Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 97

‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪‬بسم ال الرحمن الرحيم‪‬‬

‫‪ ‬الحمد ل وحده والصلةا والسلما على من ل نبي بعده أما بعد‪:‬‬


‫لقد يسر ال تعالى شرح منظومة القواعد الفقهية للشيخ السعدي رحمه ال تعالى في‬
‫الدورةا العلمية المقامة في الفترةا ما بين ‪ 10/5-28/4‬هـ في جامع الحبيب في الموطأ‬
‫في مدينة بريدةا تزامن مع ذلك إقامة دورةا أخرى في نفس المنظومة لمجموعة من‬
‫طالبات العلما في القسما النسائي في مركز توعية الجاليات في مدينة بريدةا‪ ,‬ولرغبة كثير‬
‫من الخوةا والخوات طباعتها قامت بعض طالبات العلما بإخراجها بعد طباعتها‪.‬‬
‫أسأل ال أن ينفع بها وأن يجزي خي ار من أعان على نشرها‪.‬‬
‫وال تعالى أعلما‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫خالد بن إبراهيم الصقعبي‬

‫‪1‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫منظومة‬

‫القواعد الفقهية‬
‫للشيخ العلماة عبدالرحمن بن ناصر بن عبدا‬
‫ابن ناصر السعدي‬
‫))رحمه ا ((‬
‫) ‪ 1376 – 1307‬هـ (‬

‫وجامـلع الشيـالء والمفـرر ل‬


‫ق‬ ‫ل العلـي الرف ـ ل‬
‫ق‬ ‫‪ .1‬الحمدد ل‬
‫ي‬
‫والحككـلما البـاهـرلةا الكثـيـرةا‬ ‫‪ .2‬ذي الينعـلما الواسعـلة الغزيـرةا‬
‫على الرسولل القدكرلشـي الخاتلـلما‬ ‫‪ .3‬ثما الصلةاد مـع سـلمما دائـلما‬
‫ب الفـخالر‬‫الب ارلرالحائـزي مرات ك‬ ‫‪ .4‬و آلـله وصحبـله الب ـ ارلر‬
‫ك عنـك والـيدرنن‬ ‫علمما ديزيل الش ك‬ ‫ت كأن أفضـل اللمكننن‬ ‫اعلما دهدي ك‬ ‫‪.5‬‬
‫صـدل الكعنبـكد إلـى المطلـولب‬ ‫ويو ل‬ ‫ق لـذي القلـوب‬ ‫ف الح ك‬ ‫كويكش د‬ ‫‪.6‬‬
‫كد‬
‫جامعلة المسـائلل الـشـوارلد‬ ‫ص على فهمك للقواعـلد‬ ‫فاحر ن‬ ‫‪.7‬‬
‫وتقتفي سبـل الـذي قـد وفقـا‬ ‫فترتقي في العلما خيـرمرتقـى‬ ‫‪.8‬‬
‫من كتب أهل العلما قـد حصلتهـا‬ ‫‪ .9‬هــذه قـواعـد نظمتـهـا‬
‫والعفـو مـع غفـ ارنـه والـبـر‬ ‫‪ .10‬جزاهما المولى عظيـما الجـر‬
‫بهـا الصـلح والفسـاد للعمـل‬ ‫‪ .11‬النية شـرطم لسائـر العمـل‬
‫فـي جلبهـا والـدرء للقبـائـح‬ ‫‪ .12‬الدين مبنـيى علـى المصالـح‬
‫يقـدما العلـى مـن المصـالـح‬ ‫‪ .13‬فإن ت ازحـما عـدد المصالـح‬
‫يرتكـب الدنـى مـن المفاسـد‬ ‫‪ .14‬وضـيده ت ازحـما المفـاسـد‬
‫فـي كـل أمـر نابـه تعسـيـر‬ ‫‪ .15‬ومن قواعد الشريعة التيسيـر‬
‫ول محرما مع اضـطـرار‬ ‫‪ .16‬وليس واجـب بـل اقتـدار‬
‫بقـدر مـا تحتاجـه الـضـرورنةا‬ ‫‪ .17‬وكل محظور مـع الضـرورنةا‬
‫فـل يزيـل الـشـك لليقـيـن‬ ‫‪ .18‬وترجـع الحكـاما لليقيـن‬

‫‪2‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫والرض والثياب والحـجـارةا‬ ‫‪ .19‬والصل فى مياهنـا الطهـارةا‬


‫والنفـس والمـوال للمعـصـوما‬ ‫‪ .20‬والصل في النبضاع واللحـوما‬
‫فافـهـما هــداك ال مايـمـدل‬ ‫‪ .21‬تحريمها حتـى يجـىء اللحـدل‬
‫حتـى يجـيء صـارف الباحـة‬ ‫‪ .22‬والصل في عادتنـا الباحـة‬
‫غيدر الذي فـي شرعنـا مذكـونر‬ ‫‪ .23‬وليس مشروع ا مـن المـونر‬
‫واحكـما بهـذا الحكـما للزوائـد‬ ‫‪ .24‬وسائـل المـور كالمقاصـد‬
‫أسقطـه معبـودنـا الرحـمـان‬ ‫‪ .25‬والخطأ والكـراه والنسيـان‬
‫وينتفـي التأثيـما عنـه والزلـل‬ ‫‪ .26‬لكن مع التلف يثبت البدل‬
‫يثبـت ل إذا استـقـل فـوقـع‬ ‫‪ .27‬ومن مسائل الحكاما في التبـع‬
‫يثبـت ل إذا استـقـل فـوقـع‬ ‫‪ .28‬والدعرف معمول بـه إذا ورند‬
‫قد باء بالخسـران مـع حرمانـه‬ ‫‪ .29‬معاجل المحظـور قبـل آنـه‬
‫أو شرطه ‪ ،‬فـذو فسـاد وخلـل‬ ‫‪ .30‬إوان أتى التحريما في نفس العمل‬
‫بعد الدفاع بالتـي هـي أحسـدن‬ ‫‪ .31‬ومتلف مؤذيه ليـس يضمـدن‬
‫تعطي العمـوما ‪ ،‬أوسيـاق النهـى‬ ‫‪ .32‬والنكرات في سيـاق النفـي‬
‫فـي الجمـع والفـراد كالعليـما‬ ‫‪ .33‬وأل تفيـد الكل فـى العمـوما‬
‫كل العمـوما يـا أخـي فاسمعـا‬ ‫‪ .34‬كذاك )منن(ْ و)ما(ْ تفيدان معا‬
‫فافهما هديت الرشد مـا يضـاف‬ ‫‪ .35‬ومثلـه المفـرد إذ يضـاف‬
‫كـل الشـروط والموانـع ترتفـع‬ ‫‪ .36‬وليتما الحكما حتـى تجتمـع‬
‫قد استحـق مالـه علـى العمـل‬ ‫‪ .37‬ومن أتى مما عليه مـن عمـل‬
‫وهي التي قـد أوجبـت لشرعتـه‬ ‫‪ .38‬وكل حكما دائمر مـع عليتلـه‬
‫فـي البيـع والنكـاح والمقاصـد‬ ‫‪ .39‬وكل شــرط لزما للعاقـد‬
‫أو عكسـه فباطـلت فاعلـمـا‬ ‫‪ .40‬إل شروط ا حللـت محرمـا‬
‫من الحقـوق أو لـدى الت ازحـما‬ ‫‪ .41‬تستعمل القرعة عند المبهـما‬
‫وفـعـل إحداهـمـا فاستمـعـا‬ ‫‪ .42‬إوان تساوى العملن اجتمعـا‬
‫مثـالـه المـرهـون والدمسـيبـدل‬ ‫‪ .43‬وكل مشغـومل فـل يشغـل‬
‫له الرجـوع ‪ :‬إن نـوى يطالبـا‬ ‫‪ .44‬ومن يؤد عن أخيـه واجبـا‬

‫‪3‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫كالوازع الشرعـي بـل نكـران‬ ‫‪ .45‬والوازع الطبعي عن العصيـان‬


‫فـي البـدء والختـاما والــدواما‬ ‫‪ .46‬والحمـد ل علـى التـمـاما‬
‫علـى النبـي وصحبـه والتـابـع‬ ‫‪ .47‬ثما الصلةا مع سـلما شائـع‬

‫‪1‬‬
‫الحمد ل القائل‪‬كينرفكلع الللهد الللذيكن آكمدنوا لمنندكنما كوالللذيكن دأوتدوا انللعنلكما كدكركجامت‪‬‬
‫والصلةا والسلما على إماما العلماء دموكرثَ الفقهاء القائل‪‬من يرد ال به خي ار ديفقه في‬
‫الدين‪.2‬‬
‫وعلى أله وصحبه الدعاةا العاملين والعاللمين الدمبللغين وسلما تسليما كثي ارا‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن علما القواعد الفقهية من أعظما علوما الشريعة وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي‬
‫والحاكما‪ ,‬وبه تتدرب مدارك طلب العلما ويفتح لهما بها آفاق المسائل وتشعبات الفروع‪,‬‬

‫‪) 1‬المجادلة‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬


‫‪ 2‬الراوي‪ :‬عبدال بن عباس ‪ -‬خلصة الدرجة‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ‪ -‬المحدثَ‪ :‬الوادعي ‪ -‬المصدر‪:‬‬
‫الصحيح المسند ‪ -‬الصفحة أو الرقما ‪618‬‬

‫‪4‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وهو الرض الصلبة التي ينطلقوا منها للستنباط والنظر والستدلل مع توقمد في ملكة‬
‫الفهما والستعاب لدراك معاني النصوص وفقهها‪ ,‬وكل هذا يتأتى إليهما وزيادةا عليه‬
‫بإتقان قواعد هذا العلما حفظ ا وفهماا‪ ,‬والتوسع في دراستها ومدارستها‪.‬‬
‫وسعيا لتحقيق ما دذكر لطلب العلما وطالباته في هذه المنطقة قاما فضيلة الشيخ خالد‬
‫الصقعبي وفقه ال تعالى بشرح(ْمنظومة القواعد الفقهية(ْ‪ ,‬وقد أذن مشكو ار بإخراج ما‬
‫تفضل بشرحه "وهي هذه المذكرةا التي بين أيدينا" بعد مراجعتها وتنقيحها‪.‬‬
‫نسأل ال تعالى أن يجزل لشيخنا المثوبة ويبارك في علمه وعمله‪.‬‬
‫وأن يفقهنا في دينه وأن يرزقنا الخلص والعمل‪ ,‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ,‬وآخر‬
‫دعوانا أن ل الحمد ل رب العالمين والصلةا والسلما على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلما‪.‬‬

‫القواعد في اللغة‪ :‬جمع قاعدةا‪ ,‬ومعنى القاعدةا أصل الس‪ ,‬وأساس البناء والقواعد‬
‫الساس‪ ,‬وقواعد البيت أساسه ومنه قوله تعالى‪ ‬ك إولانذ كينرفكعد إلنب كارلهيدما انلقككوالعكد لمكن انلكبنيلت‬
‫ك إولانسكمالعيدل كرلبكنا تكقكلبنل لملنا‪ 3‬وقوله تعالى‪‬فكأككتى الللهد دبننكياكنهدنما لمكن انلقككوالعلد‪.4‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬حكما أغلبي ينطبق على معظما جزيئاته لتعرف أحكامها منه‪.‬‬
‫حكما‪ :‬الحكما هو إضافة شيء إلى شيء أو نفيه كقولك)الرجل قائما(ْ هذا حكمه)الربا‬
‫حراما(ْ أضفت الحرمة إلى الربا فهذا حكمه‪.‬‬
‫أغلبي‪ :‬والمراد بالغلبي أي أنه ل ينطبق على معظما جزيئاته‪ ,‬إوانما المراد أنه يأتي‬
‫على أكثر فروعه‪.‬‬
‫وقال أغلبي‪ :‬ليخرج بذلك القواعد الصولية لنها قواعد كلية تنطبق على جميع أجزائها‬
‫وفروعها مثل}المر يقتضي الوجوب{ فهذه قاعدةا أصولية‪ ,‬فكل أمر الصل أنه‬
‫للوجوب‪ .‬أما القواعد الفقهية فهي أغلبية ل تأتي على جميع الفروع إوانما على بعض‬
‫أبوابه‪ ,‬ولذلك القواعد الفقهية الصل إعمالها‪ ,‬ولكن حينما نأتي على كتب القواعد‬

‫‪) 3‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(127‬‬


‫‪) 4‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(26‬‬

‫‪5‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وكتب الفقه نجد أن هناك بعض الفروع الفقهية التي هي من صميما وتطبيقات هذه‬
‫القاعدةا ولكنها ل تدخل فيها ول يحتاج إخراجها إلى دليل‪ ,‬إوانما لكونها أكثر شبه ا‬
‫بقاعدةا أخرى‪ ,‬فهذا كا م‬
‫ف في عدما دخولها في هذه القاعدةا‪.‬‬
‫"ينطبق على معظما جزئياته"‪:‬‬
‫هذا بمعنى قوله أغلبي‪ .‬وكما تقدما أن القاعدةا الصولية تنطبق على كل جزئياته‪ .‬وقوله‬
‫على معظما جزئياته نستفيد أن الكثر والغلب أنه في القاعدةا‪ ,‬ولذلك كان خروج بعض‬
‫الفروع الفقهية على سبيل الستثناء‪ ,‬بينما ل تجد في كتب أصول الفقه بأي حال من‬
‫الحوال قاعدةا ثما يقول لق المستثنيات‪ ,‬لن القاعدةا الصولية ل يخرج منها شيء إل‬
‫بدليل من كتاب أو سنة أو نحو ذلك‪ ,‬بينما القواعد الفقهية حتى الكبار تجد أن العلماء‬
‫حينما يؤصلونها ويتكلمون عنها يختمون المسألة بقولهما "ما يستثنى من القاعدةا" إشارةا‬
‫إلى أنها ل تحوي جميع الفروع‪.‬‬
‫"لتعرف أحكامها منه"‪ :‬هذه الجزئية من التعريف هي ثمرةا القواعد الفقهية‪ ,‬لتعرف‬
‫الحكاما من هذه القواعد فإن النسان ربما يسأل عن مسألة فقهية وقد ل يكون‬
‫مستحض ار في كثير من الحيان للدليل فتأتي هذه القاعدةا كالدليل‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬الفرق بين القواعد الصولية والقواعد الفقهية(‬
‫أول من فرق بين قواعد هذين العلمين وميز بينهما هو الماما شهاب الدين القرافي من‬
‫علماء المالكية وذلك في مقدمة كتابه الفروق‪.‬‬
‫والفروق كثيرةا لكنها تتركز في محورين أساسيين هما‪:‬‬
‫أ(ْ أن القواعد الصولية شاملة وعامة لجميع أحكاما الشريعة‪ .‬مثل}النهي يقتضي‬
‫التحريم{ هذه القاعدةا الصولية ليست خاصة بالفقه إوانما هي عامة تدخل في الفقه‬
‫والتفسير والحديثَ والعقيدةا كما في قوله تعالى‪‬كول تدنسلرفدوا‪ 5‬فالنهي هنا للتحريما‪ .‬أما‬
‫القواعد الفقهية فهي خاصة بالفقه فقط‪.‬‬
‫ب(ْ أخص من الفرق الول‪ ,‬وهو أن القواعد الصولية كما تقدما قواعد عامة كلية معنى‬
‫ذلك أنها تشمل جميع ما يدخل تحتها من فروع‪ ,‬بينما القواعد الفقهية تتناول أغلب‬
‫الفروع أي أن القاعدةا الفقهية تتناول أغلب الفروع الداخلة تحتها‪ ,‬مثلا}المر يقتضي‬

‫‪) 5‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(141‬‬

‫‪6‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الوجوب{ هذه قاعدةا أصولية كما تقدما فليس هناك أمر نحمله على غير الوجوب إل‬
‫ل‪.‬‬
‫بدليل ينقله من الوجوب إلى الستحباب مث ا‬
‫)الفرق بين القاعدةا الفقهية والضابط الفقهي(‬ ‫فرع‪:‬‬
‫القاعدةا الفقهية‪ :‬لها صور في أغلب أبواب الفقه مثال ذلك}ل عمل إل بنية{ هذه تأتي‬
‫في باب الطهارةا وفي كتاب النكاح والجنايات وتأتي في باب الحدود والقصاص ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫أما الضابط الفقهي‪ :‬فإنه يتعلق باب واحد من أبواب الفقه فكلا من القواعد الفقهية‬
‫والضابط الفقهي يختصان بجانب الفقه لكن ضابط الفقه معلق بباب واحد من أبواب‬
‫الفقه مثال ذلك}ما صح في الفريضة صح في النافلة{ هذه في الصلةا فقط مع أن‬
‫الضابط الفقهي يشارك القاعدةا بكونه أغلبي ولكنه ل يحوي ألفاظ ومسائل الفقه وأنما‬
‫تكون رحاه دائرةا على باب واحد من أبواب الفقه‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬ميز القواعد الفقهية‪ ,‬ومكانتها في الشريعة‪ ,‬وفؤائد دراستها(ْ‪.‬‬
‫أما الميز فهي على ما يلي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أنها قواعد كثيرةا جدا وغير محصورةا بعدد‪ ,‬وهي منثورةا في كتب الفقه العاما والفتاوى‬
‫والحكاما‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أنها تمتاز يإيجاز عبارتها مع عموما معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية فهي‬
‫قاعدةا من كلمة أو كلمتين كقاعدةا }العمال بالنيات{‪},‬المور بمقاصدها{‪},‬المشقة‬
‫تجلب التيسير{ ومع ذلك يندرج تحتها ما ل يحصيى من المسائل الفقهية المختلفة‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أنها تمتاز بأن كلا منها ضابط يضبط فروع الحكاما العلمية‪ ,‬ويربط بينها برابطة‬
‫تجمعها إوان اختلفت موضوعاتها وأبوابها مثل‪:‬‬
‫}المشقة تجلب التيسير{ فهذه في كتاب الطهارةا "التيمما إذا عدما الماء أو عند عدما‬
‫القدرةا على استعماله"‪ .‬وهذه في كتاب الصلةا "الجمع والقصر في السفر" على القول‬
‫بأن علة الترخيص في السفر المشقة وهي علة مضطربة كما سيأتي‪ .‬وفي كتاب‬
‫الصياما يرخص للنسان أن يفطر في حال السفر‪ .‬وفي كتاب الحج "المرأةا إذا لما‬
‫تستطع الرمي لي سبب من السباب يرمي عنها وليها"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فهذه القاعدةا في موضوعات مختلفة في كتاب الطهارةا والصلةا والصياما والحج ومع‬
‫ذلك تربط بينها هذه القاعدةا‪.‬‬
‫أما فؤائد القواعد الفقهية فهي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أنها حاصرةا وهذا الحصر يغني طالب العلما عن الكثير من التتبع‪ ,‬قال القرافي‬
‫رحمه ال تعالى‪ :‬من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لندراجها‬
‫في الكليات‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أنها تربي في طالب العلما ملكة الفهما والستنباط والنظر والجتهاد في الفروع الفقهية‬
‫بحيثَ ل يغدو طالب العلما حافظ ا فقط لكتب الفروع إوانما يتربى على ضما المسألة إلى‬
‫مثيلتها ونظيراتها وما يشابهها وهذا يفيد الطالب في إبعاده عن الجمود الفكري والنظر‬
‫الفقهي فينتقل على إثر ذلك من مرحلة التقليد لغيره إلى مرحلة أوسع وهي مرحلة أوسع‬
‫وهي مرحلة الستدلل والنظر‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن دراسة القواعد الفقهية واللماما بها واستيعابها مما يعين القضاةا والمفتين والحكاما‬
‫عند البحثَ عن حلول للمسائل المعروضة والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق‪,‬‬
‫ولذلك قال بعضهما‪ :‬إن حكما دراسة القواعد الفقهية واللماما بها على القضاء والمفتين‬
‫فرض عين وعلى غيرهما فرض كفاية‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬لما كانت القواعد الفقهية في أكثرها موضع اتفاق بين الئمة المجتهدين حتى‬
‫ومواضع الخلف فيها قليلة‪ ,‬فإن دراسة القواعد الفقهية واللماما بها تربي عند طالب‬
‫العلما ملكة المقارنة بين المذاهب المختلفة وتوضح لها وجها من وجوه الختلف وأسبابه‬
‫بين المذاهب‪.‬‬
‫مسألة‪) :‬مصادر القواعد الفقهية(ْ‬
‫والمقصود بذلك منشأ كل قاعدةا وأساس ورودها‪.‬‬
‫وهي تنقسما إلى ثلثَ أقساما‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬قواعد فقهية مصدرها من النصوص الشرعية الكتاب والسنة‪ ,‬ولذلك نجد‬
‫أن بعض القواعد جزء من آية أو حديثَ فمن اليات التي جرت مجرى القواعد مثل قوله‬

‫‪8‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تعالى‪‬كوأككحلل الللهد انلكبنيكع كوكحلركما الرربا‪ ,6‬فهذه الية على وجازةا لفظها جمعت أنواع البيوع‪.‬‬
‫ما أحل ال وما حرما عدا ما استثني‪.‬‬
‫ومن السنة كمثل قوله صلى ال عليه وسلما‪‬ل ضرر ول ضرار‪‬رواه أحمد وابن ماجه‬
‫في سننه‪ .‬فهذه قاعدةا وهي جزء من الدليل‪ .‬وقوله‪‬كل مسكر خمر‪‬رواه البخاري‬
‫ومسلما‪.‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬ما كان من غير المنصوص ولكنها أتت بمعنى الدليل مثال ذلك}المور‬
‫بمقاصدها{ هذه ليست بدليل ولكن الدليل دل عليها وهو قوله عليه الصلةا والسلما‪‬إنما‬
‫العمال بالنيات‪ ‬رواه البخاري ومسلما‪ ,‬وكقولهما}العادة محكمة{ مأخؤذه من قوله تعالى‬
‫ض كعلن انلكجالهلليكن‪ 7‬والعرف هو العادةا‪.‬‬ ‫‪‬دخلذ انلعنفو ونأمر لبانلعر ل‬
‫ف كوأكنعلر ن‬ ‫ك ك ك د ن دن‬
‫القسما الثالثَ‪ :‬أن تكون القاعدةا ليست دليلا ول بمعنى إوانما الدليل دل عليها كقوله‬
‫}الصل في الشياء الباحة{ فهذه القاعدةا لما يرد فيها نص ول بمعناه ولكن الدليل قاما‬
‫طالعمما‬
‫عليها فهذه مأخؤذةا من قوله تعالى‪‬دقنل ل أكلجدد لفي كما دأولحكي لإلكلي دمكحلرما كعكلى ك‬
‫ض كجلميع ا‪.9‬‬‫ق لكدكنما كما لفي انلكنر ل‬‫طكعدمهد لإلل أكنن كيدكوكن كمنيتكةا‪ ‬دهكو الللذي كخلك ك‬
‫‪8‬‬
‫كي ن‬
‫مسألة‪ :‬هل يجوز أن نجعل القاعدةا الفقهية دليلا شرعيا يستنبط منه حكما شرعي؟‬
‫هنالك أقوال لهل العلما وهي بمجموعها تفيد أنه ل يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة‬
‫شرعية لستنباط الحكاما لسببين‪:‬‬
‫أ(ْأن هذه القواعد ثمرةا للفروع المختلفة وجامع ورابط لها وليس من المعقول أن ديجعل ما‬
‫هو ثمرةا وجامع دليلا لستنباط أحكاما الفروع‪.‬‬
‫ب(ْ أن معظما هذه القواعد ل تخلو من المستثنيات‪ ,‬فقد تكون المسألة المبحوثَ عن‬
‫حكمها من المسائل والفروع المستثناةا‪.‬‬
‫ولذلك ل يجوز بناء الحكما على أساس هذه القواعد‪ ,‬ولكنها تعتبر شواهد مصاحبة‬
‫للدلة يستأنس بها في تخريج الحكاما للوقائع الجديدةا قياس ا على المسائل الفقهية‬

‫‪) 6‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬


‫‪) 7‬لعراف‪ْ(199:‬‬
‫‪) 8‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(145‬‬
‫‪) 9‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬

‫‪9‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫المدونة‪ .‬ولكن هذا ل يؤخذ على إطلقه‪ ,‬وقد مكر معنا أن من القواعد الفقهية ما كان‬
‫أصله ومصدره من كتاب ال تعالى أو من سنة صلى ال عليه وسلما أو يكون مبني ا على‬
‫أدلمة واضحة من الكتاب والسنة المطهرةا أو مبني ا على دليل شرعي من الدلة المعتبرةا‬
‫عند العلماء‪ ,‬أو تكون القاعدةا مبنية على الستدلل القياسي وتعليل الحكاما‪ .‬فهذه أدلة‬
‫شرعية‪ ,‬وقواعد فقهية يمكن الستناد إليها في استنباط الحكاما إواصدار الفتاوى إوالزاما‬
‫القضاء بها‪.‬‬

‫كتب في القواعد‬
‫‪ -1‬القواعد في الفقه‪ /‬للماما ابن رجب الحنبلي‪ ,‬وهذا كتاب جما الفؤائد‪.‬‬
‫‪ -2‬المنثور في القواعد الفقهية‪ /‬للماما بدر الدين محمد بن عبدال الزركشي الشافعي‬
‫المتوفي سنة ‪794‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب الشباه والنظائر‪ /‬لجمال الدين عبدالرحيما بن حسن بن علي السنوي‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫‪ -4‬كتاب الشباه والنظائر‪ /‬لبن الملقن‪.‬‬
‫‪ -5‬المدخل الفقهي العاما‪/‬لمصطفى الزرقاء الحلبي‪.‬‬
‫‪ -6‬القواعد في الفروع‪/‬لعلي بن عثمان الغزي الدمشقي الحنفي شرف الدين‪ ,‬المتوفى‬
‫سنة ‪799‬هـ‪.‬‬
‫‪ ‬من ضمنها هذه المنظومة للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي عليه رحمه ال تعالى‬
‫الحنبلي المتوفي سنة ‪1376‬هـ‪.‬‬
‫وبعون ال تعالى نشرع في المنظومة‪:‬‬

‫مقدمة القواعد الفقهية‬


‫البداءة في الخطب بحمد ال ‪‬‬

‫‪10‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪1‬‬

‫وجـامع الشأياء والمفرق‬ ‫الحمد ل العلي الرأفق‬

‫من البيت الول إلى البيت السابع لن نتوقف عندها كثي ار لنها ليست من القواعد الفقهية‬
‫بل هي مقدمة‪.‬‬
‫قوله الحمد‪:‬‬
‫الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه إواجلله‪ ,‬فإن تجرد عن ذلك فهو‬
‫مدح‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬هو الثناء بالذكر الجميل‪ .‬والول أرجح‪.‬‬
‫والفرق بين الحمد والمدح‪ :‬الحمد والمدح كلهما فيه ذكر للمحمود في صفة الكمال‪ ,‬أما‬
‫الفرق فهو أن الخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخبا ار مجردا من حب إوارادةا فهذا‬
‫مدح‪ ,‬إوان كان مقرونا بهما فهو حمد‪.‬‬
‫وقوله ل‪:‬‬
‫اللما هنا للجنس المفيدةا الستغراق‪ ,‬فالمستحق للحمد المطلق هو ال عز وجل‬
‫والمختص به هو ال تعالى‪ ,‬ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلما إذا أصابته السراء‬
‫قال‪‬الحمد ل الذي بنعمته تتما الصالحات‪ ‬وأن أصابته ضراء قال‪) :‬الحمد ل على كل‬
‫حال(ْ‪ ,‬وقد ورد ذلك من حديثَ عائشة رضي ال عنها‪ .‬قال النووي عليه رحمة ال في‬
‫الذكار إسناده جيد‪ ,‬رواه إبن ماجة وابن السني والحاكما وصححه اللباني في سلسلة‬
‫الحاديثَ الصحيحة‪ .‬فال تعالى له الحمد المطلق من جميع الوجوه أما غير ال عز‬
‫وجل فإنه يحمد على أشياء خاصة فالعبد يحمد لكن حمده مقيد فهو يحمد على أشياء‬
‫دون أشياء‪.‬‬
‫وقوله العلي‪:‬‬
‫أي الذي له العلو التاما المطلق من جميع الوجوه‪ ,‬علو الذات‪ ,‬فال تعالى ظاهر بذاته‬
‫فوق كل شيء‪ .‬وهذا دل له الكتاب والسنة والفطرةا والجماع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وعلو القدر‪ :‬وهذا متفق عليه عند أهل السنة والجماعة وأن ال ل يوصف إل بصفات‬
‫الكمال‪.‬‬
‫وعلو القهر‪ :‬وهذا متفق عليه وأن كل شيء تحت قدرةا ال وسلطانه‪.‬‬
‫قوله الرفق‪:‬‬
‫أي الرفيق بأفعاله‪ ,‬فأفعاله كلها رفق على غاية المصالح والحكمة‪ ,‬وقد أظهر سبحانه‬
‫لعباده من آثار رفقه ما يستدلون به على كمال حكمته ورفقه كما في خلق السماوات‬
‫والرض وما بينهما في ستة أياما مع قدرته على خلقها في لحظة‪ ,‬كما أنه يقدر على‬
‫هداية الضالين ولكنه حكمته اقتضت إبقائهما على ضللهما عدلا منه تعالى وليس ظلماا‪.‬‬
‫قوله وجامع الشياء والمفرق‪:‬‬
‫أي أنه تعالى جمع الشياء في شيء وفرقها في شيء آخر‪ ,‬كما جمع بين خلقه في‬
‫كونه خلقهما ورزقهما‪ ,‬وفرق بينهما في الشكال والصور والطول والقصر‪ ,‬والسواد‬
‫والبياض‪ ..‬الخ‪ .‬ومناسبة ذكر الجمع والتفريق هنا‪ ,‬لن الشيخ يشرع بين القواعد وهذه‬
‫القواعد تجمع بين المتماثلت وتفرق بين المختلفات‪ ,‬فتعطي المتمثلت حكم ا واحداا‪,‬‬
‫أما المختلفات فتغاير بينها بالحكاما‪.‬‬

‫نعم ال واسعة‬

‫‪2‬‬

‫والحـكم البـاهرة الكثيرة‬ ‫ذي النعم الواسعة الغزيرة‬

‫ثما وصف ال تعالى بالنعما الغزيرةا الواسعة‪ ,‬كما قال تعالى‪ ‬ك إولانن تكدع د وا نلنعكمةك الللله ل‬
‫صوكها لإلن الللهك لككغدفومر كرلحيمما‪ .10‬وهذه مقدمة عظيمة ذكرها الشيخ في بيان عظيما نعما‬ ‫تدنح د‬
‫ال عز وجل وأن هذه النعما كثيرةا منها نعمة المآكل والمشارب‪..‬الخ‪ .‬وأعظما هذه النعما‬
‫نعمة السلما‪ ,‬ومن أعظما نعمة الدين أن تكون عالم ا بأحكاما هذا الدين‪.‬‬

‫‪) 10‬النحل‪ْ(18:‬‬

‫‪12‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ثما وصف ال تعالى بـ الحكم الباهرة الكثيرة‪:‬‬


‫والحكمة‪ :‬هي وضع الشيء في موضعه المناسب اللئق به‪ ,‬فهي حكما عظيمة تبهر‬
‫العقول وهذه الحكما متعددةا‪ ,‬ومن نظر في هذا الكون وعجائبه وسمائه وأرضه وشمسه‬
‫وقمره وكوكبه وأشجاره ونباته عرف ذلك‪ ,‬ويكفي النسان أن يتأمل في خلق نفسه كما‬
‫قال تعالى‪‬ولفي أكننفدلسدكما أككفل تدنب ل‬
‫صدروكن‪.11‬‬ ‫ن‬ ‫ك‬

‫الصلةا والسلما على رأسول ال‬

‫‪3‬‬

‫على الرسول القرشأي الخاتم‬ ‫ثـم الـصلةا مع سلما دائم‬

‫قوله الصلة‪:‬‬
‫الصلةا من ال عز وجل وهي ثناؤه على عبده في المل العلى‪ ,‬قال ابن القيما عليه‬
‫رحمة ال تعالى‪ ,‬وأما قولهما الصلةا من ال بمعنى الرحمة فهو باطل من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫ت لمنن كرربلهنما كوكرنحكمةم‪.12‬‬ ‫‪ -1‬أن ال تعالى غاير بينهما في قوله تعالى‪‬دأولكئل ك‬
‫ك كعلكنيلهنما ك‬
‫صلككوا م‬
‫‪ -2‬أن سؤال الرحمة مشروع لكل مسلما‪.‬‬
‫‪ -3‬أن رحمة ال عز وجل عامة وسعت كل شئ‪ ,‬وأما صلته فهي خاصة بخواص‬
‫عباده‪.‬‬
‫قوله مع سلم‪:‬‬
‫هذا دعاء للنبي صلى ال عليه وسلما بالسلمة‪ ,‬أما في حال حياته فدعاء له بالسلمة‬
‫من الشرور و الفات‪ ,‬وأما بعد وفاه عليه السلما فإنه دعاء لشريعته وعدما التحريف‪.‬‬
‫قوله على الرسول‪:‬‬
‫الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه على القول الراجح‪.‬‬

‫‪) 11‬الذاريات‪ْ(21:‬‬
‫‪) 12‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(157‬‬

‫‪13‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫قوله الخاتم‪:‬‬
‫هو الذي ختما ال عز وجل به أنبيائه ورسله فل نبي بعده عليه الصلةا والسلما‪ ,‬فمن‬
‫أدعى النبوةا بعده فهو كافر‪ ,‬والدليل على ذلك قول ال عز وجل‪‬كما ككاكن دمكحلممد أككبا أككحمد‬
‫لمنن لركجاللدكنما كولكلكنن كردسوكل الللله كوكخاتككما اللنبلرييكن‪ .13‬وأما نزول عيسى عليه السلما في آخر‬
‫الزمان فإن ذلك يدل على أن هناك نبي بعد النبي عليه الصلةا والسلما‪ ,‬لنه يحكما‬
‫بشريعة النبي عليه الصلةا والسلما‪.‬‬

‫الصلةا على آل النبي ‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫الحائزي مراتب الفخارأ‬ ‫وآلـه وصحبـه البأرارأ‬

‫قوله آله‪:‬‬
‫دأختلف في المراد بالل على قولين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المراد بهما أتباعه على دينه‪ ,‬نص عليه أحمد وعليه أكثر الصحاب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المراد بهما أقاربه من المؤمنين‪ ,‬فالول عاما والثاني خاص‪.‬‬
‫والقرب‪ :‬أن يقال أنه إذا قرن مع الل التباع فالمراد بالل أقاربه من المؤمنين كما لو‬
‫قلت)اللهما صل على محمد وآله(ْ‪.‬‬
‫قوله وصحبه‪:‬‬
‫بمعنى الصحابي‪ ,‬والصحابي من اجتمع بالنبي صلى ال عليه وسلما مؤمنا به ومات‬
‫على ذلك‪ ,‬ولو لما يره ولو لما تطل الصحبة‪ .‬وهذا من خصائصه عليه الصلةا والسلما‪,‬‬
‫أما غيره من الناس فإنه ل يكون صاحب ا إل من لزمه مدةا يستحق بها أن ينطبق عليه‬
‫وصف صاحب‪.‬‬

‫‪) 13‬الحزاب‪ :‬من الية ‪ْ(40‬‬

‫‪14‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وعطفهما على ألل من عطف الخاص على العاما‪ ,‬وفي الجمع بين الصحب والل‬
‫مخالفة للمبتدعة لنهما يوالون الل دون الصحب‪.‬‬
‫قوله الحائزي مراتب الفخار‪:‬‬
‫المقصود بها المراتب العالية من الصحبة والعبادةا والعلما والجهاد ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثما شرع الناظما رحمه ال بالمراد فقال‪:‬‬

‫منزلة العلم‬

‫‪5‬‬

‫علم يزيل الشك عنك والدرأن‬ ‫اعلـم هديت أن أفضل المنن‬

‫من فوائد العلم أنه يبين للمرء الحق‬

‫‪6‬‬

‫ويوصل العبد إلى المطلوب‬ ‫ويكشـف الحق لذي القلوب‬

‫معنى البيت‪:‬‬
‫أن ال عز وجل أمتن على عباده بنعما كثيرةا‪ ,‬ومن أفضل وأعظما ما مكن ال تعالى به‬
‫على عبده هو العلما النافع‪ ,‬لن النبياء لما يورثوا درهم ا ول دينا ار إوانما ورثوا العلما فمن‬
‫أخذ به فقد أخذ بحظ وافر‪ .‬وضابط العلما النافع هو ما أزال عن القلب شيئين‪:‬‬
‫الول الشبهة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الشهوةا‪.‬‬
‫لن الشبهات تورثَ الشك‪ ,‬وأما الشهوات فتورثَ درن القلب وقسوةا القلب‪ .‬وتثبط البدن‬
‫عن الطاعات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫إذا أزال العلما النافع الشبهة والشهوةا حل محل الول اليقين الذي هو ضد الشك‪ ,‬وحل‬
‫محل الثاني اليمان التاما الذي يوصل العب لكل مطلوب المثمر للعمال الصالحة‪.‬‬
‫وكلما إزداد النسان علم ا حصل له كمال اليقين وكمال الرادةا وكمال الخشية قال ال‬
‫عز وجل‪‬لإلنكما كينخكشى الللهك لمنن لعكبالدله انلدعلككمادء‪ ,14‬إواذا كان العلما بهذه المنزلة وبهذه‬
‫المثابة فإنه ينبغي للنسان أن يحرص على طلبه وأن يستزيد من طلب العلما‪ ,‬ولذلك لما‬
‫يسأل النبي صلى ال عليه وسلما المزيد من شيء إل من العلما قال ال عز وجل‪‬كودقنل‬
‫ب لزندلني لعنلما‪15‬‬
‫كر ر‬
‫ولهذا قال الناظما رحمه ال‪:‬‬

‫فهم القواعد ومعرفتها‬

‫‪7‬‬

‫جامعـة المسائل الشوارأد‬ ‫فاحرص على فهمك للقواعد‬

‫لما ذكر الناظما عليه رحمة ال تعالى عموما أهمية العلما الشرعي وفضله خص منه ما‬
‫يريد شرحه وهي هذه القواعد‪ ,‬ولذا قال‪) :‬ولهذا قلت أي مما ينبني على الكلما الول في‬
‫الحثَ على طلب العلما قلت أحرص على طلب هذه القواعد وفهمها(ْ‪.‬‬
‫قوله جامعة المسائل والشوارد‪:‬‬
‫تقدما فيما سبق وجه جمع هذه المسائل الشوارد‪.‬‬

‫معرفة حكم النوازل الجديدةا‬

‫‪) 14‬فاطر‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬


‫‪) 15‬طـه‪ :‬من الية ‪ْ(114‬‬

‫‪16‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪8‬‬

‫وتقتفـي سـبل الذي قد وفقا‬ ‫فترتقي في العلم خير مرتقا‬

‫أشار رحمه ال تعالى في هذا البيت إلى فائدةا تعلما العلما عموم ا وتعلما هذه القواعد على‬
‫الوجه الخص‪ ,‬وأن النسان بمعرفته لهذه القواعد يزداد علمه ويرتقي طيبا في طلب‬
‫العلما كما أنه أيض ا بفعله هذا يقتفي سبيل وطريق علماء السلف الذين حازوا العلما‬
‫الشرعي ومنه العلما بالقواعد الفقهية فحصل لهما التوفيق في علمهما‪.‬‬

‫منهج المؤلف في القواعد الفقهية‬

‫‪9‬‬

‫كتب أهل العلم قد حصلتها‬ ‫وهـذه قواعـد نظمتهـا من‬

‫في هذا البيت إشارةا منه رحمه ال تعالى إلى أنه لما يكن له دور في هذه القواعد إل أنه‬
‫جمعها من كتب أهل العلما‪ ,‬وفي هذا أدب جما من أدب السلف وتواضعهما‪ .‬والشيخ‬
‫رحمه ال تعالى يقصد بذلك الستنباط من القواعد إوال فإن قائل هذه البيات هو الشيخ‬
‫عبدالرحمن السعدي عليه رحمة ال تعالى‪ ,‬وهذا كما تقدما من تواضعه حتى ل دينسب‬
‫الفضل إليه إوانما نسبه إلى مصدره وأساسه‪ ,‬وفي هذا درس لطالب العلما على أن يركد‬
‫الجميل إلى أهله‪.‬‬

‫الدعاء لهل العلم السابأقين ومعرفة فضلهم‬

‫‪10‬‬

‫والعفـو مع غفرانه والبر‬ ‫جزاهم المولى عظيم الجر‬

‫‪17‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫دعاء من الشيخ رحمه ال تعالى للذين أصلوا هذه القواعد وقعدوها قبله‪ ,‬ول شك أن‬
‫الدعاء للعالما من أعظما ثمرات العلما‪ ,‬وكفى فخ ار لهل العلما والدعوةا أن ديذكروا حتى بعد‬
‫مماتهما‪ ,‬ايذكروا بالذكر الحسن والثناء الجميل والدعاء‪ ,‬ولذلك قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬إذا مات ابن آدما انقطع عمله إل من ثلثَ‪ ‬وذكر من ذلك‪‬أو علما ينتفع به‪ ‬رواه‬
‫مسلما‪ .‬هذا العلما الذي هو سبب الترحما على ناقله ومؤلفه ومعلمه للناس‪ ,‬فنسأل ال أن‬
‫يحشرنا في زمرةا العلماء العاملين‪.‬‬

‫النية شأرط لصحة العمل‬

‫‪11‬‬

‫فيها الصلحا والفساد للعمل‬ ‫النيـة شأـرط لسـائر العمـل‬


‫اولل‪ :‬معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫معناها أن النية شرط لصحة سائر العمال‪ ,‬وليس المراد أن العمل ل يوجد ول يحدثَ‬
‫إل بنية إوانما المقصود أن صلح العمل وفساده مبني على النية‪ ,‬إن كانت النية صالحة‬
‫صلح العمل إوان كانت فاسدةا فسد العمل مع وجوده‪ ,‬ولذلك قال)بها الصلحا والفساد‬
‫للعمل(‪ ,‬لن صورةا العمل قد تكون موجودةا لكنها تخلو من النية الصالحة‪.‬‬
‫والنية كما قال أهل العلما شرود‪ ,‬تشرد فلنسان يحتاج إلى معاهدتها وغلى مجاهدةا‬
‫النفس من أجل تصحيحها وتنقيتها وتجريدها ل عز وجل‪.‬‬
‫والنية في اللغة‪ :‬هي العزما والقصد‪ .‬والمراد بها عزما القلب وقصده لفعل عمل معين‪ ,‬أو‬
‫هي ما يعبر عنه بعضهما بقوله انبعاثَ القلب بعمل معين‪.‬‬
‫أما اصطلح ا فقالوا بأن العمال والتكاليف والتصرفات القولية والفعلية تختلف نتائجها‬
‫وأحكامها من حيثَ الصحة والبطلن والجراء والثابة والمعاقبة‪ ,‬فهي تتاثر بالقصد‪.‬‬
‫مثال ذلك ثلثة أشخاص قتلوا ثلثة أشخاص‪:‬‬
‫الول‪ :‬قتل شخص ا عمدا وعدوان ا فهذا ديقتل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬شبه العمد إي أراد إيذاء المقتول ل قتله أو خطأ كمن أراد أن يرمي صيدا فقتل‬
‫إنسان ا فهذا عليه الكفارةا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الثالثَ‪ :‬أمر بقتل فلن من الناس حدا فهذا ل شيء عليه‪.‬‬


‫فالول قتل عمدا والثاني شبه عمد أو خطأ‪ ,‬فالنتيجة والتبعة الن اختلفت لختلف‬
‫النية فالول قتل عمدا والثاني شبه عمد أو خطأ والثالثَ مأذون له في ذلك‪ .‬فصورة العمل‬
‫واحدةا كلها قتل لكن النتيجة كما قلنا اختلفت لختلف النية‪ .‬ولعل هذا المثال يوضح‬
‫أثر النية بشكل ظاهر‪.‬‬
‫ثانيال مكانة هذه القاعدة ‪:‬‬
‫يكفي أن نعلما أن هذه القاعدةا بنيت على حديثَ‪‬إنما العمال بالنيات ‪ ,16‬فمكانتها‬
‫بمكانة هذه القاعدةا نذكر طرف ا مما جاء في مكانة هذا الحديثَ‪:‬‬
‫* فهذا الحديثَ قاعدةا من قواعد السلما العظيمة‪ ,‬اتفق العلماء على صحته وتلقيه‬
‫بالقبول‪.‬‬
‫* وبع صكدر البخاري كتابه الصحيح وأقامة مقاما الخطبة له إشارةا منه إلى أن كل عمل‬
‫ل يراد به وجه ال تعالى فهو باطل ل ثمرةا له في الدنيا ول في الخرةا‪.‬‬
‫* وهذا الحديثَ هو أحد الحاديثَ التي عليها مدار الدين‪ ,‬وقد روي عن المامين‬
‫الجليلين الشافعي وأحمد رضي ال تعالى عنهما أنه ثلثَ العلما وثلثَ السلما‪ ,‬لن كسب‬
‫العبد بقلبه وبلسانه وبجوارحه‪ ,‬فالنية أحد القساما وهي ارجحها‪ ,‬لنها تكون عبادةا‬
‫بإنفرادها‪.‬‬
‫قال البخاري عليه رحمة ال‪ :‬ليس أخبار النبي صلى ال عليه وسلما شيء أجمع ول‬
‫أغنى ول أكثر فائدةا منه أي هذا الحديثَ‪.‬‬
‫وقال عبدالرحمن بن مهدي عليه رحمة ال تعالى‪ :‬ينبغي أن ديجعل هذا الحديثَ رأس‬
‫كل باب‪.‬‬
‫ثالثال أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫*من القرآن‪:‬‬
‫لما يرد فيه لفظ النية في القرآن الكريما‪ ,‬إوانما ورد فيه ألفاظ أخرى بمعنى النية تؤيد أصل‬
‫هذه القاعدةا وتكون دليلا عليها من ذلك‪:‬‬

‫‪ 16‬رواه البخاري ومسلما‬

‫‪19‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ(ْ قول ال عز وجل‪‬كوكمنن كينخدرنج لمنن كبنيتلله دمكهالج ار لإكلى الللله كوكردسولله ثدلما ديندلرنكهد انلكمنو د‬
‫ت فكقكند‬
‫كوقككع أكنجدرهد كعكلى الللله‪.17‬‬
‫ك ككاكن‬‫ب(ْ وقوله سبحانه وتعالى‪‬كوكمنن أك كاركد انللخكرةاك كوكسكعى لككها كسنعكيكها كودهكو دمنؤلممن فكدأولكئل ك‬
‫كسنعديهدنما كمنشدكو ار‪.18‬‬
‫ضالت الللله كوالللهد كردؤو م‬
‫ف‬ ‫ل‬
‫س كمنن كينشلري كننفكسهد انبتكغاكء كمنر ك‬ ‫ج(ْ وقوله عز وجل‪‬ولمكن اللنا ل‬
‫ك‬
‫لبانللعكبالد‪19‬‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫أ(ْفأولها سيد الدلة وهو أصل هذه القاعدةا حديثَ عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪‬إنما‬
‫العمال بالنيات‪.20‬‬
‫ب(ْ ومن ذلك حديثَ عائشة رضي ال تعالى عنها قالت قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬ل هجرةا بعد الفتح ولكن جهاد ونية إوان استنفرتما فانفروا‪.21‬‬
‫ج(ْ ومن ذلك أيضا حديثَ أبي هريرةا رضي ال تعالى عنه قال ‪:‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلما‪‬إن ال ل ينظر إلى أجسامكما ول على صوركما ولكن ينظر إلى‬
‫قلوبكما‪.22‬‬
‫رابعال إطلقات هذه القاعدة‪:‬‬
‫المقصود بذلك الطلقات التي إذا وردت نفهما منها أنه يراد منه هذه القاعدةا‪ ,‬فمن ذلك‬
‫‪:‬‬
‫‪ -1‬إنما العمال بالنيات‪.‬‬
‫‪ -2‬المور بمقاصدها‪.‬‬
‫‪ -3‬ل عمل إل بنية‪.‬‬
‫ونحو ذلك من الطلقات‪.‬‬

‫‪) 17‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(100‬‬


‫‪) 18‬السراء‪ْ(19:‬‬

‫‪) 19‬البقرةا‪ْ(207:‬‬
‫‪ 20‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪ 21‬رواه مسلم‬
‫‪ 22‬رواه مسلم‬

‫‪20‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫خامسال محل النية‪:‬‬


‫ذهب عامة أهل العلما إلى أن محل النية القلب‪ ,‬وأما القول بأن محل النية الدماغ أو‬
‫اللسان فهذا قول شاذ ل يصح ويؤيد ذلك نصوص كثيرةا منها‪:‬‬
‫طكمئللن كقنللبي‪.23‬‬
‫قول ال عز وجل‪‬كقاكل كبكلى كولكلكنن للكي ن‬
‫ب ل كينفقكدهوكن بلكها‪.24‬‬ ‫ومن ذلك قول ال تعالى‪‬لكهدنما دقدلو م‬
‫ب الللتي لفي‬ ‫ل‬
‫وقول ال عز وجل أيضا‪‬فكلإلنكها ل تكنعكمى انلكنب ك‬
‫صادر كولككنن تكنعكمى انلدقدلو د‬
‫صددولر‪.25‬‬
‫ال د‬
‫ولما يذكر الدماغ قط في هذه المواضيع فدل ذلك على أن محل العقل هو القلب ل‬
‫الدماغ‪.‬‬
‫سادسال المر الذي من أجله شرعت النية‪:‬‬
‫فالنية شرعت لمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬تمييز العبادات عن العادات‪ ,‬فالممسك عن الطعاما من طلوع الفجر إلى غروب‬
‫الشمس إن كان إمساكه حمية‪ ,‬أو استجابة لمر طبيب‪ ,‬أو لعدما حاجته لطعاما و‬
‫الشراب فهو أمر مباح ل ثواب ول عقاب‪ ,‬أما إن كان إمساكه عن الطعاما بنية الصوما‬
‫الشرعي ل عز وجل فهذا طاعة يثاب عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬تمييز العبادات بعضها عن البعض الخر‪ ,‬كصلةا الظهر والعصر مثلا صورتهما‬
‫واحدةا الذي يحدد الفرق بينهما هو النية‪.‬‬
‫سابعا شروط النية‪:‬‬
‫الفقهاء رحمهما ال تعالى ذكروا شروطا للنية‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬السلما‪ ,‬وهذا شرط في كل عبادةا لن النية والعبادةا ل تصح إل من‬
‫مسلما‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬التمييز‪ ,‬لن نيته لو صحت لصح عمله ولوجب عليه العمل‪.‬‬

‫‪) 23‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(260‬‬


‫‪) 24‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(179‬‬
‫‪) 25‬الحج‪ :‬من الية ‪ْ(46‬‬

‫‪21‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الشرط الثالثَ‪ :‬العلما بالمنوي‪ ,‬فلبد أن يعلما النسان بالمنوي علما يقينياا‪ ,‬هل هو عبادةا‬
‫أما ل؟ ومن حيثَ صفته‪ ,‬وهل هو فرض أو ليس بفرض؟ ونحو ذلك‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أل يأتي بمنا م‬
‫ف للنية‪ ,‬والمنافي للنية أمران‪:‬‬
‫أ(ْ القطع‪ ,‬يعني أن ينوي قطع العبادةا‪ ,‬فعلى هذا من قاما يصلي ثما نوى قطع الصلةا‬
‫انقطعت صلته‪ ,‬لكن من تردد في النية هل يقطع أو ل يقطع؟ الصحيح أنها ل تنقطع‪,‬‬
‫لن أصل النية موجود‪.‬‬
‫ب(ْ الردةا عن السلما‪.‬‬
‫ثامنال الفعل لبد له من نية لكن هل ترك المر يحتاج إلى نية؟‪:‬‬
‫نقول‪:‬‬
‫ترك المحرما ل يحتاج إلى نية‪ ,‬فبمجرد التخلص من المناهي فإنه يثاب عليها النسان‪.‬‬
‫لكن كونه يترك بعض المعاصي مع مجاهدته لنفسه فهذا أعظما أج ار ممن تركها رغبة‬
‫عنها‪.‬‬
‫تاسعال التشريك في النية له صور‪:‬‬
‫ل‪ ,‬وهذه الصورةا على نوعين‪:‬‬
‫الصورة الول‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما ليس بعبادةا أص ا‬
‫النوع الول‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما ل يصح إدخاله كالذبح ل وللولي فلن‪ ,‬فهذا يبطل‬
‫العبادةا‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن يدخل مع العبادةا ما يصح إدخاله‪ ,‬كما لو اغتسل بنية الجمعة والتبرد‪,‬‬
‫أو يصوما بنية الصياما والتخفيف‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن ينوي مع العبادةا عبادةا‪ ,‬وهذا له أنواع‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬أن يدخل الفريضة على فريضة هذا ل يجوز إل في حالة واحدةا فقط في‬
‫الحج في القرآن أي يدخل الحج على العمرةا فيقول)اللهما لبيك عمرةا وحجاا(ْ فهنا أدخل‬
‫الحج على العمرةا وقرنهما بنية واحدةا‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن ينوي مع الفريضة سنة هذا يجوز في بعض الصور دون بعض الصور‬
‫مثل لو جاء إلى المسجد والناس يصلون فدخل معهما على أن هذه الصلةا فريضة ونوى‬
‫بها تحية المسجد صح ذلك‪ ,‬وفي بعض الصور ل يجوز كما لو وجد مسكينا فأعطاه‬
‫مبلغ ا من المال على أنها زكاةا وصدقة فإنها ل تصح زكاةا وتصح منه صدقة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫النوع الثالثَ‪ :‬أن ينوي مع النافلة نافلة أخرى‪ ,‬وهذا باب واسع جداا‪ ,‬مثل لو تؤضأ ثما‬
‫دخل المسجد فصلى ركعتين بنية أنها سنة الضحى وركعتي الوضوء‪ ,‬وتحية المسجد‬
‫صح ذلك‪.‬‬
‫ثما قال الناظما رحمه ال تعالى‪) :‬وهذه قاعدةا عظيمة جداا(ْ‪:‬‬

‫الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرأء المفاسد‬

‫‪12‬‬

‫في جلببها والدرأء للقبائبح‬ ‫الددينن مبني على المصالح‬

‫هذه القاعدةا وما بعدها البيت}‪12‬و ‪13‬و ‪ {14‬هذه ثلثَ قواعد عظيمة في باب المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والحتساب في الجهاد‪ .‬بل ل أبالغ إذا قلت أن فساد‬
‫نتائج كثير من العمال الدعوية نتيجة قلة الفقه في مثل هذه القاعدةا‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫معنى هذه القاعدةا أن أحكامه سبحانه وتعالى وتشريعاته مبنية على مصلحة المكلفين‬
‫سواء كان ذلك في المر أو النهي في الدنيا أو في الخرةا‪ ,‬فال تعالى ل يأمر إل بما‬
‫فيه مصلحة المكلف‪ ,‬ول ينهي عن شئ إل فيه ضرر على المكلف وهذا المعنى هو‬
‫ك لإلل كرنحكمةا للنلكعالكلميكن‪,26‬‬
‫الذي من أجله بعثَ ال الرسل كما قال ال عز وجل‪‬كوكما أكنركسنلكنا ك‬
‫ولذلك السابر لغوار الشريعة يجد أنها خي ار محضاا‪ ,‬لكن هذا الخير يحتاج إلى عقول‬
‫تعي هذه المسألة‪ .‬لذلك نجد أن ال تعالى ل يأمر بأمر ول ينهي عن شئ إل ويعلل‬
‫لهذا المر أو النهي لمصلحة المكلف‪‬لعلكما تتقون‪,‬لعلكما تتذكرون‪,‬هو أزكى لكما‪,‬‬
‫ونحو ذلك من اليات الكريمة‪ ,‬فمعرفة النسان لهذا المر تجعله يوقن بعظمة هذه‬
‫الشريعة وما ذكرناه تمهيدا لهذه القاعدةا‪.‬‬

‫‪) 26‬النبياء‪ْ(107:‬‬

‫‪23‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فما المراد إذال بهذه القاعدة؟‬


‫لما كان الصل في الشريعة أنها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد‪ ,‬وجب على‬
‫المجتهد الناظر في المسائل الجتهادية الحادثة التي لما يرد فيها دليل أن ينظر إليها‬
‫بعين العتبار‪.‬‬
‫بمعنى أنه في علجه وفي حكمه على هذه المسائل أن يراعي جلب المصالح ودرء‬
‫المفاسد وكذلك في مسائل كثيرةا في الدعوةا إلى ال عزوجل يحتاج الداعية إلى إعمال‬
‫هذه القاعدةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هي المصلحة التي يعتبرها الشارع؟‬
‫لن المصلحة عند بعض الناس قد تكون دعوى‪ ,‬وقد تكون وهما فيظن لفساد مزاجه أو‬
‫لسوء تفكيره أو لجهله ما ليس بمصلحة مصلحة‪ .‬هذه قضية خطيرةا جدا وعلى ذلك‬
‫مدار الكتابة في الصحف الن كلها من هذا الباب‪ ,‬فيأتي إنسان عنده فساد في المزاج‬
‫وسوء في التفكير وأكثرهما من الجهلة‪ ,‬فنقلوا ذلك إلى الصحف نسأل ال السلمة‬
‫والعافية‪ ,‬فيظنون بأمزجتهما الفاسدةا وسوء تفكيرهما وخبثَ طويتهما وجهلهما ما ليس‬
‫بمصلحة مصلحة‪ ,‬فيرتبون على ذلك أحكاما شرعية غير صحيحة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أحد الخلفاء دخل على أحد العلماء في حلقته مع طلبه وقال له‪ :‬إني‬
‫جامعت زوجتي في نهار رمضان‪ .‬فقال له‪ :‬صما شهرين متتابعين فانصرف‪ .‬فقال له‬
‫الطلب‪ :‬يا شيخ الذي تعلمنا منك أن كفارةا الجماع في نهار رمضان أولا عتق رقبة إن‬
‫لما يستطع صاما شهرين متتابعين إن لما يستطع أطعما ستين مسكين ا على الترتيب وليس‬
‫على التخيير‪ .‬فقال‪ :‬نعما‪ ,‬لكن هذا خليفة وعنده إماء كثير فربما تهاون في هذا المر‬
‫لسهولة العتاق عليه‪ ,‬فأفتيته بالغلظ حتى يكف عن ذلك‪.‬‬
‫فل شك أن كف هذه الخليفة عن هذا العمل مصلحة لكن هذه المصلحة غير معتبرةا‪,‬‬
‫لماذا؟ لنها خالفت نص الكتاب والسنة فالمصلحة الشرعية ليست مصلحة موهمة ول‬
‫مصلحة مدعاةا‪ ,‬إوانما المصلحة الشرعية هي التي يعتبرها الشارع في الحكاما‪.‬‬
‫ولذلك المصلحة في اللغة ضد المفسدةا‪.‬‬
‫وفي الصطلح هي التي قصدها الشارع لعباده لحفظ ما يلي‪:‬‬
‫الول‪ :‬حفظ الديان‪ .‬الثاني‪ :‬حفظ البدان‪ .‬الثالثَ‪ :‬حفظ الموال‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الرابع‪ :‬حفظ العراض الخامس‪ :‬حفظ العقول‪ .‬السادس‪ :‬حفظ النساب‪.‬‬


‫هذا هو تعرف شيخ السلما رحمه ال تعالى لها‪ .‬إذا كانت المصلحة تراعي مثل هذه‬
‫المور)أي هذه الكليات الست(ْ فهي معتبرةا إوال فهي مصلحة موهومة فاسدةا‪.‬‬
‫من أدلة القاعدة‪:‬‬
‫ك إللل كرنحكمةا للنلكعالكلميكن‪ ,27‬ومن الرحمة بعباده رعاية‬
‫أ(ْ قول ال عز وجل ‪‬كوكما أكنركسنلكنا ك‬
‫مصالحهما الدنيوية والخروية‪.‬‬
‫ب(ْ ومن ذلك قول ال تعالى‪‬إللن الللهك كينأدمدر لبانلكعندلل كوا نللنحكسالن‪. 28‬‬
‫ج(ْ وقول ال جل وعل‪‬دقنل إللن الللهك ل كينأدمدر لبانلفكنحكشالء‪.29‬‬
‫د(ْ ومنه قول ال عز وجل‪‬كوديلحدل لكهددما الطلريكبالت كوديكحرردما كعلكنيلهدما انلكخكبائل ك‬
‫ثَ‪.30‬‬
‫والدلة على ذلك كثيرةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬المصالح الشرعية قسمها العلماء إلى ثلثة أقساما‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬مصلحة ضرورية‪ :‬هي التي شرعت لقياما أمر الدين والدنيا جميعا‪ ,‬وهذه كتوحيد ال‬
‫عز وجل مصلحة دنيوية وذلك أن يحيا النسان حياةا السعداء‪ ,‬كما قال ال عز وجل‬
‫طمئلدن دقدلوبهما بللذنكلر الللله كأل بللذنكلر الللله تك ن ل‬ ‫لل‬
‫طكمئدن انلدقدلو د‬
‫ب‪‬‬ ‫‪‬الذيكن آكمدنوا كوتك ن ك‬
‫‪31‬‬
‫د دن‬
‫ومصلحة أخروية لن من مات على التوحيد فهو من أهل الجنة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬مصلحة حاجية‪ :‬وهذه هي التي شرعها ال عز وجل تخفياف ا على المكلف‪ ,‬وهذه‬
‫ستأتي عند قول الناظما‪:‬‬

‫فـي كل أمر نابأبهن تعسينر‬ ‫ومن قواعد شأرعنا التيسينر‬

‫هذه كالجمع والقصر في السفر ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪) 27‬النبياء‪ْ(107:‬‬

‫‪) 28‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(90‬‬


‫‪) 29‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬
‫‪) 30‬لعراف‪ :‬من الية ‪ْ(157‬‬
‫‪) 31‬الرعد‪ْ(28:‬‬

‫‪25‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(3‬مصلحة تحسينية‪ :‬وحينما نقول ذلك ل يلزما أن تكون هذه المصلحة غير واجبة فقد‬
‫تكون من المصلحة التحسينية وهي واجبة‪ ,‬إوانما المعنى أنها شرعت لتحسين الدين‬
‫وتجميله وتكميله كالنظافة مطلق ا بما في ذلك الوضوء والغسل‪ ,‬حسن الخلق‪ ,‬البشاشة‬
‫مع الناس ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أقساما المصلحة باعتبار إقرار الشارع لها وعدما إق ارره لها‪ ,‬أو بمعنى آخر ما‬
‫هي المصلحة المعتبرةا والمصلحة الغير معتبرةا؟‬
‫يقال بأن المسألة لها ثلثة أقساما‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬المصلحة المعتبرةا‪ :‬وهي التي جاءت الدلة من الكتاب والسنة على إعمالها‪ ,‬فهذه‬
‫حجة باتفاق أهل العلما‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬مصلحة ملغاةا‪ :‬وهذه هي المخالفة لدلة الكتاب والسنة فهذه ملغاةا وباطلة بالتفاق‬
‫ول سبيل لقبولها مهما ألبست لباس المصلحة‪ ,‬كبدعة المولد وعلى هذا ما ينادي به‬
‫الفسقة من الكتاب في الصحف وغيرها في بعض المصالح الموهومة المزعومة هي من‬
‫هذا كمطالبتهما بقيادةا المرأةا للسيارةا ويعللون ذلك بمصالح كاستغناء السر عن السائقين‬
‫وهذا لما يحصل في البلد التي سمحت للمرأةا بقيادةا السيارةا وعدما الخلوةا بالسائق ونحو‬
‫ذلك من المور التي لما يعهد عنهما أنهما يراعونها لن في قلوبهما مرض فنجد أنهما‬
‫يريدون أن يتوصلوا أحيانا إلى بعض الشياء باسما المصلحة كمطالبتهما بخروج المرأةا‬
‫ومخالطتها للرجال باسما المصلحة كتقوية القتصاد ونحو ذلك‪ .‬فبناء على هذا نقول‬
‫بأن هذه مصلحة ملغاةا أو مصلحة باطلة مهما لبست لباس المصلحة‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬مصالح مرسلة‪ :‬وهي المسكوت عنها‪ ,‬وهذه لما يأت الدليل باعتبارها ول بعدما‬
‫اعتبارها فهذه تسمى المصالح المرسلة‪ .‬وسميت بذلك لنها مطلقة وخالية من الدليل‪.‬‬
‫فهل هي حجة أو ليست بحجة؟‬
‫هي حجة عند الماما مالك وأحمد رحمهما ال تعالى واستدلوا على ذلك بدليلين‪:‬‬
‫أ‪ .‬أستقرء الشريعة وهي إنما شرعت لمصلحة المكلفين‪ ,‬إواعمال المصالح يتفق مع‬
‫مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫ب‪ .‬عمل الصحابة رضي ال تعالى عليهما حيثَ كانوا يراعون المصلحة في النوازل‬
‫التي يجتهدون فيها‪ ,‬فالصحابة اعملوا ذلك حينما مثلا جمعوا القرآن بمصحف واحد‪,‬‬

‫‪26‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وكذلك زيادةا عمر في جلد شارب الخمر إلى ثمانين جلدةا وقد كان في صدر خلفته قد‬
‫جلد أربعين ثما زاد لما رأى الناس أكثروا من ذلك‪.‬‬
‫لكن العلماء رحمهما ال تعالى جعلوا سبعة شروط لعمال المصالح المرسلة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن يغلب على الظن وجود هذه المصلحة‪ ,‬بمعنى أن المصلحة ل تكون موهومة‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أن تكون المصلحة ترعى الكليات الست التي سبق الحديثَ عنها‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن تكون هذه المصلحة متفقه مع قواعد الدين وأصوله لن هناك قواعد عامة‬
‫مقاصد للشريعة فلبد أن تكون هذه المصلحة متفقة مع هذه القواعد‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬أل تعارض هذه المصلحة نص ا من كتاب ال تعالى أو سنة النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما ول إجماع المسلمين‪.‬‬
‫‪ ْ(5‬أل تكون هذه المصلحة في العبادات‪ ,‬لن العبادات توقيفية أي متوقفة على النص‬
‫من الكتاب والسنة‪ ,‬وهذا كما تقدما في بدعة المولد‪.‬‬
‫‪ ْ(6‬أل تكون في المقدرات‪ ,‬والمقدرات هي التي تكلفت النصوص الشرعية ببيان مقدارها‬
‫كالمواريثَ كما قال ال عز وجل‪‬للللذككلر لمنثدل كحظر انلدننثككينيلن‪ .32‬قد يأتي إنسان ويقول بأن‬
‫المرأةا أصبحت تشارك الرجل فنقول بأن هذه مصلحة فاسدةا لنها في المقدرات التي‬
‫تكلفت النصوص الشرعية ببيان مقدارها‪ .‬وعلى هذا مثل هؤل الذين يثيرون الشبه باسما‬
‫المصالح علينا أن ننسف باطلهما وشبهتهما من أساسها‪ ,‬لن بعض الناس يجادل‬
‫ويناقش في أشياء هي من المسلمات يعني الن نتفق مع هذا أن المرأةا أصبحت تتحمل‬
‫بعض المسئولية ليست كالول وأصبحت أحيانا تتفق على أولدها وربما على أيتاما‬
‫تحتها ونحو ذلك‪ ,‬فلو أننا جلسنا نخالفهما في ذلك لوجدنا أننا نخالف من دون اقتناع‪,‬‬
‫لكن لما نأتي إلى الشبهه فننفسها من أساسها حينما نسلما من كثير من المور وهذا أبلغ‬
‫في العلج فتقول‪ :‬لهما مهما وجد من المصالح التي نتفق معك فيها ال أنها كانت في‬
‫المقدرات ومن شروط إعمال المصلحة أل تكون في المقدرات ونكتفي بهذا‪.‬‬
‫‪ ْ(7‬أن تكون المصلحة عامة وليست خاصة‪ ,‬يعني تكون هذه المصلحة ل ترعى أناس‬
‫بأعيانهما أو بأشخاصهما وهذا هو الفرق بين حكما الشريعة وبين حكما القوانين الوضعية‪.‬‬
‫قاعدةا تزاحم المصالح‬
‫‪) 32‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬

‫‪27‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪13‬‬

‫نيقددما العلى من المصالبح‬ ‫فـإذا تزاحـم عـدد المصالبح‬

‫وهذه قاعدةا عظيمة جدا ونحتاج إليها كثي ار ولذلك قد نكثر التمثيل عند هذه القاعدةا وهي‬
‫مرتبطة بالبيت الذي قبلها والذي بعدها‪.‬‬
‫ومعنى هذا البيت‪:‬‬
‫أن المكلف إذا أمر أن يفعل أحد أمرين ول يمكن الجمع بينهما‪ ,‬وهنا دينتبه لنه إذا أمكن‬
‫الجمع بينهما وجب أن يصير إلى ذلك بحسب حكما المصلحة‪.‬‬
‫لكن قد تتزاحما عند المكلف مصلحتان ل يمكنه الجمع بينهما فإنه يصير إلى العلى‬
‫مصلحة وهذه الصور واردةا في باب الترجيحات وبين المتعارضات‪ ,‬فالقاعدةا معروضة‬
‫فيما إذا لما يتمكن المكلف من فعل المصلحتين معا ومنعه مانع شرعا أو قد ارا‪.‬‬
‫وهناك أمثلة تعرض للكثير كتزاحما الدعوةا وطلب العلما‪ ,‬وكذا تزاحما أداء بعض السنن‬
‫مع القياما بواجب الدعوةا إلى ال عز وجل‪ ,‬والبعض مثلا يسأل أنه إن قدر له وصاما قد‬
‫ل يتمكن من طلب العلما على الشكل المطلوب من البحثَ والقراءةا لكونه مجهداا‪ ,‬إلى‬
‫غير ذلك من المسائل الكثيرةا تعرض وخاصة للداعية إلى ال تعالى وطالب العلما على‬
‫الوجه الخص‪ ,‬ولذلك فقه هذه القاعدةا من الهمية بمكان‪.‬‬
‫ولهذا هذه القاعدةا لها صور كثيرةا‪:‬‬
‫‪-1‬إذا تعارض مصلحة واجبة وأخرى مسنونة‪ :‬فإنه يقدما الواجب لنه آكد‪ ,‬مثال ذلك‬
‫قد يقوما المسلما من النوما ولما يبق إل وقتا يسي ار ويخرج وقت صلةا الفجر فهل يقدما سنة‬
‫الفجر أما الفريضة؟ نقول هنا تزاحما المصلحتان بحكما أن الوقت سيخرج فإنها تقدما‬
‫الفريضة لن أداء الفريضة في الوقت آكد من أداء السنة قبل الفريضة‪.‬‬
‫‪-2‬إذا تعارض واجبان‪ :‬قدما الكد منهما لن الواجبات متفاوتة في قوةا الواجب‪ ,‬مثال‬
‫على ذلك‪ :‬صلةا العيدين على الصحيح أنها واجبه لكن لو كان اشتغاله بصلةا العيد‬
‫بالتهيؤ والذهاب إليها يفوت عليه صلةا الفجر فإنه يقدما صلةا الفجر لنها آكد‪ ,‬لن‬

‫‪28‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تارك الصلةا يكفر وتارك صلةا العيدين على القول بوجوبها وهو الصحيح يأثما أثما‬
‫فقط ل يخرج إلى حد الكفر‪.‬‬
‫‪-3‬تعارض السنن‪ :‬وعلى هذا جل أحكاما هذه القاعدةا‪ .‬فجل أحكامها في قضية تزاحما‬
‫المصالح في تعارض المسنونات بحيثَ أنه قد يعرض للنسان أوجه وأبواب من أبواب‬
‫الخير فتتزاحما هذه الوجه ول يمكن فعلها جميعا فل يدري أيها ديقدما‪ ,‬ففقه هذه القاعدةا‬
‫مما يعين النسان على اختيار الفضل‪ ,‬ولذلك وضع الفقهاء رحمهما ال تعالى ضوابط‬
‫لتعارض السنن منها‪:‬‬
‫أ(ْ إذا تعارض سنة وسنة مؤكدةا دقدمت السنة المؤكدةا‪.‬‬
‫ب(ْ إذا تعارض فعلن إحداهما ينتج عنه فعل قاصر والخر ينتج عنه فعل متعدي‪ ,‬إذا‬
‫لما يمكن تأديتهما جميع ا فإنه ديقدما العلى مصلحة وهو ما كان نفعه متعمد إلى الخرين‪,‬‬
‫لن ما كان نفعه متعمد للخرين هو أيض ا عائد على ذات النسان كطلب العلما‬
‫والشتغال بنوافل العبادات‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هنا إشارةا ولفتة يجب أن نعلما أن هذا التقسيما من حيثَ الصل‪ ,‬لكن قد يأتي‬
‫ل‪ .‬مثال ذلك‪:‬‬
‫وقت من الوقات بحيثَ يعرض عوارض للمفضول بحيثَ يكون فاض ا‬
‫الطرق العبادية التي دتعالج بها القلوب كثيرةا جدا منها قراءةا القرآن ومنها طلب العلما‬
‫ومنها الشتغال بنوافل العبادات ومنها تغسيل الموات ومنها زيارةا المرضى فقراءةا‬
‫القرآن هي أفضلها ول شك لكن قد يجد علج قلبه في مصاحبة أهل الخير في وقت من‬
‫ل‪.‬‬
‫الوقات فهنا يعمد إلى المفضول‪ ,‬لنه عرض له عارض جعله فاض ا‬
‫تزاحم المفاسد‬

‫‪14‬‬

‫فاررأتببكب الدنى من المفاسد‬ ‫وض ـدده تزاح ـنم المفاسـبد‬

‫‪29‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫المراد بالتزاحما هنا كالتزاحما بالبيت الذي قبل هذا‪ ,‬لكن هناك تزاحما مصالح وهنا تزاحما‬
‫مفاسد‪.‬‬
‫إذا تزاحما مفسدتان ولما يمكن تركهما جميع ا لن المفسدةا مطالب بتركها فإنه يرتكب‬
‫الخف مفسدةا في سبيل دفع العلى مفسدةا لكن ل شك إن أمكن تركهما جميعا فل‬
‫يجوز فعل واحد منهما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو وقع في ضرورةا حتمت عليه أما شرب دخان أو شرب مسكر ولما يمكن‬
‫تركهما جميعا فهنا يرتكب الخف مفسدةا وهو شرب الدخان‪ ,‬أما إن أمكن تركهما جميعا‬
‫وجب أن يصير إلى ذلك‪.‬‬
‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫هذه القاعدةا تندرج تحت قواعد كثيرةا منها‪:‬‬
‫* ل ضرر ول ضرار أو قاعدةا الضرر يزال‪.‬‬
‫* يصار إلى أهون الشرين‪ .‬مثال ذلك الن بعض أماكن الترفيه التي قد يكون بها شر‬
‫لوجود بعض المعاصي والمنكرات فلو تركها أهل الخير ربما زادت حدةا الشر وربما‬
‫تطور الشر إلى ما هو أعظما‪ ,‬فدخول مثل هذه الماكن لزالة الشر أو التقليل منه‬
‫مطلب شرعي‪ ,‬وهذا فقه وباب عظيما من أبواب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫* إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ولما يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب‬
‫أخفهما‪.‬‬
‫* إذا اجتمع ضرران أسقط الصغر الكبر‪.‬‬
‫فهذه القواعد وغيرها مهما اختلفت ألفاظها وصيغتها فهي متحدةا المعنى‪ ,‬فهي تدل على‬
‫أن النسان إذا ابتلي ببليتين ول بد من ارتكاب إحداهما فللضرورةا يجوز ذلك‪ ,‬فإذا كانت‬
‫البيتان أو الضرران أو المحرمان متساويين فهو بالخيار في ارتكاب أيهما شاء أما إن‬
‫كانا مختلفين في القوةا وأحدهما أخف مفسدةا وأقل ضر ار أو أهون ش ار من الخر فإنه‬
‫يرتكب الخف ويدفع العظما والشد لن ارتكاب المحرما والقداما على المفاسد ل يجوز‬
‫إل لضرورةا شديدةا إواذا أمكن دفع الضرورةا بالخف قل يجوز القداما على الشد‪ ,‬لنه‬
‫ل ضرورةا في حق الزيادةا‪.‬‬
‫أمثلة القاعدة‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثلا لو تردد المر بين أن يصلي النسان قائما وتنكشف عورته وبين صلته قاعدا مع‬
‫عدما انكشاف العورةا‪ ,‬فإنه يصلي قاعدا لن ترك القياما أهون وأخف‪.‬‬
‫مثال أخر‪ :‬رجل به جرح إذا سجد سال دمه إواذا أومأ بالركوع لما يسل دمه‪ ,‬قالوا فإنه‬
‫يومئ بالركوع والسجود لن ترك السجود أهون من الصلةا على النجاسة وهذا على‬
‫القول بنجاسة الدما‪.‬‬
‫من صور هذه القاعدةا‪:‬‬
‫* إذا تعارض محرمان وكان أحدهما أشد حرمة فإنه يقدما الخف حرمة‪ ,‬لن‬
‫المحرمات تتفاوت‪ ,‬فمثلا لو أمره النسان على إما شرب الدخان أو تناول المخدرات‪,‬‬
‫يرتكب الخف مفسدةا هو شرب الدخان‪.‬‬
‫من صورها كذلك إذا تعارض محرمان فعل أحدهما يعود عليه والخر يعود على غيره‬
‫فإنه يرتكب ما يعود عليه‪ ,‬ل لنه مأذون له فيه إوانما لنه أخف ضر ارا‪ ,‬لو خير إنسان‬
‫مثلا على إتلف ماله أو إتلف مال غيره ديقدما إتلف ماله‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬
‫هناك قاعدةا داخلة في باب المقاصد لما يذكرها المصنف رحمه ال تعالى وهي قاعدةا‬
‫}درء المفاسد مقدم على جلب المصالح{‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫أنه إذا تعارض فعلن أحدهما يجلب مصلحة والخر يدرء مفسدةا فأن درء المفاسد مقدما‬
‫على جلب المصالح‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬يظهر ذلك كما في قوله تعالى عز وجل‪‬كول تكدسدبوا الللذيكن كينددعوكن لمنن ددولن الللله‬
‫فككيدسدبوا الللهك كعندوا بلكغنيلر لعنلمما‪ .33‬فل شك أن سب آلهة المشركين قربة يتقرب العبد بها إلى‬
‫ال عز وجل وهي مصلحة ول شك لكن لما كان ذلك يؤدي إلى أن يسب المشركون ال‬
‫عز وجل نهى عن ذلك لماذا؟‬
‫لن درء المفسدةا مقدما على جلب المصلحة‪ ,‬وهذه القاعدةا يستفيد منها الداعي إلى ال‬
‫سبحانه وتعالى في دعوته حال مراعاته ذلك‪.‬‬

‫‪) 33‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(108‬‬

‫‪31‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فالنبي صلى ال عليه وسلما مثلا هكما أن يبني الكعبة وأن يجعل لها بابان لول أن قريش‬
‫حديثي عهد بالسلما فخشي عليهما من الفتنة‪.‬‬

‫من قواعد الشريعة التيسير‬

‫‪15‬‬

‫فـي كل أمر نابأبهن تعسينر‬ ‫ومن قواعد شأرعنا التيسينر‬

‫هذا البيت أراد به المؤلف رحمه ال تعالى قاعدةا عظيمة من قواعد هذا الدين وهي‬
‫قاعدةا اليسر ورفع الحرج والمشقة‪ ,‬وهذا يعبر عنها الفقهاء بقولهما}المشقة تجلب‬
‫التيسير{ وهذه القاعدةا إحدى القواعد الخمس التي ينبني عليها صرح الفقه السلمي‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪.1‬المور بمقاصدها‪.‬‬
‫‪.2‬اليقين ل يزول بالشك‪.‬‬
‫‪.3‬المشقة تجلب التيسير‪.‬‬
‫‪.4‬الضرر يزال‪.‬‬
‫‪.5‬العادة محكمة‪.‬‬
‫قال الماما الشاطبي رحمه ال تعالى‪ :‬إن الدلة على رفع الحرج في هذه المة بلغت‬
‫مبلغ القطع " أي أنها متواترةا"‪.‬‬
‫ومن تتبع الشريعة الغراء في أصولها وفروعها يجد التيسير واضحا جليا في العبادات‬
‫والمعاملت والحقوق والقضاء والحوال الشخصية وغير ذلك مما يتصل بعلقة الخلق‬
‫بخالقهما أو علقة الخلق بعضهما ببعض بما يضمن سعادتهما في الدنيا والخرةا‪.‬‬
‫والناظر في التخفيفات الواردةا في الشرع يرى أنها ل تخرج عن نوعين اثنين‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬نوع دشرع من أصله للتيسير‪ ,‬وهو عموما التكاليف الشرعية في الحوال العادية وهنا‬
‫لفتة وهي إن إيراد هذه القاعدةا ل يعني ذلك أن الصل في الشريعة العسر‪ ,‬إوانما المراد‬

‫‪32‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن الصل فيها اليسر‪ ,‬لكن قد يعرض للنسان عوارض تجعل هذا اليسير في حقه‬
‫عسي ار فجاءت الشريعة فخففته‪.‬‬
‫ثاني ا وهذا هو القسما الثاني وهو‪:‬‬
‫‪ ْ(2‬نوع شرح لما يجد من العذار والعوارض وهو المسمى بالرخص‪.‬‬
‫أما الول فمن تأمل الشريعة بداله جلي ا واضح ا أن هذا الدين كله بتكاليفه وعبادته‬
‫وتشريعاته ملحوظ فيه فطرةا النسان وطاقته‪ .‬هذه الحكاما يسيرةا ل عسر فيها‪ ,‬سمحه‬
‫ل تكلف فيها‪ ,‬سهلة ل تعقيد فيها‪ ,‬إنها ل تمثل قيودا وأغللا في عنق النسان‪ ,‬كما‬
‫يخيل لبعض المستشرقين ومن على شاكلتهما فيكتبون عن روح السلما بروح التعصب‬
‫وعقلية المتحامل‪ ,‬إنهما ومن لف لفهما من أبناء جلدتنا يجهلون أن الحكاما الشرعية في‬
‫حقيقتها توجيه وتشريف أكثر منها قيودا وحدوداا‪ ,‬وأن التكاليف الربانية أمر بحمد ال‬
‫تعالى ينسجما مع طبيعة النسان ويتلقى مع مزيته التي خصه ال تعالى بها من العقل‬
‫والفهما‪ ,‬فأي حرج على النسان بعد ذلك أن يتقيد بها ويعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫أما النوع الثاني من التخفيفات الواردةا في الشرع لما يوجد من العذار والعوارض وهو‬
‫المسمى بالرخص فهذا دليل عيان يشهد بأن هذا الدين دين اليسر والسهولة وشاهد عدل‬
‫أيضا على سماحته وتجاوبه مع الفطر المستقيمة وأيضا حساسية الشرع المرهفة لحوال‬
‫أهله بمسارعته في تقديما ما تزول به مشقتهما وعناؤهما ول الحمد و المنة‪.‬‬
‫تعريف‪:‬‬
‫المشقة هي العسر والعناء الخارجين عن حد العادةا والحتمال‪ ,‬ومنه قول ال عز وجل‬
‫‪‬كوتكنحلمدل أكثنكقالكدكنما إلكلى كبلكمد لكنما تكدكودنوا كبالللغيله إللل بللش ر‬
‫ق انلكننفد ل‬
‫س‪ 34‬أي بتعبها‪ .‬والتيسير في‬
‫اللغة هو السهولة والليونة‪.‬‬
‫والمعنى اللغوي الجمالي لهذه القاعدة‪:‬‬
‫أن الصعوبة والعناء تصبح سبب ا للتسهيل‪ ,‬وهذا معنى قولهما}إذا ضاق المر اتسع{‪.‬‬
‫وأما المعنى الشرعي الصطلحي لها فهو‪ :‬أن الحكاما التي ينشأ عن تطبيقها دون‬
‫عسر أو إخراج‪.‬‬
‫من أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪) 34‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪33‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫من القرآن‪:‬‬
‫*قول ال عز وجل‪‬ديلريدد الللهد بلدكدما انلدينسكر كول ديلريدد بلدكدما انلدعنسكر‪. 35‬‬
‫ت‪. 36‬‬ ‫ف الللهد كننفس ا إللل دونسكعكها لككها كما كككسكب ن‬
‫ت كوكعلكنيكها كما انكتككسكب ن‬ ‫*وقوله تعالى‪‬ل ديككلر د‬
‫ف كعنندكنما‪. 37‬‬ ‫*ومن ذلك قوله تعالى‪‬ديلريدد الللهد أكنن ديكخفر ك‬
‫*ومنه‪‬كوكما كجكعكل كعلكنيدكنما لفي الرديلن لمنن كحكرمج‪.38‬‬
‫*ومن ذلك‪‬كما ديلريدد الللهد للكينجكعكل كعلكنيدكنما لمنن كحكرمج‪.39‬‬
‫طنعتدنما‪.40‬‬ ‫*ومن ذلك‪‬كفاتلقدوا الللهك كما انستك ك‬
‫أما من السنة‪:‬‬
‫من تصفحها وجد تصريح أو تشير إلى معاني هذه القاعدةا من ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أن النبي صلى ال عليه وسلما وعلى آله وسلما لما سئل‪‬أي الديان أحب إلى ال‬
‫تعالى؟ قال‪ :‬الحنيفية السمحة‪. 41‬‬
‫قال الشاطبي رحمه ال‪ :‬وسمي الدين بالحنيفية السمحة لما فيها من التيسر والتسهيل‪.‬‬
‫‪ .2‬ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرةا رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلما قال‪‬إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إل غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا‬
‫واستعينوا بالغدوةا والروحة وشيء من الدلجة‪.‬‬
‫‪ .3‬وقول النبي صلى ال عليه وآله وسلما‪ ‬لول أن أشق على أمتي " وفي رواية على‬
‫المؤمنين" لمرتهما بالسواك عند كل صلةا‪.42‬‬
‫ونحو ذلك من الدلة على هذه القاعدةا مشروعية الرخص‪ ,‬كرخص القصر والفطر‬
‫والجمع وتناول المحرمات للضطرار ونحو ذلك‪.‬‬
‫*من الجماع‪:‬‬

‫‪) 35‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(185‬‬


‫‪) 36‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(286‬‬
‫‪) 37‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬
‫‪) 38‬الحج‪ :‬من الية ‪ْ(78‬‬
‫‪) 39‬المائدةا‪ :‬من الية ‪ْ(6‬‬
‫‪) 40‬التغابن‪ :‬من الية ‪ْ(16‬‬
‫‪ 41‬رواه البخاري في صحيحه تعليقاا‪.‬‬
‫‪ 42‬رواه البخاري‬

‫‪34‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الجماع منعقد على عدما وقوع التكليف بالشاق‪.‬‬


‫فائدة‪:‬‬
‫لسائل أن يقول ما ضابط المشقة التي تجلب التيسير؟‬
‫لن الكثير من الناس يتعلل بالمشقة كلما دكلف بأمر قال هذا فيه مشقة‪ .‬هذا ل‬
‫أستطيعه هذا ل أقدر عليه وربما قال بأن الدين يسر‪ .‬وربما قال إن المشقة تجلب‬
‫التيسير فهل كل مشقة تجلب التيسير؟ فنقول جواب ذلك على قسمين‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬مشقة ل تنفك العبادةا عنها غالباا‪ ,‬وذلك كمشقة الصوما لشدةا الحر وطول‬
‫النهار‪ ,‬ومشقة الجهاد‪ ,‬ومشقة الحج‪ ,‬مشقة الجتهاد في طلب العلما‪ ,‬فهذه المشقة ل‬
‫انفكاك عنها في الغالب‪ ,‬كما أنها مشقة ل تنافي التكليف ول توجب التخفيف لن الذي‬
‫يطلب التخفيف حينئذ هو مهمل ومفرط‪.‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬مشقة تنفك عنها العبادات غالباا‪ ,‬والصل أنها ل تلزما العبادةا فان كانت‬
‫مشقة عظيمة كخوف الهلك عند الغتسال فان هذه المشقة هي التي تجلب التيسير‪,‬‬
‫أما أن كانت مشقة خفيفة كأدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف‪ ,‬فهذا ل أثر له‬
‫ول التفات إليه لن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع هذه المفسدةا التي ل أثر‬
‫لها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أسباب رفع المشقة أو أنواع الرخص‪.‬‬
‫ذكر الفقهاء رحمهما ال تعالى أن الرخص الشرعية سبعة أنواع وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬رخصة إسقاط‪ :‬كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها كإسقاط الصلةا عن الحائض‬
‫وعن النفساء‪ ,‬وعدما وجوب الحج على المرأةا إذا لما تجد محرماا‪.‬‬
‫‪ .2‬رخصة تنقيص‪ :‬أي إنقاص العبادةا لوجود العذر وهذا كالقصر في الصلةا‪.‬‬
‫‪ .3‬رخصة إبدال‪ :‬أي إبدال عبادةا بعبادةا كإبدال الوضوء والغسل بالتيمما عند عدما الماء‬
‫أو عدما القدرةا على إستعماله‪ ,‬إوابدال القياما بالصلةا بالقعود أو الضجعاع للمرض‪.‬‬
‫‪ .4‬رخصة تقديما‪ :‬كجمع التقديما بعرفات بين الظهر والعصر‪ ,‬وتقديما الزكاةا على الحول‬
‫وزكاةا الفطر في رمضان‪ ,‬وتقديما الكفارةا على الحنثَ ولذلك قالوا يجوز }تقديم الشيء‬
‫بعد انعقاد سببه وقبل وجود شرطه{ مثلا النسان إذا صار عنده نصاب زكاةا هذا هو‬
‫سبب الزكاةا بلوغ النصاب يجوز أن يقدمه قبل شرطه وهو حلول الحول‪ ,‬وكذا الحنثَ‬

‫‪35‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫في اليمين يجوز له أن يحلف ثما يكفر عن يمينه ثما يحنثَ لكن ل يجوز له أن يكفر ثما‬
‫يحلف ثما يحنثَ‪ ,‬الن سبب اليمين لما ينعقد‪.‬‬
‫‪ .5‬رخصة تأخير‪ :‬كالجمع في مزدلفة بين المغرب والعشاء‪ ,‬وتأخير صياما رمضان‬
‫للمسافر والحائض والنفساء ومن انشغل بإنقاذ غريق‪ ,‬أو العناية بمريض ديخشى عليه أو‬
‫جريح تجري له عملية‪.‬‬
‫‪ .6‬رخصة اضطرار‪ :‬كشرب الخمر للغصة إذا لما يجد وخشي على نفسه الهلك‪ ,‬وأكل‬
‫الميتة والخنزير عند المسغبة وخشية الموت جوعاا‪.‬‬
‫‪ .7‬رخصة تغيير‪ :‬كتغير نظما الصلةا للخوف‪.‬‬
‫وهذه الدرخص ليست على مرتبة واحدةا بل هي تختلف تبعا لظروف المكلف فمنها‪:‬‬
‫أ(ْ ما يجب فعله كأكل الميتة للمضطر‪.‬‬
‫ب(ْ ومنها ما يندب فعله كالقصر في السفر أو جواز النظر إلى المخطوبة‪.‬‬
‫ج(ْ منها ما يباح كالسلما "والسلما هو تعجيل الثمن وتأخير المثمن"‪.‬‬
‫د(ْ ومنها درخص الولى بالمكلف أن يفعلها كالفطر في السفر لمن ل يتضرر‪.‬‬
‫ذ(ْ منها رخص يكره فعلها كالجمع في السفر للمقيما في بلد سافر إليه‪ ,‬والقصر في أقل‬
‫من ثلثَ مراحل عند بعض الفقهاء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬حصر بعض الفقهاء أسباب التخفيف في سبعة أسباب رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ /1‬السفر‪ :‬والسفر على الراجح ديرجع فيه إلى العرف‪ ,‬لكن على كل حال هو من‬
‫أسباب التخفيف‪.‬‬
‫‪ /2‬المرض‪ :‬وهو خروج البدن عن حد العتدال والعتياد إلى العوجاج والشذوذ‪,‬‬
‫فالمرض قد أذن له بأن يتخلف عن صلةا الجماعة‪ ,‬وأن يصلي قاعدا أو يصلي على‬
‫جنبه حسب ما يستطيع‪ ,‬ويفطر إذا كان هناك مشقة عليه من الصياما‪.‬‬
‫‪ /3‬الكراه‪ :‬وهو في اصطلح الفقهاء "حمل الغير على أن يفعل ما ل يرضاه ول‬
‫يختار مباشرته لو ترك و نفسه‪.‬‬
‫‪ /4‬النسيان أو السهو‪ :‬والنسيان هو جهل النسان بما كان يعلمه ضرورةا أو هو عدما‬
‫استحضار الشيء في وقت الحاجة إليه‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ب على النسان ول أثما على‬


‫قال العز بن عبدالسلما رحمه ال تعالى) النسيان غال م‬
‫الناسي(ْ‪.‬‬
‫فإذا نسى النسان وكان ل يمكن تدارك هذا الشيء فانه يسقط وجوب هذا الشيء بفواته‬
‫كنسيانه لصلةا الكسوف‪ .‬وأن كان مما ديقبل التدارك من حقوق ال تعالى أو حقوق‬
‫عباده كالصلةا والزكاةا ونفقات الزوجات وجب تداركه‪.‬‬
‫‪ /5‬الجهل‪ :‬هو نقيض العلما‪ ,‬وهو في الصطلح اعتقاد الشيء جزما على خلف ما‬
‫ب يرفع الثما والحرج والمسؤلية عن المكلفين بل ويمنع من‬
‫هو في الواقع‪ .‬فالجهل سب م‬
‫توجيه الخطاب الشرعي إليهما أحيان ا أخرى‪.‬‬
‫وهذه ليست دعوى إلى الجهل لن النسان ل يعذر بتفريطه بل تقول يجب عليه أن‬
‫يتعلما ما ل تقوما العبادةا إل به وما ل تصح العبادةا إل به لكن لو انه بذل واجتهد في ذلك‬
‫لكنه جهل بعض المسائل فإنه يرفع عنه الحرج‪.‬‬
‫‪ /6‬العسر وعموما البلوى‪:‬والعسر أي مشقة تجنب الشيء‪ ,‬وعموما البلوى أي شيوع‬
‫البلء بحيثَ يصعب على المرء البتعاد عنه‪.‬‬
‫‪ /7‬النقص الطبيعي‪ :‬والنقص ضد الكمال ولذلك لما يكلف الصبي والمجنون لنقص‬
‫عقليهما‪ ,‬وفوض أمر أموالهما للولي‪ ,‬كذلك عدما تكليف النساء بكثير مما وجب على‬
‫الرجال كحضور الجمع والجماعات‪ .‬وهذا ل يسمى كما يزعما البعض أنه نقص غير‬
‫طبيعي بالتالي يحمله ذلك على انتقاص المرأةا مثلا كانتقاص بعضهما النساء برقة‬
‫الدين‪ ,‬كمن يستدل بقول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين‬
‫أذهب للب الرجل الحازما من إحداكن‪..‬الخ‪ ,43‬حيثَ بين صلى ال عليه وسلما أنها تترك‬
‫الصلةا في حال حيضها ونفاسها فهذا ليس مدعاةا للنتقاص‪ ,‬لن هذا نقص طبيعي‬
‫ليس شاذا حتى يحمل ذلك بعض الرجال على انتقاص المرأةا بل قال أهل العلما بأن‬
‫المرأةا إذا تركت الصلةا في حال حيضها ونفاسها فإنها تكون ممتثلة امتثالا يوازي تركها‬
‫للصلةا فيغلب جانب امتثالها ويكون ذلك صفة كمال ل نقص في حقها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬إطلقات القاعدةا‪:‬‬

‫‪ 43‬متفق عليه‬

‫‪37‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا }قاعدة المشقة تجلب التيسير{ كثيرةا الفروع وعميقة الجزور ولهذا لها‬
‫اطلقات‪:‬‬
‫‪ .1‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا ضاق المر اتسع أي إذا حصل على النسان حرج أو مشقة توسع بالرخصة‪.‬‬
‫‪ .3‬ما أبيح للضرورةا ديقدر بقدرها‪ ,‬فإذا جاز للنسان أن يأكل الميتة خشية الهلك فإنه‬
‫ل يأكل إلى حد الشبع إوانما يأكل ما يندفع به هلكه‪.‬‬
‫‪ .4‬ما جاز لعذر بطل بزواله كمن يقصر بالسفر إذا رجع إلى بلده بطل القصر‪ ,‬لن‬
‫العذر زال‪.‬‬
‫‪ .5‬الميسور ل يسقط بالمعسور‪ .‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫الواجبات تسقط مع عدما القدرأةا‬

‫‪16‬‬

‫ول نمبحدرما مع اضطرابرأ‬ ‫وليس واجـب بأل اقتـدارأ‬

‫هذه القاعدةا لها صورتان‪:‬‬


‫‪ ْ(1‬نفي الواجب مع عدما القدرةا عليه }سقوط الواجب لعدم القدرة{ وهذا معنى‬
‫قوله)وليس واجب بل اقتدار(ْ‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬إعمال المحرما مع الضطرار إليه }إباحة المحرم عند الضرورة{ وهذا معنى‬
‫قوله)ول محرما مع اضطرار(ْ‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أدلة هذه القاعدةا هي نفس أدلة القاعدةا السابقة‪ ,‬لن سقوط الواجب مع عدما‬
‫القدرةا عليه وفعل المحرما عند الضرورةا إليه هذا من يسر الشريعة‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الواجب الذي ل يمكن فعله لسقوطه صورتان‪:‬‬
‫‪.1‬أن يسقط إلى بدل عنه كالعدول إلى التيمما عند عدما الماء أو فقد الماء‪ .‬والصيرورةا‬
‫إلى البدل يعبر عنها الفقهاء بإطلقات منها‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ( إذا تعذر الصل يصار إلى البدل‪.‬‬


‫ب( للبدل حكما المبدل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يسقط بالكلية‪ ,‬كسقوط الصلةا عن الحائض والنفساء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هناك قاعدةا في مسألة سقوط الواجب عند الضرورةا وهي‪:‬‬
‫}الميسور ل يسقط بالمعسور{‪ ,‬وذلك لن أوامر الشريعة كلها معلقة بقدرةا العبد‬
‫واستطاعته إذا لما يقدر على الواجب من الواجبات بالكلية سقط عنه وجوبه‪ ,‬إذا قدر‬
‫على بعضه‪ ,‬إن كان ذلك البعض عبادةا‪ ,‬وجب ما يقدر عليه وسقط عنه ما يعجز عنه‪.‬‬
‫قال العز بن عبدالسلما رحمة ال تعالى)إن من دكلف بشيء من الطاعات فقدر على‬
‫بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه(ْ‪.‬‬
‫دليل هذا الفرع‪:‬‬
‫ذهب العلماء في استنباط هذه القاعدةا إلى الشطر الثاني من حديثَ أبي هريرةا رضي ال‬
‫عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلما يقول‪‬ما نهيتكما عنه فاجتنبوه وما‬
‫أمرتكما به فافعلوا منه ما استطعتما‪ ,44‬الشاهد قوله‪‬وما أمرتكما بأمر فافعلوا منه ما‬
‫استطعتما‪ ‬وقد صرح بذلك الماما تاج الدين السبكي في الشباه والنظائر‪ ,‬كما يستدل‬
‫لذلك أيض ا بقوله تعالى ‪‬كفاتلقدوا الللهك كما انستك ك‬
‫طنعتدنما‪.45‬‬
‫وقوله تعالى ‪‬للديننلفنق دذو كسكعمة لمنن كسكعتلله‪ 46‬أي بحسب قدرته واستطاعته‪.‬‬
‫من المثلة على ذلك‪:‬‬
‫* من عجز عن بعض غسل الجنابة لزمه التيان بما قدر عليه منه مثل‪ :‬إنسان في‬
‫البر أصابته جنابه ويخشى على نفسه الهلك إن اغتسل‪ ,‬نقول يغسل ما استطاع‪,‬‬
‫ويتيمما عن الباقي‪ ,‬فبعض الناس يترك الغسل مع أنه قد يستطيع أن يغسل رجليه مثلا‬
‫إلى الركبتين‪ ,‬أو إلى ما فوق ذلك أو بغسل يديه إلى العضدين‪ ,‬لن تخفيف الجنابة‬
‫مشروع حتى ولو يغسل أعضاء الوضوء‪.‬‬

‫‪ 44‬رواه البخاري ومسلما‬


‫‪) 45‬التغابن‪ :‬من الية ‪ْ(16‬‬
‫‪) 46‬الطلق‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪39‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫* إذا عجز عن بعض الفاتحة لزمه التيان بالباقي‪ ,‬ونحو ذلك‪ .‬ولكن يجب التنبه إلى‬
‫مسألة وهي‪ :‬أن ما لما يكن جزؤه عبادةا مشروعة فإنه ل يلزما المكلف بالتيان به‪ ,‬كما لو‬
‫نذر أن يصوما يوم ا ويقدر على صوما بعض يوما دون كله فإنه ل يلزمه إمساكه‪ ,‬لن‬
‫جزء اليوما ليس عبادةا مشروعة‪.‬‬
‫قال }ول محرم مع اضطرار{‬
‫وهذا ما يعبرون عنه بقولهما }الضرورات تبيح المحظورات{‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬أن الشارع إذا منع من شيء وكان النسان محتاج إليه فإن هذه الضرورةا‬
‫تجعل هذا المحرما مباح ا بل قد يرتفع إلى درجة الوجوب واللزاما‪.‬‬
‫ولكن مع السف الشديد كثر في عصرنا الحاضر استعمال الضرورةا على غير وجهها‬
‫الشرعي حتى جعلت ذريعة لفعل كثير من المحظورات وترك الواجبات تحت ستار مبدأ‬
‫التخفيف والتيسير على الناس دون التقيد بالضوابط الشرعية وهي ضوابط الضرورةا‪ ,‬أو‬
‫الجهل بأحكامها أو الجهل بالحالت التي يصح التقيد بها عند وجود مقتضياتها‪.‬‬
‫من أمثلة ذلك‪ :‬توسع الناس في استقداما الخادمة مثلا بحكما أن الضرورات تبيح‬
‫المحظورات‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضلا‪ :‬النقاب مثلا هذا موجود في عهد الصحابيات كن نساء السلف يلبسنه‪,‬‬
‫لكن النساء الن توسعن في استعماله تحت ذريعة هذه الضرورةا فأصبحت تخرج شيئ ا‬
‫كبي ار وتجمل عينيها ونحو ذلك‪ ,‬وبعضهن غير محتاجه أصلا للبسه ومع ذلك إوان‬
‫لبسته للضرورةا توسعت فيه فهي استعملت الضرورةا استعمالا زائدا عن الحد‪.‬‬
‫ولذلك قال الشاطبي رحمه ال تعالى) وربما استجاز هذا بعضهما في مواطن يدعي فيها‬
‫الضرورةا إوالجاء الحاجة بناء على أن الضرورات تبيح المحظورات فيأخذ عند ذلك بما‬
‫يتفق مع الغرض ويوافق الهوى الحاضر وكمكحامل الضرورات معلوما من الشريعة(ْ‪.‬‬
‫ومثال ذلك أيضاا‪ :‬بعض النساء تسافر بغير محرما ربما لسنة من السنن وتدعي أنها‬
‫مضطرةا ولذلك قال)فيأخذ عند ذلك بما يتفق مع الغرض ويوافق الهوى الحاضر(ْ‪.‬‬
‫مفهوم الضرورة‪:‬‬
‫الضرورات‪ :‬جمع ضرورةا ‪ ,‬مأخوذةا من الضطرار وهو الحاجة الشديدةا والمشقة والشدةا‬
‫التي ل مدفع لها‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫اصطلحاا‪ :‬هي أن تط أر على النسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدةا بحيثَ يخاف‬
‫حدوثَ ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال‪ ,‬ويتعين أو‬
‫يباح عندئمذ ارتكاب الحراما أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفع ا للضرر عنه في‬
‫غالب ظنه ضمن قيود الشرع‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هو حد الضرورةا التي تبيح المحظور؟‬
‫نقول بأن الضطرار إوان كان سبب من أسباب إباحة الفعل إل أنه ل د[سقط حقوق‬
‫الدميين وأن كان يسقط حق ال عز وجل يرفع الثما والمؤاخذه عن المضطر أو‬
‫المستكره فإن الضرورةا ل تبطل حق الدميين‪.‬‬
‫مثال‪ :‬شخص وجد شاةاا فذبحها مضط ار وأكل لحمها‪ ,‬جاءه صاحب الشاةا وطالبه‬
‫بالثمن فل يقول أنا مضطر والضرورات تبيح المحظورات! نعما هو رفع عنه الثما‬
‫"المؤاخذةا" لكن ل يعني ذلك أن حق الدميين يسقط إوانما يجب عليه أن يدفع القيمة‪.‬‬
‫ولهذا قيدت هذه القاعدةا بقاعدةا أخرى وهي }الضطرار ل يبطل حق الغير{‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* أما اليات القرآنية التي تدل على هذه القاعدةا في قوله }ول محرم مع اضطرار{ فهي‬
‫خمس آيات‪:‬‬
‫‪ .1‬منها آية واحدةا نص فيها صراحة على ضرورةا المخمصة " أي الجوع الشديد " وهي‬
‫ت كعلكنيدكدما انلكمنيتكةد كواللددما كولكنحدما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل للكغنيلر‬‫آية المائدةا وقول ال عز وجل‪‬دحرركم ن‬
‫الللله بلله كوانلدمننكخنلقكةد كوانلكمنودقوكذةاد كوانلدمتككرردكيةد كواللنلطيكحةد كوكما أككككل اللسدبعد إللل كما كذلكنيتدنما كوكما دذبلكح‬
‫ق انلكينوكما كيئلكس الللذيكن ككفكدروا لمنن لدينلدكنما كفل‬ ‫صلب كوأكنن تكنستكنقلسدموا لبانلكنزللما كذللدكنما لفنس م‬ ‫كعكلى الدن د‬
‫ت لكدكدما ا نللنسلكما‬ ‫ضي د‬‫ت علكنيدكما نلعملتي ور ل‬
‫ت لكدكنما ديكندكنما كوأكتنكمنم د ك ن ن ك ك ك‬
‫ل‬ ‫تكنخكشنودهنما كوانخكشنولن انلكينوكما أكنككمنل د‬
‫ف للثنمما فكلإلن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪. 47‬‬ ‫ضطدلر لفي منخمصمة كغنير متكجانل م‬
‫ك د ك‬ ‫ك ك ك‬ ‫لدين ا فككملن ا ن‬
‫أما اليات الخرى فإنه يفهما منها إباحة المحظور عند وجود الضرورةا وهي أربعة آيات‪:‬‬
‫‪ .2‬قول ال عز وجل‪‬إللنكما كحلركما كعلكنيدكدما انلكمنيتكةك كواللدكما كولكنحكما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل للكغنيلر الللله بلله‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد فكلإلن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪.48‬‬ ‫فككملن ا ن‬
‫‪) 47‬المائدةا‪ْ(3:‬‬
‫‪) 48‬النحل‪ْ(115:‬‬

‫‪41‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫طكعدمهد لإلل أكنن كيدكوكن كمنيتكةا‬ ‫طالعمما كي ن‬


‫‪ .3‬قوله تعالى‪‬دقنل ل أكلجدد لفي كما دأولحكي لإلكلي دمكحلرما كعكلى ك‬
‫ضطدلر كغنيكر‬ ‫أكنو كدم ا كمنسدفوح ا أكنو لكنحكما لخننلزيمر فكلإلنهد لرنجمس أكنو لفنسق ا أدلهلل للكغنيلر الللله بلله فككملن ا ن‬
‫ك كغدفومر كرلحيمما‪.49‬‬ ‫كبامغ كول كعامد فكلإلن كرلب ك‬
‫‪ .4‬وقوله تعالى‪‬لإلنكما كحلركما كعلكنيدكدما انلكمنيتكةك كواللدكما كولكنحكما انللخننلزيلر كوكما أدلهلل بلله للكغنيلر الللله فككملن‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد كفل إلثنكما كعلكنيله إللن الللهك كغدفومر كرلحيمما‪.50‬‬ ‫ا ن‬
‫صكل لكدكنما كما كحلركما كعلكنيدكنما لإلل كما‬‫‪ .5‬وقوله‪‬كوكما لكدكنما أكلل تكنأدكلدوا لملما دذلككر انسدما الللله كعلكنيله كوقكند فك ل‬
‫ك دهكو أكنعلكدما لبانلدمنعتكلديكن‪.51‬‬ ‫ضدلوكن بلأكنهكوائللهنما بلكغنيلر لعنلمما لإلن كرلب ك‬ ‫ضطدلررتدما لإلكنيله إولالن ككلثي ار لكي ل‬
‫د‬ ‫ك‬ ‫ا ن ن ن‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫أ(ْ فمن ذلك حديثَ أبي واقد الليثي قال‪‬قلت يا رسول ال إنا بأرض تصيبنا مخمصة‬
‫"أي جوع"‬
‫فما يحل لنا من الميتة؟ فقال إذا لما تصطحبوا "أي تصيبوا لبن ا في الصباح" ولما تغتبقوا‬
‫"أي تشربوا في المساء" ولما تحتفؤا بها بقلا فشأنكما بها‪ 52‬أي كلوا منها ما يدفع الضرر‪.‬‬
‫ب(ْ من ذلك أيضا حديثَ جابر بن سمرةا أن أهل بيت كانوا بالحرةا محتاجين قال فماتت‬
‫عندهما ناقة لهما أو لغيرهما فرخص لهما رسول ال صلى ال عليه وسلما في أكلها قال‬
‫‪‬فعصمتهما "أي انقذتهما من الهلك" بقية شتائهما أو سنتهما‪.53‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫يجب على المضطر أن يعلما أم ار مهما وهو كونه يباح له هذا الشيء بالضرورةا ل يعني‬
‫أن يأخذ مجموع هذه الشيء إذا كانت الضرورةا تندفع بالبعض أي إذا أبيح أكل الميتة‬
‫للمضطر ل يعني هذا أنه يأكل إلى حد الشبع إوانما يأخذ بقدر ما تندفع به الضرورةا‬
‫ولذلك قالوا الضرورات تقدر بقدرها وهذا هو ما تفيده القاعدةا التي بعد هذه وهي‪:‬‬
‫الضرورأات تبيح المحظورأات‬

‫‪) 49‬النعاما‪ْ(145:‬‬
‫‪) 50‬البقرةا‪ْ(173:‬‬
‫‪) 51‬النعاما‪ْ(119:‬‬
‫‪ 52‬رواه أحمد‬
‫‪ 53‬رواه أحمد في المسند‬

‫‪42‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪17‬‬

‫بأقدرأب ما تحتاجننه الضرورأةا‬ ‫وكـل محـظورأٍ مع الضرورأةا‬

‫ومعنى القاعدة‪:‬‬
‫أن كل ما أبيح للضرورةا من فعل أو ترك فإنما يباح بالقدر الذي يدفع الضرر والذى‬
‫دون ماعدا ذلك‪ ,‬فل يباح بالضرورةا محظور أعظما محذو ار من الصبر عليها‪ ,‬كما أن‬
‫الضطرار إنما يبيح من المحظورات مقدار ما يدفع الخطر ول يجوز السترسال ومتى‬
‫زال الخطر عاد الحظر‪.‬‬
‫ودليل هذه القاعدة‪:‬‬
‫ضطدلر كغنيكر كبامغ كول كعامد كفل لإثنكما كعلكنيله‪. 54‬‬
‫قول ال عز وجل‪ ‬فككملن ا ن‬
‫"غير باغ" ‪ :‬أي غير طالب له راغب فيه لذاته¸بمعنى أنه ل يرغب في هذا المحرما لكما‬
‫اضطر إليه ‪,‬غنما من أجل أن يدفع الضرر عن نفسه‪.‬‬
‫"ول عاد" ‪ :‬أي متجاوز قدر الضرورةا‪ ,‬وهذا هو الشاهد‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬إن الجائع المضطر للكل من الميتة ل يتناول إل بقدر ما يسد جوعته‪ ,‬فل يصل‬
‫إلى حد الشبع‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬الجبيرةا‪ ,‬فليس له أن يزيد من الجبيرةا فوق ما يحتاجه الجرح‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬نظر الطبيب للعورةا بقدر الحاجة‪ ,‬مثل نظر الطبيب للمرأةا يجب أن يكون بقدر‬
‫الحاجة‪ ,‬فالصل أن تتطبب المرأةا عند المرأةا لكن إذا لما يوجد العلج إل عند طبيب‬
‫رجل واضطرت إلى ذلك فإنها تكشف بقدر ما تندفع به هذه الضرورةا فل تكشف جميع‬
‫وجهها مثلا والعلج لعينها أو أسنانها فقط‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬

‫‪) 54‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(173‬‬

‫‪43‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هناك قاعدةا لها صلة بقاعدةا }الضرورات تبيح المحظورات{ وهي قاعدةا }ما جاز لعذر‬
‫بطل بزواله{ وهذه القاعدةا قريبة في المعنى من قاعدةا }الضرورات تبيح المحظورات{‬
‫بل هي مكملة لها وهي ملحقة بها‪ ,‬إل أن القاعدةا السابقة وهي }ما أبيح للضرورة يتقدر‬
‫بقدرها{ يعمل بها أثناء قياما الضرورةا‪ ,‬وهذه القاعدةا تبين ما يجب فعله بعد زوال حال‬
‫الضرورةا‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة }ما جاز لعذر بطل بزواله{‪:‬‬
‫أن الشياء التي تجوز بنااء على العذار والضرورات‪ ,‬إذا زالت تلك العذار‬
‫والضرورات بطل الجواز فيها‪ ,‬فإذا زال العذر أمكن العمل بالصل والفرع بدلا عنه‪,‬أي‬
‫ل‪ ,‬فأكل ثما وجد طعاما حللا ليس له أن‬
‫إذا زال العذر‪ :‬إذا اضطر إلى أكل الميتة مث ا‬
‫يأكل من الميتة لن هذه الميتة إنما حلت بعذر‪.‬‬
‫فلو جاز العمل بالبدل مع عدما الحاجة إليه للزما من ذلك جواز الجمع بين البدل والمبدل‬
‫منه وهذا ل يجوز‪.‬‬
‫أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* من تيمما لسبب مثلا ثما زال السبب‪ ,‬إذا زال السبب رجع إلى الصل وهو الماء‪.‬‬
‫* قصر الصلةا في السفر جاز لعذر وهو السفر‪ ,‬إذا رجع إلى بلده بطل قصر‬
‫الصلةا‪.‬‬
‫أمر مهما في الجبيرةا‪ :‬بعض الناس يضع الجبيرةا للضرورةا وهي في موضع من مواضع‬
‫الوضوء‪ ,‬ويقول له الطبيب بعد ثلثة أياما أو أربعة أياما نزيل الجبيرةا‪ ,‬فيتركها لمدةا أسبوع‬
‫مثلا مع زوال العذر فيجب أن دينتبه على مثل ذلك‪.‬‬

‫الشك ل يزيل اليقين‬

‫‪18‬‬

‫ب‬
‫لليقين‬ ‫ك‬
‫فل نيزيل الش ن‬ ‫ب‬
‫لليقين‬ ‫وترجـع الحكاما‬

‫‪44‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أهمية هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه القاعدةا أصل شرعي عظيما‪ ,‬مدار كثير من الحكاما الفقهية بل إنها تدخل في‬
‫معظما أبواب الفقه من معاملت وعقوبات وأقضية‪ ,‬بناء على هذا قيل أن هذه القاعدةا‬
‫تتضمن ثلثة أرباع علما الفقه‪ ,‬قال السيوطي عليه رحمة ال تعالى‪:‬‬
‫هذه القاعدةا تدخل في جميع أبواب الفقه‪ ,‬والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلثة أرباع الفقه‬
‫وأكثر‪.‬‬
‫وقال النووي مطردةا ل يخرج عنها إل مسائل‪.‬‬
‫تعريف اليقين‪:‬‬
‫اليقين لغة‪ :‬العلما وزوال الشك كذا قال الجوهري‪.‬‬
‫وأما اصطلحاا‪ :‬حصول الجزما أو الظن الغالب بوقوع الشيء أو عدما وقوعه‪.‬‬
‫تعريف الشك‪:‬‬
‫الشك لغة‪ :‬فهو مطلق التردد‪.‬‬
‫أما في الصطلح تردد الفعل بين الوقوع وعدمه أي ل يوجد مرجح لحد الطرفين على‬
‫الخر ول يمكن ترجيح أحد الحتمالين على الخر‪.‬‬
‫ل يوجد مرح‪ :‬أي لو إنسان شك ‪ %50‬و ‪ %50‬ولما يجد مرجح لحد الطرفين على‬
‫الخر‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن المر ثبوته ل يرتفع إل بدليل قاطع ل ديحكما بزواله بمجرد الشك‪ ,‬من جهة أخرى‬
‫أيضا المتيقن عدما ثبوته ل يحكما بثبوته بمجرد الشك لن الشك أضعف من اليقين فل‬
‫يعارضه ل ثبوت ا ول عدماا‪.‬‬
‫فالمعنى بشكل مبسط‪ :‬أن النسان إذا تحقق من وجود شيء‪ ,‬ثما ش ل‬
‫ك في عدما وجوده‪,‬‬
‫فالصل الوجود لهذا الشيء‪.‬‬
‫إواذا تحقق من عدما وجود شيء‪ ,‬ثما شك في وجوده‪ ,‬فالصل عدما الوجود‪ ,‬لماذا؟ لن‬
‫اليقين فيه تحقق والشك تردد‪ ,‬فالشك ل يقوى على إزالة اليقين لنه أضعف منه‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا يدل لها القرآن الكريما والسنة النبوية والعقل‪.‬‬


‫* من القرآن الكريم‪:‬‬
‫ظين ا إللن الظللن ل دينغلني لمكن انلكح ر‬
‫ق كشنيئ ا‪.55‬‬ ‫مثلا قول ال عز وجل ‪‬كوكما كيتلبلعد أكنكثكدردهنما إللل ك‬
‫الحق هنا بمعنى‪ :‬الحقيقة الواقعة كاليقين‪.‬‬
‫* ومن السنة‪:‬‬
‫‪ (1‬ما رواه البخاري في صحيحه عن عباد بن تميما عن عمه أنه شكا إلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلما الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا‪ ,‬فقال النبي‬
‫ت أو يجد ريح ا‪.56‬‬
‫صلى ال عليه وسلما‪‬ل ينفتل أو ل ينصرف حتى يسمع صو ا‬
‫فهنا‪:‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلما أعمل اليقين‪,‬لن الرجل دخل الصلةا بطهارةا يقينية‪ ,‬فكونه‬
‫يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا هذا شك‪ ,‬لما يقل أخرج إوانما قال‪‬ل ينصرف‪ ‬أو‬
‫ت أو يجد ريحا ‪‬لماذا؟ لن اليقين ل يزول إل‬
‫‪‬ل ينفتل أو ل ينصرف حتى يسمع صو ا‬
‫بيقين مثله‪.‬‬
‫قال النووي رحمه ال تعالى في شرح مسلما عند شرح هذا الحديثَ)هذا الحديثَ أصل من‬
‫أصول السلما‪ ,‬وقاعدةا عظيمة من قواعد الفقه‪ ,‬وهي أن الشياء ديحكما ببقائها على‬
‫أصولها حتى يتيقن خلف ذلك ول يضر الشك الطارئ عليها‪.‬‬
‫‪(2‬ما رواه مسلما في صحيحه عن أبي هريرةا رضي ال عته قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلما‪‬إذا وجد أحدكما في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج منه شيء أما ل؟ فل‬
‫يخرجن من المسجد حتى يسمع صوت ا أو يجد ريح ا‪.‬‬
‫فهنا‪:‬‬
‫دخل الصلةا بطهارةا يقينية وهذا الذي يجده شك‪ ,‬والشك ل يقوى على إزالة اليقين لنه‬
‫أضعف منه‪.‬‬
‫فائدةا‪:‬‬

‫‪) 55‬يونس‪ :‬من الية ‪ْ(36‬‬


‫‪ 56‬رواه مسلما في صحيحه عن عبدال بن زيد رضي ال تعالى عنه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ولو فقه هذا من وقعوا في الوسوسة لرتاحوا كثي ارا‪ ,‬ولذا فإن من أعظما أسباب الوسواس‬
‫الجهل بشريعة ال‪.‬‬
‫أما من العقل‪:‬‬
‫اليقين أقوى من الشك لن في اليقين حكما قطعيا جازما فل ينهدما بالشك‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا تيقن النسان طهارةا الماء ثما ش ل‬
‫ك في نجاسته‪ ,‬فلصل الطهارةا‪ .‬وعكس هذه‬
‫المسألة ‪ :‬إذا تيقن النسان إن الماء نجس ولكنه ش ل‬
‫ك في طهارته‪ ,‬فالصل النجاسة‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا شك الصائما في غروب الشمس "وفرق بين الشك وغلبة الظن" لما يجز له‬
‫الفطر‪ ,‬لن الصل بقاء النهار‪ .‬ولو شك في طلوع الفجر جاز له أن يأكل‪ ,‬لن الصل‬
‫بقاء الليل‪.‬‬
‫قواعد متفرعة عن هذه القاعدة }اليقين ل يزول بالشك{ ومندرجة تحتها‪:‬‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬قاعدةا }ما ثبت بيقين ل يرتفع إل بيقين{ لن اليقين إذا لما يزل بالشك فهو يزول ول‬
‫يرتفع بيقين مثله فقط‪ ,‬لنه لما شكي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلما الرجل الذي‬
‫يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلةا‪ ,‬قال النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ل ينفتل أو ل‬
‫ينصرف حتى يسمع صوت ا أو يجد ريح ا‪ .‬فسماع الصوت أو وجود الريح هو اليقين‬
‫هذا هو الذي يقوى على إزالة اليقين الول وهو دخوله على طهارةا‪.‬‬
‫‪} ْ(2‬الصل بقاء ما كان على ما كان{ ‪ ,‬والمعنى أن ما ثبت على حال في الزمن‬
‫الماضي ثبوت ا أو نفي ا فإنه على حاله ول يتغير ما لما يوجد دليل يغيره‪ ,‬لن الستصحاب‬
‫في اللغة الملزمة وعدما المفارقة‪.‬‬
‫‪} ْ(3‬الصل براءة الذمة{ وهذا مأخوذةا من قوله صلى ال عليه وسلما‪‬البينة على‬
‫المدعي‪ ,‬واليمين على المدعى عليه‪.57‬‬
‫والمعنى‪:‬‬
‫القاعدةا المستمرةا أن النسان برئ الذمة من وجود شيء أو لزومة‪ ,‬وكونه مشغول الذمة‬
‫هذا خلف الصل لن المرء يولد خالي ا من كل دين أو التزاما أو مسؤلية‪ ,‬وكل شغل‬

‫‪ 57‬رواه الترمذي وجاء بمعناه عند البخاري ومسلما في سنن ابن ماجة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫لذمته بشيء من الحقوق إنما يط أر بأسباب عارضة بعد الولدةا‪ ,‬والصل في المور‬
‫العارضة العدما‪.‬‬
‫‪} (4‬الصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته{‪ ,‬من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫أ‪ .‬لو ادعت الزوجة أن زوجها طلقها في مرض موته المخوف ليحرمها من الرثَ‪,‬‬
‫وادعى الورثة أنه طلقها في حال الصحة‪ ,‬فالقول قولها المرأةا‪ ,‬لن المر الحادثَ‬
‫المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلق في المرض‪ ,‬فيجب أن يضاف إلى الزمن‬
‫القرب وهو مرض الموت الذي تدعيه الزوجة ما لما يقما الورثة البينة على أن طلقها‬
‫كان في حال الصحة‪.‬‬
‫ب‪ .‬لو أن إنسانا استيقظ من النوما لما أراد أن يصلي الظهر‪ ,‬وجد في ثيابه أثر مني‬
‫"احتلما" أشكل عليه هل هذا من نومه بعد صلةا الفجر فتكون صلةا الفجر صحيحة؟‬
‫أما أنه من الليل فيلزمه الغتسال ثما إعادةا صلةا الفجر؟ نقول إذا لما يتأكد ولما تقما قرائن‬
‫فالصل إضافة الحال إلى أقرب أوقاته وعلى هذا نحكما بأنه من نومه بعد صلةا الفجر‪,‬‬
‫وبنااء على ذلك نحكما بصحة صلةا الفجر‪.‬‬
‫أيضا هناك بعض القواعد المتعلقة والمتفرعة عن الشك منها‪:‬‬
‫‪} -1‬ل عبرة بالتوهم{ ‪ ,‬إذا كان الشك غير معتبر فالوهما من باب أولى لنه أضعف‪.‬‬
‫‪} -2‬ل عبرة بالظن البين خطؤه{‪.‬‬
‫‪} -3‬ل عبرة بالحتمال غير الناشئ عن دليل{‪.‬‬
‫‪} -4‬كل مشكوك فيه فليس بمعتبر{‪.‬‬
‫‪} -5‬الشك في العبادة بعد الفراغ منها ل يؤثر شيئلا{ ولذلك قالوا أن }الشك بعد الفراغ‬
‫من العبادة ليس بمعتبر{‪.‬‬
‫فالشك في العبادةا ل يلتفت إليه في ثلثَ مواضع‪:‬‬
‫أ( بعد الفراغ من العبادةا‪.‬‬
‫ب( إذا كان وهماا‪.‬‬
‫ج( إذا كثر مع النسان‪.‬‬
‫ولذلك قالوا }الشك في العبادةا بعد الفراغ منها ل يؤثر شيئاا{‪ .‬لكن أحيان ا يكون الشك بعد‬
‫الفراغ من العبادةا له قرينة تدل على أن له حظ من النظر‪ ,‬فهنا ديعمل بالشك‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الصل في المياه والرأض والملبأس الطهارأةا‬

‫‪19‬‬

‫والرأض والثياب والحجارأةا‬ ‫والصـل في مي ـاهنا الطهارأةا‬

‫هذه القاعدةا مرتبة على القاعدةا السابقة‪ ,‬ولذلك قال الناظما‪ :‬فقلت الفاء هنا للتفريع‪ ,‬بنااء‬
‫على القاعدةا السابقة‪ .‬ولكن من تأمل ما ذكرناه سابق ا من الفرق بين القاعدةا الفقهية‬
‫والضابط الفقهي يجد أن هذه القاعدةا أقرب إلى الضابط الفقهي منها إلى القاعدةا الفقهية‬
‫‪ ,‬فهي ضابط فقهي وليس قاعدةا فقهية‪.‬‬
‫معنى ذلك‪:‬‬
‫أنه لما تأصل في الشريعة أن المياه والثياب والرض والحجارةا الصل فيها الطهارةا‪,‬‬
‫ك يحتاج إلى‬
‫كأن هذا التأصيل يدل على أنه هو المتيقن‪ ,‬وعدما طهارةا هذه الشياء ش م‬
‫دليل فل ديضار إليه حتى يأتي دليل يدل على خلف ذلك‪.‬‬
‫ففقه هذا الضابط يسد باب الوسوسة الذي دأبتلي به كثير من الناس‪ ,‬فالصل في الماء‬
‫والرض والثياب والحجارةا الطهارةا‪.‬‬
‫فإذا كان الشك ل عبرةا به فمن باب أولى قولهما}ل عبرةا بالتوهما{ لن الشك هو المر‬
‫المتردد بين أمرين ل مزية لحدهما على الخر‪.‬‬
‫وأما التوهم فهو‪ :‬احتمال عقلي مرجوح بعيد نادر الحصول‪ ,‬ول دليل عليه‪ ,‬ول عبرةا به‪,‬‬
‫وهو باطل ل يعمل به ول يترتب عليه حكما مثل الوهاما والخواطر التي تحصل للنسان‬
‫وتزول سريعاا‪ ,‬فبعض الناس جهلا يعملها فإذا أعملها وقع في الوسواس‪.‬‬
‫وأما الظن فهو‪ :‬اعتقاد الحتمال الراجح الذي ظهر رجحانه على نقيضه بدليل معتبر‪.‬‬
‫وغالب الظن هو‪ :‬رجحان أحد الجانبين على الجانب الخر رجحانا مطلقا يطرح معه‬
‫الجانب الخر "فالمطروح من غالب الظن هو الوهما" ولذلك الوهما ل اعتبار له ول‬

‫‪49‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫اعتداد به في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملت وقضاء وشهادات وجنايات‬


‫وحقوق ‪...‬الخ‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫بعض الناس يبني عبادته على أوهاما ويقول هذا من باب الحتياط في العبادةا‪ ,‬فنقول إن‬
‫الصل في الماء الطهارةا ما لما يتبين النسان النجاسة بقرينة‪ ,‬هذا أصل متفق عليه أي‬
‫أن الماء الصل فيه الطهارةا والنجاسة طارئة عليه ولذلك لفظ ورود هذه القاعدةا‬
‫}الصل في الماء الطهارةا{ فالماء الذي بقي على أصل خلقته كماء البحر والمطر‬
‫والنهار والبار والعيون هو ماء طهور تصح به الطهارةا من الغتسال والوضوء إوازالة‬
‫النجاسة والشرب وغير ذلك من استعمالته ول ينقله عن هذه الطهورية إل ما غير لونه‬
‫أو ريحه أو طعمه‪.‬‬
‫أدلة طهارة الماء‪:‬‬
‫*هناك دليل عاما من القرآن‪:‬‬
‫ض كجلميع ا‪.58‬‬
‫ق لكدكنما كما لفي انلكنر ل‬
‫يدل على ذلك وهو قوله تعالى ‪‬دهكو الللذي كخلك ك‬
‫ومن ضمن ما خلق ال عز وجل الماء‪ ,‬وال سبحانه وتعالى ذكر ذلك في معرض‬
‫المتنان على عباده ول يمتن ال عز وجل على عباده إل بشيء طاهر مباح‪.‬‬
‫أما الدلة الخاصة التي تدل على طهارةا الماء فمنها‪:‬‬
‫طدهو ار‪.59‬‬ ‫قول ال عز وجل‪‬كوأكننكزنلكنا لمكن اللسكمالء كمااء ك‬
‫طهركردكنما بلله‪.60‬‬
‫وقوله سبحانه وتعالى‪‬كوديكنرزدل كعلكنيدكنما لمكن اللسكمالء كمااء للدي ك‬
‫* ومن السنة‪:‬‬
‫ومن ذلك قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬الماء طهور ل ينجسه شيء‪.61‬‬
‫وكذلك قول النبي عليه الصلةا والسلما في دعاء الستفتاح ومما جاء فيه‪‬اللهما طهرني‬
‫بالماء والثلج والبرد‪.62‬‬
‫‪) 58‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫‪) 59‬الفرقان‪ :‬من الية ‪ْ(48‬‬
‫‪) 60‬لنفال‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬
‫‪ 61‬رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وصحح اللباني‪.‬‬
‫‪ 62‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ول يمكن أن يطلب الرسول صلى ال وآله وسلما التطهير إل بشيء طاهر بنفسه‪,‬لنه لو‬
‫لما يكن طاهر بنفسه لما يكن مطه ار لغيره‪.‬‬
‫الدلة على طهارة الرض‪:‬‬
‫الرض كذلك الصل فيها الطهارةا ومن الدلة على ذلك قول النبي صلى ال عليه وآله‬
‫وسلما‪‬أعطيت خمس ا لما يعطهن أحد من النبياء قبلي " وذكر منها" وجعلت لي الرض‬
‫مسجدا وطهو ار‪ .63‬فهذا الحديثَ يدل على طهارةا الرض وبناء على هذا إذا شك إنسان‬
‫في طهارةا الرض من عدمها فالصل الطهارةا استصحابا للصل‪.‬‬
‫على هذا لو خرج إنسان إلى البر أو إلى استراحة ونحو ذلك وشك في طهارةا الرض‬
‫من عدمها فالصل الطهارةا إل إن تيقن النجاسة ونحوه فالصل فيها الطهارةا حتى يقوما‬
‫دليل يقيني على نجاستها ‪ ,‬وكذلك السجاد‪.‬‬
‫كذلك الصل في الثياب‪ :‬أنها طاهرةا فإذا شك النسان في نجاسة ثوب من عدمها‬
‫فالصل الطهارةا حتى يقوما دليل يقيني على نجاسته‪ ,‬ولذلك قالوا بأن كل ثوب دجهل من‬
‫ينسجه‪,‬أنسجه مسلما أما مشرك أما يهودي أما وثني أما مجوسي أما كتابي أما لبسه واحد من‬
‫هؤل أو صبي؟؟ فهو على الطهارةا حتى ديعلما أن فيه نجاسة‪.‬‬
‫وقوله الحجارة‪:‬‬
‫الصل أنها من الرض وأن طهارةا الرض يشمل طهارتها ويشمل ما عليها أيض ا من‬
‫التراب والطين والحجار ونحو ذلك‪.‬‬

‫الصل في البأضاع واللحوما والنفس والموال التحريم‬


‫‪20‬‬

‫والنفس والمـوال للمعصوما‬ ‫والصل في البأضاع واللحوما‬

‫‪21‬‬

‫‪ 63‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فـافهم هـداكب ال ما ينمـل‬ ‫يجيء الحـلن‬


‫ب‬ ‫تحريمها حتى‬

‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬


‫هذه عكس القاعدةا السابقة‪ ,‬فالقاعدةا السابقة ذكر أن الصل في المياه والرض والثياب‬
‫والحجارةا الطهارةا حتى يجيء التحريما‪ ,‬أما هذه فقد ذكر أن الصل في هذه الشياء‬
‫التحريما حتى يجيء الحل‪.‬‬
‫بمعنى أن المتيقن أن هذه الشياء محرمة فل يجوز استعمالها حتى يجيء دليل ناقض‬
‫يبيح هذه الشياء‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬لفظ ورود القاعدةا }الصل تحريم البضاع{ وفي لفظ }الصل في البضاع‬
‫التحريم{ وهي مستثناةا من قاعدةا }الصل في الشياء الباحة{‪.‬‬
‫المراد بالبضاع‪ :‬الفروج‪ ,‬وهي جمع بضع ديقال دبضع أو لبضع بضما الباء وكسرها وهو‬
‫الفرج‪ ,‬كناية عن النساء والنكاح‪ ,‬أي أن الصل في النكاح أو الفروج الحرمة والحظر‪,‬‬
‫وأبيح النكاح لضرورةا حفظ النسل ولذلك ال عزوجل لما يبحه إل بأحد طريقين‪ :‬عقد‬
‫النكاح أو ملك اليمين‪ ,‬وماعداهما فهو محظور‪ .‬إوانما عبر بالجزء عن الكل قال‬
‫"والصل في البضاع" لن المقصود العظما من النساء هو الجماع وابتغاء النسل‪,‬‬
‫فالقاعدةا المستمرةا أن علقة الرجال بالنساء مبناه على التحريما والحظر لما في ذلك من‬
‫كشف العورات وهتك الستار واختلط النساب فل يحل منهن إل ما أحله الشرع‪.‬‬
‫على هذا لو اختلطت زوجته بنساء واشتبهت لما يجزئ له وطء واحدةا منهن بالجتهاد‬
‫بل خلف سواء كن محصورات أو غير محصورات‪ ,‬لن الصل التحريما والبضاع‬
‫يحتاط لها والجتهاد خلف الحتياط‪.‬‬
‫وهناك قاعدة أخرى‪ :‬حول هذه وهي ترجيح المحرما على المبيح عند اجتماعهما كقوله‪:‬‬
‫أن الصول "أي أصول الشريعة" مقررةا على أن كثرةا الحراما واستواء الحلل والحراما‬
‫يوجب تغليب حكمه بالمنع كأخت أو زوجة اختلطت بأجنبية " الخت ليس بالوطء‬
‫إوانما بالنظر والمحرومية ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فعلى هذا تكون جميع فروج بني آدما الصل فيها الحرمة فل يجوز للنسان أن يعتدي‬
‫إل بيقين وهذا اليقين هو السبب الشرعي المبيح له وهو عقد النكاح أو ملك اليمين‪,‬‬
‫وبناء على هذا فان الزاني واللئط كلا منهما ديعد معتدي ا وعاص ل عز وجل ولرسوله‬
‫صلى ال وآله وسلما‪.‬‬
‫أما قوله "واللحوم" ‪:‬‬
‫قوله أن الصل في اللحوما التحريما هذا مشتبه لن الصل في الطعمة الحل ومع ذلك‪,‬‬
‫من القاعدةا قولهما }الصل في الحيوان التحريم{ وقولهما }الصل في الذبائح التحريم{‬
‫وقولهما }الصل في الطعمة الباحة ما لم يرد التحريم{‪.‬‬
‫فهذه القواعد تدل على اختلف النظر في حكما الحيوانات من حيثَ الصل فيها هل‬
‫الصل فيها التحريما بحيثَ ل يحل حيوان إل ما قاما الدليل على حله؟ وهذا قال به‬
‫بعض الشافعية بنااء على الصل الول‪ ,‬مع أن الصل عند الشافعي رحمه ال‬
‫تعالى)حل الشياء إل ما قاما الدليل على تحريمه(ْ‪.‬‬
‫ض آخر من الشافعية والحنابلة بنااء الصل عندهما وهو‬
‫والقول بأصل الحل قال به بع م‬
‫الحل‪.‬‬
‫وبنااء على هذا إن أراد الناظما أن الصل في اللحوما الحرمة فإن هذا ل يوافق عليه لن‬
‫الصل فيها الحل‪ .‬ولكن مع ذلك ديعتذر للشيخ السعدي رحمه ال تعالى وهذا أدب من‬
‫آداب طالب العلما ولذلك من آداب طالب العلما أن يعتذر للعالما إذا أخطأ أو زل وأن‬
‫يحمله على أحسن المحامل مع بيان الحق فل تلزما بين العتذار للعالما وبيان الحق له‪,‬‬
‫فبعض الناس يرى أنه إذا اعتذر له ل يبين له الحق أو إذا بين له الحق بأسلوب مؤدب‬
‫أنه ل يعتذر له‪ ,‬فنقول‪ :‬ل ليس بينهما تلزما‪ ,‬وليس كما هو الحاصل الن مع السف‬
‫فالبعض ل يفرق بين عالما أخطأ في مسألة وبين زنديق منافق يخبط في الشريعة خبط‬
‫عشواء فيتهجما على هذا ويتهجما على هذا وهذا ل شك من قلة الفقه في الدين ومن سوء‬
‫الدب مع أهل العلما فإنه جيل من ل يخطئ والكمال البشري إنما هو لنبياء ال ورسوله‪.‬‬
‫فبنااء على هذا كما قلنا نعتذر للشيخ ونقول لعله أراد بذلك اللحوما التي يعتريها صفة حل‬
‫وصفة حرمة‪ ,‬فإن جانب الحظر ديقدما هنا لنه يشترط شروط ا في الحيوان المذبوح‪ ,‬وفي‬

‫‪53‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الذابح وفي آلة الذبح وفي كيفيته وما ل يحل غل بشروط فأصله التحريما كالبضاع‬
‫حتى قالوا أن الصل في البضاع والذبائح التحريما فجمعوا بينهما‪.‬‬
‫وعلى هذا لو ضرب النسان صيدا وأصاب جناحه ثما وجده قد سقط في ماء ومات‪,‬‬
‫الن موت هذا الصيد محتمل أنه من رميه ويحتمل أنه قد مات غرقا فل يحل‪ ,‬فأجتمع‬
‫فيه جانب حظر وجانب إباحة فديقدما جانب الحظر‪ ,‬لن الجناح إصابته ل تقتل غالباا‪.‬‬
‫فعلى هذا اجتمع سبب مبيح وسبب محرما فإنه ديقدما السبب المحرما‪.‬‬
‫وقوله }والنفس والموال للمعصوما{‪:‬‬
‫والمعنى أن الصل في النفس والموال للمعصومين التحريما‪ ,‬وهذا قيدها بالمعصومين‬
‫فعلى هذا ل يجوز العتداء على نفس أو مال أحد إذا كان معصوماا‪ ,‬والمعصوما هو‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬المسلما فهو معصوما الدما والمال والعرض‪ ,‬فل يجوز سلب شيء منه إل بحق ‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬الذمي وهو معصوما المال والدما وهو من أقر على كفره بشرط بذل الجزية والتزاما‬
‫أحكاما الملة‪.‬‬
‫ولبد لهل الذمة حتى يكونوا معصومي الدما والمال من إلتزاما أربعة أحكاما‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يعطوا الجزية عن يمد وهما صاغرون‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن ل يذكروا دين السلما إل بخير‪.‬‬
‫ج‪ -‬أل يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين‪.‬‬
‫د‪ -‬أن تجرى عليهما أحكاما السلما‪.‬‬
‫فأهل الذمة يحرما قتالهما‪ ,‬وأخذ مالهما‪ ,‬ويجب على الماما أن يحفظهما‪ ,‬وأن يمنع من‬
‫يؤذيهما لنهما إنما بذلوا الجزية لحفظهما وحفظ أموالهما والدليل على ذلك قول ال عز‬
‫وجل‪‬كقاتللدوا الللذيكن ل دينؤلمدنوكن لبالللله كول لبانلكينولما انللخلر كول ديكحرردموكن كما كحلركما الللهد كوكردسولدهد كول‬
‫صالغدروكن‪.64‬‬ ‫م‬
‫ب كحلتى دينعطدوا انللجنزكيةك كعنن كيد كودهنما ك‬
‫ل‬ ‫يلديدنون لدين انلح ر ل لل‬
‫ق مكن الذيكن دأوتدوا انلككتا ك‬ ‫ك ك ك ك‬
‫‪ ْ(3‬المستأمن وهو من دخل بلد المسلمين بأمان لفترةا محدودةا’ يؤمن حتى يبيع تجارته‬
‫ويرجع أو حتى يسمع كلما ال ونحو ذلك‪ .‬لكن لبد أن يكون المؤمن مسلما عاقلا‬
‫مختا ارا‪ .‬فمن حصل له المان فهو معصوما الدما والمال والدليل على ذلك قول ال عز‬

‫‪) 64‬التوبة‪ْ(29:‬‬

‫‪54‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ك فكأكلجنرهد كحلتى كينسكمكع ككلكما الللله ثدلما أكنبللنغهد كمنأكمكنهد كذلل ك‬


‫ك‬ ‫وجل‪ ‬ك إولانن أككحمد لمكن انلدمنشلرلكيكن انستككجاكر ك‬
‫بلأكلنهدنما قكنومما ل كينعلكدموكن‪.65‬‬
‫‪ ْ(4‬المعاهد وهو من كان خارج بلد المسلمين وبيننا وبينهما عهد كالمعاهدات بين‬
‫الدول‪ ,‬والمعاهدون ينقسمون إلى ثلثة أقساما‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬من غدر فإنه انتقض عهده فل عهد له‪ ,‬ولذلك ال تعالى قال ‪‬فككقاتللدوا أكئللمةك‬
‫انلدكنفلر لإلنهدنما ل أكنيكماكن لكهدنما‪.66‬‬
‫القسما الثاني‪ :‬من استقاما لنا فإننا نستقيما له ويبقى على عهده لقوله تعالى‪‬فككما انستككقادموا‬
‫لكدكنما كفانستكلقيدموا لكهدنما‪ .67‬فهؤل لهما عصمة الدما والمال‪.‬‬
‫القسما الثالثَ‪ :‬من خيف منه الغدر كأن تقوما قرائن بأنه سيغدر‪ ,‬فإننا ننبذ إليه العهد‬
‫ونخبره بأنه ل عهد بيننا وبينه لنكون نحن واياه على سواء كما قال ال عز وجل‪ ‬ك إولالما‬
‫ب انلكخائللنيكن‪ .68‬كذلك الصل‬‫تككخافكلن لمنن قكنومما لخكياكنةا كفاننبلنذ إللكنيلهنما كعكلى كسكوامء إللن الللهك ل ديلح د‬
‫في أموال الناس أنها معصومة ل يجوز آخذها إل بالحق‪ ,‬ولذلك حرما ال عز وجل‬
‫السرقة والغصب والربا لنها أكل لموال الناس بالباطل‪ .‬ولذلك شرع ال تعالى حدودا‬
‫كحد القتل والسرقة والقذف فتشريع مثل هذه المور تفيد آن النسان له حرمة وكرامة‬
‫وانه يحرما العتداء عليه بآي نوع من أنواع العتداء إل بمسوغ شرعي‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫قول ال تعالى‪‬كيا أكديكها الللذيكن آكمدنوا ل تكنأدكلدوا أكنمكوالكدكنما كبنيكندكنما لبانلكبالطلل‪.69‬‬
‫وقول ال سبحانه وتعالى‪‬كوكمنن كينقتدنل دمنؤلمن ا دمتككعرمدا فككج كازدؤهد كجهكلندما كخاللدا لفيكها‪.70‬‬
‫قول ال عز وجل‪‬كول تكنقتدلدوا أكننفدكسدكنما إللن الللهك ككاكن بلدكنما كرلحيم ا‪.71‬‬

‫‪) 65‬التوبة‪ْ(6:‬‬
‫‪) 66‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(12‬‬
‫‪) 67‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬
‫‪) 68‬لنفال‪ْ(58:‬‬
‫‪) 69‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫‪) 70‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(93‬‬
‫‪) 71‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬

‫‪55‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫قول النبي عليه الصلةا والسلما‪‬أن دماءكما وأموالكما وأعراضكما عليكما حراما كحرمة‬
‫يومكما هذا في بلدكما هذا في شهركما هذا‪.72‬‬

‫الصأل في العادات البإاحة‬

‫‪22‬‬

‫حـتى يجـيءب صـارأفن البأاحـة‬ ‫والصل في عاداتنا البأاحة‬


‫ن‬

‫مقدمة‪ :‬للعرف والعادةا اثر كبير في القواعد الفقهية فلما يخدل كتاب من كتب القواعد‬
‫من قاعدةا أساسية في العرف والعادةا أو قاعدةا من القواعد المتفرعة على قاعدةا أساسية‬
‫فيهما‪ ,‬ذلك لن الفعال العادية إوان كانت أفعالا شخصية حيوية ليست من قبيل‬
‫المعاملت ول العلئق المدنية والحقوقية‪ ,‬إل أنه عندما يتعارفها الناس وتجري عليها‬
‫عادات حياتهما يصبح لها تأثي ار وسلطان في توجيه أحكاما التصرفات فتثبت الحكاما‬
‫على وفق ما تقتضيه العادةا‪ .‬وليما نظر الفقهاء إلى هذا المعنى أروا اعتبار العرف‬
‫والعادةا في التشريع وبناء الحكاما عليها لما يغفلوا ذلك وهما يقعدون القواعد أو يخرجون‬
‫الفروع والمسائل المفرعة على هذه القواعد وقد ذكروا أكثر من قاعدةا تتعلق بالعرف‬
‫وتحكيمه في الوقائع والتصرفات‪.‬‬
‫ومن هذه القواعد قاعدة‪:‬‬
‫}العادة ممحكمة{‪ ,‬ولن العرف هو الطابع العاما الغالب على جميع هذه القاعدةا‬
‫وفروعها فيمكن أن نضعها تحت "نظرية العرف"‪.‬‬
‫أهمية القاعدة‪:‬‬
‫موضوع هذه القاعدةا يعتبر موضوعا غضا طريا يستجيب لحل كثير من المسائل‬
‫والحوادثَ الجديدةا‪ ,‬ذلك لنه يتضمن كثير من المسائل التي تتمتع بسعة ومرونة بجانب‬
‫‪ 72‬رواه البخاري ومسلم‬

‫‪56‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل‪ ,‬فمن أمعن النظر في هذه القاعدةا‪ ,‬ولما ينكر‬
‫"تغير الحكاما المبنية على العراف والمصالح بتغير الزمان" أدرك سعة آفاق الفقه‬
‫السلمي وكفاءته الفاعلة الكاملة لتقديما الحلول الناجحة للمسائل والمشاكل المستحدثة‪,‬‬
‫وصلحيته لمسايرةا ركب الحياةا ومناسبته لجميع الزمنة والمكنة‪ ,‬وذلك بأن السلما‬
‫دين صالح لكل زمان ومكان لكنه ليس خاضع لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫يقول ابن عابدين في رسائله‪:‬‬
‫لذا عليه الحكم ميدامر‬ ‫والعرف في الشرع له اعتبامر‬
‫ويقول أيض ا رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫وأعلما أن اعتبار العرف والعادةا درجع إليه في مسائل كثيرةا حتى جعلوا ذلك أصلا فقالوا‬
‫في الصول في باب ما تترك به الحقيقة " تترك الحقيقة بدللة الستعمال والعادة" ‪.‬‬
‫في شرح الشباه للبيري قال‪} :‬الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي{‪.‬‬
‫وفي المبسوط للسرخسي قال‪} :‬الثابت بالعرف كالثابت بالنص{‪.‬‬
‫ونبه بعضهما إلى أهميتها بقوله‪} :‬من مهمات القواعد اعتبار العادة والرجوع إليها وكل‬
‫ما شهدت به العادة مقضي به وما ميعاف في العادات يكره في العبادات{‪.‬‬
‫تعريف العادة‪:‬‬
‫العادةا في اللغة‪ :‬جاء في لسان العرب أن العادةا هي الديدن وهو الدأب والستمرار على‬
‫الشيء وسميت بذلك لن صاحبها يعاودها ويرجع إليها مرةا بعد أخرى كما قال ال عز‬
‫ظاللدموكن‪ ,73‬وقال سبحانه وتعالى(ْ كولكنو دردوا لككعاددوا‬
‫وجل ‪‬كرلبكنا أكنخلرنجكنا لمننكها فكلإنن دعندكنا فكلإلنا ك‬
‫للكما دنهدوا كعننهد ك إولالنهدنما لكككالذدبوكن‪.74‬‬
‫كذلك تعريف العرف في اللغة‪ :‬قريب من معنى العادةا‪ ,‬ولذا قال صاحب معجما مقاييس‬
‫ف" العين والراء والفاء أصلن صحيحان يدل أحدهما على‬ ‫اللغة أحمد بن فارس "كعكر ك‬
‫السكون والطمأنينة‪ ,‬فهي قريبة من معنى العادةا لنهما اشترطوا فيها لتكون عادةاا أن‬
‫تتكرر مرةاا بعد أخرى‪ ,‬أيضا دأشترمط في العرف تتابعه واستم ارره بمعنى أن العادةا يمكن‬
‫أن تصير عرف ا إذا استمرت بعد تكررها‪.‬‬
‫‪) 73‬المؤمنون‪ْ(107:‬‬
‫‪) 74‬النعاما‪ :‬من الية ‪ْ(28‬‬

‫‪57‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أما العادة عند الفقهاء‪ :‬فقد عرفها القرافي رحمه ال تعالى بأنها غلبة معنى من‬
‫المعاني على جميع البلد أو بعضها‪.‬‬
‫أما العرف عند الفقهاء فهو‪ :‬ما استقر في النفوس واستحسنته العقول وتلقته الطباع‬
‫السليمة بالقبول واستمر الناس عليه مما ل ترده الشريعة وأقرتهما عليه‪.‬‬
‫ما هي النسبة بين العرف والعادة؟‬
‫العادةا أعما من العرف لن العادةا الفردية وعادةا الجمهور التي هي العرف‪ ,‬فالعادةا أعما‬
‫ف عادةا وليست كل عادمةا عرفاا‪,‬‬
‫مطلقا وأبدا والعرف أخص إذا هو عادةا مقيدةا‪ ,‬فكل عر م‬
‫ص بعينه‬
‫لن العادةا قد تكون مشتركة "أي العادةا جماعية أو فردية" كل ما اعتاده شخ م‬
‫كطريقة لبسه‪ ,‬طريقة مشيته‪ ,‬طريقة أكله‪ ,‬طريقة حديثه وهكذا‪.‬‬
‫أما العرف فهو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه‪ .‬فنستطيع أن نخلص بعد هذا وأن‬
‫نقول بأن العادةا أعما‪ ,‬لنها تشمل العادةا الجماعية "عادةا أهل البلد" وتشمل العادةا‬
‫الفردية "وهو ما اعتاده شخص بعينه"‪.‬‬
‫أما العرف الذي هو ما تعارف عليه أهل البلد فقط يشمل أهل البلد ول يشمل العادةا‬
‫الفردية‪ .‬لكن العرف والعادةا هما بمعنى واحد إذا ما تحدثَ عنهما الفقهاء وبنوا الحكاما‬
‫عليهما ول وجه للتفريق بينهما‪.‬‬
‫فالعادةا‪ :‬عادةا جماعية أو فردية "ما اعتاده شخص بعينه"‪.‬‬
‫العرف‪ :‬هو ما تعارف عليه أهل البلد واعتادوه‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫أي قاعدةا }العادة ممحكمة{ في الصطلح الشرعي‪ :‬أن العادةا تجعل حكم ا لثبات حكما‬
‫شرعي أي أن للعادةا في العتبار الشرعي حاكمية تخضع لها أحكاما والتصرفات فتثبت‬
‫ص شرعي‬
‫تلك الحكاما على وفق ما تقضي به العادةا أو العرف إذا لما يكن هناك ن م‬
‫يخالف تلك العادةا‪.‬‬
‫أمثلة على هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬في باب الحيض والنفاس‪ :‬قالوا لو زاد الدما على أكثر أياما الحيض والنفاس ديرد إلى‬
‫أياما عادتها وما زاد ديعتبر دما فساد‪ ,‬وتعرف أياما عادتها بالعادةا أي عادةا أيامها ستة أو‬
‫خمسة أياما على حسب عادتها‪ ,‬فهنا حكمنا العادةا والعرف‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(2‬الحركة لغير مصلحة الصلةا إن كانت كثيرةا بطلت الصلةا إوان كانت قليلة فإنها ل‬
‫تبطل الصلةا‪ ,‬فضابط هذه الحركة سواء الكثيرةا أو القليلة راجع إلى العرف‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬بيع السلما هو تعجيل الثمن وتأخير الثمن‪ .‬والسلما من البيوع التي شرعت خلف‬
‫القياس دفعا للحرج وتسهيلا على الناس‪ ,‬وهذه أبيحت لتعارف الناس بها في معاملتهما‪.‬‬
‫مثال على ذلك ان يأتي المزارع إلى التاجر ويقول أعطني مائة ألف ر وأعطيك من‬
‫محصول السنة القادمة ثلثة الف كيلة من القمح مثلا ‪ ,‬فالصل أن هذا ل يجوز لكن‬
‫أبيحت كما قلنا دفعا للحرج وتسهيلا على الناس‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬الكفاءةا في الزواج من حيثَ الدين والحرية والسلمة من العيوب والحرفة ديعول في‬
‫معرفتها على ما تعارفه الناس من الصفات التي هي معظمة عندهما أو محقرةا أو الحرفة‬
‫التي هي شريفة أو غير شريفة‪ ,‬وتفصيل ذلك مرجعه إلى العرف والعادةا ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أقساما العرف من حيثَ مضمونه‪:‬‬
‫ينقسما إلى قسمين‪:‬‬
‫ف لفظي وهو القولي وهو أن يشيع بين الناس استعمال بعض اللفاظ‬
‫القسما الول‪ :‬عر م‬
‫أو التراكيب في معنى معين بحيثَ يصبح ذاك المعنى هو المفهوما المتبادر إلى أذهانهما‬
‫عند الطلق بل قرينة‪ .‬فإطلقات البلدان تختلف فقد يطلق شيء في بلد نجد لفظه‬
‫يختلف في بلد آخر والمعنى واحد‪.‬‬
‫ف عملي وهو اعتياد الناس على شيء من الفعال العادية كطريقتهما‬
‫القسما الثاني‪ :‬عر م‬
‫في الزواج‪ ,‬طريقتهما في اللبس ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة أخرى‪ :‬أقساما العرف من ناحية من يصدر عنه‪:‬‬
‫وهذا أيضا قسمين‪:‬‬
‫القسما الول‪ :‬قسمما عاما وهو ما يشترك فيه غالب الناس في جميع الزمان على اختلف‬
‫أزمانهما وبيئاتهما وثقافاتهما ومستوياتهما هذا كتقديما الطعاما للضيف‪.‬‬
‫ف خاص وهو ما يختص ببلد أو فئة من الناس دون أخرى كأعراف‬
‫القسما الثاني‪ :‬عر م‬
‫الزواج ونحو ذلك‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* من القرآن‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ض كعلن انلكجالهلليكن‪ ,75‬يقول ابن‬ ‫‪ .1‬من ذلك قوله تعالى‪‬دخلذ انلعنفو ونأمر لبانلعر ل‬
‫ف كوأكنعلر ن‬ ‫ك ك ك د ن دن‬
‫الغرس‪ :‬معناه اق ل‬
‫ض بكل ما عرفته النفوس وأل يرده الشرع‪ ,‬وهذا أصل القاعدةا الشرعية‬
‫في اعتبار العرف وتحتها مسائل كثيرةا ل تحصى‪.‬‬
‫ق اللردسوكل لمنن كبنعلد كما تككبليكن لكهد انلهدكدى كوكيتلبلنع كغنيكر كسلبيلل‬
‫‪ .2‬قول ال تعالى‪‬وكمنن ديكشالق ل‬
‫ك‬
‫انلدمنؤلملنيكن دنكولرله كما تككولى ‪ ,‬ذكر صاحب المواهب السنية شرح نظما القواعد الفقهية عند‬
‫ل ‪76‬‬

‫قاعدةا }العادة محكمة{ يقول) بأنه يستدل بهذه الية على اعتبار العرف في التشريع‬
‫ووجه الستدلل على أن السبيل معناه لغة الطريق وسبيل المؤمنين طريقهما التي‬
‫استحسنوها وقد توعد ال بالعقاب والعذاب من اتبع غير سبيلهما فيجب العمل بها(ْ‪.‬‬
‫ت أكنيكمادندكنما كوالللذيكن لكنما كينبلددغوا‬
‫‪ .3‬قول ال عز وجل‪‬كيا أكديكها الللذيكن آكمدنوا للكينستكنألذنندكدما الللذيكن كملككك ن‬
‫ضدعوكن ثلكياكبدكنما لمكن الظللهيكرلةا كولمنن كبنعلد‬ ‫ل‬
‫صلةا انلفكنجلر كوحيكن تك ك‬
‫ل‬ ‫انلدحلدما لمنندكما كثل ك م ل ل‬
‫ثَ كم لارت منن قكنبل ك‬ ‫ك ن‬
‫ثَ كعنوكارمت لكدكنما ‪ ,‬يقول الماما العلئي بعد أن ذكر الية الكريمة )أمر‬ ‫‪77‬‬
‫صللةا انللعكشالء كثل د‬
‫ك‬
‫ال عز وجل بالستئذان في هذه الوقات التي جرت العادةا فيها بالبتذال ووضع الثياب‬
‫فانبنى الحكما الشرعي على ما كانوا يعتادونه(ْ‪.‬‬
‫*أما من السنة‪:‬‬
‫يستدل على العرف والعادةا من وجهين‪:‬‬
‫أ(ْ السنة القولية‪ :‬من ذلك ما رواه البخاري في صحيحة من حديثَ عائشة رضي ال‬
‫عنها أن هندا بنت عتبة رضي ال عنها قالت يا رسول ال إن أبا سفيان رجل شحيح‬
‫وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إل ما أخذت منه وهو ل يعلما فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلما‪‬خذي ما يكفيك وولدلك بالمعروف‪ ,‬قال النووي في شرح مسلما عند هذا‬
‫الحديثَ‪ ,‬في هذا الحديثَ فؤائد وذكر منها‪:‬‬
‫اعتماد العرف في المور التي ليس فيها تحديد شرعي‪.‬‬
‫ب(ْ السنة التقريرية‪ :‬فقد تعارف الناس في زمن النبي عليه الصلةا والسلما أمو ار تتعلق‬
‫بشؤون الحياةا فلما يحرمها أو ينههما عنها‪ ,‬فدل على جوازها‪ ,‬كما تعارفوا أمو ار جاء ما‬

‫‪) 75‬لعراف‪ْ(199:‬‬
‫‪) 76‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(115‬‬
‫‪) 77‬النور‪ :‬من الية ‪ْ(58‬‬

‫‪60‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫يفيد أن النبي عليه الصلةا والسلما أقرهما عليها أو شاركهما في فعلها‪ ,‬فهذا أيضا يدل‬
‫على جوازها‪.‬‬
‫ومن أظهر المثلة على ذلك‪ :‬عقد السلما‪ ,‬فقد عرفه العرب في الجاهلية وأقرهما عليه‬
‫الرسول عليه الصلةا والسلما وفيه ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه‬
‫قال قد النبي عليه الصلةا والسلما المدينة وهما ديسللدفون الثمر السنة والسنتين فقال‪‬من‬
‫أسلف في شيء ففي كيمل معلوما ووزمن معلوما إلى أجمل معلوما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬شروط أعمال العرف والعادةا‬
‫ليس كل عرف صالح ا لبناء الحكاما الفقهية عليه ول اعتباره دليلا يرجع إليه الفقيه إذا‬
‫أعوزه النص من كتاب أو سنة أو إجماع بل جعل العلماء للعرف والعادةا شروطا وهي‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن تكون العادةا أو العرف مطردةا أو غالبة‪ ,‬قال السيوطي رحمة ال‬
‫تعالى عليه في الشباه والنظائر "إنما تعتبر العادةا إذا اطردت فإذا اضطربت فل"‬
‫ومعنى ذلك أن يكون عمل أهل البلد بهذه العادةا مستم ار في جميع الحوادثَ ل يتخلف‬
‫كتعجيل المهر قبل الدخول إذا تعارف أهل البلد على ذلك‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائم ا عند إنشائها‪ ,‬ولذا‬
‫قالوا }ل عبرة بالعرف الطارئ{ ومعنى ذلك أن يكون العرف الذي يحمل عليه التصرف‬
‫موجودا وقت إنشائه بأن يكون حدوثَ العرف سابق ا على وقت التصرف ثما يستمر إلى‬
‫ل‪.‬‬
‫زمانه فيقارنه سواء أكان التصرف قولا أو فع ا‬
‫الشرط الثالثَ‪ :‬وهو شرط مهما‪ ,‬أن ل يكون في العرف تعطيل لنص ثابت أو لصل‬
‫قطعي في الشريعة‪ ,‬ولذلك ل عبرةا بالعرف إذا خالف النص الشرعي كتعارف الناس‬
‫كلهما على شرب الخمر ولعب الميسر‪ ,‬ومشي النساء وراء الجنائز‪ ,‬وزيارةا النساء‬
‫للمقابر‪ ,‬إواضاءةا الشموع على المقابر‪.‬‬
‫لو تعارف أهل بلد مثلا على أن الزوجة تجلس مع إخوان زوجها تسلما عليهما وتصافحهما‬
‫بيدها فهذا العرف والعادةا ل يعطيه صيغة الحل‪ ,‬فلينتبه لذلك لمخالفته للنص‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ل ديعارض العرف تصريح بخلفه‪ ,‬قال العز بن عبدالسلما "كل ما‬
‫يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلفه بما يوافق مقصود العقد ويمكن الوفاء به‬
‫صح"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثل‪ :‬لو ذهب إنسان واشترى بضاعة واختلف مع البائع في من ينقل هذه البضاعة إذا‬
‫كان عرف أهل البلد أن البائع هو الذي ينقلها وأثناء كتابة العقد قال البائع للمشتري‪,‬‬
‫الصل والعرف أني أنا الذي أنقل البضاعة لكن سأكتب عليك شرط أنك أنت الذي‬
‫تنقلها فكتب شرطه‪ ,‬فحصل خلف فهل القاضي يحكما بالعرف أما بالشرط؟ يحكما‬
‫بالشرط ل بالعرف‪ ,‬لن العرف هذا عارضه تصريدح بخلفه‪.‬‬
‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬العرف بين التجار كالمشروط بينهما‪.‬‬
‫‪ /2‬التعيين بالعرف كالتعيين بالنص‪.‬‬
‫‪ /3‬ل عبرةا بالعرف الطارئ‪.‬‬
‫‪ /4‬استعمال الناس حجة يجب العمل به‪.‬‬
‫‪ /5‬إنما تعتبر العادةا إذا اطردت أو غلبت‪.‬‬
‫‪ /6‬المعروف عرفا كالمشروط شرطاا‪.‬‬

‫الصل في العبادات التحريم‬


‫‪23‬‬

‫غينر الذي في شأرعنا مذكورأ ةا‬ ‫وليس مشـروعاً مـن المـورأب‬

‫لما قكعد المؤلف وقيد أن الصل في العادات الباحة ناسب أن يقعد في باب العبادات‬
‫لما كان الصل في العادات الباحة بين في القاعدةا أن الصل في العبادات الحظر‬
‫والمنع وهذه قاعدةا مهمة حتى ل ديخلط بين العادات والعبادات‪ ,‬وهذا القول هو الذي‬
‫ديعبر عنه الفقهاء بقولهما }الصل في العبادات المنع{ أو }أمر العبادات مبنية على‬
‫التوقيف{‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فبنااء على هذه القاعدةا ل يجوز للنسان أن يلزما نفسه أو غيره بعباده غير منصوص‬
‫عليها بدليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس‬
‫معنى القاعدةا‪:‬‬
‫وبنااء على ذلك يكون معنى القاعدةا أن العبادات التي يتقرب بها النسان إلى ال عز‬
‫وجل ل يجوز أن يلزما أحد بها إل بموجب نص شرعي‪ ,‬وكذا ل يجوز أن دتعمل إل على‬
‫وفق ما أمر ال تعالى بها وأمر به رسوله صلى ال عليه وسلما‪ .‬أما ما عدا هذه المور‬
‫فمهما أعطاها الناس صيغة التشريع وألبسوها لباس الشرع فهي خارج دائرةا العبادةا‪ ,‬بل‬
‫يحرما أن تسمى عبادةا حتى يأتي دليل من الشرع على مشروعية هذا الشيء‪.‬‬
‫فؤائد القاعدةا‪:‬‬
‫‪ /1‬عندما نقول أن الصل في العبادات الحظر والمنع فإن }الممطالب بالدليل هو‬
‫المشغل للذمة{ أي الموجب للذمة وليس النافي‪ ,‬فمن أوجب علينا صلةا ستدسية فهو‬
‫المطالب بالدليل وليس النافي لها‪.‬‬
‫‪ /2‬عند تعارض الدلة وخاصة في المسائل التي يكون لكل قول منها قوةا وحظ ونظر‪,‬‬
‫فإذا كانت الدلة بعضها يوجب وبعضها يدل على عدما الوجوب فعندما ل يوجد دليل‬
‫يقوي أحد القولين على الخر فإنه يستأنس بالصل وهو عدما الوجوب‪ ,‬وهذا معنى‬
‫قولهما }الصل براءة الذمة{‪.‬‬
‫‪ /3‬سد باب البتداع وهي الدمحدثة على غير مراد ال تعالى ومراد رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلما ولو تحقق فيما أسموها عبادةا بعض المصالح فإنها مصالح موهومة‪ ,‬ولذا‬
‫تقدما شروط إعمال المصلحة ومن ذلك أل تخالف نص الكتاب والسنة‪ ,‬لن بعض‬
‫الناس قد يعطي البدعة قوالب جميلة وذلك كبدعة المولد حينما تلبس بعض المصالح‬
‫من إحياء لذكر النبي صلى ال عليه وسلما ودراسة لسيرته‪ ,‬وتعويد للناشئة على محبته‬
‫وتعظيمه عن طريق إحياء هذه البدعة وتسميتها زو ار عبادةا‪ ,‬فإن هذا باطل‪ ,‬لن‬
‫الصل في العبادات أنها متوقفة على النص ولو كان ذلك خير لسبقنا إليه أصحاب‬
‫القرون المفضلة‪.‬‬
‫‪ /4‬رد على العقلنيين الذين يجعلون للعقل حاكمية في التشريع وهو‪ :‬ما يسميهما‬
‫العلماء بدعاةا التحسين والتقبيح العقليين‪ ,‬فهما يجعلون للعقل رأي وحكما في قضايا الشرع‬

‫‪63‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فهما بنااء على ذلك شرعوا عبادات لما تكن واجبة وأنما من باب إتيان العبادةا من وجه‬
‫آخر على غير مراد ال تعالى ومراد رسوله صلى ال عليه وسلما وقد يكون أحيان ا‬
‫بإسقاط ما أوجيه ال أو رسوله صلى ال عليه وسلما‪ ,‬وكل هذين المرين شر‪ ,‬فالعقل‬
‫إنما يعمل في ضوء الدائرةا المسموح له بها وما جاوز ذلك ضلل وبدعة‪ ,‬ومن رأى حال‬
‫العقلنيين وسمع مقالهما رأى العجب العجاب‪ ,‬وال المستعان‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬
‫‪ .1‬من ذلك قوله تعالى‪‬إللن انلدحنكدما إللل للللله‪ , 78‬فأثبت ال تعالى الحكما في هذه المور‬
‫إلى نفسه ونفاها عما عداه بصيغة الستثناء‪.‬‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪‬أكنما لكهدنما دشكرككادء كشكردعوا لكهدنما لمكن الرديلن كما لكنما كينأكذنن بلله الللهد‪ ,79‬جاء الستفهاما‬
‫هنا استفهام ا إنكاري ا على الذين يشرعون ما لما يأذن به ال تعالى ويزيدون قي الحكاما‬
‫الشرعية على خلف مراد ال ومراد رسوله صلى ال عليه وسلما‪.‬‬
‫‪ /3‬حديثَ عائشة رضي ال تعالى عنها أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬من عمل‬
‫عملا ليس عليه أمرنا فهو رد‪ ,80‬فهنا بين النبي صلى ال عليه وسلما أن من عمل‬
‫عملا ليس عليه أمر ال تعالى ول أمر رسوله صلى ال عليه وسلما فهو مردود على‬
‫صاحبه غير مقبول‪.‬‬

‫الوسائل تعطى أحكاما المقاصد‬

‫‪24‬‬

‫واحكم بأهذا الحكم للزوائدب‬ ‫وسـائل المـورأ كالمقـاصدب‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬

‫‪) 78‬يوسف‪ :‬من الية ‪ْ(67‬‬


‫‪) 79‬الشورى‪ :‬من الية ‪ْ(21‬‬
‫‪ 80‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أراد المؤلف رحمه ال تعالى بهذا البيت القاعدةا التي يعبر عنها الفقهاء بقولهما }الوسائل‬
‫لها أحكام المقاصد{ المراد بذلك أن الوسيلة إلى الشيء تأخذ حكما المقصد‪.‬‬
‫تعريف الوسيلة‪:‬‬
‫الوسائل جمع وسيلة وهي الطريقة التي تتوصل بها إلى الشيء المراد‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫الخروج إلى صلةا الجماعة‪ ,‬صلةا الجماعة واجبة على الرجال القادرين‪ ,‬لما كان هذا‬
‫الواجب ل يتحقق إل بالسعي إليه فإن سعيه يأخذ حكما المقصد وهي الصلةا جماعة‬
‫وعلى هذا سعيه إلى المسجد يكون واجباا‪ ,‬وهو من جهة أخرى مأجور عليه‪ ,‬لنه وسيلة‬
‫إلى تحصيل مقصود شرعي‪ ,‬وهذا هو معنى قولهما }ما ل يتم الواجب به فهو واجب{‬
‫هذا مع أن المشي في الصل مباح‪.‬‬
‫كذلك من جهة أخرى الوسيلة إلى محرما محرمة‪ ,‬فمن سافر مثلا إلى بلد الكفار لغير‬
‫حاجة فهو آثما في طريقه‪.‬‬
‫ومن خرج إلى سرقه فإن مشية حراما‪ ,‬مع أن الصل في المشي كما تقدما الحل‪.‬‬
‫والمقاصد‪ :‬المقصود بها هي المور التي يقصدها المكلف من فعل واجب أو مسنون أو‬
‫محرما أو مكروه أو مباح‪ ,‬فلوسيلة إلى الواجب واجبه و الوسيلة إلى المندوب مندوبة‬
‫والوسيلة إلى المكروه مكروهة و الوسيلة إلى المباح ل نقول أنها مباحة لكن سيأتي‬
‫بيانها‪.‬‬
‫أدلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫* عموما أدلة الشريعة‪ ,‬ومن أعظما الدلة على ذلك هي الدلة التي تدل على استصلح‬
‫العباد في منعهما مما يضرهما وحثهما على ما ينفعهما‪ ,‬فيقتضي ذلك منعهما من كل طريق‬
‫فعلى هذا تكون عموما أدلة الشريعة تدل على هذه القاعدةا‪.‬‬
‫* أما الدلة الخاصة من القرآن فمنها‪:‬‬
‫صةم لفي كسلبيلل الللله كول‬
‫ب كول كمنخكم ك‬
‫صم‬‫ظكمأم كول كن ك‬
‫ك بلأكلنهما ل ي ل‬
‫صيدبهدنما ك‬ ‫ل‬
‫‪ ْ(1‬قوله تعالى ‪‬كذل ك د ن د‬
‫ل‬ ‫طدأون مولطئ ا يلغيظد انلدكلفار ول يكنادلون لمنن عددوو كننيلا إللل دكتلب لكهما بلله عممل ل‬
‫صالمح إللن اللهك‬‫ك دن ك ك ك‬ ‫ك‬ ‫ك ك ك ك‬ ‫كي ك ك ك ن د‬
‫ضيعد أكنجكر انلدمنحلسلنيكن‪.81‬‬
‫لي ل‬
‫د‬
‫‪) 81‬التوبة‪ :‬من الية ‪ْ(120‬‬

‫‪65‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ل‬ ‫ل‬ ‫صلغيكرةاا كول ككلبيكرةاا كول كينق ك‬ ‫ل‬


‫طدعوكن كواديا لإلل دكت ك‬
‫ب لكهدنما‬ ‫‪ ْ(2‬قول ال عز وجل‪‬كول ديننفدقوكن كنفكقكةا ك‬
‫للكينجلزكيهددما الللهد أكنحكسكن كما ككادنوا كينعكمدلوكن‪.82‬‬
‫طدأوكن كمنولطئ ا‪ ‬في الثانية ‪ ‬كول كينقطكدعوكن كوالدي ا‪ ‬فالصل أن‬ ‫في الية الولى قال‪ ‬كول كي ك‬
‫ط في الرض وقطع الودية الباحة لكن لما كان ذلك ميتوصل عن طريقه إلى إغاظة‬
‫الو ن‬
‫الكفار والنكاية بهما أخذ حكما المقصد‪ ,‬فهو مأجور على ذلك‪.‬‬
‫* ومن السنة‪ :‬حديثَ أبي الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬من سلك طريقا‬
‫يلتمس به علما سهل ال به طريقا إلى الجنة‪ ,83‬لما طلب العلما ل ميتصل إليه إل بنقل‬
‫القداما والخروج درتب عليه مثل هذا الجر العظيما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬الوسيلة إلى المباح‬
‫من المعلوما أن المباح الصل أن النسان ل يؤمر به ول دينهى عنه أي أنه مخير بين‬
‫فعله وتركه وهذا من حيثَ التقعيد‪.‬‬
‫ومن حيثَ الحكما فإن المباح ل يتعلق به إثابة ول معاقبة‪ ,‬لكن الفقهاء رحمهما ال تعالى‬
‫قالوا "حينما يتحول المباح إلى وسيلة فإنه يأخذ حكما المقصد"‪ .‬فمثلا السفر أصله مباح‪,‬‬
‫فهذا يسافر لرادةا الحج الواجب فتكون هذه الوسيلة واجبة‪ ,‬إوان كان حجة نفلا تكون‬
‫الوسيلة مندوبة وهكذا‪.‬‬
‫ولعل حديثَ عمر رضي ال عنه ‪‬إنما العمال بالنيات‪ ‬يدل على ذلك دللة لفظية‬
‫صريحة‪ ,‬فصورةا العمل وهي الهجرةا أصلها مباح وحدها‪ ,‬لكن هذا المباح أخذ حكما هذا‬
‫المقصد‪.‬‬
‫قوله "واحكم بهذا الحكم للزوائد"‪:‬‬
‫عرفنا أن الوسائل لها أحكاما المقاصد فكذلك أيضا الزوائد لها أحكاما المقاصد‪.‬‬
‫ما المقصود بالزوائد؟‬
‫المقصود بها كما قال السعدي عليه رحمة ال تعالى)هي المتممات للعمال التي ل‬
‫يكمل العمل إل بها(ْ‪.‬‬

‫‪) 82‬التوبة‪ْ(121:‬‬
‫‪ 83‬رواه أحمد وأبو داوود والنسائي وابن ماجه وأشار إليه البخاري في صحيحه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثال على ذلك‪ ,‬مثلا ذهاب إنسان إلى عبادةا يؤجر عليها كما تقدما‪ ,‬وهي كما تقدما‬
‫بحسب حال المقصد إن كان المقصد واجب ا فالوسيلة كذلك‪ ,‬إوان كان مسنون ا فالوسيلة‬
‫كذلك‪ ,‬كذلك الرجوع من العبادةا له حكما المقصد‪ ,‬لن ل يمكن أن يتما ذلك المقصد إل‬
‫بذهابه ورجوعه‪ ,‬كذلك ل يمكن للنسان أن يجلس بعد ذهابه دائما فل بد له من‬
‫الرجوع‪ .‬وهذا من رحمة ال عز وجل بهذه المة حيثَ أنها شرع لها من المور ما يكفل‬
‫لها تعظيما الجور ورفع الدرجات‪ ,‬حتى المباح ينقلب إلى عبادةا إذا احتف به أمر‬
‫شرعي مقصود كمن ناما مبك ار ليس لذات النوما إوانما قصد بذلك أن ينشط لصلةا الليل‬
‫أو من أجل أن يبادر لصلةا الفجر‪ ,‬فنومه عبادةا‪ ,‬مع أن الصل في النوما أنه من قبيل‬
‫المباح‪.‬‬
‫ولذلك النبي صلى ال عليه وسلما قال‪ ‬إوانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه ال إل دأجرت‬
‫بها حتى ما تجعل في فكي امرأتك‪ ,84‬قال النووي رحمه ال تعالى عليه)الغالب أن‬
‫النسان ل يضع اللقمة في فيي زوجته إل على سبيل المداعبة لكن إن قصد بذلك إدخال‬
‫السرور عليها أجر على ذلك‪ ,‬لن إدخال السرور على المسلما يؤجر عليه النسان‬
‫فكيف إذا كانت الزوجة والتي لها حق عظيما‪.‬‬
‫فعلى هذا نقول بأن المباح ينقلب إلى عبادةا لكن بشرط أن النسان يستحضر النية‬
‫الصالحة الصادقة‪.‬‬
‫وأيضاك نقول‪ :‬حتى وسائل الدعوةا إلى ال عز وجل تأخذ حكما المقصد لكن ليس معنى‬
‫ذلك أن ديدعى إلى ال عز وجل بوسيلة محرمة‪ ,‬فبعض الناس يقول الغاية تبرر الوسيلة‬
‫هذا ليس بصحيح‪ ,‬فل شك أن الواجب أو المسنون إذا كان ديتوصل إليه بوسيلة محرمة‬
‫أن النسان ديقر على ذلك ول يجوز له ذلك‪.‬‬

‫ارأتكاب المحظورأ نسيانا أو خطأ أو إكراها‬

‫‪ 84‬متفق عليه‬

‫‪67‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪25‬‬

‫أسقـطه معبودنا الرحـمنن‬ ‫والخطـأن الكـراهن والنسيانن‬

‫‪26‬‬

‫وينتفـي التأثيمن عنه والزلل‬ ‫يثبت البدل‬


‫لكن مع التلبف ن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أراد المؤلف رحمه تعالى في هذا البيت أن هناك ثلثة أفعال للمكلفين أسقط ال عنهما‬
‫التكاليف في حال وجودها‪ ,‬وهذا التقعيد للمؤلف إنما هو تبع لقاعدةا تقدمت معنا وهي‬
‫}المشقة تجلب التيسير{ فإسقاط الثما عن المخطئ والمكره والناسي من تيسير الشريعة‪,‬‬
‫لن المخطئ غير قاصد والمكره ل إرادةا له‪ ,‬والناسي غفل حتى فاته العمل فهؤل‬
‫"المخطئ‪ ,‬والمكره‪ ,‬والناسي" يجمع بينهما عدما القصد‪ ,‬عدما قصد الفعل المحرما أو عدما‬
‫ب من أسباب التخفيف على العباد فهذه‬
‫قصد ترك الفعل الواجب‪ ,‬فهذه المور سب م‬
‫الشياء تسقط التبعة والثما عن النسان‪ .‬لكن حتى ل نفهما أن هذه الشياء تسقط كل‬
‫شيء استدرك المؤلف وقال‪:‬‬

‫وينتفـي التأثيمن عنه والزلل‬ ‫يثبت البدل‬


‫لكن مع التلبف ن‬

‫بمعنى أن الخطأ والنسيان والكراه يسقط حق ال عز وجل فينتفي عنه الثما والزلل‪ ,‬أما‬
‫البدل فإنه يبقى في الذمة ول يسقط ‪ ,‬والبدل هو من حقوق العباد فل تسقط‪ ,‬لن حقوق‬
‫العباد مبنية على المشاحة وحقوق ال مبنية على المسامحة مثال على ذلك‪ :‬لو أن‬
‫إنسان أفطر في رمضان مثلا مكرها أو ناسيا سقط الثما عنه بل ول قضاء عليه‪ ,‬لنه‬
‫غير قاصد‪ ,‬فل إثما عليه ول قضاء‪ ,‬لن هذا يتعلق به حق ال عز وجل‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫مثال آخر لو أن إنسانا مثلا أصلح سيارته وتفقدها وسار بها سي ار صحيحا فانحرفت به‬
‫السيارةا لوجود خلل فيها فارتطمت بسيارةا آخرى فأتلفتها‪ ,‬هنا يسقط عنه الثما لعدما تعديه‬
‫أو تفريطه لكن ذلك ل يسقط حق الدمي‪ ,‬لن حقوق الدميين مكفولة لهما فل تسقط‬
‫حتى في هذه الحالت وقضية المسامحة هذا أمر آخر‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما الفرق بين حقوق ال وحقوق العباد؟‬
‫ل‪ :‬حقوق العباد مبنية على المشاحة‪ ,‬وحقوق ال تعالى مبنية على المسامحة كما‬
‫أو ا‬
‫تقدما‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬أن حقوق ال مبنية على المقاصد فل أثما النسان ما لما يقصد المخالفة‪ ,‬إوان كان‬
‫بعض الصور يستدركها كما سيأتي إذا كانت العبادةا مما يستدرك‪ ,‬أما حقوق العباد‬
‫فليست مبنية على المقصد إوانما مبنية على الفعل وعلى هذا أفعال الصبي والمجنون‬
‫مثلا في حقوق العباد يؤاخذ عليها ويضمن وليهما ما أتلفا‪.‬‬
‫وعلى هذا لو خرج طفل مثلا وكسر زجاجة سيارةا الجار فطرق الجار الباب مطالبا‬
‫بالقيمة فل ديتعلل بأنه صغير وأنه ل يعقل أو ل يدرك‪ ,‬لن حقوق العباد ليست مبنية‬
‫على القصد فالمهما صورةا الفعل‪ ,‬لذا أفعال الصبي والمجنون في حقوق العباد يؤاخذ‬
‫عليها‪ ,‬بل وأفعال الدواب فلو أن إنسان ا عنده مجموعة غنما أو أبل فدخلت مزرعة فلن‬
‫من الناس فأتلفتها‪ ,‬فإن صاحب هذه البل أو الغنما يضمن ما أتلفته‪.‬‬
‫أولل الخطأ‪:‬‬
‫الخطأ في اللغة‪ :‬هو المقابل للصواب‪ ,‬يقال هذا صواب أي حق وهذا خطأ أي باطل‪,‬‬
‫ولذلك سميت المعصية خطيئة لنها في مقابل والصواب والحق‪.‬‬
‫وأما في الصطلح‪ :‬فهو وقوع الفعل أو القول من النسان على خلف ما يريده‪ ,‬مثال‬
‫ذلك‪ :‬إنسان صوب بندقيته ليقتل صيدا فقتل إنسان ا فهذا مخطئ‪.‬‬
‫أدلة إسقاط الثم عن المخطئ‪:‬‬
‫أدلة كثيرةا جدا نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬قول ال عز وجل‪‬كرلبكنا ل تدكؤالخنذكنا إلنن كنلسيكنا أكنو أكنخ ك‬
‫طنأكنا‪ ,85‬قال ال عزوجل كما في‬
‫صحيح مسلما‪‬قد فعلت قد فعلت‪.‬‬

‫‪) 85‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(286‬‬

‫‪69‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(2‬ما رواه ابن ماجة أن النبي عليه الصلةا والسلما قال‪‬إن ال تجاوز عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه‪ ‬قال "تجاوز" أي أنه يعفو ويصفح وهذا في حق ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬ومن الدلة على سبيل التعليل يقال‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن حقوق ال مبنية على المسامحة فناسب أن يسقط الفعل والقول على المخطئ‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن الثما مبني على القصد‪ ,‬بدليل قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬إنما العمال‬
‫بالنيات‪ .86‬أي أن الجر والثابة والمعاقبة مبني على النية‪ ,‬والمخطئ ليس بقاصد‪,‬‬
‫ولذلك قالوا بأنه ل يأثما‪.‬‬
‫ولكن ليس كون هذا النسان مخطئ أن يبرر أفعاله بعد أن يزول عنه الخطأ‪ ,‬بل يجب‬
‫عليه أن يتدارك‪ ,‬ولذلك لو كان في الصلةا وأخطأ أو نسي وقاما للثالثة بدون الجلوس‬
‫للتشهد إذا أدرك خطأه ولما تفارق فخذاه ساقيه وجب عليه أن يرجع‪.‬‬
‫ثانيا الكراه‪:‬‬
‫الكراه هو حمل الغير على ما ل يرضاه‪ ,‬ولذلك المكره منت م‬
‫ف عنه القصد والرادةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬من المهما جدا أن نعرف أنه ل يتحقق إكراه شخص حتى تتوفر لذلك شروط‬
‫وهذه الشروط دتسمى شروط تحقق الكراه وهي‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن يكون المكره قادر على تنفيذ ما هدد به‪ ,‬وعلى هذا أكره شخص على ترك‬
‫الصلةا إوال قتل وهو يعلما أن من هدده ل ينفذ ذلك فل يعتبر في هذه الحالة مكرهاا‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬أن يغلب على ظن المكره أن المكره سيفعل ما هدد به‪.‬‬
‫‪ ْ(3‬أن يكون المكره عليه يشق على المكره فعله‪ ,‬وعلى هذا لو قال إنسان اسرق من مال‬
‫فل ول أخذت منك عشر ريالت‪ ,‬فل يجوز هنا أن يسرق منه‪ ,‬لن المكره عليه ل يشق‬
‫على المكره لكن لو قال له اسرق من مال فلن إوال قتلتك جاز له ذلك‪ ,‬لن ما أكره‬
‫عليه يشق عليه‪.‬‬
‫‪ ْ(4‬أن يكون الكراه بغير حق‪ ,‬فإن كان بحق جاز ذلك‪ ,‬ول ديعذر معه النسان كالكراه‬
‫على سداد الدين بعد حلوله‪ ,‬إواكراه مانعي الزكاةا على أداء الزكاةا كما قال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلما‪‬فإن آخذوها وشط ار من ماله عزمة من عزمات ربنا‪.87‬‬

‫‪ 86‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬


‫‪ 87‬رواه أحمد والترمذي والنسائي‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ ْ(5‬أن يكون الكراه حالا فلو قال مثلا اترك الصلةا إوال قتلتك بعد عشر سنوات‪ ,‬فل‬
‫يكون مكره ا لن الحوال تتغير في هذه الفترةا‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬ما هي أنواع الكراه؟‬
‫الكراه على نوعين‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون الكراه فيما ل اختيار للنسان فيه ول قدرةا‪ ,‬فهو كالريشة في مهب الريح‬
‫كما لو حلف مثلا إل يدخل بيت فلن فأتى إنسان وحمله مكرها ثما أدخله هذا البيت‪,‬‬
‫فإنه ل يحنثَ في يمينه ول كفارةا عليه‪ .‬وكما لو أن إنسان ا حمل فلن وضرب به فلن‬
‫فمات الشخص الخر‪ ,‬فهنا بالتفاق أنه ل يترتب على المحمول شيء لنه إذا اجتمع‬
‫مباشر ومتسبب فإن الضمان على المباشر لنه هو الفاعل الحقيقي‪.‬‬
‫‪ .2‬الكراه الذي فيه نوع اختيار كما لو انه قال شخص لخر اقتل فلن ا إوال قتلتك‪,‬‬
‫فقتل فلن ا فهنا القاتل له نوع اختيار‪,‬لنه سيحمل السلح وسيذهب لقتله وربما ترصد له‬
‫وسيصوب إليه البندقية وسيتحرى المقاتل لو لما يقتله في هذه المرةا سيعاود في المرات‬
‫الخرى‪ ,‬فهذه نوع اختيار‪ ,‬وهو غير مختار من وجه أنه عنده شعور نفسي أنه ل يريد‬
‫هذا وأنه مكره وهذه الصورةا هي التي وقع فيها الخلف هل هو مكلف فيقتص منه أو‬
‫غير مكلف فل يقتص منه‪ ,‬وهما متفقون على أنه قتل نفسا معصومة ل يحل لها قتلها‪,‬‬
‫لكن خلفهما في المعاقبة والقصاص‪ ,‬ولذلك أجمعوا على أنه ل يسمى إكراه من ناحية‬
‫أنه أبقى على نفسه بقتل النفس الخرى‪ ,‬ولهذا مذهب الحنابلة اشتراك المكره والمكره في‬
‫القود والضمان‪.‬‬
‫أدلة الكراه‪:‬‬
‫طكمئلنن‬
‫هي نفس أدلة الخطأ ومن ذلك أيضا قول ال عز وجل‪ ‬لإلل كمنن أدنكلرهك كوكقنلدبهد دم ن‬
‫لبا نلليكمالن‪.88‬‬
‫وقوله في حديثَ عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلما قال‪‬ل طلق ول عتاق في‬
‫إغلق‪ ,89‬والغلق هو الكراه فعلى هذا لو أجبر إنسان على طلق زوجته وتحققت‬
‫شروط الكراه فإن الطلق ل يقع‪.‬‬

‫‪) 88‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(106‬‬


‫‪ 89‬رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ثالثال النسيان‪:‬‬
‫النسيان في اللغة خلف التذكر والحفظ‪.‬‬
‫وأما في الصطلح فهو معرفة النسان بالشيء مع ذهوله عنه‪ ,‬ولذلك الناسي ل يسمى‬
‫جاهل لنه يعرف الشيء‪.‬‬
‫والنسيان من العوارض التي ترفع التكليف لكنه ليس رفع ا مطلق ا إوانما هو رفع ا مؤقت ا أي‬
‫حتى يزول النسيان ولذلك قال النبي صلى ال عليه وسلما‪‬من ناما عن صلةا أو نسيها‬
‫فليصلها إذا ذكرها ل كفارةا لها إل ذلك‪ ‬قوله‪‬ل كفارةا لها ل كفارةا لها ل ذلك‪ ‬إشارةا هنا‬
‫إلى أن الناسي معفو عنه حال نسيانه فقط‪ ,‬والنسيان ليس بمسقط للعبادةا كله‪ ,‬إل إذا‬
‫كانت العبادةا تفوت مثل لو نسي صلةا العيدين ولما يعلما إل بعد خروج الناس سقطت‬
‫لنه ل يمكن أن يتدارك‪ ,‬فإن أمكن تدارك العبادةا فإنها ل تسقط فمن أكل أو شرب في‬
‫نهار رمضان ناسي ا فصومه صحيح لكن ليس معنى النسيان أن يستمر بالكل أو‬
‫الشرب فإذا تذكر وجب عليه أن يتدارك وأن يمتنع بل لو كان في فمه لقمة لوجب أن‬
‫يطرحها ولو أدخلها بعد تذكره فإنه يكون قد أفطر متعمداا‪.‬‬
‫الدلة على ذلك‪:‬‬
‫هي نفس أدلة الخطأ‪ ,‬ومن ذلك قول النبي عليه الصلةا والسلما‪‬من ناما عن صلةا أو‬
‫نسيها فليصلها إذا ذكرها ل كفارةا له إل ذاك‪.90‬‬
‫كذلك الجماع‪ :‬فالجماع منعقد على أن من نسي عبادةا فل إثما عليه‪ ,‬لكنه مطالب‬
‫بغعل ما نسيه بعد التذكر إن كان هذا الشيء يمكن تداركه‪.‬‬
‫أقساما النسيان‪:‬‬
‫‪ /1‬نسيان حقوق ال عز وجل‪ ,‬هذا معفو عنه حال نسيانه‪ ,‬وحقوق ال بالنسبة لنسيانها‬
‫على صورتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون مطالب بفعل ثما ينسى ويترك‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون مطالب بترك ثما ينسى ويفعل‪.‬‬
‫‪ /2‬حقوق العباد ويتعلق بها أمران كما تقدما‪:‬‬

‫‪ 90‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أ‪ -‬التأثيما‪ :‬فالصل أن حقوق العباد يحرما العتداء عليها‪ ,‬ويأثما النسان بذلك ولكن‬
‫النسيان يسقط الثما‪.‬‬
‫ب‪ -‬ضمان حقوق العباد هذه ل تسقط بالنسيان‪ ,‬فيضمن ما أتلفه حال نسيانه‪ ,‬وهذا‬
‫معنى قوله}لكن مع التلف يثبت البدل{‪.‬‬

‫يثبت تبعا ما ل يثبت استقلل‬


‫‪27‬‬

‫ـت ل إذا اسـتقلب فـوقع‬


‫يثبـ ن‬ ‫ومن مسائل الحكاماب في التبع‬

‫هذه القاعدةا أوردها المؤلف يريد بها القاعدةا التي يعبر عنها الفقهاء بقولهما }يثبت تبعال‬
‫ما لم يثبت استقللل{‪.‬‬
‫معنى هذه القاعدة‪:‬‬
‫المراد بهذه القاعدةا أن الشيء يكون له حكما خاص انفراده واستقللا عن غيره ولكنه إذا‬
‫كان تبع ا لغيره فإنه يتغير الحكما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو صلى إنسان منفردا ثما جلس بعد الركعة الولى للتشهد متعمدا بطلت‬
‫صلته لن هذا ليس هو موضع التشهد‪ ,‬لكن لو دخل مع الماما لصلةا الظهر مثلا‬
‫وقد سبقه بركعة إذا جلس الماما بعد الثانية وهي الركعة الولى للمسبوق فإنه يجلس‬
‫تبع ا لمامه‪ .‬ولذلك قالوا }يثبت تبعال ما لم يثبت استقللل{‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬بيع التمر قبل بدو صلحه ل يجوز ولكن لو باع التمر قبل بدو الصلح‬
‫مع الصل فل حرج في ذلك‪ ,‬فهذا جائز تبع ا لغيره واستغللا ل يجوز إل بشرط قطعة‬
‫ل‪.‬‬
‫ف لبهائمه مث ا‬ ‫في الحال إذا كان ينتفع منه كعل م‬

‫إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬يغتفر للتوابع ما ل يغتفر لغيرها‪.‬‬
‫‪ /2‬يغتفر للشيء ضمنا ما ل يغتفر لغيره قصداا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ /3‬قد يثبت الشيء ضمنا وحكما ول يثبت قصداا‪.‬‬

‫إعمال العرف‬
‫‪28‬‬

‫حكم من الشرع الشريف لم يحد‬ ‫والعـرف معمـول بأـه إذا ورأد‬

‫بين هذه القاعدةا والقاعدةا التي ذكرناها سابقا وهي قاعدةا }والصل في عادتنا الباحة{‬
‫بينهما فرق يسير‪ ,‬فالعادةا التي ذكرها المؤلف أولا هي عادةا الناس مما خلت منه‬
‫الشريعة من حيثَ أقوالهما وطريقة مناسباتهما‪ .‬أما العادةا هنا ليس المراد منها العرف‬
‫العاما بل العرف الجزئي‪.‬‬
‫معنى ذلك‪ :‬أن الشارع إذا حكما بشيء ولما يحده فإنه يرجع لتحديدةا وتعريفه إلى العرف‬
‫ولذلك إذا قال الفقهاء كل ما أمر الشارع به أو نهى عنه ولما يحده ويفسره أو يضبطه‬
‫بأحكاما فإن وتفسيره راجعم إلى العرف‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬الن الحركة الزائدةا في الصلةا تبطل الصلةا إذا كثرت وكانت من غير‬
‫جنس الصلةا وحد الحركة الكثيرةا ديرجع فيه إلى العرف‪.‬‬
‫مثال آخر‪ :‬أمر ال تعالى أن تكون النفقة للزوجة بالمعروف وضابط النفقة بالمعروف‬
‫ديرجع فيها إلى العرف‪.‬‬

‫معـاجل المحـظورأ قبـل آنـه‬

‫‪29‬‬

‫قد بأاء بأالخسران مع حرمانه‬ ‫معـاجل المحـظورأ قبـل آنـه‬

‫‪74‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أطلقات القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬الصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد‪.‬‬
‫‪ /2‬من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ /3‬المعارضة بنقيض المقصود‪.‬‬
‫‪ /4‬من تعجل حقه أو ما أبيح قبل وقته على وجه محرما دعوقب بحرمانه‪.‬‬
‫‪ /5‬من استعجل ما أخره الشارع يجازى برده‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها فإنها تفيد معنى متحدا دليلا على التفاق عليها بين‬
‫الجميع‪ .‬فإن من يتوسل بالوسائل غير المشروعة تعجلا منه للحصول على مقصوده‪,‬‬
‫فإن الشرع عامله بضد مقصوده فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله‪ .‬وهذه القواعد‬
‫تمثل جانبا من جوانب السياسة في القمع وسد الذرائع‪ ,‬لنه لو لما يعاقب بحرمانه لدى‬
‫ذلك إلى أن يستعجل الناس حظوظهما قبل أسبابها المشروعة‪.‬‬
‫من أمثلة القاعدة‪:‬‬
‫لما كان التعجل يجر مفاسد عظيمة كان تقعيد هذه القاعدةا من باب سد الذرائع ووجه‬
‫كونه سمد للذرائع‪ ,‬لن الطالب للشيء قبل وقته لو لما ديعاقب بحرمانه لدى ذلك إلى أن‬
‫الناس يستعجلون حظوظهما قبل أسبابها المشروعة‪ .‬وهذه الحكاما كما أنها تجري في‬
‫الحكاما الدنيوية كما تقدما فإنها تجري في الحكاما الخروية‪.‬‬
‫أما كيف ذلك؟!‬
‫فنقول أن ال تعالى أنعما على عباده بنعما‪ ,‬ووعد عباده في الخرةا فيما ل عين رأت ول‬
‫أذن سمعت ول خطر على قلب بشر كلبس الحرير وشرب الخمر فهذه وغيرها وقتها‬
‫المسموح بها في الخرةا‪ ,‬فمن استعجل حظه من ذلك في الدنيا ولما ينل ذلك في الخرةا‬
‫إن لما يتب إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أمدر عكسي للقاعدةا‬

‫‪75‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫إذا قررنا أن النسان إذا استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه‪ .‬كذلك يقال أن الصابر‬
‫عن فعل المحرما ابتغاء رضوان ال يجازى ذلك بالخير من فرح النفس‪ ,‬وقوةا القلب وسعة‬
‫الرزق‪ ,‬وانشراح الصدر‪ ,‬والبركة في الرزق‪ ,‬والصحة في البدن‪.‬‬
‫وأما في الخرةا فيكفي على ذلك ثوابا الجنة وأعظما من ذلك لذةا النظر إلى وجه ال‬
‫الكريما‪ .‬نسأل ال تعالى من فضله‪.‬‬

‫العبادات الواقعة على وجه محرما‬

‫‪30‬‬

‫أو شرطه فــذو فسـاد وخـلل‬ ‫وإن أتي التحريم في نفس العمل‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذه القاعدةا أصولية نظمها الشيخ رحمه ال تعالى ضمن القواعد الفقهية‪ .‬وهذا البيت‬
‫أراد به المؤلف رحمه ال تعالى قاعدةا أصولية تتعلق بمسألة صحة العمل وفساده ولذلك‬
‫}وان أتى المكلف التحريم{ أي إن أتى المكلف التحريما في نفس العمل أو شرطه‬
‫قال إ‬
‫دل ذلك على فساد العمل‪ ,‬إوان جاء التحريما ليس في نفس العمل ول في شرطه فإنه ل‬
‫يؤدي إلى فساد العمل‪ ,‬وهذا كلما مجمل وقبل ذلك نحتاج إلى معرفة المراد بالصحيح‬
‫والفاسد من العمل حتى نتصور هذا الحكما‪:‬‬
‫الصحيح‪ :‬مأخوذ من الصحة في اللغة وهو ضد السقما والمرض‪.‬‬
‫أما الصحة في الشرع فأننا سنعرفها من جهتين‪:‬‬
‫‪ -1‬الصحة في العبادات‪.‬‬
‫‪ -2‬الصحة في المعاملت‪.‬‬
‫* الصحة في العبادات‪ :‬فالعبادات تسمى صحيحة إذا أجزأت وأبرأت الذمة وأغنت عن‬
‫القضاء والعادةا‪ ,‬فإذا توفرت هذه الشروط حكمنا بصحة العبادةا وبمعنى آخر إذا‬
‫تحققت الشروط وانتفت الموانع‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫فمن صلى قبل الوقت مثلا لما تصح صلته لن من شروط الصلةا دخول الوقت‪ ,‬ومن‬
‫صامت حال حيضها أو نفاسها لما يصح صيامها بوجود مانع من موانع صحة الصياما‬
‫أل وهو كون المرأةا حائض أو نفساء‪.‬‬
‫* وأما الصحيح في المعاملت‪ :‬فهو ما ترتبت عليه أحكاما العقد المقصود منه لن كل‬
‫عقد ومعاملة يجريها النسان يقصد منها مصلحة‪ ,‬وبناء على ذلك يكون فساد العقد إما‬
‫ل‪.‬‬
‫لعدما تحقق المشروط أو لوجود الموانع كبيع المجهول مث ا‬
‫مسألة‪ :‬هل النهي يقتضي الفساد أما ل؟‬
‫هي على خلف والصحيح‪ :‬قول بعض المحققين ومنهما شيخ السلما ابن تيمية‬
‫والعلئي ورواية عن الماما أحمد قالوا‪ :‬بأن النهي ل يقتضي الفساد مطلقاا‪ ,‬إوانما إذا‬
‫كان النهي يعود إلى ذات المنهي عنه أو شرطه الذي ل يتما إل به فهو يقتضي الفساد‬
‫كالصلةا بدون طهارةا‪ ,‬أما إذا كان النهي ل يعود إلى ذات المنهي عنه ول إلى شرطه ل‬
‫يفيد البطلن كالصلةا في الرض المغصوبة على الصحيح أنها صحيحة خلفا‬
‫لمذهب الحنابلة‪ .‬وال تعالى أعلما‪.‬‬

‫من أتلف شأيئا لدفع أذاه لم يضمنه‬

‫‪31‬‬

‫بأعد الدفاع بأالتي هي أحسن‬ ‫ومتلــف مؤذيـه ليس يضمـن‬

‫هذا البيت عقده المؤلف رحمه ال تعالى للقاعدةا الفقهية التي يقول فيها الفقهاء‪} :‬من‬
‫أتلف شيئا لمضرته لما يضمن{‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن النسان إذا تعرض له شيء يؤذيه واحتاج إلى دفع أذاه بإتلف المؤذي فإنه ل‬
‫يضمن‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫لو صال عليه آدمي فلما يستطع دفعه إلى بقتله فقتله فإنه ل يضمنه ودليل ذلك قول‬
‫النبي صلى ال عليه وسلما حينما جاءه رجل وقال‪ :‬يا رسول ال أرأيت إن جاء رجل يريد‬
‫أخذ مالي‪ ,‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلما‪‬ل تعطه إياه‪ ,‬قال أرأيت إن قاتلني‪,‬‬
‫قال‪‬فقاتله‪ ,‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلته‪ ,‬قال‪‬هو في النار‪ ,‬قال أرأيت إن قتلني‪ ,‬قال‪‬فأنت‬
‫شهيد‪.91‬‬
‫يقول إماما الحرمين‪ :‬ل يخفى جواز دفع المظلمة إوان انتهى الدفع إلى شهر السلحة‪,‬‬
‫فإن ممن أجلى صور الشريعة دفع المعتدين بأقصى المكان عن العتداء‪ ,‬ولو ثارت‬
‫فتنة زائفة عن الرشاد وأثاروا السعي في الرض بالفساد ولما ديمنعوا قه ار ولما يدفعوا قس ار‬
‫لستج أر الظلمة ولتفاقما المر‪.‬‬
‫أدلة القاعدةا‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬عموما الدلة الدالة على رفع الضرر إوازالته‪ ,‬لن صولة الصائل تجلب ضر ارا‪,‬‬
‫ولذلك يجب دفعه حتى لو أدي ذلك إلى إتلف المؤذي‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪.92‬‬
‫مسألة‪ :‬إفساد الشيء لكونه مؤذ يتضمن حكمين‬
‫أ‪ -‬عدما الثما بالتلف‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدما الضمان ما أتلف‪.‬‬
‫لكن الناظما اشترط لعدما الثما بالتلف وعدما ضمان ما أتلفه شرطا وهو‪ :‬ما يتضمنه‬
‫الشطر الثاني حيثَ قال }بعد الدفاع بالتي هي أحسن{‪.‬‬
‫ومعنى ذلك‪:‬‬

‫‪ 91‬رواه مسلما‪.‬‬
‫‪ 92‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أن دفع الصائل مثلا إذا كان يندفع بإتلف عضو من أعضائه دون قتله وجب ذلك‪ ,‬بل‬
‫ل يجوز قتله فل يسلك العلى مع استطاعته الدفع بالخف ولعل هذا يندرج تحت‬
‫قاعدةا }يصار إلى أهون الشرين{‪ ,‬التي تقدمت معنا‪.‬‬
‫قاعدة‪:‬‬
‫}من أتلف شيئال لدفع أذاه لم يضمنه‪ ,‬إوان أتلفه بدفع أذاه به ضمنه{‪ ,‬هذه قاعدةا أعما‬
‫من القاعدةا المتقدمة‪.‬‬
‫}من أتلف شيئال لدفع أذاه لم يضمنه{‪ :‬هذا كما تقدما كدفع الصائل الخف فالخف‪.‬‬
‫}وان أتلفه بدفع أذاه به ضمنه{‪ :‬وهذا كما لو أصاب النسان مجاعة فخشي على نفسه‬
‫إ‬
‫الهلك فوجد شاةا فذبحها وأكل منها‪ ,‬لينقذ نفسه فإنه يضمنها‪.‬‬
‫أمثلة تخرج على هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬لو صال عليه إنسان أو حيوان فدفعه عن نفسه بالقتل إذا لما يندفع إل بذلك فإنه ل‬
‫يضمنه بالتفاق‪.‬‬
‫‪ (2‬لو جاع أو ذبح حيوان ل يملكه لنقاذ نفسه ضمنه‪.‬‬
‫‪ (3‬لو صال عليه حيوان وهو من الصيد البري المأكول فقتله لدفع ضرره لما يضمنه‬
‫بفدية‪ ,‬إوان اضطر لقتله لدفع الجوع مثلا فإنه يضمنه‪.‬‬
‫‪ (4‬لو حلق المحرما رأسه للذى فإنه يضمنه‪,‬لن الذى من غير الشعر‪ ,‬لكن لو خرجت‬
‫من عينه شعرةا فآذته فقلعها فإنه ل يضمن‪ ,‬لن الذى منها‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬أخرى في القاعدةا‬
‫وهي قول ابن رجب)من أتلف نفسا أو أفسد عبادةا يعود لنفع نفسه فل ضمان عليه‪ ,‬إوان‬
‫كان النفع يعود إلى غيره فعليه الضمان(ْ‬
‫أمثلة ذلك‪:‬‬
‫* الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوف ا على نفسيهما فعليهما القضاء فقط بل فدية‪ ,‬إوان‬
‫أفطرتا خوف ا على ولديهما فعليهما الفدية في المشهور عند الصحاب‪.‬‬
‫* ومن ذلك لو أكره على الحلف بيمين لحق نفسه فحلف دفعا للظلما عنه لما تنعقد يمينه‪,‬‬
‫ولو أكره على الحلف لدفع الظلما عن غيره فحلف انعقدت يمينه‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫أيضا ذكر ابن رجب قاعدةا قريبة من هذه وهي‪:‬‬


‫أذا حصل التلف من فعلين مأذون فيه والخر غير مأذون فيه وجب الضمان كاملا‬
‫على الصحيح‪ ,‬وهذا مثاله إذا زاد الماما سوط ا في الحد فمات المحدود‪ ,‬على خلف‬
‫المشهور وهو ما عليه القاضي وأصحابه أنه يجب كامل الدية ل نصفها‪.‬‬
‫* ومن ذلك لو استأجر سيارةا مثلا لمسافة معلومة فزاد عليها‪ ,‬أو لحمل مقدار معلوما‬
‫فزاد عليه فتلفت السيارةا‪ ,‬فإنه يضمن كامل القيمة‪.‬‬

‫أل تفيد العموما في الجمع والفراد‬

‫‪32‬‬

‫في الجمع والفراد كالعليم‬ ‫وأل تفيـد كـل فـي العمـوما‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫قصد الناظما هنا أن آل إذا دخلت على السما أكسبته العموما وهو ما يعبر عنه النحاةا‬
‫بقولهما "المحلى بأل"‪.‬‬
‫مثلا كلمة إنسان نكرةا لكن لو أدخلت عليها آل وقلنا النسان فالمراد بها كل إنسان‬
‫صنوا‬ ‫صنوا لبانلكح ر‬ ‫كقوله تعالى ‪‬وانلعصلر‪ ,‬لإلل الللذين آمدنوا وعلملدوا ال ل ل ل‬
‫ق كوتككوا ك‬ ‫صالكحات كوتككوا ك‬ ‫ك ك كك‬ ‫ك ك ن‬
‫صنبلر‪ .93‬ف أل هنا أكسبت كلمة إنسان العموما‪ ,‬فهي تفيد العموما في الفراد ككلمة‬ ‫لبال ل‬
‫إنسان‪ ,‬وكذا في الجمع مثل كلمة الخلء كما في قول ال عز وجل‪‬انلكلخللدء كينوكمئلمذ‬
‫ض كعددنو لإلل انلدمتللقيكن‪.94‬‬
‫ضهدنما للكبنع م‬
‫كبنع د‬
‫وبنااء على هذا نقول أن دخول أل على السما سواء كان هذا السما مفرد أو جمع فإن‬
‫هذا من صيغ العموما‪ ,‬وهذا قول أهل العلما وأهل اللغة‪.‬‬

‫‪) 93‬العصر ‪ْ(3-1‬‬


‫‪) 94‬الزخرف‪ْ(67:‬‬

‫‪80‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫وقد نص الماما أحمد بن حنبل رحمه ال على هذا في مواضيع كثيرةا من كتبه‪ ,‬ومن‬
‫هذه المسائل والمثلة التي استقاها الماما أحمد والصحاب على أن أل تفيد العموما‬
‫قولهما }الصل في البيع الحل ول يحرم منه نوع إل بدليل{ لماذا؟ لن ال سبحانه‬
‫وتعالى قال‪‬كوأككحلل الللهد انلكبنيكع‪ ,95‬فهي تدل على أن كل بيع حلل لدخول أل على كلمة‬
‫البيع فأكسبتها صيغة العموما ولذلك نص ابن القيما رحمه ال تعالى في أعلما الموقعين‬
‫على أن الصل في البيع هو الحل‪.‬‬
‫أيضا أل تفيد معنى آخر وهو العهد ولذلك يحصل الخلف في أل في بعض الحكاما‬
‫هل هي للعهد أو للعموما‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫* قول النبي صلى ال عليه وسلما في الصلةا‪ ‬تحريمها التكبير وتحليلها التسليما‪.96‬‬
‫في قوله التكبير والتسليما‪:‬‬
‫من قال أن أل هنا للعهد وهما الحنابلة قالوا أن التكبير هنا ل يصح إل بكلمة ال أكبر‬
‫المعهودةا‪ ,‬والنصراف من الصلةا باللفظ المعهود "السلما عليكما ورحمة ال"‪.‬‬
‫ومن قال انها للعموما وهما الحنفية قالوا يصح أن تفتح الصلةا بأي لفظ يدل على التعظيما‬
‫"ال اكبر أو ال الكبر أو ال كبير أو ال العظما" كذلك السلما قالوا لو قال "السلما‬
‫عليكما أو سلما عليكما ونحو ذلك"‪.‬‬
‫* من ذلك أيضا قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬فتنزهوا من البول فإن عامة عذاب‬
‫القبر منه‪ ‬أخرجه الدار قطني‪.‬‬
‫من يرى أن أل عهدية قالوا أن المراد بول الدمي خاصة وهو الراجح‪.‬‬
‫ومن يرى أن أل للعموما قالوا المراد بذلك عموما البوال فيجب التنزه عنها‪.‬‬
‫* كذلك أسماء ال عز وجل دخلت عليه أل فأفادتها كل ما يشمله اللفظ من العموما‪,‬‬
‫فإذا قلنا الحي أي الذي له الحياةا كاملة‪ ,‬العلي أي العلو الكامل علو الذات والقهر‬
‫والغلبة‪.‬‬
‫النكرةا في سياق النفي تفيد العموما‬

‫‪) 95‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬


‫‪ 96‬رواه أحمد والترمذي وابن ماجة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪33‬‬

‫تعطي العموما أو سياق النهي‬ ‫والنكـرات فـي سـياق النفي‬

‫من هذه القاعدةا إلى القاعدةا الخامسة والثلثون قواعد أصولية وليست قواعد فقهية‪.‬‬
‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن النكرةا إذا جاءت بعد النهي دلت على العموما والشمول‪.‬‬
‫مثال النكرةا في سياق النفي‪:‬‬
‫ل إله إل ال‪ ,‬نفت كل إله في السماء والرض وأثبتت إلوهية ال تعالى‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫أحد نكرةا لكن لو قلنا ل أحد قائما ل هنا أفادت العموما فأكسبت النكرةا العموما‪ ,‬فهي تنفي‬
‫أن يكون هناك أحد قائما‪.‬‬
‫ك كننفمس للكننف م‬
‫س كشنيئ ا‪ ,97‬يعما كمل نفس وكل شيء‪.‬‬ ‫ومثل قوله تعالى ‪‬كينوكما ل تكنملل د‬
‫ولذلك اشتق الفقهاء من هذه القاعدةا أحكاما نذكر مثالا واحداا‪:‬‬
‫قول النبي صلى ال عليه وسلما‪‬ل تق أر الحائض والجنب شيئ ا من القرآن‪ ,98‬ل هنا نافية‬
‫أفادت العموما فنفت كل شيء‪ ,‬ولذلك قالوا‪ :‬الحائض والجنب ل يقرآن ول آية واحدةا‪,‬‬
‫لن الية نفت أي شيء‪.‬‬
‫* أما النكرةا في سياق الثبات فهي ل تفيد العموما إل في حالة واحدةا وهي حالة‬
‫المتنان وهي‪ :‬أن يذكر ال تعالى أشياء من قبيل النكرةا ل لبيان الحكاما إوانما في‬
‫موضع المتنان كما في قوله تعالى‪‬لفيلهكما كفالكهكةم‪ ,99‬هنا نكرةا في سياق الثبات تفيد‬
‫العموما‪ ,‬فيعما ذلك ويشمل كل فاكهة من نخيل ورمان وتين‪..‬الخ‪.‬‬

‫‪) 97‬النفطار‪ :‬من الية ‪ْ(19‬‬


‫‪ 98‬رواه أبو داوود والترمذي ‪.‬‬
‫‪) 99‬الرحمن‪ :‬من الية ‪ْ(68‬‬

‫‪82‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ولذلك قال الفقهاء بطهارةا الماء مطلقا لماذا؟ قالوا لن ال عز وجل امتن على عباده‬
‫طهركردكنما بلله‪ ,100‬كلمة ماء نكرةا جاءت في معرض‬
‫بقوله‪‬كوديكنرزدل كعلكنيدكنما لمكن اللسكمالء كمااء للدي ك‬
‫المتنان‪ ,‬فعلما أن الصل فيها عموما كل ماء ولذلك قالوا }الصل في الماء الطهارة{‪.‬‬
‫* كذلك النكرات في سياق النهي تفيد العموما‪:‬‬
‫مثال ذلك قوله تعالى‪‬كفل تكندعد كمكع الللله إلكله ا‪ 101‬نككر كلمة إله لتشمل نفي جميع ما يعبد‬
‫من دون ال‪ ,‬وهذا فيه سد لباب عظيما على المبتدعة الذين يتقربون إلى ال عز وجل‬
‫"زعموا" عن طريق الولياء والضرحة والقبور‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل‪‬كول تكدقولكلن للكشنيمء إلرني كفالعمل كذلل ك‬
‫ك كغدا‪,102‬فـ شيء نكرةا‬
‫سبقت بنهي‪ ,‬فتعما كل شيء‪ ,‬فل يقول النسان لدنى شيء أي سأفعله غدا إل أن يقول‬
‫إن يشاء ال‪.‬‬

‫من وما تفيدان العموما‬

‫‪34‬‬

‫كل العموما يا نأخدي فاسمعا‬


‫ب‬ ‫كـذلك مـن ومـا تفيدانب مًعا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذا البيت أفاد به المؤلف أن من و ما تفيدان العموما المستغرق لكل ما دخل عليه‪.‬‬
‫* كما في قوله تعالى ‪‬ولللله كما لفي اللسكماوالت وكما لفي انلكنر ل‬
‫ض‪ ,103‬فـ من هنا أفادت‬ ‫ك ك‬ ‫ك‬
‫العموما فكل من في السماوات والرض ملك ل عز وجل‪.‬‬

‫‪) 100‬لنفال‪ :‬من الية ‪ْ(11‬‬


‫‪) 101‬الشعراء‪ :‬من الية ‪ْ(213‬‬
‫‪) 102‬الكهف‪ْ(23:‬‬
‫‪) 103‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(131‬‬

‫‪83‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ض لإلل آلتي اللرنحكملن كعنبدا‪ ,104‬فهو‬


‫* ومثله قوله تعالى‪‬لإنن دكدل كمنن لفي اللسكماوالت وانلكنر ل‬
‫ك ك‬
‫عاما أي كل من في السماوات والرض ل يتخلف عن ذلك أحداا‪.‬‬
‫ضعد إللل بللعنللمله‪ , 105‬فهو عاما‪.‬‬ ‫ل ل‬
‫* كذلك ما كما في قوله تعالى‪‬كوكما تكنحمدل منن أدننكثى كول تك ك‬
‫* ومثله قوله تعالى‪‬كوكما كنكهادكنما كعننهد كفاننتكهدوا كواتلقدوا الللهك لإلن الللهك كشلديدد انللعكقالب‪ , 106‬أي كل‬
‫ما آتاكما الرسول فخذوه ل يتخلف عن ذلك شيء في حدود القدرةا والستطاعة‪.‬‬

‫المفرد المضاف يعم جميع المعنى‬

‫‪35‬‬

‫ن‬
‫يضاف‬ ‫فأفهم هديتب الرشأدب ما‬ ‫ومثلــهن المفـرد إذ يضـاف‬
‫ن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫يقصد بذلك أن المفرد إذا أضيف فإنه يفيد العموما سوااء أضيف إلى مفرد كعبد ال‪ ,‬أو‬
‫أضيف إلى جمع كعبيد ال‪ ,‬وسوااء كان هذا الجمع اسما جمع كأن تقول‪ :‬جاءني ركب‬
‫صوكها‪ 107‬فتعما كل‬ ‫المدينة‪ .‬أو اسما جنس كقول ال تعالى‪ ‬إولانن تكعدوا نلعم ك ل ل‬
‫ت الله ل تدنح د‬ ‫نك‬ ‫ك د‬
‫نعمة دينية أو دنيوية‪ ,‬كذلك ألفاظ الجموع إذا أضيفت تفيد العموما كالمسلمين و‬
‫المشركين‪.‬‬
‫والقول بعموما المفرد والجمع إذا أضيفت هو قول جماهير الصوليين وهو مذهب ابن‬
‫عباس‪ ,‬وهو قومل للماما أحمد‪.‬‬
‫‪) 104‬مريما‪ْ(93:‬‬
‫‪) 105‬فاطر‪ :‬من اليآة ‪(11‬‬
‫‪) 106‬الحشر‪ :‬من الية ‪ْ(7‬‬

‫‪) 107‬ابراهيما‪ :‬من الية ‪ْ(34‬‬

‫‪84‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫والمحكي عند الشافعية والحنفية أنه ل يعما‪ .‬ولذلك من المثلة عند الفقهاء‪:‬‬
‫لو قال زوجتي طالق وعنده أكثر من زوجة‪ .‬عند من قالوا إن المفرد المضاف يعما‪ ,‬قالوا‬
‫يطلقهن جميع ا وعند من قالوا أنه ل يعما قالوا‪ :‬تطلق واحدةا وتعين بالقرعة‪.‬‬
‫فمعرفة مثل هذا يؤدي إلى إذار الئمة في خلفهما في المسائل الفرعية‪ ,‬لن ذلك مبني‬
‫على خلفهما في المسائل الصولية‪.‬‬

‫ل يتم الحكم حتى تجتمع شأروطه وترتفع موانعه‬

‫‪36‬‬

‫كل الشروط والموانع ترتفع‬ ‫ول يتـم الحكم حتى تجتمع‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن الحكاما ل تتما ول تترتب عليها مقتضياتها ول يحكما بمتعلقاتها حتى تجتمع كل‬
‫الشروط وتنتفي جميع الموانع سوااء في المعاملت أو العبادات‪.‬‬
‫فالعبادات شروطها كلها شرعية‪ ,‬أما المعاملت فالشروط فيها على نوعين‪:‬‬
‫‪ْ(1‬شروط شرعية‪ :‬تشترط كشرط العلما بالثمن والمثمن‪.‬‬
‫‪ْ(2‬شروط جعليه أو وضعية‪ :‬وهي من المتعاقدين‪ ,‬فهذه ل بأس بها ما لما يكن الشرط‬
‫ل‪ .‬فالشروط الجعلية أو الوضعية ل تكون إل في المعاملت‪,‬‬
‫يحمل حراما أو يحرما حل ا‬
‫فل تكون في العبادات‪ .‬لكن إذا اشترط الشرط الجعلي في المعاملت فإن ذلك بمنزلة‬
‫الشروط الشرعية التي يجب الوفاء بها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الشرط في اللغة‪ :‬هو العلمة‪ ,‬ومنه قوله تعالى ‪‬فكهكنل كيننظددروكن لإلل اللساكعةك أكنن تكنأتلكيهدنما كبنغتكةا‬
‫فكقكند كجاكء أكنش كارطدكها‪ 108‬أي علماتها‪.‬‬
‫والشرط عند الصوليين‪} :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ,‬ول يلزم من وجوده الوجود{‪.‬‬
‫كالطهارةا للصلةا يلزما من عدما الطهارةا عدما صحة الصلةا لن الطهارةا شرط لصحة‬
‫الصلةا‪ ,‬ولكن ل يلزما من وجود الطهارةا وجود الصلةا‪ ,‬لن النسان قد يتوضأ لمر‬
‫غير الصلةا كأن يتوضأ مثلا لقراءةا القرآن ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأما المانع‪ :‬فهو }ما يلزم من وجوده عدم وجود الحكم{‪ ,‬كالحيض مانع من وجود‬
‫الصلةا‪ ,‬ول يلزما من عدمه وجود لن المرأةا قد ل تكون حائض ا ولكن قد تمتنع من‬
‫ل‪.‬‬
‫الصلةا لوجود سبب آخر كالنفاس مث ا‬
‫فعلما من ذلك أن الحكما ل يتما حتى تتحقق الشروط وتنتفي الموانع‪ ,‬فليكن هذا الصل‬
‫على بالك وحكمه في كل دقيق وجليل‪ ,‬فللدعاء شروط وموانع وللمحبة والرجاء وللتوبة‬
‫ونحو ذلك شروط وموانع نسأل ال العانة على القياما بشروط العمال ودفع موانعها‪.‬‬

‫الجزاء على قدرأ العمل‬

‫‪37‬‬

‫قد استحق ما له على العمل‬ ‫ومـن أتى بأما عليه من عمل‬

‫معنى هذا البيت‪:‬‬


‫هو الذي أراده الفقهاء بقولهما‪} :‬إذا أدى ما عليه وجب ما دجعل له{‪ ,‬والمراد أن النسان‬
‫إذا طلب منه عمل معين‪ ,‬ورتب على هذا العمل ج ازاء معين ا فإنه إذا أتى بهذا العمل‬
‫وجب له ما رتب على هذا العمل‪ ,‬ولذلك نقول عند التمعن والتأمل في كتاب ال وسنة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلما نجد أن الثواب المطلق للعمل الصالح صورتان‪:‬‬
‫‪ -1‬ما للعبد في الدنيا‪.‬‬

‫‪) 108‬محمد‪ :‬من الية ‪ْ(18‬‬

‫‪86‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪ -2‬ما يكون للعبد في الخرةا‪.‬‬


‫فالجزاء قد يدركه النسان في دنياه بما يحصل للنسان من انشراح الصدر وسعة الرزق‬
‫ونحو ذلك‪ ,‬بل ل يقتصر المر على الدنيا فإن الثابة في الدنيا هي عاجل بشرى‬
‫المؤمن إوال فالجر الحقيقي والكسب العظيما هو ما يحصل للنسان في الخرةا‪.‬‬
‫*وأجر الدنيا كما في قوله تعالى‪‬منن علمكل ل ل‬
‫صالح ا منن كذككمر أكنو أدننكثى كودهكو دمنؤلممن كفلكدننحيلكيلنهد‬ ‫ك‬ ‫ك ك‬
‫طريكبةا‪.109‬‬
‫كحكياةاا ك‬
‫طمئلدن دقدلوبهما بللذنكلر الللله كأل بللذنكلر الللله تك ن ل‬ ‫لل‬
‫ب ‪.110‬‬ ‫طكمئدن انلدقلو د‬ ‫د دن‬ ‫*وقوله تعالى‪‬الذيكن آكمدنوا كوتك ن ك‬
‫ك لكهددما انلكنمدن كودهنما دمنهتكددوكن‪. 111‬‬ ‫* وقوله تعالى‪‬الللذيكن آكمدنوا كولكنما كينلبلدسوا لإيكماكنهدنما بلظدنلمما دأولكئل ك‬
‫وكما أن ال تعالى وعد بالمثوبة لمن أتى بالعمل الصالح كذلك رتب ال تعالى على‬
‫ض كعنن‬ ‫العمل المحرما عقوبة في الدنيا وعقوبة في الخرةا كما في قوله تعالى‪‬كوكمنن أكنعكر ك‬
‫ضننك ا كوكننحدشدرهد كينوكما انللقكياكملة أكنعكمى‪.112‬‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ذنكلري فكلإلن لكهد كمعيكشةا ك‬
‫طادن لمكن‬‫وقوله تعالى‪‬الللذيكن كينأدكدلوكن الرربا ل كيدقودموكن لإلل كككما كيدقودما الللذي كيتككخلبطدهد اللشني ك‬
‫انلكمرس‪113‬‬
‫صلتللهنما كسادهوكن‪ . 114‬هذا ما يتعلق بباب‬ ‫لل‬
‫صليكن*الذيكن دهنما كعنن ك‬
‫وقوله تعالى‪‬فكونيمل للنلم ر‬
‫د ك‬ ‫ك‬
‫العبادات‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالمعاملت‪ :‬فإن النسان إذا عقد عقدا على عممل من العمال‪ ,‬فإذا‬
‫وقي بما تعاقدا عليه فإنه يكون مستحقا لما ينبني عليه من آثار هذا العقد‪ .‬فالجير مثلا‬
‫ف بما‬
‫ق العوض الذي اتفقا عليه‪ ,‬إوان لما يو ك‬
‫إذا استؤجر لعمل معين‪ ,‬إن أثما عمله استح ك‬
‫تعاقدا عليه فإنه ل يستحق شيئاا‪.‬‬

‫الحكم يدور مع علته وجودا وعدما‬


‫‪) 109‬النحل‪ :‬من الية ‪ْ(97‬‬
‫‪) 110‬الرعد‪ْ(28:‬‬
‫‪) 111‬النعاما‪ْ(82:‬‬
‫‪) 112‬طـه‪ْ(124:‬‬
‫‪) 113‬البقرةا‪ :‬من الية ‪ْ(275‬‬
‫‪) 114‬الماعون‪ْ(4:‬‬

‫‪87‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪38‬‬
‫وهيَ التي قد أوجَبإت لشرعيته‬ ‫دائر مع علتـه‬
‫حكم ٌ‬‫وكلُ ٍ‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫هذا البيت عقده المؤلف لما يطلق عليه الصوليين }الحكم يدور مع علته وجودال‬
‫وعدملا{‪.‬‬
‫وهذه قاعدةا أصولية وليست بقاعدةا فقهية‪.‬‬
‫تعريف العلة في اللغة‪ :‬اسما لما يتغير الشيء بحصوله‪ .‬أخذا من العلة التي هي‬
‫المرض‪ ,‬والمرض إذا ط أر على النسان غير عليه صحته وأثر عليه‪ ,‬كذلك العلة‬
‫بالحكاما إذا طرأت على الحكما غيرته‪ .‬ولذلك سميت العلة علة لنها مؤثرةا‪ ,‬ولذلك‬
‫عرفها بعضهما بـ الوصف المؤثر لكونها مؤثرةا‪ ,‬فالعلة إذا وجدت في الحكما غيرته‪,‬‬
‫ولذلك قد تنقل الحكما من الحل إلى الحرمة أو العكس أو من الوجوب إلى الباحة أو‬
‫العكس‪.‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬قال الصوليين معناها هي الوصف الذي من أجله شرع الحكما‪.‬‬
‫ومعنى قوله دائر أي يدور والدوران عند علماء الصول }أن يترتب الحكم على الوصف‬
‫أو العلة من حيث الوجود أو العدم{ ومعناه إذا وجدت العلة وجد الحكما‪ ,‬إواذا عدمت‬
‫العلة عدما الحكما‪ ,‬ولذلك من شرط العلة عند الفقهاء أن تكون منضبطة إوانما تسمى علة‬
‫مضطربة كذلك‪ .‬كذلك لو عدمت العلة ثما وجد الحكما فإنها تكون علة لغيه لن العلة‬
‫ذات القيمة المؤثرةا هي التي تؤثر في الحكاما سلب ا أو إيجاباا‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬العصير الصل فيه الحل‪ ,‬لكن إذا اشتد وقذف بالزبد وتخمر حدرما‪ ,‬لما‬
‫عدمت علة السكار دعدما الحكما وهو التحريما‪ ,‬وفي الصورةا الثانية وجدت العلة وهي‬
‫السكار فوجد الحكما وهو التحريما‪ .‬على هذا فالسكار علة صحيحة‪.‬‬
‫ل‪ :‬تعليل قصر الصلةا للمسافر بالمشقة‪ ,‬التعليل بالمشقة علة مضطربة لن‬
‫لكن مث ا‬
‫هذه العلة قد توجد في السفر وقد تتخلف فعلى هذا ل يصح أن تكون علة الرخص‬

‫‪88‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫السفر لنها مضطربة‪ ,‬ولذلك اشترط الصوليون في العلة أن تكون عامة لجميع‬
‫المكلفين وأن تكون منضبطة كما تقدما‪.‬‬
‫الفرق بين الحكمة والعلة ويظهر ذلك في فريقين‪:‬‬
‫‪ ْ(1‬أن العلة يجب أن تكون ظاهرةا ومدركة‪ .‬ظاهرةا فل تكون خفية‪ ,‬لن العلة إن كانت‬
‫خفية فإنه ل يصح التعليل بها‪ ,‬فالعلة بدل الدليل فلبد أن تكون ظاهرةا‪ .‬أما الحكمة فقد‬
‫تكون خفية فأوامر ال تعالى فيها من الحكما ما ديستظهر من خللها عظمة هذه الشريعة‬
‫وحسنها وجمالها للمكلف‪ ,‬وهذه الحكما قد تظهر للناس كلهما وقد تظهر للبعض دون‬
‫البعض الخر‪ ,‬وقد يدرك أهل العلما بعض ا منها ويدرك عالما آخر نوع ا آخر وقد تظهر‬
‫لعصر دون عصر‪.‬‬
‫‪ ْ(2‬ومن ذلك أن العلة للدحكما علة واحدةا كعلة الخمر واحدةا وهي السكار‪.‬‬
‫أما اللحكما فهي متعددةا يظهر منها لعالما ما ل يظهر لخر وذلك كمحكما فريضة الزكاةا‬
‫منها مثلا مواساةا الفقراء وسد حاجتهما‪ ,‬وكذلك تخليص الناس من البخل والشح ونحو‬
‫ذلك من الحكما‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هناك بعض اللفاظ إذا جاءت في الكتاب والسنة دلت على أن ما بعدها علة‪.‬‬
‫‪ -‬من ذلك لفظة كي كما في قوله تعالى‪‬ككني تكقكلر كعنيدنكها كول تكنحكزكن‪.115‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك النون المشددةا المكسورةا هذه تفيد التعليل كما في قول النبي صلى ال عليه‬
‫وسلما‪‬إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكما والطوافات‪. 116‬‬
‫ك للكيلدلبدروا‬
‫ك دمكباكر م‬ ‫‪ -‬كذلك اللما أي لما التعليل كما في قوله تعالى‪‬لككتا م‬
‫ب أكننكزنلكناهد لإلكني ك‬
‫آكياتلله‪. 117‬‬
‫طريكبامت أدلحلل ن‬
‫ت‬ ‫‪ -‬ومن ذلك الباء كما في قوله تعالى‪‬فكبلظدنلمما لمكن الللذيكن كهاددوا كحلرنمكنا كعلكنيلهنما ك‬
‫لكهدنما‪.118‬‬
‫وغير ذلك من اللفاظ التي إذا جاءت في الكتاب أو السنة دلت على التعليل‪.‬‬

‫‪) 115‬القصص‪ :‬من الية ‪ْ(13‬‬


‫‪ 116‬أخرجه الربعة وصححه الترمذي وغيره‪.‬‬
‫ص‪ :‬من الية ‪ْ(29‬‬
‫) ي‬
‫‪117‬‬

‫‪) 118‬النساء‪ :‬من الية ‪ْ(160‬‬

‫‪89‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫الصل في الشروط اللزوما والصحة إل ما حلل حراما أو حرما حلل‬

‫‪39‬‬

‫في البإيدع والنكادح والمقاصأدد‬ ‫وكل شــرٍط لزام للعاقـدد‬


‫‪40‬‬

‫أو عكسه فبإاطلٌت فاعلما‬ ‫إل شروطا حللت محرما‬

‫معنى البيت‪:‬‬
‫هذان البيتان عقدهما الناظما لمسألة الشروط الصحيحة والشروط الباطلة‪ .‬لن الشروط‬
‫تنقسما إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬شروط صحيحة‪ :‬هي كل شرط اشترطه المتعاقدان لهما أو لحدهما فيه مصلحة‬
‫وليس فيه محذور من الشارع ويدخل في هذا جميع الشروط في البيع والجارةا والجعالة‬
‫والرهون والضمانات والنكاح ونحو ذلك‪ ,‬وهذا الشرط هو الذي أراده الفقهاء حينما قعدوا‬
‫وقالوا }المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط{‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬لو قال رجل لزوجته إن خرجت من المنزل فأنت طالق وهو يريد طلقها فإنها‬
‫تطلق بمجرد خروجها‪ ,‬لن الطلق دعلق على شرط الخروج أما إذا أراد منعها فل يقع‬
‫الطلق ولكنه كفارةا يمين‪.‬‬
‫‪ .2‬شروط باطلة‪ :‬وهي التي تضمنت إما تحليل حراما أو تحريما حلل‪ ,‬ويدخل في ذلك‬
‫جميع الشروط الباطلة في البيع والجارةا والرهن والوقف ونحو ذلك‪ ,‬وهذا ما يسميه‬
‫الفقهاء بالشرط الفاسد وهذا الذي عناه الفقهاء‪ ,‬المؤلف رحمه ال تعالى بقوله }إل‬
‫ل‪.‬‬
‫شروطال حللت محرما أو عكسه فباطلت فأعلما{ عكسه أي حرمت حل ا‬
‫والدليل على ذلك‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫* قول الرسول صلى ال عليه وآله وسلما‪‬المسلمون على شروطهما إل شرطا لجل‬
‫ل{‪.119‬‬
‫حرام ا أو حرما حل ا‬
‫* وقوله صلى ال عليه وسلما‪‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل‪.120‬‬
‫وليس المراد من قوله‪‬في كتاب ال‪ ‬أي ليس منصوصا عليه كما ديفهما إوانما المراد ليس‬
‫في شريعة ال سواء في الكتاب أو السنة‪ ,‬أي أنه مخالف لشرع ال كما لو قال أزوجك‬
‫ابنتي على أل تمسها‪ ,‬أو أبيعك المنزل بشرط أل تنتفع بأي نوع من النتفاع ل سكن ول‬
‫إجازةا ول تهبه ول تبيعه ونحو ذلك‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هل الشرط الباطل يبطل العقد أو ل؟‬
‫نقول المسألة ل تخلو من حالتين‪:‬‬
‫‪ /1‬إذا كان شرط البائع أو المشتري أو أحدهما يعطل ركن ا من أركان العقد فإنه يبطل‬
‫العقد بالكلية‪ ,‬كما لو اشترط عليه أن يبيعه مجهولا ديعلما‪.‬‬
‫‪ /2‬إذا كان الشرط ل يبطل العقد صح العقد وبطل الشرط كما لو قال‪ :‬أزوجك ابنتي‬
‫على إل تسافر بها‪ .‬صح العقد لن السفر ليس من ماهية عقد النكاح‪ ,‬وليس من أركانه‬
‫ويبطل الشرط لنه ل معنى لقوامته عليها إل بالذهاب بها‪.‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫من إطلقات القاعدة‪:‬‬
‫أ‪ .‬قولهما }يلزما مراعاةا الشرط بقدر المكان{ أي أنه يجب على المتقاعدين أن يحرصا‬
‫على الوفاء بالشرط بقدر الستطاعة لكن إن زاد عن الستطاعة وعن إمكان الوفاء فإنه‬
‫ل يجب الوفاء به‪.‬‬
‫ب‪} .‬الشك في الشرط مانع من ترتيب المشروط عليه{ والمعنى إذا تنازع أمران بشرط‬
‫شرعي وشرط وضعي ول يمكن إعمالهما جميعا لكون الشرط الوضعي مخالف للشرط‬
‫الشرعي‪ ,‬فهنا يقدما الشرط الشرعي ول شك‪ .‬أما إذا لما يكن الشرط الوضعي مخالف‬
‫للشرط الشرعي فأنه يجب إعمالهما معاا‪.‬‬

‫‪ 119‬رواه الترمذي وصححه وكذلك صححه ابن حبان‪.‬‬


‫‪ 120‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫تستعمل القرعة عند المبهم من الحقوق‬

‫‪41‬‬

‫من الحقوق أو لدى التزاحم‬ ‫تستعمل القرعة عند المبهم‬

‫ومعنى ذلك‪:‬‬
‫أن القرعة تستعمل في تمييز المستحق إذا ثبت الستحقاق ابتداء لمبهما غير معين عند‬
‫تساوي أهل الستحقاق‪ ,‬ويستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس المر عند‬
‫اشتباهه والعجز على الطلع عليه‪.‬‬
‫المراد بالدقرعة‪ :‬بضما القاف السهاما ليخرج المبهما‪ .‬ومنه قوله تعالى في قصة يونس‬
‫‪‬فكساكهما فكككان لمن انلمندح ل‬
‫ضيكن‪ ,121‬أقرع فكان مهزوماا‪ .‬والقرعة تجري في الحكاما عند‬ ‫ك ك ك ك د ك‬
‫التساوي في الحقوق ول يمكن قسمة الحق بين المستحقين‪.‬‬
‫أدلة القاعدة‪:‬‬
‫‪ /1‬من ذلك قول ال تعالى‪‬فكساكهما فكككان لمن انلمندح ل‬
‫ضيكن‪.122‬‬ ‫ك ك ك ك د ك‬
‫ت لككدنيلهنما إلنذ دينلدقوكن أكنقلكمهدنما أكديهدنما كينكدفدل كمنركيكما ‪ , 123‬يقترعون في‬
‫‪ /2‬وقوله تعالى‪ ‬كوكما دكنن ك‬
‫القلما أيهما يكفلها لتساويهما في هذا الحق‪.‬‬
‫‪ /3‬أيض ا كأن النبي صلى ال عليه وسلما‪‬إذا أراد سف ار أقرع بين نسائه‪ ,124‬أيهن تخرج‬
‫معه لتساويهن في ذلك فأي واحدةا منهن خرجت لها القرعة سافر بها‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫لها أمثلة كثيرةا‪ ,‬ولذا قال ابن رجب رحمه ال عند الذكر هذه القاعدةا‪ ,‬ونحن نذكر ها هنا‬
‫مسائل القرعة المذكورةا في المذهب من أول الفقه إلى آخره بحسب المكان‪.‬‬
‫فمن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪) 121‬الصافات‪ْ(141:‬‬
‫‪) 122‬الصافات‪ْ(141:‬‬
‫‪) 123‬آل عمران‪ :‬من الية ‪ْ(44‬‬
‫‪ 124‬رواه البخاري ومسلما‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪.1‬إذا تشاحوا في الذان مع تساويهما فأنه يقرع بينهما‪.‬‬


‫‪.2‬إذا استوى اثنان في الصفات المرجح بها في المامة من كل وجه وتشاحا أقرع بينهما‬
‫كما في الذان‪.‬‬
‫‪.3‬إذا دعاه اثنان إلى وليمة عرس واستويا في الصفات المرجحة أقرع بينهما‪.‬‬
‫‪.4‬إذا أراد السفر بإحدى زوجاته أو البداءةا بها لما يجز بدون قرعة إل أن ترضى البواقي‬
‫بذلك‪ ,‬ونحو هذه المثلة‪.‬‬

‫إن تساوى العملن اجتمعا وفعل أحدهما‬

‫‪42‬‬

‫وفعــل إحداهمـا فاسـتمعا‬ ‫وإن تساوى العملن اجتمعا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫المراد بهذا البيت هو أنه إذا اجتمع عملن من جنس واحد وكانت أفعالهما متفقة‬
‫بالصورةا فإن أحدهما ديغني عن الخر‪ .‬وهذا سبق معنا في مسألة التشريك في النية‪.‬وقد‬
‫سبق أنه يجوز التشريك إذا اتفقا في الحكما والوصف إذا كانا من جنس واحد‪ ,‬في الحكما‬
‫كلهما نافلة مثلا في الوصف أي في الفعال وذلك يكون في مسائل منها‪:‬‬
‫* إذا دخل المسجد وصلى الراتبة وتحية المسجد ركعتين نواهما بها معا أجزت عنهما‬
‫معا‪.‬‬
‫* كذلك سنة الوضوء إذا نوى بها الراتبة‪.‬‬
‫* وكذلك المعتمر إذا طاف طواف العمرةا أج أز عن طواف القدوما‪ ,‬والقارن يكفيه لحجته‬
‫وعمرته طواف واحد وسعي واحد‪.‬‬

‫المشغول ل يشغل‬

‫‪93‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪43‬‬

‫مثاله المرهون والمسبل‬ ‫وكـل مشـغول فل يشـغل‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫المراد بالبيت ما عناه الفقهاء بقولهما }المشغول ل ديشغل{ ومعنى ذلك أن الشيء إذا‬
‫اشتغل بشيء لما ديشغل بغيره حتى يفرغ من هذا المشغول به‪ .‬وهذه القاعدةا سهلة‬
‫وبسيطة‪ ,‬لنه ليس لها تقاسيما باعتبار أنها واضحة ومتفق عليها وليس فيها أنواع‪.‬‬
‫من أمثلة هذه القاعدة‪:‬‬
‫‪.1‬الرهن ل يباع ول يوهب ول يرهن حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن‪.‬‬
‫‪.2‬العين الموقوفة ل تباع ول توهب ول ترهن لنشغالها بالوقف‪.‬‬
‫‪.3‬كذلك الجير الخاص‪ ,‬وهو من استؤجر زمنا كيوما وساعة ونحوه لعمل ‪ ,‬فل يشغل‬
‫في هذه المدةا لغير من استأجره‪ ,‬لن زمانه مستحق للمؤجر "مشغول به"‪.‬‬
‫‪.4‬ومن ذلك الدار المؤجرةا ل تؤجر حتى تفرغ المدةا بل كل مشغول بحق‪ ,‬ل يشغل‬
‫بآخر حتى يفرغ الحق عنه‪.‬‬

‫من أدى عن غيره واجبا له الرجوع عليه‬

‫‪44‬‬

‫له الرجوع إن نوى يطالبا‬ ‫ومـن يـؤد عن أخيه واجبا‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫هذه القاعدةا معقودةا لمن يؤدي عن غيره واجبا من الواجبات مما تصح النيابة فيه‪ ,‬أما‬
‫ل‪.‬‬
‫الذي ل تصح النيابة فيه كالصلةا مثلا فهذه ل تدخل في هذه القاعدةا أص ا‬
‫وأما ما تصح النيابة فيه فهذا ل يخلو من أمرين‪:‬‬
‫‪/1‬ما يشترك له النية كالزكوات والكفارات ونحوها‪ ,‬فهذه ليس له أن يؤدي عن غيره إل‬
‫بإذنه‪ ,‬لن هذا الداء ل يبرئ عنه لحتياجه لنيته ولو أداها عنه بل أذنه فإنه ل يحق‬
‫له الرجوع إليه‪.‬‬
‫‪/2‬ما ل يشترط له النية‪ ,‬فهذا القسما من أدى عن غيره دينا واجبا عليه ونوى الرجوع‬
‫عليه فإنه يرجع عليه ويلزما الدمؤدى عنه ما أداه عنه‪ ,‬ويدخل تحت هذا جميع ديون‬
‫الدميين من القرض‪ ,‬والسلما‪ ,‬وأثمان السلع‪ ,‬والنفقات‪ ,‬والنفقات الواجبة للزوجات‬
‫والمماليك والقارب والبهائما ونحو ذلك‪ ,‬فهذا إن نوى الرجوع رجع إوان رجع لما ينو‬
‫الرجوع حال الداء فإنه ل يحق له الرجوع وأجره على اله تعالى‪ ,‬ول يرجع على من أدى‬
‫عنه‪.‬‬

‫الوازاعات طبإيعية وشرعية‬

‫‪45‬‬

‫كـالوازاع الشرعي بإل نكرادن‬ ‫د‬


‫العصأيان‬ ‫والوازاعُ الطبإعي عن‬

‫معنى القاعدة‪:‬‬
‫أن ال عز وجا حرما على عباده محرمات ومنعهما إياها رحمة بهما‪ ,‬وذلك لما تشتمل‬
‫عليه من المضار والمفاسد في الدنيا والخرةا‪ ,‬وهذه المحرمات بين الناظما رحمه ال‬
‫تعالى‪ ,‬أن الوازع الذي يمنع النسان من ارتكاب المعصية ل يخلو من أمرين‪:‬‬
‫‪.1‬وازع طبيعي‪ ,‬ومعنى ذلك أن طبيعة النسان وتكوينه وجبلته تنفر من فعل ذلك‪ ,‬وهذا‬
‫في كل النجاسات فهو لو لما يألت وأزعم من الشرع يمنع ذلك لكانت الطباع السليمة تنفر‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫‪.2‬وازع شرعي‪ :‬ومعنى ذلك أن تكون النفوس مجبولة على محبة ذلك وتشتهي ذلك‪,‬‬
‫ولكن الشارع حرما ذلك ومنع منه‪ ,‬فتركه النسان للوازع الشرعي‪ ,‬فالنفوس مثلا مجبولة‬
‫على حب المال ولكن الشارع حر أشياء يتوصل عن طريقها إلى كسب المال كالسرقة‬
‫والربا ونحو ذلك‪ ,‬وكذا الزنا‪ .‬فهذه الشياء ونحوها الوازع فيها وازع شرعي‪.‬‬
‫ولذلك الذي تميل إليه النفوس وتشتهيه دجعل له عقوبات قاسية لتلك الجناية خفة وثقلا‬
‫ل‪ ,‬وأما المحرمات التي تنفر منها النفوس فلما ديرتب عليها حدا اكتفاء بوازع الطبع‬
‫ومح ا‬
‫ونفرته عنها‪ ,‬وذلك كما تقدما في كأكل النجاسات‪ ,‬فهذه لما يرتب عليها عقوبة بل يعزر‬
‫كسائر المعاصي التي لما يرتب عليها عقوبة‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫‪46‬‬

‫فـي البدءب والختاماب والدواماب‬ ‫التماما‪..‬‬


‫ب‬ ‫والحـمدن للـه علـى‬

‫أفاد الناظما رحمه ال تعالى‪ :‬أنه ل يحمد ال في الول وآخر فقط ‪ ,‬فهو حمد ال في‬
‫الول فقال في أول هذه المنظومة "الحمد ل العلي الرفق" وحمد في الخر فقال‬
‫"والختاما" إوانما هو يحمد ال على كل حال ولذلك قال "والدواما" وهذا هو شأن الشاكر ل‬
‫تعالى المثني عليه‪ ,‬فهو دائما التعلق بال عز وجل‪ ,‬لن استدامة الحمد من أسباب‬
‫الزيادةا لفضل ال وكرمه‪.‬‬
‫ب في كل نعمة‪ ,‬فكيف وال تعالى ملن على عبده بطلب العلما‬
‫والحمد في باب النعما واج م‬
‫فهي أعظما النعما‪ ,‬لما يترتب على طلب العلما من مصالح دنيوية وأخروية‪ .‬والحمد كيعظما‬
‫حينما تكون النعمة نعمة العلما لنها من أعظما النعما وأشرفها‪ ,‬وما نال النسان نعمة بعد‬
‫اليمان بأفضل منها‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫فـي البدءب والختاماب والدواماب‬ ‫ب‬


‫التماما‬ ‫والحـمدن للـه علـى‬

‫‪96‬‬
‫فضيلة الشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي‬ ‫منظومة القواعد الفقهية‬

‫ختما الناظما رحمه ال تعالى هذه المنظومة بالصلةا والسلما على نبي الهدى والرحمة‬
‫صلى ال عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ,‬ووصف هذا الحمد بأنه شائع أي ذائع‬
‫الصيت مذكور في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ثما ثنى بذلك على الصحب‪ ,‬والتابعين لسنة النبي صلى ال عليه وسلما في كل زمان‬
‫ومكان منذ بعثته عليه الصلةا والسلما إلى قياما الساعة نسأل ال تعالى أن نكون منهما‪.‬‬
‫فالحمد ل الذي بنعمته تتما الصالحات‪.‬‬
‫‪‬ونحمد ال ثانيا على النتهاء من شرح هذه المنظومة سائلا المولى عزوجل أن ينفع‬
‫بها وأن يكتب لها القبول وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريما إوال يجعل للناس منها شيئاا‪.‬‬
‫وال تعالى أعلما وصلى ال وسلما على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪.‬‬

‫‪97‬‬

You might also like