في‬
‫الذكار إسناده جيد‪ ,‬رواه إبن ماجة وابن السني والحاكما وصححه اللباني في سلسلة‬
‫الحاديثَ الصحيحة‪ .‬فال تعالى له الحمد المطلق من جميع الوجوه أما غير ال عز‬
‫وجل فإنه يحمد على أشياء خاصة فالعبد يحمد لكن حمده مقيد فهو يحمد على أشياء‬
‫دون أشياء‪.‬‬
‫وقوله العلي‪:‬‬
‫أي الذي له العلو التاما المطلق من جميع الوجوه‪ ,‬علو الذات‪ ,‬فال تعالى ظاهر بذاته‬
‫فوق كل شيء‪ .‬وهذا دل له الكتاب والسنة والفطرةا والجماع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وعلو القدر‪ :‬وهذا متفق عليه عند أهل السنة والجماعة وأن ال ل يوصف إل بصفات‬
‫الكمال‪.‬‬
‫وعلو القهر‪ :‬وهذا متفق عليه وأن كل شيء تحت قدرةا ال وسلطانه‪.‬‬
‫قوله الرفق‪:‬‬
‫أي الرفيق بأفعاله‪ ,‬فأفعاله كلها رفق على غاية المصالح والحكمة‪ ,‬وقد أظهر سبحانه‬
‫لعباده من آثار رفقه ما يستدلون به على كمال حكمته ورفقه كما في خلق السماوات‬
‫والرض وما بينهما في ستة أياما مع قدرته على خلقها في لحظة‪ ,‬كما أنه يقدر على‬
‫هداية الضالين ولكنه حكمته اقتضت إبقائهما على ضللهما عدلا منه تعالى وليس ظلماا‪.‬‬
‫قوله وجامع الشياء والمفرق‪:‬‬
‫أي أنه تعالى جمع الشياء في شيء وفرقها في شيء آخر‪ ,‬كما جمع بين خلقه في‬
‫كونه خلقهما ورزقهما‪ ,‬وفرق بينهما في الشكال والصور والطول والقصر‪ ,‬والسواد‬
‫والبياض‪ ..‬الخ‪ .‬ومناسبة ذكر الجمع والتفريق هنا‪ ,‬لن الشيخ يشرع بين القواعد وهذه‬
‫القواعد تجمع بين المتماثلت وتفرق بين المختلفات‪ ,‬فتعطي المتمثلت حكم ا واحداا‪,‬‬
‫أما المختلفات فتغاير بينها بالحكاما‪.‬‬

‫نعم ال واسعة‬

‫‪2‬‬

‫والحـكم البـاهرة الكثيرة‬ ‫ذي النعم الواسعة الغزيرة‬

‫ثما وصف ال تعالى بالنعما الغزيرةا الواسعة‪ ,‬كما قال تعالى‪ ‬ك إولانن تكدع د وا نلنعكمةك الللله ل‬
‫صوكها لإلن الللهك لككغدفومر كرلحيمما‪ .10‬وهذه مقدمة عظيمة ذكرها الشيخ في بيان عظيما نعما‬ ‫تدنح د‬
‫ال عز وجل وأن هذه النعما كثيرةا منها نعمة المآكل والمشارب‪..‬الخ‪ .‬وأعظما هذه النعما‬
‫نعمة السلما‪ ,‬ومن أعظما نعمة الدين أن تكون عالم ا بأحكاما هذا الدين‪.‬‬

‫‪) 10‬النحل‪ْ(18:‬‬

‫‪12‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ثما وصف ال تعالى بـ الحكم الباهرة الكثيرة‪:‬‬


‫والحكمة‪ :‬هي وضع الشيء في موضعه المناسب اللئق به‪ ,‬فهي حكما عظيمة تبهر‬
‫العقول وهذه الحكما متعددةا‪ ,‬ومن نظر في هذا الكون وعجائبه وسمائه وأرضه وشمسه‬
‫وقمره وكوكبه وأشجاره ونباته عرف ذلك‪ ,‬ويكفي النسان أن يتأمل في خلق نفسه كما‬
‫قال تعالى‪‬ولفي أكننفدلسدكما أككفل تدنب ل‬
‫صدروكن‪.11‬‬ ‫ن‬ ‫ك‬

‫الصلةا والسلما على رأسول ال‬

‫‪3‬‬

‫على الرسول القرشأي الخاتم‬ ‫ثـم الـصلةا مع سلما دائم‬

‫قوله الصلة‪:‬‬
‫الصلةا من ال عز وجل وهي ثناؤه على عبده في المل العلى‪ ,‬قال ابن القيما عليه‬
‫رحمة ال تعالى‪ ,‬وأما قولهما الصلةا من ال بمعنى الرحمة فهو باطل من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ت لمنن كرربلهنما كوكرنحكمةم‪.12‬‬ ‫‪ -1‬أن ال تعالى غاير بينهما في قوله تعالى‪‬دأولكئل ك‬
‫ك كعلكنيلهنما ك‬
‫صلككوا م‬
‫‪ -2‬أن سؤال الرحمة مشروع لكل مسلما‪.‬‬
‫‪ -3‬أن رحمة ال عز وجل عامة وسعت كل شئ‪ ,‬وأما صلته فهي خاصة بخواص‬
‫عباده‪.‬‬
‫قوله مع سلم‪:‬‬
‫هذا دعاء للنبي صلى ال عليه وسلما بالسلمة‪ ,‬أما في حال حياته فدعاء له بالسلمة‬
‫من الشرور و الفات‪ ,‬وأما بعد وفاه عليه السلما فإنه دعاء لشريعته وعدما التحريف‪.‬‬
‫قوله على الرسول‪:‬‬
‫الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه على القول الراجح‪.‬‬

‫‪) 11‬الذاريات‪ْ(21:‬‬
‫‪) 12‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(157‬‬

‫‪13‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫قوله الخاتم‪:‬‬
‫هو الذي ختما ال عز وجل به أنبيائه ورسله فل نبي بعده عليه الصلةا والسلما‪ ,‬فمن‬
‫أدعى النبوةا بعده فهو كافر‪ ,‬والدليل على ذلك قول ال عز وجل‪‬كما ككاكن دمكحلممد أككبا أككحمد‬
‫لمنن لركجاللدكنما كولكلكنن كردسوكل الللله كوكخاتككما اللنبلرييكن‪ .13‬وأما نزول عيسى عليه السلما في آخر‬
‫الزمان فإن ذلك يدل على أن هناك نبي بعد النبي عليه الصلةا والسلما‪ ,‬لنه يحكما‬
‫بشريعة النبي عليه الصلةا والسلما‪.‬‬

‫الصلةا على آل النبي ‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫الحائزي مراتب الفخارأ‬ ‫وآلـه وصحبـه البأرارأ‬

‫قوله آله‪:‬‬
‫دأختلف في المراد بالل على قولين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المراد بهما أتباعه على دينه‪ ,‬نص عليه أحمد وعليه أكثر الصحاب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المراد بهما أقاربه من المؤمنين‪ ,‬فالول عاما والثاني خاص‪.‬‬
‫والقرب‪ :‬أن يقال أنه إذا قرن مع الل التباع فالمراد بالل أقاربه من المؤمنين كما لو‬
‫قلت)اللهما صل على محمد وآله(ْ‪.‬‬
‫قوله وصحبه‪:‬‬
‫بمعنى الصحابي‪ ,‬والصحابي من اجتمع بالنبي صلى ال عليه وسلما مؤمنا به ومات‬
‫على ذلك‪ ,‬ولو لما يره ولو لما تطل الصحبة‪ .‬وهذا من خصائصه عليه الصلةا والسلما‪,‬‬
‫أما غيره من الناس فإنه ل يكون صاحب ا إل من لزمه مدةا يستحق بها أن ينطبق عليه‬
‫وصف صاحب‪.‬‬

‫‪) 13‬الحزاب‪ :‬من الية ‪ْ(40‬‬

‫‪14‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وعطفهما على ألل من عطف الخاص على العاما‪ ,‬وفي الجمع بين الصحب والل‬
‫مخالفة للمبتدعة لنهما يوالون الل دون الصحب‪.‬‬
‫قوله الحائزي مراتب الفخار‪:‬‬
‫المقصود بها المراتب العالية من الصحبة والعبادةا والعلما والجهاد ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثما شرع الناظما رحمه ال بالمراد فقال‪:‬‬

‫منزلة العلم‬

‫‪5‬‬

‫علم يزيل الشك عنك والدرأن‬ ‫اعلـم هديت أن أفضل المنن‬

‫من فوائد العلم أنه يبين للمرء الحق‬

‫‪6‬‬

‫ويوصل العبد إلى المطلوب‬ ‫ويكشـف الحق لذي القلوب‬

‫معنى البيت‪:‬‬
‫أن ال عز وجل أمتن على عباده بنعما كثيرةا‪ ,‬ومن أفضل وأعظما ما مكن ال تعالى به‬
‫على عبده هو العلما النافع‪ ,‬لن النبياء لما يورثوا درهم ا ول دينا ار إوانما ورثوا العلما فمن‬
‫أخذ به فقد أخذ بحظ وافر‪ .‬وضابط العلما النافع هو ما أزال عن القلب شيئين‪:‬‬
‫الول الشبهة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الشهوةا‪.‬‬
‫لن الشبهات تورثَ الشك‪ ,‬وأما الشهوات فتورثَ درن القلب وقسوةا القلب‪ .‬وتثبط البدن‬
‫عن الطاعات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫إذا أزال العلما النافع الشبهة والشهوةا حل محل الول اليقين الذي هو ضد الشك‪ ,‬وحل‬
‫محل الثاني اليمان التاما الذي يوصل العب لكل مطلوب المثمر للعمال الصالحة‪.‬‬
‫وكلما إزداد النسان علم ا حصل له كمال اليقين وكمال الرادةا وكمال الخشية قال ال‬
‫عز وجل‪‬لإلنكما كينخكشى الللهك لمنن لعكبالدله انلدعلككمادء‪ ,14‬إواذا كان العلما بهذه المنزلة وبهذه‬
‫المثابة فإنه ينبغي للنسان أن يحرص على طلبه وأن يستزيد من طلب العلما‪ ,‬ولذلك لما‬
‫يسأل النبي صلى ال عليه وسلما المزيد من شيء إل من العلما قال ال عز وجل‪‬كودقنل‬
‫ب لزندلني لعنلما‪15‬‬
‫كر ر‬
‫ولهذا قال الناظما رحمه ال‪:‬‬

‫فهم القواعد ومعرفتها‬

‫‪7‬‬

‫جامعـة المسائل الشوارأد‬ ‫فاحرص على فهمك للقواعد‬

‫لما ذكر الناظما عليه رحمة ال تعالى عموما أهمية العلما الشرعي وفضله خص منه ما‬
‫يريد شرحه وهي هذه القواعد‪ ,‬ولذا قال‪) :‬ولهذا قلت أي مما ينبني على الكلما الول في‬
‫الحثَ على طلب العلما قلت أحرص على طلب هذه القواعد وفهمها(ْ‪.‬‬
‫قوله جامعة المسائل والشوارد‪:‬‬
‫تقدما فيما سبق وجه جمع هذه المسائل الشوارد‪.‬‬

‫معرفة حكم النوازل الجديدةا‬

‫‪) 14‬فاطر‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬


‫‪) 15‬طـه‪ :‬من الية ‪ْ(114‬‬

‫‪16‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪8‬‬

‫وتقتفـي سـبل الذي قد وفقا‬ ‫فترتقي في العلم خير مرتقا‬

‫أشار رحمه ال تعالى في هذا البيت إلى فائدةا تعلما العلما عموم ا وتعلما هذه القواعد على‬
‫الوجه الخص‪ ,‬وأن النسان بمعرفته لهذه القواعد يزداد علمه ويرتقي طيبا في طلب‬
‫العلما كما أنه أيض ا بفعله هذا يقتفي سبيل وطريق علماء السلف الذين حازوا العلما‬
‫الشرعي ومنه العلما بالقواعد الفقهية فحصل لهما التوفيق في علمهما‪.‬‬

‫منهج المؤلف في القواعد الفقهية‬

‫‪9‬‬

‫كتب أهل العلم قد حصلتها‬ ‫وهـذه قواعـد نظمتهـا من‬

‫في هذا البيت إشارةا منه رحمه ال تعالى إلى أنه لما يكن له دور في هذه القواعد إل أنه‬
‫جمعها من كتب أهل العلما‪ ,‬وفي هذا أدب جما من أدب السلف وتواضعهما‪ .‬والشيخ‬
‫رحمه ال تعالى يقصد بذلك الستنباط من القواعد إوال فإن قائل هذه البيات هو الشيخ‬
‫عبدالرحمن السعدي عليه رحمة ال تعالى‪ ,‬وهذا كما تقدما من تواضعه حتى ل دينسب‬
‫الفضل إليه إوانما نسبه إلى مصدره وأساسه‪ ,‬وفي هذا درس لطالب العلما على أن يركد‬
‫الجميل إلى أهله‪.‬‬

‫الدعاء لهل العلم السابأقين ومعرفة فضلهم‬

‫‪10‬‬

‫والعفـو مع غفرانه والبر‬ ‫جزاهم المولى عظيم الجر‬

‫‪17‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫دعاء من الشيخ رحمه ال تعالى للذين أصلوا هذه القواعد وقعدوها قبله‪ ,‬ول شك أن‬
‫الدعاء للعالما من أعظما ثمرات العلما‪ ,‬وكفى فخ ار لهل العلما والدعوةا أن ديذكروا حتى بعد‬
‫مماتهما‪ ,‬ايذكروا بالذكر الحسن والثناء الجميل والدعاء‪ ,‬ولذلك قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬إذا مات ابن آدما انقطع عمله إل من ثلثَ‪ ‬وذكر من ذلك‪‬أو علما ينتفع به‪ ‬رواه‬
‫مسلما‪ .‬هذا العلما الذي هو سبب الترحما على ناقله ومؤلفه ومعلمه للناس‪ ,‬فنسأل ال أن‬
‫يحشرنا في زمرةا العلماء العاملين‪.‬‬

‫النية شأرط لصحة العمل‬

‫‪11‬‬

‫فيها الصلحا والفساد للعمل‬ ‫النيـة شأـرط لسـائر العمـل‬


‫اولل‪ :‬معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫معناها أن النية شرط لصحة سائر العمال‪ ,‬وليس المراد أن العمل ل يوجد ول يحدثَ‬
‫إل بنية إوانما المقصود أن صلح العمل وفساده مبني على النية‪ ,‬إن كانت النية صالحة‬
‫صلح العمل إوان كانت فاسدةا فسد العمل مع وجوده‪ ,‬ولذلك قال)بها الصلحا والفساد‬
‫للعمل(‪ ,‬لن صورةا العمل قد تكون موجودةا لكنها تخلو من النية الصالحة‪.‬‬
‫والنية كما قال أهل العلما شرود‪ ,‬تشرد فلنسان يحتاج إلى معاهدتها وغلى مجاهدةا‬
‫النفس من أجل تصحيحها وتنقيتها وتجريدها ل عز وجل‪.‬‬
‫والنية في اللغة‪ :‬هي العزما والقصد‪ .‬والمراد بها عزما القلب وقصده لفعل عمل معين‪ ,‬أو‬
‫هي ما يعبر عنه بعضهما بقوله انبعاثَ القلب بعمل معين‪.‬‬
‫أما اصطلح ا فقالوا بأن العمال والتكاليف والتصرفات القولية والفعلية تختلف نتائجها‬
‫وأحكامها من حيثَ الصحة والبطلن والجراء والثابة والمعاقبة‪ ,‬فهي تتاثر بالقصد‪.‬‬
‫مثال ذلك ثلثة أشخاص قتلوا ثلثة أشخاص‪:‬‬
‫الول‪ :‬قتل شخص ا عمدا وعدوان ا فهذا ديقتل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شبه العمد إي أراد إيذاء المقتول ل قتله أو خطأ كمن أراد أن يرمي صيدا فقتل‬
‫إنسان ا فهذا عليه الكفارةا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الثالثَ‪ :‬أمر بقتل فلن من الناس حدا فهذا ل شيء عليه‪.‬‬


‫فالول قتل عمدا والثاني شبه عمد أو خطأ‪ ,‬فالنتيجة والتبعة الن اختلفت لختلف‬
‫النية فالول قتل عمدا والثاني شبه عمد أو خطأ والثالثَ مأذون له في ذلك‪ .‬فصورة العمل‬
‫واحدةا كلها قتل لكن النتيجة كما قلنا اختلفت لختلف النية‪ .‬ولعل هذا المثال يوضح‬
‫أثر النية بشكل ظاهر‪.‬‬
‫ثانيال مكانة هذه القاعدة ‪:‬‬
‫يكفي أن نعلما أن هذه القاعدةا بنيت على حديثَ‪‬إنما العمال بالنيات ‪ ,16‬فمكانتها‬
‫بمكانة هذه القاعدةا نذكر طرف ا مما جاء في مكانة هذا الحديثَ‪:‬‬
‫* فهذا الحديثَ قاعدةا من قواعد السلما العظيمة‪ ,‬اتفق العلماء على صحته وتلقيه‬
‫بالقبول‪.‬‬
‫* وبع صكدر البخاري كتابه الصحيح وأقامة مقاما الخطبة له إشارةا منه إلى أن كل عمل‬
‫ل يراد به وجه ال تعالى فهو باطل ل ثمرةا له في الدنيا ول في الخرةا‪.‬‬
‫* وهذا الحديثَ هو أحد الحاديثَ التي عليها مدار الدين‪ ,‬وقد روي عن المامين‬
‫الجليلين الشافعي وأحمد رضي ال تعالى عنهما أنه ثلثَ العلما وثلثَ السلما‪ ,‬لن كسب‬
‫العبد بقلبه وبلسانه وبجوارحه‪ ,‬فالنية أحد القساما وهي ارجحها‪ ,‬لنها تكون عبادةا‬
‫بإنفرادها‪.‬‬
‫قال البخاري عليه رحمة ال‪ :‬ليس أخبار النبي صلى ال عليه وسلما شيء أجمع ول‬
‫أغنى ول أكثر فائدةا منه أي هذا الحديثَ‪.‬‬
‫وقال عبدالرحمن بن مهدي عليه رحمة ال تعالى‪ :‬ينبغي أن ديجعل هذا الحديثَ رأس‬
‫كل باب‪.‬‬
‫ثالثال أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫*من القرآن‪:‬‬
‫لما يرد فيه لفظ النية في القرآن الكريما‪ ,‬إوانما ورد فيه ألفاظ أخرى بمعنى النية تؤيد أصل‬
‫هذه القاعدةا وتكون دليلا عليها من ذلك‪:‬‬

‫‪ 16‬رواه البخاري ومسلما‬

‫‪19‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ(ْ قول ال عز وجل‪‬كوكمنن كينخدرنج لمنن كبنيتلله دمكهالج ار لإكلى الللله كوكردسولله ثدلما ديندلرنكهد انلكمنو د‬
‫ت فكقكند‬
‫كوقككع أكنجدرهد كعكلى الللله‪.17‬‬
‫ك ككاكن‬‫ب(ْ وقوله سبحانه وتعالى‪‬كوكمنن أك كاركد انللخكرةاك كوكسكعى لككها كسنعكيكها كودهكو دمنؤلممن فكدأولكئل ك‬
‫كسنعديهدنما كمنشدكو ار‪.18‬‬
‫ضالت الللله كوالللهد كردؤو م‬
‫ف‬ ‫ل‬
‫س كمنن كينشلري كننفكسهد انبتكغاكء كمنر ك‬ ‫ج(ْ وقوله عز وجل‪‬ولمكن اللنا ل‬
‫ك‬
‫لبانللعكبالد‪19‬‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫أ(ْفأولها سيد الدلة وهو أصل هذه القاعدةا حديثَ عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪‬إنما‬
‫العمال بالنيات‪.20‬‬
‫ب(ْ ومن ذلك حديثَ عائشة رضي ال تعالى عنها قالت قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬ل هجرةا بعد الفتح ولكن جهاد ونية إوان استنفرتما فانفروا‪.21‬‬
‫ج(ْ ومن ذلك أيضا حديثَ أبي هريرةا رضي ال تعالى عنه قال ‪:‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلما‪‬إن ال ل ينظر إلى أجسامكما ول على صوركما ولكن ينظر إلى‬
‫قلوبكما‪.22‬‬
‫رابعال إطلقات هذه القاعدة‪:‬‬
‫المقصود بذلك الطلقات التي إذا وردت نفهما منها أنه يراد منه هذه القاعدةا‪ ,‬فمن ذلك‬
‫‪:‬‬
‫‪ -1‬إنما العمال بالنيات‪.‬‬
‫‪ -2‬المور بمقاصدها‪.‬‬
‫‪ -3‬ل عمل إل بنية‪.‬‬
‫ونحو ذلك من الطلقات‪.‬‬

‫‪) 17‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(100‬‬


‫‪) 18‬السراء‪ْ(19:‬‬

‫‪) 19‬البقرةا‪ْ(207:‬‬
‫‪ 20‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ 21‬رواه مسلم‬
‫‪ 22‬رواه مسلم‬

‫‪20‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫خامسال محل النية‪:‬‬


‫ذهب عامة أهل العلما إلى أن محل النية القلب‪ ,‬وأما القول بأن محل النية الدماغ أو‬
‫اللسان فهذا قول شاذ ل يصح ويؤيد ذلك نصوص كثيرةا منها‪:‬‬
‫طكمئللن كقنللبي‪.23‬‬
‫قول ال عز وجل‪‬كقاكل كبكلى كولكلكنن للكي ن‬
‫ب ل كينفقكدهوكن بلكها‪.24‬‬ ‫ومن ذلك قول ال تعالى‪‬لكهدنما دقدلو م‬
‫ب الللتي لفي‬ ‫ل‬
‫وقول ال عز وجل أيضا‪‬فكلإلنكها ل تكنعكمى انلكنب ك‬
‫صادر كولككنن تكنعكمى انلدقدلو د‬
‫صددولر‪.25‬‬
‫ال د‬
‫ولما يذكر الدماغ قط في هذه المواضيع فدل ذلك على أن محل العقل هو القلب ل‬
‫الدماغ‪.‬‬
‫سادسال المر الذي من أجله شرعت النية‪:‬‬
‫فالنية شرعت لمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬تمييز العبادات عن العادات‪ ,‬فالممسك عن الطعاما من طلوع الفجر إلى غروب‬
‫الشمس إن كان إمساكه حمية‪ ,‬أو استجابة لمر طبيب‪ ,‬أو لعدما حاجته لطعاما و‬
‫الشراب فهو أمر مباح ل ثواب ول عقاب‪ ,‬أما إن كان إمساكه عن الطعاما بنية الصوما‬
‫الشرعي ل عز وجل فهذا طاعة يثاب عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬تمييز العبادات بعضها عن البعض الخر‪ ,‬كصلةا الظهر والعصر مثلا صورتهما‬
‫واحدةا الذي يحدد الفرق بينهما هو النية‪.‬‬
‫سابعا شروط النية‪:‬‬
‫الفقهاء رحمهما ال تعالى ذكروا شروطا للنية‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬السلما‪ ,‬وهذا شرط في كل عبادةا لن النية والعبادةا ل تصح إل من‬
‫مسلما‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬التمييز‪ ,‬لن نيته لو صحت لصح عمله ولوجب عليه العمل‪.‬‬

‫‪) 23‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(260‬‬


‫‪) 24‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(179‬‬
‫‪) 25‬الحج‪ :‬من الية ‪ْ(46‬‬

‫‪21‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الشرط الثالثَ‪ :‬العلما بالمنوي‪ ,‬فلبد أن يعلما النسان بالمنوي علما يقينياا‪ ,‬هل هو عبادةا‬
‫أما ل؟ ومن حيثَ صفته‪ ,‬وهل هو فرض أو ليس بفرض؟ ونحو ذلك‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أل يأتي بمنا م‬
‫ف للنية‪ ,‬والمنافي للنية أمران‪:‬‬
‫أ(ْ القطع‪ ,‬يعني أن ينوي قطع العبادةا‪ ,‬فعلى هذا من قاما يصلي ثما نوى قطع الصلةا‬
‫انقطعت صلته‪ ,‬لكن من تردد في النية هل يقطع أو ل يقطع؟ الصحيح أنها ل تنقطع‪,‬‬
‫لن أصل النية موجود‪.‬‬
‫ب(ْ الردةا عن السلما‪.‬‬
‫ثامنال الفعل لبد له من نية لكن هل ترك المر يحتاج إلى نية؟‪:‬‬
‫نقول‪:‬‬
‫ترك المحرما ل يحتاج إلى نية‪ ,‬فبمجرد التخلص من المناهي فإنه يثاب عليها النسان‪.‬‬
‫لكن كونه يترك بعض المعاصي مع مجاهدته لنفسه فهذا أعظما أج ار ممن تركها رغبة‬
‫عنها‪.‬‬
‫تاسعال التشريك في النية له صور‪:‬‬
‫ل‪ ,‬وهذه الصورةا على نوعين‪:‬‬
‫الصورة الول‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما ليس بعبادةا أص ا‬
‫النوع الول‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما ل يصح إدخاله كالذبح ل وللولي فلن‪ ,‬فهذا يبطل‬
‫العبادةا‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما يصح إدخاله‪ ,‬كما لو اغتسل بنية الجمعة والتبرد‪,‬‬
‫أو يصوما بنية الصياما والتخفيف‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن ينوي مع العبادةا عبادةا‪ ,‬وهذا له أنواع‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬أن يدخل الفريضة على فريضة هذا ل يجوز إل في حالة واحدةا فقط في‬
‫الحج في القرآن أي يدخل الحج على العمرةا فيقول)اللهما لبيك عمرةا وحجاا(ْ فهنا أدخل‬
‫الحج على العمرةا وقرنهما بنية واحدةا‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن ينوي مع الفريضة سنة هذا يجوز في بعض الصور دون بعض الصور‬
‫مثل لو جاء إلى المسجد والناس يصلون فدخل معهما على أن هذه الصلةا فريضة ونوى‬
‫بها تحية المسجد صح ذلك‪ ,‬وفي بعض الصور ل يجوز كما لو وجد مسكينا فأعطاه‬
‫مبلغ ا من المال على أنها زكاةا وصدقة فإنها ل تصح زكاةا وتصح منه صدقة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫النوع الثالثَ‪ :‬أن ينوي مع النافلة نافلة أخرى‪ ,‬وهذا باب واسع جداا‪ ,‬مثل لو تؤضأ ثما‬
‫دخل المسجد فصلى ركعتين بنية أنها سنة الضحى وركعتي الوضوء‪ ,‬وتحية المسجد‬
‫صح ذلك‪.‬‬
‫ثما قال الناظما رحمه ال تعالى‪) :‬وهذه قاعدةا عظيمة جداا(ْ‪:‬‬

‫الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرأء المفاسد‬

‫‪12‬‬

‫في جلببها والدرأء للقبائبح‬ ‫الددينن مبني على المصالح‬

‫هذه القاعدةا وما بعدها البيت}‪12‬و ‪13‬و ‪ {14‬هذه ثلثَ قواعد عظيمة في باب المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والحتساب في الجهاد‪ .‬بل ل أبالغ إذا قلت أن فساد‬
‫نتائج كثير من العمال الدعوية نتيجة قلة الفقه في مثل هذه القاعدةا‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫معنى هذه القاعدةا أن أحكامه سبحانه وتعالى وتشريعاته مبنية على مصلحة المكلفين‬
‫سواء كان ذلك في المر أو النهي في الدنيا أو في الخرةا‪ ,‬فال تعالى ل يأمر إل بما‬
‫فيه مصلحة المكلف‪ ,‬ول ينهي عن شئ إل فيه ضرر على المكلف وهذا المعنى هو‬
‫ك لإلل كرنحكمةا للنلكعالكلميكن‪,26‬‬
‫الذي من أجله بعثَ ال الرسل كما قال ال عز وجل‪‬كوكما أكنركسنلكنا ك‬
‫ولذلك السابر لغوار الشريعة يجد أنها خي ار محضاا‪ ,‬لكن هذا الخير يحتاج إلى عقول‬
‫تعي هذه المسألة‪ .‬لذلك نجد أن ال تعالى ل يأمر بأمر ول ينهي عن شئ إل ويعلل‬
‫لهذا المر أو النهي لمصلحة المكلف‪‬لعلكما تتقون‪,‬لعلكما تتذكرون‪,‬هو أزكى لكما‪,‬‬
‫ونحو ذلك من اليات الكريمة‪ ,‬فمعرفة النسان لهذا المر تجعله يوقن بعظمة هذه‬
‫الشريعة وما ذكرناه تمهيدا لهذه القاعدةا‪.‬‬

‫‪) 26‬النبياء‪ْ(107:‬‬

‫‪23‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فما المراد إذال بهذه القاعدة؟‬


‫لما كان الصل في الشريعة أنها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد‪ ,‬وجب على‬
‫المجتهد الناظر في المسائل الجتهادية الحادثة التي لما يرد فيها دليل أن ينظر إليها‬
‫بعين العتبار‪.‬‬
‫بمعنى أنه في علجه وفي حكمه على هذه المسائل أن يراعي جلب المصالح ودرء‬
‫المفاسد وكذلك في مسائل كثيرةا في الدعوةا إلى ال عزوجل يحتاج الداعية إلى إعمال‬
‫هذه القاعدةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هي المصلحة التي يعتبرها الشارع؟‬
‫لن المصلحة عند بعض الناس قد تكون دعوى‪ ,‬وقد تكون وهما فيظن لفساد مزاجه أو‬
‫لسوء تفكيره أو لجهله ما ليس بمصلحة مصلحة‪ .‬هذه قضية خطيرةا جدا وعلى ذلك‬
‫مدار الكتابة في الصحف الن كلها من هذا الباب‪ ,‬فيأتي إنسان عنده فساد في المزاج‬
‫وسوء في التفكير وأكثرهما من الجهلة‪ ,‬فنقلوا ذلك إلى الصحف نسأل ال السلمة‬
‫والعافية‪ ,‬فيظنون بأمزجتهما الفاسدةا وسوء تفكيرهما وخبثَ طويتهما وجهلهما ما ليس‬
‫بمصلحة مصلحة‪ ,‬فيرتبون على ذلك أحكاما شرعية غير صحيحة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أحد الخلفاء دخل على أحد العلماء في حلقته مع طلبه وقال له‪ :‬إني‬
‫جامعت زوجتي في نهار رمضان‪ .‬فقال له‪ :‬صما شهرين متتابعين فانصرف‪ .‬فقال له‬
‫الطلب‪ :‬يا شيخ الذي تعلمنا منك أن كفارةا الجماع في نهار رمضان أولا عتق رقبة إن‬
‫لما يستطع صاما شهرين متتابعين إن لما يستطع أطعما ستين مسكين ا على الترتيب وليس‬
‫على التخيير‪ .‬فقال‪ :‬نعما‪ ,‬لكن هذا خليفة وعنده إماء كثير فربما تهاون في هذا المر‬
‫لسهولة العتاق عليه‪ ,‬فأفتيته بالغلظ حتى يكف عن ذلك‪.‬‬
‫فل شك أن كف هذه الخليفة عن هذا العمل مصلحة لكن هذه المصلحة غير معتبرةا‪,‬‬
‫لماذا؟ لنها خالفت نص الكتاب والسنة فالمصلحة الشرعية ليست مصلحة موهمة ول‬
‫مصلحة مدعاةا‪ ,‬إوانما المصلحة الشرعية هي التي يعتبرها الشارع في الحكاما‪.‬‬
‫ولذلك المصلحة في اللغة ضد المفسدةا‪.‬‬
‫وفي الصطلح هي التي قصدها الشارع لعباده لحفظ ما يلي‪:‬‬
‫الول‪ :‬حفظ الديان‪ .‬الثاني‪ :‬حفظ البدان‪ .‬الثالثَ‪ :‬حفظ الموال‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الرابع‪ :‬حفظ العراض الخامس‪ :‬حفظ العقول‪ .‬السادس‪ :‬حفظ النساب‪.‬‬


‫هذا هو تعرف شيخ السلما رحمه ال تعالى لها‪ .‬إذا كانت المصلحة تراعي مثل هذه‬
‫المور)أي هذه الكليات الست(ْ فهي معتبرةا إوال فهي مصلحة موهومة فاسدةا‪.‬‬
‫من أدلة القاعدة‪:‬‬
‫ك إللل كرنحكمةا للنلكعالكلميكن‪ ,27‬ومن الرحمة بعباده رعاية‬
‫أ(ْ قول ال عز وجل ‪‬كوكما أكنركسنلكنا ك‬
‫مصالحهما الدنيوية والخروية‪.‬‬
‫ب(ْ ومن ذلك قول ال تعالى‪‬إللن الللهك كينأدمدر لبانلكعندلل كوا نللنحكسالن‪. 28‬‬
‫ج(ْ وقول ال جل وعل‪‬دقنل إللن الللهك ل كينأدمدر لبانلفكنحكشالء‪.29‬‬
‫د(ْ ومنه قول ال عز وجل‪‬كوديلحدل لكهددما الطلريكبالت كوديكحرردما كعلكنيلهدما انلكخكبائل ك‬
‫ثَ‪.30‬‬
‫والدلة على ذلك كثيرةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬المصالح الشرعية قسمها العلماء إلى ثلثة أقساما‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬مصلحة ضرورية‪ :‬هي التي شرعت لقياما أمر الدين والدنيا جميعا‪ ,‬وهذه كتوحيد ال‬
‫عز وجل مصلحة دنيوية وذلك أن يحيا النسان حياةا السعداء‪ ,‬كما قال ال عز وجل‬
‫طمئلدن دقدلوبهما بللذنكلر الللله كأل بللذنكلر الللله تك ن ل‬ ‫لل‬
‫طكمئدن انلدقدلو د‬
‫ب‪‬‬ ‫‪‬الذيكن آكمدنوا كوتك ن ك‬
‫‪31‬‬
‫د دن‬
‫ومصلحة أخروية لن من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬مصلحة حاجية‪ :‬وهذه هي التي شرعها ال عز وجل تخفياف ا على المكلف‪ ,‬وهذه‬
‫ستأتي عند قول الناظما‪:‬‬

‫فـي كل أمر نابأبهن تعسينر‬ ‫ومن قواعد شأرعنا التيسينر‬

‫هذه كالجمع والقصر في السفر ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪) 27‬النبياء‪ْ(107:‬‬

‫‪) 28‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(90‬‬


‫‪) 29‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬
‫‪) 30‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(157‬‬
‫‪) 31‬الرعد‪ْ(28:‬‬

‫‪25‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(3‬مصلحة تحسينية‪ :‬وحينما نقول ذلك ل يلزما أن تكون هذه المصلحة غير واجبة فقد‬
‫تكون من المصلحة التحسينية وهي واجبة‪ ,‬إوانما المعنى أنها شرعت لتحسين الدين‬
‫وتجميله وتكميله كالنظافة مطلق ا بما في ذلك الوضوء والغسل‪ ,‬حسن الخلق‪ ,‬البشاشة‬
‫مع الناس ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أقساما المصلحة باعتبار إقرار الشارع لها وعدما إق ارره لها‪ ,‬أو بمعنى آخر ما‬
‫هي المصلحة المعتبرةا والمصلحة الغير معتبرةا؟‬
‫يقال بأن المسألة لها ثلثة أقساما‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬المصلحة المعتبرةا‪ :‬وهي التي جاءت الدلة من الكتاب والسنة على إعمالها‪ ,‬فهذه‬
‫حجة باتفاق أهل العلما‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬مصلحة ملغاةا‪ :‬وهذه هي المخالفة لدلة الكتاب والسنة فهذه ملغاةا وباطلة بالتفاق‬
‫ول سبيل لقبولها مهما ألبست لباس المصلحة‪ ,‬كبدعة المولد وعلى هذا ما ينادي به‬
‫الفسقة من الكتاب في الصحف وغيرها في بعض المصالح الموهومة المزعومة هي من‬
‫هذا كمطالبتهما بقيادةا المرأةا للسيارةا ويعللون ذلك بمصالح كاستغناء السر عن السائقين‬
‫وهذا لما يحصل في البلد التي سمحت للمرأةا بقيادةا السيارةا وعدما الخلوةا بالسائق ونحو‬
‫ذلك من المور التي لما يعهد عنهما أنهما يراعونها لن في قلوبهما مرض فنجد أنهما‬
‫يريدون أن يتوصلوا أحيانا إلى بعض الشياء باسما المصلحة كمطالبتهما بخروج المرأةا‬
‫ومخالطتها للرجال باسما المصلحة كتقوية القتصاد ونحو ذلك‪ .‬فبناء على هذا نقول‬
‫بأن هذه مصلحة ملغاةا أو مصلحة باطلة مهما لبست لباس المصلحة‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬مصالح مرسلة‪ :‬وهي المسكوت عنها‪ ,‬وهذه لما يأت الدليل باعتبارها ول بعدما‬
‫اعتبارها فهذه تسمى المصالح المرسلة‪ .‬وسميت بذلك لنها مطلقة وخالية من الدليل‪.‬‬
‫فهل هي حجة أو ليست بحجة؟‬
‫هي حجة عند الماما مالك وأحمد رحمهما ال تعالى واستدلوا على ذلك بدليلين‪:‬‬
‫أ‪ .‬أستقرء الشريعة وهي إنما شرعت لمصلحة المكلفين‪ ,‬إواعمال المصالح يتفق مع‬
‫مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫ب‪ .‬عمل الصحابة رضي ال تعالى عليهما حيثَ كانوا يراعون المصلحة في النوازل‬
‫التي يجتهدون فيها‪ ,‬فالصحابة اعملوا ذلك حينما مثلا جمعوا القرآن بمصحف واحد‪,‬‬

‫‪26‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وكذلك زيادةا عمر في جلد شارب الخمر إلى ثمانين جلدةا وقد كان في صدر خلفته قد‬
‫جلد أربعين ثما زاد لما رأى الناس أكثروا من ذلك‪.‬‬
‫لكن العلماء رحمهما ال تعالى جعلوا سبعة شروط لعمال المصالح المرسلة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن يغلب على الظن وجود هذه المصلحة‪ ,‬بمعنى أن المصلحة ل تكون موهومة‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أن تكون المصلحة ترعى الكليات الست التي سبق الحديثَ عنها‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن تكون هذه المصلحة متفقه مع قواعد الدين وأصوله لن هناك قواعد عامة‬
‫مقاصد للشريعة فلبد أن تكون هذه المصلحة متفقة مع هذه القواعد‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬أل تعارض هذه المصلحة نص ا من كتاب ال تعالى أو سنة النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما ول إجماع المسلمين‪.‬‬
‫‪ ْ(5‬أل تكون هذه المصلحة في العبادات‪ ,‬لن العبادات توقيفية أي متوقفة على النص‬
‫من الكتاب والسنة‪ ,‬وهذا كما تقدما في بدعة المولد‪.‬‬
‫‪ ْ(6‬أل تكون في المقدرات‪ ,‬والمقدرات هي التي تكلفت النصوص الشرعية ببيان مقدارها‬
‫كالمواريثَ كما قال ال عز وجل‪‬للللذككلر لمنثدل كحظر انلدننثككينيلن‪ .32‬قد يأتي إنسان ويقول بأن‬
‫المرأةا أصبحت تشارك الرجل فنقول بأن هذه مصلحة فاسدةا لنها في المقدرات التي‬
‫تكلفت النصوص الشرعية ببيان مقدارها‪ .‬وعلى هذا مثل هؤل الذين يثيرون الشبه باسما‬
‫المصالح علينا أن ننسف باطلهما وشبهتهما من أساسها‪ ,‬لن بعض الناس يجادل‬
‫ويناقش في أشياء هي من المسلمات يعني الن نتفق مع هذا أن المرأةا أصبحت تتحمل‬
‫بعض المسئولية ليست كالول وأصبحت أحيانا تتفق على أولدها وربما على أيتاما‬
‫تحتها ونحو ذلك‪ ,‬فلو أننا جلسنا نخالفهما في ذلك لوجدنا أننا نخالف من دون اقتناع‪,‬‬
‫لكن لما نأتي إلى الشبهه فننفسها من أساسها حينما نسلما من كثير من المور وهذا أبلغ‬
‫في العلج فتقول‪ :‬لهما مهما وجد من المصالح التي نتفق معك فيها ال أنها كانت في‬
‫المقدرات ومن شروط إعمال المصلحة أل تكون في المقدرات ونكتفي بهذا‪.‬‬
‫‪ ْ(7‬أن تكون المصلحة عامة وليست خاصة‪ ,‬يعني تكون هذه المصلحة ل ترعى أناس‬
‫بأعيانهما أو بأشخاصهما وهذا هو الفرق بين حكما الشريعة وبين حكما القوانين الوضعية‪.‬‬
‫قاعدةا تزاحم المصالح‬
‫‪) 32‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬

‫‪27‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪13‬‬

‫نيقددما العلى من المصالبح‬ ‫فـإذا تزاحـم عـدد المصالبح‬

‫وهذه قاعدةا عظيمة جدا ونحتاج إليها كثي ار ولذلك قد نكثر التمثيل عند هذه القاعدةا وهي‬
‫مرتبطة بالبيت الذي قبلها والذي بعدها‪.‬‬
‫ومعنى هذا البيت‪:‬‬
‫أن المكلف إذا أمر أن يفعل أحد أمرين ول يمكن الجمع بينهما‪ ,‬وهنا دينتبه لنه إذا أمكن‬
‫الجمع بينهما وجب أن يصير إلى ذلك بحسب حكما المصلحة‪.‬‬
‫لكن قد تتزاحما عند المكلف مصلحتان ل يمكنه الجمع بينهما فإنه يصير إلى العلى‬
‫مصلحة وهذه الصور واردةا في باب الترجيحات وبين المتعارضات‪ ,‬فالقاعدةا معروضة‬
‫فيما إذا لما يتمكن المكلف من فعل المصلحتين معا ومنعه مانع شرعا أو قد ارا‪.‬‬
‫وهناك أمثلة تعرض للكثير كتزاحما الدعوةا وطلب العلما‪ ,‬وكذا تزاحما أداء بعض السنن‬
‫مع القياما بواجب الدعوةا إلى ال عز وجل‪ ,‬والبعض مثلا يسأل أنه إن قدر له وصاما قد‬
‫ل يتمكن من طلب العلما على الشكل المطلوب من البحثَ والقراءةا لكونه مجهداا‪ ,‬إلى‬
‫غير ذلك من المسائل الكثيرةا تعرض وخاصة للداعية إلى ال تعالى وطالب العلما على‬
‫الوجه الخص‪ ,‬ولذلك فقه هذه القاعدةا من الهمية بمكان‪.‬‬
‫ولهذا هذه القاعدةا لها صور كثيرةا‪:‬‬
‫‪-1‬إذا تعارض مصلحة واجبة وأخرى مسنونة‪ :‬فإنه يقدما الواجب لنه آكد‪ ,‬مثال ذلك‬
‫قد يقوما المسلما من النوما ولما يبق إل وقتا يسي ار ويخرج وقت صلةا الفجر فهل يقدما سنة‬
‫الفجر أما الفريضة؟ نقول هنا تزاحما المصلحتان بحكما أن الوقت سيخرج فإنها تقدما‬
‫الفريضة لن أداء الفريضة في الوقت آكد من أداء السنة قبل الفريضة‪.‬‬
‫‪-2‬إذا تعارض واجبان‪ :‬قدما الكد منهما لن الواجبات متفاوتة في قوةا الواجب‪ ,‬مثال‬
‫على ذلك‪ :‬صلةا العيدين على الصحيح أنها واجبه لكن لو كان اشتغاله بصلةا العيد‬
‫بالتهيؤ والذهاب إليها يفوت عليه صلةا الفجر فإنه يقدما صلةا الفجر لنها آكد‪ ,‬لن‬

‫‪28‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تارك الصلةا يكفر وتارك صلةا العيدين على القول بوجوبها وهو الصحيح يأثما أثما‬
‫فقط ل يخرج إلى حد الكفر‪.‬‬
‫‪-3‬تعارض السنن‪ :‬وعلى هذا جل أحكاما هذه القاعدةا‪ .‬فجل أحكامها في قضية تزاحما‬
‫المصالح في تعارض المسنونات بحيثَ أنه قد يعرض للنسان أوجه وأبواب من أبواب‬
‫الخير فتتزاحما هذه الوجه ول يمكن فعلها جميعا فل يدري أيها ديقدما‪ ,‬ففقه هذه القاعدةا‬
‫مما يعين النسان على اختيار الفضل‪ ,‬ولذلك وضع الفقهاء رحمهما ال تعالى ضوابط‬
‫لتعارض السنن منها‪:‬‬
‫أ(ْ إذا تعارض سنة وسنة مؤكدةا دقدمت السنة المؤكدةا‪.‬‬
‫ب(ْ إذا تعارض فعلن إحداهما ينتج عنه فعل قاصر والخر ينتج عنه فعل متعدي‪ ,‬إذا‬
‫لما يمكن تأديتهما جميع ا فإنه ديقدما العلى مصلحة وهو ما كان نفعه متعمد إلى الخرين‪,‬‬
‫لن ما كان نفعه متعمد للخرين هو أيض ا عائد على ذات النسان كطلب العلما‬
‫والشتغال بنوافل العبادات‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هنا إشارةا ولفتة يجب أن نعلما أن هذا التقسيما من حيثَ الصل‪ ,‬لكن قد يأتي‬
‫ل‪ .‬مثال ذلك‪:‬‬
‫وقت من الوقات بحيثَ يعرض عوارض للمفضول بحيثَ يكون فاض ا‬
‫الطرق العبادية التي دتعالج بها القلوب كثيرةا جدا منها قراءةا القرآن ومنها طلب العلما‬
‫ومنها الشتغال بنوافل العبادات ومنها تغسيل الموات ومنها زيارةا المرضى فقراءةا‬
‫القرآن هي أفضلها ول شك لكن قد يجد علج قلبه في مصاحبة أهل الخير في وقت من‬
‫ل‪.‬‬
‫الوقات فهنا يعمد إلى المفضول‪ ,‬لنه عرض له عارض جعله فاض ا‬
‫تزاحم المفاسد‬

‫‪14‬‬

‫فاررأتببكب الدنى من المفاسد‬ ‫وض ـدده تزاح ـنم المفاسـبد‬

‫‪29‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫المراد بالتزاحما هنا كالتزاحما بالبيت الذي قبل هذا‪ ,‬لكن هناك تزاحما مصالح وهنا تزاحما‬
‫مفاسد‪.‬‬
‫إذا تزاحما مفسدتان ولما يمكن تركهما جميع ا لن المفسدةا مطالب بتركها فإنه يرتكب‬
‫الخف مفسدةا في سبيل دفع العلى مفسدةا لكن ل شك إن أمكن تركهما جميعا فل‬
‫يجوز فعل واحد منهما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو وقع في ضرورةا حتمت عليه أما شرب دخان أو شرب مسكر ولما يمكن‬
‫تركهما جميعا فهنا يرتكب الخف مفسدةا وهو شرب الدخان‪ ,‬أما إن أمكن تركهما جميعا‬
‫وجب أن يصير إلى ذلك‪.‬‬
‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫هذه القاعدةا تندرج تحت قواعد كثيرةا منها‪:‬‬
‫* ل ضرر ول ضرار أو قاعدةا الضرر يزال‪.‬‬
‫* يصار إلى أهون الشرين‪ .‬مثال ذلك الن بعض أماكن الترفيه التي قد يكون بها شر‬
‫لوجود بعض المعاصي والمنكرات فلو تركها أهل الخير ربما زادت حدةا الشر وربما‬
‫تطور الشر إلى ما هو أعظما‪ ,‬فدخول مثل هذه الماكن لزالة الشر أو التقليل منه‬
‫مطلب شرعي‪ ,‬وهذا فقه وباب عظيما من أبواب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫* إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ولما يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب‬
‫أخفهما‪.‬‬
‫* إذا اجتمع ضرران أسقط الصغر الكبر‪.‬‬
‫فهذه القواعد وغيرها مهما اختلفت ألفاظها وصيغتها فهي متحدةا المعنى‪ ,‬فهي تدل على‬
‫أن النسان إذا ابتلي ببليتين ول بد من ارتكاب إحداهما فللضرورةا يجوز ذلك‪ ,‬فإذا كانت‬
‫البيتان أو الضرران أو المحرمان متساويين فهو بالخيار في ارتكاب أيهما شاء أما إن‬
‫كانا مختلفين في القوةا وأحدهما أخف مفسدةا وأقل ضر ار أو أهون ش ار من الخر فإنه‬
‫يرتكب الخف ويدفع العظما والشد لن ارتكاب المحرما والقداما على المفاسد ل يجوز‬
‫إل لضرورةا شديدةا إواذا أمكن دفع الضرورةا بالخف قل يجوز القداما على الشد‪ ,‬لنه‬
‫ل ضرورةا في حق الزيادةا‪.‬‬
‫أمثلة القاعدة‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثلا لو تردد المر بين أن يصلي النسان قائما وتنكشف عورته وبين صلته قاعدا مع‬
‫عدما انكشاف العورةا‪ ,‬فإنه يصلي قاعدا لن ترك القياما أهون وأخف‪.‬‬
‫مثال أخر‪ :‬رجل به جرح إذا سجد سال دمه إواذا أومأ بالركوع لما يسل دمه‪ ,‬قالوا فإنه‬
‫يومئ بالركوع والسجود لن ترك السجود أهون من الصلةا على النجاسة وهذا على‬
‫القول بنجاسة الدما‪.‬‬
‫من صور هذه القاعدةا‪:‬‬
‫* إذا تعارض محرمان وكان أحدهما أشد حرمة فإنه يقدما الخف حرمة‪ ,‬لن‬
‫المحرمات تتفاوت‪ ,‬فمثلا لو أمره النسان على إما شرب الدخان أو تناول المخدرات‪,‬‬
‫يرتكب الخف مفسدةا هو شرب الدخان‪.‬‬
‫من صورها كذلك إذا تعارض محرمان فعل أحدهما يعود عليه والخر يعود على غيره‬
‫فإنه يرتكب ما يعود عليه‪ ,‬ل لنه مأذون له فيه إوانما لنه أخف ضر ارا‪ ,‬لو خير إنسان‬
‫مثلا على إتلف ماله أو إتلف مال غيره ديقدما إتلف ماله‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬
‫هناك قاعدةا داخلة في باب المقاصد لما يذكرها المصنف رحمه ال تعالى وهي قاعدةا‬
‫}درء المفاسد مقدم على جلب المصالح{‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫أنه إذا تعارض فعلن أحدهما يجلب مصلحة والخر يدرء مفسدةا فأن درء المفاسد مقدما‬
‫على جلب المصالح‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬يظهر ذلك كما في قوله تعالى عز وجل‪‬كول تكدسدبوا الللذيكن كينددعوكن لمنن ددولن الللله‬
‫فككيدسدبوا الللهك كعندوا بلكغنيلر لعنلمما‪ .33‬فل شك أن سب آلهة المشركين قربة يتقرب العبد بها إلى‬
‫ال عز وجل وهي مصلحة ول شك لكن لما كان ذلك يؤدي إلى أن يسب المشركون ال‬
‫عز وجل نهى عن ذلك لماذا؟‬
‫لن درء المفسدةا مقدما على جلب المصلحة‪ ,‬وهذه القاعدةا يستفيد منها الداعي إلى ال‬
‫سبحانه وتعالى في دعوته حال مراعاته ذلك‪.‬‬

‫‪) 33‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(108‬‬

‫‪31‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فالنبي صلى ال عليه وسلما مثلا هكما أن يبني الكعبة وأن يجعل لها بابان لول أن قريش‬
‫حديثي عهد بالسلما فخشي عليهما من الفتنة‪.‬‬

‫من قواعد الشريعة التيسير‬

‫‪15‬‬

‫فـي كل أمر نابأبهن تعسينر‬ ‫ومن قواعد شأرعنا التيسينر‬

‫هذا البيت أراد به المؤلف رحمه ال تعالى قاعدةا عظيمة من قواعد هذا الدين وهي‬
‫قاعدةا اليسر ورفع الحرج والمشقة‪ ,‬وهذا يعبر عنها الفقهاء بقولهما}المشقة تجلب‬
‫التيسير{ وهذه القاعدةا إحدى القواعد الخمس التي ينبني عليها صرح الفقه السلمي‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪.1‬المور بمقاصدها‪.‬‬
‫‪.2‬اليقين ل يزول بالشك‪.‬‬
‫‪.3‬المشقة تجلب التيسير‪.‬‬
‫‪.4‬الضرر يزال‪.‬‬
‫‪.5‬العادة محكمة‪.‬‬
‫قال الماما الشاطبي رحمه ال تعالى‪ :‬إن الدلة على رفع الحرج في هذه المة بلغت‬
‫مبلغ القطع " أي أنها متواترةا"‪.‬‬
‫ومن تتبع الشريعة الغراء في أصولها وفروعها يجد التيسير واضحا جليا في العبادات‬
‫والمعاملت والحقوق والقضاء والحوال الشخصية وغير ذلك مما يتصل بعلقة الخلق‬
‫بخالقهما أو علقة الخلق بعضهما ببعض بما يضمن سعادتهما في الدنيا والخرةا‪.‬‬
‫والناظر في التخفيفات الواردةا في الشرع يرى أنها ل تخرج عن نوعين اثنين‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬نوع دشرع من أصله للتيسير‪ ,‬وهو عموما التكاليف الشرعية في الحوال العادية وهنا‬
‫لفتة وهي إن إيراد هذه القاعدةا ل يعني ذلك أن الصل في الشريعة العسر‪ ,‬إوانما المراد‬

‫‪32‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن الصل فيها اليسر‪ ,‬لكن قد يعرض للنسان عوارض تجعل هذا اليسير في حقه‬
‫عسي ار فجاءت الشريعة فخففته‪.‬‬
‫ثاني ا وهذا هو القسما الثاني وهو‪:‬‬
‫‪ ْ(2‬نوع شرح لما يجد من العذار والعوارض وهو المسمى بالرخص‪.‬‬
‫أما الول فمن تأمل الشريعة بداله جلي ا واضح ا أن هذا الدين كله بتكاليفه وعبادته‬
‫وتشريعاته ملحوظ فيه فطرةا النسان وطاقته‪ .‬هذه الحكاما يسيرةا ل عسر فيها‪ ,‬سمحه‬
‫ل تكلف فيها‪ ,‬سهلة ل تعقيد فيها‪ ,‬إنها ل تمثل قيودا وأغللا في عنق النسان‪ ,‬كما‬
‫يخيل لبعض المستشرقين ومن على شاكلتهما فيكتبون عن روح السلما بروح التعصب‬
‫وعقلية المتحامل‪ ,‬إنهما ومن لف لفهما من أبناء جلدتنا يجهلون أن الحكاما الشرعية في‬
‫حقيقتها توجيه وتشريف أكثر منها قيودا وحدوداا‪ ,‬وأن التكاليف الربانية أمر بحمد ال‬
‫تعالى ينسجما مع طبيعة النسان ويتلقى مع مزيته التي خصه ال تعالى بها من العقل‬
‫والفهما‪ ,‬فأي حرج على النسان بعد ذلك أن يتقيد بها ويعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫أما النوع الثاني من التخفيفات الواردةا في الشرع لما يوجد من العذار والعوارض وهو‬
‫المسمى بالرخص فهذا دليل عيان يشهد بأن هذا الدين دين اليسر والسهولة وشاهد عدل‬
‫أيضا على سماحته وتجاوبه مع الفطر المستقيمة وأيضا حساسية الشرع المرهفة لحوال‬
‫أهله بمسارعته في تقديما ما تزول به مشقتهما وعناؤهما ول الحمد و المنة‪.‬‬
‫تعريف‪:‬‬
‫المشقة هي العسر والعناء الخارجين عن حد العادةا والحتمال‪ ,‬ومنه قول ال عز وجل‬
‫‪‬كوتكنحلمدل أكثنكقالكدكنما إلكلى كبلكمد لكنما تكدكودنوا كبالللغيله إللل بللش ر‬
‫ق انلكننفد ل‬
‫س‪ 34‬أي بتعبها‪ .‬والتيسير في‬
‫اللغة هو السهولة والليونة‪.‬‬
‫والمعنى اللغوي الجمالي لهذه القاعدة‪:‬‬
‫أن الصعوبة والعناء تصبح سبب ا للتسهيل‪ ,‬وهذا معنى قولهما}إذا ضاق المر اتسع{‪.‬‬
‫وأما المعنى الشرعي الصطلحي لها فهو‪ :‬أن الحكاما التي ينشأ عن تطبيقها دون‬
‫عسر أو إخراج‪.‬‬
‫من أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪) 34‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪33‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫من القرآن‪:‬‬
‫*قول ال عز وجل‪‬ديلريدد الللهد بلدكدما انلدينسكر كول ديلريدد بلدكدما انلدعنسكر‪. 35‬‬
‫ت‪. 36‬‬ ‫ف الللهد كننفس ا إللل دونسكعكها لككها كما كككسكب ن‬
‫ت كوكعلكنيكها كما انكتككسكب ن‬ ‫*وقوله تعالى‪‬ل ديككلر د‬
‫ف كعنندكنما‪. 37‬‬ ‫*ومن ذلك قوله تعالى‪‬ديلريدد الللهد أكنن ديكخفر ك‬
‫*ومنه‪‬كوكما كجكعكل كعلكنيدكنما لفي الرديلن لمنن كحكرمج‪.38‬‬
‫*ومن ذلك‪‬كما ديلريدد الللهد للكينجكعكل كعلكنيدكنما لمنن كحكرمج‪.39‬‬
‫طنعتدنما‪.40‬‬ ‫*ومن ذلك‪‬كفاتلقدوا الللهك كما انستك ك‬
‫أما من السنة‪:‬‬
‫من تصفحها وجد تصريح أو تشير إلى معاني هذه القاعدةا من ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أن النبي صلى ال عليه وسلما وعلى آله وسلما لما سئل‪‬أي الديان أحب إلى ال‬
‫تعالى؟ قال‪ :‬الحنيفية السمحة‪. 41‬‬
‫قال الشاطبي رحمه ال‪ :‬وسمي الدين بالحنيفية السمحة لما فيها من التيسر والتسهيل‪.‬‬
‫‪ .2‬ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرةا رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلما قال‪‬إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إل غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا‬
‫واستعينوا بالغدوةا والروحة وشيء من الدلجة‪.‬‬
‫‪ .3‬وقول النبي صلى ال عليه وآله وسلما‪ ‬لول أن أشق على أمتي " وفي رواية على‬
‫المؤمنين" لمرتهما بالسواك عند كل صلةا‪.42‬‬
‫ونحو ذلك من الدلة على هذه القاعدةا مشروعية الرخص‪ ,‬كرخص القصر والفطر‬
‫والجمع وتناول المحرمات للضطرار ونحو ذلك‪.‬‬
‫*من الجماع‪:‬‬

‫‪) 35‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(185‬‬


‫‪) 36‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(286‬‬
‫‪) 37‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬
‫‪) 38‬الحج‪ :‬من الية ‪ْ(78‬‬
‫‪) 39‬المائدةا‪ :‬من الية ‪ْ(6‬‬
‫‪) 40‬التغابن‪ :‬من الية ‪ْ(16‬‬
‫‪ 41‬رواه البخاري في صحيحه تعليقاا‪.‬‬
‫‪ 42‬رواه البخاري‬

‫‪34‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الجماع منعقد على عدما وقوع التكليف بالشاق‪.‬‬


‫فائدة‪:‬‬
‫لسائل أن يقول ما ضابط المشقة التي تجلب التيسير؟‬
‫لن الكثير من الناس يتعلل بالمشقة كلما دكلف بأمر قال هذا فيه مشقة‪ .‬هذا ل‬
‫أستطيعه هذا ل أقدر عليه وربما قال بأن الدين يسر‪ .‬وربما قال إن المشقة تجلب‬
‫التيسير فهل كل مشقة تجلب التيسير؟ فنقول جواب ذلك على قسمين‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬مشقة ل تنفك العبادةا عنها غالباا‪ ,‬وذلك كمشقة الصوما لشدةا الحر وطول‬
‫النهار‪ ,‬ومشقة الجهاد‪ ,‬ومشقة الحج‪ ,‬مشقة الجتهاد في طلب العلما‪ ,‬فهذه المشقة ل‬
‫انفكاك عنها في الغالب‪ ,‬كما أنها مشقة ل تنافي التكليف ول توجب التخفيف لن الذي‬
‫يطلب التخفيف حينئذ هو مهمل ومفرط‪.‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬مشقة تنفك عنها العبادات غالباا‪ ,‬والصل أنها ل تلزما العبادةا فان كانت‬
‫مشقة عظيمة كخوف الهلك عند الغتسال فان هذه المشقة هي التي تجلب التيسير‪,‬‬
‫أما أن كانت مشقة خفيفة كأدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف‪ ,‬فهذا ل أثر له‬
‫ول التفات إليه لن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع هذه المفسدةا التي ل أثر‬
‫لها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أسباب رفع المشقة أو أنواع الرخص‪.‬‬
‫ذكر الفقهاء رحمهما ال تعالى أن الرخص الشرعية سبعة أنواع وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬رخصة إسقاط‪ :‬كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها كإسقاط الصلةا عن الحائض‬
‫وعن النفساء‪ ,‬وعدما وجوب الحج على المرأةا إذا لما تجد محرماا‪.‬‬
‫‪ .2‬رخصة تنقيص‪ :‬أي إنقاص العبادةا لوجود العذر وهذا كالقصر في الصلةا‪.‬‬
‫‪ .3‬رخصة إبدال‪ :‬أي إبدال عبادةا بعبادةا كإبدال الوضوء والغسل بالتيمما عند عدما الماء‬
‫أو عدما القدرةا على إستعماله‪ ,‬إوابدال القياما بالصلةا بالقعود أو الضجعاع للمرض‪.‬‬
‫‪ .4‬رخصة تقديما‪ :‬كجمع التقديما بعرفات بين الظهر والعصر‪ ,‬وتقديما الزكاةا على الحول‬
‫وزكاةا الفطر في رمضان‪ ,‬وتقديما الكفارةا على الحنثَ ولذلك قالوا يجوز }تقديم الشيء‬
‫بعد انعقاد سببه وقبل وجود شرطه{ مثلا النسان إذا صار عنده نصاب زكاةا هذا هو‬
‫سبب الزكاةا بلوغ النصاب يجوز أن يقدمه قبل شرطه وهو حلول الحول‪ ,‬وكذا الحنثَ‬

‫‪35‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫في اليمين يجوز له أن يحلف ثما يكفر عن يمينه ثما يحنثَ لكن ل يجوز له أن يكفر ثما‬
‫يحلف ثما يحنثَ‪ ,‬الن سبب اليمين لما ينعقد‪.‬‬
‫‪ .5‬رخصة تأخير‪ :‬كالجمع في مزدلفة بين المغرب والعشاء‪ ,‬وتأخير صياما رمضان‬
‫للمسافر والحائض والنفساء ومن انشغل بإنقاذ غريق‪ ,‬أو العناية بمريض ديخشى عليه أو‬
‫جريح تجري له عملية‪.‬‬
‫‪ .6‬رخصة اضطرار‪ :‬كشرب الخمر للغصة إذا لما يجد وخشي على نفسه الهلك‪ ,‬وأكل‬
‫الميتة والخنزير عند المسغبة وخشية الموت جوعاا‪.‬‬
‫‪ .7‬رخصة تغيير‪ :‬كتغير نظما الصلةا للخوف‪.‬‬
‫وهذه الدرخص ليست على مرتبة واحدةا بل هي تختلف تبعا لظروف المكلف فمنها‪:‬‬
‫أ(ْ ما يجب فعله كأكل الميتة للمضطر‪.‬‬
‫ب(ْ ومنها ما يندب فعله كالقصر في السفر أو جواز النظر إلى المخطوبة‪.‬‬
‫ج(ْ منها ما يباح كالسلما "والسلما هو تعجيل الثمن وتأخير المثمن"‪.‬‬
‫د(ْ ومنها درخص الولى بالمكلف أن يفعلها كالفطر في السفر لمن ل يتضرر‪.‬‬
‫ذ(ْ منها رخص يكره فعلها كالجمع في السفر للمقيما في بلد سافر إليه‪ ,‬والقصر في أقل‬
‫من ثلثَ مراحل عند بعض الفقهاء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حصر بعض الفقهاء أسباب التخفيف في سبعة أسباب رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ /1‬السفر‪ :‬والسفر على الراجح ديرجع فيه إلى العرف‪ ,‬لكن على كل حال هو من‬
‫أسباب التخفيف‪.‬‬
‫‪ /2‬المرض‪ :‬وهو خروج البدن عن حد العتدال والعتياد إلى العوجاج والشذوذ‪,‬‬
‫فالمرض قد أذن له بأن يتخلف عن صلةا الجماعة‪ ,‬وأن يصلي قاعدا أو يصلي على‬
‫جنبه حسب ما يستطيع‪ ,‬ويفطر إذا كان هناك مشقة عليه من الصياما‪.‬‬
‫‪ /3‬الكراه‪ :‬وهو في اصطلح الفقهاء "حمل الغير على أن يفعل ما ل يرضاه ول‬
‫يختار مباشرته لو ترك و نفسه‪.‬‬
‫‪ /4‬النسيان أو السهو‪ :‬والنسيان هو جهل النسان بما كان يعلمه ضرورةا أو هو عدما‬
‫استحضار الشيء في وقت الحاجة إليه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ب على النسان ول أثما على‬


‫قال العز بن عبدالسلما رحمه ال تعالى) النسيان غال م‬
‫الناسي(ْ‪.‬‬
‫فإذا نسى النسان وكان ل يمكن تدارك هذا الشيء فانه يسقط وجوب هذا الشيء بفواته‬
‫كنسيانه لصلةا الكسوف‪ .‬وأن كان مما ديقبل التدارك من حقوق ال تعالى أو حقوق‬
‫عباده كالصلةا والزكاةا ونفقات الزوجات وجب تداركه‪.‬‬
‫‪ /5‬الجهل‪ :‬هو نقيض العلما‪ ,‬وهو في الصطلح اعتقاد الشيء جزما على خلف ما‬
‫ب يرفع الثما والحرج والمسؤلية عن المكلفين بل ويمنع من‬
‫هو في الواقع‪ .‬فالجهل سب م‬
‫توجيه الخطاب الشرعي إليهما أحيان ا أخرى‪.‬‬
‫وهذه ليست دعوى إلى الجهل لن النسان ل يعذر بتفريطه بل تقول يجب عليه أن‬
‫يتعلما ما ل تقوما العبادةا إل به وما ل تصح العبادةا إل به لكن لو انه بذل واجتهد في ذلك‬
‫لكنه جهل بعض المسائل فإنه يرفع عنه الحرج‪.‬‬
‫‪ /6‬العسر وعموما البلوى‪:‬والعسر أي مشقة تجنب الشيء‪ ,‬وعموما البلوى أي شيوع‬
‫البلء بحيثَ يصعب على المرء البتعاد عنه‪.‬‬
‫‪ /7‬النقص الطبيعي‪ :‬والنقص ضد الكمال ولذلك لما يكلف الصبي والمجنون لنقص‬
‫عقليهما‪ ,‬وفوض أمر أموالهما للولي‪ ,‬كذلك عدما تكليف النساء بكثير مما وجب على‬
‫الرجال كحضور الجمع والجماعات‪ .‬وهذا ل يسمى كما يزعما البعض أنه نقص غير‬
‫طبيعي بالتالي يحمله ذلك على انتقاص المرأةا مثلا كانتقاص بعضهما النساء برقة‬
‫الدين‪ ,‬كمن يستدل بقول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين‬
‫أذهب للب الرجل الحازما من إحداكن‪..‬الخ‪ ,43‬حيثَ بين صلى ال عليه وسلما أنها تترك‬
‫الصلةا في حال حيضها ونفاسها فهذا ليس مدعاةا للنتقاص‪ ,‬لن هذا نقص طبيعي‬
‫ليس شاذا حتى يحمل ذلك بعض الرجال على انتقاص المرأةا بل قال أهل العلما بأن‬
‫المرأةا إذا تركت الصلةا في حال حيضها ونفاسها فإنها تكون ممتثلة امتثالا يوازي تركها‬
‫للصلةا فيغلب جانب امتثالها ويكون ذلك صفة كمال ل نقص في حقها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إطلقات القاعدةا‪:‬‬

‫‪ 43‬متفق عليه‬

‫‪37‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا }قاعدة المشقة تجلب التيسير{ كثيرةا الفروع وعميقة الجزور ولهذا لها‬
‫اطلقات‪:‬‬
‫‪ .1‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا ضاق المر اتسع أي إذا حصل على النسان حرج أو مشقة توسع بالرخصة‪.‬‬
‫‪ .3‬ما أبيح للضرورةا ديقدر بقدرها‪ ,‬فإذا جاز للنسان أن يأكل الميتة خشية الهلك فإنه‬
‫ل يأكل إلى حد الشبع إوانما يأكل ما يندفع به هلكه‪.‬‬
‫‪ .4‬ما جاز لعذر بطل بزواله كمن يقصر بالسفر إذا رجع إلى بلده بطل القصر‪ ,‬لن‬
‫العذر زال‪.‬‬
‫‪ .5‬الميسور ل يسقط بالمعسور‪ .‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫الواجبات تسقط مع عدما القدرأةا‬

‫‪16‬‬

‫ول نمبحدرما مع اضطرابرأ‬ ‫وليس واجـب بأل اقتـدارأ‬

‫هذه القاعدةا لها صورتان‪:‬‬


‫‪ ْ(1‬نفي الواجب مع عدما القدرةا عليه }سقوط الواجب لعدم القدرة{ وهذا معنى‬
‫قوله)وليس واجب بل اقتدار(ْ‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬إعمال المحرما مع الضطرار إليه }إباحة المحرم عند الضرورة{ وهذا معنى‬
‫قوله)ول محرما مع اضطرار(ْ‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أدلة هذه القاعدةا هي نفس أدلة القاعدةا السابقة‪ ,‬لن سقوط الواجب مع عدما‬
‫القدرةا عليه وفعل المحرما عند الضرورةا إليه هذا من يسر الشريعة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الواجب الذي ل يمكن فعله لسقوطه صورتان‪:‬‬
‫‪.1‬أن يسقط إلى بدل عنه كالعدول إلى التيمما عند عدما الماء أو فقد الماء‪ .‬والصيرورةا‬
‫إلى البدل يعبر عنها الفقهاء بإطلقات منها‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ( إذا تعذر الصل يصار إلى البدل‪.‬‬


‫ب( للبدل حكما المبدل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يسقط بالكلية‪ ,‬كسقوط الصلةا عن الحائض والنفساء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هناك قاعدةا في مسألة سقوط الواجب عند الضرورةا وهي‪:‬‬
‫}الميسور ل يسقط بالمعسور{‪ ,‬وذلك لن أوامر الشريعة كلها معلقة بقدرةا العبد‬
‫واستطاعته إذا لما يقدر على الواجب من الواجبات بالكلية سقط عنه وجوبه‪ ,‬إذا قدر‬
‫على بعضه‪ ,‬إن كان ذلك البعض عبادةا‪ ,‬وجب ما يقدر عليه وسقط عنه ما يعجز عنه‪.‬‬
‫قال العز بن عبدالسلما رحمة ال تعالى)إن من دكلف بشيء من الطاعات فقدر على‬
‫بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه(ْ‪.‬‬
‫دليل هذا الفرع‪:‬‬
‫ذهب العلماء في استنباط هذه القاعدةا إلى الشطر الثاني من حديثَ أبي هريرةا رضي ال‬
‫عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلما يقول‪‬ما نهيتكما عنه فاجتنبوه وما‬
‫أمرتكما به فافعلوا منه ما استطعتما‪ ,44‬الشاهد قوله‪‬وما أمرتكما بأمر فافعلوا منه ما‬
‫استطعتما‪ ‬وقد صرح بذلك الماما تاج الدين السبكي في الشباه والنظائر‪ ,‬كما يستدل‬
‫لذلك أيض ا بقوله تعالى ‪‬كفاتلقدوا الللهك كما انستك ك‬
‫طنعتدنما‪.45‬‬
‫وقوله تعالى ‪‬للديننلفنق دذو كسكعمة لمنن كسكعتلله‪ 46‬أي بحسب قدرته واستطاعته‪.‬‬
‫من المثلة على ذلك‪:‬‬
‫* من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه التيان بما قدر عليه منه مثل‪ :‬إنسان في‬
‫البر أصابته جنابه ويخشى على نفسه الهلك إن اغتسل‪ ,‬نقول يغسل ما استطاع‪,‬‬
‫ويتيمما عن الباقي‪ ,‬فبعض الناس يترك الغسل مع أنه قد يستطيع أن يغسل رجليه مثلا‬
‫إلى الركبتين‪ ,‬أو إلى ما فوق ذلك أو بغسل يديه إلى العضدين‪ ,‬لن تخفيف الجنابة‬
‫مشروع حتى ولو يغسل أعضاء الوضوء‪.‬‬

‫‪ 44‬رواه البخاري ومسلما‬


‫‪) 45‬التغابن‪ :‬من الية ‪ْ(16‬‬
‫‪) 46‬الطلق‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪39‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫* إذا عجز عن بعض الفاتحة لزمه التيان بالباقي‪ ,‬ونحو ذلك‪ .‬ولكن يجب التنبه إلى‬
‫مسألة وهي‪ :‬أن ما لما يكن جزؤه عبادةا مشروعة فإنه ل يلزما المكلف بالتيان به‪ ,‬كما لو‬
‫نذر أن يصوما يوم ا ويقدر على صوما بعض يوما دون كله فإنه ل يلزمه إمساكه‪ ,‬لن‬
‫جزء اليوما ليس عبادةا مشروعة‪.‬‬
‫قال }ول محرم مع اضطرار{‬
‫وهذا ما يعبرون عنه بقولهما }الضرورات تبيح المحظورات{‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬أن الشارع إذا منع من شيء وكان النسان محتاج إليه فإن هذه الضرورةا‬
‫تجعل هذا المحرما مباح ا بل قد يرتفع إلى درجة الوجوب واللزاما‪.‬‬
‫ولكن مع السف الشديد كثر في عصرنا الحاضر استعمال الضرورةا على غير وجهها‬
‫الشرعي حتى جعلت ذريعة لفعل كثير من المحظورات وترك الواجبات تحت ستار مبدأ‬
‫التخفيف والتيسير على الناس دون التقيد بالضوابط الشرعية وهي ضوابط الضرورةا‪ ,‬أو‬
‫الجهل بأحكامها أو الجهل بالحالت التي يصح التقيد بها عند وجود مقتضياتها‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك‪ :‬توسع الناس في استقداما الخادمة مثلا بحكما أن الضرورات تبيح‬
‫المحظورات‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضلا‪ :‬النقاب مثلا هذا موجود في عهد الصحابيات كن نساء السلف يلبسنه‪,‬‬
‫لكن النساء الن توسعن في استعماله تحت ذريعة هذه الضرورةا فأصبحت تخرج شيئ ا‬
‫كبي ار وتجمل عينيها ونحو ذلك‪ ,‬وبعضهن غير محتاجه أصلا للبسه ومع ذلك إوان‬
‫لبسته للضرورةا توسعت فيه فهي استعملت الضرورةا استعمالا زائدا عن الحد‪.‬‬
‫ولذلك قال الشاطبي رحمه ال تعالى) وربما استجاز هذا بعضهما في مواطن يدعي فيها‬
‫الضرورةا إوالجاء الحاجة بناء على أن الضرورات تبيح المحظورات فيأخذ عند ذلك بما‬
‫يتفق مع الغرض ويوافق الهوى الحاضر وكمكحامل الضرورات معلوما من الشريعة(ْ‪.‬‬
‫ومثال ذلك أيضاا‪ :‬بعض النساء تسافر بغير محرما ربما لسنة من السنن وتدعي أنها‬
‫مضطرةا ولذلك قال)فيأخذ عند ذلك بما يتفق مع الغرض ويوافق الهوى الحاضر(ْ‪.‬‬
‫مفهوم الضرورة‪:‬‬
‫الضرورات‪ :‬جمع ضرورةا ‪ ,‬مأخوذةا من الضطرار وهو الحاجة الشديدةا والمشقة والشدةا‬
‫التي ل مدفع لها‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫اصطلحاا‪ :‬هي أن تط أر على النسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدةا بحيثَ يخاف‬
‫حدوثَ ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال‪ ,‬ويتعين أو‬
‫يباح عندئمذ ارتكاب الحراما أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفع ا للضرر عنه في‬
‫غالب ظنه ضمن قيود الشرع‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هو حد الضرورةا التي تبيح المحظور؟‬
‫نقول بأن الضطرار إوان كان سبب من أسباب إباحة الفعل إل أنه ل د[سقط حقوق‬
‫الدميين وأن كان يسقط حق ال عز وجل يرفع الثما والمؤاخذه عن المضطر أو‬
‫المستكره فإن الضرورةا ل تبطل حق الدميين‪.‬‬
‫مثال‪ :‬شخص وجد شاةاا فذبحها مضط ار وأكل لحمها‪ ,‬جاءه صاحب الشاةا وطالبه‬
‫بالثمن فل يقول أنا مضطر والضرورات تبيح المحظورات! نعما هو رفع عنه الثما‬
‫"المؤاخذةا" لكن ل يعني ذلك أن حق الدميين يسقط إوانما يجب عليه أن يدفع القيمة‪.‬‬
‫ولهذا قيدت هذه القاعدةا بقاعدةا أخرى وهي }الضطرار ل يبطل حق الغير{‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* أما اليات القرآنية التي تدل على هذه القاعدةا في قوله }ول محرم مع اضطرار{ فهي‬
‫خمس آيات‪:‬‬
‫‪ .1‬منها آية واحدةا نص فيها صراحة على ضرورةا المخمصة " أي الجوع الشديد " وهي‬
‫ت كعلكنيدكدما انلكمنيتكةد كواللددما كولكنحدما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل للكغنيلر‬‫آية المائدةا وقول ال عز وجل‪‬دحرركم ن‬
‫الللله بلله كوانلدمننكخنلقكةد كوانلكمنودقوكذةاد كوانلدمتككرردكيةد كواللنلطيكحةد كوكما أككككل اللسدبعد إللل كما كذلكنيتدنما كوكما دذبلكح‬
‫ق انلكينوكما كيئلكس الللذيكن ككفكدروا لمنن لدينلدكنما كفل‬ ‫صلب كوأكنن تكنستكنقلسدموا لبانلكنزللما كذللدكنما لفنس م‬ ‫كعكلى الدن د‬
‫ت لكدكدما ا نللنسلكما‬ ‫ضي د‬‫ت علكنيدكما نلعملتي ور ل‬
‫ت لكدكنما ديكندكنما كوأكتنكمنم د ك ن ن ك ك ك‬
‫ل‬ ‫تكنخكشنودهنما كوانخكشنولن انلكينوكما أكنككمنل د‬
‫ف للثنمما فكلإلن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪. 47‬‬ ‫ضطدلر لفي منخمصمة كغنير متكجانل م‬
‫ك د ك‬ ‫ك ك ك‬ ‫لدين ا فككملن ا ن‬
‫أما اليات الخرى فإنه يفهما منها إباحة المحظور عند وجود الضرورةا وهي أربعة آيات‪:‬‬
‫‪ .2‬قول ال عز وجل‪‬إللنكما كحلركما كعلكنيدكدما انلكمنيتكةك كواللدكما كولكنحكما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل للكغنيلر الللله بلله‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد فكلإلن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪.48‬‬ ‫فككملن ا ن‬
‫‪) 47‬المائدةا‪ْ(3:‬‬
‫‪) 48‬النحل‪ْ(115:‬‬

‫‪41‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫طكعدمهد لإلل أكنن كيدكوكن كمنيتكةا‬ ‫طالعمما كي ن‬


‫‪ .3‬قوله تعالى‪‬دقنل ل أكلجدد لفي كما دأولحكي لإلكلي دمكحلرما كعكلى ك‬
‫ضطدلر كغنيكر‬ ‫أكنو كدم ا كمنسدفوح ا أكنو لكنحكما لخننلزيمر فكلإلنهد لرنجمس أكنو لفنسق ا أدلهلل للكغنيلر الللله بلله فككملن ا ن‬
‫ك كغدفومر كرلحيمما‪.49‬‬ ‫كبامغ كول كعامد فكلإلن كرلب ك‬
‫‪ .4‬وقوله تعالى‪‬لإلنكما كحلركما كعلكنيدكدما انلكمنيتكةك كواللدكما كولكنحكما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل بلله للكغنيلر الللله فككملن‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد كفل إلثنكما كعلكنيله إللن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪.50‬‬ ‫ا ن‬
‫صكل لكدكنما كما كحلركما كعلكنيدكنما لإلل كما‬‫‪ .5‬وقوله‪‬كوكما لكدكنما أكلل تكنأدكلدوا لملما دذلككر انسدما الللله كعلكنيله كوقكند فك ل‬
‫ك دهكو أكنعلكدما لبانلدمنعتكلديكن‪.51‬‬ ‫ضدلوكن بلأكنهكوائللهنما بلكغنيلر لعنلمما لإلن كرلب ك‬ ‫ضطدلررتدما لإلكنيله إولالن ككلثي ار لكي ل‬
‫د‬ ‫ك‬ ‫ا ن ن ن‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫أ(ْ فمن ذلك حديثَ أبي واقد الليثي قال‪‬قلت يا رسول ال إنا بأرض تصيبنا مخمصة‬
‫"أي جوع"‬
‫فما يحل لنا من الميتة؟ فقال إذا لما تصطحبوا "أي تصيبوا لبن ا في الصباح" ولما تغتبقوا‬
‫"أي تشربوا في المساء" ولما تحتفؤا بها بقلا فشأنكما بها‪ 52‬أي كلوا منها ما يدفع الضرر‪.‬‬
‫ب(ْ من ذلك أيضا حديثَ جابر بن سمرةا أن أهل بيت كانوا بالحرةا محتاجين قال فماتت‬
‫عندهما ناقة لهما أو لغيرهما فرخص لهما رسول ال صلى ال عليه وسلما في أكلها قال‬
‫‪‬فعصمتهما "أي انقذتهما من الهلك" بقية شتائهما أو سنتهما‪.53‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫يجب على المضطر أن يعلما أم ار مهما وهو كونه يباح له هذا الشيء بالضرورةا ل يعني‬
‫أن يأخذ مجموع هذه الشيء إذا كانت الضرورةا تندفع بالبعض أي إذا أبيح أكل الميتة‬
‫للمضطر ل يعني هذا أنه يأكل إلى حد الشبع إوانما يأخذ بقدر ما تندفع به الضرورةا‬
‫ولذلك قالوا الضرورات تقدر بقدرها وهذا هو ما تفيده القاعدةا التي بعد هذه وهي‪:‬‬
‫الضرورأات تبيح المحظورأات‬

‫‪) 49‬النعاما‪ْ(145:‬‬
‫‪) 50‬البقرةا‪ْ(173:‬‬
‫‪) 51‬النعاما‪ْ(119:‬‬
‫‪ 52‬رواه أحمد‬
‫‪ 53‬رواه أحمد في المسند‬

‫‪42‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪17‬‬

‫بأقدرأب ما تحتاجننه الضرورأةا‬ ‫وكـل محـظورأٍ مع الضرورأةا‬

‫ومعنى القاعدة‪:‬‬
‫أن كل ما أبيح للضرورةا من فعل أو ترك فإنما يباح بالقدر الذي يدفع الضرر والذى‬
‫دون ماعدا ذلك‪ ,‬فل يباح بالضرورةا محظور أعظما محذو ار من الصبر عليها‪ ,‬كما أن‬
‫الضطرار إنما يبيح من المحظورات مقدار ما يدفع الخطر ول يجوز السترسال ومتى‬
‫زال الخطر عاد الحظر‪.‬‬
‫ودليل هذه القاعدة‪:‬‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد كفل لإثنكما كعلكنيله‪. 54‬‬
‫قول ال عز وجل‪ ‬فككملن ا ن‬
‫"غير باغ" ‪ :‬أي غير طالب له راغب فيه لذاته¸بمعنى أنه ل يرغب في هذا المحرما لكما‬
‫اضطر إليه ‪,‬غنما من أجل أن يدفع الضرر عن نفسه‪.‬‬
‫"ول عاد" ‪ :‬أي متجاوز قدر الضرورةا‪ ,‬وهذا هو الشاهد‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬إن الجائع المضطر للكل من الميتة ل يتناول إل بقدر ما يسد جوعته‪ ,‬فل يصل‬
‫إلى حد الشبع‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬الجبيرةا‪ ,‬فليس له أن يزيد من الجبيرةا فوق ما يحتاجه الجرح‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬نظر الطبيب للعورةا بقدر الحاجة‪ ,‬مثل نظر الطبيب للمرأةا يجب أن يكون بقدر‬
‫الحاجة‪ ,‬فالصل أن تتطبب المرأةا عند المرأةا لكن إذا لما يوجد العلج إل عند طبيب‬
‫رجل واضطرت إلى ذلك فإنها تكشف بقدر ما تندفع به هذه الضرورةا فل تكشف جميع‬
‫وجهها مثلا والعلج لعينها أو أسنانها فقط‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬

‫‪) 54‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(173‬‬

‫‪43‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هناك قاعدةا لها صلة بقاعدةا }الضرورات تبيح المحظورات{ وهي قاعدةا }ما جاز لعذر‬
‫بطل بزواله{ وهذه القاعدةا قريبة في المعنى من قاعدةا }الضرورات تبيح المحظورات{‬
‫بل هي مكملة لها وهي ملحقة بها‪ ,‬إل أن القاعدةا السابقة وهي }ما أبيح للضرورة يتقدر‬
‫بقدرها{ يعمل بها أثناء قياما الضرورةا‪ ,‬وهذه القاعدةا تبين ما يجب فعله بعد زوال حال‬
‫الضرورةا‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة }ما جاز لعذر بطل بزواله{‪:‬‬
‫أن الشياء التي تجوز بنااء على العذار والضرورات‪ ,‬إذا زالت تلك العذار‬
‫والضرورات بطل الجواز فيها‪ ,‬فإذا زال العذر أمكن العمل بالصل والفرع بدلا عنه‪,‬أي‬
‫ل‪ ,‬فأكل ثما وجد طعاما حللا ليس له أن‬
‫إذا زال العذر‪ :‬إذا اضطر إلى أكل الميتة مث ا‬
‫يأكل من الميتة لن هذه الميتة إنما حلت بعذر‪.‬‬
‫فلو جاز العمل بالبدل مع عدما الحاجة إليه للزما من ذلك جواز الجمع بين البدل والمبدل‬
‫منه وهذا ل يجوز‪.‬‬
‫أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* من تيمما لسبب مثلا ثما زال السبب‪ ,‬إذا زال السبب رجع إلى الصل وهو الماء‪.‬‬
‫* قصر الصلةا في السفر جاز لعذر وهو السفر‪ ,‬إذا رجع إلى بلده بطل قصر‬
‫الصلةا‪.‬‬
‫أمر مهما في الجبيرةا‪ :‬بعض الناس يضع الجبيرةا للضرورةا وهي في موضع من مواضع‬
‫الوضوء‪ ,‬ويقول له الطبيب بعد ثلثة أياما أو أربعة أياما نزيل الجبيرةا‪ ,‬فيتركها لمدةا أسبوع‬
‫مثلا مع زوال العذر فيجب أن دينتبه على مثل ذلك‪.‬‬

‫الشك ل يزيل اليقين‬

‫‪18‬‬

‫ب‬
‫لليقين‬ ‫ك‬
‫فل نيزيل الش ن‬ ‫ب‬
‫لليقين‬ ‫وترجـع الحكاما‬

‫‪44‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أهمية هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه القاعدةا أصل شرعي عظيما‪ ,‬مدار كثير من الحكاما الفقهية بل إنها تدخل في‬
‫معظما أبواب الفقه من معاملت وعقوبات وأقضية‪ ,‬بناء على هذا قيل أن هذه القاعدةا‬
‫تتضمن ثلثة أرباع علما الفقه‪ ,‬قال السيوطي عليه رحمة ال تعالى‪:‬‬
‫هذه القاعدةا تدخل في جميع أبواب الفقه‪ ,‬والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلثة أرباع الفقه‬
‫وأكثر‪.‬‬
‫وقال النووي مطردةا ل يخرج عنها إل مسائل‪.‬‬
‫تعريف اليقين‪:‬‬
‫اليقين لغة‪ :‬العلما وزوال الشك كذا قال الجوهري‪.‬‬
‫وأما اصطلحاا‪ :‬حصول الجزما أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدما وقوعه‪.‬‬
‫تعريف الشك‪:‬‬
‫الشك لغة‪ :‬فهو مطلق التردد‪.‬‬
‫أما في الصطلح تردد الفعل بين الوقوع وعدمه أي ل يوجد مرجح لحد الطرفين على‬
‫الخر ول يمكن ترجيح أحد الحتمالين على الخر‪.‬‬
‫ل يوجد مرح‪ :‬أي لو إنسان شك ‪ %50‬و ‪ %50‬ولما يجد مرجح لحد الطرفين على‬
‫الخر‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن المر ثبوته ل يرتفع إل بدليل قاطع ل ديحكما بزواله بمجرد الشك‪ ,‬من جهة أخرى‬
‫أيضا المتيقن عدما ثبوته ل يحكما بثبوته بمجرد الشك لن الشك أضعف من اليقين فل‬
‫يعارضه ل ثبوت ا ول عدماا‪.‬‬
‫فالمعنى بشكل مبسط‪ :‬أن النسان إذا تحقق من وجود شيء‪ ,‬ثما ش ل‬
‫ك في عدما وجوده‪,‬‬
‫فالصل الوجود لهذا الشيء‪.‬‬
‫إواذا تحقق من عدما وجود شيء‪ ,‬ثما شك في وجوده‪ ,‬فالصل عدما الوجود‪ ,‬لماذا؟ لن‬
‫اليقين فيه تحقق والشك تردد‪ ,‬فالشك ل يقوى على إزالة اليقين لنه أضعف منه‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا يدل لها القرآن الكريما والسنة النبوية والعقل‪.‬‬


‫* من القرآن الكريم‪:‬‬
‫ظين ا إللن الظللن ل دينغلني لمكن انلكح ر‬
‫ق كشنيئ ا‪.55‬‬ ‫مثلا قول ال عز وجل ‪‬كوكما كيتلبلعد أكنكثكدردهنما إللل ك‬
‫الحق هنا بمعنى‪ :‬الحقيقة الواقعة كاليقين‪.‬‬
‫* ومن السنة‪:‬‬
‫‪ (1‬ما رواه البخاري في صحيحه عن عباد بن تميما عن عمه أنه شكا إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلما الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا‪ ,‬فقال النبي‬
‫ت أو يجد ريح ا‪.56‬‬
‫صلى ال عليه وسلما‪‬ل ينفتل أو ل ينصرف حتى يسمع صو ا‬
‫فهنا‪:‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلما أعمل اليقين‪,‬لن الرجل دخل الصلةا بطهارةا يقينية‪ ,‬فكونه‬
‫يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا هذا شك‪ ,‬لما يقل أخرج إوانما قال‪‬ل ينصرف‪ ‬أو‬
‫ت أو يجد ريحا ‪‬لماذا؟ لن اليقين ل يزول إل‬
‫‪‬ل ينفتل أو ل ينصرف حتى يسمع صو ا‬
‫بيقين مثله‪.‬‬
‫قال النووي رحمه ال تعالى في شرح مسلما عند شرح هذا الحديثَ)هذا الحديثَ أصل من‬
‫أصول السلما‪ ,‬وقاعدةا عظيمة من قواعد الفقه‪ ,‬وهي أن الشياء ديحكما ببقائها على‬
‫أصولها حتى يتيقن خلف ذلك ول يضر الشك الطارئ عليها‪.‬‬
‫‪(2‬ما رواه مسلما في صحيحه عن أبي هريرةا رضي ال عته قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلما‪‬إذا وجد أحدكما في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج منه شيء أما ل؟ فل‬
‫يخرجن من المسجد حتى يسمع صوت ا أو يجد ريح ا‪.‬‬
‫فهنا‪:‬‬
‫دخل الصلةا بطهارةا يقينية وهذا الذي يجده شك‪ ,‬والشك ل يقوى على إزالة اليقين لنه‬
‫أضعف منه‪.‬‬
‫فائدةا‪:‬‬

‫‪) 55‬يونس‪ :‬من الية ‪ْ(36‬‬


‫‪ 56‬رواه مسلما في صحيحه عن عبدال بن زيد رضي ال تعالى عنه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ولو فقه هذا من وقعوا في الوسوسة لرتاحوا كثي ارا‪ ,‬ولذا فإن من أعظما أسباب الوسواس‬
‫الجهل بشريعة ال‪.‬‬
‫أما من العقل‪:‬‬
‫اليقين أقوى من الشك لن في اليقين حكما قطعيا جازما فل ينهدما بالشك‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا تيقن النسان طهارةا الماء ثما ش ل‬
‫ك في نجاسته‪ ,‬فلصل الطهارةا‪ .‬وعكس هذه‬
‫المسألة ‪ :‬إذا تيقن النسان إن الماء نجس ولكنه ش ل‬
‫ك في طهارته‪ ,‬فالصل النجاسة‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا شك الصائما في غروب الشمس "وفرق بين الشك وغلبة الظن" لما يجز له‬
‫الفطر‪ ,‬لن الصل بقاء النهار‪ .‬ولو شك في طلوع الفجر جاز له أن يأكل‪ ,‬لن الصل‬
‫بقاء الليل‪.‬‬
‫قواعد متفرعة عن هذه القاعدة }اليقين ل يزول بالشك{ ومندرجة تحتها‪:‬‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬قاعدةا }ما ثبت بيقين ل يرتفع إل بيقين{ لن اليقين إذا لما يزل بالشك فهو يزول ول‬
‫يرتفع بيقين مثله فقط‪ ,‬لنه لما شكي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلما الرجل الذي‬
‫يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا‪ ,‬قال النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ل ينفتل أو ل‬
‫ينصرف حتى يسمع صوت ا أو يجد ريح ا‪ .‬فسماع الصوت أو وجود الريح هو اليقين‬
‫هذا هو الذي يقوى على إزالة اليقين الول وهو دخوله على طهارةا‪.‬‬
‫‪} ْ(2‬الصل بقاء ما كان على ما كان{ ‪ ,‬والمعنى أن ما ثبت على حال في الزمن‬
‫الماضي ثبوت ا أو نفي ا فإنه على حاله ول يتغير ما لما يوجد دليل يغيره‪ ,‬لن الستصحاب‬
‫في اللغة الملزمة وعدما المفارقة‪.‬‬
‫‪} ْ(3‬الصل براءة الذمة{ وهذا مأخوذةا من قوله صلى ال عليه وسلما‪‬البينة على‬
‫المدعي‪ ,‬واليمين على المدعى عليه‪.57‬‬
‫والمعنى‪:‬‬
‫القاعدةا المستمرةا أن النسان برئ الذمة من وجود شيء أو لزومة‪ ,‬وكونه مشغول الذمة‬
‫هذا خلف الصل لن المرء يولد خالي ا من كل دين أو التزاما أو مسؤلية‪ ,‬وكل شغل‬

‫‪ 57‬رواه الترمذي وجاء بمعناه عند البخاري ومسلما في سنن ابن ماجة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫لذمته بشيء من الحقوق إنما يط أر بأسباب عارضة بعد الولدةا‪ ,‬والصل في المور‬
‫العارضة العدما‪.‬‬
‫‪} (4‬الصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته{‪ ,‬من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫أ‪ .‬لو ادعت الزوجة أن زوجها طلقها في مرض موته المخوف ليحرمها من الرثَ‪,‬‬
‫وادعى الورثة أنه طلقها في حال الصحة‪ ,‬فالقول قولها المرأةا‪ ,‬لن المر الحادثَ‬
‫المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلق في المرض‪ ,‬فيجب أن يضاف إلى الزمن‬
‫القرب وهو مرض الموت الذي تدعيه الزوجة ما لما يقما الورثة البينة على أن طلقها‬
‫كان في حال الصحة‪.‬‬
‫ب‪ .‬لو أن إنسانا استيقظ من النوما لما أراد أن يصلي الظهر‪ ,‬وجد في ثيابه أثر مني‬
‫"احتلما" أشكل عليه هل هذا من نومه بعد صلةا الفجر فتكون صلةا الفجر صحيحة؟‬
‫أما أنه من الليل فيلزمه الغتسال ثما إعادةا صلةا الفجر؟ نقول إذا لما يتأكد ولما تقما قرائن‬
‫فالصل إضافة الحال إلى أقرب أوقاته وعلى هذا نحكما بأنه من نومه بعد صلةا الفجر‪,‬‬
‫وبنااء على ذلك نحكما بصحة صلةا الفجر‪.‬‬
‫أيضا هناك بعض القواعد المتعلقة والمتفرعة عن الشك منها‪:‬‬
‫‪} -1‬ل عبرة بالتوهم{ ‪ ,‬إذا كان الشك غير معتبر فالوهما من باب أولى لنه أضعف‪.‬‬
‫‪} -2‬ل عبرة بالظن البين خطؤه{‪.‬‬
‫‪} -3‬ل عبرة بالحتمال غير الناشئ عن دليل{‪.‬‬
‫‪} -4‬كل مشكوك فيه فليس بمعتبر{‪.‬‬
‫‪} -5‬الشك في العبادة بعد الفراغ منها ل يؤثر شيئلا{ ولذلك قالوا أن }الشك بعد الفراغ‬
‫من العبادة ليس بمعتبر{‪.‬‬
‫فالشك في العبادةا ل يلتفت إليه في ثلثَ مواضع‪:‬‬
‫أ( بعد الفراغ من العبادةا‪.‬‬
‫ب( إذا كان وهماا‪.‬‬
‫ج( إذا كثر مع النسان‪.‬‬
‫ولذلك قالوا }الشك في العبادةا بعد الفراغ منها ل يؤثر شيئاا{‪ .‬لكن أحيان ا يكون الشك بعد‬
‫الفراغ من العبادةا له قرينة تدل على أن له حظ من النظر‪ ,‬فهنا ديعمل بالشك‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الصل في المياه والرأض والملبأس الطهارأةا‬

‫‪19‬‬

‫والرأض والثياب والحجارأةا‬ ‫والصـل في مي ـاهنا الطهارأةا‬

‫هذه القاعدةا مرتبة على القاعدةا السابقة‪ ,‬ولذلك قال الناظما‪ :‬فقلت الفاء هنا للتفريع‪ ,‬بنااء‬
‫على القاعدةا السابقة‪ .‬ولكن من تأمل ما ذكرناه سابق ا من الفرق بين القاعدةا الفقهية‬
‫والضابط الفقهي يجد أن هذه القاعدةا أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدةا الفقهية‬
‫‪ ,‬فهي ضابط فقهي وليس قاعدةا فقهية‪.‬‬
‫معنى ذلك‪:‬‬
‫أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والرض والحجارةا الصل فيها الطهارةا‪,‬‬
‫ك يحتاج إلى‬
‫كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن‪ ,‬وعدما طهارةا هذه الشياء ش م‬
‫دليل فل ديضار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلف ذلك‪.‬‬
‫ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي دأبتلي به كثير من الناس‪ ,‬فالصل في الماء‬
‫والرض والثياب والحجارةا الطهارةا‪.‬‬
‫فإذا كان الشك ل عبرةا به فمن باب أولى قولهما}ل عبرةا بالتوهما{ لن الشك هو المر‬
‫المتردد بين أمرين ل مزية لحدهما على الخر‪.‬‬
‫وأما التوهم فهو‪ :‬احتمال عقلي مرجوح بعيد نادر الحصول‪ ,‬ول دليل عليه‪ ,‬ول عبرةا به‪,‬‬
‫وهو باطل ل يعمل به ول يترتب عليه حكما مثل الوهاما والخواطر التي تحصل للنسان‬
‫وتزول سريعاا‪ ,‬فبعض الناس جهلا يعملها فإذا أعملها وقع في الوسواس‪.‬‬
‫وأما الظن فهو‪ :‬اعتقاد الحتمال الراجح الذي ظهر رجحانه على نقيضه بدليل معتبر‪.‬‬
‫وغالب الظن هو‪ :‬رجحان أحد الجانبين على الجانب الخر رجحانا مطلقا يطرح معه‬
‫الجانب الخر "فالمطروح من غالب الظن هو الوهما" ولذلك الوهما ل اعتبار له ول‬

‫‪49‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫اعتداد به في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملت وقضاء وشهادات وجنايات‬


‫وحقوق ‪...‬الخ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫بعض الناس يبني عبادته على أوهاما ويقول هذا من باب الحتياط في العبادةا‪ ,‬فنقول إن‬
‫الصل في الماء الطهارةا ما لما يتبين النسان النجاسة بقرينة‪ ,‬هذا أصل متفق عليه أي‬
‫أن الماء الصل فيه الطهارةا والنجاسة طارئة عليه ولذلك لفظ ورود هذه القاعدةا‬
‫}الصل في الماء الطهارةا{ فالماء الذي بقي على أصل خلقته كماء البحر والمطر‬
‫والنهار والبار والعيون هو ماء طهور تصح به الطهارةا من الغتسال والوضوء إوازالة‬
‫النجاسة والشرب وغير ذلك من استعمالته ول ينقله عن هذه الطهورية إل ما غير لونه‬
‫أو ريحه أو طعمه‪.‬‬
‫أدلة طهارة الماء‪:‬‬
‫*هناك دليل عاما من القرآن‪:‬‬
‫ض كجلميع ا‪.58‬‬
‫ق لكدكنما كما لفي انلكنر ل‬
‫يدل على ذلك وهو قوله تعالى ‪‬دهكو الللذي كخلك ك‬
‫ومن ضمن ما خلق ال عز وجل الماء‪ ,‬وال سبحانه وتعالى ذكر ذلك في معرض‬
‫المتنان على عباده ول يمتن ال عز وجل على عباده إل بشيء طاهر مباح‪.‬‬
‫أما الدلة الخاصة التي تدل على طهارةا الماء فمنها‪:‬‬
‫طدهو ار‪.59‬‬ ‫قول ال عز وجل‪‬كوأكننكزنلكنا لمكن اللسكمالء كمااء ك‬
‫طهركردكنما بلله‪.60‬‬
‫وقوله سبحانه وتعالى‪‬كوديكنرزدل كعلكنيدكنما لمكن اللسكمالء كمااء للدي ك‬
‫* ومن السنة‪:‬‬
‫ومن ذلك قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬الماء طهور ل ينجسه شيء‪.61‬‬
‫وكذلك قول النبي عليه الصلةا والسلما في دعاء الستفتاح ومما جاء فيه‪‬اللهما طهرني‬
‫بالماء والثلج والبرد‪.62‬‬
‫‪) 58‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫‪) 59‬الفرقان‪ :‬من الية ‪ْ(48‬‬
‫‪) 60‬لنفال‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬
‫‪ 61‬رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وصحح اللباني‪.‬‬
‫‪ 62‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ول يمكن أن يطلب الرسول صلى ال وآله وسلما التطهير إل بشيء طاهر بنفسه‪,‬لنه لو‬
‫لما يكن طاهر بنفسه لما يكن مطه ار لغيره‪.‬‬
‫الدلة على طهارة الرض‪:‬‬
‫الرض كذلك الصل فيها الطهارةا ومن الدلة على ذلك قول النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلما‪‬أعطيت خمس ا لما يعطهن أحد من النبياء قبلي " وذكر منها" وجعلت لي الرض‬
‫مسجدا وطهو ار‪ .63‬فهذا الحديثَ يدل على طهارةا الرض وبناء على هذا إذا شك إنسان‬
‫في طهارةا الرض من عدمها فالصل الطهارةا استصحابا للصل‪.‬‬
‫على هذا لو خرج إنسان إلى البر أو إلى استراحة ونحو ذلك وشك في طهارةا الرض‬
‫من عدمها فالصل الطهارةا إل إن تيقن النجاسة ونحوه فالصل فيها الطهارةا حتى يقوما‬
‫دليل يقيني على نجاستها ‪ ,‬وكذلك السجاد‪.‬‬
‫كذلك الصل في الثياب‪ :‬أنها طاهرةا فإذا شك النسان في نجاسة ثوب من عدمها‬
‫فالصل الطهارةا حتى يقوما دليل يقيني على نجاسته‪ ,‬ولذلك قالوا بأن كل ثوب دجهل من‬
‫ينسجه‪,‬أنسجه مسلما أما مشرك أما يهودي أما وثني أما مجوسي أما كتابي أما لبسه واحد من‬
‫هؤل أو صبي؟؟ فهو على الطهارةا حتى ديعلما أن فيه نجاسة‪.‬‬
‫وقوله الحجارة‪:‬‬
‫الصل أنها من الرض وأن طهارةا الرض يشمل طهارتها ويشمل ما عليها أيض ا من‬
‫التراب والطين والحجار ونحو ذلك‪.‬‬

‫الصل في البأضاع واللحوما والنفس والموال التحريم‬


‫‪20‬‬

‫والنفس والمـوال للمعصوما‬ ‫والصل في البأضاع واللحوما‬

‫‪21‬‬

‫‪ 63‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فـافهم هـداكب ال ما ينمـل‬ ‫يجيء الحـلن‬


‫ب‬ ‫تحريمها حتى‬

‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه عكس القاعدةا السابقة‪ ,‬فالقاعدةا السابقة ذكر أن الصل في المياه والرض والثياب‬
‫والحجارةا الطهارةا حتى يجيء التحريما‪ ,‬أما هذه فقد ذكر أن الصل في هذه الشياء‬
‫التحريما حتى يجيء الحل‪.‬‬
‫بمعنى أن المتيقن أن هذه الشياء محرمة فل يجوز استعمالها حتى يجيء دليل ناقض‬
‫يبيح هذه الشياء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لفظ ورود القاعدةا }الصل تحريم البضاع{ وفي لفظ }الصل في البضاع‬
‫التحريم{ وهي مستثناةا من قاعدةا }الصل في الشياء الباحة{‪.‬‬
‫المراد بالبضاع‪ :‬الفروج‪ ,‬وهي جمع بضع ديقال دبضع أو لبضع بضما الباء وكسرها وهو‬
‫الفرج‪ ,‬كناية عن النساء والنكاح‪ ,‬أي أن الصل في النكاح أو الفروج الحرمة والحظر‪,‬‬
‫وأبيح النكاح لضرورةا حفظ النسل ولذلك ال عزوجل لما يبحه إل بأحد طريقين‪ :‬عقد‬
‫النكاح أو ملك اليمين‪ ,‬وماعداهما فهو محظور‪ .‬إوانما عبر بالجزء عن الكل قال‬
‫"والصل في البضاع" لن المقصود العظما من النساء هو الجماع وابتغاء النسل‪,‬‬
‫فالقاعدةا المستمرةا أن علقة الرجال بالنساء مبناه على التحريما والحظر لما في ذلك من‬
‫كشف العورات وهتك الستار واختلط النساب فل يحل منهن إل ما أحله الشرع‪.‬‬
‫على هذا لو اختلطت زوجته بنساء واشتبهت لما يجزئ له وطء واحدةا منهن بالجتهاد‬
‫بل خلف سواء كن محصورات أو غير محصورات‪ ,‬لن الصل التحريما والبضاع‬
‫يحتاط لها والجتهاد خلف الحتياط‪.‬‬
‫وهناك قاعدة أخرى‪ :‬حول هذه وهي ترجيح المحرما على المبيح عند اجتماعهما كقوله‪:‬‬
‫أن الصول "أي أصول الشريعة" مقررةا على أن كثرةا الحراما واستواء الحلل والحراما‬
‫يوجب تغليب حكمه بالمنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبية " الخت ليس بالوطء‬
‫إوانما بالنظر والمحرومية ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فعلى هذا تكون جميع فروج بني آدما الصل فيها الحرمة فل يجوز للنسان أن يعتدي‬
‫إل بيقين وهذا اليقين هو السبب الشرعي المبيح له وهو عقد النكاح أو ملك اليمين‪,‬‬
‫وبناء على هذا فان الزاني واللئط كلا منهما ديعد معتدي ا وعاص ل عز وجل ولرسوله‬
‫صلى ال وآله وسلما‪.‬‬
‫أما قوله "واللحوم" ‪:‬‬
‫قوله أن الصل في اللحوما التحريما هذا مشتبه لن الصل في الطعمة الحل ومع ذلك‪,‬‬
‫من القاعدةا قولهما }الصل في الحيوان التحريم{ وقولهما }الصل في الذبائح التحريم{‬
‫وقولهما }الصل في الطعمة الباحة ما لم يرد التحريم{‪.‬‬
‫فهذه القواعد تدل على اختلف النظر في حكما الحيوانات من حيثَ الصل فيها هل‬
‫الصل فيها التحريما بحيثَ ل يحل حيوان إل ما قاما الدليل على حله؟ وهذا قال به‬
‫بعض الشافعية بنااء على الصل الول‪ ,‬مع أن الصل عند الشافعي رحمه ال‬
‫تعالى)حل الشياء إل ما قاما الدليل على تحريمه(ْ‪.‬‬
‫ض آخر من الشافعية والحنابلة بنااء الصل عندهما وهو‬
‫والقول بأصل الحل قال به بع م‬
‫الحل‪.‬‬
‫وبنااء على هذا إن أراد الناظما أن الصل في اللحوما الحرمة فإن هذا ل يوافق عليه لن‬
‫الصل فيها الحل‪ .‬ولكن مع ذلك ديعتذر للشيخ السعدي رحمه ال تعالى وهذا أدب من‬
‫آداب طالب العلما ولذلك من آداب طالب العلما أن يعتذر للعالما إذا أخطأ أو زل وأن‬
‫يحمله على أحسن المحامل مع بيان الحق فل تلزما بين العتذار للعالما وبيان الحق له‪,‬‬
‫فبعض الناس يرى أنه إذا اعتذر له ل يبين له الحق أو إذا بين له الحق بأسلوب مؤدب‬
‫أنه ل يعتذر له‪ ,‬فنقول‪ :‬ل ليس بينهما تلزما‪ ,‬وليس كما هو الحاصل الن مع السف‬
‫فالبعض ل يفرق بين عالما أخطأ في مسألة وبين زنديق منافق يخبط في الشريعة خبط‬
‫عشواء فيتهجما على هذا ويتهجما على هذا وهذا ل شك من قلة الفقه في الدين ومن سوء‬
‫الدب مع أهل العلما فإنه جيل من ل يخطئ والكمال البشري إنما هو لنبياء ال ورسوله‪.‬‬
‫فبنااء على هذا كما قلنا نعتذر للشيخ ونقول لعله أراد بذلك اللحوما التي يعتريها صفة حل‬
‫وصفة حرمة‪ ,‬فإن جانب الحظر ديقدما هنا لنه يشترط شروط ا في الحيوان المذبوح‪ ,‬وفي‬

‫‪53‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الذابح وفي آلة الذبح وفي كيفيته وما ل يحل غل بشروط فأصله التحريما كالبضاع‬
‫حتى قالوا أن الصل في البضاع والذبائح التحريما فجمعوا بينهما‪.‬‬
‫وعلى هذا لو ضرب النسان صيدا وأصاب جناحه ثما وجده قد سقط في ماء ومات‪,‬‬
‫الن موت هذا الصيد محتمل أنه من رميه ويحتمل أنه قد مات غرقا فل يحل‪ ,‬فأجتمع‬
‫فيه جانب حظر وجانب إباحة فديقدما جانب الحظر‪ ,‬لن الجناح إصابته ل تقتل غالباا‪.‬‬
‫فعلى هذا اجتمع سبب مبيح وسبب محرما فإنه ديقدما السبب المحرما‪.‬‬
‫وقوله }والنفس والموال للمعصوما{‪:‬‬
‫والمعنى أن الصل في النفس والموال للمعصومين التحريما‪ ,‬وهذا قيدها بالمعصومين‬
‫فعلى هذا ل يجوز العتداء على نفس أو مال أحد إذا كان معصوماا‪ ,‬والمعصوما هو‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬المسلما فهو معصوما الدما والمال والعرض‪ ,‬فل يجوز سلب شيء منه إل بحق ‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬الذمي وهو معصوما المال والدما وهو من أقر على كفره بشرط بذل الجزية والتزاما‬
‫أحكاما الملة‪.‬‬
‫ولبد لهل الذمة حتى يكونوا معصومي الدما والمال من إلتزاما أربعة أحكاما‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يعطوا الجزية عن يمد وهما صاغرون‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن ل يذكروا دين السلما إل بخير‪.‬‬
‫ج‪ -‬أل يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين‪.‬‬
‫د‪ -‬أن تجرى عليهما أحكاما السلما‪.‬‬
‫فأهل الذمة يحرما قتالهما‪ ,‬وأخذ مالهما‪ ,‬ويجب على الماما أن يحفظهما‪ ,‬وأن يمنع من‬
‫يؤذيهما لنهما إنما بذلوا الجزية لحفظهما وحفظ أموالهما والدليل على ذلك قول ال عز‬
‫وجل‪‬كقاتللدوا الللذيكن ل دينؤلمدنوكن لبالللله كول لبانلكينولما انللخلر كول ديكحرردموكن كما كحلركما الللهد كوكردسولدهد كول‬
‫صالغدروكن‪.64‬‬ ‫م‬
‫ب كحلتى دينعطدوا انللجنزكيةك كعنن كيد كودهنما ك‬
‫ل‬ ‫يلديدنون لدين انلح ر ل لل‬
‫ق مكن الذيكن دأوتدوا انلككتا ك‬ ‫ك ك ك ك‬
‫‪ ْ(3‬المستأمن وهو من دخل بلد المسلمين بأمان لفترةا محدودةا’ يؤمن حتى يبيع تجارته‬
‫ويرجع أو حتى يسمع كلما ال ونحو ذلك‪ .‬لكن لبد أن يكون المؤمن مسلما عاقلا‬
‫مختا ارا‪ .‬فمن حصل له المان فهو معصوما الدما والمال والدليل على ذلك قول ال عز‬

‫‪) 64‬التوبة‪ْ(29:‬‬

‫‪54‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ك فكأكلجنرهد كحلتى كينسكمكع ككلكما الللله ثدلما أكنبللنغهد كمنأكمكنهد كذلل ك‬


‫ك‬ ‫وجل‪ ‬ك إولانن أككحمد لمكن انلدمنشلرلكيكن انستككجاكر ك‬
‫بلأكلنهدنما قكنومما ل كينعلكدموكن‪.65‬‬
‫‪ ْ(4‬المعاهد وهو من كان خارج بلد المسلمين وبيننا وبينهما عهد كالمعاهدات بين‬
‫الدول‪ ,‬والمعاهدون ينقسمون إلى ثلثة أقساما‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬من غدر فإنه انتقض عهده فل عهد له‪ ,‬ولذلك ال تعالى قال ‪‬فككقاتللدوا أكئللمةك‬
‫انلدكنفلر لإلنهدنما ل أكنيكماكن لكهدنما‪.66‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬من استقاما لنا فإننا نستقيما له ويبقى على عهده لقوله تعالى‪‬فككما انستككقادموا‬
‫لكدكنما كفانستكلقيدموا لكهدنما‪ .67‬فهؤل لهما عصمة الدما والمال‪.‬‬
‫القسما الثالثَ‪ :‬من خيف منه الغدر كأن تقوما قرائن بأنه سيغدر‪ ,‬فإننا ننبذ إليه العهد‬
‫ونخبره بأنه ل عهد بيننا وبينه لنكون نحن واياه على سواء كما قال ال عز وجل‪ ‬ك إولالما‬
‫ب انلكخائللنيكن‪ .68‬كذلك الصل‬‫تككخافكلن لمنن قكنومما لخكياكنةا كفاننبلنذ إللكنيلهنما كعكلى كسكوامء إللن الللهك ل ديلح د‬
‫في أموال الناس أنها معصومة ل يجوز آخذها إل بالحق‪ ,‬ولذلك حرما ال عز وجل‬
‫السرقة والغصب والربا لنها أكل لموال الناس بالباطل‪ .‬ولذلك شرع ال تعالى حدودا‬
‫كحد القتل والسرقة والقذف فتشريع مثل هذه المور تفيد آن النسان له حرمة وكرامة‬
‫وانه يحرما العتداء عليه بآي نوع من أنواع العتداء إل بمسوغ شرعي‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫قول ال تعالى‪‬كيا أكديكها الللذيكن آكمدنوا ل تكنأدكلدوا أكنمكوالكدكنما كبنيكندكنما لبانلكبالطلل‪.69‬‬
‫وقول ال سبحانه وتعالى‪‬كوكمنن كينقتدنل دمنؤلمن ا دمتككعرمدا فككج كازدؤهد كجهكلندما كخاللدا لفيكها‪.70‬‬
‫قول ال عز وجل‪‬كول تكنقتدلدوا أكننفدكسدكنما إللن الللهك ككاكن بلدكنما كرلحيم ا‪.71‬‬

‫‪) 65‬التوبة‪ْ(6:‬‬
‫‪) 66‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(12‬‬
‫‪) 67‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬
‫‪) 68‬لنفال‪ْ(58:‬‬
‫‪) 69‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫‪) 70‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(93‬‬
‫‪) 71‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬

‫‪55‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫قول النبي عليه الصلةا والسلما‪‬أن دماءكما وأموالكما وأعراضكما عليكما حراما كحرمة‬
‫يومكما هذا في بلدكما هذا في شهركما هذا‪.72‬‬

‫الصأل في العادات البإاحة‬

‫‪22‬‬

‫حـتى يجـيءب صـارأفن البأاحـة‬ ‫والصل في عاداتنا البأاحة‬


‫ن‬

‫مقدمة‪ :‬للعرف والعادةا اثر كبير في القواعد الفقهية فلما يخدل كتاب من كتب القواعد‬
‫من قاعدةا أساسية في العرف والعادةا أو قاعدةا من القواعد المتفرعة على قاعدةا أساسية‬
‫فيهما‪ ,‬ذلك لن الفعال العادية إوان كانت أفعالا شخصية حيوية ليست من قبيل‬
‫المعاملت ول العلئق المدنية والحقوقية‪ ,‬إل أنه عندما يتعارفها الناس وتجري عليها‬
‫عادات حياتهما يصبح لها تأثي ار وسلطان في توجيه أحكاما التصرفات فتثبت الحكاما‬
‫على وفق ما تقتضيه العادةا‪ .‬وليما نظر الفقهاء إلى هذا المعنى أروا اعتبار العرف‬
‫والعادةا في التشريع وبناء الحكاما عليها لما يغفلوا ذلك وهما يقعدون القواعد أو يخرجون‬
‫الفروع والمسائل المفرعة على هذه القواعد وقد ذكروا أكثر من قاعدةا تتعلق بالعرف‬
‫وتحكيمه في الوقائع والتصرفات‪.‬‬
‫ومن هذه القواعد قاعدة‪:‬‬
‫}العادة ممحكمة{‪ ,‬ولن العرف هو الطابع العاما الغالب على جميع هذه القاعدةا‬
‫وفروعها فيمكن أن نضعها تحت "نظرية العرف"‪.‬‬
‫أهمية القاعدة‪:‬‬
‫موضوع هذه القاعدةا يعتبر موضوعا غضا طريا يستجيب لحل كثير من المسائل‬
‫والحوادثَ الجديدةا‪ ,‬ذلك لنه يتضمن كثير من المسائل التي تتمتع بسعة ومرونة بجانب‬
‫‪ 72‬رواه البخاري ومسلم‬

‫‪56‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل‪ ,‬فمن أمعن النظر في هذه القاعدةا‪ ,‬ولما ينكر‬
‫"تغير الحكاما المبنية على العراف والمصالح بتغير الزمان" أدرك سعة آفاق الفقه‬
‫السلمي وكفاءته الفاعلة الكاملة لتقديما الحلول الناجحة للمسائل والمشاكل المستحدثة‪,‬‬
‫وصلحيته لمسايرةا ركب الحياةا ومناسبته لجميع الزمنة والمكنة‪ ,‬وذلك بأن السلما‬
‫دين صالح لكل زمان ومكان لكنه ليس خاضع لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫يقول ابن عابدين في رسائله‪:‬‬
‫لذا عليه الحكم ميدامر‬ ‫والعرف في الشرع له اعتبامر‬
‫ويقول أيض ا رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫وأعلما أن اعتبار العرف والعادةا درجع إليه في مسائل كثيرةا حتى جعلوا ذلك أصلا فقالوا‬
‫في الصول في باب ما تترك به الحقيقة " تترك الحقيقة بدللة الستعمال والعادة" ‪.‬‬
‫في شرح الشباه للبيري قال‪} :‬الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي{‪.‬‬
‫وفي المبسوط للسرخسي قال‪} :‬الثابت بالعرف كالثابت بالنص{‪.‬‬
‫ونبه بعضهما إلى أهميتها بقوله‪} :‬من مهمات القواعد اعتبار العادة والرجوع إليها وكل‬
‫ما شهدت به العادة مقضي به وما ميعاف في العادات يكره في العبادات{‪.‬‬
‫تعريف العادة‪:‬‬
‫العادةا في اللغة‪ :‬جاء في لسان العرب أن العادةا هي الديدن وهو الدأب والستمرار على‬
‫الشيء وسميت بذلك لن صاحبها يعاودها ويرجع إليها مرةا بعد أخرى كما قال ال عز‬
‫ظاللدموكن‪ ,73‬وقال سبحانه وتعالى(ْ كولكنو دردوا لككعاددوا‬
‫وجل ‪‬كرلبكنا أكنخلرنجكنا لمننكها فكلإنن دعندكنا فكلإلنا ك‬
‫للكما دنهدوا كعننهد ك إولالنهدنما لكككالذدبوكن‪.74‬‬
‫كذلك تعريف العرف في اللغة‪ :‬قريب من معنى العادةا‪ ,‬ولذا قال صاحب معجما مقاييس‬
‫ف" العين والراء والفاء أصلن صحيحان يدل أحدهما على‬ ‫اللغة أحمد بن فارس "كعكر ك‬
‫السكون والطمأنينة‪ ,‬فهي قريبة من معنى العادةا لنهما اشترطوا فيها لتكون عادةاا أن‬
‫تتكرر مرةاا بعد أخرى‪ ,‬أيضا دأشترمط في العرف تتابعه واستم ارره بمعنى أن العادةا يمكن‬
‫أن تصير عرف ا إذا استمرت بعد تكررها‪.‬‬
‫‪) 73‬المؤمنون‪ْ(107:‬‬
‫‪) 74‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬

‫‪57‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أما العادة عند الفقهاء‪ :‬فقد عرفها القرافي رحمه ال تعالى بأنها غلبة معنى من‬
‫المعاني على جميع البلد أو بعضها‪.‬‬
‫أما العرف عند الفقهاء فهو‪ :‬ما استقر في النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع‬
‫السليمة بالقبول واستمر الناس عليه مما ل ترده الشريعة وأقرتهما عليه‪.‬‬
‫ما هي النسبة بين العرف والعادة؟‬
‫العادةا أعما من العرف لن العادةا الفردية وعادةا الجمهور التي هي العرف‪ ,‬فالعادةا أعما‬
‫ف عادةا وليست كل عادمةا عرفاا‪,‬‬
‫مطلقا وأبدا والعرف أخص إذا هو عادةا مقيدةا‪ ,‬فكل عر م‬
‫ص بعينه‬
‫لن العادةا قد تكون مشتركة "أي العادةا جماعية أو فردية" كل ما اعتاده شخ م‬
‫كطريقة لبسه‪ ,‬طريقة مشيته‪ ,‬طريقة أكله‪ ,‬طريقة حديثه وهكذا‪.‬‬
‫أما العرف فهو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه‪ .‬فنستطيع أن نخلص بعد هذا وأن‬
‫نقول بأن العادةا أعما‪ ,‬لنها تشمل العادةا الجماعية "عادةا أهل البلد" وتشمل العادةا‬
‫الفردية "وهو ما اعتاده شخص بعينه"‪.‬‬
‫أما العرف الذي هو ما تعارف عليه أهل البلد فقط يشمل أهل البلد ول يشمل العادةا‬
‫الفردية‪ .‬لكن العرف والعادةا هما بمعنى واحد إذا ما تحدثَ عنهما الفقهاء وبنوا الحكاما‬
‫عليهما ول وجه للتفريق بينهما‪.‬‬
‫فالعادةا‪ :‬عادةا جماعية أو فردية "ما اعتاده شخص بعينه"‪.‬‬
‫العرف‪ :‬هو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫أي قاعدةا }العادة ممحكمة{ في الصطلح الشرعي‪ :‬أن العادةا تجعل حكم ا لثبات حكما‬
‫شرعي أي أن للعادةا في العتبار الشرعي حاكمية تخضع لها أحكاما والتصرفات فتثبت‬
‫ص شرعي‬
‫تلك الحكاما على وفق ما تقضي به العادةا أو العرف إذا لما يكن هناك ن م‬
‫يخالف تلك العادةا‪.‬‬
‫أمثلة على هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬في باب الحيض والنفاس‪ :‬قالوا لو زاد الدما على أكثر أياما الحيض والنفاس ديرد إلى‬
‫أياما عادتها وما زاد ديعتبر دما فساد‪ ,‬وتعرف أياما عادتها بالعادةا أي عادةا أيامها ستة أو‬
‫خمسة أياما على حسب عادتها‪ ,‬فهنا حكمنا العادةا والعرف‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(2‬الحركة لغير مصلحة الصلةا إن كانت كثيرةا بطلت الصلةا إوان كانت قليلة فإنها ل‬
‫تبطل الصلةا‪ ,‬فضابط هذه الحركة سواء الكثيرةا أو القليلة راجع إلى العرف‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬بيع السلما هو تعجيل الثمن وتأخير الثمن‪ .‬والسلما من البيوع التي شرعت خلف‬
‫القياس دفعا للحرج وتسهيلا على الناس‪ ,‬وهذه أبيحت لتعارف الناس بها في معاملتهما‪.‬‬
‫مثال على ذلك ان يأتي المزارع إلى التاجر ويقول أعطني مائة ألف ر وأعطيك من‬
‫محصول السنة القادمة ثلثة الف كيلة من القمح مثلا ‪ ,‬فالصل أن هذا ل يجوز لكن‬
‫أبيحت كما قلنا دفعا للحرج وتسهيلا على الناس‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬الكفاءةا في الزواج من حيثَ الدين والحرية والسلمة من العيوب والحرفة ديعول في‬
‫معرفتها على ما تعارفه الناس من الصفات التي هي معظمة عندهما أو محقرةا أو الحرفة‬
‫التي هي شريفة أو غير شريفة‪ ,‬وتفصيل ذلك مرجعه إلى العرف والعادةا ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أقساما العرف من حيثَ مضمونه‪:‬‬
‫ينقسما إلى قسمين‪:‬‬
‫ف لفظي وهو القولي وهو أن يشيع بين الناس استعمال بعض اللفاظ‬
‫القسما الول‪ :‬عر م‬
‫أو التراكيب في معنى معين بحيثَ يصبح ذاك المعنى هو المفهوما المتبادر إلى أذهانهما‬
‫عند الطلق بل قرينة‪ .‬فإطلقات البلدان تختلف فقد يطلق شيء في بلد نجد لفظه‬
‫يختلف في بلد آخر والمعنى واحد‪.‬‬
‫ف عملي وهو اعتياد الناس على شيء من الفعال العادية كطريقتهما‬
‫القسما الثاني‪ :‬عر م‬
‫في الزواج‪ ,‬طريقتهما في اللبس ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة أخرى‪ :‬أقساما العرف من ناحية من يصدر عنه‪:‬‬
‫وهذا أيضا قسمين‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬قسمما عاما وهو ما يشترك فيه غالب الناس في جميع الزمان على اختلف‬
‫أزمانهما وبيئاتهما وثقافاتهما ومستوياتهما هذا كتقديما الطعاما للضيف‪.‬‬
‫ف خاص وهو ما يختص ببلد أو فئة من الناس دون أخرى كأعراف‬
‫القسما الثاني‪ :‬عر م‬
‫الزواج ونحو ذلك‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* من القرآن‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ض كعلن انلكجالهلليكن‪ ,75‬يقول ابن‬ ‫‪ .1‬من ذلك قوله تعالى‪‬دخلذ انلعنفو ونأمر لبانلعر ل‬
‫ف كوأكنعلر ن‬ ‫ك ك ك د ن دن‬
‫الغرس‪ :‬معناه اق ل‬
‫ض بكل ما عرفته النفوس وأل يرده الشرع‪ ,‬وهذا أصل القاعدةا الشرعية‬
‫في اعتبار العرف وتحتها مسائل كثيرةا ل تحصى‪.‬‬
‫ق اللردسوكل لمنن كبنعلد كما تككبليكن لكهد انلهدكدى كوكيتلبلنع كغنيكر كسلبيلل‬
‫‪ .2‬قول ال تعالى‪‬وكمنن ديكشالق ل‬
‫ك‬
‫انلدمنؤلملنيكن دنكولرله كما تككولى ‪ ,‬ذكر صاحب المواهب السنية شرح نظما القواعد الفقهية عند‬
‫ل ‪76‬‬

‫قاعدةا }العادة محكمة{ يقول) بأنه يستدل بهذه الية على اعتبار العرف في التشريع‬
‫ووجه الستدلل على أن السبيل معناه لغة الطريق وسبيل المؤمنين طريقهما التي‬
‫استحسنوها وقد توعد ال بالعقاب والعذاب من اتبع غير سبيلهما فيجب العمل بها(ْ‪.‬‬
‫ت أكنيكمادندكنما كوالللذيكن لكنما كينبلددغوا‬
‫‪ .3‬قول ال عز وجل‪‬كيا أكديكها الللذيكن آكمدنوا للكينستكنألذنندكدما الللذيكن كملككك ن‬
‫ضدعوكن ثلكياكبدكنما لمكن الظللهيكرلةا كولمنن كبنعلد‬ ‫ل‬
‫صلةا انلفكنجلر كوحيكن تك ك‬
‫ل‬ ‫انلدحلدما لمنندكما كثل ك م ل ل‬
‫ثَ كم لارت منن قكنبل ك‬ ‫ك ن‬
‫ثَ كعنوكارمت لكدكنما ‪ ,‬يقول الماما العلئي بعد أن ذكر الية الكريمة )أمر‬ ‫‪77‬‬
‫صللةا انللعكشالء كثل د‬
‫ك‬
‫ال عز وجل بالستئذان في هذه الوقات التي جرت العادةا فيها بالبتذال ووضع الثياب‬
‫فانبنى الحكما الشرعي على ما كانوا يعتادونه(ْ‪.‬‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫يستدل على العرف والعادةا من وجهين‪:‬‬
‫أ(ْ السنة القولية‪ :‬من ذلك ما رواه البخاري في صحيحة من حديثَ عائشة رضي ال‬
‫عنها أن هندا بنت عتبة رضي ال عنها قالت يا رسول ال إن أبا سفيان رجل شحيح‬
‫وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إل ما أخذت منه وهو ل يعلما فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلما‪‬خذي ما يكفيك وولدلك بالمعروف‪ ,‬قال النووي في شرح مسلما عند هذا‬
‫الحديثَ‪ ,‬في هذا الحديثَ فؤائد وذكر منها‪:‬‬
‫اعتماد العرف في المور التي ليس فيها تحديد شرعي‪.‬‬
‫ب(ْ السنة التقريرية‪ :‬فقد تعارف الناس في زمن النبي عليه الصلةا والسلما أمو ار تتعلق‬
‫بشؤون الحياةا فلما يحرمها أو ينههما عنها‪ ,‬فدل على جوازها‪ ,‬كما تعارفوا أمو ار جاء ما‬

‫‪) 75‬لعراف‪ْ(199:‬‬
‫‪) 76‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(115‬‬
‫‪) 77‬النور‪ :‬من الية ‪ْ(58‬‬

‫‪60‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫يفيد أن النبي عليه الصلةا والسلما أقرهما عليها أو شاركهما في فعلها‪ ,‬فهذا أيضا يدل‬
‫على جوازها‪.‬‬
‫ومن أظهر المثلة على ذلك‪ :‬عقد السلما‪ ,‬فقد عرفه العرب في الجاهلية وأقرهما عليه‬
‫الرسول عليه الصلةا والسلما وفيه ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه‬
‫قال قد النبي عليه الصلةا والسلما المدينة وهما ديسللدفون الثمر السنة والسنتين فقال‪‬من‬
‫أسلف في شيء ففي كيمل معلوما ووزمن معلوما إلى أجمل معلوما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬شروط أعمال العرف والعادةا‬
‫ليس كل عرف صالح ا لبناء الحكاما الفقهية عليه ول اعتباره دليلا يرجع إليه الفقيه إذا‬
‫أعوزه النص من كتاب أو سنة أو إجماع بل جعل العلماء للعرف والعادةا شروطا وهي‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن تكون العادةا أو العرف مطردةا أو غالبة‪ ,‬قال السيوطي رحمة ال‬
‫تعالى عليه في الشباه والنظائر "إنما تعتبر العادةا إذا اطردت فإذا اضطربت فل"‬
‫ومعنى ذلك أن يكون عمل أهل البلد بهذه العادةا مستم ار في جميع الحوادثَ ل يتخلف‬
‫كتعجيل المهر قبل الدخول إذا تعارف أهل البلد على ذلك‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائم ا عند إنشائها‪ ,‬ولذا‬
‫قالوا }ل عبرة بالعرف الطارئ{ ومعنى ذلك أن يكون العرف الذي يحمل عليه التصرف‬
‫موجودا وقت إنشائه بأن يكون حدوثَ العرف سابق ا على وقت التصرف ثما يستمر إلى‬
‫ل‪.‬‬
‫زمانه فيقارنه سواء أكان التصرف قولا أو فع ا‬
‫الشرط الثالثَ‪ :‬وهو شرط مهما‪ ,‬أن ل يكون في العرف تعطيل لنص ثابت أو لصل‬
‫قطعي في الشريعة‪ ,‬ولذلك ل عبرةا بالعرف إذا خالف النص الشرعي كتعارف الناس‬
‫كلهما على شرب الخمر ولعب الميسر‪ ,‬ومشي النساء وراء الجنائز‪ ,‬وزيارةا النساء‬
‫للمقابر‪ ,‬إواضاءةا الشموع على المقابر‪.‬‬
‫لو تعارف أهل بلد مثلا على أن الزوجة تجلس مع إخوان زوجها تسلما عليهما وتصافحهما‬
‫بيدها فهذا العرف والعادةا ل يعطيه صيغة الحل‪ ,‬فلينتبه لذلك لمخالفته للنص‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ل ديعارض العرف تصريح بخلفه‪ ,‬قال العز بن عبدالسلما "كل ما‬
‫يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلفه بما يوافق مقصود العقد ويمكن الوفاء به‬
‫صح"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثل‪ :‬لو ذهب إنسان واشترى بضاعة واختلف مع البائع في من ينقل هذه البضاعة إذا‬
‫كان عرف أهل البلد أن البائع هو الذي ينقلها وأثناء كتابة العقد قال البائع للمشتري‪,‬‬
‫الصل والعرف أني أنا الذي أنقل البضاعة لكن سأكتب عليك شرط أنك أنت الذي‬
‫تنقلها فكتب شرطه‪ ,‬فحصل خلف فهل القاضي يحكما بالعرف أما بالشرط؟ يحكما‬
‫بالشرط ل بالعرف‪ ,‬لن العرف هذا عارضه تصريدح بخلفه‪.‬‬
‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬العرف بين التجار كالمشروط بينهما‪.‬‬
‫‪ /2‬التعيين بالعرف كالتعيين بالنص‪.‬‬
‫‪ /3‬ل عبرةا بالعرف الطارئ‪.‬‬
‫‪ /4‬استعمال الناس حجة يجب العمل به‪.‬‬
‫‪ /5‬إنما تعتبر العادةا إذا اطردت أو غلبت‪.‬‬
‫‪ /6‬المعروف عرفا كالمشروط شرطاا‪.‬‬

‫الصل في العبادات التحريم‬


‫‪23‬‬

‫غينر الذي في شأرعنا مذكورأ ةا‬ ‫وليس مشـروعاً مـن المـورأب‬

‫لما قكعد المؤلف وقيد أن الصل في العادات الباحة ناسب أن يقعد في باب العبادات‬
‫لما كان الصل في العادات الباحة بين في القاعدةا أن الصل في العبادات الحظر‬
‫والمنع وهذه قاعدةا مهمة حتى ل ديخلط بين العادات والعبادات‪ ,‬وهذا القول هو الذي‬
‫ديعبر عنه الفقهاء بقولهما }الصل في العبادات المنع{ أو }أمر العبادات مبنية على‬
‫التوقيف{‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فبنااء على هذه القاعدةا ل يجوز للنسان أن يلزما نفسه أو غيره بعباده غير منصوص‬
‫عليها بدليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس‬
‫معنى القاعدةا‪:‬‬
‫وبنااء على ذلك يكون معنى القاعدةا أن العبادات التي يتقرب بها النسان إلى ال عز‬
‫وجل ل يجوز أن يلزما أحد بها إل بموجب نص شرعي‪ ,‬وكذا ل يجوز أن دتعمل إل على‬
‫وفق ما أمر ال تعالى بها وأمر به رسوله صلى ال عليه وسلما‪ .‬أما ما عدا هذه المور‬
‫فمهما أعطاها الناس صيغة التشريع وألبسوها لباس الشرع فهي خارج دائرةا العبادةا‪ ,‬بل‬
‫يحرما أن تسمى عبادةا حتى يأتي دليل من الشرع على مشروعية هذا الشيء‪.‬‬
‫فؤائد القاعدةا‪:‬‬
‫‪ /1‬عندما نقول أن الصل في العبادات الحظر والمنع فإن }الممطالب بالدليل هو‬
‫المشغل للذمة{ أي الموجب للذمة وليس النافي‪ ,‬فمن أوجب علينا صلةا ستدسية فهو‬
‫المطالب بالدليل وليس النافي لها‪.‬‬
‫‪ /2‬عند تعارض الدلة وخاصة في المسائل التي يكون لكل قول منها قوةا وحظ ونظر‪,‬‬
‫فإذا كانت الدلة بعضها يوجب وبعضها يدل على عدما الوجوب فعندما ل يوجد دليل‬
‫يقوي أحد القولين على الخر فإنه يستأنس بالصل وهو عدما الوجوب‪ ,‬وهذا معنى‬
‫قولهما }الصل براءة الذمة{‪.‬‬
‫‪ /3‬سد باب البتداع وهي الدمحدثة على غير مراد ال تعالى ومراد رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلما ولو تحقق فيما أسموها عبادةا بعض المصالح فإنها مصالح موهومة‪ ,‬ولذا‬
‫تقدما شروط إعمال المصلحة ومن ذلك أل تخالف نص الكتاب والسنة‪ ,‬لن بعض‬
‫الناس قد يعطي البدعة قوالب جميلة وذلك كبدعة المولد حينما تلبس بعض المصالح‬
‫من إحياء لذكر النبي صلى ال عليه وسلما ودراسة لسيرته‪ ,‬وتعويد للناشئة على محبته‬
‫وتعظيمه عن طريق إحياء هذه البدعة وتسميتها زو ار عبادةا‪ ,‬فإن هذا باطل‪ ,‬لن‬
‫الصل في العبادات أنها متوقفة على النص ولو كان ذلك خير لسبقنا إليه أصحاب‬
‫القرون المفضلة‪.‬‬
‫‪ /4‬رد على العقلنيين الذين يجعلون للعقل حاكمية في التشريع وهو‪ :‬ما يسميهما‬
‫العلماء بدعاةا التحسين والتقبيح العقليين‪ ,‬فهما يجعلون للعقل رأي وحكما في قضايا الشرع‬

‫‪63‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فهما بنااء على ذلك شرعوا عبادات لما تكن واجبة وأنما من باب إتيان العبادةا من وجه‬
‫آخر على غير مراد ال تعالى ومراد رسوله صلى ال عليه وسلما وقد يكون أحيان ا‬
‫بإسقاط ما أوجيه ال أو رسوله صلى ال عليه وسلما‪ ,‬وكل هذين المرين شر‪ ,‬فالعقل‬
‫إنما يعمل في ضوء الدائرةا المسموح له بها وما جاوز ذلك ضلل وبدعة‪ ,‬ومن رأى حال‬
‫العقلنيين وسمع مقالهما رأى العجب العجاب‪ ,‬وال المستعان‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬
‫‪ .1‬من ذلك قوله تعالى‪‬إللن انلدحنكدما إللل للللله‪ , 78‬فأثبت ال تعالى الحكما في هذه المور‬
‫إلى نفسه ونفاها عما عداه بصيغة الستثناء‪.‬‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪‬أكنما لكهدنما دشكرككادء كشكردعوا لكهدنما لمكن الرديلن كما لكنما كينأكذنن بلله الللهد‪ ,79‬جاء الستفهاما‬
‫هنا استفهام ا إنكاري ا على الذين يشرعون ما لما يأذن به ال تعالى ويزيدون قي الحكاما‬
‫الشرعية على خلف مراد ال ومراد رسوله صلى ال عليه وسلما‪.‬‬
‫‪ /3‬حديثَ عائشة رضي ال تعالى عنها أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬من عمل‬
‫عملا ليس عليه أمرنا فهو رد‪ ,80‬فهنا بين النبي صلى ال عليه وسلما أن من عمل‬
‫عملا ليس عليه أمر ال تعالى ول أمر رسوله صلى ال عليه وسلما فهو مردود على‬
‫صاحبه غير مقبول‪.‬‬

‫الوسائل تعطى أحكاما المقاصد‬

‫‪24‬‬

‫واحكم بأهذا الحكم للزوائدب‬ ‫وسـائل المـورأ كالمقـاصدب‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬

‫‪) 78‬يوسف‪ :‬من الية ‪ْ(67‬‬


‫‪) 79‬الشورى‪ :‬من الية ‪ْ(21‬‬
‫‪ 80‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أراد المؤلف رحمه ال تعالى بهذا البيت القاعدةا التي يعبر عنها الفقهاء بقولهما }الوسائل‬
‫لها أحكام المقاصد{ المراد بذلك أن الوسيلة إلى الشيء تأخذ حكما المقصد‪.‬‬
‫تعريف الوسيلة‪:‬‬
‫الوسائل جمع وسيلة وهي الطريقة التي تتوصل بها إلى الشيء المراد‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫الخروج إلى صلةا الجماعة‪ ,‬صلةا الجماعة واجبة على الرجال القادرين‪ ,‬لما كان هذا‬
‫الواجب ل يتحقق إل بالسعي إليه فإن سعيه يأخذ حكما المقصد وهي الصلةا جماعة‬
‫وعلى هذا سعيه إلى المسجد يكون واجباا‪ ,‬وهو من جهة أخرى مأجور عليه‪ ,‬لنه وسيلة‬
‫إلى تحصيل مقصود شرعي‪ ,‬وهذا هو معنى قولهما }ما ل يتم الواجب به فهو واجب{‬
‫هذا مع أن المشي في الصل مباح‪.‬‬
‫كذلك من جهة أخرى الوسيلة إلى محرما محرمة‪ ,‬فمن سافر مثلا إلى بلد الكفار لغير‬
‫حاجة فهو آثما في طريقه‪.‬‬
‫ومن خرج إلى سرقه فإن مشية حراما‪ ,‬مع أن الصل في المشي كما تقدما الحل‪.‬‬
‫والمقاصد‪ :‬المقصود بها هي المور التي يقصدها المكلف من فعل واجب أو مسنون أو‬
‫محرما أو مكروه أو مباح‪ ,‬فلوسيلة إلى الواجب واجبه و الوسيلة إلى المندوب مندوبة‬
‫والوسيلة إلى المكروه مكروهة و الوسيلة إلى المباح ل نقول أنها مباحة لكن سيأتي‬
‫بيانها‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* عموما أدلة الشريعة‪ ,‬ومن أعظما الدلة على ذلك هي الدلة التي تدل على استصلح‬
‫العباد في منعهما مما يضرهما وحثهما على ما ينفعهما‪ ,‬فيقتضي ذلك منعهما من كل طريق‬
‫فعلى هذا تكون عموما أدلة الشريعة تدل على هذه القاعدةا‪.‬‬
‫* أما الدلة الخاصة من القرآن فمنها‪:‬‬
‫صةم لفي كسلبيلل الللله كول‬
‫ب كول كمنخكم ك‬
‫صم‬‫ظكمأم كول كن ك‬
‫ك بلأكلنهما ل ي ل‬
‫صيدبهدنما ك‬ ‫ل‬
‫‪ ْ(1‬قوله تعالى ‪‬كذل ك د ن د‬
‫ل‬ ‫طدأون مولطئ ا يلغيظد انلدكلفار ول يكنادلون لمنن عددوو كننيلا إللل دكتلب لكهما بلله عممل ل‬
‫صالمح إللن اللهك‬‫ك دن ك ك ك‬ ‫ك‬ ‫ك ك ك ك‬ ‫كي ك ك ك ن د‬
‫ضيعد أكنجكر انلدمنحلسلنيكن‪.81‬‬
‫لي ل‬
‫د‬
‫‪) 81‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(120‬‬

‫‪65‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ل‬ ‫ل‬ ‫صلغيكرةاا كول ككلبيكرةاا كول كينق ك‬ ‫ل‬


‫طدعوكن كواديا لإلل دكت ك‬
‫ب لكهدنما‬ ‫‪ ْ(2‬قول ال عز وجل‪‬كول ديننفدقوكن كنفكقكةا ك‬
‫للكينجلزكيهددما الللهد أكنحكسكن كما ككادنوا كينعكمدلوكن‪.82‬‬
‫طدأوكن كمنولطئ ا‪ ‬في الثانية ‪ ‬كول كينقطكدعوكن كوالدي ا‪ ‬فالصل أن‬ ‫في الية الولى قال‪ ‬كول كي ك‬
‫ط في الرض وقطع الودية الباحة لكن لما كان ذلك ميتوصل عن طريقه إلى إغاظة‬
‫الو ن‬
‫الكفار والنكاية بهما أخذ حكما المقصد‪ ,‬فهو مأجور على ذلك‪.‬‬
‫* ومن السنة‪ :‬حديثَ أبي الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬من سلك طريقا‬
‫يلتمس به علما سهل ال به طريقا إلى الجنة‪ ,83‬لما طلب العلما ل ميتصل إليه إل بنقل‬
‫القداما والخروج درتب عليه مثل هذا الجر العظيما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الوسيلة إلى المباح‬
‫من المعلوما أن المباح الصل أن النسان ل يؤمر به ول دينهى عنه أي أنه مخير بين‬
‫فعله وتركه وهذا من حيثَ التقعيد‪.‬‬
‫ومن حيثَ الحكما فإن المباح ل يتعلق به إثابة ول معاقبة‪ ,‬لكن الفقهاء رحمهما ال تعالى‬
‫قالوا "حينما يتحول المباح إلى وسيلة فإنه يأخذ حكما المقصد"‪ .‬فمثلا السفر أصله مباح‪,‬‬
‫فهذا يسافر لرادةا الحج الواجب فتكون هذه الوسيلة واجبة‪ ,‬إوان كان حجة نفلا تكون‬
‫الوسيلة مندوبة وهكذا‪.‬‬
‫ولعل حديثَ عمر رضي ال عنه ‪‬إنما العمال بالنيات‪ ‬يدل على ذلك دللة لفظية‬
‫صريحة‪ ,‬فصورةا العمل وهي الهجرةا أصلها مباح وحدها‪ ,‬لكن هذا المباح أخذ حكما هذا‬
‫المقصد‪.‬‬
‫قوله "واحكم بهذا الحكم للزوائد"‪:‬‬
‫عرفنا أن الوسائل لها أحكاما المقاصد فكذلك أيضا الزوائد لها أحكاما المقاصد‪.‬‬
‫ما المقصود بالزوائد؟‬
‫المقصود بها كما قال السعدي عليه رحمة ال تعالى)هي المتممات للعمال التي ل‬
‫يكمل العمل إل بها(ْ‪.‬‬

‫‪) 82‬التوبة‪ْ(121:‬‬
‫‪ 83‬رواه أحمد وأبو داوود والنسائي وابن ماجه وأشار إليه البخاري في صحيحه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثال على ذلك‪ ,‬مثلا ذهاب إنسان إلى عبادةا يؤجر عليها كما تقدما‪ ,‬وهي كما تقدما‬
‫بحسب حال المقصد إن كان المقصد واجب ا فالوسيلة كذلك‪ ,‬إوان كان مسنون ا فالوسيلة‬
‫كذلك‪ ,‬كذلك الرجوع من العبادةا له حكما المقصد‪ ,‬لن ل يمكن أن يتما ذلك المقصد إل‬
‫بذهابه ورجوعه‪ ,‬كذلك ل يمكن للنسان أن يجلس بعد ذهابه دائما فل بد له من‬
‫الرجوع‪ .‬وهذا من رحمة ال عز وجل بهذه المة حيثَ أنها شرع لها من المور ما يكفل‬
‫لها تعظيما الجور ورفع الدرجات‪ ,‬حتى المباح ينقلب إلى عبادةا إذا احتف به أمر‬
‫شرعي مقصود كمن ناما مبك ار ليس لذات النوما إوانما قصد بذلك أن ينشط لصلةا الليل‬
‫أو من أجل أن يبادر لصلةا الفجر‪ ,‬فنومه عبادةا‪ ,‬مع أن الصل في النوما أنه من قبيل‬
‫المباح‪.‬‬
‫ولذلك النبي صلى ال عليه وسلما قال‪ ‬إوانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه ال إل دأجرت‬
‫بها حتى ما تجعل في فكي امرأتك‪ ,84‬قال النووي رحمه ال تعالى عليه)الغالب أن‬
‫النسان ل يضع اللقمة في فيي زوجته إل على سبيل المداعبة لكن إن قصد بذلك إدخال‬
‫السرور عليها أجر على ذلك‪ ,‬لن إدخال السرور على المسلما يؤجر عليه النسان‬
‫فكيف إذا كانت الزوجة والتي لها حق عظيما‪.‬‬
‫فعلى هذا نقول بأن المباح ينقلب إلى عبادةا لكن بشرط أن النسان يستحضر النية‬
‫الصالحة الصادقة‪.‬‬
‫وأيضاك نقول‪ :‬حتى وسائل الدعوةا إلى ال عز وجل تأخذ حكما المقصد لكن ليس معنى‬
‫ذلك أن ديدعى إلى ال عز وجل بوسيلة محرمة‪ ,‬فبعض الناس يقول الغاية تبرر الوسيلة‬
‫هذا ليس بصحيح‪ ,‬فل شك أن الواجب أو المسنون إذا كان ديتوصل إليه بوسيلة محرمة‬
‫أن النسان ديقر على ذلك ول يجوز له ذلك‪.‬‬

‫ارأتكاب المحظورأ نسيانا أو خطأ أو إكراها‬

‫‪ 84‬متفق عليه‬

‫‪67‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪25‬‬

‫أسقـطه معبودنا الرحـمنن‬ ‫والخطـأن الكـراهن والنسيانن‬

‫‪26‬‬

‫وينتفـي التأثيمن عنه والزلل‬ ‫يثبت البدل‬


‫لكن مع التلبف ن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أراد المؤلف رحمه تعالى في هذا البيت أن هناك ثلثة أفعال للمكلفين أسقط ال عنهما‬
‫التكاليف في حال وجودها‪ ,‬وهذا التقعيد للمؤلف إنما هو تبع لقاعدةا تقدمت معنا وهي‬
‫}المشقة تجلب التيسير{ فإسقاط الثما عن المخطئ والمكره والناسي من تيسير الشريعة‪,‬‬
‫لن المخطئ غير قاصد والمكره ل إرادةا له‪ ,‬والناسي غفل حتى فاته العمل فهؤل‬
‫"المخطئ‪ ,‬والمكره‪ ,‬والناسي" يجمع بينهما عدما القصد‪ ,‬عدما قصد الفعل المحرما أو عدما‬
‫ب من أسباب التخفيف على العباد فهذه‬
‫قصد ترك الفعل الواجب‪ ,‬فهذه المور سب م‬
‫الشياء تسقط التبعة والثما عن النسان‪ .‬لكن حتى ل نفهما أن هذه الشياء تسقط كل‬
‫شيء استدرك المؤلف وقال‪:‬‬

‫وينتفـي التأثيمن عنه والزلل‬ ‫يثبت البدل‬


‫لكن مع التلبف ن‬

‫بمعنى أن الخطأ والنسيان والكراه يسقط حق ال عز وجل فينتفي عنه الثما والزلل‪ ,‬أما‬
‫البدل فإنه يبقى في الذمة ول يسقط ‪ ,‬والبدل هو من حقوق العباد فل تسقط‪ ,‬لن حقوق‬
‫العباد مبنية على المشاحة وحقوق ال مبنية على المسامحة مثال على ذلك‪ :‬لو أن‬
‫إنسان أفطر في رمضان مثلا مكرها أو ناسيا سقط الثما عنه بل ول قضاء عليه‪ ,‬لنه‬
‫غير قاصد‪ ,‬فل إثما عليه ول قضاء‪ ,‬لن هذا يتعلق به حق ال عز وجل‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثال آخر لو أن إنسانا مثلا أصلح سيارته وتفقدها وسار بها سي ار صحيحا فانحرفت به‬
‫السيارةا لوجود خلل فيها فارتطمت بسيارةا آخرى فأتلفتها‪ ,‬هنا يسقط عنه الثما لعدما تعديه‬
‫أو تفريطه لكن ذلك ل يسقط حق الدمي‪ ,‬لن حقوق الدميين مكفولة لهما فل تسقط‬
‫حتى في هذه الحالت وقضية المسامحة هذا أمر آخر‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما الفرق بين حقوق ال وحقوق العباد؟‬
‫ل‪ :‬حقوق العباد مبنية على المشاحة‪ ,‬وحقوق ال تعالى مبنية على المسامحة كما‬
‫أو ا‬
‫تقدما‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬أن حقوق ال مبنية على المقاصد فل أثما النسان ما لما يقصد المخالفة‪ ,‬إوان كان‬
‫بعض الصور يستدركها كما سيأتي إذا كانت العبادةا مما يستدرك‪ ,‬أما حقوق العباد‬
‫فليست مبنية على المقصد إوانما مبنية على الفعل وعلى هذا أفعال الصبي والمجنون‬
‫مثلا في حقوق العباد يؤاخذ عليها ويضمن وليهما ما أتلفا‪.‬‬
‫وعلى هذا لو خرج طفل مثلا وكسر زجاجة سيارةا الجار فطرق الجار الباب مطالبا‬
‫بالقيمة فل ديتعلل بأنه صغير وأنه ل يعقل أو ل يدرك‪ ,‬لن حقوق العباد ليست مبنية‬
‫على القصد فالمهما صورةا الفعل‪ ,‬لذا أفعال الصبي والمجنون في حقوق العباد يؤاخذ‬
‫عليها‪ ,‬بل وأفعال الدواب فلو أن إنسان ا عنده مجموعة غنما أو أبل فدخلت مزرعة فلن‬
‫من الناس فأتلفتها‪ ,‬فإن صاحب هذه البل أو الغنما يضمن ما أتلفته‪.‬‬
‫أولل الخطأ‪:‬‬
‫الخطأ في اللغة‪ :‬هو المقابل للصواب‪ ,‬يقال هذا صواب أي حق وهذا خطأ أي باطل‪,‬‬
‫ولذلك سميت المعصية خطيئة لنها في مقابل والصواب والحق‪.‬‬
‫وأما في الصطلح‪ :‬فهو وقوع الفعل أو القول من النسان على خلف ما يريده‪ ,‬مثال‬
‫ذلك‪ :‬إنسان صوب بندقيته ليقتل صيدا فقتل إنسان ا فهذا مخطئ‪.‬‬
‫أدلة إسقاط الثم عن المخطئ‪:‬‬
‫أدلة كثيرةا جدا نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬قول ال عز وجل‪‬كرلبكنا ل تدكؤالخنذكنا إلنن كنلسيكنا أكنو أكنخ ك‬
‫طنأكنا‪ ,85‬قال ال عزوجل كما في‬
‫صحيح مسلما‪‬قد فعلت قد فعلت‪.‬‬

‫‪) 85‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(286‬‬

‫‪69‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(2‬ما رواه ابن ماجة أن النبي عليه الصلةا والسلما قال‪‬إن ال تجاوز عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه‪ ‬قال "تجاوز" أي أنه يعفو ويصفح وهذا في حق ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬ومن الدلة على سبيل التعليل يقال‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن حقوق ال مبنية على المسامحة فناسب أن يسقط الفعل والقول على المخطئ‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن الثما مبني على القصد‪ ,‬بدليل قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬إنما العمال‬
‫بالنيات‪ .86‬أي أن الجر والثابة والمعاقبة مبني على النية‪ ,‬والمخطئ ليس بقاصد‪,‬‬
‫ولذلك قالوا بأنه ل يأثما‪.‬‬
‫ولكن ليس كون هذا النسان مخطئ أن يبرر أفعاله بعد أن يزول عنه الخطأ‪ ,‬بل يجب‬
‫عليه أن يتدارك‪ ,‬ولذلك لو كان في الصلةا وأخطأ أو نسي وقاما للثالثة بدون الجلوس‬
‫للتشهد إذا أدرك خطأه ولما تفارق فخذاه ساقيه وجب عليه أن يرجع‪.‬‬
‫ثانيا الكراه‪:‬‬
‫الكراه هو حمل الغير على ما ل يرضاه‪ ,‬ولذلك المكره منت م‬
‫ف عنه القصد والرادةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬من المهما جدا أن نعرف أنه ل يتحقق إكراه شخص حتى تتوفر لذلك شروط‬
‫وهذه الشروط دتسمى شروط تحقق الكراه وهي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن يكون المكره قادر على تنفيذ ما هدد به‪ ,‬وعلى هذا أكره شخص على ترك‬
‫الصلةا إوال قتل وهو يعلما أن من هدده ل ينفذ ذلك فل يعتبر في هذه الحالة مكرهاا‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أن يغلب على ظن المكره أن المكره سيفعل ما هدد به‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن يكون المكره عليه يشق على المكره فعله‪ ,‬وعلى هذا لو قال إنسان اسرق من مال‬
‫فل ول أخذت منك عشر ريالت‪ ,‬فل يجوز هنا أن يسرق منه‪ ,‬لن المكره عليه ل يشق‬
‫على المكره لكن لو قال له اسرق من مال فلن إوال قتلتك جاز له ذلك‪ ,‬لن ما أكره‬
‫عليه يشق عليه‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬أن يكون الكراه بغير حق‪ ,‬فإن كان بحق جاز ذلك‪ ,‬ول ديعذر معه النسان كالكراه‬
‫على سداد الدين بعد حلوله‪ ,‬إواكراه مانعي الزكاةا على أداء الزكاةا كما قال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلما‪‬فإن آخذوها وشط ار من ماله عزمة من عزمات ربنا‪.87‬‬

‫‪ 86‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬


‫‪ 87‬رواه أحمد والترمذي والنسائي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(5‬أن يكون الكراه حالا فلو قال مثلا اترك الصلةا إوال قتلتك بعد عشر سنوات‪ ,‬فل‬
‫يكون مكره ا لن الحوال تتغير في هذه الفترةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هي أنواع الكراه؟‬
‫الكراه على نوعين‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون الكراه فيما ل اختيار للنسان فيه ول قدرةا‪ ,‬فهو كالريشة في مهب الريح‬
‫كما لو حلف مثلا إل يدخل بيت فلن فأتى إنسان وحمله مكرها ثما أدخله هذا البيت‪,‬‬
‫فإنه ل يحنثَ في يمينه ول كفارةا عليه‪ .‬وكما لو أن إنسان ا حمل فلن وضرب به فلن‬
‫فمات الشخص الخر‪ ,‬فهنا بالتفاق أنه ل يترتب على المحمول شيء لنه إذا اجتمع‬
‫مباشر ومتسبب فإن الضمان على المباشر لنه هو الفاعل الحقيقي‪.‬‬
‫‪ .2‬الكراه الذي فيه نوع اختيار كما لو انه قال شخص لخر اقتل فلن ا إوال قتلتك‪,‬‬
‫فقتل فلن ا فهنا القاتل له نوع اختيار‪,‬لنه سيحمل السلح وسيذهب لقتله وربما ترصد له‬
‫وسيصوب إليه البندقية وسيتحرى المقاتل لو لما يقتله في هذه المرةا سيعاود في المرات‬
‫الخرى‪ ,‬فهذه نوع اختيار‪ ,‬وهو غير مختار من وجه أنه عنده شعور نفسي أنه ل يريد‬
‫هذا وأنه مكره وهذه الصورةا هي التي وقع فيها الخلف هل هو مكلف فيقتص منه أو‬
‫غير مكلف فل يقتص منه‪ ,‬وهما متفقون على أنه قتل نفسا معصومة ل يحل لها قتلها‪,‬‬
‫لكن خلفهما في المعاقبة والقصاص‪ ,‬ولذلك أجمعوا على أنه ل يسمى إكراه من ناحية‬
‫أنه أبقى على نفسه بقتل النفس الخرى‪ ,‬ولهذا مذهب الحنابلة اشتراك المكره والمكره في‬
‫القود والضمان‪.‬‬
‫أدلة الكراه‪:‬‬
‫طكمئلنن‬
‫هي نفس أدلة الخطأ ومن ذلك أيضا قول ال عز وجل‪ ‬لإلل كمنن أدنكلرهك كوكقنلدبهد دم ن‬
‫لبا نلليكمالن‪.88‬‬
‫وقوله في حديثَ عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬ل طلق ول عتاق في‬
‫إغلق‪ ,89‬والغلق هو الكراه فعلى هذا لو أجبر إنسان على طلق زوجته وتحققت‬
‫شروط الكراه فإن الطلق ل يقع‪.‬‬

‫‪) 88‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(106‬‬


‫‪ 89‬رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ثالثال النسيان‪:‬‬
‫النسيان في اللغة خلف التذكر والحفظ‪.‬‬
‫وأما في الصطلح فهو معرفة النسان بالشيء مع ذهوله عنه‪ ,‬ولذلك الناسي ل يسمى‬
‫جاهل لنه يعرف الشيء‪.‬‬
‫والنسيان من العوارض التي ترفع التكليف لكنه ليس رفع ا مطلق ا إوانما هو رفع ا مؤقت ا أي‬
‫حتى يزول النسيان ولذلك قال النبي صلى ال عليه وسلما‪‬من ناما عن صلةا أو نسيها‬
‫فليصلها إذا ذكرها ل كفارةا لها إل ذلك‪ ‬قوله‪‬ل كفارةا لها ل كفارةا لها ل ذلك‪ ‬إشارةا هنا‬
‫إلى أن الناسي معفو عنه حال نسيانه فقط‪ ,‬والنسيان ليس بمسقط للعبادةا كله‪ ,‬إل إذا‬
‫كانت العبادةا تفوت مثل لو نسي صلةا العيدين ولما يعلما إل بعد خروج الناس سقطت‬
‫لنه ل يمكن أن يتدارك‪ ,‬فإن أمكن تدارك العبادةا فإنها ل تسقط فمن أكل أو شرب في‬
‫نهار رمضان ناسي ا فصومه صحيح لكن ليس معنى النسيان أن يستمر بالكل أو‬
‫الشرب فإذا تذكر وجب عليه أن يتدارك وأن يمتنع بل لو كان في فمه لقمة لوجب أن‬
‫يطرحها ولو أدخلها بعد تذكره فإنه يكون قد أفطر متعمداا‪.‬‬
‫الدلة على ذلك‪:‬‬
‫هي نفس أدلة الخطأ‪ ,‬ومن ذلك قول النبي عليه الصلةا والسلما‪‬من ناما عن صلةا أو‬
‫نسيها فليصلها إذا ذكرها ل كفارةا له إل ذاك‪.90‬‬
‫كذلك الجماع‪ :‬فالجماع منعقد على أن من نسي عبادةا فل إثما عليه‪ ,‬لكنه مطالب‬
‫بغعل ما نسيه بعد التذكر إن كان هذا الشيء يمكن تداركه‪.‬‬
‫أقساما النسيان‪:‬‬
‫‪ /1‬نسيان حقوق ال عز وجل‪ ,‬هذا معفو عنه حال نسيانه‪ ,‬وحقوق ال بالنسبة لنسيانها‬
‫على صورتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون مطالب بفعل ثما ينسى ويترك‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون مطالب بترك ثما ينسى ويفعل‪.‬‬
‫‪ /2‬حقوق العباد ويتعلق بها أمران كما تقدما‪:‬‬

‫‪ 90‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ‪ -‬التأثيما‪ :‬فالصل أن حقوق العباد يحرما العتداء عليها‪ ,‬ويأثما النسان بذلك ولكن‬
‫النسيان يسقط الثما‪.‬‬
‫ب‪ -‬ضمان حقوق العباد هذه ل تسقط بالنسيان‪ ,‬فيضمن ما أتلفه حال نسيانه‪ ,‬وهذا‬
‫معنى قوله}لكن مع التلف يثبت البدل{‪.‬‬

‫يثبت تبعا ما ل يثبت استقلل‬


‫‪27‬‬

‫ـت ل إذا اسـتقلب فـوقع‬


‫يثبـ ن‬ ‫ومن مسائل الحكاماب في التبع‬

‫هذه القاعدةا أوردها المؤلف يريد بها القاعدةا التي يعبر عنها الفقهاء بقولهما }يثبت تبعال‬
‫ما لم يثبت استقللل{‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫المراد بهذه القاعدةا أن الشيء يكون له حكما خاص انفراده واستقللا عن غيره ولكنه إذا‬
‫كان تبع ا لغيره فإنه يتغير الحكما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو صلى إنسان منفردا ثما جلس بعد الركعة الولى للتشهد متعمدا بطلت‬
‫صلته لن هذا ليس هو موضع التشهد‪ ,‬لكن لو دخل مع الماما لصلةا الظهر مثلا‬
‫وقد سبقه بركعة إذا جلس الماما بعد الثانية وهي الركعة الولى للمسبوق فإنه يجلس‬
‫تبع ا لمامه‪ .‬ولذلك قالوا }يثبت تبعال ما لم يثبت استقللل{‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬بيع التمر قبل بدو صلحه ل يجوز ولكن لو باع التمر قبل بدو الصلح‬
‫مع الصل فل حرج في ذلك‪ ,‬فهذا جائز تبع ا لغيره واستغللا ل يجوز إل بشرط قطعة‬
‫ل‪.‬‬
‫ف لبهائمه مث ا‬ ‫في الحال إذا كان ينتفع منه كعل م‬

‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬يغتفر للتوابع ما ل يغتفر لغيرها‪.‬‬
‫‪ /2‬يغتفر للشيء ضمنا ما ل يغتفر لغيره قصداا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ /3‬قد يثبت الشيء ضمنا وحكما ول يثبت قصداا‪.‬‬

‫إعمال العرف‬
‫‪28‬‬

‫حكم من الشرع الشريف لم يحد‬ ‫والعـرف معمـول بأـه إذا ورأد‬

‫بين هذه القاعدةا والقاعدةا التي ذكرناها سابقا وهي قاعدةا }والصل في عادتنا الباحة{‬
‫بينهما فرق يسير‪ ,‬فالعادةا التي ذكرها المؤلف أولا هي عادةا الناس مما خلت منه‬
‫الشريعة من حيثَ أقوالهما وطريقة مناسباتهما‪ .‬أما العادةا هنا ليس المراد منها العرف‬
‫العاما بل العرف الجزئي‪.‬‬
‫معنى ذلك‪ :‬أن الشارع إذا حكما بشيء ولما يحده فإنه يرجع لتحديدةا وتعريفه إلى العرف‬
‫ولذلك إذا قال الفقهاء كل ما أمر الشارع به أو نهى عنه ولما يحده ويفسره أو يضبطه‬
‫بأحكاما فإن وتفسيره راجعم إلى العرف‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬الن الحركة الزائدةا في الصلةا تبطل الصلةا إذا كثرت وكانت من غير‬
‫جنس الصلةا وحد الحركة الكثيرةا ديرجع فيه إلى العرف‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬أمر ال تعالى أن تكون النفقة للزوجة بالمعروف وضابط النفقة بالمعروف‬
‫ديرجع فيها إلى العرف‪.‬‬

‫معـاجل المحـظورأ قبـل آنـه‬

‫‪29‬‬

‫قد بأاء بأالخسران مع حرمانه‬ ‫معـاجل المحـظورأ قبـل آنـه‬

‫‪74‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬الصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد‪.‬‬
‫‪ /2‬من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ /3‬المعارضة بنقيض المقصود‪.‬‬
‫‪ /4‬من تعجل حقه أو ما أبيح قبل وقته على وجه محرما دعوقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ /5‬من استعجل ما أخره الشارع يجازى برده‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها فإنها تفيد معنى متحدا دليلا على التفاق عليها بين‬
‫الجميع‪ .‬فإن من يتوسل بالوسائل غير المشروعة تعجلا منه للحصول على مقصوده‪,‬‬
‫فإن الشرع عامله بضد مقصوده فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله‪ .‬وهذه القواعد‬
‫تمثل جانبا من جوانب السياسة في القمع وسد الذرائع‪ ,‬لنه لو لما يعاقب بحرمانه لدى‬
‫ذلك إلى أن يستعجل الناس حظوظهما قبل أسبابها المشروعة‪.‬‬
‫من أمثلة القاعدة‪:‬‬
‫لما كان التعجل يجر مفاسد عظيمة كان تقعيد هذه القاعدةا من باب سد الذرائع ووجه‬
‫كونه سمد للذرائع‪ ,‬لن الطالب للشيء قبل وقته لو لما ديعاقب بحرمانه لدى ذلك إلى أن‬
‫الناس يستعجلون حظوظهما قبل أسبابها المشروعة‪ .‬وهذه الحكاما كما أنها تجري في‬
‫الحكاما الدنيوية كما تقدما فإنها تجري في الحكاما الخروية‪.‬‬
‫أما كيف ذلك؟!‬
‫فنقول أن ال تعالى أنعما على عباده بنعما‪ ,‬ووعد عباده في الخرةا فيما ل عين رأت ول‬
‫أذن سمعت ول خطر على قلب بشر كلبس الحرير وشرب الخمر فهذه وغيرها وقتها‬
‫المسموح بها في الخرةا‪ ,‬فمن استعجل حظه من ذلك في الدنيا ولما ينل ذلك في الخرةا‬
‫إن لما يتب إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أمدر عكسي للقاعدةا‬

‫‪75‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫إذا قررنا أن النسان إذا استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه‪ .‬كذلك يقال أن الصابر‬
‫عن فعل المحرما ابتغاء رضوان ال يجازى ذلك بالخير من فرح النفس‪ ,‬وقوةا القلب وسعة‬
‫الرزق‪ ,‬وانشراح الصدر‪ ,‬والبركة في الرزق‪ ,‬والصحة في البدن‪.‬‬
‫وأما في الخرةا فيكفي على ذلك ثوابا الجنة وأعظما من ذلك لذةا النظر إلى وجه ال‬
‫الكريما‪ .‬نسأل ال تعالى من فضله‪.‬‬

‫العبادات الواقعة على وجه محرما‬

‫‪30‬‬

‫أو شرطه فــذو فسـاد وخـلل‬ ‫وإن أتي التحريم في نفس العمل‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذه القاعدةا أصولية نظمها الشيخ رحمه ال تعالى ضمن القواعد الفقهية‪ .‬وهذا البيت‬
‫أراد به المؤلف رحمه ال تعالى قاعدةا أصولية تتعلق بمسألة صحة العمل وفساده ولذلك‬
‫}وان أتى المكلف التحريم{ أي إن أتى المكلف التحريما في نفس العمل أو شرطه‬
‫قال إ‬
‫دل ذلك على فساد العمل‪ ,‬إوان جاء التحريما ليس في نفس العمل ول في شرطه فإنه ل‬
‫يؤدي إلى فساد العمل‪ ,‬وهذا كلما مجمل وقبل ذلك نحتاج إلى معرفة المراد بالصحيح‬
‫والفاسد من العمل حتى نتصور هذا الحكما‪:‬‬
‫الصحيح‪ :‬مأخوذ من الصحة في اللغة وهو ضد السقما والمرض‪.‬‬
‫أما الصحة في الشرع فأننا سنعرفها من جهتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الصحة في العبادات‪.‬‬
‫‪ -2‬الصحة في المعاملت‪.‬‬
‫* الصحة في العبادات‪ :‬فالعبادات تسمى صحيحة إذا أجزأت وأبرأت الذمة وأغنت عن‬
‫القضاء والعادةا‪ ,‬فإذا توفرت هذه الشروط حكمنا بصحة العبادةا وبمعنى آخر إذا‬
‫تحققت الشروط وانتفت الموانع‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فمن صلى قبل الوقت مثلا لما تصح صلته لن من شروط الصلةا دخول الوقت‪ ,‬ومن‬
‫صامت حال حيضها أو نفاسها لما يصح صيامها بوجود مانع من موانع صحة الصياما‬
‫أل وهو كون المرأةا حائض أو نفساء‪.‬‬
‫* وأما الصحيح في المعاملت‪ :‬فهو ما ترتبت عليه أحكاما العقد المقصود منه لن كل‬
‫عقد ومعاملة يجريها النسان يقصد منها مصلحة‪ ,‬وبناء على ذلك يكون فساد العقد إما‬
‫ل‪.‬‬
‫لعدما تحقق المشروط أو لوجود الموانع كبيع المجهول مث ا‬
‫مسألة‪ :‬هل النهي يقتضي الفساد أما ل؟‬
‫هي على خلف والصحيح‪ :‬قول بعض المحققين ومنهما شيخ السلما ابن تيمية‬
‫والعلئي ورواية عن الماما أحمد قالوا‪ :‬بأن النهي ل يقتضي الفساد مطلقاا‪ ,‬إوانما إذا‬
‫كان النهي يعود إلى ذات المنهي عنه أو شرطه الذي ل يتما إل به فهو يقتضي الفساد‬
‫كالصلةا بدون طهارةا‪ ,‬أما إذا كان النهي ل يعود إلى ذات المنهي عنه ول إلى شرطه ل‬
‫يفيد البطلن كالصلةا في الرض المغصوبة على الصحيح أنها صحيحة خلفا‬
‫لمذهب الحنابلة‪ .‬وال تعالى أعلما‪.‬‬

‫من أتلف شأيئا لدفع أذاه لم يضمنه‬

‫‪31‬‬

‫بأعد الدفاع بأالتي هي أحسن‬ ‫ومتلــف مؤذيـه ليس يضمـن‬

‫هذا البيت عقده المؤلف رحمه ال تعالى للقاعدةا الفقهية التي يقول فيها الفقهاء‪} :‬من‬
‫أتلف شيئا لمضرته لما يضمن{‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن النسان إذا تعرض له شيء يؤذيه واحتاج إلى دفع أذاه بإتلف المؤذي فإنه ل‬
‫يضمن‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫لو صال عليه آدمي فلما يستطع دفعه إلى بقتله فقتله فإنه ل يضمنه ودليل ذلك قول‬
‫النبي صلى ال عليه وسلما حينما جاءه رجل وقال‪ :‬يا رسول ال أرأيت إن جاء رجل يريد‬
‫أخذ مالي‪ ,‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلما‪‬ل تعطه إياه‪ ,‬قال أرأيت إن قاتلني‪,‬‬
‫قال‪‬فقاتله‪ ,‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلته‪ ,‬قال‪‬هو في النار‪ ,‬قال أرأيت إن قتلني‪ ,‬قال‪‬فأنت‬
‫شهيد‪.91‬‬
‫يقول إماما الحرمين‪ :‬ل يخفى جواز دفع المظلمة إوان انتهى الدفع إلى شهر السلحة‪,‬‬
‫فإن ممن أجلى صور الشريعة دفع المعتدين بأقصى المكان عن العتداء‪ ,‬ولو ثارت‬
‫فتنة زائفة عن الرشاد وأثاروا السعي في الرض بالفساد ولما ديمنعوا قه ار ولما يدفعوا قس ار‬
‫لستج أر الظلمة ولتفاقما المر‪.‬‬
‫أدلة القاعدةا‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬عموما الدلة الدالة على رفع الضرر إوازالته‪ ,‬لن صولة الصائل تجلب ضر ارا‪,‬‬
‫ولذلك يجب دفعه حتى لو أدي ذلك إلى إتلف المؤذي‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪.92‬‬
‫مسألة‪ :‬إفساد الشيء لكونه مؤذ يتضمن حكمين‬
‫أ‪ -‬عدما الثما بالتلف‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدما الضمان ما أتلف‪.‬‬
‫لكن الناظما اشترط لعدما الثما بالتلف وعدما ضمان ما أتلفه شرطا وهو‪ :‬ما يتضمنه‬
‫الشطر الثاني حيثَ قال }بعد الدفاع بالتي هي أحسن{‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪:‬‬

‫‪ 91‬رواه مسلما‪.‬‬
‫‪ 92‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن دفع الصائل مثلا إذا كان يندفع بإتلف عضو من أعضائه دون قتله وجب ذلك‪ ,‬بل‬
‫ل يجوز قتله فل يسلك العلى مع استطاعته الدفع بالخف ولعل هذا يندرج تحت‬
‫قاعدةا }يصار إلى أهون الشرين{‪ ,‬التي تقدمت معنا‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬
‫}من أتلف شيئال لدفع أذاه لم يضمنه‪ ,‬إوان أتلفه بدفع أذاه به ضمنه{‪ ,‬هذه قاعدةا أعما‬
‫من القاعدةا المتقدمة‪.‬‬
‫}من أتلف شيئال لدفع أذاه لم يضمنه{‪ :‬هذا كما تقدما كدفع الصائل الخف فالخف‪.‬‬
‫}وان أتلفه بدفع أذاه به ضمنه{‪ :‬وهذا كما لو أصاب النسان مجاعة فخشي على نفسه‬
‫إ‬
‫الهلك فوجد شاةا فذبحها وأكل منها‪ ,‬لينقذ نفسه فإنه يضمنها‪.‬‬
‫أمثلة تخرج على هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬لو صال عليه إنسان أو حيوان فدفعه عن نفسه بالقتل إذا لما يندفع إل بذلك فإنه ل‬
‫يضمنه بالتفاق‪.‬‬
‫‪ (2‬لو جاع أو ذبح حيوان ل يملكه لنقاذ نفسه ضمنه‪.‬‬
‫‪ (3‬لو صال عليه حيوان وهو من الصيد البري المأكول فقتله لدفع ضرره لما يضمنه‬
‫بفدية‪ ,‬إوان اضطر لقتله لدفع الجوع مثلا فإنه يضمنه‪.‬‬
‫‪ (4‬لو حلق المحرما رأسه للذى فإنه يضمنه‪,‬لن الذى من غير الشعر‪ ,‬لكن لو خرجت‬
‫من عينه شعرةا فآذته فقلعها فإنه ل يضمن‪ ,‬لن الذى منها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أخرى في القاعدةا‬
‫وهي قول ابن رجب)من أتلف نفسا أو أفسد عبادةا يعود لنفع نفسه فل ضمان عليه‪ ,‬إوان‬
‫كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان(ْ‬
‫أمثلة ذلك‪:‬‬
‫* الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوف ا على نفسيهما فعليهما القضاء فقط بل فدية‪ ,‬إوان‬
‫أفطرتا خوف ا على ولديهما فعليهما الفدية في المشهور عند الصحاب‪.‬‬
‫* ومن ذلك لو أكره على الحلف بيمين لحق نفسه فحلف دفعا للظلما عنه لما تنعقد يمينه‪,‬‬
‫ولو أكره على الحلف لدفع الظلما عن غيره فحلف انعقدت يمينه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أيضا ذكر ابن رجب قاعدةا قريبة من هذه وهي‪:‬‬


‫أذا حصل التلف من فعلين مأذون فيه والخر غير مأذون فيه وجب الضمان كاملا‬
‫على الصحيح‪ ,‬وهذا مثاله إذا زاد الماما سوط ا في الحد فمات المحدود‪ ,‬على خلف‬
‫المشهور وهو ما عليه القاضي وأصحابه أنه يجب كامل الدية ل نصفها‪.‬‬
‫* ومن ذلك لو استأجر سيارةا مثلا لمسافة معلومة فزاد عليها‪ ,‬أو لحمل مقدار معلوما‬
‫فزاد عليه فتلفت السيارةا‪ ,‬فإنه يضمن كامل القيمة‪.‬‬

‫أل تفيد العموما في الجمع والفراد‬

‫‪32‬‬

‫في الجمع والفراد كالعليم‬ ‫وأل تفيـد كـل فـي العمـوما‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫قصد الناظما هنا أن آل إذا دخلت على السما أكسبته العموما وهو ما يعبر عنه النحاةا‬
‫بقولهما "المحلى بأل"‪.‬‬
‫مثلا كلمة إنسان نكرةا لكن لو أدخلت عليها آل وقلنا النسان فالمراد بها كل إنسان‬
‫صنوا‬ ‫صنوا لبانلكح ر‬ ‫كقوله تعالى ‪‬وانلعصلر‪ ,‬لإلل الللذين آمدنوا وعلملدوا ال ل ل ل‬
‫ق كوتككوا ك‬ ‫صالكحات كوتككوا ك‬ ‫ك ك كك‬ ‫ك ك ن‬
‫صنبلر‪ .93‬ف أل هنا أكسبت كلمة إنسان العموما‪ ,‬فهي تفيد العموما في الفراد ككلمة‬ ‫لبال ل‬
‫إنسان‪ ,‬وكذا في الجمع مثل كلمة الخلء كما في قول ال عز وجل‪‬انلكلخللدء كينوكمئلمذ‬
‫ض كعددنو لإلل انلدمتللقيكن‪.94‬‬
‫ضهدنما للكبنع م‬
‫كبنع د‬
‫وبنااء على هذا نقول أن دخول أل على السما سواء كان هذا السما مفرد أو جمع فإن‬
‫هذا من صيغ العموما‪ ,‬وهذا قول أهل العلما وأهل اللغة‪.‬‬

‫‪) 93‬العصر ‪ْ(3-1‬‬


‫‪) 94‬الزخرف‪ْ(67:‬‬

‫‪80‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وقد نص الماما أحمد بن حنبل رحمه ال على هذا في مواضيع كثيرةا من كتبه‪ ,‬ومن‬
‫هذه المسائل والمثلة التي استقاها الماما أحمد والصحاب على أن أل تفيد العموما‬
‫قولهما }الصل في البيع الحل ول يحرم منه نوع إل بدليل{ لماذا؟ لن ال سبحانه‬
‫وتعالى قال‪‬كوأككحلل الللهد انلكبنيكع‪ ,95‬فهي تدل على أن كل بيع حلل لدخول أل على كلمة‬
‫البيع فأكسبتها صيغة العموما ولذلك نص ابن القيما رحمه ال تعالى في أعلما الموقعين‬
‫على أن الصل في البيع هو الحل‪.‬‬
‫أيضا أل تفيد معنى آخر وهو العهد ولذلك يحصل الخلف في أل في بعض الحكاما‬
‫هل هي للعهد أو للعموما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫* قول النبي صلى ال عليه وسلما في الصلةا‪ ‬تحريمها التكبير وتحليلها التسليما‪.96‬‬
‫في قوله التكبير والتسليما‪:‬‬
‫من قال أن أل هنا للعهد وهما الحنابلة قالوا أن التكبير هنا ل يصح إل بكلمة ال أكبر‬
‫المعهودةا‪ ,‬والنصراف من الصلةا باللفظ المعهود "السلما عليكما ورحمة ال"‪.‬‬
‫ومن قال انها للعموما وهما الحنفية قالوا يصح أن تفتح الصلةا بأي لفظ يدل على التعظيما‬
‫"ال اكبر أو ال الكبر أو ال كبير أو ال العظما" كذلك السلما قالوا لو قال "السلما‬
‫عليكما أو سلما عليكما ونحو ذلك"‪.‬‬
‫* من ذلك أيضا قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬فتنزهوا من البول فإن عامة عذاب‬
‫القبر منه‪ ‬أخرجه الدار قطني‪.‬‬
‫من يرى أن أل عهدية قالوا أن المراد بول الدمي خاصة وهو الراجح‪.‬‬
‫ومن يرى أن أل للعموما قالوا المراد بذلك عموما البوال فيجب التنزه عنها‪.‬‬
‫* كذلك أسماء ال عز وجل دخلت عليه أل فأفادتها كل ما يشمله اللفظ من العموما‪,‬‬
‫فإذا قلنا الحي أي الذي له الحياةا كاملة‪ ,‬العلي أي العلو الكامل علو الذات والقهر‬
‫والغلبة‪.‬‬
‫النكرةا في سياق النفي تفيد العموما‬

‫‪) 95‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬


‫‪ 96‬رواه أحمد والترمذي وابن ماجة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪33‬‬

‫تعطي العموما أو سياق النهي‬ ‫والنكـرات فـي سـياق النفي‬

‫من هذه القاعدةا إلى القاعدةا الخامسة والثلثون قواعد أصولية وليست قواعد فقهية‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن النكرةا إذا جاءت بعد النهي دلت على العموما والشمول‪.‬‬
‫مثال النكرةا في سياق النفي‪:‬‬
‫ل إله إل ال‪ ,‬نفت كل إله في السماء والرض وأثبتت إلوهية ال تعالى‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫أحد نكرةا لكن لو قلنا ل أحد قائما ل هنا أفادت العموما فأكسبت النكرةا العموما‪ ,‬فهي تنفي‬
‫أن يكون هناك أحد قائما‪.‬‬
‫ك كننفمس للكننف م‬
‫س كشنيئ ا‪ ,97‬يعما كمل نفس وكل شيء‪.‬‬ ‫ومثل قوله تعالى ‪‬كينوكما ل تكنملل د‬
‫ولذلك اشتق الفقهاء من هذه القاعدةا أحكاما نذكر مثالا واحداا‪:‬‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ل تق أر الحائض والجنب شيئ ا من القرآن‪ ,98‬ل هنا نافية‬
‫أفادت العموما فنفت كل شيء‪ ,‬ولذلك قالوا‪ :‬الحائض والجنب ل يقرآن ول آية واحدةا‪,‬‬
‫لن الية نفت أي شيء‪.‬‬
‫* أما النكرةا في سياق الثبات فهي ل تفيد العموما إل في حالة واحدةا وهي حالة‬
‫المتنان وهي‪ :‬أن يذكر ال تعالى أشياء من قبيل النكرةا ل لبيان الحكاما إوانما في‬
‫موضع المتنان كما في قوله تعالى‪‬لفيلهكما كفالكهكةم‪ ,99‬هنا نكرةا في سياق الثبات تفيد‬
‫العموما‪ ,‬فيعما ذلك ويشمل كل فاكهة من نخيل ورمان وتين‪..‬الخ‪.‬‬

‫‪) 97‬النفطار‪ :‬من الية ‪ْ(19‬‬


‫‪ 98‬رواه أبو داوود والترمذي ‪.‬‬
‫‪) 99‬الرحمن‪ :‬من الية ‪ْ(68‬‬

‫‪82‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ولذلك قال الفقهاء بطهارةا الماء مطلقا لماذا؟ قالوا لن ال عز وجل امتن على عباده‬
‫طهركردكنما بلله‪ ,100‬كلمة ماء نكرةا جاءت في معرض‬
‫بقوله‪‬كوديكنرزدل كعلكنيدكنما لمكن اللسكمالء كمااء للدي ك‬
‫المتنان‪ ,‬فعلما أن الصل فيها عموما كل ماء ولذلك قالوا }الصل في الماء الطهارة{‪.‬‬
‫* كذلك النكرات في سياق النهي تفيد العموما‪:‬‬
‫مثال ذلك قوله تعالى‪‬كفل تكندعد كمكع الللله إلكله ا‪ 101‬نككر كلمة إله لتشمل نفي جميع ما يعبد‬
‫من دون ال‪ ,‬وهذا فيه سد لباب عظيما على المبتدعة الذين يتقربون إلى ال عز وجل‬
‫"زعموا" عن طريق الولياء والضرحة والقبور‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل‪‬كول تكدقولكلن للكشنيمء إلرني كفالعمل كذلل ك‬
‫ك كغدا‪,102‬فـ شيء نكرةا‬
‫سبقت بنهي‪ ,‬فتعما كل شيء‪ ,‬فل يقول النسان لدنى شيء أي سأفعله غدا إل أن يقول‬
‫إن يشاء ال‪.‬‬

‫من وما تفيدان العموما‬

‫‪34‬‬

‫كل العموما يا نأخدي فاسمعا‬


‫ب‬ ‫كـذلك مـن ومـا تفيدانب مًعا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذا البيت أفاد به المؤلف أن من و ما تفيدان العموما المستغرق لكل ما دخل عليه‪.‬‬
‫* كما في قوله تعالى ‪‬ولللله كما لفي اللسكماوالت وكما لفي انلكنر ل‬
‫ض‪ ,103‬فـ من هنا أفادت‬ ‫ك ك‬ ‫ك‬
‫العموما فكل من في السماوات والرض ملك ل عز وجل‪.‬‬

‫‪) 100‬لنفال‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬


‫‪) 101‬الشعراء‪ :‬من الية ‪ْ(213‬‬
‫‪) 102‬الكهف‪ْ(23:‬‬
‫‪) 103‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(131‬‬

‫‪83‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ض لإلل آلتي اللرنحكملن كعنبدا‪ ,104‬فهو‬


‫* ومثله قوله تعالى‪‬لإنن دكدل كمنن لفي اللسكماوالت وانلكنر ل‬
‫ك ك‬
‫عاما أي كل من في السماوات والرض ل يتخلف عن ذلك أحداا‪.‬‬
‫ضعد إللل بللعنللمله‪ , 105‬فهو عاما‪.‬‬ ‫ل ل‬
‫* كذلك ما كما في قوله تعالى‪‬كوكما تكنحمدل منن أدننكثى كول تك ك‬
‫* ومثله قوله تعالى‪‬كوكما كنكهادكنما كعننهد كفاننتكهدوا كواتلقدوا الللهك لإلن الللهك كشلديدد انللعكقالب‪ , 106‬أي كل‬
‫ما آتاكما الرسول فخذوه ل يتخلف عن ذلك شيء في حدود القدرةا والستطاعة‪.‬‬

‫المفرد المضاف يعم جميع المعنى‬

‫‪35‬‬

‫ن‬
‫يضاف‬ ‫فأفهم هديتب الرشأدب ما‬ ‫ومثلــهن المفـرد إذ يضـاف‬
‫ن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫يقصد بذلك أن المفرد إذا أضيف فإنه يفيد العموما سوااء أضيف إلى مفرد كعبد ال‪ ,‬أو‬
‫أضيف إلى جمع كعبيد ال‪ ,‬وسوااء كان هذا الجمع اسما جمع كأن تقول‪ :‬جاءني ركب‬
‫صوكها‪ 107‬فتعما كل‬ ‫المدينة‪ .‬أو اسما جنس كقول ال تعالى‪ ‬إولانن تكعدوا نلعم ك ل ل‬
‫ت الله ل تدنح د‬ ‫نك‬ ‫ك د‬
‫نعمة دينية أو دنيوية‪ ,‬كذلك ألفاظ الجموع إذا أضيفت تفيد العموما كالمسلمين و‬
‫المشركين‪.‬‬
‫والقول بعموما المفرد والجمع إذا أضيفت هو قول جماهير الصوليين وهو مذهب ابن‬
‫عباس‪ ,‬وهو قومل للماما أحمد‪.‬‬
‫‪) 104‬مريما‪ْ(93:‬‬
‫‪) 105‬فاطر‪ :‬من اليآة ‪(11‬‬
‫‪) 106‬الحشر‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪) 107‬ابراهيما‪ :‬من الية ‪ْ(34‬‬

‫‪84‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫والمحكي عند الشافعية والحنفية أنه ل يعما‪ .‬ولذلك من المثلة عند الفقهاء‪:‬‬
‫لو قال زوجتي طالق وعنده أكثر من زوجة‪ .‬عند من قالوا إن المفرد المضاف يعما‪ ,‬قالوا‬
‫يطلقهن جميع ا وعند من قالوا أنه ل يعما قالوا‪ :‬تطلق واحدةا وتعين بالقرعة‪.‬‬
‫فمعرفة مثل هذا يؤدي إلى إذار الئمة في خلفهما في المسائل الفرعية‪ ,‬لن ذلك مبني‬
‫على خلفهما في المسائل الصولية‪.‬‬

‫ل يتم الحكم حتى تجتمع شأروطه وترتفع موانعه‬

‫‪36‬‬

‫كل الشروط والموانع ترتفع‬ ‫ول يتـم الحكم حتى تجتمع‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن الحكاما ل تتما ول تترتب عليها مقتضياتها ول يحكما بمتعلقاتها حتى تجتمع كل‬
‫الشروط وتنتفي جميع الموانع سوااء في المعاملت أو العبادات‪.‬‬
‫فالعبادات شروطها كلها شرعية‪ ,‬أما المعاملت فالشروط فيها على نوعين‪:‬‬
‫‪ْ(1‬شروط شرعية‪ :‬تشترط كشرط العلما بالثمن والمثمن‪.‬‬
‫‪ْ(2‬شروط جعليه أو وضعية‪ :‬وهي من المتعاقدين‪ ,‬فهذه ل بأس بها ما لما يكن الشرط‬
‫ل‪ .‬فالشروط الجعلية أو الوضعية ل تكون إل في المعاملت‪,‬‬
‫يحمل حراما أو يحرما حل ا‬
‫فل تكون في العبادات‪ .‬لكن إذا اشترط الشرط الجعلي في المعاملت فإن ذلك بمنزلة‬
‫الشروط الشرعية التي يجب الوفاء بها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الشرط في اللغة‪ :‬هو العلمة‪ ,‬ومنه قوله تعالى ‪‬فكهكنل كيننظددروكن لإلل اللساكعةك أكنن تكنأتلكيهدنما كبنغتكةا‬
‫فكقكند كجاكء أكنش كارطدكها‪ 108‬أي علماتها‪.‬‬
‫والشرط عند الصوليين‪} :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ,‬ول يلزم من وجوده الوجود{‪.‬‬
‫كالطهارةا للصلةا يلزما من عدما الطهارةا عدما صحة الصلةا لن الطهارةا شرط لصحة‬
‫الصلةا‪ ,‬ولكن ل يلزما من وجود الطهارةا وجود الصلةا‪ ,‬لن النسان قد يتوضأ لمر‬
‫غير الصلةا كأن يتوضأ مثلا لقراءةا القرآن ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأما المانع‪ :‬فهو }ما يلزم من وجوده عدم وجود الحكم{‪ ,‬كالحيض مانع من وجود‬
‫الصلةا‪ ,‬ول يلزما من عدمه وجود لن المرأةا قد ل تكون حائض ا ولكن قد تمتنع من‬
‫ل‪.‬‬
‫الصلةا لوجود سبب آخر كالنفاس مث ا‬
‫فعلما من ذلك أن الحكما ل يتما حتى تتحقق الشروط وتنتفي الموانع‪ ,‬فليكن هذا الصل‬
‫على بالك وحكمه في كل دقيق وجليل‪ ,‬فللدعاء شروط وموانع وللمحبة والرجاء وللتوبة‬
‫ونحو ذلك شروط وموانع نسأل ال العانة على القياما بشروط العمال ودفع موانعها‪.‬‬

‫الجزاء على قدرأ العمل‬

‫‪37‬‬

‫قد استحق ما له على العمل‬ ‫ومـن أتى بأما عليه من عمل‬

‫معنى هذا البيت‪:‬‬


‫هو الذي أراده الفقهاء بقولهما‪} :‬إذا أدى ما عليه وجب ما دجعل له{‪ ,‬والمراد أن النسان‬
‫إذا طلب منه عمل معين‪ ,‬ورتب على هذا العمل ج ازاء معين ا فإنه إذا أتى بهذا العمل‬
‫وجب له ما رتب على هذا العمل‪ ,‬ولذلك نقول عند التمعن والتأمل في كتاب ال وسنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلما نجد أن الثواب المطلق للعمل الصالح صورتان‪:‬‬
‫‪ -1‬ما للعبد في الدنيا‪.‬‬

‫‪) 108‬محمد‪ :‬من الية ‪ْ(18‬‬

‫‪86‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬ما يكون للعبد في الخرةا‪.‬‬


‫فالجزاء قد يدركه النسان في دنياه بما يحصل للنسان من انشراح الصدر وسعة الرزق‬
‫ونحو ذلك‪ ,‬بل ل يقتصر المر على الدنيا فإن الثابة في الدنيا هي عاجل بشرى‬
‫المؤمن إوال فالجر الحقيقي والكسب العظيما هو ما يحصل للنسان في الخرةا‪.‬‬
‫*وأجر الدنيا كما في قوله تعالى‪‬منن علمكل ل ل‬
‫صالح ا منن كذككمر أكنو أدننكثى كودهكو دمنؤلممن كفلكدننحيلكيلنهد‬ ‫ك‬ ‫ك ك‬
‫طريكبةا‪.109‬‬
‫كحكياةاا ك‬
‫طمئلدن دقدلوبهما بللذنكلر الللله كأل بللذنكلر الللله تك ن ل‬ ‫لل‬
‫ب ‪.110‬‬ ‫طكمئدن انلدقلو د‬ ‫د دن‬ ‫*وقوله تعالى‪‬الذيكن آكمدنوا كوتك ن ك‬
‫ك لكهددما انلكنمدن كودهنما دمنهتكددوكن‪. 111‬‬ ‫* وقوله تعالى‪‬الللذيكن آكمدنوا كولكنما كينلبلدسوا لإيكماكنهدنما بلظدنلمما دأولكئل ك‬
‫وكما أن ال تعالى وعد بالمثوبة لمن أتى بالعمل الصالح كذلك رتب ال تعالى على‬
‫ض كعنن‬ ‫العمل المحرما عقوبة في الدنيا وعقوبة في الخرةا كما في قوله تعالى‪‬كوكمنن أكنعكر ك‬
‫ضننك ا كوكننحدشدرهد كينوكما انللقكياكملة أكنعكمى‪.112‬‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ذنكلري فكلإلن لكهد كمعيكشةا ك‬
‫طادن لمكن‬‫وقوله تعالى‪‬الللذيكن كينأدكدلوكن الرربا ل كيدقودموكن لإلل كككما كيدقودما الللذي كيتككخلبطدهد اللشني ك‬
‫انلكمرس‪113‬‬
‫صلتللهنما كسادهوكن‪ . 114‬هذا ما يتعلق بباب‬ ‫لل‬
‫صليكن*الذيكن دهنما كعنن ك‬
‫وقوله تعالى‪‬فكونيمل للنلم ر‬
‫د ك‬ ‫ك‬
‫العبادات‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمعاملت‪ :‬فإن النسان إذا عقد عقدا على عممل من العمال‪ ,‬فإذا‬
‫وقي بما تعاقدا عليه فإنه يكون مستحقا لما ينبني عليه من آثار هذا العقد‪ .‬فالجير مثلا‬
‫ف بما‬
‫ق العوض الذي اتفقا عليه‪ ,‬إوان لما يو ك‬
‫إذا استؤجر لعمل معين‪ ,‬إن أثما عمله استح ك‬
‫تعاقدا عليه فإنه ل يستحق شيئاا‪.‬‬

‫الحكم يدور مع علته وجودا وعدما‬


‫‪) 109‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(97‬‬
‫‪) 110‬الرعد‪ْ(28:‬‬
‫‪) 111‬النعاما‪ْ(82:‬‬
‫‪) 112‬طـه‪ْ(124:‬‬
‫‪) 113‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬
‫‪) 114‬الماعون‪ْ(4:‬‬

‫‪87‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪38‬‬
‫وهيَ التي قد أوجَبإت لشرعيته‬ ‫دائر مع علتـه‬
‫حكم ٌ‬‫وكلُ ٍ‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذا البيت عقده المؤلف لما يطلق عليه الصوليين }الحكم يدور مع علته وجودال‬
‫وعدملا{‪.‬‬
‫وهذه قاعدةا أصولية وليست بقاعدةا فقهية‪.‬‬
‫تعريف العلة في اللغة‪ :‬اسما لما يتغير الشيء بحصوله‪ .‬أخذا من العلة التي هي‬
‫المرض‪ ,‬والمرض إذا ط أر على النسان غير عليه صحته وأثر عليه‪ ,‬كذلك العلة‬
‫بالحكاما إذا طرأت على الحكما غيرته‪ .‬ولذلك سميت العلة علة لنها مؤثرةا‪ ,‬ولذلك‬
‫عرفها بعضهما بـ الوصف المؤثر لكونها مؤثرةا‪ ,‬فالعلة إذا وجدت في الحكما غيرته‪,‬‬
‫ولذلك قد تنقل الحكما من الحل إلى الحرمة أو العكس أو من الوجوب إلى الباحة أو‬
‫العكس‪.‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬قال الصوليين معناها هي الوصف الذي من أجله شرع الحكما‪.‬‬
‫ومعنى قوله دائر أي يدور والدوران عند علماء الصول }أن يترتب الحكم على الوصف‬
‫أو العلة من حيث الوجود أو العدم{ ومعناه إذا وجدت العلة وجد الحكما‪ ,‬إواذا عدمت‬
‫العلة عدما الحكما‪ ,‬ولذلك من شرط العلة عند الفقهاء أن تكون منضبطة إوانما تسمى علة‬
‫مضطربة كذلك‪ .‬كذلك لو عدمت العلة ثما وجد الحكما فإنها تكون علة لغيه لن العلة‬
‫ذات القيمة المؤثرةا هي التي تؤثر في الحكاما سلب ا أو إيجاباا‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬العصير الصل فيه الحل‪ ,‬لكن إذا اشتد وقذف بالزبد وتخمر حدرما‪ ,‬لما‬
‫عدمت علة السكار دعدما الحكما وهو التحريما‪ ,‬وفي الصورةا الثانية وجدت العلة وهي‬
‫السكار فوجد الحكما وهو التحريما‪ .‬على هذا فالسكار علة صحيحة‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعليل قصر الصلةا للمسافر بالمشقة‪ ,‬التعليل بالمشقة علة مضطربة لن‬
‫لكن مث ا‬
‫هذه العلة قد توجد في السفر وقد تتخلف فعلى هذا ل يصح أن تكون علة الرخص‬

‫‪88‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫السفر لنها مضطربة‪ ,‬ولذلك اشترط الصوليون في العلة أن تكون عامة لجميع‬
‫المكلفين وأن تكون منضبطة كما تقدما‪.‬‬
‫الفرق بين الحكمة والعلة ويظهر ذلك في فريقين‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن العلة يجب أن تكون ظاهرةا ومدركة‪ .‬ظاهرةا فل تكون خفية‪ ,‬لن العلة إن كانت‬
‫خفية فإنه ل يصح التعليل بها‪ ,‬فالعلة بدل الدليل فلبد أن تكون ظاهرةا‪ .‬أما الحكمة فقد‬
‫تكون خفية فأوامر ال تعالى فيها من الحكما ما ديستظهر من خللها عظمة هذه الشريعة‬
‫وحسنها وجمالها للمكلف‪ ,‬وهذه الحكما قد تظهر للناس كلهما وقد تظهر للبعض دون‬
‫البعض الخر‪ ,‬وقد يدرك أهل العلما بعض ا منها ويدرك عالما آخر نوع ا آخر وقد تظهر‬
‫لعصر دون عصر‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬ومن ذلك أن العلة للدحكما علة واحدةا كعلة الخمر واحدةا وهي السكار‪.‬‬
‫أما اللحكما فهي متعددةا يظهر منها لعالما ما ل يظهر لخر وذلك كمحكما فريضة الزكاةا‬
‫منها مثلا مواساةا الفقراء وسد حاجتهما‪ ,‬وكذلك تخليص الناس من البخل والشح ونحو‬
‫ذلك من الحكما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هناك بعض اللفاظ إذا جاءت في الكتاب والسنة دلت على أن ما بعدها علة‪.‬‬
‫‪ -‬من ذلك لفظة كي كما في قوله تعالى‪‬ككني تكقكلر كعنيدنكها كول تكنحكزكن‪.115‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك النون المشددةا المكسورةا هذه تفيد التعليل كما في قول النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكما والطوافات‪. 116‬‬
‫ك للكيلدلبدروا‬
‫ك دمكباكر م‬ ‫‪ -‬كذلك اللما أي لما التعليل كما في قوله تعالى‪‬لككتا م‬
‫ب أكننكزنلكناهد لإلكني ك‬
‫آكياتلله‪. 117‬‬
‫طريكبامت أدلحلل ن‬
‫ت‬ ‫‪ -‬ومن ذلك الباء كما في قوله تعالى‪‬فكبلظدنلمما لمكن الللذيكن كهاددوا كحلرنمكنا كعلكنيلهنما ك‬
‫لكهدنما‪.118‬‬
‫وغير ذلك من اللفاظ التي إذا جاءت في الكتاب أو السنة دلت على التعليل‪.‬‬

‫‪) 115‬القصص‪ :‬من الية ‪ْ(13‬‬


‫‪ 116‬أخرجه الربعة وصححه الترمذي وغيره‪.‬‬
‫ص‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫) ي‬
‫‪117‬‬

‫‪) 118‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(160‬‬

‫‪89‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الصل في الشروط اللزوما والصحة إل ما حلل حراما أو حرما حلل‬

‫‪39‬‬

‫في البإيدع والنكادح والمقاصأدد‬ ‫وكل شــرٍط لزام للعاقـدد‬


‫‪40‬‬

‫أو عكسه فبإاطلٌت فاعلما‬ ‫إل شروطا حللت محرما‬

‫معنى البيت‪:‬‬
‫هذان البيتان عقدهما الناظما لمسألة الشروط الصحيحة والشروط الباطلة‪ .‬لن الشروط‬
‫تنقسما إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬شروط صحيحة‪ :‬هي كل شرط اشترطه المتعاقدان لهما أو لحدهما فيه مصلحة‬
‫وليس فيه محذور من الشارع ويدخل في هذا جميع الشروط في البيع والجارةا والجعالة‬
‫والرهون والضمانات والنكاح ونحو ذلك‪ ,‬وهذا الشرط هو الذي أراده الفقهاء حينما قعدوا‬
‫وقالوا }المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط{‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬لو قال رجل لزوجته إن خرجت من المنزل فأنت طالق وهو يريد طلقها فإنها‬
‫تطلق بمجرد خروجها‪ ,‬لن الطلق دعلق على شرط الخروج أما إذا أراد منعها فل يقع‬
‫الطلق ولكنه كفارةا يمين‪.‬‬
‫‪ .2‬شروط باطلة‪ :‬وهي التي تضمنت إما تحليل حراما أو تحريما حلل‪ ,‬ويدخل في ذلك‬
‫جميع الشروط الباطلة في البيع والجارةا والرهن والوقف ونحو ذلك‪ ,‬وهذا ما يسميه‬
‫الفقهاء بالشرط الفاسد وهذا الذي عناه الفقهاء‪ ,‬المؤلف رحمه ال تعالى بقوله }إل‬
‫ل‪.‬‬
‫شروطال حللت محرما أو عكسه فباطلت فأعلما{ عكسه أي حرمت حل ا‬
‫والدليل على ذلك‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫* قول الرسول صلى ال عليه وآله وسلما‪‬المسلمون على شروطهما إل شرطا لجل‬
‫ل{‪.119‬‬
‫حرام ا أو حرما حل ا‬
‫* وقوله صلى ال عليه وسلما‪‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل‪.120‬‬
‫وليس المراد من قوله‪‬في كتاب ال‪ ‬أي ليس منصوصا عليه كما ديفهما إوانما المراد ليس‬
‫في شريعة ال سواء في الكتاب أو السنة‪ ,‬أي أنه مخالف لشرع ال كما لو قال أزوجك‬
‫ابنتي على أل تمسها‪ ,‬أو أبيعك المنزل بشرط أل تنتفع بأي نوع من النتفاع ل سكن ول‬
‫إجازةا ول تهبه ول تبيعه ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل الشرط الباطل يبطل العقد أو ل؟‬
‫نقول المسألة ل تخلو من حالتين‪:‬‬
‫‪ /1‬إذا كان شرط البائع أو المشتري أو أحدهما يعطل ركن ا من أركان العقد فإنه يبطل‬
‫العقد بالكلية‪ ,‬كما لو اشترط عليه أن يبيعه مجهولا ديعلما‪.‬‬
‫‪ /2‬إذا كان الشرط ل يبطل العقد صح العقد وبطل الشرط كما لو قال‪ :‬أزوجك ابنتي‬
‫على إل تسافر بها‪ .‬صح العقد لن السفر ليس من ماهية عقد النكاح‪ ,‬وليس من أركانه‬
‫ويبطل الشرط لنه ل معنى لقوامته عليها إل بالذهاب بها‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫من إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫أ‪ .‬قولهما }يلزما مراعاةا الشرط بقدر المكان{ أي أنه يجب على المتقاعدين أن يحرصا‬
‫على الوفاء بالشرط بقدر الستطاعة لكن إن زاد عن الستطاعة وعن إمكان الوفاء فإنه‬
‫ل يجب الوفاء به‪.‬‬
‫ب‪} .‬الشك في الشرط مانع من ترتيب المشروط عليه{ والمعنى إذا تنازع أمران بشرط‬
‫شرعي وشرط وضعي ول يمكن إعمالهما جميعا لكون الشرط الوضعي مخالف للشرط‬
‫الشرعي‪ ,‬فهنا يقدما الشرط الشرعي ول شك‪ .‬أما إذا لما يكن الشرط الوضعي مخالف‬
‫للشرط الشرعي فأنه يجب إعمالهما معاا‪.‬‬

‫‪ 119‬رواه الترمذي وصححه وكذلك صححه ابن حبان‪.‬‬


‫‪ 120‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تستعمل القرعة عند المبهم من الحقوق‬

‫‪41‬‬

‫من الحقوق أو لدى التزاحم‬ ‫تستعمل القرعة عند المبهم‬

‫ومعنى ذلك‪:‬‬
‫أن القرعة تستعمل في تمييز المستحق إذا ثبت الستحقاق ابتداء لمبهما غير معين عند‬
‫تساوي أهل الستحقاق‪ ,‬ويستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس المر عند‬
‫اشتباهه والعجز على الطلع عليه‪.‬‬
‫المراد بالدقرعة‪ :‬بضما القاف السهاما ليخرج المبهما‪ .‬ومنه قوله تعالى في قصة يونس‬
‫‪‬فكساكهما فكككان لمن انلمندح ل‬
‫ضيكن‪ ,121‬أقرع فكان مهزوماا‪ .‬والقرعة تجري في الحكاما عند‬ ‫ك ك ك ك د ك‬
‫التساوي في الحقوق ول يمكن قسمة الحق بين المستحقين‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬من ذلك قول ال تعالى‪‬فكساكهما فكككان لمن انلمندح ل‬
‫ضيكن‪.122‬‬ ‫ك ك ك ك د ك‬
‫ت لككدنيلهنما إلنذ دينلدقوكن أكنقلكمهدنما أكديهدنما كينكدفدل كمنركيكما ‪ , 123‬يقترعون في‬
‫‪ /2‬وقوله تعالى‪ ‬كوكما دكنن ك‬
‫القلما أيهما يكفلها لتساويهما في هذا الحق‪.‬‬
‫‪ /3‬أيض ا كأن النبي صلى ال عليه وسلما‪‬إذا أراد سف ار أقرع بين نسائه‪ ,124‬أيهن تخرج‬
‫معه لتساويهن في ذلك فأي واحدةا منهن خرجت لها القرعة سافر بها‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫لها أمثلة كثيرةا‪ ,‬ولذا قال ابن رجب رحمه ال عند الذكر هذه القاعدةا‪ ,‬ونحن نذكر ها هنا‬
‫مسائل القرعة المذكورةا في المذهب من أول الفقه إلى آخره بحسب المكان‪.‬‬
‫فمن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪) 121‬الصافات‪ْ(141:‬‬
‫‪) 122‬الصافات‪ْ(141:‬‬
‫‪) 123‬آل عمران‪ :‬من الية ‪ْ(44‬‬
‫‪ 124‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪.1‬إذا تشاحوا في الذان مع تساويهما فأنه يقرع بينهما‪.‬‬


‫‪.2‬إذا استوى اثنان في الصفات المرجح بها في المامة من كل وجه وتشاحا أقرع بينهما‬
‫كما في الذان‪.‬‬
‫‪.3‬إذا دعاه اثنان إلى وليمة عرس واستويا في الصفات المرجحة أقرع بينهما‪.‬‬
‫‪.4‬إذا أراد السفر بإحدى زوجاته أو البداءةا بها لما يجز بدون قرعة إل أن ترضى البواقي‬
‫بذلك‪ ,‬ونحو هذه المثلة‪.‬‬

‫إن تساوى العملن اجتمعا وفعل أحدهما‬

‫‪42‬‬

‫وفعــل إحداهمـا فاسـتمعا‬ ‫وإن تساوى العملن اجتمعا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫المراد بهذا البيت هو أنه إذا اجتمع عملن من جنس واحد وكانت أفعالهما متفقة‬
‫بالصورةا فإن أحدهما ديغني عن الخر‪ .‬وهذا سبق معنا في مسألة التشريك في النية‪.‬وقد‬
‫سبق أنه يجوز التشريك إذا اتفقا في الحكما والوصف إذا كانا من جنس واحد‪ ,‬في الحكما‬
‫كلهما نافلة مثلا في الوصف أي في الفعال وذلك يكون في مسائل منها‪:‬‬
‫* إذا دخل المسجد وصلى الراتبة وتحية المسجد ركعتين نواهما بها معا أجزت عنهما‬
‫معا‪.‬‬
‫* كذلك سنة الوضوء إذا نوى بها الراتبة‪.‬‬
‫* وكذلك المعتمر إذا طاف طواف العمرةا أج أز عن طواف القدوما‪ ,‬والقارن يكفيه لحجته‬
‫وعمرته طواف واحد وسعي واحد‪.‬‬

‫المشغول ل يشغل‬

‫‪93‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪43‬‬

‫مثاله المرهون والمسبل‬ ‫وكـل مشـغول فل يشـغل‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫المراد بالبيت ما عناه الفقهاء بقولهما }المشغول ل ديشغل{ ومعنى ذلك أن الشيء إذا‬
‫اشتغل بشيء لما ديشغل بغيره حتى يفرغ من هذا المشغول به‪ .‬وهذه القاعدةا سهلة‬
‫وبسيطة‪ ,‬لنه ليس لها تقاسيما باعتبار أنها واضحة ومتفق عليها وليس فيها أنواع‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪.1‬الرهن ل يباع ول يوهب ول يرهن حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن‪.‬‬
‫‪.2‬العين الموقوفة ل تباع ول توهب ول ترهن لنشغالها بالوقف‪.‬‬
‫‪.3‬كذلك الجير الخاص‪ ,‬وهو من استؤجر زمنا كيوما وساعة ونحوه لعمل ‪ ,‬فل يشغل‬
‫في هذه المدةا لغير من استأجره‪ ,‬لن زمانه مستحق للمؤجر "مشغول به"‪.‬‬
‫‪.4‬ومن ذلك الدار المؤجرةا ل تؤجر حتى تفرغ المدةا بل كل مشغول بحق‪ ,‬ل يشغل‬
‫بآخر حتى يفرغ الحق عنه‪.‬‬

‫من أدى عن غيره واجبا له الرجوع عليه‬

‫‪44‬‬

‫له الرجوع إن نوى يطالبا‬ ‫ومـن يـؤد عن أخيه واجبا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا معقودةا لمن يؤدي عن غيره واجبا من الواجبات مما تصح النيابة فيه‪ ,‬أما‬
‫ل‪.‬‬
‫الذي ل تصح النيابة فيه كالصلةا مثلا فهذه ل تدخل في هذه القاعدةا أص ا‬
‫وأما ما تصح النيابة فيه فهذا ل يخلو من أمرين‪:‬‬
‫‪/1‬ما يشترك له النية كالزكوات والكفارات ونحوها‪ ,‬فهذه ليس له أن يؤدي عن غيره إل‬
‫بإذنه‪ ,‬لن هذا الداء ل يبرئ عنه لحتياجه لنيته ولو أداها عنه بل أذنه فإنه ل يحق‬
‫له الرجوع إليه‪.‬‬
‫‪/2‬ما ل يشترط له النية‪ ,‬فهذا القسما من أدى عن غيره دينا واجبا عليه ونوى الرجوع‬
‫عليه فإنه يرجع عليه ويلزما الدمؤدى عنه ما أداه عنه‪ ,‬ويدخل تحت هذا جميع ديون‬
‫الدميين من القرض‪ ,‬والسلما‪ ,‬وأثمان السلع‪ ,‬والنفقات‪ ,‬والنفقات الواجبة للزوجات‬
‫والمماليك والقارب والبهائما ونحو ذلك‪ ,‬فهذا إن نوى الرجوع رجع إوان رجع لما ينو‬
‫الرجوع حال الداء فإنه ل يحق له الرجوع وأجره على اله تعالى‪ ,‬ول يرجع على من أدى‬
‫عنه‪.‬‬

‫الوازاعات طبإيعية وشرعية‬

‫‪45‬‬

‫كـالوازاع الشرعي بإل نكرادن‬ ‫د‬


‫العصأيان‬ ‫والوازاعُ الطبإعي عن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن ال عز وجا حرما على عباده محرمات ومنعهما إياها رحمة بهما‪ ,‬وذلك لما تشتمل‬
‫عليه من المضار والمفاسد في الدنيا والخرةا‪ ,‬وهذه المحرمات بين الناظما رحمه ال‬
‫تعالى‪ ,‬أن الوازع الذي يمنع النسان من ارتكاب المعصية ل يخلو من أمرين‪:‬‬
‫‪.1‬وازع طبيعي‪ ,‬ومعنى ذلك أن طبيعة النسان وتكوينه وجبلته تنفر من فعل ذلك‪ ,‬وهذا‬
‫في كل النجاسات فهو لو لما يألت وأزعم من الشرع يمنع ذلك لكانت الطباع السليمة تنفر‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪.2‬وازع شرعي‪ :‬ومعنى ذلك أن تكون النفوس مجبولة على محبة ذلك وتشتهي ذلك‪,‬‬
‫ولكن الشارع حرما ذلك ومنع منه‪ ,‬فتركه النسان للوازع الشرعي‪ ,‬فالنفوس مثلا مجبولة‬
‫على حب المال ولكن الشارع حر أشياء يتوصل عن طريقها إلى كسب المال كالسرقة‬
‫والربا ونحو ذلك‪ ,‬وكذا الزنا‪ .‬فهذه الشياء ونحوها الوازع فيها وازع شرعي‪.‬‬
‫ولذلك الذي تميل إليه النفوس وتشتهيه دجعل له عقوبات قاسية لتلك الجناية خفة وثقلا‬
‫ل‪ ,‬وأما المحرمات التي تنفر منها النفوس فلما ديرتب عليها حدا اكتفاء بوازع الطبع‬
‫ومح ا‬
‫ونفرته عنها‪ ,‬وذلك كما تقدما في كأكل النجاسات‪ ,‬فهذه لما يرتب عليها عقوبة بل يعزر‬
‫كسائر المعاصي التي لما يرتب عليها عقوبة‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫‪46‬‬

‫فـي البدءب والختاماب والدواماب‬ ‫التماما‪..‬‬


‫ب‬ ‫والحـمدن للـه علـى‬

‫أفاد الناظما رحمه ال تعالى‪ :‬أنه ل يحمد ال في الول وآخر فقط ‪ ,‬فهو حمد ال في‬
‫الول فقال في أول هذه المنظومة "الحمد ل العلي الرفق" وحمد في الخر فقال‬
‫"والختاما" إوانما هو يحمد ال على كل حال ولذلك قال "والدواما" وهذا هو شأن الشاكر ل‬
‫تعالى المثني عليه‪ ,‬فهو دائما التعلق بال عز وجل‪ ,‬لن استدامة الحمد من أسباب‬
‫الزيادةا لفضل ال وكرمه‪.‬‬
‫ب في كل نعمة‪ ,‬فكيف وال تعالى ملن على عبده بطلب العلما‬
‫والحمد في باب النعما واج م‬
‫فهي أعظما النعما‪ ,‬لما يترتب على طلب العلما من مصالح دنيوية وأخروية‪ .‬والحمد كيعظما‬
‫حينما تكون النعمة نعمة العلما لنها من أعظما النعما وأشرفها‪ ,‬وما نال النسان نعمة بعد‬
‫اليمان بأفضل منها‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫فـي البدءب والختاماب والدواماب‬ ‫ب‬


‫التماما‬ ‫والحـمدن للـه علـى‬

‫‪96‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ختما الناظما رحمه ال تعالى هذه المنظومة بالصلةا والسلما على نبي الهدى والرحمة‬
‫صلى ال عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ,‬ووصف هذا الحمد بأنه شائع أي ذائع‬
‫الصيت مذكور في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ثما ثنى بذلك على الصحب‪ ,‬والتابعين لسنة النبي صلى ال عليه وسلما في كل زمان‬
‫ومكان منذ بعثته عليه الصلةا والسلما إلى قياما الساعة نسأل ال تعالى أن نكون منهما‪.‬‬
‫فالحمد ل الذي بنعمته تتما الصالحات‪.‬‬
‫‪‬ونحمد ال ثانيا على النتهاء من شرح هذه المنظومة سائلا المولى عزوجل أن ينفع‬
‫بها وأن يكتب لها القبول وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريما إوال يجعل للناس منها شيئاا‪.‬‬
‫وال تعالى أعلما وصلى ال وسلما على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪.‬‬

‫‪97‬‬

You might also like