Professional Documents
Culture Documents
- شرح قانون المسطرة المدنية1
- شرح قانون المسطرة المدنية1
Imprimerie Al Hikma
1
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فهرس المواد
فهرس المواد 2 .......................................................................................................................
درس االفتتاح 7 ......................................................................................................................
مقدمة حول المسطرة المدنية 8 ....................................................................................................
الفصل األول :صفة قانون المسطرة المدنية 9 ..................................................................................
المبحث األول :خصائص المسطرة المدنية 9 ...................................................................................
المطلب األول :خاصية الشكلية 9 .................................................................................................
المطلب الثاني :خاصية المساواة 01 ..............................................................................................
المطلب الثالث :خاصية التكميل00 ...............................................................................................
المبحث الثاني :موضوع المسطرة المدنية 01 ..................................................................................
المطلب األول :أنواع خدمة العدالة العمومية 01 ...............................................................................
الفرع األول :العدالة االستثنائية 01 ...............................................................................................
الفرع الثاني :خدمة العدالة المتخصصة 01 .....................................................................................
المطلب الثاني :المبادئ المؤسسة لقانون المسطرة المدنية01 ................................................................
الفرع األول :حرية اللجوء للقضاء المدني 01 ..................................................................................
الفرع الثاني :حياد المحكمة 07 ....................................................................................................
الفرع الثالث :حق الطعن في األحكام 07 ........................................................................................
الفصل الثاني :أنواع الخصومات القضائية08 ..................................................................................
المبحث األول :النوازل المدنية 08 ................................................................................................
المبحث الثاني :القضايا الدستورية09 ............................................................................................
المطلب األول :قضية مفهوم الدستور 09 ........................................................................................
الفرع األول :طبيعة القانون الدستوري 21 ......................................................................................
أ :مرتبة الدستور في النظام الحقوقي21 .........................................................................................
ب :المرجعية الدولية للدستور 20 .................................................................................................
الفرع الثاني :خطورة قضية طبيعة الدستور 22 ...............................................................................
المطلب الثاني :موضوع الخصومات الدستورية22 ...........................................................................
الفرع األول :صالحيات المحكمة الدستورية 22 ...............................................................................
الفرع الثاني :ترتيب الصالحيات الدستورية 21 ................................................................................
المطلب الثالث :أنواع النظام الملكي البرلماني 27 ...........................................................................
الفرع األول :النظام الملكي الرموزي27 ........................................................................................
الفرع الثاني :النظام الحسبة الملكية العامة 27 .................................................................................
المطلب الرابع :صالحية تمثيل اإلجماع الحقيقي لألمة 29 ...................................................................
الفرع األول :مفهوم األجماع الحقيقي 11 ........................................................................................
الفرع الثاني :الرئاسة الملكية للملة 12 ...........................................................................................
الفرع الثالث :صالحية تمثيل اإلجماع الحكمي لألمة 12 .....................................................................
المطلب الخامس :نظام مراقبة وجه الحق 12 ...................................................................................
المبحث الثالث :القضايا المالية 11 ................................................................................................
المطلب األول :حقيقة القضايا المالية في القانون المغربي 17 ................................................................
الفرع األول :نظرية األموال في الفقه المالكي 17 ..............................................................................
الفرع الثاني :مشروع إصالح النظام المالي 18 ................................................................................
المطلب الثاني :صالحيات المحاكم المالية 21 ..................................................................................
الفرع األول :تدقيق الحسابات 21 ................................................................................................
الفرع الثاني :مراقبة التسيير و االستعمال22 ..................................................................................
المبحث الرابع :القضايا اإلدارية 22 ..............................................................................................
المطلب األول :تأصيل الترتيبات اإلدارية 22 ..................................................................................
المطلب الثاني :صالحيات القضاء اإلداري 22 ................................................................................
المبحث الخامس :القضايا التجارية 21 ...........................................................................................
المطلب األول :ماهية التجارة 21 ................................................................................................
المطلب الثاني :المفهوم القانوني للتجارة 21 ...................................................................................
المطلب الثالث :صالحيات المحاكم التجارية 28 .............................................................................
المبحث السادس :القضايا الجنائية 28 ............................................................................................
المطلب األول :خطورة الظاهرة اإلجرامية 28 ................................................................................
الفرع األول :نواقض الحضارة29 .............................................................................................. .
الفرع الثاني :نظرية الحماية الجنائية للنظام العام 29 .........................................................................
الفرع الثاني :نظرية الحماية الجنائية للحضارة 11 ...........................................................................
2
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
3
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
4
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
5
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
6
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
1
المراجع المستعملة مذكورة في هوامش الدرس باللغة الفرنسية و من أراد الخروج من حالة األمية الجامعية فعليه استعمال كل مرجع
في لغته األصلية.
7
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كان منتهى تكوينهم هو بلوغ مرحلة الدراسة الموسوعية ،و التي مع األسف الشديد ال عهد لجامعاتنا بها في
القرن الواحد و العشرين.
عمال بمبدأ أن ما يدرك كله ال يترك جله ،سنحاول في هذا الدرس من مقرر السداسي السادس لشعبة
القانون الخاص تطبيق الطريقة الموسوعية لكن فقط لشرح قانون المسطرة المدنية في وقت يستعد المخزن
إلدخال تعديل جذري فيها.
يتعلق األمر في الواقع بفرع أساسي من فروع القانون الخاص ،تكونه مجموع القواعد التشريعية و الفقهية و
القضائية ذات الصلة بالمرافعات المدنية أمام المحاكم العادية .و يتمحور هذا الفرع من القانون في المملكة
المغربية حول نصوص ظهير 11رمضان 1331موافق 22شتنبر ، ،1391و الذي صدر به القانون رقم
1.91.119المتعلق بمدونة المسطرة المدنية ،و المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 33شتنبر .1391
بمناسبة ذكر النشرة في الجريدة الرسمية ال نتمالك للتعبير عن الفرحة مع ذكر الفضل ألهله بخصوص
التطور الحاصل على مستوى طريقة نشر القوانين في بالدنا الحبيبة ،و خاصة منها التعديالت المدخلة على
المدونات .رغم تفاهة هذا األمر في أعين من هم قريبون من مراكز المعلومات في العاصمة ،فهو فتح مبين أنعم
هللا عز و جل به على ضحايا اإلقصاء من علماء الحقوق ،لحدوثه بعد فترة طويلة من سياسة التعتيم.
بكل حسرة و مرارة ،ال نجد بدا من الجهر بالقول أن الخوف من السلطة العلمية الفعلية ،ظل قرابة نصف
قرن يدفع المخزن إلى االكتفاء بسلطته العلمية التي أنشأها بقوته من خالل استعمال علماء شهد لهم بالكفاءة
بقرار منه .و للتغطية على عدم كفاءة علمائه ،مارس المخزن سياسة التعتيم على القوانين ،سعيا منه إلقصاء
الباحثين المستقلين في الجامعات من ساحة السلطة العلمية.
كان هذا التعتيم من بين عدة طرق استعملت إلقصاء الباحثين المحايدين ،الذين يناضلون منفردين داخل
الجامعة المغربية و خارجها ،من أجل استقالل السلطة العلمية الفعلية ،ليس فقط عن إدارة المخزن ،بل و كذلك
عن وصاية القبائل ،و النقابات ،و األحزاب السياسية ،مع الزوايا الدينية.
لعله من نافلة القول أن نذكر طلبتنا األعزاء بأن السلطة العلمية تنشأ حقيقية مستقلة من العلم بالفعل و هو
الذي تحاز به الكفاءة من التحصيل و الحذاقة مع النزاهة ،و ليس من العلم بالقوة الذي تحاز فيه الكفاءة مزيفة
بأمر السلطة العمومية.
بحمد هللا و منته ،و بفضل خدمة سيدي غوغل ،كما يقول الشباب الحر عندنا ،صار من الممكن التعرف على
محتوى المدونات و ما ورد عليها من تعديالت من خالل النسخ المحينة التي تنشرها وزارة العدل مشكورة
على موقعها اإللكتروني .و نتمنى أن تستمر هذه الوزارة في السهر على تجديد تلك النسخ بين الفينة و األخرى،
لتفادي الرجوع إلى العمل بسياسة التعتيم.
تتناول مدونة المسطرة المدنية أحكام الدعوى المدنية ذاتها كما يقيمها المتخاصمون ،و كذلك إجراءات
المحاكمة ،كما تباشرها المحكمة المدنية للنظر في الخصومة و الفصل فيها.
و تميز مدونة المرافعات المدنية في هذا اإلطار بين مسطرة مشتركة لكل الدعاوى و المحاكمات المدنية ،و
مساطر أخرى خاصة بأنواع مختلفة من الدعاوى و المحاكمات ،تتميز باختالف مواضيعها.
ال بد بالتالي من تمهيد لدراسة قانون المسطرة المدنية نتناول فيه بعضا من حقائق هذه المسطرة ،لنتطرق في
هذا القس م األول ألحكام المسطرة المدنية المشتركة ،و في القسم الثاني مستقبال إن شاء هللا ،ألحكام المساطر
المدنية الخاصة.
مقدمة حول المسطرة المدنية
كما هو الشأن في مختلف البلدان ،يضع المخزن المحترم في المملكة المغربية محاكمه الموقرة رهن إشارة
كل شخص قانوني يسعى للحصول على حكم قضائي .و للعلم ،فإن لفظ المخزن هو تاريخيا المصطلح
المستعمل رسميا و شعبيا لتسمية الدولة في المملكة المغربية بدل لفظ البايلك الذي يستعمله المشارقة ،و لفظ
الدولة الذي يستعمله الروم.
أما دولة المغرب المسماة بالرومية دولة مراكش اشتقاقا من موروكوس ،و هي تعني بالرومية الصناع
المهرة ،و التي يسميها البربر األطهار دولة فاس اشتقاقا من كلمة إفاسن بالبربرية و هي تعني األيادي الماهرة،
فهي وفق دستورها دولة مسلمة قائمة بشكل مستمر منذ اثني عشر قرنا .و قد باتت ذات نظام ملكي برلماني
طبقا للنص المؤسس للمملكة المغربية الذي أصدرته األمة المغربية بثورة .1311
أهم محطة في تاريخ المغرب الحديث عي بالفعل تلك ثورة الراشدة التي قام بها الحرّ اثون بقيادة المجاهد
محمد الخامس و هو السلطان العلوي الواحد و العشرون للدولة العلوية الشريفة ،و الذي أصبح الملك المغربي
محمد األول لدولة المملكة المغربية.
بحمد هللا و منته ،تم االنتقال من نظام الحكم السلطاني القبلي المطلق ،إلى نظام حكم ملكي شوري ترجمته
بلغة العصر أنه نظام حكم برلماني إسالمي .و قد تحقق ذلك على مراحل و بهدوء ،دون اقتتال بين أبناء الوطن.
فرغم أنف المسترومة و المولويين ،نجح الحراثون في إبقاء ثورتهم مستمرة و لم يرتفع لحد اآلن صوت أعلى
8
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
من صوتهم و لم تزهق أرواح و ال انتهكت أعراض أكثر من بينهم ،و مع ذلك نجدهم متسامحون يغفرون لمن
تاب و آب إلى صف الشعب.
يهمنا أكثر شيء في هذا الدرس أن نعلم بأن نظام القضاء عموما هو محل إعادة نظر مستمرة منذ االستقالل
سنة 1391تحكمه روح ثورة 1311؛ و قد وصل الوضع بحمد هللا إلى مرحلة متقدمة من االصالح الراشد
نتمنى أال يتم االرتكاس عنه في التعديالت المرتقبة.
فبعد مرحلة طويلة من الفوضى التنظيمية ،باتت األحكام تصدر من سبعة أنواع من المحاكم تعمل جميعها
وفق ق واعد شكلية محددة للنظر في القضايا المدنية ،منفصلة عن القضايا التجارية ،و الجنائية ،و اإلدارية ،و
الدستورية ،و المالية ،و العسكرية.
كما هو الحال في كل أنظمة القانون المقارن ،تعد قواعد قانون المسطرة القضائية المعمول بها في كل صنف
من المحاكم المغربية ،شكلية غير موضوعية من حيث أنها ال تقر لألشخاص حقوقا شخصية عامة أو خاصة،
مدنية أو سياسية ،و إنما تبين فقط الخطوات التي يجب على المتخاصمين اتباعها لالرتفاع أمام القضاة؛ و كذلك
اإلجراءات و التدابير التي على هؤالء القيام بها لسماع الدعوى و النظر في الخصومة.
و حتى ال نكتفي بالبكاء على ضياع فرصة إعداد فلذات أكبادنا من الطلبة و الطالبات في كليات الحقوق
المغربية لمرحلة الدراسات الموسوعية ،ننتهز مناسبة تمهيد البحث في أحكام المسطرة المدنية إللقاء نظرة على
ما يمكن أن تكون عليه مقررات هكذا دراسات.
بداية يجب التذكير بأن منهج ا لدراسة الجامعية ألي نوع من المساطر القضائية ،و المفروض أنه مقاربة
جامعة مانعة ،يقتضي الشروع بوصف شامل لها ،ليس لتضييع الوقت في دراسة تاريخها و مصادرها القانونية،
بل لتبين مدى اتساقها مع موجبات النظام الحقوقي كما هو معروف في الحضارة.
فمن خالل البحث في مدى احترام قانون المرافعات للمبادئ الحضارية الحاكمة للمسطرة بخصوص كل
موضوع من موضوعاتها ،يتبين إن كان نظامها حقوقي يسمح بإقامة العدالة الحقة ،أم تعسفي عدالة محاكمه
مزيفة.
و نحن على أبواب انطالق النقاش العلمي حول التعديالت المرتقبة في مجال نظام العدالة ،ال يجوز النظر
إلى موضوع المسطرة المدنية بمعزل عن المساطر الدستورية ،و العسكرية ،و التجارية ،و المالية ،و اإلدارية،
و الجنائية ،و إنما يجب التنقيب فيها جميعا للنظر في العالقة بينها و مدى تأثير ذلك على بنية كل منها.
واضح أن ضيق الوقت ،كما منهج التخصص المفروض بحكم النظام الدراسي ،ال يسمحان لنا بإجراء
مقاربة شاملة ألنواع المسطرة السبعة .مع ذلك ،و برغم حصر البحث في موضوع قانون المسطرة المدنية،
فإننا نحرص على األخذ بالمنهج الموسوعي و لو جزئيا في هذا الدرس ،من خالل مقارنة موضوع المسطرة
المدنية مع موضوعات أنواع المساطر الستة األخرى .ألجل ذلك نبدأ في تفصيل الدراسة انطالقا من صفة
قانون المسطرة المدنية و المبادئ الحضارية الحاكمة له.
الفصل األول :صفة قانون المسطرة المدنية
يتميز قانون المسطرة المدنية عن غيره من قوانين المرافعات بموضوعه الذي هو القضايا المدنية ،و
بخاصية المساواة بين المتقاضين مضافة للخصائص األخرى المشتركة مع باقي قوانين المساطر القضائية.
المبحث األول :خصائص المسطرة المدنية
أبرز خصائص قانون المسطرة المدنية أنه شكلي ،يحقق المساواة المطلقة بين المتقاضين و أن قواعده من
النظام العام.
المطلب األول :خاصية الشكلية
يشتر ك قانون المسطرة المدنية مع غيره من قوانين المرافعات القضائية في كونه قانونا شكليا بالمقارنة مع
القوانين الموضوعية؛ علما أن تلك القوانين الشكلية موضوعة لخدمة هذه القوانين الموضوعية.
قوانين المرافعات موضوعة لخدمة القوانين الموضوعية من حيث أنها تمكن صاحب كل حق شخصي ،مدنيا
كان أو سياسيا ،عاما أو خاصا ،من االستمساك بالقضاء لحماية حقه ذاك.
بهذا الوصف يتخذ قانون المسطرة المدنية ،كما سائر قوانين المرافعات القضائية ،وظيفة القانون المساعد،
و ليس المنشئ للحق الموضوعي.
فقانون المسطرة أيا كانت ال يسمح بغير التحقق من صحة ادعاء مركز حقوقي لشخص ،أو وضع قانوني
لشيء ،يفترض أنه تقرر بحكم قاعدة من قانون مغاير ،مثل مدونة األسرة ،أو التجارة ،أو التأمين ،أو
الضرائب ،أو الدستور ،إلخ.
بديهي أن صفة القانون المساعد تجعل مدونة المسطرة أيا كانت ،تابعة للقانون الموضوعي الذي تخدمه ،و
ليست مستقلة عنه .فالمسطرة المدنية تتبع القانون المدني ،و كذلك المسطرة التجارية في العالقة مع القانون
التجاري ،و اإلدارية مع القانون اإلداري ،و الدستورية مع القانون الدستوري ،و العسكرية مع القانون الجنائي
الحربي ،إلخ .غير أنها تتميز عن هذه المساطر كلها بخاصية المساواة المطلقة بين المتخاصمين جميعا.
9
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بعيدا عن هذا الموضوع ،يجب تفادي الخلط بين الصفة الشكلية لقواعد قانون المسطرة المدنية كخاصية لهذا
األخير و الصفة الشكلية للمسطرة المدنية .فهذه األخيرة تقوم أساسا على األخذ بآلية التدوين لكل خطوة و كل
إجراء في الدعوى من خالل مقال للدعوى يفتح بموجبه محضر لهذه األخيرة ،و سجل لجلسات المحاكمة ،بل و
حتى دفتر شامل لعمل المحكمة يسميه المشرع المغربي سجل السجالت.
و يترتب عن ذلك دقة مميزة لقانون المسطرة ،حيث أنه يربط صحة كل إجراء بمدى احترام األطراف و
القاضي للمواعيد و الشكليات المنصوص عليها.
دقة قانون المسطرة المدنية تظفي عليه صرامة تتماشى مع خاصية المساواة التي تميزه.
المطلب الثاني :خاصية المساواة
يمتاز قانون المسطرة المدنية عن غيره من قوانين المرافعات ،بمختلف موضوعاتها ،بكونه يسمح لجميع
أشخاص القانون بمختلف صفاتهم ،العمومية و الخاصة ،الطبيعية و المعنوية ،الوطنية و األجنبية ،أن يخاصموا
بعضهم البعض جميعا على قدم المساواة أمام القضاء ،بواسطة الدعوى المدنية.
أي شخص يمكنه الترافع أمام القضاء المدني ضد أي شخص آخر في ظل القانون المغربي للمسطرة المدنية.
ال حصانة و ال إعفاء يحول بين أي شخص و المخاصمة القضائية ألي شخص أمام المحاكم المدنية للمخزن
المغربي .تلك حقيقة قانونية تجسد صحة مقتضيات الفصل السادس من دستور 23يوليو 2311في فقرته
األولى حيث يقضي بأن ( :الق انون هو أسمى تعبير عن إرادة األمة .و الجميع ،أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين ،بما
فيهم السلطات العمومية ،متساوون أمامه ،و ملزمون باالمتثال له).
صحيح أن هذا نص مجمل من وجهة نظر علم أصول الفقه ،يحتاج للتفسير من حيث أنه ال يشير إلى طبيعة
القانون المقصود ،أهو المقدس السماوي و العادي الوضعي معا ،أم العادي الوضعي وحده .كما أنه ال يشير
للق يود الواردة على كليهما بأحكام فقه السياسة الشرعية في المذهب المالكي ،و أحكام القانون المخزني .إال أنه
يبقى نصا مطلقا ،تحكمه قاعدة أن المطلق يجري على إطالقه ما لم يرد عليه قيد.
و في غياب أي قاعدة تقرر اإلعفاء أو الحصانة من المسؤولية في القضايا المدنية ،سواء كانت من فقه
السياسة الشرعية المالكية ،أو من القانون المخزني للمملكة المغربية ،نؤكد أن مجمل القانون المغربي ،المقدس
كما الوضعي ،يخلو من أي قيد ممكن على قاعدة المساواة أمام القانون المدني.
تفسير ذلك هو أن الطبقة المعفية من حكم القانون في المملكة المغربية ال تستفيد من هذا اإلعفاء في القضايا
المدنية .ذلك هو مجال تساوي المستضعفين الح ّراثين مع المستكبرين المولويين و مع رجال و نساء المخزن
أمام القانون وفقا للفقرة األولى من الفصل السادس من الدستور.
طبقة الحراثين المغاربة الذين يسميهم العوام َح َرا ِطين ،هي نظيرة طبقة األقنان في ظل النظام األرستقراطي
الرومي؛ و هي التي من أجل ترشيدها السياسي قامت ثورة .1311
للعلم ،فإن األقنان الذين يسميهم المغاربة حراثين هم الذين نعتهم رسول هللا صلى هللا عليه و سلم في رسالته
إلى هرقل باسم األريسيين ،حيث دعا صلى هللا عليه و سلم قيصر بيزنطة إلى اإلسالم للتخلص من إثم
األرستقراطية في حقهم.
و نالحظ بهذه المناسبة أن المسترومة من اليساريين على الخصوص يرفضون االعتراف لإلسالم بحق
السبق إلى الثورة على األرستقراطية بدعوى أن تلك ثورة أكبر من أن يفكر فيها أعراب القرن السابع الميالدي
مع العلماء الذين ورثوها عنهم ؛ و أنه باألحرى لعموم العرب أن ينشغلوا عن الترشيد السياسي لعامة الشعب،
بالترشيد المدني للمرأة ،بل و منهم من ربط الترشيد بحقوق الشواذ المزعومة وفق المرجعية الدولية.
قصد تبرير استروامهم ،ال يكتفي القوم بإنكار حق اإلسالم في السبق إلى الثورة العالمية للترشيد السياسي و
المدني للنساء و الرجال على قدم المساواة ،بل نجدهم يجددون نفس التهمة الباطلة للكنيسة ضد محمد رسول هللا
صلى هللا عليه و سلم بادعائهم أن األريسيين المعنيين في تلك الرسالة إلى هرقل هم أتباع المدعو عبد هللا
أريوس الذي هو في حقيقته شخصي ة وهمية من اختراع الكنيسة؛ ليخلصوا إلى القول بأن دين االسالم باطل
بحكم أنه جاء بتعليم من أريوس لمحمد و ليس بوحي من هللا لرسوله بالضبط كما زعمت الكنيسة و لما زالت.
مهما يكن ،يبقى الواقع المر أنه خالفا لألقنان الروم الذين نالوا الترشيد السياسي و المدني بفضل الثورات
الحداثية ،لما زال الحراثون المغاربة في مركز المواطنين من الدرجة الثانية بحكم قصورهم السياسي.
يتجلى القصور السياسي للمواطن المغربي الذي من طبقة الحراثين في اختالف درجة المواطنة بالمقارنة مع
المواطنين الذين من الطبقة المولوية من حيث أن المساواة بين الطرفين كما يشير إليها الفصل 129من دستور
23يوليو 2311ال تثبت إال أمام القانون المدني.
معلوم أن الطبقة المولوية تتكون في المغرب من فئة الشرفاء مع رجال المخزن و نسائه .فعشائر الشرفاء
ممثلين بنقبائهم ،و كذلك شيوخ الزوايا بما لهم من نفوذ سياسي يوفرون به الحصانة لمن شاءوا من مريديهم ،و
كذلك رؤساء ملل األمة المغربية من المسلمين و اليهود و النصارى ،بما لهم من سلطات دستورية المركزية ،و
كذلك ممثلي سلطات أمة المملكة المغربية الدستورية و اإلدارية ،المدنية و العسكرية ،و المتمركزة و الال
10
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
متمركزة ،كما المركزية و الالمركزية ،جميعهم متمتعون حسب األحوال باإلعفاء من المسؤولية الجنائية أو
بالحصانة القضائية منها .فال يمكن لغيرهم التساوي معهم إال أمام القضاء المدني عمال بأحكام المسؤولية المدنية
وحدها.
مؤكد ،بالمقارنة مع ما هو مشاهد عند الروم في الجوار ،االسبان منهم على الخصوص ،في نهاية العقد
الثاني من القرن الواحد وعشرين ،أن األمر عندنا يبدو مخزيا .غير أننا نجد عزاء فيما نراه من حال شعوب
أغلب الدول العربية و المسلمة التي ترزح تحت الوصاية الشاملة حسب األحوال ،لمؤسسة عسكرية مسترومة،
أو طائفة أقلية دينية في األنظمة الجمهورية ،أو لقبيلة في األنظمة الملكية ،تستضعفهم كحراثين لديها ،و
تحرمهم حتى من حق المساواة أمام القضاء المدني.
يمكن القول بالفعل أن الحراثون المغاربة أحدثوا خرقا في خط الدفاع األمامي لنظام االستكبار في العالم
العربي .فبلوغ مرحلة الترشيد المدني هي الخطوة األولى على طريق الترشيد السياسي جميعا و الذي من أجله
قامت ثورة 1311ضد الحماية األجنبية و الوصاية المولوية و االستبداد المخزني في آن واحد.
ال نفشي سرا إن قلنا أن المستضعفين واعون بأن تفعيل الترشيد المدني ال يكون بواسطة قانون المسطرة
المنية منفردا ،فالمسواة في ا لحقوق المدنية تظل مرهونة بتمديد المساواة أمام القانون بين كل المغاربة إلى
مجاالت المسؤولية الجنائية و اإلدارية و المالية.
لسنا في حاجة بالفعل للتذكير أن قواعد القانون المخزني لما تزال تفرغ قاعدة المساواة أمام القانون المدني
من محتواها ،بما يترتب عنه من استضعاف للحراثين ،و بخاصة منهم الفقراء منهم بسبب هشاشة أوضاعهم.
ذلك أنه على رغم قواعد السياسة الشرعية المالكية ،تعطي قواعد القانون المخزني لمؤسسات المخزن
العمومية ،و لفريق كبير جدا من أفراد الطبقة المولوية إعفاءات قانونية أو حصانة قضائية من المسؤولية
الجنائية.
فكما يقول المثل الدارج عندنا ( :أنا نتمتم و انت تفهم) ،كيف يمكن لذي الحق المدني من الحراثين حتى لو
كان من الطبقة البرجوازية ناهيك عن الذين من الطبقات المتوسطة و الفقيرة ،أن يتجرأ على مسائلة شخص
محصن ضد متابعات الشرطتين الجنائية و اإلدارية ،عن التعويض المدني المقرر في ظهير االلتزامات و
العقود بأحكام تفويت الفرصة مثال ،أو المنافسة غير المشروعة ،بل و حتى المسؤولية التعاقدية.
فقد يتعمد فرد أو أفراد من الطبقة المعفية منع أحد الحراثين المغاربة من نيل شهادة دراسية أو المشاركة في
مباراة أو منافسة أو مزاد م ا ،مطمئنا إلى عدم قدرة هذا األخير على مسائلته عن ذلك مدنيا ،لكونه يستطيع
معاقبته عما يراه تطاوال على هيبته ،باستعمال المتعيشين من المرتزقة ،الذين يسميهم العامة عيّاشة ،فيلحق
األذى به و بذويه دون عقاب.
المفروض أنه في هكذا قضايا تكون الخصومة منحصرة بين شخصين ،و ليس موضوع خصومة سياسية
بين الطبقة المولوية و فريق سياسي من الحراثين يتصرف بأنانية .ليس بالتالي لمجلس حقوق اإلنسان إدراجها
ضمن خانة المصالحة الوطنية ،و إنما عليه السعي للمطالبة بإزالة أسباب خوف الحراثين من متابعة السادة و
السيدات الشرفاء و رجال المخزن و نسائه أمام المحاكم المدنية ،بدل تركهم يبحثون عن طرق أخرى لتحقيق
العدالة.
المطلب الثالث :خاصية التكميل
بصفتها قانونا مساعدا و تابعا للقانون المدني ،تتميز المسطرة المدنية بخاصية التكميل التي تفيد اإللزام بقوة
النظام العام ،مع عدم اإلرغام.
على خالف المس اطر الجنائية ،و كذلك المعمول بها في قضايا الحسابات ،ليس في قانون المسطرة المدنية
نص على إرغام المتخاصمين للمثول أمام القضاء المدني و البقاء في ساحته إلى حين صدور الحكم.
بل إنه كما هو الشأن في القضايا التجارية و اإلدارية ،تبقى أبواب العدالة في المجال المدني متعددة ال
يحتكرها المخزن .إذ يملك األطراف اللجوء إلى التحكيم ،و حتى من دون تحكيم ،يستطيعون التصالح بينهم أو
التخلي عن حقوقهم .و حتى بعد عرض النزاع المدني على المحكمة ،يملك المدعي سحب دعواه ،كما يستطيع
المدعى عليه إقناعه بالتصالح بعيدا عن نظر المحكمة.
إال أن عدم اإلرغام ال ينزع عن قانون المسطرة المدنية صفة اإللزام بقوة النظام العام .فقواعد المسطرة
المدنية من النظام العام ،تقترب درجة قوتها من درجة قوة أحكام القانون المقدس مع اختالف المصدر.
ال بأس من التذكير بهذه المناسبة أنه من بين أحكام قانون المرافعات في المملكة المغربية ما هو مقدس
يندرج ضمن القواعد المؤسسة للنظام الحقوقي و ليس فقط من قواعد النظام العام .بل إنه ال مناص لكل طالب
لعلم الحقوق ممن يريدون فهم محتوى القانون المغربي مع سائر قوانين البالد المسلمة ،أن يضبط الفرق بين
أحكام النظام العام و أحكام القانون المؤسس للنظام الحقوقي؛ و بمناسبة ذلك إدراك الفرق بين النظام العام من
جهة و بين قانون الحضارة من جهة أخرى ،مع الفارق بين القانون المقدس و القانون العادي .تلك مفاهيم ال
يجب أن تغيب عن ذهن كل من يريد فهم الفرق بين القوانين في البالد المسلمة و التي يتم العمل بها في بالد
الروم.
11
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
خالفا لما هو عليه الحال عند الروم ،ليست سلطة وضع أحكام النظام العام في البالد المسلمة مطلقة ،بل هي
مقيدة بقانون الحضارة؛ و فهم ذلك يتطلب بعض التعمق وفقا للمنهجية الموسوعية عبر المقارنة بين قوانين
البالد المسلمة و قوانين الروم.
على عكس الروم من أهل الكتاب الذين تخلوا عنه في عصر الحداثة و ما بعدها ،لألخذ بالديمقراطية بديال
عنه كقانون لحضارتهم و صح في حقهم نعت آل المسيح الدجال ،لما زال أهل اإلسالم متمسكون بكتابهم منذ
أربعة عشر قرنا.
أهل اإلسالم هم عترة محمد صلى هللا عليه و سلم من أزواجه أمهات المؤمنين ،و ليسوا العبيد من المسلمين
عند عترة فاطمة الزهراء كما يدعي زنادقة الشيعة و معهم الغالة من السادة و السيدات الشرفاء ،بزعم أن عترة
فاطمة الزهراء هم أهل البيت دون عموم المسلمين من عترة امهات المؤمنين .و كتاب أهل اإلسالم هو الذي
جعله هللا إمام أزمنتهم بعد محمد صلى هللا عليه و سلم؛ هو ذاته إمام الزمان الذي يسأل عنه كل مسلم في القبر
ق ل َسانًا ع ََربِيًّا لين ِذ َر الَّ ِذينَ مصداقا لقول هللا عز و جل ( َو ِمن قَ ْبلِ ِه ِكتَاب مو َسى إِ َما ًما َو َرحْ َمةً َوهَ َذا ِكتَابٌ ُّم َ
صد ٌ
ظَلَموا َوب ْش َرى لِ ْلمحْ ِسنِينَ ).
فبصريح هذا النص المقدس يكون الكتاب المنزل على محمد صلى هللا عليه و سلم هو إمام زمان أهل
اإلسالم باعتباره قانون حضارتهم الذي به يهتدون و على وفقه يؤسسون نظامهم الحقوقي ،و ليس االمام كما
يدعي الوصائيون هو ولي األمر ظاهرا كان او متسردبا.
يتضم ن كتاب أهل اإلسالم قانون حضارتهم بصفته القانون المؤسس للنظام الحقوقي من حيث أنه يبين
حدود النظام الحقوقي التي ال يجوز تعديها بواسطة القانون الوضعي .ذلك أن كل ما هو مقرر بنص الكتاب
المقدس يعتبر حدا مقدسا من حدود هللا ،ال يجوز ألي كان تجاوزه مهما كانت الظروف ،ال فرق في ذلك بين
المخزن و األفراد ،في أوقات السلم كما الحرب.
واضح أنه في ظل قانون للحضارة يكون مؤسسا للنظام الحقوقي ،ينحذر النظام العام بالضرورة إلى مستوى
مجموع األحكام و اإلجراءات المتخذة لحفظ التوازنات السياسية و االجتماعية و االقتصادية في مرحلة معينة
من مراحل المسيرة الحضارية .فأحكام النظام العام مختلفة بهذا المعنى عن قواعد قانون الحضارة ،و ليست
بالتالي من قواعد القانون المؤسس للنظام الحقوقي.
و حيث أن التوازنات تلك يمكن تشكيلها بطريقة مفتعلة لمصلحة الجهة الحاكمة ،ال فرق في ذلك بين طغمة
عسكرية ،أو أقل ية دينية ،أو قبيلة متسلطة ،أو سلطة منتخبة ،فإن أحكام النظام العام ألي أمة تدخل في حكم
القانون المتغير و ليس الثابت ؛ و هنا يكمن الفرق بين القوانين في بالد الروم و تلك المعمول بها في بالد
المسلمين.
ليس سرا أن الروم ألغوا قانون حضارتهم المسيحية و استبدلوه بالنظام العام الديمقراطي الذي يجتهدون من
خالله لحفظ التوازنات السياسية و االجتماعية و االقتصادية دون التزام بأي حد ،لدرجة أن الدجل بات ديدنهم.
فبدعوى استعمال الحق الديمقراطي في الحكم تستعمل السلطات المنتخبة ذريعة النظام العام لحماية ما شاءت
من المنافع و لو كان ذلك مخالفا لموجبات الحضارة.
لم تكن هكذا شؤون لتهم دراستنا لوال أن الروم سعوا و لما زالوا لفرض نظامهم العام على العالم باستعمال
القانون الدولي الذي يريده طابورهم الخامس من المسترمة مرجعية دولية للحقوق على المستوى الداخلي.
فالروم ينطلقون في تشكيل منظومة حقوقهم من نظامهم العام دون قيد من الحضارة لعدم وجود قانون للحضارة
عندهم .ذلك أن الديمقراطية ليست هي الحضارة و إنما هي حرية تشكيل النظام العام المفروض أن تقف عند
حدود الحضارة .فالحضارة قيد على الديمقراطية كما أن هذه األخيرة قيد على الحرية ،علما أن الحضارة هي
استعمال الوسائل المتاحة لألمة في سبيل التعامل مع المشاكل التي تفرضها الحياة على االنسان ،في حين أن
الديمقراطية هي المشاركة الجماعية في تشكيل التوازنات السياسية و االجتماعية و االقتصادية بما يحفظ
مصلحة المواطن حسب اليساريين ،و مصلحة الوطن بالنسبة لليمينيين.
لعل هكذا تذكير يسمح بمعرفة حقيقة ما يسمى صراع الحضارات؛ ففي واقع األمر ليس هناك صراع بين
حضارة للروم مع حضارة أهل اإلسالم و إنما صراع بين النظام العام الرومي مع حضارة أهل اإلسالم.
من جهة ثانية ،و هو الشيء األهم ،فإن ما تم التذكير به من فرق في المعنى بين النظام العام و القانون
المؤسس يسمح لطالب علم الحقوق باستيعاب معنى الحدود التي يجب على المخزن المحترم عدم تجاوزها
بواسطة قوانينه ،ال فرق بين الديمقراطي و غير ذلك منها.
لعل المسترومة و معهم المولويون محتاجون لمن يلفت انتباههم باستمرار إلى كون القواعد المؤسسة للنظام
الحقوقي المغربي هي نفسها أحكام قانون الحضارة التي اختارتها األمة المغربية بطريق اإلجماع الحقيقي بشكل
مستمر منذ أربعة عشر قرنا ،و هي تلزم نفسها بها في كل الظروف على مر األزمان .يتعلق األمر بقواعد
الشريعة اإلسالمية كما هي محددة وفق المذهب المالكي ،و كما تم تجديد نظام العمل بها وفق وثيقة المطالبة
باالستقالل الصادرة في 11يناير 1311عن السلطان محمد الخامس.
12
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فمنذ زوال دولة القبيلة العلوية بسقوط آخر سالطينها الذي هو محمد ابن عرفة و الذي كان قد انقلب على
محمد الخامس بصفته الملك األول لدولة الشعب المغربي ،و بناء على أحكام الوثيقة المؤسسة لدولة المملكة
المغربية ،فقد باتت قواعد النظام العام في القانون المغربي هي األحكام التي تحمي التوازنات السياسية و
االجتماعية و االقتصادية بالقرار الديمقراطي للشعب المغربي ،بدل أمر السلطان العلوي كما في السابق .و
يدخل القرار الديمقراطي للشعب المغربي وفق أحكام الفقه الدستوري المالكي في حكم اإلجماع الحكمي لألمة
الذي يقوم به النظام العام ،في مواجهة اإلجماع الحقيقي الذي يقوم به القانون المؤسس للنظام الحقوقي.
عمال بنص الحديث الصحيح عن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم الذي قال فيه (إن أمتي ال تجتمع على
ضاللة ،و إذا رأيتم اختالفا فعليكم بالسواد األعظم) يعتبر القرار الديمقراطي للشعب إجماعا حكميا معصوما من
الضاللة باعتباره قرار السواد األعظم بشرط عدم مخالفة أحكام القانون المقدس .فهذا األخير هو قانون
الحضارة و القانون المؤسس للنظام الحقوقي المغربي الذي يعلو على القانون الصادر بالقرار الديمقراطي
للشعب لكونه صادرا بطريق اإلجماع الحقيقي.
القانون الصادر بطريق اإلجماع الحقيقي من المغاربة بمختلف مللهم هو المبين في نصوص الشرع القطعية
الثبوت القطعية الداللة ،و التي يتبناها كل مغربي مسلم عند النطق بشهادة أن ال إله إال هللا و أن محمد رسول
هللا ،و يتبانها كل يهودي مغربي و كل مسيحي مغربي كذلك بطريق التضامن مع أغلبية أمة المغاربة عند قبوله
العيش في ذمتهم بطريق حمل نفس جنسيتهم.
من نفس القانون كذلك بقوة الشرع ،كل حقيقة علمية يقينية .فالحقيقة اليقينية تدخل في حكم القانون المقدس
لكونها حسب الشرع من كتاب هللا المنظور ،و هي بذلك تمثل حدا من حدود هللا التي ال يجوز تجاوزها من قبل
المخزن كما األفراد.
بناء على ذلك ،يمكن لألمة المغربية أن تعدل كما شاءت أحكام المسطرة المدنية التي من النظام العام
بقرارها الديمقراطي عبر البرلمان .في حين ذلك ال يجوز دستوريا تعديل األحكام المقدسة سواء كانت من كتاب
هللا المقروء أو من كتابه المنظور ،جل و على؛ علما أن معجزة قانون الحضارة اإلسالمية تتمثل في انتفاء
التناقض بين أحكام النصوص القطعية الثبوت القطعية الداللة و الحقائق العلمية اليقينية.
فمثال قاعدة أن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر ،ليست فقط من النظام العام ،بل هي حد من حدود
هللا بالنسبة للمغاربة حراثين كانوا أو شرفاء ،يجب على أمير المؤمنين منع المخزن من تعديها في نصوص
قوانينه .و من ذلك أيضا أن تحليل الحمض النووي وسيلة صحيحة إلثبات النسب ،فمن ثبت النسب منه بطريقها
سقط حقه في المالعنة؛ ذلك أيضا حد من حدود هللا ال يجوز ألمير المؤمنين السماح للمحاكم بتخطيه و إعطاء
الحق في اللعان لمن ثبت النسب منه بطريق الخبرة متى أنكر وقوع الحمل منه.
من جهة أخرى ،يعني الطابع اإللزامي ألحكام قانون المسطرة سواء كانت مؤسسة أو من النظام العام ،أنه ال
يحق ألطراف الدعوى ،و معهم القاضي ،االتفاق على مخالفتها و اتخاذ أحكام بديلة من نظام قانوني أجنبي أو
من اجتهادهم الخاص.
المبحث الثاني :موضوع المسطرة المدنية
موضوع المسطرة المدنية هو توفير خدمة العدالة في محاكم الحق العام .يتعلق األمر بالنوع العادي من
العدالة مقارنة بالنوعين ،المتخصص و االستثنائي منها.
و لعله من المفيد تمييز هذه األنواع من خدمة العدالة العمومية عن بعضها البعض ،و إلقاء نظرة على
المبادئ المؤسسة لقانون المسطرة المدنية.
المطلب األول :أنواع خدمة العدالة العمومية
ال تخرج خدمة العدالة العمومية عن أن تكون واحدة من ثالث :عادية ،متخصصة ،أو استثنائية؛ و هي شأن
تختص به محاكم المملكة المغربية التي يشترط فيها الفصل 129من دستور 23يوليو 2311أال تكون
استثنائية.
محاكم مخزن المملكة المغربية ال يجوز لها دستوريا أن تكون إال عادية أو متخصصة .و ما يسميه الدستور
محاكم عادية هي المعروفة في علم الحقوق باسم محاكم الحق العام؛ و هي كذلك ألنها ليست محاكم خاصة و ال
استثنائية.
و تعتبر متخصصة كل محكمة حدد المشرع اختصاصها النوعي في حدود قائمة محصورة من أسباب
القضايا كما هو شأن المحاكم التجارية ،و اإلدارية ،و محكمة الحسابات ،و المحكمة الجنائية .أما المحكمة
االستثنائية فهي التي يجلس فيها للحكم قضاة غير مستقلين كما هو حال قضاة المحكمة الدستورية بسبب
التزاماتهم الحزبية ،أو قابلين للعزل على غير مقتضى القانون بقرار إداري من رؤسائهم كما هو الشأن بالنسبة
للضباط في المحكمة العسكرية.
الفرع األول :العدالة االستثنائية
معلوم أن العدالة ليست كلها عمومية ،فالتي يوفرها األشخاص المتخاصمون ألنفسهم بوسائلهم الخاصة تعتبر
عدالة خاصة .غير أن العدالة العمومية ليست كلها من فن الحضارة الذي هو عمل عمارة األرض؛ فالتي تكون
13
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
استثنائية يقدمها المخزن لنفسه أو لغيره في محاكم غير عادية و ال متخصصة ،تعتبر باألحرى من الفساد الذي
هو الخطأ الحضاري عينه ،و الذي يبلغ حالة الذروة في صفة الجاهلية.
و لعله من أعظم أخطاء الحضارة و خطاياها ،اعتماد خدمة العدالة االستثنائية في التعامل مع الخلق الذين هم
عيال هللا؛ بشر اصطفاهم سبحانه عز و جل ،من نسل نبيه آدم عليه الصالة و السالم ليكونوا خلفائه في
األرض ،كي يمتحنهم بإرادته و ليس لحاجته.
قدسية اإلنسان ،بصفته خليفة هللا في األرض تقتضي أال يحاكم عن أي فعل من أفعاله مهما شانت ،إال من
طرف محكمة مستقلة يجلس فيها للقضاء قضاة مستقلون عن الخلق ،ال يحكمون بغير قناعتهم الحرة لما
يعتقدونه عدال ،و ال يسألون عن تلك القناعات إال أمام هللا عز و جل.
ألجل ذلك وجب رفض االعتراف للمحاكم الثورية ،و الحزبية ،و الكهنوتية ،و العرفية ،كما الحربية،
بالصفة الشرعية في ظل الحضارة اإلسالمية .فالشريعة التي هي قانون حضارة المغاربة ،تحرم األخذ بنظام
العدالة االستثنائية في أي نوع من المحاكم ،و قد أكد الفصل 129من دستور المملكة النص على هذا التحريم
صراحة.
بناء على ما سبق ذكره من وصف لخدمة العدالة االستثنائية ،تدخل المحكمة الدستورية للمملكة المغربية كما
هي منظمة في الفصل 133من دستور 23يوليو ،2311في عداد المحاكم االستثنائية.
يتعلق األمر فعال بمحكمة يجلس فيها اثني عشر قاضيا ،يسميهم الملك بظهير ،للحكم جماعيا لمدة تسع
سنوات غير قابلة للتجد يد ،ستة منهم منتخبون من طرف البرلمان بغرفتيه ،بحصة ثالثة في كل غرفة؛ و الستة
الباقون يختارهم الملك بمعرفته ،على أن يكون اسم واحدا منهم على األقل مقترحا من طرف األمين العام
للمجلس العلمي األعلى.
و بالنظر لصالحياتها ،تعكف المحكمة الدستورية في الواقع و بحكم القانون على توفير خدمة العدالة
السياسية في النزاعات حول مشاريع القوانين بين البرلمانيين و الوزراء و الملك ،و كذلك النزاعات حول صحة
القانون التنظيمي للبرلمان ،و نتائج االنتخابات ،و عمليات االستفتاء .و قد نص القانون الدستوري على تمديد
هذه الصالحية إلى النزاعات مع أشخاص القانون العاديين من خالل فتح باب الطعن بعدم دستورية القوانين في
الدعاوى المرفوعة أمام مختلف المحاكم.
يجب االنتباه إلى حقيقة أن صالحية المحكمة الدستورية منحصرة في مراقبة دستورية القوانين و ليس
مشروعيتها كما هو مبين أسفله.
رب قائل أن في االدعاء على المحكمة الدستورية للمملكة المغربية أنها استثنائية سعي لحرمان األمة من
خدمة مراقبة دستورية القوانين .و الرد على ذلك أن المطلوب هو إسناد اختصاص مراقبة دستورية القوانين
لمحكمة متخصصة يجلس فيها قضاة غير متحزبين و ال قابلين للعزل على غير مقتضى القانون ،و ليس إلغاء
القضاء الدستوري .فاألعضاء الستة المنتخبون من طرف البرلمان ،و كذلك الستة اآلخرون المعينون من خارج
سلك القضاء ،هم الذين يفسدون على المحكمة الدستورية طبيعتها القضائية ،لتتحول بسببهم إلى مجلس للمرافعة
السياسية.
مثل هذا الكالم يصدق على المحاكم العسكرية في المملكة المغربية .إذ بجانب المحكمة الدستورية ،تعتبر
كذلك استثنائية المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط ،و كذلك المحاكم العسكرية في الفرق العسكرية وقت الحرب.
فحيث أن القضاة العسكريين الجالسون فيها يظلون ضباطا خاضعين لسلطة رؤسائهم اإلداريين األعلى
درجة منهم في الرتبة العسكرية و ليسوا حكاما تابعين لسلك رجال القضاء ،فإن األمر متعلق يقينا بمحاكم
حربية و ليس فقط عسكرية.
ليس القضاة العسكريون من جراء ذلك مستقلين غير قابلين للعزل على غير مقتضى القانون ،بل هم
موظفون في المؤسسة العسكرية ،يظل واجبهم هو تنفيذ أوامر رؤسائهم ،بما في ذلك أثناء النظر في النزاعات
المعروضة على المحاكم الجالسين فيها.
برغم صراحة الفصل 129من دستور 23يوليو 2311في نصه على منع إحداث المحاكم االستثنائية في
المملكة المغربية ،تظل المحاكم العسكرية وقت الحرب ممكنة اإلحداث ،كما تظل المحكمة العسكرية الدائمة في
الرباط مشتغلة منذ نشأتها غداة االستقالل بالظهير رقم 1.91.293الصادر في 1ربيع الثاني 1391الموافق
13نونبر 1391بمثابة قانون العدل العسكري في الجريدة الرسمية عدد 2191بتاريخ .1313/33/31
لعله من باب االستهبال أن يجنح البعض للقول أن المحاكم العسكرية في المغرب غير معنية بأحكام الفصل
129من الدستور المذكور ،معتمدين على داللة منطوق نصه التي توحي بذلك فعال ،لكن ال تقضي به.
للتذكير ينص الفصل 129من الدستور على أن ( :تحدث المحاكم العادية و المتخصصة بمقتضى الق انون.
ال يمكن إحداث محاكم استثنائية).
على رغ م داللة منطوق النص التي أوحت للبعض بأن منع إحداث المحاكم االستثنائية يسري على المستقبل
و ال يتعلق بالمحاكم الموجودة سابقا وقت صدور الدستور ،فإن المعنى الصريح للفصل 129بداللة النص هو
14
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أنه ال يمكن إحداث المحاكم االستثنائية في المملكة المغربية بغير نص الدستور ،ذلك أن المحاكم التي يحدثها
القانون ،ال يمكن أن تكون استثنائية ،على خالف التي يحدثها الدستور.
و حيث وجب أن يتماشى القانون برمته مع أحكام الدستور ال فرق بين ما صدر منه قبل هذا األخير أو بعده،
فإن ظهير 13نونبر 1391بمثابة قانون العدل العسكري ،داخل ضمن مجال تطبيق الفصل 129من الدستور.
ففي غياب أي نص دستوري يستثني المحاكم العسكرية من مقتضيات الفصل 129المذكور ،فإنه يكون من
الواجب الدستوري لحكومة المملكة المغربية إيقاف نشاط المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط ،و منع إقامة محاكم
مثيلة لدى الفرق العسكرية أثناء الحرب.
بالفعل ،و بقوة الدستور ،لم تعد هذه المحاكم مختصة للنظر في القضايا التي أسند ظهير 13نونبر 1391لها
الصالحية فيها .فتلك صالحيات تؤول بقوة القانون للمحاكم العادية و المتخصصة التي ليست المحاكم
االستثنائية من بينها.
تلك حقيقة نصدع بها ليس لحرمان المؤسسة العسكرية المحترمة في بالدنا من خدمة قضاء متخصص ،و
إنما لتنزيل نص الدستور الذي أرادت به األمة حماية المتقاضين عسكريين و مدنيين على قدم المساواة ،من
شطط اإلدارات المدنية و العسكرية.
و لكي يستفيد العسكريون المغاربة من خدمة القضاء العسكري المتخصص بدل القضاء الحربي ،يكفي
حكومة المملكة إدخال تعديل على النظام األساسي للقضاة العسكريين .فمتى نص القانون على أنهم مستقلون عن
رؤسائهم األعلون منهم درجة في الرتبة العسكرية ،و أنه ال يمكن عزلهم إال طبقا لنص من القانون ،صار عندنا
قضاء عسكري متخصص يمكن االطمئنان إلى عدالته على المتهمين المعروضين عليه.
ففي ظل الفصل 129من الدستور ،ال يمكن للقضاء العسكري أن يمارس مهامه طبق القانون ما لم تحز
المحكمة العسكرية الدائمة بالرباط ،و المحاكم العسكرية لدى الفرق أثناء الحرب ،صفة المحاكم المتخصصة
كما هو حال محكمة الحسابات و المحاكم التجارية و اإلدارية.
عندئذ ستصبح المحاكم العسكرية متخصصة يجلس فيها قضاة مستقلون للنظر في أسباب القضايا المخصصة
لها بنص القانون.
الفرع الثاني :خدمة العدالة المتخصصة
على خالف العدالة االستثنائية ،ليس من مانع حضاري للعمل بنظام العدالة المتخصصة ما دامت ال تهدر
كرامة خليفة هللا في األرض.
بالفعل ،ليس من ضرر على المتقاضين أن يجبرهم القانون على احترام تخصص بعض المحاكم للنظر في
أسباب قضايا معينة دون غيرها من أسباب المخاصمات.
بل إن مصلحة األمة في توفير خدمة قضائية سريعة و متقنة ،يتطلب األخذ بنظام التخصص .و بالتالي يمكن
القول أن ثمة شرع هللا من كتابه المنظور وفق فقه المذهب المالكي.
بحمد هللا ،توفق المشرع المغربي لألخذ بهكذا نظام في القضايا التجارية ،و اإلدارية ،و قضايا الحسابات
المالية للمخزن و الجماعات المحلية ،و كذلك القضايا الجنائية.
فقد تم إحداث المحاكم التجارية بموجب القانون رقم 39-93الصادر بالظهير الشريف رقم 19-39-1
المؤرخ 1شوال 111الموافق 12فبراير .1339و أحدثت كذلك المحاكم اإلدارية بموجب الظهير رقم -229
1-31صادر في 22من ربيع األول 1111الموافق 13شتنبر 1333بتنفيذ القانون رقم 11-33المحدث
بموجبه محاكم إدارية .و أحدثت المحاكم المالية بعد ذلك بالظهير رقم 1-32-121الصادر في فاتح ربيع اآلخر
1123الموافق 2332/31/12بتنفيذ القانون رقم 12-33المتعلق بمدونة المحاكم المالية و المنشور في الجريدة
الرسمية بتاريخ 1جمادى اآلخرة 1123الموافق 19أغسطس . 2332
في إطار التنظيم القضائي للمحاكم العادية ،تم من جهة أخرى إحداث غرف جنائية متخصصة في القضاء
الجنائي.
ال غبار على مشرو عية هذه األصناف الثالثة من المحاكم مع الغرف الجنائية في المحاكم االبتدائية و الغرف
الجنحية في محاكم االستئناف ،لكونها غير استثنائية .فالقضاة الجالسون فيها للحكم حكام من سلك القضاء يمنع
نظامهم األساسي عزلهم بغير مقتضى القانون ،و يجعلهم مستقلين في ممارسة عملهم القضائي عن كل رئاسة
إدارية ،إذ يفترض فيهم الخضوع فقط لسلطان ضمائرهم عند تطبيق القانون على النوازل التي يمسكون بها ،و
التي تتميز بكونها غير مدنية.
المطلب الثاني :المبادئ المؤسسة لقانون المسطرة المدنية
ال تكتمل صورة خدمة العدالة المدنية من غير نظرة على المبادئ المؤسسة لقانون المسطرة المدنية و التي
يجب تفادي خلطها بالمبادئ الحاكمة لسير المحاكمة المدنية.
قانون المسطرة المدنية متميز بقيام بنيانه على مبادئ حضارية تحكم خدمة العدالة المدنية بشكل مختلف عن
خدمة األنواع األخرى من العدالة ،خاصة منها الجنائية و الدستورية.
15
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بالفعل ،تتطلب موجبات الحضارة كما هي مبينة في القانون المؤسس للنظام الحقوقي المغربي ،من القائمين
على ضبط النظام العام بواسطة قانون المسطرة الجنائية ،أن يحرصوا بشدة على احترام الحقوق اآلدمية للبشر،
حتى ال يتحول قانون المرافعات إلى أداة قمع بوليسي للحراثين في الداخل ،و عدوان استرهابي على خلق هللا
في الخارج .و تتطلب نفس موجبات الحضارة كذلك من القائمين على ضبط النظام العام حين وضع قانون
المرافعات الدستورية حرصا شدي دا على االلتزام بقانون حضارة األمة حتى ال يستعمل النظام العام ذريعة
للتراجع عن االلتزامات الحضارية لألمة بذريعة ممارسة الحق الديمقراطي في الحكم؛ و حتى ال يتم التعسف و
ال التجاوز في استعمال القرار الديمقراطي لألمة ضدا على إجماعها الحقيقي.
أما قانون المسطرة المدنية فتقتضي لها موجبات الحضارة أن يكون اللجوء إلى عدالة المحاكم حرا مفتوحا
للجميع على قدم المساواة ،و أن تبقى المحكمة على الحياد التام ،واقفة على نفس المسافة من الخصوم ،ال تميل
إلى طرف على حساب اآلخر ،كما يشترط لها أن يتمكن المتخاصمون من الطعن في األحكام أمام محاكم أعلى
درجة.
الفرع األول :حرية اللجوء للقضاء المدني
خالفا للمحاكم الجنائية و اإلدارية مع التجارية و المالية ،و كذلك الدستورية و العسكرية ،يمكن لكل
األشخاص اآلدميين ،بغض النظر عن جنسياتهم و أحوالهم الشخصية كما األشخاص المعنويين التابعين للقانون
الخاص أو العام ،أن يلتجؤوا على قدم المساواة للقضاء المدني قصد االستفادة من نفس خدمة العدالة.
ذلك بالضبط ما يؤكده الفصل السادس من دستور 23يوليو 2311الذي ينص (:الق انون هو أسمى تعبير عن
إرادة األمة .والجميع ،أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين ،بما فيهم السلطات العمومية ،متساوون أمامه ،و ملزمون باالمتثال
له .تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات و المواطنين ،و
المساواة بينهم ،و من مشاركتهم في الحياة السياسية و االقتصادية و الثق افية و االجتماعية.
تعتبر دستورية القواعد الق انونية ،و تراتبيتها ،و وجوب نشرها ،مبادئ ملزمة .ليس للق انون أثر رجعي).
طبقا لقانون المرافعات المدنية ،يمثل هذا النص وسيلة في متناول كل شخص آدمي أو معنوي لتنصيب نفسه
طرفا مدعيا أمام القضاء للمطالبة بحق مدني يدعيه على غيره من األشخاص ،آدميين كانوا أو اعتباريين ،بناء
على مسؤولية تعاقدية أو تقصيرية او قانونية.
تعتبر الحقوق المدنية كلها محال ممكنا للمتابعة القضائية أمام القضاء العادي ،بغض النظر عن طبيعة
الشخص المطالب ،و الذي تقام ضده الدعوى.
كما سبق ذكره ،ليس في القانون المغربي حصانة قضائية و ال إعفاء قانوني من المسؤولية عن الحقوق
المدنية لفائدة أي كان ،سواء منها التي تنشأ بموجب القانون ،او بفعل المسؤولية التقصيرية أو التعاقدية .فبناء
على القانون الذي هو التعبير األسمى عن إرادة األمة ،يعتبر المخزن ،كما الذين يجسدونه من الرجال و النساء،
و معهم أفراد الطبقة المولوية على قدم المساوات مع المستضعفين من الحراثين ،كلهم جميعا قابلون للمتابعة
القضائية عن الحقوق المدنية أمام المحاكم العادية.
خالفا للوضع في حالة المتابعة الجنائية أو اإلدارية ،ال تثريب على كاتب ضبط المحكمة متى قبل تسجيل
دعوى مدنية ضد الملك شخصيا أو أحد األمراء أو األميرات أو أحد المستشارين الملكيين أو رئيس الحكومة أو
أحد الوزراء أو العمال و الوالة و القضاة ،أو كبار ضباط الجيش و غيرهم من الموظفين العموميين.
ال يؤاخذ كاتب الضبط بخرق القانون لعدم مراعاة حالة اإلعفاء القانوني أو الحصانة القضائية متى قبل
ت سجيل الدعوى المدنية كذلك ضد أي مؤسسة من مؤسسات المخزن ،مثل مؤسسة القصر الملكي ،كما الحكومة
و البرلمان.
في كل هذه الحاالت ،يجد كاتب ضبط المحكمة االبتدائية نفسه ملزما قانونيا ،بعد تسجيل الدعوى في سجل
المحكمة ،برفع هذا السجل لرئيس المحكمة ،الذي يلزمه القانون هو اآلخر بتعيين قاض مقرر أو مكلف بالقضية
حسب األحوال ،لتمسك المحكمة بالدعوى ضد المعني باألمر ،فيتم استدعائه في إطار عمليات إعداد القضية
للحكم.
تلك صورة جميلة عن العدالة المدنية في المملكة المغربية كانت لتجعل األمة فخورة بالمخزن المحترم لو لم
تكن ملطخة بالخشية من بطش المولويين بالمستضعفين من الحراثين لمجرد كونهم يتجرؤون للجوء إلى
القضاء لمطابة أسيادهم بحقوقهم المدنية.
فكيف يعقل أن تتجرأ المرأة الحراثة التي طلقها سيدها المستفيد من الحصانة أو اإلعفاء مع أبنائها على
متابعته قضائيا بحقوقهم األسرية إن أنكر صلته بهم .و كيف يكون للمستضعف أن يتابع المحصن أو المعفي من
المسؤولية الجنائية الذي ترامى على عقاره ،أو فوت عليه فرصة ،أو لم يف له بالتزام تعاقدي ،أو تسبب له في
ضرر مدني ،و هم يعلمون جميعا أنه قادر باستعمال المتعيشين ،على اإلضرار الجنائي بهم دون محاسبة.
16
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
باإلضافة إلى الرعب الذي تخلفه الحصانة و اإلعفاء من المسؤولية الجنائية لفائدة المولويين في نفوس
المستضعفين ،ال يجوز االستهانة بقضية التكلفة المالية للدعوى المدنية بالنسبة للطبقة الهشة من الحراثين.
للعلم ،تتطلب الدعوى المدنية من المدعي تحمل نوعين من النفقات ،هما صوائر الدعوى المسماة مصاريف
الدعوى طبقا للمادة 121من مدونة المسطرة المدنية ،و خسائرها المالية المسماة في الدارجة الوطنية باسم
( َم ْخسور ْل ْمشَارْ عَ).
و تتميز الصوائر بقابليتها لالسترجاع في حالة الفوز بالقضية بحيث يتم الحكم بها على الطرف المدعى
عليه؛ و منها رسوم تسجيل الدعوى التي يحددها القانون في نسبة %1من قيمة الدعوى ،مع حقوق الدمغة أو
ما يسمى بالتمبر .و كذلك تعويضات المفوض القضائي و أجرة الخبير القضائي و المترجم ،كما التعويضات
التي قد يطلبها الشهود من المحكمة لتغطية مصروفات تنقلهم و إقامتهم بالفنادق في انتظار اإلدالء بالشهادة.
كل هذه الصوائر تكون موثقة لدى كتابة ضبط المحكمة ،و هي تقوم بتقديم تقرير عنها للقاضي المقرر أو
المكلف بالقضية.
أما المخسور ،فهي النفقات غير القابلة لالسترجاع ال ممن تلقوها ،و ال من طرف المدعى عليه في حالة
الفوز في القضية .و من ذلك مصروفات التنقل و اإلقامة بسبب الدعوى ،و أتعاب المحامي مع أجرة الخبراء
القانونيين في حالة االستعانة بهم.
الفرع الثاني :حياد المحكمة
خالفا للمعمول به في المحاكم الجنائية و اإلدارية و الدستورية كما المالية و العسكرية ،تقتضي موجبات
الحضارة من المحكمة المدنية الو قوف على نفس المسافة من طرفي الدعوى .فعالقة المحكمة بالدعوى المدنية
محكومة بمبدأ الحياد لتحديد ما هو من صالحية القاضي الممسك بالقضية و ما هو متروك لمبادرة األطراف
المستمسكين به.
إقامة الدعوى ،كما تطورها و تقدمها مع رسم حدودها ،مجال متروك لمبادرة الطرفين دون المحكمة.
فالمدعي يتحكم منفردا في قرار إقامة الدعوى ،و يتحكم معه المدعى عليه في تطورها من خالل اإلمكانية
المتروكة له لقبول طلبات المدعي دون منازعة ،أو حتى عرض الصلح عليه أو طلب اللجوء إلى التحكيم .و
يتحكم المدعى عليه في تقدم الدعوى من خالل استعمال حقه في الدفاع بواسطة الدفوع الممكنة.
يتحكم الطرفان من جهة أخرى في رسم حدود الدعوى المدنية من خالل تحكمهما في موضوعها .فالمحكمة
ملزمة بغض النظر عن كل ما لم يطلبه الطرفان ،و لو بدا لها متصال بموضوعها.
بالنظر لهذه الحقيقة ،يقول فقهاء القانون من الروم أن المرافعات المدنية بطبيعتها اتهامية و ليست تفتيشية .و
هم يعبرون عن ذلك بالقول أن الدعوى المدنية هي شأن الطرفين ،عكس الدعوى الجنائية التي هي شأن
المحكمة .مفاد ذلك أن الدعوى ملك الطرفين ،و ليس للقاضي فيها إال صالحية البت بناء على طلبات الطرفين
و ما يوفرانه له من معطيات و لو علم أنها خاطئة.
تلك حقيقة ال يؤكدها القانون المغربي للمرافعات المدنية إال جزئيا بسبب الصالحيات المنصوص عليها في
الفصل 99من مدونة المسطرة المدنية لفائدة المحكمة؛ و هو متفق في ذلك مع موجبات الحضارة كما يريدها
الشرع ،علما أن واجب العدل يقتضي من القاضي أال يبني حكمه على معطيات خاطئة .من أجل ذلك يعطي
الفصل 99المذكور للقاضي المدني صالحية األمر تلقائيا قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو وقوف
على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق.
ليس القاضي ملزما بغض النظر عن الحقيقة متى أخطأها الطرفان .و باستعمال الصالحيات المخولة له في
الفصل 99يمكنه التشارك معهما في ملكية الدعوى ،و لكن فقط على مستوى تقدمها .ذلك أن الطرفان يظالن
يتحكمان في إقامة الدعوى و تطورها كما في رسم حدودها ،لكن القاضي هو الذي يسيرها لتوجيه مسارها إلى
الحقيقة عند جنوح الطرفين عنها .فالقاضي هو الذي يتولى إعداد القضية للحكم ،و هو ملزم ببناء حكم المحكمة
على الحقيقة رغم أنف الطرفين ،و هو ملزم أكثر من ذلك بمنع الطرفين من الوقوع في دائرة مفرغة من
الخصومة القضائية بعيدا عن الحل الممكن بسبب جهلهم للحقيقة.
ال يمنع ذلك أن ال طرفين يحتفظان بالسيطرة على موضوع الدعوى ،و أن القاضي ال يستطيع تجاوز مادة
النزاع .فطبقا للفصل الثالث من مدونة المسطرة المدنية ،يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات
األطراف ،و ال يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوعها أو سببها .غير أنه ال يحتاج أن يطلب منه الطرفان تطبيق
القانون المتعلق بالنازلة للقيام بذلك ،الشيء الذي يجعله صاحب السيطرة على القانون ،في مقابل سيطرة
األطراف على الموضوع.
الفرع الثالث :حق الطعن في األحكام
بالنظر لخطورة األخطاء و األغالط الممكن وقوع القضاة فيها ،اقتضت موجبات الحضارة من كل األمم أن
تسمح باستعمال طرق الطعن القضائي في األحكام كوسيلة وقائية لمنع سيطرة المتعيشين على مرفق القضاء.
فقد بينت التجربة الحضارية منذ عهد البابليين و الفراعنة في القدم ،و من بعد ذلك في ظل األنظمة الوصائية
السلطانية و اإلمامية و الكنسية ،و حديثا في ظل أنظمة الديموقراطيات المركزية و التعددية ،الشيوعية كما
17
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
اللبرالية على حد سواء ،أن رداءة الخدمات قابلة للتحمل من طرف المستضعفين في مجاالت األمن و الصحة و
التعليم و النقل و الترفيه ،لكن رداءة خدمة العدالة ال تطاق أبدا .لذلك قالت العرب أن العدل أساس الملك و
حصن األمن؛ و قد اقتضى العدل أن يفتح باب الطعن في األحكام القضائية باستعمال دعاوى االستئناف و
الطعن بالنقض كما التعرض و طلب اإللغاء أو إعادة النظر أمام محكمة تكون ذات درجة أعلى من تلك التي
صدر عنها الحكم محل الطعن.
و كما سبق بيانه في درس التنظيم القضائي ،طبق القانون المقدس خالل القرن السابع الميالدي ،الموافق
للقرن األول من الهجرة ،نظام تعدد درجات التقاضي لتمكين القضاة في المحاكم العليا ،من النظر في صحة
المحاكمة االبتدائية من حيث الشكل و حيث الموضوع.
من حق طلبتنا أن يعلموا أنه بخالف ما روجه الطابور الخامس من المسترومة ،يفرض القانون المقدس على
األمة المغربية العمل بنظام تعدد درجات التقاضي من خالل التمييز بين الدرجة االبتدائية ،و درجة لالستئناف و
أخرى للنقض أو اإلبرام.
فقد ثبت بالدليل القاطع أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم أسس لنظام التعدد في درجات التقاضي من خالل
التمييز بين المج لس األعلى لقضاء األمة الذي تولى رئاسته في المدينة المنورة ،و المحكمة العليا في والية
اليمن برئاسة الملك باذام بمعية الصحابيين معاذ بن جبل و أبي موسى األشعري ،و محاكم الدرجة االبتدائية
برئاسة القضاة في مختلف واليات و أقضية األمة.
كان المجلس األعلى للقضاء في المدينة المنورة برئاسة رسول هللا و عضوية أبي بكر و عمر و علي ينظر
في كل الدعاوى المعروضة عليه من طرف كل المتخاصمين من جميع أقطار دار اإلسالم ،بما في ذلك التي
نظر فيها قضاة آخرون ،و لو في محكمة عليا كالتي أقامها رسول هللا هللا صلى هللا عليه و سلم في مملكة اليمن.
ذلك أنه انتدب صلى هللا هللا عليه و سلم القاضيين معاذ بن جبل و أبو موسى األشعري للقضاء في مملكة اليمن
بحضور الملك باذام رضي هللا عنه الذي أسلم و أدمج مملكته في دار اإلسالم .كان ذلك معناه أن يحتفظ قضاة
الدرجة االبتدائية في مملكة اليمن بمهامهم و وظائفهم ،كما يحتفظ باذام بوظيفة القاضي األعلى للمملكة ،غير أنه
يمارسها بحضور قاضيي رسول هللا في نفس الجلسة ،التي تكون بالضرورة جلسة لمحكمة عليا بالمقارنة مع
جلسات باقي قضاة اليمن.
كان ذلك معناه من جهة أخرى أن يستحيل على القضاة في محاكم الدرجة األولى باليمن الحكم بمنع
المتخاصمين من اللجوء إلى المحكمة العليا لطلب إعادة النظر في القضية من طرف الملك باذام مع أبي موسى
األشعري و معاذ بن جبل لمراقبة مدى صحتها في الموضوع و القانون .و بديهي كذلك أن محكمة اليمن العليا
لم تكن تملك صالحية منع المتخاصمين الذين حكمت عليهم من اللجوء إلى المجلس األعلى لقضاء األمة طلبا
لمراقبة مدى صحة الحكم الذي أصدرته.
صحيح أن الفقهاء لم ينتبهوا من قبل لهذه األحكام المسطرية ،لكن عدم اإليجاد ال يعني عدم الوجود .فقد
ظلت هذه األحكام الشرعية موجودة و لم يقدر لها أن تعرف إال مؤخرا.
تلك جملة حقائق متعلقة بقانون المسطرة المدنية ال يكتمل الكشف عنها إال على ضوء المقارنة بين
الخصومات المدنية و غيرها من أنواع الخصومات القضائية.
الفصل الثاني :أنواع الخصومات القضائية
تعد خصومة قضائية كل نازلة يستمسك فيها األطراف بالقاضي ليفصل بينهم بالعدل .و ما لم يكن القاضي
جالسا في المجلس األعلى لقضاء األمة و هو الذي يمتلك صالحية الوالية القضائية العامة لالمساك بكل أنواع
النوازل ،و قد بات يحمل بدال عن ذلك اسم محكمة النقض ،يمكن للقانون الصادر بأمر األمة أن يجبر
المتخاصمين على مراعاة تخصص القضاة لعرض قضاياهم في المحاكم األدنى درجة.
فالنوازل التي باتت تعرف أكثر شيء باسم الدعاوى ،ليست كلها من نوع واحد؛ بل منها المدنية ،و التجارية،
و اإلدارية ،و الحربية ،و الدستورية ،و المالية ،و الجنائية.
المبحث األول :النوازل المدنية
النوازل المدنية هي التي تدخل ضمن اختصاص العدالة المدنية كما هو مبين بقانون المسطرة المدنية ،و
ليست القضايا المسماة مدنية بنص القانون المشترك .فكل ما جعله القانون من اختصاص المحاكم وفق قانون
المسطرة المدنية يعد مدنيا ،و كل ما جعله من اختصاص نفس المحاكم أو غيرها وفق قوانين مسطرية غير
مدنية ،كقوانين المرافعات الجنائية ،و المالية ،و اإلدارية ،و العسكرية ،و الدستورية ،و التجارية ،ال يعد مدنيا.
مفاد ذلك أن المشرع الوضعي ،الذي هو األمة المغربية ذاتها بأمرها الشوري ،لم يعرف مجال اختصاص
العدالة المدنية بطريق التعيين ،و إنما بطريق االحتراز أي اإلقصاء .فكل ما أحرز عنه المشرع مجال العدالة
المدنية يكون مقصيا من اختصاصها ،فاقدا بالتالي لصفة النازلة المدنية.
لفهم هذه المسألة يجب التذكي ر بأن مقتضي المبادئ العامة للقانون هو أن كل خصومة يجب أن تخضع
ألحكام القانون المشترك باعتباره الشريعة العامة ،ما لم يقض أمر قانوني خاص بخضوعها ألحكام مستقلة عن
القانون المشترك.
18
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و للتذكير ،فإن القانون المشترك في النظام الحقوقي ألمة المملكة المغربية يمثله تشريعيا نص ظهير 3
رمضان 1331موافق 12أغسطس ،1313مكمال عرفيا بأحكام الفقه المالكي و العملين القضائيين األندلسي و
البربري المسميين كذلك بالفاسي و السوسي ،فيما تعلق بأحكام العقود المسماة و غير المسماة ،و االلتزامات
التقصيرية و شبه التعاقدية ،مع أحكام الحقوق العينية و الشخصية و كذلك أحكام اإلفالس مع الضمانات العينية
و الشخصية.
مفاد ذلك من وجهة نظر علم الحقوق أن كل قضية استعمل المشرع نصا تشريعيا خاصا إلخراج أحكامها
من نص ظهير االلتزامات و العقود ،و بالتبعية لذلك ،إلخراجها كليا أو جزئيا من أحكام الفقه المالكي و العمليين
القضائيين األندلسي و البربري ،ال تعد نازلة مدنية في نظر القانون المشترك.
يسري هذا الحكم ليس فقط على النوازل التجارية ،و الجنائية ،و المالية ،و الدستورية ،و اإلدارية ،و
الحربية ،بل و كذلك قضايا العمل ،و األحوال الشخصية ،و تنازع االختصاص مع مخاصمة القضاة و
تجريحهم و كذلك التحكيم .تلك نوازل تعد جميعها من قبيل القضايا غير المدنية من وجهة نظر القانون
المشترك.
غير أن افتقار النازلة للصفة المدنية في نظر القانون المشترك ال يعني احتراز مجال العدالة المدنية عنها.
ذلك أن بعض أنواع القضايا التي خصص لها المشرع نصوصا و مدونات أخرجها بها من مجال القانون
المشترك ،لما تزال من اختصاص العدالة المدنية .من ذلك على الخصوص النوازل التجارية التي ال تبلغ حد
النصاب ،الذي هو 23333درهم ،و نوازل الشغل مع قضايا األحوال الشخصية و تنازع االختصاص و
التحكيم و تجريح القضاة مع مخاصمتهم.
كل خصومة حقوقية لم يحرز المشرع عنها اختصاص العدالة المدنية بنص خاص ،تعد نازلة مدنية في نظر
قانون المسطرة المدنية ،و لو لم تكن كذلك في نظر القانون المشترك.
هكذا يتم تعريف النوازل المدنية عن طريق االحتراز بالقول أنها كل ما ليس دستوريا ،و ال ماليا ،و ال
جنائيا ،و ال حربيا ،و ال إداريا ،أو تجاريا يبلغ حد النصاب.
لعله من المفيد تذكير الطلبة و الطالبات الراغبين في االلتحاق بالمهن العدلية في سلك القضاء و المحاماة و
العدول بالمملكة المغربية ،أن يكونوا على إلمام بفقه النوازل كما هو مدون في كتب العلماء المالكيين.
يتعلق األمر بكتب فقهية تناول فيها علماء أفذاذ مختلف النوازل التي تدخل ضمن اختصاص العدالة المدنية
في المملكة المغربية ،و من أشهرها كتاب النوازل الكبرى للمهدي الوزاني العمراني ،و كتاب األجوبة ألحمد
بن عرضون الغماري الشفشاوني ،و المعيار المعرب ألحمد الونشريسي ،و كتاب جامع مسائل األحكام مما
نزل من القضايا بالمفتين و الحكام ألبي القاسم بن احمد البرزالي المالكي .و بحمد هللا و منته ،فقد باتت هذه
الكتب ،و غيرها كثير جدا في نفس الموضوع ،منشورة في الشبكة العنكبوتية يوفرها السيد غوغل مجانا لمن
يريد تحميلها.
و حيث أن القضايا المدنية في المحاكم المغربية هي موضوع فقه النوازل ،فإنه من الطبيعي تخصيص
مصطلح النوازل لتسمية الخصومات المدنية ،و استعمال مصطلح القضايا بدال عنه في النزاعات التي احترز
المشرع عنها مجال خدمة العدالة المدنية كالقضايا الدستورية و غيرها.
المبحث الثاني :القضايا الدستورية
بسبب مقتضيات الفصل 133من دستور 23يوليو ،2311بات من واجب كل دارس ألحكام المرافعات
القضائية ،المدنية كما الجنائية ،أن يتعمق في تناول القضايا الدستورية لتوضيح معالم نظام الدفع بعدم دستورية
القانون في الدعاوى المرفوعة أمام القضاء العادي.
و قبل البحث في حقيقة هكذا دفع ،مع الفرق بينه و بين القضايا الدستورية ،ال بد من رفع االلتباس الحاصل
حول حقيقة الدستور نفسه كما هو مقصود في النظام الحقوقي المغربي .فقد باتت حقيقة الدستور قضية علمية
يجب الترافع فيها في المنابر الجامعية .إذ ليس من المصلحة ترك هكذا قضية للعامة يتوالها المتعيشون في
الشارع و المنابر اإلعالمية بتوجيه من علماء المسترومة و المولويين.
المطلب األول :قضية مفهوم الدستور
يكفي الدستور أهمية في نظر الحقوقيين أنه القانون المستعمل إلنجاز الترشيد المدني و السياسي للمواطنين.
و المفروض ،عمال بالقانون المؤسس للنظام حكم المملكة المغربية الصادر إثر ثورة 1311أن يكون الدستور
المغربي قد استعمل فعال لتحقيق الترشيد السياسي و المدني معا ،للرجال و النساء الحراثين و األسياد جميعا
على قدم المساواة.
غير أن التأخر الحاصل في تحقيق المطلوب ،خاصة بسبب انخراط جزء من الحراثين ببراءتهم المعهودة في
الحرب الباردة بين الروم اللبراليين و غرمائهم االشتراكيون من بني جلدتهم ،دفع المسترومة و المولويين إلى
المناورة من أجل إجهاض ثورة 1311من خالل اللعب على مفهوم الدستور في محاولة لجعله أعلى مرتبة من
القانون المؤسس ليس فقط للمملكة المغربية بل و للنظام الحقوقي المغربي برمته.
19
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
رغم خسارة الوقت و الجهد بسبب انشغال الفريق ذاك من أبناء شعبنا بحرب ال تهم أمتنا ،تظل الحقيقة رغم
أنوف المسترومة و المولويين أن الدستور مجرد قانون عادي تحكمه قواعد وثيقة المطالبة باالستقالل و قانون
الحضارة المغربية.
تلك حقيقة لم تفلح سياسة اإللهاء اإلعالمي بتافه األمور ،و ال رداءة مستوى التعليم الجامعي كما الثانوي و
االبتدائي ،في تحويل اهتمام الشعب المغربي عنها .فقد ظلت التعديالت الدستورية قضية وطنية مركزية تنطوي
على جانب كبير من الخطورة.
الفرع األول :طبيعة القانون الدستوري
القانون الدستوري فرع من فروع القانون العادي بمعنى أنه ليس هو القانون المؤسس للنظام الحقوقي .و هو
بصفته تلك جزء من أحكام النظام العام الداخلي و ليس امتدادا للنظام العام الدولي.
أ :مرتبة الدستور في النظام الحقوقي
ما لم يكونوا قد وقعوا ضحية للتلقيم الوصائي ،يفترض أن طلبة كلية الحقوق قد تعلموا خالل المرحلة
االبتدائية في السداسي األول ،بأن الدستور هو القانون المنظم للعالقة بين المؤسسات الحاكمة ،المنتخبة و غير
المنتخبة لألمة ،و أنه يبين بمناسبة ذلك شكل الدولة و نوع نظام الحكم السياسي؛ و أهم من ذلك كله أنه يبين
ماهية قانونها المؤسس.
يترتب عن ذلك أنهم تعلموا بأن الدستور ال يكون هو نفسه القانون األسمى لألمة بمعنى المؤسس المقدس ،إال
إذا لم تلتزم األمة فيه بقانون مؤسس يكون أكثر منه سموا ،فيخطف منه بالتالي صفة القدسية .ففي كل األحوال
يعتبر الدستور قانونا ساميا في العالقة مع غيره من فروع القانون لكنه يأتي في المرتبة بعد القانون المؤسس
للنظام الحقوقي ،ما لم يكن النظام ذاك خاليا من أي قانون مؤسس كما هو الشأن في األنظمة الوصائية الرومية
و المسترومة التي تعتبر الدساتير فيها مقدسة ،ال يسمو عليها أي قانون غيرها.
ميزة دساتير األنظمة الوصائية أنها ال تشير من قريب و ال بعيد ألي قانون مؤسس يكون أسمى منها ،فيحكم
الدولة على قدم المساواة مع األفراد.
تلك حقيقة يتعمد علماء الروم السكوت عنها منعا لفضيحة النقص الذي تعاني منه دساتير أممهم .غير أن
التقليد األعمى للروم من العلماء المسترومين ،و نية التعتيم المبيتة لدى العلماء المولويين ،يجعل هؤالء و أالئك
يقفزون ،دون شعور منهم أو عن قصد ،على فصول دستور المملكة المغربية التي تنص على التزام األمة
بقانون مؤسس غير الدستور يكون بالتالي هو األسمى .بذلك يتم صرف نظر الطلبة الجامعيين عن النقص الذي
يعتري الدساتير الرومية ،و جعلهم يعتقدون أنها إنجاز حضاري عظيم ،ليلقموا كما تلقم البنادق ضد الراشديين
و يستخدموا كالمتعيشين من حيث ال يدرون.
فكأن الجامعة صارت موظفة فقط لتكوين المعترضين على حق الحراثين في االحتكام إلى القانون المقدس
باعتباره أسمى من المخزن و من الروم و من كل حاكم.
من حق الطلبة في كليات الحقوق أن يتعلموا بدال عن ذلك بأن تحديد ماهية القانون المؤسس لألمة في
الدستور هو تعبير دستوري من األمة نفسها عن إرادتها في إلزام أشخاصها و سلطاتها جميعا بذلك القانون
المؤسس .فال يكون الدستور هو نفسه القانون األسمى ،و إنما يحضا هذا القانون المؤسس بصفة السمو القانوني.
واضح أن كشف هذه الحقيقة يغير النظرة إلى الدستور المغربي .فهو على قدر جالله ،ليس قانون األمة
المقدس؛ إذ ال يعدو أن يكون قانونا عاديا يهتم بتنظيم مؤسسات المخزن المحترم .فقد يكون بسبب موضوعه
مهما بالنسبة لرجال المخزن و نسائه مع رجال الطبقة السياسية و نسائها ،لكنه ليس أهم من مدونات قانون
السير و األسرة مثال ،بالنسبة لعموم المغاربة.
رغم ضخامة الهالة المحيطة بالدستور في أذهان المسترومة و المولويين ،فهم يجعلونه ينحذر إلى مستوى
القانون العادي غير المقدس بسبب السلطات التي يخولونها لرجال الدولة العميقة و نسائها عليه.
لقد تبين فعال من الممارسات الدستورية الرومية و المسترومة كما المولوية ،أنه من حق رجال و نساء
الدولة العميقة أن يتصرفوا في الدستور حسب هواهم و بكل حرية.
فبذريعة مواجهة أي تهديد بعرقلة السير العادي لمؤسسات الدولة ،أو األمن العام ،أو المصالح العليا لألمة،
تم االعتراف للسلطة التنفيذية ممثلة على مستوى رئاسة الدولة ،بحق تعليق العمل بالدستور كليا أو جزئيا ،من
خالل إعالن حالة الطوارئ و االستثناء ،أو أعمال السيادة.
بسبب ذلك ،صار تعديل الدساتير أسهل على الحكام من تغيير قمصانهم؛ و قد شهد التاريخ أكثر من مرة
على كثير من الحكام من الروم و المسترومة أنهم لجأوا إلى تعطيل العمل بالدستور جزئيا للتصرف بأعمال
السيادة قصد منع اعتراض الشعب على مشاريع ال تخدم مصلحته.
لعله بعد مثل هكذا شهادات يتأكد لكل ذي عقل بأن خطأ مقولة أن النموذج الرومي للدستور هو أعظم إنجاز
حضاري .فاألمر ينطوي في الحقيقة على لغم خطير ينصبه الطابور الخامس للحراثين قصد منعهم من نيل
الترشيد السياسي .ذلك أن مشروع حضارة األمة يصبح مرهونا بإرادة رجال الدولة العميقة و نسائها من الطبقة
المولوية ،يكيفونه و يتصورونه حسب ما يخدم مصالح الروم المسيطرين على الدنيا ضدا على حقوق الحراثين.
20
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
جنراالت العسكر مع المدراء العامين لمؤسسات األمن و شيوخ الزوايا و نقباء الشرفاء يستعملون الدستور
لتقديس إرادتهم بصفتهم الدولة ،و يستبعدون بذلك القانون المؤسس لألمة الذي اجتمعت على األخذ به إجماعا
حقيقيا .غير أنهم يجدون أنفسهم في نهاية المطاف مضطرين لطاعة أوامر الروم و التجند في صفهم لمنع
الشعوب من مراقبة طرق استغالل خيراتها و االستفادة منها.
هذه حقائق علمية ال يجوز كتمانها على الطلبة الجامعيين ذكورا و إناثا في كليات الحقوق التابعة لسلطات
المملكة المغربية .و نقول لمن يدعي علينا من المسترومة و المولويين أن هكذا موضوع أكبر منا أنه برغم أنف
رجال و نساء الدولة العميقة ،تمتلك الجامعة المغربية بقوة حضارة أمتنا العريقة سلطة علمية أنجبتها أقدم
جامعات في العالم.
تلك سلطة يحق لكل عالم أن يجسدها في كليات الحقوق و خارجها ،و هي تجعله مسؤوال عن إخبار طلبة
العلم بأن القانون المؤسس لألمة المغربية معلوم بالضرورة من نص وثيقة المطالبة باالستقالل التي تبناها محمد
الخامس في 11يناير .1311
هكذا حقائق أكبر فقط من المتعيشين الذين يرضون بالصدقة المولوية ،أما العلماء المغاربة األحرار ،من
ورثة أساتذة جامعة القرويين و قرطبة فال يضرهم القمع و االقصاء و ال يرهبهم التجويع و غيره مما هو أشد
منه.
للعلم فإنه تم بهذه الوثيقة االتفاق بين الملك محمد الخامس و الشعب المغربي على إنهاء نظام حكم السلطان
المطلق للدولة العلوية الشريفة ،و استبداله بنظام الحكم الملكي البرلماني لدولة الشعب المغربي اإلسالمية
الديمقراطية و االجتماعية .ذلك هو حق الشعب المغربي الذي دونه المهج و األموال و األعراض ،و الذي بات
بحمد هللا محل القضية الدستورية المركزية في زمان الربيع السياسي ،حيث جدد الحراثون مطالبتهم به؛ و ما
ضاع حق وراءه طالب.
إن شاء هللا ،لن يضيع حق الشعب المغربي في أن تكون له دولة قانون مقدس ،يجعل حقوق االنسان مقدسة،
و يسمو بها على قوة رجال الدولة و العميقة و نسائها ،فيسويهم بالحراثين في فرص التوظف كما التجارة و
كذلك الحقوق و الواجبات ،مع المسؤولية الجنائية عن االفعال اإلجرامية.
من حق الشعب المغربي كما اتفق على ذلك مع المغفور له بإذن هللا محمد الخامس ،أن يكون قانونه العادي
ديمقراطيا صادرا بطريق الشورى عن جماعة األمة بكل مكوناتها رجاال و نساء ،شرفاء و حراثين ،بدوا و
حضرا ،مثقفين و أميين ،أبرارا و فجارا ،مسلمين و يهودا و مسيحيين؛ و أن يكون نظام الحقوق السياسية و
المدنية اجتماعيا ،ليس مخزنيا و ال سوقيا .فمعنى النظام االجتماعي هو أال يكون البديل فيه عن الدولة الراعية
هو السوق الحرة ،و إنما المجتمع المهيكل في شكل أسر و جماعات محلية و ملل دينية و جمعيات مدنية ،مع
المساجد و البيع و الكنائس و بيت المال إن شاء هللا .فال يتدخل المخزن في شؤون الناس إال للضرورة ،عكس
ما عليه الحال في األنظمة الشمولية ،و في الوقت نفسه ،ال يترك لهم القانون الحبل على الغارب عكس ما هو
عليه وضعهم في األنظمة اللبرالية.
من حق أبناء الشعب المغربي جميعا أن يعلموا أنه بموجب القانون المؤسس لدولة المملكة المغربية ،ليس
الدستور المغربي سوى قانون عادي ،يفترض أن يتحرر من سيطرة الدولة العميقة ،ليصدر بأمر األمة الشوري
عن طريق األغلبية ،بحيث ال يمكن تعليقه و ال تعديله أو إلغاؤه إال بنفس الطريقة.
ذلك هو حلم المغاربة الذي يزعج المولويين و المسترومة معا .فرغم ضخامة أموال التي أنفقت سدى بحمد
هللا ،لم تتمكن الدولة العميقة من تخطي القانون المؤسس لألمة المغربية ،و لم تقدر على استبداله بقانونها
الدستوري الذي أرادته مدخال لألخذ بالقانون الدولي الرومي تحت ذريعة المرجعية الدولية.
ب :المرجعية الدولية للدستور
تذكير القوم بطبيعة القانون الدستوري المغربي يجعل مفهوم المرجعية الدولية مختلف تماما عما يهرف به
المسترومة بتواطؤ من المولويين.
فااللتزام الدستوري للمملكة المغربية بالشريعة اإلسالمية على اعتبار أنها القانون المؤسس لألمة المغربية،
مؤكد بطريقة مباشرة على مستوى القانون الداخلي و القانون الدولي كذلك.
ذلك واضح على مستوى القانون الداخلي بالنظر لاللتزامات الدستورية لملك البالد بصفته أميرا للمؤمنين.
ملك البالد الموقر ،هو رئيس الدولة في المملكة المغربية الواجب عليه تنفيذ أحكام الفصل األول من الدستور ،و
التي جاءت مؤكدة لما تم النص عليه في الديباجة من صفة إسالمية للمملكة المغربية.
مقتضى الصفة اإلسالمية للمملكة المغربية كما هي مقصودة في نص وثيقة المطالبة باالستقالل و مؤكدة في
الدساتير الصادرة بناء عليها ،أن تكون الشريعة اإلسالمية هي القانون المؤسس لنظام حقوقي و سياسي،
ديمقراطي-اجتماعي ،و ليس مجرد حالة روحية شخصية كما يدعي المسترومة .و مفاد ذلك من وجهة نظر علم
القانون أن يتم العمل بأحكام الشريعة االسالمية كما هي مبينة وفق الفهم الراشد ألحكام الفقه و السياسة الشرعية
كما يعرفها الشعب المغربي تاريخيا .و بالفعل ،يتبين بوضوح من مختلف الظهائر الملكية الشريفة ،الصادرة في
21
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ظل نظام المملكة المغربية أن الفهم الراشد ألحكام الشريعة اإلسالمية كما تريده الوثيقة المؤسسة للملكة
المغربية مقيد بأصول المذهب المالكي.
يمكن القول بالتالي أن أحكام الشريعة اإلسالمية وفق الفهم الراشد تبعا ألصول المذهب المالكي هي القانون
األكثر سموا في المملك ة المغربية ،و هي تمثل القانون المقدس الصادر بطريق اإلجماع الحقيقي من طرف أمة
المملكة المغربية كما سبق بيانه.
أما على مستوى القانون الدولي ،فالتزام المملكة المغربية بالشريعة االسالمية كمرجعية دولية لدستورها
مؤكد من عضويتها في المجتمع الدولي اإلسالمي كما هو منتظم في منظمة التعاون اإلسالمي .فالمغرب عضو
نشيط في هذه المنظمة الجامعة لدول العالم اإلسالمي و البالغ عدد أعضائها سبع و خمسين دولة .يتعلق األمر
بمنظمة عالمية تملك حق نقض قرارات غيرها من المنظمات الدولية عمال بحق الظفر في ساحة األمم .و للعلم
فقد باتت هذه الساحة محل صراع حضارة بين الروم و أهل اإلسالم تستعمل فيه منظمة األمم المتحدة من طرف
أالئك ،و منظمة التعاون اإلسالمي من طرف هؤالء.
على ضوء هذه الحقيقة يتحدد معنى المرجعية الدولية في القانون المغربي كما هي منصوص عليها في
ديباجة دستور 2311التي جاء فيها ( :و إدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية ،ف إن
المملكة المغربية ،العضو العامل النشيط في هذه المنظمات ،تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها ،من مبادئ وحقوق
وواجبات ،وتؤكد تشبثها بحقوق اإلنسان ،كما هي متعارف عليها عالميا).
فالعالم مكون من مجتمعين دوليين أحدهما للدول الرومية و المسترومة ،و اآلخر لدول األمة اإلسالمية .و
بحكم القانون المؤسس للمملكة المغربية ،تجد السلطات المغربية نفسها ملتزمة بتقديم إرادة مجتمع دول األمة
اإلسالمية على إرادة دول الروم و المسترومة عند االختالف حول ما هو متعارف عليه عالميا.
فمتى تعارضت إرادة هذين المجتمعين الدوليين حول أي مبدأ أو حق أو واجب إنساني ،وجب اتباع إرادة
المجتمع الدولي اإلسالمي بدل إرادة المجتمع الدولي الرومي و المستروم.
بالفعل ،يترتب عن العضوية في منظمة التعاون اإلسالمي امتالك جماعي من طرف الدول األعضاء لحق
ن قض كل ما يمكن للمجتمع العالمي تبنيه من قوانين دولية مخالفة للشريعة االسالمية .يصدق ذلك على قرارات
كل المنظمات الدولية الرومية و المسترومة ،مثل جامعة الدول العربية ،و منظمة االتحاد اإلفريقي ،و منظمة
االتحاد األوروبي ،و منظمة األمم المتحدة.
صحيح أن مجلس القم ة لمنظمة التعاون اإلسالمي لم يجرؤ بعد على الصدع بنية امتالكه حق نقض كل قرار
دولي ،لكن كل تحفظ بقرار صريح من مجلس القمة ،أو ضمني عبر ميثاق منظمة التعاون اإلسالمي ،هو بمثابة
استعمال لحق النقض.
بناء على ذلك ،و رغم أنف جامعة الدول العربية مع منظمة االتحاد اإلفريقي ،ليست المملكة المغربية
ملتزمة دوليا بالتعامل مثال بمبدأ الحدود الموروثة عن االستعمار .و رغم أنف منظمة األمم المتحدة ،ليست
المملكة المغربية ملتزمة باالعتراف بدولة اسرائيل ،و ال بحق الشواذ في الزواج المثلي ،و ال بالحق في الزواج
المختلط بين أتباع الديانات المختلفة ،و ال بحق االنفصال السياسي بذريعة حق تقرير المصير.
تلك حقيقة قانونية يجب استحضارها في األذهان عند تصور النظام الدستوري للمملكة المغربية و محاولة
فهم الخصومة السياسية بين القوى المتواجدة في ساحة األمة المغربية .فالمسترومة من علمانيي اليمين كما
اليسار من أبناء جلدتنا ،حراثين و شرفاء ،يحاولون القفز على حقيقة الصفة اإلسالمية للمملكة المغربية ضدا
على إجماع األمة الحقيقي .و يحاول المولويون من جهتهم القفز على الصفة الديمقراطية و االجتماعية للمملكة
ضدا على إرادة الحراثين .أما الراشديون من الشرفاء و الحراثين ،فيناضلون سلميا من أجل تقديس حقوق
االنسان و تحقيق المساواة في الحقوق و الواجبات لوضع حد الستضعاف االنسان المغربي.
الفرع الثاني :خطورة قضية طبيعة الدستور
تكمن خطورة القضية الوطنية الدستورية في ارتباطها باستقرار الوضع األمني لألمة المغربية خالل هذه
المرحلة العصيبة من زمان الربيع اإلسالمي .فالقول أن الدستور هو القانون األسمى بدل القانون المقدس يعطي
للمتربصين بأمن األمة فرصة تجنيد كثير من األبرياء المغفلين من الغيورين على دين األمة ،الستعمالهم في
إحداث الفتنة بذريعة الخروج الواجب من سلطان المخزن بسبب كفره البواح.
من حق علماء القانون الدستوري المحترمين من المسترومة كما المولويين أن يعلموا أنه وفقا ألحكام الفقه
الدستوري المالكي ،يحق لجماعة األمة الخروج من سلطان كل حاكم يتسلط عليها بغير مقتضى أحكام التأمر
التي من اساسياتها التعاقد الرضائي مع الجماعة .فمن تأمر بالتعاقد الرضائي سيرا على سنة رسول هللا و
الخلفاء الراشدين وجبت له الطاعة و لو كان عبدا حبشيا ،علما أنه ال تشتد وطأة الحاكم شرعا و ال تجب له
الطاعة إال إذا تأمر بالتعاقد الرضائي .فمن تسلط على الجماعة كرها ،وجبت مقاومته بكل الطرق و الوسائل
المشروعة مهما اشتدت وطأته فعال.
22
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
باإلضافة لذلك ،تفسح أحكام الفقه الدستوري المالكي لجماعة األمة المجال الشرعي لتحتفظ بحق الخروج
بطريق التراضي أيضا من سلطان الحاكم الذي تأمر عليها بإرادتها ،و بطريق الثورة متى ظهر منه كفر بواح.
و تختلف صيغة البيعة الرضائية لمطلق الحاكم من طرف السواد األعظم عنها بالنسبة لمن يتولى مهام
رئاسة الملة مجتمعة كانت مع مهام الرئاسة السياسية لألمة أم منفصلة عنها.
صيغة البيعة المالكية لحاكم الألمة بمختلف مللها هي قول السواد األعظم نعم بما يفيد معنى السمع و الطاعة،
و بأي شكل كان ،بما في ذلك عن طريق االقتراع في صناديق االنتخابات .أما صيغة البيعة لرئيس الملة
المسمى عرفا عند جمهور علماء المذهب المالكي بأمير المؤمنين ،فهي محصورة على هؤالء دون عموم
الجماعة ،و نصها قولهم ( نبايع ف النا على السمع و الطاعة في المنشط و المكره و في العسر و اليسر و أال ننازع األمر
أهله إال أن نرى كفرا بواحا).
من المعلوم أنه طبقا ألحكام الفقه الدستوري المالكي ،و عمال بنص وثيقة المطالبة باالستقالل لسنة ،1311
تخلى محمد الخامس رحمه هللا على صفة السلطان العلوي طواعية ،مع ما تخوله من سلطات مطلقة ليتخذ صفة
ملك المملكة المغربية ذي السلطات المقيدة بأحكام النظام الشوري من جهة ،و بمهام رئاسة الملة من جهة
أخرى.
بدال من السلطان الذي كان يجمع بين سلطات رئاسة األمة مطلقة مع سلطات رئاسة الملة مطلقة كذلك،
استنادا إلى حق إلهي في الحكم زعمه معاوية ابن أبي سفيان لينقلب به على الراشدين ،صار ملك المغرب
يراس األمة سياسيا في ظل نظام ملكي برلماني بصفة رئيس الملة من دون سلطات سياسية و ال دينية مطلقة.
طبقا ألحكام الفقه الدستوري المالكي تخول صفة رئيس الملة للملك في ظل النظام الملكي البرلماني و هو
المسمى في االصطالح الفقهي شوريا ،صفة المحتسب العام لألمة و ليس الحاكم المطلق عكس النظام
السلطاني ،أو الحاكم المقيد السلطات كما في النموذج الملكي الدستوري .و تتمثل الصالحيات الدستورية
للمحتسب العام لألمة بصفته ملكا في مراقبة مشروعية أعمال السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية انطالقا
من منصب رئاسة الدولة .فالملك ال يمارس تلك السلطات لكنه يراقب مشروعية أعمال من يمارسونها بشكل
منفصل و مستقل عنه ،بمعنى أنه يسهر على مطابقها للشرع كما سنرى الحقا.
مفاد ذلك أن الملك ضامن لبقاء المخزن على دين اإلسالم و تنفيذه لشرع هللا؛ و أنه ال يعتلي العرش ببيعة رؤوس
القبيلة العلوية كما ف ي السابق ،و ال حتى ببيعة نواب الشعب ،و إنما ببيعة ممثلي جمهور العلماء المالكيين لمن
يثبت له حق إرث منصب الملك طبقا للدستور بصفته رئيس الملة ،علما أن الفصل 13من دستور 23يوليو
2311يقضي بأن ( :عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتق ل بالوراثة إلى الولد الذكر األكبر سنا من ذرية جاللة
الملك محمد السادس ،ثم إلى ابنه األكبر سنا وهكذا ما تعاقبوا ،ما عدا إذا عين الملك قيد حياته خلف ا له ولدا آخر من
الملك ينتق ل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور،
أبنائه غير الولد األكبر سنا ،ف إن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك ،ف ُ
ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر).
من جهة أخرى ،جرى العرف الدستوري عند جمهور العلماء المالكيين في المغرب و إفريقيا جنوب
الصحراء على عقد بيعة رئاسة الملة لمن يعتلي عرش المغرب دون منازع.
غير أن ذلك ال يضمن استمرار جمهور العلماء هؤالء في االلتزام بالبيعة إال على الشرط الوارد في نصها
و هو عدم الكفر البواح .و يحدث الكفر البواح الذي يترتب عنه فسخ عقد البيعة الرضائية من طرف جمهور
علماء المالكية في ست حاالت حسب أحكام الفقه الدستوري المالكي .أولها أن يرتد الشخص المنصب رئيسا
للملة عن اإلسالم ،أو يسكت عن إسراف المخزن في القتل ،أو عن تعطيل المخزن للعمل بشرع هللا رغم بقائه
على دين اإلسالم ،أو عن استعانة المخزن على المسلمين بالكفار ،أو أن يفرق جماعة أمتهم ،أو يمنعهم من
االجتماع إن كانوا متفرقين من قبل.
فمن ادعى بأن الدستور المغربي هو القانون األسمى بدل الشريعة اإلسالمية يكون قد نسب الكفر البواح من
هذا الباب للمخزن الموقر ،و دعا إلى الفتنة .و الحال أنه وفقا للمشاهدات ليس من سبيل لتصحيح هكذا ادعاء.
فالدستور المغربي ينص صراحة على التزام األمة بشرع هللا باعتباره القانون المؤسس ،و المخزن الموقر
ملتزم دستوريا بهذا القانون ،كما أنه ملتزم بإرادة مجتمع دول دار اإلسالم كمرجعية دولية عند االختالف مع
إرادة المجتمع الدولي الرومي و المستروم ،و ملتزم بالعمل على توحيد جماعة أمة المسلمين و عدم نصرة
الكفار عليهم .يشهد الواقع كذلك على حرص المخزن تجنب أعمال اإلسراف في القتل عند التعامل مع
المعارضين خالل الفتن الداخلية ،و في التعامل مع أعداء الوطن خالل الحروب الدولية.
كفر المخزن بسبب ردة الحاكم ،أو تعطيل شرع هللا ،أو االستعانة على المسلمين بالكفار ،أو تفريق جماعة
األمة ،أو اإلسراف في القتل ،ليست بالتالي قضايا سياسية قابلة للطرح.
تلك حقيقة ليس من مصلحة األمة التعتيم عليها ،بل إنه منعا للفتنة ،يجب على العلماء التصريح في كل
المنابر اإلعالمية و العلمية كما الدينية بأنه ال يجوز شرعا ألي مغربي مسلم أن يتحلل من بيعة جمهور علماء
23
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المالكية ل ملك البالد الموقر ،و الذي هو رئيس الملة بصفته أمير المؤمنين .و بنتيجة ذلك ،فإنه ال يحق شرعا
ألي مغربي مسلم أن يبايع على اإلمارة و ال اإلمامة أميرا أو إماما آخر؛ و األهم منه أنه ال يجوز شرعا ألي
مغربي عصيان أي نص قانوني من نصوص القانون المغربي الوضعي بذريعة أنه قانون كافر صادر عن
مخزن كافر.
ال سبيل لقياس وضع المخزن المغربي على وضع أنظمة الحكم التي أقامها الطابور الخامس من المسترومة
في كثير من بلدان دار اإلسالم .فرغم عضوية هذه الدول في منظمة التعاون اإلسالمي ،و اعالنها أن االسالم
دين الدولة ،إال أنها غير ملتزمة دستوريا بتطبيق شرع هللا النتفاء مؤسسة الرقابة على شرعية القانون فيها.
تلك دول تتخذ اإلسالم دينا رسميا لتحتفل بأعياده ،و تسمح بممارسة شعائره ،و ليس لتلتزم بالشريعة كقانون
مؤسس .فهي ال تستنكف عن االسراف في القتل و عن تفريق جماعة األمة بمساندة المطالب االنفصالية ،كما
أنها تتعاون سرا و علنا مع آل الدجال من الروم على المسلمين؛ بل إن المتعيشين فيها ال يتركون فرصة في
وسائل اإلعالم و ال في منابر العلم التي سيطروا عليها بالقوة ،للتصريح علنا بأن الدعوة لتطبيق الشريعة
اإلسالمية دعوة صادرة من قوى الظالمية و اإلرهاب.
تلك االتهامات الباطلة ال يجب أن تصرف النظر عن حقيقية أن غياب رئاسة الملة المسلمة في إياالت هكذا
دول يحدث فراغا شرعيا ينشأ من جرائه فرض عين على كل مسلم للمبادرة إلى عقد بيعة لخليفة مسلم ،سواء
داخل اإليالة أو خارجها ،حتى ال يموت ميتة جاهلية .و ذلك هو مربط الفرس ،لكونه سبب االضطراب الحاصل
داخل معظم الدول المسترومة في دار اإلسالم.
أما في المملكة المغربية ،فبحمد هللا و منته ،و بفضل حنكة العلماء و نضج الشعب المغربي ،ليس لهكذا
فراغ وجود.
ذلك أنه برغم االستعمار الرومي و حقد مسترومة العرب الذين جندوا خالل أزيد من نصف قرن أنظمة
العسكر إلجهاض الموجة األولى من ثورة الشعوب المسلمة ضد الوصاية المولوية في إطار حركات االستقالل
الوطني؛ و برغم ما يقوم به مولوية العرب حاليا من تجنيد المتعيشين من أنظمة العسكر و من األحزاب
السياسية المسترومة إلجهاض الموجة الثانية لثورة التحرر من نفس الوصاية المولوية في إطار ما يسمى الربيع
العربي ،تمكن علماء األمة المغربية أعزهم هللا سبحانه و تعالى ،من إرغام المخزن على حفظ مؤسسة إمارة
المؤمنين و تقنين مهامها في الدستو ر بما يفتح الباب إللغاء الوصاية المولوية تدريجيا .فليس على المسلم
المغربي خلع البيعة المعقودة لرئيس الملة في غياب ظهور الكفر البواح من هذا األخير أو من المخزن.
غير أن الطاعة الواجبة لرئيس الملة المسلمة في إيالة المغرب مع واجب احترام القانون الصادر عن
المخز ن الموقر ،ال تمنع من بدل الجهد و التعاون من أجل مزيد من اإلصالحات؛ الشيء الذي يترتب عنه
اختالف طبيعي في االجتهادات و وجهات النظر ،بما في ذلك حول دستورية القانون .فاإلجماع على شرعية
النظام القانوني المغربي ،ال يمنع الخالف حول دستورية القانون العادي الذي هو القانون الموضوع بأمر األمة
الديموقراطي ،و الذي يشترك الراشديون على مضض مع المولويين و المسترومة المغاربة في إصداره.
يتعلق األمر بخالف ممكن حول الدستورية على مستويين؛ يحدث في أولهما اختالف بين الراشديين من جهة
و بين المسترومة و المولويين حول دستورية القانون العادي وفق القانون المقدس .و في المستوى الثاني يحدث
اختالف بين كل األطراف حول دستورية أحكام باقي القوانين العادية وفق الدستور.
فائدة التصور الصحيح لحقيقة النظام الدستوري للمملكة المغربية ال تتوقف عند حدود الفهم الصحيح لرهان
الخصومة السياسية التي نشاهدها صباح مساء في ساحة األمة ،و التي منها ساحة الجامعة ،بل تمتد إلى
الخصومات الدستورية الممكنة في ساحة القضاء المغربي قصد استيعاب مراد المغاربة من قولهم أن لديهم دولة
للقانون و الحق ،و ليست دولة القانون وحده و ال دولة الحق وحده كذلك.
المطلب الثاني :موضوع الخصومات الدستورية
يتحدد موضوع الخصومات الدستورية بالنظر لصالحيات المحكمة الدستورية و ليس إلى الطبيعة الدستورية
للنزاعات .و بناء على ذلك فإنه ليس من الخصومة الدستورية في شيء ما لم يجعله الدستور من اختصاصها
الذي ينحصر في حدود مراقبة الشرعية الدستورية.
ال مجال با لتالي لالستمساك بالمحكمة الدستورية من أجل النظر في مدى مشروعية القانون علما أن
المشروعية تعني مطابقته للحق في حين تعني الشرعية مطابقة القانون لقانون أعلى منه درجة.
يعد من قبيل مراقبة الشرعية الدستورية بحكم ذلك النظر في مدى مطابقة القانون الصادر عن البرلمان
للدستور ،في حين أن مراقبة المشروعية تقتضي النظر في مدى مطابقة القانون للحق باعتباره الحقيقة كما هي
مؤكدة باإلجماع الحقيقي.
الفرع األول :صالحيات المحكمة الدستورية
طبقا ألحكام الفصول 131 ،133 ،132من الدستور ،و كذلك أحكام ظهير رقم 1.11.133الصادر في 11
شوال 1139الموافق 13أغسطس 2311بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 311.13المتعلق بالمحكمة الدستورية
ينحصر موضوع الخصومات الدستورية فيما هو مخصص لنظر المحكمة الدستورية .و تختص هذه األخيرة
24
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
دون سواها بالنظر في قضايا الطعن لسبب عدم شرعية نتائج االنتخابات و نتائج التصويت على القوانين داخل
البرلمان قبل صدور األمر بتنفيذها ،و كذلك لسبب عدم الشورى في القوانين التي صدر األمر بتنفيذها.
فتبعا لصالحيات المحكمة الدستورية تختلف مراقبة الشرعية الدستورية في حالة مشروع القانون بالمعنى
الضيق للكلمة عنها في حالة قواعد القانون بالمعنى الواسع للكلمة.
تنعقد الصالحية بقوة القانون للمحكمة الدستورية للنظر في دستورية القوانين التنظيمية ،و كذلك األنظمة
الداخلية لغرفتي البرلمان .و بطلب من الملك ،أو رئيس الحكومة ،أو رئيس مجلس النواب ،أو رئيس مجلس
المستشارين ،أو جمع يمثل خمس أعضاء مجلس النواب على األقل ،أو مكون من أربعين عضوا على األقل من
أعضاء مجلس المستشارين ،تنظر نفس المحكمة كذلك في دستورية القوانين قبل إصدار األمر بتنفيذها.
تبت المحكمة كذلك بطلب من كل ذي مصلحة في صحة انتخاب أعضاء البرلمان و عمليات االستفتاء.
و يبقى أهم اختصاص يعد بمثابة إصالح راشدي ثوري ،ذلك المنصوص عليه في الفصل 133من
الدستور ،و المتعلق بصالحية النظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في نازلة أو قضية
معروضة على نظر محكمة أخرى من محكاكم المملكة ،متى دفع أحد أطراف الخصومة القضائية بأن القانون
الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق و بالحريات التي يضمنها الدستور .في هذا الصدد يقضي الفصل 133
المذكور أنه ( :تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية ق انون ،أثير أثناء النظر في
قضية ،وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن الق انون ،الذي سيطبق في النزاع ،يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها
الدستور .يحدد ق انون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل).
و يضيف الفصل 131على ذلك بالقول أنه ( :ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ مقتضى تم التصريح بعدم
دستوريته على أساس الفصل 321من هذا الدستور ،وال تطبيقه ،وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته
على أساس الفصل 311من الدستور ،ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها .ال تقبل
قرارات المحكمة الدستورية أي طريق من طرق الطعن ،وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات اإلدارية والقضائية).
بداية يجب التذكير بأن الفصل 133المذكور أعاله ينص في خاتمته أنه ( يحدد ق انون تنظيمي شروط
وإجراءات تطبيق هذا الفصل) ،غير أن هذا القانون لم يصدر بعد منذ .2311فما لم يكن األمر سرابا يحاول
الوصائيون من المسترومة و المولويين جعل الحراثين يركضون خلفه ،يمكن تصور ما سيكون عليه الحال إن
شاء هللا تعالى بعد صدور هذا القانون التنظيمي؛ و مهما تأخر مجيء الخير فإنه سينفع كما يقول المثل الشعبي.
و حيث أن الفصل 133المذكور لم يحصر حق المتقاضين في الدفع بعدم الدستورية أمام محاكم معينة و ال
في قضايا معينة ،فإنه لن يكون من حق واضعي القانون التنظيمي لشروط و إجراءات تطبيق الفصل 133
مكرر ،سلطة إقصاء المتخاصمين من االستفادة منه أمام أي محكمة ،بما في ذلك المحكمة الدستورية.
بمناسبة الخصومة مثال حول صحة عملية انتخاب أعضاء البرلمان أو عملية استفتاء ،يمكن لكل ذي مصلحة
مثال أن يدفع بعدم دستورية القانون المنظم لالنتخاب أو االستفتاء بذريعة أنه يمس بالحقوق و الحريات التي
يضمنها الدستور .يجوز مثل ذلك لكل ذي مصلحة أمام القضاء المدني و الجنائي في المحاكم االبتدائية ،و كذلك
أمام المحاكم التجارية و اإلدارية و المالية و الحربية.
بل إنه يجب أن نتوقع الدفع بعدم دستورية المحكمة الدستورية ذاتها .فهذه األخيرة كما سبقت اإلشارة إليه
استثنائية و ليست عادية ،بحكم أن القضاة الجالسين فيها للحكم سياسيون بالشهرة و االنتخاب و ليسوا من رجال
و نساء سلك القضاة المستقلين.
أول اشكالية حول موضوع المحاكمات الدستورية هي المحكمة الدستورية ذاتها ،ألنها غير دستورية طبقا
للفصل 129من دستور 23يوليو 2311القاضي بأنه:
(تُحدث المحاكم العادية والمتخصصة بمقتضى الق انون .ال يمكن إحداث محاكم استثنائية).
صحيح أن المحكمة الدستورية محدَثةٌ بالدستور و ليس بالقانون الصادر عن البرلمان كما هو مقصود في
الفصل 129أعاله ،لكن الدستور ذاته كما سبق ذكره مجرد قانون عادي قابل للطعن بعدم الدستورية وفقا
للفصل 133القاضي بأنه (تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية ق انون) حيث
جاءت كلمة قانون فيها بصيغة النكرة و ليس المعرف كما في الفصل .129
يجب االعتراف بأن تشكيلة هيئة الحكم في المحكمة الدستورية كما هي مرتبة حاليا ال تؤهل هذه األخيرة
للنظر في قضايا الدفع بعد الدستورية .فالجالسون فيها شخصيات سياسية اشتهرت من جراء ممارسة الدعم أو
المعارضة أو بالفوز في االنتخابات البرلمانية ،و ليس بالتحصيل العلمي و التكوين المهني المطلوبين في هكذا
موقع.
25
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بالفعل ،تقتضي صالحية المحكمة للنظر في الدفع بعدم دستورية القانون لمساسه بالحقوق و الحريات التي
يضمنها الدستور ،علم قضاة المحكمة بهذه الحقوق .يتعلق األمر طبقا لديباجة الدستور بحقوق االنسان و
واجباته كما هي مسطرة في قانون حضارة األمة و كما هي متعارف عليها عالميا ،أي وفقا للمرجعية الدولية
كما يحلو للمسترومة القول دون إدراك معنى ذلك.
دون رغبة في تكرار ما سبق ذكره ،نظيف فقط أنه من حق أعضاء المحكمة الدستورية أن يعلموا بأن
المرجعية الدولية ال تلغي سيادة األمة ،و أنها ال تعفي من صراع الحضارات .فإرادة المجتمع الدولي اإلسالمي
ممثال بمنظمة التعاون اإلسالمي و المدافع عن الحضارة اإلسالمية ،متساوية مع إرادة المجتمع الدولي الرومي
و المستروم التي تصارع حضارة اإلسالم في األمم المتحدة و في غيرها من المنظمات الدولية .و قد سبق أن
ذكرنا أن مجرد التحفظ على أي قاعدة من قواعد القانون الدولي يعد استعماال لحق النقض بقوة إرادة المجتمع
الدولي اإلسالمي.
من الحقوق المزعومة التي تم استعمال حق النقض الدولي ضدها من طرف المجتمع الدولي اإلسالمي مثال
ما يزعمه الروم من حق استعمار أوطان الغير بذريعة العودة إلى وطن األسالف أو األرض الموعودة في
معتقد ديني ،و كذلك حق الشواذ في الزواج المثلي ،و حق الزانيات في اإلجهاض للتخلص مما اكتسبت
فروجهن بالحرام ،و حق القتلة في اإلفالت من القصاص ،و حق االنفصال بذريعة تقرير مصير الشعوب ،و
حق العاقين و الناشزات في قتل المرضى و العجزة بدعوى الرحمة ،و حق الفجار في الزنى و اللواط بدعوى
الحرية الجنسية ،و حق المخرجين السينمائيين في إنتاج أفالم الخالعة ،و حق الصحفيين في الرستاق ،و غير
ذلك من الموبقات الرومية.
على السادة أعضاء المحكمة الدستورية خاصة المنتخبين من طرف البرلمان ممن قد يميل إلى هكذا
طروحات ألغراض انتخابية أو ألجر مدفوع ،أن يدركوا أن الدفاع عن هكذا موبقات للقول بعدم دستورية
القوانين المانعة لها ينطوي على تجاوز منهم لصالحيات المحكمة .فالفصل في مدى مطابقة القانون الداخلي
للمتعارف عليه عالميا من قانون الحضارة االنسانية مهمة خص بها دستور النظام الملكي البرلماني محتسب
األمة العام الذي هو جاللة الملك .فالملك بصفته أمير المؤمنين هو المخول وحده للنظر في مدى مطابقة القانون
الداخلي ألحكام قانون الحضارة اإلنساني المتعارف عليه عالميا وفقا للمرجعية الدولية كما هي محددة في
الدستور و كما سبق شرح معناها.
عليهم أن يعلموا بأنه ايس من حق المحكمة الدستورية منازعة المؤسسة الملكية في صالحية مراقبة
مشروعية القوانين.
يجب االنتباه بالفعل إلى أن ترتيب الصالحيات في النظام الملكي البرلماني المعمول به في المغرب يمنع
ترامي أي مؤسسة على المجال المخصص لغيرها.
الفرع الثاني :ترتيب الصالحيات الدستورية
بغض النظر عن أنظمة االستبداد السلطانية و اإلمامية ،ال يكون بين المؤسسات الدستورية في ظل نظام
األنظمة البرلمانية و المسماة شورية ،تنازع ممكن في االختصاص و إنما تداخل في الصالحيات .فالمؤسسات
الدستورية في ظل هكذا نظام تكون منفصلة عن بعضها البعض لكل صالحيات يستقل بها عن غيره .من ذلك
أن البرلمان أو مجلس الجماعة مختص في التشريع ،و تختص الحكومة أو مجلس اإلمارة في التنفيذ ،بينما
يختص القضاء بالحكم ،و يفترض أن يختص محتسب عام لألمة في مراقبة مشروعية كل ذلك طبقا لقانون
الحضارة.
غير أنه باإلمكان حدوث تداخل صالحية التشريع بين الحكومة و البرلمان في النظام البرلماني ،أو البرلمان
و رئاسة الدولة ،جمهورية كانت او ملكية ،في النظام الرئاسي .و في األنظمة الدستورية جميعا يحدث تداخل
بين صالحيات الحكم و مراقبة المشروعية بين رئاسة السلطة التنفيذية و سلطة القضاء من جهة و سلطة الحسبة
العامة من جهة أخرى.
فرئيس السلطة التنفيذية في األنظمة الجمهورية كما الملكية يمارس صالحية القضاء قطعا في الحكم على
المتهمين باستعمال حق العفو على المحكوم عليهم بعقوبات جنائية متراميا بذلك على صالحيات القضاء في
الحكم ،كما يترامى على صالحيات المحتسب العام عند إصدار األمر بتنفيذ القانون أو رفض إصدار هكذا أمر.
بل إنه حتى المحكمة الدستورية تترامى على صالحيات المحتسب العام بمناسبة مراقبة دستورية القوانين في
ظل األنظمة التي ال تضع حدا بين صالحيات المؤسستين.
و ألجل تفادي الفوضى في عمل المؤسسات الدستورية ،اقتضت موجبات الحضارة العمل بترتيبات
دستورية في هذا الشأن تمخض عنها أنظمة دستورية مختلفة ،منها البرلماني و الرئاسي و المختلط؛ يهمنا أن
نتعرف على المتعلق منها بالنظام الملكي البرلماني كما هو مطلوب في القانون المؤسس لدولة المملكة المغربية.
صحيح أن هذه الدراسة تخرج عن موضوع مادة المسطرة المدنية ،غير أنه بسبب التعتيم المتعمد من طرف
األحزاب و الزوايا الدينية المسيطرة مع شديد األسف على الكراسي الجامعية حيث يعمدون لحجب كثير من
26
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الحقائق الدستورية ذاة الصلة بموضوع الدفع بعدم دستورية القانون أمام محاكم الحق العام ،فإننا نجد أنفسنا
مضطرين لتناول الموضوع بشيء من التفصيل.
بداية يجب لفت انتباه السادة المسترومة من العلماء المتخصصين في دراسة القانون الدستوري و المؤسسات
السياسية إلى الفارق الموجود بين النظام الملكي البرلماني عند أهل اإلسالم ،و بين نظيره الرومي؛ و من جهة
أخرى تذكير العلماء المولويين بالفارق بين صالحية تمثيل اإلجماع الحقيقي لألمة و صالحية تمثيل إجماعها
الحكمي.
المطلب الثالث :أنواع النظام الملكي البرلماني
تولد عن شيوع النوع الرموزي من نظام الحكم الملكي البرلماني عند الروم ،قناعة خاطئة لدى المسترمة بأن
النظام الملكي البرلماني يجب أن يكون رموزيا بقوة القانون الطبيعي .و الحال أن النظام الملكي البرلماني يمكن
أن يكون نظام حسبة ملكية عامة كما هو الشأن في حضارة أهل اإلسالم.
الفرع األول :النظام الملكي الرموزي
تقتضي أكثر نماذج النظام العام شيوعا في العالم الرومي و المستروم ،و التي تتبع كلها النظام البروتستنتي،
بأن يكون نظام الحكم رموزيا يتولى فيه الملك مهمة رئاسة الدولة شكليا دون امتالك سلطة الحكم .و للعلم فقد تم
التأسيس لهكذا نوع من النظام الملكي من طرف قياصرة ألمانيا في القرن السابع عشر الميالدي ،و أخذه عنهم
ملوك بريطانيا في القرن التاسع عشر لينتشر بعد ذلك خالل القرن العشرين عند الروم في ممالك هولندا و
الدنمرك و السويد و بلجيكا و إسبانيا ،و كذلك عند المسترومة من غير المسلمين في اليابان و تايالند .و هو
نفسه النظام الملكي الذي يتوق مسترومة المسلمين من المل كيين لألخذ به في المغرب و األردن و السعودية و
قطر و البحرين و الكويت و سلطنة عمان و اإلمارات العربية المتحدة مع سلطنة بروناي.
تأسست الطبيعة الرموزية للنظام الملكي حسب علماء الروم من األلمان البروتستانتيين على طبيعة الحق
ال َملكي ذاته ،باعتباره حق ِملكية إلهية مفوضة من هللا إلى القيصر ،تنتقل من الخلف للسلف بالميراث .ذلك أنه
في غياب قانون مؤسس لألنظمة الحقوقية الرومية ،تم االعتماد على مبادئ القانون المشترك لحق ِملكية األشياء
ك رومي ،يعتبر عَا ِهالً يَ ْملِكالعينية في التعامل مع شكل نظام الحكم ال َملكي .فالقيصر األلماني و مثله كل َملِ ٍ
بصفته تلك الدولة بتفويض من هللا ،و يحوز حق التصرف و االنتفاع بما ،و فيما فيها ،من شعب و تراب وطني
و سلطة عمومية .و كما أنه يجوز لمالك العين االكتفاء بالرقبة و التنازل عن المنفعة ،فقد أجازت علماء الروم
لملوكهم حق االكتفاء بملكية رقب ة الدولة و ترك حق االنتفاع بها في مرحلة الحداثة للشعب ،و لألمة في مرحلة
ما بعد الحداثة.
ألجل ذلك يتولى الشعب أو األمة ،حسب األحوال ،ممارسة كل الصالحيات الدستورية للتشريع و التنفيذ و
القضاء ،باعتماد الشرعية الديمقراطية ،و ال يراقب الملك شيئا من مشروعية ذلك كله.
طبيعي أال يكون بالتالي تداخل ممكن في الصالحيات بين العاهل و بين أي مؤسسة دستورية في النظام
الملكي البرلماني .ففي هذا األخير تتولى رئاسة الحكومة مهمة إصدار األمر بتنفيذ القانون الصادر عن
البرلمان ،و تتولى المحكمة الدستورية أو محكمة عليا أو حتى سائر المحاكم كما هو الشأن في بريطانيا مهمة
مراقبة دستورية كل القوانين و القرارات دون تدخل من الملك ،لكن في غياب أي قانون للحضارة .ذلك أن
أقصى ما كانت المحاكم تستطيع استعماله للدفع بعدم المشروعية في مرحلة الحداثة قبل الحرب العالمية الثانية،
هو أحكام النظام العام الديمقراطي كما يريدها الشعب وفقا للدستور دون مراعات لحدود من قانون الحضارة .و
قد باتت ملزمة في مرحلة ما بعد الحداثة بتطبيق أحكام النظام العام كما تريدها األمة ممثلة بالدولة العميقة و في
غياب أي قانون للحضارة كذلك.
واضح من جراء ذلك أن القوم في غنى عن وظيفة المحتسب العام لألمة؛ ألنه ليس لديهم قانون للحضارة يتم
استدعاء ذلك المحتسب للسهر على احترامه من طرف السلطات الديمقراطية .أما بالنسبة ألهل اإلسالم فاألمر
مختلف في ظل اتخاذهم كتاب هللا إمام أزمنتهم يهتدون به في بناء حضارتهم و يتخذونه قانونا مؤسسا و مقدسا
بهذه الصفة .ذلك أنه ال مناص لهم من إحداث وظيفة محتسب عام لألمة يتولى السهر على احترام السلطات
الديمقراطية لقانون الحضارة ذاك ،يكون هو الملك نفسه في ظل النظام البرلماني.
الفرع الثاني :النظام الحسبة الملكية العامة
نموذج النظام البرلماني اإلسالمي بات بحمد هللا معروفا في المغرب بفضل دستور 23يوليو ،2311الذي
حقق رغبة الشعب في إقامة نظام للحكم طبقا لقانون الحضارة.
لم يكن ذلك مطلب ظهر في مرحلة الربيع العربي ،بل سبق المغاربة غيرهم من الشعوب المسلمة إلى الجهر
به في النص المؤسس لدولة المملكة المغربية سنة ،1311و كابدوا الصعاب بصمت لتحقيقه على مراحل خالل
سبعين سنة.
نظام الملكية البرلمانية في المغرب ليس له نظيرا في باقي الممالك المسلمة ،و ال حتى الجمهوريات،
باستثناء التي أقامها الزنادقة في إيران على غير أساس الشرع ،و التي يسعون لتصديرها إلى العراق و سوريا،
و لبنان ،و البحرين ،و اليمن.
27
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
للعلم ،فإن الفارق بين النظامين الملكي و الجمهوري في الفقه الدستوري اإلسالمي ليس هو وجود حق ِملكية
الدولة من عدمه؛ و ال حتى في حق الترشح لخالفة الملك أو الرئيس في منصبه .فالدولة المسماة سلطانا حسب
االصطالح الدستوري الشرعي ليست محل ملكية إلهيه مفوضة ألي كان من الخلق ،بل هي ملكية جماعية
لألمة خلقها هللا لفائدتها ،و جعلها غير قابلة للتصرف .مع ذلك يجوز للفرد كما المجموعة من أولي األمر
استعمال السلطان نيابة عن األمة بطريق التأمر و ليس التسلط .و يكون التأمر بالتعاقد مع الشعب على رئاسة
األمة بعقد ال بيعة الجمهورية ،و هي البيعة المحددة المدة من غير حق إرث الترشح لها؛ أو بعقد البيعة الملكية،
و هي الغير محددة المدة مع حق إرث الترشح لها .ذلك أنه عند انتهاء مدة البيعة الجمهورية ال ينحصر حق
الترشح لها في وارث للرئيس على عكس الشأن في البيعة الملكية.
إنما الفارق بين النظامين الجمهوري و الملكي كامن في أن الملك يستطيع شرعا أن يكون هو نفسه رئيس
الملة المسلمة في المملكة اإلسالمية ،ما لم يختر البقاء في منصب رئاسة األمة .فعندئذ ال يحق له شرعا تولي
اإلمارة العظمى لغير ممارسة سلطات رئيس المحكمة العليا ،بحيث يترك صالحيات التنفيذ و التشريع لرؤوس
منتخبين من طرف جماعة األمة ،و يتخلى عن منصب رئاسة الملة لرئيس منتخب من طرف مجلس علمي
أعلى يكون هو نفسه منتخبا من طرف جمهور علماء المذهب االسالمي المعتمد في إيالته.
في المقابل ال يملك رئيس الجمهورية اإلسالمية هكذا خيارات ،بحيث ال يحق له البتة شغل منصب رئيس
الملة .فقاعدة الفصل بين منصبي رئاسة األمة بما فيها من ملل مختلفة ،و رئاسة الملة المسلمة دون سواها من
ملل األمة ،تتطلب أن يتولى شخص غير رئيس الجمهورية مهام رئاسة الملة المسلمة .و للعلم فإن رئيس الملة
هذا يجب حسب الفقه الراشد أن يكون مبايعا من طرف مجلس أعلى لألئمة سماه الصحابة رضوان هللا عليهم
في الجمهورية الراشدة األولى مجلس أهل الشورى ،و تسميه أغلب الدساتير المسلمة حاليا بالمجلس العلمي
األعلى.
فقد بات األمر متعلقا بمؤسسة دستورية أو شبه دستورية حسب األنظمة ،تمثل جبريا جمهور العلماء في
حدود أيالة كل دولة مسلمة .ذلك أن السمة المميزة للمجالس العلمية في الدول المسلمة كلها أنها منصبة بطريق
التسلط و ليس التأمر ،بحيث يعين أعضاؤها من طرف الملك أو رئيس الجمهورية أو وزير األوقاف و يعزلون
بقرار مماثل ،و ليس ينتخبون من طرف جمهور العلماء في المملكة أو الجمهورية.
على عكس النظام العاض كما الجبري ،جمهوريا كان أو ملكيا ،يقتضي نظام التمثيل الراشد لجمهور العلماء
أن يكون المجلس العلمي األعلى مؤسسة دستورية منتخبة من طرف جمهور العلماء دون سواهم ،و أن يتولى
رئيس الجمهورية مهام اإلمارة جميعا بطريق الشورى مع مجلس الجماعة المسمى حاليا برلمانا ،تحت الرقابة
القانونية للقضاء ،على أن يخضع الجميع لرقابة المجلس العلمي األعلى المنتخب ،برئاسة اإلمام األكبر في
الجمهورية الذي يتولى مهمة مراقبة المشروعية طبقا لقانون الحضارة.
و حيث أن اإلمام األكبر منتخب و مراقب من طرف المجلس العلمي األعلى المنتخب أيضا ،فإن رقابته
على المشروعية ال تكون وفق الهوى ،و إنما وفق أحكام الشرع كما يعرفها جمهور العلماء و يبينونها لجماعة
األمة.
لعل ذلك هو الفرق بين المطلوب في نظام اإلمامة الراشدة و بين المعمول به حاليا من طرف الزنادقة في
جمهورية إيران .ففي هذه األخيرة يجلس الولي الفقيه للحكم بهواه ال غير .فهو يتربع على رأس ملة شيعة عبد
هللا بن سبأ نيابة عن محمد بن نرجس المختبئ في السرداب حسب زعمهم منذ عدة قرون ،زعما أنه يتلقى
التعليمات عنه بطريق المنامات و عبر السفراء السريين؛ و ال يملك أي كان رد فتاويه.
بغض النظر عن الدعاية و المظاهر الخداعة ،فإن الدستور المغربي هو الوحيد من بين دساتير كل الدول
المسلمة الذي يتطرق صراحة لقضية العالقة بين منصبي الخالفة في رئاسة األمة و رئاسة الملة على وفق
شرع هللا الصحيح.
يجب االنتباه إلى أنه على غرار اعتراف الزنادقة جميعا من أتباع المذهب الشيعي بصالحية الولي الفقيه في
النيابة عن محمد بن نرجس و اتخاذه رئيس ملتهم باسم دين االسالم ،فإن ملك المغرب لما يزال معترف به
تاريخيا من طرف جمهور علماء المذهب المالكي بصفته أمير المؤمنين رئيس ملة المسلمين في أهل السنة و
الجماعة في إيالف دول المغرب اإلسالمي.
يتعلق األمر تاريخيا بملة المسلمين في مملكة فاس مع ممالك و إمارات إفريقيا المتبعة للمذهب المالكي و
الطريقة التيجانية ،و الممتدة من جمهورية السودان شرقا ،إلى جمهورية السنغال غربا ،و من المملكة المغربية
شماال إلى جمهورية الغابون جنوبا.
ال بأس من التذكير كذلك أن جمهور علماء أهل السنة و الجماعة حاليا في واليات دولة المشرق اإلسالمي
سابقا ،منقسم لما يزال منذ سقوط الخالفة العثمانية سنة .1321
كلمة إخوتنا من جمهور علماء أهل السنة األحناف و الشافعيين و الحنابلة ،لم تتحد بعد كما كانت في ظل
الخالفة العثمانية على رئاسة موحدة للملة .ذلك هو الشيء الذي ينتج عنه ما يسمى مشكلة االسالم السياسي و
التي يحلو للروم مع طابورهم الخامس تسميته مشكلة اإلرهاب االسالمي.
28
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
للعلم ،تتمثل المشكلة في أن الفريق السلفي من جمهور علماء أهل السنة و الجماعة يرى وجوب إقامة خالفة
جامعة الستعادة وحدة واليات دولة المشرق االسالمي ،في حين يفضل فريق علماء اإلخوان المسلمين إقامة
إمامة كبرى لتوحيد رئاسة ملة المسلمين في إيالف دول المشرق اإلسالمي الحالي على غرار إيالف المغرب
اإلسالمي .و لفهم القضية أكثر يجب االنتباه من جهة ثالثة إلى ما يسعى إليه الوصائيون من مسترومة و
مولويين بتخطيط من الروم لجعل جمهور علماء أهل السنة و الجماعة في المشرق يقبلون بالقسمة المذهبية و
الوطنية لرئاسة الملة ،بحيث يكون ليس فقط لجمهور علماء األحناف و الشافعية مع الحنابلة ،كل منهم إمامه
األكبر ،ب ل و لكل مملكة و كل جمهورية رئيس ملتها المستقل .و يبقى األخطر من ذلك كله أن يكون اإلمام
األكبر مجرد مفت متعيش ،يعينه الملك أو رئيس الجمهورية أو حتى وزير األوقاف ،و ليس رئيسا منتخبا
لمجلس علمي أعلى يكون هو نفسه منتخبا.
هلل الحمد ،فإن ما يحبط هذه المؤامرة هو إخالص إخوتنا من جمهور علماء أهل السنة و الجماعة في التمسك
بأحكام الفقه الدستوري الراشد .ذلك أنه طبقا للمذهب المالكي ،كما سائر مذاهب أهل السنة و الجماعة ،فإنه من
دون صفة السلطان ،أو خليفة المسلمين ،أو أمير المؤمنين ،أو اإلمام األعظم ،أو رئيس ملة المسلمين ،ال يغني
رئيس الدولة أي لقب دستوري لشغل منصب اإلمام األكبر .و تلك صفة ال تحق حاليا بقوة الدستور و الفقه
الشرعي لغير سلطان عمان باعتباره رئيس ملة طائفة الخوارج ،و سلطان بروناي باعتباره رئيس ملة
المسلمين في جزيرة منعزلة من دار اإلسالم ،و ملك المغرب باعتباره أمير المؤمنين من جمهور علماء المذهب
المالكي.
أما ألقاب المجاهد األكبر ،و القائد األعظم ،و صاحب العظمة جاللة الملك ،أو أمير البالد ،أو الملك خادم
الحرمين الشريفين ،أو الرئيس أمير األمراء ،أو العاهل الشريف الهاشمي أو غيره ،كما ألقاب الرَّيس ،و شيخ
المشايخ ،فإنها ال تنفع في شيء المتالك صالحية رئاسة الملة.
صحيح أن هكذا ألقاب تعطي ألصحابها سلطة اإلمارة لممارسة مهام حفظ النظام العام ،مثله مثل رئيس أي
دولة ،ال فرق بين الرومي و المسلم منها ،و دون اعتبار للطريقة الديمقراطية او االستبدادية في ذلك .غير أنها
ال تجعل حاملها مؤهال دستوريا طبقا ألحكام القانون المؤسس ،لتمثيل أهل ملة اإلسالم في إيالته؛ و ال تعطيه
بناء على ذلك صالحية تمثيل اإلجماع الحقيقي الذي سماه العلماء الوصائيون إجماعا سكوتيا.
صحيح كذلك أن مختلف الرؤساء و الملوك يتخذون مفتيا عاما للمملكة أو الجمهورية ،و في بعض األحيان
كذلك مجلسا علميا أعلى أو مجمعا أعلى للفتوى؛ غير أن هذا أيضا ال ينفع في إيجاد صالحيات رئاسة الملة ،إذ
يبقى مفتي المملكة أو الجمهورية مجرد موظف عادي يمتهن الفتوى لدى الدولة.
فطبقا ألحكام الشرع ال يمتلك المفتي العام صالحية اإلمام األكبر حتى و لو لقب كذلك ،إال إذا انتخبه جمهور
العلماء عبر مجلس منتخب لألئمة هو المعروف في الفقه الدستوري الشرعي باسم مجلس أهل الشورى.
ال بأس من التنبيه من جهة أخرى أن األمر ينطوي على فراغ دستوري خطير جعل المسترومة يطمعون في
االستفادة منه لتحويل األنظمة الملكية على الخصوص ،من الشكل القبلي إلى الشكل الرموزي .فقد اقتنع القوم
فعال بأن ذلك ممكن بمجرد تغيير النظام العام فيها عن طريق تغيير التوازنات السياسية و االقتصادية و
االجتماعية.
امتالء هذا الفراغ الدستوري في المملكة المغربية هو الذي جعل و لما زال مثل هذا التحول مستحيال و في
الوقت نفسه يجعل مشكل االسالم السياسي شبه منعدم في أكثر دول إيالف المغرب اإلسالمي .فباستثناء بعض
االنشقاقات ضمن الجبهة اإلسالمية في السودان ،و جماعة بوكو حرام في نيجيريا ،لم ينفرط عقد جماعة علماء
المذهب المالكي في إيالف المغرب اإلسالمي .و بحمد هللا فقد تواكب ذلك مع التزام األمة المغربية لهم و
لنفسها ،أمام هللا و أمام الناس أجمعين بقانون الحضارة اإلسالمية.
بالفعل ،تلتزم األمة المغربية بالقانون االسالمي المقدس ليس فقط بإعالن غامض إلسالمية المملكة ،أو
بمجرد االنخراط الدولي في المجتمع الدولي اإلسالمي بالعضوية في منظمة التعاون اإلسالمي ،كما تفعل جل
الدول المسلمة األخرى ،و لكن بتحمل مسؤولية تنظيم مؤسسة رئاسة الملة المسلمة .تلك صالحية منعقدة في
المغرب بقوة القانون الدستوري للملك الموقر بصفته رئيس الملة من المسلمين المالكيين في إيالف المغرب
اإلسالمي بإجماع جمهور علماء المذهب المالكي تحقيقا ال تعليقا ،و بإجماع حقيقي و ليس مجرد حكمي.
بهذه الصفة يمتلك ملك المغرب الموقر صالحية تمثيل اإلجماع الحقيقي لألمة المغربية ما يخوله حق مراقبة
مشروعية كل ما يحدث في المغرب على اعتبار أنه المحتسب العام لألمة.
المطلب الرابع :صالحية تمثيل اإلجماع الحقيقي لألمة
يتميز النظام الديمقراطي الراشد بالفصل بين السلطات الممثلة لإلجماع الحقيقي و التي تمثل اإلجماع
الحكمي ،كما يتميز النظام الملكي البرلماني الراشد بشغل الملك فيه منصب رئيس الملة ذي الصالحية لتمثيل
اإلجماع الحقيقي.
و ع لى هذا األساس فإن أي تعديل ال يمكن إدخاله في قالون المسطرة كما في غيره من القوانين دون
موافقته ،علما أن من واجبه االعتراض على كل نص في القانون يكون مخالفا ألحكام الشرع.
29
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
30
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
هذا ،و يتحقق االجماع الحقيق ي للمغاربة بمناسبة كل حقيقة مؤكدة بقوة العلم اليقيني ،و كذلك حول كل حقيقة
مؤكدة بقوة االنتماء الوطني .فبقوة العلم اليقيني يجمع المغاربة مع سائر الخلق على حقائق كتاب هللا المنظور
من مثل أن ، 2=1+1و أن األرض كروية الشكل ،و أن السرطان مرض قاتل ،و أن الشذوذ الجنسي مرض
نفسي من رفض العالج منه يرتكب نفس جريمة المصاب بالطاعون الرافض للعالج.
بقوة االنتماء الوطني ،يجمع المغاربة بمختلف مللهم من جهة أخرى على االلتزام أصالة أو تضامنا ،على
حقيقة قدسية الشريعة االسالمية بصفتها قانون الحضارة المغربية.
فبحكم الظاهر ،و بقوة االنتماء الوطني يلتزم كل مغربي مسلم أصالة عن نفسه بأحكام الشريعة االسالمية من
خالل نطقه بشهادة أن ال إله إال هللا و أن محمد رسول هللا ،و لو كان فاجرا أو حتى منافقا .و بقوة نفس االنتماء
الوطني يلتزم كل مغربي بتقديس نفس هذه الشريعة كقانون مؤسس لألمة المغربية و لو كان ملحدا .فمن حق
الذين يلتزمون باإليديولوجية الماركسية او بقانون الديمقراطية كقوانين بديلة للحضارة أن يعلموا بأن االنتماء
لوطن المغاربة ال يكون عبر االلتزام بغير قانون حضارتهم الذي هو الشريعة االسالمية .فذلك أمر مؤكد
تاريخيا بالنسبة لمن ليسوا مسلمين من مغاربة اليهود و المسيحيين .فاليهودي المغربي كما المغربي المسيحي
ملتزمان بتقديس الشريعة اإلسالمية باعتبارها قانون حضارة األمة المغربية تضامنا مع أغلبية المغاربة الذين
هم مسلمون.
كل مسيحي و كل يهودي يتقاسم نفس الجنسية مع المغاربة ملتزم بالتضامن معهم فيما يجتمعون على االلتزام
به اجماعا حقيقيا و إال وجب عليه مثله في ذلك مثل الملحد ،الخروج من ذمة األمة المغربية؛ أي ترك جنسيتها
و الرحيل بعيدا عنها و إال اعتبرا مخال بالنظام العام.
على خالف االجماع الحقيقي يتحقق االجماع الحكمي بقوة القرار الديمقراطي على أساس عصمة إرادة
السواد األعظم من جماعة األمة .و هو قرار أقل قوة من القرار المتخذ باإلجماع الحقيقي.
ألجل ذلك فإنه من بديهيات األمور كما يقول الحكماء ،أن القرار الديمقراطي ال تستطيع نفي أي حقيقة مؤكدة
بقوة االجماع الحقيقي علما أن هذا األخير يستند إلى قوة العلم اليقيني أو قوة االنتماء الوطني .فمن ادعى أن
3=1+1و لو في سواد أعظم ،اعتبر جاهال يجب تعليمه؛ و من ادعى أنه غير ملتزم بقانون حضارة المغاربة
و لو في سواد أعظم كذلك ع ّد مستروما خائنا من الطابور الخامس وجب تأديبه الستحالة التعايش معه ،أو كما
يقول المغاربة بالعامية بَيَّا ْع َخاصّو يَ ْترْ بّا ،و يسميه إخوتنا من الشعب الجزائري َحرْ ِكي ،مع كل ما يحمله ذلك
من معاني.
مفاد ذلك أن قوة إرادة األغلبية ال تملك تأكيد أي حقيقة في غير القضايا الخالفية .و القضية الخالفية هي
التي يعجز العلم اليقيني عن حسمها و ال يتم الفصل فيها كذلك بقوة االنتماء الوطني .من ذلك كل القضايا
المتشابهة في كتاب هللا المقروء كما في كتابه المنظور.
من القضايا المتشابهة في كتاب هللا المقروء مثال مسألة تعليق العمل بالحدود الشرعية الجنائية مراعات
للظروف السائدة ،و من متشابهات كتاب هللا المنظور قضية تنمية المعاش بطريق خفض مقدار الضرائب
بموازاة خفض مقدار االستثمار العمومي بدل العكس.
لعله من المفيد االنتباه إلى الفارق الموجود على هذا المستوى بين النظام الديمقراطي الرومي في عهد
الحداثة و ما بعدها ،و النظام الديمقراطي اإلسالمي في ظل الحكم الراشد .فاألول يتميز بغياب أي قانون
للحضارة يمكن اعتماده لجعل األمة تلتزم بالوقوف عند أي حد معين ،و بالتالي غياب أي موضوع محدد
لإلجماع الحقيقي بقوة االنتماء الوطني إليها .يترتب عن ذلك أن القرار الديمقراطي لألغلبية و لو كانت نظرية و
ليست سوادا أعظما حقيقيا ،تسمح بالتراجع عن أي التزام من التزامات األمة دون حدود .بل األدهى من ذلك
كما هو مشاهد مثال في حالة األمم التي أجازت زواج الشواذ مثليا ،تستطيع األمة الرومية بقرارها الديمقراطي
تجاوز الحقائق الثابتة بعلم اليقين ،كأنها تجعل 3=1+1حقيقة قانونية.
و كما سبق ذكره ،فإن اإلجماع أيا كان ،ي ْن ِشئ بطبيعته سلطة تعبر عنه و تمثل القائمين به .فإن كان حقيقيا
كانت السلطة الناشئة عنه معبرة عن حقيقة مؤكدة بقوة علم اليقين أو بقوة االنتماء الوطني ،و إن كان حكميا
كانت السلطة الناشئة عنه معبرة عن حقيقة مؤكدة بإرادة األغلبية و ممثلة لهذه األغلبية دون الكل.
مفاد ذلك من وجهة نظر علم أصول الفقه الدستوري أن اإلجماع الحقيقي منش ٌئ بطبيعته لسلطة متقدمة على
التي تنشأ باإلجماع الحكمي؛ و أن للسلطة األولى حق مراقبة مشروعية أعمال السلطة الثانية و ليس فقط
شرعيتها ،علما أن الشرعية هي مطابقة القانون كما هو صادر بالقرار الديمقراطي ،في حين أن المشروعية هي
مطابقة الحق كما هو مؤكد باإلجماع الحقيقي.
على خالف المعمول به في نظام الوصاية السلطانية ،و نظام ديمقراطية ما بعد الحداثة عند الروم ،فإن تمثيل
قوة اإلجماع الحقيقي المسماة أيضا إجماعا سكوتيا ،ليست متروكة في ظل نظام الديمقراطية الراشدة للمؤسسات
الدستورية الغير تعاقدية .بل إنه يتم طبقا ألحكام القانون المقدس من طرف جمهور العلماء بقيادة رئيس الملة
المسلمة في دار اإلسالم ،أو في حدود أيالة الدولة التي في حوزة أمة فرعية ألمة محمد صلى هللا عليه و سلم .و
31
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يتم تمثيل اإلجماع الحقي قي من طرف رئيس الملة بموجب عقد البيعة الوظيفية من طرف جمهور العلماء الممثل
بواسطة مجلس األئمة المنتخب من طرفهم و المسمى مجلس أهل الشورى.
يمتلك جمهور العلماء ممثال برئيس الملة المنتخب من طرفه ،صالحية التعبير عن اإلجماع الحقيقي لجماعة
األمة بقوة القانون المق دس لكونه المعبر عن إرادة الملة الدينية المشكلة للسواد األعظم من جماعة األمة .إذ يجب
أال ننسى بأن رئيس الملة مخول بقوة العقيدة الدينية لتمثيل كل فرد من أفراد الملة فيما يلتزم جماعيا بموجب
الدين ،يلتزم معه فيه بحكم ذلك غيره من المواطنين المنتمين لملل األقليات .فكما هو معلوم ،يلتزم المسلم
المغربي بالدين منفردا عند النطق بالشهادة بحيث ينصب بها نفسه خليفة هللا في األرض ،ال يسأل في ذلك إال
عن نفسه و بنفسه أمام هللا عز و جل .و بنفس الشهادة ،يلتزم المسلم في الوقت نفسه جماعيا بالشرع اإلسالمي
يسأل عنه أمام األمة بقوة القانون .فغير المسلم متضامن بالتالي مع المسلم في التزامه القانوني بالشرع دون
التزامه الديني بالخالفة عن هللا في األرض .بذلك يتم تفسر صالحية رئيس الملة الممثل لجمهور العلماء في
التعبير عن اإلجماع الحقيقي لألمة ألنه هو المرجع في معرفة محتوى القانون المقدس.
في ظل التعتيم المقصود من المسترومة و المولويين المسيطرين على الكراسي الجامعية في كليات الحقوق،
يهمنا أكثر شيء أن نبين األحكام المتعلقة بتمثيل رئيس الملة مع جمهور العلماء المسلمين مهام التعبير عن
اإلجماع الحقيقي في ظل النظام الملكي البرلماني.
الفرع الثاني :الرئاسة الملكية للملة
عكس ما يروجه الزنادقة و المسترومة في ثوراتهم الجمهورية التي مع األسف الشديد أعادة إنتاج نفس
األنظمة الوصائية على الشعب و أبقت الحراثين في نفس الوضع الذي كلن عليه األريسيون الروم خالل القرون
الوسطى ،فإن مشروعية نظام الحكم الملكي ثابتة بأحكام مؤسسة بينها رسول هللا صلى هللا عليه و سلم بوضوح.
ضدا على ما يدعيه الوصائيون من المولويين السلطانيين ،فإن مشروعية نظام الحكم الملكي ليست ثابتة بسنة
معاوية بن أبي سفيان الذي انقلب على الجمهورية الراشدة األولى ،و إنما بسنة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم
في تعامله مع مملكة اليمن التي اندمجت مع دولة اإلسالم في عهد الملك باذام رضوان هللا عليه.
معلوم أن الملك باذام أسلم طواعية ،فأقره رسول هللا صلى هللا عليه و سلم على ملكه لليمن كامال ،شماله و
جنوبه ،غير أنه قيد سلطته بالشريعة ،و حصر مهامه في القضاء من خالل تعيين الصحابيين معاذ بن جبل و
أبي موسى األشعري للجلوس معه قصد الحكم باليمن أجمعه.
بقوة أمر رسول هللا صلى هللا عليه و سلم كان باذام و معاذ بن جبل و أبو موسى األشعري يملكون على قدم
المساواة أعلى السلطات الممكنة في مملكة اليمن .لم يكن لباذام أن يتجاوز سلطة معاذ بن جبل مع أبي موسى
األشعري ،و لم يكن لهذين تجاوز سلطته ،فكانوا ثالثتهم يمتلكون سلطة واحدة موحدة هي سلطة القضاء .و كان
بديهيا أن يمارسوا سلطتهم تلك في مجلس واحد يكون بمثابة محكمة عليا في مملكة اليمن.
كانت محكمة اليمن العليا تلك ذات والية عامة ،تنظر استئنافيا في األحكام الصادرة عن قضاة الديوان الملكي
المنتشرين عبر اليمن ،و ابتداء في كل قضية تعرض ألول مرة عليها ،و التي من بينها بالضرورة كل طعن في
شرعية أي قرار أو أمر تنفيذي أو تشريعي ،و كذلك كل دفع بعدم شرعية هكذا قرارات و أوامر .مقتضى ذلك
من وجهة نظر علم أصول الفقه الدستوري أن الملك باذام كان ملزما شرعا باالمتناع عن تحمل مسؤولية المهام
التنفيذية و التشريعية ،حتى ال يكون خصما و حكما في الوقت نفسه.
ليس سرا أن باذام لم يكن هو رئيس ملة المسلمين من أهل اليمن وقتئذ ،و السبب هو حصر هذه الرئاسة في
رسول هللا محم د صلى هللا عليه و سلم .و ذلك مقتضاه أن اكتساب باذام صفة رئيس الملة كان سيترتب عنه
بالضرورة تخليه عن مهام رئاسة سلطة القضاء مقابل حصوله على الوالية العامة لمراقبة المشروعية ،حتى ال
يكون في الوقت نفسه خصما و حكما كذلك عند الجمع بين مهام مراقبة الشرعية و مهام مراقبة المشروعية.
رب قائل و لم كان رسول هللا صلى هللا عليه و سلم في الوقت نفسه رئيس الملة و أمير األمة يمارس مهام
القضاء و التشريع و التنفيذ؛ و الجواب على ذلك أن سلطته صلى هللا عليه و سلم كانت مؤسسة و ليست
دستورية عادية .و رب معلق بعد ذلك بالقول ،و لم كان الخلفاء الراشدون في الوقت نفسه مثل رسول هللا أمراء
األمة و أئمة الملة؛ و الجواب على ذلك أيضا أنهم اضطروا إلى ذلك بفعل الظروف القاهرة للمرحلة االنتقالية
التي عاشوها .و قد عبر أبو بكر نفسه على تحفظه عن هذا الجمع بين اإلمامة و األمارة الذي سماه عمر من
بعده فلتة و عمل عثمان رضوان هللا عليه على وضع حد له بحيث تنازل عن اإلمارة و احتفظ باإلمامة ليخلفه
فيها اإلمام علي كرم هللا وجهه وحدها.
بعد اغتيال عثمان ذي النورين رضي هللا عنه و أرضاه ،بايع أهل الشورى علي كرم هللا وجهه لمنصب
رئاسة الملة خالفة لعثمان رضوان هللا عليه ،دون مبايعته على رئاسة األمة.
تلك جزئية تبدو هينة لكنها في الفقه الدستوري عظيمة .فطلحة و الزبير و سعد ابن أبي وقاص لم يبايعوا
عليا كرم هللا وجهه على اإلمارة بل نافسوه فيها باالحتكام إلى السواد األعظم القتناعهم بعدم كفاءته لها لشدة
ورعه ،و بحكم ذلك لم يخرجوا عليه كما يدعي الزنادقة و لم يرتكبوا إثما و ال قاموا بفعل مريب .ذلك أنهم لم
ينازعوه في رئاسة الملة ،بل و حتى ال يفسر الجهال بأن رفضهم مبايعته على رئاسة األمة سببه تنافس شخصي
32
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و ليس قناعة منهم بعدم كفاءة علي لتولي سياسية األمة بسبب شدة ورعه ،قاموا رضوان هللا عليهم بتنصيب
عائشة أم المؤمنين رئيسة لألمة كي تتولى مهمة مطاردة قتلة عثمان و قطع دابر الزنادقة مع ما يتطلبه ذلك من
استئصال شأفة الروم و بقايا المجوس.
ما يحرص علماء الباطل على كتمانه هو أن عليا كرم هللا وجهه اصطلح مع عائشة رضوان هللا عليها
بوساطة القعقاع بن عمرو التميمي ال على شيء بالضرورة إال على أن يكون هو رئيس الملة يتولى مهام
المحتسب العام ،و تكون هي أميرة األمة ،لكن الزنادقة السبئيين برئاسة عبد هللا بن سبأ و بإيعاز من كفار الروم
و مجوس الفرس أجهضوا ذلك الصلح .إجماع السابقين األولين على الفصل بين منصبي رئاسة األمة و رئاسة
الملة هو السنة الراشدة التي أمر رسول هللا صلى هللا عليها الجماعة بالعض عليها بالنواجذ.
تلك السنة هي الواجب العمل بها و ليس سنة معاوية بن أبي سفيان ،و قد بات من الواجب األخذ في االعتبار
من أجل ذلك نظام تعدد إياالت المسلمين و تنوعها إلى مملكات و جمهوريات.
معلوم أن علماء المذاهب السنية أجمعوا على األخذ بفتوى البغدادي التي أجاز فيها للمسلمين االستقالل في
إياالتهم عن خليفة األمة الجامعة بسبب الظروف القاهرة؛ فأجاز لهم بالتبعية لذلك أن يستقلوا عن رئيس الملة
الجامعة برؤساء للملة في حدود إياالتهم تلك.
مفاد ذلك أنه في حال استقالل أي أمة فرعية في حيازة إيالتها ألسباب قاهرة ،يجوز لها شرعا ليس فقط أن
تتخذ أولي أمرها منها ،بل و أن تكون لها رئاسة ملة خاصة بها تحت رقابة جمهور العلماء من أبناء شعبها وفق
المذهب المعتمد فيها ،بشرط أن يكون من مذاهب أهل السنة و الجماعة .مصداق ذلك قول هللا عز و جل ( :يا
أيها الذين آمنوا أطيعوا اهلل و أطيعوا الرسول و أولي األمر منكم) .بل إنه على ضوء هذا النص يفسر شرط
القرشية في الخليفة بالقول أنه مطلوب فقط في رئيس الملة ،و فقط في ظل الوحدة السياسية لجماعة األمة؛ ألن
المفروض عندئذ أن يكون المسجد الحرام بمكة هو مقر رئاسة الملة فيكون اإلمام األعظم بالضرورة قرشيا
باإليالف إن لم يكن بالنسب.
و قد استقر العمل الدستوري عند البربر في إيالة مراكش منذ اثني عشر قرنا على أن يتولى مهام رئاسة
الملة تحت رقابة جمهور علماء المذهب المالكي سلطان من المتآخين بالرضاعة مع العرب ،علما أن تلك طريقة
شرعية للمؤاخاة أجازتها أمنا عائشة رضوان هللا عليها بملتمس من أمازيغ ركراكة المسمون أيضا ركروكة في
باقي بالد البربر.
ذلك هو بالفعل ما حصل للمغاربة منذ قيام دولة األدارسة في أواخر القرن الثاني للهجرة سنة 192الموافق
لسنة 922ميالدية .فقد ظل أئمة األدارسة و الموحديين ،و من بعدهم سالطين المرابطين ،و المرينيين ،و
الوطاسيين ،و بني يفرن ،و السعديين ،و العلويين جميعا ،يجمعون بين وظيفتي رئاسة األمة و رئاسة الملة إلى
غاية 11يناير 1311حيث قبل السلطان العلوي محمد الخامس األخذ بنظام الفصل بينهما في إطار نظام
الملكية البرلمانية.
بات مؤكد بمقتضى الفصل 11من دستور 23يوليو 2311أن الملك ملتزم بترك شؤون رئاسة األمة
لممثلي الشعب في البرلمان و الحكومة و المجالس المحلية مع مجالس الجهات ،يمارسونها بالقوانين و القرارات
و المراسيم ،كما ترك شؤون القضاء للقضاة في مختلف المحاكم ،يمارسونها باألحكام ،مع االحتفاظ بوظيفة
رئاسة الملة ،يتفرغ بموجبها لمراقبة مشروعية عمل الدولة جميعا ،و يمارسها بالظهائر.
معلوم أنه وفق أحكام الفقه الدستوري المالكي ،يفوض الشعب المغربي سلطة التعبير عن إجماعه الحقيقي
لجمهور علماء المذهب ،و عن طريق البيعة ألمير المؤمنين ،يفوض هؤالء بدورهم الصالحية في التعبير عن
االجماع الحقيقي نيابة عنهم للملك الموقر يمارسها بواسطة الظهير.
بالفعل يتم إبرام عقد البيعة من العلماء ألمير المؤمنين على شروط الدستور الوضعي الصادر في 23يوليو
،2311و ليس شروط العرف السلطاني البائد كما يحلم بها المولويون .شرط الشورى الذي هو ذاته شرط
الملكية البرلمانية ينفي عن البيعة لملك المغرب الموقر صفة البيعة السلطانية .إذ لم يعد سلطانا يملك حقا إلهيا
في الحكم .فالشورى البرلمانية تمنع عنه االستحواذ على سلط التشريع و التنفيذ و القضاء؛ علما أن شرط إمارة
المؤمنين الذي هو رئاسة الملة يقيد سلطة الملك في مجال الحسبة العامة.
بهذه المناسبة يجب االنتباه إلى ضرورة تفسير لفظ أمير المؤمنين على ضوء معناه في الفقه المالكي كما هو
مؤكد بنص الفصل 11من الدستور ،إذ ليس المراد منه شخص السلطان رئيس األمة كما عند الماوردي و إنما
رئيس الملة المسمى في األدبيات الحديثة باإلمام األكبر.
بناء على ذلك يقوم النواب و الوزراء و القضاة باستعمال القانون و القرار و الحكم لممارسة سلطة األمة
اآليلة إليهم بقوة القرار الديمقراطي ،و يستعمل الملك الظهير للممارسة سلطة األمة اآليلة إليه بقوة اإلجماع
الحقيقي.
33
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ملك المغرب إمام مسلم في إيالة مستقلة عن الخالفة الجامعة لألمة ،ينوط به القانون المقدس مهمة رئاسة
الملة لممارسة الرقابة العلمية على كل أعمال المخزن التنفيذية و التشريعية و القضائية المتروكة للسلطة الممثلة
لإلجماع الحكمي في البرلمان و الحكومة و المحكمة الدستورية.
الفرع الثالث :صالحية تمثيل اإلجماع الحكمي لألمة
مثل السلطة الممثلة لإلجماع الحقيقي تتنزه السلطة الممثلة لإلجماع الحكمي عن الضاللة بقوة قانون
الحضارة ،لكن في حدود العالقة مع ممثلي األقلية و ليس الجهة التي تمثل اإلجماع الحقيقي.
صالحية تمثيل اإلجماع الحكمي المنعقد بقرار السواد األعظم ،كما هو الحال بالطبيعة في كل بيعة على
اإلمارة في مختلف مستوياتها ،متروكة بحكم الدستور الوضعي للمؤسسات الدستورية المنتخبة و هي الحكومة
و البرلمان ،و كذلك مجالس الجهات و الجماعات المحلية؛ كل منها في حدود صالحياته التشريعية و التنفيذية.
أما المؤسسات الغير منتخبة و ال التعاقدية مثل المحاكم ،و مجلس أركان القوات المسلحة الملكية مع مختلف
المصالح الداخلية و الخارجية للوزارات و الجماعات المحلية ،فإنها تمثل قوة سلطان األمة المباشر ،و المسمى
مخزن ،و ليس سلطة جماعة األمة و ال سلطة جمهور علمائها؛ علما أنها لم تعد خادمة للسلطان العلوي كما في
السابق.
تنفيذا للوثيقة المؤسسة للنظام الملكي الشوري باتت هذه القوة مسخرة بحكم الدستور لمصلحة المؤسسات
المنتخبة تحت رقابة أمير المؤمنين لمشروعية أعمالها.
حكومة المملكة المغربية كما يريدها الدستور ،و ليس حكومة صاحب الجاللة كما يروج الصحفيون عن
قصد أو عن جهل ،و كذلك البرلمان و المجالس الجماعية و الجهوية ،تملك كلها حق التصرف باسم الشعب و
لحسابه ،و ال يحق ألي كان نقض أعمالها إال بالطرق الديمقراطية.
فموجب عقد تشريعي مع أغلبية الشعب يمثل إجماعا حكميا مماثال في درجة القوة للذي امتلكه المنتخبون
السابقون ،يمكن للمنتخبين الجدد في الحكومة و البرلمان و مجالس الجهات و الجماعات إلغاء القوانين أو
القرارات السابقة محل الخالف ،أو تعديلها بما يوافق إرادة السواد األعظم الجديد.
غير أنه بدل انتظار الحصول على تفويض شعبي من سواد مختلف عن الذي يتم تغيير القوانين و القرارات
الصادرة عنه ،فتح دستور 2311للمعترضين من السواد األضعف باب رد القوانين الصادرة بقرار السواد
األعظم عبر الدفع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية؛ لكن فقط لسبب عدم التطابق مع الدستور كما سبق
بيانه.
أما الملك الموقر ،بصفته رئيس الملة ،فال يجوز له االعتراض على عمل البرلمان كما الحكومة أو أي
مجلس جهة أو جماعة محلية ،و ال على عمل المحكمة الدستورية ،إال بناء على نص من قانون الحضارة عبر
الدفع بعدم المشروعية بمناسبة الرقابة العلمية على عمل المخزن.
الدفوع التي يستعملها الملك في إطار ممارسة وظيفة المحتسب العام لألمة ال تكون لغير فائدة المشروعية.
فهذه الصفة تجعل منه المعبر عن قوة االجماع الحقيقي لألمة و تخوله حق ممارسة الرقابة العلمية على عمل
المخزن جميعا لضمان مشروعية القوانين و القرارات الصادرة باسم األمة.
المطلب الخامس :نظام مراقبة وجه الحق
من خالل التمييز بين صالحيات مراقبة قانونية التصرفات من جهة و مراقبة مشروعيتها من جهة أخرى
يظهر مرادنا نحن المغاربة من قولنا أننا ساعون إلقامة دولة الحق و القانون من وجهة نظر علم القانون.
فعكس مراقبة الشرعية المسماة أيضا مراقبة للقانونية ،و التي يستعمل فيها المخزن قوة سلطان األمة في
المحاكم استجابة للدفع بعدم الدستورية ،تتم مراقبة وجه الحق و المسماة كذلك مراقبة للمشروعية ،باستعمال
الظهائر الملكية اعتمادا على قوة اإلجماع الحقيقي لألمة .و السلطة المالكة لهذه الصالحية منزهة عن الضاللة
في مواجهة الجميع بما في ذلك من سواد أعظم و سوادات أضعف من جماعة األمة .و هي من أجل ذلك ال
تسأل سياسيا و ال قضائيا عن أعمالها.
ألجل ذلك يمتلك القائم عليها و هو رئيس الملة المسلمة في الدولة اإلسالمية ،سلطة الوالية العامة لمراقبة
وجه الحق في عمل السلطات المركزية و المحلية جميعا ،القضائية و التشريعية و التنفيذية كلها ،كما تصرفات
األفراد جميعا.
بناء عليه ،فإن أي قانون من البرلمان و مرسوم أو قرار من الحكومة ،كما أي حكم أو قرار من المحاكم ،و
كذلك قرارات المجالس الجماعية المحلية و الجهوية ،مع كل تصرف فردي ،ال يجب أن يفلت من الرقابة على
المشروعية لملك المغرب الموقر بصفته رئيس الملة المسلمة في دولة مسلمة؛ و هو يمارس هذه الصالحية وفقا
للدستور بطريق مباشر بواسطة الظهائر.
واضح أن الوالية تلك مع التنزيه عن المسؤولية السياسية للملك الموقر تجعله في أعلى منصب على راس
الدولة بصفة المحتسب العام لألمة ،الذي يسود و ال يحكم.
عكس ما يدعيه المولويون فإن شرط الشورى البرلمانية يجعل مهمة الملك منحصرة في حدود تمثيل
االجماع الحقيقي ،بحيث ليس له أن يتدخل بالظهائر في القضايا الخالفية حتى ال يكون في صف السواد األعظم
34
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ضد سواد أضعف ،أو العكس .و ألجل تمكينه من النهوض بعبء وظيفة الحسبة العامة لألمة يحتاج الملك
الموقر لالحتفاظ بما يكفي من القوة العمومية لضمان امثال المخزن و المواطنين لظهائره ،من ذلك كما هو
العرف الدستوري أن تبقى له السيطرة دون الحكومة و ال البرلمان على مؤسسة القوات المسلحة الملكية و كذلك
مديرية مراقبة التراب الوطني على أال تفلت هتين المؤسستين من مراقبة قانونية أعملهما من طرف القضاء.
بالفعل ،تقتضي موجبات الحضارة كما هي مسطرة في القانون المقدس من الملك الموقر أن يمتنع عن
استعمال الظهائر لالستبداد بسلطة مراقبة المشروعية .فال يحق له إعفاء نفسه مع ذويه و مستشاريه و كذلك
خدامه في الجيش و المخابرات من المسؤولية القانونية عن األعمال و التصرفات؛ بل يلزمه تحمل المسؤوليات
الجنائية و المدنية عن أفعاله على قدم المساواة مع المواطنين جميعا ،و هو مراقب في ذلك من طرف جمهور
علماء المذهب المالكي.
خالفا لما هو معمول به في جمهورية الزنادقة بإيران السليبة ،فإنه طبقا للنص التأسيسي للمملكة المغربية
كما هو مفسر بداللة التضمن ،يعتبر الملك مفوضا من جمهور علماء األمة لتطبيق شرع هللا وفق أحكام الفقه و
السياسة الشرعية للمذهب المالكي عمال بالنهج الراشد .يتعلق األمر بأحكام معروفة في تفاصيلها الدقيقة،
يحفظها جمهور العلماء كما يعرفها جمهور الحراثين من المغاربة الذين ليسوا على نفس درجة غباء القوم من
ص َحوْ ا و صاروا واعين راشدين ،ال الشيعة في إيران و لبنان و العراق و سوريا و البحرين .فالناس عندنا َ
يصدقون أن تكون أحكام الشرع محفوظة في السر يتلقى رئيس الملة الوحي بها من رجال هللا المخفيين في
قبورهم حسب زعم المولويين.
صحيح أن المشعوذين لما زالوا يستغلون سذاجة كثير ممن يسميهم المغاربة ْك َوا ْنبْ ،غير أنه مع ذلك و
بفضل التلقيح ضد األمراض و األوبئة ،و أكثر من ذلك بفضل أقراص األسبيرين لم تعد دار الضمانة ،و ال
شمهاروش ،و معه عيشة قنديشة ،و كذلك سيدي علي و بويا عمر و الشيخ الكامل و سيدي بنور و غيرهم من
األموات رحمهم هللا ،يخيفون السواد األعظم من المغاربة.
ال بأس من التنبيه بهذه المناسبة إلى ضرورة تفادي الخلط بين الشعوذة اإليرانية و االسالم المغربي الراشد.
ففي الوقت الذي يحيّي فيه العالم المتنور ،رغم أنفه ،عملية الترشيد السياسي و الفكري للشعب المغربي في ظل
إمارة المؤمنين ،ال يمكن ألي مالحظ االمتناع عن معاينة حقيقة أن الفكر الخرافي الذي يتغذى بطبيعته من
الغباء المترتب عن الوصاية القبلية ،هو المسيطر في إيران ،و أنه سيبقى كذلك لمدة طويلة .ففي الوقت الذي
تترك للمعارضين من كل توجه حرية التعبير عن آراءهم و نشر فلسفاتهم في مشهد يذكر بزمان األندلس
الذهبي ،يقمع المخالفون للولي الفقيه حتى طريقة اللباس ناهيك عن طريقة التفكير.
و في الوقت الذي بات فيه من جهة أخرى مستحيال على المشعوذين من خدام األولياء و األضرحة تأطير
المواطنين و باتو يجدون صعوبة في إقناع المخزن بتوفير الحماية لهم ،يتمكن مراجع الزنادقة في إيران
بسهولة من إقناع جموع العوام بل و حتى الجامعيين ،بأن إدراك محتوى الشرع يتطلب إلماما بالعلوم الخفية
المسماة عندهم جفرا ،و الذي بواسطته يتعلم الفقيه حسبهم كيف يتواصل مع محمد بن نرجس.
عكس التواصل السري الذي سماه ابن رشد غنوصا ،فإن الشفافية التامة هي سمة طرق إدراك محتوى
الشرع في المغرب .فالجفر يترك مكانه عندنا لعلم أصول الفقه السني بحيث ال تنسب أي قاعدة فقهية ،و ال
قانونية عرفية أو تشريعية للمذهب المالكي ،إال بدليل من علم أصول الفقه.
هذا ،و يتميز الفقه المالكي عن غيره من المذاهب السنية بالتوسع في األخذ بالعرف و العادة االتفاقية ،و
عبرهما في االحتكام للسواد األعظم من جماعة األمة لحسم القضايا الخالفية.
حسنة ذلك أنه سمح بحصول تطور تلقائي ألحكام المذهب مواكبة لتطور نمط عيش السواد األعظم؛ حيث
ترتب فعال عن تحول نمط عيش أغلب المغاربة من البداوة في القرى و األرياف إلى الحضارة في المدن،
استبدال تلقائي لألعراف و العادات االتفاقية القبلية بالقوانين المدينة للمخزن الذي تمدن هو اآلخر.
و من جهة أخرى يتميز المذهب المالكي بتقديم المصلحة الشرعية بدل الضرورة لتشريع األحكام ،إذ ال
يكون تقديم الضرورة على المصلحة إال في حالة االستثناء ،و التي يشترط المذهب أنهاء العمل بها في أول
فرصة .لعل ذلك ما أعطى لعلمائنا األجالء مناعة ضد التطرف خالل المرحلة االنتقالية من النظام السلطاني
إلى النظام الشوري.
لفهم رد الفعل المعتدل لجمهور العمالء في المغرب يجب ربطه بالمرحلة االنتقالية تلك و التي يعتبرونها
مرحلة استثنائية يتم فيها مؤقتا تقديم العمل بالضرورة على األخذ بالمصلحة.
تبين للعلماء بالفعل أن جيران السوء من العرب و الروم المتربصين باستقرار الشعب المغربي ،كما أن
االختراق االستعماري طيلة فترة الحماية ،بما ما حمله من ترويم طابور خامس من بني جلدتنا ،كان يهدد
بإجهاض ثورة 11يناير .1311ألجل ذلك سكتوا عن توسع المخزن في العمل بأحكام الضرورة غداة
االستقالل.
من ذلك انه لما فوجئ المغرب بعداء شديد من طرف أنظمة العسكر المستروم في دول الجوار العربي فور
االستقالل اضطر المخزن للتقرب من الروم لتفادي شرهم المتمثل في طابورهم الخامس الذي خلفوه في البالد
35
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ورائهم .من أجل ذلك اقتضت الضرورة اتخاذ المخزن لمظاهر االستروام و تعليق العمل بكثير من األحكام
المقدسة خاصة منها تطبيق الحدود الجنائية.
صحيح أنها كانت فرصة المسترومة و المولويين للتكاتف من أجل إقصاء الراشديين ،و محاولة دفع المخزن
للعدول عن استحقاقات 11يناير ، 1311إال أنهم لم يفلحوا في شيء من ذلك رغم ما ألحقوه من أذى بالعلماء
العاملين.
مهما يكن ،فإن األمر لم يبلغ حد إلغاء القانون المقدس ،و ال وظيفة أمير المؤمنين ،و يبقى جمهور العلماء
يتطلع إلى است كمال بناء مؤسسات الدولة الراشدة عبر تحديد موقع السلطة العلمية في بنية المخزن بعد تغييب
جامعة القرويين من الساحة السياسية .فقد كان العلماء في هذه الجامعة لقرون عدة يمارسون سلطة الرقابة
العلمية المباشرة بشكل عفوي و غير ممأسس على ظهائر السلطان و قرارات المخزن .أما في ظل دستور
المملكة المغربية ،فقد أراد ا المخزن ترقية نفسه لمرتبة العالم بالقوة الذي ليس للعلماء بالفعل أي سلطان عليه،
لكنه في الوقت نفسه لم يتمكن من التخلص منهم.
بينت التجربة المرة التي عانى منها المغاربة أثناء الحماية الرومية ،و خالل مرحلة تعثر عملية بناء
مؤسسات الدولة الراشدة ،أن المسترومة مع المولويين أعجز من يكون عن إقصاء العلماء من أبناء األمة
المغربية عن ساحة السياسة .فعكس قانون تداول النقود كما وصفه المقريزي ،يعتبر علماء المغرب عملة جيدة
و عريقة ،غير قابلة لإلقصاء من طرف أي عملة رديئة .بل هم الرقم األصعب في المعادلة السياسية المغربية،
و هم يسجلون حضورهم في كل مكان و بكل الطرق.
و لعله من حق الشعب المغربي في ظل التجاذب بين المولويين مع المسترومة من جهة ،ضد الراشديين من
جهة ثانية ،أن يزيل الغموض عن السلطة العلمية ألمة المملكة المغربية .و ذلك أمر يقتضي إدخال تعديل في
الفصل 11من الدستور بالنص صراحة على أن المجلس العلمي األعلى مؤسسة دستورية إلمامة العلم ،تمتلك
صالحيات مجلس أهل الشورى في النظام الدستوري الراشد.
فمتى كانت للمجلس العلمي األعلى هذه الصفة كانت له صالحية الرقابة العلمية أصالة لنفسه ،يمارسها الملك
نيابة عنه ،و يمكن للحكومة و البرلمان و لكل مواطن الرجوع إليه لطلب إعادة النظر في أي ظهير.
ذلك أن التوقير الواجب للملك و عصمة اإلجماع الذي يمثله ال تسلب األفراد و ال البرلمان مع الحكومة و
القضاء حق االختالف معه حول صحة الظهير الصادر منه.
و ي قتضي استكمال البنيان الراشد لمؤسسة المجلس العلمي األعلى بما له من فروع إقليمية ،أن يصدر قانون
تنظيمي يقر لجمهور علماء المذهب المالكي من المغاربة حق العضوية فيه بطريق االنتخاب على قدم المساواة
بين الحراثين و السادة الشرفاء .عندئذ فقط يمكن للحكومة و البرلمان مع القضاة و عموم المواطنين االطمئنان
إلى أن أعضاء المجلس العلمي األعلى ليسوا متعيشين ،فيصدق فتاواهم حول موقف المؤسسة الملكية من أي
مشروع قانون أو مرسوم أو قرار و تصرف.
ال شك أن ذلك سيتطلب من الملك تعليل كل ظهير يصدره حتى يفسح لذي المصلحة استفتاء المجلس العلمي
األعلى عن موفق الشرع من القضية؛ و ال شك أنه من جهة أخرى يكون من حق المجلس أن يلتمس بأغلبية
أعضائه من الملك إعادة النظر في ظهيره .أما إذا قرر أعضاء المجلس العلمي األعلى باإلجماع أن الظهير
مخالف للشرع فإنه يدخل في حكم الملغى.
خالصة القول أن الخصومة الدستورية ال تنشأ فقط من الخالف بين المؤسسات المعبرة عن اإلجماع
الحكمي ،الممثلة لألغلبية ،بخصوص الصالحيات المخولة لها للتصرف باسم األمة و لحسابها ،و إنما تنشأ
أيضا من الخالف بين المؤسسات المعبرة عن اإلجماع الحقيقي و تلك المعبرة عن اإلجماع الحكمي بخصوص
االختالف الممكن بين محتوى كل من اإلجماعين.
و يتم حسم الخالف بين المؤسسات الدستورية حول الصالحيات المخولة لها باستعمال الدفع بعدم الدستورية،
في حين يحسم الخالف حول مدى تطابق اإلجماع الحكمي مع محتوى اإلجماع الحقيقي باستعمال الدفع بعدم
المشروعية كما سيأتي بيانه مفصال بمناسبة الحديث عن وسائل الدفاع في الدعوى المدنية؛ و لنلق نظرة قبل
ذلك على األحكام المتعلقة بالقضايا المالية.
المبحث الثالث :القضايا المالية
يتبين من المقاربة الموسوعية أن حصر موضوع القضايا المالية في الخصومات الناتجة عن التصرف في
نقود المخزن و تنفيذ قانون ميزانيته العامة أمر مستحيل؛ فالموضوع متعلق بقضايا المال العام جميعا.
و مثل ما ترتبط قضية الدستور حضاريا بالترشيد السياسي للشعب باعتبار ذلك من واجبات تكريم اإلنسان و
المواطن بصفته خليفة هللا في أرض المغرب كما سائر أرض هللا ،ترتبط قضية المال العام بحق معاش اإلنسان
و المواطن الواجب كذلك لتحقيق كرامة نفس الخليفة؛ ألجل ذلك تعلق موضوع القضايا المالية بمسألة ضمان
معاش األنسان و المواطن من جهة ،و منع الفساد في التصرف المالي من جهة أخرى.
36
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
37
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بالفعل ،تقتضي أحكام قانون حضارة األمة المغربية كما أسس لها محمد صلى هللا عليه و سلم بوحي من هللا
عز و جل ،و أنجز الخلفاء الراشدون معجزة تطبيق نموذجها طيلة ثالثين سنة خالل القرن السابع الميالدي عبر
دار اإلسالم الشاسعة ،في وقت لم يكن أي نظام غير وصائي قادر على التماسك ليوم واحد خارج حدود الدولة
المدينة ،أن تكون السلطة االقتصادية مستقلة عن السلطات التنفيذية ،و التشريعية ،و القضائية ،و العلمية.
أنشأ القانون المقدس السلطة االقتصادية مستقلة في إطار مؤسسة بيت مال المسلمين ،تحت مسؤولية
صاحب بيت المال مع العاملين فيه بصفتهم جسما من الموظفين العموميين ،مستقلين عن ديوان اإلمارة ،و عن
ديوان القضاء ،و عن مجلس األئمة أهل الشورى ،و عن مجلس الجماعة للشورى ،يمارسون مهامهم طبقا
للقانون ،و يأخذون أجورهم من موارد بيت المال في حدود الثمن.
أهم من ذلك كله أن القانون المقدس جعل لمؤسسة بيت المال حق جباية و جمع و إدارة كل مال مشترك بين
أفراد األمة باعتباره ملكا مشاعا .من ذلك مال الزكاة ،و الصدقة ،و الوقف ،و األرض الموات من غابات و
جبال و براري مع ضفاف األنهار و شواطئ البحار .و من المال المشترك الذي يعتبر ملكا مشاعا لجماعة األمة
كذلك المال الجبَار؛ و هو مكون بقوة القانون المقدس من مختلف المعادن ،و آبار المياه و النفط و الغاز ،و
أيضا من عجماء البهام البرية و البحرية كالسباع و الطرائد و األسماك.
وقد أفتى اإلمام مالك بأن هذه األموال ترجع للسلطان بمعنى السلطة الحاكمة قاصدا من ذلك أن يتولى بيت
المال شأنها باعتباره مؤسسة السلطان االقتصادي لألمة.
غير أنه في ظل النظام الوصائي ،أقدم الوصائيون في وقت مبكر على تحريف معنى فتوى اإلمام مالك
بالقول أن المقصود هو شخص السلطان الحاكم و ليس مؤسسة بيت المال المستقلة ،فرخصوا للحاكم المتسلط
ضم بيت المال بما له من مداخيل إلى خزينته الخاصة ،و أطلقوا فيه يد ديوان اإلمارة ،بعد أن حرموا جماعة
األمة من خدماته ،لدرجة صار يعرف في اللغة العربية باسم مخزن السلطان في المغرب اإلسالمي ،و في
المشرق باسم بايلك السلطان بلغة األتراك.
من جهة أخرى ،و خالفا لما يدعيه مراجع الزنادقة ،فإن أحكام القانون المقدس تقضي بمنع كل من يدعي
قرابة النسب من رسول هللا صلى هللا عليه و سلم من العمل في بيت المال و ال حتى االستفادة من خدماته؛ و قد
عوضهم القانون المقدس عن ذلك بإلزام ديوان اإلمارة التكفل بالفقراء و المساكين و الغارمين و عابري السبيل
كما األرقاء و المؤلفة قلوبهم منهم ،في حدود خمس الخمس من مال الفيء الذي هو المال الذي يحصل عليه
ديوان اإلمارة بعمله.
يجب االنتباه إلى أن مراجع الزنادقة في جمهورية إيران قاموا بقلب نظام األموال الشرعي رأسا على عقب
خدمة لمصلحة الطبقة المولوية من عترة فاطمة الزهراء باعتبارهم أهل البيت من دون باقي المسلمين.
بالنظر لذلك يجدر بالمغاربة االحتراز من تقليد النظام اإليراني لألموال حتى ال يعيدوا إنتاج النظام
األرستقراطي المفروض أنه ألغي بوثيقة 11يناير .1311
الفرع الثاني :مشروع إصالح النظام المالي
يجتمع جمهور علماء المالكية على القول بأن إصالح النظام المالي للمملكة المغربية لن يتم بغير االبتعاد مرة
واحدة عن النموذجين اللبرالي و الشيوعي ،و أيضا النموذج الذي ينسبه الزنادقة لإلسالم في إيران.
سيكون إن شاء هللا كافيا لالبتعاد عن النموذجين اللبرالي و الشيوعي إعادة فتح مؤسسة بيت مال الشعب مع
تمكينه من الصالحيات المنعقدة له بقوة القانون المقدس.
أما االبتعاد عن النموذج الزنديق فيتطلب فيه األمر حرصا شديدا على عدم االرتكاس إلى النظام المولوي.
ألجل ذلك يجب إقناع القوم عندنا من غالة السادة و السيدات الشرفاء ،بأن مطالبهم في حق الزيارة لدى الشعب
هي نفس مطالب مراجع الزنادقة في إيران.
عكس الفقه المالكي مثل نظيره السني جميعا ،يطبق مراجع الزنادقة في هذا الموضوع قاعدة أن هللا عز و
جل خلق ما في األرض جميعا منه لعترة فاطمة الزهراء من دون العالمين .فالمال كله ملك ألهل البيت كما
يعرفونهم ،ال يشرع لغيرهم استعماله إال في مقابل الخمس الذي يطالبهم به مراجع الزنادقة بغير وجه حق و ال
سند من الشرع.
و يتم دفع الخمس ف ي مذهب الزنادقة للمراجع الذين يحتفظون به لحساب محمد بن نرجس و يتصرفون فيه
كما يأمرهم به .أما عند المولويين المغاربة من غالة الشرفاء األدارسة و العلويين مع السعديين و البوشخيين و
الخطابيين و أوالد سيدي علي بوشنافة و غيرهم كثيرون ،فيتم دفع الخمس في شكل إتاوة الزيارة التي تقدم لدار
الضمانة في كل وقت ،و في األضرحة في وقت المواسم؛ علما أنهم اتفقوا في ظل النظام السلطاني البائد على
ترك تحصيل حصة الشرفاء العلويين منها للمخزن.
و كما هو حال كل المولويين ،يدعي الولي الفقيه في إيران أن تنظيم الكهنة من مراجع الزنادقة الذي يترأسه،
هو المخول من طرف محمد ابن نرجس لإلمساك بحوزة بيت المال بذريعة أنها حوزة علمية ،و أن إدارة تلك
الحوزة يجب أن تتم وفقا لتعليمات ذلك المختبئ في السرداب ،و التي يتبلغون بها عن طريق الجفر ،و ليس
طبقا ألحكام الشرع المبنية على أساس قواعد علم أصول الفقه.
38
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بهذه الطريقة تستولي الطبقة المولوية في إيران على أرزاق الشعب الفارسي النبيل التي خلقها هللا له،
خاصة منها النفط و الغاز و األورانيوم و غيره .فمن خالل السيطرة على وزارة المالية و االقتصاد و كذلك و
وزارة الطاقة و المعادن مع وزارة التجارة تتمكن منظمة الكهنة في قم من تحويل موارد الشعب لمصلحة
ذويهم بذريعة تمكين حكومة الجمهورية من موازنة ماليتها و دعم الصناديق التي تمسكها.
ليس بالفعل في القانون اإليراني نص على وجوب وضع موارد الخيرات الطبيعية للشعب في صندوق
مستقل عن الحكومة يكون مخصصا لإلنفاق على الفقراء و المساكين و الغارمين من الفرس الذين ال يدعون
االنتساب لفاطمة الزهراء.
من حق الولي الفقيه في إيران إن كان يريد فعال أن يصير مرشدا لثورة إسالمية تقيم شرع هللا ،أن يعلم بأن
عليه اإلفتاء بوجوب فتح بيت مال للشعب الفارسي يتولى جمع الزكاة و حوزة النفط و الغاز و األورانيوم م
وغيره؛ يكون مستقال عن حكومة الجمهورية و عن منظمة مراجع الخرافات في قم .من أجل ذلك يحتاج منه
األمر أن يبين في فتواه حرمة العمل في بيت المال ذاك على المنتسبين لفاطمة الزهراء رضوان هللا عليها ،و
األهم من ذلك حرمة استفادتهم من خدماته بحيث يخصص لخدمة الحراثين من شعب الفرس النبيل.
يجب االعتراف أن الوضع في المملكة المغربية ليس أفضل من ذلك ،غير أن الفارق مع الزنادقة يحدثه
امتناع جمهور العلماء مع أمير المؤمنين عن االدعاء أن النظام المالي كما هو قائم حاليا مطابق للشرع.
بالفعل ،يحرص جمهور العلماء مع أمير المؤمنين الذين يحرص الزنادقة بنفس الشدة على سبهم ،على
التذكير في كل مناسبة بأن النظام المالي الحالي للمملكة المغربية أملته الضرورة في حالة االستثناء ،و أنه
مخالف للشرع بسبب ذلك .فهو نظام استثنائي تشكل من مخلفات النظام السلطاني و االستعماري ،ال يعكس
إرادة السواد األعظم من الشعب المغربي ،و لم توح به عيشة قنديشة و ال سيدي علي ألمير المؤمنين.
يتعلق األمر فعال بنظام موروث ال مسوغ لالحتفاظ به سوى ضرورة االنتظار لحين استكمال بناء مؤسسات
النظام الملكي البرلماني وفقا للشرع.
للعلم فقد ورثت المملكة المغربية عن المخزن السلطاني ملكية المال العام ،كما ترك لها المستعمر الرومي
قطاعا عاما كبيرا جدا.
ليس سرا بالفعل أن االستعمار الرومي تمكن من تدمير بايلك السلطان و ديوانه في كل الواليات التي دخلها
في اإلياالت العثمانية و المغولية و الغزنوية ،كما أن الجيش التركي أجهز على ما تبقى منه في جمهورية تركيا
العلمانية .في حين ذلك ،و بلطف من هللا عز و جل ،نجا مخزن السلطان المغربي من كل محاوالت التدمير
االستعماري و االنقالبي ،ليتحول بفضل هللا و ثورة الملك و الشعب إلى مخزن للملكة المغربية الديمقراطية
البرلمانية و االجتماعية.
كان من المفروض أن يتحقق إصالح البنية المالية للمخزن في وقت مبكر بعد االستقالل لوال تآمر المولويين
و الطابور الخامس من المسترومة مع جيران السوء من العرب و الروم ،في وقت انجر فيه خيرة أبناء الشعب
من الحراثين بالحرب الباردة بين الروم اللبراليين و الشيوعيين .فقد سكت العلماء على التأخير الحاصل خشية
منهم على حرية الشعب و استقرار أمن األمة و وحدة تراب اإليالة .لذلك ال زال المخزن مصابا في بنيته
المالية بعوار شديد ساهم االستعمار في إحداثه بشكل كبير.
لعل المجتمع بات مؤهال لفهم سبب إفتاء العلماء بجواز قبول الحماية الرومية للمخزن .فقد كان ذلك هو
الضرر األخف الذي يجب تحمله لدفع ضرر االستعمار المباشر؛ و بالفعل تمكنوا من توجيه السلطان إلى إبرام
معاهدة الحماية ليفوتوا بموجبها على المستعمر فرصة تدمير المخزن بما فيه من مؤسسات مدنية و دينية لم تكن
قط لتسترجع بعد ذلك كما هو مشا هد في المشرق .و أكثر من ذلك ،كان أمل العلماء هو تفادي تغلغل جيش
الروم في عمق المدن و البوادي لمنع اإلدارة الرومية من السيطرة المباشرة على المواطنين عمال بنصيحة
الدول الصدقة للمحزن خاصة ألمانيا و بريطانيا و الواليات المتحدة األمريكية ،التي كانت تضمن استقالل
المغرب و تبدي استعدادها للمساعدة في تنفيذ اإلصالحات بشرط عدم تغلغل الجيشين الفرنسي و اإلسباني داخل
التراب الوطني .ذلك ما لم يستوعبه مع شديد األسف زعماء حركات المقاومة القبلية الذين لم يدركوا حقيقة
عجز األمة المغربية عن حماية نفسها في وجه اآللة الحربية الرومية ،فتسببوا في تغلغل جيش المستعمر داخل
البالد ،بل منهم من تبث تورطه في صفوف الحركة الماسونية مع األمير عبد القادر الجزائري ممن أعطوا
الفرصة للجيش االستعماري الحتالل العاصمة فاس بما يسعد الروم و يجعل مهمة الحركة الوطنية شبه
مستحيلة ،لوال لطف هللا عز و جل .ذلك أنه برغم فقدان المخزن كل سيطرة على التراب الوطني بفعل تمركز
جيش الروم من الفرنسيس و االسبان في كل دوار و قرية و مدينة ،تمكن السلطان محمد الخامس من حفظ
السيادة الدولية للمغرب عبر االعتراف الدولي بل و تمكن من استغالل ظرف الحرب العالمية الثانية إلبرام
اتفاقية دولية مع الحلفاء انتزع ،بموجبها منهم وعدا بمساندة مطلب االستقالل مقابل المشاركة في الحرب معهم.
لقد كان من حسنات تحمل ضرر الحماية لدفع ضرر االستعمار المباشر ،أن المستعمر لم ينل في إيالة
المغرب حقا مباشرا على المال العام لألمة المغربية ،و إنما وجب عليه استعمال مخزن السلطان الستغالل ذلك
المال .ألجل هذا ،تم إنشاء مؤسسات مخزنية متخصصة للتصرف في المال الجبار ،ما لبثت أن عادت ملكيتها
39
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بحمد هللا كاملة مكتملة كما هي ،لدولة المملكة المغربية باعتبارها وريثة دولة السلطان العلوي بعد االستقالل ،و
ليس وريثة مستعمر لما زال على قيد الحياة.
بذلك لم يخيب هللا ظن العلماء فيه ،و سخر الروم لخدمة عملية تمدين الشعب المغربي و تعمير بالده بدل
تخريبها .ففي ظل قانون المملكة المغربية صارت المؤسسات المخزنية التي تعب الروم في بنائها تحمل اسم
مقاوالت القطاع العام المغربي.
يتعلق األمر بشركات و مكاتب و وكاالت مملوكة للدولة تقوم بتسييرها عبر مديرية المقاوالت و المساهمات
العمومية في وزارة المالية و عبر المكاتب الشريفة .و هي تسيطر ليس فقط على أكثر األنشطة اإلنتاجية في
مجاالت الصناعة و الخدمات ،بل و كذلك على الخيرات الطبيعية من معادن و محروقات و مياه و غابات و
صيد بحري .ألجل ذلك يرى الراشديون المغاربة أن في هذا الوضع فساد كبير ،إذ يؤدي إلى سطو المخزن
على مصادر معاش اإلنسان المغربي ،و يحرمه من تأمين الرزق في حالة العجز ،و من السند العمومي في
حالة القدرة على الكسب؛ ناهيك عن تمكين رجال المخزن و نسائه من إخافة مخالفيهم في الرأي بمنع الرزق
عنهم.
ال شك أن الحل هو إعادة فتح مؤسسة بيت مال الشعب بما هو ثابت لها بقوة القانون المقدس من صالحيات
و سلطات.
عندئذ ستتوسع ال محالة صالحيات المحاكم المالية للنظر في صحة عمليات تدبير أموال جماعة األمة من
ط رف العاملين في بيت المال بمناسبة الخصومات التي تحدث بينهم و بين رؤسائهم من جهة ،أو بينهم و بين
المرشحين لالستفادة من خدمات بيت المال ،او الذين ينازعون العاملين أالئك في صالحياتهم.
المطلب الثاني :صالحيات المحاكم المالية
في انتظار إعادة العمل بنظام بيت مال الشعب ،يبقى الواقع المر هو أن القضايا المالية الممكن عرضها على
المحاكم المالية منحصرة في الخصومات المتعلقة بالتصرف في أموال المخزن من طرف بعض رجال الدولة و
نسائها العاملين في بعض المؤسسات التابعة للدولة.
فعمال بنصوص بالظهير الشريف رقم ،1-32-121الصادر في فاتح ربيع اآلخر 1123موافق 13يونيو
2332بتنفيذ القانون رقم ، 12-33المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،تختص المحاكم المالية في المملكة المغربية
حصريا بالنظر في المنازعات الناشئة عن الخصومات المالية المتعلقة بتنفيذ قانون المالية و قوانين المحاسبة
العمومية.
و بتأكيد من الفصل 119من دستور 23يوليو ،2311تتكون هذه المحاكم من مجلس أعلى و مجالس
محلية للحسابات.
لم يذكر أي نص قانوني مكان وجود المقر الرئيسي للمجلس األعلى للحسابات ،و إنما يتبين من وسائل
اإلعالم أنه متواجد حاليا في مدينة الرباط .أما المجالس المحلية فقد نصت المادة 111على وجوب إحداث واحد
منها في كل جهة من جهات المملكة اإلثنى عشر؛ و توجد مقارها في مراكز الجهات بمدن طنجة ،وجدة ،فاس،
الرباط ،الدار البيضاء ،بني مالل ،الراشيدية ،مراكش ،أكادير ،كلميم ،العيون ،الداخلة.
بالنظر للنظام األساسي للقضاة الجالسين في المحاكم المالية ،تعد هذه األخيرة محاكم متخصصة و ليست
استثنائية .تأكيدا لذلك تنص المادة 119أنه ( :يؤلف قضاة المحاكم المالية هيئة موحدة و يتمتعون بعدم ق ابلية
العزل و النق ل إال بمقتضى الق انون.)..،
و في سبيل التحري عن المخالفات المالية ،تتولى المحاكم المالية على المستويين المركزي و الجهوي مهام
تدقيق حسابات مالية الدولة ،و مراقبة التسيير ،كما تتبع طرق استعمال أموال المخزن.
الفرع األول :تدقيق الحسابات
عمال بالمادة 29من مدونة المحاكم المالية ،يتولى المجلس األعلى للحسابات مهمة تدقيق الحسابات السنوية
لمرافق المخزن الموقر ،و كذلك الحسابات السنوية للمؤسسات العمومية و المقاوالت التي يمتلك رأسمالها كليا
أو باالشتراك مع الجماعات المحلية ،إذا كانت تلك المؤسسات و المقاوالت تتوفر على محاسب عمومي بحكم
القانون أو بحكم الواقع.
من جهة أخرى ،يمارس المجلس طبقا للمادة 91من مدونة المحاكم المالية ،مهمة قضائية في ميدان التأديب
المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية بالنسبة لكل مسؤول أو موظف أو عون يرتكب إحدى المخالفات
المنصوص عليها في المواد 99 ، 91و 91من نفس المدونة.
يمسك المجلس بالدعوى التأديبية بمرافعة من الوكيل العام للملك لدى المجلس األعلى للحسابات ،تكون
تلقائية منه أو بطلب من الرئيس األول أو من إحدى الهيئات بالمجلس ،أو بناء على تقارير الرقابة أو التفتيش،
مشفوعة بالوثائق المثبتة المقدمة للوكيل العام للملك من طرف جهات عينها القانون.
40
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يتعلق األمر بطلبات يتقدم بها رئيس الحكومة ،او رئيس مجلس النواب ،او رئيس مجلس المستشارين ،او
الوزير المكلف بالمالية ،او الوزراء فيما يخص األفعال المنسوبة إلى الموظفين أو األعوان العاملين تحت
سلطتهم ،أو إلى المسؤولين و األعوان باألجهزة المعهود إليهم بالوصاية عليها.
و يتم تقديم الطلب من طرف هؤالء إلى الوكيل العام للملك لدى المجلس األعلى للحسابات في هذه األحوال
لتحريك دعوى المتابعة التأديبية عن مخالفات مالية تم النص عليها في قائمة محصورة كاآلتي:
-مخالفة قواعد االلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها ؛
-عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية ؛
-مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين واألعوان ؛
-مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واألمر بصرفها ؛
-مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عمال بالنصوص التشريعية الجاري بها
العمل ؛
-مخالفة قواعد تدبير ممتلكات األجهزة الخاضعة لرقابة المجلس ؛
-التقييد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز لالعتمادات ؛
-إخفاء المستندات أو اإلدالء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة؛
-عدم الوفاء تجاهال أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات المترتبة عليها
قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة ؛
-حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية؛
-إلحاق ضرر بج هاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات ،وذلك بسبب اإلخالل الخطير في المراقبة التي هم
ملزمون بممارستها أو من خالل اإلغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم اإلشرافية.
-االمتناع عن المراقبات الواجبة بمقتضى القوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،على الوثائق المتعلقة
بااللتزام بالنفقات.
-االمتناع عن المراقبات الواجبة بمقتضى القوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،على الوثائق المتعلقة
بالنفقات و على الوثائق المتعلقة بالمداخيل ألجل التأكد من :مطابقة صفقة األشغال أو التوريدات أو الخدمات
لقواعد طلب المنافسة المطبقة على الجهاز المعني باألمر ؛ مشروعية القرارات المتعلقة باقتناء العقارات
وباالتفاقيات المبرمة مع الغير وبمنح اإلعانات المالية ؛ صفة األشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية
المعمول بها للتوقيع على اقتراحات االلتزام بالنفقات.
-االمتناع عن مراقبة مشروعية تحصيل و تنزيل المداخيل المرصدة في صناديق المالية العمومية ؛
-إخفاء المستندات أو اإلدالء بوثائق مزورة أو غير صحيحة ؛
-حصول المحاسب العمومي و كذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته أو يعمل لحسابه ،ألنفسهم أو
لغيرهم على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.
و في حال ثبوت التهمة ضد الموظف المتابع تأديبيا أمام المجلس األعلى للحسابات يتم الحكم عليه بغرامة
يحدد المجلس مبلغها بمعرفته طبقا للمادة 11من مدونة المحاكم المالية ،حسب خطورة و تكرار المخالفة.
في كل األحوال ،ال يجوز أن يقل مبلغ الغرامة عن ألف درهم لكل مخالفة و من غير أن يتجاوز مجموع
مبلغ الغرامة عن كل مخالفة مقدار األجرة السنوية الصافية التي كان المعني باألمر يتقاضاها في تاريخ ارتكاب
المخالفة ،على أال يتجاوز مجموع مبالغ الغرامات المحكوم بها على المتهم أربع مرات مبلغ تلك األجرة
السنوية.
أما إذا ثبت للمجلس أن المخالفات المرتكبة تسببت في خسارة ألحد األجهزة الخاضعة لرقابته ،فيحق له
بموجب القانون أن يقضى على المعني باألمر بإرجاع المبالغ المطابقة لفائدة هذا الجهاز من رأسمال و فوائد ،و
تحسب الفوائد على أساس السعر القانوني ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة.
و على المستوى الجهوي ،ترفع دعوى المتابعة التأديبية بخصوص المخالفات المنصوص عليها في المواد
99 ، 91و 91من طرف وكيل الملك لدى المجلس الجهوي للحسابات ضد كل مسؤول أو موظف أو
مستخدم يعمل في الجماعات المحلية وهيئاتها ؛ أو في المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات
والهيئات .و يخضع لنفس النظام كذلك كل مسؤول و موظف و مستخدم في أي شركة أو مقاولة تملك فيها
الجماعات المحلية أو الهيئات على انفراد أو بصفة مشتركة ،بشكل مباشر أو غير مباشر ،أغلبية األسهم في
الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.
يخضع لنفس نظام المتابعة التأديبية هذا كل من الوالي و العامل في الحاالت التي يعمالن فيها باعتبارهما
آمرين بالصرف لجماعة محلية أو هيئة.
من جهة أخرى ،و طبقا لمقتضيات المادة 111من مدونة المحاكم المالية ،ال تحول هكذا عقوبات دون
ممارسة الدعاوى التأديبية و الجنائية ذات السبب متى ثبت لها ذلك السبب بمناسبة المخالفات المنصوص عليها
في المواد 99 ،91و 91سالفة الذكر.
41
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
42
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يتعلق األمر في الفهم الراشد بمهمة تتوالها األمة المغربية بسلطتها التنفيذية الممثلة للسواد األعظم بطريق
التعاقد التشريعي.
فمن القواعد المؤسسة للقانون اإلداري في النظام الحقوقي المغربي أن حق المخزن في إدارة االنسان و
التراب المغربي مقيد بعقد الوكالة التشريعية ،و منحصر بموجب ذلك في صالحيات التسيير و التدبير للشأن
العام قصد إقامة النظام العام في ظل قانون الحضارة ،و ليس للتصرف في حرية الناس و حياتهم أو أموالهم ،و
ال في حوزة التراب الوطني.
كل حبس أو ضرب أو قتل ينفذ بقرار إداري ،كما أن كل نزع إداري لملكية عقارية او منقولة مهما كانت
قيمتها ،يخرج بالضرورة من دائرة العمل اإلداري المشروع .فهكذا تصرفات ال تكون صحيحة شرعا إال
بأحكام قضائية تصدر عن المحاكم المستقلة دون تدخل من رجال المخزن و نسائه.
في حدود المجال المشروع لتدبير و تسيير شؤون اإلنسان و التراب ،يحق للمخزن إقامة النظام العام بالعمل
على حفظ التوازنات السياسية و االجتماعية و االقتصادية المتوفرة من خالل مرافق الشرطة اإلدارية و
االقتصادية و الجنائية ،و شرطة اآلداب ،عمال بمبدئي الدوام و التأقلم.
و من تجليات مبدأ التأقلم أن أجمعت األمم على األخذ بنظام التخصص في مرافق و مؤسسات اإلدارة
العمومية مع نظام الالمركزية و الال تمركز حتى يتمكن المواطنون من االشتراك أكثر مع السلطة المركزية في
تدبير الشأن العام ،و تقترب منهم اإلدارة المركزية في مناطقهم البعيدة عن العواصم .و قد اتخذت األمم ألجل
ذلك ترتيبات مختلفة تعتبر جميعها من مظاهر اإلبداع الحضاري لإلنسان و الذي ال يجوز التقليل من قيمته.
ذلك مع األسف الشديد ما ال ترقى أذهان المسترومة عندنا الستيعابه بسبب فتنة التقليد األعمى للروم في
غطرستهم.
بالفعل ،يدعي الروم و خاصة منهم الفرنسيون ،أنهم مبدعو الترتيبات اإلدارية دون سواهم؛ و بسبب الفتنة
العمياء المتمظهرة في الطابور الخامس من المسترومة ،بات المتعيشين يحتجون على الراشديين بأحكام السياسة
الشرعية الوصائية المنحرفة عن القانون المقدس ،و يرددون أنه ليس في اإلسالم قانون إداري صالح
للحضارة.
ردا على ذلك يقول العلماء الراشديون أنه من حق المغاربة أن يعلموا بأن في القانون المقدس من تطبيقات
مبادئ القانون اإلداري الصالح ما يغني عن التقليد األعمى للروم في هذا المجال.
فقد نظم رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و من بعده الخلفاء الراشدون سلطة تنفيذية مركزية لألمة في إطار
ديوان اإلمارة ،و أخذو بنظام الال تمركز من خالل نظام العماالت ،كما نظام الالمركزية اإلدارية من خالل
أحياء المدن و البوادي ،مع نظام اإليالفات و الواليات .و قد تم تطعيم ذلك كله بقوة السنة النبوية من نظام
الدواوين الفارسي إثر دمج مملكة اليمن في دولة اإلسالم بما كان لها من نظام إداري متقدم ،يقوم على تخصص
المرافق و المؤسسات العمومية.
صحيح أنه لم تنشأ محاكم إدارية في عهد رسول هللا و عهد الخلفاء الراشدين ،و ما ذلك إال لكفاءة القضاة
المتوفرين لتولي مهام الوالية القضائية العامة.
صحيح كذلك أن أئمة المذاهب الفقهية سكتوا عن أحكام الترتيبات اإلدارية الشرعية و ما ذلك أيضا إال
لتعسف السالطين الوصائيين في استعمال صالحيات السياسة الشرعية حيث استبدلوا نظام الالمركزية اإلدارية
ألحياء المدن و البوادي مع اإليالفات و الواليات ،بنظام االقطاع اإلداري بعد تقسيم الرعية إلى قبائل و ملل و
عماالت .علما أن نفس السالطين استثنوا أمراء الجند و عمال الدواوين المدنية من والية القضاء بفتحهم ديوان
االستعطاف اإلداري المسمى ديوان المظالم.
غير أن ذلك كله لم يعطل أحكام القانون المقدس التي تضمن للمستضعفين استرجاع الحق في العمل
بالترتيبات اإلدارية الراشدة متى خرجوا من حجر الوصاية السلطانية .و بالفعل ذلك ما بات عليه الحال في ظل
قانون المملكة المغربية الراشدة.
فبزوال الوصاية السلطاني ة على األمة لم يعد المخزن المغربي أداة تصرف السلطان العلوي في اإلنسان و
األرض ،بل تحول إلى آلة إلدارة الشأن العام من أجل حفظ النظام العام دون حق التصرف في البالد و العباد.
و بحمد هللا ،تم تنظيم السلطة التنفيذية المركزية في العاصمة الرباط ،و في المدن و البوادي بشكل ال
متمركز ،من خالل نظام العماالت و الواليات لتقريب اإلدارة من المواطنين عبر ربوع اإليالة .أهم من ذلك كله
أنه تم التخلي عن تقسيم الشعب المغربي إلى إقطاعات قبلية ،فصار من حق المواطنون من كل األصول
االشتراك في تحمل عبئ الشأن العام مع الدولة من خالل الجماعات المحلية الحضرية و القروية و الجهات وفق
القسيم الترابي و ليس الساللي.
تم ذلك كله وفق ترتيبات طبقت مبادئ التخصص في المهام و الخدمات مع مراعاة مبدأي الديمومة و التأقلم
في عمل مؤسسات الشرطة اإلدارية و القضائية و االقتصادية .و قد تواكب ذلك مع تمدن المخزن نفسه.
يجب االعتراف فعال أنه برغم فساد أكثر األطر اإلداريين و عدم كفاءتهم ،فإن السلطة المركزية توفر لكل
اإلدارات أحدث التجهيزات و توجه الموظفين إلى تطبيق أحسن الطرق لتقديم خدمات الدولة .و بحمد هللا تم
43
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تتويج هذه الترتيبات جميعا بإحداث سلطة قضاء متخصص في الموضوع ،أسندت مهامه للقضاة الجالسين في
المحاكم اإلدارية.
لم يعد الحراثون مجرد رعية ال يحق لهم مخاصمة رجال السلطة أمام القضاء و ليس لهم سوى استعطاف
السلطان من خالل مسطرة الشكاية عبر ديوان المظالم ،بل صاروا مواطنين يحق لمن تعرض منهم لتعسف
إداري أو كان ضحية لشطط في استعمال السلطة ،مخاصمة المخزن على رغم هيبته ،عن ذلك أمام القضاء
المستقل.
و مع ذلك ،ينصح جمهور العلماء أبناء الشعب من طبقة الحراثين بعدم التمادي في الحلم .ذلك أن الصورة
الجميلة لمشهد اإلصالحات الراشدة تبقى ملطخة ببقايا نظام الوصاية السلطانية التي يستميت المولويون في
التمسك بها ،و يساندهم فيها المسترومة نكاية منهم في الراشديين.
فالقوم لما زالوا يبدلون الجهد لمنع المخزن من تحسين خدماته للحراثين حسدا من أنفسهم للشعب ،من خالل
إحداث قواعد للقانون اإلداري في شكل عادات اتفاقية أغلبها مخالف للنصوص التشريعية .و هم يستفيدون في
ذلك من نظام الحصانات و اإلعفاءات التي تحول دون جعل كل العادات االتفاقية االدارية مع أعمال التعسف و
الشطط في استعمال السلطة محل خصومات قابلة للعرض أمام المحاكم اإلدارية .فالمحاكم هذه لم تحصل بعد
على صالحية النظر في قانونية العادات االتف اقية اإلدارية ،على رأسها عادة التوقف عن العمل لمدة ساعتين من
أجل تناول وجبة الغذاء ،رغما على نظام التوقيت المستمر .لم تحصل المحاكم تلك بعد على صالحية النظر في
التعسف اإلداري و الشطط الواقع على الناس من طرف المخزن باسم أعمال السيادة ،و من طرف أفراد الطبقة
المولوية المستفيدين من الحصانة القانونية أو من اإلعفاء الجنائي .ذلك أن أعمال االرتشاء و استغالل النفوذ و
سرقة المال العام بل و حتى خطف المواطنين و التحرش اإلداري بهم الذي يأمر به هؤالء أو ينفذونه بأنفسهم
ال يعتبر جرائم بحكم الحصانة و اإلعفاء و بالتالي ال يمكن أن يشكل تعسفا أو تجاوزا في استعمال السلطة يمكن
متابعة المسؤولين عنه أمام القضاء اإلداري.
على عكس االنتهازيين مراجع الزندقة في قم ،ال يسكت األسود من جمهور علماء المالكية على هذا
االنحراف و ال يفتؤون يذكرون بالقاعدة المؤسسة التي تقضي بمنع اإلعفاء من المسؤولية الشخصية عن
األخطاء الجنائية كما المدنية و اإلدارية ألي كان .فهم ال يفوتون فرصة للتذكير بحديث رسول هللا صلى هللا
عليه و سلم الذي قال فيه ( و أيم اهلل لو أن ف اطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها).
مؤكد أنه في حال تطبيق قاعدة منع اإلعفاء من المسؤولية عن الجميع على قدم المساواة سوف تتغير
صالحيات المحاكم اإلدارية بما يضمن عدالة أفضل.
المطلب الثاني :صالحيات القضاء اإلداري
بعد إنشاء المحاكم اإلدارية بموجب الظهير الشريف رقم 1.31.229الصادر في 22من ربيع األول
1111الموافق 13سبتمبر 1333بتنفيذ القانون رقم ، 11.33لم تعد الخصومات بين المواطنين و المخزن
بسبب عدم شرعية قراراته اإلدارية و كذلك بسبب التعسف أو التجاوز في استعمال السلطة قابلة للعرض أمام
القضاء المدني.
بغض النظر عن حاالت اإلعفاء المخزني من المسؤولية ،فإنه عمال بالمادتين 2و 3من الظهير المذكور،
تختص المحاكم اإلدارية بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات اإلدارية بسبب عدم قانونيتها أو
لتجاوز السلطة أو التعسف في استعمالها ،و كذلك في النزاعات المتعلقة بالعقود اإلدارية و دعاوى التعويض
عن األضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام ،ماعدا األضرار التي تسببها في الطريق
العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.
و تختص المحاكم اإلدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية
المتعلقة بالمعاشات و منح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة و
موظفي إدارة مجلس النواب و موظفي إدارة مجلس المستشارين ،و عن تطبيق النصوص التشريعية و
التنظيمية المتعلقة باالنتخابات و الضرائب و نزع الملكية ألجل المنفعة العامة ،و بالبت في الدعاوي المتعلقة
بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة و النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين و العاملين في
مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة و موظفي إدارة مجلس النواب و موظفي مجلس
المستشارين.
تختص المحاكم اإلدارية أيضا بفحص شرعية أي قرار إداري إذا كان الحكم في قضية معروضة على
محكمة عادية غير زجرية يتوقف على تقدير شرعية ذلك القرار.
و قد أعطى القانون للمحاكم اإلدارية صالحية النظر في هكذا قضايا دون حصر االختصاص عليها في ذلك.
فصالحية النظر في القضايا اإلدارية تظل منعقدة للمحكمة االبتدائية طبقا للفصل 12من مدونة المسطرة المدنية
مع مراعاة مقتضيات الفصل 29من نفس المدونة ،و التي تمنع عن المحاكم العادية ،في الدرجة االبتدائية و
44
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
درجة االستئناف ،النظر في أي طلب من شأنه أن يعرقل عمل اإلدارات العمومية و الجماعات المحلية أو يلغي
أحد مقرراتها.
من جهة ثانية ،يجب توقع بعض التحول في صالحيات المحكمة اإلدارية على ضوء نظام الدفع بعدم
الدستورية كما شرعه الفصل 133من دستور 23يوليو .2311فقد يكون من العدل أن يفتح المشرع لكل ذي
مصلحة إمكانية الطعن أمام المحكمة اإلدارية بعدم دستورية اللوائح التنظيمية الصادرة بقرارات من مجالس
الجماعات و الجهات كما الحكومة ليتم تحويل الدعوى إلى المحكمة الدستورية.
مهما يكن تظل المحاكم اإلدارية غير مختصة للنظر في القضايا التجارية.
المبحث الخامس :القضايا التجارية
عمال بمنهجية المقاربة الموسوعية ،يتطلب فهم حقيقة القضايا التجارية تعمقا في دراسة حقيقة التجارة لضبط
روح مدونة التجارة قبل نصها.
المطلب األول :ماهية التجارة
التجارة ضرب من نشاط اإلنسان االقتصادي الذي هو سلوك حضاري و ليس غريزيا عكس ما يدعيه
اللبراليون ،و ال هو موضوع ممكن لعلم اليقين خالف ما يدعيه الشيوعيون .و خالفا لما يدعيه المولويون ،ليس
االنسان مجبر على نشاطه االقتصادي بقضاء إلهي ،يجعل البعض حراثين يكدحون ،و البعض األخر شرفاء ال
يعملون ،بل هو مخير فيه بقدر من هللا و فطرته عز و جل.
و النشاط االقتصادي موضوع دراسة علم االقتصاد الذي ال يعدو أن يكون علما مذهبيا ،ألنه ال ينكب على
دراسة قوانين الطبيعة المتعلقة بغريزة و ال كيمياء أو فيزياء مادة االنتاج و االستهالك و االدخار .فالسلوك
الحضاري الذي منه االقتصاد ،كما السياسة ،و التعايش إلخ ،ليس غريزة يتحكم فيها برنام المورثات ،و ال هو
مادة تخضع لقوانين تفاعل الذرات و الجزيئات فيما ينشأ عن تكتلها من أجسام سائلة و صلبة كالماء و الهواء و
النار و التراب.
يجب أن يفهم من الصفة المادية للسلوك الحضاري أنه حاضر يحدث في عالم الشهادة و ليس مادة بالمعنى
الحقيقي للكلمة .لهذا السبب ال يمكن أن تكون الحضارة موضوع قانون وضعي و إنما يطلب لها قانون سماوي؛
فعكس هللا عز و جل ،يعجز اإلنسان عن اإلحاطة بالحضارة قبل إنجازها ،و ال يمكن بنتيجة ذلك الكالم عن
قانون االقتصاد عكس الشأن بالنسبة للطب و الجاذبية و االنفجار أو االنحباس إلى غير ذلك من الظواهر
المادية.
لقد أخطأ الرومي كارل ماركس عندما تعامل مع السلوك االقتصادي للبشر كمادة تخضع لقانون التفاعل
الذري القابل للضبط بالحساب و التخطيط .و أخطأ معه ابن جلدته آدم سميث هو اآلخر حين تعامل مع نفس
السلوك على أنه غريزة تخضع لبرنام المورثات .فالموضوع خالف ذلك تماما حيث أنه متعلق بقضية سلوك
اختياري و عقالني ،فردي و جماعي ،الستعمال الموارد المتاحة مباشرة أو بعد خلق قيم مضافة بعمليات
اإلنتاج ،قصد إشباع الحاجات اآلنية و المستقبلية عبر االستهالك و االدخار في إطار التعامل مع مشكلتي
المعاش اللتين تفرضهما الحياة على سائر المخلوقات ،و هما الندرة و الفوضى.
عكس الحيوانات و الحشرات ،ليس اإلنسان كائنا اقتصاديا بالغريزة .إذ أنه غير مبرمج جينيا لتجاوز مشكلة
الندرة و الفوضى كما يفعل النمل و النحل و السباع مع الغزالن و السمك و الذباب .و عكس الماء و التراب و
النار و الهواء ،ليس السلوك اإلنساني مادة تتكون من ذرات تتحكم فيها قوانين الجاذبية و التطور و االرتقاء و
االنفجار و غي ر ذلك .بل هو تجسيد إلرادة حرة قد تكون طائشة تفضي إلى الفساد ،و قد تكون حكيمة تنتج
الحضارة.
و في مجال االقتصاد ،تقتضي الحضارة من االنسان أن يتحكم في شهواته و أن يتجاوز جهله بإمكانات
استخراج الخيرات و استعماالتها ،حتى يتمكن من التغلب على مشكلتي الندرة و الفوضى ،و ليس لتحقيق الوفرة
المطلقة عكس ما حلمت به الروم منذ عهد آدم سميث و كارل ماركس ،و لما زالت توهم نفسها بذلك و معها
طابورها الخامس من المسترومة عبر العالم.
أثبت علماء اإلناسة و التاريخ أنه بعد زمن طويل من التعثر في ظل أنظمة االلتقاط و الرعي التي تماهى
فيها البشر مع الحيوانات ،و ما تلى ذلك من تطور عسير في ظل أنظمة اإلقطاع التي عانى فيها المستضعفون
من العبودية ،حدثت الثورة الصناعية التي تعلم فيها البشر ثالث طرق مختلفة للممارسة النشاط االقتصادي و
هي السخرة و العمل و التجارة.
أما السخرة فهي الخدمة المجانية التي يحصل عليها اإلنسان من غيره إلشباع حاجاته المعيشية .و هي طريقة
ال غنى عنها في حياة البشر بسبب حالة العجز التي يكونون عليها في مراحل الطفولة و الشيخوخة ،و ما يستتبع
ذلك من واجبات األمومة و البنوة من طرف القادرين على الكسب و العطاء .بل إن موجبات الحضارة تتطلب
من جماعة األمة توفير خدمات التعليم و الصحة و العدل و األمن الداخلي و الخارجي للعموم دون تمييز بين
القادرين على الكسب و الذين هم عاجزون.
45
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تسمى السخرة في اللهجة الوطنية للمغاربة (تَ ْق َوا ْم) و هو لفظ أصله كلمة قوامة في اللغة العربية الفصحى .و
طبقا للق انون المغربي تخضع السخرة لفائدة األطفال و المسنين في إطار عالقات القرابة من نسب و مصاهرة
عمال بأحكام مدونة األسرة وفق نظام النفقة العائلية و المواريث .أما السخرة الواجبة حضاريا لفائدة العموم فتتم
وفقا للترتيبات اإلدارية في إطار الخدمات العمومية التي يوفرها المخزن الموقر مجانا.
خالف السخرة أو التَّ ْق َوا ْم ،يسمي المغاربة العمل في لهجتهم(تَ َّما َرى) و هو لفظ مشتق من كلمة ائتمر في
اللغة العربية الفصحى .و ذلك بالفعل اسم على مسمى من حيث أن العامل هو الذي يأتمر بأمر رب العمل في
إنجاز مهمته مقابل األجر المدفوع له .و نظرا لبشاعة معنى ت ّمارى من حيث أنه يدل على الشقاء و التعب،
فضل المشرع المغربي عليه لفظ اإلجارة على الخدمة و على الصنع لتسمية عقود العمل بمقابل في ظهير
االلتزامات و العقود ،ثم خصص بعد ذلك لعقد اإلجارة على الخدمة قانونا سماه مدونة الشغل.
يظل الشغل بالتالي ج زءا من النشاط االقتصادي المسمى عمال .فهذا األخير بمعناه الواسع يشمل كل مجهود
مبذول إلنتاج السلع و الخدمات في مقابل أجر يدفعه رب العمل بمناسبة عقد الشغل ،و عقد العمل المستقل ،و
عقد المقاولة ،و عقد المناولة ،و عقد االستصناع ،أو في مقابل أتعاب مهنة حرة.
يجب االنتباه إلى حقيقة أن الشعب المغربي عرّ ف بذوقه السليم حقيقة العمل بحيث ركز على فكرة التعب
البدني البارز فيه ،و من ثمة توسع في تعريفه ليشمل ضمن طبقة العمال كل من يشقى و يكدح للحصول على
معدل نفس الدخل الذي يحققه الشغيلون .فالذي يقوم بنشاط مذر للدخل النزر يسمى عامال في العرف المغربي و
لو كان ذلك النشاط أعماال تجارية في نظر القانون.
يسمى المغاربة التجارة باسم (البِيع و ال ّْشرا) ،و يميزون بين التجار المعروفين بنفس االسم في اللهجة
الوطنية ،و بين مياومي التجارة المسمون (الخَ َّدامين في البيع و الشرا) أي العاملين في التجارة .فمن هؤالء مثال
الباعة المتجولون و البقالون و الناقلون و غيرهم ممن يسميهم بعض علماء القانون صغار التجار.
ال يهم إن كان هؤالء من صغار أو كبار التجار بقدر ما يهم إن كانوا تجارا أو عماال.
بالفعل يقتضي ضبط معنى التجارة في القانون المغربي تدقيق الفرق بين نظريتها كما هي مطبقة في القانون
بعد تعديل مدونة التجارة سنة ،1331و بين النظرية التي كان ظهير 1313المتعلق بالتجارة يأخذ بها ،بما
انطوت عليه من خلط مع العمل في المعنى العرفي.
المطلب الثاني :المفهوم القانوني للتجارة
في ظل ظهير 1313كانت التجارة عبارة عن أعمال مسماة في قائمة محصورة ،يعتبر تاجرا كل من اعتاد
على القيام بها بغض النظر عن حجم استثماره .ألجل ذلك اعتبر (الخ ّدامون في البيع و الشرا) تجارا ،يطالهم
القانون التجاري بنفس درجة المستثمرين من ذوي رؤوس األموال الضخمة .و قد تسبب ذلك في إحراج
المفسرين و ش راح القانون من حيث أنهم يعلمون بقوة العرف المغربي أن الخدامين أالئك الذين أجمعوا على
تسميتهم بصغار التجار ،هم في الحقيقة عمال.
أما بعد تعديل ، 1331فلم يعد لهكذا إحراج سبب .ذلك أن مدونة التجارة تعتبر في مادتها السادسة أن التجارة
نشاط احترافي أو اعتيادي ،تعطي المادة الثامنة للقضاة سلطة إسباغ صفة التاجر على القائم به قياسا على
األمثلة المضروبة بنصوص المواد السادسة و السابعة من نفس المدونة.
يتبين من هذه األمثلة أن علة حكم الصفة التجارية للنشاط هي حجم االستثمار و الغرض منه .فكل األمثلة
المضروبة في المادتين 1و 9من مدونة التجارة تفيد بأن النشاط المقصود هو الذي يتجاوز فيه االستثمار حجم
المقاوالت و األعمال المجهرية التي كانت تعرف باسم أعمال صغار التجار .يشترط في التجارة توخي الربح و
ليس مجرد الحصول على أجر أو أتعاب أو ما يعادلها .بسبب ذلك يخرج من زمرة التجار مياومو التجارة و هم
صغار الباعة و الناقلون و مقدمو مختلف الخدمات في المقاوالت المجهرية.
و يختلف تقدير الحجم التجاري حسب اختيار األنظمة القانونية .إذ أصرت أنظمة القانون الشيوعي مثال على
ربط حجم التجارة بصفة العمل التجاري مهما كان مقدار الحقوق المالية محل التصرف فيه .فالشراء إلعادة
البيع يمثل تجارة و لو تم لمرة واحدة ،و حتى إن كان محله قطعة حلوى مثال .قبل ذلك كانت أنظمة قانون
العرف األنجلوسكسوني قد اختارت و لما زالت ،العمل في هذا الموضوع بنظرية تسمى شخصية ،يتم بموجبها
ربط الحجم التجاري بصفة المهنة التجارية للقائم بالعمل التجاري .فكل نشاط مهني يحمل الصفة التجارية يكون
متوفرا بقوة القانون على الحجم التجاري .و لتمييز التجار عن غيرهم ،اسند المشرع األنجلوسكسوني للمحاكم
مهمة مسك السجل التجاري ،و أعطي للقضاة سلطة تقديرية مطلقة لتمييز التجار عن سواهم ،فطبقوا في ذلك
األعراف القروسطية.
أما مدونة التجارة الفرنسية فتطبق النظرية المسماة فقها بالموضوعية ،و هي تربط الحجم التجاري في إطار
قائمة محصورة من األعمال المسماة تجارية ،بمقدار القوة المحركة مع عدد العمال بالنسبة ألرباب المقاوالت،
و قياسا على ذلك برقم المعامالت بالنسبة لرجال األعمال .فكل مقاولة تعدى عدد العمال فيها عشرة أجراء ،و
مقدار القوة المحركة عشرة خيول ،تعد ذات حجم تجاري .و بالقياس على ذلك تفتقر للحجم التجاري أنشطة
رجال األعمال الذين ال يحققون معدل الحد األدنى لرقم معامالت المقاوالت المعتبرة تجارية.
46
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كان هذا هو الخيار الذي أخذ به المشرع المغربي تحت التأثير الرومي سنة ،1313قبل أن يعدل عنه في
مدونة التجارة لسنة ، 1331من حيث لم يعد الحجم التجاري مرتبطا بمقدار القوة المحركة و عدد العمال أو
معدل الحد األدنى لرقم معامالت المقاوالت المعتبرة تجارية في حدود قائمة محصورة من األعمال المعتبرة
تجارية بقوة القانون ،بل فتحت القائمة ليصير كل نشاط أيا كان القطاع االقتصادي الذي ينتمي إليه ،و أيا كانت
صفة القائم به ،قابال لحمل الوصف التجاري متى توفرت فيه علة الصفة التجارية المتمثلة في حجم االستثمار و
القصد منه.
عمال بمقتضيات الفصل الثاني من الظهير الشريف رقم 131-1.13الصادر في 9صفر 1323الموافق 22
يونيو 1313المتعلق بالنظام األساسي لغرف الصناعة التقليدية و المنشور باللغة الفرنسية فقط في الجريدة
الرسمية عدد 2- 2111بتاريخ 1313-39-32صفحة ،1139و التي لم تلغى و لم تغير بأي قانون الحق ،يعد
صانعا تقليديا ( :كل عامل مؤهل حرفيا ،سواء بتكوين سابق أو ممارسة طويلة للحرفة.
يزاول الحرفي نشاطه لحساب نفسه مستق ال ،سواء بمفرده أو بمعية و مساهمة أفراد أسرته ،أو شركائه أو متدربين
لديه ،أو أجراء ال يتعدى عددهم العشرة أفراد .ال يجب كذلك أن تتعدى طاقة المحركات التي قد يستعملها قوة
عشرة خيول.
ينتج الصانع التق ليدي و يسوق بنفسه منتوجاته التي يصنعها ،و يستعمل في ذلك مقرا مستق ال لمق اولة ،أو بيته
الذي يسكنه.
و يمكن للصانع التق ليدي أن يسوق بالتبعية لمنتوجاته التي يصنعها سلعا ال تكون محل تجارة مستق لة.
و يعتبر حرفيا في الخدمات كل من تتوفر فيه المواصف ات المبينة في الفقرة األولى أعاله ،كل من يتق اضى أجرا
مق ابل خدماته.).
كل نشاط تحويلي أو خدماتي ال يتجاوز حجم الصناعة أو الخدمات التقليدية كما هو مبين في الفصل الثاني
من ظهير 22يونيو 1313المتعلق بالنظام األساسي لغرف الصناعة التقليدية ،خارج بقوة القانون من مجال
القانون التجاري.
و في غياب المنع عن التجارة في األنظمة األساسية لمهن الفالحة و الصيد البحري كما مختلف المهن الحرة
للمحامين و المهندسين المعماريين و الموثقين و المحاسبين و األطباء و غيرهم ،عكس الشأن بالنسبة للموظفين
ا لعموميين من المدنيين و العسكريين ،مع رجال سلك القضاء و السلك الدبلوماسي ،فإن تلك المهن تعد تجارية
من حيث المبدأ متى تحققت فيها علة حكم الصفة التجارية.
تأخذ مدونة التجارة لسنة 1331بمبدأ أن النشاط الذي يتجاوز حجم الصناعة و الخدمات التقليدية و يتوخى
منه ا لقائم به تحقيق الربح من خالل المجازفة برأس المال يكون تجاريا أيا كانت صفة فاعله ،و أيا كان ميدان
تدخله ،ما لم يستثنه نص خاص من ذلك .فالفالح و صاحب المهنة الحرة و كذلك المخزن متى تصرفوا بدافع
الحصول على الربح من خالل استثمار رأسمالي ،و ليس لتقديم خدمة مجانية أو للحصول على مقابل الجهد
العضلي و الذهني أو على الخراج ،ينطبق عليهم وصف القائمين بالنشاط التجاري.
الفالح الذي يشغل أكثر من عشرة أجراء ،و كذلك الطبيب و المحامي و المحاسب ،بل كذلك أي مؤسسة من
مؤسسات المخزن ،متى كان كل منهم يسعى للحصول على حصة من سوق سلع أو خدمات قصد تحقيق الربح،
يعدون جميعهم ممارسين لنشاط تجاري ،و يخضعون بمناسبة ذلك ألحكام مدونات القانون التجاري و قانون
الضرائب مع قانون الشغل ،ما لم يقض نص قانوني خاص بإعفائهم منه .ذلك هو مقتضى المادة 11من مدونة
التجارة التي تنص بأنه ( :يعتبر تاجرا كل شخص اعتاد ممارسة نشاط تجاري رغم وقوعه في حالة الحظر أو السقوط أو
التنافي.).
يبقى ذلك جانب من القضايا التجارية التي يمكن تصورها بمناسبة خصومات تحدث بين إدارات الضرائب
المباشرة ،و صندوق الضمان االجتماعي و بين الفالحين و أصحاب المهن الحرة مع المؤسسات العمومية
ال ممارسة للتجارة ،أو بمناسبة طلب العضوية في غرفة تنظيم مهني .إذ يجب على التاجر الذي يستغل نشاط
التجارة الفالحية في الزراعة أو تربية المواشي أو الصيد البحري ،دفع نفس الضرائب التي يدفعها نظراؤه
التجار و مثل ذلك بالنسبة للتاجر الطبيب أو المحامي أو الموثق.
واضح أن هكذا قضايا تدخل في االختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية ،علما أن المحاكم االبتدائية و محاكم
االستئناف تملك حق النظر فيها ألنه ليس من شأن ذلك عرقلة عمل اإلدارات العمومية للدولة و الجماعات
المحلية ،و ال يفضي إلى إلغاء قرارات هذه األخيرة.
ال تحدث الخصومات التجارية الحقيقية في الواقع إال بين التجار بمناسبة تجارتهم .و قد أنشأ المخزن
المغربي محاكم خاصة للنظر في هكذا خصومات.
47
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
48
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
49
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أن ال جريمة و ال عقوبة إال بنص ،ال يجوز تجريم أي فعل إال بموجب نص تشريعي؛ غير أنه بموجب النص
التشريعي يجوز للدولة حسب الروم ،تجريم أي فعل شاءت و ممن شاءت ،دون قيد أو شرط حضاري.
ص حيح أن الدساتير الوضعية تكاد كلها تجمع على وجوب احترام حقوق االنسان كما هي معروفة عالميا،
لتجعل بذلك المغفلين يتوهمون أن المرجعية الدولية قيد حضاري على المشرع الجنائي ،لكن الدساتير جميعها
تلك ال تحدد ماهية المتعارف عليه دوليا.
و نكرر بهذه المناسبة القول ب أن التعارف العالمي على أي مفهوم يتم في ظل صراع الحضارات ،و في ظل
اختالل توازن القوى العالمية بين المجتمع الدولي الرومي و حلفائه من دول المسترومة ،و بين المجتمع الدولي
اإلسالمي في ظل التناقضات بين دول الشمال و الجنوب ،و بين الدول المالكة لحق النقض في مجلس األمن مع
حلفائها و الدول التي ليس لها هكذا حق و ال هي متحالفة مع المالكين له .من جراء ذلك ال يوجد حق متعارف
عليه بإجماع المجتمع الدولي؛ الشيء الذي يعطي لكل دولة حق تفسير ما هو معروف دوليا وفق نظرة ما
تعتبره مجتمعها الدولي .و ألجل ذلك ،فإن الدفع بعدم دستورية أي نص من القانون الجنائي ألي دولة بسبب
مخالفته أحكام المرجعية الدولية ،ال يسلب المحكمة الدستورية في تلك الدولة حقها في أن تكيف المرجعية
الدولية تلك وفق مصلحة النظام القانوي الذي تتولى حمايته .من ذلك أنه في نظر علماء الروم مع طابورهم
الخامس من المسترومة ،يعتبر االستعمار و القصف الجوي للتجمعات المدنية و خطف مواطني دول العالم
الثالث و التضييق على األجانب ،كما التدخل اإلمبريالي في الشؤون الداخلية لألمم المخالفة ،إلى غير ذلك من
الجرائم الحضارية ،أفعاال مباحة للمجتمع الدولي الرومي ال سبيل لمؤاخذة دوله عليها .ألجل ذلك لم يقبل
القضاء في الواليات المتحدة األمريكية مثال دفع المخطوفين من أفغانستان بعدم دستورية حبسهم في سجن
غوانتانامو و محاكتهم من طرف ضباط الجيش األمريكي.
من جهة أخرى ،تتميز المدونات الرومية و المسترومة للقانون الجنائي بتطبيق سياسة المعالجة البعدية
لظاهرة الجريمة ،بحيث يتم التركيز على مصير المجرمين بذريعة العمل على إصالحهم لدواعي إنسانية،
لدرجة أنه تم التوافق على إلغاء عقوبة اإلعدام ،و تمتيع المدانين في جرائم القتل بحق العفو.
من حق الطلبة أن يعلموا أنه خلف هذا الشعار البراق يتم التواطؤ على حق الضحايا المحتملين في الحماية
من األفعال اإلجرامية ،كما يتم تدمير هيبة حقوق اإلنسان في الحياة و في سالمة البدن و العرض و المال.
ال بد من التذكير في هذا الصدد بخالصات علم اإلجرام حول حقيقة المجرمين .فهؤالء يعتبرون كذلك من
وجهة نظر العلم الموثوق ألنهم ال يعتَ ّدون بالدواعي االنسانية .إذ يؤكد علماء اإلجرام أن المجرمين يخاطبون
المجتمع بلغة أفعال العنف ،و ال يفهمون غير لغة أفعال القسوة .و أكثر من ذلك؛ أثبتت الدراسات أن ذوي
الميول اإلجرامية يفهمون من كل اعتدال في تعامل المجتمع مع نظرائهم ،ضعفا مجتمعيا يشجعهم على ارتكاب
أعمال السرقة و القتل و االغتصاب ،ناهيك عن النصب و الرشوة و غير ذلك من األذى.
مفاد ذلك من وجهة نظر السياسة الجنائية أنه في التساهل مع أي مجرم تشجيع للعشرات من ذوي الميول
اإلجرامية للقيام بنفس ما قام به ،و من خالل ذلك ترشيح المئات من األطفال و النسوة و المسنين ليكونوا ضحايا
محتملين لهؤالء الجناة المحتملين.
الفرع الثاني :نظرية الحماية الجنائية للحضارة
نظرية الحماية الجنائية للحضارة هي التي تربط خطورة الظاهرة اإلجرامية بمفهوم الحضارة و ليس النظام
العام ،و هي النظرية التي يطبقها قانون الحضارة الذي تلتزم به األمة المغربية منذ أربعة عشر قرنا ،و فيها يتم
تعريف الجريمة مع تصنيف أنواعها و كذلك طريقة التعامل مع المجرمين و تنظيم مساطر المحاكمة بتصور
مختلف عن المعمول به في النظرية الرومية.
:0تعريف الجريمة و أصنافها
طبقا لنظرية الحماية الجنائية للحضارة يتم النظر إلى الجريمة على أنها من األعمال التي يقوم بها حكم
الجاهلية .فهي تنقض الحضارة بما يلحق عنها من مساس بأمن و سالمة أشخاص األمة على قدم المسواة ،دون
تفضيل لشخص الدولة مع رجالها و نسائها على من سواهم .ذلك أن التعامل الجماعي مع المشاكل التي تفرضها
الحياة على اإلنسان يق تضي أن ينعم األفراد باألمن على أنفسهم و أموالهم و أعراضهم ،كما يتطلب أن تخرج
عالقتهم مع السلطة الحاكمة من مجال الصراع و التجاذب بين القوى المتنافسة للسيطرة على الحكم.
تمس الجرائم بأمن األشخاص و سالمتهم على مستويين أحدهما مدني و اآلخر سياسي .و الجرائم الماسة
باألمن و السالمة المدنية هي المعروفة باسم جرائم الحق العام ،و هي متمثلة مبدئيا في األفعال المنشئة ألضرار
جنائية و ليست مجرد مدنية ،علما أن الضرر الجنائي هو الذي يستحيل تحمله نفسيا في غير حاالت الشذوذ و
االنحراف .من ذلك مثال التعرض للضرب و السب و القذف و الخيانة الزوجية و السرقة و انتهاك
الخصوصية ؛ إذ ال يتصور القبول النفسي باألضرار الناشئة عن هكذا أفعال إال من طرف مصاب بمرض
المازوشية.
خالل قرون من الزمن ،و بالحس الجماعي السليم ،قامت كل المجتمعات البشرية بالضغط المتواصل في
اتجاه رفع درجة خطورة هكذا أفعال لدرجة التجريم بدل الترحيب بها .بل إن نفس الحس لما زال يدفع في
50
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
اتجاه استعمال القانون الجنائي من أجل ترقية السلوك الحضاري عبر تجريم بعض مظاهر السلوك المتخلف
رغم غياب عنصر الضرر الجنائي فيه .فمثال ال تتسبب مخالفات المرور بل و كل الجرائم المسماة شكلية في
أضرا ر مثيلة للتي تنشأ عن الضرب و الجرج و االغتصاب ،و مع ذلك هي مصنفة كجرائم .و لعل الضرر
الوحيد فيها هو الطبيعة المتخلفة للسلوك المخالف.
أما الجرائم الماسة باألمن السياسي لألشخاص ،فلما زال مفهومها محل تشويه من قبل القوى الوصائية .فقد
ترتب عن صراع الحضارات أن باتت الروم و المسترومة مع المولويين متحالفين جميعا للتركيز على ما
يسمونه إرهابا من ردود فعل عنيفة على أعمال االسترهاب ،غرضهم من ذلك منع التمييز بين أعمال الثورة
المشروعة على المعتدي و المتسلط .و في خضم ذلك يتم الخلط بين أعمال النضال و الجهاد المشروع ،و بين
أعمال المنافسة السياسية الغير المشروعة .و قد تم تتويج ذلك كله بمنع قول الحقيقة من خالل ما تسميه القوانين
جريمة تمجيد اإلرهاب.
على القوم أن يعلموا بأن منع تمجيد اإلرهاب ال يعني وجوب تمجيد االسترهاب و أعمال المنافسة السياسية
الغير مشروعة .فهذه األخيرة تظل من جرائم الحق العام التي ال يجب السكوت عنها و ال المساهمة فيها.
جرائم االسترهاب هي التي يلحق منها باإلنسان و المواطن أذى غير قابل للتحمل من جراء تسلط فرد أو
عصبية أو محتل أجنبي على األمر بغير رضى جماعة األمة ،فيستبد به و يجعل أعزة أهلها أذلة .و رد الفعل
الرافض للتعاون على القيام بهكذا جريمة يكون مشروعا أيا كانت تسميته؛ فسواء اعتبر ثورة أو نضاال أو
جهادا أو مقاومة .بل إن تمجيده ال يعتبر جريمة من غير وجهة نظر الجهة التي تمارس االسترهاب.
أما جرائم المنافسة السياسية الغير مشروعة ،فهي التي يلحق فيها أذى غير قابل للتحمل نفسيا بالمواطنين
من طرف الجهات المتصارعة على السلطة ،بحيث يجدون أنفسهم محل تنازع بين سلطتين إحداهما قائمة و
أخرى في طور النشأة تدعيان امتالك حق التأمر برضى الجماعة ،لكنهما ال تلتزمان في ذلك بالترتيبات
الدستورية.
من ذلك مثال أن يرفض الطرفين االحتكام إلى االنتخابات في موعدها لمعرفة من يكون السواد األعظم في
صفه ،أو يرفض أحدهما النتيجة دون وجه حق ،فينشئ كل منهما سلطانه الذي يجبر به األفراد على الطاعة.
عندئذ يجد األفراد أنفسهم مجبرين على دفع الضرائب ،و أن يتعرضوا للمحاكمة ،و تصادر أموالهم ،أو حتى
تنفذ فيهم أحكام اإلعدام أو الحبس من الجهتين معا.
كل ذلك يدخل في حكم جرائم الحق العام من وجهة نظر الفقه المالكي و ال يمكن أن يعتبر منها سياسيا غير
التي تنحصر فيها المواجهة بين الطرفين في حدود مؤسساتهما السلطوية ،أما إذا تعدى أحدهما أو كالهما
المجال إلى المواطنين المحايدين ،صارت االفعال جريمة من جرائم الحق العام .من ذلك مثال أن اغتيال مواطن
محايد لسبب سياسي كالترهيب مثال ،يكون إسرافا في القتل يخرج فاعله من الملة و يقام عليه حد الحرابة ،أما
اغتيال الخصم السياسي في حال الفتنة فيعتبر جريمة سياسية.
و تتميز الن ظرية الحضارية للقانون الجنائي في هذا المجال بتطبيق سياسة التغليظ في العقوبة لحماية أمن
األفراد المحايدين مدنيا كان أو سياسيا ،و سياسة التخفيف بدال عن ذلك في مجال الجرائم السياسية.
ففي حين يسمح قانون الحضارة بالعفو العام عن مرتكبي الجرائم السياسية أيا كانت ،و يقضي بتطبيق
التدابير الوقائية عليهم ،يضمن األمن السياسي لألفراد المحايدين بحد الحرابة و هو عبارة عن عقوبات صارمة
تضمن هيبة حق اإلنسان في الحياة و سالمة البدن و العرض و المال و الخصوصية.
:2طريقة التعامل مع المجرمين
ال يغيب االعتبار اإلنساني عن نظر أنصار نظرية الحماية الجنائية للحضارة لكن لمصلحة الضحايا أيضا و
ليس المجرمين وحدهم.
يكفي تعامال إنسانيا مع المجرمين أن يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم و أال يؤخذوا بالشبهة .أما من جهة
الضحايا فيتطلب األمر النظر أيضا إلى المحتملين منهم.
ال يجادل عاقل بالفعل أن حماية الضحايا المحتملين من خطر الجناة المحتملين تعامل إنساني رفيع
المستوى .و في سبيل ذلك تسمح الحضارة بأن يتم مخاطبة الجناة بنفس خطاب القسوة الذي يخاطبون به
ضحاياهم حتى يفهموا خطورة أفعالهم و يمتنعوا عن القيام بها .من ذلك مثال أن تنفيذ حكم اإلعدام في مرتكب
جريمة االغتصاب أو هتك العرض يحقق الحماية الفعلية لعشرات النسوة و األطفال الذين يحتمل تعرضهم لنفس
األفعال من طرف ذوي الميول اإلجرامية.
أثبتت الدراسات بالفعل أنه عندما يتأكد لحثالة المنحرفين أن تنفيذ حكم اإلعدام يتم فعال في حق مرتكب فعل
االغتصاب ،فإنهم يفهم ون جيدا أن هكذا فعل يكلفهم حياتهم فيمتنعون عنه ليس حبا في اإلنسانية بل خوفا على
أنفسهم الخبيثة.
المطلب الثاني :الخصومات الجنائية
ي عتبر خصومة جنائية كل استمساك بالقضاء للمطالبة بتطبيق أحكام المسؤولية الجنائية عن فعل توجه تهمة
ارتكابه لشخص معين.
51
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و تتميز الخ صومات الجنائية بخصوصية عناصر الدعوى المقامة فيها و المسماة دعوى جنائية ،و بتنوعها؛
كما أن االختصاص للنظر فيها منعقد للمحاكم العادية و ليس المتخصصة.
:0عناصر الدعوى الجنائية
تسمى الدعوى الجنائية كذلك عمومية من حيث أن طرفاها هم المتهم من جهة ،و المجتمع من جهة أخرى
ممثال مبدئيا في النيابة العامة .و هي تقام من طرف النيابة العامة اعتمادا على نص من المسطرة الجنائية
إلثبات مسؤولية المتهم بسبب خطأ جنائي منصوص عليه في القانون الجنائي ،و لطلب الحكم بتوقيع عقوبة
منصوص عليها في نفس القانون.
تتميز الدعوى الجنائية بكون وسيلتها موضوعة قانونا في متناول الشرطة القضائية ،تحركها بها من خالل
فتح محضر لمختلف إجراءات الضبط الجنائي قبل تمسك المحكمة بها .و تتميز كذلك بحصر قائمة أسبابها
بنص القانون بحيث ال يجوز إقامة الدعوى الجنائية للمطالبة بإدانة متهم عن أفعال ليست مذكورة ضمن الجرائم
بموجب مدونة القانون الجنائي.
موضوع الدعوى الجنائية محدد قانونا كذلك من حيث أنه ال يجوز رفعها لغير طلب اإلدانة الجنائية و ال
يجوز الحكم فيها بغير العقوبات المنصوص عليها قانونا.
:2أنواع الخصومات الجنائية
تتنوع الخصومات الجنائية بتنوع الجرائم من حيث درجة الخطورة و مصدر النص على عقوبتها ،كما صفة
المتهمين.
معلوم أن درجة خطورة الجريمة تختلف في حالة المخالفة عنها في حال الجنحة و حال الجناية حسب
النظرية القانونية ،و حسب النظرية الشرعية في حالة الحدود عنها في حالة التعزيرات.
فالمخالفة هي الجريمة المعاقب عليها بالغرامة التي ال تزيد عن 1233درهم و االعتقال لمدة تقل عن شهر
أو أحداهما .و الجنحة هي التي يعاقب عليها القانون بالحبس لمدة تقل عن خمس سنوات ،و تكون ضبطية إن لم
تتجاوز مدة الحبس سنتين ،مع الغرامة أو من دونها في الحالتين .أما الجناية فهي التي يعاقب عليها القانون
باإلعدام أو السجن مؤبدا أو مؤقتا ،أو اإلقامة اإلجبارية أو التجريد من الحقوق الوطنية.
و من حيث مصدر النص على العقوبة تختلف الجرائم إلى حدود و هي التي يعاقب عليها الشرع باإلعدام
أو الجلد أو القطع أو القصاص في حين يدخل ضمن التعزيرات كل جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن أو
الحبس أو االعتقال أو الغرامة.
من المفروض أن يتم تنظيم االختصاص القضائي للنظر في الجرائم بناء على هذه االختالفات في درجة
الخطورة مع مصدر النص على العقوبة.
فنظرا لقدسية الحدود باعتبارها ضمانة إلهية لحقوق المستضعفين في الحياة و سالمة البدن و العرض و
المال و الخصوصية ،يفترض أن تتخصص محاكم مختصة بالنظر فيها على أن تترك التعزيرات لمحاكم
مختصة غيرها تكون مستقلة عنها؛ علما أنه ال يجوز للمشرع الوضعي تعدي الحدود بمعنى أنه ال يملك
صالحية تطبيق عقوبات اإلعدام و القطع و الجلد و القصاص على األفعال التي يجرمها بمعرفته ،و إنما له أن
يطبق فيها التعزيرات وحدها.
بذلك يمكن للمحاكم الجنائية أن تكون من صنفين متخصصين أحدهما للحدود الشرعية يقوم بتطبيق القانون
الجنائي المقدس و اآلخر للتعزيرات يطبق القانون الجنائي الوضعي الصادر بأمر األمة من خالل الشورى
الجماعي ة .و مفاد ذلك أال تكون محاكم التعزيرات مختصة لتطبيق عقوبات اإلعدام و الجلد و القطع و
القصاص ،فتنظر بالتالي في الجنايات المعاقب عليها بالسجن أو الحبس أو التجريد من الحقوق الوطنية و
اإلقامة اإلجبارية مع الجنح و المخالفات.
في غياب محاكم الحدود الشرعية تختص المحاكم الجنائية المغربية حاليا بتطبيق التعزيرات بما في ذلك
عوضا عن الحدود بل و متعدية مجال الحدود الشرعية فيما يتعلق بعقوبة اإلعدام.
صحيح أن القضاء الجنائي المغربي غير مخول لتطبيق حدود الجلد و القطع و القصاص لكنه يملك صالحية
الحكم باإلعدام على غير مقتضى القانون المقدس .إذ باستثناء جرائم القتل العمد التي يتوافق فيها القانونين
المقدس و الوضعي ،تختلف أحكامهما بخصوص جرائم المساس بأمن الدولة و االغتصاب و الخيانة الزوجية و
كذلك اللواط.
:1صالحيات القضاء الجنائي
تقتضي موجبات الحضارة أن تنعقد الصالحية للنظر في الخصومات الجنائية للقضاة المستقلين في المحاكم
العادية دون سواهم .فصرامة رد فعل المجتمع و خطورة الوسائل المستعملة للتثبت من وقوع الجرائم و للبحث
و التحري عن مرتكبيها تقتضي حماية غير عادية لحقوق اإلنسان و المواطن ضد االستبداد.
بالفعل ،يخشى على اإلنسان و المواطن من استبداد السلطة الحاكمة باستعمال وسائل البحث و التحري
الجنائي للتحرش المخزني و استعمال بتطبيق العقوبات بالطرق الحربية و الشرطية بدل الطرق القضائية.
52
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فكل اعتقال و استنطاق و كذلك التحري و المراقبة التي تتم خارج نظام الدعوى الجنائية كما هي مقننة أمام
ال محاكم العادية تعتبر تحرشا مخزنيا يدخل في عداد أعمال االسترهاب .و مثل ذلك يعد استرهابا كل استعمال
لقوة العسكر أو البوليس العتقال الناس و المساس بسالمتهم البدنية و نزع الممتلكات أو التصفية الجسدية دون
االستناد إلى حكم صادر عن قضاة مستقلين غير قابلين للعزل على غير مقتضى القانون.
و طبقا للمادة 111من مدونة المسطرة الجنائية تنعقد حصريا صالحية النظر في الجنايات و الجرائم
المرتبطة بها لمحكمة االستئناف العادية .أما اختصاص النظر في الجنح و المخالفات فمنعقد بمقتضى المادة
292من نفس المدونة للمحاكم االبتدائية.
و قد حرص المشرع على تقييد هذا االختصاص بالنسبة للدرجتين من المحاكم بقيد الصفة بالنسبة لألشخاص
المستفيدين من نظام التبرير و الحصانة القضائية و اإلعفاء القانوني و كذلك العسكريين.
يستفيد من حصانة القانون ضد المسؤولية الجنائية بفعل نظام التبرير وفقا للفصل 121من مدونة القانون
الجنائي ،و بالتالي ال يحق للمحكمة النظر في الخصومة الجنائية ضده ،كل من اقترف فعال يتكون به الركن
المادي لجناية و أو جنحة أو مخالفة إذا أثبت أنه تصرف بأمر من السلطة الشرعية وفق ما يوجبه القانون .بل
إنه طبقا للفصل 229من مدونة القانون الجنائي يستفيد الموظف من نظام اإلعفاء من المسؤولية الجنائية متى
كان الفعل الذي نفذه مخالفا للقانون متى أثبت أنه تصرف بناء على أمر صادر من رؤسائه في مادة تدخل في
نطاق اختصاصهم و يوجب عليه القانون طاعتهم.
صحيح أنه في هذه الحالة يمكن طبقا لنفس الفصل 229توجيه االتهام للرئيس اإلداري الذي أصدر األمر
بارتكاب الفعل ،إال أن ذلك يصير مستحيال متى تبين أنه معفي من المسؤولية الجنائية أو متمتع بحصانة
قضائية.
فطبقا للمادة 211إلى 212من مدونة المسطرة الجنائية ،يستفيد من الحصانة القضائية جمهور غفير من
الناس على رأسهم مستشاري الملك و رئيس الحكومة مع الوزراء و كتاب الدولة و نوابهم و كذلك كل قاض و
وال و عامل و باشا و خليفة و قائد و ضابط للشرطة القضائية .يبقى مع ذلك أنها حصانة يمكن التماس رفعها
عن المعني باألمر من طرف القضاء وفق مسطرة يبينها القانون ما لم يتلقى الوكيل العام للملك خبرا مؤكدا بأن
المتهم تصرف بأمر من جهة معفية من المسؤولية الجنائية.
ذلك أنه باإلضافة لكل المصالح السرية للمخزن مع مجلس أركان القوات المسلحة و كل مؤسسة دستورية
تملك حق التصرف تحت غطاء أعمال السيادة ،يوفر الدستور إعفاء جنائيا بصريح نص الفصل ،11و كذلك
مدونة القانون الجنائي بصريح الفصول 113إلى 123لشخص الملك و شخوص أفراد األسرة الملكية من
فروع الملك و أصوله و زوجاته ،و إخوته و أوالدهم ذكورا و إناثا ،و أخواته و أعمامه .فهؤالء متمتعون كلهم
جميعا باإلعفاء الكامل من المسؤولية الجنائية .إذ أن السعي أمام القضاء لطلب توقيع العقوبة عليهم يعتبر من
قبيل السعي لالعتداء على حياتهم او شخوصهم حسب ما إذا كانت العقوبة المطلوب توقيعها هي اإلعدام أو
السجن أو الحبس أو االعتقال.
و بناء عليه متى كان األمر بالفعل المحدث للضرر صادرا من الملك أو من أحد أفراد األسرة الملكية ،لم
يج ز ألي جهة قضائية تحريك الدعوى الجنائية ،و ال يكون للمتضرر إن استطاع في هذه الحياة الدنيا ،سوى
حق طلب التعويض المدني عمال بأحكام المسؤولية التقصيرية على أساس أنه ليس فيها إعفاء ألي كان.
أيا كانت طبيعة القضية الجنائية ،فالمفروض أن القضاء ال ينظر فيها إال بموجب دعوى تتحرك وفق أحكام
مدونة المسطرة الجنائية طبقا للقانون رقم 31-22المتعلق بالمسطرة الجنائية؛ على أال يتم الخلط بينها و بين
الدعوى المدنية المرفوعة للمطالبة بتعويض الضرر الناتج عن الجريمة .فهذه األخيرة قد تكون مستقلة بنفسها و
قد تكون تابعة للدعوى العمومية ،ال تقبل في الحالتين إال أمام المحاكم العادية .فالمحكمة العسكرية المنشأة
استثناء للنظر في القضايا الحربية ليست مخولة للنظر في الطلبات المدنية ذات الصلة.
المبحث السابع :القضايا العسكرية
تتمثل القضايا العسكرية في النزاعات الحقوقية الناشئة عن مخالفة القانون العسكري الداخلي و الدولي .و
يتعلق األمر بالنزاعات الحاصلة من جراء ارتكاب العسكريين من المواطنين و األجانب ألخطاء مهنية خالل
تنفيذ العمليات القتالية أو خارجها ،و التي تعتبر في الوقت نفسه جرائم ،حسب األحوال ،في نظر القانون
الجنائي الداخلي أو الدولي.
من جه ة أخرى تنطبق صفة القضايا العسكرية على الخصومات الحربية مع المواطنين و األجانب من غير
العسكريين و التي تعتبر مساسا بأمن الدولة الخارجي في نظر القانون الجنائي الداخلي و في الوقت نفسه جرائم
إرهاب في نظر القانونين الداخلي و الدولي.
فقد باتت هذه القضايا موضوع د راسة متخصصة من علم القانون الجنائي تحت عنوان القانون الجنائي
العسكري بما له من امتدادات في القانون الدولي.
أهم موضوعات هذا الفرع من القانون هي الجرائم المنسوبة للعسكريين دون سواهم ،و جرائم الحرب مع
جرائم اإلرهاب.
53
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يهمنا أكثر شيء أن ننتبه إلى تداخل الخصومات العسكرية و الحربية الوطنية و الدولية بهذا الشأن في ظل
صراع الحضارات الذي يتسبب فيه الروم بنظامهم العام .و لشرح ذلك نفضل الحديث في هذا الدرس التمهيدي
عن الفارق بين نظامي العدالة العسكرية الرومية من جهة و اإلسالمية من جهة ثانية.
المطلب األول :أنظمة العدالة العسكرية في النظام العام الرومي
يتميز نظام العدالة العسكرية كما هو معروف في أنظمة العدالة الرومية و المسترومة باختالط الخصومات
التأديبية و الحربية فيها مع الخصومات الجنائية .و يتم تنظيم المحاكم ذات الصالحية للنظر في هكذا قضايا وفق
أحد نظامين أحدهما يسمى دائم و ينسب تاريخيا لفرنسا ،و الثاني تمثل المحاكم الحربية للواليات المتحدة
األمريكية نموذجه.
في نظام العدالة العسكرية الموروث عن فرنسا ،يتم إحداث محاكم عسكرية دائمة في وقت السلم من درجة
واحدة أو من درجتين مع إعطاء صالحية إنشاء محاكم عسكرية ميدانية وقت الحرب لوزير الدفاع .و قد تطور
هذا النظام بعد 2312لنظام مختلف يتم فيه العمل سرا بنظام العدالة العسكرية االستثنائية تحت غطاء أعمال
السيادة ،أو علنا تحث حالة االستثناء .أما في نظام العدالة العسكرية األمريكية ،فيتم تنصيب المحاكم الحربية
عند الحاجة بمرسوم رئاسي لتتولى النظر في خصومات محددة ضد األجانب.
الفرع األول :النموذج األمريكي
نظام الخصومات الحربية األجنبية مجسد بامتياز في النموذج األمريكي للعدالة العسكرية .فالنظام القضائي
للواليات المتحدة األمريكية ،يعقد اختصاص النظر في كل الخصومات الجنائية ضد المواطنين األمريكيين ،بما
فيها الماسة بأمن الدولة الخارجي ،و تلك التي تقع من العسكريين أو عليهم ،للمحاكم العادية و المتخصصة التي
منها محاكم عسكرية .و هو ال يفرق في ذلك بين الجرائم على المستويين الفدرالي و المحلي .أما الخصومات
التأديبية ضد العسكريين عما يرتكبونه من أخطاء مهنية فينعقد االختصاص فيها حصريا لمجالس تأديبية
عسكرية مع حفظ حق النيابة العامة في إقامة الدعوى الجنائية أمام القضاء العادي أو المتخصص.
في حين ذلك ،يتم التعامل مع العسكريين األجانب وفق أحكام القانون الدولي العسكري كما تجسده االتفاقيات
الدولية حول جرائم الحرب و وضعية الجنود األسرى حيث تنعقد الصالحية للنظر في شأنهم لمحاكم دولية .أما
الخصومات الحربية ضد غير العسكريين األجانب فتنعقد الصالحية للنظر فيها لما يسمى محاكم عسكرية
استثنائية.
و قد أنشأت أول محكمة عسكرية من هذا النوع في الواليات المتحدة األمريكية بقرار من الرئيس روزفلت
أثناء الحرب العالمية الثانية للنظر في الخصومة الحربية ضد الجواسيس النازيين في التراب األمريكي .كما
انشأت محكمة مثيلة للمرة الثانية بقرار من الرئيس بوش االبن ،لكن هذه المرة للنظر بصفة مفتوحة في كل
الخصومات الحربية ضد اإلرهابيين من األجانب عبر العالم.
طبقا للمرسوم الرئاسي المنشئ لها ،تختص المحكمة العسكرية األمريكية فقط بالنظر في الخصومات
الحربية ضد من تعتبرهم الحكومة األمريكية إرهابيين .فهي تملك الصالحية بناء على أمر من رئيس الدولة
للحكم بإدانة أي شخص أجنبي متهم بجريمة اإلرهاب عبر العالم ضد الواليات المتحدة األمريكية أيا كانت
جنسيته ،و تنعقد لها بفعل ذلك صالحية إصدار الحكم بالقبض عليه حيا أو حتى قتله داخل تراب الواليات
المتحدة األمريكية أو خارجها تنفيذا لحكم باإلعدام تصدره في حقه.
واضح أن هكذا عدالة تندرج باألحرى في مجال المناجزة العسكرية ،فالضباط العاملون في المحكمة
العسكرية االستثنائية يجتمعون ليس للفصل في الخصومة بين المجتمع األمريكي ممثال بالنيابة العامة ،ضد متهم
يمتلك حق التعرف على من يتهمه و بماذا؛ مع حق الدفع بتوكيل محام عن نفسه و االستعانة بمترجمين .و إنما
ليساهموا في تنفيذ خطة عسكرية للتخلص من خطر كل مدني أجنبي ،متواجد فوق التراب األمريكي أو خارجه،
تعتبره أجهزة المخابرات المركزية خطرا على أمن و سالمة مصالح الواليات المتحدة األمريكية.
و في سبيل تأصيل نظام العدالة االستثنائية هذا بناء على دستور دولة الواليات المتحدة الذي يعتبره
األم ريكيون قانون حضارتهم المقدس ،يحتج علماء القانون األمريكيون بقاعدة فقهية رومية تقول أنه حين
الحرب يصمت القانون ،و هي المعبر عنها في اللغة الالتينية .Inter arma silent leges
فالمرسوم المنشئ للمحكمة العسكرية المختصة بمعالجة قضايا اإلرهاب مطابق للدستور حسبهم بذريعة
الحرب .ذلك أن الدستور نفسه ،أي قانون الحضارة كما يتصورونها ،يجب أن يصمت حينما تتكلم البنادق.
و يبقى السؤال مطروحا حول هوية من يسكت عنهم القانون ممن تتكلم البنادق ضدهم.
يدعي علماء القانون األمريكيين أن األمر يتعلق فقط بالمدنيين األجانب الذين يحملون السالح على الواليات
المتحدة األمريكية ،ألنهم يخرقون القانون العسكري الدولي خارج الواليات المتحدة األمريكية ،و الداخلي فوق
ترابها .أما الحقيقة فخالف ذلك تماما بالنسبة للمواطنين األمريكيين من المدنيين و العسكريين على حد سواء،
بحيث ال فرق بينهم و بين األجانب عل ى هذا المستوى إال في درجة حالة العالقة القانونية التي ينظمها الدستور
بينهم و بين الدولة.
54
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ليس سرا أن العالقة القانونية التي ينظمها الدستور بين دولة الواليات المتحدة األمريكية و مواطنيها قابلة
للتحول من الحالة العادية إلى الحالة االستثنائية عمال بنفس قاعدة أن القانون يصمت حين الحرب .فال شيء
بالتالي يمنع رئيس الواليات المتحدة األمريكية من تنصيب محاكم عسكرية استثنائية للنظر في الخصومة
الحربية مع كل مواطن أمريكي متهم بممارسة حرب ما كحرب اإلرهاب ضد الواليات المتحدة األمريكية .بل
إنه ال شيء في الدستور يمنع الرئيس من فعل ذلك كله في السر طبقا لنظام أعمال السيادة.
ال يختلف الوضع بالنسبة لألجانب العسكريين من الذين يخوضون الحرب ضد الواليات المتحدة األمريكية
في العالقة مع القانون الدولي العسكري.
يفترض بالفعل أن العسكريين األجانب يخضعون في نظر القضاء األمريكي للقانون الدولي العسكري كما
تجسده عدة اتفاقيات دولية أشهرها اتفاقية جنيف ألسرى الحرب .غير أنه يجب أال ننسى أنه بسبب امتالك حق
النقض في مجلس األمن الدولي ،تتمتع الواليات المتحدة األمريكية بحرية تطبيق القانون الدولي بما فيه
العسكري .و األهم من ذلك أنه بناء على حق النقض المذكور ،يجوز وفق الدستور األمريكي لحكومة الواليات
المتحدة األمريكية خرق أي قاعدة من قواعد القانون الدولي.
ليس مستبعدا بالتالي أن يكون في تنصيب محاكم استثنائية لمكافحة اإلرهاب المنسوب للمدنيين األجانب
بذريعة خرقهم للقانون العسكري الدولي و الداخلي ،بداية لشن عملية أسع ضد جهة معينة داخل الواليات
المتحدة األمريكية و خارجها.
كل ما يمكن قوله أن األمر يتعلق لحد اآلن بحرب أعلنت مند عشرات السنين ضد االسالميين الجهاديين ،و
قد باتت تمثل الجانب الساخن من صراع الحضارات ،بل إن الرئيس الموقع على المرسوم المدشن لتنصيب
المحاكم العسكرية االستثنائية عبر عن ذلك صراحة بالقول أنها حرب صليبية ضد اإلسالم.
الفرع الثاني :النموذج الفرنسي
خالف نظام العدل العسكري األمريكي ال تختص المحاكم العسكرية االستثنائية وفق النظام الفرنسي بالنظر
في الخصومات الحربية دون سواها ،بل يختلط األمر لديها بين الخصومات الجنائية و التأديبية و الحربية .بل
إن النظام النموذج الفرنسي أعر من نظيره األمريكي.
بالفعل ،يفصل نظام العدل العسكري األمريكي بين الخصومات الحربية المنعقدة صالحية النظر فيها للمحاكم
العسكرية االستثنائية ،و الخصومات الجنائية من جهة ،مع الخصومات التأديبية من جهة أخرى التي تنعقد
صالحية النظر فيها للمحاكم العسكرية المتخصصة بالنسبة لألولى و المجالس التأديبية العسكرية بالنسبة للثانية.
و تتميز المحاكم العسكرية المتخصصة بكونها خاضعة لرقابة المحكمة العليا ،و منظمة وفق أحكام التنظيم
القضائي العادي بحيث ال يجلس فيها إال القضاة المستقلون و الغير قابلين للعزل .و يبقى األسوأ فيه أنه يجعل
الحق الدستوري في المحاكمة العسكرية أمام محكمة عادية حق سياسي للمواطن و ليس حقا مدنيا من حقوق
اإلنسان.
أما نظام العدل العسكري الفرنسي فال يأخذ بهكذا فصل ،و ال يعترف حتى للمواطن بالحق الدستوري في
المحاكمة العسكرية أمام قضاء عادي.
ال يضمن النموذج الفرنسي استقالل القضاة في المحاكم العسكرية ،دائمة كانت أو مؤقتة ،ألنهم يظلون
ضباطا خاضعين لنظام التسلسل اإلداري ،و بالتالي ملزمين قانونا بطاعة أوامر رؤسائهم بما في ذلك حين
إصدار أحكام المحكمة التي يجلسون فيها.
و في الحقيقة ،لم يعد لفرنسا بنظام العدل العسكري سوى عالقة المورث بعد أن تم تطهير النظام القانوني
الفرنسي تماما من المحاكم العسكرية الدائمة وقت السلم كما الميدانية وقت الحرب .فقد تم إسناد صالحيات
المحاكم العسكرية السابقة لغرف مستقلة في المحاكم االبتدائية المسماة محاكم الدرجة األولى.
غير أن ذلك ال يعني استحالة تنصيب المحاكم العسكرية االستثنائية مجددا في أي وقت عمال بقاعدة أنه حين
الحرب يصمت القانون .فالدستور الفرنسي ينص صراحة على حق رئيس الدولة في إعالن حالة االستثناء و في
ا تخاذ اإلجراءات الحربية التي تقتضيها مصلحة البالد كما يقدرها الرئيس نفسه ،و من ذلك إنشاء محاكم حربية
كما فعل نظيره األمريكي.
مهما يكن ،فإن المحاكم المنتصبة وفق النظام الموروث عن القانون الفرنسي لما زالت منتشرة في معظم
دول العالم الثالث و منها المملكة المغربية.
و بشكل عام ،تختص الدائمة منها في وقت السلم كما المحدثة ميدانيا في وقت الحرب بالنظر في كل
خصومة جنائية يكون عسكري متهما فيها أو هو نفسه الضحية ،و كذلك قضايا المساس بأمن الدولة مع قضايا
أسرى الحرب .فهي تملك بذلك الصالحية بدال عن المحاكم الجنائية العادية ،لمحاكمة العسكريين عن جرائم
الحق العام كما هي منصوص عليها في مدونة القانون الجنائي ،و في الوقت نفسه ،تعتبر محاكم تأديبية تنظر
في األخطاء المهنية العسكرية كما هي مبينة في مدونة العدل العسكري ،ليختلط بذلك الشأن الجنائي لديها
بالشأن التأديبي.
55
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تملك المحاكم ال عسكرية من جهة ثانية صالحية محاكمة غير العسكريين من المواطنين و األجانب عما
يرتكبونه من جرائم ضد العسكريين و ضد أمن الدولة ،فتمتزج الصالحية بالنسبة إليها بين الشأنين الجنائي و
الحربي.
المطلب الثاني :نظام العدالة العسكرية اإلسالمية
سبق أن ذكرنا أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم وضع أسس التنظيم القضائي اإلسالمي من خالل جلوسه
صلى هللا عليه و سلم بمعية أبي بكر و عمر و علي للقضاء في مجلس قضائي أعلى لألمة بالمدينة المنورة و
انتدابه قضاة للحكم في الدرجة األولى عبر أقضية دار اإلسالم مع قاضيين للحكم في الدرجة الثانية باليمن بمعية
الملك باذام في محكمة اليمن العليا.
بذلك يكون رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قد أجاز لباذام أسلمة نظام الديوان الفارسي تحت مراقبة القضاء
الفدرالي بالمدينة المنورة .و حيث أنه لم يعرف في نظام الديوان الفارسي الذي كان معموال به في اليمن و في
خارجها من باقي واليات اإلمبراطورية الفارسية نظام للقضاء العسكري المتخصص ،فإن النظر في
الخصومات العسكرية ظل في اليمن كما خارجها من أقضية دار اإلسالم ظل من صالحية القضاة المسلمين في
المحاكم العادية.
معلوم أنه لم يكن للروم كذلك نظام قضاء عسكري متخصص لذلك لم يأخذه عنهم األميون و ال العباسيون
من بعدهم.
أول من اجتهد من الحكام المسلمين لألخذ بنظام العدالة العسكرية المتخصصة هم السالطين العثمانيون و
بالضبط الخليفة سليمان القانوني رحمه هللا.
ليس سرا العثمانيين أخذوا عن الروم نظام الجيش النظامي للبايلك بدل نظام الجيوش القبلية الذي عملت به
الدولتين األموية و العباسية .فقد أسس العثمانيون فرقا دائمة و متخصصة من الجند سموها انكشارية البايلك ،و
قد تولى سليمان القانوني بفرمانات عدة وضع األحكام المتعلقة بمرتبات الجند ،و محال إقامتهم في الثكنات و
خارجها ،و طرق مواصالتهم ،كما العقوبات المطبقة في حالة المخالفات المهنية و القانونية عموما .و تتويجا
لذلك كله نصب محاكم متخصصة للنظر في القضايا العسكرية دون سواها.
كان قضاة البايلك العسكريون مستقلين غير قابلين للعزل من غير السلطان ذاته ،و وفقا للشرع .صحيح أنهم
كانوا يختارون من بين ضباط االنكشارية لكن فقط بسبب مؤهالتهم العلمية و المهنية و ليس القتالية .و األهم من
ذلك أنه كل من تم اختياره لشغل منصب القضاء العسكري صار في حل من طاعة رؤاسه العسكريين أيا كانت
مرتبتهم ،بل صار هؤالء هم الملزمون بتنفيذ أحكامه دون مناقشة.
مهما كان للعثمانيين من فضل في حماية بيضة األمة فإن نظامهم كان ملكا عاضا غير راشد؛ ذلك أن
السلطان كان يجمع بين يديه سلطات رئيس الملة و رئيس األمة معا ،و لم يكن يجلس للقضاء في مجلس أعلى
لألمة على قدم المساواة مع قضاة آخري ن مستقلين عنه ،بل كان يفعل ذلك منفردا .ألجل ذلك لم يكن القضاة
العسكريون كما نظراؤهم من المدنيين يملكون ضمانة قانونية لعدم عبث السلطان بأحكامهم.
صحيح أن السلطان نفسه كان خاضعا لرقابة جمهور علماء أهل السنة خاصة منهم األحناف ،لكنه في غياب
مجلس علمي أعلى مالك لنفس صالحيات مجلس أهل الشورى في عهد الخلفاء الراشدين لم يكن باإلمكان القول
أن النظام السلطاني العثماني كان راشدا.
من هذه الناحية لم يختلف الوضع عنه في إيالة المغرب كما في مختلف إياالت إيالف المغرب اإلسالمي ،و
ال في إياالت سالطين المغول بالهند و في دولة الصفويين و من بعدهم الغزنويين في المشرق ،إال بخصوص
نظام العدالة العسكرية.
خالفا لدولة الخالفة العثمانية ،احتفظت تلك اإلياالت كلها بنظام التقسيم القبلي للجيش ،فلم يكن ألي منها فرق
متخصصة في العمليات الحربية تسهر على حماية الثغور بالدوام .فقد اكتفى حكام الدول المسلمة تلك بتنظيم
قيادة الجند دون الفرق؛ و كانت هذه األخيرة تنشأ عند الحاجة باستدعاء القبائل المؤهلة لذلك للمشاركة في
المعارك .ألجل ذلك لم ينشأ فقه شرعي حول القضايا العسكرية ،و لم تظهر الحاجة لألخذ بنظام العدالة
العسكرية.
ففي إيالة المغرب مثال لم تنجح محاولة السلطان إسماعيل العلوي في استبدال القبائل المقاتلة بجيش نظامي،
ذلك أن فرق جيش التواركة ما لبثت أن حلت بعد وفاته .و كما كان الحال قبله ،ظلت القضايا العسكرية من
اختصاص القضاة العاديين و ديوان المظالم حسب األحوال.
ال شك أن صورة الوضع الشرعي السليم كما ينتظر األخذ بها في نظام الملكية البرلمانية الراشدة مختلفة
عن صورة الوضع المعروف للقضاء العسكري في النظامين السلطاني كما الرومي معا.
قطعا أنه ال محل للتقسيم القبلي للجيش في ظل النظام الراشد ،و ال مجال كذلك لألخذ بنظام العدالة العسكرية
االستثنائية و ال نظام العدالة الحربية كما هما معروفين في النظامين الفرنسي و األمريكي.
طبقا لقانون الحضارة ،ال يمكن للمحاكم العسكرية إال أن تكون متخصصة غير استثنائية يجلس فيها قضاة
مستقلون و غير قابلين للعزل بغير مقتضى القانون ،و ال يراقب أمير المؤمنين بصفته المحتسب العام لألمة
56
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
غير مشروعية أحكامهم .أهم من ذلك كله في العالقة الحربية مع المواطنين من أبناء األمة المغربية كما
األجانب من أبناء األمم األخرى أن يتم التعامل في ظل أحكام قانون الحضارة.
بهذه المناسبة ال بد من اإلشارة أن القانون المقدس عند المسلمين ،و الذي هو قانون الحضارة بالنسبة إليهم ال
يقبل التعليق و ال التعطيل بسبب الحرب .بل إنه يمنع حتى مجرد استعمال سلطة القضاء ضمن المناجزة
العسكرية .فالجيش المسلم ملزم شرعا بحفظ شرف مواجهة الخصم المسلح في ساحة القتال بعد نبزه على
سواء ،دون إقحام النسوة و العجزة و الولدان و رجال الدين في الحرب؛ و ال يحق له ممارسة الدجل بإخفاء
إعالن الحرب عبر التخفي وراء قضاة يصدرون أحكام غدر بأشخاص ال علم لهم بها .ليس معنى ذلك أنه ال يجوز
للجيش المسلم تنفيذ عمليات قتل و خطف و تخريب ضد العدو على حين غرة ،ردا على أفعال مماثلة.
و الفارق في ذلك هو أن المؤسسة العسكرية االسالمية تظل خاضعة لرقابة القضاء فيما أنجزته من أعمال عسكرية،
ألن الشرع ال يصمت وقت الحرب بل يسري عليها .من ذلك أنه ال يحق للجيش المسلم تنفيذ أي عمل ضد غير المقاتلين
اص فَمَ ِن من أهل دار الحرب إال عمال بقاعدة الرد بالمثل مصداقا لقول هللا تعلى (الشَّهر ا ْلحرام بِالشَّهرِ ا ْلحرا ِم وا ْلحرم ِ
ص ٌ
ات ق َ
ْ َ َ َ ُ َُ ُ ْ ُ ََ ُ
ين) .فإذا دخل جيش األمة أرض ِ
أَن اللّهَ مَ َع ا ْل ُمتَّق َ
اعلَ ُمواْ َّ
ك ْم َواتَّقُواْ اللّهَ َو ْ دواْ عَلَ ْي ِه بِِم ْث ِل َما ْ
اعتَدَى عَلَ ْي ُ اعتَ ُ
ك ْم فَ ْ
اعتَدَى عَلَ ْي ُ
2
ْ
حرب لم يسبق ألهلها أن دخلوا جزءا من دار اإلسالم ،أو دخلوه و لم ينتهكوا األعراض و يخربوا البيوت و يهدموا دور
العبادة لم يكن للجنود المسلمين حق السبي و ال الهدم و ال التخريب .أما إذا كان العدو قد حل من قبل بدار اإلسالم و فعل
تلك األفاعيل تم العمل في حقه بقاعدة القصاص .فأي أمة أرادت أن تصون أعراضها و تحمي األبرياء من أفرادها عليها
أال تنتهك أعراض غيرها و ال تعتدي على األبرياء منهم و أال تنسى بأن الدهر يومان يوم لك و يوم عليك.
ليس سرا أن الروم ال يستمعون لهكذا قول انطالقا من نفس الفهم ،فهم يدعون أن حروبهم الصليبية التي ال تنتهي منذ
أربعة عشر قرنا ،ليست سوى ردا مشروعا منهم على ما فعله بهم محمد صلى هللا عليه و سلم ،علما أنه صلى هللا عليه و
سلم لم يفعل أكثر من تحرير العرب و المصريين مع البربر من العبودية للبيزنطيين ليكونوا أحرارا في أوطانهم.
لعله بهذه النظرة العامة على الخصومات القضائية و أنظمتها تكون خصوصية النوازل المدنية قد اتضحت ،و هي
تبرز أكثر من ذلك بتدقيق النظر في أحكام كل من الدعوى المدنية و المحاكمة المدنية.
درس االستعداد
-استخدم خدمة الشبكة العنكبوتية لتحميل دروس مقرر المسطرية المدنية المتوفرة مجانا ،خاصة منها دروس الدكتور محمد أخريف
في كلية الحقوق بفاس ،و كذلك المخطوط المنشور في منتديات ستار تايمز على الرابط
Startimes2.com/f.aspx ?mode :f&f :58K؛ و كذلك لتحميل نص وثيقة المطالبة باالستقالل مع نص دستور 23يوليو
2311و مختلف مدونات القانون التي تم ذكرها في الفصل التمهيدي من هذا الدرس.؟
-أعد مراجعة ما لديك من مطبوعات و مخطوطات دروس في القانون تلقيتها في السداسيات السابقة ؟
-قم بتحميل مرجع أو أكثر حول علم أصول الفقه المالكي و اطلع عليه؟
-قم بتحميل مؤلف ابن فرحون المالكي بعنوان تبصرة الحكام و اطلع على ما فيه؟
2
سورة البقرة اآلية 491
57
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
58
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
لفهم ذلك أكثر ال بأس في هكذا مناسبة من تذكير أنصار المدرسة الرومية لعلم الحقوق أنهم يعتبرون
الحقوق السياسية و الحقوق المدنية هي الجيلين الثاني و الثالث لحقوق االنسان بعد جيل الحقوق
الوطنية ،و أن قائمة الحقوق السياسية محصورة في نصوص القانون ،عكس الشأن بالنسبة للحقوق
المدنية .فال أحد منهم يستطيع إنكار حقيقة أن الحق الوطني هو حق الشعب في امتالك دولة كاملة
السيادة لها حرية التصرف في شعبها و إقليمها ،و أنه حق مقيد من جهة بالحقوق السياسية المعترف بها
للمواطنين ،و من جهة أخرى بالحقوق المدنية المعترف بها لجميع األشخاص بمن فيهم األجانب.
و حيث أن األصل في الحقوق أنها إنسانية ،فإن كل مصلحة لم ينص القانون على ربط الحق في
االستفادة من الحماية القانونية لها بالصفة الوطنية تعتبر محل حق مدني .و ألجل ذلك كان القانون
المدني في نظر علماء القانون جميعا هو القانون المشترك للحقوق بين األشخاص بغض النظر عن
مراكزهم السياسية؛ و كانت الدعاوى المدنية هي األداة القانونية لحماية تلك الحقوق.
ال يمكن لعلماء الروم إنكار حقيقة أن الحق الشخصي المدني مختلف عن الحق الشخصي السياسي
على اعتبار أن هذا األخير حق من حقوق االنسان متميز بتخصيصه من طرف القانون الوطني لفائدة
المواطنين و أشخاص القانون العام حصريا ،دون األجانب المقيمين كما عابري السبيل.
و السؤال المطروح هو كيف يمكن تجنب منع الحقوق المدنية عن األجانب و عن المواطنين من
الدرجات األدنى ،بذريعة أنها حقوق للمواطن اقتضت المصلحة الوطنية حجبها عن الغير لكون "قيمهم
ليست كقيمنا" كما قال أحد عظماء الروم في العصر الحديث.
لشرح موقف مدرستهم بات علماء الروم من آل الدجال مجتمعون بعد نهاية الحرب الباردة بين
معسكريهم الشيوعي و اللبرالي يقولون أن موجبات الحضارة االنسانية و ليس النظام العام لألمة،
تقتضي إحداث توازن بين األجيال الثالثة من حقوق االنسان .فإقامة الحضارة االنسانية لم تعد تستدعي
إلغاء المصالح الوطنية و انصهار اإلنسانية جمعاء في أمة واحدة كما نادى بذلك أسالفهم من أهل
الكتاب و ردده الشيوعيون من بعدهم ،بل على العكس من ذلك يجب حفظ الحق الوطني للدولة مع
حقوق المواطن و حقوق االنسان جميعا بالتوازن فيما بينها ،على أال يتجاوز الحق الوطني للدولة و
الحقوق السياسية للمواطنين سقفا معينا ي ّدعون تحديده بواسطة ميثاق حقوق االنسان لألمم المتحدة.
هذا السقف موضوع من قبل الروم حتى تحفظ حسب ادعائهم ،للبشر جميعا أينما حلوا و ارتحلوا،
حقوقهم الطبيعية رغم اختالف مصالحهم الوطنية .غير أن السقف ذاك تم وضعه أصال لحفظ التوازنات
االقتصادية و االجتماعية و السياسية في العالم لمصلحة الدول التي أنشأت منظمة األمم المتحدة و
ظفرت بحق النقض في مجلس األمن ،فهو قائم على مبدأ تقديم مصلحة أوطان تلك الدول على مصلحة
اإلنسانية جمعاء .خير دليل على ذلك أن الواليات المتحدة األمريكية مثال تستعمل حق النقض لمنع
صدور أي قاعدة قانونية تحمي بيئة كوكب األرض لمصلحة اإلنسانية ضدا على مصالحها الوطنية.
في مقابل ذلك يرى جمهور علماء المالكي ة و معهم علماء أهل السنة كلهم جميعا ،أنه من الخطأ
القول بأن المصلحة الوطنية هي غاية الحضارة و أنها تبرر كل وسيلة ،بما في ذلك من استعمار و
استرهاب .فالمصلحة االنسانية هي باألحرى ما يجب أن يكون غاية الحضارة .ألجل ذلك وجب أن
تكون الحقوق الوطنية للدول ،و السيا سية للمواطن ،استثناءات من الحقوق المدنية ،و أن يحكم هذه و
تلك قانون للحضارة و ليس قانون النظام العام.
فبدل األخذ بنظام عام لتوازن الحقوق الوطنية و السياسية و المدنية في ظل مجتمع دولي ينتهي فيه
المطاف باألمم إلى التنافس بالوسائل الغير مشروعة ،يحسن باإلنسانية االلتزام بقانون الحضارة على
غرار ما يفعله المجتمع الدولي اإلسالمي.
ذلك أمر لم يعد ممكنا مع األسف الشديد بعد تخلي أهل الكتاب عن كتابهم الذي على عالته كان
أَهلَ
مصداقا لقول ِهللا عز و جل (قُلْ يَ ا ْ يعتبر قانونا للحضارة يمكن استيعابه في قانون كوني للحضارة
أَربَ ابً ا مِ ْن ا ضعب ا ن ضع ب ذ خ ت
َّ ي ال
َو ا ئ ي ش ِ
ه ِ
ك ْم أََّالِ نَ ْعبُدَ إَِّال اللَّهَ َوَال نُ ْش َ َ ْ ً َ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ً ْ
ب كِ
ر كلِم ٍة سو ٍ
اء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُ ا ْل ِكتَ ِ
ابَِّتَ َعالَ ْوِا إِلَ ٰى َّ َ َ َ َ
ون).
دوا بأَنَّا ُم ْسل ُم َِ اش َه ُون الله ،فَإ ْن تَ َول ْوا فَقُولُوا ْ د ِ ُ
أ َم ا وقد اختارت الروم التخلي عن كتابها بعد أن صاروا أكثر الناس عددا في األرض ،و استبدلوه
في عالقاتهم الدولية بنظامهم العام القائم على المصلحة االستهالكية ،لتحولوا بذلك قوم المسيح الدجال،
لم يعد من كلمة سواء يمكن التعارف معهم عليها.
خطورة اعتماد القانون الدو لي كنظام عام أممي للسلم و االستقرار في غياب قانون إنساني
للحضارة تكمن في إطالق حرية األمم في التنافس و من جراء ذلك االختالف على الحقوق المدنية بدل
التعارف عليها .من ذلك مثال أن الحق في النسب الشرعي وفق معتقد المعني باألمر بات عند الروم حقا
59
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
سياسيا منظما بالتمييز بين المواطنين حسب درجة المواطنة .و منه أيضا أن دعوى استحقاق ملكية
العقار ال يملكها األجنبي في ظل األنظمة التي تجعل ملكية العقار حقا سياسيا للمواطنين و ليس حقا من
حقوق اإلنسان.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهيI
أجب عن األسئلة التالية:
-كيف يمكن تعريف الدعوى المدنية في ظل القانون المغربي؟
-ما الذي يعطي األهمية للسجال النظري بين مدارس علم الحقوق حول طبيعة الحق في الدعوى المدنية؟
الدرس التطبيقيI
-لخص الدرس النظري األول في بضع سطور؟
-استعمل خدمة الشبكة العنكبوتية لتحميل المقاالت و البحوث المنشورة فيها باللغتين العربية و الفرنسية حول
تعريف الدعوى المدنية و طبيعتها القانونية؟
-قم بإعداد تقرير عن ذلك تبادله مع من تختار التعاون معهم من زمالئك في الدراسة ،و استمع لمالحظاتهم؟
60
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أمر بديهي حتى و لو لم يذكر المشرع ذلك ،أن يكون للدعوى المدنية سبب .و دون تردد ،يمكن
القول أن سبب الدعوى المدنية هو النزاع الحقوقي بين الطرفين .فالمدعي ال يرفع الدعوى المدنية إال
في حال عجزه عن حل النزاع الحقوقي بطريق آخر .و كما هو معلوم ،يعني السبب لغة ما يوجد
الشيء به و ينتفي بعدمه؛ و هو في علم أصول الفقه ما يجعله الشارع عالمة لحكم شرعي وجودا و
عدما ،و قد استقر الرأي بإجماع علماء القانون من كل المدارس أنه إذا لم يذكر القانون سببا معينا
للتصرف ،يفترض أن لهذا األخير سببا يشترط فيه أن يكون حقيقيا و مشروعا.
ف كسائر الموجودات ،ليس من دعوى بغير سبب ،و السبب في كل دعوى مدنية ،مسماة كانت أو غير
مسماة ،يجب أن يكون هو أيضا حقيقيا غير صوري ،و مشروعا ليس فيه مخالفة للقانون ،و ال مساس
بالنظام العام أو اآلداب العامة.
ال يقوم للدعوى المدنية سبب بغير نزاع حقوقي بما للكلمة من معنى .فإن كان النزاع غير حقوقي
انعدم سبب الدعوى المدنية .من ذلك أن يتعلق األمر بنزاع سياسي أو خالف نظري ال تقوم به خصومة
قضائية كما هو مبين بمناسبة الحديث عن هذه األخيرة .ال يكفي كذلك أن يكون النزاع قابال إلحداث
خصومة قضائية ،بل يجب أن يكون حقيقيا ليس فيه تواطؤ للتمثيل على المحكمة و أن يكون مشروعا
غير واقع على منافع مخالفة للنظام العام و اآلداب.
مفاد ذلك أن المحكمة تملك حق رد الدعوى تلقائيا أو بطلب المدعى عليه ،متى قدرت أن السبب فيها
منعدم أو غير مشروع ،حتى و لو اجتمعت في الطلب المقدم إليها شروط الصفة و المصلحة و األهلية.
أما في علم القانون الرومي فيتم تعريف سبب الدعوى المدنية بطريق المقارنة مع الدعوى الجنائية؛
ذلك أنه في هذه األخيرة يوجد السبب في الوسيلة نفسها ،و التي هي نص القانون ذاته المجرم للفعل
المنسوب للمتهم .ف الدعوى الجنائية ال توجد إال بوجود نص التجريم و ليس بمجرد حدوث خصومة و
حصول ضرر و أذى من فعل المتهم يترتب عنه نزاع حقوقي حول الحق في التعويض.
مهما ارتفع خطر الخصومة و بلغ الضرر و األذى المنسوبين للخصم ،ال يتابع قضائيا عن
المسؤولية الجنائية إال بسبب تجريم الفعل المرتكب.
على خالف ذلك ،ال تحتاج الدعوى المدنية لنص خاص يصف و يسمي الفعل المجسد للنزاع
الحقوقي المسبب لها .و إنما يكفي أن يكون لها دافع مشروع هو النزاع الحقوقي الذي يسمى في لغة
علم القانون بالسبب المشروع.
و لما كان السعي لحل النزاع الحقوقي بطريق الدعوى المدنية يتخذ شكل طلب يستمسك المدعي من
خالله بالمحكمة ،ففي الطلب ذاته يعرف سبب الدعوى .بل إنه يكون للدعوى من األسباب بعدد طلبات
األطراف .فالمدعي يتخذ في الخصومة الرئيسية سببا لدعواه في طلبه األصلي و يمكنه إضافة أسباب
فرعية و أخرى مضافة بالطلبات اإلضافية و العارضة .و يمكن للمدعى عليه أن يتخذ في نفس
الخصومة سببا لطلب مقابل يضيف إليه هو أيضا طلبات عارضة.
خالفا للشأن بالنسبة للدعاوى الجنائية ،ليست مواضيع الخصومات المدنية محصورة في قائمة
تشريعية ،و إنما قائمتها مفتوحة على كل التجاذبات الممكنة حول المنافع الشخصية المحمية بقوة
القانون.
صحيح أن النصوص القانونية تبين السبب لكل دعوى مدنية مسماة من خالل تحديد موضوع
الخصومة المت علقة بها ،لكن تحديد موضوعات الخصومات في الدعاوى المدنية الغير مسماة يبقى
متروكا لمبادرة األطراف ،يقومون به اعتمادا على الوسيلة المستعملة.
ففي الدعاوى المدنية المسماة ال يرفع الزوج مثال الدعوى المدنية للطالق إال بدافع الحصول على
حكم يفصل الخصومة حول الضرر الذي يدعي أنه واقع عليه من الزوجة؛ و الشأن نفسه في دعوى
األجير ضد المؤجر في حالة الطرد التعسفي .ففي هذه األمثلة يعين القانون سبب الدعوى و يسميه ،و
الذي هو الخصومة حول الضرر الواقع من أحد الزوجين على اآلخر في المثال األول؛ و الخصومة
حول الطبيعة التعسفية للطرد في الثاني.
أما في الدعاوى الغير مسماة ،كدعوى التعويض عن الضرر بسبب المسؤولية التقصيرية عن الخطأ
المدني ،فالقانون يحدد نوع السبب و صفته دون تسميته بعينه بحيث تكون الخصومة على الحق في
تعويض الضرر الناتج عن الخطأ هي سبب دعوى المطالبة بالحق المدني في التعويض .يصح ذلك في
حالة الخصومة حول الحق في تعويض الضرر الناتج عن حادثة سير ،كما عن إتالف شيء أو تشويه
سمعة ،أو تفويت فرصة ،أو منافسة غير مشروعة إلخ.
61
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فالقانون ال يسمي سببا معينا للدعاوى الغير مسماة ،و إنما يبين شروط وجود الحق المتنازع عليه،
فتتحول الخصومة الناتجة عن هذا التنازع إلى سبب لدعوى قضائية ممكنة.
نكرر القول أن سبب الدعوى المدنية هو النزاع الحقوقي على باعتبار أنها هي الدافع إلى االستمساك
بالقضاء للحصول على تأكيد أو نفي قضائي لالدعاءات المتعلقة بالحق محل الخصومة بين الطرفين .و
هكذا يسهل تفادي الخلط بين السبب و الموضوع مع الوسيلة و الخصومة القضائية باعتبارها عناصر
منفصلة عن بعضها البعض؛ حيث أن السبب هو الخصومة على منفعة يدعيها أحد المتخاصمين حقا له
و ينكرها عليه اآلخر ،أما الموضوع فمتمثل في طلبات الطرفين ،و الوسيلة هي السند القانوني الذي
يعتمد عليه كل منهما لتحقيق طلبه ،في حين تتمثل الخصومة القضائية في االستمساك الحاصل
بالقاضي من الطرفين .فالخصومة على الحق باعتبارها السبب ،ال تكفي منفردة إلنشاء الدعوى المدنية
و إنما يكتمل وجود هذه األخيرة مع استمساك طرفي الخصومة بالقضاء ليتوفر عنصر الخصومة
القضائية.
ر ب قائل و ما الفائدة من هكذا فلسفة قد يعتبرها من سفاسف األمور في مجال الدراسة القانونية ،و
الرد على ذلك أن القضية قانونية بحثة و ليست فلسفة بمعنى الحشو و الثرثرة ،ألن تحديد مفهوم السبب
في الدعوى المدنية يسمح بتطبيق أحكام السبب عليها كما هي مبينة في القانون.
فكما هو معلوم ،يشترط القانون في سبب التصرفات المدنية ،و التي منها الدعاوى المدنية ،أن يكون
حقيقيا و مشروعا .فكل دعوى ترفع لغير السبب الظاهر فيها تكون صورية ،يحق للقاضي رفض
اإلمساك بها لعدم الوجود .و كل دعوى يكون السبب فيها غير مشروع تعد باطلة النتفاء أحد أركان
وجودها.
و لعل في ذلك فائدة عملية عظيمة يجب على العاملين في مجال الخدمات العدلية االنتباه إليها .من
ذلك مثال أنه ال يمكن قبول دعوى الزوج في الطالق للشقاق بسبب الضرر متى تبين أنه يريد من ذلك
حرمان الزوجة من الحقوق الواجبة لها شرعا وفق نظام الطالق العادي من متعة و حضانة.
المبحث الثاني :الوسيلة القانونية
الوسيلة مطلقا وفقا لعلم أصول الفقه المالكي هي الواسطة المستعملة لبلوغ غاية معينة؛ و يشترط
فيها أن تكون مشروعة ،علما أنه لكل غاية وسيلة تليق بها.
و نبادر في هذا الشأن كذلك للقول أن الوسيلة التي تليق بالدعوى المدنية هي القاعدة القانونية حسب
علماء الروم ،و التي يسميها الفقهاء المالكيون باسم الحكم الشرعي .فالغاية من الدعوى المدنية تتطلب
استعمال القانون وسيلة لها .ذلك أن السعي للحصول على حكم قضائي بتأكيد االدعاء أو نفيه ،ال
يتحقق إال باعتماد قاعدة من القانون يستمسك بموجبها المدعى بالقاضي و يجعله ملزما بالحكم في
قضيته التي يطرحها في ساحة المحكمة.
ال تمسك المحكمة بالدعوى لمجرد توفر وسائل مادية تثبت وقائع و أحداث معينة ،و إنما تفعل ذلك
على إثر ارتفاع المدعي إليها مستندا إلى قاعدة قانونية تلزمها بتأكيد أو نفي صحة ادعاءاته ضد
شخص غيره .فهي ملزمة بتطبيق القانون ،أو إن شئت أحكام الشرع ،و هذا األخير هو الوسيلة
الوحيدة لجعلها تنظر في الدعوى.
بالفعل ،يخول القانون لصاحب المنفعة محل الخصومة استعمال الحماية القانونية لتلك المنفعة التي
يزعمها لنفسه ضدا على خصمه ،وسيلة لرفع دعواه أمام المحكمة .فمتى غابت الحماية القانونية ألي
منفعة ،غابت الوسيلة إلى ادعائ ها حقا في خصومة قضائية حتى و لو توفرت لذلك الوسيلة من األخالق
أو الدين.
فمثال يقر القانون للزوج على الزوجة حق الطاعة و للزوجة على زوجها حقوق الحماية و النفقة و
العشرة الحسن ة ،لكنه ال يقر ألي منهما على اآلخر حق المحبة .ال تملك الزوجة بالتالي حق رفع دعوى
على زوجها للحصول على حكم بالمحبة و ال حتى حكما بالتطليق لعدم الحب .فالبحث عن الحب بين
الزوجين دافع مشروع إلقامة الدنيا و إقعادها ،لكنه ال يسوغ مع ذلك رفع الدعوى المدنية النعدام
الوسيلة فيه إلى إلزام المحكمة بالنظر في قضية الباحث عنه.
مثل ذلك بالنسبة للعواطف المتبادلة بين الناس خارج األسرة .فالقانون ال يحمي الحق في التحاب من
حيث أنه ال يمنع التنافر فيعطي لألفراد و الجماعات المحلية من كل الطبقات و السالالت حرية التدافع
و إظهار الغل من بعضهم لبعض ،ما لم يبلغ درجة البغض .لهم ذلك في العالقات المدنية من خالل
62
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
التنافس الفني و الرياضي و التجاري و العلمي ،و في العالقات السياسية باالختالف و االعتراض على
بعضهم البعض.
من أجل حماية الحق في التنافس و التعارض تعبيرا عن الغل ،أقر القانون لكل فرد حق االدعاء
المدني على الغير ب المنافسة الغير مشرعة مع دعوى التعويض عن تفويت فرصة؛ و أعطاهم على
المستوى السياسي الحق في االعتراض باستعمال حق التصويت في االنتخابات و االستفتاءات و
بالتظاهر السلمي في الشارع ،مع دعوى الدفع بعدم دستورية القانون أمام القضاء و أو بعدم مشروعيته
أمام رئاسة الملة.
و مع ذلك فإن القانون ال يعطي لألفراد و ال الجماعات المحلية حق إظهار البغض كما هو حاصل
مثال في العالقات المدنية حين السب و القذف و االقتتال ،و في العالقات السياسية بطريق الخيانة عبر
التآمر مع األجانب من خارج اإليال ة و لو كانوا مسلمين ،و السعي لتفريق جماعة األمة باالنفصال
السياسي.
انعدام الوسيلة القانونية يمنع بالتالي قبول الدعوى المدنية للمطالبة بحماية الحق في سب الخصم أو
قذفه أو ضربه أو قتله أو غير ذلك مما يدخل في حكم الجرائم؛ و كذلك الحق في إقامة عالقات مع
القوى األجنبية و تلقي المساعدات المالية و الفنية منها دون رقابة.
يمنع انعدام الوسيلة القانونية كذلك قبول الدعوى المدنية للمطالبة بالحق في االستفتاء لتقرير مصير
قبيلة أو جهة من جهات اإليالة ،أو حتى شعب من شعوب األمة الموحدة .و هو يمنع أيضا من قبول
الدفع بعدم دستورية القانون الذي سبق الحكم بمطابقته للدستور الجاري به العمل.
ففي هذه الحاالت يملك صاحب الطلب الصفة و المصلحة و األهلية لرفع الدعوى بل و له كذلك
سبب و موضوع لخوض خصومة قضائية مع جهة أخرى تنكر عليه الحق في حماية القانون للمنفعة
التي يدعيها لنفسه ،لكنه مفتقر لوسيلة االرتفاع أمام حضرة القاضي .فال يكون أمامه غير االحتفاظ
بغيضه لنفسه.
يتبين من ذلك أن الوسيلة القانونية في الدعوى المدنية هي الرابط القانوني بين السبب و الموضوع
في الدعوى ،و هي التي تجعل هذا األخير ممكنا في ظل النظام الحقوقي للقاضي؛ إذ ليست كل
الخصومات قابلة لتكون محل طلبات أمام المحاكم و إنما فقط تلك التي تكون موضوعات الطلبات فيها
محل حماية قانونية.
ال بأس من التذكير في هذا المقام باالختالف في وجهات النظر بين مدرسة أهل اإلسالم المسماة
بمدرسة المشروعية و الموصوفة بأنها راشدية ،و بين المدرسة الرومية المسماة بالمدرسة القانونية و
الموصوفة من جهتها بأنها وصائية.
ففي غياب قانون واضح المعالم للحضارة لديهم ،يرى أنصار المدرسة الرومية لعلم الحقوق و معهم
المسترومة ،أن الوسيلة في الدعوى المدنية يجب أن تبنى على المسموح به وفق النظام العام فقط.
في مقابل ذلك يشترط أنصار مدرسة أهل اإلسالم أن تبنى الوسيلة في كل دعوى مدنية على
المسموح به وفق قانون الحضارة .فال يمكن السماح بنقض الحضارة من أجل إشباع البغض و ال لفائدة
صرعات االستهالك باستعمال وسيلة الخصومات القضائية.
المبحث الثالث :الخصومة القضائية
خالف المنافسة التي هي استعمال نفس الوسائل لبلوغ نفس األهداف في غير تواطؤ ،تعرف
الخصومة في علم أصول الفقه المالكي بأنها تجاذب محل واحد بين طرفين على األقل ،كل منهما
بوسيلة مختلفة.
متى كان التجاذب نظريا بين العلماء و المفكرين حول حقائق القضايا اعتبر مجادلة؛ أما التجاذب
العيني بين المتعاملين باألشياء المادية حول من له الحق فيها فيسمى نزاعا؛ و إن هم استمسكوا فيه
بالقضاء صار دعوى قضائية.
خالف النزاع ليست المجادلة موضوع خصومة قضائية ممكنة إال أمام هللا عز و جل ألنه العليم
عالم الغيوب ،و العالم بقوة اإلرادة ،يعد بالنسبة إليه عدم اإليجاد دليال على عدم الوجود ألنه يوجد
الموجودات بعلمه و يعدمها بعلمه .أما من سواه من القضاة فال يدل عدم اإليجاد على عدم الوجود ألنهم
ال يعدمون الموجودات بجهلهم.
63
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
عكس ما استهبل به سارتر و أيده فيه الفالسفة الوجوديون لتبرير اإللحاد ،ال يترتب عن جهل
اإلنسان بمن في ذلك القضاة ،انعدام الشيء محل الجهل ألن اإلنسان ال يعلم بقوة اإلرادة فيعدم ما يجهل
و يوجد ما يعلم و إنما يعلم بالقوة أو بالفعل كما سبق ذكره.
فالقضاة من البشر ال يتجاوزون مرتبة العالم بقوة السلطة و النفوذ ،أو العالم بالفعل العقلي في أحسن
الظروف؛ علما أن هذا و ذاك يظالن جاهلين بحقائق الغيوب و ال يمنع جهلهما وجودها طبقا لقاعدة
عدم اإليجاد ال يدل على عدم الوجود .فمثال ال يستطيع أي قاض مهما أوتي من قوة النفوذ و السلطة أو
التحصيل العلمي بالفعل العقلي ،حسم الجدل في قضية الموت .ال أحد بالفعل يستطيع إيجاد جواب يقيني
لما يحدث بعد الموت أهو البعث في عالم غائب أم أنه الفناء في العدم؛ و يقاس على ذلك مختلف أنواع
الجدل بين العلماء و الفالسفة حول القضايا الكونية المتشابهة.
من جهة أخرى ليس كل ما يسمى من قبيل النزاع عرفا كما هو على الخصوص حال النزاعات
السياسية ،قابل للعرض على القضاة.
و للتذكير ،يعتبر النزاع السياسي كل تجاذب حول استعمال السلطة في تنفيذ و تشريع أفضل الممكن
من الشؤون العامة .و هو يعالج باالحتكام إلى جهة تفصل فيه دون تعليل بطريق التحكيم الرئاسي أو
االستفتاء الشعبي؛ و في حال رفض ذلك أو عدم االقتناع به إلى قوة السالح.
ليس الجدال و النزاع الساسي وحدهما ما ال يعتبر خصومة قضائية بل يخرج منها أيضا حال كل
النزاعات المدنية التي يستنكف فيها األطراف عن االستمساك بالقضاة للفصل بينهم .فقد يتنازع الزوج
مع زوجته و يظالن غاضبين عن بعضهما البعض سنين طويلة فيموت أحدهما على حاله تلك و ال
تبلغ القضية المطروحة بينهما مرحلة الخصومة القضائية .منه أيضا كل النزاعات المدنية التي تفض
بالتحكيم و التصالح أو التسامح.
بناء عليه ،يجب على المحكمة أن ترفض طلب المدعي النعدام الحق في الدعوى المدنية بسبب
انتفاء الخصومة القضائية متى كان التجاذب الحاصل بين الطرفين مجادلة أو نزاعا سياسيا ،أو حتى
نزاعا مدنيا تم فضه دون اللجوء للقضاء .فمن رفع دعوى على أستاذه للمطالبة بتصحيح خطأ النظرية
التي يقول بها ال تقبل منه الدعوى الستحالة وجود عنصر الخصومة القضائية ،إذ يجب على الطالب
تصحيح الخطأ بنفسه عب ر إيجاد نظرية بديلة .و كذلك من يرفع دعوى مدنية على الحاكم لتصحيح
تصوره ألفضل الممكن في التعامل مع الشأن العام ،ال تقبل منه ألن األمر يتعلق بتجاذب سياسي على
الطرفين حسمه بالتصالح أو التحكيم في حال الصدق ،أو الردع في حال الكذب.
كما سبق القول ،ال تكفي الطبيعة الحقوقية للنزاع كي تنشأ الدعوى المدنية؛ فهذه األخيرة ال تقوم لها
قائمة إال بنشوب الخصومة القضائية بين الطرفين.
يحدث ذلك بإدخال المدعي طلبا إلى عمق المحكمة حسب األحوال عبر كتابة الضبط أو مباشرة إلى
القاضي ،يؤسس به نفسه خصما قضائيا لشخص أو أكثر يصيرون بفعل ذلك مدعى عليهم ،يعبر لعم
عن غله تجاههم و يجعلهم من جراء ذلك مضطرين للدفاع عن أنفسهم إلنكار صحة ادعاءاته عليهم.
غير أنه ال شيء يمنع المدعى عليه أن يمنع تطور الدعوى من خالل االستسالم لطلبات المدعي و
اإلقرار بصحتها ،أو إقناعه بإجراء صلح أو حتى تحكيم بعيدا عن ساحة المحكمة لتنتهي بذلك
الخصومة القضائية فورا.
أما إذا سعى المدعى عليه لتطوير الدعوى ،فإنها تتقدم مع تصاعد الخصومة أمام المحكمة في مسار
قضائي للبت فيها بحكم منها.
بناء عليه فإن كل دعوى هي في حقيقتها خصومة تصاعدية في المسار القضائي تنتهي بصدور حكم
المحكمة فيها ،لكنها ليست مجرد خصومة قضائية بحكم أن انقضاء إحداهما ال يعني بالضرورة انقضاء
اآلخر.
ذلك أن الخصومة القضائية يمكن أن تخمد بين الطرفين بسبب التنازل وفقا للفصل 113من مدونة
المسطرة المدنية ،أو بسبب التشطيب من جدول الجلسة لعدم الحضور طبقا للفصل 19من مدونة
المسطرة المدنية ،دون أن يترتب عن ذلك انقضاء الدعوى .ففي الحالتين يحتفظ المدعي بحق رفعها
من جديد.
أما انقضاء الدعوى بسقوط الحق فيها بسبب عقد صلح ،أو تقادم أو تحكيم ،أو بسبب صدور حكم
بات حائز لقوة الشيء المقضي به ،فإنه يفضي إلى إخماد الخصومة نهائيا بين الطرفين حول نفس
موضوعها.
64
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مفاد ذلك أن كل دعوى مدنية تنطوي على خصومة قضائية ،و لهذا السبب ال توجد الدعوى المدنية
عند استحالة نشوب الخصومة القضائية بين الطرفين كما هو الحال عند وفاة أحدهما ،أو فقدانه أو عدم
ثبوت هويته.
ليس معنى ذلك أن المدعي يعدم الوسيلة إلثارة الخصومة القضائية في هكذا ظروف ،إذ يحتفظ بحق
متابعة ورثة الميت أو المفقود الذي لديه حق عنده .أما المدعى عليه مجهول الهوية فال سبيل ألخذ الحق
منه سواء كان حيا أو ميتا ،ألنه لو عرفت هوية ورثته لكانت هويته هو ذاته معروفة.
لعله من نافلة القول أن الخصومة بين الطرفين ال تكون عنصرا للدعوى المدنية إال باكتسابها الصفة
القضائية .إذ ال تقوم الدعوى بمجرد االختصام دون تنفيذ إجراءات رفع الدعوى في المحكمة ،و ال
يكون الخصام إال بالوسائل القانونية المقبولة في ساحة المحكمة.
من خصائص الصفة القضائية للخصومة أنها تتم أمام حضرة القضاة ،فال مجال في هكذا مستوى
رفيع للسب و الضرب ،أو التهديد به قصد ردع الخصم ولو كان كاذبا مفتريا ،ألن الحق ال يؤخذ في
المحكمة إال بحكم تصدره المحكمة بقناعة من القاضي على كل طرف متخاصم في موضوع محدد.
المبحث الرابع :الموضوع
يميز علماء أصول الفقه المالكيون بين الموضوع و المحل في الحقوق و التصرفات .فالمحل قد
يكون شيئا يقوم عليه الحق كالعين في حق الملك ،و قد يكونا مركزا قانونيا يتم تأسيسه ،كحالة األجير
في عقد العمل ،أو الزوج في عقد الزواج .أما الموضوع فهو العالقة القائمة بين صاحب الحق و محله
بالنسبة للحقوق ،أو بين القائم بالتصرف و األشياء محل التصرف أو المراكز قيد اإلنشاء.
الموضوع في حق الملك مثال هو سلطة الملكية و هي والية التصرف و االنتفاع بالشيء أو
استغالله ،أما في المراكز القانونية فينسب الموضوع للتصرف القانوني أو للقانون ذاته حسب األحوال،
بحيث يقال موضوع العقد مثال أو موضوع القانون .من ذلك القول أن موضوع عقد البيع هو نقل ملك
العين محل الحق ،و كذلك موضوع عقد العمل و عقد الزواج هو إنشاء مركز األجير أو اكتساب حالة
الزوج ،و أن موضوع القانون هو إلزام الزوج بالنفقة أو جعل الوارث بالفرض أو بالتعصيب حسب
درجة القرابة و صفتها.
بناء على ذلك يمكن القول أن المحل في الدعوى المدنية هو الشيء أو المركز القانوني الذي يقع
عليه النزاع .فقد يكون مبلغا من النقود أو عينا منقولة أو عقارا أو شيئا معنويا .و قد يكون حالة من
األحوال الشخصية أو مركزا تعاقديا بل حتى تأسيسيا.
أما موضوعها فهو العالقة القائمة بين الطرفين و هذا الشيء أو المركز القانوني الناشئ عن
التصرف أو بقوة القانون .ذلك أن الخصومة القائمة بين الطرفين تجعل العالقة تلك تتحول إلى صفة
الشخص المطالب به و ليس صاحبه المعترف له به.
بناء على ذلك يمكن تعريف الموضوع في الدعوى بأنه الحق أو المركز القانوني محل النزاع في
الخصومة القضائية؛ فهو بالتالي ما يطلبه كل طرف و يتوقع من المحكمة إصدار حكم يؤكده.
و الموضوع مختلف في الدعاوى حسب كونها مسماة أو غير مسماة ،حيث تجد المحكمة نفسها في
النوع األول منها ملزمة بالحكم بناء على طلبات األطراف وفق الموضوع المنصوص عليه في القانون
حتى و لو لم يطلبوا ذلك صراحة .ذلك هو الشأن مثال في دعوى التطليق للشقاق ،و دعوى الفسخ لعيب
في اإلرادة ،و دعوى ضمان العيوب الخفية أو ضمان االستحقاق ،مع دعاوى ثبوت الزوجية و النسب
إلخ.
أما الدعاوى الغير مسماة فهي التي يكون محل النزاع الحقوقي فيها متعلقا بمصالح لم يحددها
القانون بعينها و إنما اكتفى بجعلها مشروعة .من ذلك مثال طلب التعويض عن الضرر الحاصل من
جراء خطأ مدني تقصيري أو شبه تعاقدي.
فالذي يكون ضحية فعل مادي متعمد أو غير متعمد تسبب له في ضرر ،أو فوت عليه فرصة ،أو
ترتب عنه إثراء بال سبب أو دفع غير المستحق يكون متوفرا بقوة القانون على موضوع مقبول
للدعوى المدنية أمام المحكمة.
و سواء كانت الدعوى مسماة أو غير مسماة ،فإن محل النزاع فيها الذي هو موضوعها المتمثل في
الطلب المرفوع إلى حضرة القاضي ،يجب أن يكون ممكنا و محددا أو قابال للتحديد.
و يتحقق شرط إمكان الموضوع بالنظر للقانون و للواقع؛ ذلك أن كل طلب يكون موضوعه ممنوعا
بقوة القانون يصير مستحيال ،من ذلك أن يطلب الدائن من المحكمة تمكينه من استرقاق مدينه أو استفاء
65
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
دينه ببتر عضو منه .و كل طلب يكون موضوعه غير واقعي يعد كذلك مستحيال ،من ذلك مثال أن
يطلب الضحية في قضية تفويت فرصة للزواج ،أو الربح التجاري أو شغل منصب وظيفي ،من
المحكمة أن تحكم على الذي فوت عليه تلك الفرصة إعادة الظروف إلى ما كانت عليه قبل ضياع
الفرصة.
يجب أن يكون الموضوع من جهة أخرى محددا أو قابال للتحديد ،إذ ال تقبل الدعوى لعدم اكتمال
عناصرها مثال من الزوجة التي تكتفي باالشتكاء من زوجها دون ذكر ماذا تريد من المحكمة أن تحكم
لها به .و الشأن نفسه بالنسبة للذي يكتفي باالشتكاء من جيرانه دون بيان ما الذي يريد من المحكمة أن
تحكم له به عليهم.
و يكون الموضوع قابال للتحديد حتى و لو لم يبين المدعي مراده من المحكمة بالضبط متى أشار في
تصريحه أو مقاله للوسيلة التي يستعملها في دعواه ضد خصمه ،كأن تذكر الزوجة مثال طلب االستفادة
من مسطرة الشقاق ،أو يذكر الضحية االستفادة من أحكام المسؤولية التقصيرية.
الفصل الثالث :أصناف الدعاوى المدنية
كما في كثير من قضايا القانون القضائي الخاص ،سبقتنا الروم إلى التمييز بين الدعاوى المدنية
المسماة و الغير مسماة .و يتم التعرف على هذه و تلك من نصوص القانون عبر األحكام المتعلقة
بعناصرها.
أما الشراح عندنا بما في ذلك الذين يدعون أن القضاء في بالدهم شامخ فلم يفقهوا من هذا األمر شيئا
و اكتفوا بتصنيف الدعاوى المدنية على أساس الفرق بين موضوعاتها بغض النظر عن كونها مسماة
أو غير ذلك .بل إنه مع األسف الشديد اختلط على القوم موضوع الدعاوى المسماة بموضوع أنواعها
فجعلوا الطلبة يظنون أن أسما ء أصناف الدعاوى المدنية هي أسماء الدعاوى ذاتها ،و الحال أن الحقيقة
غير ذلك .فدعوى الطالق و كذلك فسخ عقد الشركة مثال مسماة في ذاتها و في الوقت نفسه بصنفها
باعتبارها دعاوى شخصية ،في حين تعتبر دعوى فسخ العقد الغير مسمى و كذلك تعويض الضرر
الناتج عن حادثة السير غير مسماة بذاتها مع أنها مسماة بالصنف باعتبارها أيضا دعاوى شخصية.
و قد كان من المفروض في كليات الحقوق عندنا على غرار ما فعلته كليات الحقوق عند الروم أن
تبين عن مهنيتها في شرح قانون المسطرة المدنية من خالل وضع قائمة مفصلة بالدعاوى المسماة مع
تتبع أنواع الدعاوى الغير مسماة التي تعرض على المحاكم.
مهما يكن ،فإنه تبعا لموضوع الطلب ،لما زالت الدعاوى المدنية تصنف فقط إلى عينية و شخصية
أو مختلطة ،و إلى منقولة و عقارية ،و للحيازة أو االستحقاق.
سنكتفي في هذا الفصل بالنظر في تصنيف الدعاوى تبعا لموضوعاتها على أن نعود للتمييز بين
المسمى و غير المسمى منها الحقا.
المبحث األول :الدعاوى العينية ،الشخصية ،و المختلطة
الدعوى العينية هي التي يكون محل النزاع الحقوقي فيها متعلقا بحق عيني على شيء ،علما أن
الحق العيني هو الحق الذي يخول لصابه سلطة مباشرة على شيء .و طبقا للفصول 2و 199من
ظهير 2يونيو المتعلق بنظام العقارات المحفظة ،و كذلك الفصل 1112من مدونة االلتزامات و
العقود ،تعتبر حقوقا عينية في نظر القانون المغربي كل من الملكية و االنتفاع ،و الوقف ،و
االستعمال ،و السكنى ،و الكراء الطويل األمد ،و السطحية ،و االرتفاق ،و الرهن الرسمي ،و الرهن
الحيازي لألشياء منقولة كانت أو عقارات ،مادية أو معنوية.
فكل دعوى الستعمال حق من هذه الحقوق على شيء منقول أو عقار ،مادي أو معنوي تعد عينية.
أما الدعوى الشخصية فهي التي تتعلق باستعمال حق شخصي ،علما أن هذا األخير هو الذي يخول
لصاحبه سلطة مباش رة على شخص من أجل الحصول على شيء أو على خدمة .فهو ينشأ من عالقة
الدين الناتج عن االلتزام التعاقدي أو اإللزام القانوني الذي يكون الغير بموجبه ملزما بتسليم شيء أو
تقديم خدمة أو إنجاز صنعة.
و بالنظر للفرق بين الحقوق العينية و الشخصية ،فإن الدعوى المدنية المختلطة هي التي تجعل
المدعي في مركز قانوني يسمح له بأن يستعمل حسب اختياره حقه العيني على الشيء محل النزاع ،أو
الشخصي على الطرف اآلخر ،لنشأة الحقين من نفس التصرف أو الواقعة القانونية.
و يتم التمييز فقها بين نوعين من الدعاوى المختلطة ،هما:
66
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الدعاوى الرامية إلى تنفيذ تصرف منشئ أو ناقل لحق عيني على عقار ،يكون في الوقت نفسه منشئا
لعالقة دين بين طرفي التصرف .ذلك هو مثال حال مشتري العقار الذي دفع الثمن و لم يتسلم الشيء
المشترى ،بحيث يحق له حسب اختياره ،استعمال دعوى ملكية العقار بناء على حقه العيني عليه ،أو
دعوى حيازته بناء على حقه الشخصي في تسلم الشيء المشترى من البائع.
الدعاوى الرامية إلى إزالة أثر تصرف ناقل للحق العيني و استرداد حيازة الشيء محل هذا الحق .و
ذلك هو حال الشريك مثال الذي قدم عقاره حصة في شركة مدنية صدر حكم ببطالنها؛ إذ يمكنه حسب
اختياره الترافع أمام المحكمة المدنية مستندا إلى صفته كشريك واقعي السترداد الحصة المقدمة في
الشركة ،أو باستعمال دعوى ملكية العقار.
و تظهر الفائدة من هذا التصنيف للدعاوى المدنية بين العيني و الشخصي و المختلط منها ،عند
النظر في أحكام االختصاص المكاني للمحكمة التي يتم عرض النزاع في ساحتها.
ففي الدعاوى الشخصية ينعقد االختصاص الترابي للمحكمة الموجود في دائرتها موطن المدعى
عليه أو مكان إقامته .أما الدعاوى العينية فتختص بها مكانيا المحكمة التي يتواجد الشيء محل الحق في
دائرتها ،علما أن القانون يفترض أن تظل األشياء المنقولة في حوزة صاحب الحق العيني عليها ،فينعقد
االختصاص بالتالي مبدئيا لمحكمة موطنه أو مكان إقامته ،إال أن يقوم الدليل على خالف ذلك.
المبحث الثاني :الدعاوى المنقولة و العقارية
كما هو ظاهر من مسماها ،ترمي الدعوى المدنية المنقولة إلى تمكين صاحبها من استعمال حق
منقول ،ال فرق في ذلك بين الصفة العينية أو الشخصية له.
لسنا في حاجة لتذكير الطلبة في هذه المرحلة من سداسيات اإلجازة في الحقوق أن الشيء هو كل ما
ال يحمل صفة الشخص في نظر القانون ،و أنه يتميز دون هذا األخير بكونه محال ممكنا للحقوق
العينية.
و الشيء حيا كان أو جامدا ماديا أو معنويا ،ال يخرج أن يكون منقوال أو عقارا .إذ يعرف المنقول
بطريق االحتراز عن العقار ،حيث أن كل ما هو أرض أو مثبت على الدوام حقيقة أو حكما ،يعتبر
عقارا؛ و في المقابل يعد منقوال كل ما ليس كذلك.
و بالنظر للفرق بين المنقوالت و العقارات ،ال تثبت الحقوق العقارية إال على العقارات ،و ال تكون
كذلك إال إذا كانت حقوقا عينية .أما الحقوق الشخصية المتعلقة بالعقار فال تكون إال حقوقا منقولة مثلها
في ذلك مثل سائر الحقوق العينية على كل منقول.
بنتيجة ذلك تعتبر عقارية كل دعوى ترمي الستعمال حق عيني على عقار ،و في مقابل ذلك تدخل
ا لدعوى الرامية إلى استعمال حق شخصي على العقار كحق الكراء الغير الطويل األمد ،في دائرة
الدعاوى المنقولة.
المبحث الثالث :دعاوى االستحقاق و الحيازة
الحيازة أو الحوز و يقال كذلك الحوزة عند علماء أصول الفقه ،تكون حقيقة بوضع الشيء المنقول
في قبضة اليد أو العقار تحت وطأة القدم ،و تكون حكما بثبوت أسبقية إيالة محل الحق للشخص الحائز
بحكم استحقاقه بناء على حق ملك أو انتفاع أو استعمال أو ضمان أو ظفر مشروع .
أما االستحقاق و يقال أيضا الحق فهو السلطان المقرر بقوة الشرع على محل الحق حيثما كان و
وجد بسبب انعقاد صالحية التصرف أو االنتفاع أو االستعمال لصاحبه .و بناء على ذلك يمكن تصور
حاالت للحيازة من غير استحقاق و العكس بالعكس.
فللسارق حوزة الشيء المسروق دون استحقاقه ،و للمالك الستحقاق الشيء المسروق دون حيازته؛
و من ثمة بالضبط نتج الفصل بين دعوى االستحقاق و دعوى الحيازة .فالذي يختصم مع غيره على
حوزة الشيء يرفع بالضرورة دعوى للحيازة .و خالف ذلك في حال الخصومة على استحقاق الشيء.
بالفعل ،تختلف دعوى الحيازة عن دعوى االستحقاق من حيث أن حق الحيازة قد يثبت دون امتالك
حق عيني على الشيء ،كما هو حال البائع الدافع بعدم التنفيذ بسبب عدم تسلم الثمن ،و المرتهن كما
المكتري و الحارس مع المودع لديه و المستعير للشيء.
في مقابل ذلك ،يمكن أن يثبت الحق العيني على الشيء دون حيازة كما هو الشأن بالنسبة للمشتري
قبل التسلم ،و المقرض و المؤجر و المعير و الراهن للشيء.
67
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و بناء على ذلك ترمي دعوى الحيازة إلى حماية حالة الحيازة القائمة بقوة الواقع ،كما هو حال
واضع يده على أرض موات بنية التملك عبر التقادم؛ و كذلك حالة الحيازة القائمة بقوة القانون كما هو
حال المرتهن و المستعير و البائع قبل تسلم الثمن و الحارس مثال.
و يتم التمييز بين ثالثة أصناف من دعوى الحيازة هي دعوى منع التعرض ،و دعوى استرداد
الحيازة ،و دعوى وقف األعمال الجديدة.
أما دعوى منع التعرض فهي التي يملكها حائز الشيء لدفع خطر انتزاع حيازة الشيء منه أو
منازعته فيها من طرف الغير .و هي مختلفة عن دعوى ضمان االستحقاق التي يملكها المشتري ضد
البائع في المنقول كما العقار من حيث أن مالك دعوى منع التعرض يختصم بموجبها ضد من يتعرض
له في الحيازة أيا كان دون إقحام للبائع في القضية .فيمكن بالتالي أن تستعمل في إطار خصومة من
البائع ضد المشتري قبل تسلم الثمن كما يمكن أن تستعمل في خصومة بين متملك عبر التقادم بطريق
وضع اليد على أرض موات و من ينازعه في حيازة هكذا مال.
و حيث أن دعوى منع التعرض تستعمل لرد كل منازعة في الحيازة ،فإنها ال تصلح لحماية األشياء
المنقولة .ذلك أن منازعة المالك في حيازة منقوالته تكون إما سرقة أو تنفيذا لحق عيني.
على خالف دعوى منع التعرض للحيازة ،يمكن للحائز الشرعي للشيء المنقول كما العقار أن
يستعمل دعوى استرداد الحيازة متى انتزعت منه عنوة أو خلسة بغير وجه حق .فالمالك كما المرتهن و
حارس الشيء و المستعير و المستأجر مع المكتري يستطيعون جميعا استراد األشياء المنقولة أو
العقارية محل العقد التي انتزعت أو اختلست منهم باستعمال دعوى استرداد الحيازة.
غير أنه مثل دعوى منع التعرض ،ال تصلح دعوى وقف األعمال الجديدة لغير حماية حيازة العقار.
و هي دعوى ترمي للحصول على حكم قضائي يأمر بمنع الغير من الشروع في األعمال أو إتمامها إن
كانت قد بدأت ،متى كان من شأن ذلك إحداث تعرض للحيازة .من ذلك مثال إقدام الجار على البناء في
أرضه فوق الممر الذي يمتلك جاره عليه حق االرتفاق.
تستعمل دعوى االستحقاق من جهتها لحماية حق عيني على شيء و التصرف فيه ،حتى و لو كان
الشيء محل الحق في حوزة الغير .و من ذلك دعوى إثبات الملكية ،و دعوى اإلقرار بحق االنتفاع أو
حق االرتفاق أو الرهن الحيازي في حال المنازعة.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهيII
ما هي عناصر الدعوى المدنية و ما هي الفائدة من دراسة نظريتها؟
ما هي أصناف الدعاوى المدنية؟
الدرس التطبيقيII
لخص الدرس النظري الثاني في بضع سطور؟
باستعمال خدمة الشبكة العنكبوتية حاول التعرف على ما تقوله مدونات المسطرة المدنية في القانون المقارن ،العربي و
الرومي حول عناصر الدعوى المدنية؟
بعد قراءة البحوث و المقاالت ذات الصلة بالموضوع على الشبكة العنكبوتية ،قم بمقارنة بين عناصر الدعوى المدنية
و نظيرتها الجنائية؟
تبادل مع من تختاره للتعاون من زمالئك في الدراسة تقريرا عن دعوى االستحقاق ؟
68
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
عند اجتماع عناصرها و ال تصير ناجزة إال باجتماع شروط صحتها التي هي الصفة و األهلية و
المصلحة.
فقد يتوفر سبب و موضوع و وسيلة مع خصومة بين طرفين ،من غير أن تكون الدعوى بينهما
صحيحة .من ذلك مثال أنه جائز لولي أمر المرأة رفع دعوى الطالق للشقاق ضد الزوج الذي يسيئ
لها ،لكن ذلك ال يصح منه قانونا النعدام الصفة .في ذلك تقضي الفقرة األولى من المادة األولى من
مدونة المسطرة المدنية أنه ( :ال يصح التق اضي إال ممن له الصفة ،و األهلية ،و المصلحة إلثبات حقوقه).
و عكس الوجود المادي للدعوى ،ال يمكن أن تترك مهمة تحديد شروط صحتها لقوة الطبيعة .ألجل
ذلك ال يجد أي مشرع بدا من التطرق صراحة لشروط صحة الدعاوى المدنية ،و إن أعطى لنفسه
حرية السكوت عن أركان الوجود كما فعل صاحب األمر عندنا.
من دون صفة و مصلحة و أهلية ،ال تصح الدعوى المدنية بصريح نص القانون ،و لو كانت
موجودة مكتملة العناصر.
الفصل األول :الصفة
يوافق قول علماء الروم قول علماء أصول الفقه من المالكية بأن الصفة في الدعوى المدنية هي
والية مباشرتها؛ و يتعلق األمر بالمركز القانوني المطلوب قانونا للترافع أمام المحكمة في الخصومة
القضائية .و المقصود بها المر كز القانوني الذي يقوم من خالله الطرف المترافع أمام المحكمة بتقديم
طلباته أو دفوعه.
و حيث أن الدعوى المدنية هي في ذاتها حق شخصي الزم ،يستعمله المدعي إلحداث تغيير بإرادته
المنفردة في مركزه القانوني عبر تأسيس نفسه خصما قضائيا للمدعى عليه ،كما يستعمله المدعى عليه
لنفس الغرض حين يقرر المضي في الخصومة ،فإن الصفة كشرط لصحة الدعوى تتلخص في صفة
صاحب الحق محل النزاع الحقوقي في الخصومة القضائية ،و تتمثل في واحد من أربعة مراكز
قانونية للمدعي و المدعى عليه ،هي:
مركز صاحب الحق محل النزاع بالنسبة للمدعي أو الملزم به بالنسبة للمدعى عليه؛
مركز الوارث أو الخلف العام لهذا الحق؛
مركز الدائن في الدعوى غير المباشرة؛
مركز النائب القانوني أو االتفاقي عن كل طرف.
و بالنظر لهذا التعدد في المركز القانوني لوالية مباشر الدعوى ،يختلف نظام الصفة في الدعوى
المدنية حسب كون هذه األخيرة تمارس بصفة خاصة أو صفة عمومية ،و حسب ما إذا كانت دعوى
مسماة أو غير مسماة.
المبحث األول :والية مباشرة الدعوى بصفة خصوصية
والية مباشرة الدعوى بالصفة الخصوصية هي المركز القانوني الذي يكون فيه المدعي أو المدعى
عليه معنيا بالتصرف باسمه و لحسابه الخاص ،أو باسم و لحساب موكله أو من يمثله بصفته نائبا
شرعيا خاصا أو خلفا عاما في حدود مال معين أو وريثا في حدود تركة محددة .يخرج من ذلك بالتالي
كل تصرف باسم العموم و لحسابهم كما هو الشأن بالنسبة للدعوى المرفوعة من قبل وكيل الملك
بصفته نائبا عاما عن المجتمع.
و يختلف نظام الوالي ة لمباشرة الدعوى بصفة خصوصية في الدعاوى المسماة عنه في الدعاوى
غير المسماة.
المطلب األول :الصفة في الدعوى المسماة
الدعاوى المسماة هي التي يشترط المشرع استعمالها وفق أحكام خاصة بها فيحدد عناصرها من
حيث أنه يبين سببها فيسمي النزاع الحقوقي المنشئ ليضع من خالل ذلك وسيلة قانونية خاصة بها
يسمي فيها طرفيها و يحدد موضوعها .في خضم ذلك يهتم المشرع بالمركز القانوني لصاحب الحق
محل النزاع يقيم على أساسه واليته لمباشرة الدعوى .من ذلك دعوى االستحقاق ،و دعوى الطالق ،و
دعوى النفقة ،و دعوى الحضانة ،و دعوى التعويض عن األضرار الناتجة عن حوادث الشغل
واألمراض المهنية ،و دعوى النزاع الفردي المتعلق بعقود الشغل أو التدريب المهني ،و دعوى
استرداد الحيازة ،و دعوى ضمان العيوب الخفية ،و دعوى ضمان االستحقاق ،و دعوى الفسخ للعيب
في اإلرادة إلخ.
69
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يتعلق األمر عمليا بحاالت تنفصل فيها حالة صاحب المنفعة محل الخصومة ،لترتبط بمركز قانوني
تعاقدي أو تأسيسي مسمى.
ذلك مثال هو الوضع في الدعاوى المخولة لألجراء ضد أرباب العمل و لهؤالء ضد أالئك ،و كذلك
للزوجين على بعضهما البعض ،و للفروع مع األصول ضد بعضهم البعض ،و أيضا البائعين مع
المشترين ،و الشركاء و ال مكترون و غيرهم من األطراف في العقود المسماة و األعضاء في
المؤسسات الخصوصية.
و تستعمل هذه الدعاوى حسب األحوال لحماية مصلحة شخصية خاصة أو مصلحة خاصة للغير.
فكل دعوى يخولها القانون لدي صفة معينة حصريا تكون بالضرورة مسماة لغرض حماية مصلحة
شخصية خاصة .من ذلك مثال صفة األجير في دعوى المطالة باألجر ،و الزوج أو الزوجة في دعاوى
الطالق و النفقة ،و الوارث في دعوى تصفية التركية .فال يكفي حمل صفة الضحية المدنية المتالك
والية مباشرة الدعوى في هذه األمثلة ،بل يجب التوفر على صفة الزوج أو األجير ،أو الوارث.
و بمثل ذلك توصف كل الدعاوى التي يخولها القانون للمتعاقدين بعقود مسماة و ألعضاء المؤسسات
القانونية؛ فهي جميعها مخصصة لحماية مصلحة شخصية خاصة و مرتبطة بمراكز قانونية تعاقدية أو
تأسيسية مسماة.
يجب االنتباه في هذا المجال إلى حقيقة أن المشرع يستعمل الصفة المرتبطة بالمركز القانوني المعين
ليس فقط لحماية مصلحة شخصية خاصة للمعني باألمر ،و إنما لتمكين الغير من التدخل لمصلحته بدال
عن أنفسهم .ففي بعض الحاالت يجنح المشرع لفتح الباب أمام أشخاص ليسوا في نفس مركز صاحب
المصلحة ،ليخولهم صفة المعني بهذه األخيرة قصد تمكينهم من ممارسة الدعوى باسمهم و لحسابهم
لكن لمصلحة صاحب المركز القانوني األصيل.
من ذلك على الخصوص دعوى الشركاء للمطالبة بتعويض الشركة عن الضرر المترتب من جراء
سلوك المسيرين ،و كذلك دعوى حلول النقابة العمالية محل العامل لممارسة الدعوى لمصلحته ،و
كذلك الدعاوى التي تخول أشخاصا حق الترافع للدفاع عن مصلحة جماعية ذات طبيعة خاصة ،كما هو
الحال بالنسبة لدعوى السنديك في مسطرة الدفع الجماعي ،أو للترافع قصد الدفاع عن مصلحة جماعية
عامة كما هو الشأن بالنسبة لدعاوى النقابات و التنظيمات المهنية لحفظ مصالحها.
و على خالف النقابات و التنظيمات المهنية ،فإن الجمعيات ،باستثناء جمعيات الدفاع عن
المستهلكين ،و التي ليست األحزاب السياسية من بينها ،ال تجد في متناولها أي نص قانوني يجعل لها
والية مباشرة الدعوى المدنية للدفاع عن المصالح التي تأسست من أجلها.
فعلى خالف القانون البريطاني الذي لما يزال يعترف بدعوى الحسبة الخاصة ،و التي أخذ بها نقال
عن نظام العدالة في األندلس اإلسالمية ،لم تعد هذه الدعوى متروكة للخواص في القانون المغربي منذ
حصول الترتيب الدستوري لوظيفة رئيس الملة المسلمة بصفة أمير المؤمنين .فدعوى الحسبة باتت حقا
خالصا ألمير المؤمنين المنعقدة له صالحية المحتسب العام لألمة و القائم حاليا مقام النائب العام للمملكة
في انتظار فصل هذه الوظيفة عن وظيفة المحتسب العام لألمة تحقيقا للمصلحة.
سبق أن رأينا أن الملك الموقر يمكنه بناء على هذه الصفة استعمال دعوى الحسبة لعرض القضايا
على المحاكم مباشرة عبر وكالئه ا لجالسين فيها على الدوام ،كما يمكنه استعمال سلطة المحتسب العام
لألمة بواسطة الظهير من أجل مراقبة مشروعية كل ما يمكن حدوثه في المملكة.
لقد كان األمر مختلفا عن ذلك في ظل النظام السلطاني حيث كان السلطان يشغل وظيفة القاضي
األعلى لألمة منفردا و يترك وظيفة الحسبة العامة لوكالئه كما كان يعطي للخواص والية مباشرتها
تطوعا.
منذ نشأتها في العهد الراشد األول ،ظلت دعوى الحسبة ،عامة كانت أو خاصة ،ال تستعمل لغير
حماية المصالح الجماعية ألشخاص متواجدين في نفس المركز القانوني ،يشكلون عامة غير منتظمين
في شكل هيئة ال تملك القدر ة في التعبير عن نفسها كما هو حال الناس في السوق مثال ،أو في الشارع
السياسي ،عكس ما هو عليه حالهم في النقابة مثال أو الحزب أو التنظيم المهني .غير أنها في ظل النظام
السلطاني تأثرت بأحكام الوصاية السياسية على الجماعة فتم حصر مجالها في ميادين محددة كالسوق
مثال .ذلك أنه لم يعد للمحتسب سواء كان من رجال المخزن أو من المتطوعين ،حق استعمال الدعوى
باسم الجماعة لمحاربة الفساد اإلداري و السياسي و الخلقي و غيره.
70
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
71
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تمتلك النيابة العامة صالحية تمثيل المجتمع المغربي بالوكالة عن المحتسب العام لألمة الذي هو
الملك الموقر .فبحكم وظيفة أمير المؤمنين يمتلك الملك صالحية تمثيل االجماع الحقيقي لجماعة األمة
المغربية لمراقبة مشروعية كل شيء خارج المحاكم ،و لتوكيل من ينوب عن المجتمع بدال عنه لمراقبة
الشرعية القانونية أمام المحاكم .تلك مه مة رتبها القانون لفائدة وكالء الملك في المحاكم االبتدائية مع
الوكالء العامين في محاكم االستئناف و محكمة النقض.
و قد أجمل الفصل 1صورة هذا النظام بخصوص الدعوى المدنية بالنص أنه ( :يمكن للنيابة العامة
أن تكون طرف ا رئيسيا أو تتدخل كطرف منضم و تمثل االغيار في الحالة التي ينص عليها الق انون).
بناء على ذلك يمكن للنيابة العامة أن تكون طرفا رئيسيا كما يجوز لها أن تباشر الدعوى المدنية
بصفة الطرف المنضم.
المطلب الثاني :مباشرة الدعوى بالصفة العمومية كطرف منضم
األصل في مباشرة الدعوى المدنية بالصفة العمومية أن تكون من النيابة العامة كطرف منضم.
فكمبدأ عام ،خولت مدونة المسطرة المدنية للنيابة العامة سلطة تقديرية بخصوص الطبيعة العمومية
للمصلحة المتعلقة بالدعوى المدنية في كل القضايا؛ إذ يقضي الفصل 3من مدونة المسطرة المدنية في
هذا الشأن أنه ( :يمكن للنيابة العامة أن تطلع على جميع القضايا التي ترى التدخل فيها ضروريا) .و يستفاد
من الفصل 2من نفس المدونة أن إحالة ملفات القضايا المدنية إلى النيابة العامة يمكن أن تتم بمبادرة
تلقائية من القضاة؛ غير أنها تتم في قضايا معينة بأمر القانون.
تتدخل النيابة العامة كطرف منضم طبقا للفصل 2من مدونة المسطرة المدنية ،في جميع القضايا
التي يأمر القانون بتبليغها إليها ،و كذا في الحاالت التي تطلب التدخل فيها بعد إطالعها على الملف،
أو عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي.
ليست النيابة العامة مضطرة النتظار أن يحال إليها الملف تلقائيا من القاضي أو من كتابة الضبط
تنفيذا ألمر القانون ،بل تملك هي األخرى حق المبادرة من تلقاء نفسها لالطالع على ملف أي دعوى
معروضة على المحكمة .و يتم ذلك بأمر يوجهه الوكيل أو الوكيل العام للملك إلى كاتب ضبط
المحكمة الستالم الملف منه قصد االطالع.
من جهة أخرى ،ليس القضاة الممسكون بملف القضية ملزمون بالمبادرة إلحالتها تلقائيا إلى النيابة
العامة في مرحلة محددة من المسطرة .فالقاضي المقرر أو المكلف بالقضية ،و من قبل ذلك رئيس
المحكمة ،يمكنهم جميعا توجيه األمر لكاتب الضبط بإحالة ملف القضية إلى النيابة العامة في مرحلة
قيد الدعوى و إعداد المسطرة أو إعداد القضية للحكم؛ و يمكن للقاضي المنفرد كما الهيئة الجماعية أن
تصدر أمرا مماثال في مرحلة المحاكمة.
أما في الحاالت التي يأمر فيها القانون بتبليغ الملف للنيابة العامة ،فالمبادرة إلى ذلك تأتي من
طرف مصلحة كتابة الضبط .و يكون ذلك طبقا للفصل 3من مدونة المسطرة المدنية في :
-القضايا المتعلقة بالنظام العام و الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية و الهبات و
الوصايا لفائدة المؤسسات الخيرية و ممتلكات األحباس و األراضي الجماعية؛
-القضايا المتعلقة باألسرة؛
القضايا المتعلقة بفاقدي األهلية و بصفة عامة جميع القضايا التي يكون فيها ممثل قانوني نائبـا أو
مؤازرا ألحـد األطراف؛
-القضايا التي تتعلق و تهم األشخاص المفترضة غيبتهم؛
-القضايا التي تتعلق بعدم االختصاص النوعي؛
-القضايا التي تتعلق بتنازع االختصاص ،تجريح القضاة و اإلحالة بسبب القرابـة أو المصاهرة؛
-مخاصمة القضاة؛
-قضايا الزور الفرعي.
لم يحدد المشرع وقتا معينا لبدء سريان أجل تبليغ الملف للنيابة العامة ،غير مصلحة كتابة الضبط
ملزمة بإنجازه قبل الجلسة أيا كانت بثالثة أيام .و مع ذلك تملك الهيئة الجماعية كما القاضي المنفرد
في المحكمة االبتدائية سلطة األمر بتبليغ الملف إلى وكيل الملك وقت انعقاد الجلسة المندرجة فيها
القضية .يمكن عندئذ للنيابة العامة أن تطلب تأخير القضية إلى أقرب جلسة لتقديم مستنتجاتها كتابة أو
شفويا.
72
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مهما يكن ،فإن الحكم الصادر في هذه القضايا يجب أن يتضمن تحت طائل البلطان إشارة إلى
إيداع مستنتجات النيابة أو تالوتها بالجلسة.
فما لم تكن النيابة هي الطرف األصلي في هذه القضايا وجب على المحكمة المبادرة إلى فتح باب
انضمامها إليها عبر تبليغها بها كما يأمر القانون بذلك .غير أن التبليغ من طرف المحكمة ال يعني
إجبار النيابة العامة على االنضمام للدعوى ،و إنما ذلك متروك لسلطتها التقديرية خالفا لما ظنه
بعض الشراح.
صحيح أن الفقرة األخيرة من الفصل 9المذكور تشترط لصحة الحكم إشارته إلى ايداع مستنتجات
النيابة أو تالوتها بالجلسة ،لكن ذلك ليس فيه إلزام للنيابة العامة بالتدخل في القضية ،إذ يكفيها إيداع
استنتاج منها يفيد أنها ال تجد مسوغا للتدخل.
و يبقى أن نعلم بأن معنى صفة الطرف المنضم حسب ما هو مستخلص من الفصلين 2و 3
المذكورين في المقابلة التي يجريانها بين حقوق النيابة العامة في حالة تدخلها كطرف أصلي و حالة
تدخلها كطرف منضم ،أنه في هذه األخير ة ال يكون حضورها في كل جلسات المحاكمة إلزاميا ،و
تكون لها كل الحقوق الثابتة بقوة قانون المرافعات للطرف األصلي ،ما عدى حق الطعن بمختلف
طرقه.
بصفتها طرفا منضما ،يمكن للنيابة العامة بالتالي أن تتدخل لمؤازرة أحد الطرفين في دفوعه ،كما
تستطيع أن تقف في موقف الخصومة من الطرفين معا لفائدة الصالح العام.
المطلب الثالث :مباشرة الدعوى المدنية بالصفة العمومية كطرف أصلي
المبدأ في والية مباشرة الدعوى بالصفة العمومية كطرف أصلي أن تتصرف المؤسسات العمومية
الدستورية كما اإلداري ة ،المركزية و الالمركزية ،كل منها باسمه و لحساب الدولة .أما التصرف
بالصفة العمومية لحساب جماعة األمة فتقوم به النيابة العامة بوكالة خاصة من جاللة الملك باعتباره
الوكيل العام لتلك الجماعة ؛ و إن كان من المصلحة كما سبق الذكر أن تتدخل النيابة العامة بالوكالة عن
المملكة و تترك التدخل بالوكالة عن الملك في قضايا الحسبة العامة لجهات أخرى يعينها القانون.
و النيابة العامة هي صاحبة الصفة حصريا للتدخل كطرف أصلي في الدعاوى القضائية أمام القضاء
الجنائي بوكالة ملكية .أما في الدعاوى المرفوعة في القضايا المدنية ،فال يحدث ذلك منها إال استثناء
لحماية النظام العام و القيام مقام الولي لمن ال ولي له.
و اعتبارا لهذه الصفة االستثنائية ،جاءت حاالت مباشرة الدعوى المدنية بالصفة العمومية كطرف
أصلي محصورة في عدد معين من الدعاوى المسماة ،تم ذكرها بشكل مبعثر في مدونات القانون
المغربي .من ذلك مثال ما نصت عليه مدونة األسرة في المادة 221من حق للنيابة العامة في رفع
الدعوى المدنية تلقائيا لتقديم طلب حكم بالتحجير على فاقد العقل و المعتوه و السفيه .و طبقا للمادة 291
من نفس المدونة ،تمتلك النيابة العامة حق االنتصاب طرف أصلي للمطالبة بمراجعة إحصاء أموال
المحجور عليه و قيمة النفقة الالزمة له.
تملك النيابة العامة كذلك طبقا للمادة 292من مدونة األسرة ،حق رفع الدعوى المدنية تلقائيا
للمطالبة بعزل الوصي أو المقدم المخل بمهمته أو العاجز عنها .لها نفس الحق أيضا عمال بالفصول
219و 213و 223من مدونة المسطرة المدنية للمطالبة بإصدار تصريح قضائي بازدياد أو بوفاة
شخص لم يسبق تقييده بدفتر الحالة المدنية ،أو لتصحيح وثيقة الحالة المدنية أو لوضع األختام بعد
الوفاة ،و إيداع النقود و األوراق المالية و األشياء ذات القيمة قصد المحافظة على التركة .ففي هذه
الحاالت تتدخل النيابة العام لمصلحة القانون قصد مآزرة المحكمة في من أجل تحقيق الصالح العام ،و
ليس لتمثيل الطرف المستفيد من الحكم المطلوب أو الطرف الذي تضرر منه؛ لذلك أعطى لها القانون
حق الطعن في الحكم بصريح نص الفصل 9من مدونة المسطرة المدنية.
تلك نماذج نذكرها على سبيل المثال ال الحصر ،ألن قائمة الدعاوى المدنية التي تملكها النيابة العامة
كطرف أصلي أطول من ذلك بكثير .و يبقى أهم شيء يجب التأكد منه هو أن األمر يتعلق بقائمة
محصورة ،إذ تعدم النيابة العامة الوسيلة لرفع الدعوى المدنية من دون نص خاص.
مفاد ذلك أن النيابة العامة ال تملك الحق في أي دعوى مدنية غير مسماة ،و أنه ليس لها من الدعاوى
المسماة إال ما خوله لها المشرع صراحة بنصوص خاصة ،حالها في ذلك مثل الحاالت التي تتدخل
لتمثيل أحد أطراف الدعوى المدنية.
73
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المطلب الرابع :استعمال الصفة العمومية لتمثيل طرف خصوصي في الدعوى المدنية
معلوم من القانون بالضرورة أن الصفة العمومية حكر على شخص المخزن باعتباره سلطان أمة
المملكة المغربية ،يتجلى بها من خالل مؤسساته و مرافقه المركزية و الالمركزية ،كالديوان الملكي
في المشور ،و الدواوين الوزارية في مقار الوزارات و رئاسة الحكومة ،و دواوين المندوبيات و
العماالت و الواليات في الجهات و األقال يم و ديوان الرؤوس في مجالس النواب و المستشارين و
أعضاء مجالس الجماعات القروية و الحضرية مع المرافق التابع لها؛ و كذلك المؤسسات و الوكاالت
العمومية المستقلة.
يقوم المبدأ بالنسبة لشخص المخزن أن الدعاوى المدنية التي يملكها من خالل مؤسساته و مرافقه
المركزية و الالمركزية تلك ،تستعمل فيها الصفة العمومية لتمثيل المخزن نفسه بنفسه و ليس لتمثيل
الغير من الخواص ،أو حتى لتمثيل مؤسسة أو مرفق عمومي آخر .فكل واحد من دواوين المخزن و
مرافقه مع مؤسساته ال يملك حق التصرف باسم المخزن أمام المحكمة بمعرفته كطرف مدع أو مدعى
عليه إال باستعمال محام أو نائب تكون له صفة ممثل المؤسسة أو المرفق المعني بالقضية .و وفقا
لمقتضيات الفصل 31من مدونة المسطرة المدنية فإن صفة ممثل المؤسسات و المرافق العمومية تثبت
لكل موظف يتم انتدابه من طرف رؤسائه بأمر خاص لهذه الغاية.
غير أنه بصفة خاصة ،يمتلك مرفق النيابة العامة التابع لوزارة العدل من بين كل المؤسسات و
المرافق العمومية صالحية تمثيل األغيار من مخزن و خواص أمام المحكمة المدنية.
في ذلك قضى الفصل 1من مدونة المسطرة المدنية أن النيابة العامة تمتلك الصالحية لتمثيل
األغيار أمام المحكمة المدنية ،لكن في حدود الحاالت التي ينص عليها القانون
واضح بداللة النص من هذا الفصل أن األمر يتعلق بقائمة محصورة من الحاالت التي تمتلك فيها
النيابة العامة والية مباشرة الدعوى المدنية بصفة ممثل أحد الطرفين؛ و قد افترض القانون في هكذا
حاالت أن الطرف المعني يغفل عن استعمال حقه في الدعوى أو ذلك يتعذر عليه.
افترض القانون بالفعل حالة تقاعس مؤسسة األمالك المخزنية عن استعمال حقها في المطالبة بملكية
التركات الشاغرة ،فأعطى الفصل 219من مدونة المسطرة المدنية للنيابة العامة صالحية إقامة
الدعوى المدنية تمثيال لطرف عمومي هو إدارة األمالك المخزني ،و قضي بأن لها الحق في طلب
حفظ أموال التركات الشاغرة عن طريق وضع األختام و إيداع النقود و األوراق المالية و األشياء ذات
القيمة ،مع إمكانية بيع األشياء القابلة للتلف ،مع تعيين كاتب ضبط إلحصاء تلك األموال و حراستها،
كل ذلك لمصلحة إدارة األمالك المخزنية باعتبارها الجهة التي تعود إليها ملكية التركات الشاغرة.
من ذلك أيضا بالنسبة للخواص ما نص عليه الفصل 213من مدونة المسطرة المدنية فيما تعلق
بالغائبين ،إذ أعطى للنيابة العامة لموطن أخر موطن أو آخر مكان إقامة لكل شخص تفترض غيبته
بسبب انقطاع أخباره ،إذا لم يترك وكالة ألحد ،الحق في أن تنتصب طرفا ممثال له أمام تلك المحكمة
للمطابة باتخاذ اإلجراءات الالزمة لتسيير أموال هذا الغائب.
و المبدأ خارج هذه الحالة أن يتولى الشخص االدعاء أو الدفاع عن نفسه بنفسه أو بواسطة ممثل
خصوصي يكون له موطن بدائرة نفوذ المحكمة ،ويكون وكيال مهنيا أو من أقارب الطرف المعني
باألمر وفقا لما هو مسموح به قانونا .ذلك أن اإلنابة في الدعوى المدنية ال تصح بغير عقد الوكالة
الممنوح لمحام مسجل في قائمة المحامين المقبولين لدى المحكمة ،أو ألحد األقارب.
يتعلق األمر باألزواج و الزوجات مع األقارب بالنسب و المصاهرة من الفروع و األصول و
الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية .فمن كانت له أهلية التقاضي تصرف شخصيا للدفاع عن
نفسه بنفسه أو لتعيين وكيل عنه في ذلك .و من لم تتوفر له تلك األهلية تصرف نائبه الشرعي بدال عنه
في ذلك.
الفصل الثاني :األهلية في الدعوى المدنية
شرط األهلية مطلوب في الفصل األول من مدونة المسطرة المدنية لصحة ممارسة الدعوى المدنية
و ليس لصحة التصرفات القانونية .و تبرز هنا الفائدة من المقاربة "الفلسفية" كما يراها البعض،
لطبيعة الدعوى المدنية .فقد ذكرنا أنها حق شخصي الزم يستعمله الشخص إلدخال تغيير بإرادته
المنفردة في مركزه القانوني على مستوى حالته و ليس ذمته المالية .إنها تصرف محله صفة الشخص
في العالقة مع خصومه الذين ينازعونه حقا من حقوقه المدنية ،و ليست تصرفا ماليا بإرادة منفردة و ال
بتعاقد مع الغير .ألجل ذلك ال يجوز تقدير صحتها عمال بمقياس األعمال الضارة أو النافعة ،و ال
74
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تخضع لنفس أحكام التصرفات المالية بالنسبة للقصر و المحاجير .فالمشرع لم يراع فيها غير ملكة
التمييز.
و لفهم ذلك ،ال بأس من التذكير باألحكام المشتركة لألهلية القانونية في هذا المقام تمهيدا للبحث في
أحكام أهلية التقاضي المدني.
المبحث األول :األحكام المشتركة لألهلية
من المفترض في طلبة كلية الحقوق أنه تعلموا خالل السداسي األول ،أن تصرفات الشخص القانوني
آدميا كان أي طبيعيا ،أو معنويا أي اعتباري ،تخضع ألحكام مشتركة لألهلية القانونية تميز بين أهلية
الوجوب و أهلية األداء؛ منها ما هو من النظام العام لجماعة األمة بالتطابق مع قانون الحضارة
المغربية ،و منها ما هو خاص بأفراد كل ملة من مللها.
عمال بأحكام الفصل 3من مدونة االلتزامات و العقود ،تخضع أهلية الشخص المدنية ألحكام قانون
أحواله الشخصية الذي هو قانونه الوطني بالنسبة لألجانب ،و قانون ملته الدينية بالنسبة للمغاربة.
و للتذكير ،تتكون جماعة أمة المملكة المغربية من ثالث ملل هم المسلمون و اليهود و المسيحيون ،و
بناء على نظام المركزية السلطات الدستورية لفائدة كل ملة من ملل األمة في قضايا الشؤون الدينية
التي منها مسائل األحوال الشخصية جميعا ،فإن أحكام األهلية تحددها بالنسبة للمسلمين مدونة األسرة،
و بالنسبة لليهود قواعد القانون العبري ،في حين يخضع المسيحيون كل منهم ألحكام قانون كنسية
مذهبه.
من أحكام النظام العام المتعلقة باألهلية المدنية لألشخاص ،بغض النظر عن جنسياتهم و مللهم ،أن
أهلية الو جوب تعتبر عنصرا ضروريا من عناصر الشخصية القانونية بحيث ال وجود لهذه األخيرة من
دونها ،و وجود الثانية يجزئ لوجود األولى .فاآلدمي ،من بداية طور النشأة و إلى حين آخر لحظة من
مدة وجوده ،يمتلك بقوة القانون المغربي صفة الشخص المتالكه أهلية الوجوب التي هي صالحية
اكتساب الحقوق و التمتع بها ،علما أن تلك هي الميزة الفارقة بين األشخاص و األشياء ،حية كانت أو
جامدة.
مفاد ذلك أن الجنين أيا كانت جنسية الحبلى به ،و أيا كانت ملتها ،يمتلك تلقائيا بقوة النظام العام
ينشئٌه غيره لمصلحته بطريق العقد المغربي ،كل حق مقرر بقوة القانون لألشخاص ،و كذلك كل حق ِ
أو اإلرادة المنفردة .و باعتباره شخصا قانونيا ،يتمتع الجنين بقوة القانون من أول لحظة ينشأ فيها داخل
رحم أمه خالل مرحلة العلقة ،مرورا بمرحلة المضغة و النشأة األولى من العظام ،ثم النشأة الثانية من
اللحم ،بحق الحياة و السالمة البدنية و النفسية ،بما في ذلك في مواجهة أمه التي تحمله في رحمها .ذلك
أنه يظل شخصا مستقال عنها ،و ليس جزءا من جسمها أو شيئا في بطنها كاألشياء التي تصرفها
أمعاؤها كما يدعي الروم و المسترومة استهباال منهم ،لتسويغ ما يسمونه حق اإلجهاض بذريعة احترام
حق المرأة في التصرف في جسدها.
فسواء تم بفعل اضطراري فاسد كاالغتصاب ،أو بفعل اختياري حضاري كالمعاشرة الزوجية ،أو
بفعل اختياري فاسد كالزنى ،يستقر الجنين في الرحم المعد الستقباله بقوة الطبيعة كإنسان ناشئ ،و ليس
في البطن المعد إخراج الفضالت بالتبول و التغوط .ألجل ذلك ال يجوز للمرأة الحامل إخراج الجنين
منها بغير الوالدة.
ليس حمل المرأة أو الفتاة مجرد تحول جسماني فيها ،و إنما تترتب عليها من جرائه مسؤوليتها
عن حياة الغير الذي هو الشخص الذي تحمل به .فإما أن تجامع المرأة رجال لتحمل أو ال تجامع أحدا
من قبلِها إن لم تشأ الحمل .و إن هي حملت ،ال يجوز لها و لغيرها التصرف في أي حق من حقوق
الجنين المدنية و السياسية التي تتبث له بقوة أهلية الوجوب ألنها حقوق الغير بالنسبة إليهم .و بناء على
ذلك يمكن لكل ذي صفة تمثيلية لشخص الجنين منفردا أو باعتباره شخصا من عموم الجماعة ،ممارسة
الدعاوى المدنية و العمومية لمصلحته.
نفس الحكم يسري في حالة الشخص المعنوي في طور النشأة؛ من ذلك مثال أن الشركة التجارية
بالشكل ،أيا كانت جنسيتها ،ليست في حاجة أن تكتمل إجراءات نشأتها لتمتلك أهلية الوجوب ،و إنما
يتحقق لها ذلك من وقت إبرام العقد من طرف المؤسسين لها.
فكما مؤسسو الشركة في العالقة مع الشخص المعنوي ،يحق لولي الجنين التصرف باسمه و لحسابه
لحماية أمواله .بل إنه يحق للنيابة العامة التدخل لمصلحة الشخص في طور النشأة بالدعوى العمومية
75
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بناء على نصوص القانون الجنائي لحمايته من العدوان على حياته أو سالمته البدنية بالنسبة للجنين ،أو
من أعمال النصب و سوء التسيير بالنسبة للشخص المعنوي.
و يقاس على حالة الجنين و حالة الشخص المعنوي في مرحلة التأسيس ،كل شخص طبيعي غائب
حقيقة بسبب االختفاء عن األنظار في مكان غير معروف ،أو حكما بسبب فقدان القدرة على التواصل
الحر كما هو حال الم غمى عليه باستمرار ،و المحتجز لدى المخزن تنفيذا لحكم بالحبس أو السجن ،أو
عند العدو الدولي بسبب األسر ،أو لدى عدو داخلي محارب بسبب الخطف.
في هذه األحوال كذلك يظل الشخص متمتعا بأهلية الوجوب ،و يظل محتفظا بحقوقه المدنية و
السياسية جميعا ،و من ذلك حق التقاضي المدني ،يمارسه نوابه الشرعيون من ولي أو وصي أو قيم أو
النيابة العامة حسب األحوال .أما هو نفسه ،فال يملك حق ممارسة الدعوى لفقدانه أهلية األداء فيها.
المبحث الثاني :أهلية األداء في الدعوى المدنية
على خالف الدعوى العمومية التي ترتبط فيها أهلية األداء بالصفة المهنية لرجال و نساء النيابة
العامة كما هي مجسدة في منصب وكيل الملك و نوابه لدى المحكمة االبتدائية ،مع الوكيل العام للملك و
نوابه لدى محكمة االستئناف و في محكمة النقض ،تبقى أهلية األداء في الدعاوى المدنية بالنسبة
لألشخاص الخصوصيين مرتبطة بأحكام األحوال الشخصية .و قد سبق القول أن هذه األخيرة محل
أحكام من النظام العام المشترك لجماعة األمة ،استثناء من أحكام قوانين الملل بالنسبة للمغاربة ،و
القوانين الوطنية بالنسبة لألجانب.
يقضي نظام الملة بالنسبة للمسلمين المغاربة أن يعتبروا قصرا إلى غاية سن الثامنة عشر سنة شمية
كاملة ،و بالسنبة لليهود إلى غاية سن السادسة عشر شمسية كاملة .أما المسيحيون ،فتقضي أحكام
القانون الكنسي الروماني أن يبلغ الذكور سن الرشد ابتداء من سن السادسة عشر و تبلغه اإلناث في
سن الرابعة عشر.
غير أنه وفقا للنظام العام المشترك بين أفراد جماعة األمة على اختالف الملل كما بالنسبة لألجانب،
تكون تصرفات الشخص جميعا منعدمة األثر القانوني قبل سن الثالثة عشر النعدام أهلية األداء ،و
تصير قابلة لإلبطال بعده ،لنقص تلك األهلية حسب األحوال إلى غاية سن الرابعة عشر ،أو السادسة
عشر أو الثامنة عشر.
مع ذلك ،و بصفة استثنائية تعتبر أهلية الشخص للتقاضي كاملة مكتملة بقوة النظام العام المشترك
ابتداء من سن اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة.
فقد استثنى القانون أهلية التقاضي من أحكام األحوال الشخصية لجعلها تخضع ألحكام النظام العام
المشتركة بين المواطنين و األجانب و بين جميع ملل األمة.
ال نفشي سرا إن أعلنا أن هذا القول مخالف تماما لما يجمع عليه الشراح حول أهلية التقاضي .فقد
استقر الرأي على اعتبار الحاالت التي يخول فيها القانون للقصر حق التقاضي ابتداء من سن التمييز
مجرد استثناءات من مبدإ عدم األهلية للتقاضي قبل سن الرشد و ليس تطبيقات لمبدأ اكتمال أهلية
التقاضي ابتداء من سن التمييز؛ و الحال أن القانون المغربي يطبق بشكل واضح مبدأ اكتمال أهلية
التقاضي ابتداء من سن التمييز و ال يربطها باكتمال سن الرشد.
لشرح ذلك ال بد من التذكير بأن أهلية التقاضي جزء من أهلية األداء العامة ،تخضع ألحكام مختلفة
بالنسبة لألشخاص الطبيعيين عنهم بالنسبة لألشخاص المعنويين.
فالشركة األجنبية كما الحاملة للجنسية المغربية ،ال تمتلك أهلية التقاضي إال باكتمال أهلية األداء
لديها؛ و يكون ذلك بعد اكتمال إجراءات إنشائها و انعقاد الجمع التأسيسي لها .أما قبل ذلك فيتم
التصرف باس مها و لحسابها من طرف المؤسسين باعتبار صفتهم تلك و ليس باعتبارهم وكالء عنها.
أما الشخص الطبيعي أيا كانت ملته و جنسيته ،فال يحتاج الكتمال أهلية األداء العامة لديه ليكتسب
أهلية التقاضي بنفسه عن نفسه أو بواسطة وكالء يعينهم ،و إنما يكفيه بلوغ سن التمييز .و لعل الذي
لبَّس األمر على الشراح أنهم اعتبروا أحكام ظهير االلتزامات و العقود هي القانون المشترك الذي
تخضع له قضية األهلية و أن قانون األسرة بالنسبة إليه قانون خاص تعتبر أحكامه استثنائية بالنسبة
لألول و الحال أن العكس هو الصحيح.
فبصريح الفصل 3من مدونة االلتزامات و العقود ،يكون قانون األحوال الشخصية هو القانون
المشترك في قضايا األهلية ما يجعل قانون االلتزامات و العقود قانونا خاصا بالنسبة إليه.
76
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
دون تأخر ،لكن في عجالة ،نبادر إلى القول أن قانون االلتزامات و العقود اهتم بتنظيم قضية األهلية
بأحكام خاصة تعلقت بصحة التصرفات التعاقدية و المتعدية بإرادة منفردة و ليس التصرفات الالزمة
بإرادة منفردة كما هو الشأن في رفع الدعوى .لم يهتم قانون االلتزامات و العقود بقضية صحة رفع
الدعوى من طرف القاصر إال في شأن مدة تقادمها متى كان موضوعها هو طلب إبطال التصرف
التعاقدي أو المتعدي بإ رادة منفردة بسبب نقص األهلية .في هذا الشأن يقضي الفصل 312من مدونة
االلتزامات و العقود ( :ال يبدأ سريان مدة التق ادم المذكورة في حالة اإلكراه إال من يوم زواله وال في حالة
الغلط والتدليس إال من يوم اكتشافهما .أما بالنسبة إلى التصرف ات المبرمة من الق اصرين فمن يوم بلوغهم سن
الح ْجر عنهم ،أو من
الرشد ،وبالنسبة إلى التصرف ات المبرمة من المحجر عليهم وناقصي األهلية فمن يوم رفع َ
الغ ْبن المتعلق
يوم وف اتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا مات ناقصو األهلية وهم على هذه الحالة .وفي حالة َ
بالراشدين فمن يوم وضع اليد على الشيء محل العقد ).و يقضي الفصل ( : 311يكون لدعوى اإلبطال
محل في الحاالت المنصوص عليها في الفصول 4و 13و 55و 55من هذا الظهير ،وفي الحاالت األخرى
التي يحددها الق انون ،وتتق ادم هذه الدعوى بسنة في كل الحاالت التي ال يحدد فيها الق انون أجال مخالف ا.
وال يكون لهذا التق ادم محل إال بين من كانوا أطراف ا في العقد).
و حيث أن القانون لم يحدد لدعوى اإلبطال من طرف القاصر لنقص األهلية التي تم النص عليها في
الفصل 1أجال مخالفا للتقادم ،فإنها تتقادم بسنة تحسب من يوم بلوغ سن الرشد علما أن الفصل : 1
يقضي بأنه (إذا تعاقد الق اصر وناقص األهلية بغير إذن األب أو الوصي أو المقدم ف إنهما ال يلزمان
بالتعهدات التي يبرمانها ،ولهما أن يطلبا إبطالها وفق ا للشروط المقررة بمقتضى هذا الظهير.
غير أنه يجوز تصحيح االلتزامات الناشئة عن تعهدات الق اصر أو ناقص األهلية ،إذا وافق األب أو الوصي
أو المقدم على تصرف الق ا صر أو ناقص األهلية .ويجب أن تصدر الموافقة على الشكل الذي يقتضيه
الق انون.).
عكس ما ذهب إليه الشراح ،يجب االنتباه إلى أن الفصل 312المذكور ال يتحدث عن بدأ اكتساب
أهلية رفع دعوى اإلبطال بسبب نقص األهلية و إنما فقط عن كيفية حساب مدة تقادمها .تنتهي هذه المدة
مع نهاية أول سنة من يوم بلوغ سن الرشد الذي كما هو معلوم مختلف باختالف قانون األحوال
الشخصية للشخص .و مؤدى ذلك أن دعوى البطالن لنقص األهلية تتقادم بالنسبة للمسلم عند بلوغه
تسعة عشر سنة شمسية كاملة ،و بالنسبة لليهودي عند بلوغه سبعة عشر سنة شمسية كاملة و بمثل ذلك
بالنسبة للمسيحي إن كان ذكرا و عند بلوغها سن الخامسة عشر سنة كاملة بالنسبة للمسيحية األنثى ما
لم يشترط القانون الكنسي للمعني باألمر سنا أكبر من ذلك .نفس طريقة حساب مدة التقادم تطبق كذلك
على دعوى البطالن لنقص األهلية من طرف األجنبي.
و حيث أن المشرع بين طريقة حساب مدة التقادم و ليس وقت بدايته عكس ما يوحي به ظاهر
النص ،فإن مدة التقادم تحسب من وقت إبرام التصرف و ليس من وقت بلوغ سن الرشد ،بمعنى أنه
يمكن للقاصر طلب إبطال تصرفه لنقص أهليته من وقت إبرام العقد إلى غاية انتهاء السنة األولى من
بلوغه سن الرشد .أما احتجاج البعض بنص الفصل 1من مدونة االلتزامات و العقود للقول بخالف ذلك
فال يمكن االعتداد به لوروده في غير محل .للعلم يقضي الفصل 1أنه ( :يجوز الطعن في االلتزام من
الوصي أو من الق اصر بعد بلوغه رشده ،ولو كان هذا األخير قد استعمل طرق ا احتيالية من شأنها أن تحمل
المتعاقد اآلخر على االعتق اد برشده أو بموافقة وصيه أو بكونه تاجرا.
ويبقى الق اصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من االلتزام ،وذلك بمقتضى الشروط
المقررة في هذا الظهير).
خالفا لما ح َّم له البعض لهذا النص بغير دليل أصولي ،فإن مفاده بمفهوم المطابقة هو أن القاصر
يحتفظ بالحق في رفع دعوى البطالن لنقصان األهلية طوال مدة التقادم بما في ذلك السنة التي تلي
77
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بلوغه سن الرشد ،حتى و لو استعمل طرقا احتيالية أوهم بها المتعاقد اآلخر بأن تلك الدعوى منعدمة
النتفاء وسيلتها القانونية بسبب بلوغ سن الرشد.
متى تم إدراك الفر ق بين حكم تقادم دعوى البطالن لنقص األهلية و حكم أهلية التقاضي و أن هذه
األخيرة تخضع لنظام األحوال الشخصية في حكمها المشترك ،و ليس لنظام العقود و االلتزامات إال
بخصوص صحة التصرفات كال على حدة ،فإن البحث عن الحكم المشترك ألهلية التقاضي يجب أن يتم
في مدونة األسرة و ليس في مدونة االلتزامات و العقود.
في هذا الشأن تنص المادة 211من مدونة األسرة أن ( :الصغير المميز هو الذي أتم اثنتي عشرة سنة
شمسية كاملة ) .و تأكيدا لقاعدة ثبوت أهلية التقاضي ببلوغ سن التمييز هذا ،تنص المادة 221من مدونة
األسرة على أنه يحق للصغير المميز أن يطلب بنفسه و دون إذن من الولي أو الوصي ،من المحكمة
تمكينه من تسلم جزء من أمواله إلدارتها قصد االختبار .و على ضوء ذلك يفهم من نص المادة 21من
مدونة األسرة أن للقاصر حق تقديم طلب اإلذن بالزواج من المحكمة ببلوغ سن التمييز ،علما أن هذه
المادة تشترط أن يتم توقيع طلب اإلذن من طرف النائب الشرعي مع القاصر و ليس نيابة عن هذا
األخير .فالقاصر يوقع طلب اإلذن القضائي أصالة عن نفسه بمعية نائبه الشرعي ،بما يفيد أنه يمتلك
أهلية التقاضي كاملة بمفرده ،ما لم يلزمه القانون باصطحاب نائبه الشرعي.
و حيث أن اصطحاب النائب الشرعي ليس شرطا لقبول دعوى استالم جزء من األموال قصد
االختبار قبل سن السادسة عشر ،و ليس شرطا كذلك لرفع دعوى الترشيد ابتداء من هذا السن ،فإن
الصغير المميز يملك أهلية التقاضي كاملة في كل ما تعلق بآثار التصرفات الواقعة منه إللزام الولي أو
الوصي بتصحيحها أمام المحكمة ،أو لطلب إبطالها لعلة نقص األهلية .بل إنه يملك حتى مقاضاة الولي
أو الوصي عن التصرفات التي يقوم بها باسمه و لحسابه لطلب إبطالها.
ال يجوز مجانبة الصواب في هذا األمر بذريعة أن الفصل 231من مدونة األسرة يعطي للقاصر بعد
بلوغه سن الرشد مهلة سنتين لرفع ا لدعاوى المتعلقة بالحسابات و التصرفات المضرة بمصالحه ضد
الوصي و المقدم و كل شخص كلف بذات الموضوع .فهذه أحكام تتعلق بمسألة تقادم الدعاوى التي
يملكها القاصر و ليس بأهليته للتقاضي.
بالفعل ،ليس من نص يعطي للولي و ال الوصي أو المقدم سلطة منع القاصر من اللجوء للمحكمة
طلبا إلبطال تصرف بدر منه أو من أحد هؤالء .كما أنه ليس من نص يجيز للمحكمة رفض طلب
القاصر لمجرد نقص أهليته.
مفاد ذلك أن القاصر غير ملزم النتظار بلوغ سن الرشد لرفع دعاوى إبطال التصرفات الضارة به،
كما الدعاوى لحماية أي مصلحة .بل يحق له ذلك ابتداء من سن الثالثة عشر.
الفصل الثالث :المصلحة
يكتفي المشرع بذكر المصلحة كشرط لصحة الدعوى المدنية دون تعريف مراده منها .و رغم بداهة
الصفة اإلسالمية لنظام القانوني المغرب ،الشيء الذي يفترض معه أن المشرع المغربي يحيل في
الفصل األول من مدونة المسطرة المدنية إلى معنى المصلحة كما هو محدد في قانون الحضارة
اإلسالمية ،فقد نجح االسترهابيون من طابور المسترومة الخامس في التشكيك من ذلك .و قد تمكنوا من
إحراج كثير من الجامعيين الحقوقيين لمنعهم من التذكير بمفهوم المصلحة الشرعية.
بالفعل ،بات الكثيرون يعتقدون خطأ أن البحث في مفهوم المصلحة قضية فلسفية ال تمت للدراسة
الحقوقية بصلة ،ليكتفوا بالحديث عن خصائصها .و هم بذلك يقعون في فخ التخلي عن واجب ضبط
مفهوم المصلحة من وجهة نظر قانون حضارة األمة المغربية ،و يساهمون من حيث ال يدرون مع
المتعيشين من العلماء بالقوة في مؤامرة التعتيم على القانو ن المقدس بما يضر بمصلحة المستضعفين
من الحراثين.
المبحث األول :مفهوم المصلحة
يختلف مفهوم المصلحة في الفقه المغربي لدى المسترومة مع السلطانيين على حد سواء عنه عند
الراشديين .فالمسترومة يتناسون متعمدين حقيقية الطبيعة االسالمية للنظام الحقوقي المغربي و أنه
بن تيجة ذلك متكون من قانون وضعي للنظام العام يحكمه قانون سماوي للحضارة .و يتعمد السلطانيون
من جهتهم نسيان أن محتوى القانون السماوي للحضارة المغربية تحدده منذ ثورة 1311أحكام الفقه
الراشد للمذهب المالكي و ليس الفقه السلطاني المخزني.
78
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بذلك ينقسم شراح القانون الم غربي إلى فريق من المالكيين الراشديين من جهة ،و فريقين من
الوصائيين أحدهما للمسترومة و الثاني للسلطانيين.
المطلب األول :النظرية الوصائية للمصلحة
رغم إخطاء المسترومة لنوع النظام القانوني الذي يقصدونه عند تعاملهم مع القانون المغربي نرى
السلطانيين يرددون مع هم بصوت واحد أن مراد المشرع في الفصل األول من مدونة المسطرة المدنية
من كالمه عن شروط صحة الدعوى ،هو المصلحة بالمعنى القانوني الوضعي ،و ليس األصولي
المعهود في الشريعة اإلسالمية.
و المصلحة بالمعنى القانوني الوضعي تتكون حسب المسترومة بمختلف مشاربهم السياسية،
اليمينية و اليسارية ،من كل منفعة شخصية مباشرة و حالة ،ينص عليها القانون؛ بغض النظر عن
طريقة صدور هذا القانون و كيفية وضعه ،و حتى لو كانت أضرارها أكثر من فوائدها.
بالفعل ،يظن المسترومة أنه كما في دولة المدينة من قبل ،يكفي أن يعبر القانون عن إرادة دولة
ا ألمة ،و لو من خالل مجلس عسكري ،أو لجنة مركزية لحزب وحيد ،أو برلمان مشكوك في صحة
انتخاب أغلبية أعضائه ،أو حتى من طرف حاكم متسلط ،يتصرف بموجب قانون حالة االستثناء،
لتكون االمتيازات التي يقررها كلها مصالح و ليست مفاسد .بل إنه حتى المتشددين منهم في اشتراط
االس تناد إلى إرادة الشعب الديمقراطية في كل الظروف ،ال يجدون حرجا في القول أن األغلبية تملك
إنشاء المصالح و لو بطريق الخطأ بناء على مقولة أن الخطأ الشائع ينشأ الحق ،بما في ذلك عندما
يحدث عن قصد بإرادة األغلبية.
بناء على ذلك ليس متوقعا أن يمانع المسترومة مثال في اعتبار الزواج المثلي بين الشاذين جنسيا،
مصلحة على المحاكم حمايتها لمجرد صدور قانون وضعي بذلك من المخزن ،و كذلك الشأن بالنسبة
لإلجهاض و قتل الرحمة و تجارة الخمور مع الربى و استغالل دور الدعارة و مطاعم اإلفطار العلني
في شهر رمضان.
أما السلطانيون فلما زالو ا يعتقدون أن الحق اإللهي في الحكم يخول للسلطان العلوي المجسد في
شخص الملك الموقر بصفته أمير المؤمنين ،حق تشريع أي مصلحة شاء و لو كانت في أصلها مفسدة
حضارية ممنوعة بقوة القانون المقدس .فال زال المتخصصون منهم في شرح الدستور يدعون أن
وظيفة أمير المؤمنين تمنح للملك أكثر من مهام المحتسب العام لألمة المكلف بمراقبة مشروعية كل ما
يحدث فوق تراب اإليالة؛ و أنه يملك بموجب قوة الظهير ممارسة السلطات التشريعية و التنفيذية و
القضائية باعتباره المالك األصلي لهذه السلطات ،ال يمارسها غيره إال بتفويض منه.
لسنا في معرض الرد ال مفصل على هكذا ادعاءات غير أننا ال نفوت الفرصة لتنبيه القائلين بهذا
التفسير لدستور المملكة المغربية أن الفصل 11من دستور 23يوليو 2311يشرح بوضوح معنى
وظيفة أمير المؤمنين إذ يحصرها في مهام رئاسة الملة و ليس السلطنة .فإمارة المؤمنين قد تفيد بمبناها
السلطنة ل كن معناها في النص الدستوري هو رئاسة الملة ،و في ذلك ننبه السادة الشراح إلى وجوب
تطبيق القاعدة الفقهية القاضية بأن العبرة بالمعنى و ليس بالمبنى.
مهما يكن ،فإنه قطعا ،لن يمانع السلطانيون أيضا في القبول بزواج الشواذ مع اإلجهاض و قتل
الرحمة ،و العياذ باهلل ،على أنه مصلحة لمجرد صدور ظهير شريف به ال قدر هللا .فقد قبلوا بخروقات
للقانون المقدس أكثر خطورة من ذلك منها مثال قولهم أن المصلحة تتحقق من الترخيص للبنوك الربوية
بالعمل في اإليالة ،و كذلك للحانات .كما أنهم سكتوا عن منح الحصانات القضائية و اإلعفاءات القانونية
لرجال المخزن و نسائه مع أفراد الطبقة المعفية من أمراء و أميرات مع شيوخ الزوايا و نقباء الشرفاء
و العائالت المولوية .و الحقيقة أن في ذلك مفاسد اقتصادية و أخالقية و سياسية خطيرة ،تتسبب في
إحداث شرخ بين الشعب و المخزن يمثل ثغرا خطيرا لمصلحة الروم المتربصين باألمة المغربية.
بحمد هللا عز و جل ،ليست الساحة العلمية كما السياسية حكرا على الوصائيين ،و إنما يزاحمهم فيها
تيار واسع من الراشديين المغاربة ،تمكن القائمون عليه منذ سنة 1311رغم أنف قدر التخلف و
تحقير الجهال ،من العض على الجراح و الوقوف في وجه الوصائيين.
المطلب الثاني :النظرية الراشدية للمصلحة
بكل هدوء و تواضع ،يصدع الراشديون المغاربة بالقول في كل المنابر العلمية أن اإلسالم ليس
بالنسبة لألمة المغربية مجرد حالة روحية لألفراد ،مختزلة علنا في مظاهر اآلذان و االحتفال بصالة
79
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الجمعة و تالوة القرآن في المناسبات مع ارتداء الزي التقليدي في األعياد الدينية .بل هو شريعة تشكل
القانون المقدس لحضارة أمة المملكة المغربية كما هو مبين في القانون المؤسس لهذه األخيرة.
لعل القوم من المسترومة و السلطانيين في حاجة لمن يذكرهم أن البرلمان ،و من ورائه كل سلطة
تشريعية من سلط المخز ن ،مكلف قانونا بالتعبير عن إرادة األمة إلصدار أمرها في ظل احترام قانون
حضارتها .و يقضي هذا األخير بأن الحقائق الكونية الثابتة باإلجماع الحقيقي عبر علم اليقين مضافا
إليها الحقائق الثابتة لجماعة األمة المغربية بقوة العقيدة الدينية هي محل إجماع حقيقي ال يمكن للقرار
الديمقراطي الممثل لإلجماع الحكمي مخالفته كما سبق بيانه.
بناء على ذلك ،ال يملك المشرع المغربي سلطة تحويل المفسدة إلى مصلحة متى تأكدت حقيقتها
بطرق علم اليقين كما هو الشأن بالنسبة لزواج الشواذ جنسيا بعضهم ببعض مثليا .فأي قانون مخزني
يرخص بذلك سيأمر ،ال قدر هللا ،القضاة بحماية مفسدة يوجب عليهم قانون حضارة األمة منعها .ذلك
أنه كما سبق القول ،يعتبر الشواذ في حقيقتهم مرضى نفسانيين يحتاجون للعالج بشهادة علماء النفس
باإلجماع ،و قد كانت منظمة الصحة العالمية تعتبرهم كذلك إلى غاية 1333قبل أن ترغم سياسيا على
شطب الشذوذ الجنسي من قائمة األمراض لتحرر أمم الروم من واجب توقيع العقاب الجنائي على من
يرفض العالج منه .و يكمن وجه الخطأ المقصود بإرادة األغلبية في هذا الشأن أن القانون يحول
الجريمة إلى مصلحة دون منع المفسدة المترتبة عن تلك الجريمة .فسواء تم الترخيص للشواذ بالزواج
المثلي أو منعوا منه ،فهم يبقون مع ذلك مرضى نفسانيين يشكلون خطرا على األطفال الذكور الذين هم
أكثر ضحاياهم المحتملين في كل المجتمعات .لذلك وجب حضاريا على كل أمة توقيع العقاب الجنائي
على الشواذ لحماية األمن المدني لألفراد بدل تشجيع خطرهم على الناس.
ال يملك المشرع من جهة أخرى تحويل المفسدة إلى مصلحة متى تأكدت كذلك حقيقتها بنص قطعي
الثبوت قطعي الداللة من القرآن و السنة باتفاق جمهور علماء المذهب المالكي.
ففي نظام الملكية البرلمانية اإلسالمية ،ال تحدد المصلحة بقوة إرادة السلطان المطلقة منفردا ،كما في
ظل ح كم الدولة العلوية الشريفة سابقا ،و ال بقوة إرادة جماعة رجال الدولة و نسائها باسم األمة كما
يتصورها المسترومة الما بعد حداثيون ،و ال حتى إرادة الشعب المطلقة كذلك كما يتصورها
المسترومة الحداثيون ،و إنما بأمر األمة الديمقراطي على ضوء قانون الحضارة المقدس ،أي باألمر
الشوري وفق أحكام الشرع.
ليس سرا أن فقهاء الشريعة على رأسهم اإلمام الشافعي رحمه هللا في كتابه الرسالة ،اجتهدوا و لما
يزالون لضبط طرق استنباط محتوى قانون الحضارة المقدس من خالل علم أصول الفقه .و وفقا لهذا
العلم ال تكون أي منفعة مصلحة لمجرد رغبة المشرع الوضعي في ذلك .فما كان مفسدة يظل كذلك من
وجهة نظر الحضارة ،حتى و لو فرض النظام العام الدولي العمل بها كما هو حاصل في ظل تسلط قوم
المسيح الدجال من الروم على العالم.
على عكس المصلحة ،تنشأ المفسدة من كل ما من شأنه تغليب الشر على الخير بما يمنع إقامة
الحضارة اإلنسانية في األرض ،علما أن المصلحة الحضارية تكمن في إدارة الصراع بين الخير و
الشر لمنع األخير من التغلب على األول و ليس لتحقيق الخير المطلق و إعدام الشر مطلقا .فعكس ما
هرفت به الروم ال تقوم الحضارة اإلنسانية فوق األرض ببلوغ حالة الوفرة المطلقة ألن ذلك ضرب من
الخيال العلمي؛ و إنما تقوم الحضارة ببلوغ حالة الكفاف في مجتمع تتعادل فيه قوى األفراد بحيث
يستغنون عن كل سلطة عمومية لحماية أنفسهم و إشباع حاجاتهم.
بناء على ذلك فإن كل ما من شأنه أن يعوق تقدم اإلنسانية نحو هذه الحالة االجتماعية يعد مفسدة
يجب منعها و ال يجوز القبول بها كمصلحة في الدعوى المدنية.
يقول الراشديون أن فهم مراد المشرع من قوله في الفصل األول من مدونة المسطرة المدنية
بخصوص المصلحة يجب أن يتم على ضوء هذه النظرية ،ألنه يشرط مشروعية المنفعة التي يطلب
صاحب الدعوى المدنية حمايتها قضائيا؛ و ذلك هو مفهوم المصلحة في القانون المغربي.
يمكن القول في المحصلة أن إقرار القانون الوضعي بأية منفعة ال يعطي للمستفيد منها حق رفع
الدعوى المدنية للمطالبة بحمايتها قضائيا ما لم تكن مصلحة بالمعنى الشرعي للكلمة .من ذلك مثال أن
المحكمة المدنية تملك رفض دعوى المرابي لتحصيل فوائد القرض و كذلك تاجر الخمور لتحصيل
ثمنها ،و مثل ذلك دعاوى مديري دور القمار و الدعارة ،لعدم توفر شرط المصلحة في دعاواهم
80
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
جميعا ،دون حاجة النتظار بت المحكمة الدستورية في الدفع بعدم دستورية القوانين المخزنية المقرة
لهكذا مفاسد.
في انتظار إلغاء القوانين الحامية لهكذا مفاسد لعدم دستوريتها ،ال يمكن لكل هؤالء تحصيل منافعهم
إال بالطرق المخزنية بعيدا طريق الدعوى المدنية.
المطلب الثالث :خصائص المصلحة
بغض النظر عن اختالفهم حول حقيقة مراد المشرع من كالمه حول المصلحة في الفصل األول من
مدونة المسطرة المدنية ،يتفق المفسرون على القول أن األمر يجب أن يتعلق بمنفعة شخصية لصاحب
الدعوى ،تكون مباشرة حالة و موجودة.
تتحدد خاصية شخصية المصلحة بالمقارنة مع منفعة الغير .فكل منفعة لغير صاحب الدعوى ال
يتحقق بها شرط المصلحة في الدعوى المدنية و لو كان هذا األخير معنيا بالدعوى بصفته وكيال .غير
أن خاصية الشخصية في المصلحة ال تعني أحاديتها ،فالمنفعة قد تكون جماعية كما هو شأن الدعوى
المستعملة باسم كتلة الدائنين و لحسابهم ،بل و حتى عامة كما هو الحال في دعاوى النقابات و
التنظيمات المهنية ،كما جمعيات الدفاع عن المستهلكين و عموم دعاوى الحسبة.
خاصية الشخصية في الفائدة ال تكفي لجعلها مصلحة في الدعوى المدنية إال في ظل االرتباط
المباشر مع موضوع الدعوى .فكل منفعة غير مرتبطة مباشرة بموضوع الدعوى ال تكون مصلحة في
الدعوى و لو ارتبطت به بشكل غير مباشر .فالمدعي كما المدعى عليه ال مصلحة لهما في الدعوى ما
لم يرتبطا مباشرة بموضوع يعنيهما شخصيا يكون محل خصومة بينهما .من ذلك مثال أن الزوجة
ضحية حادثة سير ،مرتبطة مباشرة بالخصومة مع السائق المسؤول عن الحادثة حول التعويض المدني
المستحق لها قانونا عن الضرر البدني المترتب عن تلك الحادثة ،أما األلم النفسي الذي يسببه ما لحق
بها من األذى لزوجها فال يكفيه المتالك دعوى مماثلة ضد نفس السائق لمطالبته بالتعويض عن ذلك
األلم.
ليس للزوج في هذا المثال منفعة مرتبطة مباشرة بموضوع دعوى المطالبة بالتعويض المدني عن
الضرر الناجم عن حادثة السير .فاأللم النفسي الذي يعانيه الزوج ضرر غير مباشر لحادثة السير ال
يترتب عنه منفعة مباشرة للمطالبة بالتعويض عنه ،إذ يكفي الزوج أن تحصل زوجته على التعويض
عما أصابها من ضرر بدني ،ليعوض هو عن األلم النفسي إن كان فعال قد شعر به.
من جهة أخرى ،و حيث أن الخصومة القضائية ال تنشأ إلى في حال تحقق المساس بالحق محل
النزاع ،فإن الوقاية ليست مصلحة ممكنة في الدعوى المدنية .ذلك أن المصلحة يجب أن تكون منفعة
شخصية مباشرة حالة و ليست مجرد محتملة .من ذلك مثال أنه ال يحق للجار المطالبة بمنع جاره من
كراء عقاره قبل بيعه لحماية مصلحته في استعمال حق الشفعة ،علما أن المشتري كما الشفيع ال يملكان
فسخ عقد كراء العقار من طرف واحد.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهيIII
ما هي شروط صحة الدعوى المدنية و ما الفرق بينها و بين عناصر هذه األخيرة؟
تحدث بإسهاب عن الصفة كشرط لصحة الدعوى المدنية؟
تحدث عن دور النيابة العامة في الدعوى المدنية؟
تحدث بإسهاب عن المصلحة كشرط لصحة الدعوى المدنية؟
تحدث بإسهاب عن أهلية التقاضي في الدعاوى المدنية؟
الدرس التطبيقيIII
لخص الدرس النظري الثالث في بضع سطور؟
ضع مقارنة بين شروط الصحة بالنسبة للدعوى المدنية و نظيرتها الجنائية ؟
تبادل مع من تختار التعاون معه من زمالئك في القسم ،تقريرا تعده بمفردك عن مفهوم المصلحة في قانون حضارة
األمة المغربية و مفهوم المنفعة المحمية بأحكام النظام العام المغربي و حدود التناقض الممكن بينهما عمال بالقواعد
الفقيه و قواعد أصول الفقه ؟
81
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
82
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
القضية ال تتعلق بمقر المحكمة و ال دائرة نفوذها أو موظفيها ،فإن القياس مع حالة تعيين القضاة في
المراكز القضائية داخل دائرة نفوذ المحكمة االبتدائية ،و الذي يتم بقرار لوزير العدل ،يفضي إلى القول
بجواز إنشاء الغرف كذلك داخل المحكمة االبتدائية بقرار لنفس الوزير.
مهما يكن ،فإن تعيين قضاة المحكمة في الغرف ال يعني حصر تخصصهم في القضايا المنشأة من
أجلها هذه األخيرة .فالفصل الثاني من ظهير 19يوليو 1391المذكور ينص صراحة على حق رئيس
المحكمة في إسناد صالحية النظر في أي قضية من القضايا المعروضة على محكمته ألي غرفة من
غرفها ،باستثناء القضايا التي خص بها القانون قسمي قضاء القرب و قضاء األسرة.
بناء على ذلك ،ال شيء يمنع رئيس المحكمة من تعيين قاض مقرر أو مكلف بالقضية من القضاة
التابعين لغرفة االستئناف لالمساك بقضية تعرض ألول مرة على المحكمة كي يقوم بإعدادها للحكم و
يفصل فيها ضمن غرفته ،و ليس للنظر في طلب استئنافي بشأنها.
بالمثل ،ال شيء يمنع أن تسند القضية المدنية للقضاة العاملين في الغرفة الجزرية ،و العكس صحيح.
و مع ذل ك ال يملك رئيس المحكمة تكليف القضاة التابعين لقسمي قضاء القرب و قضاء األسرة بالحكم
أو التقرير في غير القضايا الداخلة في اختصاص هذين القسمين.
رب قائل أن الوضع يصير مختلفا متى تقرر تصنيف المحكمة االبتدائية .ذلك أن الفصل الثاني
المذكور ،يفتح للسلطة الحكومية إمكانية تصنيف كل محكمة ابتدائية إلى ثالث محاكم فرعية بدل الستة
غرف مع القسمين.
حقيقة ،تملك السلطة الحكومية بموجب مرسوم لرئيس الحكومة أن تصنف أي محكمة ابتدائية
منتصبة إلى ثالث محاكم فرعية هي المحكمة االبتدائية المدنية ،و المحكمة االبتدائية االجتماعية ،و
الم حكمة الزجرية االبتدائية .على أن تتألف المحكمة المدنية من قسم لقضاء القرب بجانب أربعة
غرف ،مدنية ،و تجارية و عقارية و استئنافية؛ و تتألف المحكمة االجتماعية من قسم لقضاء األسرة
بجانب و غرف حوادث الشغل و األمراض المهنية و غرف نزاعات الشغل و االستئناف ،في حين
تتألف المحكمة الجزرية بجانب قسم قضاء القرب من غرفة جنحية و ثانية لحوادث السير مع غرفة
لقضاء األحداث و غرفة لالستئناف.
و حيث أن لكل محكمة فرعية رئيسها و كتابة ضبطها المستقلة ،فقد يخطر بالبال أنه لن يكون على
القضاة في كل محكمة فرعية النظر في غير القضايا الت ي تختص فيها محكمتهم .ذلك ظن يحتاج
للتأصيل القانوني حتى يكون مؤكدا ،و هو الشيء الذي يبدو مستحيال .ففي غياب أي نص صريح يمنع
المحاكم االبتدائية الفرعية من اإلمساك بالقضايا التي ليست من صنف اختصاصها النوعي ،فإنه عمال
بقاعدة االستصحاب ،ال يقبل منها الدفع تلقائيا بعدم االختصاص كما ال يجوز لها القبول بهكذا دفع من
الطرفين.
بالفعل ،يجب استصحاب نفس الحكم المتعلق باختصاص الغرف النوعي داخل المحكمة االبتدائية
الغير مصنفة ،و الذي يمنع رؤساء الغرف كما القضاة األعضاء فيها من الدفع بعدم االختصاص
النوعي.
بناء على ذلك ،يمكن القول أنه يجوز لصاحب الدعوى المدنية أن يرفعها حسب اختياره أمام أي
محكمة ابتدائية فرعية ،و ال يكون لكاتب ضبط هذه األخيرة و ال لرئيسها رفض استقبال الدعوى
بذريعة عدم االختصاص النوعي.
خالفا لذلك كما سبق ذكره يمنع القانون النظر في قضايا األسرة على غير القضاة الجالسين في قسم
قضاء األسرة .و يمكن تفسير ذلك بال طبيعة المتميزة لقانون األحوال الشخصية في المملكة المغربية
من حيث أنه قانون الملة بالنسبة للمسلمين و اليهود و المسيحيين و ليس قانونا مشتركا لجماعة األمة.
ألجل ذلك وجب على القضاة المكلفين بتطبيقه االحاطة الشاملة بأحكام قانون الملة المعنية في كل
قضية.
أما تخصيص قسم قضاء القرب للنظر في قضايا القرب دون سواها فقد كان الغرض فتح طريق
سريع لخدمة القضاء ،و ليس تقريب خدمة القضاء من المواطنين عكس ما أوحى به عنوان القانون
المتعلق به.
من جهة أخرى يقوم هيكل المحاكم المدنية في المغرب على وجود درجة ثانية للتقاضي بعد درجة
المحاكم االبتدائية ،و هي درجة محاكم االستئناف؛ و فيها يتم التقاضي من خالل الطعن باالستئناف في
الحكم الصادر ابتدائيا من محكمة الدرجة األولى.
83
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و تنقسم محكمة االستئناف كلها طبقا للقانون هي األخرى وجوبا إلى غرفتين هما غرفة األحوال
الشخصية والميراث و غرفة الجنايات الغرفة الجنحية مضافا إليها قسم للجرائم المالية في بعض المحاكم.
و يمكن لكل محكمة استئناف أن تضم باإلضافة لتلك الغرف مع قسم الجرائم المالية ،غرفة عقارية و
أخرى اجتماعية.
يرأس محكمة االستئناف رئيس أول له ديوان و رؤساء غرف لكل منهم كتابة خاصة ،غير أن أيا
منهم ال يملك صفة قاضي المستعجالت.
أما محكمة النقض فتنقسم وجوبا إلى ست غرف :غرفة مدنية تسمى الغرفة األولى وغرفة لألحوال
الشخصية والميراث وغرفة تجارية وغرفة إدارية وغرفة اجتماعية وغرفة جنائية .يرأس محكمة
النقض رئيسا أوال و يرأس كل غرفة رئيس الغرفة ،ويمكن تقسيمها إلى أقسام .غير أنه مثل الشأن في
محكمة االستئناف ال يملك الرئيس األول لمحكمة النقض و ال رؤساء الغرف صفة قاضي
المستعجالت.
و مثل الحال في المحكمة االبتدائية ،يحق لكل غرفة في محكمة االستئناف كما في محكمة النقض
أن تبحث و تحكم في أية قضية معروضة على المحكمة أيا كان نوعها.
تمتلك كل محكمة في الدرجات الثالث مصلحة لكتابة الضبط خاصة بها ،غير أنه خالفا لمحاكم
االستئناف و محكمة النقض التي ال يجوز افتتاح الدعوى فيها بغير الطريق العادي ،يجوز افتتاح
الدعوى أمام المحكمة االبتدائية بالطريق السريع و الطريق االستعجالي.
المطلب الثاني :مسارات افتتاح الدعوى في المحكمة االبتدائية
الفتتاح الدعوى المدنية في المحكمة االبتدائية ثالثة مسارات ممكنة .فالقانون يسمح بتقديم الطلب
االفتتاحي حسب االختيار عبر الطريق السريع في قسم قضاء القرب ،أو بالطريق المستعجل من خالل
االستمساك مباشرة بقاضي المستعجالت أو بالطريق العادي عبر المرور بمصلحة كتابة الضبط في
المحكمة.
تفتَتح الدعوى بالطريق السريع في قسم قضاء القرب من حيث أن االستمساك بالقاضي الجالس فيه
ال يحتاج للمرور عبر مصلحة كتابة ضبط المحكمة ،بل يجزئ في ذلك تقديم مقال إلى كاتب القسم
يتولى عرضه مباشرة على القاضي ليشرع هذا األخير مباشرة في إعداد القضية للحكم إن كان المدعى
عليه حاضرا ،أو يأمر باستدعائه للحضور في غضون ثمانية أيام ،على أن يصدر الحكم النهائي في
شهر من ثالثين يوما كأقصى أجل .و يكون الحكم نافذا غير قابل للطعن فيه بأي طريق عادي أو
استثنائي ما عدى بالبطالن أمام رئيس المحكمة االبتدائية في غضون ثمانية أيام من صدوره و لألسباب
المبينة في المادة 3من قانون .13-12
أما الطريق االستعجالي فهو الذي يتم فيه االستمساك مباشرة برئيس المحكمة االبتدائية بضفته
قاضي المستعجالت طبقا للفصل 113من مدونة المسطرة المدنية.
و على خالف الشأن بالنسبة للطريق السريع ،لم يشترط القانون شكال معينا لطلب االفتتاح في
الطريق المستعجل؛ فيمكن بالتالي لصاحب الطلب المستعجل استعمال وسيلة المقال المكتوب كما
التصريح الشفوي.
للعلم ،يعطي القانون لرئيس المحكمة االبتدائية صالحية تعيين أيام و أوقات معينة للنظر في القضايا
المستعجلة ،غير أن ذلك ال يترتب عنه غلق الطريق المتعجل خارج تلك األوقات و األيام في حاالت
االستعجال القصوى.
في ذلك يقضي الفصل 193من مدونة المسطرة المدنية أنه ( :يمكن أن يقدم الطلب في غير األيام
والساعات المعينة للقضاء المستعجل في حالة االستعجال القصوى سواء إلى ق اضي المستعجالت أو إلى مقر
المحكمة وقبل التقييد في سجل كتابة الضبط أو ولو بموطنه ،ويعين الق اضي فورا اليوم والساعة التي ينظر
فيها الطلب.
يمكن له أن يبت حتى في أيام اآلحاد وأيام العطل) .
باستثناء حاجز مصلحة كتابة الضبط الذي يجب المرور عبره في الطريق العادي الفتتاح الدعوى ،ال تختلف
المسطرة في شيء بالنسبة للطريق االستعجالي عنه في هذا األخير .فخالفا للقاضي الجالس في قسم قضاء
84
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
القرب ،ليس قاضي المستعجالت ملزما باستدعاء المدعى عليه فورا إن لم يكن حاضرا ،و ال هو ملزم بغالف
زمني محدد إلصدار الحكم االستعجالي.
يبقى الطريق الثالث الفتتاح الدعوى المدنية هو الذي يكون فيه المرور عبر مصلحة كتابة الضبط ضروريا
لالستمساك بالقاضي ال فرق في ذلك بين قضاة المحكمة االبتدائية و محكمة االستئناف و محكمة النقض.
المبحث الثاني :مسار المرور عبر مصلحة كتابة ضبط المحكمة
تفرض الطبيعة الشكلية للمسطرة وجود مصلحة لمسك األقالم المستعملة في توثيق اإلجراءات و
الخطوات المتخذة فيها و لحفظ السجالت المستعملة في ذلك تسمى مصلحة كتابة الضبط.
و تكاد خدمة مسك أقالم المح كمة التي تتوالها مصلحة كتابة الضبط تلك تعدل أهمية خدمة العدالة
التي تتوالها هيئة القضاة فيها .بسبب ذلك ترقى درجة خطورة الفساد الذي قد يلحق بها إلى نفس درجة
خطورة فساد القضاة.
المطلب األول :أهمية خدمة مسك أقالم المحكمة
على خالف القضايا الجنائية التي تتولى فيها هيئة النيابة العامة مهمة ضبط المحاضر باستعمال
مصلحة الكتابة التابعة لها ،مستفيدة في ذلك من خدمات أقالم مختلف مصالح الشرطة القضائية التي
تحت إمرتها ،أسند القانون مهام مسك أقالم المحكمة في القضايا المدنية لمصلحة كتابة ضبط المحكمة.
يتعلق األمر بمصلحة مستقلة داخل المحكمة تتألف من عدة أقسام برئاسة كاتب ضبط المحكمة.
تتولى األقسام تلك ،كل منها تحت مسؤولية رئيس فرعي ،مهام مسك أقالم المحكمة لتسجيل كل ما
يتعلق من تصرفات في صندوق مالية المحكمة ،و من طلبات في سجل الضبط ،و معلومات في
محاضر الدعوى ،و محاضر الجلسات .و يتولى قسم من المصلحة ذاتها في الوقت نفسه تحت إشراف
كاتب ضبط المحكمة مسك قلم لتسجيل كل سجالت المحكمة فيما يسمى سجل السجالت .تضطلع أقسام
كتابة الضبط كذلك ،حسب التخصص ،بمهام االستدعاء و التبليغ ،و التنفيذ و حفظ الربائد مع السهر
على نظافة المحكمة و صيانة المعدات كما الحراسة الليلية ،و ضبط النظام في الفناء و الممرات مع
الدروج و المصاعد و على أبواب قاعات المحاكمة.
ال يكتسب كاتب ضبط المحكمة أهميته الوظيفية من صفته كرئيس لمصلحة كتابة الضبط ،ألنه يظل
مع ذلك موظفا إداريا خاضعا لنظام التسلسل اإلداري في العالقة مع رؤسائه من وزارة العدل ،و الذين
ليس منهم وكيل الملك وال نوابه ،ألن كاتب الضبط ليس من ضباط الشرطة القضائية و ال هو من
أعوانها.
تأتي األهمية الوظيفية لمنصب كاتب الضبط في المحكمة باألحرى من الصالحية المخولة له
حصريا إلضفاء الصفة الرسمية للشيء القضائي على كل محرر يتم تداوله باسم المحكمة.
فمحرر أي حكم ،و أي قرار ،و مقال ،و محضر ،أو نسخة مصورة أو أصلية من ذلك؛ كما
المحررات التي يوقعها رؤساء األقسام التابعة لكتابة الضبط ال تكون ذات صفة رسمية ،إال بحملها
توقيع كاتب ضبط المحكمة بالصفة مع اإلمضاء باالسم.
لهذا السبب ،فإن وجود الدعوى المدنية ذاتها متوقف على خدمة مصلحة الضبط؛ ال يجزئ عن ذلك
عرض القضية مباشرة على القضاة ،و ال حتى مجرد تبليغ الخبر عنها لكاتب الضبط شفهيا ،بل يجب
التأكد من قيدها لدى مصلحة كتابة ضبط المحكمة .فهذه المصلحة هي التي تستقبل رسميا الدعاوى عند
عرضها ألول مرة في المحكمة ،من خالل تقييدها في سجل ضبط المحكمة ،و تحتضنها بعد ذلك في
ملف محضر الدعوى ،و تسهر على تطورها و تقدمها من خالل هذا المحضر عبر متابعة جلسات
المحاكمة المتعلقة بها ،إلى حين صدور الحكم و تنفيذه.
ألجل ذلك يتولى العاملون في القسم المكلف باستقبال الدعاوى تحت إشراف كاتب الضبط فتح ملف
لكل دعوى تسجل آنيا في سجل ضبط المحكمة.
أما هذا الملف ،فيتم ترقيمه برقم تسلسلي و تودع فيه نسخة المقال أو محضر التصريح ،مع كل
وثيقة يدلي بها صاحب الطلب .و عند قدوم المدعى عليه ،يتم تجزئة ملف المحضر إلى قسمين بوضع
ملفين في داخله ،يخصص أحدهما لوثائق المدعي و اآلخر لوثائق المدعى عليه المتعلقة بالدعوى.
بموازاة ذلك ،يسهر كاتب الضبط شخصيا على قيد الدعوى في سجل ضبط المحكمة من خالل
اإلشارة في كناش معد لذلك إلى المحضر الذي تم فتحه بما يتضمنه من مقال أو محضر تصريح و
غيره من الوثائق المرفقة ،ليتم في آخر كل يوم أو منتصف يوم من عمل المحكمة ،عرض سجل
الضبط مع ملفات المحاضر على أنظار رئيس المحكمة.
85
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
باإلضافة لذلك ،يسهر كاتب الضبط على قيد السجالت الممسوكة من طرف مختلف أقسام مصلحة
كتابة ضبط المحكمة داخل المحكمة في سجل للسجالت ،يسهر على حفظه مع السجالت كلها في
مصلحة الربائد.
و حيث أن كتاب الضبط موظفون موضوعون بقوة القانون تحت وصاية وزير العدل ،الشيء الذي
يضمن وحدة هيئتهم ،فإن السجالت التي في حوزتهم تعد ملكا لوزارة العدل ،عليهم استالم براءة من
عهدتها عند مغادرتهم مهامهم بسبب النقل أو التقاعد.
مع االعتراف بحق موظفي مصلحة كتابة الضبط عبر المملكة في التحية لما يقومون به من عمل
جاد في غياب وسائل التقانة المعلوماتية ،و ما يشتهرون به من دقة و اتقان في العمل ،تبقى مع ذلك
مصلحة كتابة الضبط بالنسبة للمتقاضين حاجزا إجرائيا يجب الحرص على تخطيهم له دون مشاكل
للوصول إلى القضاة.
بالفعل ،يتوجس أكثر المتقاضين الذين هم من المستضعفين من مصلحة كتابة الضبط خوفا بسبب
ممارسات الفساد التي يجأر منها الشعب بشهادة رجال المخزن و نسائه أنفسهم .و حيث أن كتاب
الضبط ليسوا قضاة يمكن تجريحهم أو مخاصمتهم لمنع فسادهم ،فإن الواجب يقع على شراح مدونة
المسطرة المدنية لبيان الحل الممكن استعماله لمنع مصلحة كتابة الضبط من الحؤول بغير وجه حق بين
المتقاضين و بين خدمة العدالة.
المطلب الثاني :مخاصمة مصلحة كتابة ضبط المحكمة
ليست مخاصمة مصلحة كتابة ضبط المحكمة عنوانا يتكرر في الدراسات و البحوث المنشورة حول
مدونات المسطرة المدنية في البلدان الرومية لقلة مظاهر الفساد اإلداري فيها .و مع شديد األسف ،يفسر
عدم شيوع هكذا عنوان في منشورات المسترومة و المولويين ،ذات الصلة بالموضوع في الدول
المتخلفة ،إما بشعور القوم بالخوف و عدم قدرتهم على تحمل مسؤولية العلماء ،أو تواطؤهم مع
األنظمة الحاكمة بالسكوت على مظاهر الفساد فيها.
و حيث أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ،فإن السكوت عن الفساد المشاهد في مصالح كتابة
الضبط ليس من شيم العلماء؛ و بناء عليه ،نتحمل مسؤولية القول أن مصلحة كتابة الضبط في المحكمة
جزء من سلطة المخزن التنفيذي يصدق عليها ما يصدق عليه من حالة صحة أو سقم.
صحيح أن مهمة كاتب الضبط إدارية و ليست قضائية ،لكن خطورتها تتضاعف من حيث كونها
ضبطية كذلك .فالسيد كاتب الضبط في المحكمة ليس موظفا عاديا ،بل هو يمتلك سلطة الضبط التي
تخوله الصالحية لمنع الدع وى من الوصول إلى المحكمة كما أنه يتحكم عبر أقسام مصلحته في حركة
تنقل المعلومات المتعلقة بالخصومة بين الطرفين و إلى القضاة ،و كذلك عمليات تسجيل الوثائق المدلى
بها و حفظ أصولها أو نسخها .تلك كلها فرص للفساد يمكن من خاللها التالعب بالمعلومات و الوثائق
بطرق شتى لتلبية طلب دافع رشوة ،أو حتى ممارسة للتحرش االداري من طرف المخزن بمستضعفين
يكونون قيد حصاري إداري غير معلن.
من حق السيد وزير العدل في حكومة المملكة الموقرة ،و من ورائه اللجان المنكبة على إعداد
مشروع تعديل مدونة المسطرة المدنية أن يعلموا بأنه من خالل المهمة الضبطية ،يخول القانون
لمصلحة كتابة الضبط سلطة النظر في توافر عناصر الدعوى من عدمها ،الشيء الذي يعطي لكاتب
الضبط سلطة رفض قيد أي مقال أو تصريح ال تنشأ منه دعوى ،و دعوة المعني باألمر إلى تصحيح
مقاله أو تصريحه.
ال خشية في ذلك على حقوق المستضعفين متى أعلن لهم كاتب الضبط صراحة رفضه تسجيل
الدعوى ،و طلب منهم تصحيح المقال أو التصريح ،و إنما الخشية أن يخفي عنهم ذلك و يعمد كما هو
معهود في ممارسات الفساد اإلداري إلى الطرق الملتوية لجعل صاحب المقال يظن أن دعواه تم
تسجيلها فيذهب مطمئنا ينتظر استدعاء قد ال يأتي إال ب عد سنوات يخبره نفس كاتب الضبط بضرورة
إعادة صياغة مقاله .و هنا تكمن أهمية معرفة الوسائل القانونية الممكن استعمالها ضد مصلحة كتابة
ضبط المحكمة.
يجب التذكير بأنه في غير المساطر الخاصة بقسم قضاء القرب ،ال يحدد القانون أجال أقصى
الستدعاء أطراف الدعوى .فقد يحدث التأخير بسبب كثرة القضايا التي ينشغل بها القضاة و طول قائمة
االنتظار ،كما يمكن أن يحدث بسبب تالعب إداري تتحمل مصلحة كتابة الضبط مسؤوليته.
86
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و لحماية كل صاحب طلب لدى المحكمة من تالعب كاتب الضبط به ،نرى أنه من الضروري
إدخال تعديل يلزم كاتب الضبط بتسليم إشهادا عن تمام تسجيل الطلب االفتتاحي في سجل ضبط
المحكمة مع رقم ملف محضرها ،و ليس مجرد الوصل عن المستندات المرفقة بالمقال أو التصريح؛ و
أن يكون كل رفض لتسيل هكذا إشهاد قرينة على عدم حصول القيد ،يزول بموجبها عن صاحب
الطلب الحرج لتخاذ كل إجراء يسمح القانون لحماية نفسه من تعسف اإلدارة و تحرش المخزن .من
ذلك أنه يحق لصاحب الدعوى في حال تأخر االستدعاء ،أن يستعمل مفوضا قضائيا لتحرير محضر
رسمي يلتمس بواسطته من وكيل الملك فتح تحقيق في القضية مع حفظ حق االشتكاء من كاتب الضبط
لدى رؤسائه اإلداريين ،بل وحتى باب اللجوء إلى المحكمة اإلدارية لطلب وضع حد لتعسفه .و متى
توفرت األدلة على وقوع تسويف متعمد من طرف كاتب الضبط فإنه يكون من حق الضحية ليس فقط
االشتكاء مباشرة إلى وزير العدل و رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن تفويت فرصة ،بل و
مخاصمة هذا األخير عن إهماله أمام المحكمة اإلدارية ،علما أن النظر في هكذا خصومة ليس من
اختصاص المحكمة االبتدائية.
الفصل الثاني :اختصاص المحكمة االبتدائية
اختصاص المحكمة االبتدائية المسمى كذلك امتداد الصالحية القضائية ،يخضع ألحكام تتعلق بحق
أولوية المحكمة للنظر في قضايا معينة يتم تحديدها بناء على معطيين أحدهما جغرافي مرتبط بدائرة
نفوذها و اآلخر نوعي يتصل بمادة النوازل و نصابها.
ألجل ذلك وجب على كل من يطلب االستفادة من خدمة القضاء المدني أن يكون ملما بأحكام امتداد
الصالحية النوعية و المكانية للقضاء.
المبحث األول :مفهوم امتداد الصالحية القضائية
صحيح أن كل قاض يمتلك والية عامة لتطبيق القانون بحكم أنه يجسد بشخصه سلطة القضاء ،و أن
المحكمة تكون بفعل ذلك مكان استعمال السلطة القضائية لكل أمة؛ غير أن األمر ال يعني امتدادا ال
محدودا للصالحية القضائية.
فبفعل تنوع القضايا و اتساع مجالها الجغرافي ،يتم تحديد صالحية القضاة و المحاكم باعتماد الفرق
المادي بين مواضيع النزاعات الحقوقية و تفاوت أنصبتها من جهة ،و من جهة أخرى برسم حدود
ترابية المتداد تلك الصالحية مكانيا.
ففي العصور القديمة ،التي منها عصر الراشدين األولين ،حيث كانت الحياة بسيطة ،و عدد األفراد
قليل نسبيا بالمقارنة مع ما صار عليه الوضع حاليا ،كان القاضي الواحد يكفي لسد حاجة بلد بأكمله في
خدمة العدالة .لعله بسبب ذلك لم تظهر الحاجة لتنظيم امتداد صالحيته القضائية عبر مادة النوازل و ال
عبر اإلقليم .فقد كان القاضي نفسه ينظر في كل النوازل ال فرق بين الدستوري و اإلداري و الجنائي و
المدني و المالي كما العسكري؛ بل ودون ربط ذلك بحدود جغرافية معينة.
أما في الوقت الراهن ،فقد اقتضت موجبات الحضارة أن يتم وضع حد أقصى لمدى امتداد صالحية
القضاء على مستوى مادة النوازل و جغرافيتها ،بل و حتى على مستوى نصابها أو ما يسميه القانون
قيمتها.
فمن حيث مادة النوازل تأخذ مدونة المسطرية المدنية في االعتبار الصفة المشتركة للمحكمة
االبتدائية التي تخولها صالحية النظر في النزاعات الحقوقية التي لم يخصصها القانون لغيرها.
بالفعل ،سبق أن ذكرنا أن القانون يحدد اختصاص المحكمة االبتدائية بطريق نزع الصفة المدنية عن
أنواع معينة من القضايا و ليس بطريق وضع قائمة محصورة بأسماء النوازل المدنية .و قد سبق أن
ذكرنا بأن مجال القضاء المشترك يتسع بهذه الطريقة ليشمل أنواعا من القضايا تخرج حتى عن نطاق
القانون المشترك ،مثل القضايا التجارية و االجتماعية و قضايا األسرة.
ففي سبيل رسم حد لمدى امتداد صالحية المحكمة االبتدائية في المواد اإلدارية و الدستورية ،نص
الفصل 29من مدونة المسطرة المدنية على منع كل المحاكم من النظر و لو بصفة تبعية في جميع
الطلبات التي من شأنها أن تعرقل عمل اإلدارات العمومية للدولة أو الجماعات العمومية األخرى ،أو
أن تلغي إحدى قراراتها ،أو أن تبت في دستورية القوانين ،إال إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة.
و قد سبق أن رأينا أن مثل هكذا مقتضيات تحصر صالحية النظر في تلك القضايا على المحاكم
اإلدارية مع محكمة النقض و كذلك المحكمة الدستورية.
87
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
علمنا كذلك أن المادة 292من مدونة المسطرة المدنية تمنع عن المحكمة االبتدائية صالحية النظر
في كل قضية جنائية توصف التهمة فيها بوصف الجناية ،و بناء على ذلك ال ينعقد للمحكمة االبتدائية
صالحية النظر في الدعوى المدنية التبعية التي يحق للمتضرر من الجريمة رفعها للمطالبة بالتعويض
المدني ،إال أن يتصرف هذا األخير بموجب دعوى مستقلة عن الدعوى العمومية.
و رأينا كذلك أن قضايا المالية المخزنية و المحاسبة العامة مستثناة هي األخرى من اختصاص
المحاكم االبتدائية بموجب الفصلين 2و 3من مدونة المحاكم المالية.
أما من حيث النصاب ،فلم تعد صالحية المحاكم المدنية ممتدة كما في السابق للنظر في القضايا التي
من اختصاصها على نفس النحو .ذلك أنه باعتبار قيمة الحق محل المنازعة المدنية ،تنعقد الصالحية
للمحكمة االبتدائية للنظر في القضية على نحو ابتدائي و انتهائي ،أو ابتدائي مع قابلية االستئناف أمام
غرقتها االستئنافية ،أو تنظر ابتدائيا مع قابلية االستئناف أمام محكمة االستئناف.
و على مستوى االمتداد الجغرافي لصالحية المحاكم ،نص الفصل األول من ظهير 15يوليو 1391
على أن الدوائر الترابية للمحاكم ،بما في ذلك المحاكم االبتدائية ،يتم تحديدها بموجب مرسوم حكومي.
فبناء عليه ،يتوقف امتداد صالحية كل محكمة للنظر في القضايا المنعقد لها االختصاص النوعي
بشأنها عند حدود دائرتها ،ال تتجاوزها إلى القضايا المماثلة المرتبطة ترابيا بدائرة محكمة أخرى من
نفس درجتها.
بالنظر لهذا كله ،يتبين وجود فارق بين نظام امتداد الصالحية النوعية للمحكمة و نظام امتداد
الصالحية الترابية.
المبحث الثاني :نظام امتداد الصالحية النوعية للمحكمة
يتناول شراح مدونة المسطرة المدنية قضية نظام امتداد الصالحية النوعية للمحكمة االبتدائية تحت
عنوان أحكام االختصاص النوعي للمحكمة ،و هي أحكام تنظم حق المحكمة في األولوية للنظر في
القضايا اعتبارا لمادة النازلة من جهة ،و نصاب الدعوى من جهة أخرى.
المطلب األول :مادة النازلة
طبقا للفصل 12من مدونة المسطرة المدنية ،تختص المحكمة االبتدائية نوعيا للنظر في كل
النزاعات المدنية بالمعنى الواسع للمادة المدنية.
و كما سبق ذكره ،تتحدد الطبيعة المدنية لمادة النوازل باستعمال نصوص خاصة تعقد
االختصاص حصريا لمحاكم أخرى ،و ليس عن طريق اإلحالة إلى أحكام القانون المشترك .و تفاديا
للتكرار نحيل إلى ما سبق ذكره في هذا الشأن؛ و مع ذلك نظيف أن النزاعات التي ال تعقد المساطر
الخاصة لمحاكم أخرى صالحية النظر فيها ،ال يخرج عن يكون نوازل للمسؤولية التقصيرية أو
التعاقدية أو القانونية.
فكل حق يمكن متابعة أي شخص بالمسؤولية التقصيرية أو التعاقدية أو القانونية عنه يمكن أن يكون
مادة لخصومة مدنية أمام محاكم الحق العام ما لم يجعل المشرع صالحية النظر فيه حكرا على
المحكمة الدستورية ،أو اإلدارية ،أو المالية ،أو الغرف الجنائية ،أو المحكمة العسكرية أو التجارية.
فكما قضايا األسرة ،و قضايا العقود و االلتزامات و الضمانات العينية و التأمينات الشخصية و كذلك
التعويضات تدخل ضمن مادة النزاع المدني .و مثل ذلك بالنسبة لقضايا القانون الدولي الخاص من
جنسية و موطن و تنفيذ لألحكام األجنبية ،و كذلك قضايا الشغل و العقارات.
المطلب الثاني :نصاب الدعوى
نقصد بنصاب الدعوى ما يسميه الشراح قيمتها ،و يقصدون من ذلك مقدار قيمة الحق محل
النزاع المدني الذي يعتمده المشرع لتحديد النحو الذي تنظر به المحكمة االبتدائية في القضايا التي
تختص بها .ذلك أنه في الخصومات الجنائية ،يتحدد النحو القضائي للنظر في القضية باعتماد طبيعة
مادته و ليس قيمته ،بحكم أنه ليس في القضايا الجنائية نزاع حول حقوق مالية قابلة للتقويم .من أجل
ذلك يتم تنظيم النحو القضائي الذي تنظر وفقه المحكمة في القضايا الجنائية على أساس طبيعتها المادية
من خالل التمييز بين المخالفات و الجنح و الجنايات.
من ذلك أنه ال تنعقد الصالحية البتة للمحكمة االبتدائية للنظر في الجنايات ،كما أن صالحيتها للنظر
في المخالفات و الجنح تتم على نحو مختلف بين هذه و تلك ،بل و حتى بين الجنح الضبطية و التأديبية.
أما في المواد المدنية ،فقد نظم فالمشرع النحو الذي تنظر المحكمة وفقه في النزاع اعتمادا على قيمة
الحق محل النزاع بالتمييز بين أربعة أنصبة هي القيمة الغير محددة ،و القيمة المحددة فيما بين 1
88
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
درهم و 9333درهم ،و فيما بين 1درهم و 23333درهم ،و فيما بين 23331درهم و ما فوق ذلك
مع اعتبار الفرق بين اختصاص قسم قضاء القرب و اختصاص باقي غرف المحكمة ،و ما لذلك من
آثار على اختصاص المحاكم االبتدائية و محكمة النقض.
الفرع األول :نصاب افتتاح الدعوى عبر المسار السريع
يختل ف النحو القضائي للنظر في القضايا المدنية من طرف المحكمة االبتدائية في قسم قضاء القرب
باعتباره طريقا سريعا للتقاضي ،عنه في قسم قضاء األسرة و في باقي غرف المحكمة ،كما في
الطريق االستعجالي.
و قد تم تنظيم اختصاص قسم قضاء القرب بموجب أحكام خاصة تضمنها القانون رقم ،12-13ميز
فيها المشرع بين قضايا مدنية و أخرى جزائية.
على المستوى الجزائي ،يختص قسم قضاء القرب بالنظر في المخالفات المنصوص عليها في المواد
من 19إلى 12من القانون رقم .12-13و طبقا للمادة 2من نفس القانون ،يتم النظر في هذه
المخالفات على نحو انتهائي ال ي قبل الطعن بالطرق العادية أو االستثنائية ،بحيث ليس لمن صدر ضده
الحكم السريع سوى طريق المطالبة بإلغائه لألسباب المبينة في المادة .3
أما القضايا المدنية ،فقد أسند منها هذا القانون لقسم قضاء القرب صالحية النظر في الدعاوى
الشخصية و المنقولة التي ال تتجاوز قيمتها خمسة آالف درهم ،في غير النزاعات التي تنظمها مدونة
األسرة و أحكام العقار و أو القوانين المتعلقة بالقضايا االجتماعية و اإلفراغات.
و بمثل النحو الذي ينظر به قسم قضاء القرب في القضايا الجنائية المنعقدة له الصالحية فيها ،يفصل
انتهائيا في القضايا المدنية المثيلة .فبناء على المادة 13من قانون ،13-12ال تقبل األحكام الصادرة
بشأن هذه األخيرة الطعن بأي طريق عادي أو استثنائي ،و ليس للمتضرر منها سوى تقديم طلب
إبطالها لألسباب المبينة في المادة 3المذكورة.
أهم من ذلك كله هو أن الصالحية غير منعقدة حصريا لقسم قضاء القرب ،و إنما يستعمل المشرع
نصاب الخمسة آالف درهم لفتح خيار خدمة العدالة السريعة للمتقاضين.
يتعلق األمر بمجرد خيار من حيث أن المدعي بالحق الشخصي المنقول ،في غير المنازعات
المتعلقة باألحوال الشخصية ،أو العقار ،و الشغل و اإلفراغ ،و التي ال يتجاوز حد نصاب الدعوى فيها
القدر المطلوب في قسم قضاء القرب ،يملك بدال عن عرض القضية على هذا القسم من المحكمة ،طلب
قيدها في سجل المحكمة لتعرض على غرفة أخرى وفق المسطرة العادية.
و كما هو معلوم ،تكمن الفائدة من اختيار مسطرة القرب في سرعة خدمة العدالة فيها و بساطتها ،إذ
يلزم القا نون قاضي قسم القرب الممسك بالقضية إصدار حكم بات فيها في أجل أقصاه ثالثين يوما من
تاريخ األجل المضروب لمثول المدعى عليه.
الفرع الثاني :نصاب افتتاح الدعوى في المسار العادي
ليس قسم قضاء القرب هو الوحيد من أقسام المحكمة االبتدائية .فالقانون ينص على ضرورة وجود
قسم ثان هو قسم قضاء األسرة ،و ليس مستبعدا في المستقبل صدور قانون يقضي بفتح أقسام أخرى
كقسم قضاء الشغل.
و سواء في قسم قضاء األسرة أو في غيره من الغرف ،يتحدد نحو امتداد الصالحية وفق نصاب
الدعوى و ليس وفقا لمادة النزاع إال في قضايا الشغل؛ و يتم ذلك عمال بأحكام الفصول ،13 ،12 ،11
13 ،11و 21من مدونة المسطرة المدنية.
تميز هذه الفصول بين مواضيع النزاع القابلة قيمتها المالية للتحديد و التي ال تكون كذلك ،فيقضي
الفصل 12بأن نحو امتداد الصالحية يكون ابتدائيا فقط إذا كانت قيمة موضوع النزاع غير محددة .في
حين ذلك يقضي الفصل 13أن المحاكم االبتدائية تختص بالنظر ابتدائيا ،مع حفظ حق االستئناف أمام
غرف االستئنافات بالمحاكم االبتدائية ،إلى غاية عشرين ألف درهم ( 20.000درهم) ؛ و ابتدائيا ،مع
حفظ حق االستئناف أمام المحاكم االستئنافية ،في جميع الطلبات التي تتجاوز عشرين ألف درهم
( 20.000درهم).
و يعالج الفصلين 13و 11حالة تعدد الطلبات في الدعوى الواحدة بحيث تعتد المحكمة وفقا للفصل
13بمقدار مجموع الطلبات لتحديد النصاب في الحالة التي يقدم فيها طرف مدع واحد ضد نفس
المدعى عليه عدة طلبات في دعوى واحدة .أما في الطلب المقدم من عدة مدعين أو ضد عدة مدعى
عليهم مجتمعين و بموجب سند مشترك ،فيكون نصاب الدعوى هو أعلى نصيب ألي واحد منهم .فإذا
89
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كان نصيب كل واحد من المدعين ال يزيد عن القدر المحدد للحكم انتهائيا ،كان الحكم انتهائيا طبقا
للفصل 11المذكور .و يحكم ابتدائيا بالنسبة للجميع إذا زاد نصيب أحدهم عن هذا القدر.
غير أن هذه األحكام مستبعدة متى ثبت وجود تضامن بين المدعين أو بين المدعى عليهم ،أو كان
موضوع النزاع غير قابل للقسمة ،بحيث يحسب النصاب بناء على قيمة مجموع األنصبة استنادا إلى
مبلغ الطلب المجرد الناتج عن آخر مستنتجات المدعي ،باستثناء الصوائر القضائية ،والفوائد القانونية،
و الغرامات التهديدية و الجبائية.
و استثناء من أحكام امتداد الصالحية وفق النصاب ،يقضي الفصل 21من مدونة المسطرة المدنية
أنه (:يبت ابتدائيا فقط في قضايا حوادث الشغل و األمراض المهنية و كذا في المعاشات الممنوحة في
نطاق الضما ن االجتماعي باستثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع
الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل و األمراض المهنية ف إن األحكام تصدر بصفة انتهائية و لو كان مبلغ
الطلب غير محدد).
يمكن القول بالتالي بناء على ما سبق أن امتداد صالحية المحكمة االبتدائية للحكم على نحو انتهائي
مطلق ،منحصرة في نوعين من القضايا؛ أولها التي تدخل في اختصاص قسم قضاء القرب ،و الثانية
متعلقة ب النزاعات االجتماعية الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع الخاص
بالتعويض عن حوادث الشغل و األمراض المهنية .ذلك أن حكم المحكمة في هاتين الحالتين ال يقبل
الطعن بأي طريق من الطرق العادية أو االستثنائية ،بما في ذلك أمام الغرفة االستئنافية في المحكمة
االبتدائية.
أما في غير هذين النوعين من القضايا ،فتمتد صالحية المحكمة للحكم انتهائيا على نحو نسبي في
حدود نصاب 23333درهم ،و ابتدائيا على نحو مطلق فيما فوق ذلك كما في النزاعات التي تكون
قيمة الحق المطلوب غير محددة القيمة.
و معنى النظر في القضية على نحو انتهائي نسبي أن حكم المحكمة االبتدائية يصدر انتهائيا منها
لكن بعد مراجعته الممكنة في الغرفة االستئنافية التابعة لها .فهو يصدر انتهائيا من المحكمة على نحو
ابتدائي و استئنافي من غرفتين فيها.
و يكون الحكم ابتدائيا على نحو مطلق متى صدر عنها ابتدائيا فقط بحيث ال تكون لغرفة االستئناف
فيها صالحية مراجعته ،بل تنتقل تلك الصالحية مباشرة لمحكمة االستئناف .ذلك هو شأن النوازل
التي تزيد فيها قيمة الحق محل النزاع عن 23333درهم أو تكون غير محددة.
المبحث الثالث :حدود االمتداد المكاني للصالحية القضائية
يطلق الفقهاء على امتداد الصالحية القضائية مكانيا باسم االختصاص المكاني أو الترابي للمحكمة،
في حين يسميه المشرع المغربي باسم االختصاص المحلي.
و مه ما كانت التسمية ،فإن حدود االمتداد الجغرافي للصالحية القضائية هي نفس حدود دائرة نفوذ
المحكمة كما يرسمها القانون بموجب مرسوم حكومي طبقا للفصل األول من ظهير 19يوليو 1391
المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة .من ذلك أن الصالحية المكانية ممتدة بالنسبة لمحكمة النقض على
مستوى كامل تراب المملكة ،و هي منحصرة على خالف ذلك في حدود دوائر ترابية محلية بالنسبة
لمحاكم االستئناف و المحاكم االبتدائية علما أن دائرة كل محكمة ابتدائية تشمل سائر دوائر المحاكم
االبتدائية التابعة لها.
و ينعقد االختصاص المكاني تبعا لذلك لكل محكمة وفق درجتها طبقا لنظام محدد تبينه فصول مدونة
المسطرة المدنية.
من ذلك ما نص عليه الفصل 29بوضوح أنه :
.
(يكون االختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه
إذا لم يكن لهذا األخير موطن في المغرب و لكن يتوفر على محل إق امة كان االختصاص لمحكمة هذا
المحل.
إذا لم يكن للمدعى عليه ال موطن و ال محل إق امة بالمغرب فيمكن تقديم الدعوى ضده أمام محكمة
موطن أو إق امة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم.
90
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إق امة أي واحد منهم).
غير أن ما نص عليه هذا الفصل بشكل واضح ليس سوى مبدأ عاما لرسم حدود االمتداد الجغرافي
لصالحية القضاء .فقد أورد المشرع على هذا المبدأ قائمة طويلة جدا من االستثناءات نوردها كما هي
منصوص عليها في الفصول 23 ،22و 33من مدونة المسطرة المدنية مع دعوة الطلبة لحفظها عن
ظهر قلب.
يقضي الفصل 22في هذا الشأن أنه:
( تق ام الدعاوى خالف ا لمقتضيات الفصل السابق أمام المحاكم التالية:
-في الدعاوى العق ارية تعلق األمر بدعوى االستحق اق أو الحيازة ،أمام محكمة موقع العق ار المتنازع فيه؛
-في الدعاوى المختلطة المتعلقة في آن واحد بنزاع في حق شخصي أو عيني ،أمام محكمة الموقع أو
محكمة موطن أو إق امة المدعى عليه؛
-في دعاوى النفقة أمام محكمة موطن أو محل إق امة المدعى عليه أو موطن أو محل إق امة المدعي
باختيار هذا األخير؛
-في دعاوى تقديم عالجات طبية أو مواد غذائية ،أمام محكمة المحل الذي قدمت به العالجات أو
المواد الغذائية؛
-في دعاوى التعويض ،أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر أو أمام محكمة موطن
المدعى عليه باختيار المدعي؛
-في دعاوى التجهيز واألشغال والكراء وإجارة الخدمة أو العمل أمام محكمة محل التعاقد أو تنفيذ العقد
إذا كان هو موطن أحد األطراف وإال ف أمام محكمة موطن المدعى عليه؛
-في دعاوى األشغال العمومية ،أمام محكمة المكان الذي نفذت فيه تلك األشغال؛
-في دعاوى العقود التي توجد الدولة أو جماعة عمومية أخرى طرف ا فيها ،أمام محكمة المحل الذي وقع
العقد فيه؛
-في دعاوى النزاعات المتعلقة بالمراسالت واألشياء المضمونة واإلرساليات المصرح بقيمتها والطرود
البريدية ،أمام محكمة موطن المرسل أو موطن المرسل إليه باختيار الطرف الذي بادر برفع الدعوى؛
-في دعاوى الضرائب المباشرة والضرائب البلدية ،أمام محكمة المكان الذي تجب فيه تأدية الضريبة.
-في دعاوى التركات ،أمام محكمة محل افتتاح التركة.
-في دعاوى انعدام األهلية ،والترشيد ،والتحجير ،وعزل الوصي أو المقدم ،أمام محكمة محل افتتاح
التركة أو أمام محكمة موطن أوالئك الذين تقرر انعدام أهليتهم باختيار هؤالء أو ممثلهم الق انوني؛ وإذا لم
يكن لهم موطن في المغرب ،ف أمام محكمة موطن المدعى عليه.
.
-في دعاوى الشركات ،أمام المحكمة التي يوجد في دائرتها المركز االجتماعي للشركة
-في دعاوى التف لسة ،أمام محكمة آخر موطن أو آخر محل إق امة للمف لس.
-في جميع الدعاوى التجارية األخرى يمكن للمدعي أن يختار رفع الدعوى إلى محكمة موطن المدعى
عليه أو إلى المحكمة التي سيقع في دائرة نفوذها وجوب الوف اء.
-في دعاوى التأمين وجميع الدعاوى المتعلقة بتحديد وتأدية التعويضات المستحقة ،أمام محكمة موطن
أو محل إق امة المؤمن له ،أو أمام محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب للضرر عدا في قضايا العق ار أو
المنقول بطبيعته ف إن االختصاص ال يكون إال إلى محكمة المحل الذي توجد به األشياء المؤمنة.
يحدد االختصاص المحلي في القضايا االجتماعية كما يأتي:
91
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
- 3في دعاوى عقود الشغل والتدريب المهني ،أمام محكمة موقع المؤسسة بالنسبة للعمل المنجز بها أو
محكمة موقع إبرام أو تنفيذ عقدة الشغل بالنسبة للعمل خارج المؤسسة؛
- 2في دعاوى الضمان االجتماعي ،أمام محكمة موطن المدعى عليه؛
- 1في دعاوى حوادث الشغل ،أمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرة نفوذها؛
غير أنه إذا وقعت الحادثة في دائرة نفوذ محكمة ليست هي محل إق امة الضحية جاز لهذا األخير أو
لذوي حقوقه رفع القضية أمام محكمة محل إق امتهم؛
- 4في دعاوى األمراض المهنية ،أمام محل إق امة العامل أو ذوي حقوقه).
و يقضي الفصل 23من جهته أنه:
(خالف ا لمقتضيات الفقرة األخيرة من الفصل السابق ف إن المحكمة المختصة:
-في دعاوى الضمان االجتماعي ،محكمة الدار البيضاء إذا كان موطن المؤمن له بالخارج.
-في دعاوى حوادث الشغل ،محكمة محل إق امة الضحية أو ذوي حقوقه عند االقتضاء إذا وقعت الحادثة
خارج المغرب.
-في دعاوى األمراض المهنية ،أمام محكمة المحل الذي وقع إيداع التصريح بالمرض فيه عند االقتضاء
إذا كان موطن العامل أو ذوي حقوقه بالخارج).
أما الفصل 33فيقضي بأنه:
( ترفع طلبات الضمان ،و سائر الطلبات األخرى العارضة ،و التدخالت ،و الدعاوى المق ابلة ،أمام المحكمة
المرفوع إليها الطلب األصلي عدا إذا ثبت بوضوح أن الطلب األول المقدم أمامها لم يقصد به إال إبعاد
المدعى عليه من محكمته العادية فعندئذ يحال المدعي على من له النظر).
و يبقى التعرف على المحكمة المختصة نوعيا و مكانيا خطوة في طريق القيد الذي به تنشب
الخصومة القضائية و تنطلق حركة الدعوى المدنية.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي IV
تحدث بإسهاب عن موقع المحاكم المدنية في التنظيم القضائي و عن كيفية هيكلتها ؟
تحدث بإسهاب عن دور مصلحة كتابة الضبط في المحكمة المدنية ؟
ما المقصود باالختصاص النوعي للمحاكم االبتدائية في القضايا المدنية و ما هي أحكامه التفصيلية؟
ما المقصود باالختصاص المحلي للمحاكم االبتدائية في القضايا المدنية ،و ما هي أحكامه التفصيلية ؟
الدرس التطبيقي IV
لخص الدرس النظري الرابع في بضع سطور؟
قم بإجراء مقارنة بين دور مصلحة كتابة الضبط لدى المحكمة االبتدائية في المسطرة المدنية و في المسطرة
الجنائية؟
حاول التعرف على أنماط تنظيم مصلحة كتابة الضبط في القانون المقارن ؟
بالعودة إلى الدرس االفتتاحي قم بوضع رسم بياني المتداد الصالحية القضائية في حدود االختصاص النوعي و
الجغرافي للمحاكم االستثنائية و المتخصصة بجانب المحاكم العادية ؟
92
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و قد اقتضى التطور اتخاذ ترتيبات مسطرية لمسك القضاء بالقضايا ؛ إذ لم يعد مجزئا في ذلك
االشتكاء إليه مباشرة و إنما يجب المرور عبر مصلحة كتابة الضبط أو الكتابة الخاصة للقسم أو
للرئيس كما سبق ذكره ،مع تنفيذ إجراءات قيد الدعوى.
بالفعل ،ال يصير القاضي مسؤوال عن النظر في الدعوى المدنية لمجرد سماعه طلب المدعي أو
تصفحه ملف محضرها ،و إنما يحدث له ذلك وفق ترتيبات لقيد الدعوى ،تختلف في المسار السريع
عنه في مسار االستعجال و المسار العادي للدعوى المدنية ،كما بين القضايا التي يختص بها قاض
منفرد و تلك التي تنظرها هيئة قضائية.
الفصل األول :مسطرة القيد
ليست الدعوى شيئا ماديا قابال لإلمساك به ،و إنما يتم تشييؤها عبر مسطرة القيد؛ و ليس القاضي
طرفا فيها حتى يجوز القول أن قيد الدعوى يتم لمطالبته ،و ال هو رجل سلطة يتم االشتكاء إليه ،و إنما
تقيد الدعوى لالستمساك به حسب األحوال عبر إجراء التسجيل في سجل المحكمة أو تحرير محضر
الدعوى في قسم قضاء القرب.
المبحث األول :إجراءات تسجيل الدعوى
يطلق الشراح عندنا على عملية االستمساك بالقاضي اسم تقييد الدعوى و يقال أيضا القيد ،و يذكرون
أنها تتم بإجراءات تسجيل الطلب االفتتاحي.
بالفعل يتم االستمساك بالقاضي عبر قيد المقال المكتوب أو محضر التصريح في سجل ضبط
المحكمة أو محضر الدعوى و ليس بمجرد تقديم المقال أو اإلدالء بالتصريح.
ال تحرك الدعوى المدنية في المحكمة ككائن قانوني موجود ،إال بالقيد في ذلك السجل أو المحضر
حسب نوع المسار االفتتاحي.
ففي حين يكفي تحرير محضر الدعوى المستعجلة من طرف كاتب رئيس المحكمة االبتدائية ،أو
محضر الطلب في قسم قضاء القرب من طرف كاتب هذا القسم ليتحقق القيد في المسارين السريع و
المستعجل ،ال يكون لتقديم المقال المكتوب بطلبات المدعي ،كما تصريحاته أمام كاتب الضبط ،أثر في
تحريك الدعوى المدنية عبر المسار العادي إال إن أفضى إلى القيد في سجل ضبط المحكمة الذي يتم
عرضه في نهاية كل يوم أو نصف يوم من عمل المحكمة على نظر رئيس المحكمة ليوزع المهام
القضائية بين األقسام و الغرف مع القضاة العاملين فيها على ضوء ما هو مسجل فيه.
فطبقا للمادة 2من قانون 12-13المتعلق بتنظيم قضاء القرب ،يتألف قسم قضاء القرب بالمحاكم
االبتدائية أو في مراكز القضاة المقيمين ،حسب األحوال ،من قاض أو أكثر ،و من مصلحة كتابة ضبط
تتألف من كاتب ضبط و أعوانه ،أو من كتابة يمسك القلم فيها كاتب للضبط.
و سواء تعلق األمر بكاتب للضبط لدى قسم قضاء القرب في مركز لقاض مقيم ،أو مصلحة لكتابة
ضبط برئيس و أعوان في مقر المحكمة االبتدائية ،فإن كتابة ضبط قسم قضاء القرب مستقلة بنفسها
عن مصلحة كتابة ضبط المحكمة ،و ليست مجرد قسم تابع لها.
مفاد ذلك أن تسجيل الدعوى في قسم قضاء القرب ال يكون بالقيد في سجل ضبط المحكمة الذي
يمسكه كاتب ضبط المحكمة ،و إنما عبر محضر يحرره كاتب ضبط هذا القسم؛ و معنى ذلك أن إمساك
القاضي بالدعوى ال يكون بتدخل من رئيس المحكمة.
بالفعل ،يمسك القاضي في قسم قضاء القرب بالدعوى مباشرة من لدن كاتب الضبط في قسمه.
فطبقا للمادة 11من قانون 12-13المذكور ،فإن الدعوى ترفع مباشرة إلى القاضي بمحضر محرر
وفق نموذج معد للغاية ،يسجل فيه كاتب ضبط قسم قضاء القرب مقال صاحب الدعوى أو محضر
تصريحه ،و يوقعه معه ،بعد بيان موضوع الطلب و سببه ،ليشرع القاضي مباشرة في إعداد القضية
للحكم بإطالع المدعى عليه على الموضوع إن كان حاضرا ،أو يصدر األمر باستدعائه في الحال.
و يستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة 11أعاله ،أن كاتب ضبط قسم قضاء القرب يمسك
محضر الدعوى في شكل ورقة طائرة على نموذج معين ،يتم عمليا فتح ملف مرقم لضمها مع باقي
مستندات القضية ،خاصة مقال االفتتاح المكتوب أو محضر التصريح االفتتاحي.
مؤدى ذلك أنه ليس لدى كتابة ضبط قسم قضاء القرب سجل لضبط هذا القسم و إنما ملفات لمحاضر
الدعاوى التي يمسك القضاة بها فيه .و مقتضى هذا ألمر من وجهة نظر علم اإلدارة أن المشرع لم
يفترض في كاتب ضبط هذا القسم أنه محتاج للوقت المطلوب قصد إعداد سجل الضبط من طرف
مصلحته كما ينبغي ليعرضه على نظر القاضي .فعمله ال يتطلب منه حسب كثرت الدعاوى أو قلتها
93
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
معدل ما بين نصف يوم عمل إلى اسبوع كامل من عمل المحكمة لعرض القضايا المسجلة على نظر
القاضي .بل هو ملزم باألحرى أن يعرض كل محضر دعوى يحرره مباشرة على القاضي فور الفراغ
من تحريره ،و بحضور المدعي .له إن تعدد المدعون أن يجعلهم ينتظرون أدوارهم بعد تقديم محاضر
دعاويهم مجتمعة إلى القاضي ،و له أن يحتفظ بالمحاضر فال يسمح لكل مدع أن يدخل على القاضي إال
بمرافقة محضر دعواه.
لم يذكر القانون المتعلق بتنظيم قسم قضاء القرب كل التفاصيل الواجب مراعاتها لقيد الدعوى ،و
معنى ذلك أنه يتم الرجوع بشأنها ألحكام المسطرة المدنية المشتركة بين الدعاوى المدنية.
لم يبين القانون كذلك تفاصيل قيد الدعوى المستعجلة ،غير أن السماح فيها لصاحب الطلب
باالستمساك مباشرة برئيس المحكمة معناه بداللة التضمن أن يقوم كاتب رئيس المحكمة أو رئيس
المحكمة شخصيا عن الضرورة بتحرير محضر الدعوى ،و يقوم ذلك مقام قيدها في المحكمة.
على خالف مسطرة القيد في قسم قضاء القرب و المسار االستعجالي ،يتم تحريك الدعوى المدنية
في المسار العادي عبر إمساك هذه األخيرة بالقضية و ليس من خالل االستمساك بالقاضي مباشرة.
تمسك المحكمة بالدعوى عبر رئيسها الذي يتولى إسناد مهمة النظر فيها لقاض مكلف بالقضية أو
قاض مقرر .ألجل ذلك يتطلب األمر كما سبق ذكره تسجيل الطلب االفتتاحي في سجل المحكمة من
طرف كاتب الضبط و عرضه على نظر رئيس المحكمة.
باستثناء المحاكم االبتدائية يشترط شكل المقال المكتوب في الطلب االفتتاحي للدعوى أمام محاكم
االستئناف و محكمة النقض.
المبحث الثاني :شكل الطلب االفتتاحي
عكس محاكم االستئناف و محكمة النقض ،يمكن تقديم الطلب االفتتاحي للدعوى أمام المحكمة
االبتدائية حسب الخيار في شكل مقال مكتوب أو تصريح شفهي.
و تقتضي ترتيبات ضبط حركة الدعوى في المحكمة من صاحب المقال المكتوب أن يكتب مقالته
حول مراده من المحكمة على ورقة طائرة حتى يتمكن وضعها في ملف محضر الدعوى ،و أن تحمل
تلك الورقة توقيعه الشخصي باالسم و النسب ،او توقيع موكله بالصفة و االسم مع النسب ،و أن يتم
إرفاقها كذلك إن اقتضى األمر بنسخة مترجمة من طرف مترجم محلف مقبول لدى المحكمة ،تحمل
توقيعه بالصفة و االسم و النسب كذلك.
تقتضي نفس الترتيبات من صاحب الطلب الشفهي كما هو مسموح به أمام المحاكم االبتدائية ،أن
يحضر شخصيا برفقة وكيله ،مع ترجمانه إن اقتضى الحال ،إلى مكتب كابت الضبط للتصريح له
شفويا بمقالته .أما صاحب المقال المكتوب فليس مضطرا للحضور شخصيا إلى المحكمة ،بشرط أن
يستعمل في ذلك وكيال عنه يكلفه بتمثيله في الق ضية كلها ،و ليس فقط لتسليم المقال إلى كاتب الضبط؛
علما أنه ال يقبل من هذا األخير استالم المقاالت المرسلة بالبريد سواء العادي أو اإللكتروني.
و في الحالتين يجب أن تتضمن المقالة المكتوبة أو المصرح بها ،كل البيانات المشترطة في الفصل
32من مدونة المسطرة المدنية و هي:
األسماء العائلية والشخصية و صفة أو مهنة و موطن أو محل إقامة المدعى عليه و المدعي و كذا
عند االقتضاء أسماء و صفة و موطن وكيل المدعي ،و إذا كان أحد األطراف شركة ،اسمها و نوعها
ومركزها.
موضوع الدعوى و الوقائع مع الوسائل المثارة؛
المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند االقتضاء.
ال يتسلم كاتب الضبط أو من ينوب عنه إال نسخة أصلية من المقال المكتوب ،و في مكتبه ،و ليس
خارج أوقات عمل المحكمة .أما إذا تقدم صاحب المقال به شفاهة ،فيتم تحرير محضر بتصريحه من
طرف أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين ،يوقعه المدعي ،أو يشار في المحضر إلى أنه ال يمكنه
التوقيع.
ليس معنى ذلك أن كاتب الضبط ملزم بقبول كل مقال مكتوب و كل ترجمة.
فبخصوص المقاالت المكتوبة باللغة العربية يمكنه رفض تسلم كل ورقة تحمل جمال غامضة أو
ألفاظا مشينة مع طلب تصحيحها .و من باب الحيطة ينصح له أن يحتفظ بالنسخة األصلية ،و يسلم
للمعني باألمر نسخة مصورة مع تذييلها بمالحظاته و توقيعه.
94
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كذلك الشأن بالنسبة للطلبات الشفهية .إذ ال يكون المحرر القضائي المكلف بكتابة محضرها ملزما
بتدوين كل إمالءات صاحب الطلب؛ بل يملك حق التحفظ على العبارات النابية و عن كل تصريح
ينطوي على سب أو قذف ،شريطة أن يحيط صاحب الطلب بذلك .و في حال إصرار هذا األخير على
تدوين محتوى تصريحه كما يريده ،يملك المحرر مراجعة رئيسه في ذلك ليتدخل كاتب الضبط في
نهاية المطاف بقرار رفض تحرير محضر التصريح و التماس الحصول المقال مكتوبا بمعرفة صاحب
الطلب ،مع التهديد بتبليغ الشرطة القضائية عن السب و القذف الحاصل .و لعله من باب الحيطة في
هكذا حاالت أيضا أن يتم تسجيل أقوال صاحب الطلب صوتيا باستعمال آلة تصلح لذلك ،مع إخباره
بذلك حتى يتصرف من جهته على بينة من أمره.
و تبقى لغة الطلب من القضايا األكثر إثارة للمشاعر بسبب االستهبال اإلعالمي الدائر حول حقيقة
اللغة الرسمية لألمة المغربية رغم وضوح قضية هذه األخيرة؛ فالقضية مفتعلة بدفع من الروم في
حربهم الصليبية على الحضارة المغربية.
المبحث الثالث :لغة الطلب االفتتاحي
برغم أن قضية لغة الطلب االفتتاحي للدعوى كما لغة عموم المرافعات المدنية مسألة قانونية بحثة،
إال أنها تتغذى من نزاع سياسي ناتج عن صراع الحضارة بين الروم و أهل اإلسالم الذين يعد المغاربة
من أكبر جماجمهم.
و حيث أن األمر متعلق بممارسة أهم سلطة دستورية من سلطات األمة المغربية ،فإن مسألة لغة
المرافعات القضائية تتجاوز حدود تواصل المتقاضين مع القضاة لترقى إلى قضية مركزية ألمن األمة
المغربية.
المطلب األول :خطورة قضية اللغة
ال يتناول الشراح في المعتاد قضية لغة الطلب االفتتاحي للدعوى و ال حتى لغة المرافعات كلها،
الطمئنانهم إلى ظاهر واقع الحال ،حيث أن السادة المحامين ال يثيرون هذه المسألة أبدا أمام المحاكم
لعلمهم أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعرفة لألمة المغربية و إدراكهم معنى الفرق مع اللغة
الرسمية الغير معرفة .غير أن حقيقة األمر بالنظر للتجاذبات السياسية حول اللغة الرسمية للمملكة ،و
التي يقف خلفها الروم ألسباب معروفة ،تستدعي أن تحسم هذه القضية فقهيا حتى يكون القضاة على
بينة من أمرهم مسبقا لمواجهة احتمال وصول هذه التجاذبات إلى هيئة المحامين عبر زمالء أجانب
يتمتعون بحق الترافع أمام المحاكم المغربية بموجب اتفاقات دولية.
لقد كان تعريب القضاء و لما زال أكبر ضربة تلقاها الروم من الفرنسيس و اإلسبان على
الخصوص ،الحالمون بفصل المغرب عن المشرق ،الستضعاف شعب المغرب أكثر مما هو عليه،
بغية استباحة أعراض نسائنا و أوالدنا ،مع نهب خيرات برا و بحرنا .فتعريب القضاء كما التعرب
كله ،مكسب وطني مرتبط بأمن األمة ،يعتبر التفريط فيه خيانة عظمى.
يجب معايشة شعوب الروم من قوم المسيح الدجال ،خاصة منهم الفرنسيس و االسبان و الطليان مع
التدقيق في مواقف دولهم من بلدان أهل اإلسالم خاصة التي سبق لهم استعمارها الكتشاف أن الناس لما
زالوا يطمعون في استرجاع ما يعتبرونه وحدة أراضيهم الوطنية من خالل إعادة استعمار ما استقل
منها عنهم.
و يكمن الخطر علينا من ذلك أن القوم ال ينوون العودة لتقديم الخدمات و إحداث التقدم الحضاري
كما يحلو للمسترومة تصديقه ،و إنما لنهب الخيرات و هتك األعراض بعد تقتيل أكبر عدد من الرجال
و استعمال من تبقى على قيد الحياة في السخرة كما حدث ذلك في األمس القريب.
بهذه المناسبة ال يفوتنا التنبيه إلى الغباء الذي يبينه المسؤولون عن السياسة في دول الجوار ممن
يعلنون التزامهم بمبدأ الحدود الموروثة عن المستعمر ،معترفين للمستعمر بما يثلج صدره أنه المورث
الشرعي لحكومات دولهم و بان هذه األخيرة وارثة له.
غباء القوم في ذلك أن األمر يتعلق بمورث لما زال حيا يدردز فوق األرض كما يقال في اللغة
الدارجة .و معنى ذلك من وجهة نظر القانون الدولي إقرار منهم للمستعمر في امتالك حق الشفعة
الستراع تركته متى أصاب الورثة قصور يمتع به عليهم إدارتها.
يكفي بالتالي أن تعلن الدول الوريثة فاشلة بسبب الفوضى التي يتجند الطابور الخامس من
المسترومة إلحداثها ،حتى يطل علينا المستعمر من جديدي مطالبا بحقه في استراع ملكية ترابه
الوطني.
95
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ألجل ذلك كانت قضية اللغة خطيرة جدا بالنسبة للمغرب كما لباقي دول شمال إفريقيا خاصة ليبيا و
تونس و الجزائر و المغرب ،ألنها تحدد هوية أمم هذه الدول باعتبارها جزءا من األمة العربية األم ،و
ال يمكن أن تضم إلى أمة غيرها حتى في حال فشل دولها.
المطلب الثاني :لغة المقال المكتوب
عمال بالمبدئ أن العروبة إنما اللسان ،باعتباره من القواعد المؤسسة لألمة العربية ،فإن االنتماء
لألمة العربية يكون بالتعرب الذي تكتسب باللسان دون حاجة للنسب .فكل من اتخذ اللغة العربية لسانا
له كان عربيا و لو احتفظ بلسان مختلف .فقد جاء في األثر أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم قال (يا
أيها الناس إن الرب واحد ،و األب واحد ،و ليست العربية بأحدكم من أب وال أم ،و إنما هي اللسان ،فمن تكلم
بالعربية فهو عربي).
و في سبيل حماية مكسب التعريب و العروبة الذي بفضله صارت األمة المغربية مع أمم الجزائر و
تونس و ليبيا و موريتانيا كما مصر ،من جماجم العرب تعتبر أمما فرعية لألمة العربية التي هي ذاتها
مادة اإلسالم .و ينتج عن ذلك من الناحية االستراتيجية أن أمم شمال إفريقيا باتت مستعصية على الروم
يستحيل عليهم االستفراد بأي منها .فنحن رغم الغل المتبادل بسبب االختالف حول بعض القضايا ،ال
سو ْت َراه). وك ْعد ْ
وك ْم َّ نسلم بعضنا بعضا للعدو المشترك .و في ذلك يقول المثل الدارج (خ ْ
ألجل حماية حق األمة العربية في االنتماء العربي طبق نص الفصل الخامس من دستور 23يوليو
2311نظرية التمييز بين الصفة الرسمية للغلة بصيغة الم َعرَّف و الصفة الرسمية بصيغة النكرة .في
هذا الشأن ينص الفصل 9المذكور أنه ( :تظل العربية اللغة الرسمية للدولة .وتعمل الدولة على حمايتها
وتطويرها ،وتنمية استعمالها .تعد األمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة ،باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة
بدون استثناء).
ترجمة هذا النص في لغة علم القانون لمن ال يتقنها ،أن اللغة التي يجب أن تكتب بها المقاالت
االفتتاحية للدعاوى هي اللغة الرسمية المحددة بصيغة المعرف بالنسبة للمواطنين ،أو ترجمة محلفة
لمثل هذه اللغة األجنبية بالنسبة لألجانب.
ال يقبل المقال المكتوب من المواطنين المغاربة ،أيا كان عرقهم و ملتهم ،بلغة غير اللغة العربية
الفصحى؛ و ال يقبل كذلك من األجانب إال الترجمة باللغة العربية الفصحى لمقال مكتوب باللغة
الرسمية المعرّ فة لدولتهم المعترف بشرعية دستورها من طرف المخزن أيضا.
فليس القضاء ملزما بقبول ترجمة أي لغة و لو كانت رسمية ،ما لم تكن معرفة تعريفا رسميا يتقيد به
المترجمون المحلفون عبر العالم .ذلك هو شأن كل اللهجات المرقاة عبر العالم بقوة الدساتير إلى درجة
لغات رسمية بصيغة النكرة.
فالمواطن الهندي مثال ،كما الروسي و األمريكي مع الفرنسي و البريطاني ،ممن يرفعون دعاوى
مدنية أمام القضاء المغربي ،ال يجوز لهم تقديم ترجمة مقاالت مكتوبة بلهجاتهم المحلية ،و لو كانت لغة
رسمية في بلدانهم .فال ي قبل منهم كاتب الضبط إال ترجمة باللغة العربية لطلبهم المكتوب باللغة الرسمية
بصيغة المعرف في دساتير دولهم ،و هي في األمثلة المذكورة اللغة الهندية الرسمية ،و نظيرتها
الروسية ،و اإلنجليزية ،و الفرنسية .و يقاس على ذلك حال مواطني مختلف الدول التي يعترف
المخزن المغربي بشرعية دساتيرها.
أما بالنسبة للمواطنين المغاربة ،فال تقبل منهم المقاالت المكتوبة إال باللغة المغربية الرسمية بصيغة
الم َعرّف ،بحيث تستبعد اللغات الرسمية بصيغة النكرة.
بالفعل ،تصنف اللغات الرسمية للمملكة المغربية إلى رسمية بصيغة المعرف و هي اللغة العربية
الفصحى ،و رسمية بصيغة غير المعرف و هي األمازيغية.
أما اللغة العربية فمعروفة من مرجعها في تراث األمة العربية البالغ عددها تبارك هللا أكثر من 133
مليون نسمة ،و التي تحفظها حية منذ آالف السنين عبر نصوص الشعر و النثر المكتوبة و الشفوية،
المقدسة و العادية ،و تضبط مفرداتها في القواميس التي أجمع علماء اللغة على صحتها .في حين ذلك
ال تعرف اللغة األمازيغية في غير تراث القبائل منعزلة عن بعضها البعض ،و في غير الدارجة
الوطنية لكل من الشعب المغربي ،و الشعب الموريتاني ،مع نظرائهما الجزائري و التونسي و الليبي.
96
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فاأل مازيغية لغة رسمية بصيغة النكرة ال زالت ماهيتها محل تجاذب بين اللغة الدارجة الوطنية في
عموم المدن و البوادي ،و بين اللهجات القبلية المحلية في البوادي.
ال نفشي سرا إن قلنا أن منفعة الروم مع المسترومة و المولويين تلتقي عمال منهم بسياسة فرق تسد
ضد أغلبية جماعة األمة من الحراثين بركراكتهم و ركروكتهم .و هم يحرصون كلهم جميعا على
تعريف األمازيغية بأنها لغة القبائل البربرية المحافظة على لهجاتها المحلية في البوادي دون سواهم من
أهل المدن ،مستهبلين على هؤالء باستعمال نظرية السكان األصليين لتوجيه التهمة لهم أنهم عرب
مستعمرون أخذوا منهم كل شيء .بل ذهب البعض إلى حد التنصر و المطالبة بتقتيل العرب الغزاة
لتحرير الوطن ،فتحالفوا ألجل ذلك علنا مع الروم من قوم المسيح الدجال و من الصهاينة.
في مقابل هذه الدعاية المنتشرة في وسائل اإلعالم ،بما فيها حتى الرسمية ،ال يجوز لجمهور علماء
المالكيين من أبناء األمة المغربية ،في الجامعات و في خارجها ،أن يساهموا في التعتيم على موقف
الراشديين من هذه القضية ،و الذي هو مؤكد بنص الدستور القاضي بنسبة اللغة األمازيغية للشعب
المغربي باعتبار أصله البربري و ليس للقبائل منعزلة عن بعضها البعض.
على عك س الوصائيين من المولويين على الخصوص ،يفتخر الراشديون باألصل البربري للشعب
المغربي جميعا بالقول أنه ليس الحضر الساكنون في المدن من أصل عربي ،كما أنه ليس من قبيلة و ال
ساللة مغربية ذات أصل عربي بالنسب .فكل المغاربة بدوا و حضرا بربر أقحاح و أبرار عند هللا عز
و جل ،منهم من تعرب بالتآخي مع العرب عن طريق الرضاعة ،فتشرف باالنتساب إلى أمة العرب ،و
منهم من بقي ينتسب لقبيلته البربرية ال ينتمي خارجها لغير األمة المغربية النبيلة.
سبب تعرب المغاربة بالتآخي عن طريق الرضاعة معروف كما سنبينه فيما يلي؛ وقد كان
استراتيجية ناجحة من األجداد لدرء خطر الروم إلى األبد.
أن تَخَ ُّلف بعض القبائل عنه أعطى فرصة للروم من آل لم يكن في تعرب أمة المغاربة عيب لوال ّ
الدجال ،و للصهاينة من اليهود على الخصوص ،الستئجار متعيّشين من بني جلدتنا ،رقوهم لمرتبة
المثقفين ،و وظفوهم لترويج نظرية الصراع بين البربر بصفتهم السكان األصليين المضطهدين من قبل
العرب المستعمرين.
اخترع القوم لذلك تاريخا مزورا و نشروا إحصائيات كاذبة و نسبوا للمغاربة خط غريبا عجيبا
سموه تيفيناغ ،بل حاولوا اختراع العجلة من جديد بالسعي إليجاد لغة دارجة بديلة عن التي أبدعها
األجداد س موها األمازيغية األم .لقد أعدوا كل شيء إلكمال مخطط سايكس بيكو لقسيم المقسم ،و لم
يبق لهم سوى إيجاد معيار التمييز بين من هو عربي و من هو بربري الدم من المغاربة .و هنا شاء هللا
عز و جل أن يطفئ نار الفتنة ،بل و سخرهم لكشف الحقيقة بما يثبت وحدة دم المغاربة و يدعم اللحمة
الوطنية.
ذلك أنه في سبيل وضع سجل لساللة المغاربة البربر و آخر لساللة المغاربة العرب يتم استعماله
للترافع في المحافل الدولية و بخاصة المحكمة الدولية بالهاي للمطالبة بحق الشعب البربري في تقرير
مصيره ،أنفقت الروم و الصهاينة أمواال طائلة لتحليل الحمض النووي للشعب المغربي فكانت المفاجئة
الغير سارة لهم بنكاية من هللا عز و جل.
بعد تكرار عمليات الفحص الشامل عدة مرات أجمع علماء الروم المتخصصون في علم المورثات
أن الحمض النووي للشعب المغربي هو بحوالي نسبة ،%23من فصيلة E1b1Eالمميزة للدم
البربري ،و بحوالي نسبة %23من فصيلة Lالمميزة للدم الزنجي اإلفريقي جنوب صحراوي ،و
بنسبة اقل من ،%1من فصيلة Jالمميزة للدم العبري اليهودي .و ذلك معناه أنه ليس من مستعمر
عربي واحد في أرض المغرب ،و أن المغاربة جميعا بمن فيهم اهل األرياف و البوادي ،كما أهل
المدن ،و كذلك ا لسادة الشرفاء من أبناء أسر األدارسة و السعديين و العلويين مع الخطابيين و أوال سيد
الشيخ ،كلهم جميعا سكان أصليون ،ليس لهم مكان للموت في غير تراب المغرب.
تبين من جراء ذلك أن الفرق بين من يوصفون بأنهم مغاربة عرب و الذين يسمون مغاربة أمازيغ
هو فرق بين الحضر من أهل المدن الذين يشكلون نسبة %93من مجموع السكان ،و القرويين من
أبناء القبائل الذين يقل عددهم عن نسبة %33من مجموع السكان كذلك ،علما أن عدد هؤالء في
تناقص مستمر بسبب تقدم الحضارة.
نعت المغربي العربي هو بالتالي مرادف من يسمى بالدارجة ْمديني ،و األمازيغي هو مرادف من
يسميه المغاربة بالدارجة كذلك ْعروبِي.
97
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما سر عروبة الشعب المغربي التي أذهلت العالم ،و ساءت الروم ،لدرجة أنهم يحتفلون على غير
عادتهم في التعامل مع العلماء المسلمين بالمغفل ابن خلدون غفر هللا له ،فمختلف تماما عما شطح به
هذا األخير حول غزو بني هالل لبالد المغرب .فقد اخطأ الرجل على جالل قدره ،و أساء لألمة حين
أسس أقواله على ميثولوجيا السيرة الهاللية التي سمع الم ّداحين البدو يرددونها في ساحات الفرجة.
تدل القرائن القطعية المبنية على نتيجة تحليل الحمض النووي للشعب المغربي ،مع األحداث
السياسية التي ع رفتها منطقة شمال إفريقيا و جزيرة العرب خالل القرن السابع الميالدي ،أن أغلبية
المغاربة البربر و األفارقة على خالف اليهود ،اختاروا التآخي مع العرب عبر الرضاعة ،وفق
الطريقة المعروفة برضاعة الكبير التي أجازتها أم المؤمنين عائشة رضوان هللا عليها ،و التي ال زالت
تعرف عند األمازيغ بعادة (تضة) .فقد تصرفت أمنا عائشة في ذلك رضوان هللا عليها بمسؤولية المرأة
الراعية لمصلحة بيت زوجها رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ،تجاه أبنائها من المؤمنين.
بإفتائها جواز إنشاء النسب الشرعي بطريق الرضاعة بين المرأة المرضعة للكبير عبر وضع حليبها
في إناء يخلط بلبن اإلبل فيشرب منه الكبير حتى الشبع خمس مرات ،كانت رضوان هللا عليها ترمي
إلى إنشاء نسب البنوة بين من شرب ذلك الحليب من غير العرب و آباء المرأة المرضعة من العرب .و
يثبت التاريخ أنها رضوان هللا عليها استجابت في ذلك اللتماس ممن سمتهم الرجراجة ،و هم ركراكة
المغرب و ركروكة الجزائر و تونس و ليبيا ،و الجهجاهة و هم المصريون .ذلك أن هؤالء كانوا
يبحثون عن ربط عالقة األخوة مع العرب في إطار استراتيجية الشعوب المسلمة آنذاك لدفع خطر
االستضعاف من طرف كفار الروم و زنادقة الفرس.
تنفيذا لهذه االستراتي جية ،اجتهد األسالف من المصريين و البربر رضوان هللا عليهم للتعرب؛
فصاروا أسيادا للروم بعد أن ظلوا من قبل عبيدا لهم طيلة قورن عدة .و قد أبدعوا من أجل تأكيد
عروبتهم لهجات للتواصل فيما بينهم و مع العرب لفك العزلة القبلية عن أنفسهم .في الوقت نفسه لم
يحرموا إخ وتهم في النسب بالدم من أبناء القبائل التي اختارت المحافظة على لهجاتها ،من االستمرار
في تكلم لهجاتهم القبلية ،الشيء الذي نتج عنه تنوع للهجات المنسوبة للبربر بين لهجة وطنية في ليبيا
و تونس و الجزائر و المغرب و موريتانيا تسمى اللغة الدارجة ،و لهجات قبيلة تسمى الشلحة و
السوسية و المزابية و القبائلية و الشاوية و الزناسنية و الفيكيكية و الريفية ،و الورفلية و غيرها.
و حيث أن اللغة الدارجة من إبداع الشعب البربري ،و مكسب ثقافي ،فإنه ال يجوز نفي الصفة
األمازيغية عنها ،الشيء الذي يعطيها حق االستفادة من صفة لغة رسمية بصيغة النكرة ،بجانب اللغة
الرسمية بصيغة المعرف ،و المتمثلة في العربية الفصحى.
مفاد ذلك أنه في غياب صيغة التعريف في النص الدستوري المتعلق بالصفة الرسمية ألي لغة
منسوبة للشعب المغربي ،سواء منها التي تعتبر لغة وطنية دارجة أو التي تعتبر لهجة قبلية منعزلة،
فإ ن المحاكم المغربية ال تكون ملزمة بالتعامل بها و ال حتى بترجمتها .فال يحق بالتالي للمنحدر من أي
مدينة أن يكتب مقاله باللغة الدارجة و يرفقه بترجمة إلى اللغة العربية الفصحى ،و مثل ذلك بالنسبة
الستعمال اللهجات القبلية من طرف المنحدرين من األرياف و البوادي المغربية.
بل إنه حتى المواطنون المغاربة من ملة اليهود و كذلك الذين من ملة النصارى من الروم
المتجنسين ،ال يحق لهم استعمال اللغة العبرية و ال أي لغة التينية أو أنجلوسكسونية أو غيرها لتقديم
مقاالتهم المكتوبة إلى كتابة ضبط المحكمة .و ال يجوز منهم أيضا كتابة مقاالتهم بغير حروف األبجدية
العربية .فاللغة العربية الفصحى هي اللغة الرسمية ألمة المملكة المغربية بصيغة المعرف نطقا و
رسما .فال يقبل رسمها بالخطوط العبرية و ال الالتينية و األمهرية أو الفينيقية المسماة تيفيناغ .فتلك
لغات و خطوط باتت منتشرة عبر وسائل اإلعالم ف ي المغرب كما في سائر بلدان العالم ،بل منها ما
يدخل في ثقافة البربر الوطنية و القبلية عبر شمال إفريقيا و القرن اإلفريقي ،لكن أيا منها ليس في
مركز اللغة الرسمية ألمة المملكة المغربية .و المواطن أيا كانت ملته الدينية و أصله العرقي ،ملزم
بالتعامل رسميا مع سلطة دولته بالغة الرسمية ألمته ،و ليس اللغة الرسمية لقبيلته أو لملته الدينية.
المطلب الثالث :لغة التصريح الشفهي
لعل األمر يختلف بالنسبة للتصريح الشفهي عنه بالنسبة للمقال المكتوب من حيث أنه ليس ترجمة
معروف الهوية
ٍ من لغة رسمية قد تكون غير معرفة إلى أخرى ،و إنما هو تلق ألقوال شخص
الشخصية و الوطنية من طرف المحكمة قصد كتابتها باللغة الرسمية للدولة .و حيث أن إتقان اللغة
الرسمية للدولة ليس شرطا الستفادة األشخاص المعرّ فين من خدمة القضاء ،فإن وزارة العدل تسهر
98
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
على اختيار موظفي مصلحة كتابة الضبط من بين القادرين على التواصل مع كل األشخاص المعرّ فين
المحتمل لجوئهم إلى المحاكم.
يدخل كل مواطنو الدول األجنبية كما المواطنون المغاربة جميعا في حكم األشخاص المعرفين بحكم
أنهم أناس من كوكب األرض و ليسوا زوار فضاء.
و من بين المحتمل لجوئهم إلى المحاكم و بالتالي نشأة الحاجة إلى التواصل اللغوي معهم ،مواطنو
الدول الرومية ذات اللغات األكثر تداوال في المغرب و هي اإلسبانية و الفرنسية و اإلنجليزية ،بجانب
كل المغاربة على اختالف لهجاتهم الوطنية و القبلية.
ألجل ذلك تسهر الوزارة على توظيف من يتقنون اللغات األجنبية ،و في الوقت نفسه على تمثيل
موظفيها لكل الجهات ،بحيث يتواجد في كل محكمة موظف على األقل من أبناء أكبر مدن و قبائل
الجهات لتسهيل التواصل شفهيا مع المواطنين على مختلف لهجاتهم.
مفاد ذلك أنه في غياب المحامي ،ال يحتاج صاحب التصريح عمليا لالستعانة بترجمان قصد تقديم
طلبه للمحكمة ،إذ يكفي كاتب الضبط أن يحاط علما بنوع اللهجة أو اللغة المطلوبة ليوجهه إلى محرر
قضائي مؤهل لتلقي تصريحه.
ليس المحرر القضائي المكلف بكتابة محضر التصريح مضطرا لتلقيه شخصيا إن وجد صعوبة في
التواصل اللغوي مع المعني باألمر ،و إنما يمكنه طلب اإلذن من رؤسائه الستخدام مترجم ال يكون
بالضرورة محلفا .و استجابة لذلك يمكن لكاتب ضبط المحكمة تكليف أي موظف تحت إمرته بإنجاز
المهمة ،كما يمكنه التماس المساعدة من طرف رئيس المحكمة بطلب استقدام موظف عمومي من أي
إدارة عمومية أخرى يكون له علم باللغة المطلوبة.
من جهة أخرى ال يكون صاحب التصريح ملزما بقبول التوقيع على محضر التصريح المحرر
بطريق الترجمة المباشرة من طرف المحرر القضائي أو بمساعدة مترجم.
فكما يحق للمحرر القضائي المكلف بتلقي التصريح التحفظ على األلفاظ الواردة فيه ،يحق للمدلي به
أن يتحفظ على الترجمة الحاصلة فيه .ألجل ذلك يحق له أن يطلب إعداد مسودة لمحضر تصريحه
قصد التأكد من سالمة الترجمة بمعرفة ترجمان من خارج مصلحة كتابة الضبط.
ليس للمحرر القضائي مبدئيا حق االعتراض على هكذا طلب ،بل يجب عليه تسليم المعني باألمر
مسودة محضر التصريح المترجم وأن يقوم بعد ذلك بتضمين المحضر النهائي ما أشار به صاحب
الطلب من تعديالت.
من المهم في هذه النازلة معرفة حكم مصروفات االستعانة بالمترجم من خارج مصلحة كتابة
الضبط .ذلك أنه إذا تم استعمال خدمات الترجمان لتصحيح مسودة ترجمة تصريح بلغة رسمية بصيغة
المعرف كانت أجرته من مصاريف الدعوى التي يمكن الحكم بها على الطرف اآلخر إن هو خسر
القضية .أما إذا كانت الترجمة إلى لغة رسمية بصيغة النكرة ،كالدارجة الوطنية أو اللهجة القبلية في
المغرب أو خارجه ،فالترجمان يعتبر متطوعا لم يأخذ أجرا عن عمله حتى و لو كانت الحقيقة خالف
ذلك ،ألن أجرة الترجمة في هذه الحالة ال تدخل ضمن مصاريف الدعوى و ال يمكن الحكم بها على
الطرف الذي يخسر القضية.
بناء على ذلك يمكن للمواطن المغربي المنحدر من أي مدينة كما المواطن اليهودي و كذلك
المستروم المتنصر أو الذي ينحذر من أي قبيلة لها لهجتها الخاصة بها أن يصر على التصريح باللغة
المغربية الدارجة ،أو اللغة العبري ة ،أو اللغة الالتينية ،أو اللهجة المحلية لقبيلته .لكل منهم الحق في ذلك
على أن يقبل التوقيع على محضر ترجمة التصريح إلى اللغة العربية الفصحى كما يحرره الموظف
المكلف بذلك في مصلحة كتابة الضبط؛ مع االحتفاظ بحق طلب مسودة الترجمة قصد التصحيح بشرط
تحمل مصاريف الترجمة خارج الدعوى.
أما إذا قام صاحب الطلب بكتابته بلغة رسمية وطنية أو أجنبية غير معرفة ،و أرفقه بنص ترجمة
للغة العربية الفصحى ،فإن كاتب الضبط يكون ملزما برفض نص الترجمة ما لم يوقعه صاحب الطلب؛
و يعتبر نص الترجمة هو نسخة المقال األصلي و ليس ترجمة دون اعتبار لتوقيع المترجم.
معنى ذلك أنه حتى و لو استلم كاتب الضبط نسخة الطلب المكتوبة باللغة الغير العربية الفصحى
المرفقة بالنص المترجم ،فإنه ال يستعمل إال النسخة المترجمة إلى العربية الفصحى و التي تحمل توقيع
صاحب الطلب لالستمساك بالقاضي.
99
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
100
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
101
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يبدأ القاضي المنكب على إعداد القضية للحكم عمله بتمحيص محضر الدعوى المسلم له من طرف
كتابة الرئاسة للتأكد من اجتماع أركان وجودها و اكتمال شروط صحتها ،كما وضوح مقال المدعي أو
تصريحه .فإن تبين له عكس ذلك جاز له إصدار أمر باستدعاء المدعي دون المدعى عليه لتبليغه بقرار
رفض دعواه مع بيان السبب .و بنفس المناسبة ،يملك القاضي التذرع بعدم االختصاص النوعي أو
المكاني .غير أن ذلك ال يغني عن عقد جلسة للحكم بحضور الطرفين يصدر فيها القاضي قراره بعدم
قبول الدعوى.
يبقى أن اقتناع القاضي ب وجود الدعوى و صحتها ال يلزمه بالمبادرة إلى ابالغ المدعى عليه بها قبل
التأكد من وضوح طلب المدعي .ألجل ذلك ،يحق له طبقا للفصل 31أن يأمر باستدعاء صاحب الطلب
للتأكد منه عن حقيقة مراده من الم حكمة ،مع ضرب أجل له كي يقدم البيانات المطلوبة تحت طائل
الحكم برفض الدعوى .و بعد ذلك فقط ،يتم االنتقال إلى الخطوة المتعلقة بتبليغ الدعوى إلى المدعى
عليه.
ليس ضروريا أن يكون التبليغ مرفوقا باستدعاء لحضور جلسة محاكمة ،بل يجوز أن يكون لإلخبار
فقط ،مع الدعوة إل عداد الدفوع قبل جلسة المحاكمة المعينة أو التي سيتم تعيينها ،ما لم يشترط القانون
أن يبدأ اإلعداد بمحاولة صلح بين الطرفين .ففي هذه الحالة األخيرة ،كما هو الشأن في القضايا المدنية
المعروضة على نظر القضاة الجالسين في قسم قضاء القرب ،و كذلك نظرائهم في قسم قضاء األسرة
في قضايا الطالق ،و أيضا في الغرفة االجتماعية في قضايا الشغل ،يلتزم القاضي المنكب على إعداد
القضية للحكم بتحديد تاريخ جلسة محاولة الصلح ،و يأمر باستدعاء الطرفين إليها ،و ال يتم إعالم
المدعى عليه بوجوب إعداد دفوعه قبل جلسة المحاكمة العلنية إال إذا تأكد فشل محاولة الصلح.
ليس معنى وجوب تحديد تاريخ جلسة المحاكمة العلنية في مرحلة إعداد القضية أن يمنع على
القاضي المقرر أو المكلف بالقضية استدعاء الطرفين أو أحدهما لالستفسار أو المواجهة في جلسات
مغلقة بمكتبه .و له في سبيل ذلك استعمال الصالحيات المنصوص عليها في الفصل 331من مدونة
المسطرة المدنية بإحالة من الفصل 19المذكور ،حيث يجوز له طبقا لذلك أن يتخذ اإلجراءات الالزمة
لجعل القضية جاهزة للحكم و يأمر بتقديم المستندات التي يرى ضرورتها للتحقيق في الدعوى .و يمكن
له بناء على طلب األطراف أو حتى تلقائيا ،بعد سماع األطراف أو استدعائهم للحضور بصفة قانونية،
األمر بأي إجراء للتحقيق من بحث و خبرة و حضور شخصي ،دون مساس بما يمكن للمحكمة
المرفوع إليها الدعوى أن تأمر به بعد ذلك من إجراءات في جلسة المحاكمة العلنية.
صحيح أن القاضي ملتزم في ذلك كله باحترام الغالف الزمني المسموح به من خالل التاريخ المحدد
في استدعاء الطرفين لجلسة المحاكمة العلنية ،غير أنه ال شيء في القانون يمنع على المحكمة تأجيل
تواريخ جلسات المحاكمة مرات غير محددة.
مفاد ذلك أنه يكفي للقاضي المقرر أو المكلف بالقضية إصدار أمر بتأجيل جلسة المحكمة ليتم تجديد
استدعاء ال طرفين دون قدرة هؤالء على منع التأجيل بأي طريق من طرق الطعن؛ و ذلك معناه
بالضرورة عدم وجود أجل قانوني محدد للفراغ من إعداد القضية للحكم في المسطرة المشتركة عكس
الشأن في المسطرة لدى أقسام قضاء القرب.
طبقا للفصل 339من مدونة المسطرة المدنية ،و بإحالة من الفصل 19المذكور ،فأنه متى قدر
القاضي المقرر أن القضية جاهزة للحكم أصدر أمره بالتخلي عنها و حدد تاريخ الجلسة العلنية التي
تدرج فيها تلك القضية.
و يتم التخلي بتسليم المحضر إلى كتابة الضبط التي تتولى مهمة نسخه بعدد قضاة هيئة الحكم
الجماعي التي تتولى المحاكمة ال علنية ،وتسليم نسخة لكل قاض عضو في الجلسة مع إبالغه بتاريخ
الجلسة العلنية ،و التي يفترض أن األطراف مدعوون إليها كذلك.
أما القاضي المكلف بالقضية فال يصدر أمرا بالتخلي عن القضية ،ألنه هو المكلف أصال بالحكم
فيها في الجلسة العلنية .ألجل ذلك يكفيه متى قدر أن القضية صارت جاهزة للحكم ،أن يصدر أمرا
بإعداد الجلسة العلنية علما أنه يفترض فيه أنه حدد تاريخ هذه الجلسة مسبقا .و تقوم الحاجة إلصدار
األمر بإعداد الجلسة العلنية وفقا للجدول الزمني المعروف لها بسبب امتالك القاضي سلطة تأجيل
تواريخ الجلسات العلنية دون سابق إنذ ار .فال شيء يمنع القاضي من إصدار قرار التأجيل ساعة بل
دقائق قبل بدئها.
102
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهيV
تحدث بإسهاب عن إجراءات افتتاح الدعوى المدنية ؟
تحدث بتفصيل عن شكل الطلب االفتتاحي للدعوى المدنية ؟
أذكر ما تعرفه مفصال عن إعداد القضية للحكم ؟
الدرس التطبيقيV
لخص الدرس النظري الخامس في بضع سطور ؟
باستعمال خدمة الشبكة العنكبوتية قم ببحث مقارن عن الشكل المطلوب قانونا للمقال االفتتاحي في الدعاوى
المدنية بالدول التالية :روسيا ،الهند ،الواليات المتحدة األمريكية ،إسبانيا ،و فرنسا ؟
تمرن على كتابة مقال افتتاحي لدعاوى التطليق للضرر ،و التعويض عن الطرد التعسفي ،و فسخ عقد اإليجار
؟
قم منفردا و بانضباط مع مراعات كل شروط اللياقة في الملبس و الكالم ،و من غير لفت األنظار ،بزيارة إلى
أروقة المحكمة االبتدائية و عاين مختلف أقسام كتابة الضبط في حدود المسموح به للعموم؟
103
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و يعني هذا الحق أنه ال يجوز للمحكمة إخفاء أي إجراء أو مستجد في القضية عن الطرفين معا .فال
يجوز لها كتم طلبات المدعي عن المدعى عليه ،و ال دفوع و دفاعات هذا األخير عن األول .ال يحق
لها كذلك القيام بأي إجراء من إجراءات البحث و التحقيق في غيابهما .بل إن جلسة المحاكمة ال تصح
من دونهما إلى غاية النطق بالحكم ،باستثناء جلست مداولة هيئة الحكم في غرفة المشورة حيث يمنع
الطرفان من الحضور.
غير أن ذلك ال يعني استحالة انعقاد جلسات المحاكمة في غياب الطرفين أو أحدهما .فقد سبق أن
ذكرنا أن المحكمة تملك حق النظر في القضية و الحكم فيها حتى و إن غاب المدعي ،و يكون الحكم
حضوريا في حقه ما لم يحدث خرق ألحكام االستدعاء.
و رأينا كذلك أن المدعى عليه ال يملك حق التعرض على الحكم الصادر في حقه بحجة أنه غيابي في
مواجهته ،إال إذا تأكد عدم تبليغه باالستدعاء حقيقة أو حكما.
و يسهل فهم معنى حق الحضور في المحاكمة المدنية بأكثر من ذلك عبر المقارنة مع نظام سير
المحاكمة الجنائية في العالقة مع الطرف المتهم.
ذلك أن المحاكمة الجنائية يحكمها مبدأ سرية البحث و التحقيق الضبطي كما القضائي بدال عن
المواجهة .فالمتهم يملك حق الدفاع عن نفسه ضد التهم الموجهة إليه في صك االتهام من طرف النيابة
العامة ،من دون حق االطالع على محضر الدعوى الجنائية برمته ،ما ينقص من عدالة المحاكمة
المدنية بالمقارنة مع المحاكمة المدنية .بل إن هذا النقص مالحظ في المحاكمات االدارية و المالية و
الدستورية أيضا ،و أكثر منها جميعا في المحاكمات الحربية كما سبق بيانه.
المبحث الثاني :مبدأ التصرف
مبدأ احترام حرية الطرفين في التصرف خالل المحاكمة المدنية هو انعكاس لفكرة أن الدعوى
المدنية شأن خاص بالطرفين بما في ذلك أثناء المحاكمة.
فالدعوى تنشأ بقرار الطرفين رغم أن تثبيت الخصومة القضائية يتم بتدخل من القاضي؛ و هي تتقدم
و تتطور بإرادتهما و ليس بقرار المحكمة ،كما أنها قابلة لإلنهاء من طرفيهما رغم إمساك المحكمة بها.
يملك الطرفان القضية أثناء المحاكمة من حيث أنهما يستطيعان وضع حد للخصومة بطريق التنازل،
كما بطريق الصلح أو عبر االتفاق على تحويل القضية إلى نظر َح َك ِم بدل القاضي.
مفاد ذلك أن الطرفان يملكان أيضا حق التحكم في مسار المحاكمة ،لتصبح هي األخرى شأنهما
الخاص لوال أن القانون يحد من صالحياتهما على هكذا مستوى .فمدونة المسطرة المدنية تخول القضاة
الممسكين بالقضية صالحية تسيير المحاكمة بما يحد من سيطرة الطرفين فيها.
و في الحقيقة ،تعتبر صالحيات المحكمة في تسيير المحاكمة استثناء من مبدأ احترام حرية تصرف
الطرفين في الدعوى .فال يجوز للقضاة استعمال أي سلطة للمحاكمة إال بناء على نص خاص من
القانون .ذلك أنه عكس الحال في المحاكمات الغير مدنية ،ما خلى التجارية منها ،ال يملك القضاة من
الصالحيات في المحاكمات المدنية إال ما يخوله القانون لهم بنصوص صريحة .و بخالف ذلك ،يملك
الطرفين في المحاكمة المدنية كل الصالحيات ما لم يضع المشرع حدا لحرية تصرفهما بنص خاص.
بناء على عليه ،يمكن القول أن المحاكمة شأن خاص بالطرفين ما لم يرجعه القانون للمحكمة بنص
خاص.
تأكيدا لهذه الحقيقة يذ ّكر علماء القانون القضاة بواجبهم الحكم في حدود طلبات الطرفان ،ال أكثر و
ال أقل؛ و أنه ال يسوغ لهم أن يغيروا تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات.
و احتراما لمبدأ حرية التصرف في الدعوى ،يجب على القاضي من جهة أخرى االلتزام باألسس
التي يبني عليها كل طرف ادعاءاته في الطلبات مع الدفوع و الدفاعات؛ عليه أن يلتزم بالحياد ،فال
يتحول إلى محام أو مساعد ألحد الطرفين ،و ال يبادر إلى الحكم بعلمه دون طلب من الطرفين ،حتى لو
كان الطرفان غافلين تماما عن شيء يعرفه بخصوص القضية.
مع ذلك ،تبقى المحاكمة في بعض جوانبها شأنا قضائيا خالصا يجعل القاضي صاحب الكلمة الفصل
فيما يجب تقريره أو العمل به .فالفصل 99من مدونة المسطرة المدنية يعطي للقاضي سلطة األمر
تلقائيا أثناء المحاكمة باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق لكشف الحقيقة الشيء الذي يخوله
صالحية تصحيح أخطاء الطرفين .ذلك أن منع القاضي من الحكم بعلمه ال يعني إلزامه الحكم بخطأ
ا لطرفين متى علم أن أحدهما أو كالهما مجانب للصواب في تصور الحقيقة .و قد اقتضت ضرورة
104
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تمكين القاضي من كشف الحقيقة للحكم بها في حال قصور األطراف عن إدراكها وضع استثناء على
مبدأ االتهام لفائدة مبدأ التفتيش لمصلحة القاضي.
المبحث الثالث :مبدأ االتهام
يتحدد مفهوم مبدأ االتهام بالمقارنة مع مبدأ التفتيش الذي يحكم عوضا عنه سير المحاكمة الجنائية.
فبعكس مبدأ التفتيش الذي يجسد فكرة أن المحاكمة الجنائية شأن قضائي محض ،يعني مبدأ االتهام
أن البحث عن الحقيقة في المحاكمة المدنية شأن متروك للطرفين المتخاصمين ،ينجزانه بطريق اتهام
بعضهما البعض.
علينا أن نتذكر في هذا المقام أنه بموجب مبدأ التفتيش تملك الشرطة القضائية سلطة التحري األولي
و البحث التمهيدي تلقائيا ،للتثبت من وقوع الجرائم و التعرف على هوية فاعليها المحتملين .و أنه فور
إمسا كهم بالقضية الجنائية ،يملك القضاة من جهتهم سلطة الشروع تلقائيا في التحقيق اإلعدادي قبل
المحاكمة ،و من بعد ذلك التحقيق النهائي أثناء المحاكمة؛ و لهم في سبيل ذلك صالحية األمر بتنفيذ كل
إجراءات البحث و التحقيق الممكنة قانونا لكشف حقيقة العالقة بين الجريمة و الشخص أو األشخاص
المتهمين بارتكابها.
يترتب عن ذلك أن القاضي الجنائي مخول طبقا لمبدأ التفتيش الحاكم لسير المحاكمة الجنائية ،ليس
فقط لتسيير المحاكمة ،بل و كذلك لالمساك تلقائيا بالدعوى ،و الحكم فيها بناء على الحقائق التي فتش
عنها دون التفات لما يطلبه األطراف.
واضح أن السلطات المخولة للقضاة طبقا للفصل 99المذكور تستدعي العمل بمبدأ التفتيش بقوة أقل
من التي يستعمل بها طبقا لمواد المسطرة الجنائية .فطبيعة المحاكمة المدنية تقتضي أن يتم تليين مبدأ
التفتيش بما يوافق المبادئ الحاكمة للمحاكمة المدنية.
ذلك أن تقييد المحاكمة المدنية بحق الحضور و حرية التصرف ،يفرض استبعاد مبدأ التفتيش و
إحالل مبدا االتهام محله.
بناء عليه ،و رغم عدم تصريح نص الفصل 99المذكور ،فإنه يفهم من هذا النص بالضرورة من
خالل ما يسميه علماء أصول الفقه ،داللة االقتضاء ،أنه يخول للقاضي سلطة اتخاذ قرار تنفيذ إجراءات
التحقيق تلقائيا لكن فقط لكشف الحقيقة التي يريدها الطرفين و يبحثان عنها.
تحريات المحكمة مع بحوثها و تحقيقاتها بمختلف الوسائل الممكنة قانونا ،ال يجوز أن تتم بمعنى
آخر ،إال لسد عجز في الوسائل المستعملة من الطرفين للوصول إلى الحقيقة المطلوبة من طرفهما في
القضية.
فالتحقق من صحة ادعاءات الطرفين مهمة متروكة مبدئيا للطرفين في الخصومة المدنية ،و ليست
واجبا ملقى على عاتق القضاة .ألجل ذلك يملك كل طرف عمال بمبدأ االتهام ،قصف الطرف اآلخر
بتهمة ادعاء الباطل و أنه يحتج بالغلط؛ و هو بناء على ذلك ملزم بإثبات صحة ما يرمي به خصمه ،بل
له أن يدعو القضاة إلى التأكد من ذلك بمعرفتهم عبر إجراءات التحقيق.
و لتفادي وقوع القضاة أنفسهم في شرك التضليل من جراء االتهامات الكاذبة الموجهة من الطرفين
لبعضهما البعض ،و ما قد يعانيه أحدهما من عجز في مواجهة بهتان الطرف اآلخر ،يعطي الفصل 99
المذكور للمحكمة سلطة مباشرة التحقيق تلقائيا دون حاجة لطلب الطرف المعني باألمر.
ال شك أن التزام المحكمة بهذه المبادئ يضمن عدالة المحاكمة المدنية أكثر من غيرها ،علما أن
موجبات الحضارة تشترط من جهة أخرى الشكل الكتابي للمحاكمة.
الفصل الثاني :شكل المحاكمة المدنية
يؤدي االلتزام بالمبادئ الحاكمة للمحاكمة المدنية أن تتم المحاكمة المدنية وفق مسطرة مكتوبة و في
نج ز كتابة عبر االستدعاءات و المحاضر و الوثائق المقدمة، جلسات علنية .فهي بذلك مسطرة شكلية ت َ
و بمراسيم المناقشات القضائية في الجلسات العلنية.
ما من إجراء تتخذه المحكمة لالمساك بالقضية و إعدادها ،أو لعقد المحاكمة كما البت في القضية؛ و
ال من خطوة يقوم بها الطرفان لرفع الدعوى و الترافع فيها ،يكون له وجود ،إال إذا تم توثيقه بقلم
المحكمة بمعرفة كاتب ضبط المحكمة في المسار العادي أو كاتب قسم قضاء القرب في المسار
السريع ،و كاتب رئيس المحكمة في المسار االستعجالي.
105
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و المبدأ في ذلك أال يتلقى كاتب الضبط من القضاة األوامر إال مكتوبة عكس كاتب القسم قضاء
القرب و كاتب مكتب أو رئيس ديوان رئيس المحكمة ،و أال يتواصل القضاة بينهم فيما تعلق بالقضايا
المعروضة على المحكمة إال كتابة كذلك.
أما التعامل مع أطراف الدعوى فمختلف من حيث أن القانون يسمح لهم في بعض القضايا و على
مستوى بعض اإلجراءات بالتواصل شفاهة مع كتابة الضبط كما مع القضاة المكلفين بإعداد القضية
للحكم أو الجالسين للحكم في جلسة المحاكمة.
و من جهة أخرى ،فإن المبدأ في جلسات المحاكمة أن تكون علنية .غير أن السرية ممكنة في حاالت
معينة.
المبحث األول :المسطرة المكتوبة
يختلف النظام المتعلق بالشكل المكتوب للمسطرة في مسار القرب عنه في المسارين العادي و
المستعجل.
المطلب األول :شكل مسطرة المحاكمة في مسار القرب
جاءت األلفاظ المستعملة في نص القانون 12-13المتعلق بقضاء القرب مضللة للشراح من جهتين؛
أولها أن اسم قضاء القرب مستعمل لوصف مسار مسطرة للسرعة في البت و ليس للتعبير عن حالة
تقريب خدمة القضاء من المواطنين في المناطق النائية .و الثانية قول نصوص هذا القانون أن مسطرة
القرب شفوية و الحال أن نفس القانون يلزم كاتب ضبط قسم قضاء القرب بمسك أقالم و سجالت
لضبط مكتبة القسم و محاضر للجلسات و الدعاوى ،مع سجل خاص باألحكام ،و ما يستتبع ذلك كله من
واجب مسك سجل للسجالت.
جاءت اإلشارة صراحة و إن بشكل عارض ،إلى المكتبة القضائية لقسم قضاء القرب في المادة 9
من قانون 12-13من خالل الحديث عن سجل خاص باألحكام ،و محضر الجلسة.
ال شك أن المشرع ال يقصد في هذا الفصل سجال لتدوين األحكام و ال محضرا للجلسة يمسكه
القاضي الجالس في قسم قضاء القرب بنفسه .ففي ظل وجود كاتب مكلف بمسك قلم القسم لمصلحة
القاضي فإن األمر متعلق قطعا بسجل يمسكه كاتب هذا القسم.
في غياب أي إشارة صريحة من المشرع حول شكل هذا السجل ،فإنه ال سبيل للتعرف على صفته
الخاصة ،إال بإجراء مقارنة مع السجالت المماثلة في مصلحة كتابة ضبط المحكمة.
و لفهم أهم ية هذه المقارنة ،يجب العودة إلى سوء اختيار المشرع لأللفاظ المستعملة في قانون -13
12المتعلق بقضاء القرب .ذلك أن المشرع يتحدث بألفاظ تفيد أن األمر يتعلق بمؤسسة قضاء مستقل،
و الحال أنها مجرد أقسام في المحاكم االبتدائية و مراكز القضاة المقيمين ،ال تستقل بنفسها إال على
مستوى مصلحة مسك األقالم بحيث يملك كل قسم لقضاء القرب كتابة خاصة به.
فالقانون يمنع على مصلحة كتابة ضبط المحكمة تلقي الطلبات الموجهة إلى القاضي الجالس في قسم
قضاء القرب ،و ال يعطي الصالحية حتى لرئيس المحكمة للتدخل قصد تكليف هذا األخير بها.
التزام القاضي في قسم القرب بالنظر في القضية يتم بمبادرة منه مباشرة عبر كتابة قسمه ،حيث
يقوم الكاتب بتلقي المقاالت المكتوبة و التصريحات لعرضها على نظر القاضي ،ما يعني أنه يمسك
بالضرورة سجال خاصا من أجل ذلك.
و حتى يتم إعمال كالم المشرع بدل إهماله رغم غموضه ،يمكن الرجوع إلى نص المادة 1من
قانون 12-13حول شفوية المسطرة لتصور الهيئة التي يكون عليها السجل هذا.
بديهي أن كالم المشرع عن سجل خاص و محضر للجلسة ينفي عن المسطرة الصفة الشفهية ،غير
أن النص على هذه الصفة رغما على وجود السجل و المحضر يفهم منه أن كاتب القسم ال يحرر إال
الضروري من إجراءات الترافع .و يبقى من جهة أخرى أن شفوية المسطرة بمعنى حضوريتها ،في
قسم قضاء القرب تعطي للطرفين حق االستفادة من نفس أحكام المسطرة الشفوية أمام المحكمة
االبتدائية في مرحلة إعداد القضية للحكم و مرحلة المحاكمة ،لتقديم الطلبات و الدفوع مع الردود و
الدفاعات شفهيا ،و إلكساب القرارات الصادرة صفة الحضورية كما هو مبين أسفله.
بغض النظر عن العالقة مع األطراف ،فإن بساطة المسطرة ،ال تعفي كاتب قسم قضاء القرب من
فتح ملف يحمل رقما تسلسليا و تاريخا محددا لتضمين محضر كل دعوى يتلقاها قسمه .فعمال بالمادة
11من قانون 12-13ال يكفي قيد المقال المكتوب أو الطلب المصرح به شفهيا في سجل القسم لعرض
القضية على نظر القاضي مباشرة ،و إنما يشترط القانون تحرير محضر يتضمن الموضوع و األسباب
106
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المثارة ،و فق نموذج معد لهذه الغاية ،يوقعه كاتب القسم مع صاحب الطلب ،و تستعمل نسخة من هذا
المحضر لتبليغ الدعوى إلى المدعى عليه.
بديهي أن حفظ النسخة األصلية لهكذا محضر تتطلب مسك ملف خاص بالدعوى يحمل بالضرورة
رقمه التسلسلي مع تاريخ فتحه؛ فيوضع فيه ليس فقط محضر قيد الدعوى ،بل كل مستند متعلق بها
يتقدم به األطراف أو تنشؤه المحكمة.
بموازاة ذ لك يمسك كاتب قسم قضاء القرب سجال خاصا به لضبط المساطر في قسمه .فيسجل فيه
المحاضر التي يحررها ،و كذلك األوامر التي يصدرها القاضي الستدعاء األطراف ،و تاريخ الجلسات
مع كل الوثائق التي يدلي بها األطراف و إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي في إطار مسطرة
إعداد القضية للحكم ،كما الحكم الصادر في القضية.
أما جلسة المحاكمة فقد تحدث المشرع عن محضر خاص بها في المادة 9المذكورة ،لكنه لم يبين
شكله.
مفاد ذلك عمال بالقواعد العامة في المسطرة المشتركة أن ينتدب كاتب قسم قضاء القرب من ينوب
عنه وقت انعقاد الجلسة لتدوين ما يدور فيها من نقاش و ما يتخذ من قرارات في ورقة للجلسة ،ليبقى
هو في مكانه الستقبال الطلبات ،أو ينيب عنه من يقوم بهذه المهمة ليحضر هو في الجلسة؛ و في
الحالتين يجب أن يبقى سجل القسم في مقر الكتابة ال يخرج منه إلى قاعة الجلسة.
رغم عدم نص القانون على ذلك صراحة ،فإنه من بديهيات األمور أن يرتب كاتب القسم أوراق
محاضر الجلسات في مجلد خاص بها ،ما يعني أنه باإلضافة لملفات محاضر الدعاوى ،و سجل القسم،
يمسك كاتب قسم القرب مجلدا ألوراق محاضر الجلسات.
من جهة أخرى و بإيحاء من المادة 9المذكورة ،يتبين أن القاضي الجالس في قسم قضاء القرب
ملزم بأن يمسك ،باإلضافة لختم المحكمة الخاص به ،قلما لنفس المحكمة يستعمله لتدوين األحكام التي
يصدرها ،دون أن يكون ملزما بمسك السجل الخاص بتلك األحكام .علما أن القانون نص صراحة على
وجوب كتابة األحكام في سجل خاص بها.
و صورة ذلك أن يكون لكاتب ضبط قسم قضاء القرب سجل خاص باألحكام يضعه في مكتب
القاضي عند الطلب ليكتب فيه هذا األخير الحكم و يتلوه منه في جلسة النطق بالحكم؛ ثم يستعيده الكاتب
فور رفع الجلسة قصد االستعمال في استخراج النسخ المطلوبة من األطراف.
ليس سرا أن إتقان فن الضبط بالكتابة يفترض من كاتب قسم قضاء القرب أن يشير في الملف
المتعلق بمحضر الدعوى إلى كل ما تم تسجيله في سجل القسم ،و أن يضع في نفس الملف نسخة
مستخرجة من الحكم المحرر في السجل الخاص باألحكام ،و كذلك نسخة من أوراق محاضر الجلسات
الخاصة بالقضية.
ذلك مفيد بالفعل لتقليل مخاطر تلف الملفات و لربح الوقت .و تبقى أفضل الطرق الفنية هي توظيف
خدمة الحاسوب لمسك نسخ مزدوجة للمحاضر و السجالت في شكل ملفات إلكترونية يمكن فتحها و
تصفحها في أقل وقت ممكن.
ذلك ما نتمنى صدور أمر وزاري بالبدء في تعميمه على مستوى أقسام قضاء القرب في انتظار
األخذ به في مصالح كتابة ضبط مجموع المحاكم بالمملكة المغربية .فلعله يصير من الممكن بعد ذلك
تقريب خدمة كتابة الضبط من المواطنين و القضاة على حد سواء عبر الشبكة العنكبوتية.
المطلب الثاني :شكل مسطرة المحاكمة في المسارين العادي و المستعجل
عكس الشأن بالنسبة لمسطرة القرب ،يقضي الفصل 19من مدونة المسطرة المدنية ،بداللة مفهوم
المخالفة ،أن المسطرة في المحاكم االبتدائية و محاكم االستئناف تكون مكتوبة في غير حاالت محددة
حصريا و هي :
- 1القضايا التي تختص المحاكم االبتدائية فيها ابتدائيا و انتهائيا؛
- 2قضايا النفقة و الطالق و التطليق؛
- 3القضايا االجتماعية؛
- 1قضايا استيفاء و مراجعة و جيبة الكراء؛
- 9قضايا الحالة المدنية.
أما شرط كتابة المسطرة أمام محكمة النقض فلم يرد عليه أي استثناء.
107
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بالنظر لعدم ورود النص على إعفاء القضايا المستعجلة من الكتابة ،و لعدم وجود نظام خاص بها
من جهة أخرى ،فإنه ال فرق بين المسارين العادي و المستعجل من حيث شكل المسطرة.
فبل النظر في شكل المسطرة على هذا المستوى يجب االنتباه إلى حقيقية معنى االستثناءات
الموضوعة في الفصل 19المذكور .فليس معناه أال يكون للدعاوى في القضايا المستثناة من شرط
المسطرة المكتوبة محاضر للدعاوى المرفوعة فيها ،أو أنه ال يتم تسجيلها في سجل ضبط المحكمة .بل
يتم مسك كل ذلك بخصوصها من طرف مصلحة كتابة الضبط؛ و أزيد منه ،يكون لكل قضية محضر
خاص بجلسات المحاكمة المتعلقة بها ،و إن لم يشر القانون إلى ضرورة مسك سجل خاص باألحكام
على نفس النحو المعمول به في مسطرة القرب.
ذلك أنه في كل األحوال ال تكون المسطرة ناجزة في العالقة بين القضاة و مصلحة كتابة
الضبط و ال فيما بينهم و ال حتى في العالقة مع الطرفين إال مكتوبة .أما استثناء الفصل 19المذكور
للقضايا المذكورة أعاله من أحكام المسطرة الكتابية فال يتعلق بغير العالقة بين الطرفين.
بالفعل ،ال يمكن عمليا لرئيس المحكمة أن يعين قاضيا مقررا أو مكلفا بالقضية وفقا لنص الفصل
323دون التأشير بذلك كتابة في سجل ضبط المحكمة ،كما أن القاضي المقرر أو المكلف بالقضية ال
يمكنه التأكد من ثبوت الخصومة بين الطرفين و ال الشروع ف ي إعدادها للحكم دون إصدار أمر مكتوب
باستدعائهم ،و أن يتم االستدعاء كتابة.
ال ي عني استثناء المسطرة في الحاالت المذكورة أعاله من شرط الكتابة أن تكون بالضرورة شفهية،
إذ يكفي أن تكون شفوية ،علما أن الشفوية ال تعني الشفهية .فالشفوية كما هي مذكورة في المادة 1من
قانون 12-13المتعلق بقضاء القرب ،من المشوف و هو الشيء المشاهد بالعيان ،ما يقتضي الحضور
الشخصي لتنفيذ اإلجراء المطلوب .أما الشفهية فهي التكلم مشافهة بمعنى التصريح في اصطالح قانون
المرافعات.
و من أمثلة إجراءات المسطرة الشفوية دون مشافهة إطالع الطرفين على مستندات القضية في
كتابة الضبط دون نقلها .فطبقا للفصل 331يمكنهما فعل ذلك من غير حاجة لتقديم طلب مكتوب و ال
تحرير محضر تصريح بهكذا طلب.
من أمثلة إجراءات المسطرة الشفهية من جهة ثانية ،ما تقرر من استثناء بموجب الفصل 19
المذكور على أحكام الفصول ،312 ،331 ،339 ،331 ،332 ،331 ،323و 311في القضايا المشار
إليها في هذا الفصل.
بموجب االستثناء المقرر على الفصل ، 332فيما تعلق بحق الطرفين في تقديم الطلبات و الردود مع
الدفوع و الدفاعات ،يكفي المعني باألمر في القضايا المستثناة من المسطرة الكتابية أن يصرح بمراده
لمصلحة كتابة الضبط لتلتزم هذه األخيرة بتحرير تصريحه في محضر للطلب أو الرد أو الدفع و
الدفاع ،ترفقه بمحضر الدعوى ،بعد تسجيله كالمعتاد في سجل ضبط المحكمة.
و عمال باالستثناء المقرر على مقتضيات الفصل ، 331يمكن لألطراف التماس القيام بإجراءات
التحقيق القضائي في إطار مسطرة إعداد القضية للحكم دون حاجة لكتابة طلب بذلك.
و ضدا على مقتضيات الفصل ،339و الفصل ،312تعني شفوية المسطرة كما يريدها الفصل 19
المذكور ،أنه حتى بعد فراغ القاضي من إعداد القضية للحكم و انقضاء آجال تقديم الردود ،و صدور
أمر القاضي المقرر بتخليه عن القضي ة ،أو تأكيد القاضي المكلف بالقضية نية عقد جلسة المحاكمة في
التاريخ المحدد ،يظل في إمكان الطرفين تقديم طلباتهم و ردودهم مع دفوعهم و دفاعاتهم شفهيا .على
أن يبقى للقاضي سلطة األمر بتدوين تلك االلتماسان الشفوية أو رفضها.
و استثناء من حكم الفصل 331بنفس الطريق ة ،ال يسوغ للمحكمة في القضايا التي يجيز فيها القانون
المسطرة الشفوية الزام الطرفين بكتابة طلباتهم و ردودهم مع دفوعهم و دفاعاتهم بمناسبة إجراءات
التحقيق التي تأمر بها المحكمة تلقائيا أو بطلب أحد الطرفين ،سواء في مسطرة إعداد القضية للحكم ،أو
في مسطرة المحاكمة.
ختاما تعني شفوية المسطرة استثناء من حكم الفصل ،311أن تحقيق الصفة الحضورية للقرارات
الصادرة من المحكمة بناء على طلبات الطرفين مع ردودهم و دفوعهم ال يحتاج لتقديم تلك الطلبات و
الردود مكتوبة و إنما يكفي أن تكون شفهية.
108
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مهما أورد المشرع من استثناءات على شرط كتابة المسطرة ،فإن الصفة العامة للمسطرة المدنية في
المسار العادي و معه المستعجل أنها مكتوبة ،و السبب في ذلك هو الدور الذي باتت تقوم به مصلحة
كتابة الضبط لتدبير عمل المحكمة.
فكما سبق ذكره تتولى مصلحة كتابة الضبط في المحاكم االبتدائية كما محاكم االستئناف و محكمة
النقض مهمة مسك األقالم و تدبير عمل المحكمة من حيث وضع السجالت و عقد الجلسات.
تسهر مصلحة كتابة على تدبير انعقاد جلسات المحاكمة بتوليها مهمة تنفيذ االستدعاءات لها التي
يأمر بها القضاة ،و قيامها من جهة أخرى بمسك محضر الجلسة.
فمن خالل تدبير عمل المحكم ة تقوم مصلحة كتابة الضبط بمواكبة كل دعوى من وقت نشأتها إلى
غاية انتهائها .إذ تستقبلها وقت النشأة األولى في شكل طلب افتتاحي تضعه في ملف يكون حافظا
لمحضر الدعوى ترفق به كل الوثائق المتعلق بها مع نسخ القرارات و األحكام.
بموازاة محضر الدعوى ،تمسك كتابة الضبط سجل ضبط المحكمة الذي تقيد فيه بالترتيب كل
العمليات التي تتم فيها .من ذلك استالم الطلب االفتتاحي و ما تبعه من إجراءات لالستمساك بالقاضي.
و باإلضافة لذلك كله تمسك مصلحة كتابة الضبط كما سبقت اإلشارة إليه ،سجل السجالت الذي توثق
فيه أرقام و تواريخ فتح و إغالق كل السجالت التي لديها مع عدد األوراق المتضمنة فيها.
عمال بمقتضيات الفصل 91من مدونة المسطرة المدنية ،تلتزم مصلحة كتابة الضبط كذلك بمسك
سجل لجلسات المحاكمة ،و خالفا لسجل ضبط المحكمة المشار إليه في الفصل 31من مدونة المسطرة
المدنية ،فإن سجل الجلسات ال ينشأ بداية في شكل دفتر معد مسبقا و إنما تسجل وقائع كل جلسة في
ورقة طائرة ليتم بعد ذلك تجليد األوراق لتصير سجال.
بديهي أن يتكون سجل الجلسات هذا من جزئين أحدهما تجلد فيه أوراق جلسات النطق باألحكام
يسمى سجل األحكام ،لخصص األخر لتجليد أوراق جلسات المناقشات.
مهما يكن فإن اإلشارة في سجل ضبط المحكمة تتم بالضرورة إلى كل جلسة للحكم أو المناقشة ،و
بمناسبة ذلك أيضا إلى الورقة التي حرر فيها محضر تلك الجلسة ،بل إنه من باب الحيطة تحسبا لخطر
الضياع ،ال شيء يمنع كاتب الضبط من إصدار أمره بوضع نسخة من ورقة كل جلسة في الملف
الحافظ لمحضر الدعوى.
بهذه المناسبة ال نمل من تكرار أن القانون ال يمنع مصلحة كتابة الضبط من استعمال تقانة
الذكاء االصطناعي إلنجاز مهامها مع االستمرار في مسك األقالم لتحرير االستدعاءات و المحاضر.
فال شيء يمنع مصلحة التموين من تجهيز كل مكتب بحاسوب مع توفير ناسوخ و آلة للنسخ و أحقاق
خارجية لحفظ البيانات ،مع برنام مشترك بين جميع المصالح لتدبير الملفات المشتركة.
بل إن المصالح الداخلية لوزارة العدل مطالبة بفتح موقع على الشبكة العنكبوتية لتقريب
خدمات كتابة الضبط من المتقاضين باستعمال أقنان سرية في الحاالت الخاصة إن اقتضى الحال
لتمكينهم من االطالع على مستندات القضية في أحسن الظروف.
بالفعل يقضي الفصل 331من مدونة المسطرة المدنية أنه (:يمكن لألطراف أو لوكالئهم االطالع
على مستندات القضية في كتابة الضبط دون نق لها).
واضح أن األمر يتعلق بكل المستندات بما في ذلك األوراق التي في الملفات و األشياء التي في
األحراز؛ و أن مقتضى االطالع هو معاينتها مع إمكان أخذ نسخة منها أو صورة لها.
مبدئيا ال شيء يحول دون طلب الحصول على صورة مصادق عليها من طرف كاتب الضبط
ألي وثيقة في ملف القضية ،كما أنه ال شيء يمنع أخذ صور لألشياء التي في األحراز المحفوظة لدى
نفس المصلحة بعد إذن كاب الضبط؛ غير أنه متى تعلق األمر بحكم قضائي وجب تقديم طلب استخراج
نسخة منه.
المبحث الثاني :علنية الجلسات
ال تنعقد جلسات المحكمة كلها للمحاكمة فقط ،ألن منها ما يعقده القاضي المقرر أو المكلف بالقضية
مع الطرفين أو أحدهما ف ي إطار إعداد القضية للحكم ،فتكون جلسات لإلعداد .من جهة أخرى ال تكون
جلسات المحاكمة كلها للنطق بالحكم ،ألن منها ما يكون للبحث في القضية عبر المناقشة مع تنفيذ
إجراءات التحقيق.
109
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
في كل األحوال ،يشترط القانون في جلسات المحاكمة أن تكون علنية .و علنية جلسة المحاكمة
ليست هي حضوريتها و ال شفهيتها .فالحضورية تعني اكتساب المرافعات الواقعة خالل الجلسة صفة
الحضورية في مواجهة الطرفين أو أحدهما وفق النظام المتعلق بذلك .أما الشفهية فتعني كذلك أن تلك
المرافعات تمت عبر النقاش بالكالم بين األطراف ،في حين تتثمل العلنية في الشكل المفتوح الجتماع
القاضي المنفرد أو الهيئة الجماعية للحكم بالطرفين سواء غابا عنه أم حضراه ،في قاعة عامة لعقد
جلسة للمحاكمة يسمح للجمهور بمتابعة وقائعها.
فمبدئيا ،ال تنعقد جلسات القضاة مع األطراف للنظر في خصوماتهم إال بشكل علني ،غير أن
السرية مسموح بها في بعض الحاالت .بل إن السرية تكون هي القاعدة لعقد الجلسات في مرحلة إعداد
القضية للحكم من طرف القاضي المقرر أو المكلف بالقضية .كما أنه يجوز للقاضي رئيس جلسة
المحاكمة أن يأمر بعقد جلسة المناقشة سريا متى حضرت مسوغات ذلك وفقا للفصل 13من مدونة
المسطرة المدنية.
طبقا لهذا الفصل ال يجوز لرئيس المحكمة أن يجعل كل جلسات المحاكمة سرية ،و إنما ما تعلق
منها بمناقشة الخصمين لبعضهما البعض أو المحكمة لهما ،متى استوجب النظام العام أو األخالق
الحميدة ذلك.
و سواء كانت الجلسة علنية أو سرية ،فإنها ال تصح في غياب ممثل لكتابة الضبط ،تكون مهمته
مسك قلم المحكمة لضبط ما يحدث في الجلسة كتابة.
يحرر الكاتب بهذه المناسبة محضرا لجلسة المحكمة ،أو محضرا لسماع الطرفين ،حسب ما إذا
كانت الجلسة للمحاكمة أو إلعداد القضية للحكم.
من جهة أخرى ،و حتى في حالة الجلسة العلنية ،ال يكون الحضور مسموحا به للجميع.
ذلك انه في جلسات االستماع التي تتم خالل مرحلة إعداد القضية للحكم ،سواء انعقدت في مكتب
القاضي أو حتى في قاعة للجلسات العامة ،ال يحق لغير االشخاص الذين تم استدعائهم الحضور.
أما في جلسات المحاكمة ،و ما لم تكن جلسة مناقشة سرية بأمر من رئيس الجلسة ،فإنه يكون من
حق غير المدعوين الحضور فيها .غير أن قسما خاصا في مصلحة كتابة الضبط يسهر على تدبير
حضور الجمهور بحيث يتولى تنظيم الدخول إلى قاعة الجلسة لمنع حدوث االكتظاظ و تشويه جلسة
المحاكمة .من حق العاملين في هذا القسم كذلك منع إدخال أي شيء مشبوه إلى قاعة الجلسات ،يمكن
استعماله كسالح أو أداة لتصوير وقائع في الجلسات الممنوعة من النشر .فمن حق القائمين على حراسة
مدخل المحكمة أن يمنعوا من الدخول كل من ال يرتدي مالبس الئقة تكون فاضحة أو مقرفة المنظر،
كما األشخاص الذين يصطحبون كالبا أو غيرها من الحيوانات ،و كذلك الذين يحملون عصيا معدة
للضرب ،أو حقائب أو آالت تصوير و تسجيل ،أو صناديق أيا كان حجمها.
يحق لكاتب الضبط دون رجوع إلى رئيس المحكمة أن يمنع الصحفيين من استعمال وسائل االعالم
المباشر من داخل المحكمة لنقل وقائع جلسات المحاكمة متى قدر أن في ذلك عرقلة ممكنة لسير
الجلسات حتى في الحاالت التي ال يمنع فيها القانون بث صور عن الجلسة.
ال مسوغ من غير هذا الباب في القانون المغربي لمنع حضور وسائل اإلعالم في جلسة المحاكمة و
قيام الفنيين التابعين لها بتسجيل ما يدور من مناقشات فيها صوتا و صورة ،إال وفق مقتضيات الفصول
99إلى 99من مدونة الصحافة الصادرة بالظهير الشريف رقم 1.11.122في 1ذي القعدة 1139
موافق 13أغسطس 2311بتنفيذ القانون رقم 22.13المتعلق بالصحافة والنشر ،و الذي تم نشره في
الجريدة رسمية عدد 1131بتاريخ 11ذو القعدة 1139موافق 19أغسطس ،2311صفحة .9311
فطبقا لمقتضيات الفصل 99من مدونة الصحافة بداللة مفهوم المخالفة ،يمكن نشر بيان مكتوب ،أو
بالصوت أو الصوت و الصورة ،عبر البث المباشر أو بصفة غير مباشرة ،عما يدور من مرافعات و
مداوالت علنية داخل المحكمة ،في غير قضايا القذف أو السب و كذا المرافعات المتعلقة بدعاوى إثبات
األبوة و الطالق أو التي تكون متعلقة بأطفال ،كما يمنع النشر لغرض التشهير باألشخاص المتهمين في
القضايا الجنائية.
مع ذلك ،و طبقا للفصل 91من نفس المدونة ،يجوز للمحكمة أن تمنع النشر عن كل قضية من
القضايا المدنية بقرار معلل قابل للطعن.
مفاد ذلك أن الجهة اإلعالمية المهتمة بتصوير جلسة المحاكمة و نشر وقائعها بطريق البث المباشر
أو غير المباشر تستطيع تجاوز منع مصلحة كتابة الضبط لها إدخال معداتها إلى قاعة الجلسة للتسجيل
110
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و التصوير ،بالحصول على إذن بذلك من رئيس المحكمة .و ال يسلم رئيس المحكمة هذا اإلذن في غير
الحاالت المسموح ل ه فيها قانونا .من ذلك فيما يتعلق بالقضايا المدنية ،خارج المنازعات المتعلقة بثبوت
النسب و الطالق ،كل خصومة مدنية لم يعترض رئيس جلسة المحاكمة فيها على حضور وسائل
اإلعالم.
فإذا رفض هذا األخير ذلك كان الرفض بمثابة قرار منع الحضور اإلعالمي في جلسته ،ما يخوله
من جهة أخرى اعتبار كل محاولة تصوير أو تسجيل و لو باستعمال الهاتف النقال أو معدات أقل حجما
من ذلك ،مخالفة لقرار المنع .بل إنه يصير حتى من حق قسم مصلحة الضبط المكلف بالسهر على
النظام في المحكمة منع إدخال هكذا هواتف و معدات إلى قاعة الجلسة.
في غير هذه الحالة ،تبقى مهام الضبط اإلداري لجلسات المحكمة من صالحيات القضاة المترأسين
لها.
بالفعل ،يملك رئيس جلسة المحاكمة ،كما القاضي المقرر أو المكلف بالقضية سلطة الضبط اإلداري
للجلسة بقوة القانون .لكل منهما بناء على ذلك سلطة األمر بطرد أي شخص يتسبب في الفوضى ،بما
في ذل ك األطراف و ممثليهم .فإن كان رئيس الجلسة قد أعلن رفض الترخيص بحضور وسائل
اإلعالم ،صار من حقه األمر بطرد أي شخص يخرج هاتفه النقال أو حتى يشك في استعماله أي آلة
للتصوير أو التسجيل .بل إن المواد 399إلى 311من مدونة المسطرة الجنائية تعطي للقاضي المكلف
بمهمة ا لضبط اإلداري لجلسة السماع أو المحاكمة الحق في تحريك الدعوى الجنائية و مباشرة
المحاكمة فيها متى كانت الجريمة مخالفة .أما إذا تعلق األمر بجنحة أو جناية ،فإن القاضي يأمر
بتحرير محضر ضبط جنائي بها ،و إحالة المتهم فورا إلى النيابة العامة.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي VI
تحدث بإسهاب عن المبادئ الحاكمة لسير المحاكمة المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن شكل المحاكمة المدنية؟
الدرس التطبيقي VI
لخص الدرس النظري السادس في بضع سطور ؟
قم ببحث نظري عن الفرق بين المسطرة الشفوية و المسطرة المكتوبة في إجراءات الترافع ؟
قم بمقارنة بين شكل المحاكمة المدنية و نظيرتها الجنائية؟
تبادل مع من تختاره من زمالئك في القسم تقريرا عن عالقة وسائل اإلعالم بالمحاكم في المغرب؟
111
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
112
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
للنظر في القضية لعدم االختصاص ،يفتر ض فيها أنها قبلت تلقائيا انعقاد االختصاص لها متى امتنعت
عن الرفض التلقائي.
سبق أن تعرفنا على نظام االختصاص النوعي كما المكاني ،و يبقى أن نذكر بأنه بناء على تلك
األحكام يملك األطراف كما المحكمة حق الدفع بعدم االختصاص وفق النظام المبين في الفصل 11و
الذي ينص أنه ( :يجب على األطراف الدفع بعدم االختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دف اع.
ال يمكن إثارة هذا الدفع في طور االستئناف إال بالنسبة لألحكام الغيابية.
يجب على من يثير الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإال كان الطلب غير مقبول.
إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون اإلحالة عليها بقوة الق انون وبدون صائر.
يمكن الحكم بعدم االختصاص النوعي تلق ائيا من لدن ق اضي الدرجة األولى).
و كذلك الفصل 19بالنص من جهته انه ( :يجب على المحكمة التي أثير أمامها الدفع بعدم االختصاص
أن تبت فيه بموجب حكم مستق ل أو بإضافة الطلب العارض إلى الجوهر).
و حيث أننا بصدد دراسة ح الة الحؤول بين صاحب الطلب و تمتعه بمركز المدعي في بداية الدعوى
بسبب عدم اختصاص المحكمة ،فالمقصود هو بالضرورة إثارة القاضي تلقائيا لعدم االختصاص على
أن نرجع لدفع األطراف بنفس الحجة في موضع الحق من هذا الدرس.
بداية ،يجب التنبيه إلى أن الدفع بعدم االختصاص كما إثارته تلقائيا تدخل ضمن إجراءات الترافع في
الدعوى و ليس عمليات الضبط اإلداري .فليس بالتالي من حق كاتب ضبط المحكمة أن يحتج به من
قريب و ال بعيد على المدعي .غير أن ذلك ال يعفي مصلحة كتابة الضبط من واجب تطبيق القانون متى
جاء النص صريحا بمنع المحكمة من النظر في القضية.
ينحصر ذلك في حدود المنع بسبب عدم االختصاص النوعي للمحكمة ،أما عدم االختصاص
المكاني ،فال يسوغ البتة لمصلحة كتابة الضبط رفض تسجيل الدعوى ،ألنه يكون تعسفا يمكن متابعة
كاتب الضبط عنه أمام القضاء .دليل ذلك هو نص الفقرة األخيرة من الفصل 11المذكور ،و الذي
يحصر حق قضاة الدرجة األولى ،و هم الجالسون في مختلف غرف و أقسام المحاكم االبتدائية ،في
إثارة عدم االختصاص النوعي فقط.
بناء على عليه ،يحق لكاتب ضبط المحكمة رفض تسجيل الدعوى تلقائيا متى كان الموضوع فيها
ممنوعا على نظر المحكمة بسبب االختصاص النوعي .من ذلك كما سبق بيانه القضايا الدستورية و
اإلدارية و المالية المخزنية .بل إنه يساءل عن ذلك تأديبيا من طرف وزير العدل ،و قضائيا من طرف
كل ذي مصلحة و بخاصة النيابة العامة أمام المحكمة اإلدارية .فإن قام الكاتب بتسجيل طلب مدع
يطعن في دستورية مشروع قانون أو دستورية قاعدة قانونية أو يرمي إلى إبطال قرار إداري أو عرقلة
عمل إدارة عمومية ،و أقدم رئيس المحكمة بعد ذلك بالتكفل بالقضية أو إسنادها لقاض مقرر أو مكلف
بها ،ال يقع اللوم إال على كاتب الضبط.
فالمنع المنصوص عليه في الفصل 29من مدونة المسطرة المدنية ليس خطابا موجها من المشرع
إلى القضاة وحدهم و إنما للسلطة التنفيذية الساهرة داخل المحكمة على تأطير خدمة العدالة أيضا .و
للتذكير ،فإن القضاة يمثلون سلطة مستقلة تسهر على تطبيق القانون كما يقتنع به القضاة و ليس كما
يأمرهم به رؤساء لهم ،و ليس من سبيل لتصحيح خطأ الواحد منهم إال باللجوء إلى محكمة عليا
الستئناف الحكم أو للطعن فيه بالنقض.
بناء عليه ،متى أ مسك القاضي بقضية دستورية ،أو إدارية ،فوجد نفسه مؤهال للنظر فيها ،وفات
الطرفين أن يدفعا فيها بعدم االختصاص في بداية المسطرة ،لم يكن من سبيل لمنع حيازة حكمه فيها
قوة الشيء ال مقضي فيه بعد صدوره إال بالطعن فيه بالبطالن أمام محكمة االستئناف بناء على خطأ
كتابة الضبط .أما قبل صدور الحكم االبتدائي ،فال سبيل لمنع القاضي من االستمرار في نظر الدعوى
إال بطريق الدفع بتنازع االختصاص مع محكمة مختصة ليست بينها و بين المحكمة االبتدائية درجة
مشتركة.
113
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و حيث أن تنازع االختصاص يتطلب تمسك محكمتين بنفس القضية فإن الجهة ذات المصلحة في
تطبيق منع النظر في القضية على المحكمة االبتدائية تحتاج لتحريك الدعوى أمام المحكمة المتخصصة
حتى يتم إمساك محكمة النقض بقضية تنازع االختصاص وفق األصول المسطرية.
يبقى ذلك أحد احتمالين ممكنين لمسار الدعوى الممنوع على المحكمة النظر فيها لعدم االختصاص
النوعي ،علما أن احتمال المسار الثاني هو إثارة المحكمة تلقائيا مسألة عدم اختصاصها.
فقد يغفل كاتب الضبط لسبب أو آلخر عن منع القضية من الوصول إلى مكتب رئيس المحكمة عبر
سجل الضبط ،فيجد هذا األخير نفسه مضطرا للمبادرة إلى تطبيق المنع النوعي.
من حق رئيس المحكمة أن يتجاهل القضية تماما بتركها معلقة دون تعيين قاض مقرر و ال مكلف
بها ،حتى يضطر صاحبها لالستفسار عن التأخير فيذكره شفهيا ،بشخصه أو عبر مصلحة كتابة
الضبط ،أن المحكمة ممنوعة من النظر في قضيته .و يستطيع رئيس المحكمة بدال عن ذلك ،بعد
تنصيب نفسه قاضيا مكلفا بالقضية ،إصدار حكم فيها بعدم اختصاص المحكمة يتم تبليغه للمدعي ،كما
يمكنه تعيين قاض غيره يكلف بالقضية ليتولى اتخاذ هكذا قرار.
و بالنظر للفرق بين صياغة الفقرة األخيرة من الفصل ،11و نص الفصل 19المذكورين ،فإن
المحكمة التي تثير عدم اختصاصها النوعي تلقائيا ليست ملزمة للحكم فيه بنفس الطريقة التي يثار فيها
هكذا موضوع من قبل األطراف .فبدل الحكم المستقل ،يكفيها أن تصدر أمرا قضائيا برفض قيد
الدعوى.
يختلف الوضع عن ذلك في حالة عدم االختصاص المكاني؛ فكاتب الضبط ال يملك سلطة منع أي
كان من رفع دعواه المدنية أمام محكمته ،و هذه األخيرة ليست هي األخرى ممنوعة من النظر فيما ال
تمتد إليه صالحيتها القضائية جغرافيا ،مما هو في مجال اختصاصها النوعي .بل إنه بالنظر لصياغة
الفقرة األخيرة من الفصل 11المذكور ،ال يحق للمحكمة حتى إثارة عدم االختصاص المحلي تلقائيا.
ال يكون بالتالي من سبيل للحؤول دون تمتيع صاحب الطلب بمركز المدعي في الدعوى أمام
المحكمة في هكذا حالة إال بدفع بعدم االختصاص الترابي يثيره المدعى عليه أو النيابة العامة بصفتها
طرفا منضما في الدعوى.
و ب مثل الحالة في الدفع بعدم االختصاص النوعي ،يجب على طالب رفض الدعوى لعدم
االختصاص المكاني ،إثارة هذا الموضوع في بداية المسطرة قبل كل دفع أو دفاع .يتم ذلك بعد تبليغ
طلب الدعوى المرفوعة إلى المدعى عليه أو إحاطة النيابة بها علما ،و استدعاء كل منهما إلعداد دفاعه
أو إبداء المالحظات .و ال يخرج الوضع عند تلقي الدفع بعدم االختصاص عن واحدة من اثنتين؛ فإما
أن يقدر القاضي الممسك بالقضية المنكب على إعدادها للحكم أن الدفع بعدم االختصاص مقبول،
فيصدر قرارا بعقد جلسة للحكم في القضية بناء على ذلك ،حيث يستدعى الطرفان على هذا األساس و
تتم دعوة المدعي لتقديم دفاعه في الموضوع .و إما أن يقدر القاضي أن االختصاص من حق محكمته،
فيقرر اعتبار الدفع بعدم االختصاص طلبا عارضا يضمه إلى جوهر الموضوع للفصل فيه مع باقي
الطلبات.
المبحث الثاني :مثول الطرفين
ال تكتمل مراكز المدعي و المدعى عليه كطرفين في الخصومة القضائية إال بحضورهما إلى
المحكمة للمثول أمام القاضي .ذلك أن القاضي يملك حق شطب القضية لعدم حضور المدعي ،كما أن
الحكم يعتبر غيابيا إن تخلف المدعى عليه عن الحضور أيضا.
المطلب األول :أثر غياب الطرفين
تحت طائل شطب الدعوى في حال تغيب المدعي ،و صدور الحكم غيابيا في حال تخلف المدعى
عليه عن الحضور ،يجب على الطرفين التواجد أمام القاضي في الوقت و المكان المحددين لهما في
االستدعاء المبلغ لهما بواسطة مصلحة كتابة الضبط أو كتابة قسم قضاء القرب.
ليس معنى ذلك واجب حضور الطرفين شخصيا ،إذ يمكنها توكيل من ينوب عنهما للمثول أمام
القاضي ،ما لم يشترط القانون خضوعهما لمحاولة صلح من المحكمة.
و حتى في هذه الحالة ال يكون لغياب المدعي نفس أثر غياب المدعى عليه.
الفرع األول :شطب الدعوى
يقوم المبدأ في التعامل مع المدعي المتغيب على إمكان شطب القضية .فمقتضى الفصل 19من
مد ونة المسطرة المدنية في هذا الشأن أن طلب المدعي يكون مصيره الشطب إذا تخلف عن المثول هو
114
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أو نائبه ،لجلسة المحاكمة ،سواء تعلق األمر بأول جلسة أو بجلسات الحقة ،متى قدر القاضي المنفرد
أو هيئة الحكم الجماعية أنه ال يتوفر لديهم العناصر الكافية للبت في الطلب .و يعتبر المدعي في حكم
المتخلف عن الحضور في حال تغيب نائبه الموكل من طرفه لتمثيله لدى المحكمة و لو حضر هو
عوضا عنه ،ما لم يكن قد أبلغ المحكمة قراره بعزله و تولي مهمة تمثيل نفسه بنفسه.
أما غياب المدعي في مرحلة إعداد القضية للحكم من طرف القاضي المقرر أو المكلف بالقضية ،فال
يكون له نفس األثر ،إذ ال يملك ذلك القاضي إصدار أمر بالشطب ،و إنما يجب عليه طلب عقد جلسة
محاكمة بغية إدراك هذا الغرض.
و مع ذلك ،يمكن أن تدخل الدعوى في حكم المشطوب عنها قبل بلوغ مرحلة المحاكمة .يحدث ذلك
في مرحلة إعداد القضية للحكم من طرف القاضي المقرر أو المكلف بالقضية بقرار يعلق بموجبه
تحديد تاريخ جلسة المحاكمة على مثول المدعي إلكمال بيانات طلبه .بل إن هكذا تعليق يفرض نفسه
متى اشترط القانون عليه بدء إعداد القضية للحكم بمحاولة صلح بين الطرفين.
بناء على ذلك ،ال ينشأ مركز أطراف الخصومة ،و تتوقف الدعوى عن التحرك لتدخل القضية في
حكم المشطوب عنها ،متى تخلف المدعي عن الحضور لجلسة محاولة المصالحة.
و مع ذلك ،يقضي القانون أن للمدعي أجل شهرين من تاريخ صدور قرار الشطب ،لطلب متابعة
النظر في القضية ،و إلغاء قرار التشطيب بناء على ذلك.
ال مشكلة في تطبيق هذا الح كم متى تم اتخاذ قرار الشطب بسبب تغيب المدعي عن جلسة المحاكمة،
و إنما تنشأ الصعوبة للعمل بهكذا حكم متى كان دخول القضية في حكم المشطوب عنها خالل مرحلة
إعدادها للحكم.
في ظل صمت المشرع عن الحل المعمول به في هكذا وضع ،يقتضي حكم القياس مع حالة الشطب
بسبب الغياب عن جلسة المحاكمة ،أن يتم اعتبار القضية ملغاة بعد أجل شهرين من تعليق القاضي
المقرر أو المكلف بالقضية قرار تحديد جلسة المحاكمة على مثول المدعي إلتمام بينات دعواه.
و يبقى رغم ذلك كله ،أن للمحكمة أن تتجاوز عن غياب المدعي ،سواء في مرحلة إعداد القضية
للحكم ،أو في جلسات المحاكمة ،للبت في القضية بحكم يعتبر حضوريا في مواجهة المدعي ،متى
قدرت أنها تتوفر على العناصر الكافية لذلك.
الفرع الثاني :صدور الحكم غيابيا
ليس من الممكن صدور الحكم غيابيا في مواجهة المدعي ،و كذلك المدعى عليه الذي يرفض عن
علم المثول أمام المحكمة ،إ ال في حالة واحدة هي خرق المحكمة لقاعدة الحد األدنى لألجل الذي يجب
عليهما الحضور فيه من تاريخ تسلم االستدعاء .فإن عقدت الجلسة و صدر الحكم قبل انصرام هذا
األجل ،كان غيابيا؛ و جاز للمدعي التعرض عليه.
بل إن المحكمة ليست ملزمة فقط باحترام أجل المثول لعقد الجلسة ،و إنما يجب عليها تأجيل
الجلسات متى أحيطت علما بأن أحد الطرفين لم يبلغه االستدعاء حقيقية أو حكما ،أو أنه منع من
الحضور بسبب المرض أو الخدمة العسكرية.
و قد أخذ الفصل 12من مدونة المسطرة المدنية ،في هذا الشأن باالعتبار حالة تعدد المدعى عليهم،
حيث قضى أنه مت ى تخلف أحدهم عن المثول في جلسة المحاكمة ،وجب على القاضي تأجيل القضية
إلى جلسة مقبلة و أن يأمر من جديد باستدعاء األطراف مع تنبيههم في نفس الوقت إلى أنه سيبت حينئذ
في القضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه األطراف المتخلفة؛ علما أنه ال يعتبر الحكم بمثابة
حضوري في هذه الحالة إال بالنسبة إلى األشخاص الذين توصلوا باالستدعاء شخصيا أو في موطنهم.
في ذلك تقضي الفقرة الرابعة من الفصل 19المذكور بأنه :
( يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم استدعائه طبق ا للق انون ما لم يكن قد توصل
باالستدعاء بنفسه و كا ن الحكم ق ابال لالستئناف ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري تجاه األطراف
المتخلفة).
واضح بناء على هذه المقتضيات أن حضور المدعى عليه يدخل في حكم الشيء المتحقق بمجرد
توصله باالستدعاء شخصيا أو في موطنه .فسواء استجاب لدعوة القاضي للمثول أو رفض حضور
جلسات المحا كمة ،يكون الحكم الصادر في القضية حضوريا بالنسبة إليه ،متى كان قابال لالستئناف
أمام محكمة االستئناف أو أمام الغرفة االستئنافية للمحكمة االبتدائية.
115
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما إذا كان الحكم غير قابل لالستئناف ،أو كان كذلك لكن المدعى عليه لم يتوصل شخصيا و ال في
موطنه باالستدعاء لجلسة المحاكمة ،فإن الحكم يكون بالنسبة إليه غيابيا ،يجوز له التعرض على تنفيذه
وفق المسطرة المبينة في الفصول 133إلى 133من مدونة المسطرة المدنية.
المطلب الثاني :أجل المثول
كما هو الشأن بالنسبة ألجل تعيين قاض مقرر أو مكلف بالقضية ،لم يضرب المشرع للمحكمة أجال
أقصى الستدعاء الطرفين ،و إنما اكتفى بالنص أن يتم ذلك حاال .و مفاد هكذا نص من وجهة نظر علم
الحقوق أن القاضي يقوم باستدعاء الطرفين دون تأخير حسب ما تسمح به الظروف إال إذا فرض عليه
القانون أجال محددا بنص خاص كما هو شأن القاضي الجالس في قسم قضاء القرب.
فق اضي القرب يمسك بالدعوى مباشرة عبر كتابته الخاصة من وقت مثول المدعي في المحكمة
أمامه ،و هو ملزم قانونا باستدعاء المدعى عليه في الحين بحضور المدعي قبل الشروع في إعداد
القضية للحكم ،و ليس استدعاء المدعي و المدعى عليه حاال بعد اإلمساك بالدعوى عبر رئيس
المحكمة ،خالف نظرائه في باقي األقسام و الغرف.
يقضي الفصل 11من قانون 13-12أنه إذا لم يكن المدعى عليه حاضرا وقت استمساك المدعي
بقاضي القرب ،وجب على هذا األخير استدعاؤه في الحين لجلسة ال يتجاوز تاريخها ثمانية أيام؛ علما
أنه تحت طائل بطالن الحكم الصادر منه في القضية ،يجب على قاضي القرب التأكد من توصل
المدعى عليه باالستدعاء داخل هذا األجل.
و حيث أنه ال نص مماثل لضبط وقت إصدار األمر باستدعاء الطرفين خارج قسم قضاء القرب،
فإنه يكون من حق القضاة في باقي الغرف و األقسام اختيار الوقت الذي يالئمهم .فأي قاض يتم تعيينه
مقررا أ و مكلفا بالقضية من طرف رئيس المحكمة ملزم باستدعاء المدعي و المدعى عليه حاال ،لكن
في حدود الوقت المتاح .و بناء عليه ،فإنه متى حضر له عذر للتأخير ،ال يكون عليه تثريب في تأخير
االستدعاء إلى أجل غير مسمى حتى يجد في استعمال زمنه متسعا من الوقت للنظر في الدعوى.
سواء تم استدعاء الطرفين معا أو أحدهما فقط ،مبكرا أو بعد طول انتظار ،للحضور إلى المحكمة
قصد المثول في جلسة المحاكمة أو إلتمام إجراء من إجراءات إعداد القضية للحكم ،فإن القانون يوجب
مراعاة أجل لذلك يتراوح حسب األحوال بين خمسة أيام و أربعة أشهر تحت طائل بطالن الحكم الذي
قد يصدر غيابيا.
ففي ظل أحكام المسطرة المشتركة ،يستفيد كل مستدهدف باستدعاء المحكمة في القضايا المدنية
بقوة القانون من أجل خمسة أيام على األقل إن كان موطن أو محل إقامته في مكان مقر المحكمة
االبتدائية أو بمركز مجاور لها .و يستفيد من مدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل آخر
من تراب المملكة ،و إن لم يكن له موطن بعد أو محل إقامة معروف في المغرب.
أما إذا كان الشخص غير متواجد فوق تراب المملكة ،و لم يكن له موطن و ال محل إقامة معروف
بالمغرب ،فإنه يستدعى في الخارج مع مراعات أجل شهرين على األقل للمثول أمام المحكمة إن كان
يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول األوروبية؛ و ثالثة أشهر إذا كان يسكن بدولة افريقية أخرى
أو آسيا أو أمريكا .في حين ذلك يطبق أجل أربعة أشهر بالنسبة للمستدعى الذي يسكن باالقيانوس.
تسري هذه اآلجال بقوة القانون دون حاجة لتذكير القاضي بها في نص االستدعاء الموجه .غير أنها
ليست حدا أقصى يجب على المحكمة أن تلتزم به؛ و إنما يملك القاضي سلطة تمديد األجل ألكثر من
ذلك.
هذه األحكام هي المبدأ العام الذي ترد عليه بعض االستثناءات في المساطر الخاصة بالقضايا
المعروضة على قسم قضاء القرب ،و قضايا الشغل.
ففي قسم قضاء القرب ،أجل المثول هو ثمانية أيام من تاريخ االستدعاء و مثل ذلك أيضا طبقا
للفصل 291من مدونة المسطرة المدنية في القضايا االجتماعية.
المبحث الثالث :نظام االستدعاء
ينظم القانون موضوع االستدعاء مع زمانه و مكانه و شكله كما طريقة تبليغه ،و من يتولى األمر
به.
بالنسبة لزمن االستدعاء ،سبق أن ذكرنا أن إلزام المحكمة بالقيام به في الحال أو حاال فور تمسكها
بالقضية ال يعني إلزامها باستدعاء الطرفين في الحين وقت تسلم القاضي المقرر أو المكلف بالقضية
محضر الدعوى .و يبقى أن نذكر بالنسبة للجهة التي تصدر األمر باستدعاء األطراف أنها القاضي
116
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المقرر أو المكلف بالقضية وفقا ألحكام المسطرة المشتركة ،و القاضي الجالس في قسم قضاء القرب أو
رئيس المحكمة وفقا ألحكام المساطر الخاصة.
كما يبقى أن نتعرف بعد ذلك على األحكام المتعلقة بموضوع االستدعاء و شكله مع طريقة تبليغه.
المطلب األول :موضوع االستدعاء
تختلف األحكام المتعلقة بموضوع االستدعاء حسب مسار افتتاح الدعوى .ففي المسار السريع ال
يكون لالستدعاء الذي يأمر به قاضي القرب من موضوع غير حضور جلسة المحاكمة .أما في مسار
االستعجال فلم يحدد المشرع موضوعا معينا لالستدعاء مثل الشأن بالنسبة لالستدعاء في المسار
العادي.
و حيث أن المسارين يفتحان إمكانية النظر في القضية على مرحلتين إحداهما لإلعداد و األخرى
للمحاكمة ،فإن موضوع االستدعاء يمكن أن يتنوع بحكم ذلك .فقد يأمر القاضي المقرر أو المكلف
بالقضية كما قاضي المستعجالت باستدعاء أحد الطرفين لالستفسار عن مسألة معينة ،أو الطرفين معا
للمواجهة في أو لحضور إجراء من إجراءات التحقيق في إطار إعداد القضية للحكم ،كما يمكن
استدعاؤهما لحضور جلسة المحاكمة.
و قد ركز القانون على االستدعاء لحضور جلسة المحاكمة بالنظر لألثر المترتب عنه على الحكم
الصادر كم ا سبق ذكره حيث يعتبر الحكم حضوريا أو حكم الحضوري متى تم تبليغ االستدعاء للطرف
شخصيا أو في موطنه.
من جهة أخرى يجب االنتباه إلى الفرق بين الخطاب الموجه من المحكمة إلى الطرفين أو أحدهما
حسب ما يكون استدعاء أو تبليغا بحكم أو قرار تتخذه المحكمة.
ففي حين يشترط ا لقانون حصول االستدعاء وفق نفس الطريقة و بنفس الشكل ال يكون التبليغ دائما
بنفس الطريقة و الشكل؛ من ذلك مثال أنه بعد استدعاء الطرفين لحضور جلسة المحاكمة يمكن تبليغهما
بقرار تعيين تاريخ انعقاد الجلسة المقبلة حاال عند إعالن رفع الجلسة قبل النطق بالحكم ،او دعوتهما
لمراجعة كتابة الضبط بهذا الشأن في تاريخ معين أو تبليغهما في موطنيهما بنفس طريقة االستدعاء.
المطلب الثاني :شكل االستدعاء
كل استدعاء توجهه المحكمة إلى أحد الطرفين يجب أن يكون مكتوبا بما في ذلك في المسطرة
الخاصة بقسم قضاء القرب.
فتحت طائل بطالن الحكم الصادر في قسم قضاء القرب عمال بالفصل 3من قانون ،12-13يجب
على القاضي في غياب المدعى عليه ،أن يأمر بتبليغ مقال المدعي أو نسخة من المحضر إليه .و ينص
الفصل 11من نفس القانون أن هذا التبليغ يحتوي على استدعاء لحضور جلسة المحاكمة .ال يكون
التبليغ شفهيا بالفعل إال إذا حضر المدعى عليه وقت استمساك المدعي بالقاضي الجالس في قسم قضاء
القرب.
أما خارج مسطرة قضاء القرب ،فالبطالن للعيب الشكلي يطال إجراء االستدعاء لحضور جلسة
الحكم دون الحكم الصادر من المحكمة في القضية.
بطالن االستدعاء لعيب في الشكل يدخل هذا االجراء في حكم العدم ،فيقاس أثره بالتالي على
وضعية عدم التزام المحكمة بأحكامه كما في حال إقدامها على عقد جلسة المحاكمة قبل انصرام األجل
األدنى لحضور الطرفين من وقت تبليغ االستدعاء.
و بناء على ذلك ،يكون الحكم الصادر في قضية تم استدعاء الطرفين فيها بشكل معيب غيابيا و ليس
ب اطال؛ لكن فقط في العالقة مع الطرف الذي اعتبر االستدعاء الموجه إليه باطال ،ال فرق في ذلك بين
المدعي و المدعى عليه.
و للتأكد من سالمة مسطرة االستدعاء ،سواء كان لحضور المحاكمة أو لغير ذلك ،يشرف رئيس
المحكمة على التأكد من صحة شكل االستدعاءات وفق مقتضيات الفصل 31من مدونة المسطرة
المدنية ،من خالل إلزام مصلحة كتابة الضبط باستعمال نماذج معدة لذلك .ففي نموذج ورقة االستدعاء
يقوم المحرر المكلف بكتابة االستدعاءات التي صدر بها األمر بوضع اسم و نسب المدعي و المدعى
عليه ،كما عنوان كل منهما و مهنته ،مع عنوان موطنه أو مقر إقامته .و في خانة مخصصة يبين
موضوع الدعوى و المحكمة التي تبت فيه ،كما تاريخ و ساعة الحضور ،مع التنبيه إلى وجوب اختيار
موطن في مقر المحكمة عند االقتضاء.
117
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما القضايا االجتماعية المتعلقة بحوادث الشغل و األمراض المهنية فيجب أن يتضمن االستدعاء
فيها لحضور جلسة المحاكمة ،باإلضافة لما سبق ،بيان اسم و عنوان المصاب أو ذوي حقوقه و اسم
المشغل و المؤمن و كذا تاريخ و مكان الحادثة ،أو تاريخ و مكان التصريح بالمرض المهني.
في كل هذه الحاالت ،يجب أن يوضع صك االستدعاء في غالف مختوم ال يحمل إال االسم الشخصي
والعائلي مع عنوان سكنى الطرف و تاريخ التبليغ ،متبوعا بتوقيع العون و طابع المحكمة.
المطلب الثاني :طريقة التبليغ
تحت طائل بطالن إجراء االستدعاء و دخوله في حكم العدم ،ما يترتب عنه بطالن الحكم الصادر
في قسم قضاء القرب ،أو غيابيته فيما سوى ذلك من األقسام و الغرف بالنسبة لالستدعاء لحضور
جلسة المحاكمة ،يوجب القانون تبليغ االستدعاء للمعني باألمر شخصيا أو في موطنه أو محل إقامته.
في حين ذلك يتم استدعاء الطرف غير معروف الموطن و ال محل اإلقامة وفق نظام مختلف.
الفرع األول :االستدعاء في عنوان معروف
عمال بأحكام الفصل 32من مدونة المسطرة المدنية فإنه متى كان للمدعي أو المدعى عليه عنوان
معروف لموطنه الرسمي أو المختار ،أو محل إقامته ،أو مكان عمله أو أي مكان يتواجد فيه ،فإنه
يجوز أن يتم تبليغ االستدعاء إليه شخصيا أو في موطنه؛ و يدخل التبليغ في الحالتين بفعل ذلك في حكم
الشيء الناجز.
أما تسليم االستدعاء للمعني باألمر شخصيا ف يتم عبر مناولته له في يده من طرف عون من أعوان
مصلحة كتابة الضبط ،أو أعوان السلطة اإلدارية ،أو حتى السلطات القنصلية و سعاة البريد ،حسب ما
إذا تم التبليغ بالطريق القضائي أو اإلداري أو الدبلوماسي ،مباشرة أو بواسطة البريد مضمون
الوصول.
و يتم التبليغ للشخص في موطنه عبر نفس أحد هذه الطرق لكن بشكل مختلف وفق أحكام الفصل
33من مدونة المسطرة المدنية.
يدخل في حكم الموطن طبقا لهذا الفصل بجانب الموطنين الرسمي و المختار ،مكان اإلقامة ،و محل
العمل ،و كذلك المكان الذي يتواجد فيه المعني باألمر ب انتظام ،و حيث يمكن للسلطة الوصول إليه .فقد
يتعلق األمر بمجال للترحال بالنسبة للبدو الرحل ،أو لالحتماء بالنسبة لألشخاص المشردين؛ علما أن
السلطة القضائية تستعين في التعرف على هكذا موطن بالسلطة اإلدارية ممثلة في الشيوخ و المقدمين
عبر القياد و الباشوات و الخلف اء ،بالتماس المساعدة إن اقتضى الحال من رجال الدرك الملكي.
و يدخل في حكم تسلم االستدعاء في موطن الشخص ،حالة رفض الشخص المعني باألمر نفسه
استالم االستدعاء المبلغ إليه من طرف عون المحكمة أو الشيخ أو المقدم أو عون السلطة القنصلية ،و
كذلك حالة رفضه استالم الرسالة المضمونة الوصول من ساعي البريد .غير أنه حتى يدخل التبليغ في
حكم الناجز يجب على كاتب ضبط المحكمة أن يقوم بتجديد االستدعاء في كل هذه الحاالت بواسطة
رسالة مضمونة الوصول ليعتبر االستدعاء بعد ذلك مسلما تسليما صحيحا للمعني باألمر في موطنه
ابتداء من اليوم العاشر الموالي لرفضه تسلم الرسالة المضمونة الوصول تلك.
يدخل كذلك في نفس هذا الحكم حالة قبول أي شخص ،ممن يتواجدون مع المعني باألمر في موطنه،
تسلم االستدعاء عنه ،علما أن ساعي البريد ال يملك صالحية تسليم الرسالة المضمونة الوصول لغير
الشخص الموجهة إليه بعينه.
يمكن بالتالي لعون كتابة الضبط في طريقة التبليغ القضائي ،كما لشيخ الحومة أو المقدم في الطريقة
اإلدارية ،و لعون السلطة القنصلية المنتصبة في الخارج طبقا للقانون الدولي ،إنجاز مهمة تبليغ
االستدعاء للشخص في موطنه بتسليم ظرف االستدعاء لشخص يعرفون أنه على اتصال دائم به في
موطنه بسبب عالقة قرابة أو عمل ،أو رفقة سفر أو حتى رفقة تشرد ،على أن يتم اإلشهاد على ذلك
كتابة.
و يقع اإلشهاد بواسطة شهادة من نسختين متطابقتين ،يسلم العون إحداهما للشخص الذي استلم
الظرف ،و ثانيهما تحفظ لدى كتابة الضبط في محضر الدعوى.
تقام هذه الشهاد ة على نموذج جذاذة معدة لذلك فيها خانة مخصصة لتوقيع المستلم للظرف ،مع بيان
التاريخ و االسم و النسب ،كما الصفة الرابطة بينه و بين المعني باألمر .فإن كان عاجزا عن التوقيع،
أشار العون إلى ذلك فوق صلب الجذاذة.
118
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما إذا رفض الشخص التوقيع رغم قدرته عليه ،فال يحق للعون تسليمه الظرف ،و كذلك يجب على
العون االحتفاظ بظرف االستدعاء القضائي إن عبر كل المتواجدين في موطن المعني باألمر عن
رفضهم تسلمه عنه .ليس على العون في هذه الحالة إال االشارة إلى ذلك في شهادة التبليغ و إعادة
المظروف مرفقا بها إلى كتابة الضبط.
لقد عالج ا لقانون كذلك حالة عدم عثور العون المكلف بالتبليغ وفق أي طريقة من الطرق على أي
شخص في موطن المعني باالستدعاء .يقضي الفصل 33المذكور أنه في هذه الحالة يجب على العون
أن يلصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ ،و أن يشير إلى ذلك في الشهادة التي
ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المصدرة لالستدعاء.
و مثل الشأن بالنسبة لرفض المعني باألمر تسلم االستدعاء بنفسه ،ال يحول رفض المتواجدين معه
في موطنه تسلم الظرف عنه ،أو تغيبهم وقت حضور العون إليهم ،دون إنجاز إجراء االستدعاء.
بالفعل يدخل هذا االجراء في حكم الشيء المنجز بعد تجديد االستدعاء بواسطة رسالة مضمونة
الوصول يبعثها كاتب الضبط للمعني باألمر ،و مرور أجل عشرة أيام على رفضه تسلمها؛ على أنه
يجوز للقاضي المقرر أو المكلف بالقضية تمديد هذه اآلجال و حتى األمر بتجديد االستدعاء لمرات غير
محدودة ،بل و األمر بفتح تحقيق في صحة العنوان المنسوب للمعني باألمر .فإن تبين أن له عنوانا
مختلفا تم التواصل معه فيه ،و إن اتضح أن عنوانه مجهول تم اتباع مسطرة مختلفة للتبليغ تقضي
بوجوب استعمال قيم لتلقي االستدعاء.
الفرع الثاني :االستدعاء بواسطة القيم
مراعاة حق كل شخص في التقاضي عن نفسه بصفة مدع أو مدعا عليه ،و حفظ هذا الحق في كل
الظروف ،يستوجب بقوة القانون من المحكمة تعيين قيم لكل شخص وجب عليها استدعاؤه و لم تجد له
عنوانا معروفا من أجل ذلك.
و يدخل في حكم ذلك كل شخص معروف الهوية تعذر على المحكمة الوصول إليه لعدم توفره على
موطن رسمي أو اختيار ي ،و ال على محل إقامة معروف أو مكان عمل أو حتى مجال تواجد دائم يمكن
العثور فيه عليه ،أو على أشخاص يمكنهم ربط الصلة به.
قد يكون ذلك هو حال الشخص الذي رفع الدعوى كما حال الذي رفعت ضده ،و قد يكون كذلك حال
من كان له عنوان معروف وقت رفع الدعوى ،ثم صار غير معروف من بعد بسبب طرد أو إفراغ أو
تشريد.
مهما يكن ،فإن القاضي المكلف بالقضية ملزم بالتأكد من سبب رفض المعني باألمر استالم
االستدعاء ،فال يعتبر عدم االستالم رفضا بالمعنى الحقيقي إال إذا ثبت وجود الشخص أو من يربط به
االتصال في العنوان المستعمل .أما إذا اتضح أن سبب عدم التسلم هو الغيبة ،الشيء الذي يفترض معه
أن المعني باألمر يجهل واقعة االستدعاء ،وجب على القاضي أن يعين قيما يتولى مهمة تلقي
االستدعاء بدال عن هذا األخير.
و في هذا الشأن تنص الفقرات 1،9و 2من الفصل 33المذكور أنه ( :يعين الق اضي في األحوال
التي يكون فيها موطن أو محل إق امة الطرف غير معروف عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه
االستدعاء.
يبحث هذا القيم عن الطرف بمساعدة النيابة العامة و السلطات اإلدارية و يقدم كل المستندات و
المعلومات المفيدة للدف اع عنه دون أن يكون الحكم الصادر نتيجة القيام بهذه اإلجراءات حضوريا.
إذا عرف فيما بعد موطن أو محل إق امة الطرف الذي كان يجهل موطنه ف إن القيم يخبر بذلك الق اضي
الذي عينه و يخطر الطرف برسالة مضمونة عن حالة المسطرة و تنتهي نيابته عنه بمجرد القيام بذلك).
مفاد ذلك أن القيم المتلقي لالستدعاء مخول ليس فقط الستالمه و البحث عن المعني به ،بل و كذلك
لتمثيل هذا األخير في جلسات المحاكمة دون أن يترتب عن ذلك امتالك الحكم الصادر صفة
الحضورية في مواجه ذلك المعني باألمر.
119
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي VII
تحدث بإسهاب عن كيفية تكوين مركز طرفي الخصومة القضائية في الدعوى المدنية؟
تحدث بإسهاب عن نظام استدعاء الطرفين في الدعوى المدنية ؟
تحدث بالتفصيل عما يتعلق بمثول الطرفين في الدعوى المدنية أمام المحكمة؟
الدرس التطبيقي VII
لخص الدرس النظري السابع في بضع سطور ؟
تمرن على كتابة استدعاء لطرفي دعوى مدنية للتطليق ضد زوج غير معروف الموطن و ال محل االقامة؟
تمرن على كتابة استدعاء لمدعى عليه معروف محل اإلقامة في المغرب ؟
تمرن على كتابة استدعاء لمدعى عليه معروف محل اإلقامة في الخارج ؟
120
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
منه أيضا أن يرفض منهما القاضي كل طلب جديدي ال عالقة له بموضوع النزاع؛ و أيضا أن يمنع
تعرض أي منهما للسب و القذف أو التهديد.
المبحث الثاني :شكل المناقشة القضائية
يتطلب ا لعمل بمبدأ المواجهة في المسطرة المدنية أن تكون المناقشة شفوية ،مباشرة بين الطرفين
أمام حضرة القاضي ،ما لم يشترط القانون فيها الكتابية ،فيقبل من الطرف الحاضر المضي فيها رغم
تغيب خصمه.
بل إن مدونة المسطرة تجعل من الصفة الشفوية و المباشرة للمناقشة بين الطرفين أمام القاضي
شرطا لصحة المسطرة في بعض المساطر الخاصة ،كما في حالة دعوى الطالق مثال و القضايا
االجتماعية مع القضايا التي يختص بها قسم قضاء القرب .ففي هذه الحالت جميعا يشترط القانون أن
تبدأ المسطرة بمحاولة صلح بين الطرفين ،الشيء الذي يقتضي مواجهة مباشرة بينهما.
خارج هذه الحاالت ،ال شيء يمنع القاضي المقرر كما المكلف بالقضية من أن يفتتح اجراءات
إعداد المسطرة أو القضية للحكم بإجراء مواجهة بين الطرفين لفسح المجال للمناقشة الشفوية و
المباشرة بينهما؛ و خالفا لمسطرة المحاكمة ،تتم المناقشة بين الطرفين عندئذ بمكتب القاضي في جلسة
مغلقة يحضرها بالضرورة ممثل لمصلحة كتابة الضبط يتولى تحرير محضر عنها.
سواء تمت المواجهة بين الطرفين في مرحلة إعداد القضية أو في مرحلة المحاكمة فإن التواصل
بينهما أيا كان ال يدخل في إطار المناقشة القضائية للقضية ،إال إذا تم في حضور القاضي المقرر أو
المكلف بالقضية و بحضور ممثل لمصلحة كتابة الضبط ،أو داخل قاعة الجلسة و على مرأى و مسمع
رئيس الجلسة خالل مرحلة المحاكمة.
فحتى يكون النقاش قضائيا في كل الحاالت ،ال بد أن يحرص كل طرف على جعل تواصله مع
الطرف اآلخر يمر عبر القاضي أو هيئة القضاة المشرفة عليه ،و أن يتأكد من حصول توثيقه من
طرف مصلحة كتابة الضبط.
مفاد ذلك أن يلتزم كل طرف بتوجيه خطابه للطرف اآلخر عبر القاضي المقرر أو المكلف بالقضية
في جلسة السماع اإلعدادي ،أو عبر رئيس الجلسة في جلسة المحاكمة.
ليس معنى هذا أن يقوم كل طرف بالتعبير عن موقفه بالقو ل الصريح ،بل يمكنه فعل ذلك بالسكوت
و االكتفاء بإعالن قبوله طلبات الطرف اآلخر.
أما إذا اختار الطرفان تصعيد النزاع فإن المناقشة القضائية تخضع ألصول الخصومة القضائية .من
أجل ذلك أوجب الفصل 13من مدونة المسطرة المدنية عليهما شرح نزاعاتهم باعتدال ،و ذلك معناه
قبل كل شيء أن ينضبط كل منهما لحضرة القاضي ،فيحرص على اللياقة المطلوبة في اللباس و
الحركة ،و ال يتكلم إال بعد تسلمه الكلمة من القاضي ،على أال يتشنج و يرفع صوته بالصراخ أو
استعمال كلمات نابية ،أو يخفضه فيتمتم لدرجة أن ال يقدر القاضي على سماعه.
سواء في جلسة مغلقة أو علنية ،تقتضي أصول المناقشة القضائية أال ينادي أي من الطرفين على
القاضي أو المحامي الممثل للطرف بغير صفته المهنية ،و أن ينظر إليه مباشرة حين مخاطبته دون
حاجة الستعمال ورقة يقرأ منها أقواله.
مهما كان ،تقتضي أصول المناقشة القضائية أن يشرع كل طرف بالتذكير بسبب الدعوى و وسيلتها
القانونية مع الموضوع بالنسبة إليه سواء كان طلبا أو دفاعا .فإن قرر استعمال وسيلة جديدة للطلب أو
الدفاع ،وجب عليه إعالن ذلك للقاضي المشرف على المناقشة و طلب تسجيلها في محضر القضية.
الفصل الثاني :وسائل الطلب
يستبعد الدارسون الطلب األصلي من وسائل المناقشة القضائية ألنه يستعمل إلدخال الدعوى إلى
المحكمة و ليس إلدارة النقاش في القضية.
أما الطلبات التي تستعمل وسائال في النقاش فقد ميز القانون بين نوعين منها هي الطلبات العارضة
في الدعوى بالمقارنة مع الطلب األصلي ،و الطلبات الفرعية بالمقارنة مع الطلب األصلي و مع
الطلبات العارضة.
المبحث األول :الطلبات العارضة
تميز مدونة المسطرة المدنية بين ثالثة أنواع من الطلبات العارضة هي الطلب المقابل و اإلضافي و
طلب إدخال الغير في الدعوى.
121
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
122
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
في الدعوى ،و إنما يتم تجاهله في جلسة المناقشة القضائية .غير أن ذلك ال يمنع القاضي من إصدار
األمر بتسجيله كطلب أصلي لدعوى مستقلة ،في حال إلحاح صاحبه على االستمساك بالمحكمة من
أجله.
أما الطلب اإلضافي ذو الصلة بالقضية ،و الذي يرقى لدرجة طلب مقابل من المدعي ردا على طلب
مقابل من المدعى عليه ،أو من هذا األخير ضد طلب مماثل من األول ،فال تكون المحكمة ملزمة
بالنظر فيه بدل الطلب األصلي أو المقابل األول ،و إنما تعتبره طلبا فرعيا يتم النظر فيه بعد الحسم في
الطلبين األصلي و المقابل.
المطلب الثالث :طلب إدخال الغير في الدعوى
تجنبا للخلط بين أحكام المسطرة المدنية المشتركة و المساطر المدنية الخاصة ،يجب الفصل بين
موضوع طلب إدخال الغير في الدعوى بطلب عارض ،و بين طلب الغير التدخل في الدعوى بطلب
أصلي منه.
كما هو ظاهر من عنوانه ،يعني إدخال الغير في الدعوى جعل هذا الغير معنيا بها كطرف فيها،
حتى يكون الحكم الصادر فيها حجة عليه .و لعل السبب في ذلك أوال و آخرا هو طبيعة األثر النسبي
للحكم القضائي؛ فحجية هذا األخير ال تسري في غير مواجهة أطراف الدعوى.
ألجل ذلك كان من حق كل شخص يجد مصلحة للتدخل في الدعوى قصد االستفادة من حجية الحكم
المحتمل صدوره أن يطلب التدخل .و في الوقت نفسه يكون من مصلحة كل طرف إدخال أي شخص
في الدعوى ،متى رأى أن من المصلحة جعله ملزما بالحكم المنتظر صدوره.
تدخل الغير في الدعوى الذي يكون بطلب أصلي منه يتبع نظاما خاصا تبينه أحكام الفصل 111من
مدونة المسطرة المدنية بصفة مجملة تفصلها فصول أخرى من نفس المدونة.
من ذلك أن طلب المتدخل ينتج دعوى تكون محل ضم للدعوى األصلية ،ما لم يتم تقديم طلب
التدخل بعد وضع القضية في المداولة.
أما إدخال الغير في الدعوى فيتم بناء على طلب عارض يتقدم به أحد الطرفين في الدعوى أو بأمر
من تلقاء نفس المحكمة.
من ذلك مثال طلب أحد الطرفين إدخال شخص غير ممثل في الخصومة إلى الدعوى لتمكين
المحكمة من االطالع على ما لديه من وثائق و مستندات مرتبطة بموضوع القضية .و منه أيضا طلب
إدخال الغير لتنفيذ التزامه بضمان التعرض في مواجهة الطرف اآلخر ،أو لتنفيذ التزامه بضمان الدين
بصفته كفيال.
و في غير الحاالت التي يلزم فيها القانون المحكمة إدخال النيابة العامة في الدعوى كطرف منضم،
للقاضي المقرر أو المكلف بالقضية ،كما لرئيس جلسة المحاكمة ،أن يأمروا تلقائيا بإدخال الغير في
الدعوى لفائ دة تحقيق العدالة ،كما هو الشأن مثال عند حيازة المعني باألمر مستندات و وثائق متعلقة
بالقضية ،أو امتالكه صفة تؤهله للتدخل في القضية كالوريث مثال.
المبحث الثاني :الطلبات الفرعية
افتتاح الدعوى بتقديم طلب أصلي كما مواجهة طلب المدعي بتقديم طلب مقابل عند االقتضاء ،ال
يعني أن موضوع الطلب في الحالتين يجب ان يكون وحيدا .فالقانون ال يمنع صاحب الطلب االفتتاحي
كما صاحب الطلب المقابل من تقديم طلبات متعددة ،شريطة ان ترتبط بنفس الموضوع.
تكون الطلبات المتعددة من نفس الطرف في المقال أو التصريح االفتتاحي ،او في رد الدفاع ،مرتبة
بالضرورة حسب األولوية ،فيكون أحدها هو المعتبر أصليا و األخرى فرعية.
غير أنه عكس الطلبات المضافة ال تكون الطلبات الفرعية بالضرورة مقدمة بالتبعية للطلب األصلي
بحيث تسقط بسقوطه .تقديم طلب التطليق للضرر مثال ،مضافا لدعوى ثبوت الزوجية يسقط بالتبعية
لرفض الطلب األصلي متى ثبت انعدام عالقة الزوجية.
أما تقديم طلب فرعي بالتطليق للشقاق النعدام بيت للزوجية بجانب طلب الحصول على بيت مستقل
للزوجية في حال رفض التطليق ،فال يسقط أحدهما بسقوط اآلخر .إذ يمكن للمحكمة أن تحكم على
الزوج بتوفير بيت الزوجية المستقل رغم رفض طلب الزوجة التطليق للشقاق.
و ليست الطلبات الفرعية هي وحدها التي تقدم إلى المحكمة في الطلب االفتتاحي أو المقابل ،و إنما
تقدم بجانبها أيضا الطلبات الملحقة ،و هي المتعلقة بالطلب األصلي من غير أن تكون بديال له ال تسقط
123
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بسقوطه ،و ال هي مضافة إليه تسقط بسقوطه .ذلك انها تكون مرتبطة بموضوع الدعوى مهما تعددت
الطلبات الفرعية بتعدد االسباب و الوسائل المستعملة.
من ذلك على الخصوص طلب الحكم على الخاسر بمصاريف الدعوى كاملة دون قسمتها بين
الطرفين.
الفصل الثالث :وسائل الدفع
الدفع مطلقا هو بدل الجهد لتحويل موضع الشيء؛ و في اصطالح المرافعات القضائية يقصد به
التماس أحد الطرفين من القاضي رد ادعاء الطرف األخر باستعمال وسيلة مجْ ِزئَ ِة في ذلك.
و حيث انه مع اشتداد نشوب الخصومة يصبح موضوع الدعوى بالنسبة لكل طرف هو مطالبة
المحكمة بعدم االستجابة الدعاءات الطرف اآلخر ،فإن الدفع ال يكون من جانب المدعى عليه وحده ،و
إنما من الطرفين كل من جهته.
ألجل ذلك وضع القانون في متناول األطراف وسائال للدفاع منها ما ال يليق لغير المدعى عليه ،و
هي الطلب المقابل الذي تمت دراسته أعاله ،و الدفع برد األساس الذي يسميه الشراح دفوعات
موضوعية؛ و الدفع برد القانون الذي هو دفع بعدم الدستورية ،و الدفع بعدم القبول الذي هو رد صحة
الدعوى أو سالمة المسطرة.
من وسائل الدفع المتاحة للطرفين الدفع بالزور الفرعي مع الدفوع المسطرية التي منها الدفع بعدم
االختصاص و باالرتباط و االزدواج ،كما الدفع بطلب التأجيل و الدفع بالبطالن.
المبحث األول :رد األساس
نبادر إلى القول بخصوص هذ االسم الغير معتاد عند الشراح ،أن الدافع إلى استعماله هو الحرص
على استعمال اللغة لتبليغ الفكرة ،و ليس لوصف الصورة ؛ علما أن تلقي الذهن للصورة الموصوفة
باللغة أو المجسدة بالنظير المادي أو بالمثل أو الشبيه ،ال تغني عن فهم الفكرة المنطوية فيها .فاللغة
تستعمل لتحميل األفكار و الصور ،و الفارق بين العلماء و غير العلماء أن هؤالء يستعملونها لتحميل
الصور في حين يجب على أالئك الحرص على استعمالها لتحميل األفكار.
مهما كان ،فإن الدفع برد األساس أو ما يسميه الشراح دفوعات موضوعية ،هو الوسيلة المستعملة
للهجوم المضاد على المدعي في أساس موضوع طلبه .و هو متثمل في االدعاء بانعدام أساس الطلب
النعدام الحق القانوني في ممارسة الدعوى المدنية بشأنه.
فالرد من األساس معناه إنكار وجود الدعوى التي يظن المدعي أنه يستعملها لتقديم طلبه.
و كما سبق ذكره ،تتطلب الدعوى لوجودها توفر أربعة عناصر مجتمعة هي السبب و الوسيلة
القانونية و الموضوع المادي مع الخصومة القضائية .فال تثبت الخصومة ،و ال تتقدم و تتطور متى
تقدم المدعي بطلب سببه خالف نظري أو سياسي و ليس نزاعا حقوقيا .ترد الدعوى من األساس كذلك
لغ ياب عنصر السبب متى أثار كل ذي مصلحة الصفة الغير مشروعة للنزاع .من ذلك مثال أن تتدخل
النيابة العامة لطلب رفض النظر في الخصومة على ملكية شيء بين سارقين اختلساه من مالكه
الحقيقي.
ترد الدعوى من أساسها أيضا متى كان الطلب مفتقرا للوسيلة القانونية؛ و يحدث ذلك في حال انعدام
الحماية القانونية أصال للمصلحة التي يدعيها صاحب الطلب ،أو لعدم التزام القاضي بالقانون المستمدة
منه تلك الحماية .و ترد الدعوى من األساس كذلك متى كان موضوعها مستحيال أو غير قابل للتحديد،
أو كانت الخصومة القضائية فيها ال تنعقد بسبب حكم سابق حائز لقوة الشيء المقضي به مثال.
بهذه المناسبة تظهر الفائدة العملية من دراسة عناصر الدعوى ،و من تمييز ذلك كله عن شروط
الصحة .ففي هذه الوسيلة ال يجادل المدعى عليه في صحة الدعوى و إنما في وجودها أصال ،مطالبا
المحكمة برفض طلب المدعي جملة و تفصيال.
من ذلك مثال أن يدفع المدعى عليه في قضية نفقة الزوجة بانعدام الوسيلة القانونية لبطالن عقد
الزواج ،أو حتى انعدام عالقة الزوجية .منه أيضا أن يدفع رب العمل في قضية طرد تعسفي ،بانعدام
الطرد لكون الفصل عن العمل كان حال لعقد العمل في مرحلة االختبار داخل المدة القانونية المسموح
بها لذلك.
يعد من قبيل الدفع بالرد من األساس كذاك الدفع بالتقادم القانوني ،و عدم حلول األجل االتفاقي؛ و
أيضا حصول صلح أو وجود شرط التحكيم.
و حيث أن البحث في عناصر وجود الدعوى قد تقدم ،فإننا نحيل إليه تفاديا للتكرار.
124
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
125
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كل قانون أو مرسوم أو ظهير قبل صدوره ،و إنما تتدخل الجهة الدستورية الممثلة لقوة اإلجماع
الحقيقي بعد الصدور للقيام بالمراقبة في إطار مهام الحسبة العامة باسم األمة.
ألجل ذلك وجب التميز بين مسطرة الرد لعدم الدستورية عن طريق االستمساك بالمحكمة الدستورية
و مسطرة الرد لعدم المشروعية عبر االستمساك بمؤسسة إمارة المؤمنين.
المطلب الثاني :االستمسا بقضاة المحكمة الدستورية
تقتضي الترتيبات الدستورية أن يحسم الخالف حول شرعية القانون باللجوء إلى المحكمة
الدستورية لطلب الحكم بالمطابقة للدستور من عدمها .و يتم التمييز وفقا لنظام الدفوع الدستورية بين
التي تقام ضد مشاريع القوانين و أخرى تستعمل بعد صدورها.
على عكس مشاريع الظهائر الملكية ،كما مشاريع المراسيم الحكومية و كذلك مشاريع القرارات
التنظيمية للمجالس الجهات و الجماعات المحلية ،و التي ال سبيل للمحكمة الدستورية إلى مراقبة
مطابقتها للدستور ،تخضع مشاريع القوانين الصادرة عن البرلمان للرقابة القبلية من طرف هذه
المحكمة.
فكما هو معلوم ،يظل كل قانون قبل صدور األمر بتنفيذه و هو ما ال يتم إال بظهير يتم نشره بالجريدة
الرسمية في غضون شهر من تاريخه ،مجرد مشروع قانون حتى بعد مصادقة البرلمان عليه .و كما
هو مبين في الفصل 132أعاله ،يكون لكل من الملك و رئيس الحكومة و رئيس مجلس النواب و
رئيس مجلس المستشارين كما مجموعة خمس أعضاء مجلس النواب أو اربعين مستشارا االستمساك
بالمحكمة الدستورية لطلب إلغاء أي مشروع قانون تمت المصادقة عليه في البرلمان ،متى رأوا أن ذلك
تم ضدا على الترتيبات الدستورية المبينة في الدستور أو في القانون التنظيمي للبرلمان.
ال تملك المحكمة بموجب الفصل 132المذكور غير صالحية النظر في مطابقة مشروع القانون
للدستور و ليس مشروعيته .فمعنى المطابقة أن يصدر القانون وفق المسطرة الصحيحة و في ظل
احترام الصالحيات المخولة للبرلمان؛ إذ يفترض بالفعل أن البرلمان يملك الصالحية للتشريع في
المواد المخصصة له وفق الفصل 91من الدستور بما عليها من قيد التعريف في مجال الحقوق و
الحريات ،و قيد المساطر المبينة في القانون التنظيمي له.
يختلف الشأن بالنسبة للدفوع الدستورية المستعملة بعد صدور القانون .فأي قانون بالمعنى الواسع
للكلمة ،بات محال ممكنا للدفع الدستوري بعد صدوره باستعمال وسيلة عدم الدستورية كما هي مبينة في
الفصل 133المذكور .يصدق ذلك مبدئيا على عموم الظهير بما فيه الصادر بتنفيذ القانون الصادر عن
البرلمان ،و كذلك كل مرسوم حكومي و قرار وزاري ،و أيضا كل قرار تنظيمي صادر عن مجلس
جماعة محلية قروية أو حضرية ،أو عن مجلس جهة من جهات المملكة .بل إن المعنى الواسع للقانون
يعطي الصالحية للمحكمة الدستورية كي تنظر في قابلية العرف و الفقه و القضاء مع العادات االتفاقية
للتطبيق في النزاع من طرف المحكمة.
و هنا يثور االشكال حول محل مراقبة المحكمة الدستورية في القاعدة القانونية ذات المصدر
المباشر أو غير المباشر موضوع الرد .و الجواب على ذلك أن الصالحية للنظر في دستورية القانون
ال تنعقد للمحكمة الدستورية في غير ما نظمه الدستور شكال و موضوعا للقانون.
مفاد ذلك أنه ال يجوز الطعن أمام المحكمة الدستورية بعدم دستورية قاعدة قانونية تتخذ شكل
العرف ،أو الفقه أو القضاء أو العادات االتفاقية ،و إنما فقط القواعد التي تتخذ شكل نصوص تشريعية
صادرة بقانون من ال برلمان ،أو الئحة من مجلس جهوي أو جماعي ،أو مرسوم حكومي أو ظهير
ملكي ،هذا ما لم يقم واضعوا القانون الموضوعي المرتقب حول مسطرة الدفع بعدم الدستورية بتفسير
لفظ قانون في الفصل 133من دستور 23يوليو 2311بمعناه الضيق أي بمعنى القانون الصادر عن
البرلمان دون سواه.
بناء على ما سبق يمكن الدفع في الدعوى المدنية برد أي نص تشريعي لعدم الدستورية ،و يكون
للمحكمة الدستورية أن تؤكد صحة هذا الرد بإصدار قرار بعدم الدستورية و األمر بإلغاء ذلك النص و
لو كان من قبيل الظهير الملكي متى اختلف في الشكل أو الموضوع عما هو مطلوب في دستور 23
يوليو .2311
ذلك هو بالقطع حال كل الظهائر الملكية الصادرة قبل دستور 23يوليو 2311في مواد جعلها هذا
األخير من صالحيات البرلمان أو رئيس الحكومة؛ و كذلك الحال بالنسبة للقوانين التي صدرت عن
البرلمان من قبل خالفا للترتيب الجديد للصالحيات الدستورية ،و مثل ذلك بالنسبة للمراسيم الحكومية.
126
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فليس من قانون حائز لحجية المطابقة الدستورية بعد صدور دستور 23يوليو 2311و قبل صدور
القانون التنظيمي لمسطرة الدفع بعدم الدستورية إال الظهائر الصادرة بتنفيذ القانون الصادر من
البرلمان في ظل هذا الدستور.
هذه القوانين حائزة لحجة المطابقة الدستورية ألنها وحدها التي قبلت لألن تعرض على نظر
المحكمة الدستورية؛ وهي ال تقبل الدفع بعدم الدستورية الفتراض أن المحكمة رفضت هكذا طعن تم
عرضه عليها ،أو لعدم حصول اعتراض عليه أمامها قبل صدوره .أما المراسيم الحكومية ،و كذلك
القرارات الوزارية ،و القرارات التنظيمية لمجالس الجهات و الجماعات المحلية ،و أيضا الظهائر
بمثابة قانون غير التي تصدر بتنفيذ القانون الصادر عن البرلمان بعد 23يوليو ،2311فهي جميعها
محل طعن ممكن بعدم الدستورية متى كانت ستطبق في النزاع المعروض على المحكمة.
من جهة أخرى ،يستفاد من ظاهر نص الفصل 133أن الدفع بعدم الدستورية يتطلب علم الطرفين
مسبقا بالقانون الذي ستطبقه المحكمة و هو ما ال يعقل في القضايا المدنية.
صحيح أن المدعي ملتزم مسطريا ببيان الوسيلة القانونية التي يستعملها لرفع دعواه ،لكن المحكمة
تحتفظ لنفسها في مرحلة إعداد ال قضية للحكم كما في مرحلة المحاكمة بحق اختيار القانون المناسب
للتطبيق في القضية ،علما أن لكل طرف الحق في استعمال وسيلة قانونية مختلفة ،و ال تستطيع بسبب
ذلك ان تلزم نفسها بقانون معين تخبر عنه األطراف لتمكينهم من استعمال حقهم في الدفع بعدم
دستوريته.
فباألحرى ،تقتضي الواقعية في التعامل أن يكون من شروط الدفع بعدم الدستورية في الدعاوى
المدنية وجود حكم انتهائي صادر من المحكمة بتطبيق قانون معين ،فيتم الطعن فيه بعدم الدستورية
طلبا إللغائه .معنى ذلك ،ما لم يرى المشرع خالفه في القانون التنظيمي المرتقب ،أنه لن يكون محال
ممكنا للطعن بعدم الدستورية من األحكام المدنية سوى التي حازت قوة الشيء المقضي به ،و هي
الصادرة عن القضاة الجالسين في أقسام قضاء القرب و القرارات الصادرة عن محكمة النقض.
ال نريد استباق األحداث ،لكن بالنظر لما هو منصوص عليه في الفصل 133من الدستور بداللة
المطابقة فإن الطعن بعدم الدستورية يجب أن يكون محله القانون الذي يتم به حسم النزاع نهائيا أمام
القضاء .و ذلك معناه بداللة التضمن أن يستنفذ الطرفين طرق الطعن العادية و االستثنائية قبل اللجوء
إلى المحكمة الدستورية .فال يكون الطعن بعدم الدستورية بمناسبة حكم لقاضي القرب إال بعد الطعن فيه
بطلب اإللغاء أمام رئيس المحكمة االبتدائية .و مثل ذلك بالنسبة لألحكام االنتهائية التي تصدرها
المحكمة االبتدائية في حدود النصاب .بحيث ال يمكن قبول الطعن فيها بعدم الدستورية إال بعد الطعن
بطلب إعادة النظر من الطرفين أمام نفس المحكمة ،أو من طرف النيابة العامة باإللغاء أمام محكمة
النقض .و ال يمكن من جهة أخرى قبول الطعن بعدم الدستورية بمناسبة حكم ابتدائي فوق النصاب من
المحكمة االبتدائية إال بعد تعرضه للطعن باالستئناف أمام محكمة االستئناف و من بعد ذلك للطعن
بالنقض أمام محكمة النقض.
غير أنه يجب أن نتوقع اعتماد المشرع على مبدأ النصاب إلقصاء القضايا المعروضة على أقسام
قضاء القرب و كذلك التي ال تتجاوز قيمتها 23 333من اختصاص المحكمة الدستورية ،و ربما أيضا
قضايا األسرة لما لها من ارتباط بقانون الملل.
و كما هو معهود في مساطر الطعون ،ال بد أن يكون للطرفين أجل أقصى للدفع بعدم الدستورية ،و
أن يتم ذلك بعد تبليغهم الحكم االنتهائي تبليغا حقيقا أو حكميا ،مع جعل الصالحية في تحويل ملف
القضية لكتابة ضبط المحكمة التي صدر عنها الحكم االنتهائي إلى كتابة ضبط المحكمة الدستورية.
و نظرا لخطورة قضية عدم الدستورية ،فإنه من المتوقع كذلك أن لن يسمح باالستمساك بالمحكمة
الدستورية إال عبر محامين متخصصين يبين القانون التنظيمي للمحكمة شروط قبولهم لديها.
مهما يكن ،فإنه متى قبلت المحكمة الدستورية الدفع بعدم الدستورية و قضت بناء عليه بنسخ
المقتضى القانوني المصرح بعدم د ستوريته ،فإنه ال يترتب عن ذلك سوى فقدان الحكم المطعون فيه
حجية الشيء المقضي به .يكون بفعل ذلك من حق المعني باألمر تقديم دعوى جديدة للمطالبة بإزالة
آثار الحكم المبني على ذلك القانون المصرح بعدم دستوريته.
واضح أن ترك الدعوى الجديدة تتبع المسار العادي للمسطرة المدنية من شأنه إطالة عمر النزاع
بغير مبرر ،ألنه سيكون هناك حكم ابتدائي و آخر استئنافي و ثالث للنقض .ألجل ذلك نرى أنه قد يكون
127
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
من المصلحة جعل االختصاص للنظر في إعادة الحال لما كانت عليه للمحكمة الدستورية تحكم به في
نفس الحكم الذي تقضي به بعدم الدستورية.
المطلب الثالث :االستمسا بالمحتسب العام لألمة
ملك المغرب الموقر هو المحتسب العام لألمة الذي يجب االستمساك به من طرف كل من يهمه رد
أي قانون بل و أي حكم قضائي لعد المشروعية .و لفهم ذلك يجب التذكير بما سبقت اإلشارة إليه في
الدرس االفتتاحي بمناسبة القضايا الدستورية.
ذكرنا في هذا اإلطار أنه في ظل نظام حكم الملكية البرلمانية االسالمية ،ال يكون الملك مجرد رمز
لوحدة السلطة ينحصر دوره في تنفيذ المراسيم السيادية للدولة ،و ال يكون في الوقت نفسه سلطانا،
يتولى سلط التنفيذ و التشريع و القضاء كلها ،و ال ملكا مقيد الصالحيات الدستورية يتولى بعضا منها
في التشريع و التنفيذ و القضاء باالشتراك مع ممثلي الشعب ،و إنما يتولى مهام الحسبة العامة ،بموجب
قوة اإلجماع الحقيقي الذي يمثله بصفته أمير المؤمنين.
سلطة الحسبة العامة باسم األمة ال تخول لصاحبها صفة الحاكم ،فالمحتسب ال يشرع و ال ينفذ و ال
يقضي ،و إنما يراقب المشروعية باستعمال صفة عمومية و في حدود ما يسمح به قانون النظام العام
كما قانون الحضارة.
و قد نشأت هذه الوظيفة رسميا ألول مرة في اإلسالم على يد الخليفة عمر بن الخطاب ،و كانت
المرأة أول من توالها ممثلة في شخص الشفاء بنت عبد هللا العدوية ،التي نصبها عمر بن الخطاب
محتسبة على األسواق لمراقبة مشروعية المعامالت فيها .و قد حاول السابقون األولون من الراشدين
تمديد صالحيات المحتسب العام إلى جميع دار االسالم و في كل المواضيع عبر توسيدها إلى رئيس
الملة بعد فصل مهامه عن وظيفة رئيس األمة .تم ذلك بالفعل غداة اغتيال عثمان رضوان هللا عنه حين
أجمع أهل الشورى على مبايعة علي لتولي منصب رئاسة الملة بسلطات المحتسب العام لألمة انطالقا
من المدينة المنورة ،دون ترشيحه لتولى مهام إمارة األمة .فقد رشحوا بدال عنه لهذه األخيرة عائشة أم
المؤمنين لتتولى مهام إمارة األمة انطالقا من البصرة دون خروج من رئاسة علي و ال تنكر لواليته في
الحسبة العامة .بل إن صلحا حصل بين علي و عائشة رضي هللا عنهما على ذلك و كاد التعديل
الدستوري أن يكون ناجحا لول تكاثف الوصائيين من كل جانب إلجهاضه.
طيلة شتاء األنظمة الوصائية ،السلطانية و اإلمامية ،ظلت وظيفة الحسبة العامة منحصرة في مراقبة
مشروعية المعامالت داخل األسواق كما نشأت ألول مرة ،إلى أن تفتحت ورود الربيع االسالمي في
23يوليو 2311بالتعديل الدستوري الذي تطلع إليه السابقون األولون من الراشدين منذ أربعة قرنا
خلت.
تصديقا لقول رسول هللا صلى هللا عليه و سلم( ال تزال طائفة من أمتي في الغرب ظاهرين بالحق ال
يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة) أنجز القائمون على الشأن العام في إيالة أمة المملكة المغربية ما
وعدت به روح وثيقة 11يناير 1311من نظام ملكية برلمانية إسالمية ،فجاء الفصل بين وظيفة رئاسة
الملة بمهام المحتسب العام لألمة و بين وظيفة رئاسة الحكومة المستقلة مع البرلمان و المحاكم ،كل ذلك
في ظل نظام حكم ملكي.
ل قد استقل رئيس الحكومة المعين من الحزب الممثل للسواد األعظم من الشعب بطريق االنتخاب
بالسلطة التنفيذية ،و استقل النواب المنتخبون من الش عب في البرلمان بالسلطة التشريعية ،كما استقل
القضاة المستقلون الغير قابلون للعزل على غير مقتضى القانون بالسلطة القضائية في المحاكم؛ و مع
ذلك يظل جاللة الملك الموقر مهيمنا على المشهد بصفته رئيس الملة الملقب أمير المؤمنين و القائم
بمهام المحتسب العام .سبق أن ذكرنا أن لقب أمير المؤمنين مستعمل في اإلصالح عند المغاربة بمعنى
مضاد لمعنى لقب سلطان .و هو يفيد كما هو مستعمل في الفصل 11من دستور 23يوليو 2311
معنى رئيس الملة و ليس أمير األمة كما في االصطالح عند المشارقة.
الملك الموقر في ظل النظام البرلماني اإلسالمي ،مخول من طرف األمة بصفة رئيس الملة لمراقبة
مشروعية كل ما يحدث في إيالة األمة سواء منها و باسمها ،أو من األفراد كل على حدة .و قد فسر
الخليفة عمر بن الخطاب لرضوان هللا عليه ذلك بمقولته المشهورة (واهلل لو عثرت بغلة في أحد أزقة
البصرة لخفت أن يسألني اهلل عنها لمَ لم أعبد الطريق لها).
128
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
لعل ذلك ما يجب على إخوتنا المشارقة استيعابه لفهم سبب توقير المغاربة و إجاللهم لشخص الملك
مع أهل بيته ،و يجب على المسترومة خصوصا إدراك ذلك للكف عن االستهبال بمطالب النظام الملكي
الرموزي.
فبموجب سلطة اإلجماع الحقيقي لألمة الذي ال يمثلها غيره ،يحق لجاللة ملك المغرب بصفته أمير
المؤمنين في ظل النظام البرلماني ،التدخل تلقائيا لدرء المفسدة ،و تفادي مخالفة الشرع ،عن طريق
الدفع بعدم مشروعية أي عمل أو تصرف يعتزم المخزن الديمقراطي ،أو أي فرد من أي ملة كان القيام
به .له كذلك أن يتدخل بعد صدور التصرف بالسعي لحمل الجهات ذات الصالحية على إلغاء ذلك
التصرف و إزالة آثاره.
له ذلك في التعامل مع الحكومة و البرلمان من خالل رفض إصدار األمر بتنفيذ مشاريع القانون و
االعتراض على مشاريع المراسيم الحكومية و القرارات الوزارية في مجلس الوزراء ،بل و كذلك
الحق في اقتراح مشاريع القوانين و المراسيم و إسداء النصح للبرلمان و لرئيس الحكومة لكن دون
إلزامهم بالموافقة عليها .و في العالقة مع القضاء ،للملك أن يعترض على األحكام بتوجيه األمر إلى
وكالئه في المحاكم عبر وزير العدل أو حتى مباشرة ،و إن كان من األفضل أن يتم ذلك عبر وكيل
عام للمملكة ،لطلب انضمامهم إلى الدعوى و طلب الحكم فيها على نحو معين مع االحتفاظ بحق الطعن
بالنقض في الحكم للبطالن بسبب مخالفة القانون المؤسس عمال بمقتضيات الفصل 321من مدونة
المسطرة المدنية.
أما في العالقة مع اإلدارة العمومية فللملك كذلك حق رفض التعيينات المقترحة و توجيه رؤساء
المصالح إلى تأديب الموظفين المخالفين ألخالقيات الوظيفة العمومية ،و أيضا وكالئه في المحاكم
لتحريك الدعاوى ضدهم إن اقتضى الحال .للملك الموقر بصفته المحتسب العام لألمة كذلك الحق في
توجيه الرسائل إلى الوالة و العمال لطلب اعتراضهم على مشاريع القرارات التنظيمية للمجالس
المحلية و الجهوية التي يراها مفتقرة للمشروعية و مثل ذلك أيضا بالنسبة لتصرفات الخواص .له من
جهة أخرى أن يطلب من ممثلي النيابة العامة في المحاكم اإلدارية رفع الدعاوى اإلدارية للمطالبة
بإلغاء القرارات اإلدارية المعتبرة غير مشروعة .و في حال شغور البرلمان أو الحكومة أو المحكمة
الدستورية ،له أن يتولى نيابة عنها كلها أو بعضها ممارسة الصالحيات الدستورية على أن يستعملها
فقط لتمكين األمة من اعادة تلك المؤسسات للعمل وفق الترتيبات الدستورية و ليس لتعليق العمل بهذه
األخيرة.
على هذا األساس يفهم الفصل 93من الدستور الذي يسمح بإعالن حالة االستثناء ،و يفهم العرف
الدستوري الذي يخول للملك حق السيطرة على أجهزة المخابرات و القوات المسلحة لألمة .فمن أجل
تمكين الملك الموقر من النهوض بمهام الحسبة العامة لألمة ال بد من توفره على وسائل القوة التي
تضمن له القدرة على التصرف بفعالية عند الضرورة.
و لعله من حسنات بقاء أجهزة المخابرات مع مؤسسة القوات المسلحة تحت سيطرة أمير المؤمنين
دون الحكومة و ال البرلمان أن باتت األمة المغربية تتوفر على ضمانة لحياد و مهنية هذه األجهزة و
القوات ،مع عدم تسيسهما ،علما أن خالف ذلك هو ما بات يشكل عنوان التخلف السياسي في العالم
الحديث.
أما بخصوص القضايا المدنية فإنه يمكن لكل طرف أن يلتمس من جاللة الملك التدخل لمراقبة
مشروعية القاعدة القانونية التي يحسم النزاع طبقها أيا كان شكلها و مصدرها .ال يمنع من ذلك أن
تكون عرفا أو فقها أو قضاء أو عادة اتفاقية ،أو حتى قد صدرت في شكل نص تشريعي من البرلمان أو
غيره و حازت حجية مطابقة الدستور بحكم من المحكمة الدستورية.
كانت الطلبات من هذا النوع تتم تقليديا بطريق الشكوى إلى الديوان الملكي حيث يتم النظر فيها من
طرف السلطان بمناسبة الخصومات مع رجال المخزن و نسائه؛ غير أنه في ظل نظام الملكية
البرلمانية لم يعد للملك صالحية محاكمة رجال المخزن و نسائه بل صار ذلك من اختصاص المحاكم.
فمن كانت له خصومة مع المخزن ليس له سوى سبيل االدعاء عليه أمام القضاء .بل إنه حتى مؤسسة
ديوان المظالم التي اتخذت شكل مؤسسة الوسيط لم تعد ذات الصالحية للنظر في طلبات مراقبة
المشروعية علما أنها ليست جهة قضائية.
بالنسبة لديوان المظالم الذي تحول بمقتضى الفقرة الخامسة من ديباجة الظهير شريف رقم 1.11.29
صادر في 12من ربيع اآلخر 1132موافق 19مارس 2311بإحداث مؤسسة الوسيط ،إلى مؤسسة
129
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الوسيط ،فإنه يعد مؤسسة مستقلة عن الديوان الملكي تتبع باألحرى للمجلس االستشاري لحقوق
االنسان .و خالفا لما كان عليه الشأن في ظل النظام السلطاني ،لم تعد للوسيط صالحية النظر في
خصومات المواطنين ضد رجال المخزن و نسائه ،قصد الفصل فيها بتفويض قضائي من السلطان ،و
إنما فقط للتوسط لدى الجهات اإلدارية المشتكى عليها التماسا لعدولها عما قد يبدر عنها من تعسف.
من الالفت للنظر أن الظهير المذكور أعاله ،و الذي يمكن الطعن فيه بعدم الدستورية متى تم العمل
به لحسم أي نزاع قضائي ،ال يعطي للوسيط صالحية رفع الشكايات التي يتلقاها إلى الديوان الملكي،
الشيء الذي يعني أن مؤسسة الوسيط ليست من قنوات االستمساك بمؤسسة إمارة المؤمنين.
واضح أن هذا التحول على مستوى مؤسسة ديوان المظالم المعروف كذلك بديوان الشكايات ،يحدث
فراغا دستوريا على مستوى قنوات التواصل المباشر بين الملك و المواطنين لطلب ممارسة الرقابة
على المشروعية.
لعله من العبث االستمساك بالمؤسسة الملكية طلبا لمراقبة الشرعية ألن تلك صالحية باتت منعقدة
للمحاكم اإلدارية و المحكمة الدستورية .غير أنه ليس من حق الديوان الملكي رفض اإلمساك بأي طلب
المراقبة القبلية أو البعدية لمشروعية أي حكم أو قانون أو قرار أو تصرف عام أو خاص.
ال نريد استباق األحداث ،لكن استكمال بناء المؤسسات الراشدة للمملكة سيقتضي االنكباب على هذه
القضية .فحيث أنه ال يجوز فتح باب االشتكاء إلى الملك في موضع االدعاء القضائي على من يخالف
القانون ،و أنه في الوقت نفسه ال يجوز منع طلب المراقبة على مشروعية األعمال و التصرفات العامة
و الخاصة ،فإنه سكون من الضروري توضيح موقف المجلس العلمي األعلى و المجالس المحلية
التابعة له في هذا الشأن.
و حيث أن المجلس العلمي األعلى مع فروعه يقوم مقام مجلس أهل الشورى ،فإنه ينبغي له أن يكون
صا حب الصالحية لتشكيل قناة االستمساك بالمؤسسة الملكية لطلب مراقبة المشروعية .صورة ذلك أن
تقدم إلى المجلس ال شكوى بعدم مشروعية أي قانون أو حكم أو قرار أو تصرف بما في ذلك الظهائر
الصادرة عن الملك ذاتها ،مع التماس النظر في عدم صحتها طبقا للشرع .يفترض ذلك أن أعضاء
المجلس األعلى أو الجهوي حسب األحوال يقومون بالتحقيق في الموضوع و اتخاذ قرار لن يخرج عن
أن يكون بإجماع حقيقي أو حكمي .فإن اتفق األعضاء على قول واحد كان أجماعهم حقيقيا و قام بمثابة
الحقيقية الملزمة للجميع بمن فيهم أمير المؤمنين ،الشيء الذي يترتب عنه التزام المحتسب العام بالسعي
لدى المخزن قصد إلغاء القرار أو الحكم أو الظهير أو التصرف المطعون فيه ،أما إذا كان القرار
باألغلبية فإنه يجعل المجلس ملزما بالتماس تدخل ملكي إلعادة النظر في صحة الحكم أو التصرف أو
القانون و الظهير المطعون فيه ،و يكون للملك حق التحفظ على ذلك الملتمس.
لعل ذلك يتطلب العمل بترتيبات تعطي للمجلس العلمي مصداقية تمثيل جمهور العلماء بطريق
االنتخاب منهم ،و كذلك الحق لكل ذي مصلحة الستئناف قرارات المجالس المحلية أمام المجلس
العلمي األعلى.
المبحث الثالث :الدفع بعدم القبول
ينفع الدفع بعدم القب ول بدل طلب الرد من األساس كما رد القانون ،متى كان القانون المطلوب تطبيقه
سليما من حيث الشرعية و المشروعية ،و كانت الدعوى متوفرة على أركان الوجود لكنها مفتقرة
لشروط الصحة ،أو كانت المسطرة معيبة ال تتوفر فيها شروط السالمة.
سبق أن تعرفنا على شروط الصحة ،و يبقى أن نعلم بأن المسطرة تفتقر لشروط السالمة في حالة
عدم انعقاد االختصاص للمحكمة ،و كذلك عند ارتباط دعويين أو أكثر بنفس القضية و أيضا في حالة
االزدواج.
تقوم وسيلة الدفع بعدم القبول على مبدأ حق المدعى عليه في االستفادة من األحكام المتعلقة بشروط
صحة الدعوى و سالمة المسطرة من عيوب عدم االختصاص و االزدواج أو االرتباط.
بمناسبة هذا الموضوع تظهر كذلك الفائدة العملية من تمييز شروط الصحة عن شروط وجود
الدعوى ،و نحيل إلى ما سبق بشأنها أيضا لتفادي التكرار.
من جهة أخرى ،ننبه إلى أنه عكس ما يوحي به ظاهر الفصل 13من مدونة المسطرة ،ال يجوز
جزم القول أن إثارة الدفع بعدم القبول لغياب شروط صحة الدعوى أو لعدم سالمة المسطرة بسبب حالة
ازدواج أو ارتباط يجب أن يتم في بداية المسطرة.
130
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فالدفع بعدم القبول الواجب إثارته في بداية المسطرة منحصر في األسباب التي تم النص على
تقييدها بذلك صراحة و هي عدم االختصاص .في ذلك ينص الفصل 11من مدونة المسطرة المدنية أنه
( :يجب على األطراف الدفع بعدم االختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دف اع ).أما الفصل 13
المذكور فينص أنه ( :يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دف اع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على
محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو الرتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإال كان الدفعان
غير مقبولين).
بداية يجب االنتباه إلى أن الفصل 11يمنع الدفع بعدم االختصاص بعد كل دفع أو دفاع ،الشيء الذي
يستوجب حدوثه في بداية المسطرة .أما الفصل 13أعاله فيمنع الدفع بعدم القبول فقط بعد الدفاع في
الجوهر .و حيث أن من وسائل الدفع ما يمكن استعماله بعد الدفاع في الجوهر كما هو حال الدفع بعدم
القبول فإن المبدأ العام هو أن الدفع بعدم القبول جائز بعد انطالق مناقشة القضية ما لم يمنعه القانون
بنص خاص.
وحيث أن الدفع بعدم اال ختصاص داخل في عموم الدفع بعدم القبول غير أنه تم تخصيصه بحكم
المنع بعد انطالق مناقشة القضية ،يمكن القول أن القيد الوارد على الدفع بعدم القبول في الفصل 13
المذكور خاص به دون سواه.
يجب االعتراف فعال بأن المشرع لم يخصص في النصوص حكما لحالة الدفع بعدم القبول للبطالن
بسبب انعدام شروط الصحة أو عدم توفر عناصر الوجود ،و خصص أحكاما فقط لحاالت انعدام
االختصاص كما حالت االرتباط و االزدواج .و حيث أن السياق من اللحاق ،فإن القيد المتعلق بوقت
إثارة الدفع ال يعني سوى الحاالت التي تم تخصيص أحكامها و هي الدفع بعدم القبول لعدم االختصاص
و الدفع باإلحالة أو تعليق النظر لالرتباط أو االزدواج.
ألجل ذلك نظن أنه في غياب نص خاص يمنع المدعى عليه من إثارة قضية بطالن الدعوى
المرفوعة عليه النعدام أركان الوجود أو شروط الصحة بعد الشروع في مناقشة مطالب هذا األخير و
إلى غاية وضع القضية في المداولة ،فإنه ال مانع من إثارة الدفع بعدم القبول لالزدواج أو االرتباط في
أي وقت شرط أن يكون قبل أي دفع أو دفاع في الجوهر.
المبحث الرابع :الطعن بالزور الفرعي
يجب الحذر من االنجرار خلف التصميم المتبع من طرف المشرع في تناول موضوعات المسطرية
المدنية ،و اعتبا ر الطعن العارض بالزور الفرعي وسيلة من وسائل التحقيق في الدعوى و ليس من
وسائل الدفاع المتاحة للطرفين.
فخالفا لما قد يظنه الكثيرون ،ليس الطعن بالزور الفرعي كطلب تحقيق الخطوط؛ حيث أنه ال
يستعمل إال للطعن في صحة المستندات القابلة للتزوير وفق القانون الجنائي و هي الوثائق الرسمية
حصريا .أما الطعن بالتزوير في الوثائق العرفية فيدخل باألحرى في باب الدفوع المسطرية من خالل
طلب تحقيق الخطوط ،و يعتبر بالتالي من وسائل التحقيق القضائي أكثر منه وسيلة للدفع أو الدفاع.
حيث أنه يفترض في طلبتنا األعزاء أنهم تلقوا العلم المتعلق بأحكام التصرف الموثق في الشكلين
الرسمي و العرفي ،فإننا نتخطى هذا الموضوع و نكتفي بالقول أنه عمال بأحكام الفصل 99من مدونة
المسطرة ،و خالفا لتحقيق الخطوط ،ال تملك المحكمة إثارة قضية الزور الفرعي تلقائيا؛ و إنما يجب
أن تتلقى بذلك طلبا من النيابة العامة بصفتها طرفا منظما في القضية ،أو من أحد الطرفين طبقا للفصل
32من مدونة المسطرة المدنية.
الزور المقصود في هذه الفصول هو المعرف في مدونة القانون الجنائي في الفصل 391بقوله أن :
( تزوير األوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية ،تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى
الوسائل المنصوص عليها في الق انون).
و طبقا لنص الفقرة األخيرة من الفصل 32من مدونة المسطرة المدنية فإنه ( :إذا ثبت وجود الزور
وظهرت عناصر تسمح بمعرفة مرتكبه أحيلت المستندات على النيابة العامة طبق ا لمقتضيات ق انون المسطرة
الجنائية).
131
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ففي حالة الط عن بالزور الفرعي ال يتم التشكيك في هوية محرر الورقة ،عرفية كانت أو رسمية ،و
إنما في حقيقة ما هو محرر فيها من جراء التغيير المحدث بإحدى الوسائل المنصوص عليها في
القانون .من ذلك مثال وضع توقيعات مزورة ،تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع ،وضع أشخاص
موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين ،إقحام كتابة في المحرر بعجد اختتامه.
على خالف الدفوع المسطرية التي يشترط الفصل 13من مدونة المسطرة المدنية إثارتها قبل كل
دفاع في الجوهر و أال يقبلها القاضي إال إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعال ،ال يفقد الطرفان
حق الطعن بالزور الفر عي بعد انطالق مناقشة القضية بل و حتى قبيل صدور الحكم فيها ما لم توضع
في المداولة .و مهما يكن ،فإن بالطعن بالزور الفرعي ينتج نفس أثر الدفع بعدم االختصاص من حيث
أنه يوقف النظر في الجوهر و يتطلب حسمه القول فيه صدور حكم خاص من المحكمة بشأنه.
المبحث الخامس :الدفوع المسطرية
الدفوع المسطرية هي التي سماها الشراح كذلك دفوعا شكلية من باب التضاد مع الدفوع الجوهرية
باعتبار هذه األخيرة دفوعا موضوعية.
يتعلق األمر بدفوع مسطرية و ليس مجرد شكلية ،ألن الطرف الذي يستعملها ال يرمي إلى المنازعة
في صحة شكل إجراء بشكل منفصل عن الدعوى ،و إنما يريد من ورائها الحصول على حكم بوقف
المسطرة نهائيا في مرحلة إعداد القضية للحكم أو مرحلة المحاكمة ،أو على األقل تعليقها في إحدى
المرحلتين.
فالدفع المسطري ال يستعمل وسيلة للهجوم على مستوى أساس الدعوى ،و ال على مستوى صحتها،
و ال حتى لالحتجاج بعدم دستورية القانون أو عدم مشروعيته ،أو الطعن في صحة وسائل الواقع
المستعملة في الدعوى متى كانت أوراقا رسمية.
ليس في الدفوع المسطري ة منازعة في وجود الحق في الدعوى و ال في صحة استعماله و ال حتى
في صحة الوسائل المادية إلثبات موضوعها ،و إنما هي وسائل للمنازعة في سالمة المسطرة أمام
المحكمة .ألجل ذلك ال يترتب البتة عن الفوز فيها سقوط الحق في الدعوى بحيث يمكن للطرف الخاسر
بسبب الدفع المسطري تصحيح الوضع ،بل و حتى إعادة رفع الدعوى من جديد مع تحري الدقة في
تنفيذ خطوات الترافع.
و الدفع المسطري متاح لكل طرف عبر أربعة وسائل ممكنة هي الدفع بعدم االختصاص ،الدفع
باالرتباط ،الدفع باالزدواج ،و الدفع بطلب التأجيل ،مع الدفع بالبطالن.
المطلب األول :الدفع بعدم االختصاص
سبق أن تعرفنا على نظام امتداد الصالحية القضائية في حدود االختصاصين النوعي و المحلي
للمحكمة .و علمنا أيضا أنه يحق للمحكمة إثارة عدم اختصاصها النوعي تلقائيا ،كما يحق للطرفين
الدفع بعدم اختصاصها النوعي أو المحلي على حد سواء .كما علمنا أن هكذا دفع ال يقبل من األطراف
إال إذا أثير في بداية المسطرة ،و أنه ال يقبل في طور االستئناف في غير األحكام الغيابية.
و تفاديا للتكرار ،نحيل في هذا الشأن إلى ما سبق ذكره .و على ذلك نضيف في هذا الفرع من
الدراسة أن القانون يلزم المحكمة بالفصل في الدفع بعدم االختصاص بحكم مستقل ،أو بإضافة الطلب
العارض إلى الجوهر.
معنى ذلك أن المحكمة ملزمة قانونا بالفصل في كل دفع بعدم االختصاص بحكم مستقل ،ما لم يتقدم
به صاحبه في شكل طلب عارض.
صورة الحالة التي تكون المحكمة فيها ملزمة بإصدار حكم مستقل هي التي يرد فيها المدعى عليه
على طلب المدعي دافعا بعدم االختصاص ال غير .في هذه الحالة ،ال يحق للمحكمة طبقا للفصل 19
من مدونة المسطرة المدنية تجاوز النظر في قضية االختصاص المثارة إلى ما بعد تجهيز موضوع
طلب المدعي للحكم .بل تجد نفسها ملزمة بإصدار حكم مستقل في جلسة مخصصة للنظر في موضوع
االختصاص ،تقرر فيها إما التوقف عن النظر في طلب المدعي ،أو االستمرار فيه في نفس الجلسة أو
في جلسات الحقة.
أما إذا تقدم المدعى عليه بطلب مقابل ،أو استعمل وسيلة الدفع بالرد من األساس ،أو وسيلة الدفع
بعدم القبول ،و أضاف إلى ذلك من البداية ،دفعا بعدم االختصاص ،فإن هذا الدفع يعتبر بقوة القانون
طلبا عارضا يمكن للمحكمة تأجيل النظر فيه إلى ما بعد البت في الطلبات األصلية االفتتاحية أو المقابلة
كما الدفع في األساس و بعدم القبول.
132
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مهما يكن ،فإنه يجب على الطرف الذي يدفع بعدم االختصاص أن يبين المحكمة التي ترفع إليها
القضية و إال كان الطلب غير مقبول عمال بأحكام الفصل 11من مدونة المسطرة المدنية.
و طبقا لنفس الفصل ،فإنه إذا قبل الدفع ،رفِ َع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون اإلحالة عليها
بقوة القانون وبدون صائر.
و الدفع بعدم االختصاص يمكن أن تكون وسيلته القانونية نصا يعقد الصالحية حصريا لمحكمة
متخصصة غير محكمة الحق العام.
و حيث أن المحكمة العسكرية ليست معنية بالنظر في الدعاوى المدنية التبعية ،فإنه ال إمكان للدفع
بعدم اختصاص المحكمة االبتدائية كما محكمة االستئناف للنظر في الدعاوى المدنية المرفوعة للمطالبة
بالحق المدني في التعويض من جراء الجريمة التي قد تكون من اختصاص المحكمة العسكرية.
و كذلك الشأن بالنسبة للمحاكم المالية التي ال تنظر أصال في غير دعاوى تدقيق الحسابات و
المخالفات المالية دون سواها ،و أيضا المحكمة الدستورية التي ال يمكن حتى االستمساك بها في
القضايا المدنية إال عبر المحكمة االبتدائية و محكمة االستئناف و من بعدها محكمة النقض .أما المحاكم
التجارية و اإلدارية فالوضع مختلف بالنسبة لها في العالقة مع محاكم الحق العام.
فقد أعطى القانون للمحاكم المتخصصة اإلدارية و التجارية صالحية النظر في عدة قضايا دون
حصر االختصاص عليها في ذلك.
بالفعل ،و رغما على وجود المحكمة اإلدارية ،تظل صالحية النظر في القضايا اإلدارية منعقدة
للمحكمة االبتدائية طبقا للفصل 12من مدونة المسطرة المدنية مع مراعاة مقتضيات الفصل 29من
نفس المدونة ،و التي تمنع عن المحاكم العادية ،في الدرجة االبتدائية و درجة االستئناف ،النظر في أي
طلب من شأنه أن يعرقل عمل اإلدارات العمومية و الجماعات المحلية أو يلغي أحد مقرراتها.
مفاد ذلك أنه على محكمة الحق العام الحكم بعدم االختصاص متى ق ّدرت من تلقاء نفسها أن الطلب
المقدم إليها في الخصومة ضد إدارة عمومية أو جماعة محلية داخل ضمن االستثناء المبين في الفصل
29المذكور.
و ضدا على أحكام الفصل 11من مدونة المسطرة المدنية التي مؤداها أنه يجب على األطراف
الدفع بعدم االختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دفاع ،و أنه ال يمكن إثارة هذا الدفع في طور
االستئناف إال بالنسبة لألحكام الغيابية ،فإنه طبقا للمواد 12و 13من ظهير 13سبتمبر 1333المتعلق
بإحداث محاكم إدارية ،يجوز للطرفين الدفع بعدم اختصاص المحكمة النوعي لنفس السبب في كل
مراحل الدعوى.
بالفعل مقتضى المادة 12من ظهير 13سبتمبر 1333أنه يحق لألطراف الدفع بعدم االختصاص
النوعي في القضايا اإلدارية بكل حرية في أي مرحلة من مراحل المرافعات دون التقيد بأحكام أي
قانون مختلف و أيا كانت المحكمة التي تنظر في القضية.
بنا ء عليه يجوز لكل طرف الدفع بعدم اختصاص المحكمة االبتدائية كما محكمة االستئناف العادية
للنظر في القضية اإلدارية المعروضة عليها من وقت تبليغ الطرفين بالدعوى ،إلى آخر لحظة تسبق
نطق المحكمة بالحكم .و بمثل ذلك تملك المحكمة الحكم تلقائيا بعدم االختصاص النوعي في نفس
القضية من وقت إمساك القاضي بها إلى آخر لحظة تسبق النطق بالحكم ،على أن يتم ذلك في كل
األحوال بحكم مستقل قابل للطعن بالنقض.
طبقا للمادة 13من ظهير 13شتنبر ،1333تلتزم المحكمة أيا كانت ،و في كل األحوال بالبت في
الدفع بعدم االختصاص النوعي المتعلق بالقضايا اإلدارية بحكم مستقل ،يكون قابال للطعن بالنقض فقط
أمام محكمة النقض.
تختص محكمة النقض للنظر في هكذا طعن بدل محاكم االستئناف اإلدارية ،و هي تظل مختصة
حصريا كذلك طبقا للمادة 3من ظهير 13شتنبر ،1333للبت ابتدائيا و انتهائيا في طلبات اإللغاء
بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالمقررات التنظيمية و الفردية الصادرة عن رئيس الحكومة ،و قرارات
السلطات اإلدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة االختصاص المحلي لمحكمة إدارية.
واضح أن هذا االستثناء يستغرق كل المقررات الفردية و التنظيمية الصادرة عن كل جهة تمتلك
سلطة أعلى من سل طة رئيس الحكومة كما هو حال الملك و األمراء مع المستشارين الملكيين من
المدنيين و العسكريين الحاملين لتفويض ملكي .و حيث أنه ال يستبعد أن تكون هذه المقررات الفردية و
133
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
التنظيمية ماسة بحقوق خاصة قابلة لتكون محل خصومة قضائية أمام محاكم الحق العام ،فإن السؤال
يثور حول النظام المتبع بشأنها من حيث االختصاص النوعي.
سبق أن ذكرنا بأن خاصية المساواة التي تميز قانون المسطرة المدنية تسوغ القول أنه يجوز ألي
كان رفع الدعوى المدنية أمام محاكم الحق العام ضد أي كان بمن في ذلك الجهات المعفية من
المسؤولية الجنائية ألسباب سيادية ،ما دامت الدعوى تستعمل للمطالبة بالحقوق المدنية دون الخوض
في قضية إلغاء القرار الفردي أو التنظيمي ،و أن االختصاص منعقد لهذه المحاكم ما لم يكن من شأن
النظر في الطلب أن يعرقل عمل اإلدارات العمومية و الجماعات المحلية.
غير أنه يجب عدم اإلفراط في التفاؤل ،فربما ال زال الوقت مبكرا للقول أنه يمكن لذوي الحقوق
المدنية رفع الدعوى المدنية أمام محاكم الحق العام ضد كل جهة و لو كانت سيادية للتعويض عن
األضرار المدنية الالحقة بهم من جراء قرارات فردية و تنظيمية.
فقد حدث أنه بمناسبة النظر في طعون مقدمة ضد مقررات صادرة عن جهات سيادية للمطالبة
بالحق المدني ،قرر المجلس األعلى الذي ورثت عنه محكمة النقض اجتهاداته ،تطبيق نظرية أعمال
السيادة الموروثة عن النظام السلطاني فيما تعلق بمقررات السلطات السيادية .للعلم ،فإنه طبقا لهذه
النظرية ،ال تكون األثار السلبية المترتبة عن التصرف أضرارا قابلة للتعويض بالنسبة للغير.
ما لم تتراجع محكمة النقض عن هكذا اجتهاد ،فإنه يظل بإمكان الجهات السيادية االحتجاج بنظرية
أعمال السيادة لإلفالت من المحاكمة أمام القضاء الدنيوي عن الحقوق المدنية ،و ال مجال لرد
مقرراتهم بغير االستعطاف اإلداري أو االستمساك بالمحتسب العام لطلب الرد بسبب عدم المشروعية؛
و لعل إدخال تعديل على صالحيات المجلس العلمي و المجالس المحلية لفتح قناة االستمساك بالمحتسب
العام من أجل هذا الغرض أمر ال بد منه.
من حق الطلبة في كلية الحقوق أن يعلموا بأن تطبيق محكمة النقض لنظرية أعمال السيادة على
قرارات أي سلطة كانت اجتهاد غير موفق في ظل النظام الحقوقي المغربي بعد التحول إلى نظام
الملكية البرلمانية اإلسالمية الذي من أجله قامت ثورة .1311
قد يصح هكذا اجتهاد عند الروم ،لكنه في إيالة األمة المغربية النبيلة ،مخالف ألحكام قانون
الحضارة؛ و يجب تحمل المسؤ ولية لرده أيا كان من قال به من البشر .فالقانون المقدس يمنع الحصانة
القانونية عن أي كان من رجال الدولة و نسائها ،كما يحول دون اإلعفاء من المسؤولية لغير الطفل و
المجنون و النائم.
مهما يكن ،فإن أقسام قضاء األسرة و كذلك المحاكم التجارية ال يمكن أن تكون معنية بهذا االجتهاد
فيما تعلق بقضايا األحوال الشخصية و األعمال التجارية التي يكون أحد كبار المسؤولين طرفا فيها.
فالخطبة كما التعاقد على الزواج و الطالق و النسب و النفقة و الحضانة و مثل ذلك أنشطة التجارة
الخاصة و عقود التصرفات المدنية عموما ال يمكن أن يعتبر مقررات إدارية و لو صدرت عن الملك
شخصيا .ففي ظل نظام الملكية البرلمانية االسالمية ال يتصور ادعاء بأن هكذا تصرفات تعد من أعمال
السيادة إال من طرف من ليس على ذي لب.
و بمثل العالقة مع المحاكم اإلدارية ،يمكن أن تثور قضية عدم االختصاص أمام محاكم الحق العام
لفائدة المحاكم التجارية و العكس صحيح .ذلك أن الظهـير الشريف رقم 1.39.19الصـادر في 1
شـوال 1119موافق 12فبراير 1339بتنفيذ القانون رقم 93.39القاضي بإحداث محاكم تجارية لم
يجعل الصالحية للنظر في القضايا التجارية منحصرة على هذه المحاكم و إنما ترك للتجار حرية
االستمساك بها .غير أن المادة الرابعة من مدونة التجارة لسنة 1331أعطت للطرف الذي ال يكون
الخصومة بالنسبة إليه مرتبطة بعمل تجاري حق الدفع بعدم اختصاصها .باإلضافة لذلك يجب
استحضار حاالت اتفاق التجار في عقودهم على اسناد االختصاص للمحكمة التجارية دون سواها أو
العكس؛ ح يث يجوز الدفع عندئذ بعدم اختصاص محكمة الحق العام أو المحكمة التجارية حسب ما
قضى به االتفاق.
في كل األحوال ،ال يقبل من أي طرف الدفع بعدم اختصاص محكمة الحق العام في القضايا التجارية
ما لم يوجد اتفاق بين الطرفين على إسناد االختصاص للمحكمة التجارية دون سواها .و حتى في مثل
هذه الحالة ال يجوز إثارة هكذا دفع بعد انطالق المسطرة.
أما المحكمة التجارية فملزمة بالفصل في الدفع بعدم االختصاص النوعي لفائدة محكمة الحق العام
متى أثاره الطرف الذي تعتبر الخصومة بالنسبة إليه مدنية بشرط أن يثيره قبل أي دفع أو دفاع آخر،
134
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
بحيث يتم ذلك في بداية المنازعة أمام القاضي .و عمال بالفقرة األخيرة من الفصل 11من مدونة
المسطرة المدنية ،يحق للمحكمة التجارية أن تحكم تلقائيا بعدم االختصاص النوعي.
و عمال بالمادة 2من ظهير 12فبراير 1339فإن المحكمة التجارية تكون ملزمة في حال إثارة
الدفع بعدم اال ختصاص من قبل األطراف بالبت فيه بحكم مستقل داخل أجل عشرة أيام.
المطلب الثاني :الدفع باالزدواج
يكون الدفع باالزدواج ممكنا في كل حالة ترفع فيها نفس الدعوى مرتين أو أكثر أمام محكمة واحدة
أو أكثر.
فمهما حرصت مصلحة كتابة الضبط على منع تكرار نفس الدعاوى أمام نفس المحكمة قبل البت في
أي منها ،فإنه يمكن حصول سهو يترتب عنه تقييد نفس الدعوى مرتين أو أكثر ،فيتم تكليف عدة قضاة
مقررين أو مكلفين بها بحيث ال يعلم أي منهم ما يقوم به اآلخر أو اآلخرون في نفس القضية.
ليس مستبعدا كذلك أن يقوم المدعي برفع نفس دعواه أمام أكثر من محكمة ،فتكون كل منها منكبة
في الوقت نفسه على تهيئتها للحكم بل و حتى عقد جلسات المحاكمة فيها.
و ألجل مواجهة هكذا احتماالت ،يعطي القانون لكل ذي مصلحة ،خاصة األطراف األصليين ،و
النيابة العامة كطرف منضم ،حق الدفع بازدواج الدعوى أمام نفس المحكمة أو محاكم مختلفة.
بديهي أنه متى حدث االزدواج أمام نفس المحكمة ،كان من حق الجهة التي تثيره أن تطلب من
المحكمة ضم الدعاوى إلى بعضها البعض دون حاجة ألثارة موضوع عدم االختصاص .غير أنه ال
يكون من حق المعني باألمر طلب تأجيل النظر في إحدى الدعاوى لحين البت في األخرى ألنها كلها
ذات نفس الموضوع.
أما إذا حدث ازدواج الدعوى في محكمتين أو أكثر ،فإنه عمال بمقتضيات الفصل 133المذكور،
يحق للطرفين ليس فقط الدفع بعدم االختصاص طبقا للفصل 13المذكور ،و إنما ايضا طلب تأجيل
نظر إحدى المحكمتين أو باقي المحاكم في القضية لحين بت إحداها فيها.
غير أن الوضع يختلف في حالة طلب التأجيل عنه في حالة طلب التنازل عن النظر في القضية
لفائدة محكمة أخرى.
يفترض في الحالة األخيرة أن الدفع باالزدواج مستعمل كوسيلة للدفع بعدم القبول لعيب في
المسطرة ،فيجب على صاحب الطلب تقديمه طبقا للفصل 13المذكور قبل كل دفاع في الجوهر.
أما في حالة إثارة قضية االزدواج فقط لطلب التأجيل فال يكون المعني باألمر ملزما إلثارة االزدواج
في بداية المسطرة و إنما يجوز له تقديم طلب التأجيل لهذا السبب في كل مراحل الدعوى ما لم توضع
القضية في المداولة.
و مثل هذا الوضع ممكن تصوره من طرف الدعي الذي يأمل من طلب التأجيل أن يحصل على حكم
لمصلحته من المحكمة األخرى فتكون خطته هي التنازل عن الدعوى الثانية التي تم تأجيل النظر فيها.
و قد ي قدم طلب التأجيل كذلك من طرف المدعى عليه الذي يكون قد استعمل الدفع باالزدواج أمام
المحكمة األخرى كوسيلة لعدم القبول.
مهما يكن ،فقد اهتم المشرع بتنظيم المسطرة الواجب العمل بها في حال رفض المحكمة التخلي عن
النظر في نفس الدعوى بحيث تكون المحكمتين ممسكتين بهما معا ،كل منهما بحكم تقرر فيه أنها
مختصة بها.
في هذا الشأن ينص الفصل 333من مدونة المسطرة المدنية أن هناك مجال لتنازع
االختصاص ،و يقضي الفصل 331من نفس المدونة بناء عليه متى كانت أحكام المحكمتين غير قابلة
للطعن ،أن حل التنازع يكون من صالحية المحكمة األعلى درجة المشتركة بين المحاكم التي يطعن في
أحكامها أمامها ،وأمام محكمة النقض إذا تعلق األمر بمحاكم ال تخضع ألية محكمة أعلى مشتركة بينها.
المطلب الثالث :الدفع باالرتباط
متى وجد ترابط بين دعويين أو أكثر يتطلب أن ينظر فيها مجتمعة فإن المسطرة تكون في كل تلك
الدعاوى مفتقرة للسالمة بسبب عيب االرتباط.
بديهي أن يكون لكل ذي مصلحة أن يدفع بعدم القبول لهكذا عيب؛ و ذلك بالفعل ما سمحت به
الفصول 133 ،13و 113من مدونة المسطرة المدنية.
مثل الشأن بالنسبة لعيب االزدواج ،يجب التمييز بين ارتباط دعويين أو أكثر في محكمتين أو أكثر،
و بين ارتباط دعويين أو أكثر أمام نفس المحكمة.
135
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و فقا للفصل 113يملك الطرف الذي أثار الدفع بارتباط دعويين أو أكثر أمام نفس المحكمة أن يطلب
من هذه األخيرة ضم كل تلك الدعاوى لتتحد في محضر واحد حتى تنظر في نفس الجلسات ،شرط أن
يتقدم بطلبه قبل أي دفاع في الجوهر .و إذا كان االرتباط بين الدعاوى عبر محاكم مختلفة ،فإن الحل
المعمول به هو نفسه الذي يقضي به القانون في حالة الدفع باالزدواج.
فإن كان المطلوب هو تخلي المحكمة عن قضية لمصلحة محكمة أخرى ،وجب تقديم الطلب في
بداية المسطرة قبل كل دفاع في الجوهر ،أما إذا كان المطلوب هو تأجيل النظر في القضية ،فيمكن
االستفادة من فسحة الوقت إلى غاية وضع القضية في المداولة.
و مثل الشأن في حالة االزد واج ،يمكن أن يتسبب االرتباط في تنازع لالختصاص يتم حله وفق نفس
المسطرة أيضا.
المطلب الرابع :الدفع بالتأجيل
انطالقا من حقيقة أن االنتظار باب من أبواب العذاب ،فإنه ال يفوت على الخصوم في الدعاوى
المدنية استعماله لقهر بعضهما البعض .فالدفع بالتأجيل ال ينفع لتعطيل المسطرة إال مؤقتا بحيث يجعل
الجهة التي تلجأ إليه تستخدم الوقت لمصلحتها قصد إعداد دفوع أخرى ،أو فقط إلرباك الخصم و جعله
يواجه مشكلة االنتظار على أمل أن يجنح من تلقاء نفسه إلى التفكير في القبول بصلح أو حتى التخلي
عن دعواه أو فقدان الرغبة في المقاومة.
و ا لدفع بالتأجيل ال يستعمل بغير مناسبة طلب أحد الخصمين من اآلخر أو طلب المحكمة منهما
إنجاز إجراء ما ،فيحرص كل طرف بمناسبة ذلك على استنفاد الوقت المحدد لذلك بقوة القانون ،أو
التماس أجل للحصول على أطول فسحة ممكنة من الوقت.
المطلب الخامس :الدفع بالبطالن
الدفع با لبطالن هو الوسيلة المستعملة في الخصومة القضائية للطعن في صحة المسطرة لتخلف
إجراء من اإلجراءات الضرورية فيها ،و ليس مجرد افتقارها لشروط السالمة.
ال يتعلق األمر برد الدعوى من األساس و ال الدفع بعدم القبول أو رد الوسيلة القانونية و ال حتى
بمجرد عدم سالمة المسطرة من العيوب ،بل ببطالنها جملة و تفصيال ،عمال بقاعدة أنه يبطل كل ما
بني على باطل ما لم يقض نص خاص بالصحة.
بناء على ذلك ،فإنه إذا بطل قيد الطلب ،لعدم استيفاء شرط تسديد رسوم الدعوى مثال ،أو لعدم
حصول تسجيله في سجل ضبط المحكمة ،فإن المسطرة كلها تبطل.
و من ذلك في الحالة المعاكسة ،أنه مثال في حالة بطالن إجراء تبليغ الدعوى ،لعدم احترام المحكمة
الحد األدنى ألجل الحضور ،فإن المسطرة تصح لكن الحكم يعد غيابيا و ليس حضوريا .منه أيضا حالة
استعمال الشكل الشفهي للترافع في الحاالت التي يشترط فيها القانون ذلك كتابة ،فإن المسطرة تظل
صحيحة ،و ال يبطل إال إجراء الترافع الذي افتقر للشكل المطلوب.
بهذه المناسبة ،يجب التذكير أنه من أخالقيات مهنة المحاماة أن يحرص السادة المحامون على
استعمال وسيلة الدفع بالبطالن المسطري لممارسة أكبر ضغط ممكن على المحكمة حتى تضغط
بدورها من جهة على كتابة الضبط لمنع اإلهمال و التراخي في تنفيذ المقتضيات المتعلقة بشكل
المسطرة ،و من جهة أخرى حتى تلتزم المحكمة نفسها بالضوابط المسطرية للتحقيق القضائي.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي VIII
تحدث بإسهاب عن نظام المناقشة القضائية؟
تحدث بإسهاب عن وسائل الطلب في الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن وسائل الدفاع في الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن رد األساس في الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن الدفع بعدم القبول في الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن الدفع بعدم االختصاص في الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن الدفع برد القانون لعدم الدستورية و لعدم المشروعية في الدعوى المدنية ؟
تحدث عن الدفوع المسطرية في الدعوى المدنية ؟
الدرس التطبيقي VIII
لخص الدرس النظري الثامن في بضع سطور؟
136
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
باستعمال خدمة الشبكة العنكبوتية قم ببحث حول نظام الدفع بعدم دستورية القانون في كل من تونس و
فرنسا و بريطانيا و إسبانيا و الواليات المتحدة األمريكية ؟
تبادل مع من تختاره من زمالئك في القسم تقريرا عن القضايا التي يجب مراعاتها في مشروع القانون
التنظيمي للدفع بعدم الدستورية ؟
في عملية محاكاة تمرن مع من تختاره من زمالئك الطلبة على إجراء مناقشة قضائية تدافع فيها عن
بائع حصان يدعي عليه المشتري بضمان عيب خفي ؟
137
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المشرع قاضيا مكلفا بالقضية متى كانت جلسة المحاكمة ستنعد بقاض منفرد ،و يسمى عمله إعدادا
للقضية للحكم و ليس تحقيقا إعداديا .أما إذا كانت جلسة المحاكمة ستنعقد طبقا للقانون بهيئة جماعية،
فإن القاضي المكلف بمهمة التحقيق اإلعدادي يسمى قاضيا مقررا و تسمى مهمته إعدادا للمسطرة كما
سبق ذكره.
ال بأس من التذكير بنظام التحقيق المدني خارج المسار العادي و هو الذي يتم في مساري القرب و
االستعجال و ال يكون فيه مرحلة إعدادية و أخرى نهائية.
المطلب األول :التحقيق القضائي خارج المسار العادي للدعوى المدنية.
سبق أن ذكرنا أن القانون يسمح للمدعي خارج المسار العادي باالستمساك مباشرة بالقاضي للنظر
في الدعوى لكن ليس لغرض التحقيق اإلعدادي .فالقاضي الجالس في قسم قضاء القرب كما قاضي
المستعجالت يسمكان مباشرة بالقضية للحكم فيها و ليس إلعدادها للحكم.
كما هو معلوم ،أوجد القانون رقم 13-12مسارا سريعا للتقاضي تحت مسمى قضاء القرب ،و فيه
يستمسك صاحب الدعوى بالقاضي الجالس في قسم قضاء القرب بالقضايا مباشرة عبر كتابة الضبط
الخاصة بقسمه ،و يباشر القاضي بناء على ذلك مهمة التحقيق النهائي بإطالق العمل بمسطرة محاولة
الصلح بين الطرفين ،التي على أساس نتيجتها يقرر النظر في الخصومة و الفصل فيها؛ آنيا ،أو بعد
فترة من التأمل في الحجج المقدمة من الطرفين .فالقاضي الجالس في قسم قضاء القرب ملزم في كل
القضايا المدنية بالشروع في المحاكمة بمحاولة صلح بين الطرفين ،تكون مناسبة إلجراء مواجهة
بينهما و إطالق مناقشة مباشرة منهما للقضية .ذلك أن القاضي ليس ملزما بعرض الصلح على
الطرفين و سماع ردهما دون استفسار كل منهما عن دوافعه في حالة الرفض ،و دعوته إلى عرض
حججه.
بالمثل ،يمسك رئيس المحكمة االبتدائية مباشرة بالدعاوى من كتابته الخاصة في القضايا االستعجالية
للفصل مباشرة في القضية المستعجلة و ليس للتحقيق اإلعدادي فيها.
عكس الشأن في المسار العادي ،ال يفتتح قاضي المستعجالت المسطرة بمرحلة تحقيق إعدادي و
إنما يشرع مباشرة في المحاكمة .و عكس القاضي الجالس في قسم قضاء القرب ،ليس رئيس المحكمة
ملزم بافتتاح مسطرة المحاكمة في القضايا المستعجلة بمحاولة الصلح بين الطرفين.
و خالفا لما ظنه بعض الشراح ،ال يجوز تقييد سلطة رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للمستعجالت
بالمنع من استعمال أي وسيلة من وسائل التحقيق .فالقانون لم يقل بذلك ،و صفة االستعجال كما هي
مقصودة في القانون ال تستدعي ذلك مطلقا.
و حتى نتجنب خلط المفاهيم ،يجب التذكير بالصفة الخاصة لمسطرة االستعجال ،بمعنى أنها مستثناة
من أحكام النظام المشترك للمسطرة المدنية ،لكن في حدود النصوص الخاصة بها .من ذلك أنه ال تعد
القضية استعجالية إال إذا تعلق األمر فيها بطلب الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو بتنفيذ
حكم أو سند قابل للتنفيذ أو األمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي ،كما أي إجراء مستعجل
في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص و ال يضر بحقوق األطراف.
صحيح أن صياغة نص الفصل 112من مدونة المسطرة المدنية توحي بأن المشرع لم يضع قائمة
محصورة للقضايا االستعجالية من حيث أنه يتحدث عن كل إجراء مستعجل في كل مادة لم يرد بشأنها
نص خاص ،لكن االنتباه يجب أال يصرف عن حقيقة أن األمر متعلق بطلبات الحصول على أمر
بإجراء مستعجل و ليس بحكم مستعجل .فاألمر محصور بالتالي في اإلجراءات التي تتخذها المحكمة
لحفظ الحقوق و تنفيذ األحكام و الصكوك الداخلة في حكمها بقوة القانون ،و ليس إلثبات وجود هكذا
حقوق أو صحة هكذا صكوك .فالبت في هذه األخيرة يعتبر من قبيل الحكم في الجوهر الذي يترتب عنه
ضرر بحقوق الطرفين متى تم وفق مسطرة االستعجال.
واضح أن هذا التكييف للقضايا االستعجالية يقتضي قراءة الفصل 113على أنه متعلق بالقائمة
المحصورة للقضايا االستعجالية ،فهو ينص على أن قاضي المستعجالت يبت في الصعوبات المتعلقة
بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو األمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي ،بصفتها قضايا
استعجالية ،سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم ال ،باإلضافة إلى الحاالت المشار
إليها في الفصل ،112و التي هي حالة طلب األمر بإثبات حال أو توجيه إنذار.
خارج القضايا المتعلقة بإثبات حال ،أو توجيه إنذار ،أو الصعوبة في تنفيذ حكم ،أو سند قابل للتنفيذ،
أو الحراسة القضائية ،أو مختلف إجراءات التحفظ ،ال تكون القضية المعروضة على رئيس المحكمة
138
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مستعجلة ،و يحق له بالتالي رفض استقبالها و إحالة صاحب الطلب فيها إلى مكتب كاتب الضبط ليتم
تسجيلها وفق أحكام النظام المشترك للمسطرة المدنية.
أما القضايا المستعجلة التي يستقبلها الرئيس فيتم العمل في شأنها بنظام مختلف.
ال شيء يمنع صاحب الطلب من تقديم الشق المتعلق منه باإلجراء المستعجل للرئيس مباشرة في
مكتبه ،و تسجيل الشق المتعلق بجوهر الموضوع لدى مصلحة كتابة الضبط ،كما يجوز أن يمسك
رئيس المحكمة بالطلب االستعجال ي و يحيل المعني باألمر إلى كتابة الضبط لتسجيل الطلب المتعلق
بالجوهر.
و في الحالتين ال شيء يمنع الرئيس عند تلقي سجل ضبط المحكمة من انتقاء الدعوى المتعلقة
بالجوهر لنفسه كما يجوز له االكتفاء بمعالجة الجانب االستعجالي منها ،و تكليف قاض آخر بمهمة
التحقيقي اإلعدادي في الجوهر.
في كل األحوال ،ال تعني الصفة االستعجالية لإلجراء المطلوب أن يأمر رئيس المحكمة فورا به ،و
إنما تقتضي منه الحكمة أن يتبين أمره فال يتسرع ،الشيء الذي يفضي إلى عملية إعدادية ال بد منها .و
هنا يجب تمييز حالة إمساك الرئيس بالجانب االستعجالي من القضية دون الجوهري ،عن الحالة التي
يمسك فيها بالقضية كلها دون تعيين قاض مكلف بها.
لعل استعمال رؤساء المحاكم لهذا الخيار األخير هو الذي خلط األمر على الشراح فذهبوا إلى القول
أن قائمة القضايا االستعجالية غير محصورة ،و الحال أن القضايا التي يحق لرؤساء المحاكم اإلمساك
بها هي التي ليست محصورة .و يزيد الطين بلة كما يقال في المثل ،أن التحقيق ممكن اإلنجاز بالوسائل
نفسها في المرحلتين اإلعدادية و النهائية ،و في القضايا االستعجالية كما في غيرها.
ال شيء يمنع قاضي المستعجالت من أخذ الوقت الكافي الستدعاء الطرف اآلخر قصد سماع أقواله
و كذلك الشهود و األمر بأداء اليمين ،أو بتحقيق الخط أو إجراء خبرة ،و كذلك القيام بمعاينة .كل ما في
األمر أنه حتى لو أمسك القاضي بالقضية جميعا ،فإنه يقوم بإنجاز التحقيق النهائي على مستوى الجانب
االستعجالي وفق أحكام مسار االستعجال ،و في الوقت نفسه يجري التحقيق اإلعدادي في نفس القضية
على مستوى الجوهر وفق أحكام المسار العادي.
مفاد ذلك أن قاضي المستعجالت ال يكون ملزما باحترام شكل و آجال المسطرة المتعلقة باستدعاء
األطراف و سماع الشهود و إجراء الخبرة إلى غير ذلك من وسائل التحقيق للتأكد من صحة ادعاءات
المد عي المطالب بأمر إلثبات حال أو توجيه إنذار أو تنفيذ حكم أو أي صك التزام أو اتخاذ أي إجراء
تحفظي .على أن يتوقف التحقيق عند حدود ما هو كاف لالقتناع بعدالة االجراء االستعجالي المطلوب
حتى لو تبين بعد التحقيق في جوهر القضية أن المدعي كان مفتريا.
أما اإلعدادي الت حقيق المتعلق بجوهر القضية فال يصح إال وفق أحكام النظام المشترك للمسطرة
المدنية حتى و لو كان القائم به هو رئيس المحكمة الممسك في الوقت نفسه بالطلبات االستعجالية فيها.
المطلب الثاني :التحقيق من طرف القاضي المكلف بالقضية
سبق أن ذكرنا أنه خالف القضاة الجالسي ن في قسم قضاء القرب مع رئيس المحكمة االبتدائية ،ال
يمسك القضاة الجالسون في باقي األقسام و الغرف بالقضايا مباشرة ،و إنما بتكليف من رئيس المحكمة.
و قد سبق أن بينا كيف يتم هذا التكليف مسطريا.
يبقى أن نعلم أن هؤالء يمسكون بالقضايا قصد إجراء تحقيق إعدادي قبل بدء المحاكمة ،و ليس
تحقيقا نهائيا للفصل في القضية .ألجل ذلك كان نظام التحقيق الذي يقوم بع القاضي المقرر أو المكلف
بالقضية مختلفا عن النظام المتعلق بالتحقيق في مساري القرب و االستعجال.
عكس القاضي الجالس في قسم قضاء القرب ،و رئيس المحكمة في القضايا االستعجالية كما قضايا
إلغاء أحكام قسم قضاء القرب ،ال يملك القاضي المكلف بالقضية سلطة اتخاذ قرار عقد جلسة الحكم
فور تسلمه محضر القضية و لو كان الطرفان حاضران معا وقتئذ .فالقاضي المكلف بالقضية بأمر من
رئيس المحكمة ،ملزم طبقا للفصل 31من مدونة المسطرة المدنية بإصدار أمر باستدعاء الطرفين
كتابة إلى جلسة يعين يومها .فإن حظرا إلى المحكمة وقت تسلمه المحضر ألول مرة و أحيط علما بذلك
جاز له أن يستقبلهما في مكتبه في إطار مسطرة إعداد القضية للحكم .و إن اكتفى بأول مواجهة بينهما
كان له أن يصدر أمرا باستدعائهما إلى جلسة للحكم ،و إال جاز له أن يستدعيهما لجلسة للتحقيق
اإلعدادي.
139
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و سواء اكتفى القاضي المقرر بأول حضور للطرفين ،أو حتى بالوثائق المسلمة منهما دون
حضورهما ،أم لم يكتفي بذلك ،جاز له أن يستعمل كل وسائل التحقيق المعهودة في سبيل إعداد القضية
للحكم .بل إن الفصل 91من مدونة المسطرة المدنية يؤكد ذلك صراحة بالقول أنه ( :يأمر الق اضي
المقرر أو الق اضي المكلف بالقضية شفويا أو برسالة مضمونة من كتابة الضبط -الطرف الذي طلب منه
إجراء من إجراءات التحقيق المشار إليها في الفصل 55أو األطراف الذين وقع اتف اق بينهم على طلب اإلجراء
أو تلق ائيا -بإيد اع مبلغ مسبق يحدده لتسديد صوائر اإلجراء المأمور به عدا إذا كان األطراف أو أحدهم
استف اد من المساعدة القضائية).
و تتميز المسطرة في التحقيق اإلعدادي من طرف القاضي المكلف بالقضية أن نهايتها تكون
بصدور قرار من هذا القاضي يؤكد به تاريخ استدعاء األطراف لجلسة المحاكمة التي يتوالها بنفسه
منفردا بناء على تكليف رئيس المحكمة.
ال بأس من اإلشارة أن القاضي المكلف بالقضية ليس ملزما بإعالم رئيس المحكمة عبر كتابة
الضبط أن القضية جاهزة للحكم .و إنما يقوم عمليا فور الفراغ من التحقيق اإلعدادي بتحرير مسودة
ابتدائية للحكم الذي يتوقع إصداره ،و يرسل بواسطة عون لدى مكتب رئيس المحكمة إلى كاتب الضبط
خبر تأكيد نيته عقد جلسة المحاكمة في القضية إن كان قد حددها من قبل ،أو يرسل أمرا مكتوبا بتسجيل
تاريخ جلسة المحاكمة و استدعاء األطراف وفقا لذلك.
غير أنه خالل جلسة المحاكمة ،ال يكون من سلطة القاضي إجبار األطراف على القبول بنتائج
تحقيقه اإلعدادي .فيجب أال ننسى بأن القضية مدنية ،تعتبر مبدئيا شأنا خاصا بالطرفين يتحكمان فيها
أكثر مما يفعله القاضي .و بناء عليه ،يحق للطرفين أن يطلبا استعمال أي من وسائل التحقيق مجددا ،و
يكون القاضي مسؤوال عن االستجاب ة لطلبهما تحت طائل إعادة النظر في حكمه من طرف هيئة
جماعية للحكم ،حسب األحوال في غرفة أو في محكمة لالستئناف علما أن األوامر التي يصدرها ال
تقبل الطعن باالستئناف إلى مع الحكم النهائي الصادر في القضية ،شأنها في ذلك شأن أوامر القاضي
المقرر.
المطلب الثالث :التحقيق من طرف القاضي المقرر
إعداد المسطرة هو التحقيق المدني اإلعدادي لفائدة هيئة جماعية للحكم من طرف من يسميه المشرع
قاضيا مقررا .و حسب األحوال ،يتم ذلك في المحكمة االبتدائية أو في محاكم االستئناف مع محكمة
النقض.
يكون التحقيق اإلعدادي عملية إعداد للمسطرة متى قام به مستشار في محكمة االستئناف؛ علما أن
جلسات المحاكمة االستئنافية تكون كلها من طرف هيئة حكم جماعية.
يكون بالضرورة نفس التحقيق كذلك عملية إلعداد المسطرة متى تواله أحد القضاة في المحكمة
االبتدائية لفائدة هيئة جماعية للحكم في هذه األخيرة.
و للتذكير ،يقضي الفصل 1من ظهير 19يوليو 1391المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة أنه في
الدعاوى المعروضة على المحكمة االبتدائية ،و المتعلقة بالقضايا العقارية العينية و المختلطة و قضايا
األسرة و الميراث ،باستثناء النفقة؛ كما الشأن في طلبات استئناف األحكام االبتدائية أمام غرفة
االستئناف بنفس المحكمة ،تنعقد جلسات المحاكمة كلها بهيئة جماعية للحكم من ثالثة قضاة.
باستثناء القاعدة المتعلقة بشكل نهايته ،ال يختلف التحقيق اإلعدادي في الحالتين عن الذي يقوم به
القاضي المكلف بالقضية من حيث الصالحيات و الوسائل المستعملة .ذلك أن عملية إعداد المسطرة من
طرف القاضي أو المستشار المقرر تنتهي بصدور أمر بالتخلي عن الملف ،يتم تبليغه لكاتب ضبط
المحكمة حتى يتسنى لهيئة الحكم الجماعي اإلمساك بالقضية و عقد جلسة المحاكمة.
و حيث أن القانون لم يلزم رئيس المحكمة االبتدائية و ال رئيس محكمة االستئناف بتعيين أعضاء
هيئة الحكم وقت تسمية القاضي أو المستشار المقرر ،فإن األمر يحتاج إلى توضيح لطريقة سير
مسطرة تخلي هذا األخير عن القضية.
إن كان رئيس المحكمة قد بادر وقت تسمية القاضي أو المستشار المقرر إلى تسمية أعضاء هيئة
الحكم و صفاتهم ،كان للقاضي أو المستشار المقرر أن يصدر أمرا بتحديد جلسة المحاكمة يبلغه لكتابة
الضبط مع تقريره عن القضية و قرار تخليه عنها لفائدة هيئة الحكم المعينة ،و التي ليس ضروريا أن
140
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يكون عضوا فيها .عندئذ يكتفي كاتب الضبط بتسليم التقرير ألعضاء هيئة الحكم مع دعوتهم لعقد
الجلسة التي حدد المقرر تاريخها.
ليس معنى ذلك أن الهيئة تكون ملزمة بهذا التاريخ و ال حتى بنتائج التقرير ،إذ يملك رئيسها دعوة
باقي أعضائها إلى جلسة للمداولة في غرفة المشورة يتقرر بموجبها إعادة ملف القضية للقاضي أو
المستشار المقرر لمزيد من التحقيق ،و تأجيل جلسة المحاكمة بناء عليه.
أما إذا لم يتم تسمية أعضاء هيئة الحكم ،فإن تلقي كاتب الضبط لقرار القاضي أو المستشار المقرر
بالتخلي عن الملف ال يمنحه سلطة دعوة أي كان لعقد جلسة المحاكمة ،علما أن تلك صالحية ال يملكها
القاضي و ال المستشار المقرر أيضا .بديهي أن يعود األمر عندئذ لرئيس المحكمة ،حين يعرض كاتب
الضبط سجل ضبط المحكمة على نظره ،فيتولى تسمية أعضاء هيئة الحكم و األمر بتسليمهم محاضر
الدعوى مع التقرير كما دعوتهم لحضور جلسة المحاكمة في تاريخ يحدده.
و كما هو الشأن في الحالة األولى ال تكون الهيئة المعينة مضطرة لقبول نتائج التقرير و ال تاريخ
ال جلسة ،إذ يجوز لها بعد االجتماع في غرفة المشورة ،إعادة التقرير لصاحبه قصد مزيد من التحقيق.
واضح أن قاعدة إرجاع التقرير لصاحبه قصد مزيد من التحقيق تنزع صالحية القيام بالتحقيق
اإلعدادي من هيئة الحكم الجماعي .فمثل قاضي المستعجالت و قاضي القرب ،ال تملك الهيئة
الجماعية للحكم استعمال وسائل التحقيق القضائي في غير مرحلة المحاكمة بصفته تحقيقا نهائيا.
المبحث الثاني :التحقيق النهائي
التحقيق النهائي هو الذي تقوم به المحكمة وفق مسطرة المحاكمة في جلسة علنية و حضورية ،يقوم
به حسب األحوال القاضي المنفرد أو هيئة الحكم الجماعي.
و تفاديا للتكرار ،نحيل إلى ما سبق حول الشكل العلني و الحضوري للجلسة ،كما الوسائل المستعملة
للمناقشة فيها.
مع ذلك ،يجب أن نضيف القول بأن النقاش في الجلسة ال يقتصر على العروض التي يتقدم بها
الطرفين .فهو يفتتح بتالوة نبذة عن القضية من طرف القاضي المنفرد أو رئيس الجلسة ،و دعوة
الطرف المدعى عليه لتقديم دفوعه ،و من بعده المدعي لتقديم ردوده ،و المدعى عليه مرة أخرى للرد
و هكذا دواليك حتى يقرر رئيس الجلسة إغالق باب المناقشة بعد جلسة أو أكثر.
إذا قررت المحكمة تنفيذ إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق في مرحلة المحاكمة وجب على
القاضي المنفرد أو رئيس الهيئة الجماعية للحكم إعالن األمر للطرفين في جلسة المحاكمة دون أن
يكون ملزما بذكر تفاصيل ذلك اإلجراء .و يبقى حكم استعمال وسائل التحقيق التي صدر األمر بها هو
نفسه سواء كان تلقائيا من المحكمة أو بطلب من األطراف.
الفصل الثاني :وسائل التحقيق القضائي في الدعوى المدنية
على غرار العقود و الدعاوى ،يمكن التمييز بين وسائل مسماة للتحقيق القضائي المدني و أخرى
غير مسماة ،يخضع استعمالها في الحالتين لنظام يحدده القانون.
المبحث األول :نظام العمل بوسائل التحقيق القضائي المدني
لسنا في حاجة للذكير أن طبيعة المسطرة تسوغ اخالف نظام العمل بوسائل التحقيق الجنائي عنه في
التحقيق المدني .بل إن االختالف في نظام العمل بوسائل التحقيق القضائي حاصل بسبب الفرق بين
مسطرتي التحقيق اإلعدادي و النهائي.
في مرحلة إعداد القضية للحكم أو إعداد المسطرة يتقرر العمل بأي وسيلة من وسائل التحقيق
القضائي بأمر قضائي يصدره القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر ،و ال يكون هذا األمر قابال
للطعن بأي طريق عادي أو استثنائي.
أما في مرحلة المحاكمة أيا كان المسار الذي تمت فيه ،فيتقرر العمل بوسائل التحقيق القضائي
بأوامر يسميها المشرع أحكاما تمهيدية يصدرها حسب األحوال ،القاضي المنفرد الذي يتولى المحاكمة
أو الهيئة الجماعية الجالسة ألجل ذلك.
و مثل الشأن بالنسبة لألوامر الصادرة من القاضي المقرر أو المكلف بالقضية ،ال تقبل ما يسمى
األحكام التمهيدية اآلمرة بتنفيذ إجراءات أي وسيلة من وسائل التحقيق الطعن.
تبعا الختالف مسار الدعوى من جهة أخرى يختلف نظام العمل بوسائل التحقيق النهائي في مساري
القرب و االستعجال عنه في المسار العادي.
141
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
فحيث أن قاضي القرب و قاضي المستعجالت يملكون تنفيذ كل وسائل التحقيق مثلهما في ذلك مثل
القاضي المقرر و القاضي المكلف بالقضية في مرحلة التحقيق اإلعدادي ،ترد بعض القيود على الجهة
التي تقوم بالتحقيق النهائي في المسار العادي تبعا لنوع الوسيلة المستعملة.
من ذلك أن وسيلة تحقيق الخطوط ال تستعمل إال من طرف القاضي المقرر في القضايا المعروضة
على محكمة االستئناف أو غرفة االستئناف بالمحكمة االبتدائية .أما سماع الشهود ،و الخبرة كما
المعاينة و توجيه اليمين مع إجراء المواجهة بين الطرفين ،فيمكن للقاضي المنفرد و الهيئة الجماعية
األمر بها كل من جهته في مرحلة التحقيق النهائي.
و من جهة أخرى ،يمكن أن تتم إجراءات التحقيق جميعا خارج المحكمة باستثناء سماع الشهود ،و
المواجهة بين الطرفين .ذلك أن تحقيق الخطوط يمكن إتمامه خارج المحكمة في مختر عمومي ال يكون
تحت إشراف كتابة ضبط المحكمة لوقوعه تحت وصاية وزارة أخرى غير وزارة العدل ،أو مختبر
خاص في ملكية مؤسسة خاصة بالداخل أو الخارج .و كذلك الشأن بالنسبة لعموم إجراء الخبرة .أما
المعاينة فبديهي أنها تتطلب انتقال القاضي أو هيئة الحكم إلى عين المكان خارج المحكمة ،في حين أن
القانون أجاز صراحة للمحكمة انتداب قاض أو هيئة للتوجه إلى الطرف المطلوب منه أداء اليمين
لسماعه منه حيث هو خارج المحكمة إذا تعذر عليه الحضور إليها ( الفصل 21من مدونة المسطرة
المدنية).
و في كل األحوال يتم تبليغ الحكم التمهيدي بإجراء التحقيق و وسيلته إلى الطرفين عمال بمبدأ
حضورية مسطرة المحاكمة المدنية ،بطريق كتابة ضبط المحكمة؛ الشيء الذي يعطيهما حق الحضور
أثناء تنفيذ إجراء التحقيق .غير أن الخصمين ال يكونان ملزمين بالحضور شخصيا إال في حالة تنفيذ
إجراء التحقيق بخبرة طبية أو تحقيق للخطوط أو مواجهة شخصية بين الطرفين .أما في غير ذلك
فيكفي حضور الوكالء.
المبحث الثاني :وسائل التحقيق المدني الغير مسماة
ليست القائمة المتعلقة بوسائل التحقيق القضائي المبينة في الفصل 99من مدونة المسطرة المدنية و
المنظمة في الباب الثالث من القسم الثالث من هذه المدونة محصورة .دليل ذلك صريح نص الفصل 99
ذاته الذي يقول ( :يمكن للق اضي بناء على طلب األطراف أو أحدهم أو تلق ائيا أن يأمر قبل البت في جوهر
الدعوى بإجراء خبرة أو وق وف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات
التحقيق).
فالنص يعطي للقاضي الحق في تنفيذ أي إجراء آخر غير التي سماها؛ و كما هو معلوم ،تتسع قائمة
وسائل التحقيق القضائي ألكثر من ذلك ،ليس فقط خارج المجال المدني بل في داخله أيضا.
من ذلك أنه خارج القضايا المدنية ،و بالضبط في القضايا الجنائية ،يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء
تفتيش ،و حجز الوثائق و المستندات ،و التنصت ،و االعتقال أو الوضع تحت الحراسة النظرية من
أجل االستنطاق.
أما في المجال المدني ،فيمكن تصور إجراءات للتحقيق غير التي سماها الفصل 99أعاله ،و منها
تحر خاص أو التماس تدخل مؤسسة عمومية للمساعدة االجتماعية قصد إعداد تقرير حول أحد توظيف ٍ
الطرفين أو كليهما ،خاصة في قضايا األسرة و القضايا االجتماعية.
عمال بمبدأ االتهام الذي يستبعد بالضرورة العمل بمبدأ التفتيش في المسطرة المدنية ،فإن وسائل
التحقيق المعتمدة في المسطرة الجنائية مستبعدة بالطبيعة .غير أنه بالنظر لصياغة نص الفصل 99
المذكور ،فإنه ال شيء يمنع المحكمة من المبادرة أو االستجابة لطلب تعيين تحر خاص على أن يتم
الحكم بأجرته على الطرف الذي يخسر القضية في إطار الصوائر .قد يبدو ذلك أمرا مستغربا في
القضايا التي تحدث وقائعها داخل تراب المملكة ،أما في القضايا ذات االمتداد خارج التراب الوطني،
خاصة منها ما تعلق بالنزاعات األسرية فاألمر عادي.
أما التماس التقرير من طرف مؤسسة عمومية فيجب أن ينحصر في مجال التحقيق المدني ال يتعداه
إلى سواه .ال يجوز بأي حال التماس إجراء تحقيق بوسائل مسماة لنوع غير مدني من التحقيق ،خاصة
ما هو مخصص لوسائل التحقيق الجنائي .فال يجوز الطلب من النيابة العامة إجراء تنصت أو تفتيش أو
حجز أو استنطاق في إطار قضية مدنية.
142
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما المؤسسات العمومية التي ليست مخولة الستعمال وسائل التحقيق الجنائي ،كما هو الحال بالنسبة
لمؤسسات الخدمات االجتماعية التابعة لبعض الوزارات ،فيجوز التماس تدخلها للمساهمة في التحقيق
القضائي بتقديم تقرير عن أحد الطرفين أو كليهما.
المبحث الثالث :الخبرة
الخبرة مطلقا في نظر علم األصول هي المعرفة الفنية ،العلمية أو النظرية الغير متوفرة عادة
بطريق الثقافة العامة .و هي مختلفة بذلك عن التجربة التي تعني المعرفة من الثقافة العامة أو من
الخبرة ،و المكتسبة بطريق الممارسة.
و المحكمة هي بحكم ذلك الجهة الخبيرة في حل النزاع طبقا للقانون ،إال انها قد تصادف أثناء
التحقيق مسألة تتجاوز خبرتها القانونية الرتباطها بموضوع فني أو علمي ال تتوفر عندها معرفة معمقة
به .و لتمكينها من تخطي هكذا صعوبة شرع لها القانون استعمال وسيلة الخبرة في التحقيق القضائي.
بصفتها وسيلة للتحقيق القضائي ،تعني الخبرة انتداب المحكمة لشخص أو أكثر لالسترشاد بالمعرفة
الم توفرة لديهم حول مسألة ال يفترض إحاطة القضاة بها .ألجل ذلك ال تكون الخبرة ممكنة لمعرفة
محتوى القانون الداخلي ،و كيفية تطبيقه؛ ألن ذلك هو صلب ما يفترض في القضاة معرفته .فهم
المفترض فيهم معرفة معنى و مبنى نصوص التشريع و العرف من القانون العادي كما المقدس.
و حيث أنه ال يفترض في القضاة معرفة أحكام الفقه و القضاء كما العادات االتفاقية في الداخل ،و
أيضا أحكام القوانين األجنبية جميعا ،إذ يطلب من األطراف تقديم الدليل عليها مع تفصيل محتواها،
فإنه يجوز للمحكمة انتداب الخبراء فيها ،ما لم تكن معروفة بحكم الثقافة العامة للقاضي.
فكل ما ليس من التشريع و العرف ،و ال من الثقافة العامة للقاضي ،يمكن أن يكون محل إجراء
خبرة تأمر به المحكمة في إطار التحقيق اإلعدادي أو النهائي لقضية مدنية.
و األصل في الخبرة أن للمحكمة مطلق الحرية لألمر بها تلقائيا أو بطلب من األطراف كليهما أو
أحد هما .فلها بالتالي أن ترفض اللجوء إليها رغم توجيه طلب بذلك ،شريطة أن تعلل قرار الرفض،
تحت طائل إعادة النظر في الحكم بطريق االستئناف أو نقضه لهضم المحكمة فيه حقا من حقوق الدفاع.
أما في حال قبول الطلب أو االقتناع بوجوب استعمال الخبرة تلقائيا ،فإن المحكمة تكون ملزمة
بتطبيق المسطرة المبينة في الفصول 93إلى 11من مدونة المسطرة المدنية.
ملخص النظام المتعلق بالخبرة في هذه الفصول أنه يتم تعيين الخبير بأمر قضائي في مرحلة إعداد
القضية للحكم أو إعداد المسطرة ،و بحكم تمهدي في مرحلة المحاكمة .و في الحالتين ال يقبل األمر و
ال الحكم الطعن مستقال عن الحكم في الجوهر.
في كل الحاالت ،يتعين على المحكمة انتداب خبير أو أكثر من ذوي الصالحية المدرجة أسماؤهم في
الجدول الرسمي المتعلق بهم ،و الذي تضعه مصالح وزارة العدل و تجدده سنويا .أما إذا انعدم خبير
مختص في المسألة المطلوب تحقيقها ،فيجوز للقاضي انتداب أي شخص يراه كفئا للقيام بالمهمة،
شريطة أن يؤدي هذا األخير القَ َس َم أمام السلطة القضائية بأن ينجز عمله بإخالص و أمانة المحترفين.
غير أن ذلك ال يحرم الطرفين ،معا أو منفصلين ،من تجريح الخبير لألسباب المذكورة في القانون ،بل
و حتى طلب إجراء خبرة مضادة من طرف خبير أو خبراء يختارونهم.
فإن حدث أن قبلت المحكمة طلب أحد الطرفين تعيين خبير ،أو أمرت بذلك تلقائيا ،و في الوقت
نفسه قبلت طلب الطرف اآلخر أو الطرفين معا إجراء خبرة مضادة ،فإنها تحتفظ بالكلمة الفصل
الختيار أي التقارير شاءت أو رفضها جميعا.
المبحث الرابع :المعاينة
المعاينة مطلقا في نظر علم أصول الفقه هي المشاهدة بالعين المجردة ،و تقتضي التواجد الجسماني
في مكان الشيء المطلوب مشاهدته .و هي في مجال التحقيق القضائي تعني مشاهدة القاضي بالعيان
ألشياء و مواقع موجودة خارج البناية الموجود فيها مقر المحكمة أو إحدى ملحقاتها ،و لو على بعد
أمتار.
أما تنقل القاضي داخل بناية المحكمة لمشاهدة األحراز التي في حوزة مصلحة كتابة الضبط ،فهو
من قبيل تفحص الوثائق و المستندات خالل النظر في محضر القضية.
ال يكون إجراء المعاينة وسيلة للتحقيق القضائي إال إذا قام به القاضي شخصيا .أما إذا كلف به عونا
من أعوان كتابة الضبط أو التمسها من مصلحة عمومية أخرى ،فإنها تدخل باألحرى في إطار وسائل
التحقيق الغير مسماة.
143
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و كما سبق ذكره ،يتم العمل بوسيلة المعاينة تنفيذا ألمر قضائي يصدره القاضي المقرر أو المكلف
بالقضية ،أو حكم تمهيدي يصدره القاضي المنفرد أو هيئة الحكم الجماعي ،تتلقاه كتابة الضبط و تبلغه
للطرفين مع استدعائهم للحضور ،كما تلتزم بمتابعة عملية التنفيذ .ذلك أن إجراء المعاينة ال يصح في
غياب كاتب الضبط أو ممثل له في عين المكان مع القاضي أو القضاة القائمين به ،يتولى تحرير
محضر مفصل بكل الخطوات المنجزة و المعلومات المحصلة.
المبحث الخامس :البحث القضائي
لعله من باب الترجمة الحرفية عن القانون الفرنسي المتعلق بالمسطرة المدنية استعمل المشرع
المغربي لفظ األبحاث في صيغة جمع البحث القضائي ،لتسمية وسيلة تلقي شهادة الشهود.
يعتبر تلقي شهادة الشهود في نظر علم أصول الفقه إجراء من إجراءات التحقيق القضائي مختلف
عن إجراءات سماع المحكمة مطلقا .ذلك أن تحقيق القضية يفترض سماع المحكمة لعدة متدخلين منهم
األطراف ،و منهم من ليسوا أطرافا في القضية ،بدءا من المتواجدين مع الطرف في موطنه أو مكان
إقامته أو عمله لغر ض تبليغ االستدعاء إليه ،مرورا بالحاضرين في مكان المعاينة ،إلى غاية الخبراء
مع مختلف الذين تلتمس المحكمة مساعدتهم أو تستعملهم لتقديم تقارير إليها.
في كل هذه الحاالت ال تعتبر أقوال األشخاص المستمع إليهم شهادات تتلقاها المحكمة ،و إنما هي
تصريحات توثقها كتابة الضبط ،أو تقارير تتلقاها المحكمة.
أما الشهادات بالمعنى األصولي للكلمة ،فهي األقوال التي تتلقاها المحكمة من األشخاص الغير
مكلفين بتقديم التقارير إليها ،و التي يتم اإلدالء بها وفق مسطرة األبحاث المبينة في الفصول 91إلى
21من مدونة المسطرة المدنية.
و ملخص ال نظام المتعلق بالشهادة في هذه الفصول أن الشاهد هو غير الخصم في الدعوى و ال
الخبير أو العون المكلفين بتقديم تقرير بما يعرفونه حول حقيقة وقائع ذات صلة بالقضية.
الشاهد هو باألحرى من يدلي بأقواله كوسيلة إثبات لمصلحة أحد الطرفين ضد اآلخر .فأقوال الشاهد
هي ذاتها المستعملة لإلثبات و ليس وقائع تم تأكيد صلتها بالقضية بناء على تقارير الخبراء و األعوان.
بسبب ذلك تخضع الشهادة في القضايا المدنية ألحكام وسائل إثبات الحقوق المدنية مضافة ألحكام
مسطرة التحقيق القضائي .و بناء عليه يحول الفصل 113من مدونة االلتزامات و العقود دون حق
المحكمة في استعمال وسيلة األبحاث في القضايا المتعلقة بتصرفات قانونية غير تجارية بين التجار أو
في مواجهتهم ،تكون منشئة ،معدلة أو منهية ،لحقوق و التزامات مالية تزيد قيمتها عن 13 333
درهم .في حين ذلك تحول أحكام مسطرة التحقيق دون حق المحكمة في استعمال وسيلة األبحاث لتلقي
الشهادة ممن ال تقبل شهادتهم بقوة القانون ،أو أن تفعل ذلك رغما عن الشكليات المطلوبة.
فبخصوص كل تصرف قانوني و واقعة قانونية قابلة لإلثبات بطريق الشهادة ،يمكن للقاضي المقرر
كما المكلف بالقضية و هيئة الحكم الجماعي مع القاضي المنفرد ،إصدار أمر أو حكم تمهيدي بتنفيذ
وسيلة األبحاث تلقائيا ،يتم تسجيله في كتابة الضبط و تبليغه لألطراف مع استدعائهم للحضور .و يمكن
لألطراف كذلك طلب استماع القاضي لشهادة من يشاؤون .فيتم األمر باستدعاء الشهود أو الترخيص
لألطراف بإحضارهم ،بعد التأكد في الحالتين من عدم وقوعهم تحت طائل المنع القانوني من اإلدالء
بالشهادة.
و يبقى مع ذلك أنه ليس للمحكمة االستماع لكل شخص غير ممنوع من أداء الشهادة ألسباب قانونية
رغم إرادة األطراف .إذ يعطي القانون لهؤالء حق تجريح الشهود ألسباب شخصية تجعل الشك في
صدق شهادتهم يغلب على الظن .بل إنه حتى في حال عدم التجريح ،يحتفظ كل طرف بحق التشكيك
في أقوال الشاهد و إثبات ما يكذبها رغم أنها صادرة بعد أداء اليمين من طرف هذا األخير.
المبحث السادس :اليمين
اليمين مطلقا في نظر علم أصول الفقه هي اتخاذ الشخص إلهه الذي يراقبه في ضميره شاهدا على
صدق أقواله .و ليس ضروريا أن يتعلق األمر بإله من الغيب يؤمن به المعني باألمر ،إذ يجوز أن
يكون شيئا ماديا أو معنويا من عالم الشهادة كضريح ميت ،أو الشرف ،أو اإليديولوجية ،أو الوطن ،أو
األهل إلخ.
أما في مسطرة التحقيق القضائي ،فاليمين هو القَ َسم المطلوب بأمر قضائي أو بحكم تمهيدي من أحد
الطرفين بالصدق في قول الحقيقة حول ادعائه ،أو حول إنكاره لما يتم االدعاء به عليه .و صيغته وفقا
للفصل 29من مدونة المسطرة المدنية أن يقول الحالف "أقسم باهلل العظيم".
144
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
واضح أن المشرع ضيق بذلك على المحكمة طرق استعمال اليمين كوسيلة للتحقيق القضائي من
حيث أن اتخاذ هللا عز و جل كما هو معروف بقوة قانون حضارة األمة المغربية ،شاهدا على صدق
أقوال الحالف به ال يمكن االعتداد به إال من طرف المؤمنين الموحدين من المسلمين و اليهود و
المسيحيين .أما الزنادقة ،و الفجار كما الملحدين مع عموم الكفار من الوثنيين ،فال مجال لطلب اليمين
منهم ،إال أذا تم االتفاق بين الطرفين على أن تؤدى وفق المعتقد الديني لمن يقوم بتأديتها منهم.
ألجل ذلك فإن أمر المحكمة بتوجيه اليمين لطرف ال ينزع من الطرف اآلخر حق االعتراض على
ذلك لعدم اعتقاد المطلوب منه الحلف باهلل في هللا عزو جل ،إن كان زنديقا أو ملحدا أو كافرا وثنيا؛ أو
لعدم خوفه من هللا إن كان فاجرا.
مهما يكن ،فإنه ال يجوز للمحكمة أن تجبر أي طرف على قبول حلف خصمه بغير هللا عز و جل؛
كما أنها ملزمة بتعليل رفضها االعتراض الصادر من كل طرف على توجيه القسم لخصمه تحت طائل
مراجعة الحكم على مس توى الموضوع في محكمة أو غرفة االستئناف ،و نقضه في محكمة النقض
لإلخالل بحق من حقوق الدفاع.
ففي حدود المجال المسموح به للمحكمة ،يمكن أن تستعمل اليمين كوسيلة للتحقيق القضائي االبتدائي
أو النهائي في صورة الحلف المتمم أو الحاسم.
رغم ركاكة الترجمة العربية لنص الفصل 29من مدونة المسطرة المدنية باللغة الفرنسية ،فإنه
يستفاد بعد طول عناء أن المقصود من اليمين الحاسمة هو ذلك الطلب الموجه من أحد الطرفين لآلخر
إلنهاء الخصومة عن طريق الحلف باهلل عز و جل ،أو اإلله المتفق عليه بينهما ،أنه صادق و أن األول
كاذب.
و خالفا لما ظنه البعض ،فإن اليمين الحاسمة ال تستعمل فقط عند االفتقار ألي وسيلة أخرى من
وسائل اإلثبات ،و إنما هي مخصصة إلنهاء النزاع باالحتكام إلى ضمير أحد الطرفين بطلب من اآلخر
بدل انتظار صدور حكم القاضي ،حتى و لو تأكدت باألدلة القاطعة صحة ادعاءات طرف دون اآلخر.
مفاد ذلك عمال بقواعد أصول الفقه أن الفصل 29يقضي بداللة التضمن أنه ال يجوز للمحكمة توجيه
اليمين الحاسمة ألحد الطرفين أو كالهما معا ،ألنها مطالبة بالحكم وفق طلباتهما التي يصرحان بها و
ليس االحتكام إلى ضميريهما.
و بداللة االقتضاء ،يستفاد من نفس الفصل أنه ال يجوز للطرف الذي احتكم إلى ضمير خصمه عبر
اليمين الحاسمة أن يطعن بعد ذلك في صدق حلف هذا األخير لكونه ملحدا ،أو زنديقا ،أو فاجرا ،أو
كافرا ال ضمير له .ذلك أن طلب اليمين الحاسمة متروك لتقديره ،و عليه أن يتحمل مسؤولية صدوره
عن خصمه و لو كان كاذبا.
يجب االنتباه إلى حقيقة الفرق بين قيمة اليمين في التحقيق الجنائي و في التحقيق المدني .ففي األول
يمكن للمحكمة عدم اعتباره متى شكت في صدق المتهم ،أما في مسطرة التحقيق المدني فاألسبقية
معطاة لسلطة الطرفين على موضوع النزاع و طريقة حسمه عمال بمبدأ التصرف في الدعوى .و على
ضوء ذلك يفسر سكوت المشرع عن سلطة المحكمة على اليمين الحاسمة بأنه إلزام لها بحسم
الخصومة وفقا لطلب الطرف الذي وجهه لخصمه متى أقدم هذا األخير على الحلف باهلل أنه صادق و
أن خصمه كاذب ،حتى و لو كانت األدلة القاطعة تشير لغير ذلك.
أما اليمين المتممة فهي التي رخص الفصل 29من مدونة المسطرة المدنية للمحكمة توجيهها
للطرف الذي ترى أنه لم يعزز ادعاءاته بالحجة الكافية بخصوص وقائع محددة .و يستفاد من نص هذا
الفصل أن المحكمة تملك حق طلب اليمين فقط لتعزيز الحجج الغير كافية فيما تعلق بوقائع محددة و
ليس إلثبات مجمل االدعاء .فإن كانت الوقائع التي يستند إليها الطرف ثابتة بحجج كافية ،غير انها ال
تكفي في مجملها لتفنيد ادعاء الخصم ،لم يكن من حق المحكمة استعمال اليمين المتممة لدعمها.
و حيث أن طلب أداء اليمن المتممة ال تملكه إال المحكمة ،فإن مقتضى الفصل 29المذكور أنها ال
تؤدى بغير صيغة "ا قسم باهلل العظيم" ،إذ ال يجوز للمحكمة االتفاق على تأديتها بصيغة مختلفة .و ذلك
مؤداه أن للطرف اآلخر حق االعتراض عليها بحجة كفر الخصم أو عدم خوفه من هللا عز و جل.
المبحث السابع :تحقيق الخطوط
تحقيق الخطوط مطلقا في نظر علم أصول الفقه هو البحث في مادة الوثيقة المادية أو اإللكترونية
لمعرفة هوية محررها.
145
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و في الوثائق المادية كالورق و الخشب و الجلد و غير ذلك مما يستعمل للكتابة عليه بخط اليد ،يتم
التحقق من هوية محررها بالمقارنة مع بصمته الخطية .ذلك أن لكل شخص بصمة خطية تتميز بها
الخطوط التي يكتبها بيده ،و يمكن للخبراء التعرف عليها من المقارنة مع محررات صادرة عنه من
قبل.
مفاد ذلك أن استعمال آلة كاتبة سواء كانت تعمل بطريق الضرب أو المسك ،ال يسمح بالتعرف على
هوية محرر الوثيقة ،ألنه ال يستعمل خط يده لكتابتها.
أما المحررات اإللكترونية فهي بخالف ذلك تحمل بصمة محرريها ،التي تسمى بصمة إلكترونية.
من ذلك استعمال بطاقة مغناطيسية في شباك بنكي مع إدخال رقم سري ،و استعمال الشبكة العنكبوتية
من موقع مسجل لدى متعهد خدمة تلك الشبكة باسم محرر الملف االلكتروني لبعث رسالة عبر البريد
اإللكتروني ،أو نشر بيان أو القيام بتغريدة.
َّ
ال يكون التشكيك في صحة نسبة الم َحرر المادي أو اإللكتروني للطرف في الدعوى دائما من قبل
خصمه ،و إنما يمكن أن يتم من طرف المنسوب له نفسه متى ظن أن الطرف اآلخر يستعمل محررات
مكتوبة من طرف الغير و ينسبها له.
و في سبيل حسم هكذا خالف حول حقيقة هوية محرري الوثائق المقدمة إلى المحكمة ،بينت الفصول
23إلى 31من مدونة المسطرة المدنية نظام العمل بوسيلة تحقيق الخطوط في مجال التحقيق القضائي.
عمال بالفصل 99من مدونة المسطرة المدنية ،و خالفا لما توحي به الفصول 23إلى 31أعاله،
ليست المحكمة ملزمة بتلقي طلب من األطراف لتأمر باستعمال وسيلة تحقيق الخطوط .بل يمكن
للقضاة تلقائيا في كل مراحل الدعوى ،إصدار امر أو حكم تمهيدي ،حسب األحوال ،لتحقيق الخطوط
وفق الطرق المعهودة ،قصد التعرف على هوية محرري الوثائق المكتوبة التي تعرض عليهم.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي IX
تحدث بإسهاب عن التحقيق القضائي اإلعدادي في الدعوى المدنية؟
تحدث عن التحقيق القضائي النهائي في الدعوى المدنية ؟
تحدث عن وسائل التحقيق القضائي المسماة و الغير مسماة في القانون المغربي؟
الدرس التطبيقي IX
لخص الدرس النظري التاسع في بضع سطور ؟
قارن بين مراحل التحقيق في الدعاوى المدنية و الدعاوى الجنائية؟
قارن بين مسطرة األبحاث المدنية و مسطرة سماع الشهود في الدعوى الجنائية؟
تمرن على كتابة محضر لمعاينة محل سكنى تدعي الزوجة أنه ال يصلح أن يكون بيتا للزوجية بسبب
وجوده في مغسل األموات بمستشفى عمومي حيث يشتغل الزوج حارسا ليليا؟
146
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ال بد أن يترتب عن هكذا تنوع و تعدد في األحكام الصادرة في الدعوى المدنية اختالف في قيمة كل
منها و قوته التنفيذية .ذلك أنها و إن اكتسبت جميعا قوة الشيء المقضي فيه ،فإن أي حكم ال يكتسب قوة
الشيء المقضي به إال في غياب حكم أكثر منه قوة بحجية الشيء المقضي فيه يلغيه أو ينقضه.
لعله من المفيد تبعا لذلك بعد الوقوف على أنواع األحكام المدنية ،النظر في طرق الطعن الممكن
استعمالها ضدها ،و كذلك نظام تنفيذها.
147
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الجنائية و اإلدارية كما المالية فشأنها مختلف ،إذ أجازت المسطرة الجنائية مثال الطعن في مقررات
قاضي التحقيق أمام الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف على اعتبار أنها أحكام تمهيدية.
مهما يكن ،فإن التمييز في المسطرة المدنية بين القرارات على أنها أحكام تمهيدية في مرحلة
المحاكمة و أوامر قضائية في مرحلة إعداد القضية ال يجدي نفعا ألن المشرع نص صراحة في الفصل
113من مدونة المسطرة المدنية على أن األحكام التمهيدية ال تقبل الطعن فيها إال مع األحكام النهائية و
ضمن نفس اآلجال ،علما أن الطعن في أي حكم نهائي يستغرق بالضرورة الطعن في كل ما صدر في
القضية من أوامر و أحكام تمهيدية.
المبحث الثاني :شكل الحكم القضائي
تظهر الفائدة العملية من التمييز بين األوامر القضائية من جهة و األحكام القضائية من جهة أخرى
حي ن الحديث عن شكل كل منهما .فحيث يجوز لإلمر القضائي أن يكون شفهيا ،ال يجادل عاقل في أن
الحكم القضائي يحب أن يتخذ الشكل الكتابي .و لعل المشرع قصد من الخلط بين األوامر القضائية و
األحكام القضائية التفريق المتعمد بين الشكل الكتابي لصدور الحكم القضائي و الشكل الكتابي لكيفية
ضبط صدور.
و دون مقدمات ،نبادر إلى القول أن القانون المغربي ال يشترط صدور األحكام القضائية في
الدعاوى المدنية كتابة إال على مستوى قسم قضاء القرب .أما خارج هذا القسم ،فالقانون يشترط فقط،
ضبط صدور القرار أو الحكم كتابة من طرف مصلحة كتابة الضبط.
و حيث أن عملية ضبط صدور الحكم كتابة ال توفر نفس ضمانات العدالة كما في حالة صدوره
كتابة من هيئة الحكم أو من القاضي مباشرة ،فإن القضية تحتاج إلى بعض التوضيح.
لعله من المفيد تذكير المشرع المغربي أنه يعمل في هذا الشأن بنظام دخيل ورثه الروم الالتينيين
عن الكن سية الرومانية .ففي النظامين القضائيين ،األنجلوسكسوني كما اإلسالمي على حد سواء ،ال
يصدر الحكم من أي قاض في أي محكمة إال مكتوبا من طرفه بخط يده ،و ال يقبل التوقيع عليه من
طرف غيره نيابة عنه مهما كانت الظروف.
و للعلم ،فقد كانت قوانين الكنيسة الرومانية ،و من قبلها قانون حمورابي و قوانين الفراعنة و كذلك
أباطرة اإلغريق و نظرائهم الصينيون كما قياصرة الرومان مع أكاسرة الفرس ،كلها تمنع القضاة من
مسك أقالم المحكمة و تحرمهم من حق إصدار أحكامهم كتابة ،فتلزمهم بتوقيع النسخ المحررة من
طرف كتاب الضبط .و قد كان الدافع إل ى ذلك هو االحتفاظ بهامش مناورة لتضمين األحكام ما تريده
الكنيسة رغم إرادة القضاة المصدرين له ،بحيث يتم نسخه من طرف كاتب الضبط بإمالء جهة ما في
كواليس محكمة الكنسية كي يقدم لتوقيع ممثل للبابا أو البابا نفسه إن رفض القضاة الذين صدر باسمهم
توقيعه.
ليس سرا أن المشرع الفرنسي أخذ بنفس هذا النظام قصد االحتفاظ بنفس هامش المناورة لمصلحة
اإلدارة العلمانية ضد رجال و نساء الثورة المضادة؛ و ليس عدال أن يمنع المستضعفون المغاربة من
الظن بأن المشرع المغربي أخذ به هو أيضا ليوفر للمخزن نفس هامش المناورة لكن ضد مصلحة
الحراثين.
على أي حال ،و في ظل ممارسات الحصار المخزني ألبناء طبقة الحراثين ،يجدر بالمشرع أن ينتبه
إلى خطورة هذه المسألة .فكتاب الضبط ملزمون بتسليم نسخ األحكام و القرارات كما يصدرها القضاة
و هيئات الحكم ،و الحال أنهم ال يملكون حق إلزام هؤالء القضاة و هيئات الحكم الموقرة تلك بتسليمهم
أحكاما أو قرارات مكتوبة ،و ال هم ملزمون باالمتناع عن القبول بغير الحكم المكتوب بخط يد القاضي
الذي ينسب إليه أو إلى جلسة الهيئة الجماعية التي يرأسها.
صحيح أن الحكم أو القرار المحرر في جلسة صدوره من طرف كتابة الضبط ال يحوز الصفة تلك
إال بتوقيع رئيس الجلسة عليه مع القاضي المكلف و القاضي أو المستشار المقرر ،ما يعطي لهؤالء
فرصة رفض التوقيع إن وجدوا في المحرر ما يخالف الذي تم الحكم به ،لكن احتماالت السهو و
اإلهمال مع التالعب تبقى واردة .فال يجب أن ننسى بأن توقيع الحكم يمكن أن يتم طبقا للفصل 93من
مدونة المسطرة المدنية من طرف رئيس المحكمة بدال عن أي من القضاة الجالسين فيها للحكم.
في ذلك ينص الفصل المذكور أنه ( :إذا عاق الق اضي مانع أصبح معه غير ق ادر على توقيع الحكم
وجب إمضاؤه من طرف رئيس المحكمة داخل أربع وعشرين ساعة من التحقق من وجود هذا المانع و بعد
148
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
اإلشارة إلى أن منطوق الحكم مطابق للصيغة التي صدر عليها من الق اضي الذي لم يتمكن من اإلمضاء عليه و
مصادق عليه من طرف كاتب الضبط.
إذا حصل المانع لرئيس المحكمة اتخذ نفس اإلجراء و تولى التوقيع عن الحكم أقدم القضاة.
إذا حصل المانع لكاتب الضبط ذكر ذلك الق اضي عند اإلمضاء.
إذا حصل المانع للق اضي و للكاتب في آن واحد أعيدت القضية إلى الجلسة من أجل المناقشة و إصدار
الحكم).
رب قائل أن التزام القاضي بإصدار أمر بتسليم نسخة منطوق الحكم للطرف الحاضر في الجلسة
تضمن عدم تالعب كاتب الضبط بالحكم الصادر ،لكن القاضي نفسه ال يملك سلطة إلزام كاتب الضبط
باستالم نسخة للمنطوق مكتوبة و موقعة منه ،فيمكن بالتالي لكاتب الضبط أن يسلم للطرف الحاضر
نسخة منطوق مختلف ،فإن اعترض القاضي على توقيع أصل نسخة الحكم الكاملة لمخالفتها منطوق
الحكم الذي أصدره اعتبر ذلك مانعا من توقيع الحكم و تم العمل بمقتضيات الفصل 93أعاله.
صحيح أن صفة القاضي التي يملكها رئيس المحكمة االبتدائية تضمن عدالته ،لكنها ضمانة ال
تعززها طريقة تعيينه؛ إذ يجب أال ننسى بأنه غير منتخب في منصبه من طرف الجمع العام لهيئة
قضاة المحكمة و ال حتى معين في منصب الرئيس بظهير شريف ،و إنما بمقتضى مرسوم حكومي ،أي
من طرف سلطة مخزنية تملك عزله من الرئاسة في أي وقت و ألي سبب ،و في ذاك ما فيه من
المعاني.
مهما قيل عن وزارة العدل أنها سيادية ،فإن السلطة المخزنية فيها تؤول في نهاية األمر إلى حزب
سري أو علني ال شيء يضمن أن يكون دائما راشديا.
رب قائل من جهة أخرى أن احتمال خضوع الرئيس للضغط الحزبي بالمساومة على عزله من
منصب الرئاسة مستبعد بالنسبة لقرارات محكمة االستئناف و محكمة النقض ،ألنه في حال وجود
"مانع" يتم توقيع نسخة القرار من طرف أقدم مستشار بالمحكمة ،لكن ذلك ال يضمن العدالة .إذ ال
يجب ننسى أنه في حال استنكاف قيدومي مستشاري المحكمة القيام بدور المتعيشين ،يمكن للرئيس
األول للمحكمة او رئيس الغرفة إن كانوا من المتعيشين ،اعتبار أن ذلك مانعا يسوغ إعادة القضية إلى
الجلسة من أجل المناقشة و الحكم من جديد ،و هكذا دواليك إلى ما ال نهاية لتتعدد األحكام الصادرة في
نفس الدعوى دون جدوى.
المبحث الثالث :قوة األحكام الصادرة في الدعاوى المدنية
يستمد كل حكم قضائي بالضرورة قوته من الصفة العمومية لإلرادة التي يعبر عنها .ذلك هو ما
يؤكده عنوان كل حكم قضائي بالنص أنه صادر باسم جاللة الملك .و هو بهذه الصفة يصدر عن سلطة
مستقلة بما في ذلك في العالقة مع الملك لكون القاضي الذي يصدره غير قابل للعزل بغير مقتضى
القانون .هذا ما بات مؤكد بحمد هللا من خالل النص في الدستور على أن الحكم يصدر طبقا للقانون.
مهما يكن ،فإن الحكم القضائي يمتلك قوة الشيء المقضي فيه و يحوز مع الوقت كذلك قوة الشيء
المقضي به.
بالفعل ،يميز الشراح بين الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به و الحكم الحائز فقط على قوة الشيء
فيه ،و هو تمييز ثابت من نص القانون بداللة التضمن كما يسميها علماء أصول الفقه ،و بطريق
االستغراق كما يقول علماء القانون الوضعي.
فقد نص القان ون على حالة الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به دون االتيان على حالة الحكم الحائز
لقوة الشيء المقضي فيه ،و تم من خالل ذلك استنتاج تعريف هذا األخير.
ففي الفصول ،211و ،329-13و 913من مدونة المسطرة المدنية ،استعمل المشرع ألفاظ الحكم
الحائز لقوة الشيء المقضي به لتسمية صفة الحكم أو القرار القضائي الذي استنفذت في حقه كل طرق
الطعن.
بناء على ذلك ال يملك الحكم سوى قوة الشيء المقضي فيه متى كان محال ممكنا للطعن بطريق من
الطرق العادية أو االستثنائية .أما إذا تعطلت ضده كل طرق الطعن ،فإنه يصبح حائزا لقوة الشيء
المقضي به.
149
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يحوز الحكم قوة الشيء المقضي به متى حاز المناعة ضد الطعون ،حتى و لو صدر باطال لعيب
في المسطرة أو لعدم امتداد الصالحية النوعية .و هو من جراء ذلك يفوق الحكم الحائز لقوة الشيء
المقضي فيه في القوة؛ ذلك أن هذا األخير يظل محال ممكنا لعدم التنفيذ و لإللغاء.
ألجل هذا كان الدفع بحجية الشيء المقضي وسيلة دفاع مختلفة الطبيعة في الحالتين ،بحيث تعد دفعا
برد أساس الدعوى في حالة وجود حكم حائز لقوة الشيء المقضي به في نفس الموضوع الستحالة
نشوب الخصومة القضائية .ذلك الحكم الحائز قوة الشيء المقضي يكون قد حسم النزاع الحقوقي نهائيا.
أما إذا كان الحكم حائزا فقط لقوة الشيء المقضي فيه ،فإن استعماله للدفاع يكون فقط للدفع بعدم
القبول النعدام المصلحة في إعادة تقديم دعوى صدر فيها حكم حائز لقوة الشيء المقضي فيه.
و تكمن الفائدة العملية من هذا التمييز في أن المحكمة تجد نفسها في حال استعمال حجية الحكم
للدفع بعدم القبول مضطرة لتعليق القضية لحين صدور حكم في طلب إلغاء أو استئناف أو نقض أو
إعادة نظر مقدم منه في ذلك الحكم .أما الدفع برد األساس بناء على اكتساب الحكم الصادر في نفس
القضية قوة الشيء المقضي به ،فتملك المحكمة مبدئيا رفض الدعوى على اساسه دون انتظار.
بعيدا عن ذلك كله ،يجب االنتباه إلى حقيقة أنه باستثناء األحكام الصادرة في قسم قضاء القرب ،ال
يكون الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به مطلق الحجية و ال حتى مطلق القوة التنفيذية إال إذا كان
صحيحا ،ألن األحكام الباطلة تظل رغم حيازتها قوة الشيء المقضي به عرضة للطعن بطريق
استثنائي هو طلب اإللغاء من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بطلب من وزير
العدل كما سيلي تفصيله .ذلك أنه من طرق الطعن االستثنائية ما خصصه المشرع إلزالة حجية الحكم
األحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به.
المبحث الرابع :األحكام الصادرة في نفس الدعوى المدنية
رغم وحدة الخصومة بين األطراف في القضية ،فإن الدعوى المرفوعة بشأنها في كل محكمة تكون
مستقلة و مختلفة بعناصرها .فالدعوى أمام محكمة االستئناف هي دعوى استئناف مستقلة و ليست
امتدادا للدعوى التي رفعت في نفس القضية و تم النظر فيها بنفس المحضر أمام المحكمة االبتدائية .و
الشأن كذلك بالنسبة للدعوى المرفوعة أمام محكمة النقض.
تبعا لذلك تكون األحكام الصادرة في نفس الدعوى هي التي تصدر من نفس المحكمة ،و تكون
نهائية او تمهيدية تبعا للمسألة التي تفصل فها.
المطلب األول :الحكم التمهيدي
قانونيا ،يعتبر وفقا للمعيار المعمول به في الفصل 113من مدونة المسطرة ،تمهيديا كل حكم ال
يمكن استئنافه منفصال عن الحكم في الموضوع.
يعرف الحكم التمهيدي تبعا لذاك بالنظر لطبيعة العالقة التي تربطه مع الحكم النهائي من حيث
خصوصية القابلية للطعن باالستئن اف و ليس بالنظر للقضية التي يبت فيها ،و ال حتى لطبيعة القوة التي
يحوزها.
بمفهوم مخالفة ذلك يعد نهائيا كل حكم يجوز الطعن فيه باالستئناف مستقال عن الحكم في الموضوع
و لو تعلق بمسألة متفرعة عن جوهر القضية .من ذلك الحكم المستقل للرد على الدفع بعدم
االختصاص مثال و كذلك األحكام الصادرة في القضايا االستعجالية .هذه كلها داخلة بقوة القانون في
عداد األحكام النهائية لجواز الطعن فيها مستقلة عن االحكام الصادرة في الجوهر ضدا على ما يقضي
به الفصل 113المذكور بالنسبة لألحكام التمهيدية.
عادة ما يأتي النص على جواز الطعن في الحكم النهائي المتعلق بمسألة متفرعة عن القضية في
صيغة اشتراط صدوره منفصال عن الحكم في الجوهر .إال أن ذلك ال يعني أن المشرع يمنع دائما على
المحكمة في الوقت نفسه ضم المسألة الفرعية إلى الجوهر و االمتناع بالتالي عن إصدار حكم منفصل
قابل للطعن بشكل مستقل عن الحكم النهائي.
مع ذلك يجب االنتباه إلى حقيقة أن الفصل في مسألة متفرعة عن القضية موضوع النزاع ،متى
ترتب عنه تخلي المحكمة عن القضية ،يتحقق ضرورة بحكم نهائي صادر من المحكمة ليس لحسم
الخصومة و ال إلنهاء الدعوى ،و إنما لوضع حد المساك المحكمة بها.
بالفعل ،يخت لف الحكم التمهيدي عن النهائي من حيث أثره على إمساك المحكمة بالدعوى .فاألثر
الضروري لكل حكم النهائي هو تخلي المحكمة عن ملف القضية لفائدة األطراف حتى يتسنى لهم تنفيذ
150
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ما أمرت به لحل نزاعهم أو اللجوء إلى محكمة من درجة أعلى لطلب إعادة النظر في موضوع القضية
أو لمراقبة مدى صحة تطبيق المحكمة للقانون.
أما الحكم التمهيدي ،فهو الذي تفصل به المحكمة في مسألة عارضة ،مع االستمرار في اإلمساك
بملف الدعوى لحين البت النهائي فيها .ففي قضية عدم االختصاص مثال تظل المحكمة ممسكة بالقضية
متى ضمت الدفع به إلى الجوهر حتى بعد حسمها بحكم تمهيدي قررت به تأكيد صحة اختصاصها.
ذلك أن نفس المحكمة تملك في أي وقت قبل صدور الحكم النهائي مراجعة قرارها حول صحة
اختصاصها و الحكم بعدمه .واضح أن هكذا هامش للمناورة ينعدم أمام المحكمة متى قررت البت في
قضية عدم االختصاص بحكم مستقل يعد نهائيا بقوة القانون ،حائزا لقوة الشيء المقضي فيه بما في ذلك
في مواجهة المحكمة نفسها لفائدة من صدر لمصلحته .
المطلب الثاني :الحكم النهائي في الدعوى المدنية
يحاول الشراح تجاوز عوار المعيار المعتمد في الفصل 113من مدونة المسطرة المدنية بالقول أن
كل قرار متخذ في جلسة المحاكمة ،بعد إجراء مداولة في غرفة المشورة من طرف هيئة الحكم
الجماعي ،أو بعد رفع الجلسة للتأمل من طرف القاضي المنفرد ،تفصل به المحكمة في جوهر
موضوع النزاع المطروح عليها برمته ،أو في جزء منه أو حتى في مسألة متفرعة منه ،يكون
بالضرورة حكما نهائيا و إن لم يكن انتهائيا ،ما لم يكن مانع الطعن فيه باالستئناف الرتباطه بحكم يقبل
االستئناف و ليس لعلة أخرى .ذلك أن الحكم الذي يمنع الطعن فيه باالستئناف إال مع حكم آخر يليه في
الصدور يكون بالضرورة ممهدا له و ليس نهائيا.
و حيث أنه ليست كل األحكام قابلة لالستئناف ،فإن قصور المعيار المستعمل من طرف المشرع في
الفصل 113المذكور أمر مؤكد ،ألن مقتضى العمل بالفصل 113أعاله هو أن األحكام الصادرة في
القضايا التي تنظر فيها المحكمة ابتدائيا و انتهائيا تكون كلها نهائية و هو ما ال يجوز.
يكمن خلل هذا المعيار في استعماله إليجاد لتمييز خاطئ بين األحكام؛ إذ ليس في الحقيقة لألحكام
التمهيدية وجود و إنما هي أوامر قضائية بجانب األحكام النهائية.
ما يسميه المشرع أحكاما تمهيدية ليس في الحقيقة سوى أوامر قضائية تحوز قوة الشيء القضائي و
ليس قوة الشيء المقضي فيه .فالتمييز بين القرارات من حيث كونها تحوز فقط قوة الشيء القضائي أو
قوة الشيء المقضي فيه هو المعيار األصح للتمييز بين األحكام النهائية و ما سواها من قرارات
المحكمة.
بناء على هذا المعيار األخير يمكن القول أن الحكم النهائي هو القرار الذي يحوز قوة الشيء
المقضي فيه سواء كان قابال للطعن باالستئناف أو غيره أو لم يكن كذلك .و الحكم الحائز لقوة الشيء
المقضي فيه متميز عن األوامر الصادرة في نفس الدعوى باعتبارها أشياء قضائية ،من حيث أنه قابل
لالستعمال على خالفها كوسيلة للدفع بعدم القبول بل و حتى للرد من األساس متى حاز قوة الشيء
المقضي به.
باإلضافة لما سبق ،تتميز األحكام النهائية بكونها تحدث أثر تخلى المحكمة عن ملف الدعوى
لألطراف ،ينفذون الحكم الصادر أو يطعنون فيه حسب األحوال بالتعرض أو االستئناف أو النقض أو
طلب إعادة النظر .غير أنه في حالة صدور حكم بالنقض أو بالحسم في مسألة فرعية تقرر المحكمة
بمناسبتها إحالة الدع وى إلى محكمة أخرى ،فإن المحكمة ال تتخلى عن ملف الدعوى لألطراف ،بل
يتولى كاتب الضبط مهمة إحالته إلى محكمة أخرى.
من جهة أخرى فإن األصل في نفاذ األحكام النهائية أنه غير معجل ،بمعنى أن الطرف الرابح
للقضية محتاج النتظار انقضاء أجل الطعن بالتعرض و االستئناف في كل القضايا ،و أجل الطعن
بالنقض في قضايا األحوال الشخصية ،و قضايا الزور الفرعي و التحفيظ العقاري.
المبحث الخامس :األحكام الصادرة في نفس القضية
حيث يجوز للمتقاضين الترافع تباعا في نفس القضية أمام عدة محاكم من درجات مختلفة قصد
االستئناف أو الطعن بالنقض فإن األحكام النهائية في نفس تلك القضية تكون قابلة للتعدد .ذلك أن أحكام
تلك المحاكم ال تصدر في تلك القضية بناء على نفس الدعوى ،و إنما تمسك كل محكمة بالقضية بناء
على دعوى مستقلة تسمى الدعوى االبتدائية أو دعوى االستئناف أو دعوى النقض ،و هو ما يكشف
عن حالة تعدد عمودي ممكن للدعوى المدنية.
151
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
152
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مفاد ذلك كما سبق ذكره ،أن يتسلم القاضي من كاتب قسمه ذلك السجل الخاص باألحكام بعد الفراغ
من إعداد القضية للحكم ،فينعزل به في مكتبه لتحرير الحكم الذي يصدره ،ليعود في نفس الجلسة إن
كانت منعقدة ،ليتلوه على الطرفين انطالقا من ذات السجل ،فيستلم منه الكاتب فورا هذا األخير.
بديهي أن يكون السجل الخاص باألحكام مقيدا لدى كتابة القسم باسم القاضي ،فال حاجة بالتالي لهذا
األخير أن يذكر في صلب الحكم اسمه و اسم الكاتب الحاضر في الجلسة ،و إنما يكفيه أن يصدره باسم
جاللة الملك و وفق القانون ،و أن يذكر اسم الطرفين و تاريخ جلسة النطق به مع رقم ملف محضر
الدعوى و حيثيات القرار المتخذ ثم منطوق قراره الذي يجب عليه تذييله بالصيغة التنفيذية .غير أنه ال
يمكن للقاضي االستغناء عن خط يده لكتابة الحكم ،فالفصل 9المذكور يقضي بأن الحكم يكون مكتوبا
في السجل و ليس في ورقة للجلسة .ال يقبل بالتالي صدور الحكم إال مكتوبا في السجل الذي يمنع كتابته
باآللة الكاتبة على ورقة طائرة ،أو نسخه باآللة الطابعة من ملف محفوظ في ذاكرة الحاسوب.
فور استال م الكاتب لسجل األحكام و عودته لمكتبه ،يمكن لألطراف طلب نسخة من الحكم الصادر.
و بما أن الحكم محرر في ذلك السجل فإن النسخة يستحيل أن تكون صورة مطبوعة أو شمسية له ،و
إنما نسخة مستخرجة من السجل .مفاد ذلك أن كاتب قسم قضاء القرب يقوم بكتابة نسخة موجزة أو
كاملة للحكم حسب طلب األفراد ،يستخرجها من سجل األحكام .فإن كانت نسخة موجزة اكتفى فيها
بكتابة اسم القاضي و تاريخ جلسة النطق بالحكم كما رقم ملف محضر الدعوى ،و أسماء األطراف مع
عناوينهم ،و منطوق الحكم بصيغته التنفيذية ،دون حيثياته و علله.
أما إذا كان الطلب متعلقا بنسخة كاملة للحكم ،وجب على الكاتب نسخه كما هو محرر من طرف
القاضي مع إضافة البيانات المتعلقة باسم القاضي و الكاتب الحاضر في جلسة النطق بالحكم.
تظهر الفائدة من هذه المسطرة عند الشك في تطابق محتوى النسخة المسلمة من كاتب القسم مع
الحكم الذي أصدره القاضي ،إذ يمكن حسم القضية عندئذ بإجراء مقارنة بين ما ورد فيها و ما هو
مكتوب في السجل بخط يد القاضي ،علما أنه يمكن إطالق مسطرة للتحقق من الخطوط متى أثير
احتمال حدوث تالعب في السجل.
و حيث أن األحكام الصادرة في قسم قضاء القرب كلها مذيلة بالصيغة التنفيذية ،بمعنى أن نفاذها
معجل ،فإن تسلم نسخة الحكم ضروري لالستفادة من قوة الشيء المقضي فيه بالحكم .و قد حدد القانون
لذلك أجل عشرة أيام من تاريخ النطق بالحكم يجب على المعني باألمر استالم نسخة الحكم من كاتب
قسم قضاء القرب داخلها ،تحت طائل سقوط حقه في تنفيذ الحكم أو طلب إلغائه.
فالطرف الرابح للقضية الذي لم يستلم نسخة الحكم في األجل المحدد ال يملك طلبها بعد ذلك ،علما
أنه ال يستطيع إثبات صدور الحكم لدى السلطة اإلدارية المحلية المكلفة طبقا للمادة 21من قانون -13
12بتنفيذ أحكام قسم قضاء القرب ،من دون هكذا نسخة .كذلك الطرف الخاسر الذي حصل معه نفس
الشيء ال يستطيع هو اآلخر إيداع طلب إلغاء الحكم من دون هكذا نسخة ،علما أن القانون فرض عليه
أجل ثمانية أيام من تاريخ النطق بالحكم إليداع طلب اإللغاء.
و حيث أن مصلحة كتابة ضبط قسم قضاء القرب منحصرة في مكتب لمسك أقالم القسم و حفظ
السجالت فإن تنفيذ األحكام الصادرة من القسم ال تعنيها ،و هي غير معنية كذلك بتبليغ األحكام و ال
تسلم طلبات إلغاء األحكام التي تصدر في قسمها .فهكذا تبليغ مهمة أناط بها القانون السلطة اإلدارية
المحلية أو المفوض القضائي بطلب من المستفيد ،كما أن طلبات اإللغاء تقدم مباشرة إلى مكتب رئيس
المحكمة االبتدائية.
و للعلم فإن أمام المتضرر من الحكم أجل ثمانية إيام من تاريخ تبليغ الحكم إليه لتقديم طلب إلغائه
وفقا لنص المادة 3من قانون 12-13في حالة
-إذا لم يحترم قاضي القرب اختصاصه النوعي أو القيمي؛
-إذا لم يجر محاولة الصلح المنصوص عليها في المادة 12بعده؛
-إذا بت فيما لم يطلب منه ،أو حكم بأكثر مما طلب ،أو أغفل البت في أحد الطلبات؛
-إذا بت رغم أن أحد األطراف قد جرحه عن حق؛
-إذا بت دون أن يتحقق مسبقا من هوية األطراف؛
-إذا حكم على المدعى عليه أو المتهم دون أن تكون له الحجة على أنه توصل بالتبليغ أو االستدعاء؛
-إذا وجد تناقض بين أجزاء الحكم؛
-إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى.
153
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و طبقا لنفس هذه المادة ،3يجب أن يبت الرئيس في الطلب داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ
إيداعه ،في غيبة األطراف ،ما لم ير ضرورة استدعاء أحدهم لتقديم إيضاحات؛ وفي جميع الحاالت
يبت داخل أجل الشهر؛ و ال يقبل هذا الحكم أي طعن.
ب :أحكام قضاة المحكمة االبتدائية
على خالف كاتب ضبط قسم قضاء القرب ،ال يلزم القانون مصلحة كتابة ضبط المحكمة االبتدائية
مسك سجل خاص لألحكام يستعمل إلصدار هذه األخيرة كتابة و تالوتها منه في جلسة النطق به ،و
إنما يترك ذلك لمبادرة القضاة.
ليست مصلحة كتابة ضبط المحكمة ملزمة قانونا بغير مسك محضر لجلسة المحاكمة بما في ذلك
جلسة النطق بالحكم؛ و يكون المحضر في شكل ملف من أوراق طائرة تكون منها ورقة مخصصة
لنسخ الحكم الصادر.
و طبقا للفصل 91من مدونة المسطرة المدنية ،يجب على كاتب الضبط تسجيل محضر الجلسة في
سجل ضبط المحكمة ،و أن يسهر قبل ذلك على وضع توقيعه و توقيع رئيس الجلسة على كل ورقة من
أوراق محضر الجلسة ليحتفظ بالمحضر في قسم الربائد بعد سحب ورقة الحكم منه .ذلك أنه خالفا
لباقي أوراق محضر الدعوى ،و محضر الجلسات ،يلزم القانون مصلحة كتابة الضبط بتجليد النسخ
األصلية ألوراق األحكام في سجل خاص بها.
بناء على ذلك يمكن القول أن أحكام القضاة في المحكمة االبتدائية تحرر في أوراق طائرة ،يتم
تجميعها و ربطها لتكوين دفتر يعتبر سجال لألحكام.
و يبقى السؤال مطروحا حول الجهة التي تتولى مهمة كتابة الحكم و تحريره في ورقة الحكم .ألن
القضاة ملزمون وفق ظاهر النصوص القانونية فقط بإصدار الحكم ،فرديا كان أو جماعيا في جلسة
علن ية ببيانات محدد ،تتم كتابتها في ورقة الحكم ضمن محضر الجلسة ،و ليس تالوته محررا بعد
إصداره مكتوبا في سجل أو ورقة مخصصة للحكم.
صحيح أن القانون يوجب كتابة الحكم الصادر في الجلسة العلنية ،لكنه ال يلزم القضاة بذلك ،و إنما
تلك مهمة تضطلع بها مصلحة كتابة الضبط على أن تستعمل لذلك ورقة من أوراق محضر الجلسة
الصادر فيها الحكم.
و بالنظر لصياغة النصوص يمكن القول أنه ال شيء في القانون يمنع القاضي المنفرد أو رئيس
جلسة الحكم الجماعي من أن يتلو الحكم شفهيا دون قراءته من أي محرر ،و ال شيء يمنعه كذلك من
النطق بالحكم المحرر في ورقة من المحضر مجهزة مسبقا؛ كما يجوز للقاضي استعمال مسودة يقرأ
منها الحكم و يسلمها لكاتب الضبط بعد ذلك لنسخها في ورقة الحكم.
عمليا ،يكاد يستحيل على القضاة النطق بالحكم دون الرجوع إلى ورقة مكتوبة به ،و هي في المعتاد
عبارة عن نموذج ورقة من أوراق المحضر على بياض ،يستلمها القاضي مسبقا من مصلحة كتابة
الضبط ليحرر فيها الحكم الذي يتلوه منها في جلسة الحكم ،ثم يوقعها و يسلمها فورا لكاتب الضبط الذي
يتولى بدوره توقيعها و ضمها إلى محضر الجلسة.
و عمال بأحكام الفصل 93من مدونة المسطرة المدنية ،يجب على كاتب الضبط أن يتأكد من صحة
بيانات ورقة الحكم تلك من حيث العنوان و المتن .فمحرر الحكم يجب أن يحمل في رأسه عنوان
المملكة المغربية ،تليه في السطر عبارات( :باسم جاللة الملك وطبق ا للق انون) .و يجب أن يشتمل المتن
على اسم القاضي أو القضاة الذين أصدروا الحكم ،و اسم ممثل النيابة العامة عند حضوره و اسم كاتب
الضبط أو ممثله في الجلسة .يتضمن المتن كذلك أسماء األطراف الشخصية و العائلية و صفتهم أو
مهنتهم و موطنهم أو محل إقامتهم ،و كذا عند االقتضاء أسماء و صفات و موطن الوكالء؛ و يوضح
حضور األطراف أو تخلفهم مع اإلشارة إلى شهادات التسليم .يجب أن يشير متن المحرر أيضا إلى
االستماع الذي تم لألطراف الحاضرين أو إلى وكالئهم ،و كذا مستنتجات النيابة العامة عند االقتضاء.
و يجب أن يشار في متن نفس المحرر إلى مستنتجات األطراف مع تحليل موجز لوسائل دفاعهم و
التنصيص على المستندات المدلى بها و المقتضيات القانونية المطبقة.
و طبقا للقانون ،فإن متن محرر الحكم يجب أن ينص على أن المناقشات قد وقعت في جلسة علنية أو
سرية ،و أن الحكم قد صدر في جلسة علنية .و بعد ذلك ،يتم ذكر علل الحكم و صياغة محتواه الذي يتم
النطق به لفائدة أحد األطراف.
154
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
لم يشترط القانون أن تتم كتابة أورا ق محضر الجلسة ،بما في ذلك ورقة تحرير الحكم ،خطا باليد ،و
إنما المطلوب هو استعمال أوراق طائرة يتم ختم كل واحدة منها بتوقيع رئيس الجلسة و القاضي المقرر
أو القاضي المكلف بالقضية ،و كذا كاتب الضبط بعد وضع التاريخ.
مفاد ذلك أنه يمكن لمصلحة كتابة الضبط استخدام آلة الحاسوب لمسك أوراق المحضر إلكترونيا و
طباعتها قصد التقديم للتوقيع.
فور النطق بالحكم و حتى قبل الحصول كاتب الضبط على محرر الحكم الموقع من طرف رئيس
الجلسة كما القاضي المقرر في القضية و القاضي المكلف بها ،يحق لمصلحة كتابة الضبط أن تحرر
منه نسخة موجزة تقتصر على صيغة منطوق الحكم إلنجاز إجراء التبليغ حاال إن حضر األطراف
جلسة النطق بالحكم.
و يتم تسليم نسخة منطوق الحكم للطرف الحاضر بأمر من رئيس الجلسة قبل رفع جلسة النطق
بالحكم ،و يقوم الرئيس في الوقت نفسه بإخطار الطرف الذي تسلم نسخة منطوق الحكم بأن سريان
أجل الطعن باالستئناف قد بدأ.
مع ذلك ،يحتفظ الطرف الذي تسلم نسخة منطوق الحكم بحق طلب استالم نسخة كاملة منه ،مصادق
عليها من طرف مصلحة كتابة الضبط.
أما الطرف الذي لم يحضر جلسة النطق بالحكم ،فيتم تبليغه إليه عبر إرسال نسخة كاملة للحكم
مصادق عليها من طرف كتابة الضبط وفق مسطرة التبليغ المعهودة و فقا للفصول ،32 ،39و 33
المذكورة؛ و ال يسري أجل االستئناف أو التعرض بالنسبة إليه إال ابتداء من تاريخ حصول التبليغ
حقيقة أو حكما.
الفرع الثاني :قرارات المحاكم و الغرف
يستعمل المشرع المغربي لفظ قرار المحكمة أو الغرفة بدل حكم القاضي لتسمية األحكام الصادرة
عن غرف االستئناف بالمحاكم االبتدائية و عن محاكم االستئناف كما محكمة النقض .و يتبع كل نوع
من القرارات نظاما مختلفا.
أ :القرار االستئنافي
مثل أحكام المحاكم االبتدائية و أقسام قضاء القرب ،يشترط القانون صدور القرار االستئنافي في
جل سة علنية و أن يتم تحريره في محضر جلسة النطق بالقرار .يشترط القانون كذلك أن يصدر القرار
بسام جاللة الملك و طبقا للقانون ،و أن يتضمن كل البيانات التي يتطلبها الفصل 93من مدونة
المسطرة المدنية.
غير أنه خالفا لما هو مالحظ في النصوص المتعلقة بمسطرة صدور أحكام القضاة ،لم يأت في
النصوص المتعلقة بصدور قرارات غرف و محاكم االستئناف ذكر ألوراق حضور الجلسة التي
تمسكها مصلحة كتابة الضبط قصد تكوين ملف محضر الجلسة ،و التي يكون من بينها وجوبا ورقة
تحرير الحكم الصادر في الجلسة .في الوقت نفسه ،لم يأت نص القانون على ذكر صدور الحكم كتابة،
بل إن المشرع أغفل حتى اإلشارة إلى وجوب تالوة منطوق القرار االستئنافي في جلسة صدوره ،و لم
يلزم رئيس الجلسة بتسليم نسخة منه للطرف الحاضر.
بناء عليه ،و حيث أن قرار غرفة أو محكمة االستئناف يتم صدوره وجوبا بعد جعل القضية في
المداولة بغرفة المشورة على إثر رفع آخر جلسة للمناقشة و االستماع عند االقتضاء للنيابة العامة في
مستنتجاتها الكتابية أو الشفوية ،من غير اشتراط الشكل الكتابي و ال حتى النطق بتالوته ،فإنه عمال
بالنظام المشترك للمسطرة المدنية تكون كل االمكانات المتاحة إلصدار قرار القاضي في باقي غرف و
أقسام المحكمة االبتدائية سائغة إلصدار قرار غرفة أو محكمة االستئناف.
نظريا ،يمكن اعتماد أسلوب اإلمالء من رئيس اللجنة على كاتب الضبط في الجلسة ،كما يمكن
استعمال أسلوب نموذج ورقة المحضر على بياض ،أو مسودة ورقة تحرير الحكم كما سبق بيانه.
غير أنه باإلضافة لذلك ال شيء يمنع رئيس الجلسة من استعمال أساليب أخرى منها على
الخصوص مسك سجل للقرارات خاص به ،أو بعد إذن رئيس المحكمة ،سجال خاصا بالقرارات في
غرفة االستئناف أو الغرفة التي يجلس فيها بمحكمة االستئناف ،يتم تحرير القرارات فيه بخط اليد
ليحفظه في مكتب رئيس المحكمة أو ديوانه الستحالة إلزام كاتب الضبط بذلك.
155
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
في هذه الحالة ،فإنه عند اإلمساك بالقضية بعد فراغ القاضي المقرر من إعداد المسطرة ،يسلم كاتب
رئيس المحكمة االبتدائية أو رئيس ديوان الرئيس األول لمحكمة االستئناف لرئيس الجلسة ذلك السجل
ليتم تحرير القرار فيه و إعادته إليه فور رفع جلسة النطق بقرار المحكمة.
ال يمنع ذلك كاتب الضبط في الجلسة من تحرير أوراق الجلسة بما في ذلك ورقة للقرار دون
مراجعة السجل ،ويمكنه بناء على ذلك تحرير منطوق القرار و تسليمه لألطراف الحاضرة إن صدر
أمر من رئيس الجلسة بذلك.
تكمن الفائدة أنه في حال دفع أي كان بعدم تطابق إرادة هيئة الحكم مع محرر القرار المقدم للتوقيع
أو النسخة المستلمة من مصلحة كتابة الضبط ،يمكن الرجوع إلى السجل الخاص المحتفظ به في ديوان
الرئاسة أو كتابتها إلجراء مطابقة مع إمكان المطالبة بتحقيق الخطوط عند الحاجة.
لعل ذلك هو أفضل الممكن الذي يجب العمل به لمنع التالعب.
في هذه الحالة ،و في كل األحوال ،ال شيء يمنع رئيس الجلسة من األمر بتسليم نسخة من منطوق
القرار للطرف الحاضر أو كليهما إن حضرا معا ،أو األمر بتبليغهما نسخة القرار وفقا لمسطرة التبليغ
المعهودة دون حتى إحاطتهما علما بمنطوق القرار في جلسة اإلعالن عن صدوره ،شريطة أن يتم
التنصيص في صلب القرار أنه صدر كتابة.
مهما كان ،فإنه فور رفع جلسة صدور قرار غرفة او محكمة االستئناف ،يحق للطرفين الحصول
على نسخة كاملة منه ،بطلب مودع لدى مصلحة كتابة الضبط ،و يقوم االستالم مقام التبليغ .و في حال
عدم مبادرة الطرفين أو أحدهما لطلب استالم نسخة القرار ،تجد الجهة ذات المصلحة نفسها مضطرة
اللتماس التبليغ من طرف كتابة الضبط وفق المسطرة المعهودة ،على أنه يفترض في كاتب الضبط أن
يأمر تلقائيا بهكذا تبليغ.
و تأتي أهمية تاريخ حصول التبليغ سواء تم بطريق تسليم نسخة من منطوق القرار في جلسة
صدوره ،أو بطريق استالم نسخة منه بناء على طلب موجه إلى كتابة الضبط ،أو بطريق تبليغه من
طرف هذه األخيرة ،من كونه يحدد وقت بدء سريان أجل الطعن بالنقض أو التعرض أو طلب إعادة
النظر.
ب :قرارات محكمة النقض
أحكام محكمة النقض تسمى قرارات للمحكمة ،و هي تصدر أيضا باسم جاللة و طبقا للقانون ،كل
منها في جلسة علنية .كما يشترط فيها تضمن البيانات المنصوص عليها في الفصل 399من مدونة
المسطرة المدنية.
ما لم يتغير ذلك في حال صدور القانون التنظيمي المتعلق بالطعن بعدم الدستورية ،تظل قرارات
مح كمة النقض كلها انتهائية ال تقبل الطعن فيها بأي طريق عادي أو استثنائي ما عدى طلب إعادة
النظر في حاالت محددة ،أو طلب تصحيح خطأ مادي.
و مثل الشأن في كل قضية تعرض على نظر هيئة جماعية للمحاكمة ،يتم تعيين مستشار مقرر
إلعداد المسطرة أمام محكمة النقض .و عند فراغه من تجهيز القضية للحكم يصدر أمرا إلى كتابة
ضبط محكمة النقض بالتخلي عن الملف مع وضع تقريره و تبليغ القضية للنيابة العامة لتقدم هي
األخرى مستنتجاتها كتابة في القضية داخل أجل ثالثين يوما من تاريخ أمر التبليغ .و بعد تلقي
مستنتجات النيابة العامة ،أو نفاذ األجل المضروب لها لفعل ذلك ،يعيد كاتب ضبط المحكمة ملف
القضية حسب األحوال ،للرئيس األول لمحكمة النقض أو رئيس الغرفة الذي أمر الرئيس األول بإحالة
القضية إليه في بداية المسطرة.
عندئذ يقوم الرئيس األول أو رئيس الغرفة حسب األحوال ،بتحديد جدول كل جلسة بعد تعيين خمسة
مس تشارين على األقل فيها من بينهم رئيس .و بناء عليه ،تتحدد جلسة صدور الحكم بقرار من الرئيس
األول او رئيس الغرفة ،و ليس رئيس الجلسة ،فيتم بالتالي وضع القضية في المداولة بغرفة المشورة
تنفيذا ألمره بعد تنفيذ أمر رفع أخر جلسة للمناقشات و االستماع لمستنتجات النيابة العامة.
مهما يكن ،فإن جلسة صدور قرار محكمة النقض تكون علنية على وجه الوجوب ،علما أن المشرع
لم يشترط كذلك في قرارات محكمة النقض أن تصدر كتابة و إنما اكتفى بإلزام كتابة الضبط أن تكتب
وقائع جلسة صدور القرار بما في ذلك محتوى هذا األخير؛ كما اكتفى باإلحالة إلى أحكام النظام
المعمول به في المسطرة أمام محكمة االستئناف لتبليغ القرار إلى األطراف .بناء عليه ،فإن اإلمكانات
المتاحة أمام محكمة االستئناف بهذا الخصوص هي نفسها أمام محكمة النقض.
156
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
من ذلك أن رئيس جلسة المحاكمة في محكمة النقض ليس ملزما بتالوة منطوق القرار و ال األمر
بتسليم نسخة منه لألطراف الحاضرين .و يكون من جهة أخرى على الطرف ذي المصلحة المبادرة
لطلب استالم نسخة كاملة من القرار أو تبليغه للطرف اآلخر على أن مصلحة الضبط ملزمة بالمبادرة
لذلك متى صار القرار جاهزا للتسليم.
المطلب الثالث :أوصاف األحكام النهائية في نفس القضية
سواء كان حكما من قاض منفرد أو من هيئة جماعية للحكم في المحكمة االبتدائية ،أو كان قرارا
لمحكمة استئناف أو محكمة النقض ،فإن الحكم ال يخرج عن أن يكون ابتدائيا أو انتهائيا ،حضوريا أو
غيابيا.
الفرع األول :الصفة االبتدائية
يجب االحتراز من الوقوع في ا لخلط من جهة بين الصفة الغير انتهائية للحكم االبتدائي ،و الصفة
االنتهائية لألحكام الغير ابتدائية من جهة ،و من جهة أخرى بين الصفة االنتهائية للحكم و حيازته قوة
الشيء المقضي به.
تثبت الصفة االبتدائية للحكم بنسبته إلى المحكمة االبتدائية على غير الوجه االنتهائي ،و تثبت الصفة
االنتهائية من جهة أخرى لكل حكم أو قرار ال يكون قابال للطعن باالستئناف و لو قبل الطعن بالبطالن
أو النقض و التعرض مع إعادة النظر؛ في حين ال تثبت صفة الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به إال
للحكم أو القرار الغير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية أو االستثنائية.
في شأن األحكام االبتدائية يقول الفصل 13من مدونة المسطرة المدنية أن المحكمة االبتدائية تحكم
ابتدائيا ،مع حفظ حق االستئناف أمام المحاكم االستئنافية ،في جميع الطلبات التي تكون فيها قيمة
موضوع النزاع غير محددة ،و كذلك التي تتجاوز القيمة فيها عشرين ألف درهم .و تحكم نفس المحكمة
ابتدائيا أيضا لكن مع حفظ حق االستئناف أمام غرف االستئنافات بالمحاكم االبتدائية ،إلى غاية عشرين
ألف درهم.
تبت المحكمة االبتدائية ابتدائيا فقط من جهة أخرى في قضايا حوادث الشغل و األمراض المهنية و
كذا في المعاشات الممنوحة في نطاق الضمان االجتماعي ،باستثناء النزاعات الناشئة عن تطبيق
الغرامات التهديدية المقررة في التشريع الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل و األمراض المهنية؛
فإن األحكام تصدر في هذه األخيرة بصفة انتهائية و لو كان مبلغ الطلب غير محدد.
الفرع الثاني :الصفة االنتهائية
طبقا ألحكام القانون المغربي ،ال يكون الحكم انتهائيا لعصمته من قابلية الطعن ،بل إنه يكتسب هذه
الصفة لمجرد عدم قابليته لالستئناف؛ فليس معنى الحصول على حكم انتهائي أن يطمئن الفائز في
الدعوى بموجبه إلى الحق المقرر فيه ،إذ أن سيف الطعن في ذلك الحكم يظل مسلطا عليه بطرق
أخرى.
عدم قابلية الطعن باالستئناف هي الحد األدنى للعصمة المطلوبة في الحكم االنتهائي ،ألنه من
األحكام االنتهائية وفق مدونة المسطرة المدنية ما ال يقبل الطعن ليس فقط باالستئناف و لكن أيضا
بالتعرض؛ و منها أيضا ما ال يقبل الطعن باإلضافة لذلك حتى بإعادة النظر و ال حتى بالنقض.
ذلك هو على الخصوص حال أحكام القاضي الجالس في قسم قضاء القرب .فطبقا للمادة 13من
قانون 12-13تعد انتهائية كل األحكام الصادرة من قسم قضاء القرب في المحكمة االبتدائية لورود
النص على أنها ال تقبل الطعن بأي طريق عادي أو استثنائي ما عدى طلب اإللغاء لألسباب المبينة في
المادة 3من نفس القانون و وفق المسطرة المبينة فيه.
طبقا للفصل 393من مدونة المسطرة المدنية تستفيد من المناعة ضد الطعن بالنقض كذلك
األحكام االنتهائية الصادرة في القضايا المدنية التي تقل قيمتها عن عشرين ألف درهم والطلبات
المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء والتحمالت الناتجة عنه أو مراجعة السومة الكرائية.
ختاما ،تتميز المحكمة االبتدائية بصالحيتها إلصدار أحكام ابتدائية و أخرى انتهائية؛ أما االنتهائية
منها فهي الغير قابلة لالستئناف و ال تكون كذلك إال في واحدة من حالتين أولهما أن تصدر من القاضي
الجالس في قسم قضاء القرب ،و الثاني أن تصدر من غرفة االستئناف بالمحكمة االبتدائية.
الفرع الثالث :الصفة الغيابية
األصل في الحكم أن يكون حضوريا متى تم تبليغ االستدعاء لحضور جلسة المحاكمة حقيقة أو
حكما ،و انعقدت الجلسة بعد انصرام األجل القانوني للحضور.
157
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و ليس صحيحا أن األصل في المدعي أنه يعتبر في حكم الحاضر بمجرد تقديم طلبه ،بل يجب
استدعاؤه هو أيضا و احترام أجل الحضور حتى يكون الحكم حضوريا بالنسبة إليه .ذلك أن تغيب
المدعي الذي ال يمنع الصفة الحضورية للحكم كما يقصده المشرع في الفصل 19من مدونة المسطرة
المدنية هو الذي يكون بعد استدعائه وفق الطرق المعهودة لحضور جلسة المحاكمة .أما عدم استدعاء
المدعي ،كما عدم احترام المحكمة لألجل المثول ،فيترتب عنه طبقا لنص الفصل 13من مدونة
المسطرة اكتساب الحكم الصفة الغيابية بالنسبة للمدعي الذي لم يحضر ،علما أنه يكون قابال للدفع
بالبطالن في هذه الحالة حتى و لو اكتسب الصفة الحضورية .فال شيء يمنع المدعي الذي لم يتم
استدعاؤه أو انعقدت الجلسة التي دعي إليها قبل انصرام أجل المثول ،من حضور هذه الجلسة ،فيكون
الحكم بسبب ذلك حضوريا ،لكنه يبقى مشوبا بالبطالن لعدم االستدعاء أو عدم احترام أجل المثول.
أما حصول التبليغ باالستدعاء لحضور جلسة المحاكمة فيترتب عنه اكتساب الحكم الصفة
الحضورية في مواجهة الطرفين مع مراعات الفرق بين طريقة التبليغ الحقيقي و الحكمي بالنسبة
للمدعى عليه ،و إمكانية شطب القضية بالنسبة للمدعي المتغيب.
ففي حال تم استدعاء المعدي و حصل التبليغ حقيقة أو حكما ،كان الحكم حضوريا حتى و لو تغيب؛
و تملك المحكمة باإلضافة لذلك سلطة شطب القضية إن هو تغيب.
أما تغيب المدعى عليه الذي تم استدعاؤه ،فال يمكن أن يتسبب في شطب الدعوى ،و إنما يتم التمييز
في شأن استدعائه بين التبليغ الحقيقي و التبليغ الذي يكون حكميا فقط.
فكما هو معلوم ،ال يكون التبليغ حقيقيا إال في حالة استلم المدعى عليه االستدعاء بنفسه؛ و يكون
حكميا إذا سلم إليه االستدعاء في موطنه بواسطة شخص غيره ،أو بطريق رسالة مضمونة الوصول
في حالة رفض االستالم ،و كذلك بطريق تنصيب قيم يتلقى االستدعاء نيابة عنه.
و طبقا للفقرة الرابعة من الفصل 19المذكور ،فإن الحكم ال يكتسب الصفة الحضورية بالنسبة
للمدعى عليه إال إذا تم تبليغ االستدعاء إليه حقيقة و ليس حكما ،و كان الحكم قابال لالستئناف ،و تحقق
حضوره باإلضافة لذلك؛ فإن لم يحضر دخل مع ذلك قرار المحكمة أو حكمها في حكم الحضوري متى
تأكد أن االستدعاء بلغه حقيقة و كان الحكم قابال لالستئناف.
أما إذا حصل التبليغ حقيقة و لم يكن الحكم قابال لالستئناف ،أو تم التبليغ حكما فقط ،سواء كان الحكم
قابال لالستئناف أو لم يكن ،فإنه يعد غيابيا في مواجهة المدعى عليه المتغيب.
و يختلف الحكم الحائز الصفة الحضورية عن الحكم الغيابي في القيمة من حيث أن األول ليس قابل
للطعن بالتعرض.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي X
تحدث بإسهاب عن األحكام الممكن صدورها في نفس الدعوى المدنية ؟
تحدث بإسهاب عن األحكام المدنية الممكن صدورها في نفس القضية من محاكم مختلفة ؟
تحدث عن أوصاف األحكام القضائية و الفرق بينها في القوة ؟
الدرس التطبيقي X
لخص الدرس النظري العاشر ؟
باستعمال خدمة الشبكة العنكبوتية قم بتحميل نسخ منشورة من أحكام قضائية لمحاكم مغربية من مختلف
الدرجات ؟
تمرن على كتابة حكم قضائي ابتدائي و آخر استئنافي و ثالث للنقض ؟
158
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الطعن مطلقا في نظر علم أصول الفقه هو تجاوز قوة المناعة الذاتية عن طريق فتح ثغر في خط
الوقاية األول ،كثقب الجلد باستعمال آلة حادة ،أو ضرب مصداقية الشخص بالتشكيك في صحة قوله،
أو سالمة سلوكه.
و الطعن القضائي هو ضد الطلب القضائي من حيث وقوع المواجهة فيه بين المدعي و المحكمة
التي أصدرت الحكم في الطلب الذي تقدم به إليها ضد خصمه .و هو من قبيل الضرب في مصداقية
المحكمة التي أصدرت الحكم المضر به ،عن طريق التشكيك في الكفاءة المهنية لقضاتها الممسكين
بالقضية فيما بتوا به في النزاع ،و في سالمة سلوكهم فيما أمروا به من إجراءات.
ألجل ذلك ،يمكن الطعن في الحكم لبطالن إجراء من إجراءات اإلمساك بالدعوى أو التحقيق أو عقد
الجل سة ،كما يمكن الطعن فيه لعدم صحة التعليل و االستنتاج المبني عيله لتشخيص حقيقة النزاع ،أو
لعدم صحة تطبيق القانون لحسم الخصومة.
و يميز الشراح بين ثالثة أنواع من أسباب الطعن القضائي في ألحكام أحدها إجرائي و الثاني
موضوعي و الثالث قانوني.
يكون الطعن في الحكم لسبب إجرائي متى أثيرت قضية عوار المسطرة أو بطالنها؛ و هو يتلخص
في التذرع ببطالن إجراءات اإلمساك و التحقيق و تنظيم الجلسات في أطوار اإلعداد و المحاكمة .و
حيث أن هكذا إجراءات تنفذ بأوامر قضائية و أحكام تمهيدية ،فإن الطعن فيها يكون مستحيال بشكل
منفصل عن الحكم النهائي فال يعتد بعدم صحتها إال إذا اعتبرها القانون سببا لبطالن الحكم النهائي ،إذ
يتم الطعن في هذا األخير بسببها ،و ليس فيها بذاتها.
أما إذا كان الحكم التمهيدي أو األمر القضائي في ذاته حكما مستقال فيتم الطعن فيه بشكل منفصل
عن الحكم النهائي.
من جهة ثانية يكون الطعن لسبب موضوعي متى ادعى الطاعن في الحكم وقوع المحكمة في غلط
حين نظرها في الوقائع و تكييفها ،ترتب عنه خطأ في التعليل و االستنتاج المبني عليه لصياغة منطوق
الحكم؛ الشيء الذي يتطلب إعادة النظر في الموضوع من طرف قضاة مختلفين إن اقتضى الحال.
و بجانب أس باب الطعن اإلجرائية و الموضوعية ،يفتح القانون باب الطعن ألسباب قانونية؛ و هو
الذي يتم عبره التشكيك في صحة نظرة المحكمة للقانون .فقد يخطئ القضاة في اختيار القانون الواجب
التطبيق ،فيقدمون العرف على التشريع ،أو الفقه و القضاء مع العادات االتفاقية على العرف ،أو
القانون الخارجي على القانون الداخلي ،أو حتى يطبقون قانونا جديدا بأثر رجعي؛ و قد يغلطون في فهم
داللة النصوص فيطبقون مثال المعنى الظاهر بداللة العبارة ،بدل معنى النص بداللة مفهوم االقتضاء
أو التضمن أو المخالفة؛ و قد يخلطون بين معنى النص العام المستعمل للداللة على الخاص ،أو بين
النص الخاص و النص المقيد.
لعل في التذكير بهذه االمكانيات للطعون التي تقبل أحكام القضاة التعرض لها ما يجب أن يثير انتباه
الطلبة و الطالبات إلى التكوين المطلوب لممارسة مهنة القضاء ،فقد يصل الشخص بطريقة أو بأخرى
إلى احتالل منصب القاضي ،ل كنه لن يتمكن من نيل شرف ممارسة المهنة إن لم يتقن الصنعة ،و يصير
على غرار كل من ال يتقن مهنته ،مجرد عيّاش مفسد يعيش عالة على األمة.
فكما أن وراء كل أستاذ طلبة يحكمون على صحة دروسه ،و من خلف الطبيب مرضى يحكمون
على صحة وصفاته ،و كذلك الشأن بالنسبة لكل ذي مهنة بما فيها المهن السياسية ،فإن خلف كل قاض
متقاضون يحكمون على صحة أحكامه ،و هم على خالف الطلبة و المرضى مع جمهور الجماعة في
العالقة مثال مع األساتذة و األطباء و السياسيين ،ال يلجؤون إلى الرأي العام للتشهير به إن كان عيّاشا،
بل يلجؤون إلى القضاء في محاكم أعلى درجة للتخلص من الحكم الذي لحقهم منه ضرر عدم كفاءته و
أصابتهم من منه آثار فساده ،و العياذ باهلل.
و كما هو الشأن في الدعوى المدنية عموما ،تخضع دعوى الطعن القضائي لنفس المبادئ الحاكمة
لسير المحاكمة مضافا إليها قاعدة أنه "ال طعن بنفس طريق الطعن" ،فال تعرض و ال استئناف و طلب
نقض أو إعادة نظر أو إلغاء و إبطال للحكم الصادر في الدعاوى المرفوعة بنفس الطرق.
غير أن الفرق بين الطرق العادية و الطرق الغير عادية من شأنه إدخال استثناء على هذا المبدأ.
المبحث الثاني :طرق الطعن العادية و االستثنائية
ورد النص في المادة 13من قانون 12-13المتعلق بقسم قضاء القرب حديث من المشرع عن
طرق الطعن العادية و االستثنائية بصيغة توحي أنه يحيل إلى نظام للتمييز بينها يتم تطبيقه بمجرد
159
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
الرجوع إلى مدونة المسطرة المدنية .بل إن الدارس يكاد يطمئن إلى وجود هكذا نظام للتمييز عندما
يطلع على أقوال الشر اح في الموضوع؛ و الحال أن مدونة المسطرة المدنية خالية تماما من أي تمييز
بين طرق الطعن العادية و االستثنائية.
فعلى خالف عدد كبير من مدونات المسطرة المدنية في القانون المقارن ،لم يخصص المشرع
المغربي قسما و ال بابا و ال حتى فرعا لعنوان طرق الطعن ،و لم يأت نص في أي فصل على تسمية
أي طريق للطعن بأنه عادي أو استثنائي.
أما ما يجمع عليه الشراح عندنا فما هو في الحقيقة إال نتيجة أثر مزدوج لدعاية جامعية مشبوهة
لفائدة القانون الفرنسي تواجهها دعاية مماثلة لفائدة القانون المصري من طرف السادة المتخصصين
من شراح القانون المغ ربي .فهؤالء مع األسف الشديد يخلطون بين المغرب و فرنسا بالنسبة للبعض ،و
بين المغرب و مصر بالنسبة للبعض اآلخر.
جريا على ذلك ال غير ،يميز المتخصصون هؤالء في مجال المسطرة المدنية بين االستئناف و
التعرض باعتبارها طرقا عادية للطعن القضائي ،و بين الطعن بالنقض ،و طلب إعادة النظر و الطعن
بالبطالن باعتبارها طرقا استثنائية للطعن ،و الحال أن القانون المغربي ال يقول بذلك؛ فكأن القانون
المصري أو القانون الفرنسي واجب التطبيق في المملكة المغربية ،أو أن المغاربة من واجبهم الرضوخ
ألحد هذين القانونين.
و حتى ال نساهم في تطبي ق قانون أجنبي محل القانون الوطني ،علما أن المغرب الذي هو بحمد هللا
إيالة األمة المغربية األبية ،ذات السيادة الكاملة ،لم يعد محمية رومية و ال هو مرشح ليكون تحت
الوصاية المصرية و ال غيرها ،فإننا ندعو الشراح للكف عن التمييز بين بين الطرق العادية و الطرق
االس تثنائية للطعن وفقا لما هو معمول به في القانونين الفرنسي و المصري.
و لعله من المفيد القول أن التمييز بين الطرق العادية و االستثنائية للطعن ليس من اآليات المحكمات
في كتاب هللا المنظور حتى يسوغ القول أن القوم سبقونا إلى رؤيتها .فالمشرع الفرنسي كما المصري
الن اقل عنه ،لم يعتمدا في هذا التمييز منطقا يفهم منه به ،و إنما استبد كل منهما بإرادته ،و جعل طرقا
عادية للطعن ،و جعل أخرى استثنائية.
ليست القضية أكثر من اجتهاد قام به الروم و قلدهم بعض العرب ،و لعلهم أخطئوا فيه جميعا.
فتفاديا للتقليد األعمى ،ننصح المشرع المغربي فيما هو مقبل به على إعادة صياغة مدونة المسطرة
المدنية ،أال يكون كحاطب ليل و أن يفكر باألحرى في االستفادة من الفرق بين األحكام من حيث
اكتسابها قوة الشيء المقضي فيه و قوة الشيء المقضي به ،للتمييز بين طرق الطعن العادية و الطرق
االستثنائية .فالقاعدة في الط عن حسب المنطق أن يكون عاديا ما دام الحكم يمتلك قوة الحكم الشيء
المقضي فيه دون قوة الشيء المقضي به .أما امتالكه قوة الشيء المقضي به ،التي تعني استنفاذ طرق
الطعن المتاحة ،فال يكون الطعن فيه ممكنا حسب المنطق إال استثناء.
بل نرى أن ذلك هو الواجب العمل به للتمييز بين أنواع طرق الطعن في ظل مدونة أمتنا للمسطرة
المدنية كما هي عليه حاليا.
ففي ظل سكوت المشرع المغربي عما هو استثنائي و ما هو عادي من طرق الطعن ،يجب فهم نص
المادة 13من قانون 12-13على أنها تقصد الفرق بين الطرق المقيدة بأجل ،و بين تلك التي ال يسقط
الحق فيها بمرور الوقت.
ذلك أن قابلية طريق الطعن لإلغالق بانصرام األجل المحدد له ،كما بصدور حكم حائز لقوة الشيء
المقضي فيه بشأن الطعن ،عمال بقاعدة أن الطعن في الحكم ال يكون بنفس طريقة الطعن ،يكسب
الطريق ذاك الطبيعة العادية .اما بقاء طريق الطعن مفتوحا دون ربطه بأجل و من جراء ذلك ،دون
اعتبار لقوة الشيء المقضي به ،فإنه يعطيه بالضرورة طبيعة استثنائية.
بناء على ذلك ،يمكن القول ان كل طريقة تكون فيها ممارسة دعوى الطعن مقيدة بأجل محدد يجب
أن تعتبر عادية .من ذلك دعوى طلب إلغاء الحكم الصادر في قسم قضاء القرب و التي تسقط بعد
انصرام أجل ثمانية أيام من صدور الحكم ،و كذلك دعوى التعرض على األحكام الغيابية الصادرة عن
المحاكم االبتدائية أو محاكم االستئناف ،و التي يجب أن ترفع في أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ.
كذلك الشأن بالنسبة لدعاوى الطعن باالستئناف و بالنقض التي يجب أن تقدم في أجل ثالثين يوما من
تاريخ تبليغ الحكم االبتدائي أو االستئنافي ،و ايضا دعاوى طلب إعادة النظر من تاريخ تبليغ الحكم أو
160
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
تاريخ االعتراف بالزور أو التدليس أو اكتشاف المستندات الجديدة ،أو تاريخ تبليغ الحكم األخير في
حالة طلب إعادة النظر لصدور أكثر من حكم في نفس القضية.
ففي هذه الحاالت جميعا يترتب عن استعمال طريقة الطعن دون جدوى أو انصرام األجل دون رفع
دعوى الطعن ،اكتساب الحكم الصادر قوة الشيء المقضي به .غير أنه كما سبق ذكره ال يكتسب قوة
نفاذ مطلق متى شابه عيب البطالن لسبب من األسباب المنصوص عليها في القانون ،فيظل عرضة
للطعن بالبطالن و الدفع به في أي وقت.
بالفعل ،ال تكفي قوة الشيء المقضي به لتنفيذ الحكم أو استعماله للدفع برد أساس الدعوى ،متى كان
مشوبا بعيب البطالن كما في حال صدوره رغم عدم اختصاص المحكمة النوعي أو رغم عدم استدعاء
الطرفين أو أحدهما حقيقة أو حكما ،أو لغير ذلك من أسباب بطالن األحكام التي جاءت قائمتها
محصورة في القانون و إن كانت مبعثرة عبر النصوص.
في ذلك ينص الفصل 321من مدونة المسطرة المدنية أنه( :إذا علم الوكيل العام للملك لدى محكمة
النقض أنه صدر حكم انتهائي على وجه مخالف للق انون أو لقواعد المسطرة و لم يتقدم أحد من األطراف
بطلب نقضه في األجل المقرر ف إنه يحيله على المحكمة.
إذا صدر عن المحكمة حكم بالنقض ف ال يمكن لألطراف االستف ادة منه ليتخلصوا من مقتضيات الحكم
المنقوض .).و ينص الفصل 322من نفس المدونة أنه ( :يمكن لوزير العدل أن يأمر الوكيل العام للملك
لدى محك مة النقض بأن يحيل على هذه المحكمة بقصد إلغاء األحكام التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم.
يقع إدخال األطراف في الدعوى من طرف الوكيل العام للملك الذي يحدد لهم أجال لتقديم مذكراتهم
دون أن يكونوا ملزمين باالستعانة بمحام.
تقوم الغرفة المعروضة عليها القضية بإبطال هذه األحكام إن اقتضى الحال ويجري اإلبطال على الجميع.).
فاستثناء من نظام طرق الطعن المشتركة ،يفتح هذين الفصلين باب الطعن بالبطالن على مصراعيه،
و دون أجل محدد ،أمام الوكيل العام للملك تلقائيا أو بطلب من وزير العدل ،ما يعني بداللة التضمن
بالتماس ممكن من طرف كل ذي مصلحة يخبر وزير العدل أو الوكيل العام لدى محكمة النقض عن
عيب البطالن الذي يشوب الحكم.
المبحث الثالث :مساطر الطعن في األحكام المدنية
تختلف مساطر الطعن في األحكام المدنية باختالف المحاكم المقدم إليها .فالتعرض مع االستئناف و
طلب اإللغاء أو إعادة النظر أمام المحكمة االبتدائية يتم وفق مسطرة تختلف عن التي تتبع أمام محكمة
االستئناف ،و كذلك الشأن بالنسبة للطعن بالنقض و البطالن أو طلب إعادة النظر أمام محكمة النقض.
تنعقد الصالحية بقوة القانون للمحكمة االبتدائية للنظر في الطعن باإللغاء ضد األحكام الصادرة في
قسم قضاء القرب وفق المسطرة السابق بينها ،و كذلك للنظر في الطعن بالتعرض على األحكام الغيابية
الصادرة منها ،و أيضا في الطعن باالستئناف أمام غرفة االستئناف بها في حدود النصاب القانوني ،و
أخيرا في الطعن بطلب إعادة النظر في الحكم.
و حيث أن مسطرة الطعن باإللغاء ضد الحكم الصادر في قسم قضاء القرب تمت معالجتها ،فإننا
نحيل إلى ما جاء بخصوصها في هذا الدرس تفاديا للتكرار و نخصص مطالب هذا المبحث لدراسة
مساطر التعرض و االستئناف و طلب إعادة النظر ،مع الطعن بالنقض.
المطلب األول :مسطرة التعرض
يميز القانون بين مسطرتين للتعرض تتعلق إحداهما بالتعرض الصادر من أحد طرفي الخصومة ،و
الثانية بالتعرض الصادر من غير أطراف الخصومة.
و يتم التمييز بين هؤالء و أالئك على أساس مسطرة القيد و االستدعاء في الدعوى القائمة ،ذلك أن
كل جهة يتم قيد اسمها كطرف مطالب و استدعاؤها كطرف مدعى عليه سواء حضرت أو لم تحضر
تعد طرفا في الخصومة.
يعد بالتالي طرفا في الخصومة المدعي و لو لم يوجه إليه استدعاء للحضور ،و أيضا المدعى عليه
الذي تم توجيه االستدعاء إليه حتى و لو لم يتم تبليغه إليه شخصيا أو في موطنه أو بواسطة القيم عليه
المنصب لذلك من طرف المحكمة.
161
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
أما المدعى عل يه المقيد اسمه في طلب المدعي ،و الذي لم تأمر المحكمة باستدعائه ،و كذلك كل
شخص معني بالقضية لم تأمر المحكمة باستدعائه ،فإنه يعد من الغير و ليس طرفا في الخصومة ،بحكم
أن أيا منهم ال يملك حق إقحام نفسه في المناقشات إال باستدعاء من المحكمة.
و بناء عليه ،فإن الطرف في الخصومة الذي يصدر الحكم بالنسبة إليه غيابيا يحق له التعرض عليه
بصفته تلك داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تبليغ الحكم إليه حقيقة أو حكما .فسواء تعلق األمر
بالمدعي أو المدعى عليه ،كما سبق بيانه ،فإن الطعن بالتعرض يتم طبقا للفصل 131وفق المسطرة
المبينة في الفصول 33 ،32 ،39 ،31من مدونة المسطرة المدنية.
ليس معنى ذلك أن كل حكم توفرت فيه شروط الصفة الغيابية يكون قابال للطعن بالتعرض بل
تستثنى من ذلك أحكام اقسام قضاء القرب و األحكام المستعجلة كما قرارات محكمة النقض.
خارج هذه الحاالت ،يتم تقديم دعوى التعرض وفق األصول المعهودة بمقال افتتاحي ،لتمسك بها
المحكمة بعد تأدية الرسوم و تعيين قاض مقرر أو مكلف بالقضية قد يكون هو نفس القاضي الذي حكم
فيها أو أعدها للحكم من قبل؛ يتولى إعدادها من جديد للحكم و السهر على استدعاء الطرفين مجددا .و
تتبع المسطرة مسارها العادي بانعقاد جلسات المحاكمة و صدور حكم جديد ليس ضروريا أن يكون
منطوقه مختلفا عن منطوق الحكم األول دون أن يترتب عن ذلك أي مؤاخذة لصاحب الطعن بالتعرض.
أما الغير الذي ليس طرفا في الخصومة ،فالمسطرة مختلفة بالنسبة إليه من هذه الناحية بالضبط .ذلك
أنه يحق للغير أن يطلب ما شا ء أمام المحكمة بما في ذلك عدم تنفيذ الحكم الصادر في خصومة لم يكن
طرفا فيها .و حيث يفترض أنه ليس معنيا بالقضية فقد خصص له المشرع تعامال خاصا في حال
رفض تعرضه سواء تم ذلك في مرحلة إعداد القضية للحكم أو بعد إعادة المحاكمة .ففي الحالتين يتم
الحكم عليه بغرامة ال تتجاوز مائة درهم.
طبقا للفصل 133من مدونة المسطرة المدنية ،فإنه ال يجوز الطعن بالتعرض في غير األحكام
االنتهائية الصادرة غيابيا عن المحكمة االبتدائية علما أن األحكام االبتدائية تقبل الطعن باالستئناف و
هو ما ينفي قابليتها للطعن بالتعرض.
و طبقا للفصل 392م ن مدونة المسطرة المدنية ،تقبل القرارات الغيابية التي تصدر عن محكمة
االستئناف هي أيضا الطعن بطريق التعرض؛ أما قرارات محكمة النقض الغيابية فإن الفصل 392من
مدونة المسطرة المدنية يمنع صراحة الطعن فيها بالتعرض.
المطلب الثاني :مسطرة االستئناف
يكتسي موضوع مسطرة استئناف األحكام أهمية بالغة من الناحية العملية بالنظر لكون المخاصمين
ال يفوتون أبدا فرصة طلب استئناف الحكم الصادر سواء كان لمصلحتهم طلبا للمزيد ،او ضدهم .و
ألجل ذلك نتوقف عند هذه المسطرة أكثر من غيرها لتوضيح مفهوم االستئناف و لتدقيق النظر في
الخطوات المتبعة من طرف المحكمة لإلمساك بطلب االستئناف.
الفرع األول :مفهوم االستئناف
االستئناف نوع من أنواع الطعن في حكم المحكمة ،و هو التماس الخصمين كل من جهته ،جميعا أو
أحدهما دون اآلخر ،إعادة البحث و التحقيق في القضية إلجراء محاكمة جديدة فيها بدعوى جديدة ترفع
أمام ن فس المحكمة التي أصدرت الحكم متى كانت الصالحية معقودة لغرفة فيها ،أو أمام محكمة من
درجة أعلى غالبا ما تسمى محكمة االستئناف .و يبقى أهم شيء يجب تذكير الطلبة و الطالبات به هو
أن أحكام المحاكم و قراراتها ليست كلها قابلة للطعن باالستئناف.
فقد سبق أن ذكرنا أن ا ألحكام الصادرة من قسم قضاء القرب و كذلك األحكام التي تفصل في
النزاعات الناشئة عن تطبيق الغرامات التهديدية المقررة في التشريع الخاص بالتعويض عن حوادث
الشغل واألمراض المهنية تستفيد من المناعة القانونية ضد الطعن باالستئناف.
أما األحكام المدنية الصادرة عن قسم قضاء األسرة و باقي غرف المحكمة االبتدائية ما عدى غرفة
االستئناف ،فتقبل االستئناف أمام هذه األخيرة في حدود النصاب القانوني.
و عمال بقاعدة أن الطعن ال يكون بنفس الطريقة ،فإن استئناف األحكام الصادرة عن محكمة
االستئناف كما التي تصدر عن غرف االستئناف بالمحكمة االبتدائية ،و مثلها قرارات محكمة
االستئناف ،ال تقبل الطعن باالستئناف.
162
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ال بأس من إثارة انتباه الطلبة و الطالبات إلى أن قابلية الحكم لالستئناف أمام محكمة االستئناف
ليست هي معيار القابلية للطعن بالنقض؛ بمعنى أن الحكم يقبل الطعن بالنقض حتى و لو لم يقبل الطعن
باالستئناف أمام محكمة االستئناف ما لم يقض نص خاص بخالف ذلك.
الفرع الثاني :مسطرة اإلمسا بطلب االستئناف
طبقا للفصل 111من مدونة المسطرة المدنية يتم بتقديم طلب استئناف األحكام بمقال افتتاحي
لدعوى االستئناف إلى كتابة ضبط المحكمة االبتدائية مصدر الحكم بما في ذلك الحكم االستعجالي،
لتقوم مصلحة هذه الكتابة بإحالته دون صوائر إلى كتابة ضبط محكمة االستئناف المختصة محليا؛
لتصبح كتابة ضبط محكمة االستئناف ملتزمة بعرض سجل الضبط المقيدة فيه الطلبات المحالة إليها
على نظر الرئيس األول للمحكمة مباشرة.
ليس كاتب الضبط في المحكمة االبتدائية ملزم بأجل محدد لتبليغ الطلب المودع لدى مصلحته إلى
كتابة ضبط محكمة االستئناف المختصة ،إال إذا تعلق األمر بقضية من قضايا األحوال الشخصية ،حيث
يلزمه القانون بأجل خمسة عشر يوما.
و مع ذلك ،فإنه بما فيه هذا النوع من القضايا ،ليست كتابة ضبط محكمة االستئناف ملزمة بأجل
محدد لعرض الطلبات المحالة إليها على نظر الرئيس األول؛ كل ما في األمر هو أن القانون يقول بأن
الملفات تحال دون تأخير أو حاال ،و ال يقول في الحين أو داخل أجل كذا.
غير أنه عكس الشأن بالنسبة للطلبات المقدمة إلى غرفة االستئناف بالمحكمة االبتدائية ،ال يكتمل قيد
الدعوى بمجرد استقبال الطلب من طرف الرئيس األول لمحكمة االستئناف .ذلك أن دور هذا األخير
منحصر في تعيين مستشار مقرر إلعداد المسطرة ،يوكل إليه مهمة التحقيق في قابلية طلب االستئناف
للنظر من طرف المحكمة.
مؤدى ذلك أنه مثل رئيس غرفة االستئناف بالمحكمة االبتدائية ،يملك كل مستشار مقرر سلطة
إصدار أمر قضائي برفض قيد طلب االستئناف لتخلف شروط قابليته للنظر من طرف المحكمة .و من
ذلك أن ينطوي المقال االفتتاحي على طلب جديد ،أو أن يخلو من تعيين موطن اختياري في مكان مقر
محكمة االستئناف إن كان يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة المرفوع إليها االستئناف .و بداللة التضمن،
تستغرق هذه السلطة إمكانية األمر بتعليق القيد لحين تصحيح الطلب من طرف صاحبه بأمر يحدد فيه
المستشار المقرر أجال للتصحيح و يكلف كاتب الضبط بتبليغه للمعني باألمر.
مهما يكن ،فإن رئيس المحكمة ،سواء اال بتدائية أو التي لالستئناف ،ملزم قانونا بتسليم ملف القضية
محل طلب االستئناف إلى المستشار المقرر في ظرف 21ساعة من ساعات عمل المحكمة ،غير قابلة
للتمديد.
ليس معنى ذلك أن نفس المدة تفصل بين تقديم الطلب و بين إمساك المستشار المقرر بالدعوى .فأجل
األربعة و عشرين ساعة ال يسري إلى من وقت تعيين رئيس المحكمة االبتدائية أو رئيس محكمة
االستئناف للمستشار المقرر ،علما أنه ليس هو ذاته بالضرورة نفس الوقت الذي عرض فيه سجل
طلبات االستئناف على نظره.
في ظل هذه الوتيرة من العمل تبدأ عمليات إعداد المسطرة فور إمساك المستشار المقرر بالقضية.
فهو ملزم فور تسلمه ملف القضية و ليس في حينه كما سبق بيانه ،بأن يأمر بتبليغ المقال االستئنافي
للطرف اآلخر منفردا كان أو متعددا ،مع اإلعالم بتاريخ الجلسة المخصصة للنظر في القضية و بيان
إن كانت جلسة إلعداد المسطرة أو للمحاكمة.
يجب على المستشار المقر ر من جهة أخرى األمر بدعوة المعني باألمر في ظرف أجل محدد ،إلى
إعداد دفاعاته و ردوده على طلب االستئناف المقدم ضده ،على أن يختار موطنا في مكان مقر المحكمة
إن كان هو اآلخر يقيم خارج دائرة نفوذها.
و متى تم تبليغ األمر القضائي للطرف أو األطراف المرفوع عليها االستئناف ،تبليغا حقيقيا أو
حكميا ،اعتبرت المسطرة حضورية ابتداء من حلول أجل الحضور ،حتى و لو تغيب المستأنف عليهم
أو لم يقدموا مستنتجاتهم خالف الشأن بالنسبة لمسطرة المحاكمة.
غير أن المستشار المقرر ليس مضطرا النتظار انصرام األجل المضروب لتسلم ردود المستأنف
علي هم حتى يبدأ في تنفيذ إجراءات إعداد المسطرة .بل يمكنه إطالقها من حين اإلمساك بطلب
االستئناف .في سبيل ذلك يخول له القانون صالحية استدعاء الطرفين رأسا لتنفيذ إي إجراء من
إجراءات التحقيق التمهيدي ،بجانب استدعائه الطرف المستأنف عليه لتقديم ردوده.
163
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
للمستشار ا لمقرر بناء على ذلك ،إن تخلف المرفوع عليه االستئناف عن الحضور و عن تقديم
ردوده ،أن يعتد بما هو في متناوله من أدلة توصل إليها عبر الطلب االفتتاحي لدعوى االستئناف ،بعد
تأكيدها بإجراء معاينة أو خبرة أو أبحاث أو تحقيق خطوط أو غيره مما هو مسموح به من إجراءات
التحقيق المدني.
و له كذلك بعد حضور الطرف اآلخر ،أو تقديمه مذكرة دفاعه و ردوده مع مستنتجاته و المستندات
المستعملة من طرفه إلثبات صحة أقواله ضد الطاعن باالستئناف ،أن يجهز القضية للحكم على ضوء
ما يظهر من الحقيقة فيها ،و التي قد تكون هي نفسها التي ظهرت للقاضي المنفرد أو لهيئة الحكم
الجماعية التي أصدرت الحكم االبتدائي ،و قد تكون مختلفة عنها.
في كل األحوال ،فإنه متى قرر المستشار أن الحقيقة معروفة في القضية محل النزاع ،و أن القضية
جاهزة للحكم بناء على ذلك ،حق له أن يعتبر عملية إعداد المسطرة في حكم الشيء المنجز ،علما أنه
ليس ملتزما بأجل محدد لبلوغ هذه الغاية .عندئذ يتوجب عليه إصدار أمر قضائي بالتخلي عن ملف
القضية ،يوجهه مبدئيا إلى كاتب الضبط الذي يلتزم كما سبق بيانه بإعادة الملف إلى رئيس المحكمة
االبتدائية أو الرئيس األول لمحكمة االستئناف ،و في الوقت نفسه تبليغ أمر المستشار المقرر بتخليه عن
الملف للطرفين وفق المسطرة المعهودة في ذلك.
سبق أن ذكرنا كيف أن رئيس المحكمة االبتدائية أو الرئيس األول لمحكمة االستئناف هو الجهة ذات
الصالحية لتعيين أعضاء هيئة جلسة المحاكمة و رئيسها ،كما تاريخ انعقادها ،و كيف أن هيئة الحكم
تملك حق تنفيذ أي إجراء من إجراءات التحقيق النهائي و كيف تصدر الحكم النهائي في القضية .فتفاديا
للتكرار نحيل إلى ما سبق ذكره في هذه المواضيع لننتقل إلى دراسة مسطرة طلب إعادة النظر.
المطلب الثالث :مسطرة طلب إعادة النظر
يستفاد من فحوى نص الفصل 132من مدونة المسطرة المدنية بداللة صريح النص ،و بناء على
قاعدة أن المطلق يجري على إطالقه ما لم يرد عليه قيد ،أن صالحية النظر في دعاوى إعادة النظر في
األحكام الغير قابلة للطعن بالتعرض و ال االستئناف ،ليست منحصرة على درجة من المحاكم دون
سواها.
في هذا الشأن يقول الفصل ( : 132يمكن أن تكون األحكام التي ال تقبل الطعن بالتعرض
واالستئناف موضوع إعادة النظر ممن كان طرف ا في الدعوى أو ممن استدعى بصفة ق انونية للمشاركة فيها
وذلك في األحوال اآلتية مع مراعاة المقتضيات الخاصة المنصوص عليها في الفصل 173المتعلقة بمحكمة
النقض
- 3إذا بت الق اضي فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما طلب أو إذا أغف ل البت في أحد الطلبات؛
- 2إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى؛
- 1إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة وذلك بعد صدور الحكم؛
- 4إذا اكتشفت بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف اآلخر؛
- 5إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم؛
- 5إذا قضت نفس المحكمة بين نفس األطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين انتهائيين
ومتناقضين وذلك لعلة عدم االطالع على حكم سابق أو لخطأ واقعي؛
- 7إذا لم يقع الدف اع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية أو حقوق ق اصرين).
فالمحكمة اال بتدائية كما محكمة االستئناف و محكمة النقض كلها مشمول بالصالحية المخولة في
الفصل 132أعاله للنظر في هكذا دعاوى.
و حيث أنه من األحكام التي تصدرها المحكمة االبتدائية ما هو غير قابل للطعن بالتعرض و ال
االستئناف ،من غير األحكام الصادرة عن قسم قضاء القرب ،و كذلك قرارات محكمة االستئناف و
ت إلعادة النظر قابلة للتقديم أمام كل منها.
قرارات محكمة النقض ،فإن طلبا ٍ
يحدث ذلك على الخصوص في مواجهة األحكام الحضورية التي تصدر انتهائيا من المحكمة
االبتدائية ،و التي منها األحكام االستئنافية الصادرة عن غرفة االستئناف في المحكمة االبتدائية ،و
164
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
كذلك األحكام الصادرة في القضايا االجتماعية باستثناء قضايا حوادث الشغل و األمراض المهنية و كذا
قضايا المعاشات الممنوحة في نطاق الضمان االجتماعي .ذلك هو أيضا شأن القرارات الصادرة
حضوريا في محكمة االستئناف علما أنها ال تقبل االستئناف عمال بقاعدة استحالة الطعن في نفس الحكم
بنفس الطريقة ،و مثل ذلك بالنسبة لقرارات محكمة النقض في حدود ما يسمح به الفصل 393
المذكور .للعلم يقضي هذا الفصل بأنه ال يجوز الطعن بإعادة النظر في القرارات الصادرة عن محكمة
النقض إال:
( - 3ضد القرارات الصادرة استنادا على وثائق صرح أو اعترف بزوريتها؛
- 2ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو السقوط ألسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية
وضعت على مستندات الدعوى ثم تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع االستظهار بها فيما
بعد؛
- 1إذا صدر القرار على أحد الطرفين لعدم إدالئه بمستند حاسم احتكره خصمه؛
- 4إذا صدر القرار دون مراعاة لمقتضيات الفصول 173و 172و).175
أما طلب إعادة النظر أمام المحكمة االبتدائية و محكم االستئناف فإنه ال يكون مقبوال إال لألسباب
المبينة في الفصل 132أعاله.
و كما هو الشأن في كل الدعاوى ،ال تتحرك دعوى إعادة النظر ألحد من هذه األسباب إال بمقال
افتتاحي يتقدم به ذو الصفة و المصلحة إلى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم داخل أجل ثالثين
يوما من تبليغ الحكم حقيقة أو حكما إليه ،مع مراعات نفس أحكام التمديد و الوقف المعمول بها لحساب
أجل االستئناف .غير أنه إذا كانت أسباب طلب إعادة النظر هي التزوير أو التدليس أو اكتشاف
مستندات جديدة ،فإن األجل ال يسري إال من يوم االعتراف بالزور أو التدليس أو اكتشاف المستندات
الجديدة ،بشرط أن توجد بالنسبة للحالتين األخيرتين حجة كتابية على هذا التاريخ .أما إذا كانت األفعال
اإلجرامية قد ثبت و جودها من طرف محكمة زجرية ،فإن األجل ال يسري إال ابتداء من التاريخ الذي
يصبح فيه الحكم الصادر من المحكمة مكتسبا قوة الشيء المحكوم به.
و إذا كان السبب هو تعارض األحكام ،فإن األجل ال يسري إال من تاريخ تبليغ الحكم األخير.
في كل األحوال ،ال يقبل كاتب الضبط تسجيل دعوى إعادة النظر إال بعد استالم وصل يثبت إيداع
مبلغ بكتابة الضبط بالمحكمة يساوي الحد األقصى للغرامة التي يمكن الحكم بها ،و التي يقضي الفصل
139من مدونة المسطرة المدنية بوجوب الحكم بها على الطرف الخاسر في دعوى إعادة النظر ،و
التي تبلغ 1333درهم أمام المحكمة االبتدائية ،و 2933في محكمة االستئناف لترتفع إلى 9333درهم
أما محكمة النقض.
تمسك المحكمة بطلب إعادة النظر و فق نفس الطرق المعهودة لالمساك بالدعاوى ،إذ يعين رئيس
المحكمة قاضا مقررا أو مكلفا بالقضية ،فيتم التحقيق فيها تمهيديا ،لتنتقل المسطرة بعد ذلك إلى مرحلة
المحاكمة في جلسات لقضاة منفردين أو هيئات جماعية للحكم.
ال شيء يمنع من أن تتكون هذه الهيئة أو أن يكون القاضي المقرر أو المكلف بالقضية كما القاضي
المنفرد ،هم أنفسهم من أعد القضية للحكم أو أصدر الحكم المطلوب إعادة النظر فيه.
و ال تكون المحكمة مقيدة بالحكم المطلوب إعادة النظر فيه وقت نظرها في الطلب ،فمتى رأت
التراجع عنه ،اعتبر ذلك الحكم ملغي بصدور حكمها الجديد ،بحيث يرد الطرفان إلى الحالة التي كانوا
عليها قبل صدور هذا األول ،و ترد المبالغ المودعة وكذا األشياء التي قضى بها و التي قد يكون تم
تسلمها بمقتضاه ،لينفذ الحكم الجديد بدال عن ذلك.
و نكرر القول أن طلب إعادة النظر من طرق الطعن القابلة لالستعمال أمام كل المحاكم بما فيها
محكمة النقض.
المطلب الرابع :مسطرة الطعن أمام محكمة النقض
سبق أن ذكرنا أن القانون يفتح باب الطعن أمام محكمة النقض للمتقاضين و للنيابة العامة في
القضايا المدنية بمساطر مختلفة هي مسطرة طلب النقض ،و مسطرة إعادة النظر و مسطرة اإللغاء
للبطالن ،علما أن قرارات محكمة النقض ال تقبل الطعن باالستئناف و بالتعرض.
165
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و حيث أنه سبق تناول مسطرتي الطعن بالبطالن و بإعادة النظر ،فإننا نخصص هذا المطلب
لمسطرة الطعن بالنقض علما أنه ليست كل االحاكم قابلة للطعن بالنقض.
الفرع األول :األحكام القابلة للطعن بالنقض
طبقا للفصل 393من مدونة المسطرة المدنية تختص محكمة النقض للنظر بصفة عادية في طلبات
النقض المرفوعة إليها ضد األحكام االنتهائية الصادرة عن محاكم المملكة من أدنى الدرجات و التي
ليست منها المحكمة الدستورية.
و يستثنى من األحكام االنتهائية القابلة للطعن بالنقض تلك التي تصدر عن القضاة الجالسين في
أقسام قضاء القرب بالمحاكم االبتدائية في حدود اختصاص هذه األقسام ،و من القضاة الجالسين في
المراكز القضائية و في أقسام قضاء األسرة كما مختلف غرف المحاكم االبتدائية في حدود نصاب 333
23درهم والطلبات المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء والتحمالت الناتجة عنه أو مراجعة السومة
الكرائية أيا كتنت القيمة.
يترتب عن اشتراط الصفة االنتهائية في الحكم وجوب العمل بقاعدة التدرج بحيث ال يمكن االرتفاع
مباشرة إلى محكمة النقض دون المرور عبر محكمة االستئناف و قبل ذلك عبر المحكمة االبتدائية إن
اقتضى الحال.
و خالفا للطعن بالبطالن و الطعن بإعادة النظر ،يكون موضوع الطعن بالنقض هو طلب النظر في
صحة الحكم من حيث التزام القضاة فيه باحترام القانون ،ذلك أن أسباب طلب النقض جاءت محصورة
على هذا النحو في الفصل 393من مدونة المسطرة المدنية بالقول أنه ( :يجب أن تكون طلبات نقض
األحكام المعروضة على محكمة النقض مبنية على أحد األسباب اآلتية:
-3خرق الق انون الداخلي؛
- 2خرق ق اعدة مسطرية أضر بأحد األطراف؛
- 1عدم االختصاص؛
- 4الشطط في استعمال السلطة؛
- 5عدم ارتكاز الحكم على أساس ق انوني أو انعدام التعليل).
الفرع الثاني :مسطرة الطعن بالنقض
كما هو شأن كل دعوى قضائية ،ال تتحرك دعوى الطعن بالنقض أمام محكمة النقض إال بمقال
افتتاحي يشترط فيه الفصل 391من مدونة المسطرة المدنية أن يكون مكتوبا و موقعا عليه من طرف
أحد المدافعين المقبولين لدى محكمة النقض.
مفاد ذلك أنه ليس للطاعن بالنقض حق الترافع عن نفسه و ال حتى تعيين من ينوب عنه من غير
المحامين المقبولين لدى محكمة النقض.
و يودع مقال الطعن بالنقض لدى كتابة ضبط المحكمة التي صدر عنها الحكم أو القرار المطعون
فيه ،مرفوقا بوصل يثبت أداء رسوم التقاضي ،ليتم تسجيله في سجل خاص.
ال يستقبل كاتب الضبط طلبات النقض بعد فوات أجل إيداعها الذي هو ثالثون يوما بعد تبليغ الحكم
محل الطعن ،تبليغا حقيقيا أو حكميا .و ليس له أن يرفض استالم أي مستند أو وثيقة يرفقه بها صاحبه،
و ال أن يعترض على ما هو مكتوب فيه.
مهمة كاتب الضبط هي بالفعل أن يتأكد من صفة صاحب المقال باعتباره طرفا تم تبليغ الحكم
المطعون فيه ،إليه حقيقة أو حكما ،و أن يتأكد من حمل المقال المكتوب توقيع محام مقبول لدى محكمة
النقض ،و أنه تم إيداعه مع وصل أداء رسوم الدعوى داخل األجل القانوني ،و أن يسجل ذلك كله في
سجل خاص و يسلم وصال به لصاحب المقال.
و متى تأكد كاتب الضبط أن عناصر طلب النقض مكتملة ،وجب عليه أن يوجه دون صوائر ،هذا
المقال مع مرفقاته ،و كذا محضر الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه بالنقض و كذلك محضر
الدعوى التي يكون قد صدر حكم ابتدائي فيها من قبل.
166
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
لم يلزم القانون كاتب الضبط الذي يتلقى مقال الطعن بأجل محدد إلحالته إلى كتابة ضبط محكمة
النقض ،و في الوقت نفسه لم يلزم هذه األخيرة بعدم تجاوز مدة قصوى لعرض الطلب على نظر رئيس
المحكمة األول.
بديهي أن يسجل كاتب ضبط محكمة النقض كل طلب ينقل إليه من نظرائه في المحاكم أقل درجة
عبر المملكة في سجل ضبط المحكمة المفترض أنه يعرض كل يوم أو نصف يوم على نظر الرئيس
األول قصد توزيع المهام .غير أن القانون ال يلزمه بإعطاء األسبقية في التسجيل للطلبات حسب تاريخ
تلقيها ،ما يسمح له يتأخر تسجيل أي طلب إلى ما شاء هللا عز و جل.
مهما يكن ،فإنه طبقا للفصل 312من مدونة المسطرة المدنية ،يجب على الرئيس األول دون نظر
في موضوع الطلب إصدار أمر قضائي يؤشر به على سجل ضبط المحكمة في خانة مخصصة في
مكان تسجيل كل طلب ،لتحويله مباشرة إلى رئيس الغرفة المختصة بالموضوع.
و بعد إرجاع سجل ضبط المحكمة إلى كاتب الضبط ،يقوم مدير ديوان الرئيس األول لمحكمة
النقض تنفيذا أل وامر الرئيس األول بتوزيع المهام على رؤساء الغرف ،فيحيل إلى مكتب كل منهم
ملفات طلبات النقض بما تشتمل عليه من محاضر و مستندات.
خالف الرئيس األول ،يحق لرئيس كل غرفة من غرف محكمة النقض أن ينظر في كل طلب على
حدة للتأكد من اجتماع شروط صحته الشكلية و الموضوعية .من ذلك على الخصوص أن ينظر في
سبب الطعن على اعتبار أن الطعن بالنقض مقيد بأسباب محددة جاء النص عليها في قائمة محصورة.
صحيح أن القانون ال يعطيه صراحة هكذا حق ،لكن ذلك هو المستفاد من نص الفصل 313من
مدونة المسطرة المدنية ،و الذي يقضي بإمكان تسليم الملف مباشرة إلى النيابة العامة لتقدم مستنتجاتها
في القضية دون مرور عبر المستشار المقرر متى ظهر من المقال االفتتاحي أو من المذكرة التفصيلية
أن حل القضية معروف مقدما بصفة يقينية .ففي هذه الحالة يصدر رئيس الغرفة أمرا بعدم إجراء
البحث و إدراج القضية في جلسة محددة يكون للهيئة الجالسة للحكم فيها أن ترفض طلب النقض بقرار
معلل ،او تأمر بإعادة القضية للبحث من طرف مستشار مقرر بقرار غير معلل.
مفاد ذل ك أن رئيس كل غرفة من غرف محكمة النقض ليس ملزما بتعيين مستشار مقرر لكل قضية،
بل له أن يحتفظ لنفسه بالقضايا التي يراها محسومة ،على أن تحتفظ المحكمة بحق إعادتها إليه مع
التماس إسنادها من جديد لمستشار مقرر.
فالطبيعي إذن في مسطرة الطعن بالنقض أن يتم تعيين مستشار مقرر لكل قضية يتولى إعداد
المسطرة.
لم يلزم المشرع رئيس الغرفة بأجل محدد لتعيين المستشار المقرر و ال لتسليم ملف القضية إليه .و
مهما يكن ،فإن لهذا األخير أن يشرع في إعداد المسطرة فور إمساكه بالقضية .له من أجل ذلك أن
يطلب استالم الملف في مصلحة كتابة الضبط و االنكباب عليه بالفحص إلعادة التأكد من توفر شروط
صحته الشكلية و الموضوعية .فإن ظهر له أن سبب الطعن غير مقبول ،أو أن شرطا من شروطه
الشكلية متخلف ،أصدر فورا أمرا بالتخلي عن الملف و تبليغ القضية للنيابة العامة قصد تقديم
مستنتجاتها التي كما هو منصوص عليه ،يجب أن تفصح عنها في غضون ثالثين يوما من تاريخ تبليغ
الملف إليها.
أما إذا تبين للمستشار المقرر أن طلب النقض صحيح ،فإنه يباشر البحث فيه من خالل النظر في
سبب الطعن .من أجل ذلك يركز المستشار المقرر أكثر شيء على النسخ الكاملة للحكم النهائي مع
األحكام التمهيدي ة للبحث في مدى خرقها للقانون الداخلي ،أو لقواعد المسطرة أو لقواعد االختصاص
أو افتقارها للتعليل و ذكر الحيثيات ،كل ذلك في حدود ما هو مطلوب من صاحب الطعن.
على عكس القاضي أو المستشار المقرر كما القاضي المكلف بالقضية في المحكمة االبتدائية و
محكمة االستئناف ،ل يس المستشار المقرر في محكمة النقض ملزما بإصدار أمر بتبليغ مقال الطعن
بالنقض للطرف اآلخر ،و إنما تلك مهمة ألزم القانون بها مصلحة كتابة ضبط هذه المحكمة .على أن
كتابة الضبط ملزمة في ذلك بمراعات أجل تقديم صاحب طلب النقض للمذكرة التفصيلية لطلبه ،إن
كان قد احتفظ بحق تقديمها في مقاله االفتتاحي ،و كان كاتب ضبط المحكمة الذي تلقى الطلب ألول مرة
قد سارع بتبليغه إلى كتابة ضبط محكمة النقض قبل انصرام أجل ثالثين يوما من تاريخ اإليداع.
ذلك أنه بعد هذا األجل ،تكون كتابة ضبط محكمة النقض في حل من واجب انتظار التوصل بمذكرة
صاح ب الطلب التفصيلية ،و يمكنها مباشرة عملية تبليغ خبر توصلها بطلب الطعن بالنقض للطرفين
167
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
مع المقال و المذكرة التفصيلية عند االقتضاء ،على أن يتم ذلك وفق المسطرة المعهودة للتبليغ حقيقة أو
حكما.
يفتح أجل التبليغ للطرف اآلخر أجل ثالثين يوما لتقديم مذكرته الجوابية مع المستندات التي يريد
استعمالها ،على أن يتم توقيع تلك المذكرة كذلك من طرف مدافع مقبول لدى محكمة النقض.
ليس للطرفين حق طلب المثول أمام المستشار المقرر ،و إن لم يمنع القانون هذا األخير من
استدعائهم للحضور في مرحلة إعداد المسطرة .غير أن نص الفصل 331من مدونة المسطرة المدنية،
يعطيه حق التدخل إلصدار أمر بإنذار الطرف اآلخر في حال تخلفه عن تقديم مذكرة الرد ،مع إعطائه
أجال جديدا للقيام بذلك.
فمن خالل البحث في األحكام التمهيدية و النهائية محل الطعن للنظر في األسباب المبررة لنقض
الحكم حسب زعم صاحب الطلب ،و على ضوء مذكرات الطرفين التفصيلية إن اقتضى الحال ،يخلص
المستشار المقرر إلى تكوين قناعته حول القضية ،ليعتبرها جاهزة للحكم و يقترح في تقريره إما نقض
الحكم المطعون فيه ،أو إبرامه و رفض طلب النقض.
بعد تقديم النيابة مستنتجاتها في القضية ،يعرض كاتب ضبط محكمة النقض القضية مجددا على نظر
رئيس الغرفة باستعمال سجل ضبط المحكمة من أجل تعيين تاريخ جلسة الحكم مع تسمية المستشارين
المدعوين للجلوس فيها ،إال أن يكون المستشار المقرر أو النيابة العامة قد خلصا إلى أن القضية
تستوجب البت فيها من طرف عدة غرف ،أو غرف المحكمة جميعا .حينئذ يتوجب على كاتب الضبط
وضع القضية مباشرة بين يدي الرئيس األول للمحكمة لتعيين تاريخ الجلسة و تسمية أعضاء هيئة
الحكم فيها مع رئيسها.
و حيث أن جلسة المحاكمة في محكمة النقض ال تنعقد في إطار مسطرة الطعن بالنقض لغير النظر
في أسباب النقض المحددة بنص القانون ،و التي تحصر صالحيتها في مراقبة نوع القانون و طريقة
فهمه و تطبيقه من طرف المحاكم األدنى درجة ،فإنه ال يحدث من طرفها تحقيق قضائي نهائي
باستعمال إجراءات البحث الموضوعي ،ما عدى وسيلة الخبرة ،و فقط في مجال القواعد القانونية التي
ال يفترض في قضاة المحكمة العلم بها .من ذ لك على الخصوص قواعد الفقه و القضاء و العادات
االتفاقية؛ و كذلك القواعد الغير مدونة في الشؤون الدينية للملل المكونة لألمة المغربية ،مع قواعد
القوانين األجنبية عموما .فالمستشار المقرر كما هيئة المحكمة ليسوا ملزمين بتصديق محتوى المذكرة
التفصيلية أو مذكرة الرد حول تلك القواعد ،ما يعطيهم حق التأكد منها عبر الخبرة .بل إنه ال شيء يمنع
صاحب طلب النقض و ال الطرف اآلخر من طلب إجراء هكذا خبرة.
مهما يكن ،فإن حكم محكمة النقض ال يخرج عن أن يكون بإبرام الحكم المطعون فيه أو نقضه.
فإن صدر القرار بالنقض تم الحكم فيه على الطرف اآلخر بالمصاريف إال إذا ارتأت المحكمة
قسمتها بين الطرفين ،و تمت إعادة الطرفين معا إلى ما قبل صدور الحكم المطعون فيه إن كان قد نفذ،
بحيث ترد األشياء المسلمة إلى أصحابها و يعاد األشخاص إلى نفس مراكزهم السابقة بالضبط كما
يحدث عند إلغاء الحكم االبتدائي في غرفة او محكمة االستئناف.
غير أنه بخالف غرف و محاكم االستئناف ،ال يحق لمحكمة النقض أن تتصدى للمحاكمة في القضية
التي تنقض الحكم الصادر بشأنها .بل يجب عليها أن تحيلها إلى محكمة أخرى من درجة المحكمة التي
نقضت حكمها أو بصفة استثنائية على نفس المحكمة التي صدر عنها الحكم المنقوض .و يتعين عندئذ
أن تتكون هذه المحكمة من قضاة لم يشاركوا بوجه من الوجوه في الحكم الذي هو موضوع النقض،
علما أنه إذا بتت محكمة النقض بقرارها في مسألة اجتهاد قانوني تعين على المحكمة التي أحيل عليها
الملف أن تتقيد بهذا االجتهاد.
تقوم مصلحة كتابة ضبط محكمة النقض بتبليغ الحكم بالنقض للطرفين وفق الطرق المعهودة ،و
بموازاة ذلك تحيل الملف دون مصاريف إلى المحكمة المعينة لتتولى مصلحة كتابة الضبط فيها قيد
القضية و عرضها على نظر الرئيس لتبدأ من جديد إجراءات إمساك تلك المحكمة بالدعوى ،لكن دون
حاجة لمقال افتتاحي و ال لدفع الرسوم.
أما صدور القرار باإلبرام فيتم الحكم فيه على صاحب طلب النقض بالمصاريف إال إذا ارتأت
المحكمة قسمتها بين الطرفين ،و تقوم مصلحة كتابة الضبط بتبليغ القرار للطرفين وفق المسطرة
المعهودة ،ليصار بعد ذلك مباشرة بعد حصول التبليغ حقيقة أو حكما إلى تنفيذ الحكم المطعون فيه
بالنقض إن كان هذا األخير موقفا للتنفيذ.
168
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي XI
ما المقصود بالطعن في الحكم القضائي ،و ما قول المشرع المغربي في التمييز بين طرق الطعن العادية و
االستثنائية؟
تحدث بإسهاب عن استئناف الحكم االبتدائي ؟
تحدث عن طرق الطعن بالنقض و طلب اإللغاء و التعرض و إعادة النظر؟
الدرس التطبيقي XI
لخص الدرس النظري الحادي عشر في بضع سطور ؟
تمرن على كتابة مقاالت للطعن بالتعرض و االستئناف و البطالن ،و طلب إعادة النظر و بالنقض؟
ضع رسما جدوال لطرق الطعن و آجالها و قم بتبادله مع من تختار من زمالئك في القسم؟
169
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
و حيث أن موجبات العدالة تقتضي في بعض األحيان االسراع في تنفيذ الحكم قبل انصرام األجل
الموقف للتنفيذ ،فإن المشرع استجاب لذلك بفتح باب التنفيذ المؤقت لألحكام المؤجلة التنفيذ بقوة
القانون.
طبقا للفصل 119المذكور فإنه يجوز دائما األمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو غيرها حسب ظروف
القضية التي يجب توضيحها .كما أنه يمكن تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى
األصلية أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو االستئناف.
تلتزم المحكمة بالنظر في طلب وقف التنفيذ المعجل للحكم المطعون فيه في كل الحاالت بدعوى
منفصلة عن الدعوى األصلية سواء تعلق األمر بدعوى استئناف أو دعوى تعرض.
واضح أن األمر متعلق بمقال افتتاحي لدعوى مستقلة ،تمسك بها المحكمة وفق الطرق المعهودة؛
غير أن المسطرة فيها سريعة .ذلك أنه فور اإلمساك بقضية وقف النفاذ المعجل ،تستدعي المحكمة
األطراف للمناقشة و الحكم في غرفة المشورة على أن تبت فيها داخل أجل ثالثين يوم.
لم يبين المشرع أي جهة في المحكمة تتولى إعداد القضية للحكم و البت فيها ،غير أنه بالنظر لنظام
اإلمساك بالدعاوى ال شيء يمنع رئيس المحكمة من االحتفاظ بها لنفسه ،أو تكليف قاض غيره بذلك قد
يكون هو نفسه القاضي المقرر أو المكلف بالقضية محل االستئناف أو التعرض.
و ردا على طلب وقف النفاذ المعجل يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف هذا األخير كما يمكننها أن تسمح
باالستمرار فيه باشتراط كفالة أو بدونها.
المطلب الثاني :مسطرة التنفيذ الودي النهائي
ما لم يتم الشروع في التنفيذ مؤقتا قبل انصرام أجل الطعن بالطرق المقيدة بمدد محددة ،أو من وقت
تبليغ الحكم أو القرار النهائي الغير قابل للطعن داخل أجل محدد ،يحق لكل ذي مصلحة طلب التنفيذ
النهائي وفق المسطرة المعهودة في ذلك.
ليس ضروريا أن يكون التنفيذ جبريا إذ ال شيء يمنع من حصوله بطريقة ودية بين األطراف ،على
أن يتم ذلك في كل األحوال قبل نهاية مدة ثالثين سنة من تاريخ صدور الحكم.
صحيح أن اختيار الطريق الودي يفتح باب التصالح بين الطرفين على مصراعيه و يجعلهما في
غنى عن اإلجراءات المطلوبة لمواكبة عمليات التنفيذ ،غير أن التحسب لكل طارئ يرفع عنهما
الحرج الستخراج نسخة تنفيذية للحكم و تحرير محضر بالتنفيذ.
الفرع األول :نسخة الحكم التنفيذية
طبقا لنص الفصل 139من مدونة المسطرة المدنية ،فإنه على عكس النسخ العادية للحكم ،ال يمكن
للمحكمة أن تسلم إال نسخة تنفيذية واحدة .غير أنه يجوز لمن فقدها أن يحصل على نسخة تنفيذية ثانية
بمقتضى قرار يصدره قاضى المستعجالت بعد استدعاء جميع ذوي المصلحة.
و على عكس النسخ العادية للحكم ،يجب أن تكون هذه النسخة مختومة وموقعة من طرف كاتب
ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم ،حاملة العبارة التالية" :سلمت طبقا لألصل وألجل التنفيذ" .و يجب
على كاتب الضبط أن يتأكد من هوية صاحب الطلب و أنه الطرف المحكوم له ،فيسجل ذلك في محضر
الدعوى مع اإلشارة إلى تاريخ التسليم و اسم الشخص الذي تلقاه.
أما ذوي المصلحة ممن ال يحملون صفة المحكوم له ،فال حق لهم في غير نسخ الحكم العادية.
و ميزة النسخ ة التنفيذية للحكم أنها تفتح باب تنفيذ حكم المحكمة أو قرارها في مجموع التراب
الوطني بطلب ممن سلمت له أو من ينوب عنه ،و ليس بطلب من الحامل.
مفاد ذلك أن كاتب الضبط يذكر ضمن الصيغة التنفيذية التي يؤشر بها على نسخة الحكم اسم
المستفيد منها ،فال يمكن النيابة عن هذا األخير لطلب التنفيذ إال وفق نظام اإلنابة بصفة ولي أو وصي
أو بموجب عقد وكالة.
و في كل األحوال ،ال يكون من الضروري دائما طلب تدخل أي جهة عمومية لتبليغ الحكم التنفيذي.
فقد يكتفي الطرف المحكوم له بتبليغ الطرف المحكوم عليه بصورة من النسخة التنفيذية بأي طريقة من
الطرق ،و دعوته لالمتثال وديا للقانون قصد الحصول منه تلقائيا على المطلوب .غير أن ذلك ال يمنع
هذا األخير من طلب توثيق عملية التنفيذ بدعوة المحكوم له إلى إحضار عون لكتابة الضبط أو على
األقل تحمل مصاريف محضر للتنفيذ يحرره مفوض قضائي ،إن لم يشأ أن يتبرع هو بها.
ال يمنع من ذلك وفاة المستفيد من الحكم أو المحكوم عليه ،فالتبليغ من الورثة أو إليهم يمكن أن
يكون ألجل التنفيذ الودي للحكم على التركة أو لمصلحة الورثة.
170
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
إن توفي المحكوم له قبل التنفيذ ،أخطر الورثة رئيس المحكمة مثبتين صفتهم ،فإذا قام نزاع حول
إثبات هذه الصفة قرر القاضي متابعة التنفيذ مع إيداع القدر المحصل عليه بكتابة الضبط .أما إذا كان
المحكوم عليه هو المتوفى ،تم التبليغ إلى الورثة المعروفين و لو كان قد بلغ لموروثهم ،و ذلك قصد
القيام بالتنفيذ على أموال التركة.
الفرع الثاني :محضر التنفيذ
يجيز القانون تحري ر محضر رسمي للتنفيذ بطريقتين أولهما بتدخل من عون للتنفيذ منتدب من
طرف كاتب ضبط المحكمة ،و الثاني يتم بمعرفة مفوض قضائي يكلفه الطرفان أو أحدهما ،أو حتى
بمعرفة مفوضين قضائيين يعمل كل منهما لمصلحة الطرف الذي استعمله.
ال شيء يمنع الطرفين بالفعل من تكليف مفوض قضائي أو أكثر بتحرير محضر التنفيذ الودي
للحكم ،كما أنه باستثناء الحالة التي يصدر فيها الحكم عن قسم قضاء القرب ،ال شيء يمنع المحكوم له
من طلب تدخل كتابة الضبط للتنفيذ .فكما سبق ذكره ال يتم تنفيذ األحكام الصادرة عن قسم قضاء القرب
طبقا للمادة 21من قانون 12-13إال بواسطة السلطة اإلدارية المحلية ،أو عن طريق مفوض قضائي.
و سواء طلب الطرف اآلخر ذلك أو جعل المحكوم له مضطرا إلحضار عون للتنفيذ بسبب تعنته،
يحق للمستفيد من النسخة التنفيذية للحكم الصادر من غير قسم قضاء القرب ،أن يلتمس من أي مصلحة
لكتابة الضبط ،في أي م حكمة من محاكم المملكة ،بإنابة من المحكمة التي أصدرت الحكم ،انتداب عون
للتنفيذ يقوم بتبليغ الحكم التنفيذي و طلب االمتثال لما فيه ،مع تحرير محضر بذلك يتم حفظه في
مصلحة كتابة الضبط لإلثبات عند الحاجة.
األصل أن تتولى كتابة ضبط كل محكمة ابتدائية و محكمة استئناف مهمة السهر على تنفيذ األحكام
الصادرة عنها ،إال إذا كان التنفيذ مطلوبا في دائرة محكمة أخرى ،حيث تحصل هذه األخيرة على إنابة
من األولى للسهر على عملية التنفيذ ،علما أن لمحكمة االستئناف أن تنيب في األمر أي محكمة من
المحاكم االبتدائية التابعة لدائرة نفوذها ،بل و حتى مباشرة ،أي محكمة في أي دائرة أخرى.
لم ينص القانون صراحة على وجوب إنابة محكمة ابتدائية من طرف محكمة االستئناف في حال
طلب التنفيذ خارج دائرة نفوذها ،و ليس محكمة االستئناف في تلك الدائرة لكن ذلك أمر مفروغ منه.
فقد نص القانون على وجوب تعيين قاض للتنفيذ من طرف الجمعية العامة لكل محكمة ابتدائية حصريا
و ليس في محاكم االستئناف.
مفاد ذلك أنه حتى و إن احتفظت محكمة االستئناف لنفسها بمهمة السهر على التنفيذ أو أنابت عنها
محكمة استئناف أخرى في ذلك ،فإن المسطرة تنتهي بالضرورة إلى رفع القضية أمام محكمة ابتدائية
بإحالة من نفس محكمة االستئناف ،متى قامت صعوبات في التنفيذ.
فكتابة ضبط المحكمة المكلفة بالسهر على التنفيذ ملزمة خالل أجل ال يتعدى عشرة أيام من تاريخ
تقديم طلب التنفيذ ،بانتداب عون يقوم بتبليغ نسخة الحكم التنفيذي إلى الطرف المحكوم عليه ،ويعذره
بأن يفي بما قضى ب ه الحكم حاال أو بتعريفه بنواياه ،و تقديم تقرير بذلك إلى المحكمة .فإذا امتثل
المحكوم عليه لحكم المحكمة ،عاين العون عملية التنفيذ و حرر بها محضرا يوقعه معه الطرف
المحكوم عليه مع المحكوم له.
أما إذا لم يمتثل المحكوم عليه ،أو جادل المحكوم له في صحة التنفيذ و رفض توقيع محضر التنفيذ،
فإنه يصبح من واجب العون رفع تقرير بذلك ،لتمسك المحكمة بحالة صعوبة في التنفيذ.
لم يضع المشرع قائمة محددة لصعوبات تنفيذ األحكام لكنها ال تخرج عن أن تكون طلب آجال لتسليم
شيء أو سداد دين ،أو القيام بعمل أو االمتناع عنه ،أو تكون ادعاء العجز عن ذلك أو رفض القيام به.
و حسب الحالة ،تعالج الصعوبة بطلب إذن من المحكمة بحجز أموال المدين تحفظيا إذا كان ذلك
كافيا للمحافظة على حقوق المستفيد من الحكم .فإن لم يكف هذا اإلجراء وجب البدء بإصدار حكم
بغرامة تهديدية كمحاولة لوضع حد لتعنت المحكوم عليه؛ فإن لم يفلح التهديد في ذلك بات مؤكدا أن
تنفيذ الحكم محل لخصومة تمسك بها المحكمة وفق مسطرة التنفيذ الجبري.
المطلب الثالث :مسطرة تنفيذ األحكام األجنبية
عمال بأحكام الفصل 133من مدونة المسطرة المدنية ال تقبل األحكام الصادرة من المحاكم األجنبية
التنفيذ الودي كما التنفيذ االجباري في المغرب ،إال بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة
االبتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما .على أن ذلك ال يمنع
المحكوم عليه من تنفيذها دون تحرير محضر رسمي بذلك.
171
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
ألجل ذلك ،و إال أن تنص مقتضيات مخالفة في االتفاقيات الدبلوماسية على خالفه ،يجد كل محكوم
له بحكم أجنبي يريد تنفيذه في المملكة المغربية ،نفسه مضطرا لتقديم طلب تذييل حكمه بالصيغة
التنفيذية بمقال مرفوق بنسخة من الحكم األجنبي مع الترجمة العربية الفصحى إن اقتضى األمر من
طرف ترجمان محلف ،و أصل ا لتبليغ أو كل وثيقة أخرى تقوم مقامه ،مع شهادة من كتابة الضبط
المختصة في الخارج تشهد بعدم التعرض و االستئناف و الطعن بالنقض مترجمتين كذلك.
يتم قيد مقال طلب التذييل بالصيغة التنفيذية في سجل ضبط المحكمة لتمسك به المحكمة وفق الطرق
المعهودة من خالل تعيين قاض مكلف بالقضية و تبليغ االستدعاء للمحكوم عليه.
و حين أعداد القضية للحكم يجب على القاضي المكلف بالقضية أن يتأكد من صحة الحكم
واختصاص المحكمة األجنبية التي أصدرته ،وأن يتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته
بالنظام العام المغربي .و في سبيل ذلك له أن يستمع إلى الطرفين و ينفذ إجراءات التحقيق المعهودة
ليجعل القضية جاهزة للحكم حيث ال يخرج مصيرها عن ان يكون رفض طلب التذييل بالصيغة
التنفيذية أو األمر به دون إمكانية تعديل منطوق الحكم األجنبي أو أي بيان من بياناته.
يصدر الحكم بإعطاء الصيغة التنفيذية في جلسة علنية وفق الطرق المعهودة ،و هو مبدئيا قابل
للطعن بالتعرض إن كان غيابيا ،كما باالستئناف حسب األحوال أمام غرفة االستئناف بالمحكمة
االبتدائية أو محكمة االستئناف كما للطعن بالنقض.
غير انه عمال بمقتضيات الفصل 131من مدونة المسطرة المدنية ،ال يكون الحكم القاضي بمنح
الصيغة التنفيذية في قضايا انحالل ميثاق الزوجية قابال للطعن ،إال من طرف النيابة العامة.
المبحث الثاني :نظام التنفيذ الجبري
يجد المحكوم له نفسه مضرا لطلب التنفيذ الجبري متى ظهرت صعوبة يمتنع معها التنفيذ الودي .و
يتم العمل بنظام التنفيذ الجبري وفق مسطرة خاصة تفضي إلى تنفيذ إجراءات متوائمه مع الوضع.
المطلب األول :مسطرة التنفيذ الجبري
طبقا للقانون ،يجب أن تحال قضايا التنفيذ الجبري إلى رئيس محكمة االستئناف أو إلى قاضي التنفيذ
في المحكمة االبتدائية بعد اإلحالة إلى هذه األخيرة ،أو إلى رئيس المحكمة االبتدائية بصفته قاضي
المستعجالت؛ و في الحاالت جميعا بطلب من المحكوم له مرفوقا بنسخة من محضر التنفيذ المثبت
للصعوبة القائمة.
بعد توصل رئيس محكمة االستئناف بطلب النظر في صعوبة التنفيذ ،و مثله في ذلك رئيس المحكمة
االبتدائية و إن كان ذلك في إطار مسطرة االستعجال ،حق لكل منهما أن يحتفظ بالقضية لنفسه ،كما
يجوز له أن يأمر بإحالتها إلى قاضي التنفيذ .و متى صدر هكذا أمر من رئيس محكمة االستئناف ،كان
مقتضاه أن تحيل كتابة ضبط محكمة االستئناف ملف التنفيذ إلى كتابة ضبط المحكمة االبتدائية التي يتم
تنفيذ الحكم في دائرتها داخل دائرة نفوذ محكمة االستئناف أو خارجها .أما إذا صدر األمر من رئيس
المحكمة االبتدائية فال يخرج األمر عن واحدة من اثنتين؛ فإما أن يحال الملف إلى قاضي التنفيذ في
نفس المحكمة ،أو يقوم كاتب ضبط تلك المحكمة بإنابة كاتب ضبط المحكمة التي يجب أن يقع التنفيذ
في دائرتها القضائية ،لتنفيذ أمر اإلحالة إلى قاضي التنفيذ الجالس في هذه األخيرة.
المطلب الثاني :إجراءات التنفيذ الجبري
سواء تعلق األمر برئيس محكمة االستئناف ،أو رئيس المحكمة االبتدائية أو بقاضي التنفيذ في
المحكمة االبتدائية ،فإن تلقيه طلب التنفيذ الجبري يخوله سلطة العمل بمختلف إجراءات التنفيذ الجبري
و التي منها الحجوزات التحفظية و التنفيذية.
الفرع األول :الحجز التحفظي
يعرف الفصل 193من مدونة المسطرة المدنية الحجز التحفظي بأنه إجراء ال يترتب عنه سوى
وضع يد القضاء على المنقوالت والعقارات التي انصب عليها ،كما يترتب عنه منع المدين من
التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ،و يكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز
باطال وعديم األثر .و يبقى المحجوز عليه حائزا لألموال إلى أن يتحول الحجز التحفظي إلى حجز آخر
ما لم يؤمر بغير ذلك ،أو يتم تعيين حارس قضائي.
و يمكن للمحجوز عليه أن ينتفع بها و أن يتملك الثمار دون أن يكون له حق كرائها إال بإذن من
القضاء.
و يميز القانون في هذا الشأن بين مسطرة الحجز التحفظي بين يدي المحكوم عليه و بين يدي الغير.
172
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
173
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
المقرر له بحق عيني عليها ،أو قصد تصفيتها لتسليم ثمنها كله أو بعضه للمحكوم له وفاء بدين حكمت
المحكمة بحقه فيه.
و تختلف مسطرة الحجز التنفيذي باختالف الطبيعة العقارية أو المنقولة للشيء و كذلك حسب
وجوده بين يدي المحكوم عليه أو لدى الغير.
أ:حجز المنقوالت
طبقا الفصل 113من مدونة المسطرة المدنية ،يتم الحجز التنفيذي على المنقوالت باحترام نفس األحكام المعمول بها
في حالة الحجز التحفظي من حيث المجال المالي و الظرف الزمني ،باستثناء النقود.
قد تتنازع الحجوزات بمعنى أن يصدر ضد نفس المحكوم عليه عدة أحكام تنفيذية لفائدة أشخاص مختلفين على نفس
األموال .عندئذ يتم العمل بقاعدة األسبقية لمن طلب التنفيذ الجبري قبل غيره ،و ال يمكن للمحكوم له عند وجود حجز
سابق على كل منقوالت المحجوز عليه إال التدخل على وجه التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ و طلب رفع الحجز
و توزيع األموال؛ كما يحق له مراقبة اإلجراءات و طلب متابعتها إن لم يقم بذلك الحاجز األول.
في كل األحوال يعد طلب الحجز الثاني بمثابة تعرض على األموال المتحصلة من البيع في الحجز األول و تكون محل
توزيع .فإن كان الحجز الثاني أوفر من األول ضما معا عدا إذا كان بيع األشياء المحجوزة سابقا قد وقع اإلعالن عنه.
و سواء تعدد الحجز أم ال ،تسلم الحيوانات و األشياء المحجوزة إلى حارس بعد إحصائها عند االقتضاء ،و ال يمكن أن
تبقى تحت حراسة المنفذ عليه إال إذا وافق المحكوم له على ذلك أو كان من شأن طريقة أخرى غير هذه أن تتسبب في
مصاريف باهظة .و يمكن كذلك حجز المحاصيل و الثمار التي أوشكت على النضج قبل انفصالها عن األصول.
يتضمن محضر الحجز بيان العقار الكائنة به المحاصيل والثمار المحجوزة وحالتها ونوعها مع أهميتها ولو على وجه
التقريب ،وتوضع إن كان ذلك ضروريا تحت مراقبة حارس.
في كل األحوال ،يمنع على الحارس ،تحت طائل استبداله و الحكم عليه بتعويض عن الضرر ،استعمال الحيوانات و
األشياء المحجوزة أو استغاللها لمصلحته ما لم يأذن له األطراف بذلك.
و بعد انتهاء أجل ثمانية أيام من يوم الحجز ،ما لم يتفق الطرفان على تحديد أجل آخر ،تباع المنقوالت المحجوزة
بالمزاد العلني .أما الثمار و المحاصيل التي أوشكت على النضج فال يقع بيعها إال بعد قطفها عدا إذا اعتبر المدين أن بيعها
قبل انفصالها أكثر فائدة له.
أيا كان األمر ،يقع المزاد في أقرب سوق عمومي ،أو في أي مكان آخر يتوقع الحصول فيه على أحسن نتيجة ،و يحاط
العموم علما بتاريخ و مكان المزاد بكل وسائل اإلشهار المناسبة ألهمية الحجز.
يرسو الشيء المباع على من قدم أعلى عرض ،و ال يسلم له إال بعد تأديته لثمنه حاال.
إذا لم يؤد المشتري الثمن أعيد بيع األشياء المحجوزة فورا على نفقته و تحت مسؤوليته ،و يتحمل المشتري المتخلف
الفرق بين الثمن الذي رسا به المزاد عليه و الثمن الذي وقفت به المزايدة الجديدة إذا كان أقل من األول دون أن يكون له
حق االستفادة من الزيادة إن كانت.
يعاد البيع أيضا إذا لم يتسلم المشتري الذي أدى الثمن الشيء المبيع داخل األجل المحدد طبقا لشروط البيع غير أن ثمن
المزايدة الجديدة يوضع بكتابة الضبط لصالح المشتري األول.
و في حال ما إذا ادعى أحد من الغير ملكية المنقوالت المحجوزة فإن العون المكلف بالتنفيذ يوقف ،بعد الحجز ،البيع
إذا كان طلب اإلخراج مرفقا بحجج كافية؛ و تبت المحكمة في كل نزاع يقع حول ذلك.
إذا أمر الرئيس أو قاضي التنفيذ بالتأجيل وجب على طالب اإلخراج أن يقدم طلب االستحقاق إلى محكمة مكان التنفيذ
داخل ثمانية أيام ابتداء من يوم صدور األمر ،و إال فتواصل اإلجراءات.
و ال تتابع اإلجراءات عند االقتضاء إال بعد الحكم في هذا الطلب.
ب :حجز العقارات
طبقا للفصل 113من مدونة المسطرة المدنية فإنه ال يقع البيع الجبري للعقارات إال عند عدم كفاية المنقوالت ،عدا إذا
كان المحكوم عليه مستفيدا من ضمان عيني .و صورة ذلك أن يكون له على الغير دين مضمون الوفاء برهن رسمي أو
رهن عقاري حيازي ،و يحل أجل الوفاء دون تحققه من طرف المدين.
إذا كان العقار محل حجز تحفظي تم تبليغ تحويله إلى حجز تنفيذي عقاري للمنفذ عليه شخصيا بطرق التبليغ الحقيقي
أو الحكمي ،في موطنه أو محل إقامته أو للقيم المنصب لذلك.
و إذا لم يكن العقار محل حجز تحفظي سابق ،وضعه العون المكلف بالتنفيذ بين يدي القضاء بإجراء حجز عقاري
عليه يذكر في محضره أنه تم تبليغ الحكم وحضور المنفذ عليه أو غيبته في عمليات الحجز ،كما يبين موقع العقار
و حدوده بأكثر دقة ممكنة ،و الحقوق المرتبطة به و التكاليف التي يتحملها إن أمكنت معرفتها؛ و كذلك
عقود الكراء المبرمة في شأنه مع حالته تجاه المحافظة العقارية عند االقتضاء.
إذا لم يكن العقار مكريا للغير وقت الحجز فإن المنفذ عليه يبقى حائزا له بصفته حارسا قضائيا حتى
يوم البيع ،ما لم يصدر األمر بغير ذلك .و يمكن للمحكمة أن تبطل عقود الكراء إذا أثبت المحكوم له أو
من رسا عليه المزاد أنها أبرمت إضرارا بحقوقه.
و يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت طائل البطالن ،و تعقل ثمار
هذا العقار و مداخيله عن المدة الالحقة للتبليغ ،و توزع بنفس المرتبة مع ثمن العقار نفسه.
174
ق انون المسطرة المدنية في المملكة المغربي
يعتبر اإلشعار الموجه للمكترين من العون المكلف بالتنفيذ طبق الطرق العادية للتبليغ بمثابة حجز
لدى الغير بين أيديهم على المبالغ التي كانوا سيؤدونها عن حسن نية قبل التبليغ بالنسبة للمدة الموالية
لهذا التبليغ.
فإذا وقع الحجز في غيبة المنفذ عليه ،بلغ إليه بطرق التبليغ الحقيقي أو الحكمي ،في موطنه أو محل إقامته أو للقيم
المنصب لذلك.
يقيد المحضر بسعي من العون المكلف بالتنفيذ من طرف المحافظ في الرسم العقاري طبقا للتشريع الجاري به العمل،
و إذا لم يكن العقار محفظا ،فيقيد في السجل الخاص بالمحكمة االبتدائية و يقع اإلشهار بنفس طرق إشهار الحجز العقاري
التحفظي.
يطلب عون التنفيذ قبل إجراء الحجز أن تسلم إليه رسوم الملكية ممن هم في حوزتهم ليطلع عليها المتزايدون و يمكن
على كل حال أن يشمل الحجز كل األموال و لو لم تكن مذكورة في الرسوم و يظهر أنها ملك للمدين ،و ذلك تنفيذا إلذن
يسلمه رئيس المحكمة التي يقع التنفيذ في دائرة نفوذها بناء على طلب الحاجز إذا كان هذا األخير قد صرح بأنه يطلب هذا
الحجز تحت عهدته و مسؤوليته.
و يقوم عون التنفيذ بعد تهيئ دفتر التحمالت بإجراء اإلشهار القانوني لإلعالن عن تاريخ البيع بالمزاد للعقار على نفقة
المحكوم له ،و يودع محضر الحجز و وثائق الملكية بكتابة الضبط و كذلك شروط البيع.
بعد ذلك ،يتلقى العون المكلف بالتنفيذ العروض بالشراء إلى غاية إقفال محضر المزاد ويثبتها حسب ترتيبها التاريخي
في أسفل محضر الحجز.
تقع المزايدة في محل كتابة الضبط التي نفذت اإلجراءات وأودع فيها المحضر بعد ثالثين يوما من تبليغ الحجز
للمحكوم عليه .غير أنه يمكن تمديد األجل نتيجة الظروف بأمر معلل لمدة ال يمكن أن تتجاوز تسعين يوما بإضافة الثالثين
يوما األولى إليها.
و يبلغ في األيام العشرة األولى من هذا األجل عون التنفيذ للمنفذ عليه أو من يقوم مقامه إتمام إجراءات اإلشهار ،و
يخطره بوجوب الحضور في اليوم المحدد لرسو المزاد.
يستدعى في األيام العشرة األخيرة من نفس المدة لنفس التاريخ المحكوم عليه و المتزايدين الذين قدموا عروضهم لليوم
و الساعة المعينان إلجراء البيع .فإذا لم يؤد المنفذ عليه قبل ذلك ما بذمته قام عون التنفيذ بإرساء البيع على المزايد األخير
الذي قدم أعلى عرض بعد إطفاء ثالث شمعات ،مدة كل منها دقيقة واحدة تقريبا يتم إشعالها على التوالي ،و يحرر
محضرا بإرساء السمسرة.
يؤدي من رست عليه المزاد ثمنه بكتابة الضبط خالل عشرة أيام من المزاد ويجب عليه عالوة على ذلك أن يؤدي
مصاريف التنفيذ المحددة من طرف القاضي والمعلن عنها قبل المزاد.
غير أنه يمكن لكل شخص داخل عشرة أيام من تاريخ رسو المزاد أن يقدم عرضا بزيادة مقدار سدس ثمن البيع
األصلي و المصاريف عما رسا به.
ينقل إرساء المزاد إلى من وقع عليه حقوق ملكية العقار فيحق له استالم وثائق ملكية العقار.
فإذا ادعى الغير أن الحجز انصب على عقارات يملكها وجب عليه رفع دعوى االستحقاق قبل نهاية مسطرة البيع
بالمزاد العلني.
نكتفي بهذا القدر من دراسة أحكام النظام المشترك للمسطرة المدنية على أمل تنقيحه في الطبعة القادمة إن شاء هللا
بمناسبة تمديد البحث إلى أحكام مخاصمة القضاة و تجريحهم و اإلحالة من أجل التشكك و التطليق و الحجر و تقديم
الحسابات و غير ذلك من المساطر المدنية الخاصة.
المراقبة المستمرة
الدرس التوجيهي XII
تحدث بإسهاب عن النظام المشترك لمسطرة تنفيذ األحكام القضائية ؟
تحدث عن التنفيذ الودي لألحكام القضائية؟
تحدث عن التنفيذ الجبري لألحكام القضائية ؟
الدرس التطبيقي XII
لخص الدرس النظري الثاني عشر؟
تمرن على تحرير أمر قضائي بالتنفيذ الجبري لحكم مدني ؟
تمرن على تحرير محضر تنفيذ جبري لحكم قضائي ؟
تم بحمد هللا في وجدة يومه 2319/33/23من طرف العبد الحراث المذنب شكيب عبد الحفيظ
الفقير إلى رحمة هللا
175