الاستراتيجيا

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 346

‫االستراتيجيا‬

‫التفكير والتخطيط اإلستراتيجي‬

‫استراتيجيات األمن القومي‬

‫احلروب وإستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫‪1‬‬
2
‫الدكتور خليل حسين‬

‫االستراتيجيا‬
‫التفكير والتخطيط اإلستراتيجي‬
‫استراتيجيات األمن القومي‬
‫احلروب وإستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫منشورات احللبي احلقوقية‬

‫‪3‬‬
‫منشورات احللبي احلقوقية‬
‫‪AL - HALABI‬‬
‫‪LEGAL - PUBLICATIONS‬‬

‫‪ISBN 978-614-401-418-9‬‬

‫جميع احلقوق محفوظة‬


‫الطبعة األولى‬
‫‪9‬‬ ‫‪786144 014189‬‬
‫© ‪2013‬‬

‫ال يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب‬ ‫‪All rights reserved‬‬
‫في أي شكل من األشكال أو بأية وسيلة من الوسائل‬
‫‪ -‬سواء التصويرية أم اإللكترونية أم امليكانيكية‪ ،‬مبا‬
‫في ذلك النسخ الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة‬ ‫تنضيد وإخراج‬
‫أو سواها وحفظ املعلومات واسترجاعها ‪ -‬دون إذن‬
‫‪MECA‬‬
‫خطي من الناشر‪.‬‬ ‫‪P.O. BOX 113-5096 BEIRUT - LEBANON‬‬
‫‪Tel. & Fax 961-1-362370, Cellular 961-3-918120‬‬
‫ان جميع ما ورد في هذا الكتاب من ابحاث فقهية‬ ‫‪E - mail meca@cyberia.net.lb‬‬
‫وآراء وتعليقات وقرارات قضائية وخالصاتها‪ ،‬هي‬
‫من عمل املؤلف ويتحمل وحده مسؤوليتها وال يتحمل‬
‫الناشر أية مسؤولية لهذه اجلهة‪ .‬كما ان الناشر غير‬ ‫منشورات احللبي احلقوقية‬
‫مسؤول عن األخطاء املادية التي قد ترد في هذا‬
‫املؤلف وال عن اآلراء املقدمة في هذا اإلطار‪.‬‬
‫فرع اول‪ :‬بناية الزبن ‪ -‬شارع القنطاري‬
‫قرب تلفزيون أخبارية املستقبل‬
‫هاتف‪)+961-1( 364561 :‬‬
‫© ‪All rights reserved‬‬
‫‪)+961-3( 640544 - 640821‬‬ ‫هاتف خليوي‪:‬‬
‫‪AL - HALABI Legal Publications‬‬ ‫ثان‪ :‬سوديكو سكوير‬
‫فرع ٍ‬
‫‪)+961-1( 612632‬‬ ‫هاتف‪:‬‬
‫‪No part of this publication may be trans-‬‬
‫فاكس‪)+961-1( 612633 :‬‬
‫‪lated, reproduced, distributed in any form‬‬
‫‪or by any means, or stored in a data base‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ 11/0475 .‬بيروت ـ لبنان‬
‫‪or retrieval system, without the prior‬‬ ‫‪E - mail elhalabi@terra.net.lb‬‬
‫‪written permission of the publisher.‬‬
‫‪www.halabi-lp.com‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلهداء‬

‫ض‬ ‫ف‬ ‫ت ن نً أ‬ ‫َّ‬


‫�‬
‫�إ لى وا �ل�د �ي� ‪ ...‬ا �م�����ا �ا ل� �����ا ��ل�ه���م�ا‬

‫‪5‬‬
6
‫املقدمة‬

‫االستراتيجية ‪ strategy‬تعريب ش��ائ��ع ملصطلح ي��ون��ان��ي قدمي‬


‫‪ strategia‬مشتق من لقب الستراتيغوس ‪ strategos‬الذي كان يحمله‬
‫الرؤساء التنفيذيون اإلغريق في مجلس الشيوخ‪ ،‬وكان هؤالء ينتخبون‬
‫من بني القادة الفرسان املخولني سلطات عسكرية وسياسية واسعة‪.‬‬
‫ولقب استراتيفوس مركب من كلمتي استراتوس ‪ Stratos‬أي القواد‬
‫وآغو ‪ ago‬ومعناها أقود‪.‬‬

‫واالس�ت��رات�ي�ج�ي��ة مصطلح واس��ع امل�ع�ن��ى م�ت�ع��دد ال��وج��وه‪ ،‬وقد‬


‫ارتبطت تاريخياً بفن احلرب وقيادة القوات‪ ،‬ثم اتسعت مضامينها‬
‫مبرور الزمن وبتراكم اخلبرات واملعارف حتى غدت منطاً من التفكير‬
‫العالي املستوى املوجه لتحقيق غايات السياسة‪ ،‬وتعبئة قوى األمة‬
‫املادية واملعنوية‪ ،‬وضمان مصاحلها في السلم واحلرب‪.‬‬

‫ولهذا السبب ليس لالستراتيجية معنى متفق عليه‪ ،‬ألن معناها‬


‫ومبناها مرتبطان بالشروط الزمانية واملكانية التي صيغت فيها‪،‬‬
‫وباألحداث التي انبثقت عنها‪ ،‬وباألشخاص الذين تبنوها وطبقوها‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫وباملدارس الفكرية التي ولدتها‪ ،‬وباملجاالت التي اختصت بها‪ .‬وهناك‬
‫من يصنف االستراتيجية في عامة وخاصة‪ ،‬فاالستراتيجية العامة‬
‫هي التي تهتم بدراسة متطلبات السياسة واحلرب وتسعى إلى إيجاد‬
‫السبل لتحقيقها‪ .‬واالستراتيجية اخلاصة تهتم بدراسة متطلبات‬
‫ن �ش��اط م �ح��دد م��ن األن�ش�ط��ة ال �ت��ي تعنى ب�ه��ا األم ��ة‪ ،‬كاستراتيجية‬
‫االق�ت�ص��اد واستراتيجية ال��زراع��ة واستراتيجية التربية وغيرها‪.‬‬
‫وثمة آخرون يصنفون االستراتيجية في مستويات أو طبقات فيقال‬
‫استراتيجية عليا أو كبرى واستراتيجية دنيا أو صغرى‪ ،‬غير أن‬
‫التعريف املعجمي لإلستراتيجية يرتبها على النحو التالي‪:‬‬

‫في املجال السياسي االقتصادي للدولة أو ملجموعة الدول‪ :‬هي‬


‫علم وفن يهتمان بتعبئة قوى أمة أو مجموعة أمم سياسياً وعسكرياً‬
‫واقتصادياً ومعنوياً لتوفير الدعم األقصى للسياسة التي تتبناها‬
‫ال��دول��ة أو مجموعة ال��دول ف��ي السلم واحل��رب‪ .‬وفي مجال العلم‬
‫العسكري‪ :‬ه��ي علم وف��ن يختصان ب��إدارة احل��رب واالس�ت�ع��داد لها‬
‫وقيادة الصراع املسلح مع العدو وتوفير الظروف املناسبة خلوض‬
‫هذا الصراع‪ ,‬وفي مجال فن احلرب‪ :‬هي جزء مكون من فن احلرب‬
‫يختص بدراسة املسائل النظرية والتطبيقية املرتبطة بإعداد القوات‬
‫املسلحة للحرب والتخطيط لها وخوضها‪ ،‬وهذا هو املفهوم الشائع‬
‫املعروف باالستراتيجية العسكرية‪ .‬وفي مجال التطبيق العسكري‪:‬‬
‫ه��ي ن��وع م��ن التطبيقات العسكرية العالية املستوى كاستراتيجية‬
‫الهجوم املعاكس واستراتيجية ال��دف��اع امل��رن وغيرها‪ .‬وفي املعنى‬
‫املجازي للمصطلح‪ :‬هي فن وضع اخلطط وتصميم املناورات لتحقيق‬
‫هدف ما‪ ،‬أو هي خطة مدروسة وأسلوب مدقق ومناورة بارعة‪.‬‬

‫تعددت االستعماالت العصرية لكلمة االستراتيجية حتى شملت‬


‫مختلف املجاالت‪ ،‬فقد يوصف موقع دولة ما أو جزء من آراضيها‬

‫‪8‬‬
‫بأنه استراتيجي‪ ،‬وقد يوصف قرار سياسي أو اقتصادي ذو أهمية‬
‫بالصفة نفسها‪ ،‬كذلك توصف بها بعض األسلحة املتطورة وبعض‬
‫املواد أو املنتوجات أو التقنيات ذات األهمية اخلاصة‪ ،‬ورمبا شملت‬
‫صفة االستراتيجية أمناطاً من التفكير أو الدراسات أو املشروعات‪،‬‬
‫وك��ذل��ك ك��ل م��ا ه��و ض��روري خل��وض احل��رب وإدارت �ه��ا وي��ؤت��ى ب��ه من‬
‫خارج البالد‪.‬‬

‫ومع تعدد التعريفات السابقة واختالف وجهات النظر ميكن‬


‫القول إن خيطاً ناظماً يجمع بينها قوامه أن االستراتيجية علم وفن‬
‫يُعنيان بدراسة الطاقات والقوى املتاحة‪ ،‬وتوفير اخلطط والوسائل‬
‫لتحقيق أه��داف السياسة حتقيقاً م�ب��اش��راً أو غير م�ب��اش��ر‪ .‬فهي‬
‫علم ألنها تبنى على نظريات علمية متعددة األوج��ه تشمل العلوم‬
‫االجتماعية والعلوم البحتة والعلوم العسكرية وغيرها‪ .‬وهي فن ألن‬
‫ممارستها وتطبيقاتها تختلف بني شخص وآخر سواء أكان سياسياً‬
‫أم عسكرياً‪.‬‬

‫ت��رت �ب��ط االس �ت��رات �ي �ج �ي��ة ب��ال �س �ي��اس��ة ارت��ب��اط��اً وث �ي �ق �اً وتعتمد‬
‫عليها وتستجيب ملتطلباتها‪ ،‬وتنفذ املهام التي تُسند إليها‪ .‬وتتبوأ‬
‫االستراتيجية مكان ال�ص��دارة من فن احل��رب‪ ،‬وه��ي حتيط بجميع‬
‫املسائل النظرية والتطبيقية التي لها عالقة بإعداد الدولة وقواتها‬
‫املسلحة للحرب وبوضع خطط احلرب وخطط العمليات االستراتيجية‬
‫وإدارة دفتها حتى تتحقق الغايات املرسومة لها وفق املبادئ التي‬
‫يحددها مذهب الدولة العسكري ونظامها االجتماعي‪.‬‬

‫وتؤلف االستراتيجية العسكرية‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬منظومة‬


‫امل�ع��ارف العسكرية التي تتناول ق��وان�ين احل��رب ومبادئها وطابعها‬
‫وأس��ال �ي��ب خ��وض �ه��ا‪ ،‬وه��ي ال �ت��ي حت��دد األس ��س ال�ن�ظ��ري��ة للمذهب‬

‫‪9‬‬
‫العسكري‪ ،‬ولبناء ال�ق��وات املسلحة واستخدامها‪ ،‬وأس��س تخطيط‬
‫العمليات واإلعداد لها وتنفيذها‪.‬‬

‫ومن الناحية التطبيقية تشمل االستراتيجية العسكرية النشاط‬


‫العملي ال��ذي متارسه القيادة االستراتيجية لبناء القوات املسلحة‬
‫ووضع احللول املناسبة للمهام التي حتددها لها القيادة السياسية‬
‫في ضوء اإلمكانات احلقيقية للدولة وقواتها املسلحة‪ ،‬كما تشمل‬
‫أعمال القيادة الرامية إلى حتديد املهام األساسية للقوات املسلحة‬
‫ف��ي األح��وال ال��راه�ن��ة‪ ،‬وإع��داد م�س��ارح العمليات احلربية‪ ،‬وتوزيع‬
‫القوى عليها‪ ،‬وحتديد مهام اجلبهات واألساطيل واجليوش بحسب‬
‫أهمية االجتاهات االستراتيجية التي سوف تعمل فيها‪ ،‬مع مراعاة‬
‫الشروط املوضوعية للموقف‪.‬ولقد اصطلح على متييز استراتيجية‬
‫احل��رب كلها م��ن استراتيجية خ��وض احل��رب على اجت��اه��ات معينة‬
‫لتحقيق أهداف محدودة أو لتنفيذ عمليات مفردة‪ .‬واالستراتيجية‬
‫عامة واح��دة للقوات املسلحة‪ ،‬وفروضها واجبة على أن��واع القوات‬
‫املسلحة كافة‪.‬‬

‫أما العالقة بني االستراتيجية وفن العمليات والتكتيك (األجزاء‬


‫املكونة لفن احلرب) فهي عالقة جدلية تتغير بتغير وسائل الصراع‬
‫املسلح ودرجة جتهيز القوات املسلحة‪ .‬وحتتل االستراتيجية املكانة‬
‫األولى بينها‪ ،‬فهي التي حتدد مهام فن العمليات وفن التكتيك‪ ،‬وتضع‬
‫األط��ر النظرية لهما‪ ،‬وتعتمد عليهما وتستفيد من جناحاتهما في‬
‫حتقيق األهداف املرجوة‪.‬‬

‫وم��ع ظهور ال�س�لاح ال�ص��اروخ��ي ال�ن��ووي اكتسبت العالقة بني‬


‫هذه املستويات الثالثة مضموناً جديداً‪ ،‬فوضعت في تصرف القيادة‬
‫االستراتيجية وسائل تدمير متكنها من تدمير العدو وتنفيذ بعض‬

‫‪10‬‬
‫امل�ه��ام االستراتيجية والتكتيكية املهمة م��ن دون وس�ي��ط‪ .‬ومتلكت‬
‫القيادتان العملياتية والتكتيكية‪ ،‬في املقابل‪ ،‬وسائل تدمير بعيدة‬
‫امل��دى متكنها م��ن تنفيذ مهام كبيرة العمق وامل�س��اح��ة ذات أهمية‬
‫استراتيجية مباشرة‪.‬‬

‫تتبدل مضامني االستراتيجية بتبدل أهداف الدولة السياسية‬


‫وامل��وق��ف ال��دول��ي ونسبة ال�ق��وى ومستوى االقتصاد وكفاية وسائل‬
‫الصراع املسلح وكميتها‪ ،‬وتختار كل دولة (أو حلف دول) استراتيجيتها‬
‫اخلاصة بها في كل مرحلة تاريخية مبا يتالءم مع سياستها وإمكاناتها‬
‫ووضعها اجلغرافي والسياسي والعسكري وخصائص مواطنيها‪.‬‬

‫قسمنا دراستنا إلى ثالثة ابواب‪ ،‬في الباب األول الذي ضم خمسة‬
‫فصول عالج اسس ومبادئ وقواعد اإلستراتيجية والتفكير والتخطيط‬
‫االستراتيجي‪ ،‬وكذلك استراتيجيات األمن القومي وصياغتها وتنفيذها‪.‬‬
‫فيما ض��م ال�ب��اب الثاني ستة فصول عاجلت استراتيجيات الدفاع‬
‫الوطني وما يتعلق بها من أسس اقتصادية وسياسية وعسكرية‪ .‬فيما‬
‫ضم الباب الثالث أربعة فصول عاجلت استراتيجيات احل��روب عبر‬
‫التاريخ البشري وصوالً إلى نظرية االقتراب غير املباشر‪.‬‬

‫لقد اعتمدنا منهجاً اكادميياً علمياً‪ ،‬محاولني توضيح وتفسير‬


‫علم وف��ن م��ا زال يتطور م��ع تطور العلوم وامل �ع��ارف‪ .‬آملني ان من‬
‫هذا العمل املتواضع ان نكون قد أضفنا لبنة جديدة إلى مكتباتنا‬
‫العربية‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪.‬خليل حسني‬

‫‪11‬‬
12
‫الباب األول‬
‫االستراتيجية والتخطيط االستراتيجي‬

‫االستراتيجية وعالقتها بالقضايا القومية‪.‬‬ ‫الفصل ألول‪ :‬‬

‫مفهوم عملية التفكير االستراتيجي‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬‬

‫التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي ال�ق��وم��ي وسمات‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬‬


‫االستراتيجيات القومية‪.‬‬

‫مراحل التخطيط االستراتيجي القومي‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬صياغة االستراتيجيات القومية وتنفيذها‪.‬‬

‫‪13‬‬
14
‫الفصل ألول‬
‫االستراتيجية وعالقتها بالقضايا القومية‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬اإلستراتيجية‬

‫ظ �ه��رت ك�ل�م��ة إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬ف��ي ب��داي��ة كمصطلح عسكري‪،‬‬


‫واألصل فيها الكلمة اإلغريقية ‪ ،Strategius‬ومعناها بالعربية «قائد»‪،‬‬
‫وتطور استخدامها‪ ،‬لتعني قيادة القوات أو فن اجلنراالت‪ ،‬وكان لكل‬
‫عصر مفهومه لإلستراتيجية‪ ،‬حيث كانت تعني التركيز على اجلانب‬
‫العسكري فقـط‪ ،‬وبتطور املفهوم‪ ،‬أصبحت تعني اجلانب الشمولي‬
‫لها‪ .‬ويقصد باإلستراتيجية عموماً‪« :‬بحث املسائل املتعلقة بتحقيق‬
‫األهداف»‪.‬‬

‫‪ - 1‬الصفة اإلستراتيجية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ق ��د ت �ط �ل��ق ع �ل��ى امل ��وق ��ع اجل��غ��راف��ي واجليوبولوتيكي‬


‫والدميوغرافي بكل صفاته وطبيعته‪ ،‬وموارده‪ ،‬واتساعه‪،‬‬
‫وما يشمله من أرض‪ ،‬وسكان‪ ،‬وفضاء خارجي‪ .‬وقد يكون‬

‫‪15‬‬
‫املوقع‪ ،‬مجرد عنصر من عناصر املواصفات اإلستراتيجية‬
‫ملجتمع ما‪ ،‬إذا أضيف إليه ما ميلكه املوقع من فاعلية‪،‬‬
‫وتأثير على حركة احلياة اإلقليمية والدولية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وق��د تطلق ع�ل��ى طبيعة امل���وارد ب��امل��واق��ع‪ :‬ال��زراع �ي��ة أو‬


‫الصناعية أو الطبيعية‪ ،‬إل��خ‪ ،‬وم��ا تعكسه على سياسة‬
‫الدولة ‪ /‬املنطقة وأمنها‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وق ��د ت�ط�ل��ق ع �ل��ى ب �ع��ض ال �ش �خ �ص �ي��ات‪ ،‬امل �ت �م �ي��زة‪ ،‬بقوة‬


‫التأثير اإلنساني على املجتمعات‪ ،‬مثل الزعماء والقادة‬
‫العسكريني‪.‬‬

‫د ‪ -‬وق ��د ت�ن�ع�ك��س ب�ش�ك��ل خ ��اص‪ ،‬ع �ل��ى ق ��درة وك��ف��اءة النقل‬
‫واملواصالت‪ ،‬وما يحققه من أهمية‪ ،‬أو ما ميلكه ويشرف‬
‫ع�ل�ي��ه امل��وق��ع اجل �غ��راف��ي م��ن مم ��رات وم �ض��اي��ق‪ ،‬برية‪/‬‬
‫بحرية‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬وقد تزداد األهمية اإلستراتيجية للموقع أو للموارد‪ ،‬إذا‬


‫توافرت معها قدرة العنصر البشري في استثمار وتنمية‬
‫امل��وارد‪ ،‬وتأمني املوقع‪ ،‬وقد تكون سمة التفوق البشري‬
‫في الكثافة‪ ،‬مثل الصني‪ ،‬أو في التكنولوجيا مثل اليابان‪،‬‬
‫أو في القدرة العسكرية‪ ،‬أو االقتصادية‪.‬‬

‫و ‪ -‬ق��د ت �ت �ف��اوت أول��وي��ات ال �ت �ق��ومي اإلس �ت��رات �ي �ج��ي‪ ،‬للموارد‬


‫واإلمكانيات‪ ،‬من مكان إلى آخر‪ ،‬أو من عصر إلى آخر‪.‬‬
‫مثل القمح‪ ،‬قد يعد سلعة إستراتيجية لدولة ما‪ ،‬وال يعد‬
‫إستراتيجياً في دولة أخ��رى‪ ،‬أو الدبابة والطائرة كانت‬
‫تُعد سالحاً إستراتيجياً في القرن العشرين‪ ،‬واختلف‬

‫‪16‬‬
‫الوضع في نهاية القرن‪ ،‬ليكون السالح اإلستراتيجي هو‬
‫القنبلة الذرية والصواريخ‪ ،‬ويختلف األمر أيضا في نفس‬
‫األمر‪ ،‬من دولة إلى أخرى‪.‬‬

‫ز ‪ -‬وق ��د ت �ط �ل��ق ع �ل��ى م �س �ت��وى األداء ف��ي ال��ع�ل�اق��ات‪ ،‬مثل‬


‫اإلستراتيجية في فن احلرب الذي يعد أحد أفرع العلم‬
‫ال�ع�س�ك��ري‪ ،‬ال��ذي ينقسم إل��ى ث�لاث م�س�ت��وي��ات رئيسة‪،‬‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬الفن التعبوي‪ ،‬فن القتال أو التكتيك‪.‬‬

‫‪ - 2‬عناصر القدرة اإلستراتيجية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وتعني العناصـر التي تشارك في حتديد ق��درة الدولة‪،‬‬


‫ومتثل قاعدة عمل لها‪ ،‬وتتحدد في اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬العنصر اإلستراتيجي‪ ،‬واجليوبولتيكي‪.‬‬

‫(‪ )2‬العنصر السياسي‪ ،‬داخلياً‪ ،‬وإقليمياً‪ ،‬ودولياً‪.‬‬

‫(‪ )3‬العنصر االقتصادي‪.‬‬

‫(‪ )4‬العنصر العسكري‪.‬‬

‫(‪ )5‬العنصر االجتماعي‪.‬‬

‫(‪ )6‬العنصر املعنوي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وتعني أيضاً القوة القومية للدولة‪:‬‬

‫(‪ )1‬ويقصد بها القدرة على التأثير في سلوك الدول‬

‫‪17‬‬
‫األخرى بالكيفية التي تخدم أغراض الدولة املمتلكة‬
‫لها‪.‬‬

‫(‪ )2‬وتشمل مكوناتها نفس العناصر السابقة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬اإلستراتيجية القومية العليا‬

‫إن اإلستراتيجية القومية‪ ،‬هي أس��اس توجيه م��وارد الدولة‪،‬‬


‫لتحقيق األهداف املطلوبة‪ ،‬وتشمل التخطيط واالستخدام‪ ،‬والتنسيق‬
‫والتطوير‪ ،‬جلميع موارد وإمكانيات الدولة في مرحلة السلم واحلرب‪،‬‬
‫وعلى ذلك فإذا تساوت دولتان في املوارد واإلمكانيات‪ ،‬فإن الدولة‬
‫ذات اإلستراتيجية األف�ض��ل واألن �س��ب‪ ،‬تكون أكثر ق��وة وك�ف��اءة من‬
‫الدولة األخ��رى‪ ،‬وفي هذا السياق‪ ،‬فإن القوة القومية للدولة‪ ،‬هي‬
‫مزيج من املوارد واإلمكانيات واإلستراتيجية القومية‪.‬‬

‫‪ - 1‬مفهوم اإلستراتيجية القومية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وجهة نظر ليدل هارت‬

‫«توجيه وتنسيق كل إمكانيات البالد‪ ،‬أو أعضاء احللف بغية‬


‫احلصول على الهدف السياسي للحرب»‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وجهة نظر أندريه بوفر‬

‫وضع بوفر اإلستراتيجية القومية‪ ،‬على رأس اإلستراتيجيات‬


‫األخ���رى‪ ،‬وأخ�ض�ع�ه��ا للسياسة ال�ق��وم�ي��ة ل �ل��دول��ة‪ ،‬ع�ل�اوة ع�ل��ى ربط‬
‫اإلستراتيجية القومية باحلرب الشاملة‪ ،‬مما جعلها أقرب إلى املجال‬
‫القومي‪ ،‬وعرفها بأنها‪« :‬الفن املنطقي الستخدام القوى لتحقيق‬
‫اإلرادات»‬

‫‪18‬‬
‫ج ‪ -‬وجهات نظر حديثة‪:‬‬

‫(‪ )1‬هي «العملية التي يتم فيها الصهر الكامل لكل مصادر‬
‫ال�ق��وة ف��ي اجلسد السياسي واالق�ت�ص��ادي واالجتماعي‬
‫للدولة‪ ،‬لتحقيق املصلحة القومية املتاحة‪ ،‬حتت جميع‬
‫ال�ظ��روف‪ ،‬إلنتاج أقصى سيطرة ممكنة على العدو عن‬
‫طريق التهديدات‪ ،‬بهدف حتقيق مصالح األم��ن القومي‬
‫للدولة»‪.‬‬

‫(‪ )2‬وف��ي تعريف آخ��ر‪« :‬مجموعة األف�ك��ار املعبرة عن وجهة‬


‫ن�ظ��ر ال��دول��ة ال��رس �م �ي��ة‪ ،‬وامل�ت�ع�ل�ق��ة ب��امل�س��ائ��ل والقواعد‬
‫األساسية للصراع املسلح‪ ،‬واملتضمنة لطبيعة احلرب‪،‬‬
‫م��ن وج�ه��ة نظرها‪ ،‬وط��رق إدارت �ه��ا‪ ،‬واألس��س اجلوهرية‬
‫إلعداد الدولة والقوات املسلحة ملواجهتها‪ ،‬فهي منظومة‬
‫األس��ال�ي��ب وال��وس��ائ��ل العلمية القائمة على االستخدام‬
‫األمثل للقوى واملصادر القومية املختلفة لتحقيق أهداف‬
‫األمن القومي»‪.‬‬

‫د ‪ -‬أبعاد اإلستراتيجية القومية‪:‬‬

‫(‪ )1‬مجموعة اخلطط واملبادئ التي حتدد األهداف القومية‬


‫للدولة‪ ،‬وال�ت��ي تصاغ على ه��دى وم�ب��ادئ األم��ن القومي‬
‫واعتباراته‪.‬‬

‫(‪ )2‬ضرورة توافر القيادة القادرة على إدارة هذه اخلطط‪.‬‬

‫(‪ )3‬أن هـذه املبادئ ليست مطلقة‪ ،‬وإمنا تتحدد على أساس‬
‫قوة الدولة املتاحة وقدراتها القومية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫(‪ )4‬أن تلك املبادئ واخلطط تتشكل على هدى طبيعة النظام‬
‫الدولي املعاصر‪.‬‬

‫‪ - 2‬عالقة اإلستراتيجية القومية باألمن القومي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تعددت مفاهيم األمن القومي‪ ،‬ومنها أنه يهدف إلى تأمني‬


‫الدولة من الداخل‪ ،‬ودفع التهديدات اخلارجية‪ ،‬مبا يكفل‬
‫لشعبها حياة مستقرة‪ ،‬توفر ل��ه استغالل أقصى طاقة‬
‫ممكنة للنهوض والتقدم واالزده��ار‪ ،‬وعلى رغم اختالف‬
‫امل�ف��اه�ي��م‪ ،‬ف��إن ه�ن��اك ات�ف��اق�اً ج�م��اع�ي�اً‪ ،‬على أن التقدم‬
‫التكنولوجي‪ ،‬الذي يسود العالم املعاصر‪ ،‬قد غير كثيراً‬
‫من املفاهيم السائدة في املاضي ولم يبق األمن القومي‬
‫يستند على القوة العسكرية وحدها‪ ،‬باعتبارها العامل‬
‫الوحيد حلماية وحتقيق األم��ن القومي‪ ،‬بل تعداها إلى‬
‫مجاالت أخرى متعددة‪ ،‬تشمل القوى القومية للدولة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬في تعريف بسيط لألمن القومي‪ ،‬هو‪« :‬جميع اإلجراءات‬


‫التي توفر االستقرار داخلياً‪ ،‬وحماية املصالح خارجياً‪،‬‬
‫م��ع استمرار التنمية الشاملة‪ ،‬التي تهدف إل��ى حتقيق‬
‫األمن والرفاهية والرضاء للشعب»‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ومن ذلك جند أن اإلستراتيجية القومية‪ ،‬جتسد مفهوم‬


‫األمن القومي‪ ،‬كما أن اإلستراتيجية القومية‪ ،‬مبا تتضمنه‬
‫من خطط ومبادئ‪ ،‬تعكس مكونات األمن القومي‪.‬‬

‫‪ - 3‬عالقة اإلستراتيجية القومية بالغاية القومية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬أن الغاية القومية‪ ،‬تعنى ب��األه��داف التي تبذل الدولة‬

‫‪20‬‬
‫أقصى طاقتها لتحقيقها‪ ،‬وهناك مفاهيم متعددة للغاية‬
‫القومية‪ ،‬وأشملها هو‪« :‬هي مفهوم شامل للعناصر التي‬
‫تشكل االحتياجات الضرورية للدولة‪ ،‬متضمنة احلماية‬
‫الذاتية للدولة‪ ،‬حماية كيان الدولة‪ ،‬واستقاللها‪ ،‬وسالمة‬
‫أراضيها‪ ،‬وأمنها العسكري‪ ،‬ورفاهيتها االقتصادية»‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ومن ذلك جند أن اإلستراتيجية القومية‪ ،‬تبنى أساساً‪،‬‬


‫لتحقيق الغاية القومية‪ ،‬وقد يطلق عليها الغاية القومية‬
‫العليا‪ ،‬وتقع مسؤولية حتديدها على القيادة السياسية‪.‬‬

‫‪ - 4‬عالقة اإلستراتيجية القومية باألهداف القومية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إن األهداف القومية‪ ،‬تعنى باألهداف التي حتقق حماية‬


‫السيادة اإلقليمية‪ ،‬ودعم األمن القومي للدولة‪ ،‬وتنمية‬
‫قدراتها‪ ،‬وزي��ادة ثرائها‪ ،‬والدفاع عن أراضيها‪ ،‬وحماية‬
‫ثقافتها‪ ،‬وحتقيق السالم‪ .‬وتأخذ أشكاالً متعددة‪ ،‬فمنها‬
‫ما يخص الدولة‪ ،‬ومنها ما يتعدى حدود الدولة‪ .‬ومنها ما‬
‫يخص الدولة بشكل مباشر‪ ،‬مثل االستقالل السياسي‪ ،‬أو‬
‫ما يخص األفراد بالدولة‪ ،‬مثل الرفاهية‪ .‬وتبرز األهمية‬
‫هنا في حتديد أولويات األهداف‪.‬وهناك تعاريف متعددة‪،‬‬
‫منها اآلتي‪« :‬هو وضع معني‪ ،‬يرتبط بوجود رغبة مؤكدة‬
‫لتحقيقه‪ ،‬عن طريق تخصيص قدر ض��روري من اجلهد‬
‫واإلمكانيات‪ ،‬التي يستلزمها االنتقال بهذا الوضع من‬
‫مرحلة التصور النظري‪ ،‬إلى مرحلة التنفيذ‪ ،‬أو التحقق‬
‫املادي»‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تتحدد األه��داف القومية‪ ،‬بواسطة القيادة السياسية‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫وتتصف باملرحلية في تخطيطها وتنفيذها‪ ،‬وتنبع أساساً‬
‫من الغاية القومية العليا‪ ،‬وترسم اإلستراتيجية القومية‬
‫للدولة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬سياسة الدولة‬

‫إن مفهوم سياسة الدولة‪ ،‬يشمل سلوكها في الداخل واخلارج‪،‬‬


‫لتحقيق األهداف السياسية التخصصية‪ ،‬وهي محصلة حركة القوى‬
‫اإلستراتيجية في إطار اإلستراتيجية القومية‪ ،‬وصوالً إلى الهدف‬
‫القومي احملدد‪ ،‬وهي إثبات الوجود والهيبة والتفاعل مع األحداث‬
‫واملجتمع الدولي‪ .‬كما تُعد مرنة وقابلة للتعديل والتطوير‪ ،‬ارتباطاً‬
‫باملتغيرات اإلقليمية والدولية‪ .‬وهي عبارة عن «مجموعة من األفكار‬
‫واملبادئ‪ ،‬التي في إطارها تتحدد اإلستراتيجيات التخصصية»‪.‬‬

‫إن س �ي��اس��ة ال ��دول ��ة‪ ،‬ع��ب��ارة ع��ن م �ج �م��وع��ة م��ن السياسات‬


‫ال�ت�خ�ص�ص�ي��ة‪ ،‬م �ث��ل ال �س �ي��اس��ة ال �ع �س �ك��ري��ة‪ ،‬وال �س �ي��اس��ة اخلارجية‪،‬‬
‫وال�س�ي��اس��ة ال��دب�ل��وم��اس�ي��ة‪ ،‬إل��خ‪ .‬وي �ح��دد ل�ك��ل منها ه��دف سياسي‪،‬‬
‫تسعى لتحقيقه سلماً وحرباً‪ ،‬ومجال نشاطها‪ ،‬هو املستوى السياسي‬
‫ال السياسة العسكرية تدخل في مسؤولية القيادة‬ ‫التخصصي‪ ،‬فمث ً‬
‫السياسية العسكرية‪.‬‬

‫وأهم ما مييز السياسة العسكرية‪ ،‬في ما تتضمنه من إجراءات‬


‫إلعداد الدولة والقوات املسلحة للحرب‪:‬‬

‫‪ - 1‬اإلعداد السياسي‪.‬‬

‫‪ - 2‬إعداد االقتصاد القومي في مجاالته املختلفة‪ :‬الصناعة‪،‬‬


‫والنقل‪ ،‬والبترول‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وأجهزة الدولة‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ - 3‬إعداد القوات املسلحة للحرب (التخطيط اإلستراتيجي‪،‬‬
‫حتديد حجم وبناء القوات املسلحة‪ ،‬ومراجعة وتطوير نظام‬
‫التعبئة‪ ،‬وجتهيز مسرح العمليات‪ ،‬والقيادة والسيطرة)‪.‬‬

‫وتشمل السياسة العسكرية في إطارها‪ ،‬لتحديد طبيعة احلرب‬


‫املقبلة وطرق إدارتها‪ ،‬النظريات أو العقائد العسكرية التي تتبناها‬
‫ال �ق��وات املسلحة وأف��رع�ه��ا الرئيسة‪ ،‬مثل االق �ت��راب غير املباشر‪،‬‬
‫والعمليات العميقة‪ ،‬واملعركة البرية اجلوية‪ ،‬إلخ‪ ،‬والتي على أساسها‬
‫تبرز خطط التسليح وإعداد القوات املسلحة واستخدامها‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬اإلستراتيجية العسكرية‬

‫ل�ق��د أك��د ال �ت��اري��خ ال�ع�س�ك��ري‪ ،‬أن اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة العسكرية‪،‬‬


‫ديناميكية بطبيعتها؛ ارتباطاً بتطور املجاالت االقتصادية والسياسية‪،‬‬
‫والعلوم‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬وتستفيد من أح��دث ما وصلت إليه العلوم‬
‫الطبيعية واإلنسانية‪ ،‬عند إع��داد واستخدام القوات املسلحة في‬
‫احلرب‪ .‬وقد تتغير طبيعة احلرب مع املتغيرات السياسية واالقتصادية‬
‫واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ .‬وت�غ�ي��رت ن�ظ��ري��ة اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ال�ع�س�ك��ري��ة‪ ،‬بتطور‬
‫األفكار اإلستراتيجية عبر الزمان‪ ،‬حتى تبلورت على أساس خبرة‬
‫احلروب السابقة‪ .‬كما أن لكل دولة إستراتيجية عسكرية خاصة بها‪،‬‬
‫تنبع وترتبط بسياستها وأهدافها وغاياتها القومية‪ .‬وعندمـا دخـل‬
‫العالـم القـرن الواحـد والعشرين‪ ،‬ساد فكر حديث‪ ،‬يغلب عليه ثـورة‬
‫املعلومـات والتكنولوجيا‪ ،‬والتي تؤثر بدورها على تغير ج��ذري في‬
‫الفكر اإلستراتيجي العسكري‪.‬‬

‫ي�ب�ن��ى ج��وه��ر اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ال�ع�س�ك��ري��ة ع�ل��ى وض ��وح الرؤيا‬


‫اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ف��ي ال �ت �ق��ومي اإلس �ت��رات �ي �ج��ي ل�ل�م�ت�غ�ي��رات الداخلية‬

‫‪23‬‬
‫واخلارجية‪ ،‬لبناء الفكر اإلستراتيجي املعاصر‪ ،‬الذي عليه أن يتحرك‬
‫بخطوات محسوبة بدقة‪ ،‬وبسرعة ملواجهة التحديات واملخاطر‪ ،‬التي‬
‫قد تصل إلى حد التهديدات املباشرة لألهداف واملصالح القومية‪.‬‬
‫إن الفكر اإلستراتيجي يتعامل مع أمور وعوامل غير مؤكدة‪ ،‬وقائمة‬
‫على نظرية االح �ت �م��االت‪ ،‬ول�ه��ذا يعد ال�ف��ن اإلس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬ه��و فن‬
‫املغامرة احملسوبة‪.‬‬

‫اختلفت اآلراء حول مفهوم وتعريف اإلستراتيجية العسكرية‪،‬‬


‫حيث عرفت باآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬كالوزفيتز‪« :‬فن استخدام املعارك بصفتها وسيلة للوصول‬


‫إلى هدف احلرب»‪.‬‬

‫‪ - 2‬مولتكه‪« :‬إجراء املالءمة العملية للوسائل املوضوعة حتت‬


‫تصرف القائد إلى الهدف املطلوب»‪.‬‬

‫‪ - 3‬فيلد مارشال مونتغمري‪« :‬هي فن إدارة احلرب»‪.‬‬

‫‪ - 4‬ليدل هارت‪« :‬هي فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط‬


‫العسكرية لتحقيق هدف السياسة»‬

‫‪ - 5‬تعريف م�ع��اص��ر‪« :‬ع�ل��م وف��ن‪ ،‬تخطيط أف�ض��ل استخدام‬


‫ل�ل�ق��وات املسلحة ل�ل��دول��ة‪ ،‬لتحقيق األه ��داف واملصالح‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬إما بالردع أو باالستخدام الفعلي للقوة‬
‫املتاحة»‪.‬‬

‫إن اإلستراتيجية العسكرية أصبحت علماً له أصوله‪ ،‬وفنوناً‬


‫لها أصالتها‪ ،‬ولهذا ف��إن العلم وال�ف��ن‪ ،‬ي��ؤدي��ان إل��ى تخطيط علمي‬

‫‪24‬‬
‫يظهر فيه املخطط اإلستراتيجي العسكري‪ ،‬ومهارته وذكاؤه‪ ،‬كما أن‬
‫التخطيط العلمي يؤدي إلى أفضل استخدام للقوات املسلحة‪ ،‬في‬
‫عصر يسوده تكنولوجيا سريعة التطور‪ ،‬ولها شأن في توفير أفضل‬
‫استخدام‪ ،‬للموارد واإلمكانيات املتوافرة بالدولة‪.‬‬

‫‪ - 1‬الهدف اإلستراتيجي العسكري‪:‬‬

‫ينبع أس��اس �اً م��ن ال�ه��دف السياسي العسكري‪ ،‬وي�ت��م حتديده‬


‫بواسطة القيادة العسكرية‪ ،‬ويتحقق بتنفيذ عدة عمليات إستراتيجية‪،‬‬
‫في مسارح عمليات مختلفة‪.‬‬

‫‪ - 2‬طبيعة اإلستراتيجية العسكرية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تتحدد طبيعة اإلستراتيجية العسكرية‪ ،‬ارتباطاً بالسياسة‬


‫العسكرية للدولة‪ ،‬وقدرة وإمكانيات القوات املسلحة‪ ،‬مع‬
‫الوضع في االعتبار القدرات القومية الشاملة للدولة‪،‬‬
‫والظروف اإلقليمية والدولية املؤثرة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وتستخدم القوة العسكرية‪ ،‬أداة من أدوات الدولة‪ ،‬وذلك‬


‫باالستخدام الفعلي لها لتأمني املصالح احليوية‪ ،‬وحتقيق‬
‫األه��داف القومية‪ ،‬وقد يتم التهديد باستخدامها‪ ،‬لردع‬
‫أو إجبار الدول األخرى للرضوخ والتسليم بأهداف هذه‬
‫السياسة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬استخدامات القوة العسكرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬القوة أداة هجومية‪:‬‬

‫(أ) وهو مظهر شائع من مظاهر استخدام القوة العسكرية‬

‫‪25‬‬
‫في العالقات‪ ،‬أثبتت خبرة احلروب أن الطبيعة الهجومية‪،‬‬
‫حتقق أه��داف �اً حاسمة‪ ،‬وتنطوي على انتهاك السيادة‬
‫اإلقليمية لدولة من ال��دول‪ ،‬أو االعتداء على استقاللها‬
‫السياسي‪ ،‬أو تغير واقع إقليمي بالقوة‪ ،‬أو فرض عالقات‬
‫قوى جديدة‪ ،‬أو حتقيق نتائج اقتصادية‪.‬‬

‫(ب) ويحقق الهجوم مزايا كبيرة للدولة وقواتها املسلحة‪ ،‬رغم‬


‫عدم شرعيتها في بعض الظروف‪.‬‬

‫(‪ )2‬القوة كأداة دفاعية‪:‬‬

‫(أ) تلجأ ال��دول إلى هذه احلالة‪ ،‬إما دفاعاً عن نفسها‪ ،‬أو‬
‫دفعاً للتهديد املؤثر على مصاحلها‪ ،‬ويعد دع��م القدرة‬
‫الدفاعية للدولة‪ ،‬دعماً ملقدرتها على الردع‪ ،‬إلحباط أي‬
‫معاد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫هجوم‬

‫(ب) وي�ع��د التخطيط ال��دف��اع��ي‪ ،‬عملية م�ع�ق��دة‪ ،‬ومتكاملة‪،‬‬


‫وتشمل في إطارها أعماالً هجومية‪.‬‬

‫(ج) في إط��ار اإلستراتيجية الدفاعية للدولة‪ ،‬قد تستخدم‬


‫القوة العسكرية في نطاق حرب دفاعية‪ ،‬تتطور إلى حرب‬
‫محدودة أو غير محدودة‪.‬‬

‫(‪ )3‬القوة أداة للردع‪:‬‬

‫(أ) احتل هذا االستخدام‪ ،‬أسبقية متقدمة‪ ،‬بظهور األسلحة‬


‫النووية وتكنولوجيا التسليح‪ ،‬وأسلحة الفضاء‪ ،‬ووسائل‬
‫حروب املستقبل‪ ،‬كوسيلة للردع‪ ،‬لتجنب مغامرة الدخول‬
‫في حرب مهلكة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫(ب) وتفضيل تبني طبيعة الردع على الدفاع يتطلب اآلتي‪:‬‬

‫توفير إمكانيات كافية من القوة‪ ،‬ملواجهة التهديد‪.‬‬ ‫< ‬

‫توافر القدرة والتصميم‪ ،‬على استخدام القوة للردع‬ ‫< ‬


‫املصداقية‪.‬‬

‫أن تكون الدولة األخرى ملمة‪ ،‬وعلى علم بقدرة قوة‬ ‫< ‬
‫الردع واملصداقية في استخدامها‪.‬‬

‫ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال��دول��ة األخ���رى‪ ،‬ب��اف �ت��راض تصرفها‬ ‫< ‬


‫بطريقة عقالنية من التميز والتقدير السليم‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬بناء السياسات واإلستراتيجيات العسكرية‬

‫‪ - 1‬مستوى القيادة السياسية في الدولة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬حتديد الغاية القومية للدولة‪ ،‬والتي تسعى الدولة إلى‬


‫حتقيقها ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حت��دي��د ال �ه��دف‪/‬األه��داف القومية‪ ،‬وال��ذي يتبع الغاية‬


‫القومية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬رس��م اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ال�ق��وم�ي�ـ��ة‪ ،‬وذل ��ك لتحقيق الهدف‬


‫القومي‪ ،‬وفي إطار الغاية القومية للدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬مستوى القيادة السياسية العسكرية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬حتديد الهدف السياسي العسكري‪ ،‬الذي ينبع أساساً من‬

‫‪27‬‬
‫الهدف‪ /‬األهداف القومية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬رسم السياسة العسكرية للدولة لتحقيق الهدف السياسي‬


‫العسكري‪.‬‬

‫‪ - 3‬مستوى القيادة العسكرية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬اإلع��داد للصراع املسلح وإدارت ��ه‪ ،‬لرسم اإلستراتيجية‬


‫العسكرية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حتديد األه��داف واملهام اإلستراتيجية للقوة العسكرية‬


‫بالدولة‪ ،‬بنا ًء على الهدف السياسي والعسكري‪ ،‬والسياسة‬
‫العسكرية للدولة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إعداد التخطيط اإلستراتيجي الستخدام القوة العسكرية‬


‫بكامل أفرعها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫مفهوم عملية التفكير االستراتيجي‬

‫تشكل عملية التخطيط اإلستراتيجي اخلطوات التحضيرية‬


‫إلن�ت��اج اإلستراتيجية‪ ،‬ومصطلح االستراتيجية (‪ )Strategy‬مشتق‬
‫أصال من كلمة يونانية (‪ )Strato‬مبعنى جيش أو حشد‪ ،‬ومن مشتقات‬
‫هذه الكلمة (‪ )Stratego‬والتي تعني فن القيادة‪ ،‬ومن مشتقاتها ايضا‬
‫(‪ )Stratagem‬والتي تعني اخلدعة احلربية في مواجهة العدو(((‪ ،‬فهي‬
‫مصطلحات ارتبطت منذ نشأتها باجلانب العسكري‪.‬‬

‫أما (ليدل هارت) فقد عرّف اإلستراتيجية على انها‪ ،‬فن توزيع‬
‫واستخدام الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة (((‪.‬‬

‫وجاء (كالوز فيتز) ليعرّف اإلستراتيجية بأنها‪ ،‬نظرية استخدام‬


‫االشتباك للوصول إلى هدف احلرب(((‪.‬‬
‫‪The International Encyclopedia of Social seinces, New York, 1968, P281.‬‬ ‫(( (‬
‫‪B.H.L. Hart, Strategy, the indirect Approach, London faber, 1966.p.334.‬‬ ‫((( ‬
‫‪K.von.Klause witz, on war, translated by. J.J Graham, 1908 London Routledege,‬‬ ‫((( ‬
‫‪1966, p. 156.‬‬

‫‪29‬‬
‫يالحظ على هذه التعاريف‪ ،‬انها ربطت اإلستراتيجية باجلانب‬
‫ال�ع�س�ك��ري ف �ق��ط‪ ،‬واحل�ق�ي�ق��ة ف ��إن ل �ه��ذا ال��رب��ط م��ا ي��ب��رره‪ ،‬فكلمة‬
‫إستراتيجية وباشتقاقاتها املختلفة يراد بها (جيش) أو (حشد) أو‬
‫(فن قيادة) وهي مفردات اختصت باجلانب العسكري أكثر من أي‬
‫جانب أخر‪ ،‬إضافة إلى أن ربط اإلستراتيجية باجلانب العسكري جاء‬
‫ليعكس حال املجتمعات أو القوى األوروبية التي كانت تعيش حروباً‬
‫طاحنة لتحقيق أه��داف السياسة‪ ،‬فاحلروب والصراعات املسلحة‬
‫كانت هي الصفة الطاغية في تأطير العالقات فيما بينها أكثر من‬
‫أي نشاط أخر‪ ،‬وما كثرة احلروب التي شهدتها القارة األوروبية في‬
‫القرون املنصرمة إال تأكيداً لهذه احلقيقة املوضوعية‪.‬‬

‫إال إننا نشهد اليوم‪ ،‬إن اإلستراتيجية لم تعد مرتبطة فقط‬


‫بالنشاط العسكري للدولة‪ ،‬بل تع ّدت ذلك لتشمل اجلانب السياسي‬
‫واالقتصادي واالجتماعي واألمني‪ ،‬وذلك بفضل التطورات التي مّر‬
‫بها النظام الدولي في منتصف القرن الثامن عشر والقرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬حيث باتت متطلبات بناء الدولة احلديثة ال تستند على متانة‬
‫قاعدتها العسكرية فقط‪ ،‬بل على قوة بنيان قاعدتها االقتصادية‬
‫والتكنولوجية واالجتماعية أي�ض�اً‪ ،‬مبعنى أن ال��دول أخ��ذت ترسم‬
‫إستراتيجيتها ال على أساس افتراضات اخليار العسكري حيث تقتضي‬
‫ضرورة احلرب‪ ،‬وإمنا في ضوء احتياجات ومتطلبات الواقع العملي‬
‫ومبختلف معطياته السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية‪،‬‬
‫ال ال يتجزأ‪ ،‬وبالتالي أصبحت‬
‫وبشكل تؤلف فيه هذه اإلستراتيجية ك ً‬
‫اإلستراتيجية ذات طبيعة شمولية‪ ،‬أو لنقل أصبحت اإلستراتيجية‬
‫قومية املعنى وامل�ض�م��ون‪ ،‬حيث تشكلت اإلستراتيجية القومية أو‬
‫(العليا) التي تتفرع عنها أن��واع من االستراتيجيات املكملة ملعناها‬
‫القومي من إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وما‬

‫‪30‬‬
‫إلى غير ذلك‪ ،‬وهكذا ارتبطت اإلستراتيجية بالسياسة العليا للدولة‪،‬‬
‫فاإلستراتيجية اليوم‪ ،‬أصبحت حاضرة كصيغة مالزمة لوجود الدولة‬
‫في أوقات السلم واحلرب على حد سواء‪ ،‬وعلى ضوء ما تقدم‪ ،‬كيف‬
‫ميكن تعريف اإلستراتيجية في عصر املعلوماتية الذي نشهده؟‬

‫يعرف (مولتكه) ((( اإلستراتيجية‪ ،‬بأنها فن املوائمة بني الهدف‬


‫والوسيلة‪ ،‬وما يؤخذ على هذا التعريف‪ ،‬بأنه وصف عملية التخطيط‬
‫االستراتيجي بأنها فن أو موهبة‪ ،‬ولكن الواقع يشير إلى ان عملية‬
‫التخطيط اإلستراتيجي هي علم قائم بذاته ألنه يستند على حقائق‬
‫نظرية علمية معروفة‪ ،‬كالتحليل االستراتيجي للبيئة الدولية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن عملية التخطيط االستراتيجي ال تخلو من املوهبة كالتنبؤ‬
‫املستقبلي مثال‪ ،‬وبالتالي فالتخطيط االستراتيجي هو علم وفن في‬
‫آن واحد‪ ،‬كما أن هذا التعريف لم يأخذ في احلسبان قدرات الدولة‬
‫التي تساعدها في اجناز اهدافها‪ ،‬فاألهداف تبقي بال قيمة ما لم‬
‫تتوفر القدرة على توظيف الوسائل لبلوغ تلك األهداف‪.‬‬

‫ويعرّف (عبد القادر محمد فهمي)((( اإلستراتيجية بأنها علم‬


‫وفن استخدام الوسائل والقدرات املتاحة في أطار عملية متكاملة‬
‫يتم اع��داده��ا والتخطيط لها‪ ،‬بهدف خلق هامش من حرية العمل‬
‫يعني صناع القرار على حتقيق أهداف سياستهم العليا في أوقات‬
‫السلم واحلرب‪.‬‬

‫وما يؤخذ على هذا التعريف‪ ،‬أنه ق ّدم الوسائل على القدرات‪،‬‬
‫في حني ان قدرات الدولة هي التي تخلق وسائلها وحتدد طبيعتها‪،‬‬
‫‪B.H.L. Hart, Op, cit, p 336.‬‬ ‫((( ‬
‫عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬املدخل إلى دراسة اإلستراتيجية‪ ،‬دار مجدالوي‪ ،‬عمان‪،2006 ،‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.27‬‬

‫‪31‬‬
‫فبدون قاعدة اقتصادية متينة‪ ،‬لن تستطيع الدولة ان متارس سياسة‬
‫اقتصادية حتقق من خاللها اهدافها‪ ،‬كما أن عبارة (في إطار عملية‬
‫متكاملة) يشوبها الغموض‪ ،‬وحتتمل أكثر من تفسير وتأويل‪ ،‬فهل‬
‫يقصد منها عملية التخطيط االستراتيجي م�ث�لاً؟ أم ه��ي مجمل‬
‫عمليتي التفكير والتخطيط ؟ كما أن هدف التخطيط االستراتيجي‬
‫ال يقتصر على خلق هامش من حرية العمل ليعني صناع القرار على‬
‫حتقيق األه��داف‪ ،‬ذلك ألن عملية التخطيط االستراتيجي ستحدد‬
‫بدقة األه��داف القومية التي ال ميكن ان يحيد عنها أو يتجاهلها‬
‫صنّاع القرار‪ ،‬وبالتالي سيضيق هامش احلرية أمام صناع القرار‪،‬‬
‫ألن��ه أم��ام عملية تخطيط استراتيجي ق��درّت بدقة ق��درات الدولة‬
‫ووسائلها واألهداف التي تستطيع اجنازها في ظروف معينة‪ ،‬ولكن‬
‫ميكن القول ان عملية التخطيط االستراتيجي تقدم دليل عمل لصناع‬
‫القرار ينظم جهودهم ويحدد مساراتهم وص��والً لتحقيق األهداف‬
‫القومية‪.‬‬

‫وي �ع �رّف (ان��دري��ه بوفر)((( االس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬ع�ل��ى ان�ه��ا تنسيق‬


‫واستعمال ال�ق��وى السياسية واالقتصادية واالجتماعية والنفسية‬
‫وال�ع�س�ك��ري��ة ض�م��ن م�خ�ط��ط م�ن�ظ��م وه���ادف إل��ى حت�ق�ي��ق املصلحة‬
‫القومية‪.‬‬

‫وتعريف (ب��وف��ر) اخ��رج االستراتيجية من اط��اره��ا العسكري‪،‬‬


‫ليضعها في اطارها الشمولي‪ ،‬فاالستراتيجية القومية تتفرع منها‬
‫االستراتيجيات السياسية واالقتصادية والعسكرية واالجتماعية‪،‬‬
‫ومما يؤخذ على هذا التعريف‪ ،‬انه لم يحدد ماهية املخطط املنظم‬
‫نبيل خليفة‪ ،‬جيوبولتيك لبنان‪ ،‬االستراجتية اللبنانية‪ ،‬مركز بيبلوس للدراسات واالبحاث‪،‬‬ ‫((( ‬
‫جبيل‪ -‬لبنان‪ ،2006 ،‬املقدمة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وماهي ابعاده‪ .‬لكن (بوفر) يعتبر اول من اخرج االستراتيجية من‬
‫اطارها اخلاص (العسكري) إلى اطارها العام (الشمولي)‪.‬‬

‫وأخيراً‪ ،‬ميكن تعريف اإلستراتيجية القومية‪ ،‬على أنها التعبئة‬


‫العقالنية (املبنية على قواعد التخطيط العلمي والقدرة على التنبوء)‬
‫للموارد القومية لتقيّيم القدرات الذاتية واختيار الوسائل املناسبة‬
‫من أجل حتقيق األهداف القومية في مرحلة زمنية معينة‪.‬‬

‫ثمة الكثير من الدراسات التي تتناول التخطيط االستراتيجي‬


‫على مستوى املؤسسات والشركات‪ ،‬واملنظمات الربحية واملنظمات‬
‫العامة غير الربحية‪ ،‬امنا قلة هي ال��دراس��ات التي عاجلت قضية‬
‫التخطيط االستراتيجي على مستوى الدولة‪ ،‬أو ما يسمى بالتخطيط‬
‫االس �ت��رات �ي �ج��ي ال �ق��وم��ي‪ ،‬ل �ك��ون ه��ذا ال �ن��وع م��ن ال ��دراس ��ات بشقيه‬
‫(املؤسساتي والقومي) نشأ وتوسع في الواليات املتحدة األمريكية‬
‫وخصوصا منذ انطالق نهضتها التنموية الشاملة في بداية القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وفي عالم اليوم‪ ،‬عالم املعلومات وثورة االتصاالت‪ ،‬وعالم‬
‫االضطراب والالاستقرار‪ ،‬وعالم االقتصاد املعولم‪ ،‬عالم االزمات‬
‫الطبيعية والبشرية‪ ،‬عالم باتت فيه العالقات الدولية تتشكل على‬
‫اس��اس ال�ق��درات االستراتيجية ل�ل��دول وليس على اس��اس قدراتها‬
‫التقليدية‪ ،‬هذا العالم بات يشهد التغيير في كل حلظة‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫باتت الدول في حاجة ماسة اكثر إلى التخطيط االستراتيجي على‬
‫ك��ل امل�س�ت��وي��ات‪ ،‬ب ��دءاً م��ن االستراتيجية القومية ل�ل��دول��ة‪ ،‬ومرورا‬
‫باالستراتيجيات الرئيسة املتفرّعة عنها كاالستراتيجيات (السياسية‬
‫واالق �ت �ص��ادي��ة وال �ع �س �ك��ري��ة) وان �ت �ه��اء ب��االس �ت��رات �ي �ج �ي��ات الفرعية‬
‫كإستراتيجية السياسات الداخلية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬معنى التفكير االستراتيجي القومي‬

‫ليس ثمة اتفاق بني فقهاء السياسة على تعريف موحد لعملية‬
‫التفكير االستراجتي‪ ،‬ذلك ان عملية التفكير االستراتيجي مرتبطة‬
‫ب��االن�س��ان ال��ذي يتسم بالتغيّر املستمر‪ ،‬وبتطور ق��درات��ه وثقافاته‬
‫وأساليب قيادته‪ ،‬ومرتبطة ايضا بالدولة وصراعها من اجل البقاء‬
‫في نظام دول��ي ب��ات ال يعترف اال بالقوة‪ ،‬وه��و يتفاعل مع التغيير‬
‫في كل يوم‪ ،‬بسبب التطورات السياسية واالقتصادية والتكنولوجية‬
‫والعسكرية‪ ،‬فعالم احلرب الباردة يختلف عن عالم ما بعد ايلول ‪/‬‬
‫سبتمبر ‪ ،2001‬وبنا ًء عليه ميكن تناول ع��دد من تعاريف التفكير‬
‫االستراتيجي‪.‬‬

‫‪ - 1‬يعرف (ك��راي��ج لوهيل) التفكير االستراتيجي على انه‪،‬‬


‫عملية أو (تقنية كلية) للتفكر بشأن حل مشكالت معقدة‪،‬‬
‫أو حتقيق غرض منظومي‪ ،‬أو التوصل إلى حلول جديدة‬
‫ف��ي امل�ج��االت التي تتطلب اجل��دي��ة ف��ي مسائل أساسية‬
‫للدولة كالسياسة اخلارجية واألمن القومي(((‪ .‬وما يؤخذ‬
‫على هذا التعريف‪ ،‬انه لم يحدد ماهي طبيعة هذه التقنية‬
‫الكلية وماهي ادواتها‪ .‬فعملية التفكير اإلستراتيجي هي‬
‫عملية تكاملية تعتمد على التمكن من استخدام األدوات‬
‫واملهارات الذهنية لفهم املشكلة االستراتيجية‪ ،‬وحتديد‬
‫إطارها بهدف احلل االستراتيجي‪.‬‬

‫‪ - 2‬يعرف آخرون عملية التفكير اإلستراتيجي بأنها التنقيب‬


‫املكثف ع��ن استراتيجية مناسبة للتوجهات اجلديدة‪،‬‬
‫‪T Craig Loehle: Thinking by strategically, Cambridge University Press 1996,‬‬ ‫((( ‬
‫‪p. 12.‬‬

‫‪34‬‬
‫ويرى آخرون أن التفكير االستراتيجي‪ ،‬هو تفكير تركيبي‬
‫وب �ن��ائ��ي ي�ع�ت�م��د ع �ل��ى اإلدراك واالس �ت �ب �ص��ار واحل ��دس‬
‫الستحضار املستقبل واالستعداد له(((‪ .‬وهذان التعريفان‬
‫تعامال ايضاً مع عملية التفكير االستراتيجي‪ ،‬بشكل غير‬
‫م�ح��دد‪ ،‬فما ه��ي طبيعة التنقيب املكثف م�ث�لاً؟ وماهي‬
‫ابعاده وحدوده؟‬

‫‪ - 3‬يعرف البعض(((‪ ،‬عملية التفكير اإلستراتيجي بأنها مسار‬


‫فكري محدد‪ ،‬أو قناة فكرية تبث وتستقبل صوراً وأفكاراً‬
‫تتناسب م��ع ال �ه��دف امل�ن�ش��ود‪ ،‬حيث تعمل على تصفية‬
‫املعلومات الوافدة إلى الذهن‪ ،‬بحيث يترّكز التفكير في‬
‫كيفية الوصول إلى ذلك الهدف‪ .‬ومما يؤخذ على هذا‬
‫التعريف‪ ،‬ان التفاعل بني الصور واالفكار البد ان تكون‬
‫له محفزات داخلية وخارجية‪.‬‬

‫‪ - 4‬يعرّف حامد ربيع التفكير االستراتيجي على انه‪ ،‬تصوّر‬


‫املستقبل انطالقاً من احلاضر واملاضي على انه امتداد‬
‫لهما‪ ،‬وبناء خطة للتعامل مع املستقبل(((‪ .‬وما يؤخذ على‬
‫هذا التعريف‪ ،‬انه ليس دائما يتم االعتماد على املاضي‬
‫الستنباط عملية تفكير استراتيجي فاعلة‪ ،‬فحينما فكر‬
‫املسلمون بحفر خندق حول (املدينة) في واقعة اخلندق‪،‬‬
‫عامر خضير الكبيسي‪ ،‬التفكير االستراتيجي في املنظمات العامة‪ :‬اخلصائص واملبررات‬ ‫((( ‬
‫واملعوقات‪ ،‬دراسة نظرية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪ ،2006‬ص ‪.8‬‬
‫عيسى بن علي امل�لا‪ :‬التفكير االستراتيجي‪ ،‬دراس��ة حتليلية‪ ،‬مجلة الدفاع‪ ،‬السعودية‪،‬‬ ‫((( ‬
‫الرياض‪ ،2002 ،‬ص ‪.177‬‬
‫حامد ربيع‪ ،‬سلوك املالك في تدبير املمالك‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الشعب‪ ،1980 ،‬ص‪.13‬‬ ‫(( (‬

‫‪35‬‬
‫ملنع االح ��زاب م��ن ال��وص��ول اليهم‪ ،‬ل��م تكن ه��ذه الفكرة‬
‫معهودة سابقاً في احلروب‪ ،‬فهي فكرة ابتكارية جديدة‪،‬‬
‫كما ليس ب��ال�ض��رورة ان يكون دائ�م�اً املستقبل صيرورة‬
‫حتمية ل�ت�ف��اع��ل ال �ظ��واه��ر م��اض�ي�ه��ا ب�ح��اض��ره��ا‪ ،‬فهناك‬
‫ع��وام��ل اخ ��رى ت�ت��دخ��ل ف��ي ت�ك��وي��ن ال �ص��ورة املستقبلية‬
‫للظاهرة سواء كانت دولة أو أي كيان اخر‪.‬‬

‫ومن جميع التعاريف الواردة في أعاله‪ ،‬ميكن أن يعرّف التفكير‬


‫االستراتيجي القومي‪ ،‬بأنه مجموعة عمليات ذهنية (يتفاعل فيها‬
‫العلم مع االبداع) تتعامل مع اخلارطة اإلدراكية للمفكر االستراتيجي‬
‫مبحفزات داخلية كالتفكر أو التذكر‪ ،‬أو محفزات خارجية كاستشعار‬
‫احل��اج��ة إل��ى ال�ت�ن�ظ�ي��م‪ ،‬م��ن اج��ل اس�ت�ن�ب��اط ح �ل��ول مل�ش��اك��ل آن �ي��ة أو‬
‫مستقبلية‪ ،‬أو من اجل رسم مسارات الدولة‪ ،‬بعد فهم بيئتها وتقييم‬
‫قدراتها ومن ثم وضع اهدافها العليا‪.‬‬

‫وعلى هذا‪ ،‬فأن التفكير االستراجتي يجمع بني ثالثة امناط‬


‫رئيسية م��ن التفكير‪ ،‬تتفاعل م��ع بعضها البعض‪ ،‬فالنمط االول‪،‬‬
‫التفكير التحليلي ‪ Analytical Thinking‬الذي يقوم على تفكيك الواقع‬
‫وحتليله‪ ،‬والنمط الثاني‪ ،‬التفكير النقدي ‪ Critical Thinking‬الذي‬
‫يقوم على نقد الواقع‪ ،‬بينما النمط الثالث‪ ،‬هو التفكير االبداعي‬
‫‪ Crative Thinking‬الذي يقوم على اعادة تركيب الواقع لبناء مناذج‬
‫املستقبل‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬عالقة اإلبداع بالتفكير االستراتيجي القومي‬

‫يعتبر اإلبداع ‪ Creativity‬أو القدرة على ابتكار االفكار اخلالّقة‪،‬‬


‫مكوّن رئيسي من مكونات التفكير االستراتيجي القومي‪ ،‬إال أن اإلبداع‬

‫‪36‬‬
‫املطلوب للتفكير االستراتيجي‪ ،‬يختلف في مفهومه عن املفهوم الشائع‬
‫لإلبداع واملرتبط عادة في اخليال أو االستجابة‪ ،‬فاإلبداع اخلاص‬
‫بالتفكير االستراتيجي يعني اجل��دي��ة ف��ي ابتكار احل�ل��ول الناجعة‬
‫للمشكالت‪ ،‬أو م��زج ع��دة حلول ف��ي ح��ل استراتيجي واح��د‪ ،‬وعلى‬
‫سبيل املثال يعتبر الدبلوماسي األمريكي‪ ،‬جورج كينان((( مبدعاً في‬
‫تفكيره االستراتيجي‪ ،‬حينما اقترح سياسة االحتواء ملواجهة االحتاد‬
‫السوفيتي السابق‪ ،‬خالل حقبة احلرب الباردة‪.‬‬

‫إن املعرفة اخلاصة ب��اإلب��داع االستراتيجي ميكن أن تبدأ أو‬


‫تتحسن من خالل التعرف على املداخل املنهجية التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬وسائل اختيار املشاكل القومية‪:‬‬

‫مي�ك��ن اع�ت�ب��ار أن اخل �ط��وة األك �ث��ر أه�م�ي��ة ف��ي عملية اإلبداع‬
‫االستراتيجي‪ ،‬هي اختيار ال�س��ؤال ال��ذي ينبغي أن يخضع للبحث‬
‫وال��دراس��ة‪ ،‬وه��ذا السؤال يخضع إلدراك املفكر االستراتيجي بعد‬
‫تأثره بأحد احملفزات الداخلية أو اخلارجية‪ ،‬وينبغي أن يكون السؤال‬
‫يستحق االنتباه والتركيز واإلث��ارة ألهميته االستراتيجية والرتباط‬
‫مصير الدولة به‪ ،‬وحتقق إجابته أعلى فائدة بالنسبة للجهد والوقت‬
‫املبذولني‪.‬‬

‫‪ - 2‬إتاحة اإلبداع‪:‬‬

‫يقصد باتاحة االبداع حترير وإطالق اإلبداع من القيود التي‬


‫ميكن أن تكبله‪ ،‬بحيث أن االس�ت�ج��اب��ة اإلب��داع �ي��ة ف��ي التعامل مع‬
‫ج��ورج كينان (‪ )2005-1904‬دبلوماسي أمريكي س��اب��ق‪ ،‬عمل مخططاً للسياسات‬ ‫(( (‬
‫اخلارجية األمريكية‪ ،‬ويعتبر أحد مهندسي احلرب الباردة بدعوته إلى سياسة االحتواء ملنع‬
‫التمدد السوفيتي (الشيوعي) في العالم واحلفاظ على املصالح األمريكية في العالم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الشؤون الدولية‪ ،‬مسألة تعتمد إلى حد كبير على صفات وسلوكيات‬
‫تتعلق ب��اإلدراك والبصيرة والتوجه‪ ،‬ومن أب��رز مكبالت اإلب��داع في‬
‫التفكير االستراتيجي هو (اخلوف) ذلك العامل النفسي الذي يعطل‬
‫القدرات التفكيرية اإلبداعية‪ ،‬كما هو حال املبدعني من املفكرين في‬
‫ظل األنظمة االستبدادية‪ .‬فاملبدع ينبغي أن يتصف مبرونة العقل‪،‬‬
‫وأم��ا إذا ت��ول��دت ف�ك��رة ج��دي��دة حل��ل مشكلة دول�ي��ة م��ا‪ ،‬هنا تصبح‬
‫احلاجة إلى التأمل ضرورية بهدف تفّحص واختبار الفكرة من كافة‬
‫اوجهها املمكنة‪ ،‬بحيث يستطيع املبدع من توضيح الفكرة وتفصيلها‬
‫وتطويرها والدفاع عنها أمام النقد الذي قد يوجه إلى فكرته‪.‬‬

‫‪ - 3‬طريقة العمل‪:‬‬

‫تعتبر فترة الهدوء وال��راح��ة ج��زء من وق��ت العمل‪ ،‬وه��ي جزء‬


‫أساسي من مسار العملية اإلبداعية‪ ،‬فاخلروج عن الطابع الروتيني‬
‫للعمل وااله�ت�م��ام بوقت اخل�ل��وة ف��ي ظ��روف ه��ادئ��ة ومستقرة‪ ،‬تتيح‬
‫الفرصة للفكر اإلبداعي بإطالق مواهبه بحثاً عما هو أفضل‪.‬‬

‫‪ - 4‬التركيز االدراكي‪:‬‬

‫يحتاج اإلبداع الفكري إلى قوة خارقة من التركيز‪ ،‬والى خيال‬


‫واسع يستوعبه ادراك استراتيجي متفاعل مع البيئة االستراتيجية‬
‫للدولة‪ ،‬وت�ع��ود احل��اج��ة لهذا التركيز إل��ى أهمية املتابعة الدقيقة‬
‫لسالسل طويلة من العالقات السببية للظواهر‪ ،‬وإلى احلاجة لبناء‬
‫شبكة معقدة من العالقات بني املتغيرات‪ ،‬وأحياناً احلاجة إلى حل‬
‫لغز عميق أو التمعن في بناء هياكل معقدة (‪.)Complex Structures‬‬

‫فالثقافة العامة للمفكر االستراتيجي‪ ،‬ومؤهله العلمي‪ ،‬وطبيعة‬


‫إدراكه‪ ،‬ونشأته وخبراته السياسية‪ ،‬والنسق العقائدي الذي يؤمن به‬

‫‪38‬‬
‫وطبيعة املؤسسة التي يعمل فيها‪ ،‬والظروف احمليطة به التي تخلق‬
‫له بيئة نفسية معينة‪ ،‬جميعها عوامل تلعب دوراً كبيراً في النتاج‬
‫الفكري اإلبداعي وطبيعة الفكر االستراتيجي القومي(((‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أهمية التفكير االستراتيجي ومعوقاته‬

‫‪ - 1‬أهمية التفكير االستراتيجي‪:‬‬

‫في غياب التفكير االستراتيجي القومي‪ ،‬ال تتوقف حركة الدولة‪،‬‬


‫لكن كفاءة هذه احلركة تكون متدنّية‪ ،‬حيث ان التنمية والتطور أو‬
‫احللول الصحيحة للمشكالت‪ ،‬ال ينتجان من مجرد احلركة والنشاط‪،‬‬
‫بل من حركة ونشاط في إط��ار صحيح وف��ي توقيت م��دروس‪ ،‬ففي‬
‫غياب التفكير االستراتيجي القومي يساء استخدام العقل والوقت‬
‫واجل�ه��د‪ ،‬فتظل املشكالت التي تعاني منها ال��دول��ة م��وج��ودة لفترة‬
‫أطول‪ ،‬ورمبا تتولد عن ذلك مشكالت جديدة‪ ،‬ومع تشابك املشكالت‬
‫جديدها وقدميها‪ ،‬تتباطئ عجلة التقدم في الدولة‪ ،‬مهما تزايدت‬
‫احلركة أو تضاعف النشاط‪ ،‬واليوم تختلف الدول عن بعضها البعض‬
‫في مستوى مكانتها في اإلطارين اإلقليمي والدولي‪ ،‬بسبب درجة‬
‫استثمارها املثلى ملواردها القومية والتي تعتمد بدرجة كبيرة على‬
‫فاعلية عملية التخطيط االستراتيجي القومي والتي ارتكزت في‬
‫اساسها على عملية التفكير االستراتيجي‪ ،‬ذلك التفكير املبني على‬
‫فلسفة الدولة وقدراتها وتقييمه للبيئة الداخلية واخلارجية لها‪،‬‬
‫وعلى تطلعات الدولة وأهدافها القومية(((‪.‬‬
‫زين الهويدي‪ ،‬اإلب��داع ماهيته – اكتشافه – تنميته – دار الكتاب اجلامعي‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬ ‫(( (‬
‫‪ ،2007‬ص ‪.133‬‬
‫فاروق السيد عثمان‪ ،‬سيكولوجية إدارة الوقت وبناء مهارات التفكير االستراتيجي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫((( ‬
‫دار املعارف‪ ،1995 ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ - 2‬معوقات التفكير االستراتيجي‬

‫أ ‪ -‬خبرات املفكر االستراتيجي‪:‬‬

‫مع ازدياد خبرة املفكر االستراتيجي (بشيء معني أو تخصص‬


‫معني أو مشكلة معينة)‪ ،‬تتجمع في ذهنه تدريجيا شبكة من احلقائق‬
‫وال�ف��روض والنماذج املتعلقة بهذا الشيء وم��ع ال��وق��ت‪ ،‬وم��ع ازدياد‬
‫تراكم املعلومات واملعارف واخلبرات اخلاصة بهذا األمر‪ ،‬فإن الشبكة‬
‫املعلوماتية املتجمعة ف��ي ذه�ن��ه بخصوص ال�ش��يء م��وض��وع اخلبرة‬
‫تقوى وتصبح أكثر ص�لاب��ة‪ ،‬بحيث ت��زداد صعوبة استيعاب املفكر‬
‫االستراتيجي ألفكار بديلة أو مختلفة جذرياً‪ ،‬كما تقل قدرته على‬
‫اكتشاف مشاكل جديدة في املجال موضوع خبرته‪ ،‬ويصبح (الشيء)‬
‫هو الذي يحتوي اخلبير (املفكر) وليس العكس‪ ،‬وهنا يتحول اخلبير‬
‫إلى ناقد لألفكار اجلديدة ألنها تتناقض مع ما يعرفه من حقائق‪،‬‬
‫واكثر من ذلك فقد يتحول اخلبير إلى ممارسة التدخل السلبي جتاه‬
‫عمليات االبداع‪ ،‬ويصبح هو نفسه عقبة من حيث ال يشعر‪ ،‬فاملفكر‬
‫االستراتيجي يحتاج إلى حتديث معلوماته وخبراته باستمرار ألنه‬
‫يعيش ف��ي ع��ال��م يتغير ك��ل ي��وم‪ ،‬وان يتقبل النقد العلمي ألفكاره‬
‫وي��راج��ع ويفحص أف�ك��اره ب�ين ف�ت��رة وأخ��رى لقياس م��دى مواكبتها‬
‫للتطور والتغيير وحتى يبقى في بيئة االب��داع اإلستراتيجي وعليه‬
‫أيضاً االبتعاد عن اخلرافات واألساطير والتعصب الفكري‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وهم التكامل االدراكي‪:‬‬

‫إن االكتشافات وال�ت�ط��ورات ممكنة على ال ��دوام‪ ،‬وف��ي جميع‬


‫املجاالت وهي عملية مستمرة في هذا العالم‪ ،‬وأي مفكر استراتيجي‬
‫يدعي إنه توصل إلى احلل األمثل الذي ليس من حل سواه ملشكلة‬

‫‪40‬‬
‫معينة‪ ،‬فهو يعبر عن احساس غير واقعي‪ ،‬ويتناقض متاماً مع خصوبة‬
‫عملية التفكير االستراتيجي‪ ،‬فالتوصل إلى اخليار االستراتيجي‪،‬‬
‫ينبغي اليقني بوجود خيار افضل منه‪ ،‬ولكن علينا بالتفكير والتطوير‬
‫املستمر للخيارات االستراتيجية‪ ،‬حتى نصل ألعلى مستوى للقدرات‬
‫االدراكية‪ ،‬فعملية التفكير االستراتيجي عملية مستمرة ومتواصلة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬التنظيم البيروقراطي‪:‬‬

‫تتسّ بب بيروقراطية اإلدارة والتخطيط في مؤسسات الدولة‬


‫أحياناً‪ ،‬بقهر التفكير االستراتيجي في مجاالت البحث والتطوير‪،‬‬
‫أما بسبب تشريعات وأنظمة قدمية‪ ،‬أو بسبب إدارات متخلّفة‪ ،‬لذا‬
‫ب��دأت ال��دول املتقدمة تنشئ م��ؤس�س��ات خ��اص��ة إلح�ت�ض��ان ورعاية‬
‫أصحاب مهارات التفكير اإلستراتيجي إلطالق مواهبهم خارج نطاق‬
‫البيروقراطية‪ ،‬ومثال ذلك فإن الهياكل التنظيمية لبعض املؤسسات‬
‫التعليمية تلعب دوراً مهماً في كبت مهارات التفكير اإلستراتيجي‬
‫ال أقسام العلوم السياسية في اجلامعات‪ ،‬تركز على استقطاب‬ ‫فمث ً‬
‫اساتذة وخبراء العلوم السياسية‪ ،‬وتتناسى‪ ،‬إن مادة علم االجتماع‬
‫السياسي مثالً‪ ،‬حتتاج ملتخصص في علم االجتماع وإن مادة االقتصاد‬
‫السياسي حتتاج ملتخصص في علم االقتصاد الكلي‪ ،‬هذا التحديد‬
‫البيروقراطي والفصل بني صفوف العلم واملعرفة قد يؤدي ايضاً إلى‬
‫كبت التفكير االستراتيجي‪.‬‬

‫د ‪ -‬خضوع املفكر االستراتيجي للسلطة‪:‬‬

‫خضوع عملية التفكير االستراتيجي إلى سلطة سياسية‪ ،‬لها‬


‫توجهاتها الفكرية الضيقة واخلاصة بها‪ ،‬يؤدي إلى العجز واالفتقار‬
‫إل��ى ال��روح اخل�لاق��ة ل�لإب��داع‪ ،‬وكلما ك��ان املفكرون االستراتيجيون‬

‫‪41‬‬
‫يتمتعون بقدر كبير من احلرية في التفكير‪ ،‬كلما انعكس ذلك على‬
‫انتاجهم الفكري والعكس صحيح‪ ،‬وفي بعض األحيان تطلب السلطة‬
‫من مفكريها إيجاد حلول ضيقة ملوضوع معني له ح��دوده احلمراء‬
‫التي ال ميكن جتاوزها‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬مراحل التفكير االستراتيجي القومي ومهامه‬

‫ثمة اربعة مراحل للتفكير االستراتيجي هي‪:‬‬

‫املرحلة األولى‪ :‬وتتمثل في جمع املعلومات الكاملة عن املشكلة‬


‫املراد التفكير بحلول لها‪ ،‬وتتكون هذه املرحلة من ثالث خطوات‪:‬‬

‫‪ - 1‬التفكير التحليلي بالتغييرات السياسية واالقتصادية‬


‫والعسكرية واالجتماعية واألمنية والتكنولوجية‪ ،‬وهي‬
‫التغييرات احمليطة مبشكلة البحث‪.‬‬

‫‪ - 2‬تدقيق املعلومات التي مت جتميعها في اخلطوة (أ) ملنع‬


‫التضارب والتناقض فيما بينها‪ ،‬ولغرض ربط املعلومات‬
‫املتنافسة مع بعضها الستنباط احلقائق‪.‬‬

‫‪ - 3‬التفكير بصورة عكسية‪ ،‬مبا مت جمعه من حقائق ومعلومات‪،‬‬


‫للتأكد من كفاءة العالقة بني األسباب والنتائج للفرضيات‬
‫التي مت استنباطها‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬وتتمثل في صياغة األفكار‪ ،‬وحتديد املسارات‪،‬‬


‫وبيان مزايا وعيوب كل مسار من خالل اخلطوات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬وض��ع التوقعات املستقبلية بكل مسار‪ ،‬من حيث طبيعة‬


‫ذلك املسار وتكاليف مردوداته‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ - 2‬حتديد املسار املناسب من بني عدة مسارات‪ ،‬مبا يتناسب‬
‫ال عن حتديد املسارات‬
‫وظ��روف ال��دول��ة وقدراتها‪ ،‬فض ً‬
‫البديلة‪.‬‬

‫‪ - 3‬محاولة غلق الثغرات التي ميكن أن تظهر بهذا املسار‬


‫أو ذاك من خالل إج��راءات ميكن تطويعها لتحقيق هذا‬
‫الهدف‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬وتتمثل في فعالية التخطيط‪ ،‬حيث تتضمن‬


‫هذه املرحلة التفكير االبتكاري لصنع اخليارات التي يجب ان تقيّم‬
‫على أسس رياضية وأخالقية‪ ،‬ويفضل هنا اتباع األسلوب التقمصي‬
‫للخيار‪ ،‬أي العيش في بيئة هذا اخليار والتفاعل مع معطياته‪ ،‬وحسب‬
‫رؤية وفلسفة الدولة‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬عندما يخص التفكير مسألة‬
‫تتعلق باملصالح القومية للدولة‪ ،‬فيجب ان يكون التقييم هنا بصورة‬
‫براغماتية وسياسية‪ ،‬وعندما يتعلق التفكير مبسائل االمن القومي‪،‬‬
‫ف��إن التقييم ي�ج��ب ان ينصب ع�ل��ى أس��اس االخ �ط��ار والتهديدات‬
‫والعمليات الوقائية‪ ،‬وذلك من خالل اخلطوات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬صنع العديد من اخليارات‪.‬‬

‫‪ - 2‬تدقيق هذه اخليارات مع احلدس االستراتيجي للمفكر‪.‬‬

‫‪ - 3‬اتخاذ القرار حول آلية تنفيذ كل خيار(((‪.‬‬

‫حيث يثير احلدس عوامل التفكير االستراتيجي بكل أنواعها‬


‫لتصاغ االفكار وتقييمها من اجل احداث التغيير االستراتيجي‪.‬‬
‫‪simon wootton, Terry Horne: Strategic Thinking… a step- by- step approach to‬‬ ‫((( ‬
‫‪strategy: by the association of MBAS, U.S, 2003.‬‬

‫‪43‬‬
‫أما بالنسبة ملهام املفكر االستراتيجي القومي‪ ،‬فيمكن حصرها‬
‫باآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬يفكر االستراتيجي في كيفية حتقيق النصر في احلرب‪،‬‬


‫وحتقيق التنمية املستدامة في وقت السلم‪.‬‬

‫‪ - 2‬إنه يفكر في صنع بيئة من اخليارات االستراتيجية ويقدمها‬


‫إلى صانع القرار لتحديد اخليارات االستراتيجية‪.‬‬

‫‪ - 3‬إن املفكر االستراتيجي‪ ،‬يفكر في رسم االستراتيجيات‬


‫القومية‪ ،‬وتعبئة املوارد لتحقيق األهداف القومية‪.‬‬

‫‪ - 4‬إن املفكر االستراتيجي‪ ،‬يفكر بحلول ملشاكل وازمات آنية‪،‬‬


‫ويتوقع مشاكل مستقبلية تواجه الدولة‪ ،‬ويضع التصورات‬
‫واحللول املمكنة لها‪.‬‬

‫‪ - 5‬إن��ه ي�ف�ك��ر ف��ي ط��ري�ق��ة ت�ط��وي��ر ال�ب�ن��ى التحتية والفوقية‬


‫للدولة‪ ،‬بتعزيز قوة ومكانة الدولة إقليمياً وعاملياً‪.‬‬

‫‪ - 6‬إن ��ه ي��رب��ط ال�ب�ي�ئ��ة ال��دول �ي��ة وال �ب �ي �ئ��ة االق�ل�ي�م�ي��ة والبيئة‬
‫الداخلية لدولته‪ ،‬ليكشف الفرص والتهديدات‪ ،‬في بيئة‬
‫دولته اخلارجية‪ ،‬ونقاط القوة والضعف في بيئة دولته‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬أدوات التفكير االستراتيجي القومي‬

‫من أبرز األدوات التي يعتمدها التفكير االستراتيجي في حل‬


‫املشكالت هي‪:‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ - 1‬استراتيجية بناء السيناريوهات‪:‬‬

‫ميكن القول ب��أن السيناريو ليس مجرد أح��داث متتابعة‪ ،‬بل‬


‫مجموعة أحداث تتابع في تواصل بنائي له سبب عقالني‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن تعريف السيناريو ميكن ان يكون (تتابع منظم الحداث ما) وتعتبر‬
‫السيناريوهات غاية في القوة عندما تطبق بعناية‪ ،‬وميكن االشارة إلى‬
‫أن سيناريوهات القادة السياسيني تكون في األغلب تفكير باألماني‬
‫(بنسبة ‪ )%80‬وال تعتمد على الصنعة االحترافية للسيناريوهات‪،‬‬
‫وذلك بسبب امليول واالنتماءات واملصالح للقادة السياسيني‪ ،‬وجدير‬
‫بالذكر ان االستخدام األمثل للسيناريوهات كأداة استراتيجية يعتمد‬
‫على ثالثة متطلبات‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال �ق��درة على ترتيب األح ��داث ومتطلباتها ف��ي التوقيت‬


‫املناسب‪.‬‬

‫‪ - 2‬القدرة على التعامل السليم مع االفعال‪.‬‬

‫‪ - 3‬القدرة على تصور البدائل ومزاياها (السلبية وااليجابية)‬


‫وهنا تأتي أهمية تخيّل األشياء التي ميكن أن تتداخل مع‬
‫السيناريو‪ ،‬بحيث تتخذ االحتياطات الالزمة‪.‬‬

‫وعند األخذ في االعتبار ملسألة التتابع كصفة من صفات أحداث‬


‫السيناريو‪ ،‬فإنه يجب التمييز بني اخلطط والسيناريوهات‪ ،‬حيث‬
‫ميكن للخطة ان تتضمن خطوات ال توجد عالقة تتابعية (تراتبية)‬
‫بينها‪ ،‬على عكس احلال في السيناريو الذي يستوجب بنائه العالقة‬
‫التراتبية‪ ،‬مثال على ذلك‪ ،‬خطة بناء مفاعل نووي قد تتضمن (إيجاد‬
‫مكان) و(ترتيب التمويل املالي) و(تصميم املفاعل) حيث ليس من‬
‫الضرورة أن تكون كل خطوة من هذه اخلطوات سبباً منطقياً للخطوة‬

‫‪45‬‬
‫التالية‪ ،‬حيث ميكن تنفيذ بعض هذه اخلطوات بترتيب آخر(((‪.‬‬

‫وهنا يأتي املقام لإلشارة إلى عملية التخطيط اإلستراتيجي‬


‫والذي يعتبر إمتداد طبيعي لعملية التفكير االستراتيجي‪ ،‬فالتخطيط‬
‫االستراتيجي يكون عادة موجهاً لتحقيق هدف ما‪ ،‬وبالتالي فإن ثمة‬
‫حاجة لوضع سيناريو بهدف التوصل إل��ى إجن��از الهـدف‪ ،‬وعليـه‪،‬‬
‫فـإن وجـود (هدف)‪ ،‬دون سيناريو‪ ،‬هو امر يعني مجرد وجود (رؤية)‬
‫بالنسبة للدولة‪ ،‬وتظل الرؤية مجرد (رؤية) ما لم تقود هذه الرؤية‬
‫إلى توليد سيناريوهات‪ ،‬وخطط لتفعيل هذه السيناريوهات‪ ،‬يشار‬
‫إل��ى إن التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي وص�ي��اغ��ة األه ��داف وال�ب�ح��ث في‬
‫السيناريوهات هي امور ال ميكن أن حتدث دون فهم املنظومة التي‬
‫من املفترض أن يجري في إطارها هذا التخطيط‪.‬‬

‫‪ - 2‬استنباط احللول‪:‬‬

‫تعتمد هذه اآللية في التفكير على التوصل إلى احلل‪ ،‬باعتباره‬


‫قابل لالجناز خطوة ‪ -‬خطوة‪ ،‬وفلسفة هذه اآللية هي توليد مسار‬
‫بخطوات متتابعة يكون من شأنها الربط بني احلالة الراهنة‪ ،‬واحلالة‬
‫امل��راد حتقيقها (ال �ه��دف) وي��وج��د منهجني رئيسيني لبناء خطوط‬
‫احللول‪ ،‬املنهج األول‪ ،‬يقوم على النظر إلى الهدف النهائي‪ ،‬وحتديد‬
‫اخلطوة السابقة عليه‪ ،‬والتي يكون من شأنها أن توصل إلى الهدف‪،‬‬
‫هذه اخلطوة ميكن اعتبارها (الهدف‪ )1‬بعد ذلك يتم حتديد اخلطوة‬
‫التالية‪ ،‬وهي تلك التي تقود إلى (الهدف‪ ،)1‬وهـذه اخلطـوة ميكـن‬
‫اعتبارها (الهدف ‪ ،)2‬وهكذا حتى يصل املفكر االستراتيجي إلى‬
‫حالته الراهنة‪ ،‬والتي قد متثل اخلطوة اخلامسة على سبيل املثال‪،‬‬
‫ولو أردنا أن نقدم مثاالً افتراضياً على هذا املنهج‪ ،‬نفترض إن دولة‬
‫‪Craig Loehle: Thinking by strategically, op,cit, p, 14.‬‬ ‫((( ‬

‫‪46‬‬
‫م��ا‪ ،‬تسعى إل��ى حتقيق امنها القومي إل��ى أقصى درج��ة‪ ،‬فذلك هو‬
‫(الهدف) ولكي تصل الدولة لهذا الهدف‪ ،‬عليها بناء مؤسسات األمن‬
‫القومي وتشكيلها‪ ،‬وذل��ك هو (ال�ه��دف ‪ ،)1‬ولكي تبني املؤسسات‪،‬‬
‫يجب توفير التمويل امل��ال��ي والفني‪ ،‬وذل��ك ه��و (ال�ه��دف ‪ ،)2‬ولكي‬
‫تتوفر ميزانية التمويل حتتاج الدولة إلى إرادة سياسة تنصرف لهذا‬
‫االجتاه‪ ،‬وذلك هو (الهدف ‪ ،)3‬وحتى تقوم اإلرادة السياسية‪ ،‬ال بد‬
‫من وج��ود حاجة ملحة الستتباب األم��ن القومي ك��أن تكون التنمية‬
‫الوطنية مثالً‪ ،‬وذلك هو (الهدف ‪ )4‬وملخص هذا املنهج هو حتديد‬
‫الهدف االستراتيجي أوالً‪ ،‬ثم البدء في حتديد اخلطوة املؤدية اليه‪،‬‬
‫نزوالً تتابعياً حلني الوصول إلى أول خطوة(((‪.‬‬

‫أما املنهج الثاني فيقوم على العكس من املنهج االول‪ ،‬وهو‬


‫ان تتصور ال��دول��ة في اخل�ط��وات التي تقودها من احلالة الراهنة‬
‫إلى احلالة التي تؤدي الوصول اليها‪ ،‬بصورة تصاعدية‪ ،‬فلو فرضنا‬
‫بأن هناك دولة حتت االحتالل وهذه الدولة تسعى إلى االستقالل‬
‫والعودة مبكانتها الطبيعية ضمن النظام الدولي‪ ،‬وهذا هو (الهدف‬
‫االستراتيجي) ولكي تصل هذه الدولة إلى هذا الهدف عليها أوالً‬
‫اتباع اخلطوات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬ت�ن�ظ�ي��م امل �ق��اوم��ة ال�ع�س�ك��ري��ة وال�س�ي��اس�ي��ة واالقتصادية‬


‫والثقافية إلج�ل�اء احمل�ت��ل ع��ن أراض ��ي ال��دول��ة‪ ،‬وإعالن‬
‫السيادة التامة واالستقالل‪.‬‬

‫‪ - 2‬اختيار قيادة وطنية تتسم بالكفاءة والنزاهة واالخالص‬


‫والرؤية االستراتيجية‪.‬‬
‫‪Craig Loehle: Thining by Strategically, op,cit, p. 18‬‬ ‫((( ‬

‫‪47‬‬
‫‪ - 3‬إزال��ة مخلفات وتداعيات االحتالل‪ ،‬واع��ادة بناء الدولة‬
‫(حت �ت �ي �اً وف��وق �ي �اً) وإع� ��ادة ت�ن�ظ�ي��م ال �ع�لاق��ات اخلارجية‬
‫للدولة مبا ينسجم والعقيدة السياسية للدولة وتطلعاتها‬
‫القومية (((‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬أسس التفكير االستراتيجي وبنيته الفكرية‬

‫ال تتم عملية التفكير االستراتيجي في مجال العالقات الدولية‬


‫بصفة عامة‪ ،‬من فراغ أو بشكل عشوائي؛ وإمنا هناك أسس حتكمه‬
‫وبنية فكرية تستند إليها‪ ،‬هذه األسس وهذه البنية وإن كانت تتعلق‬
‫بالسلوك اجلزئي اخلاص بالفرد‪ ،‬إال أنه يبنى عليه السلوك الكلي‬
‫اخلاص بالدول‪.‬‬

‫‪ - 1‬أسس التفكير االستراتيجي‪:‬‬

‫يبنى التفكير االستراتيجي على مجموعة من األس��س‪ ،‬متثل‬


‫القاعدة األساسية التي يستند إليها وهي‪ :‬الرؤية العاملية النظامية‪،‬‬
‫النظرة بعمق في هيكل الواقع‪ ،‬مع التركيز نحو الهدف‪ ،‬والتفكير في‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الرؤية العاملية النظامية‪:‬‬

‫يقوم التفكير االستراتيجي على رؤي��ة عاملية نظامية‪ ،‬ويعني‬


‫بها‪ ،‬رؤية العالم كنظام باعتباره كال مترابطاً وليس كأجزاء متفرقة‪،‬‬
‫وهي الرؤية الكلية التي تعمل في إطارها الرؤى اجلزئية‪ ،‬أي األنساق‬
‫املعرفية التي تنبثق عن مجموعة العوامل التي تشكل فكر اإلنسان‪،‬‬
‫‪Margoplis. H: Thinking and cognition: Study, Univ. of chocago 1987, p. 10.‬‬ ‫((( ‬

‫‪48‬‬
‫من خبرات وقيم وأيديولوجية‪ ،‬وعوامل اجتماعية‪ ...‬إلخ‪ ،‬وذلك بفضل‬
‫عوامل العوملة‪ ،‬وثورة االتصاالت الهائلة التي يشهددها العالم‪ ،‬ونظام‬
‫اآلحادية القطبية الذي تسعى الواليات املتحدة من خالله إلى فرض‬
‫منوذج موّحد (امريكي) على العالم‪ ،‬في مجاالت السياسة واالقتصاد‬
‫واألمن وحتى املجتمعات واحلضارات‪ ،‬وجاءت احداث أيلول‪/‬سبتمبر‬
‫‪ ،2001‬لتفرز من خالله عوملة االره��اب‪ ،‬مخاوف وسياسات جعلت‬
‫العالم اكثر ارتباطاً ببعضه البعض‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فعلى املفكر االستراتيجي‬
‫ان ال يهمل في تفكيره اية احداث اقليمية أو دولية‪ ،‬حتى لو كانت غير‬
‫مؤثرة في الوقت احلالي على بلده‪ ،‬أو ذات تأثير محدود‪.‬‬

‫هذه الدالالت‪ ،‬ووفقاً ل (ساندرز) تتطلب من املفكر االستراتيجي‬


‫حتقيق امرين‪ :‬فهم األح��داث غير الواضحة‪ ،‬ورؤي��ة األح��داث عند‬
‫بدايتها والتعرف على العوامل اجل��دي��دة وه��ي ف��ي ط��ور التشكيل‪،‬‬
‫وبالتالي زيادة قدرة التأثير على املستقبل‪ ،‬من خالل التعرّف على‬
‫الواقع ورؤية عوامل التغيير والتعامل معها في مراحلها املبكرة(((‪.‬‬
‫ومن أجل تبني الرؤية العاملية النظامية في ظل التغيرات التي طرأت‬
‫على العالم في السنوات األخيرة‪ ،‬يرى (كيتان باتل)((( أنه بات من‬
‫الضروري إدخال مجموعة من املفاهيم اجلديدة‪ ،‬التي تساعد على‬
‫بناء هذه الرؤية‪:‬‬

‫ً‬
‫بدال من مفهوم السبب والنتيجة‪:‬‬ ‫‪ -‬مفهوم الفوضى‬

‫أول ما يعنيه مفهوم الفوضى هو أنه مع وجود عدد غير محدد‬


‫‪Sanders, Irene, T., Strategic Thinking and the New Science (New York: The‬‬ ‫((( ‬
‫‪Free Press, 1998), pp. 1 - 10.‬‬
‫‪Patel, ketan: The master strategist, Power, Purpose, Principle: U.K: Arrows‬‬ ‫((( ‬
‫‪Book, 2006, pp. 99 - 101.‬‬

‫‪49‬‬
‫من املتغيرات احملتملة‪( ،‬ت��زاي��د اع��داد ال��دول واملنظمات الدولية‪،‬‬
‫وانتشار الصراعات واحل��روب واالزم��ات العاملية) فهذا يعني وجود‬
‫عدد غير محدد من املخرجات احملتملة‪ ،‬وهذا يعني أمرين‪ :‬األمر‬
‫األول‪ ،‬أن��ه ليس هناك م��ا ميكن تسميته « ُم �خ��رج» باملعنى املطلق‪،‬‬
‫فامل ُخرج ف��ي ح��د ذات��ه‪ ،‬ج��زء أو مدخل م��ن ش��يء آخ��ر ج��ار بلورته‪،‬‬
‫فاخلالف السياسي في السودان تبلور إلى انقسام استراتيجي في‬
‫الدولة (شمال وجنوب)‪ ،‬األمر الثاني‪ ،‬أن ما يظهر على أنه فوضى‬
‫في مرحلة معينة أو من زاوية معينة يكمن بداخله شكل أو منط من‬
‫(التخطيط والتنظيم) في مرحلة أخ��رى‪ ،‬في حال نظرت له نظرة‬
‫بعيدة‪ ،‬أو نظرت اليه من زاوية أخرى‪ ،‬فنظرية (الفوضى اخلالّقة)‬
‫التي طرحها الرئيس األميركي جورج بوش (االبن) ما هي إال املقدمة‬
‫االع�لام�ي��ة ال�ت��ي ك��ان يعتقد أن�ه��ا مطلوبة م��ن أج��ل ب�ن��اء ن�ظ��ام أمن‬
‫إقليمي وف��ق م��ا ينسجم م��ع املصالح االمريكية ف��ي املنطقة‪ ،‬وقد‬
‫أدت هذه اإلستراتيجية إلى تشرخات في املنطقة وفوضى وحروب‬
‫طاحنة عالية احلدة ومنخفضة وحروب أهلية في أكثر من مكان‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم الترابط‪:‬‬

‫امل ُ�خ��رج ما هو إال نتاج تفاعل ع��دد كبير من املتغيرات‪ ،‬وهو‬


‫ص��ورة من ج��زء‪ ،‬وقد يكون ملموساً أو غير ملموس‪ ،‬واملخرج نتاج‬
‫لتفاعل العالقة بني السبب والنتيجة‪ ،‬وهذا يعني‪:‬‬

‫أن وج��ود أح��د عناصر التفاعل يتوقف على اآلخ��ر‪ ،‬أي‬ ‫< ‬
‫إن ه�ن��اك ع�لاق��ة ت��راب��ط ب�ين عناصر التفاعل‪ ،‬وم��ن ثم‬
‫على املفكر االستراتيجي أن يكون واعياً لهذا املفهوم وأن‬
‫ال الفصل‬‫يتوصل لهذه العالقة الترابطية‪ ،‬فال ميكن مث ً‬
‫ب�ين ال�س�ي��اس��ات االم��ري�ك�ي��ة امل �ن �ح��ازة إلس��رائ �ي��ل‪ ،‬وسبب‬
‫كراهية العرب المريكا‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أن امل ُخرج أو اإلستراتيجية التي يتم التوصل إليها ليست‬ ‫< ‬
‫نقطة النهاية في حد ذاتها‪ ،‬ولكن هي بداية لتداعيات‬
‫جديدة يجب فهمها واستيعابها‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم االختيار املفاهيمي‪:‬‬

‫تتوقف عملية االختيارات اإلستراتيجية على السياق العقلي‬


‫لإلنسان‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬العقلية املتفائلة تفترض أن أي شيء‬
‫ممكن‪ ،‬ولها القدرة على جعل الكثير من االشياء ممكنة‪ ،‬على عكس‬
‫العقلية التشاؤمية التي ترى أنه ليس كل شيء ممكناً‪ ،‬ولديها القدرة‬
‫على جعل اشياء كثيرة غير ممكنة‪ ،‬وف��ي واق��ع العالقات الدولية‪،‬‬
‫اثبتت التجارب أن القدرة على االختيار هي وظيفة األقوى‪ ،‬فاألقوى‬
‫ه��و ال��ذي ي�خ�ت��ار ومي�ل��ي اخ�ت�ي��اره ع�ل��ى األض �ع��ف‪ ،‬وب��ال�ت��ال��ي فهناك‬
‫عالقة طردية بني القوة واالختيار(((‪ .‬والرؤية العاملية النظامية هي‬
‫مبثابة عدسة التفكير االستراتيجي في ظل عالم مليء باألحداث‬
‫واملعلومات‪ ،‬فهي تقوم بعملية تصفية للرسائل املنبعثة من العالم‬
‫اخل��ارج��ي‪ ،‬بحيث تستوعب م��ا ه��و م�ت�م��اش معها وت��رف��ض م��ا هو‬
‫متناقض‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الرؤية في واقع األمر ال تعد كلية بشكل‬
‫مطلق‪ ،‬وإمنا متحيزة ومتأثرة مبا يتضمنه النسق املعرفي والعقيدي‬
‫للمفكر من قيم وتصورات‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النظرة بعمق في هيكل الواقع‪:‬‬

‫تشير إيرين ساندرز إلى أن العالم مكوّن من نظم ديناميكية غير‬


‫خطية‪ ،‬وهذه األنظمة وإن كانت تبدو في حالة فوضى إال أن هناك‬
‫‪Patel, Ketan, J. The master strategist, Power, Purpose, Principle, op. cit., p.‬‬ ‫((( ‬
‫‪102.‬‬

‫‪51‬‬
‫نظاماً يحكمها (أي هيكل معني) والذي يجب فهمه للتحكم بالواقع‬
‫وتغييره (((‪ ،‬وتتطلب هذه النظرة ضرورة تخلي املفكر االستراتيجي‬
‫عن ثالثة أمور‪:‬‬

‫ال��رؤى املبسطة والثابتة للسبب والنتيجة‪ :‬والتي تكون‬ ‫‪ -‬‬


‫نتيجة للنظم التعليمية التي متلي على العقول معادالت‬
‫خ �ط �ي��ة‪ ،‬وب��ال �ت��ال��ي ت�ب�ن��ي رؤى م�ب�س�ط��ة ح ��ول م��ا يجري‬
‫ولالحتماالت ال��واردة أو اخلبرات السابقة التي تفرض‬
‫امل��اض��ي على احل��اض��ر وتبني عليها ف��روض املستقبل‪.‬‬
‫فعلى سبيل امل�ث��ال‪ :‬ل��م يتوقع املفكرون اإلستراتيجيون‬
‫األمريكيون أن الواليات املتحدة األمريكية في حربها على‬
‫افغانستان عام ‪ 2001‬وعلى العراق عام ‪ ،2003‬بانها‬
‫ستكون حروباً طويلة وبال نهاية واضحة في االفق لهاتني‬
‫احلربني‪ ،‬وذلك النهم اعتمدوا على رؤية بسيطة وثابتة‬
‫مفادها ان القضاء على اسامة بن الدن في افغانستان‪،‬‬
‫والقضاء على صدام حسني في العراق‪ ،‬ستسحم نتيجة‬
‫احلرب بالصورة التي تتمناها االدارة االمريكية‪.‬‬

‫رؤية أنه ميكن تقييد أو حتديد كافة املتغيرات املوجودة‬ ‫‪ -‬‬


‫ف��ي م��وق��ف م�ع�ين‪ :‬ف��ال��واق��ع ي��ؤك��د ع��دم إمكانية املعرفة‬
‫الكاملة لكل املتغيرات املوجودة في موقف معني‪ ،‬وذلك‬
‫ألن األطر واملناهج التي تستخدم ملعرفة هذه املتغيرات‬
‫ال عن الكم الهائل من املتغيرات التي تؤثر‬ ‫محدودة‪ ،‬فض ً‬
‫على امل��وق��ف‪ ،‬وم��ن ث��م صعوبة اإلمل��ام بها كلها‪ ،‬وبسبب‬
‫‪Sanders, Irene, T. Strategic Thinking and the New Science, op. cit, pp. 52 -‬‬ ‫((( ‬
‫‪66.‬‬

‫‪52‬‬
‫محاولة هذه األطر القدمية معرفة كافة املتغيرات الكمية‬
‫يتم جت��اه��ل العديد م��ن املتغيرات الهامة غير الكمية‪،‬‬
‫كما حصل من سوء تقدير موقف للمفكرون االمريكيون‬
‫جتاه حرب افغانستان ‪ ،2001‬حيث كانوا يعتقدون حرباً‬
‫قصيرة يتم من خاللها القضاء على حركة طالبان وتنظيم‬
‫القاعدة ثم املساعدة في اعمار افغانستان‪.‬‬

‫التخلي عن رؤية ضرورة االلتزام باألطر الفكرية‪ :‬معظم‬ ‫‪ -‬‬


‫املفكرين االستراتيجيني لديهم أطر فكرية محدودة تتكون‬
‫نتيجة العديد من العوامل؛ منها التنشئة االجتماعية‪،‬‬
‫التعليم‪ ،‬اإلع�لام‪ ،‬األص��دق��اء‪ ،‬وم��ا ميلي عليهم املجتمع‪،‬‬
‫ومن مجمل هذه العوامل تتكون األطر الفكرية اجلامدة‪،‬‬
‫ويعتقد الفرد عدم إمكانية اخلروج عنها‪ ،‬كما ذكر سابقاً‬
‫بشأن معوقات التفكير االستراتيجي‪ ،‬وبالتالي يرفض أي‬
‫شيء خارجها(((‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ال�ت��رك�ي��ز ن�ح��و ه��دف وال��دف��ع ب��أجت��اه��ه والتفكير في‬


‫الزمن‪:‬‬

‫يجب أن ينطلق التفكير االستراتيجي نحو غاية أساسية‪ ،‬أي‬


‫يقوم على حتقيق هدف استراتيجي‪ .‬فالهدف االستراتيجي يسمح‬
‫للمفكرين بتوجيه جهدهم وتركيزهم‪ ،‬هذا الهدف يجب أن ينصب‬
‫عليه التركيز ويكون دافعه األساسي‪ ،‬ويعطي الهدف االستراتيجي‬
‫كما يرى (لورانس) رؤية مستقبلية ملا يجب أن يكون أو يتم حتقيقه‪،‬‬
‫‪Patel, Ketan, J. The master strategist, Power Purpose Principle, op. cit, pp. 96‬‬ ‫((( ‬
‫‪- 98.‬‬

‫‪53‬‬
‫وبالتالي حتديد اجتاه السير وإعادة توزيع املوارد جتاهه(((‪.‬‬

‫ومبا أن اإلستراتيجية هي نتاج الفجوة بني الواقع والهدف املرجو‬


‫حتقيقه في املستقبل‪ ،‬فإنه يجب أن يقوم التفكير اإلستراتيجي على‬
‫الربط بني املاضي واحلاضر واملستقبل‪( ،‬شرط عدم اهمال عملية‬
‫االبتكار) ويؤكد املفكر (نوشتاذ) على أهمية ما سماه بالتفكير في‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك لعدة أسباب منها‪ :‬أن املستقبل ال يأتي إال من املاضي‪،‬‬
‫فللماضي قيمة تنبؤية‪ ،‬وما يهم املستقبل من احلاضر هو انحرافه‬
‫عن املاضي(((‪.‬‬

‫كذلك يلعب الوقت عنصراً أساسياً في االختيار‪ ،‬فيمكن اعتبار‬


‫كل اخليارات ممكنة‪ ،‬ولكن التباطؤ في اتخاذ القرار مقارنة بالتغيرات‬
‫في البيئة أو األطر يقلل من فاعلية التحرك(((‪.‬‬

‫ويعني ما سبق أن التفكير االستراتيجي يجب أن يتسم باملرونة‬


‫من أجل التنقل أفقياً عبر الزمن بني املاضي واحلاضر واملستقبل‪،‬‬
‫ورأس�ي�اً ب�ين الكل واجل��زء‪ .‬وي��رص��د (ج��اس��م سلطان) مجموعة من‬
‫الصفات التي يجب أن يتسم بها املفكر االستراتيجي‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫ال� �ق ��درة ع �ل��ى اإلب� �ص���ار‪ :‬وه ��ي س �م��ة ت�ت�ع�ل��ق بأساس‬ ‫‪ -‬‬
‫التفكير في الوقت‪ ،‬إن التفكير االستراتيجي يعني النظر‬
‫املستقبلي‪ ،‬فاملفكر االستراتيجي يري ما ال يراه اآلخرون‪،‬‬
‫فهو يرى للخلف من خالل فهم املاضي‪ ،‬ومن اجلانب وما‬
‫‪Lawrence Eton: Strategic thinking: A discussion paper: California state unive r‬‬ ‫((( ‬
‫‪sity website: www.csun.edu: April 1999, p. 4.‬‬
‫‪Ibid. p. 5.‬‬ ‫(( (‬
‫جاسم سلطان‪ ،‬التفكير االستراتيجي واخلروج من املأزق الراهن‪ ،‬مؤسسة ام القرى للترجمة‬ ‫((( ‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص‪.125 – 115 ،‬‬

‫‪54‬‬
‫وراء األشياء‪ ،‬ومن خالل األشياء‪ ،‬ومن ثم يستطيع رؤية‬
‫املا بعد‪.‬‬

‫اتساع امل��دارك‪ :‬وهي سمة تساعد على الرؤية الكلية‪،‬‬ ‫‪ -‬‬


‫ف��زي��ارة املستقبل تقتضي ال�ت�ع��رف على ال�ع��ال��م األكبر‪،‬‬
‫ورؤي��ة متغيراته وسيرته‪ ،‬فبدون ه��ذه البنية التصورية‬
‫يصعب تصور املستقبل‪ ،‬أي ضرورة توسيع مساحة النظر‬
‫االستراتيجية‪.‬‬

‫ال�ق��درة على احل�ل��م‪ :‬ال��ذي يحد م��ن تفكير البشر هو‬ ‫‪ -‬‬
‫ق�ن��اع��ات مت استنباطها ح��ول املمكن واملستحيل‪ ،‬وبناء‬
‫عليها يتم تقرير ما هو املمكن وغير املمكن‪ ،‬أما املفكر‬
‫االستراتيجي فعليه أن يرى ما يعتبره الناس مستحيالً‪،‬‬
‫أمراً ممكناً‪.‬‬

‫ثورة على املنظور‪ :‬املنظور مبعنى اإلط��ار الذي يحكم‬ ‫‪ -‬‬


‫توقعاتنا من األمور‪ ،‬ويحدد أسئلتنا التي نطرحها‪ ،‬ويحدد‬
‫طريقتنا في التعاطي مع األم��ور‪ ،‬حيث ان املنطقة التي‬
‫نغلقها عمداً نتيجة املنظور هي منطقة اخللل في التفكير‬
‫االستراتيجي‪ ،‬فاملعتقدات السابقة والصور املختزنة هي‬
‫(((‬
‫احلجاب الذي مينع الرؤية‬

‫‪ - 2‬بنية التفكير االستراتيجي‪:‬‬

‫حتكم التفكير االستراتيجي بنية فكرية تضع إط��اراً وحدوداً‬


‫جاسم سلطان‪ ،‬التفكير االستراتيجي واخل��روج من املأزق الراهن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‬ ‫((( ‬
‫‪.125 – 115‬‬

‫‪55‬‬
‫خاصة به‪ ،‬وقد قدم‪ ،‬بول ريتشارد وليندا إلدر‪ ،‬اجتهاداً هاماً في هذا‬
‫الصدد‪ ،‬حيث يقسمان وظائف العقل إلى ثالث وظائف أساسية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وظيفة التفكير‪ :‬من خالل هذه الوظيفة يتم إعطاء معنى‬


‫لألشياء وهو اجلزء اخلاص بالتحليل واحلكم على األشياء‬
‫واملقارنة‪...‬الخ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وظيفة اإلحساس‪ :‬من خالل هذه الوظيفة يتم تقييم هذا‬


‫املعنى‪ ،‬كالشعور باالخطار والتهديدات‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وظيفة احلاجة‪ :‬تقوم هذه الوظيفة على حتديد األهداف‬


‫واألجندة والدوافع بناء على الوظيفتني السابقتني‪.‬‬

‫وي��ؤك��د ري �ت �ش��ارد وإل� ��در‪ ،‬أن التفكير ي�ل�ع��ب ال ��دور األساسي‬


‫ف��ي وظ��ائ��ف العقل‪ ،‬وه��و املتحكم الرئيسي ف��ي الوظائف األخرى‪،‬‬
‫فالوظائف األخرى تتغير بتغير التفكير(((‪.‬‬

‫ووظيفة التفكير ال تتم بشكل عشوائي‪ ،‬فالتفكير ‪ -‬كما يقول‬


‫ريتشارد وإلدر ‪ -‬قائم على بنية أساسية مكونة من عناصر تشكل‬
‫في مجملها ما يسمى ببنية التفكير ‪ structure of thought‬والتي ميكن‬
‫تصورها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬التفكير لهدف ما‪:‬‬

‫ال يعتبر ريتشارد وإلدر التفكير نحو هدف أحد أسس التفكير‬
‫االستراتيجي فقط‪ ،‬ولكن أيضاً ج��زء من بنية التفكير‪ ،‬ويعني أن‬
‫‪paul Richard & Linda Elder , critical thinking: tools for taking charge of your‬‬ ‫((( ‬
‫‪professional and personal life: U.S.A: prentice Hall,2002 pp. 40- 45.‬‬

‫‪56‬‬
‫اإلنسان عندما يفكر فيما حوله‪ ،‬ال يفعل ذلك من فراغ أو بطريقة‬
‫عشوائية‪ ،‬وإمنا هناك هدف يريد الوصول إليه(((‪ .‬وهنا قد حتدث‬
‫مشكلتني‪ :‬أوالً في بعض األحيان يكون هناك غياب في الوعي بالهدف‬
‫من التفكير ويترتب على ذلك تفكير غير فعال‪ ،‬وفي بعض األحيان‬
‫تكون األهداف متضاربة‪ ،‬ومن ثم فعند حتليل التفكير يجب األخذ‬
‫في االعتبار أن األهداف املعلنة قد تختلف عن األهداف الفعلية(((‪.‬‬

‫‪ -‬التفكير انطالق ًا من نسق معرفي(((‪:‬‬

‫إن األه��داف التي يسعى إليها من خالل التفكير تؤثر وتتأثر‬


‫بالنسق املعرفي للمفكر(((‪.‬‬

‫بناء على مفاهيم‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪ -‬التفكير يتم‬

‫ال ميكن أن نفهم األمور ما لم يتم وضعها في إطار مفاهيمي‬


‫يتم إدراج ��ه ف��ي منظومة األف �ك��ار الكلية‪ ،‬وك��ل م�ج��ال علمي يطور‬
‫منظومتة املفاهيمية التي تسّ هل عملية التفكير‪.‬‬

‫واملفاهيم تتسم باحليوية‪ ،‬مم��ا ي�ط��رح إشكالية ه��ام��ة‪ ،‬وهي‬


‫إشكالية «حبس املفاهيم» داخل منظومة فكرية‪ ،‬بحيث يُخلق املفهوم‬
‫‪lbid., p.70.‬‬ ‫(( (‬
‫‪lbid., pp. 76-77.‬‬ ‫((( ‬
‫‪lbid., pp. 93-94.‬‬ ‫((( ‬
‫وهنا يجب اإلشارة إلى نقطة حتليلية هامة‪ ،‬وهي الفارق ما بني النسق املعرفي والرؤية‬ ‫((( ‬
‫العاملية النظامية‪ ،‬حيث ميكن اعتبار الرؤية النظامية العاملية هي الرؤية الكلية ‪marco‬‬
‫للعالم‪ ،‬وهي الرؤية املرتبطة بالكيانات مثل ال��دول ‪ /‬املؤسسات الكبرى‪ ،‬وهي املبنية‬
‫على التساؤل‪ :‬كيف أرى العالم من حولي?‪ ،‬أما النسق املعرفي فهو ميثل الرؤية اجلزئية‬
‫‪ micro‬وهي الرؤية املرتبطة بالفرد‪ ،‬أي كيف يفكر االنسان في نفسه (قيمة‪ /‬ثقافته‪/‬‬
‫اعتقاداته)‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ويترتب على ذلك التفكير بطريقة واحدة‪ ،‬فالتفكير الفعال يتطلب‬
‫تطوير ال�ق��درة على استخراج املفاهيم وإع��ادة تعريفها‪ ،‬وبالتالي‬
‫عملية إعادة بث احلياة في املفهوم‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن التنشئة‬
‫االجتماعية في الواليات املتحدة األمريكية تبث فكرة تفوق وعدالة‬
‫النظام الرأسمالي عن باقي النظم االقتصادية‪ ،‬ومن ثم فإن مفهوم‬
‫«الرأسمالية» مرتبط ل��دى املواطن األمريكي مبعنى الدميقراطية‬
‫واخلير‪ ،‬وذل��ك مقارنة ب��دول مثل االحت��اد السوفيتي السابق‪ ،‬التي‬
‫تفرض التنشئة االجتماعية مفهوماً مختلفاً للرأسمالية‪.‬‬

‫‪ -‬التفكير يقوم على املعلومات والوقائع واخلبرات‪:‬‬

‫ال مي�ك��ن ال�ت�ف�ك�ي��ر ب ��دون االس �ت �ن��اد إل ��ى امل �ع �ل��وم��ات والوقائع‬
‫واخلبرات التي يبني عليها املفكر منطقه‪ ،‬والعقل يستوعب املعلومات‬
‫بثالثة طرق‪:‬‬

‫< استيعاب املعلومات اخلاملة‪:‬‬

‫ويُ�ع�ن��ى بها املعلومات ال�ت��ي يتم تعلمها وحفظها دون فهمها‬


‫ولكن هناك اعتقاد خاطئ بفهمها‪ ،‬فعلى سبيل املثال العديد من‬
‫طلبة املدارس في الواليات املتحدة األمريكية أثناء دراستهم يتلقون‬
‫امل�ع�ل��وم��ات ح��ول ال��دمي�ق��راط�ي��ة‪ ،‬وم��ن ك�ث��رة ت�ك��رار الكلمة يعتقدون‬
‫أنهم يفهمونها‪ ،‬ولكن فهمهم للمفهوم في احلقيقة فهم سطحي ال‬
‫يستطيعون من خالله حتويل املفهوم إلى مؤشرات لقياس املفهوم‬
‫على أرض الواقع‪.‬‬

‫فهناك نسبة كبيرة من الكلمات الفارغة داخ��ل العقول (أي‬


‫م�ع�ل��وم��ات م�ي�ت��ة)‪ ،‬وم��ن ث��م ه �ن��اك ض ��رورة إلدراك ه��ذه املعلومات‬
‫ومحاولة حتويلها إلي أشياء ذات معنى‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫< تفعيل اجلهل‪:‬‬

‫وي �ع �ن��ي ب��ه اس �ت �ي �ع��اب ال �ع �ق��ل مل �ع �ل��وم��ات خ��اط �ئ��ة وال �ع �م��ل على‬
‫أساسها‪ ،‬واالعتقاد خطأ بأنها صحيحة‪ ،‬وهذا النوع من استيعاب‬
‫املعلومات خطير ج��داً‪ ،‬وب��ال��ذات عندما يتم العمل ب�ن��ا ًء على هذه‬
‫املعلومات‪ ،‬واملشكلة أن صاحب هذه املعلومات ال يشعر بخطورتها‬
‫وآثارها السلبية‪ ،‬ومن ثم على املفكر أن يتخلص من هذه األفكار‬
‫واالعتقادات اخلاطئة‪.‬‬

‫< تفعيل املعرفة‪:‬‬

‫ويعني بها ذلك االستيعاب العقلي واالستخدام الفعال للمعلومات‬


‫الصحيحة الذي يترتب عليه اكتساب املزيد من املعلومات‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫املثال‪ ،‬جند هذا النوع من املعلومات متوفراً عند تطبيق األساليب‬
‫العلمية القائمة على االفتراض والتنبؤ والتجربة واملالحظة واستنتاج‬
‫مزيد من املعلومات(((‪.‬‬

‫وت�ط��رح ه��ذه النقطة مجموعة م��ن اإلشكاليات ومنها أن كل‬


‫إنسان لديه نسق معرفي معني يكون مبثابة العدسة التي يتلقى من‬
‫خاللها الرسائل اخلارجية واملعلومات‪ ،‬وهذا النسق هو الذي ميلي‬
‫على صاحبه أي معلومة يتم تقبلها‪ ،‬وأي معلومة يتم رفضها‪ ،‬ومن‬
‫ث��م هناك حتيّز تلقائي ف��ي املعلومات التي يستند إليها التفكير‪.‬‬
‫وكنتيجة لإلشكالية األولى‪ ،‬فإن اخلبرات واملعلومات ليست بالضرورة‬
‫موضوعية‪ ،‬وإمن��ا في كثير من األحيان قد تكون متحيّزة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يجب التحري من حيث مصدر املعلومات وحتليل اخلبرات‪.‬‬
‫‪lbid. pp.81-85.‬‬ ‫((( ‬

‫‪59‬‬
‫‪ -‬التفكير يقوم على افتراضات‪:‬‬

‫هنا يجب التفرقة بني االستنتاجات واالفتراضات‪ ،‬فاالستنتاجات‬


‫عمل عقلي يوصل صاحبه للحقيقة على ض��وء أن أم��راً آخ��ر غير‬
‫صحيح ‪.‬‬

‫واالس�ت�ن�ت��اج ق��د ي�ك��ون دق�ي�ق�اً أو غير دق�ي��ق‪ ،‬منطقياً أو غير‬


‫منطقي‪ ،‬مبرراً أو غير مبرر‪ .‬أما االفتراضات فهي شيء يتم افتراضه‬
‫مسبقاً‪ ،‬وبناؤه يكون وفقاً للنسق املعرفي‪ ،‬ويتم االستنتاج بنا ًء على‬
‫االفتراضات (((‪.‬‬

‫‪ -‬فهم التداعيات‪:‬‬

‫في كثير من األحيان يفشل األفراد في التفكير في تداعيات‬


‫املوقف أو املشكلة وينتج عن ذلك تداعيات سلبية‪ .‬وفي أي موقف ميكن‬
‫أن حتدث ثالثة أشكال من التداعيات‪ :‬تداعيات محتملة ‪،possible‬‬
‫وتداعيات راجحة ‪ probable‬وتداعيات ضرورية ‪.Necessary‬‬

‫أما العواقب فهي ما يحدث فعالً‪ ،‬وبالتالي إذا أمكن حتديد‬


‫األشكال الثالثة من التداعيات في موقف معني‪ ،‬فإنه ميكن حتقيق‬
‫عواقب إيجابية وتقليل السلبيات‪ ،‬ويتحقق ذل��ك من خ�لال الفهم‬
‫اجليد للموقف‪ ،‬وال��وص��ول الستنتاجات صحيحة‪ ،‬وم��ن ثم حتديد‬
‫التداعيات بدقة‪ ،‬وف��ي كثير من األح�ي��ان يفشل املفكر في معرفة‬
‫التداعيات التي يقصدها األخر‪ ،‬أي أن يخفق في استنتاج ما يقصده‬
‫اآلخرين (((‪.‬‬
‫‪lbid., pp. 85-91.‬‬ ‫(( (‬
‫‪lbid. pp.91-93.‬‬ ‫((( ‬

‫‪60‬‬
‫‪ -‬التفكير يهدف إلى اإلجابة على تساؤالت‪:‬‬

‫عندما يتم التفكير في إطار نسق معرفي وقيم وأهداف تظهر‬


‫مجموعة من األسئلة حتتاج إلى إجابات‪ ،‬فاألسئلة هي عملية إعادة‬
‫صياغة لألهداف‪ ،‬ومن ثم على املفكر أن يتعلم كيفية حتديد هذه‬
‫األسئلة وصياغتها بشكل واضح ومحدد(((‪ .‬وبناء على ما سبق ميكن‬
‫التوصل إلى عدة مالحظات هامة‪:‬‬

‫ليس كل مفكر‪ ،‬مفكراً استراتيجياً‪ ،‬فاملفكر االستراتيجي‬ ‫< ‬


‫يجب أن يتسم بقدر من املرونة جتعله قادراً على التحرك‬
‫رأس�ي�اً بني الكل واجل��زء‪ ،‬وأفقياً بني املاضي واحلاضر‬
‫واملستقبل‪.‬‬

‫ب��دون نسق معرفي ال يستطيع املفكر أن يحفز وظائف‬ ‫< ‬


‫عقله للعمل‪ ،‬وذلك ألنه لن يشعر بالهدف أو السبب الذي‬
‫سيحفزه على التفكير‪.‬‬

‫أن النسق املعرفي هو املعبر األساسي الذي يخترق من‬ ‫< ‬


‫خالله التحيزات الفكرية‪ ،‬وه��و ج��زء من بنية التفكير‪،‬‬
‫وب��ال�ت��ال��ي يتخلل م��ن خ�لال��ه ك��اف��ة ع�ن��اص��ر التفكير من‬
‫مفاهيم‪ ،‬وأسئلة‪ ،‬وافتراضات‪..‬الخ‪.‬‬

‫االنتقال من مستوى التفكير اخلاص بالفرد إلى مستوى‬ ‫< ‬


‫التفكير االستراتيجي‪ ،‬أي من مستوى التفكير اجلزئي‬
‫إل��ى ال�ك�ل��ي‪ ،‬يتطلب ذل��ك االن �ت �ق��ال م��ن م�س�ت��وى النسق‬
‫املعرفي إلى الرؤية العاملية النظامية‪.‬‬
‫‪lbid. pp. 95.96.‬‬ ‫((( ‬

‫‪61‬‬
‫سابع ًا‪ :‬منهجية التفكير االستراتيجي‬

‫تقوم عملية التفكير االستراتيجي على أسس وبنية ومنهجية‬


‫معينة‪ ،‬ومبا أن هذا التفكير االستراتيجي القومي ينطلق من منظور‬
‫ال �ع�لاق��ات ال��دول �ي��ة (أي امل �س �ت��وى ال�ك�ل��ي ول �ي��س اجل��زئ��ي) فسوف‬
‫ت��رك��ز ال��دراس��ة ف��ي ه��ذا امل��ورد على االن�ت�ق��ال م��ن مستوى التفكير‬
‫االستراتيجي اجلزئي إلى الكلي‪ ،‬األمر الذي يتطلب البدء بتحديد‬
‫منهجي هام ملوقع عملية التفكير االستراتيجي في دراسة العالقات‬
‫الدولية بصفة عامة‪.‬‬

‫فالتفكير االستراتيجي هو ذل��ك املستوى ال��ذي يربط ما بني‬


‫ال��رؤي��ة العاملية النظامية للدولة واأله��داف اإلستراتيجية الكبرى‬
‫والتي تنبثق عن ال��رؤي��ة من ناحية‪ ،‬وب�ين اإلستراتيجية من ناحية‬
‫أخرى(((‪ .‬ف�لا ت�ب��دأ عملية التفكير اإلستراتيجي م��ن ف��راغ وإمنا‬
‫بوجود حافز ما‪ ،‬وهو وجود حتد للرؤية العاملية النظامية للدولة‪،‬‬
‫وهذا التحدي هو الذي يحفز على التفكير االستراتيجي‪.‬‬

‫ف��ال �ت �ح��دي��ات‪ ،‬ه��ي س��ر ن �ه �ض��ة األمم‪ ،‬ول ��واله ��ا م��ا وجدت‬
‫احلضارات‪ ،‬فهي تستفز اإلنسان نحو التفكير‪ ،‬وبالتالي فإن وجود‬
‫الرؤية العاملية النظامية والتحديات‪ ،‬هو الذي ينقل دراسة التفكير‬
‫االستراتيجي من املستوى اجلزئي اخلاص بالفرد ورؤيته اجلزئية‪،‬‬
‫إلى املستوى الكلي اخلاص بالدولة ورؤيتها للعالم ودورها فيه‪ ،‬ويطلق‬
‫أرنولد توينبي على التحديات مصطلح «الدافع احليوي» حيث يرى‬
‫أن غياب هذا الدافع يهدد بسقوط احلضارات‪ ،‬فبقاء احلضارات‬
‫‪Gray. colin ,modern strategy: London: Oxford press: 1991: p. 20.‬‬ ‫((( ‬

‫‪62‬‬
‫مرتبط باالستجابة للتحديات(((‪.‬‬

‫حتد قاس‪ ،‬وهو أكبر‬‫ويقسم البعض التحديات إلى ثالث أنواع‪ٍ :‬‬
‫من ق��درة املجتمع على التعامل معه‪ ،‬وال يستطيع اإلن�س��ان تطوير‬
‫آل�ي��ات للتغلب عليه مثل ال �ك��وارث الطبيعية ك��ال��زالزل والبراكني‪،‬‬
‫وحت� ٍ�د ضعيف‪ ،‬وه��و حتد غير مستفز‪ ،‬وحت � ًد خ�لاّق‪ ،‬وه��و التحدي‬
‫الذي يستفز اإلنسان ويجعله يفكر في آليات للتغلب عليه‪ ،‬أي أن‬
‫عملية التفكير االستراتيجي تتطلب أم��راً يشغلها وهو وج��ود حت ًد‬
‫للرؤية العاملية النظامية للدولة حتفز على التفكير االستراتيجي‬
‫ملواجهتها ( (( ‪.‬‬

‫إن الرؤية العاملية النظامية هي التي حتدد ما إذا كان حتد ما‬
‫ميثل حافزاً أم ال‪ ،‬فتستوعب حتديات وتستبعد حتديات‪ ،‬وفي حالة‬
‫وجود حتد يحفز على التفكير‪ ،‬يبدأ املفكر االستراتيجي في طرح‬
‫أسئلة منهجية‪ ،‬من بينها‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬سؤال الهوية‪ ،‬وهو السؤال الذي ينبثق من الرؤية‬


‫اجلزئية للمفكر (النسق املعرفي) في إطار الرؤية العاملية النظامية‬
‫للدولة وينقسم هذا السؤال إلى شقني‪:‬‬

‫من أنا ؟ أي رؤيته باعتباره جزءاً من كل‪.‬‬ ‫< ‬

‫من اآلخر ؟ وما هو شكل التفاعل مع اآلخر ؟‬ ‫< ‬


‫إسماعيل الشطي‪ ،‬حت��دي��ات استراتيجية بعد اح ��داث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬مجلة املستقبل‬ ‫((( ‬
‫العربي‪،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬العدد ‪ ،283‬سبتمبر ‪ ،2003‬ص ‪.34‬‬
‫جاسم سلطان‪ ،‬نحو الوعي االستراتيجي بالتاريخ‪ ،‬الذاكرة التاريخية لالمة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫((( ‬
‫مؤسسة ام القرى للترجمة والنشر‪ ،2005 ،‬ص ص ‪.20-16‬‬

‫‪63‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬سؤال الواقع‪ ،‬ويقوم املفكر االستراتيجي من‬
‫خالله بتحليل احملفز ف��ي إط��ار البيئة اخلارجية والداخلية‪ ،‬وهو‬
‫يتضمن شقني‪:‬‬

‫ال�ش��ق األول‪ :‬ه��و توصيف ال��واق��ع (أي رؤي��ة ال��واق��ع) وهذا‬


‫يتضمن تشغيل اجلانب النقدي من التفكير االستراتيجي‪.‬‬

‫الشق الثاني‪ :‬هو تفسير الواقع (أي حتليل الواقع وتفكيكه‬


‫إلى مكوناته) وهذا اجلانب يستوجب تشغيل اجلانب التحليلي من‬
‫التفكير االستراتيجي‪ ،‬وبالتالي يتطلب هذا السؤال حتليل البيئة‬
‫اإلستراتيجية التي تقوم على جمع املعلومات الدقيقة‪ ،‬والبحث بعمق‬
‫في الواقع‪ ،‬والهدف من هذا السؤال معرفة وحتليل الفجوة ما بني‬
‫الواقع والرؤية النظامية العاملية للدولة‪.‬‬

‫اما السؤال الثالث‪ :‬سؤال املستقبل‪ :‬وهو السؤال الذي يستند‬


‫على اجلانب اإلبداعي للتفكير االستراتيجي‪ ،‬من خالل الربط بني ما‬
‫هو قائم (الواقع) وما يجب أن يكون عليه (الرؤية النظامية العاملية‬
‫للدولة واألهداف اإلستراتيجية الكبرى) بهدف وضع استراتيجيات‬
‫لتحقيق رؤية ما يجب أن يكون عليه الواقع‪ ،‬أي مبعنى‪ ،‬آخر كيفية‬
‫تشكيل الواقع وفقاً لهذه الرؤية في املستقبل‪.‬‬

‫ويتضمن هذا السؤال حتديد العديد من األمور‪ ،‬منها التحديات‬


‫وال�ف��رص ال�ت��ي يفرزها ه��ذا ال��واق��ع‪ ،‬وم�ص��ادر ال�ق��وة والضعف في‬
‫مواجهة هذه التحديات‪ ،‬واألولويات‪ ،‬وبدائل احلركة املمكنة‪ ،‬وسلبيات‬
‫وإيجابيات كل بديل‪ ،‬وهنا يجب أن نأخذ في االعتبار كافة البدائل‬
‫املمكنة‪ ،‬واملقارنة بينها من حيث السلبيات وااليجابيات‪ ،‬وحساب‬

‫‪64‬‬
‫مستوى امل�خ��اط��رة ل��دى ك��ل بديل(((‪ ،‬وم�خ��رج األسئلة السابقة هي‬
‫اإلستراتيجية التي ستحدد االهداف والسياسات والبرامج لتحقيق‬
‫االهداف القومية الكبرى‪.‬‬

‫وال ت �ت��وق��ف ع �م �ل �ي��ة ال �ت �ف �ك �ي��ر اإلس �ت��رات �ي �ج��ي ع �ن��د صياغة‬


‫اإلستراتيجيات‪ ،‬ولكن تبقى هناك مرحلة هامة‪ ،‬وهي مرحلة التغذية‬
‫االسترجاعية‪ ،‬أي على املفكر اإلستراتيجي بعد تطبيق اإلستراتيجية‬
‫امل�خ�ت��ارة أن ي�ق��ارن ب�ين م��ا مت حتقيقه على أرض ال��واق��ع‪ ،‬وم��ا بني‬
‫األول��وي��ات اإلستراتيجية ال�ت��ي ك��ان��ت ت�ه��دف إليها اإلستراتيجية‪،‬‬
‫ويتطلب ذلك‪:‬‬

‫حتديد العواقب التي حدثت ولم تؤخذ في احلسبان‪.‬‬ ‫< ‬

‫حتديد اإلستراتيجيات املضادة التي يتبناها اآلخ��ر في‬ ‫< ‬


‫مواجهته‪.‬‬

‫حتديث األولويات واألهداف والنتائج واملعلومات‪ ،‬وتقييم‬ ‫< ‬


‫املوارد املخصصة لالستراتيجية‪.‬‬

‫وخالصة ما سبق ميكن مالحظة ما يلي‪:‬‬

‫إن دراس��ة عملية التفكير اإلستراتيجي تتضمن خمسة‬ ‫< ‬


‫عناصر أساسية‪ :‬حتديد الرؤية العاملية النظامية للدولة‪،‬‬
‫حت��دي��د ال�ت�ح��دي احمل�ف��ز‪ ،‬ط��رح األس�ئ�ل��ة املنهجية والتي‬
‫تتضمن‪ :‬س��ؤال الهوية وس��ؤال ال��واق��ع وس��ؤال املستقبل‬
‫ورسم اإلستراتيجيات‪ ،‬وتقييم اإلستراتيجيات من خالل‬
‫جاسم بن سلطان‪ ،‬التفكير االستراتيجي واخل��روج من امل��أزق الراهن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫((( ‬
‫‪.38-37‬‬

‫‪65‬‬
‫التغذية االسترجاعية‪.‬‬

‫اخ �ت��راق التحيزات الفكرية للعديد م��ن م��راح��ل عملية‬ ‫< ‬


‫التفكير اإلستراتيجي‪ ،‬وهي التحيزات النابعة من وجود‬
‫رؤى كلية وجزئية تستند إليها هذه العملية‪ ،‬والتي تلقي‬
‫بظاللها ع�ل��ى األس�ئ�ل��ة املنهجية‪ ،‬وب��ال�ت��ال��ي ف��إن عملية‬
‫التفكير اإلستراتيجي ليست عملية محايدة‪ ،‬وإمنا تعكس‬
‫العديد من التحيزات املعرفية‪.‬‬

‫إن التفكير اإلستراتيجي يتم على مستويني‪ :‬املستوى‬ ‫< ‬


‫اجل��زئ��ي اخل ��اص ب��ال�ف��رد وامل�ن�ب�ع��ث م��ن نسقه املعرفي‪،‬‬
‫واملستوى الكلي اخلاص بالدول‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التخطيط االستراتيجي القومي‬
‫وسمات االستراتيجيات القومية‬

‫يعتبر التخطيط االستراتيجي فرعاً مهماً من فروع علم االدارة‪،‬‬


‫ويختص مبوائمة موارد الدولة مع االهداف القومية‪ ،‬وفي ظل تعّقد‬
‫ال�ع�لاق��ات ال��دول�ي��ة وتشابكها‪ ،‬بسبب ت��داع�ي��ات ال�ع��ومل��ة واالره ��اب‪،‬‬
‫وتزايد أع��داد النزاعات والصراعات الدولية‪ ،‬واألزم��ات الطبيعية‪،‬‬
‫مثل ازمة االحتباس احلراري لكوكب االرض‪ ،‬واالزمات االقتصادية‪،‬‬
‫مثل االزم��ة املالية العاملية‪ ،‬واالزم��ات السياسية‪ ،‬اضافة إل��ى ثورة‬
‫املعلومات واالتصاالت والبرامجيات احلاسوبية التي يشهدها العالم‪،‬‬
‫كل هذه العوامل زادت من احلاجة إلى عملية التخطيط اإلستراتيجي‬
‫وخ�ص��وص�اً التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي ال�ق��وم��ي‪ ،‬ال��ذي يحقق املكانة‬
‫املرموقة للدولة في البنية الهيكيلية للنظام الدولي‪ ،‬من خالل اسرع‬
‫الطرق واقل التكاليف‪ ،‬هذا النظام الذي ال زال في تكوينه البنيوي‪،‬‬
‫يستند على واقع موازين القوى في العالم واملصالح الدولية‪.‬‬

‫مع التذكير بأن صفة التغيير الدينامي التي يتصف بها النظام‬

‫‪67‬‬
‫الدولي‪ ،‬من خالل تزايد وتيرة االحداث الدولية واالقليمية والتي تلقي‬
‫بتداعياتها على النظام الدولي‪ ،‬تدفع باحلكومات في العالم إلى انتهاج‬
‫التخطيط االستراتيجي قصير اآلج��ل‪ ،‬حتى تتمكن استراتيجياتها‬
‫القومية من استيعاب اكبر عدد ممكن من االهداف القومية ضمن‬
‫فترة زمنية محددة‪ ،‬ذلك ألن االهداف القومية قد تتغير من جراء‬
‫التغييرات االقليمية والدولية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ستكون احلكومات بحاجة‬
‫إلى استبدال خططها االستراتيجية بني فترة واخرى‪ ،‬دون االستقرار‬
‫على خطة واحدة‪ ،‬فكلما كانت عملية التخطيط االستراتيجي اكثر‬
‫مرونة‪ ،‬كلما استطاعت ان حتاكي عدداً اكبر من املتغيرات الدولية‬
‫واالقليمية بيسر وسهولة‪ ،‬وتالياً حتقق االهداف املتوخاة من عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي‪.‬‬

‫وفي مجال السياسة اخلارجية واألمن القومي‪ ،‬بات التخطيط‬


‫املفضل ل��دى احلكومات ف��ي هذين املجالني املتداخلني‪ ،‬ه��و وضع‬ ‫ّ‬
‫رؤي��ة استراتيجية ل�ل��دول��ة تنبثق عنها ب��رام��ج تكتيكية تتعامل مع‬
‫ملفات محددة للسياسة اخلارجية‪ ،‬وبرامج تكتيكية اخرى تتعامل‬
‫مع حتديات االمن القومي‪ ،‬وذلك بسبب التغيير املستمر في اهداف‬
‫السياسة اخلارجية‪ ،‬وتغيير طبيعة تهديدات ومخاطر االمن القومي‬
‫ل�ل��دول‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ف��إن عملية التخطيط االستراتيجي ه��ي عملية‬
‫مستمرة بال توقف في عالم سريع التغيير‪.‬‬

‫أوال مفهوم التخطيط االستراتيجي القومي‬

‫لم يتفق الفقهاء على تعريف موحد لعملية التخطيط االستراتيجي‪،‬‬


‫فيعرّف البعض(((‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬على أن��ه اجلهد املنظم‬
‫ال وتضع إطاراً ملا‬
‫بهدف صياغة قرارات وتصرفات أساسية‪ ،‬تشكل دلي ً‬
‫جون م‪ .‬برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي للمؤسسات العامة‪ -‬وغير الربحية (دليل عمل‬ ‫((( ‬
‫لدعم االجناز املؤسسي واستدامته)‪ ،‬لبنان‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬ناشرون‪ ،2003 ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪68‬‬
‫ينبغي أن تكون عليه الدولة‪ ،‬وما يجب أن تفعله‪ ،‬وملاذا تفعله؟ للحصول‬
‫على أفضل النتائج‪ ،‬وما يؤخذ على هذا التعريف انه اتصف بالعمومية‪،‬‬
‫فلم يحدد ماهي طبيعة هذا اجلهد؟ وماهي مكوناته؟‬

‫فيما ع �رّف البعض اآلخ��ر التخطيط االستراتيجي على أنه‪،‬‬


‫خطة عمل شاملة وطويلة املدى حتدد أسلوباً ومساراً لبلوغ أهداف‬
‫طويلة األجل باستخدام املوارد املتاحة(((‪ ،‬وما يؤخذ على هذا التعريف‬
‫انه جتاهل الوسائل التي توصل إلى الهدف‪ ،‬وراح آخ��رون يعرّفون‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬على إنه جهد منظم ينتج عن قرارات وأفعال‬
‫رئيسية توجه املؤسسة وأفعالها بالتركيز على املستقبل(((‪ .‬وما يؤخذ‬
‫على هذا التعريف‪ ،‬ان التخطيط للمستقبل يستند في اساسه على‬
‫فهم املاضي ودراس��ة احلاضر‪ ،‬وال ميكن التخطيط للمستقبل دون‬
‫املعرفة باملاضي واحلاضر‪.‬‬

‫اما فايول ‪ ،Fayol‬فيعرف التخطيط االستراتيجي‪ ،‬بأنه التنبوء‬


‫باملستقبل واالستعداد له‪ .‬وما يؤخذ على تعريف فايول‪ ،‬انه حصر‬
‫ال تقييم‬
‫عملية التخطيط االستراتيجي بعملية التنبوء فقط‪ ،‬متجاه ً‬
‫ال�ق��درات والوسائل واأله ��داف‪ ،‬وي��رى ج��ورج تيري ‪،George Terry‬‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬على إنه االختيار املرتبط باحلقائق‪ ،‬ووضع‬
‫واستخدام الفروض املتعلقة باملستقبل عن تصور وتكوين األنشطة‬
‫املقترحة التي يعتقد بضرورتها لتحقيق النتائج املنشودة(((‪.‬‬
‫أحمد سيد مصطفى‪ ،‬التخطيط األمني االستراتيجي وإدارة‪ ،‬التغيير في مجال مكافحة‬ ‫((( ‬
‫اإلرهاب مجلة كلية التدريب والتنمية‪ ،‬كلية التدريب والتنمية في أكادميية مبارك لألمن‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬العدد الثالث‪ ،2000 ،‬ص ‪.234‬‬
‫معتز عساف‪ ،‬التمييز في التخطيط االستراتيجي بأستخدام بطاقات االداء املتوازن‪ ،‬دار‬ ‫((( ‬
‫الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،2008،‬ص‪.14‬‬
‫عمرو غنامي‪ ،‬علي الشرقاوي‪ ،‬تنظيم وإدارة االعمال‪ ،‬األسس واألصول العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬ ‫((( ‬
‫النهضة العربية‪ ،1981 ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪69‬‬
‫وما يؤخذ على تعريف (تيري) انه تعريف عام جداً‪ ،‬فهو يتجاهل‬
‫بيئة الدولة أو املؤسسة التي متارس عملية التخطيط االستراتيجي‪،‬‬
‫ومن كل هذه التعاريف ميكن أن يفهم‪ ،‬إن عملية التخطيط االستراتيجي‬
‫هي عملية دينامية ومستمرة وخصوصاً بعد إزدي��اد احلاجة لهذا‬
‫النوع من التخطيط‪ ،‬في ظل عالم متغير ومتسارع األحداث‪ ،‬وعليه‬
‫فإن عملية التخطيط االستراتيجي هي استفادة من جتارب املاضي‪،‬‬
‫وفهم دقيق للحاضر‪ ،‬من أجل تنبؤ صائب املستقبل وبالتالي‪ ،‬ميكن‬
‫تعريف عملية التخطيط االستراتيجي القومي بأنها‪:‬‬

‫التقييم ال��دق�ي��ق ل �ق��درات ال��دول��ة‪ ،‬والتحليل ال�ش��ام��ل لبيئتها‬


‫الداخلية واخلارجية‪ ،‬وفهم تاريخ الدولة‪ ،‬من أجل وضع األهداف‬
‫القومية للدولة‪ ،‬وحتديد الكيفية املناسبة التي حتقق تلك األهداف‬
‫مبا يتناسب ومصالح الدولة وعقيدتها السياسية‪.‬‬

‫إذن التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬يعتمد على قدرات الدولة‬


‫وبيئتها االستراتيجية‪ ،‬وفهم تاريخها‪ ،‬ذلك ألن التاريخ يعكس طبيعة‬
‫تطور الدولة‪ ،‬ليتسنى وضع أهدافاً قومية تتماشى وقدرات الدولة‪،‬‬
‫فالعملية هي محصلة تفاعل بني املتغيرات امل��ذك��ورة ضمن توافق‬
‫زمني ممنهج‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬سمات التخطيط االستراتيجي القومي‬

‫‪ - 1‬علمية التخطيط‪:‬‬

‫ي�ج��ب ان تسير العملية التخطيطية ض�م��ن منهجية علمية‬


‫في التفكير وفي جمع املعلومات‪ ،‬مع توخي املوضوعية في حتليل‬
‫املعلومات‪ ،‬ذلك ألن األهداف التي سترسمها اخلطة ستعتمد بشكل‬
‫كبير على التحليل املعلوماتي‪ ،‬بسبب اعتماد العملية االستراتيجية‬

‫‪70‬‬
‫على دعامتني أساسيتني‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الواقع املوضوعي املعطى‪ ،‬من كل جوانبه املادية والتكنيكية‬


‫والبشرية والوعي والتنظيم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التفكير العلمي املعمق‪ ،‬الذي يقيّم ذلك الواقع املوضوعي‪،‬‬


‫ويحدد نوع االستراتيجية األنسب ملصلحة الدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬دينامية التخطيط االستراتيجي‪:‬‬

‫ال ميكن ال�ق��ول ب��وج��ود استراتيجية ج��اه��زة تصلح لكل مكان‬


‫وزم��ان‪ ،‬ألن العالم يتسم بالتغيير‪ ،‬وبالتالي ف��إن ال�ظ��روف تتغير‪،‬‬
‫وقدرات الدولة وامكانياتها تتغير هي األخرى‪ ،‬وبالتالي فإن عملية‬
‫التخطيط‪ ،‬تتصف باإلستمرار ملواكبة الدولة التغييرات االقليمية‬
‫لا ع��ن بيئتها ال��داخ�ل�ي��ة‪ .‬فعلى سبيل امل �ث��ال‪ ،‬كانت‬
‫وال��دول �ي��ة‪ ،‬ف�ض� ً‬
‫ال��والي��ات املتحدة تعتمد على استراتيجية (االح �ت��واء) في مواجهة‬
‫االحتاد السوفياتي السابق‪ ،‬وبعد انهيار االخير عام ‪ 1991‬لم تعد‬
‫استراتيجية االحتواء مجدية بعد هذا التاريخ‪ ،‬فتمت االستعاضة‬
‫باستراتيجية النظام العاملي اجل��دي��د‪ ،‬والتي استعيض عنها اليوم‬
‫باحلرب الوقائية ضد االرهاب‪.‬‬

‫‪ - 3‬السمة التفاعلية‪:‬‬

‫يجب أن تكون هناك بيئة تفاعلية بني من يصممون االستراتيجية‬


‫وهم (القادة) وبني القواعد التي تعمل على تنفيذ االستراتيجية‪ ،‬وأن‬
‫يسود هذه البيئة أج��واء من حرية ال��رأي والتعبير‪ ،‬الفساح املجال‬
‫أمام االب��داع‪ ،‬ذلك إن القيادة يحب ان تختبر باستمرار مخرجاتها‬
‫التخطيطية وم��دى فاعليتها‪ ،‬وال يتم ذل��ك إال عن طريق القواعد‬
‫التنفيذية‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ث ��ال� �ث� � ًا‪ :‬أه��م��ي��ة ال �ت �خ �ط �ي��ط االس� �ت ��رات� �ي� �ج ��ي القومي‬
‫ومعوقاته‬

‫‪ - 1‬مكاسب عملية التخطيط االستراتيجي القومي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تعزيز التفكير والعمل االستراتيجي‪ ،‬وه��ذا ب��دوره يتيح‬


‫أسلوباً أكثر منهجية في جمع املعلومات عن البيئة الداخلية‬
‫واخلارجية للدولة‪ ،‬كما يهيىء مزيداً من االهتمام بالهيكل‬
‫التنظيمي للدولة‪ ،‬وإجتاهاتها املستقبلية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫حت��دي��د األه ��داف القومية‪ ،‬وأب��رز م�ث��ال ميكن ذك��ره في‬
‫ه��ذا امل��ورد‪ ،‬هو إن احل��رب ال�ب��اردة خلقت أجياالً عالية‬
‫االح �ت��راف ف��ي ال�ع�م��ل االس�ت��رات�ي�ج��ي ل �ل��والي��ات املتحدة‬
‫األم��ري �ك �ي��ة‪ ،‬م��ن ج ��راء االس �ت �م��رار ع�ل��ى ال�ع�م��ل بصورة‬
‫استراتيجية (التفكير ‪ -‬التخطيط ‪ -‬التنفيذ ‪ -‬التقييم)‬
‫إلح �ت��واء االحت��اد السوفياتي ال�س��اب��ق‪ .‬وم��ن أب��رز هؤالء‬
‫(زبينيغيو بريجنسكي‪ -‬هنري كيسنجر ‪ -‬جورج كينان ‪-‬‬
‫جورج بوش األب ‪ -‬دونالد رامسفيلد)‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ساعد عملية التخطيط االستراتيجي القومي الدول‪ ،‬على‬


‫صياغة نواياها االستراتيجية والتعبير عنها بوضوح‪ ،‬كما‬
‫تساعد عملية التخطيط االستراتيجي على إقامة أسس‬
‫ثابتة لعملية صنع القرار في الدولة‪ ،‬ثم تنسيق ما ينتج‬
‫عنها من ق��رارات بشأن املعايير واملهام االستراتيجية‪.‬‬
‫وم��ن ث��م‪ ،‬ف��إن عملية التخطيط االستراتيجي‪ ،‬ميكن أن‬
‫تساعد الدولة على ممارسة أقصى درجات التوجيه على‬
‫كافة املستويات‪ ،‬وه��ذه املسألة تبدو واضحة ج��داً عند‬
‫تأسيس الدولة‪ ،‬فعندما أسس (ماوتسي تونغ) جمهورية‬

‫‪72‬‬
‫الصني الشعبية احلديثة عام ‪ ،1949‬اهتم أوالً بتوفير‬
‫األمن الغذائي للمواطن الصيني مشفوعاً بالبناء القيمي‬
‫لالنسان‪ ،‬ثم ب��دأ االهتمام بالتعليم بعد حتقيق الهدف‬
‫األول‪ ،‬ثم توجه االهتمام إلى التصنيع بعد حتقيق الهدف‬
‫ال �ث��ان��ي‪ ،‬ث��م ان �ص��ب االه �ت �م��ام إل��ى ب �ن��اء فلسفة الدولة‬
‫احلديثة‪ ،‬وحتديد توجهاتها وأهدافها القومية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تساهم عملية التخطيط االستراتيجي القومي في تسريع‬


‫استجابة الدولة للمتغيرات الداخلية واخلارجية‪ ،‬وحتسني‬
‫أداء مؤسسات الدولة‪ ،‬فالدول التي تتعامل مع التخطيط‬
‫االس �ت��رات �ي �ج��ي جت��د ال� �ق ��درة ع �ل��ى اك �ت �ش��اف قضاياها‬
‫ال��رئ�ي�س�ي��ة وم��واج�ه�ت�ه��ا‪ ،‬واالس �ت �ج��اب��ة بحكمة ملتطلبات‬
‫البيئة الداخلية واخلارجية‪ ،‬والتعامل بكفاءة مع الظروف‬
‫املتغيرة بسرعة‪ ،‬ان التفكير والتعمّق استراتيجياً‪ -‬معاً‪-‬‬
‫هما اللذان ينبغي االعتماد عليهما‪ ،‬وليس على التفكير‬
‫وح��ده‪ ،‬فعملية التخطيط االستراتيجي القومي حتاول‬
‫االجابة على االسئلة التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬ماذا نفعل؟‬

‫‪ )2‬أين نحن اآلن؟‬

‫‪ )3‬الى اين نريد أن نصل؟‬

‫‪ )4‬كيف نصل؟ (((‪.‬‬


‫‪Burkhart, Patric L. and Reuss, Suzanne, Successful strategic planning, A guid‬‬ ‫((( ‬
‫‪for non profit agencies and organization, Newburg parts, Sage publication,‬‬
‫‪1993, p:.23.‬‬

‫‪73‬‬
‫د ‪ -‬ميكن أن تساعد عملية التخطيط االستراتيجي القومي‪،‬‬
‫صناع القرار من السياسيني والقادة العسكريني واالمنيني‪،‬‬
‫في ممارسة أدوارهم ومواجهة مسؤولياتهم بشكل أفضل‬
‫نظراً ملا تنطوي عليه عملية التخطيط االستراتيجي‪ ،‬من‬
‫توزيع دقيق للمهام والصالحيات والواجبات واملسؤوليات‪،‬‬
‫كما ان بإمكان التخطيط االستراتيجي‪ ،‬املساهمة في‬
‫تعزيز العمل اجل�م��اع��ي‪ ،‬واك�ت�س��اب اخل �ب��رات للوحدات‬
‫القرارية في الدول‪ .‬وبإختصار فإن الفائدة االستراتيجية‬
‫من عملية التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬هي الوصول‬
‫إل��ى األه��داف القومية للدولة بأقل الكلف واخلسائر‪،‬‬
‫وب��أس��رع وق��ت وب��أق��ل ج�ه��د‪ ،‬أن��ه ف��ن احل�ف��اظ على بقاء‬
‫الدولة(((‪ ،‬في بيئة قد تكون متصارعة أو متنافسة أو‬
‫متحالفة أو متعاونة‪.‬‬

‫‪ - 2‬معوقات التخطيط االستراتيجي القومي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬يعتبر غ �ي��اب ال �ق �ي��ادة االس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ل �ل��دول��ة‪ ،‬م��ن اهم‬


‫م�ع��وق��ات التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬خ�ص��وص�اً اذا كانت‬
‫تلك القيادة متتلك ال��رؤي��ة االستراتيجية واإلرادة على‬
‫تطبيق تلك الرؤية على أرض الواقع‪ ،‬والتي تعتبر عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي من صميم عملها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حينما تفتقر الدولة إلى املوارد واملهارات الالزمة لعملية‬


‫التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬فهنا يصبح التخطيط‬
‫االستراتيجي مضيّعة للوقت‪ ،‬وهذه احلالة من مفارقات‬
‫عثمان العثمان‪ ،‬االستراتيجية العليا والتكتيك ودورهما في إدارة الصراع الدولي‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫((( ‬
‫مؤسسة سندباد للطباعة والفنون‪ ،2001 ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪74‬‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬فكلما كانت احلاجة اليه شديدة‪،‬‬
‫كلما كانت احتماالت جناحه قليلة‪ ،‬وكلما قلت احلاجة‬
‫اليه كان جناحه مرجحاً‪.‬‬

‫ج ‪ -‬حينما تفتقد الدولة إلى املعلومات االستراتيجية الالزمة‬


‫لعملية التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬وهنا تبرز أهمية‬
‫م�ع�ل��وم��ات وحت�ل�ي�لات االس �ت �خ �ب��ارات ف��ي حت��دي��د النوايا‬
‫احلقيقية ل�ل��دول األخ��رى‪ ،‬ف��إن ذل��ك يعتبر معوّقاً هاماً‬
‫لعملية التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬وع�ل��ى أي��ة ح��ال��ة فإنه‬
‫ن ��ادراً م��ا يكون ل��دى قائد واح��د ك��ل املعلومات الالزمة‬
‫لوضع استراتيجية فعالة‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬السمات العامة لإلستراتيجية القومية‬

‫ميكن أن يشير مفهوم االستراتيجية القومية‪ ،‬إلى إنه إستخدام‬


‫حملصلة القوة القومية لدولة ما‪ ،‬لتحقيق أهداف األمن القومي في‬
‫ظل كل الظروف الراهنة واملتوقعة‪ ،‬وبنا ًء على ذلك‪ ،‬فإن االستراتيجية‬
‫القومية لها ارتباط وثيق مبفهوم األمن القومي‪ ،‬وهي أداة لتحقيق‬
‫أه��داف��ه‪ ،‬ويقصد بذلك األه��داف الرئيسية للدولة وف��ي مقدمتها‬
‫البقاء في إط��ار االستقالل والكرامة الوطنية وصيانة املؤسسات‬
‫والقيم وامل�ب��ادىء الرئيسية للمجتمع‪ ،‬وبنا ًء على ما تقدم يفترض‬
‫توافر عدة سمات في االستراتيجية القومية‪ ،‬حتى تتمكن من حتقيق‬
‫األهداف التي وضعت من أجلها‪:‬‬

‫‪ - 1‬وضوح األهداف‪:‬‬

‫ملا كانت االستراتيجية هي عملية إختيار أفضل الوسائل لتحقيق‬


‫أه��داف ال��دول��ة على املستوى القومي‪ ،‬ف��إن ه��ذه األه��داف يفترض‬

‫‪75‬‬
‫بها أن تكون واضحة ودقيقة وغير مبهمة‪ ،‬ويجب ان تتصف هذه‬
‫األهداف باالتساق املنطقي وعدم التناقض في إطار االستراتيجية‬
‫الواحدة‪ ،‬أو بني االستراتيجيات املختلفة في إطار املجتمع ككل(((‪.‬‬

‫‪ - 2‬واقعية االستراتيجية‪:‬‬

‫يجب ان تكون أه��داف االستراتيجية متناسبة م��ع القدرات‬


‫وامل� ��وارد ال�ق��وم�ي��ة ل�ل��دول��ة‪ ،‬ف�لا مي�ك��ن وض��ع أه ��داف ق��وم�ي��ة يحتاج‬
‫حتقيقها قدراً أكبر من القدرات القومية املتاحة للدولة‪.‬‬

‫كما إن وض��ع أه��داف قومية تقل في مستواها عن القدرات‬


‫القومية‪ ،‬ميثل تباطؤاً في حتقيق أه��داف الدولة وه��دراً ملواردها‪،‬‬
‫فالتكافؤ بني األهداف القومية وحجم املوارد القومية صفة حاضرة‬
‫في االستراتيجية القومية‪ ،‬وهنا يذكر ليدل هارت((( ‪ ،L.Hart‬طابقوا‬
‫ال �ه��دف م��ع االم �ك��ان��ات‪ ،‬الن��ه م��ن احل�م��اق��ة ان ن��رغ��ب ف��ي أش �ي��اء ال‬
‫نستطيع صنعها‪.‬‬

‫‪ - 3‬العقالنية والتخصص‪:‬‬

‫يجب ان تتصف العالقة بني األهداف القومية ووسائل حتقيقها‬


‫بالعقالنية أي عقالنية ذرائعية مبررة‪ ،‬بأسلوب ميكن الدفاع عنه‪،‬‬
‫فالعقالنية تنصرف إلى عملية اختيار الوسائل املؤدية إلى االهداف‪،‬‬
‫وليس إل��ى تقييم األه��داف ذاتها فقط‪ ،‬ولتحقيق ذل��ك‪ ،‬ف��إن األمر‬
‫يستلزم وج��ود معلومات دقيقة‪ ،‬إذ بدونها ال ميكن لالستراتيجية‬
‫أن توضع بطريقة سليمة‪ ،‬أكثر من ذل��ك‪ ،‬يتطلب جانب العقالنية‬
‫عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬املدخل إلى دراسة االستراتيجية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(( (‬
‫ليدل هارت‪ ،‬االستراتيجية وتاريخها في العالم‪ ،‬مؤسسة االبحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫((( ‬
‫‪ ،1982‬ص ‪.286‬‬

‫‪76‬‬
‫في وضع االستراتيجيات إلى دراسة وحتليل املعلومات وفق املناهج‬
‫العلمية احلديثة بواسطة اخلبراء واملختصني‪ ،‬فوضع االستراتيجية‬
‫هو عملية فنية يقوم بها اخلبراء‪.‬‬

‫‪ - 4‬املرونة‪:‬‬

‫مبعنى أن تتضمن االستراتيجية درج��ة من املرونة تسمح لها‬


‫مبواجهة املواقف أو احلاالت غير املتوقعة في الظروف االعتيادية‪،‬‬
‫وه�ن��ا يفترض أن حت��دد ال�ب��دائ��ل املناسبة ف��ي مثل ه��ذه احلاالت‪،‬‬
‫ومثال ذلك‪ ،‬دولة تضع استراتيجيتها في السياسة اخلارجية‪ ،‬وبعد‬
‫فترة قصيرة فرضت على هذه الدولة حرباً من دولة مجاورة‪ ،‬فهنا‬
‫يجب أن تكون البدائل للسياسة اخلارجية جاهزة للتعامل مع حالة‬
‫احلرب‪ ،‬وحتديد مسارات السياسة اخلارجية على أسس هذه احلرب‬
‫وتداعياتها‪ ،‬ويقول ليدل هارت في هذا املورد (راعوا املرونة سواء‬
‫في املخطط أو التشكيلة‪ ،‬بحيث يتالءمان مع الظروف‪ ،‬كما يجب ان‬
‫تكون هنالك قابلية للتالؤم والتوافق مع الظروف املستجدة)(((‪.‬‬

‫‪ - 5‬االستمرارية ‪:Continuity‬‬

‫طاملا إن االهداف القومية التي تسعى اليها الدولة هي أهداف‬


‫ال ن�ه��ائ�ي��ة‪ ،‬وم�س�ت�م��رة ب��إس�ت�م��رار وج��وده��ا‪ ،‬ف��إن عملية التخطيط‬
‫االستراتيجي‪ ،‬تتصف هي األخرى باإلستمرارية‪.‬‬

‫‪ - 6‬أمن االستراتيجية‪:‬‬

‫ النظام الدولي في حالة من التنافس والصراع بني مكوناته‬


‫عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬املدخل إلى دراسة االستراتيجية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫(( (‬

‫‪77‬‬
‫ال‬
‫(ال��دول ‪ -‬املنظمات الدولية ‪ -‬الشركات العابرة للقارات) فض ً‬
‫عن ح��االت التحالف والتعاون‪ ،‬وال��دول تسعى ج��ادة ملعرفة النوايا‬
‫احلقيقية للدول األخ��رى‪ ،‬حتى تتصرّف على أس��اس ه��ذه النوايا‪،‬‬
‫وقد تكتشف دولة ما‪ ،‬استراتيجية دولة أخرى‪ ،‬فتوجه الدولة األولى‬
‫كل إمكانياتها الحباط استراتيجية الدولة الثانية‪ ،‬وبالتالي فهناك‬
‫بعض الدول تعلن عن استراتيجيات غامضة‪ ،‬حتتمل اكثر من تفسير‬
‫وتأويل‪ ،‬وهناك بعض الدول تعلن استراتيجيات غير حقيقية بهدف‬
‫متويه وتظليل اآلخرين‪ ،‬وهناك بعض الدول من حتيط استراتيجياتها‬
‫بقيود أمنية صارمة حفاظاً على سريتها‪ ،‬وبالتالي فإن درجة األمن‬
‫مطلوبة لالستراتيجية‪ ،‬ويجب أن تتناسب مع طبيعة االستراتيجية‬
‫ال عن الوسائل واملوارد‬ ‫وااله��داف التي تسعى إل��ى حتقيقها‪ ،‬فض ً‬
‫املخصصة لالستراتيجية(((‪.‬‬

‫خ ��ام� �س� � ًا‪ :‬ال� �ق� �ي ��ادة االس��ت��رات��ي��ج��ي��ة وت �ف �ع �ي��ل عملية‬


‫التخطيط االستراتيجي‬

‫يرتبط مفهوم القيادة االستراتيجية مبكانة الدولة في البنية‬


‫الهيكلية للنظام ال��دول��ي‪ ،‬من حيث توزيع مراكز القوة في العالم‪،‬‬
‫ذل��ك ألن من اب��رز مهام القيادة اإلستراتيجية هي ممارسة عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬التي حتاول استثمار موارد الدولة‬
‫لتحقيق مكانة افضل على الساحة الدولية‪ ،‬فالقيادة االستراتيجية‬
‫هي التي تصنع الرؤية االستراتيجية للدولة (اين نحن؟‪ ،‬والى اين‬
‫نريد ان نصل؟‪ ،‬وكيف نصل؟) وتعمل على تنفيذ هذه الرؤية خالل‬
‫فترة زمنية معينة‪ .‬فالقيادة االستراتيجية هي التي تصنع املكانة‬
‫للدولة في النظام الدولي‪.‬‬
‫عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬املدخل إلى دراسة االستراتيجية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫(( (‬

‫‪78‬‬
‫ه��ذا يعني ان ال�ق�ي��ادة االستراتيجية مت��ارس عملية التفكير‬
‫االستراتيجي ثم تصوغ عمليات التفكير هذه وتنظمها إلى خطط‬
‫إستراتيجية ثم تطلب من االدارة االستراتيجية (السلطة التنفيذية)‬
‫تطبيق هذه االستراتيجيات على ارض الواقع‪ ،‬بعد ان تخصص املوارد‬
‫الالزمة لضمان جناح تطبيق االستراتيجيات القومية‪ ،‬وتخصيص‬
‫الفترة الزمنية الالزمة لها‪ ،‬وكما يورد املخطط الذي وضعه (جيمس‬
‫تايلور وماريا دي لورديس) في دراستهما املعنونة (القيادة واالدارة‬
‫االستراتيجية) (((‪.‬‬

‫وفي العالقات الدولية‪ ،‬فان كل االنظمة السياسية (احلكومات)‬


‫هي قيادات إستراتيجية ذلك ألنها تتحكم مبستقبل الدولة ومصيرها‬
‫على كافة االصعدة (السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية‬
‫والتكنولوجية واألمنية) ولكن فعاّلية القيادة االستراتيجية تختلف‬
‫من حكومة ألخرى‪ ،‬فهناك حكومات تعتبر قيادات إستراتيجية ألنها‬
‫متارس باستمرار عمليتي التفكير والتخطيط االستراتيجيتني وتضع‬
‫دائما رؤي��ة للمستقبل‪ ،‬وبالتالي حققت هذه احلكومات (القيادات‬
‫االس�ت��رات�ي�ج�ي��ة) م�ك��ان��ة م��رم��وق��ة ل��دول �ه��ا ض�م��ن ال �س��اح��ة الدولية‪،‬‬
‫ك��ال��والي��ات املتحدة وال�ص�ين وروس�ي��ا وامل��ان�ي��ا‪ ،‬وه�ن��اك ن��وع اخ��ر من‬
‫احلكومات ال متارس عمليتي التفكير والتخطيط االستراتيجيتني وال‬
‫متتلك رؤية واضحة للمستقبل‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهي ادارات استراتيجية‬
‫وليست ق�ي��ادات إستراتيجية النها ليست فاعلة من جهة‪ ،‬وتخلت‬
‫عن مهام القيادة االستراتيجية واكتفت بتسيّير شؤون الدولة عبر‬
‫بيروقراطيتها املألوفة من جهة ثانية‪ ،‬دون السعي إلى احلصول على‬
‫مكانة مرموقة للدولة‪ ،‬وميكن ان يعزى اسباب ذل��ك‪ ،‬اما لضغوط‬
‫‪James S.Taylor, Maria De Loardes: Leadership and strategic management: E u‬‬ ‫((( ‬
‫‪ropean Journal of education, U.K, Oxford, vol 43, no. 3, 2008, p 372.‬‬

‫‪79‬‬
‫سياسية خارجية‪ ،‬أو بسبب عدم رغبة هذه احلكومات بتحمل اعباء‬
‫القيادة اإلستراتيجية أو ألسباب تتعلق بعدم االستقرار السياسي‬
‫واألمني داخ��ل ال��دول��ة‪ ،‬ومثال ذل��ك ال��دول النامية وحت��دي��داً الدول‬
‫العربية‪ ،‬وبالتالي ف��أن مستوى فاعلية اداء احلكومات في حتقيق‬
‫االه��داف القومية(((‪ ،‬ه��و ال��ذي مييّز ال�ق�ي��ادات االستراتيجية عن‬
‫االدارات اإلستراتيجية‪.‬‬

‫كما ميارس القادة وظائف سياسية وروحية وذهنية‪ ،‬إلى جانب‬


‫الوظائف اإلداري��ة ومهام رعاية املؤسسات‪ ،‬وتتراوح هذه الوظائف‬
‫بني ممارسة عمليتي التفكير والتخطيط االستراتيجيتني وتوفير‬
‫الرؤية واالستراتيجيات القومية‪ ،‬واالستراتيجيات املتفرعة عنها‬
‫(كاإلستراتيجية العسكرية‪ ،‬واإلستراتيجية السياسية‪ ،‬واإلستراتيجية‬
‫االقتصادية) وحشد األنصار‪ ،‬وتيسير القرارات اجلماعية‪ ،‬وتكوين‬
‫التحالفات (((‪.‬‬

‫ال عن القيادة‬
‫وميكن القول أن التخطيط االستراتيجي ليس بدي ً‬
‫لا للقيادة االستراتيجية‬ ‫االستراتيجية الفعّالة‪ ،‬فليس هناك ب��دي� ً‬
‫الفعالة‪ ،‬فالتخطيط االستراتيجي في احسن حاالته يساعد القادة‬
‫على العمل للوصول إلى اهداف الدولة القومية حتى يتحقق الصالح‬
‫ال �ع��ام‪ ،‬وال�ت�خ�ط�ي��ط االس�ت��رات�ي�ج��ي ف��ي أس ��وأ ح��االت��ه يشتت الفكر‬
‫والعمل االستراتيجيني‪ ،‬ويجعل من الصعب على ال�ق��ادة أن يؤدوا‬
‫اعمالهم‪ ،‬ويعوق الدولة عن حتقيق رسالتها‪ ،‬وسواء كان التخطيط‬
‫االستراتيجي سلبياً أو ايجابياً على الدولة‪ ،‬فإن األمر كله يعتمد على‬
‫طريقة استخدام القادة لعملية التخطيط االستراتيجي ويقصد هنا‬
‫‪Ipid: 373.‬‬ ‫(( (‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.327‬‬ ‫((( ‬

‫‪80‬‬
‫بالقادة‪ ،‬هم القيادات العليا والوسطى والدنيا‪ ،‬في التنظيم الهرمي‬
‫للدولة‪ ،‬إذ ال تقتصر ممارسة التخطيط االستراتيجي على وحدة‬
‫صنع ال�ق��رار ف��ي ال��دول��ة فقط‪ ،‬ب��ل تتعداها إل��ى مستوى القيادات‬
‫الدنيا التي يترك لها مجال من احلرية الختيار الطريقة املناسبة‬
‫في تنفيذ االستراتيجيات القومية‪ ،‬وميكن ان تفعّل القيادات عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي من خالل احملاور التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬فهم السياق العام للدولة‪:‬‬

‫يجب على القادة فهم مسيرة الدولة عبر التاريخ‪ ،‬الذي يجب‬
‫أن ينظر اليه على إنه عملية تفاعلية من أجل االستمرار والتغيير‪،‬‬
‫ال عن معرفة تامة بالبيئة الداخلية واخلارجية للدولة‪ ،‬والتهيؤ‬
‫فض ً‬
‫ألية مرحلة تتطلب عملية تغيير استراتيجي في مسيرة الدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬فهم املستهدفون في االستراتيجية‪:‬‬

‫ينبغي على القادة أن يكونوا على درجة معقولة من الفهم جتاه‬


‫الفئات الذين تستهدفهم االستراتيجيات املوضوعة من قبلهم‪ ،‬فقد‬
‫تستهدف هذه االستراتيجية دوالً وشعوباً أخرى‪ ،‬وقد تستهدف الشعب‬
‫والتبصر العميق يضيفان حيوية‬
‫ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬إن فهم الذات وفهم اآلخرين‪،‬‬
‫للقيادة ويزيدان من جدوى التخطيط والتنفيذ االستراتيجي للدولة‪،‬‬
‫ويعتبر ج��ورج واشنطن الرئيس األول للواليات املتحدة االمريكية‪،‬‬
‫املثال األبرز في هذا املورد(((‪.‬‬

‫‪ - 3‬تشجيع القيادة اجلماعية‪:‬‬

‫التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي ال�ق��وم��ي ال�ن��اج��ح‪ ،‬ه��و مبثابة إجناز‬


‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬ ‫((( ‬

‫‪81‬‬
‫جماعي يساهم الكثير من االفراد في جناحه‪ ،‬وهذا االجناز اجلماعي‬
‫يتحقق باتباع األساليب التالية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬اع �ت �م��اد أس �ل��وب ف��رق ال�ع�م��ل اجل �م��اع �ي��ة‪ ،‬الن��ه ال ميكن‬
‫ل�ش�خ��ص واح ��د أن ت �ك��ون ل��دي��ه ك��ل امل�ع�ل��وم��ات املناسبة‬
‫كماً وكيفاً‪ ،‬وفي هذا امل��ورد قوله تعالى {وَشَ ��اوِ ْر ُه� ْم فِ ي‬
‫األَمْرِ }(((‪ .‬هذا إضافة إلى إننا نعيش في عصر يحتاج‬
‫فيه م��ن ف��رق التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬الدفاع‬
‫عن االستراتيجية‪ ،‬وصمودها أمام النقد الذي قد يوجه‬
‫اليها‪ ،‬ومبعنى أدق يجب ان يعمل الفريق بروح االحساس‬
‫باجلماعة‪ ،‬أي االحساس بدرجة العالقة والصلة والدعم‬
‫املتبادل والغاية املشتركة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ينبغي على القادة أن يحددوا درجة (التقبّل) التي حتققها‬


‫صياغتهم للقضايا واألهداف والرؤى واالستراتيجيات مبا‬
‫ميكنهم من اجتذاب الدعم والتأييد الشعبي والرسمي‬
‫في الدولة‪ ،‬وتزداد درجة قبول االستراتيجية كما يزداد‬
‫القبول السياسي لها‪.‬‬

‫ج ‪ -‬توفير آليات معينة في للمشاركة في السلطة واملسؤولية‬


‫واملساءلة‪ ،‬إن فرق التخطيط االستراتيجي ومجموعات‬
‫ال �ع �م��ل اخل��اص��ة ب��ال �ق �ض��اي��ا االس �ت��رات �ي �ج �ي��ة وجماعات‬
‫التنفيذ‪ ،‬من العناصر األساسية للمشاركة في السلطة‪،‬‬
‫وينبغي على خطط العمل أن حت��دد املسؤوليات للفرق‬
‫واالعضاء وحتدد نظم مساءلتهم‪ ،‬ونظم حتفيزهم‪.‬‬
‫سورة آل عمران‪/‬اآلية ‪.159‬‬ ‫(( (‬

‫‪82‬‬
‫‪ - 4‬ايجاد البيئة احلوارية والفكرية‪:‬‬

‫يصبح القادة أصحاب رؤية‪ ،‬عندما يلعبون دوراً مهماً في تفسير‬


‫الواقع القائم‪ ،‬وتشجيع العمل اجلماعي‪ ،‬وحتديد االستراتيجيات‬
‫املطلوبة‪ ،‬وصياغة االحساس القومي‪ ،‬ورسم رؤية جماعية للمستقبل‪،‬‬
‫كما يجب أن يدركوا املعاني احلقيقية لطبيعة التفاعالت في النظام‬
‫ال��دول��ي وطبيعة البيئة احمليطة ب��ال��دول��ة (دور اجل ��وار) والطبيعة‬
‫االقليمية للدولة‪ ،‬وعلى القادة دائماً التساؤل‪ ،‬ما الذي يجري هنا؟‪،‬‬
‫إلى أين نتجه؟ كيف ستبدو األشياء عندما نصل إلى هناك؟ وعليهم‬
‫ايضاً (القادة) تشجيع األساليب التالية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تنظيم امل�ن�ت��دي��ات ال�ف�ك��ري��ة واحل��واري��ة ل�ف��رق التخطيط‬


‫االس �ت��رات �ي �ج��ي ف�ي�م��ا ب�ي�ن�ه��ا‪ ،‬وم ��ع ال �ف �ئ��ات ذات الصلة‬
‫باإلستراتيجية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إيضاح االحتياجات احلقيقية لإلستراتيجية وظروفها‬


‫الواقعية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ال �ع �م��ل ع �ل��ى ص �ي��اغ��ة ال �ق �ض��اي��ا اإلس �ت��رات �ي �ج �ي��ة وإع���ادة‬


‫صياغتها كلما دعت احلاجة لذلك‪.‬‬

‫د ‪ -‬تهيئة حجج وبراهني منطقية وموضوعية للدفاع عن األفكار‬


‫اجلديدة واملتطورة ملواجهة القضايا االستراتيجية‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬وض��ع تفاصيل عملية التخطيط االستراتيجي وحتديد‬


‫النتائج املتوقعة(((‪.‬‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫((( ‬

‫‪83‬‬
‫سادس ًا‪ :‬عالقة التفكير االستراتيجي بعملية التخطيط‬
‫االستراتيجي‬

‫ميكن القول إن عملية التفكير اإلستراتيجي هي العملية التي‬


‫تخلق األف�ك��ار اجل��دي��دة وامل�ت�ط��ورة وال�ت��ي حتمل ب�ين طياتها حلوالً‬
‫ملشاكل الدولة‪ ،‬بينما تأتي عملية التخطيط االستراتيجي لتنظم هذه‬
‫األف�ك��ار‪ ،‬وتعمل على تنسيقها مبا يتفق وال�ق��درات القومية للدولة‬
‫وظروفها العامة وعقيدتها السياسية‪ ،‬لتتبلور بعد هاتني العمليتني‬
‫(التفكير والتخطيط) االستراتيجية القومية‪ ،‬التي تهتم بالوسائل‬
‫واأله��داف القومية للدولة على حد س��واء‪ ،‬علماً إن عملية حتديد‬
‫األه ��داف ه��ي م��ن اخ�ت�ص��اص السياسي(متخذ ال �ق��رار) وإن كانت‬
‫االستراتيجية مسؤولة عن إجناز تلك األه��داف‪ ،‬أما اإلستراتيجي‬
‫فتتحدد مسؤوليته في حتفيز وتعبئة املوارد القومية املتاحة لتحقيق‬
‫اهداف الدولة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإن خضوع االستراتيجي للسياسة هو أحد‬
‫املبادئ األساسية املسلم بها في الفكر اإلستراتيجي وف��ي ظروف‬
‫خاصة جند أن متخذ القرار (السياسي) هو نفسه من ميارس وظيفتي‬
‫التفكير والتخطيط االستراتيجيني معاً‪ ،‬فهو يجمع بني ثالث وظائف‬
‫معاً (التفكير‪ ،‬التخطيط‪ ،‬التنفيذ) ومثال ذلك (مهاتير محمد) رئيس‬
‫وزراء ماليزيا السابق‪ ،‬الذي حوّل ماليزيا خالل الفترة من ‪1981‬‬
‫‪ 2003 -‬من بلد زراعي يعيش ‪ %52‬من سكانه حتت خط الفقر‪،‬‬
‫إلى بلد صناعي متطور‪ ،‬بلغ دخل الفرد فيه ‪ 8862‬دوالر امريكي‬
‫وتقلصت نسبة السكان حتت خط الفقر إلى ‪ %5‬فقط‪.‬‬

‫ وم��ع ذل��ك جند إن هناك بعض ال�ف��وارق بني عملية التفكير‬


‫االستراتيجي وعملية التخطيطي االستراتيجي(((‪.‬‬
‫‪Liedtka.J.M.;.Linkisng strategic thinking with strategic planning and leade r‬‬ ‫((( ‬
‫‪ship: London,1998, p: 30- 35.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫مراحل التخطيط االستراتيجي القومي‬

‫يعتبر التخطيط االستراتيجي للدولة‪ ،‬األساس الذي تبنى عليه‬


‫وتصاغ اإلستراتيجية القومية‪ ،‬والتي تتفرع عنها االستراتيجيات‬
‫العامة للدولة كاإلستراتيجية السياسية والعسكرية واالقتصادية‬
‫واألم �ن �ي��ة‪ ،‬وي�ت�ك��ون ال�ف�ك��ر االس�ت��رات�ي�ج��ي م��ن أس��س بنيوية ترتبط‬
‫ال‬
‫ب��اإلي��دي��ول��وج�ي��ة السياسية واالق �ت �ص��ادي��ة وال��دي�ن�ي��ة ل�ل��دول��ة‪ ،‬فض ً‬
‫ع��ن ال��ظ��روف اجل �غ��راف �ي��ة واالق �ت �ص��ادي��ة وال �س �ي��اس �ي��ة احلضارية‬
‫واالجتماعية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فان لكل دولة ظروفها اخلاصة في عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬فالتخطيط االستراتيجي القومي للواليات‬
‫املتحدة يختلف في متطلباته ونتائجه عن التخطيط االستراتيجي‬
‫لدولة أخرى كروسيا االحتادية مثالً‪ ،‬وهكذا احلال بالنسبة لبقية‬
‫الدول‪ ،‬وبنا ًء على ذلك ميكن تقسيم مراحل التخطيط االستراتيجي‬
‫إلى مرحلتني أساسيتني‪ ،‬املرحلة أألولى مرحلة تقيّيم قدرات الدولة‬
‫وظروفها العامة‪ .‬والثانية مرحلة صياغة االستراتيجيات القومية‬
‫وتنفيذها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مرحلة تقييم قدرات الدولة وظروفها العامة‬

‫تعتبر عملية تقييم قدرات الدولة‪ ،‬من األمور الهامة في عملية‬


‫التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬باعتبار ان التحديد الدقيق لقدرات‬
‫الدولة وم��وارده��ا‪ ،‬هو ال��ذي سيحدد خارطة اه��داف امنها القومي‬
‫ومصاحلها العليا االخرى‪.‬‬

‫وكما يقول االستراتيجي الصيني‪،‬صن تزو‪ « »،‬اذا كنت تعرف‬


‫االخرين وتعرف نفسك‪ ،‬فانك لن تواجه خطراً في مائة معركة‪ ،‬واذا‬
‫كنت ال تعرف اآلخرين ولكنك تعرف نفسك‪ ،‬فسوف تكسب معركة‬
‫وتخسر أخرى وإذا كنت ال تعرف اآلخرين وال تعرف نفسك‪ ،‬فسوف‬
‫تلقى املخاطر في كل معركة»‪.‬‬

‫وعليه ينبغي ان ي��درك املخططون االستراتيجيون املتفيرات‬


‫ف��ي البيئة الداخلية واخل��ارج�ي��ة للدولة‪ ،‬ب‪i‬دف التمكن م��ن وضع‬
‫االس�ت��رات�ي�ج�ي��ات ال�ف��اع�ل��ة ال �ت��ي ت �ق��وم بربطهما م �ع �اً‪ ،‬أي ان تأتي‬
‫االستراتيجية في سياق ما يحدث داخلياً وخارجياً‪ ،‬وبتعبير التيني‬
‫تعني كلمة «سياق» ‪ Context‬ان تنسج من نسيج واحد‪ ،‬بهدف مواكبة‬
‫تطورات العالم‪.‬‬

‫إال ان أي اس�ت�ج��اب��ة ف�ع��ال��ة للمخاطر وال �ت �ه��دي��دات والفرص‬


‫اخلارجية‪ ،‬ينبغي ان تكون قائمة على اس��اس من املعرفة الوثيقة‬
‫بنقاط القوة والضعف في الدولة‪ ،‬واالستجابات الفعالة تستفاد من‬
‫نقاط القوة وتنميها وتقلل من نقاط الضعف وتعمل على التغلب‬
‫عليها‪ ،‬أي ان التخطيط االستراتيجي يسعى لتحقيق انسب موائمة‬
‫بني الفرص والتحديات في اخلارج‪ ،‬وبني نقاط القوة والضعف في‬
‫الداخل‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وعليه تتكون هذه املرحلة من ثالث خطوات‪ ،‬حيث تبدأ األولى‪،‬‬
‫ب�ت��واف��ق امل�خ�ط�ط�ين وص � ّن��اع ال �ق��رار ع�ل��ى ال �ب��دء بعملية التخطيط‬
‫اإلستراتيجي ثم تأتي اخلطوة الثانية لتحدد قيم الدولة ورسالتها‬
‫ورؤي�ت�ه��ا القومية‪ ،‬بينما تختص اخل�ط��وة الثالثة ف��ي تقييم البيئة‬
‫الداخلية للدولة جلهة نقاط القوة والضعف فيها‪ ،‬إضافة إلى تقييم‬
‫البيئة اخلارجية للدولة من حيث الفرص املتاحة والتهديدات التي‬
‫تواجهها‪.‬‬

‫‪ - 1‬التوافق السياسي‪:‬‬

‫يقول أفالطون في كتابه اجلمهورية «إن البداية هي أهم جزء‬


‫من أجزاء العمل»‪ ،‬ويعد التوافق السياسي بني صناع القرار في الدولة‬
‫مبختلف توجهاتهم وانتماءاتهم نوعاً من التفاهم املشترك بينهم‪،‬‬
‫حول أهمية التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬وينبغي أن يحدد هذا‬
‫التوافق‪ ،‬القادة وال��وزراء واخلبراء اللذين يستوجب حضورهم في‬
‫عملية التخطيط اإلستراتيجي لالستفادة من معلوماتهم وخبراتهم‬
‫ب�ش��أن ال�ق�ض��اي��ا اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ .‬وتتطلب عملية ال �ت��واف��ق املبدئي‬
‫هذه‪ ،‬ثالثة متطلبات‪ ،‬أولها اإلدراك املبكر لصناع القرار بضرورة‬
‫التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬وثانيها وج��ود الرغبة واالهتمام‬
‫الالزمني لعملية التخطيط‪ ،‬وثالثهما وجود الوقت الكافي لدى صناع‬
‫القرار للتفرّغ إلى عملية التخطيط‪ ،‬إضافة إلى توافر املوارد املادية‬
‫واملعنوية لعملية التخطيط(((‪.‬‬

‫بعد ان يتم التوافق بني مختلف الفئات السياسية في الدولة‬


‫على ضرورة صنع االستراتيجية القومية كمصلحة عليا للدولة‪ ،‬يفضل‬
‫في البداية عقد اجتماع مغلق لصناع القرار من السياسيني والقادة‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط اإلستراتيجي مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫(( (‬

‫‪87‬‬
‫العسكريني الكبار‪ ،‬يبدأ بالتعريف بطبيعة التخطيط اإلستراتيجي‬
‫يفضل عرض احملاضرات العلمية‬ ‫ّ‬ ‫القومي وأهدافه وأساليبه‪ ،‬كما‬
‫اخل��اص��ة بالتخطيط اإلستراتيجي وأه�م�ي�ت��ه‪ ،‬وف�ت��ح ب��اب املناقشة‬
‫واحلوار بني صناع القرار‪ ،‬والهدف من ذلك تقدمي فكرة عامة عن‬
‫عملية التخطيط االستراتيجي القومي إلى صناع القرار مبختلف‬
‫مستوياتهم‪ .‬بعيداً عن اختالفاتهم وجتاذباتهم السياسية‪.‬‬

‫‪ - 2‬املشاركون في عملية التخطيط االستراتيجي‪:‬‬

‫مبا أن التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬هو اعلى مستويات‬


‫التخطيط في الدولة‪ ،‬فينبغي إشراك كبار القادة واخلبراء مع صنّاع‬
‫القرار في الدولة للمساهمة في صنع مالمح اإلستراتيجية القومية‬
‫للدولة‪ ،‬والتي تتفرع منها إستراتيجية األمن القومي‪ ،‬وإستراتيجية‬
‫السياسة العامة‪ ،‬والتي تتفرع عنها إستراتيجية السياسة اخلارجية‪،‬‬
‫ذلك ألن إستراتيجية السياسة العامة تشمل السياسيتني الداخلية‬
‫واخلارجية‪.‬‬

‫وفي الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬دأبت العادة على أن يترأس‬


‫رئيس ال��والي��ات امل�ت�ح��دة‪ ،‬مجلس األم��ن القومي وإل��ى جانبه نائب‬
‫الرئيس‪ ،‬ورئ�ي��س ط��واق��م موظفي البيت األب�ي��ض‪ ،‬ومستشار األمن‬
‫ال�ق��وم��ي‪ ،‬ووزي ��ر ال��دف��اع‪ ،‬ووزي ��ر اخل��ارج �ي��ة‪ ،‬وم��دي��ر االستخبارات‬
‫القومية‪ ،‬ومدير وكالة االستخبارات املركزية‪ ،‬ووزير األمن الوطني‪،‬‬
‫وأخيراً وزير اخلزانة وفي بعض األحيان يتم استدعاء بعض اخلبراء‬
‫كمستشارين حل�ض��ور جلسات األم��ن ال�ق��وم��ي‪ ،‬وي�ع��ود سبب التزام‬
‫ك�ب��ار ص�ن��اع ال �ق��رار ف��ي ال��والي��ات امل�ت�ح��دة بتبني عملية التخطيط‬
‫اإلستراتيجي‪ ،‬إلى أنهم املسؤولون الرسميون عن ذلك‪ ،‬وثانياً‪ ،‬أنهم‬
‫يكونون بالغي الفعالية في اتصاالتهم مع الدول األخرى واملنظمات‬

‫‪88‬‬
‫ال��دول �ي��ة‪ ،‬لتسهيل عملية التخطيط االس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬وث��ال �ث �اً‪ ،‬ألنهم‬
‫ال مع التهديدات والفرص اخلارجية والتي تؤثر‬ ‫األفراد األكثر تفاع ً‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر على أمن الواليات املتحدة األمريكية‬
‫ومصاحلها‪.‬‬

‫‪ - 3‬محددات عملية التوافق السياسي‪:‬‬

‫ع ��ادة م��ا ت ��ؤدي خ �ط��وة ال �ت��واف��ق ال�س�ي��اس��ي إل��ى حت��دي��د أربع‬


‫قضايا‪:‬‬

‫أ ‪ -‬جدوى جهد التخطيط االستراتيجي وقيمته‪.‬‬

‫ب ‪ -‬املؤسسات واألشخاص الذين يجب إشراكهم في عملية‬


‫التخطيط اإلستراتيجي القومي‪.‬‬

‫ج ‪ -‬اخلطوات احملددة التي ستتّبع الحقاً‪ ،‬بعد عملية التوافق‬


‫املبدئي‪.‬‬

‫د ‪ -‬طبيعة الوثائق والتقارير والدراسات املطلوبة في عملية‬


‫التخطيط اإلستراتيجي(((‪.‬‬

‫‪ - 4‬إخفاق عملية التوافق السياسي‪:‬‬

‫إذا لم يتم التوصل إلى توافق سياسي بني صناع القرار على‬
‫عملية التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬فإما أن يبدأ العمل بالتخطيط‪ ،‬مع‬
‫تضاؤل فرص النجاح‪ ،‬وإما أن يتم تكرار خطوة التوافق السياسي‪،‬‬
‫حتى ميكن التوصل إلى اتفاق مؤثر‪ ،‬وع��ادة ما يكون من املنطقي‪،‬‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬ ‫((( ‬

‫‪89‬‬
‫تكرار اخلطوة‪ ،‬أو تضييق نطاق اجلهد املبذول والتركيز على نطاق‬
‫ال في إيجاد‬
‫أصغر ميكن االتفاق بشأنه‪ ،‬وقد يكون هذا اجلهد متمث ً‬
‫استراتيجيات فعالة إلدراج األجزاء األخرى في وقت الحق‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬حتديد قيم ورسالة الدولة‬

‫‪ - 1‬منظومة قيم الدولة‪:‬‬

‫تبرز أهمية التفكير في فلسفة الدولة وقيمها األساسية وثقافتها‪،‬‬


‫في عملية وضع اإلستراجتية القومية للدولة‪ .‬فاالستراجتيات التي‬
‫تتماشى مع القيم األساسية للدولة هي وحدها التي سيكتب لها‬
‫النجاح‪ ،‬كما أن وضوح فلسفة وقيم الدولة قبل وضع اإلستراتيجية‬
‫القومية يُعد من مقومات جناح اإلستراتيجية‪ ،‬ويضيف أيضاً وضوح‬
‫الفلسفة والقيم األساسية للدولة شرعية أكبر على النظم السياسية‬
‫في حال عدم جتاوز حدود القيم األساسية للدولة‪ ،‬فالقيم السائدة‬
‫ف��ي ال��والي��ات املتحدة األمريكية منذ تأسيسها ع��ام ‪ 1776‬وحتى‬
‫اآلن‪ ،‬ه��ي نشر م�ب��ادئ ح�ق��وق اإلن �س��ان‪ ،‬واحل��ري��ة‪ ،‬والدميقراطية‪،‬‬
‫والليبرالية‪ ،‬وهذه القيم على درجة عالية من الوضوح بحيث تضمنها‬
‫الدستور األمريكي في الكثير من فقراته((( رغم أن هذه القيم تطبق‬
‫بشكل سليم في الداخل األمريكي‪ ،‬إال أنها تستخدم كذرائع ومبررات‬
‫للتدخل في ش��ؤون ال��دول األخ��رى‪ .‬وق��د تتعرض املنظومة القيمية‬
‫للدولة إلى االنهيار الشامل بسبب انهيار الدولة‪ ،‬كما انهارت منظومة‬
‫القيم النازية اخلاصة باملانيا التي انهارت في احلرب العاملية الثانية‬
‫ع��ام ‪ .1945‬ومثلما حتتاج ال��دول إل��ى منظومات القيم األساسية‬
‫عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬الفكر السياسي واإلستراتيجي للواليات املتحدة األمريكية‬ ‫((( ‬
‫دراسة في األفكار والعقائد ووسائل البناء اإلمبراطوري‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،2009 ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪90‬‬
‫التي تؤمن بها‪ ،‬فإنها حتتاج إلى اآلليات املناسبة لتثقيف الشعب‬
‫عليها‪ ،‬واآلليات املناسبة لإلعالن عنها والتصريح بها على املستويني‬
‫اإلقليمي والدولي‪ ،‬وفي نهاية املطاف يجدر التذكير بأن طبيعة القيم‬
‫األساسية للدولة ودرجة اإلميان بهذه القيم ومستوى الثقافة القيمية‪،‬‬
‫كلها تعتبر عوامل مؤثرة في عملية التخطيط اإلستراتيجي القومي‪،‬‬
‫والتي يجب ان تؤخذ بعني االعتبار في التخطيط للمستقبل‪.‬‬

‫‪ - 2‬رسالة الدولة‪:‬‬

‫يعتبر اإلعالن عن رسالة الدولة مبثابة اإلعالن عند أهداف‬


‫الدولة العليا وحتى يتم إعداد رسالة الدولة‪ ،‬فان على فرق التخطيط‬
‫االستراتيجي القومي ان تثير جملة من التساؤالت وحتاول اإلجابة‬
‫عليها‪ ،‬وأبرزها‪:‬‬

‫أ ‪ -‬حتديد هوية الدولة‪:‬‬

‫تسعى بعض ال��دول إلى حتديد هويتها القومية على األساس‬


‫الديني‪ ،‬كما فعلت (إسرائيل)‪ ،‬حينما أعلنت مؤخراً بأنها الدولة‬
‫اليهودية‪ ،‬أي أنها دولة لكل يهودي‪ ،‬وأنها ال متثل الدولة األم بالنسبة‬
‫للعرب من املسلمني واملسيحيني حتى وان كانوا من السكان االصليني‬
‫ف��ي (إس��رائ �ي��ل)‪ ،‬وه��ذا يتقاطع م��ع مبدأ الدميقراطية التي تزعم‬
‫إسرائيل التمسك بها‪ ،‬وفي الطرف اآلخر هناك إي��ران‪ ،‬التي تعلن‬
‫عن هويتها القومية بأنها (جمهورية إسالمية)‪ ،‬أما الهوية القومية‬
‫األمريكية‪ ،‬فيرى (صامويل هنتغتون)((( بإنها من تصميم البريطانيني‬
‫البروتستانت ال��ذي��ن ه��اج��روا م��ن بريطانيا وأوروب ��ا إل��ى الواليات‬
‫صامويل هنتغتون‪ ،‬من نحن؟‪ ،‬حتديات الهوية الوطنية األمريكية‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬دار‬ ‫((( ‬
‫سيشتر‪ ،2004 ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪91‬‬
‫املتحدة ليعلنوا قيام دولة الواليات املتحدة األمريكية املستقلة في‬
‫ب��داي��ات القرن الثامن عشر‪ ،‬وترتكز الهوية األمريكية على أربعة‬
‫أس��س‪ :‬ال �ع��رق األب �ي��ض‪ ،‬الالتينية االن�ك�ل�ي��زي��ة‪ ،‬وال��دي��ان��ة املسيحية‬
‫البروتستانتية‪ ،‬والثقافة االنكليزية البروتستانتية‪ ،‬واستمرت هذه‬
‫الركائز إلى نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬أما اليوم فان الهوية األمريكية‬
‫اجلديدة التي أعلنها احملافظون اجل��دد كهوية قومية للدولة‪ ،‬هي‬
‫األمة املسيحية البروتستانتية املتحضرة والتي متثل محور اخلير في‬
‫العالم الذي يصارع محور الشر كما تدعي‪ ،‬هذا التحول في الهوية‬
‫القومية للواليات املتحدة يرتبط بدرجة كبيرة مببادئ الدميقراطية‬
‫وامل�س��اواة بني البشر‪ ،‬وبالتالي ف��ان مراعاة هوية الدولة القومية‪،‬‬
‫يعتبر أمراً ضرورياً بالنسبة لفرق التخطيط االستراتيجي القومي‪،‬‬
‫بهدف التمييز بني ما يجب أن تفعله‪ ،‬وما يجب أن ال تفعله‪.‬‬

‫ب ‪ -‬طبيعة األهداف القومية للدولة‪:‬‬

‫ميكن أن يعرّف الهدف القومي على أن��ه وض��ع معني‪ ،‬يقترن‬


‫ب��وج��ود رغ �ب��ة م��ؤك��دة لتحقيقه ع��ن ط��ري��ق ت�خ�ص�ي��ص ذل��ك القدر‬
‫ال �ض��روري م��ن اجل�ه��د واإلم�ك��ان�ي��ات ال�ت��ي يستلزمها االن�ت�ق��ال بهذا‬
‫الوضع من مرحلة التصور النظري إلى مرحلة التنفيذ أو التحقّق‬
‫امل���ادي‪ ،‬واأله� ��داف ال�ق��وم�ي��ة ليست عملية م �ج��ردة‪ ،‬وال تنشأ من‬
‫توضح اإلط��ار العام‬‫ّ‬ ‫ف��راغ‪ ،‬وإمنا تتحدد مبقتضى مؤثرات وظ��روف‬
‫للهدف والوسائل الالزمة لتنفيذه‪ ،‬وينبغي أن يكون الهدف القومي‬
‫موضع اهتمام ومشاركة اجلزء األكبر من مواطني الدولة‪ ،‬وأن تكون‬
‫احلكومة القومية مسؤولة عند تبني الهدف‪ ،‬وتوّفر اإلمكانات الالزمة‬
‫لتحقيقه‪ .‬ومي�ك��ن حت��دي��د أه��م األه ��داف القومية ل�ل��دول��ة‪ ،‬كحماية‬
‫السيادة اإلقليمية ودعم األمن القومي‪ ،‬وزيادة قوة الدولة من خالل‬
‫تنمية مقدراتها االقتصادية وزيادة مستوى النمو االقتصادي للدولة‪،‬‬

‫‪92‬‬
‫وقد يكون التوسع االستعماري هدفاً قومياً‪ ،‬والدفاع عن آيديولوجية‬
‫الدولة أو العمل على نشرها في اخلارج‪ ،‬والعمل على دعم التراث‬
‫الثقافي واحلضاري للدولة‪ ،‬وقد يكون السالم هدفاً قومياً تسعى‬
‫الدولة إلى حتقيقه(((‪.‬‬

‫ج ‪ -‬سباق التنمية‪:‬‬

‫ ي�ع�ي��ش ال �ع��ال��م ف��ي أج� ��واء ت�ن��اف�س�ي��ة‪ ،‬ت �ن��اف��س ف��ي األس���واق‬
‫العاملية‪ ،‬تنافس على املوارد الطبيعية‪ ،‬تنافس على طرق واملواصالت‬
‫ال عن أجواء‬ ‫واالتصاالت‪ ،‬تنافس في القيم والعادات والتقاليد‪ ،‬فض ً‬
‫العوملة وتداعيات االضطراب العاملي وث��ورة املعلومات التي سادت‬
‫العالم‪ ،‬وينبغي هنا أن يتساءل أعضاء الفريق االستراتيجي القومي‪،‬‬
‫كيف نحقق التفوق والريادة؟ على املستوى اإلقليمي على اقل تقدير‪،‬‬
‫م��ا ه��ي امل�ع��وق��ات ال�ت��ي تقف ف��ي طريقنا؟ م��اذا نحتاج لكي نحقق‬
‫الريادة؟ ما هي الدول التي تنافسنا؟ ما هي عوامل قوتها؟ وما هي‬
‫عوامل ضعفها؟ وأين هي منا اآلن؟ كم نحتاج من الوقت للوصول إلى‬
‫أهدافنا؟ وفي الواليات املتحدة تلعب مراكز الفكر واألبحاث ( ‪Think‬‬
‫‪ )Tanks‬دوراً كبيراً في استنباط األفكار التي تعزّز الزعامة األمريكية‬
‫العاملية وم�ث��ال ذل��ك‪ ،‬مؤسسة ران��د ‪ Rand Corporation‬التي تصل‬
‫ميزانيتها البحثية إلى أكثر من ‪ 100‬مليون دوالر وتضم (‪)1076‬‬
‫باحثاً‪ ،‬ومؤسسة هريتدج ‪ Heritage foundation‬التي تصل ميزانيتها‬
‫البحثية إلى أكثر من ‪ 30‬مليون دوالر وتضم ‪ 180‬باحثاً(((‪.‬‬
‫للمزيد راج��ع خليل حسني‪ ،‬العالقات الدولية‪ :‬النظرية وال��واق��ع‪ ..‬االشخاص والقضايا‪،‬‬ ‫((( ‬
‫منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬
‫دونالد ابلسون‪ ،‬هل هناك أهمية للمؤسسات البحثية؟‪ ،‬مركز األمارات للدراسات والبحوث‬ ‫((( ‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬أبو ظبي‪ ،2007 ،‬ص ‪.39‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ - 3‬حتديد رؤية الدولة‪:‬‬

‫ وتعني تقدمي وصف دقيق وواضح ملا ينبغي أن يكون عليه وضع‬
‫الدولة في املستقبل‪ ،‬بعد االنتهاء من تنفيذ اإلستراتيجية القومية‬
‫احلالية‪ ،‬أي حتديد املكانة للدولة ضمن النظام الدولي‪ ،‬وهذه الرؤية‬
‫تكون أكثر أهمية باعتبارها ستكون األساس األول الذي يقيّم أداء‬
‫الدولة‪ ،‬وألنها ستكون القاعدة التي سيؤسس عليها لالنطالق إلى‬
‫املرحلة التالية‪ ،‬والرؤية تختلف عن رسالة الدولة‪ ،‬فالرؤية تذهب إلى‬
‫أبعد من ذلك‪ ،‬حيث تهتم الرسالة بتحديد اخلطوط العريضة ألهداف‬
‫الدولة‪ ،‬بينما الرؤية تصف الشكل الذي ينبغي ان تكون عليه الدولة‬
‫وترسم صورتها املستقبلية عندما تعمل أجهزتها بالكفاءة املطلوبة‬
‫بالنسبة لبيئتها الداخلية واخلارجية‪ ،‬وإع��داد رؤي��ة الدولة حتتاج‬
‫جلهود أكبر من جهود صياغة بيان رسالة الدولة‪ ،‬وبالتالي فان على‬
‫فرق التخطيط أن تتساءل‪ :‬كيف سيكون شكل الدولة في املستقبل؟‬
‫عند االنتهاء من تنفيذ اإلستراتيجية‪ ،‬ما هي الفروق اجلوهرية بني‬
‫الواقع احلالي للدولة وبني واقعها في املستقبل؟ وماهي التكاليف‬
‫املطلوبة إلح��داث التغيير اجل��وه��ري للدولة؟ هل ميكن أن نخطط‬
‫لفروق أكبر وبتكاليف أقل؟‬

‫ثالث ًا‪ :‬تقييم بيئة الدولة الداخلية واخلارجية‬

‫في هذه املرحلة يشمل التقييّم نقاط الضعف والقوة في البيئتني‬


‫الداخلية للدولة‪ ،‬وحتديد الفرص والتهديدات اخلارجية للدولة‪.‬‬

‫تقييم الوضع الداخلي للدولة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫القوة هي القدرة على التحكم في سلوك اآلخرين أو التأثير‬


‫فيه‪ .‬وقد متتلك بعض الدول كل عوامل القوة القومية (السياسية‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬العسكرية‪ ،‬التكنولوجية)‪ ،‬إال أنها تكون غير قادرة أو‬
‫غير راغبة في توظيف هذه العوامل إلحداث التأثير املطلوب لتحقيق‬
‫أهدافها القومية((( أما عملية قياس قوة وضعف الدولة فانها تتأثر‬
‫بعدة حقائق اساسية‪ ،‬اولها ان قوة الدولة ذات طبيعة نسبية وغير‬
‫مطلقة‪ ،‬فليس هناك حدود للقوة‪ ،‬أي ال توجد قوة مطلقة في العالم‪،‬‬
‫فالواليات املتحدة على رغم قوتها العاملية إال أنها خسرت احلرب في‬
‫فيتنام خالل القرن املاضي‪ ،‬ثانياً‪ ،‬أن قوة الدولة ذات طبيعة مؤقتة‬
‫وغير دائ�م��ة‪ ،‬ذل��ك بسبب التطور العلمي والتكنولوجي والفكري‪-‬‬
‫فقوة الدولة األمريكية تغيرت بعد امتالكها السالح النووي‪ ،‬ثالثاً‪،‬‬
‫إن ق��وة ال��دول��ة ه��ي ظ��اه��رة عالئقية‪ ،‬مبعنى أن�ه��ا محصلة تفاعل‬
‫جملة من العوامل السياسية واالقتصادية والعسكرية والتكنولوجيا‬
‫واحلضارية واجلغرافية‪ ،‬مع بعضها البعض لتكون احملصلة القوة‬
‫القومية للدولة‪ ،‬االم��ر ال��ذي يجعل من موضوع قياس قوة الدولة‪،‬‬
‫يختلف من وقت إلى آخر‪ ،‬أو من حالة إلى أخرى‪ ،‬فالقياس يستخدم‬
‫لتفسير املاضي واحلاضر‪ ،‬ويساعد على التنبؤ في املستقبل‪ ،‬أما‬
‫الدراسات اإلستراتيجية فتقيس قوة الدولة باألسلوب املقارن مع‬
‫غيرها من ال��دول‪ ،‬والتي تقع في نفس املستوى واملكانة تقريباً في‬
‫البنية الهيكلية للنظام الدولي‪ ،‬اما اهم عوامل القوة فهي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬العامل اجلغرافي‪:‬‬

‫وي�ش�م��ل ع��دة م �ح��ددات ك��امل��وق��ع اجل �غ��راف��ي ل �ل��دول��ة والشكل‬


‫اجلغرافي واملساحة وطبيعة التضاريس والسكان وطبيعة احلدود‪،‬‬
‫وكما يلي‪:‬‬
‫لويد جنسن‪ ،‬تفسير السياسة اخلارجية‪ ،‬ترجمة محمد السيد سليم ومحمد بن أحمد‬ ‫((( ‬
‫فقي‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬في اململكة العربية السعودية‪ ،1989 ،‬ص ‪.247‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ )1‬موقع الدولة اجلغرافي‪:‬‬

‫يشمل املوقع الطبيعي للدولة جلهة إطاللة الدولة على البحار‬


‫واألن�ه��ار واملضايق واخللجان واملناطق احليوية‪ ،‬فالدولة املصرية‬
‫تتمتع بأهمية إستراتيجية بسبب اطاللتها على قناة السويس التي‬
‫تربط البحر األبيض املتوسط بالبحر األحمر‪ ،‬واألمر ذاته لبنما التي‬
‫تربط قناتها البحر الكاريبي باحمليط الهادي‪ ،‬ولكن اذا حتكّمت الدول‬
‫الكبرى بهذه املواقع اإلستراتيجية‪ ،‬فان ذلك يدفع إلى فقدان الدول‬
‫املطلّة على هذه املواقع جزء من قوتها القومية واستقاللها(((‪.‬‬

‫إض��اف��ة إل��ى امل��وق��ع الطبيعي ل �ل��دول��ة‪ ،‬ف�ه�ن��اك امل��وق��ع الفلكي‬


‫للدولة‪ ،‬وال��ذي يتمثل مبوقع ال��دول��ة م��ن خطوط ال�ط��ول والعرض‪،‬‬
‫فخطوط العرض حتدد للدولة موقعها بالنسبة خلط االستواء (وهو‬
‫خط تعامد الشمس على الكرة االرضية) والذي يتحدد مبوجبه مناخ‬
‫الدولة وإنتاجها الزراعي والطبيعة البيئية(((‪.‬‬

‫وكذلك يحدد موقع الدولة من خطوط الطول (شرق أو غرب‬


‫خط غرينتش) التوقيت الزمني للدولة نسبة إلى توقيت (غرينتش)‬
‫والذي يؤثر في مدى االرتباط الزمني للمؤسسات االقتصادية واملالية‬
‫في الدولة باألسواق العاملية‪ ،‬حسب توقيت (غرينتش) العاملي‪.‬‬

‫‪ )2‬الشكل اجلغرافي للدولة‪:‬‬

‫يؤثر شكل الدولة على إستراتيجيتها القومية‪ ،‬ببعديها العسكري‬


‫إسماعيل صبري مقلد‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ ،‬دراس��ة في األص��ول والنظريات‪،‬‬ ‫((( ‬
‫الكويت‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1984 ،‬ص ‪.178‬‬
‫بهاء بدري حسني‪ ،‬التعدد القومي وأثره في البنية السياسية إليران‪ ،‬أطروحة دكتوراه (غير‬ ‫((( ‬
‫منشورة) كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد ‪.22 ،1989‬‬

‫‪96‬‬
‫واالقتصادي سواء في أوقات السلم أو احلرب‪ ،‬فثمة دول ذات شكل‬
‫منتظم‪ ،‬أي وقوع أطراف الدولة على مسافات متساوية من املركز‬
‫(العاصمة) كالعاصمة اإلسبانية مدريد‪.‬‬

‫وهناك دول ذات الشكل املستطيل (أي إذا كان طول الدولة ستة‬
‫أمثال عرضها) فأنها ستكون معرضة للتجزئة في أوق��ات احلرب‪،‬‬
‫مثل تشيلي‪ .‬وهناك دول ذات شكل مجزأ‪ ،‬األمر الذي يضعف اإلدارة‬
‫القومية للدولة داخلياً وخارجياً‪ ،‬كماليزيا التي تتكون من شطرين‪.‬‬
‫وه�ن��اك دول ذات شكل مبعثر (ج��زر)‪ ،‬مثل اندونيسيا املكوّنة من‬
‫(‪ )3000‬ج��زي��رة‪ ،‬ه��ذا الشكل املبعثر يضعف ال��دف��اع ع��ن الدولة‬
‫والسيطرة على جميع أطرافها‪ ،‬ولكنه يصعب في نفس الوقت عملية‬
‫غزو أو احتالاللها‪.‬‬

‫كما ان هناك دوالً تتمتع مبوقع استراتيجي مهم جداً‪ ،‬وتزداد‬


‫اهمية موقعها بسبب ظروف دولية معينة‪ ،‬مثل اجلمهورية االسالمية‬
‫في ايران‪ ،‬التي ازدادت اهميتها االستراتيجية ومكانتها االقليمية ألن‬
‫موقعها اجلغرافي سمح لها بأن تتوسط (جغرافياً) منطقتي االرتكاز‬
‫في احلرب العاملية على االرهاب‪ ،‬وهي العراق وافغانستان‪.‬‬

‫‪ )3‬املساحة اجلغرافية للدولة‪:‬‬

‫حجم املساحة اجلغرافية للدول يجعلها ق��ادرة على استيعاب‬


‫أع��داد ضخمة من السكان‪ ،‬كما ميكن أن تعطي املساحة الواسعة‬
‫م��وارداً طبيعية ضخمة‪ ،‬وعمق استراتيجي للدفاع عن الدولة في‬
‫حالة احل��رب‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى ذل��ك تأتي ط��رق امل��واص�لات التي تعمل‬
‫على ترابط أج��زاء ال��دول��ة لتضيف عامل ق��وة آخ��ر‪ ،‬فروسيا اليوم‬
‫والصني وكندا والهند الواليات املتحدة‪ ،‬هي دول كبرى‪ ،‬بسبب حجم‬

‫‪97‬‬
‫مساحتها‪ ،‬إضافة إل��ى عوامل أخ��رى‪ ،‬وق��د تكون املساحة الكبيرة‬
‫عبئاً على دولة قليلة السكان النها ال تستطيع الدفاع عن مساحات‬
‫مترامية األطراف(((‪.‬‬

‫‪ )4‬تضاريس الدولة‪:‬‬

‫قد تتحّ كم التضاريس من حيث وجود اجلبال والوديان واألنهار‬


‫وال�س�ه��ول وال�ه�ض��اب‪ ،‬ف��ي حت��دي��د طبيعة النقل وامل��واص�لات داخل‬
‫ال��دول��ة‪ ،‬فكلما ك��ان ه��ذا االت �ص��ال ي�س�ي��راً‪ ،‬زادت درج��ة التجانس‬
‫واالرت�ب��اط الثقافي بني املواطنني‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬ووج��ود البيئة‬
‫ال عما‬‫اجلبلية في الدولة‪ ،‬يعطيها املنعة أمام أي غزو خارجي‪ ،‬فض ً‬
‫توفره اجلبال من ثروات طبيعية وأماكن سياحية‪ ،‬أما السهول فلها‬
‫أهمية اقتصادية في الزراعة وأهمية أخرى في تسهيل املواصالت‬
‫ولكنها تسّ هل عملية الغزو اخلارجي‪.‬‬

‫‪ )5‬السكان‪:‬‬

‫هو أهم عنصر من عناصر القوة القومية‪ ،‬الن السكان ميثلون‬


‫القوة البشرية الالزمة للحرب‪ ،‬وألنهم ميثلون األس��اس في عملية‬
‫اإلنتاج(((‪ .‬وق��د يتسبب التضخم السكاني ف��ي نشوب الصراعات‬
‫الداخلية‪ ،‬بسبب عدم كفاية املوارد واخلدمات التي تقدمها الدولة‪،‬‬
‫كما يلعب التوزيع السكاني داخل الدولة دوراً مهماً في حتديد القوة‬
‫الوطنية‪ ،‬فقد جتد داخل الدولة أقاليم مكتظة بالسكان وأخرى خالية‬
‫وأقاليم انتقالية (تشهد حركة سكانية) والتوزيع األمثل للسكان‪ ،‬يتم‬
‫إسماعيل صبري مقلد‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.174‬‬ ‫((( ‬
‫بيار سيليرييه‪ ،‬اجليوبوليتيكا واجليو استراتيجيا‪ ،‬مركز الدراسات االستراتيجية والبحوث‬ ‫((( ‬
‫والتوثيق‪ ،‬بيروت‪،1993 ،‬ص ‪.51-46‬‬

‫‪98‬‬
‫من خالل التوزيع السكاني امل��وازي للثروات الوطنية املستغلة‪ ،‬أما‬
‫التركيبة الدميغرافية‪ ،‬فتتم وف��ق أربعة تصنيفات‪ :‬أولها التركيب‬
‫االق�ت�ص��ادي‪ ،‬ويعنى ب��ه تصنيف السكان حسب املستوى املعاشي‪،‬‬
‫ودخل الفرد‪ ،‬والتركيب اآلخر هو العمري‪ ،‬أي تصنيف املجتمع إلى‬
‫فئات عمرية (فئة األطفال ذكور وإن��اث‪ ،‬وفئة الشباب ذكور واناث‬
‫وفئة الكبار ذكور وإناث‪ ،‬وفئة الشيوخ ذكور وإناث) ومن ثم استخراج‬
‫نسب الفئات العمرية لتحديد ما إذا ك��ان املجتمع شاباً أو كهالً‪،‬‬
‫ذكورياً كان أم أنثوياً‪ ،‬والتصنيف الثالث هو التركيب التعليمي‪ ،‬حيث‬
‫يصنف املجتمع على حساب مؤهالتهم العلمية (دراس ��ات عليا ‪-‬‬
‫دراس��ات جامعية ‪ -‬دراس��ات مهنية ‪ -‬دراس��ات ثانوية ‪ -‬دراسات‬
‫ابتدائية ‪ -‬أمية) مع األخذ بعني االعتبار األمية احلاسوبية (اجلهل‬
‫باستعمال احلاسوب اآللي) واألمية املعلوماتية (اجلهل بآليات عمل‬
‫الشبكات واالنترنيت)‪ .‬أم��ا التصنيف ال��راب��ع‪ ،‬فهو التركيب حسب‬
‫األقليات (العرقية والدينية واللغوية والطائفية) من أجل الوقوف‬
‫على أهم متطلبات وحتديات االندماج القومي داخل الدولة‪.‬‬

‫‪ )6‬احلدود‪:‬‬

‫حدود الدولة هي نقطة انتهاء سيادة الدولة‪ ،‬لتبدأ سيادة دولة‬


‫أخرى‪ ،‬واحلدود إما تكون طبيعية كاجلبال واألنهار والغابات‪ ،‬وهي‬
‫بذلك تكون أكثر منعة ضد أي اعتداء خارجي‪ ،‬أو تكون عبارة عن‬
‫خطوط وهمية تعتمد على خطوط الطول والعرض للكرة األرضية‪،‬‬
‫أو تكون على شكل مخططات تقوم بترسيمها جل��ان فنية خاصة‪،‬‬
‫وتكون بذلك احل��دود سهلة االجتياز من قبل ال��دول األخ��رى‪ ،‬مما‬
‫يجعلها في هذه احلالة نقطة ضعف في الدولة((( أكثر من ذلك فأن‬
‫كاظم هاشم نعمة‪ ،‬العالقات الدولية‪ ،‬بغداد‪ ،‬جامعة املوصل‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫((( ‬

‫‪99‬‬
‫املنافذ احلدودية وعملها األمني‪ ،‬ومستوى التهريب على احلدود‪،‬‬
‫ومدى قدرة الدولة على بسط سيطرتها على املناطق احلدودية‪ ،‬كلها‬
‫عوامل ميكن أن تتراوح بني معدالتها نقاط الضعف والقوة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬العامل االقتصادي‪:‬‬

‫ميكن حتديد جملة من املؤشرات االقتصادية التي ينبغي على‬


‫عملية التخطيط االستراتيجي القومي‪ ،‬أخذها بعني االعتبار عند‬
‫حتديد نقاط القوة والضعف في املجال االقتصادي‪ .‬وهذه املؤشرات‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ )1‬ال �ن��اجت ال �ق��وم��ي اإلج �م��ال��ي (م��ا تنتجه ال��دول��ة م��ن سلع‬
‫وخدمات خالل فترة زمنية معينة) (((‪.‬‬

‫‪ )2‬متوسط نصيب الفرد من الناجت القومي اإلجمالي‪.‬‬

‫‪ )3‬معدل النمو االقتصادي (وه��و مقدار الزيادة في الناجت‬


‫القومي عن السنوات السابقة)‪.‬‬

‫‪ )4‬مستوى إسهامات القطاعات في الناجت القومي اإلجمالي‪:‬‬


‫القطاع الصناعي ‪ -‬القطاع الزراعي ‪ -‬قطاع اخلدمات‪.‬‬

‫‪ )5‬م�ع��دل ق��وة ال�ع�م��ل (امل� ��وارد ال�ب�ش��ري��ة امل��رت�ب�ط��ة بالعملية‬


‫اإلنتاجية)‪.‬‬

‫‪ )6‬مستوى البطالة في الدولة‪.‬‬


‫جمال زهران‪ ،‬منهج قياس قوة الدول‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،،2006 ،‬ص‬ ‫((( ‬
‫‪.51‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ )7‬حجم امليزانية العامة‪.‬‬

‫‪ )8‬حجم ال��دّ ي��ن ال�ق��وم��ي (وي�ش�م��ل ال � ّدي��ن ال��داخ�ل��ي للدولة‪،‬‬


‫كاقتراض الدولة من القطاع اخل��اص وال ّدين اخلارجي‬
‫الذي ميثل قروض الدولة من الدول األخرى)‪.‬‬

‫‪ )9‬ن�س�ب��ة ال�ت�ض�خ��م ف��ي ال �ع�م �ل��ة ق �ي��اس �اً إل ��ى أس��ع��ار املواد‬
‫االستهالكية‪.‬‬

‫‪ )10‬حجم االحتياطي النقدي للدولة من العمالت الصعبة‪.‬‬

‫‪ )11‬حجم إن�ت��اج م�ص��ادر الطاقة (النفط ‪ -‬ال�غ��از ‪ -‬الطاقة‬


‫الكهربائية ‪ -‬الطاقة الشمسية)‪.‬‬

‫‪ )12‬حجم احتياطي الطاقة‪.‬‬

‫‪ )13‬املعدل السنوي الستهالك الطاقة‪.‬‬

‫‪ )14‬حجم الطاقة املصدرة واملستوردة من وإلى اخلارج‪.‬‬

‫‪ )15‬احلجم الكلي للصادرات‪.‬‬

‫‪ )16‬احلجم الكلي للواردات‪.‬‬

‫‪ )17‬معدل سعر الصرف للعملة الوطنية (مقارنة مع العمالت‬


‫الدوالر األمريكي‪ ،‬اليورو األوروبي‪ ،‬ألني الياباني)‪.‬‬

‫‪ )18‬ما هي أكثر الدول التي تتبادل جتارياً مع الدولة‪ ،‬سواء‬


‫في الصادرات أو الواردات؟‬

‫‪101‬‬
‫ج ‪ -‬العامل العسكري‪:‬‬

‫دأبت الدراسات اإلستراتيجية على قياس قوة الدول أما من‬


‫خالل مقارنتها مع نظيراتها من الدول التي تقع ضمن نفس املكانة‬
‫ال��دول�ي��ة‪ ،‬أو مقارنة ق��وة ال��دول��ة ال��راه�ن��ة‪ ،‬بقوة ال��دول��ة ف��ي مرحلة‬
‫سابقة‪ ،‬ذلك ألن القوة ظاهرة مطلقة وغير نسبية كما ذكر سابقاً‪،‬‬
‫وهي تتصف بالتغيير املستمر على الصعيدين املادي واملعنوي‪ ،‬وميكن‬
‫حتديد أهم مؤشرات الضعف والقوة في املجال العسكري للدولة من‬
‫خالل املؤشرات التالية للدولة‪:‬‬

‫‪ )1‬طبيعة العقيدة العسكرية للدولة‪:‬‬

‫وه��ي رؤي��ة القيادة السياسية ملا ينبغي أن تكون عليه قواتها‬


‫املسلحة في مجال البناء واجلاهزية القتالية‪ ،‬والعقيدة العسكرية‬
‫‪ Military Doctrine‬تشتق من الفكر االستراتيجي والسياسي للدولة‪،‬‬
‫وتنبثق عنها اإلستراتيجية العسكرية‪.‬‬

‫فالعقيدة العسكرية ه��ي ال�ت��ي حت��دد مسالك ودروب الفعل‬


‫االستراتيجي العسكري الهادف وذلك باستخدام القوة العسكرية أو‬
‫التهديد باستخدامها‪ ،‬وتؤثر في عملية صياغة العقيدة العسكرية‪،‬‬
‫جملة من العوامل‪ ،‬كطبيعة إستراتيجية األمن القومي املعتمدة لدى‬
‫الدولة‪ ،‬واخللفية احلضارية للدولة‪ ،‬ومستوى العامل التكنولوجي‪،‬‬
‫وطبيعة التهديدات املدركة‪ ،‬واملوارد القومية املخصصة لبناء القوة‪.‬‬

‫‪ )2‬طبيعة اإلستراتيجية العسكرية للدولة‪:‬‬

‫هي فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق‬

‫‪102‬‬
‫أهداف السياسة((( أو هي فن استخدام القوى العسكرية للوصول إلى‬
‫نتائج حددتها السياسة‪ ،‬وتتحكم اإلستراتيجية العسكرية بالقوانني‬
‫العامة للصراع املسلح‪ ،‬وأوض��اع احل��رب املقبلة وطبيعتها وطبيعة‬
‫التخطيط العسكري‪ ،‬وفروع القوات املسلحة وأسس استخداماتها‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬وط��رق تسيير دفة الصراع املسلح‪ ،‬وطبيعة األسس‬
‫املادية والتكنولوجية للصراع املسلح‪ ،‬وأسس قيادة القوات املسلحة‪،‬‬
‫وقيادة احلرب‪ ،‬وتصورات وأمناط تفكير العدو في املستقبل‪ ،‬وفي‬
‫ه��ذا امل��ورد ي�ق��ول (ل�ي�ن�ين) «إن احل��رب متثل محكاً ع��امل�ي�اً الختبار‬
‫املوارد املادية والروحية لكل أمة»‪ ،‬فاإلستراتيجية العسكرية ستظل‬
‫مجال النشاط العملي للقيادة السياسية والعسكرية العليا‪ ،‬واملتعلقة‬
‫بفن إعداد البالد للحرب‪ ،‬وتصريف شؤون الصراعات املسلحة في‬
‫ظل أوضاع تاريخية محددة(((‪ .‬وفي هذا املورد كلما كانت العقيدة‬
‫العسكرية واإلستراتيجية العسكرية موائمة ومنسجمة مع التوجه‬
‫العقائدي للدولة وقدراتها القومية في ظروف مناسبة‪ ،‬كلما شكل‬
‫ذلك عامل قوة من عوامل القوة القومية للدولة‪ ،‬والعوامل العسكرية‬
‫االخرى التي تؤثر في القوة العسكرية للدولة هي‪:‬‬

‫م�ي��زان�ي��ة اإلن �ف��اق ال�ع�س�ك��ري ق �ي��اس �اً ع�ل��ى ح�ج��م الناجت‬ ‫‪ -‬‬
‫اإلجمالي القومي‪.‬‬

‫ح �ج��م ال� �ق ��وى ال �ب �ش��ري��ة ال �ع �س �ك��ري��ة (ال �ب �ن �ي��ة العمرية‬ ‫‪ -‬‬


‫والتعليمية)‪.‬‬

‫حجم قوات االحتياط (حرس وطني أو مليشيات)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬


‫ليدل هارت‪ ،‬اإلستراتيجية وتاريخها في العالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.399‬‬ ‫(( (‬
‫سوكولوفسكي‪ ،‬اإلستراتيجية العسكرية السوفياتية‪ ،‬منشورات عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫((( ‬
‫‪ ،1968‬ص ‪.42‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ )3‬مستوى وحجم القوى اجلوية‪:‬‬

‫نوع وعدد الطائرات االعتراضية (الهجومية) والقاذفات‬ ‫‪ -‬‬


‫اإلستراتيجية‪.‬‬

‫نوع وعدد طائرات اإلنذار املبكر والتشويش اإللكتروني‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫نوع وعدد طائرات النقل والتموين‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ن��وع وع ��دد ط��ائ��رات ال�ه�ل�ي��وك��وب�ت��ر (م �ق��ات�لات وناقالت‬ ‫‪ -‬‬


‫واستطالع وإنقاذ)‬

‫نوع وعدد املطارات والقواعد اجلوية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫‪ )4‬مستوى وحجم القوة البرية‪:‬‬

‫نوع وعدد الدبابات‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫نوع وعدد املدرعات القتالية والناقلة‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫نوع وعدد راجمات الصواريخ‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫نوع وعدد القواعد املضادة للصواريخ على شاكلة منظومة‬ ‫‪ -‬‬


‫الباتريوت األمريكية‪.‬‬

‫‪ )5‬مستوى وحجم القوة البحرية‪:‬‬

‫ن��وع وع��دد ح��ام�لات ال�ط��ائ��رات العمالقة ون�ط��اق عملها‬ ‫‪ -‬‬


‫اجلغرافي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫نوع وعدد الغواصات النووية والتكتيكية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫نوع وعدد البوارج (سفن عمالقة)‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ن��وع ع��دد (ال�ط��رادات وامل��دم��رات والفرقاطات ونازعات‬ ‫‪ -‬‬


‫األلغام والقطع البرمائية)‪.‬‬

‫م �س �ت��وى اإلط�ل�ال ��ة ال �ب �ح��ري��ة ل �ل��دول��ة وع� ��دد قواعدها‬ ‫‪ -‬‬


‫البحرية‪.‬‬

‫‪ )6‬حجم ومستوى القوات اإلستراتيجية‪:‬‬

‫عدد الرؤوس النووية الفاعلة‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ع ��دد ون� ��وع ال��ص��واري��خ ال�ب��ال�ي�س�ت�ي��ة احل��ام �ل��ة للرؤوس‬ ‫‪ -‬‬


‫النووية‪.‬‬

‫عدد ونوع املقذوفات الباليستية احملمولة بحراً‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ع��دد ون��وع امل�ق��ذوف��ات ال�ع��اب��رة ل�ل�ق��ارات وع��دد منصات‬ ‫‪ -‬‬


‫اإلطالق الثابتة واملتحركة‪.‬‬

‫مستوى احلرب الكيماوية والبايلوجية واإللكترونية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫مستوى وحجم قوات العمليات اخلاصة‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫‪ )7‬مستوى االستخبارات االستراتيجية‪:‬‬

‫مستوى نظم كشف التفجيرات النووية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫‪105‬‬
‫عدد ونوعية األقمار االصطناعية للتجسس واالستطالع‬ ‫‪ -‬‬
‫واملراقبة‪.‬‬

‫عدد ونوعية أقمار مراقبة حركة السفن‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫‪ )8‬حجم ومستوى مجموعات الدفاع اإلستراتيجية‪:‬‬

‫عدد ومستوى نظم الرادارات الدفاعية اجلوية‬ ‫‪ -‬‬

‫ع� ��دد وم��س��ت��وى ن �ظ��م اإلن� � ��ذار امل �ب �ك��ر ع ��ن الصواريخ‬ ‫‪ -‬‬
‫الباليستية‪.‬‬

‫حجم القيادة اجلوية للفضاء اخلارجي اإلقليمي(((‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫مستوى وفاعلية االستخبارات العسكرية‪ ،‬ودرجة حتقيق‬ ‫‪ -‬‬


‫األم��ن العسكري القومي ودرج��ة تكاملها م��ع العمليات‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫مستوى التحصني العقائدي للجيش ودرج��ة املعنويات‬ ‫‪ -‬‬


‫واالستعداد القتالي‪.‬‬

‫طبيعة ومستوى نظم التدريب املعتمدة‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫حجم ومستوى األكادمييات العسكرية ومراكز األبحاث‬ ‫‪ -‬‬


‫اإلستراتيجية والتكنولوجية‪.‬‬

‫حجم ومستوى قاعدة التصنيع العسكري‪.‬‬ ‫‪ -‬‬


‫سوسن العساف‪ ،‬استراتيجية ال��ردع‪ ،‬العقيدة العسكرية األمريكية اجلديدة واالستقرار‬ ‫((( ‬
‫الدولي‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص ‪.185‬‬

‫‪106‬‬
‫طبيعة نظم القيادة والسيطرة والتحكم‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫مستوى الكفاءة التنظيمية في املؤسسة العسكرية‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫ك �ف��اءة االن �ت �ش��ار امل�ن��ظّ ��م ل�ل�ق��وات ال�ع�س�ك��ري��ة ف��ي أقاليم‬ ‫‪ -‬‬
‫الدولة‪.‬‬

‫مستوى االندماج االلكتروني بني القيادة املركزية والقيادة‬ ‫‪ -‬‬


‫العملياتية م��ن ج �ه��ة‪ ،‬وب�ي�ن ن�ظ��م األس �ل �ح��ة ومنظومات‬
‫االستطالع واملراقبة من جهة ثانية‪.‬‬

‫د ‪ -‬العامل االجتماعي‪:‬‬

‫ميكن حتديد ع��وام��ل ال�ق��وة والضعف ف��ي امل�ج��ال االجتماعي‬


‫للدولة من خالل املؤشرات التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬مستوى االن��دم��اج ال�ق��وم��ي ف��ي ال��دول��ة‪ ،‬وان�ص�ه��ار جميع‬


‫ال �ق��وم �ي��ات وال��دي��ان��ات وال �ع��رق �ي��ات ف��ي ب��وت �ق��ة الدولة‬
‫ومؤسساتها‪.‬‬

‫‪ )2‬م�س�ت��وى االس �ت �ق��رار األم �ن��ي ف��ي ال��دول��ة‪ ،‬وال���ذي يشمل‬


‫(األم ��ن اجل �ن��ائ��ي‪ ،‬األم��ن ال�س�ي��اس��ي‪ ،‬األم��ن االقتصادي‬
‫واألمن البيئي‪ ،‬واألمن الصحي‪ ،‬واألمن الغذائي‪ ،‬واألمن‬
‫االلكتروني) ذل��ك مل��ا يرتبط ب��األم��ن م��ن ع��وام��ل التنمية‬
‫ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬ومل��ا ي��وف��ره االس�ت�ق��رار م��ن طمأنينة املجتمع‪،‬‬
‫وبالتالي تقوية التفاف املجتمع حول قيادته‪.‬‬

‫‪ )3‬مستوى اخل��دم��ات الصحية‪ ،‬م��ن خ�لال ع��دد املؤسسات‬


‫ال�ص�ح�ي��ة امل��وج��ودة نسبة إل��ى ع��دد ال �س �ك��ان‪ ،‬ومستوى‬

‫‪107‬‬
‫اخل��دم��ات املقدمة‪ ،‬وميكن أن يقاس ه��ذا امل��ؤش��ر بعدد‬
‫الوالدات إلى عدد الوفيات خالل فترة زمنية معينة‪.‬‬

‫‪ )4‬ال�ق��درة االتصالية‪ ،‬وميكن أن تقاس بنسبة مستخدمي‬


‫شبكة االنترنيت إلى نسبة السكان‪ ،‬ومدى امتالك الدولة‬
‫املنظومات األق�م��ار الصناعية‪ ،‬وع��دد خطوط الهواتف‬
‫الثابتة واحملمولة‪ ،‬ونسبة عدد احلواسيب اآللية إلى عدد‬
‫السكان‪ ،‬إضافة إل��ى نسبة أجهزة التلفزيون نسبة إلى‬
‫عدد السكان(((‪.‬‬

‫‪ )5‬القدرة التكنولوجية‪ ،‬وميكن قياسها من خالل نسبة اإلنفاق‬


‫القومي على البحث العلمي م��ن ال�ن��اجت القومي‪ ،‬وعدد‬
‫العلماء واملهندسني واخلبراء والفنيني باأللف‪ ،‬ومتوسط‬
‫نصيب الباحث العلمي من الدعم املادي واملعنوي‪ ،‬وعدد‬
‫ب��راءات االختراع العلمي‪ ،‬وع��دد مراكز البحث العلمي‪،‬‬
‫ومؤسسات التصنيع‪ ،‬وأهم االجنازات التكنولوجية‪.‬‬

‫‪ )6‬مستوى ال��روح املعنوية للدولة وتعني مستوى االستعداد‬


‫للفداء والتضحية من أجل الوطن‪ ،‬ويرتبط بذلك طبيعة‬
‫الفكر االستراتيجي للدولة‪ ،‬وطبيعة العدالة في القضايا‬
‫ال �ت��ي ت��داف��ع ال��دول��ة ع�ن�ه��ا‪ ،‬وم ��دى إمي ��ان ال�ش�ع��ب بها‪،‬‬
‫وميكن أن يقاس هذا املؤشر باالستفتاءات الشعبية‪ ،‬أو‬
‫استطالعات الرأي العام(((‪.‬‬

‫‪ )7‬م �س �ت��وى ال �ب �ن �ي��ة ال �ت �ح �ت �ي��ة‪ ،‬وي �ش �م��ل ذل ��ك ع ��دد ونوعية‬


‫جمال زهران‪ ،‬منهج قياس قوة الدول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫((( ‬
‫إسماعيل صبري مقلد‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫((( ‬

‫‪108‬‬
‫(امل �ط��ارات وامل��وان��ي‪ ،‬وش�ب�ك��ات توليد ال�ط��اق��ة وشبكات‬
‫ال��رب��ط االل�ك�ت��رون��ي وس�ك��ك احل��دي��د‪ ،‬وش�ب�ك��ات الصرف‬
‫الصحي‪ ،‬وامل��وارد الطبيعية املستثمرة وغير املستثمرة‪،‬‬
‫والطرق السريعة واإلنفاق‪ ،‬وشبكات النقل اجلوي والبري‬
‫والبحري)‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬العامل السياسي واالستخباراتي‪:‬‬

‫ميكن حتديد م��ؤش��رات الضعف وال�ق��وة في املجال السياسي‬


‫واالستخباراتي من خالل‪:‬‬

‫‪ )1‬درجة استجابة القيادة السياسية لالحتياجات األساسية‬


‫للشعب ‪.‬‬

‫‪ )2‬مستوى قدرة القيادة السياسية على تعبئة املوارد الذاتية‬


‫لصالح املجتمع‪.‬‬

‫‪ )3‬درج ��ة ال��دول��ة ف��ي م �ج��ال (ال�ت�ن�م�ي��ة ال�ب�ش��ري��ة والفساد)‬


‫بحسب التقارير الدولية‪.‬‬

‫‪ )4‬طبيعة األه� ��داف ال�ق��وم�ي��ة ل �ل��دول��ة‪ ،‬وم ��دى تناسبها مع‬


‫قدرات وعقائد الدولة‪.‬‬

‫‪ )5‬درج � ��ة س� �ي ��ادة ال���دول���ة وم��س��ت��وى ال �ت �ب �ع �ي��ة ف ��ي اتخاذ‬


‫القرار (((‪.‬‬

‫‪ )6‬مستوى االستقرار السياسي وغياب العنف‪ ،‬ودرجة نضوج‬


‫جمال زهران‪ ،‬منهج قياس قوة الدول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫((( ‬

‫‪109‬‬
‫املؤسسات السياسية‪.‬‬

‫‪ )7‬ك�ف��اءة ال�ب��رمل��ان ف��ي عمليتي التمثيل وامل �س��اءل��ة‪ ،‬ودرجة‬


‫احترام الدستور تطبيقاً وتعديالً‪.‬‬

‫‪ )8‬مستويات احلريات العامة املتاحة (التعددية السياسية‪،‬‬


‫حقوق اإلنسان)‪.‬‬

‫‪ )9‬نسبة املشاركة السياسية في انتخابات البرملان بحسب‬


‫آخر انتخابات‪.‬‬

‫‪ )10‬حجم التمثيل الدبلوماسي ل�ل��دول األخ��رى ل��دى الدولة‬


‫(متثيل داخلي)‪.‬‬

‫‪ )11‬حجم التمثيل الدبلوماسي للدولة لدى اآلخرين (متثيل‬


‫خارجي)‪.‬‬

‫‪ )12‬م �س �ت��وى ك��ف��اءة ال �ن �ظ��ام ال �س �ي��اس��ي مب��ؤس �س��ات��ه الثالث‬


‫(التشريعية‪ ،‬التنفيذية‪ ،‬القضائية)‪.‬‬

‫‪ )13‬م �س �ت��وى امل� �ي ��زان� �ي ��ات امل��ال��ي��ة ألج� �ه ��زة األم � ��ن القومي‬
‫(االستخبارات اخلارجية واالستخبارات الداخلية)‪.‬‬

‫‪ )14‬طبيعة استراتيجيات االس�ت�خ�ب��ارات‪ ،‬وم�س�ت��وى نفوذها‬


‫الداخلي واخلارجي‪.‬‬

‫‪ )15‬كفاءة اجهزة االستخبارات من خالل نسبة ما تكتشفه من‬


‫مؤمرات‪ ،‬ونسبة إدراكها املبكر إلخطار األمن القومي‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ )16‬مكانة االستخبارات في النظام اإلداري للدولة‪.‬‬

‫‪ )17‬ن�س�ب��ة م��ا مت�ت�ل�ك��ه االس �ت �خ �ب��ارات م��ن ال�ع�ل�م��اء واخلبراء‬


‫واملفكرين‪.‬‬

‫‪ - 2‬تقييم الوضع اخلارجي للدولة‪:‬‬

‫ويقصد بالبيئة اخلارجية للدولة أربعة أن��واع من البيئة‪ ،‬هي‬


‫البيئة احمليطية (دول اجل��وار)‪ ،‬والبيئة اإلقليمية‪ ،‬والبيئة الدولية‪،‬‬
‫والبيئة الفضائية‪.‬‬

‫فالبيئة احمليطية يعنى بها دول اجل��وار امل�لاص�ق��ة جغرافيا‬


‫للدولة‪ ،‬ومثال ذلك كندا واملكسيك املالصقتان للواليات املتحدة‪ ،‬أما‬
‫البيئية اإلقليمية‪ ،‬فيعنى بها اإلقليم الذي تقع فيه الدولة فالقارة‬
‫األم��ري�ك�ي��ة الشمالية واجل�ن��وب�ي��ة (الالتينية) ه��ي البيئة اإلقليمية‬
‫للواليات املتحدة‪ ،‬بحسب مبدأ (مونرو) ((( أما البيئة الدولية‪ ،‬فتشمل‬
‫النظام الدولي برمته‪ .‬والبيئة الفضائية‪ ،‬تعني نشاطات الدول في‬
‫الفضاء اخل��ارج��ي‪ ،‬وف��ي ه��ذا املجال تعتمد ال��دول��ة على املعلومات‬
‫لتشخيص الفرص املتاحة أمامها على الساحة اخلارجية‪ ،‬وحتديد‬
‫التهديدات التي تهدد أمنها القومي وأمن مصاحلها القومية‪ ،‬ويأتي‬
‫في مقدمة هذا النوع من املعلومات‪ ،‬تلك املعومات التي ترفعها أجهزة‬
‫االستخبارات واملرفقة بتحليالتها ومقترحاتها إل��ى صناع القرار‪،‬‬
‫ذلك أن هذه االجهزة تتعامل مع النوايا احلقيقية للدول‪ ،‬وليس مع‬
‫سلوكها الظاهري (العلني) كما هو احلال لدى األجهزة الدبلوماسية‬
‫واإلعالمية‪ ،‬وميكن حتديد عدد من املؤشرات التي ميكن االعتماد‬
‫أحمد يوسف أحمد‪ ،‬األوض��اع السياسية في الوطن العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬معهد الدراسات‬ ‫((( ‬
‫والبحوث العربية‪ ،2009 ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪111‬‬
‫عليها في حتليل البيئة اخلارجية للدولة‪ ،‬من خالل مؤشري الفرص‬
‫املتاحة والتهديدات البارزة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬طبيعة النظام الدولي (توازن قوى‪ ،‬تعددية قطبية‪ ،‬ثنائية‬


‫قطبية‪ ،‬أحادية قطبية)‪.‬‬

‫ب ‪ -‬طبيعة األحالف والتكتالت الدولية‪ ،‬ومدى تأثيرها على‬


‫الدولة‪ ،‬كاألحالف العسكرية والتكتالت االقتصادية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬خارطة النظام الدولي من القوى العظمى والقوة التي‬


‫تليها (الكبرى) والقوى املتوسطة‪ ،‬والدول الفقيرة‪.‬‬

‫د ‪ -‬حتديد خارطة احل��روب والصراعات واإلره��اب الدولي‬


‫وحت��دي��د م �س �ت��وي��ات ت��داع �ي��ات �ه��ا ع �ل��ى م �ص��ال��ح الدولة‬
‫وأمنها‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬حت��دي��د من��ط ال �ع�لاق��ات ال��دول �ي��ة ال �س��ائ��دة ف��ي العالم‬


‫(صراعية‪ ،‬تنافسية‪ ،‬ودية حتالفية)‪.‬‬

‫و ‪ -‬حتديد االتفاقيات واالل�ت��زام��ات الدولية‪ ،‬التي أبرمتها‬


‫الدولة مع الدول األخرى‪.‬‬

‫ز ‪ -‬حتديد خارطة عاملية لرصد صفقات التسلح بني الدول‪،‬‬


‫والقوى النووية في العالم‪.‬‬

‫أما البيئة الفضائية‪ ،‬فهي تهم الدولة (إذا كانت الدولة مهتمة‬
‫بالنشاط الفضائي اخل��ارج��ي) ف��ي خلق ال�ف��رص ف��ي تعزيز مكانة‬
‫الدولة من خالل خلق النشاط في الفضاء اخلارجي عبر اإلجراءات‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪112‬‬
‫إجراء عمليات استكشاف للفضاء اخلارجي من الكواكب‬ ‫< ‬
‫األخرى واألجرام السماوية‪ ،‬إضافة إلى إجراء التجارب‬
‫العلمية على الكواكب األخرى (القمر‪ ،‬املريخ) من أجل أن‬
‫حتقق الدولة اكتشافاً علمياً يضاف إلى سجلها‪ ،‬ويرّسخ‬
‫احلاجة الدولية اليها‪.‬‬

‫إج ��راء عمليات التجسس واالس �ت �ط�لاع وامل��راق �ب��ة عبر‬ ‫< ‬
‫األقمار الصناعية من أجل تعزيز الدولة ألمنها القومي‪،‬‬
‫وجمع املعلومات عن األعداء واملنافسني‪ ،‬عبر ما يسمى‬
‫باالستخبارات اإلستراتيجية‪ ،‬كنظام كشف التفجيرات‬
‫ا ل �ن��وو ي��ة ‪Integrated Operational Nuclear Detection‬‬
‫‪ .System‬ال��ذي يعرف اختصارا ‪ IONDS‬وال��ذي متتلكه‬
‫الواليات املتحدة(((‪.‬‬

‫تعزيز القطاع االتصالي‪ ،‬من خ�لال القنوات الفضائية‬ ‫< ‬


‫واالت��ص��االت واالن �ت��رن �ي��ت‪ ،‬وال ��ذي ي�ح�ق��ق ل�ل��دول��ة عمقاً‬
‫اقتصادياً ومعرفياً إضافياً‪ ،‬وكل ذلك يتم بعد أن متتلك‬
‫الدولة البنية التحتية الالزمة للنشاط الفضائي‪ ،‬ممثلة‬
‫مبؤسسات الرصد الفضائي‪ ،‬ومنظومات القيادة والسيطرة‬
‫والتحكم‪ ،‬إضافة إلى صواريخ حمل األقمار الصناعية‪،‬‬
‫واملختبرات العلمية‪ ،‬ومصانع هندسة الفضاء‪ ،‬وكل ذلك‬
‫يتحقق بتوافر إرادة سياسية كاملة للقيادة السياسية في‬
‫الدولة‪.‬‬

‫ان عملية تقييم البيئات الداخلية واخلارجية للدولة‪ ،‬إليضاح‬


‫‪Commission to Assess United States National Security Space Management‬‬ ‫((( ‬
‫‪and Organization: Report: 2001, p. 15.‬‬

‫‪113‬‬
‫نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي تواجهها الدولة‪،‬‬
‫يجب ربطها مبزيد من االهتمام برسالة الدولة ومهمتها‪ ،‬باعتبارها‬
‫تضع األساس لتحديد القضايا اإلستراتيجية للدولة‪ ،‬ومن ثم وضع‬
‫االستراتيجيات الفعالة التي تعتمد على عوامل القوة وتستفيد من‬
‫الفرص املتاحة‪ ،‬وفي نفس الوقت تقلل من عوامل الضعف وتتغلب‬
‫على التهديدات املدركة‪ ،‬وحتتاج عملية التقييم للبيئات الداخلية‬
‫واخلارجية إلى عملية مسح خارجي وداخلي ممنهجة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫نظام معلوماتي فعّال‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫صياغة االستراتيجيات القومية وتنفيذها‬

‫ينبغي على املخططني اإلستراتيجيني صياغة االستراتيجيات‬


‫ال�ق��وم�ي��ة بالشكل ال ��ذي يجعلها مقبولة س�ي��اس�ي�اً‪ ،‬وان ت�ك��ون قابلة‬
‫ومحصنة بشكل قانوني‬
‫ّ‬ ‫للتنفيذ‪ ،‬أي تتصف بدرجة عالية من الواقعية‪،‬‬
‫واخ�لاق��ي‪ ،‬بهدف حشد اجماع النخب السياسية لها‪ ،‬وتعبئة تأييد‬
‫الشعب من حولها‪ ،‬باعتبار ان االستراتيجية القومية مثل استراتيجيات‬
‫السياسة اخلارجية واألمن القومي‪ ،‬تكون مبثابة اجلسر الذي يربط‬
‫الدولة مبحيطها االقليمي والدولي يهدف متكني الدولة من التفاعل‬
‫م��ع متطلبات وحت��دي��ات محيطها االقليمي وال��دول��ي بفعالية عالية‪،‬‬
‫فعملية الصياغة ينبغي ان تكون دقيقة جداً ألنها تعكس جهود احملللني‬
‫وتقييّمات املخططني وأهداف صناع القرار ضمن فترة زمنية معينة‪.‬‬

‫واهم ما يجب االنتباه اليه في هذه املرحلة‪ ،‬هو توخي الدقة‬


‫في حتديد القضايا االستراتيجية التي تواجهها الدولة مع رسم سلم‬
‫باألولويات التي يجب ان تسير عليه الدولة في مواجهة استحقاقاتها‬
‫الداخلية واخلارجية‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬حت��دي��د ال �ق �ض��اي��ا اإلس �ت��رات �ي �ج �ي��ة ال �ت��ي تواجه‬
‫الدولة‬

‫تكمن اهمية حتديد التحديات األساسية التي تواجه الدولة‪،‬‬


‫في انها ستخلق االط��ار العام لصنع ال�ق��رار السياسي‪ ،‬وكلما كان‬
‫حتديد القضايا اإلستراتيجية دقيقاً‪ ،‬كلما ك��ان ال�ق��رار السياسي‬
‫مقبوالً والعكس صحيح‪ ،‬إضافة إلى أن دقة التحديد للقضايا تعطي‬
‫بُعداً فنياً في عملية تنفيذ اإلستراتيجية القومية للدولة‪ ،‬وتختصر‬
‫(((‬
‫الكثير من اجلهد والوقت واملوارد القومية‪.‬‬

‫ان عملية حتديد القضايا اإلستراتيجية التي تواجهها الدول‬


‫األخرى‪ ،‬ترتبط بوجود حتديات تستوجب املواجهة‪ ،‬فقد تكون الدولة‬
‫معرّضة لتحدي خ��اص بسيادة ال��دول��ة وأمنها القومي‪ ،‬عن طريق‬
‫تهديدها من قبل دولة أخرى بشن احلرب عليها‪ ،‬وهنا يتم تصنيف‬
‫هذا التهديد من حيث التوقيت الزمني إلى خطر (وشيك الوقوع‪،‬‬
‫أو خطر متوقع‪ ،‬أو خطر ممكن‪ ،‬أو خطر مستبعد)‪ ،‬ثم يقسم هذا‬
‫اخلطر بحسب شدة خطورته (منطقياً) إلى (خطر جداً‪ ،‬أو خطير‪،‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬تصنّف االدارة االمريكية تهديدات امنها القومي إلى ثالث مستويات‬ ‫((( ‬
‫املستوى األول‪ :‬ويشمل املخاطر التي تهدد وجود الواليات املتحدة‪ ،‬وكانت متمثلة باالحتاد‬
‫السوفيتي السابق‪ ،‬والقوى النووية التي متثل البديل لالحتاد السوفيتي هي الصني وروسيا‬
‫االحتادية‪ .‬املستوى الثاني‪ :‬ويشمل مخاطر تهدد املصالح األمريكية في العالم‪ ،‬وخصوصاً‬
‫في آسيا والشرق األوسط وحتديداً منطقة اخلليج العربي‪ ،‬ومصادر هذه املخاطر هي‬
‫روسيا والصني وكوريا الشمالية وإيران‪ ،‬وتنظيم القاعدة‪ ،‬وحركة طالبان في أفغانستان‪،‬‬
‫إضافة مناطق حيوية اخ��رى في العالم مثل منطقة اخلليج العربي‪ ،‬وقناة بنما‪ ،‬وقناة‬
‫السويس‪ .‬املستوى الثالث‪ :‬ويشمل مخاطر يعتبر وجودها مقلقاً للواليات املتحدة من‬
‫الناحية األمنية‪ ،‬كالوضع في السودان واليمن والصومال والعراق وافغانستان‪ ،‬وعليه فإن‬
‫األمن القومي األمريكي يصنف حتدياته وفقاً خلطورة التحدي نفسه‪ ،‬مع وضع ترتيب‬
‫زمني ضمن كل مستوى من املستويات الثالث‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫أو خ�ط��ر م�ق�ل��ق)‪ ،‬وق��د ت��واج��ه ال��دول��ة حت��دي �اً أق��ل خ �ط��ورة م��ن شن‬
‫احل��رب عليها‪ ،‬كأن يكون تآمراً ضد نظامها السياسي‪ ،‬أو زعزعة‬
‫االستقرار األمني في الدولة‪ ،‬أو محاولة لتفتيت الوحدة الوطنية‬
‫للدولة‪ ،‬أو اإلضرار باملوارد املادية ومصادر الطاقة واملياه‪ ،‬أو تهديد‬
‫املصالح احليوية للدولة‪ ،‬وف��ي جميع ه��ذه احل��االت‪ ،‬فعلى أعضاء‬
‫فريق التخطيط االستراتيجي أن يطرحوا تساؤالت حول كل حتد‪،‬‬
‫للوصول إلى قائمة حتديات مرتبة بحسب أهميتها وتوقيتها بالنسبة‬
‫للدولة‪ ،‬لتساعد صانع القرار على اتخاذ القرار املناسب‪ ،‬من خالل‬
‫طرح االسئلة التالية‪ :‬ما هي طبيعة اخلطر؟ ما هو مصدر اخلطر؟‬
‫ما هي العوامل املغذية للخطر؟ ما هي العواقب في حالة الفشل‬
‫في مواجهة اخلطر؟ ماذا بإمكاننا أن نفعل ملواجهة اخلطر؟ ما هي‬
‫تداعيات اخلطر إذا لم تتم مواجهته؟ هل ميكن جتزئة اخلطر؟ أم‬
‫ميكن دمج اخلطر مع أخطار أخرى؟) واألسلوب األمثل في حتديد‬
‫القضايا اإلستراتيجية وترتيبها حسب اخلطورة والتوقيت‪ ،‬هو إجراء‬
‫عملية تصويت بني أعضاء فريق التخطيط االستراتيجي الختيار أهم‬
‫خمس قضايا مطروحة وترتيبها حسب األهمية (واملقصود باألهمية‬
‫هو حجم اخلطورة للتهديد وزمن وقوعه)‪ ،‬وعموماً‪ ،‬فأنه ميكن وضع‬
‫املعايير التالية‪ ،‬لتحديد القضايا اإلستراتيجية التي تواجه الدولة‪،‬‬
‫ومبعنى آخر‪ ،‬أي القضايا التي تعتبر إستراتيجية بالنسبة للدولة‪:‬‬

‫‪ - 1‬جميع حتديات األم��ن القومي وس�ي��ادة ال��دول��ة ورسالتها‬


‫وعقيدتها‪.‬‬

‫‪ - 2‬جميع التحديات التي ميكن أن تصيب املصالح احليوية‬


‫للدولة بالضرر‪.‬‬

‫‪ - 3‬جميع التحديات التي يعتبر وجودها مقلق للدولة‪ ،‬سواء‬

‫‪117‬‬
‫كانت داخلية أو خارجية‪.‬‬

‫‪ - 4‬التحديات التي تواجهها ال��دول والتي ميكن حلها بعدة‬


‫طرق مختلفة‪.‬‬

‫‪ - 5‬قياس حجم العواقب التي ميكن أن تنشأ من جراء عدم‬


‫مواجهة التحدي‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬صياغة اإلستراتيجية‬

‫الغرض من خطوة صياغة اإلستراتيجية هو إيجاد مجموعة‬


‫من السياسات التي تربط الدولة ببيئتها اخلارجية‪ ،‬وتتم صياغة‬
‫اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة اس�ت�ج��اب��ة ل�ق�ض��اي��ا إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ت��واج�ه�ه��ا الدولة‪،‬‬
‫وبالتالي فإن الهدف من صياغة اإلستراتيجية هو تقدمي ما توصل‬
‫إليه فريق التخطيط االستراتيجي القومي من ق��رارات إلى صانع‬
‫القرار العتمادها بهدف تنفيذ اإلستراتيجية على أرض الواقع‪ ،‬وفي‬
‫هذه اخلطوة ثمة نوعني من الصياغة املطلوبة لوضع اإلستراتيجية‪،‬‬
‫النوع االول هو الصياغة العملية لإلستراتيجية‪ ،‬والنوع الثاني هو‬
‫الصياغة الفنية أو الشكلية‪ ،‬ففي الصياغة العملية يتم مراعاة‬
‫األمور التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬ب�ع��د أن ح��دد امل�خ�ط�ط��ون ال�ق�ض��اي��ا اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة التي‬


‫تواجه الدولة‪ ،‬ومت ترتيب هذه القضايا في قائمة خاصة‪،‬‬
‫حسب أهمية وخطورة وتوقيت كل قضية‪ ،‬فإن اخلطوة‬
‫القادمة هي توزيع األدوار واملهام واملسؤوليات والواجبات‬
‫ملؤسسات الدولة املعنية باإلستراتيجية (وزارات‪ ،‬حكومات‬
‫محلية‪ ،‬م��ؤس�س��ات)‪ ،‬م��ع رس��م اخل�ط��ط الكفيلة بتنفيذ‬
‫هذه األدوار‪ ،‬إضافة إلى تهيئة اخلطط البديلة‪ ،‬ورصد‬

‫‪118‬‬
‫اإلم�ك��ان�ي��ات امل��ادي��ة وامل�ع�ن��وي��ة ال�لازم��ة لتحقيق الهدف‬
‫املطلوب ضمن توقيتات زمنية يحددها فريق التخطيط‬
‫االستراتيجي (((‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتديد املؤسسة املعنية التي ستتولى اإلشراف والتنسيق‬


‫(بني مؤسسات الدولة) واملتابعة لضمان حسن سير تنفيذ‬
‫اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬ضمن امل ��وارد امل�ت��اح��ة ل�ه��ا‪ ،‬والتوقيتات‬
‫الزمنية املرسومة لها‪ ،‬وبالوسائل احملددة سلفاً‪ ،‬لتحقيق‬
‫األه��داف املتفق عليها‪ ،‬وينبغي أن ترتبط هذه املؤسسة‬
‫بدوائر صنع القرار مباشرة‪ ،‬نظراً ملا قد حتتاجه هذه‬
‫امل��ؤس�س��ة م��ن ص�لاح�ي��ات وم ��وارد‪ ،‬ق��د يصعب احلصول‬
‫عليها بالطرق البيروقراطية‪.‬‬

‫‪ - 3‬ينبغي وصف بدائل اخليارات اإلستراتيجية بدقة بالغة‬


‫من حيث (التكاليف والتوقيتات واملرونة وم��دى التأثير‬
‫على اخليارات األخ��رى) من أجل أن تكون هناك حزمة‬
‫واسعة من اخليارات أمام صناع القرار‪.‬‬

‫أما النوع الثاني من عملية صياغة االستراتيجية‪ ،‬فهو الصياغة‬


‫الفنية‪ ،‬فهي تعنى بالشكل ال��ذي ستخرج عليه اإلستراتيجية من‬
‫عقول املخططني إلى الورق أو جهاز احلاسوب اآللي‪ ،‬وينبغي وضع‬
‫عنوان اإلستراتيجية مع التوقيت الزمني لها‪ ،‬ثم يدون أسماء فرق‬
‫التخطيط اإلستراتيجية (مناصبهم ومؤهالتهم العلمية) ثم تبدأ‬
‫اإلستراتيجية ببيان رسالة الدولة وقيمها ورؤيتها‪ ،‬ثم تقدمي موجز‬
‫شامل حول البيئة اخلارجية والداخلية للدولة‪ ،‬والتحديات والقضايا‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬ ‫((( ‬

‫‪119‬‬
‫اإلستراتيجية التي تواجه الدولة حالياً‪ ،‬وخالل املستقبل املنظور‪ ،‬ثم‬
‫تبينّ بإيجاز خطط املؤسسات املعنية وادوارها في مواجهة القضايا‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬من حيث األدوات وامل��وارد والتوقيتات واألهداف‪،‬‬
‫إض��اف��ة إل��ى ب�ي��ان اخل �ي��ارات البديلة ل�ه��ا‪ ،‬ث��م حت��دد جهة اإلشراف‬
‫وال�ت�ن�س�ي��ق وامل�ت��اب�ع��ة لتنفيذ اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬وأخ �ي��راً حت��دد درجة‬
‫السرية على الوثيقة اإلستراتيجية متهيداً لتقدميها لصانع القرار‬
‫العتمادها‪.‬‬
‫(((‬
‫ثالث ًا‪ :‬تنفيذ اإلستراتيجية‬

‫بعد اعتماد اإلستراتيجية من قبل صانع القرار‪ ،‬تأتي عملية‬


‫التنفيذ لتتّحول اإلستراتيجية من تصورات نظرية إلى واقع ملموس‬
‫تبدأ من خالل فعاليات القيادة اإلستراتيجية‪ ،‬ألن تنفيذ اإلستراتيجية‬
‫يبث احل�ي��وي��ة ف��ي اإلستراتيجية ويخلق القيمة احلقيقية للدولة‬
‫أمام شعبها‪ ،‬وأهم نتائج عملية التنفيذ هي القيمة احلقيقية التي‬
‫أضافتها اإلستراتيجية إلى مكانة الدولة من خالل حتقيق أهدافها‪،‬‬
‫وستظهر خالل عملية التنفيذ كل الصعوبات واملفاجآت التي لم تكن‬
‫في حسبان املخططني‪ ،‬وهناك أسلوبان أساسيان في عملية تنفيذ‬
‫اإلستراتيجية‪:‬‬

‫‪ - 1‬اسلوب التنفيذ‪ :‬املباشر‪:‬‬

‫يشمل التنفيذ امل�ب��اش��ر لإلستراتيجية ع�ل��ى م��رح�ل��ة واحدة‪،‬‬


‫وبصورة مستمرة‪ ،‬وهذا النوع من التنفيذ تستخدمه الدول‪ ،‬عندما‬
‫تكون الظروف الدولية واإلقليمية‪ ،‬اعتيادية وموآتية‪ ،‬فتستغل الدول‬
‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫((( ‬

‫‪120‬‬
‫هذه الفرص لتحقيق أهداف استراتيجياتها(((‪.‬‬

‫‪ - 2‬أسلوب التنفيذ غير املباشر‪:‬‬

‫يستخدم ه��ذا األس�ل��وب ف��ي ال�ظ��روف الصعبة التي تواجهها‬


‫الدولة‪ ،‬فهنا يكون التنفيذ على شكل مراحل يجري اعتمادها الواحدة‬
‫تلو األخرى‪ ،‬ومثال ذلك اإلستراتيجية األمريكية جتاه احتالل العراق‬
‫‪.((( 2003‬‬

‫رابع ًا‪ :‬تقييم اإلستراتيجية‬

‫يعني تقييم اإلستراتيجية مراجعة السياسات واالستراتيجيات‬


‫واخلطط والبرامج واملشروعات اإلستراتيجية لتجديد مسار العمل‬
‫املستقبلي‪ ،‬وتشتمل النتائج املرجوة على احملافظة على االستراتيجيات‬
‫اجليدة‪ ،‬وتعديل االستراتيجيات األقل جناحاً‪ ،‬من خالل إصالحات‬
‫مناسبة‪ ،‬أو مراجعة شاملة للخطط‪ ،‬كما تشتمل على التخلص من‬
‫االستراتيجيات غير املرغوبة‪.‬‬
‫ومثال ذلك إستراتيجية االستيطان التي تتبعها إسرائيل في فلسطني‪ ،‬فهي تنفذ هذه‬ ‫((( ‬
‫اإلستراتيجية مباشرة ضمن مناخ دولي مساعد‪ ،‬من خالل دعم أمريكي وأوروبي واسع‪،‬‬
‫يقابله ضعف وتفكك في النظام العربي‪ ،‬وتفوق استراتيجي في مجال القوة على اجلانب‬
‫الفلسطيني املقاوم في الداخل‬
‫فالعراق دمرت ‪ %70‬من قوته اإلستراتيجية عام ‪ 1991‬بعد حرب اخلليج الثانية‪ ،‬وهذه‬ ‫(( (‬
‫املرحلة األول ��ى‪ ،‬ثم أخضع العراق حلصار اقتصادي شامل‪ ،‬يرافقه ضربات جوية ملواقع‬
‫حيوية طيلة ‪ 13‬عاماً‪ ،‬مع استمرار تدمير أسلحة العراق اإلستراتيجية بواسطة فرق‬
‫التفتيش الدولية (أمنوفيك ويونسكوم) بذريعة امتالك العراق أسلحة الدمار الشامل‬
‫وصالته بتنظيم القاعدة‪ ،‬ثم تأتي املرحلة الرابعة‪ ،‬وهي مرحلة االحتالل العسكري املباشر‬
‫عام ‪ ،2003‬بعد أن أنهك العراق بالعقوبات االقتصادية‪ ،‬وحُ طمت قوته العسكرية‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى إلى انهيار الدولة العراقية خالل ‪ 20‬يوماً فقط‪ ،‬من بدء احلرب في ‪ 20‬مارس‬
‫‪ 2003‬إلى سقوط بغداد في ‪ 9‬نيسان‪/‬ابريل ‪.2003‬‬

‫‪121‬‬
‫وم��ن النتائج املرجوة أيضاً‪ ،‬تعبئة الطاقة واحلماس ملواجهة‬
‫القضايا اإلستراتيجية املهمة ال�ت��ي ت�ب��رز على ال�س��اح��ة‪ ،‬وبتعبير‬
‫أدق‪ ،‬مراجعة اإلستراتيجية للتحقق من طبيعة األداء للمؤسسات‬
‫املعنية‪ ،‬والتأكد من نسبة االه��داف املنجزة من األه��داف املرسومة‬
‫لإلستراتيجية‪ ،‬والتحقق من كفاية املوارد املرصودة والسقف الزمني‬
‫احمل��دد لإلستراتيجية‪ ،‬فهي عملية لتالفي اجل��وان��ب السلبية في‬
‫تنفيذ اإلستراتيجية‪ ،‬وتنمية العوامل اإليجابية فيها‪ ،‬أما مكاسب‬
‫عملية التقييم فيمكن أن تتضمن التالي‪:‬‬

‫‪ - 1‬ضمان بقاء القدرات املؤسسية مؤهلة لالستجابة السريعة‬


‫واملناسبة للقضايا اجلوهرية في اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪ - 2‬ح��ل ال�ق�ض��اي��ا امل�ت��رس�ب��ة وال �ت��ي ت�ب��رز أث �ن��اء عملية تنفيذ‬


‫اإلستراتيجية (مواجهة التداعيات السلبية لإلستراتيجية)‬
‫أو االحداث والوقائع غير املتوقعة‪.‬‬

‫‪ - 3‬حتفيز الطاقات واإلرادة والفكر إلدخال اإلصالحات في‬


‫اإلستراتيجية القائمة(((‪.‬‬

‫جون برايسون‪ ،‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.301‬‬ ‫((( ‬

‫‪122‬‬
‫(((‬
‫الباب الثاني‬
‫االستراتيجيات الدفاعية للدول‬

‫مفاهيم وأسس استراتيجيات الدفاع‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬‬

‫ال � �ق� ��ائ � �م� ��ون ب� � ��إع� � ��داد االس� �ت ��رات� �ي� �ج� �ي ��ات‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬‬
‫ومسؤولياتهم‪.‬‬

‫إدارة السياسة اخلارجية للدفاع عن الدولة‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬‬

‫إعداد القوات املسلحة للدفاع‪.‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬إعداد االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬إعداد أجهزة الدولة والشعب للدفاع‪.‬‬

‫مت االعتماد في معلومات هذا الباب على موسوعة املقاتل (بتصرف)‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪123‬‬
124
‫مقدمة‬

‫احل��رب ظاهرة اجتماعية‪ ،‬وه��ي أح��د األنشطة التي مارسها‬


‫اإلن �س��ان م�ن��ذ ب��دء اخل�ل�ي�ق��ة‪ ،‬وسيلتها اس �ت �خ��دام ال�ع�ن��ف واإلك���راه‪،‬‬
‫وهدفها‪ ،‬حماية املصالح وفرض اإلرادة عند تعارض املطالب‪.‬‬

‫ّف املفكر العسكري األملاني‪ ،‬كارل فون كالوزفيتز‪ ،‬احلرب‪،‬‬‫ويُ َعر ْ‬


‫على أنها «عمل عنيف نقصد منه إجبار خصومنا‪ ،‬على اخلضوع‬
‫إلرادت�ن��ا»‪ .‬أم��ا املوسوعة العسكرية‪ ،‬فقد فسرت احل��رب على أنها‬
‫«شكل من أشكال العالقات الدولية‪ .‬يستخدم فيها العنف املسلح‪،‬‬
‫باإلضافة إل��ى أدوات أخ��رى‪ ،‬م��ن أدوات السياسة‪ .‬ومبعنى أوسع‬
‫وأش �م��ل‪ ،‬ه��ي اس�ت�خ��دام ال�ق��وة ب�ين جماعتني م��ن البشر‪ ،‬تخضعان‬
‫لنظامني متعارضني‪ ،‬لهما مصالح متعارضة»‪.‬‬

‫ويُ�ع��د ت�ع��ارض املصالح‪ ،‬وال��دف��اع ع��ن املكاسب واحل �ق��وق‪ ،‬من‬


‫أس�ب��اب احل��روب الرئيسية‪ ،‬كما أن السعي نحو ح�ي��اة أف�ض��ل‪ ،‬أو‬
‫احلصول على سالم مستقر‪ ،‬أسباب أخرى للحرب‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ه��ذه األس �ب��اب ف��ي مجملها‪ ،‬ت��وض��ح إن ك��ان��ت احل��رب ظاهرة‬
‫اجتماعية‪ ،‬وإن ُع��دت نشاطاً إنسانياً قدمياً ومستدمياً‪ .‬وألن هذه‬
‫ه��ي طبيعة احل��رب‪ ،‬ف��إن توقع حدوثها أم��ر ب��دي�ه��يّ ‪ ،‬واإلع ��داد لها‬
‫تبصر وروية‪ ،‬وحرص ال بد منه‪ ،‬لكسبها‪ ،‬وحتقيق القصد منها‪.‬‬

‫كانت احلرب قدميا‪ ،‬صراعاً محدوداً وفقاً‪ ،‬إلمكانيات األسلحة‬


‫وامل �ع��دات املستخدمة فيها‪ ،‬وق ��درات ال��رج��ال ال��ذي��ن يخوضونها‪.‬‬
‫لذلك كانت ويالتها ونتائجها املدمرة وهي صفات مالزمة ألحداثها‬
‫محدودة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬في منطقة القتال ذاتها‪ ،‬وفي صفوف اجلنود والقادة‬
‫املشاركني فيها‪ ،‬على الرغم من أن النتائج العامة لها ستنسحب على‬
‫مساحات أوس��ع‪ ،‬وتصيب قوماً لم يشاركوا في احل��رب‪ ،‬وكانوا في‬
‫منأى عن ميدانها وقت حدوثها‪.‬‬

‫ت�ط��ورت أدوات احل��رب‪ ،‬وشملت األسلحة التي ط��ال مداها‪،‬‬


‫وات �س��ع م�ج��ال�ه��ا‪ ،‬وزادت ش��دة فتكها‪ .‬ك�م��ا شملت امل � ٌع � ّدةَ فصارت‬
‫أكثر سرعة‪ ،‬وأق��در على احلركة في أرج��اء األرض وأعماق البحار‬
‫وطبقات الفضاء‪ ،‬ونتج عن هذا التطور‪ ،‬أن أصبح القرن العشرون‬
‫أكثر القرون دموية‪ ،‬فقد خاضت البشرية فيه أكثر من ‪ 130‬حرباً‪،‬‬
‫قُتل خاللها أكثر من ‪ 120‬مليون شخص‪ ،‬ويتعدى املدنيون أعداد‬
‫العسكريني من القتلى أو املشوهني‪ ،‬وهي أرقام وحقائق‪ ،‬فاقت نتائج‬
‫حروب كل القرون السابقة‪.‬‬

‫أدى التطور املستمر في مجاالت التسليح وأساليب القتال‪ ،‬إلى‬


‫أن تشمل ساحة احلرب مساحة الدول املتحاربة كلها‪ ،‬كما قد تؤثر‬
‫احل��روب على جيران غير مشاركني فيها‪ ،‬تأثيراً مباشراً أحياناً‪،‬‬
‫وغير مباشر‪ ،‬غالباً‪ .‬كما تعرض املدنيون للقتل واإلص��اب��ة‪ ،‬مثلما‬
‫يتعرض لهما العسكريون احملترفون‪ .‬ودخلت املناطق اخللفية واملدن‬
‫دائ��رة التدمير‪ ،‬شأنها شأن خطوط القتال‪ ،‬والدفاعات احملصنة‪،‬‬

‫‪126‬‬
‫ولم يعد هناك فرق‪ ،‬فكل مساحة يشملها تأثير احلرب‪ ،‬وأينما وجد‬
‫الفرد طاله الضرر‪.‬‬

‫إنّ اتساع إطار التدمير‪ ،‬وشموله‪ ،‬يتطلب باملقابل اتساع إطار‬


‫اإلع��داد‪ ،‬وشموله‪ ،‬ول��م يعد ذل��ك ق��اص��راً على املقاتلني وم��ا يتعلق‬
‫بهم‪ ،‬بل أصبح يشمل كذلك كل فئات الشعب‪ ،‬وكافة مناطق الدولة‬
‫فلكل دور في احلرب وعليه االستعداد له‪ ،‬والتدرب ملواجهة‬ ‫ومنشآتها‪ٍ ،‬‬
‫أخطارها وآث��اره��ا‪ .‬وأص�ب��ح اإلع��داد عملة ذات وجهني متالزمني‪،‬‬
‫وقاية‪ ،‬ودفاع‪ ،‬وهما ركنا اإلعداد‪.‬‬

‫تتطلب إدارة ال �ص��راع��ات امل�س�ل�ح��ة احل ��روب أم� ��واالً طائلة‪.‬‬


‫فاألسلحة والعتاد احلربي‪ ،‬أثمانها باهظة‪ ،‬كما أن م��واد اإلعاشة‬
‫والطاقة والذخائر‪ ،‬يصعب احلصول عليها وقت األزمات واحلروب‪،‬‬
‫ويستلزم ذلك سياسة حكيمة‪ ،‬ودبلوماسية مرنة‪.‬‬

‫ويُستثمر ف��ي االس�ت�ع��داد للحروب‪ ،‬ج��زء غير يسير م��ن دخل‬


‫الدولة ومواردها‪ ،‬كان االقتصاديون يعدونه‪ ،‬سابقاً‪ ،‬استثماراً حبيساً‪،‬‬
‫مقيداً رهن االستخدام‪ ،‬مُستهل َكاً أو مُدمّراً خالله‪ .‬ويصبح بذلك‬
‫املفهوم استثماراً بال عائد‪ .‬واحلقيقة أن االستثمار في إعداد الدولة‬
‫للحرب لم يعد كذلك‪ .‬بل أصبح استثماراً مخططاً‪ ،‬ذا فوائد متعددة‪.‬‬
‫فهو يخدم األنشطة املدنية في الدولة‪ ،‬ويستفيد منه العسكريون‪،‬‬
‫وي�س��رع بتنفيذ م�ش��روع��ات‪ ،‬م��ا ك��ان لها أن تنفذ قبل ع��دة سنوات‬
‫قادمة‪ ،‬ترتفع فيها تكلفة اإلنشاء وأجور العاملني‪ ،‬بل إن بعضاً من‬
‫ه��ذه امل�ش��روع��ات‪ ،‬ال�ت��ي يتطلب اإلع ��داد إجن��ازه��ا أوالً‪ ،‬ذات عائد‬
‫م��ادي‪ ،‬يتيح عمالة أكثر‪ ،‬وتقدم تقني أفضل‪ ،‬ورب��ح أس��رع‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫أصبح املنظور االقتصادي‪ ،‬أكثر تفهماً لدور وأهمية اإلعداد للحرب‪،‬‬
‫بانعكاساته اإليجابية على كل جوانب الدولة‪ ،‬ومردود عائداته على‬
‫اقتصادها‪ ،‬ولو كان ذلك غير مباشر‪.‬‬

‫‪127‬‬
128
‫الفصل األول‬
‫مفاهيم وأسس استراتيجيات الدفاع‬

‫التفسير البسيط إلعداد استراتيجية الدفاع عن الدولة‪ ،‬يكون‬


‫بالتهيؤ والتأهب لكل شرائح مجتمع الدولة ملواجهة اخلطر دفاعاً عن‬
‫كيانها‪ .‬والتهيؤ يكون باتخاذ إجراءات مسبقة تناسب احتماالت وقوع‬
‫أخطار معينة‪ ،‬والتأهب هو االستعداد لتنفيذ اإلجراءات عند وقوع‬
‫اخلطر‪ ،‬ويشمل ذلك كل قطاعات الدولة وطوائفها‪ ،‬حيث إن اخلطر‬
‫مس عضواً تداعت له كل األعضاء‪ .‬فاخلطر إذا أصاب جزءاً من‬ ‫إذا َّ‬
‫الدولة بسوء‪ ،‬تأثر الكل من جراء ذلك‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن االستعداد لدرء‬
‫اخلطر‪ ،‬يجب أن يشمل كل فئات الشعب‪ ،‬كل في مجاله‪.‬‬

‫وي�ك��ون إع��داد استراتيجية ال��دول��ة للدفاع‪ ،‬باتخاذ تدبيرين‪:‬‬


‫أولهما مجموعة إجراءات التقاء األضرار عند وقوع اخلطر‪ ،‬وثانيهما‬
‫السعيّ لعدم تصاعد األح��داث إلى حد اخلطر (احل��رب)‪ .‬وباتخاذ‬
‫هذين التدبيرين‪ ،‬تتكون استراتيجية الدولة للدفاع ضد احلرب‪،‬‬
‫باعتبارها أكثر األخطار تدميراً لكيان الدولة ومستقبلها‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫جاء في تعريف مصطلح‪« :‬إستراتيجية الدولة للدفاع» والذي‬
‫يعد محاولة من بعض الكتاب لوضع تفسير شامل له ‪ -‬أنه «عملية‬
‫واسعة املدى تشمل كل ما مينح الدولة القدرة على ردع العدوان في‬
‫أية حلظة‪ ،‬وحتقيق النصر في أقل وقت ممكن؛ والصمود للحرب‬
‫طويلة األم��د؛ والتقليل م��ن اخلسائر التي تسببها ض��رب��ات العدو‬
‫واحملافظة على مستوى عال من الروح املعنوية‪ ،‬وعلى إرادة القتال‬
‫والصمود لدى الشعب»‪.‬‬

‫وع �ل��ى ن�ح��و أك �ث��ر ب�س��اط��ة‪ُ ،‬ع � � َّر َف امل�ص�ط�ل��ح ع�ل��ى أن��ه «جميع‬
‫التدابير واإلجراءات واجلهود‪ ،‬التي تتخذها الدولة زمن السلم‪ ،‬في‬
‫سبيل حتقيق خامتة مظفرة للصراع املسلح»‪.‬‬

‫والدولة كيان سياسي له مقومات ثالث‪ :‬أرض‪ ،‬وشعب‪ ،‬وسلطة‪.‬‬


‫وتُعرف الدولة بأنها‪ :‬هي الكيان السياسي‪ ،‬واإلطار التنظيمي‪ ،‬والقوة‬
‫االجتماعية املنظمة‪ ،‬والتي لها وحدها السيادة داخل املجتمع‪ ،‬وعلى‬
‫أي فرد من أفراده‪ ،‬وتعلو إرادتها على كل اإلرادات‪ ،‬ومتتلك وحدها‬
‫سلطة إصدار القوانني‪ ،‬وسلطة تنفيذها‪ ،‬ولها وحدها من دون سائر‬
‫التنظيمات األخرى حق الطاعة‪ .‬وهي شخصية قانونية موحدة‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬مفهوم استراتيجية الدفاع‬

‫يعني إعداد الدولة ملواجهة اخلصم (العدو)‪ ،‬وذلك من خالل‬


‫تطوير واستخدام كافة القدرات واإلمكانيات املتيسرة للدولة‪ ،‬في‬
‫ك��اف��ة ج��وان�ب�ه��ا السياسية واالق�ت�ص��ادي��ة وال�ع�س�ك��ري��ة واالجتماعية‬
‫والبشرية (وهي ما تعرف بقوى الدولة الشاملة)‪ ،‬لتحقيق األهداف‬
‫والغايات الوطنية واألمن الوطني للدولة‪ ،‬وسالمة أراضيها‪.‬‬

‫ويعبر هذا املفهوم عن االتساع الالنهائي‪ ،‬الستراتيجية الدولة‬

‫‪130‬‬
‫للدفاع‪ .‬فمن أجل حتقيق النصر في احلرب‪ ،‬والدفاع عن كيان الدولة‪،‬‬
‫يتم اإلعداد لذلك في كل مكان ومجال‪ ،‬وفي كل وقت وزمان‪ ،‬وفي‬
‫كل أوجه النشاط اإلنساني‪ .‬ويعني ذلك استمرار اإلعداد املتواصل‪،‬‬
‫وهو ما يعني‪ ،‬ضمناً‪ ،‬ضرورة التطوير مِلا سبق إعداده‪ ،‬كلما تغيرت‬
‫املعطيات‪ ،‬أو استجدت امل��ؤث��رات‪ ،‬وهو أمر ال بد منه‪ ،‬ألن التغيير‬
‫والتجديد من قوانني الكون األزلية‪ ،‬التي يجب مراعاتها دائماً عند‬
‫التخطيط‪.‬‬

‫إن م�ف�ه��وم استراتيجية ال��دول��ة ل�ل��دف��اع‪ ،‬يشير إل��ى ضخامة‬


‫اجلهد املبذول‪ ،‬وهو ما يتطلب مشاركة أجهزة ومؤسسات عديدة في‬
‫الدولة فيه‪ ،‬واشتراك القيادات‪ ،‬بكل مستوياتها‪ ،‬ومشاركة الشعب‬
‫مبختلف ف�ئ��ات��ه‪ ،‬وإن �ف��اق امل��ال واجل �ه��د‪ ،‬واس �ت �خ��دام ك��ل اإلمكانات‬
‫املتاحة‪ ،‬والطاقات املمكنة‪ ،‬الفعالة والكامنة في كافة أبعاد قوى‬
‫الدولة املادية واملعنوية‪.‬‬

‫وحتى تكون خطط استراتيجية الدولة للدفاع صاحلة لفترات‬


‫طويلة‪ ،‬إذ ليس م��ن املعقول تغييرها ف��ي ف�ت��رات زمنية متالحقة‪،‬‬
‫لتكلفتها العالية‪ ،‬وضخامة اجلهد امل�ب��ذول فيها‪ ،‬فإنها تُبنى على‬
‫أساس املرونة الكاملة‪ ،‬التي ميكنها‪ ،‬عند التنبؤ املبكر بسير األحداث‪،‬‬
‫أن تواجه احلدث ومتغيراته‪ ،‬وتع ّدل من إجراءاتها وأسبقياتها للتغلب‬
‫عليه‪ ،‬وقد ميكنها أحياناً جتنبه من البداية‪.‬‬

‫وتختبر خطط اإلع��داد‪ ،‬ملعرفة م��دى كفاءتها‪ ،‬وشمولها لكل‬


‫متطلبات مواجهة الصراع‪ ،‬من خالل متثيل جتارب حتاكي الصراع‬
‫احلقيقي وأحداثه‪ .‬ويوضح ذلك ما يحتاجه اإلع��داد من تطوير أو‬
‫تعديل أو تغيير‪ ،‬ليكون أكثر مالءمة وجناحاً في احتواء املواقف‪،‬‬
‫التي تفرزها املواجهة مع الصراع املسلح والتغلب عليها‪ ،‬وقد يتم‬

‫‪131‬‬
‫ذلك أحياناً‪ ،‬خالل املواجهة الفعلية ذاتها‪.‬‬

‫وقد يجرى التعديل والتغيير والتطوير أثناء املواجهة الفعلية‪،‬‬


‫خالل الصراع‪ ،‬وهي أصعب املواقف التي تواجه اخلطة‪ .‬ويتوقف‬
‫النجاح في إدارة الصراع‪ ،‬عندئذ‪ ،‬على درجة مرونة اخلطة‪ .‬وينطبق‬
‫ذلك على كل املستويات‪ ،‬التي تتم املواجهة في إطارها‪ ،‬محلية كانت‪،‬‬
‫أو إقليمية‪ ،‬أو دولية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أهمية اإلعداد املسبق لإلستراتيجية‬

‫إن اإلع���داد امل�س�ب��ق ل�لأح��داث‪ ،‬يهيئ ال�ف��رص��ة للتأهب لها‪،‬‬


‫وحشد الطاقات واإلمكانيات للسيطرة على مجرياتها‪ ،‬واالستفادة‬
‫من نتائجها الفائدة القصوى‪ .‬بينما التراخي أو عدم التبصر‪ ،‬يؤديان‬
‫إلى املفاجأة باألحداث‪ ،‬وتتوالى اخلسائر‪ ،‬لتفقد الدولة ما كان في‬
‫متناول قدراتها‪ ،‬والتي لم تتح لها املفاجأة‪ ،‬استخدامها بشكل جيد‪،‬‬
‫فتكون الهزمية وس��وء العاقبة‪ .‬ف��احل��رب أم��ر خطير جلل‪ ،‬تتوقف‬
‫عليه مصائر األمم‪ ،‬لذلك هي جديرة بالتحضير والتجهيز واإلعداد‬
‫لها‪ ،‬في مختلف النواحي‪ .‬ألن الدخول في احلرب من دون جتهيز‬
‫وإع ��داد‪ ،‬يسبب الفشل ال��ذي ق��د يصعب بعد ذل��ك تخطى نتائجه‬
‫املدمرة‪ .‬وتستعد الدول في وقت السلم للحرب‪ ،‬حيث تبنى سياستها‬
‫وإستراتيجيتها وتعبئ جميع مواردها لتحوز النصر في احلرب‪ ،‬التي‬
‫أصبحت في العصر احلديث شاملة يشترك فيها اجليش والشعب‪،‬‬
‫وهي بذلك أولى باإلعداد الشامل لضمان النصر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهداف إعداد االستراتيجية‬

‫ي �ه��دف إع���داد ال��دول��ة الس�ت��رات�ي�ج�ي�ت�ه��ا‪ ،‬إل��ى زي���ادة قدراتها‬


‫وإمكاناتها عسكرياً واقتصادياً ومعنوياً‪ ،‬واستخدام طاقاتها ومواردها‬

‫‪132‬‬
‫االس�ت�خ��دام األم�ث��ل‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬ف��إن األه��داف التي تسعى ال��دول��ة إلى‬
‫حتقيقها‪ ،‬أثناء اإلعداد للدفاع هي‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال�ق��درة على ص��دّ ال�ع��دوان املفاجئ للعدو‪ ،‬والتحول من‬


‫أوض��اع السلم إل��ى احل��رب‪ ،‬وإدارة العمليات احلربية‪،‬‬
‫وتوجيه ضربة انتقامية رادعة‪ ،‬النتزاع املبادأة واحملافظة‬
‫عليها‪ ،‬طوال فترة الصراع املسلح‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتقيق النصر ف��ي أس��رع وق��ت وأق �ص��ره‪ ،‬وب��أق��ل خسائر‬


‫ممكنة ‪.‬‬

‫‪ - 3‬القدرة على إدارة حرب طويلة األمد‪ ،‬وذلك بتوفير كافة‬


‫متطلبات القدرة العسكرية واالقتصادية واملعنوية‪.‬‬

‫‪ - 4‬حتمل الضربات املركزة والقوية للعدو‪ ،‬مع التعرض ألق ّل‬


‫خسائر‪.‬‬

‫‪ - 5‬احملافظة على الروح املعنوية للشعب مرتفعة‪.‬‬

‫ويعني ذلك‪ ،‬ضرورة عودة املواطنني إلى حالة األمان‪ ،‬بعد رد‬
‫اخلطر‪ ،‬في أقرب وقت‪ ،‬من دون أن يكون لذلك تأثير ضار عليهم‪،‬‬
‫مع االستعداد لالستمرار في الدفاع عن الوطن‪ ،‬إذا دعت احلاجة‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬عناصر إعداد االستراتيجية‬

‫يؤدي التوصل إلى نظريات‪ ،‬أو اكتشافات علمية جديدة‪ ،‬في‬


‫امل�ج��االت املختلفة‪ ،‬إل��ى التطور املستمر‪ ،‬وظ�ه��ور م�ع��دات وأسلحة‬
‫حديثة‪ .‬وكل ذلك ي��ؤدي إلى تغير في مفهوم استخدام القوات في‬
‫احل��رب‪ ،‬وتغير ف��ي تنظيم ال�ق��وات والعقائد القتالية املستخدمة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫وتتطور تبعاً لذلك اإلستراتيجية العسكرية نفسها‪ ،‬مما يدعو إلى‬
‫م��زي��د م��ن ال�ت�ط��ور ف��ي امل �ع��دات والتجهيزات العسكرية‪ ،‬والعقائد‬
‫القتالية‪ ،‬وأساليب القتال‪ ،‬في عملية مستمرة ودائمة‪.‬‬

‫ويعتمد تطور العتاد وامل�ع��دات‪ ،‬على إمكانات الدولة املادية‪،‬‬


‫وقدرتها االقتصادية‪ .‬ويتطلب ذلك االستمرار في إعداد االقتصاد‬
‫ال��وط�ن��ي‪ ،‬ل��دع��م التطور واألب �ح��اث واالخ �ت��راع��ات‪ ،‬وتوفير الكوادر‬
‫الفنية وتدريبها‪ .‬وم��ن الطبيعي أن يتوقف مستوى التقدم العلمي‬
‫والتكنولوجي ل�ل��دول��ة‪ ،‬على ارت�ف��اع املستوى الثقافي واالجتماعي‬
‫للشعب‪ ،‬ويظهر أهمية تناسق العمل االقتصادي مع العمل الثقافي‬
‫والعلمي‪.‬‬

‫أزال املدى الكبير لوسائل التدمير العصرية‪ ،‬وقوتها الهائلة‪،‬‬


‫احلدود الفاصلة بني اجلبهات وخطوط القتال وبني مقدمة القوات‬
‫ْف العامل اخلاص باتساع‬
‫ضع ْ‬‫ومؤخرتها وعمق الدولة‪ ،‬وأدى ذلك إلى َ‬
‫مساحة الدولة‪ ،‬أو ابتعادها عن جبهة القتال‪ ،‬وأصبحت كل أراضي‬
‫الدولة مسرحاً للعمليات‪.‬‬

‫وت�س��اع��د ال�ع�لاق��ات ال��دول�ي��ة ال�ق��وي��ة‪ ،‬ع�ل��ى ت��دب�ي��ر احتياجات‬


‫الدولة من اخل��ارج في وقت األزم��ات‪ ،‬وأثناء احل��رب‪ ،‬وهو ما يؤكد‬
‫أهمية متتع الدولة بسياسة خارجية جيدة‪ ،‬تتيح لها مساندة فعالة‬
‫من حلفائها في احملافل الدولية واإلقليمية‪ ،‬وتعاون مثمر من دول‬
‫اجلوار اجلغرافي‪ ،‬التي يكون استثمار العالقات معها وقت احلرب‬
‫مهماً‪ ،‬حلل مشكالت استيراد االحتياجات من اخلارج‪ ،‬سواء كانت‬
‫احتياجات غذائية أو احتياجات عسكرية‪.‬‬

‫يدور القتال بني الدول على شريحة من األرض‪ ،‬وما جاورها‬

‫‪134‬‬
‫من سواحل وبحار‪ ،‬وما عالها من أج��واء‪ ،‬س��واء كان ذلك بالقرب‬
‫من ال��دول��ة‪ ،‬أو على أراضيها‪ ،‬أو بعيداً عنها‪ ،‬طبقاً لقدرة الدولة‬
‫على إدارة الصراع املسلح على أبعاد مختلفة‪ .‬ويتطلب ذلك إعداداً‬
‫جيداً لألرض‪ .‬حتى ميكن استخدام مواردها وطرقها لصالح الدولة‬
‫وقواتها املسلحة‪ .‬ويشمل إعداد األرض كذلك‪ ،‬ما ميكن من استغالل‬
‫الساحل أو الفضاء‪ ،‬االستغالل األمثل‪.‬‬

‫يتضح من ذلك أن‪ ،‬إعداد استراتيجية الدولة للدفاع يشتمل‬


‫على العناصر الرئيسية التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬إدارة السياسة اخلارجية مبا يتالءم مع أه��داف الدولة‬


‫من الصراع املنتظر‪.‬‬

‫‪ - 2‬إعداد القوات املسلحة احملترفة‪.‬‬

‫‪ - 3‬إعداد مسرح العمليات احملتمل‪ ،‬إلدارة الصراع داخله‪.‬‬

‫‪ - 4‬إعداد االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫‪ - 5‬إعداد أجهزة الدولة‪.‬‬

‫‪ - 6‬إعداد الشعب‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬مراحل إعداد االستراتيجية‬

‫يستلزم اع��داد االستراتيجية إت�ب��اع أس�ل��وب علمي وعصري‪،‬‬


‫الستغالل إمكانيات ال��دول��ة‪ ،‬وتنمية قدراتها‪ ،‬ملواجهة التحديات‪،‬‬
‫والدخول في صراعات ناجحة‪ ،‬حتقق أهدافها القومية‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫يتضمن إعداد الدولة للدفاع أربع مراحل رئيسية‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪ - 1‬التخطيط‪:‬‬

‫أول مراحل اإلع��داد وأهمها‪ ،‬وه��و األس��اس ال��ذي تُبنى عليه‬


‫األع��م��ال واإلج� � ��راءات امل �ك��ون��ة خل �ط��ة اإلع � ��داد (امل��رح �ل��ة التالية‬
‫للتخطيط)‪ .‬يتطلب التخطيط حتديداً واضحاً لألهداف‪ ،‬والغايات‬
‫الوطنية‪ ،‬والسياسات املطلوب حتقيقها‪ .‬كما يتطلب توفير ك ّم من‬
‫املعلومات والبيانات واحل�ق��ائ��ق‪ ،‬التي يستفاد منها كقاعدة‪ ،‬تُعني‬
‫املخططني ف��ي حت��دي��د األع �م��ال ال �ض��روري��ة‪ ،‬وأسبقياتها لتحقيق‬
‫أهداف الدولة‪.‬‬

‫كما ت��درس األج�ه��زة املسؤولة حتديد البدائل املختلفة‪ ،‬التي‬


‫حتقق األهداف‪ ،‬واختيار أنسبها وأكثرها قابلية للتنفيذ‪ ،‬أي أكثرها‬
‫مرونة‪ .‬ويجب أن يتماشى التخطيط ومراحله‪ ،‬مع أه��داف الدولة‬
‫وسياساتها املرحلية‪ .‬فعلى القيادة السياسية العليا للدولة‪ ،‬حتديد‬
‫«األه���داف السياسية واأله���داف السياسية امل��رح�ل�ي��ة‪ ،‬واألهداف‬
‫السياسية العسكرية» التي يُبنى عليها التخطيط امل��رك��زي‪ ،‬خلطة‬
‫شاملة إلعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫وحتدد اخلطة املركزية الشاملة‪ ،‬إلعداد الدولة للدفاع‪ ،‬مجموعة‬


‫القواعد وال�ق�ي��ود‪ ،‬التي حتكم استخدام الوسائل املتاحة لتحقيق‬
‫األه ��داف‪ ،‬متضمنة‪ ،‬ك��ذل��ك‪ ،‬اخل�ط��ط املرحلية احملققة لألهداف‬
‫املرحلية‪ ،‬وبرنامج التنفيذ‪ ،‬ال��ذي يتضمن حتقيق أه��داف وسيطة‪،‬‬
‫واستخدام أمثل لإلمكانيات املتاحة‪ ،‬واجلهود املبذولة املتكاملة‪.‬‬

‫ويجري تطوير البرامج املنفذة وتعديلها‪ ،‬خالل التطبيق الفعلي‬


‫أو التجريبي‪ ،‬للحصول على أف�ض��ل النتائج امل��رج��وة‪ ،‬ال�ت��ي حتقق‬

‫‪136‬‬
‫األهداف من اخلطط املوضوعة‪.‬‬

‫وتُعد مقترحات ومطالب وزارة الدفاع‪ ،‬والقيادة العامة للقوات‬


‫املسلحة‪ ،‬بالدولة‪ ،‬أساس وضع اخلطة االستراتيجية الشاملة‪ ،‬التي‬
‫تُق َدم من قبل مسؤولي العمليات في القيادة العامة للقوات املسلحة‪،‬‬
‫إلى رئاسة الوزراء‪ ،‬بواسطة الوزير املختص (وزير الدفاع)‪ ،‬مُحَ ِّددة‬
‫بشكل دقيق الهدف اإلستراتيجي الرئيسي‪ ،‬واملرحلي‪ ،‬من إعداد‬
‫القوات املسلحة‪ ،‬والشعب‪ ،‬للدفاع‪ ،‬واملطالب اخلاصة بكل مرحلة‪.‬‬

‫والتخطيط عمل تنظيمي‪ ،‬يتضمن مجموعة من اإلجراءات‪،‬‬


‫والقرارات‪ ،‬للوصول ألهداف محددة‪ ،‬عبر مراحل خاصة‪ ،‬خالل فترة‬
‫(أو فترات) زمنية محددة‪ ،‬مستخدماً املوارد املتاحة (مادية كانت أو‬
‫بشرية أو معنوية) حالياً أو مستقبالً‪ ،‬باألسلوب األمثل‪ .‬وهو بذلك‬
‫يرمي إلى اختيار أفضل البدائل‪ ،‬لتحقيق األهداف‪ ،‬مُرتباً األعمال‬
‫التنفيذية‪ ،‬في أولوياته‪ ،‬على ضوء اإلمكانات‪ ،‬املتاحة في كل مرحلة‪،‬‬
‫أو فترة زمنية‪ .‬على ذلك‪ ،‬فإن التخطيط يتدخل عن قصد‪ ،‬للتأثير‬
‫في حركة‪ ،‬ومسار‪ ،‬األعمال‪ ،‬ليحدث تغييراً اصطناعياً‪ ،‬يهدف منه‪،‬‬
‫إلى زيادة السرعة‪ ،‬وتوجيه املسار‪ ،‬لتحقيق هدف محدد‪ ،‬في وقت‬
‫محدد‪.‬‬

‫تتعدد اجلهات القائمة بالتخطيط‪ ،‬كل في اختصاصها‪ .‬فتتولى‬


‫وزارة الدفاع‪ ،‬إع��داد التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام القوات‪،‬‬
‫وتشترك معها أجهزة النقل واملواصالت‪ ،‬واألشغال العامة‪ ،‬والري‪،‬‬
‫ف��ي التخطيط‪ ،‬الس�ت�خ��دام األراض ��ي‪ ،‬ف��ي‪ ،‬م�س��رح العمليات‪ .‬وقد‬
‫تشارك أيضاً الهيئات املسؤولة عن التعمير وبناء املدن‪ .‬كما تخطط‬
‫رئاسة مجلس ال��وزراء (أو وزارة التخطيط) إلع��داد أجهزة الدولة‬
‫املختلفة‪ .‬وتُعد وزارة اإلعالم‪ ،‬وما يتبعها من هيئات‪ ،‬خطط لتعبئة‬

‫‪137‬‬
‫الشعب معنوياً‪ .‬وتشارك الوزارات االقتصادية املختلفة (الصناعة‪،‬‬
‫وال��زراع��ة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬واملالية واالقتصاد‪ ،‬والنقل وامل��واص�لات) في‬
‫التخطيط‪ ،‬للتحول إلى اقتصاديات احلرب‪.‬‬

‫وتؤثر نتائج تنفيذ املخططات التخصصية في اخلطة املركزية‬


‫الشاملة‪ .‬لذلك يجب أن يُنَسّ ق مضمون اخلطط التخصصية من حيث‬
‫الهدف املرحلي‪ ،‬وامل��دى الزمني‪ ،‬واستخدامها لإلمكانيات املتاحة‬
‫(حالياً ومستقبالً)‪ ،‬مبا يضمن عدم حدوث تعارض‪ ،‬أو قصور‪ ،‬في‬
‫حتقيق الغاية من التخطيط‪.‬‬

‫ويُ�ع�ه��د جلهة واح ��دة‪( ،‬ه��ي جهة التنسيق للخطة املركزية)‪،‬‬


‫مسؤولية اإلشراف‪ ،‬واملتابعة‪ ،‬والرقابة‪ ،‬على التخطيط التفصيلي‪،‬‬
‫وتنسيق االتصاالت الرئيسية‪ ،‬لالجتاهات املختلفة‪ .‬ويجري كل ذلك‬
‫في إطار مرحلي موحد‪ ،‬مع مراعاة الظروف السائدة‪ ،‬ومدى االحتياج‬
‫نحو‬
‫لتطابق أزمنة املراحل‪ ،‬في اخلطط التفصيلية‪ ،‬حتى تضمن‪ ،‬على ٍ‬
‫دقيق ومتقن‪ ،‬ما يجنبها اللجوء إلى كثرة التعديالت‪ ،‬والتغييرات‪،‬‬
‫ملواجهة اخللل في األداء مستقبالً‪.‬‬

‫‪ - 2‬التنظيم والتنسيق‪:‬‬

‫تتضمن اخل�ط��ة امل��رك��زي��ة ال�ش��ام�ل��ة‪ ،‬إلع ��داد ال��دول��ة للدفاع‪،‬‬


‫العديد من األعمال واإلجراءات‪ ،‬التي يتطلب تنفيذها اشتراك عدة‬
‫جهات م�ع�اً‪ .‬وحتى ال تتعارض اخل�ط��ة‪ ،‬ف��ي مراحلها املختلفة‪ ،‬مع‬
‫األعمال الرئيسية األخ��رى‪ ،‬التي تقوم بها تلك اجلهات (الوزارات‬
‫واملؤسسات)‪ ،‬أو تتأخر أسبقيات أي منهم‪ ،‬فإنه من الضروري القيام‬
‫بعدة أعمال تنظيمية وتنسيقية‪ ،‬هي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تنسيق اجل �ه��ود ب�ين ال�س�ل�ط��ات واألج��ه��زة‪ ،‬واملؤسسات‬

‫‪138‬‬
‫املدنية والعسكرية بالدولة املشتركة‪ ،‬في عمل (إجراء)‬
‫واحد‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حت��دي��د أوج ��ه ال �ن �ش��اط امل�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬ب��ال�ه�ي�ئ��ات واألجهزة‬


‫وامل��ؤس�س��ات وح�ص��ره��ا‪ ،‬حتى ميكن التعرف على حجم‬
‫اإلمكانات املتاحة‪ ،‬ويساعد ذلك على سهولة العمل ويسر‬
‫في األداء‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تقدير حجم األعمال الالزمة‪ ،‬وحتديد األجهزة املنفذة‬


‫لها طبقاً ل�لإم�ك��ان��ات امل�ت��اح��ة لكل ج�ه��از وت�ق��دي��ر حجم‬
‫ال �ت �س �ه �ي�لات ون��ط��اق امل ��رون ��ة امل �س �م��وح ب��ه ع �ن��د تغيير‬
‫اإلج��راءات‪ ،‬ووض��ع أسلوب للتنفيذ على ضوء ذل��ك‪ ،‬مبا‬
‫يحقق أفضل النتائج في أقل األوقات‪( .‬وإن تطلب ذلك‬
‫تغيير أو ت�ع��دي��ل ال�ه�ي��اك��ل التنظيمية ل�لأج�ه��زة نفسها‪،‬‬
‫لتتالءم مع متطلبات التنفيذ)‪.‬‬

‫د ‪ -‬تنظيم وت�ك��ام��ل ال �ق��وى ال�ع��ام�ل��ة ألج �ه��زة ال��دول��ة املدنية‬


‫والعسكرية‪ ،‬واختيار أفضل القيادات‪ ،‬وتنمية قدراتها‬
‫ومهاراتها‪ ،‬لتنفيذ األعمال‪ ،‬وحتقيق األهداف املخططة‪،‬‬
‫مع حتقيق مبدأ التوازن‪ ،‬بني السلطة املمنوحة واملسؤولية‬
‫احملددة‪ ،‬لكل جهاز وهيئة في الدولة‪ ،‬جتاه تنفيذ خطة‬
‫إعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التوسع في استخدام األجهزة واملعدات احلديثة‪ ،‬وأساليب‬


‫العمل العلمية‪ ،‬لضمان تنفيذ اخلطط املرحلية‪ ،‬مبا يحقق‬
‫أفضل النتائج‪ ،‬طبقاً ألهداف اخلطة املركزية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ - 3‬التوجيه واملتابعة‪:‬‬

‫تبدأ مرحلة التوجيه واملتابعة بالتوازي مع املراحل السابقة‪،‬‬


‫ولكنها تستمر بعدهما أثناء التنفيذ الفعلي ملِا مت تخطيطه‪ .‬ويساعد‬
‫التوجيه اجلهات املنفذة‪ ،‬على سرعة فهم التعليمات والقرارات‪،‬‬
‫واستيعاب الهدف من اخلطط املرحلية العامة واملتخصصة‪ ،‬حتى‬
‫يكون التنفيذ‪ ،‬مطابقاً للقصد من التخطيط‪ .‬ويتم التوجيه من خالل‬
‫االتصاالت الرئيسية إما‪ ،‬إلى املنفذين‪ ،‬أو إلى املخططني‪ ،‬مما يعاون‬
‫على حتقيق الهدف من التوجيه‪ ،‬كما تتم كذلك من خالل االتصاالت‬
‫العرضية (اجلانبية) بغرض التنسيق مع اآلخ��ري��ن‪ ،‬وتقليل اجلهد‬
‫وعدم التعارض معهم‪.‬‬

‫كما يشمل التوجيه‪ ،‬كذلك املتابعة‪ ،‬فهي تبدأ من أول خطة‬


‫أو تعليمات تصدر‪ ،‬وتستمر ما استمر التنفيذ والتعديل والتطوير‪.‬‬
‫وتعتبر املتابعة خطة مكملة للخطة املركزية الشاملة‪ ،‬وهي تراقب‬
‫تنفيذها في الوقت احملدد وباألسلوب املطلوب‪ .‬وكل خطة تخصصية‬
‫أو مرحلية‪ ،‬ال بد لها من خطة متابعة‪ ،‬حتى يصبح مكتمالً‪.‬‬

‫وال يعتمد في التوجيه واملتابعة‪ ،‬على تلقي النتائج والبالغات‬


‫ع��ن س�ي��ر ال�ع�م��ل ف�ق��ط‪ ،‬ب��ل ي�ج��ب أن ت�ك��ون اخل�ط��ة أك�ث��ر إيجابية‪،‬‬
‫باحتوائها على توقيتات ملراجعة اإلجنازات‪ ،‬وتطابقها زمنياً وإجرائياً‬
‫مع التخطيط‪ .‬كما يجب أن حتتوي على إجراءات مفاجئة‪ ،‬للوقوف‬
‫على حسن انتظام العمل‪ ،‬واكتشاف املعوقات في الوقت املناسب‪،‬‬
‫وهو ما يجب أن يتوافق‪ ،‬كذلك‪ ،‬مع خطة التنسيق‪.‬‬

‫وتستمر املتابعة كذلك‪ ،‬في مرحلة التنفيذ الكتشاف املعوقات‪،‬‬


‫وإخ�ط��ار اجلهات املعنية إلزالتها‪ ،‬أو لتنسيق التعاون بني اجلهات‬

‫‪140‬‬
‫املختلفة املشتركة في عمل واح��د (ف��ي توقيت واح��د أو بالتتالي)‪،‬‬
‫لضمان عدم إهدار الوقت أو اإلمكانات‪ .‬كما تنبئ املتابعة‪ ،‬كذلك‪،‬‬
‫عما ميكن أن يحدث من تناقضات معوقة‪ ،‬يجب جتنبها وتعديلها‪.‬‬

‫‪ - 4‬التنفيذ‪:‬‬

‫آخر مراحل اإلعداد‪ ،‬وفيه يجري تنفيذ كل ما مت االتفاق عليه‬


‫وتخطيطه‪ ،‬طبقاً للخطة الزمنية املعدة للتنفيذ‪ .‬لذلك‪ ،‬فهذه املرحلة‬
‫تشارك فيها كل األجهزة العاملة من البداية‪ .‬ويكون الهدف حتقيق‬
‫أفضل النتائج‪ ،‬أثناء تنفيذ اخلطط املوضوعة‪ ،‬واملصدق عليها‪ ،‬أو‬
‫تعديلها وتنسيقها‪ ،‬في ض��وء ال�ظ��روف احمليطة واإلمكانيات‪ ،‬وأي‬
‫عوامل أخرى أ ُخذت في االعتبار‪ ،‬عند التخطيط‪.‬‬

‫والتنفيذ م�س��ؤول�ي��ة ك��ل األج �ه��زة‪ ،‬ال�ت��ي ش��ارك��ت ف��ي املراحل‬


‫السابقة‪ ،‬كما أن��ه مسؤولية املنفذين أنفسهم‪ .‬لذلك يجب حتديد‬
‫املسؤوليات واملهام بدقة ووضوح‪ ،‬عند بدء التنفيذ‪.‬‬

‫‪141‬‬
142
‫الفصل الثاني‬
‫القائمون بإعداد االستراتيجيات ومسؤولياتهم‬

‫تقع مسؤولية إع��داد اإلستراتيجية على عدة أجهزة‪ .‬يشرف‬


‫كل منها على عدة مؤسسات ومنظمات رسمية أو شعبية‪ .‬ويُسهم‬
‫املشاركون بأقصى طاقة لهم في حتمل مسؤولية اإلعداد‪ ،‬مما يعطي‬
‫هذه املسؤولية سمة الشمول‪ ،‬التي هي صفة اإلعداد نفسه‪ .‬وتتطلب‬
‫األنشطة املتعددة واملتنوعة ل�لإع��داد‪ ،‬اش�ت��راك كل ق�ي��ادات الدولة‬
‫على مختلف تخصصاتها‪ ،‬من خالل األجهزة التابعة لها‪ ،‬املنوط بها‬
‫مسؤولية التخطيط والتنظيم واملتابعة والتنفيذ‪ .‬كما يشارك فيها‬
‫القيادات الشعبية‪ ،‬واملؤسسات التشريعية والتنفيذية‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬القيادة السياسية‬

‫ه��ي امل�س��ؤول األول ع��ن إع��داد االستراتيجية ومواجهة كافة‬


‫ال �ظ��روف ب �ص��رف ال�ن�ظ��رع��ن ش�ك��ل ت�ل��ك ال �ق �ي��ادة ال�س�ي��اس�ي��ة‪ .‬فهي‬
‫مسؤولة عن إق��رار السياسة العامة وتوجيهها‪ ،‬وكذلك السياسات‬
‫التخصصية‪ ،‬مبا فيها السياسة اخلارجية والداخلية والعسكرية‪ ،‬وهي‬

‫‪143‬‬
‫أهم السياسات املأخوذة عن السياسة العامة‪ .‬وتتحدد مسؤوليات‬
‫القيادة السياسية‪ ،‬اخلاصة بإعداد االستارتيجية‪ ،‬فيما يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬إق��رار مقترحات ال�ق�ي��ادة العسكرية ومطالبها‪ ،‬إلعداد‬


‫االستراتيجية الدفاعية‪.‬‬

‫‪ - 2‬إقرار اخلطة املركزية بكافة مشتمالتها املتخصصة‪.‬‬

‫‪ - 3‬إصدار التعليمات‪ ،‬وحتديد املهام‪ ،‬لألجهزة املنفذة‪.‬‬

‫‪ - 4‬إص��دار التوجيهات الالزمة‪ ،‬بعد مناقشة وإق��رار تقارير‬


‫الرقابة واملتابعة لألجهزة املنف ّذة‪.‬‬

‫‪ - 5‬اإلشراف الكامل على كل خطوات تنفيذ اخلطة املركزية‪،‬‬


‫واخلطط املرحلية‪ ،‬في جميع املجاالت احملددة‪ ،‬ومتابعة‬
‫تنفيذ التوجيهات‪ ،‬وإقرار تعديل اخلطط الفرعية‪.‬‬

‫‪ - 6‬مراقبة حتقيق األهداف املرحلية‪ ،‬والهدف العام من خطة‬


‫اإلعداد‪.‬‬

‫وتُعد القيادة السياسية‪ ،‬أعلى مستوى يدير ويشرف على تنفيذ‬


‫خطة إع��داد ال��دول��ة للدفاع‪ ،‬ل��ذا‪ ،‬فهي أي�ض�اً مسؤولة ع��ن حتديد‬
‫األس��س والقيود‪ ،‬التي تعمل كل األج�ه��زة واملؤسسات والتنظيمات‬
‫الرسمية والشعبية في إطارها‪ .‬وتشمل‪:‬‬

‫‪ - 1‬حتديد التهديد الرئيسي للدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتديد نوع احلرب‪ ،‬التي على الدولة اإلعداد لها‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ - 3‬اخ �ت �ي��ار أف �ض��ل ال��سّ �ب��ل ل�ت�ح�ق�ي��ق ال �س �ي��اس��ة العسكرية‬
‫للدولة‪.‬‬

‫‪ - 4‬حت ��دي ��د ال� �ه���دف ال��س��ي��اس��ي ال� �ع� �س� �ك ��ري‪ ،‬م���ن احل���رب‬
‫املنتظرة‪.‬‬

‫‪ - 5‬حتديد طبيعة الصراع املنتظر‪ ،‬وتوقيته احملتمل‪ ،‬ومداه‬


‫ومراحله املرتقبة‪.‬‬

‫‪ - 6‬حتديد حدود وإمكانيات مسرح العمليات املتوقع‪.‬‬

‫‪ - 7‬حتديد الدول واملنظمات والهيئات األجنبية‪ ،‬التي سيتم‬


‫التعاون معها‪ ،‬ونوع التعاون املطلوب من كل منهم (احللفاء)‪،‬‬
‫وال�ش�ك��ل ال��ذي سيتم م��ن خ�لال��ه ه��ذا ال�ت�ع��اون (أحالف‬
‫اتفاقيات دفاع مشترك مذكرة تفاهم إستراتيجي) والذي‬
‫سيُحدد على أساسه‪ ،‬شكل العالقات الدولية (السياسة‬
‫اخلارجية) للدولة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬القيادة العسكرية‬

‫وكما تختلف أشكال القيادة السياسية‪ ،‬فإن القيادة العسكرية‪،‬‬


‫أي�ض�اً‪ ،‬تختلف أشكالها وتنظيماتها من دول��ة ألخ��رى‪ ،‬إ ّال أنها في‬
‫مجملها تشمل العناصر األساسية التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬القائد األعلى للقوات املسلحة (وهو رئيس الدولة غالباً‪،‬‬


‫أي قمة القيادة السياسية)‪.‬‬

‫‪ - 2‬وزارة الدفاع‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ - 3‬هيئة األركان العامة‪.‬‬

‫‪ - 4‬املجلس األعلى لشئون الدفاع (أو احلرب) ويرأسه عادة‬


‫رئيس الدولة‪ ،‬ويشمل في عضويته العديد من الشخصيات‬
‫العامة واملتخصصة‪ .‬وحتدد عضويته إما بناء على الوضع‬
‫الوظيفي (مثل ال��وزارات التي لها دور رئيس في إعداد‬
‫الدولة للدفاع)‪ ،‬أو على أساس اخلبرة والعالقات الدولية‬
‫واإلقليمية لشخص بعينه (يحدد باالسم في هذه احلالة)‪،‬‬
‫ويكون التحديد إم��ا بنص دس�ت��وري ثابت‪ ،‬أو بقرار من‬
‫رئيس الدولة بتشكيل املجلس‪.‬‬

‫وتقوم وزارة الدفاع بدور رئيس إلعداد االستراتيجية الدفاعية‪،‬‬


‫فإضافة إلى مسؤوليتها الرئيسية‪ ،‬في جتهيز وتنظيم وتدريب القوات‬
‫املسلحة وإعدادها للقتال‪ ،‬فإنها ذات دور فعال ورئيسي في إعداد‬
‫باقي امل�ج��االت‪ ،‬مبا يتالءم مع أه��داف ال�ص��راع املتوقع‪ .‬ل��ذا‪ ،‬فهي‬
‫املسؤولة عن حتديد متطلبات خطة اإلع��داد ومراحلها‪ .‬وهي التي‬
‫تعد للقيادة السياسية اخلطوط الرئيسة لألسس والقيود‪ ،‬التي تعمل‬
‫كافة األجهزة في إطارها‪ .‬وقد تُكلف من قِ َب ْل مجلس الوزراء للقيام‬
‫بدور الرقابة واملتابعة‪ ،‬لباقي القطاعات والتنسيق بينها (أو تشكل‬
‫جلنة وزارية لذلك‪ ،‬من قِ بَل مجلس الوزراء)‪.‬‬

‫وت�ع��د وزارة ال��دف��اع مقترحاتها ب�خ�ص��وص اإلع ��داد للصراع‬


‫املقبل‪ ،‬في كافة املجاالت‪ ،‬وتقدمها ملجلس ال��وزراء إلقرارها‪ .‬وهي‬
‫عادة تشتمل على‪:‬‬

‫‪ - 1‬أسلوب تعبئة اجلهود‪ ،‬في مجاالت الصناعة‪ ،‬والزراعة‪،‬‬


‫والتجارة‪ ،‬والنقل‪ ،‬واملواصالت‪ ،‬والطاقة (النفط)‪ ،‬واملوارد‬

‫‪146‬‬
‫املالية‪ ،‬والبحث العلمي‪.‬‬

‫‪ - 2‬م �ق �ت��رح��ات ت �ط��وي��ر اق��ت��ص��اد ال� ��دول� ��ة‪ ،‬ل �ي�لائ��م خطط‬
‫االس �ت��رات �ي �ج �ي��ة ال��دف��اع �ي��ة وم �ت �ط �ل �ب��ات إع� ��داد القوات‬
‫املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 3‬نظام وأسلوب إعداد قطاعات الدفاع املدني‪ ،‬والتنظيمات‬


‫الشعبية‪ ،‬ودورها في تنظيم وإعداد فئات الشعب املختلفة‪،‬‬
‫عسكرياً‪.‬‬

‫‪ - 4‬مطالب ال�ق��وات املسلحة م��ن األج�ه��زة املختلفة‪ ،‬إلعداد‬


‫أراض��ى الدولة وجتهيزها‪ ،‬من وجهة النظر العسكرية‪،‬‬
‫لتالئم الفكر العسكري الستخدامها في احلرب‪ .‬‬

‫‪ - 5‬الترتيبات الالزمة لتأمني مطالب القوات املسلحة‪ ،‬في‬


‫السلم واحل��رب‪ ،‬من االحتياجات املختلفة‪ .‬س��واء كانت‬
‫إدارية‪ ،‬أم فنية‪ ،‬لألفراد واملعدات على حد سواء (وتشمل‬
‫احتياجات اإلعاشة والصيانة واإلصالح والنقل واملواصالت‬
‫والعالج‪ ،‬والكوادر املتخصصة في تلك األعمال‪ ،‬واألدوات‬
‫واملعدات الالزمة لها)‪ ،‬وأن تكون االحتياجات مستوفاة‬
‫بالقدر الالزم‪ ،‬لتنفيذ املهام احملددة (أو الفترة الزمنية‬
‫املتوقعة للصراع املنتظر)‪.‬‬

‫‪ - 6‬حدود مستويات املخزون االحتياطي‪ ،‬من كافة االحتياجات‪،‬‬


‫ملواجهة متطلبات الشعب والقوات املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 7‬م�ق�ت��رح��ات امل��واص �ف��ات ال�ع�س�ك��ري��ة ل�ل�م�ع��دات واملنشآت‬


‫املدنية‪ ،‬التي ستستخدم لدعم املجهود احلربي للدولة‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫خاصة املنشآت اإلنتاجية‪ ،‬التي يجب أن تتطابق منتجاتها‪،‬‬
‫مع متطلبات االستخدام العسكري‪.‬‬

‫وف��ي زم��ن احل ��رب‪ ،‬ي�ح�ت��اج امل�ج�ه��ود احل��رب��ي ل��دع��م من‬ ‫ ‬


‫ال �ق �ط��اع امل��دن��ي ل �ل��دول��ة‪ ،‬احل �ك��وم��ي واخل� ��اص‪ ،‬ملواجهة‬
‫املطالب املتزايدة خالل احلرب‪ .‬وتكون معظم االحتياجات‬
‫من اخلدمات‪ ،‬وبعضها صناعات مشتركة في القطاعني‬
‫احلربي واملدني‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن املؤسسات‪ ،‬التي قد يحتاج‬
‫املجهود احلربي الستغالل إمكاناتها‪ ،‬يجب أن توائم تلك‬
‫اإلمكانات واملنشآت مع مطالب املجهود احلربي‪ .‬ففي‬
‫قطاع النقل مثالً‪ ،‬قد يحتاج األم��ر إل��ى تعبئة ج��زء من‬
‫الشاحنات ذات مواصفات محددة‪ ،‬الستخدامها من قبل‬
‫الوحدات املقاتلة أو اإلدارية‪ ،‬طبقاً للحاجة إليها‪ .‬لذلك‬
‫ال بد عند شرائها أو تصنيفها‪ ،‬أن تكون موائمة لهذا‬
‫االستخدام‪ ،‬من حيث األطوال واألوزان‪ ،‬والقدرة في العمل‬
‫على الطرق ذات امليول أو االنحناءات احلادة (عند وجود‬
‫أراض جبلية)‪ .‬أو قد تلجأ القوات املسلحة لنقل معدات‬ ‫ٍ‬
‫واحتياجات بواسطة اخلطوط احلديدية‪ ،‬مما يستوجب‬
‫أن تكون القاطرات ذات قوة محددة‪ ،‬متكنها من سحب‬
‫ع��دد م��ن ال�ع��رب��ات احمل�م�ل��ة‪ ،‬ال�ت��ي ت�ك��ون غ��ال�ب�اً أث�ق��ل من‬
‫مثيلتها في القطاع املدني‪ .‬وكذلك بعض العربات املجهزة‬
‫لنقل السوائل شديدة اخل�ط��ورة‪ ،‬أو الغاز املضغوط‪ ،‬أو‬
‫ذات التبريد العالي‪ ،‬وغيرها‪ .‬وعلى الرغم من أن القطاع‬
‫العسكري لديه وحداته الطبية امليدانية‪ ،‬ومستشفياته‬
‫العسكرية‪ ،‬إال أن��ه غالبا م��ا يحتاج إل��ى ع��دد أك�ب��ر من‬
‫األسرة‪ ،‬أو أطقم اجلراحة‪ ،‬ملواجهة األعداد املتزايدة من‬

‫‪148‬‬
‫اجلرحى‪ .‬وتقدمي العالج الالئق‪ ،‬ضد الظروف البيئية‬
‫غير املواتية في زم��ن احل��رب‪ .‬فاإلصابات في احلروب‬
‫تختلف متاماً عنها في احلياة اليومية العادية للمواطنني‪،‬‬
‫من حيث طبيعتها (انفجارات شظايا صدمات عصبية‬
‫حروق غازات سامة) وأسلوب عالجها‪ .‬ويكون من املهم‬
‫العمل على سرعة عودة املصاب مليدان القتال مرة أخرى‬
‫(ب��اع�ت�ب��اره ج�ن��دي م��درب ذو خ �ب��رة)‪ ،‬وه��و م��ا يستدعي‬
‫أن ي�ك��ون ال�ع�لاج مكثفاً‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬فاملستشفيات املدنية‪،‬‬
‫واألطباء‪ ،‬وهيئات التمريض في القطاع املدني‪ ،‬يجب أن‬
‫جتهز وتتلقى م��ن التدريبات ف��ي فترة السلم واإلعداد‬
‫للحرب ما ميكّنها من معاونة القطاع العسكري‪ ،‬في وقت‬
‫احلرب‪.‬‬

‫‪ - 8‬م �ش��ارك��ة اجل��ه��ات األخ � ��رى‪ ،‬ف��ي ك��ل م��ا ي�ت�ع�ل��ق بإعداد‬
‫الدولة للدفاع‪ ،‬وتقدمي النصح واملشورة واملقترحات عند‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫يتطلب اإلعداد للدفاع‪ ،‬أن يشترك خبراء وأخصائيون من‬ ‫ ‬


‫القوات املسلحة‪ ،‬مع الوزارات والهيئات العامة واخلاصة‬
‫املختلفة‪ ،‬في وضع خطة اإلعداد التخصصية للوزارة أو‬
‫الهيئة أو املنشأة‪ ،‬مبا يتالءم مع مطالب واستخدامات‬
‫القوات املسلحة املستقبلية (حيث يجب مراعاة التطور‪،‬‬
‫ال��ذي قد يحدث‪ ،‬طبقاً ل��دراس��ات القوات املسلحة‪ ،‬في‬
‫استخدام املرافق واملنشآت لصالح املجهود احلربي)‪ .‬كما‬
‫أن القوات املسلحة تكون على استعداد‪ ،‬لتلبية دعوة تلك‬
‫اجلهات الوزارية أو العامة أو اخلاصة‪ ،‬لتقدمي توصيات‬
‫ب �ت �ع��دي�لات ل �ل �م��واص �ف��ات‪ ،‬أو أس �ل��وب ت�ن�ف�ي��ذ أو تعديل‬

‫‪149‬‬
‫أسبقيات‪ ،‬عند تنفيذ اخلطة التخصصية‪ ،‬مبا يتمشى‬
‫م��ع امل��راح��ل احمل ��ددة‪ ،‬وح�ت��ى استكمال اخل�ط��ة املركزية‬
‫الشاملة إلع ��داد ال��دول��ة ل�ل�ح��رب‪ .‬وحت �ت��اج ه��ذه املهمة‪،‬‬
‫إلى جهود مضنية من أخصائي القوات املسلحة‪ ،‬لتشعب‬
‫مجاالتها وتخصصاتها‪ ،‬وتعدد اجلهات التي يتم التعامل‬
‫معها‪ ،‬ب��د ًء من إقناعهم بفائدة ذلك االتصال والتعاون‪،‬‬
‫ان�ت�ه��ا ًء بتنفيذه‪ .‬م��ن وج�ه��ة أخ��رى‪ ،‬ف��إن ه��ذه املهمة من‬
‫أك�ث��ر األع �م��ال ف��ائ��دة‪ ،‬ل�ل�ق��وات املسلحة‪ ،‬ألن�ه��ا تتيح لها‬
‫متابعة أعمال ال��وزارات األخ��رى‪ ،‬والهيئات واملؤسسات‪،‬‬
‫واحل�ص��ول على آخ��ر البيانات عما أجن��ز‪ ،‬واملواصفات‬
‫احلقيقية والقدرات الطبيعية‪ ،‬ملا مت تنفيذه في توقيت‬
‫حديث‪ .‬وكل ذلك يساعد القيادات العسكرية على تقدير‬
‫موقف إعداد الدولة للدفاع‪ ،‬في الوقت اآلني‪ ،‬بدقة‪.‬‬

‫‪ - 9‬حتديد مدى االلتزام (عسكرياً) باملعاهدات واالتفاقيات‬


‫والتحالفات‪ ،‬مع الدول األخرى‪.‬‬

‫حتت ظروف خاصة‪ ،‬تعقد الدول اتفاقيات ومعاهدات‪ ،‬أو تنضم‬


‫إلى حتالف معني‪ ،‬مع دول أخرى‪ .‬وقد يكون لبعض تلك املعاهدات‬
‫واالتفاقيات والتحالفات صبغة عسكرية (أو هناك بنود عسكرية‬
‫م �ح��ددة ف�ي�ه��ا)‪ ،‬تُ�ل��زم ال��دول��ة بعمل عسكري م�ح��دد لصالح الدول‬
‫األخ��رى‪ ،‬أو معاداة أعدائها‪ ،‬ومساندتها ضدهم في ح��دود معينة‪.‬‬
‫وفي زمن الحق‪ ،‬قد تتغير الظروف‪ ،‬فتصبح الدولة السابق التعاهد‬
‫معها‪ ،‬في مصاف الدول املعادية‪ ،‬ولو لفترة مؤقتة (مثل العراق بعد‬
‫حرب اخلليج الثانية ‪ 1991‬بالنسبة لدول اخلليج العربي‪ ،‬ومعظم‬
‫ال��دول العربية)‪ ،‬أو أن األع��داء املطلوب معاداتهم‪ ،‬وات�خ��اذ إجراء‬
‫عسكري حيالهم‪ ،‬حسبما تنص االتفاقية أو املعاهدة أو بروتوكول‬

‫‪150‬‬
‫احللف‪ ،‬هم دول صديقة أو حليفة في وق��ت اإلع��داد‪ ،‬مما يصعب‬
‫معه تنفيذ االتفاق أو التعاهد‪ .‬لذلك كان على القيادة العسكرية‪،‬‬
‫أن تراجع من وقت آلخر البنود العسكرية لالتفاقيات واملعاهدات‬
‫والتحالفات‪ ،‬في ضوء املتغيرات املستجدة‪ ،‬وتقترح املوقف املالئم‬
‫(مدى االلتزام بنصوص االتفاقيات واملعاهدات والتحالفات)‪ ،‬حتى‬
‫ميكنها‪ ،‬بعد إقرار املقترحات من القيادة السياسية العليا‪ ،‬أن تعدل‬
‫في خططها لإلعداد للدفاع‪.‬‬

‫وقد تنشئ بعض الدول‪ ،‬هيئة عسكرية خاصة ملتابعة األعمال‬


‫املطلوبة م��ن وزارة ال��دف��اع‪ ،‬لصالح إع��داد ال��دول��ة ل�ل��دف��اع‪ .‬وتتبع‬
‫هذه الهيئة لرئيس ال��وزراء مباشرة أو ل��وزارة الدفاع‪ ،‬مع تفويضها‬
‫بصالحيات مناسبة‪ ،‬ومدها باملتخصصني‪ ،‬واألجهزة احلديثة‪ .‬كما‬
‫قد تكتفي بعض ال��دول بوجود إدارة أو شعبة أو ف��رع‪ ،‬في الهيئة‬
‫العسكرية املختصة بالتخطيط وإدارة العمليات احلربية‪ ،‬مما يجعلها‬
‫ضعيفة نسيباً‪ ،‬عند مواجهة حجم العمل الضخم املطلوب منها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬األجهزة احلكومية‬

‫يشارك اجلهاز احلكومي في الدولة (احلكومة املركزية) في‬


‫كافة األعمال اخلاصة بإعداد اإلستراتيجية‪ .‬ب��د ًء من التخطيط‪،‬‬
‫إل��ى التنفيذ‪ ،‬وحتقيق األه��داف املوضوعة‪ ،‬كممثل للدولة‪ ،‬وراعياً‬
‫للمصالح األساسية لها‪ ،‬بصفته جزءاً من القيادة السياسية‪ .‬وكما‬
‫يشترك في وضع األه��داف‪ ،‬وبحث املسائل اخلاصة بأمن الدولة‪،‬‬
‫وسيادتها (املشاكل املصيرية)‪ ،‬يشترك‪ ،‬كذلك‪ ،‬في التخطيط لردع‬
‫(أو رد) االعتداء من اخلارج‪ ،‬وميارس التخطيط والتنفيذ من خالل‬
‫وزارات��ه املختلفة‪ .‬كما يقوم من خ�لال األج�ه��زة املتخصصة (يُ َع ّد)‬
‫مجلس األم��ن ال��وط �ن��ي‪ ،‬م��ن األج �ه��زة احل�ك��وم�ي��ة ال�ت��ي ت �ش��ارك في‬

‫‪151‬‬
‫إع��داد ال��دول��ة للدفاع بجهد واف��ر‪ ،‬خاصة أن��ه يشتمل على ممثلي‬
‫معظم ال��وزارات والهيئات احلكومية األكثر صلة مبتطلبات إعداد‬
‫االستراتيجية أو بواسطة وزارة الدفاع‪ ،‬باملتابعة والتقومي والتنسيق‪،‬‬
‫لضمان جناح األعمال املرحلية‪ ،‬واخلطة األساسية‪.‬‬

‫وتعمل األجهزة احلكومية على ضوء املهام‪ ،‬التي تكلف بها من‬
‫قِ بَل القيادة السياسية (الوزير املختص)‪ .‬ويدرس كل جهاز في مجاله‬
‫دراسة وافيه‪ ،‬ما يوكل إليه من أعمال خاصة بإعداد الدولة للدفاع‪.‬‬
‫ويشارك في وضع اخلطة العامة‪ ،‬التي توضع منها اخلطة اخلاصة‬
‫(التخصصية)‪ ،‬بعد أن يُحدد الهدف التخصصي‪ ،‬والسياسة اخلاصة‬
‫بتحقيقه‪ ،‬وهي تقسّ م إلى أهداف مرحلية‪ ،‬تنفذها خطط مرحلية‬
‫كذلك‪ ،‬في فترات زمنية محددة التوقيت (أو ذات مدى زمني)‪ ،‬كما‬
‫حتدد أيضاً مطالبها‪ ،‬للتخطيط والتنفيذ‪.‬‬

‫وت�ش�ك��ل ع ��ادة جل�ن��ة وزاري� ��ة‪ ،‬أو حت��دد ه�ي�ئ��ة خ��اص��ة (وزارة‬
‫التخطيط) تتولى جتميع خطط ال ��وزارات املتخصصة‪ ،‬لدراستها‬
‫وتنسيقها معاً‪ .‬وتعد منها اخلطة املركزية‪ ،‬وتعرضها على القيادة‬
‫السياسية التي ميثلها غ��ال�ب�اً‪ ،‬املجلس األع�ل��ى للدفاع (أو مجلس‬
‫الدفاع الوطني طبقاً للتنظيم)‪ .‬وتكلف القيادة السياسية اللجنة‬
‫الوزارية (في حالة إقرارها للخطة) إصدار التوجيهات للتنفيذ‪.‬‬

‫وتُعد التوجيهات‪ ،‬الصادرة من اللجنة الوزارية املشكلة (باسم‬


‫املجلس ال��وزاري)‪ ،‬هي األس��اس ال��ذي تبنى عليه كل وزارة‪ ،‬وجهاز‬
‫ح�ك��وم��ي‪ ،‬اخل�ط��ة التنفيذية التفصيلية اخل��اص��ة ب��ه‪ ،‬وال�ت��ي تُنسق‬
‫مراحلها في خطة زمنية تقدم إلى مجلس الدفاع الوطني إلقرارها‪،‬‬
‫وال�ت�ص��دي��ق عليها‪ ،‬م��ن ال�ق�ي��ادة السياسية (رئ �ي��س ال��دول��ة القائد‬
‫األعلى)‪ .‬وبذلك تكون جاهزة إلص��دار املهام (التكليفات) لألجهزة‬

‫‪152‬‬
‫التابعة لها‪ ،‬لبدء التنفيذ‪ ،‬مع حتديد املهام‪ ،‬واملسؤوليات اخلاصة‬
‫بذلك‪.‬‬

‫وعلى كل جهاز حكومي (وزارة هيئة مؤسسة)‪ ،‬أنّ يلتزم بالدور‬


‫احمل��دد له في اخلطة التفصيلية‪ ،‬والتوقيتات احمل��ددة في اخلطة‬
‫الزمنية‪ .‬ويقدم رئيس اجلهاز (الوزير املدير)‪ ،‬تقريراً دورياً عن سير‬
‫العمل في اخلطة طبقاً للتوقيتات احملددة لذلك موضحاً فيه مدى‬
‫ما أ ُجنز من أعمال في اخلطة‪ ،‬واألهداف احملققة‪ ،‬ذاكراً املصاعب‬
‫ال�ت��ي واج�ه��ت أج�ه��زت��ه التنفيذية‪ ،‬والتقصير ف��ي حجم اإلجنازات‬
‫عن املخطط‪ ،‬وأسباب ذلك‪ ،‬ومقترحاته للتغلب على تلك األسباب‬
‫(أو م�ط��ال�ب��ه م��ن اآلخ��ري��ن إذا ك��ان��ت خ��ارج��ة ع��ن ق ��درات أجهزته‬
‫وطاقاتها)‪.‬‬

‫تؤدي احلكومة دوراً رئيسياً ومهماً في هذا املقام خالفاً لدورها‬


‫في التخطيط والتنفيذ وهو املتابعة والرقابة والتوجيه والتقييم وما‬
‫يتبعه من تقومي لألعمال املنفذة‪ ،‬طبقاً للظروف‪ ،‬التي تطرأ‪ .‬ويكون‬
‫الهدف األساسي‪ ،‬ضمان عدم حدوث خلل (أو اختناق)‪ ،‬يؤدي إلى‬
‫ت��وق��ف األع �م��ال امل�ن� ّف��ذة‪ ،‬ف��ي مرحله م��ا‪ ،‬أو ان �ح��راف األع �م��ال عن‬
‫مجراها‪ ،‬بحيث ال حتقق أهدافها‪ .‬وميكن لألجهزة احلكومية أن‬
‫تتالفى ذلك‪ ،‬بالتنبؤ باألحداث واالختناقات املؤثرة على سير العمل‬
‫باألساليب العلمية العصرية‪ ،‬واستخدام قواعد البيانات واملعلومات‬
‫املتدفقة في داخل دورة العمل األساسية وهو جزء مهم من إدارة عمل‬
‫عمالق‪ ،‬وجهد ضخم‪ ،‬مثل إعداد االستراتيجية‪ .‬ويجب أن تأخذ تلك‬
‫األجهزة (وقياداتها) حذرها‪ ،‬من الظروف غير العادية‪ ،‬التي ميكن أن‬
‫تُفرض عليها‪ ،‬إلكمال إعداد الدولة في ظروف حرب قائمة بالفعل‪،‬‬
‫لتحقيق األه��داف الرئيسية‪ ،‬واملرحلية نفسها‪ ،‬وبالكفاءة احملددة‪،‬‬
‫في اخلطة الرئيسية‪.‬‬

‫‪153‬‬
154
‫الفصل الثالث‬
‫إدارة السياسة اخلارجية للدفاع عن الدولة‬

‫ف السياسة على أنها «النشاط االجتماعي‪ ،‬املدعوم بالقوة‪،‬‬ ‫تُع َّر ْ‬


‫املستندة إلى مفهوم ما للحق أو للعدالة‪ ،‬لضمان األمن اخلارجي‪،‬‬
‫والسلّ ْم االجتماعي الداخلي‪ ،‬للوحدة السياسية»‪ .‬أي أن السياسة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كنشاط إن�س��ان��ي‪ ،‬ه��ي ع�لاق��ة م��ع آخ��ري��ن «ن�ش��اط اج�ت�م��اع��ي»‪ ،‬وأنه‬
‫يلزم دعمها بقوة ما‪ .‬قد تكون قوة السلطة‪ ،‬أو النفوذ‪ ،‬أو املال‪ ،‬أو‬
‫العقيدة‪ ،‬أو القوة املطلقة (القوة البدنية قدمياً والعسكرية حديثاً)‪،‬‬
‫أو قوة الفكر أحياناً‪ .‬والدعم بالقوة مطلب أساسي‪ ،‬حتى تكون لتلك‬
‫السياسة مصداقية مؤثرة‪ ،‬أي إن اآلخرين يثقون في تنفيذها‪ ،‬بسبب‬
‫ما تستند إليه من تلك ال�ق��وى‪ .‬ويشير التعريف إل��ى أن السياسة‬
‫تستند‪ ،‬كذلك‪ ،‬إلى احلق أو العدالة مبفهوم ما (أي أن للسياسية أن‬
‫تشكل مفهوم احلق والعدالة‪ ،‬مبنظورها اخلاص)‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬يكون‬
‫الهدف من تلك السياسة القوية ذات املفهوم اخلاص‪ ،‬ضمان األمن‬
‫اخلارجي والسالم االجتماعي (األمن الداخلي)‪ ،‬للوحدة السياسية‬
‫«الدولة»‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ويتصل بذلك‪ ،‬ما حتدده املفاهيم السياسية‪ ،‬مع أن السياسة‬
‫«تُعني بدراسة األفكار وتوضح املفاهيم‪ ،‬وحتدد الغايات والوسائل‪،‬‬
‫واخليارات‪ ،‬ومقارنة البدائل‪ ،‬لذلك فهي تؤثر بشكل مباشر‪ ،‬أو غير‬
‫مباشر‪ ،‬في اختيار أفضل البدائل‪ ،‬واحلكم عليها (القرار)»‪ .‬وتصبح‬
‫السياسة‪ ،‬من هذا املنطلق‪ ،‬هي السلسلة املتكاملة لصناعة واتخاذ‬
‫القرار‪ ،‬لتحقيق هدفها‪،‬أي الهدف الذي سبق أن حددته السياسة‬
‫والذي يكون الهدف منه‪ ،‬حتقيق األمن خارجياً‪ ،‬وداخلياً‪.‬‬

‫وتُ� � َع ��دّ إدارة ال �س �ي��اس��ة اخل��ارج �ي��ة‪ ،‬أح ��د م�ش�ت�م�لات إعداد‬
‫االستراتيجية الدفاعية للدولة‪ .‬ويكون ذل��ك ب��اإلع��داد السياسي‪،‬‬
‫لتحقيق الهدف من ال��دف��اع عن ال��دول��ة‪ .‬وتصبح السياسة‪ ،‬بذلك‪،‬‬
‫سابقة إلع��داد الدولة للدفاع‪ ،‬بتحديدها لألهداف السياسية‪ ،‬ثم‬
‫متضمنة لها‪ ،‬مبا تتخذه من تدابير سياسية لتحقيق الهدف منها‪.‬‬
‫وه��ي ف��ي م�ج��ال إع ��داد ال��دول��ة ل�ل��دف��اع‪ ،‬تتحول إل��ى أداة مساندة‬
‫لإلعداد العسكري واإلعداد االقتصادي‪ ،‬وهما من القوى التي تدعم‬
‫السياسة في عالقات املجتمع باآلخرين (خارجياً)‪ ،‬أو بني أفراده‬
‫(داخلياً)‪ .‬وهو تداخل شديد‪ ،‬يوضح مدى العالقة الوطيدة‪ ،‬بني تلك‬
‫العناصر األساسية الثالثة (سياسية واجتماعية وعسكرية) وتأثرها‬
‫بعضها ببعض‪.‬‬

‫أوال‪ُ :‬أسس إدارة السياسة اخلارجية‬


‫ً‬

‫ت�ع�ت�م��د ال �ق �ي��ادة ال�س�ي��اس�ي��ة‪ ،‬ف��ي حت��دي��ده��ا ل�ش�ك��ل سياستها‬


‫اخلارجية لصالح الدفاع عن الدولة‪ ،‬على األسس التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬األهداف واملصالح القومية للدولة وإستراتيجيتها‪.‬‬

‫‪ - 2‬االرتباطات واالتفاقيات‪ ،‬السابق عقدها مع دول أخرى‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ - 3‬القدرات الذاتية‪ ،‬واملستوى العلمي والتقني للدولة‪.‬‬

‫‪ - 4‬املوقف الدولي‪ ،‬وتأثيره في املوقف احمللي‪.‬‬

‫‪ - 5‬املوقف اإلقليمي‪ ،‬وتأثيره في املوقف احمللي‪.‬‬

‫تقود الدراسة الواعية والعميقة‪ ،‬ألسس اإلعداد السياسي‪ ،‬إلى‬


‫التنبؤ السليم والدقيق‪ ،‬باألوضاع السياسية‪ ،‬والعالقات بني القوى‬
‫السياسية في العالم‪ ،‬التي ستسود في احلقبة املقبلة‪ .‬وم��ن هذا‬
‫التنبؤ ميكن حتديد اخليارات املناسبة لإلعداد السياسي‪ ،‬واألدوات‬
‫التي تصلح لكل منها وترتيبها في أولويات حسب أفضليتها‪ ،‬لتكون‬
‫ال للقيادة السياسية في اختيار أفضلها كقرار‪ .‬وهذا هو منهج‬ ‫دلي ً‬
‫اإلع��داد السياسي لكسب ال��رأي العام العاملي‪ ،‬واإلقليمي‪ ،‬لصالح‬
‫ال��دول��ة م��ن ج�ه��ة‪ ،‬وح��رم��ان ال�ع��دو م��ن التأييد ال�ع��امل��ي ل��ه م��ن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬إلى جانب التصدي لتحركات العدو السياسية‪.‬‬

‫وتشتمل إدارة السياسة اخلارجية‪ ،‬لصالح الدفاع عن الدولة‪،‬‬


‫على عدة إجراءات (سياسية)‪ ،‬لدعم قوى الدفاع في الدولة وهي‪:‬‬

‫‪ - 1‬عقد اتفاقيات (سياسية‪ ،‬وعسكرية‪ ،‬واقتصادية) مع الدول‬


‫واملنظمات األجنبية‪ ،‬لدعم الدولة في حالة احلرب‪.‬‬

‫‪ - 2‬ك�س��ب ت��أي�ي��د م�ج�م��وع��ات ال� ��دول‪ ،‬ب��اخ �ت�لاف توجهاتها‪،‬‬


‫لصالح قضايا الدولة‪ ،‬خاصة املتعلقة بالدفاع عن كيانها‬
‫ومكاسبها‪.‬‬

‫‪ - 3‬ضمان حياد دول��ة (مجموعة دول)‪ ،‬خالل إدارة الصراع‬


‫مع العدو‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ - 4‬اإلعداد لكسب الرأي العام العاملي‪ ،‬سياسياً وأيديولوجياً‪،‬‬
‫لصالح الدولة‪ ،‬وقضاياها الدفاعية‪.‬‬

‫‪ - 5‬إضعاف قدرات العدو‪ ،‬االقتصادية والعسكرية‪.‬‬

‫‪ - 6‬إضعاف املواقف السياسية للعدو‪ ،‬عاملياً وإقليمياً‪.‬‬

‫‪ - 7‬اإلجراءات السياسية املضادة للتحرك السياسي للعدو‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أدوات السياسة اخلارجية‬

‫تستخدم السياسة اخلارجية عدة أدوات‪ ،‬تنفذ بها اإلجراءات‬


‫التي اختارتها القيادة السياسية‪ ،‬واستقرت على أهميتها ومناسباتها‬
‫للعمل السياسي‪ ،‬والنتائج املرجوة منه‪ .‬وأهم هذه األدوات‪:‬‬

‫‪ - 1‬البعثات الدبلوماسية‪:‬‬

‫تُعد األداة الرئيسية‪ ،‬واألكثر تخصصاً عن غيرها من األدوات‪،‬‬


‫لتنفيذ السياسة اخلارجية في وقت السلم‪ ،‬وأثناء اإلعداد للدفاع‪،‬‬
‫وخ�ل�ال إدارة ال� �ص ��راع‪ .‬وت �ت��ول��ى ه ��ذه األداة‪ ،‬م��ن خ�ل�ال املمثلني‬
‫ال��دب�ل��وم��اس�ي�ين ل�ل��دول��ة ف��ي ش�ت��ى أن �ح��اء ال�ع��ال��م‪ ،‬ت��وض�ي��ح األهداف‬
‫امل�ش��روع��ة ل�ل��دف��اع‪ ،‬ال�ت��ي ترتكز عليها سياسة ال��دول��ة‪ ،‬وحقها في‬
‫القضايا املطروحة‪ ،‬واألسباب الداعية إلدارتها للصراع (وتصعيده‬
‫حسب املوقف) ضد أعدائها‪.‬‬

‫‪ - 2‬أجهزة جمع املعلومات‪:‬‬

‫من األدوات املساعدة املهمة‪ ،‬والضرورية‪ ،‬حيث توفر للقيادة‬

‫‪158‬‬
‫السياسية‪ ،‬والقيادات التخصصية‪ ،‬قدراً من املعلومات‪ ،‬التي متكنهم‪،‬‬
‫من التقدير السليم للموقف‪ ،‬بكافة جوانبه السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫وال �ع �س �ك��ري��ة‪ .‬وتُ �ع��د أج �ه��زة االس �ت �خ �ب��ارات ال�ش�ك��ل ال��رئ�ي�س��ي لها‪،‬‬
‫بإمكانياتها وخبراتها ف��ي جمع املعلومات‪ ،‬وتأكيدها م��ن مصادر‬
‫مختلفة‪ ،‬وهي تؤدي أعمالها‪ ،‬عادة‪ ،‬بشكل غير علني‪.‬‬

‫‪ - 3‬اإلعالم والدعاية‪:‬‬

‫تُنسق القيادات السياسية‪ ،‬بني السياسة اخلارجية والسياسية‬


‫واإلعالمية‪ ،‬مبا يضمن توضيح وجهات النظر في القضايا املطروحة‪،‬‬
‫والتصدي للدعاية املضادة‪ .‬وكل ذلك‪ ،‬يهيئ الرأي العام العاملي لتقبل‬
‫سياسة الدولة وتأييدها (كسب الرأي العام)‪ ،‬أو الوقوف على األقل‬
‫على احلياد في صراعها الدائر مع العدو‪.‬‬

‫‪ - 4‬العالقات االقتصادية‪:‬‬

‫تستغل السياسة اخلارجية‪ ،‬العالقات االقتصادية للدولة‪ ،‬في‬


‫حتقيق أهدافها لإلعداد السياسي‪ .‬وقد تقترح مزيداً من العالقات‬
‫االقتصادية مع دول أخ��رى‪ ،‬أو توثيق الروابط القائمة فعالً‪ .‬وتُعد‬
‫املساعدات االقتصادية والفنية‪ ،‬والقروض ذات الشروط املعتدلة‪،‬‬
‫وال�ت�ب��ادل ال�ت�ج��اري‪ ،‬م��ن ال�ص��ور االقتصادية األك�ث��ر استخداماً في‬
‫مجال ال�ع�لاق��ات االق�ت�ص��ادي��ة‪ .‬وال��دول��ة بذلك تضغط على القرار‬
‫السياسي‪ ،‬لتلك الدول لتؤثر عليه لصالح القضية التي تُدافع عنها‪.‬‬
‫وقد تستخدم العالقات االقتصادية بالترغيب في تنميتها‪ ،‬مقابل‬
‫منو العالقة السياسية في االجت��اه املطلوب (التأييد السياسي أو‬
‫احلياد والبعد عن الدول املعادية)‪ .‬وقد تتخذ شكل الترهيب إلخضاع‬
‫اإلرادة السياسية واحلصول على التأييد املطلوب‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ - 5‬األعمال العسكرية‪:‬‬

‫قد تلجأ السياسة اخلارجية‪ ،‬إل��ى القوة العسكرية‪ ،‬أحياناً‪،‬‬


‫مل�م��ارس��ة ضغط ق��وي على ال��دول األخ ��رى‪ ،‬للحصول على التأييد‬
‫السياسي أو احلياد‪ .‬وهي غالباً ما تكون دوالً مجاورة أو قريبة‪ ،‬مما‬
‫يسّ هل التعامل معها عسكرياً‪ .‬ويعتبر العمل العسكري دائماً‪ ،‬أحد‬
‫أدوات السياسة‪ ،‬التي يُلجأ إليها عندما تفشل األدوات األخرى‪.‬‬
‫ويشترط العمل العسكري ضمان السيطرة على املوقف‪ ،‬والوصول‬
‫للنتائج املطلوبة‪ ،‬وإال انعكست اآلي��ة‪ ،‬وأدى استخدام القوة لعكس‬
‫النتيجة املطلوبة‪ ،‬وهو ما يحدث كثيراً‪ ،‬عندما يكون تقدير نتائج‬
‫استخدام القوة املسلحة مبني على أسس ودراسات علمية محسوبة‪،‬‬
‫بينما تكون الدولة املوجه ضدها العمل العسكري‪ ،‬في الغالب‪ ،‬دولة‬
‫صغيرة (أو م��ن دول العالم ال�ث��ال��ث)‪ ،‬ال�ت��ي ت�ك��ون ردود فعلها‪ ،‬في‬
‫الغالب‪ ،‬غير مبنية على أي أسس علمية‪ ،‬وإمنا خاضعة لرؤى القيادة‬
‫السياسية املنحصرة في شخص رئيس الدولة فقط‪ ،‬أو عدد قليل‬
‫من املقربني‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أسلوب تنفيذ اإلعداد السياسي‬

‫ينفذ اإلعداد السياسي‪ ،‬بواسطة العمل الدبلوماسي‪ ،‬بأساليب‬


‫متعددة‪ ،‬ذات هدف واحد‪ ،‬هو إيضاح مفهوم الدولة للقضية املثارة‪،‬‬
‫وكسب التأييد ملا تتخذه من إجراءات إلدارة الصراع ضد األعداء‪،‬‬
‫س��واء كان ذلك بوسائل سياسية أو اقتصادية أو عسكرية‪ ،‬أو بها‬
‫جميعاً ملا ميليه املوقف من تصاعد‪ .‬وأهم هذه األساليب هي‪:‬‬

‫‪ - 1‬اخلطب السياسية لرئيس الدولة‪ ،‬وكبار املسؤولني بها‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ - 2‬تصريحات كبار املسؤولني في الدولة‪ ،‬للصحف وأجهزة‬
‫اإلعالم‪.‬‬

‫‪ - 3‬كلمة الوفود الرسمية في احملافل الدولية واإلقليمية‪.‬‬

‫‪ - 4‬ال ��زي ��ارات ال��رس �م �ي��ة وامل��ق��اب�ل�ات ال �ش �خ �ص �ي��ة‪ ،‬لرؤساء‬


‫الدول‪.‬‬

‫‪ - 5‬املندوبون الشخصيون للرؤساء (املبعوثون)‪ ،‬لشرح القضية‬


‫املطروحة‪.‬‬

‫‪ - 6‬جلسات العمل‪ ،‬على هامش املؤمترات الدولية واإلقليمية‪،‬‬


‫لرؤساء الدول‪ ،‬وكبار املسؤولني‪ ،‬ورؤساء الوفود‪.‬‬

‫‪ - 7‬ال�ن��دوات السياسية والقانونية‪ ،‬وامل�ن��اظ��رات م��ع مؤيدي‬


‫الرأي اآلخر (شرط اإلعداد اجليد لها)‪.‬‬

‫‪161‬‬
162
‫الفصل الرابع‬
‫إعداد القوات املسلحة للدفاع‬

‫القوات املسلحة هي األساس في عملية اإلعداد للدفاع‪ ،‬فتلك‬


‫مهمتها الرئيسية‪ .‬تضطلع بأعبائها وزارة الدفاع أثناء السلم‪ ،‬وتعاونها‬
‫الوزارات األخرى بتلبية مطالبها لإلعداد‪ ،‬حتى يكون اإلعداد سليماً‬
‫وقوياً‪.‬‬

‫ويتأثر إعداد القوات املسلحة للدفاع‪ ،‬بعدة عوامل أهمها‪:‬‬

‫‪ - 1‬الهدف السياسي اإلستراتيجي للدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬ق ��وة وإم �ك��ان��ات اخل �ص��م (احمل �ت �م��ل امل �ن �ت �ظ��ر)‪ ،‬وأهدافه‬
‫وحتالفاته‪ ،‬وعالقاته الدولية واإلقليمية املؤثرة‪ ،‬وأسلوبه‬
‫إلدارة الصراع‪ ،‬وقدراته االقتصادية‪.‬‬

‫‪ - 3‬األوض� ��اع االق �ت �ص��ادي��ة ل �ل��دول��ة‪ ،‬وإم �ك��ان �ي��ات تطويرها‪،‬‬


‫وقدراتها على حتمل أضرار احلرب‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫‪ - 4‬قوى الدولة البشرية‪ ،‬وخصائصها‪.‬‬

‫‪ - 5‬مدى متاسك النسيج االجتماعي لشرائح الشعب املختلفة‪،‬‬


‫واالجتاهات الفكرية والعقائدية في املجتمع‪.‬‬

‫‪ - 6‬ق ��درات ال�ص�ن��اع��ة ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬وم ��دى م��رون��ة حت��ول�ه��ا إلى‬


‫صناعات حربية‪.‬‬

‫‪ - 7‬مدى التقدم التقني للدولة‪ ،‬واستخدامها ملبتكرات العصر‪،‬‬


‫ومدى توافر الكوادر الفنية العالية املستوى بها‪.‬‬

‫‪ - 8‬طبيعة الصراع املسلح املتوقع‪ ،‬وأن��واع األسلحة املنتظر‬


‫استخدامها فيه‪.‬‬

‫‪ - 9‬كفاءة القوات املسلحة القتالية وقدرتها‪ ،‬وإمكاناتها‪.‬‬

‫‪ - 10‬ح��دود مسرح العمليات املنتظر وطبيعته‪ ،‬وما يوفره من‬


‫مزايا‪ ،‬أو يثيره من عوائق للطرفني‪.‬‬

‫‪ - 11‬العقيدة العسكرية‪ ،‬وأسلوب القيادة والسيطرة‪.‬‬

‫ويزيد من فاعلية العوامل املؤثرة‪ ،‬على إعداد القوات املسلحة‬


‫للدفاع‪ ،‬وشدة تأثيرها‪ ،‬أنها عوامل متشابكة يؤثر بعضها في بعض‪،‬‬
‫مما يعظّ م نتائج التأثير أو يحد منها‪ .‬فقد تكون قوة اخلصم‪ ،‬ضرورة‬
‫لرفع حجم القوات املسلحة للدولة‪ ،‬إ ّال أنّ القوى البشرية للدولة ال‬
‫تفي بذلك‪ ،‬بينما تستطيع الدولة احلصول على أسلحة متقدمة‪،‬‬
‫نظراً لقوة اقتصادها‪ ،‬مبا يعوض نقص القوى البشرية نسبياً‪.‬‬

‫م��ن ج�ه��ة أخ ��رى‪ ،‬ف��إن ض�ع��ف ال �ق��درات ال�ص�ن��اع�ي��ة الوطنية‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫وتأخرها تقنياً‪ ،‬يزيد من العبء على االقتصاد الوطني‪ ،‬الذي يتحمل‬
‫�واع متقدمة من األسلحة‪ .‬إ ّال أن زيادة‬
‫أعبا ًء إضافية الستيراد أن� ٍ‬
‫تعداد القوى البشرية‪ ،‬وخصائصها اجليدة (صحياً وتعليمياً وثقافياً)‬
‫متكن من زيادة حجم القوات املسلحة‪ ،‬مع تسليحها بعتاد منخفض‬
‫التقنية نسبياً‪ ،‬لالستفادة من زيادة العنصر البشري إلحداث التأثير‬
‫املطلوب‪.‬‬

‫يشتمل إع��داد ال�ق��وات املسلحة ل�ل��دف��اع‪ ،‬على ع��دة إجراءات‬


‫تنفذها القيادة العسكرية في الدولة (وزارة الدفاع والهيئات التابعة‬
‫لها) أهمها‪:‬‬

‫‪ - 1‬التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام القوات املسلحة في‬


‫احلرب‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتديد حجم القوات املسلحة في السلم واحلرب‪ ،‬وأسلوب‬


‫بنائها‪.‬‬

‫‪ - 3‬نظام التعبئة‪ ،‬عند توقع احلرب‪.‬‬

‫‪ - 4‬االنتشار اإلستراتيجي للقوات املسلحة‪ ،‬وبناء التجميعات‬


‫اإلستراتيجية والعملياتية ف��ي مسرح العمليات‪ ،‬وعلى‬
‫االجتاهات اإلستراتيجية املختلفة‪.‬‬

‫‪ - 5‬التدريب القتالي‪ ،‬وإع��داد ال�ق��وات املسلحة‪ ،‬لكل ما هو‬


‫ضروري للحرب‪.‬‬

‫‪ - 6‬التأمني الشامل للقوات املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 7‬تنظيم وإدارة االستخبارات اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ - 8‬إعداد مسرح العمليات وجتهيزه‪ ،‬وهو إجراء يشارك فيه‬
‫العديد من الوزارات والهيئات احلكومية وغير احلكومية‪،‬‬
‫ويعتبر عنصراً قائماً بذاته ألهميته البالغة‪.‬‬

‫ونوضح كل أجزاء منها فيما يلي‪:‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬ال �ت �خ �ط �ي��ط اإلس �ت��رات �ي �ج��ي الس �ت �خ��دام ال �ق��وات‬
‫ا ملسلحة‬

‫يهدف التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام ال�ق��وات املسلحة‬


‫الوطنية ف��ي احل��رب‪ ،‬إل��ى إع��داد ق��وات ال��دول��ة لتكون ق��ادرة على‬
‫حتقيق مهامها ال��دف��اع�ي��ة اإلستراتيجية ب�ن�ج��اح‪ .‬ويُ�ع��د التخطيط‬
‫مبثابة العمود الفقري‪ ،‬في خطة إع��داد القوات املسلحة للحرب‪،‬‬
‫التي يتعني أن تَستخدم القوات املسلحة الوطنية االستخدام األنسب‪،‬‬
‫عند نشوب القتال‪ ،‬وتأمينها التأمني الشامل‪.‬‬

‫وتتولى مهمة إعداد التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام القوات‬


‫املسلحة الوطنية في احلرب‪ ،‬أجهزة القيادة العامة للقوات املسلحة‪،‬‬
‫ورئ��اس��ة األرك���ان ال�ع��ام��ة ب���وزارة ال��دف��اع‪ ،‬وي�ص�ب��ح ه��ذا التخطيط‬
‫ملزماً لكافة األطراف املعنية‪ ،‬وعليهم تنفيذه‪ ،‬بعد مصادقة القيادة‬
‫السياسية للدولة عليه (رئيس الدولة أحياناً باعتباره القائد األعلى‬
‫للقوات املسلحة)‪.‬‬

‫يشمل التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام القوات املسلحة‪،‬‬


‫عدة خطط؛ بعضها عام (لصالح القوات املسلحة)‪ ،‬وبعضها خاص‬
‫(لصالح ق��وة معينة‪ ،‬أو جزئية معينة ف��ي اإلع��داد تقوم بها إدارة‬
‫محددة)‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ - 1‬ال�ف�ك��رة اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬ال �ع��ام��ة وال��ق��رار اإلستراتيجي‬
‫الستخدام القوات املسلحة في احلرب‪.‬‬

‫‪ - 2‬خطط الستخدام اإلستراتيجية اخلاصة باألفرع الرئيسية‬


‫ل�ل�ق��وات املسلحة‪ ،‬وه��ي تشمل خطط اس�ت�خ��دام القوى‬
‫البرية‪ ،‬والبحرية‪ ،‬واجلوية‪ ،‬والدفاع اجلوي‪.‬‬

‫‪ - 3‬خطط التعبئة ل�ل�ق��وات‪ ،‬واالن�ت�ش��ار اإلستراتيجي‪ ،‬وبناء‬


‫التجميعات اإلستراتيجية والعملياتية‪.‬‬

‫‪ - 4‬خطة االستطالع (االستخبارات) اإلستراتيجية‪ ،‬واالستخبارات‬


‫املضادة‪ ،‬قبل بدء الصراع‪ ،‬وعند بدئه‪.‬‬

‫‪ - 5‬خطة التأمني الشامل للقوات‪.‬‬

‫‪ - 6‬خطة تنظيم القيادة والسيطرة اإلستراتيجية والعملياتية‪.‬‬

‫‪ - 7‬خطة اخلداع اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪ - 8‬خطة الدفاع املدني‪.‬‬

‫يراعى عند التخطيط اإلستراتيجي‪ ،‬الستخدام القوات املسلحة‪،‬‬


‫وضع هدف إستراتيجي يجب الوصول إليه بكفاءة واقتدار‪ .‬كما يجب‬
‫ال للقوات‬
‫مراعاة اإلمكانيات املتاحة‪ ،‬والقدرات الفعلية حالياً ومستقب ً‬
‫املسلحة‪ ،‬وتلك التي للدولة (ألنها ستخصصها لتلبية مطالب القوات‬
‫املسلحة)‪ .‬ويجري مراجعة اخلطط دوري� ً�ا‪ ،‬وكلما ط��رأت متغيرات‬
‫رئيسية ألسس بنائها‪ ،‬وعند تطور األح��داث القريبة واملؤثرة على‬
‫الدولة‪ .‬وبناء على تلك املراجعة‪ ،‬يجري حتديث تلك اخلطط لتتالءم‬
‫مع التطورات‪ ،‬وتؤمن مواجهتها بكفاءة واقتدار‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬حتديد حجم القوات املسلحة في السلم واحلرب‬

‫حتاول الدول دائماً ومهما ارتفعت قدراتها االقتصادية تخفيض‬


‫تكلفة قواتها املسلحة‪ .‬وال ينبغي حتقيق ذل��ك‪ ،‬على حساب جودة‬
‫التسليح‪ ،‬أو خفض ساعات التدريب‪ ،‬أو اقتصارها على املعلومات‬
‫النظرية‪ .‬فمثل ه��ذه النظرة الضيقة‪ ،‬تخل بأسس إع��داد القوات‬
‫املسلحة للدفاع ع��ن ال��وط��ن‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬تلجأ ال��دول إل��ى خفض حجم‬
‫القوات‪ ،‬إلى حد ميكنها من ممارسة مهامها الروتينية بكفاءة‪ ،‬كما‬
‫ت�ك��ون ق��ادرة ب�ه��ذا احل��د األدن��ى م��ن ال�ت�ص��دي للمفاجآت‪ ،‬على أن‬
‫تكون هناك وسيلة سريعة ودقيقة لزيادة هذا احلجم (نظام تعبئة)‪،‬‬
‫إل��ى احل��د‪ ،‬ال��ذي يتطلبه حجم امل�خ��اط��ر وال�ت�ه��دي��دات والعدائيات‬
‫املتوقعة‪.‬‬

‫لكل دولة أسبابها وظروفها وإمكانياتها‪ ،‬التي حتدد من خاللها‬


‫حجم قواتها املناسب‪ ،‬في وقت السلم‪ ،‬ووقت احلرب‪ .‬إال أنه يجب‬
‫مراعاة اآلتي‪ ،‬عند تقدير هذا احلجم‪:‬‬

‫حجم التهديدات وطبيعتها‪.‬‬ ‫< ‬

‫أن يلبي احلجم مطالب احلرب احلديثة‪.‬‬ ‫< ‬

‫أن يساير احلجم اجت��اه��ات التطوير (ف��ي امل�ع��دات وفي‬ ‫< ‬


‫أسلوب القتال)‪.‬‬

‫حجم اخلسائر الكبيرة واملنتظرة في احل��روب احلديثة‬ ‫< ‬


‫(في األرواح واملعدات)‪.‬‬

‫أن يؤمن احلجم إمكانية االستمرار في القتال‪.‬‬ ‫< ‬

‫‪168‬‬
‫‪ - 1‬حجم القوات املسلحة العاملة وقت السلم‪:‬‬

‫يتوقف ه��ذا احل�ج��م‪ ،‬على ال�ق��در املطلوب لصد أي هجمات‬


‫مفاجئة‪ ،‬ثم البدء في القيام بأعمال نشطة وحاسمة (وإن كانت‬
‫محدودة)‪ ،‬حلني تعبئة قوات أخرى من احتياطي القوات املسلحة‪.‬‬
‫وطبقاً حلجم الدولة‪ ،‬وق��وة التهديدات املنتظرة‪ ،‬فإن بعض الدول‬
‫تفضل أن يكون حجم قواتها في السلم‪ ،‬ق��ادراً على إدارة عمليات‬
‫تعرضيه (هجومية) من دون انتظار لتعبئة وحشد قوات (خاصة إذا‬
‫كانت الدولة من الدول ذات األعباء أو الطموح الدولي واإلقليمي)‪.‬‬
‫وقد ترى الدولة زيادة حجم القوات في تخصص محدد مثل الدفاع‬
‫ال (ليكون ق��ادراً على التصدي لهجمات العدو اجلوية‪،‬‬ ‫اجل��وي مث ً‬
‫ال�ت��ي ت�ص��اح��ب ال�ه�ج��وم ال �ب��ري ومت�ه��د ل��ه ف��ي ال �ب��داي��ة) أو القوات‬
‫اجلوية (لتكون قادرة على رد الضربة‪ ،‬أو إجهاضها بضربة وقائية)‬
‫إضافة إلى القوات القريبة من حدود الدولة؛ ويختلف حجمها من‬
‫اجتاه ألخر‪ ،‬ومن وقت ألخر‪ ،‬حسب تطور العالقات مع دول اجلوار‬
‫اجلغرافي‪.‬‬

‫‪ - 2‬حجم القوات في وقت األزمات واحلرب‪:‬‬

‫يُحدد حجم القوات املسلحة املطلوب‪ ،‬للقيام بعمليات قتالية‬


‫ن��اج �ح��ة‪ ،‬ف��ي ض��وء ال �ه��دف ال�س�ي��اس��ي ال�ع�س�ك��ري ل �ل��دول��ة‪ ،‬واملهام‬
‫اإلستراتيجية املطلوب حتقيقها من احل��رب‪ ،‬وعلى تقديرات حجم‬
‫وق��درات اخلصم‪ ،‬ونسبة التفوق املطلوبة عليه (والتي تتدخل فيها‬
‫أيضاً قدرات األسلحة‪ ،‬وشكل التنظيم‪ ،‬منسوباً ألسلحة وتنظيمات‬
‫العدو) ومدة احلرب املتوقعة‪ ،‬وحجم التحالفات املمكن االستعانة بها‬
‫أو التعاون معها‪ ،‬وحجم اخلسائر املتوقعة في األسلحة والتخصصات‬
‫املختلفة‪ ،‬ودرجة تأثيرها على أداء القوات‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫حتقق النسبة ‪ 5 :1‬امل�ع��ادل��ة‪ ،‬ب�ين السلم واحل��رب ف��ي حجم‬
‫ال �ق��وات‪ ،‬ال�ت��ي ق��د ت��زي��د أو ت�ق��ل‪ ،‬ط�ب�ق�اً مل��وق�ف��ي ال��دول��ة السياسي‬
‫والعسكري‪ ،‬وعناصرها اجلغرافية‪ .‬وم��ن املتعارف عليه‪ ،‬أن يكون‬
‫حجم القوات املسلحة‪ ،‬بالنسبة لتعداد الدولة‪ ،‬في ح��دود ‪،%2.4‬‬
‫وهي نسبة ترتفع في بعض ال��دول‪ ،‬ذات اإلستراتيجيات الهجومية‬
‫أو امليول العدوانية‪ ،‬لتصل إلى أكثر من ‪ %20‬من تعداد السكان‪،‬‬
‫وهو أمر يؤثر على األنشطة األخرى في الدولة‪ ،‬بسبب ارتفاع معدل‬
‫العاملني بالقوات املسلحة‪ ،‬عن املعدل الطبيعي‪ .‬وحتتفظ بعض الدول‬
‫بحجم قواتها العاملة وقت السلم‪ ،‬مبا يعادل احلجم املطلوب وقت‬
‫احل��رب العتبارات سياسية أو أمنية‪ .‬وق��د تتصل ه��ذه االعتبارات‬
‫ال عن أنها‪ ،‬غالباً‪ ،‬تتعلق‬ ‫أحياناً باملشاكل اخلارجية للدولة‪ .‬فض ً‬
‫مبشاكلها الداخلية‪.‬‬

‫‪ - 3‬األنساق اإلستراتيجية‪:‬‬

‫حتى ال حتتفظ ال��دول��ة‪ ،‬بحجم ق��وات مسلحة عاملة كبير‪،‬‬


‫مما يرهق ميزانيتها ويثقل اقتصادها (وقد يتعدى ذلك إلى إرباك‬
‫األنشطة األخرى‪ ،‬التي قد ال جتد العدد الكافي من العمالة املدربة)‬
‫فإنها تقسّ م قواتها وقت السلم إلى نسقني‪:‬‬

‫أ ‪ -‬النسق اإلستراتيجي األول‪:‬‬

‫يتكون من التشكيالت ذات نسب االستكمال العالية‪ ،‬واملدربة‬


‫تدريباً ج�ي��داً‪ ،‬وكفاءتها القتالية مرتفعـة‪ ،‬ع�لاوة على استعدادها‬
‫ال��دائ��م خل��وض القتال مباشرة‪ ،‬م��ن دون انتشار إستراتيجي‪( .‬أو‬
‫قد حتتاج إلى وقت قصير إلعادة متركزها‪ ،‬مبا يتالءم مع دخولها‬
‫في أعمال القتال)‪ ،‬وهي تسمى قوات الصدمة األولى‪ ،‬وتتكون من‬

‫‪170‬‬
‫كافة قوات األفرع الرئيسية العاملة‪ ،‬وقوات حرس احل��دود‪ ،‬وخفر‬
‫السواحل املوجودة بالقرب من حدود الدولة‪ ،‬بشكل شبه دائم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النسق اإلستراتيجي الثاني‪:‬‬

‫يتكون من القوات التي تتم تعبئتها وانتشارها (االنتشار (الفتح‬


‫اإلستراتيجي)‪ ،‬في مدة طويلة نسبياً‪ ،‬وتكون عادة قوات احتياطية‪،‬‬
‫ت�س�ت��دع��ى ل�ل�ت��دري��ب ع�ل��ى ف �ت��رات زم �ن �ي��ة (ط �ب �ق �اً خل �ط��ط التدريب‬
‫امل��وض��وع��ة)‪ .‬وق��د يبقى منها ف��ي ال �ق��وات العاملة ن��واة ذات نسبة‬
‫منخفضة (قد ال تتعدى ‪ %20‬من قوة الوحدة)‪ ،‬أو قد ال يوجد منها‬
‫في القوات العاملة سوى بعض الضباط العاملني في قطاع التعليم‬
‫العسكري‪ ،‬أو التفتيش‪ ،‬أو غيره من املجاالت غير املطلوبة بكثافة‪،‬‬
‫عالية في وقت احلرب‪.‬‬

‫وفي املهام الدفاعية‪ ،‬تُعد وحدات املشاة أكثر مناسبة‪ ،‬وتدعم‬


‫بعناصر م��درع��ة لتنفيذ الهجمات امل �ض��ادة‪ ،‬ب�غ��رض تدمير العدو‬
‫املخترق للدفاعات‪ .‬ويساند قوات املشاة عادة حجم كبير من عناصر‬
‫الهندسة العسكرية إلنشاء التحصينات وبث األلغام‪ .‬أما في املهام‬
‫الهجومية‪ ،‬فإن القوات املدرعة واآللية تُعد القوات الرئيسية‪ ،‬لذلك‬
‫النوع من األعمال القتالية‪ ،‬وتكون املساندة النيرانية من املدفعية‬
‫ذات امل��دى ال�ط��وي��ل والفاعلية ال�ك�ب�ي��رة‪ ،‬وال �ق��وات اجل��وي��ة (خاصة‬
‫الطائرات العمودية الهجومية‪ ،‬ذات التسليح املتنوع واملتطور) من‬
‫أكثر األسلحة املطلوبة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬ال بدّ أن يسبق االنتقال إلى مرحلة اإلع��داد للهجوم‪،‬‬


‫احلصول على األسلحة الهجومية املناسبة‪ ،‬وإنشاء احلجم الكافي‬
‫من ال�ق��وات‪ ،‬ذات النوعية ال�ق��ادرة على احلركة السريعة واملناورة‬

‫‪171‬‬
‫الكافية‪ ،‬والعناصر املتخصصة املختلفة الالزمة لإلسناد‪.‬‬

‫ي�س�ت��دع��ي ذل��ك ال �ت �ط��ور ال�ك�ب�ي��ر ف��ي ح�ج��م ال �ق��وات املسلحة‪،‬‬


‫تدابير مماثلة في أهميتها للنواحي املالية‪ ،‬وهو ما قد ميس حياة‬
‫املواطنني نسبياً‪ ،‬وألنها تتأثر بالتعديالت في مدد اخلدمة التطوعية‬
‫واإللزامية‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬نظام التعبئة‬

‫تتحول الدولة كلها في نظام التعبئة الشاملة من حالة السلم‪،‬‬


‫إلى حالة احلرب‪ .‬وتكون التعبئة‪ ،‬عادة‪ ،‬على نحو سرىّ ‪ ،‬وقد تأخذ‬
‫أحياناً الطابع العلني‪ ،‬عند حدوث مفاجأة‪ ،‬ببدء أعمال القتال من‬
‫اخلصم‪ ،‬أو عند التعبئة الشاملة (حيث تؤدي تعبئة األجهزة واملوارد‬
‫املدنية إلى العلنية)‪ .‬وقد تكون التعبئة جزئية لقطاع واحد‪ ،‬أو جزء‬
‫من التشكيالت‪ ،‬أو وحدة عسكرية بعينها‪ .‬وتكون التعبئة اجلزئية‬
‫ع��ادة س��ري��ة‪ ،‬حيث ميكن كتمانها لفترة زمنية م�ح��ددة‪ .‬وق��د يُعلن‬
‫عنها‪ ،‬ألغراض سياسية أو خداعية‪.‬‬

‫‪ -‬خطة التعبئة‪:‬‬

‫تُ��ع��د خ �ط��ة ال �ت �ع �ب �ئ��ة ب �ك��اف��ة ت �ف��اص �ي �ل �ه��ا‪ ،‬ض �م��ن التخطيط‬


‫اإلستراتيجي الستخدام القوات املسلحة‪ .‬وهي جزء من خطة التعبئة‬
‫العامة للدولة‪ ،‬وحتقق ك��ل منهما أه��داف اخلطة األع�ل��ى‪ .‬وتشمل‬
‫خطة تعبئة القوات املسلحة‪ ،‬التي تُعد أهم ما تعده القيادة العامة‬
‫من خطط في وقت السلم‪ ،‬استكمال القوات للنسبة‪ ،‬التي جتعلها‬
‫جاهزة للقتال (يشمل االستكمال األفراد واملعدات واألسلحة)‪ ،‬كما‬
‫يشمل أيضاً تكوين وحدات وتشكيالت جديدة‪ ،‬قد يتطلبها املوقف‪.‬‬
‫وفي القطاع املدني‪ ،‬حتدد خطة التعبئة األج��زاء‪ ،‬التي تتم تعبئتها‬

‫‪172‬‬
‫اجلزئية‪ ،‬لصالح املجهود احلربي للدولة‪( ،‬التعبئة اجلزئية)‪ ،‬والتي‬
‫عادة تشمل املنشآت (كاملستشفيات وبعض املصانع والورش الفنية)‬
‫ووحدات النقل (بأنواعها)‪.‬‬

‫وت��رج��ع أه�م�ي��ة ال��دق��ة ف��ي خ�ط��ة التعبئة اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة‪ ،‬في‬


‫توفيرها املوارد املالية لصالح قطاعات أخرى‪ ،‬مما يخفف من تكلفة‬
‫القوات املسلحة وق��ت السلم‪ .‬وف��ي الوقت ذات��ه حتقق السرعة في‬
‫الوصول بالقوات إلى احلجم املطلوب‪ ،‬لبدء أعمال قتال رئيسية‪.‬‬

‫وتتطلب خطة التعبئة فتح مراكز لتجميع األف��راد في مناطق‬


‫تواجدهم الرئيسية‪ ،‬ووج��ود مستودعات لألسلحة واملعدات قريبة‬
‫منها (ب�خ�لاف مستودعات التخزين اإلستراتيجية) ووس��ائ��ل نقل‬
‫وط ��رق ج �ي��دة‪ ،‬ح�ت��ى مي�ك��ن س��رع��ة وص ��ول ال�ع�ن��اص��ر امل�ع�ب��أة بكامل‬
‫جتهيزاتها (سواء أفراد أو وحدات صغرى) إلى مناطق احلاجة إليهم‬
‫في التوقيت املطلوب‪.‬‬

‫تستكمل دقة وفاعلية خطط التعبئة‪ ،‬بنظم إن��ذار واستدعاء‬


‫ذات كفاءة عالية‪ ،‬ميكن تعديلها وحتسينها طبقاً للخبرات‪ ،‬التي‬
‫تكتسب بالتجارب املتتالية في كافة االحتماالت‪ .‬وتعطي األجهزة‬
‫اإللكترونية احلديثة‪ ،‬أعلى درجات الفاعلية‪ ،‬في دقة وكفاءة النظام‬
‫كله‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬االنتشار اإلستراتيجي للقوات املسلحة‬

‫بناء على فكرة االستخدام اإلستراتيجي للقوات‪ ،‬يتم إعداد‬


‫خطة بناء التجميعات اإلستراتيجية في مسرح العمليات احلربية‬
‫(حشد القوات على االجتاهات اإلستراتيجية)‪ ،‬وحتدد اإلجراءات‬
‫التخطيطية والتنفيذية‪ ،‬للوصول بحجم القوات إلى احلجم املطلوب‬

‫‪173‬‬
‫لبدء أعمال القتال الرئيسية (خطة التعبئة الشاملة أو اجلزئية)‪.‬‬

‫وعندما تصل القوات إلى حجم احلرب‪ ،‬تبدأ مرحلة االنتشار‬


‫(ال�ف�ت��ح) اإلس�ت��رات�ي�ج��ي ع�ل��ى ث�لاث م��راح��ل‪ .‬أول �ه��ا م��رح�ل��ة احلشد‬
‫اإلستراتيجي‪ ،‬بنقل القوات وإع��ادة توزيعها على مسارح العمليات‬
‫(أو االجتاهات اإلستراتيجية)‪ ،‬ثم مرحلة جتميع التشكيل الرئيسي‬
‫للقوات (التجميعات اإلستراتيجية املشتركة)‪ ،‬من كافة أنواع القوات‪،‬‬
‫طبقاً للحاجة إليها ف��ي ك��ل م�س��رح (أو اجت ��اه)‪ ،‬ث��م مرحلة توزيع‬
‫التجميعات املشتركة‪ ،‬التي تكونت على االجتاهات التي حتددت لها‪.‬‬
‫وتتم هذه املراحل‪ ،‬طبقاً لتخطيط زمني ينسق وصول القوات على‬
‫االجتاه املناسب‪ ،‬في الوقت املناسب‪.‬‬

‫تبدأ عملية االنتشار اإلستراتيجي‪ ،‬دون انتظار لالنتهاء من‬


‫املرحلة السابقة لها (تنفيذ خطة التعبئة)‪ .‬ويجري دفع التشكيالت‬
‫وال��وح��دات ح��ال االن�ت�ه��اء م��ن تعبئتها‪ ،‬حسب األس�ب�ق�ي��ات احملددة‬
‫للعمليات‪ ،‬لتأخذ أوضاعها على االجتاه املعني لها‪ ،‬وال تعتبر خطة‬
‫االنتشار اإلستراتيجي قد نفذت بنجاح‪ ،‬إ ّال بعد التأكد من تنفيذ‬
‫اإلجراءات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬وصول التشكيالت والوحدات (من مختلف األنواع)‪ ،‬إلى‬


‫مواقعها ف��ي م�س��رح العمليات‪ ،‬ودخ��ول�ه��ا حت��ت القيادة‬
‫العملياتية املخصصة ل�لاجت��اه احمل��دد (ق �ي��ادة اجليش‬
‫امليداني أو املنطقة العسكرية‪ ،‬أو الفيلق‪ ،‬طبقاً لتنظيمات‬
‫القوات املسلحة في الدولة)‪.‬‬

‫‪ - 2‬متركز الوحدات اجلوية في املطارات األمامية‪ ،‬والوحدات‬


‫البحرية في قواعدها‪ ،‬أو مناطق عملها‪ ،‬في أعالي البحار‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ - 3‬احتالل قوات الدفاع اجلوى ملواقعها احملددة في اخلطة‪.‬‬

‫‪ - 4‬اتخاذ العناصر اإلدارية ألوضاعها‪ ،‬وممارستها ألنشطتها‬


‫من تلك األوضاع‪.‬‬

‫‪ - 5‬فتح م��راك��ز القيادة والسيطرة واس�ت�ع��داده��ا لبدء إدارة‬


‫أعمال القتال‪.‬‬

‫‪ - 6‬وصول األوامر باملهام القتالية إلى التشكيالت والوحدات‪،‬‬


‫وات �خ��اذه��ا إج� ��راءات اإلع� ��داد ل�ل�م�ع��رك��ة‪ ،‬وت�ب�ل�ي�غ�ه��ا عن‬
‫استعدادها لبدء القتال‪.‬‬

‫تُ�ع��د عملية االن�ت�ش��ار اإلس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬م��ن امل��راح��ل املهمة في‬


‫إع ��داد ال �ق��وات املسلحة ل�ل��دف��اع‪ .‬وه��ي تتميز بحشد ق��وات كبيرة‬
‫احل �ج��م‪ ،‬وحت��رك��ات ض�خ�م��ة‪ ،‬مم��ا يستلزم التخطيط ال��دق�ي��ق لها‪،‬‬
‫وإج���راء جت ��ارب ع�ل��ى من ��اذج ري��اض�ي��ة ب��اس�ت�خ��دام احل��اس��ب اآللي‪،‬‬
‫وأخرى ميدانية‪ ،‬للتأكد من واقعيتها‪ ،‬وقابليتها للتنفيذ بشكل جيد‪.‬‬
‫كما تتخذ إج ��راءات خ��اص��ة للوقاية ض��د ت��دخ��ل ال�ع��دو ف��ي أعمال‬
‫االنتشار (الفتح) اإلستراتيجي‪ ،‬عندما يحاول القيام بأعمال مضادة‬
‫(ضربة إحباط) باستخدام الصواريخ أرض‪ /‬أرض‪ ،‬والقوات اجلوية‪،‬‬
‫والبحرية‪ ،‬والتدخل اإللكتروني على شبكات السيطرة على القوات‬
‫القائمة باالنتشار (التحركات)‪ ،‬أو على رادارات القوات املدافعة‪.‬‬

‫‪175‬‬
176
‫الفصل اخلامس‬
‫إعداد االقتصاد الوطني‬

‫االقتصاد هو القاعدة األساسية لبناء الدفاع واإلعداد للحرب‪.‬‬


‫فهو امل�م��ول لكل عمليات اإلع��داد وخططها املركزية والتفصيلية‪،‬‬
‫واملؤثر الرئيسي على ق��درة الدولة على التصدي للعدوان‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫فإن إعداد اقتصاد الدولة للتحول‪ ،‬من اقتصاد السلم إلى اقتصاد‬
‫احلرب‪ ،‬من البديهيات التي تضعها القيادة السياسية في أولوياتها‪،‬‬
‫عند إعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫يقوم اإلع��داد االقتصادي على حسابات دقيقة‪ ،‬وإحصائيات‬


‫ع�ل�م�ي��ة‪ ،‬وت �ن �ب��ؤات م��دروس��ة‪ ،‬الح �ت �م��االت واق �ع �ي��ة‪ .‬وي�ت�ع�ل��ق اإلعداد‬
‫االقتصادي بكل قطاعات الدولة‪ ،‬وفئات الشعب‪ ،‬وقواته املسلحة‪،‬‬
‫مما يضفي أهمية متزايدة على تأثيره‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬أهمية اإلعداد االقتصادي‬

‫اإلع��داد االقتصادي للدولة من الشؤون املعقدة‪ ،‬خاصة عند‬

‫‪177‬‬
‫العمل في وقت السلم‪ ،‬إلعداد الدولة لوقت احلرب‪ ،‬فتكثر األطراف‬
‫املشتركة في اإلعداد‪ ،‬لتنوع تخصصاته‪ ،‬ومجاالته‪ ،‬وتعدد مستوياته‪.‬‬
‫ويقوم العمل إلعداد اقتصاد الدولة للحرب‪ ،‬على إدراك متطلبات‬
‫ال �ق��وات املسلحة والعمل على تلبيتها‪ ،‬م��ن دون أن تتأثر حاجات‬
‫الشعب‪ .‬لذا‪ ،‬تعمل كافة األجهزة االقتصادية كل في تخصصه في‬
‫تعاون وثيق‪ ،‬مع أجهزة الدولة األخرى‪ ،‬والتنظيمات شبة الرسمية‬
‫والشعبية‪ ،‬للوصول إل��ى أنسب استهالك للموارد لصالح الفئتني‬
‫(القوات املسلحة والشعب)‪.‬‬

‫وت �غ �ط��ي احل� ��رب احل��دي �ث��ة م �س��اح��ة واس� �ع ��ة‪ ،‬ت �ت �ع��دى مسارح‬
‫العمليات‪ ،‬لتصل إلى كل أراضي الدولة‪ .‬لذا فإن اإلعداد االقتصادي‪،‬‬
‫يجب أن يشمل في تخطيطه كافة املناطق بالدولة‪ .‬كما يشمل كافة‬
‫التخصصات‪ ،‬زراعية‪ ،‬وصناعية‪ ،‬وجتارية‪ ،‬وفنية‪ ،‬وهندسية‪ ،‬وكل ما‬
‫يتعلق باالقتصاد الوطني‪ .‬وعليه أن يضمن استمرار اإلنتاج‪ ،‬وسيطرة‬
‫مستقرة على العمل في وحدات اإلنتاج ووحدات اخلدمات‪ ،‬لصالح‬
‫املجهود احلربي‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬من دون تأثر كبير بالصراع ونتائجه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬التخطيط االقتصادي للدفاع عن الدولة‬

‫تختلف ظروف الدول وقدراتها االقتصادية‪ ،‬التي تؤثر بشكل‬


‫مباشر على خطوات اإلع��داد االقتصادي‪ .‬إ ّال أن الشكل السياسي‬
‫ل�ن�ظ��ام احل �ك��م‪ ،‬ي�ص�ب��ح ال �ع��ام��ل ال��رئ�ي�س��ي ف��ي حت��دي��د ن��وع النظام‬
‫االق�ت�ص��ادي ل�ل��دول��ة‪ ،‬ال��ذي ت�ك��ون ل��ه ال�ي��د الطولي ف��ي م��دى تدخل‬
‫الدولة‪ ،‬في دورة االقتصاد الوطني لإلعداد للدفاع‪.‬‬

‫وطبقاً للنظام السياسي للدولة‪ ،‬توجد ثالثة توجهات اقتصادية‬


‫رئيسية‪( ،‬رأسمالي‪ ،‬وشمولي‪ ،‬وإسالمي) لكل منها أثر مهم في شكل‬

‫‪178‬‬
‫اإلعداد االقتصادي للدولة‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال �ن �ظ��ام ال��رأس �م��ال��ي‪ :‬ي�ت�ج��ه ه ��ذا ال �ن �ظ��ام ن �ح��و احلرية‬


‫االقتصادية‪ ،‬وهو يُعني بالتخطيط اخلاص طبقاً حلدود‬
‫امللكية‪ ،‬وتبقى ال��دول��ة بعيدة ع��ن التدخل ف��ي األوضاع‬
‫اخلاصة باإلنتاج‪ ،‬واململوك في معظمه لألفراد والهيئات‪.‬‬
‫إ ّال أن إع��داد الدولة للدفاع‪ ،‬يحتم تدخل الدولة جزئيا‬
‫لفترة زمنية محدودة (وقت احلرب)‪ .‬كما أن الدولة تضع‬
‫ال ومتكامالً‪ ،‬حتى ال‬ ‫تصوراً للتخطيط االقتصادي شام ً‬
‫تُفاجأ أث�ن��اء احل��رب‪ ،‬بعدم ق��درة اقتصادها على تلبية‬
‫مطالب القوات املسلحة والشعب‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن أصحاب‬
‫أدوات اإلنتاج‪ ،‬يعنيهم تلبية تلك املطالب مع أخذ أرباحهم‬
‫في االعتبار حتى ال ينهار االقتصاد الوطني وأدواته‪ ،‬من‬
‫جراء احلرب‪.‬‬

‫‪ - 2‬النظام الشمولي (االشتراكي الشيوعي)‪ :‬يسعى هذا النظام‬


‫لسيطرة الدولة‪ ،‬بشكل رئيسي‪( ،‬وقد يكون كامالً) على‬
‫أدوات اإلنتاج‪ ،‬واملؤسسات املالية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن التخطيط‬
‫االقتصادي يتخذ شكل التدخل الكامل‪ ،‬واملباشر‪ ،‬للدولة‪.‬‬
‫ويتمشى مع أهدافها (نظام موجه من أعلى)‪ ،‬مما يجعله‬
‫اقتصاداً مقيداً‪ ،‬وه��و يلبي احتياجات اإلع��داد للدفاع‪،‬‬
‫إ ّال أنه يتقاعس عن تلبية احتياجات األفراد‪ ،‬بالقدر من‬
‫االهتمام نفسه‪ ،‬وهي السمة الرئيسية للنظم الشمولية‪،‬‬
‫التي ضعفت وانكمشت بعد انهيار االحتاد السوفيتي‪ ،‬في‬
‫عام ‪.1990‬‬

‫‪ - 3‬النظام اإلسالمي (النظم الوسيطة)‪ :‬يأخذ هذا النظام‬

‫‪179‬‬
‫بأوسط األم��ور‪ ،‬لتحقيق هدفه األس��اس��ي‪ ،‬وه��و «حتقيق‬
‫مصلحة املسلمني‪ ،‬مع احترام حقوق أهل الذمة في دار‬
‫السالم»‪ ،‬وضمان اخلير للدولة أفراداً وجماعة‪ .‬ويتطلب‬
‫ذلك استغالل جميع املوارد املتاحة في اإلنتاج‪ ،‬االستغالل‬
‫األمثل واألكمل‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫احل ��ق‪ ،‬ي ��وازن ب�ين مصلحة ال �ف��رد‪ ،‬وم�ص�ل�ح��ة املجموع‪،‬‬
‫وي �ح��رص ع�ل��ى ت �ع��اون امل�ج�ت�م�ع��ات اإلس�لام �ي��ة‪ ،‬حفاظاً‬
‫على مصلحة اجلماعة اإلسالمية (مبدأ وحدة مصلحة‬
‫املسلمني)‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإن التخطيط االقتصادي في هذا‬
‫النظام‪ ،‬يأخذ مببدأ حرية الفرد في اإلنتاج‪ ،‬والتدخل‬
‫الستكمال احتياجات اجل�م��اع��ة‪ ،‬وه��و م��ا متثله مطالب‬
‫القوات املسلحة والشعب لإلعداد للدفاع‪ .‬ويكون التدخل‬
‫ج��زئ��ي‪ ،‬لتغطية م��ا ن�ق��ص م��ن االس�ت�غ�لال ع��ن االكتمال‬
‫واملثالية‪.‬‬

‫‪ - 4‬تأخذ النظم االقتصادية الثالث‪ ،‬مببدأ التخطيط الوطني‬


‫(وال�ق��وم��ي) ف��ي حالة إع��داد االقتصاد للدفاع‪ ،‬ليصبح‬
‫اق �ت �ص��اداً م��وج�ه�اً (ن�س�ب�ي�اً) مل��وائ�م��ة امل�ط��ال��ب م��ع املوارد‬
‫واإلنتاج‪ .‬وتزداد نسبة تدخل الدولة في االقتصاد‪ ،‬كلما‬
‫اشتدت احلاجة إل��ى تطابق نظم اإلنتاج (ال�ع��رض)‪ ،‬مع‬
‫متطلبات الصراع واإلعداد له (الطلب)‪ .‬وهو ما يقترب‬
‫من النظام الشمولي‪.‬‬

‫يأخذ التخطيط االقتصادي دوراً أساسياً في إجناح التخطيط‬


‫العسكري‪ ،‬بتنبؤه الصحيح والدقيق ملتطلبات احل��رب‪ ،‬واحتياجات‬
‫ال��دول��ة خاللها‪ ،‬وتوفيقه بني مطالب الشعب‪ ،‬في حياته اليومية‪،‬‬
‫واملطالب العسكرية للصراع‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬حتول الدولة إلى اقتصاد احلرب‬

‫تهدف خطة اإلع��داد االقتصادي‪ ،‬حتويل اقتصاد الدولة من‬


‫وض��ع السلم‪ ،‬إل��ى وض��ع احل��رب‪ .‬ويتم ذل��ك بحصر كافة إمكانيات‬
‫ال��دول��ة االق�ت�ص��ادي��ة‪ ،‬وم��وارده��ا الطبيعية وال�ص�ن��اع�ي��ة‪ ،‬وقدراتها‬
‫اإلنتاجية واملالية‪ ،‬ووضع خطة شاملة ودقيقة لتعبئة تلك اإلمكانيات‬
‫واملوارد والقدرات‪ ،‬وجعلها حتت تصرف املجهود احلربي‪.‬‬

‫وتشمل خطة التعبئة كافة األنشطة االقتصادية‪ ،‬من زراعة‪،‬‬


‫وصناعة‪ ،‬وجتارة‪ ،‬ومواصالت‪ ،‬ومؤسسات مالية‪ ،‬ومنشآت اقتصادية‬
‫مختلفة‪ .‬ويوضع في االعتبار معدل االستهالك العالي املتوقع‪ ،‬الذي‬
‫أصبح من سمات الصراع في العصر احلديث‪ ،‬نتيجة لتطور األسلحة‪،‬‬
‫واملعدات‪ ،‬في بُعد املدى والقوة التدميرية‪ ،‬ودقة إصابة األهداف‪.‬‬

‫‪ - 1‬إعداد القطاع الزراعي‪:‬‬

‫يهدف إعداد قطاع الزراعة‪ ،‬إلى تأمني إمداد الشعب والقوات‬


‫املسلحة باحتياجاتهما ال�ض��روري��ة م��ن املنتجات ال��زراع �ي��ة‪ ،‬سواء‬
‫لإلعاشة أو م��ا يدخل منها ف��ي التصنيع‪ .‬وك��ذل��ك‪ ،‬احملافظة على‬
‫أسواق التصدير التقليدية ملنتجات الدولة الزراعية‪ .‬وتهدف خطة‬
‫إع��داد القطاع الزراعي‪ ،‬إلى الوصول ملستوى االكتفاء الذاتي (مع‬
‫التصدير للخارج‪ ،‬للحصول على التمويل أيضاً)‪.‬‬

‫ولتنفيذ خطة اإلع��داد للقطاع الزراعي‪ ،‬يجب تنظيم اإلنتاج‬


‫في هذا القطاع‪ ،‬على أساس اقتصاديات احلرب‪ ،‬الذي يحتم وجود‬
‫احتياطي من امل��واد الغذائية‪ ،‬مخزنة بعيداً عن املناطق املعرضة‬
‫للتدمير‪ .‬ثم التركيز على االستثمارات سريعة العائد‪ ،‬التي تُسهم‬
‫في زيادة اإلنتاج‪ ،‬وزيادة التصدير (املواد األكثر استهالكاً‪ ،‬واألفضل‬

‫‪181‬‬
‫تصديراً)‪ ،‬والتخطيط للتوسع الرأسي‪ ،‬في الزراعة (زيادة إنتاجية‬
‫األرض)‪.‬‬

‫كما ينبغي‪ ،‬أيضاً‪ ،‬العناية باستخدام املعدات واآلالت الزراعية‬


‫في وقت السلم ليُمكن استخدامها بسهولة وقت احلرب (جرارات‬
‫شاحنات صهاريج أدوات تسوية تربة وحصاد‪ ،‬ذات إنتاجية عالية)‪،‬‬
‫لتغطية ندرة العمالة في مثل هذا الوقت‪.‬‬

‫كما تُنسق خطط اإلن�ت��اج ال��زراع��ي‪ ،،‬بالتركيز على املنتجات‬


‫ال�ض��روري��ة‪ ،‬خ��اص��ة‪ ،‬م��ا حتتاجه ال �ق��وات املسلحة‪ ،‬م��ع التوسع في‬
‫استخدام املواد املخصبة من البيئة الطبيعية (األسمدة العضوية)‪.‬‬
‫وتستطيع ال��دول��ة التغلب على مشاكل نقص األغ��ذي��ة واحملاصيل‪،‬‬
‫بإقامة عالقات طيبة‪ ،‬واتفاقيات‪ ،‬ومعاهدات‪ ،‬مع الدول املجاورة‪،‬‬
‫والتجمعات اإلقليمية املنضمة لها (التكامل االق�ت�ص��ادي م��ع دول‬
‫أخرى مجاورة‪ ،‬أو صديقة‪ ،‬يسهّل االستيراد منها زمن احلرب)‪.‬‬

‫‪ - 2‬إعداد القطاع الصناعي‪:‬‬

‫يُعد أهم القطاعات االقتصادية في زمن احلرب‪ ،‬لتنوع أنشطته‪،‬‬


‫املصنعة‪ ،‬بصفة‬
‫وتعدد مطالب القوات املسلحة والدولة من املنتجات ّ‬
‫دائمة‪ ،‬خاصة املعدات‪ ،‬والذخائر‪ ،‬واألسلحة‪ ،‬الالزمة للتشكيالت‬
‫املقاتلة‪.‬‬

‫وتخطط الدولة‪ ،‬إلعداد الصناعة‪ ،‬في وقت السلم‪ ،‬ليكون لديها‬


‫قاعدة صناعية‪ ،‬ترتكز عليها‪ ،‬وقت احلرب‪ .‬وتهدف سياسة التصنيع‪،‬‬
‫إلى تنمية قاعدة اإلنتاج‪ ،‬باستغالل ما يتوفر لديها من موارد محلية‬
‫ومستوردة‪ ،‬من الدول الصديقة (التي يُعتمد على استمرار تدفقها‬
‫في وقت احلرب)‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫وي�ش�م��ل ال�ت�خ�ط�ي��ط إلع���داد ال �ص �ن��اع��ة‪ ،‬ك��اف��ة أوج ��ه النشاط‬
‫الصناعي‪ ،‬مع التركيز على الصناعات احلربية‪ ،‬والصناعات املتصلة‬
‫مبطالب املجهود احلربي‪ ،‬واستغالل االستثمارات الوطنية‪ .‬وتوضع‬
‫أول��وي��ات للصناعات‪ ،‬إنشا ًء وتطويراً‪ ،‬طبقاً حليويتها (الصناعات‬
‫الثقيلة والوسيطة والدقيقة)‪ ،‬والتقنية املتقدمة‪ ،‬واملتاحة‪ ،‬والكوادر‬
‫الفنية‪ ،‬املتوفرة محلياً‪ ،‬أو بالعمالة الوافدة (مع الوضع في االعتبار‬
‫خطورة زيادة نسبة العمالة الوافدة‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ومن دولة بعينها‪،‬‬
‫بصفة خاصة)‪.‬‬

‫تتطلب إق��ام��ة ص�ن��اع��ة وط�ن�ي��ة بجـانب االس�ت�ث�م��ارات املالية‪،‬‬


‫وال�ك��وادر الفنية والتقنية املالية احلديثة توافر طبقة من العلماء‬
‫الوطنيني‪ ،‬والباحثني‪ ،‬في مختلف العلوم‪ ،‬ممن لهم دور مهم في بناء‬
‫الصناعة احلديثة‪ ،‬وتطويرها‪ .‬وه��ذا يعني ض��رورة ارت�ب��اط خطط‬
‫إعداد القوى البشرية‪ ،‬بخطط التصنيع‪ ،‬في امليادين املختلفة‪.‬‬

‫ويهدف إعداد الصناعة‪ ،‬في زمن احلرب‪ ،‬إلى حتقيق الكفاية‬


‫ال��ذات �ي��ة م��ن امل�ن�ت�ج��ات امل�ص�ن�ع��ة‪ ،‬ط�ب�ق�اً مل�ط��ال��ب ال �ق��وات املسلحة‪،‬‬
‫عال‪ ،‬وفائض‪ ،‬ميكنه املنافسة في األسواق‬ ‫والشعب‪ .‬وحتقيق مستوى ٍ‬
‫العاملية‪ ،‬للحصول على عائد مجز يغطي‪ ،‬نفقات اإلع��داد للدفاع‬
‫بصفة عامة‪ ،‬ويُسهم في استيراد األسلحة واملعدات واملنتجات‪ ،‬غير‬
‫املصنعة محلياً‪.‬‬

‫ويراعى في خطط اإلعداد للصناعة‪ ،‬عدة أسس مهمة‪ ،‬حتى‬


‫حتقق هدفها في زمن احلرب‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إمكان حتويل الصناعات املدنية إلى صناعة حربية‪ ،‬في‬


‫زمن قصير‪ ،‬وبأقل مجهود وتكلفة‪ ،‬ومن دون تغير حاد‬

‫‪183‬‬
‫في اإلنتاج (مرونة اإلنتاج)‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ت��وح �ي��د ن��وع �ي��ات األج� �ه ��زة‪ ،‬وامل� �ع���دات‪ ،‬والتجهيزات‪،‬‬


‫املستخدمة في القوات املسلحة‪ ،‬والقطاع املدني‪ ،‬حتى‬
‫ميكن االستعانة بها في املجهود احلربي‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إيجاد قاعدة موحدة حتدد املواصفات القياسية للمنتجات‪،‬‬


‫التي يتطلبها املجهود احلربي‪ ،‬ويستخدمها القطاع املدني‬
‫مم��ا يسهل أعمال الصيانة‪ ،‬واإلص�لاح‪ ،‬وإعداد‬
‫كذلك‪ّ ،‬‬
‫الكوادر الفنية‪.‬‬

‫د ‪ -‬انتشار املنشآت الصناعية خ��ارج التجمعات السكنية‪،‬‬


‫وب��ال�ق��رب م��ن احمل��اور‪ ،‬التي يسهل منها نقل املنتجات‪،‬‬
‫م ��ع ع� ��دم اإلخ� �ل��ال مب �ت �ط �ل �ب��ات ال� �ت ��أم�ي�ن م ��ن حتصني‬
‫املنشأة وال��دف��اع عنها‪ ،‬ضد ال�غ��ارات اجلوية والتخريب‬
‫واالقتحام‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬توفر احتياطي مناسب من اخلامات‪ ،‬واآلالت‪ ،‬واألجهزة‪،‬‬


‫ل�ض�م��ان إزال ��ة آث ��ار ال�ت��دم�ي��ر ب�س��رع��ة‪ ،‬واس �ت �ع��ادة كفاءة‬
‫اإلنتاج‪.‬‬

‫و ‪ -‬التخطيط الزدواج التصنيع‪ ،‬بأن حتل بعض القطاعات‬


‫ف��ي املنشآت الصناعية محل تلك امل��دم��رة ف��ي منشآت‬
‫أخرى حلني استعادة كفاءتها‪ ،‬لضمان استمرار اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ - 3‬إعداد قطاع املواصالت في الدولة‪:‬‬

‫يؤدي النقل دوراً مهماً خالل السلم واحلرب‪ .‬ويُعد النقل في‬

‫‪184‬‬
‫العصر احلديث‪ ،‬عصب املدنية‪ ،‬والدليل على حيوية األمة‪ .‬وهو من‬
‫جانب النمو االقتصادي‪ ،‬ذو أهمية بالغة‪ ،‬الرتباطه بسياسة االستيراد‬
‫والتصدير‪ ،‬وهو ما يؤثر‪ ،‬أيضاً‪ ،‬في إعداد االقتصاد للدفاع‪ ،‬بتأثيره‬
‫في توفير االحتياجات في الزمان واملكان املناسبني‪ ،‬وقدرته على‬
‫تكوين االحتياطيات املطلوبة للصمود في الصراع املنتظر‪ ،‬إضافة‬
‫إلى تأثيره في تكلفة السلع وأسعارها‪.‬‬

‫وتنعكس معرفة ال��دول��ة بأهمية ه��ذا ال�ق�ط��اع‪ ،‬ف��ي اهتمامها‬


‫بإنشاء الشركات الوطنية‪ ،‬في كافة ط��رق النقل‪ ،‬وتوفير الوسائل‬
‫ال�لازم��ة ل��ه‪ .‬إذ ال ميكن لوسيلة واح��دة‪ ،‬تغطية كافة املطالب من‬
‫النقل‪.‬‬

‫وتربط املواصالت بني مراكز اإلنتاج‪ ،‬والتسويق‪ ،‬والتصدير‪ .‬كما‬


‫تنقل االحتياجات املستوردة‪ ،‬واملنتجة محلياً‪ ،‬إلى مناطق توزيعها‪ ،‬أو‬
‫احلاجة إليها‪ ،‬أو مناطق تخزينها‪ .‬كما يلبي النقل‪ ،‬كذلك‪ ،‬مطالب‬
‫القوات املسلحة التي قد تلجأ إلى تعبئة وسائل النقل املدنية على‬
‫َّصر وسائل النقل‬‫الرغم من امتالكها لوسائلها اخلاصة عندما تُق ِ‬
‫العسكري‪ ،‬عن استيعاب التحركات العسكرية‪ ،‬على كافة االجتاهات‪،‬‬
‫التي تتميز بالضخامة‪ ،‬وضيق الوقت‪ ،‬واتساع جبهة العمل‪ ،‬وتعدد‬
‫احملاور والطرق املستخدمة‪ ،‬واختالف االجتاهات‪.‬‬

‫وينسق قطاع امل��واص�لات ع��ادة خططه ل�لإع��داد ل�ل��دف��اع‪ ،‬مع‬


‫اخلطط االقتصادية األخ��رى‪ ،‬التي تُبنى أص ً�لا على كفاءة النقل‪،‬‬
‫وك��ذل��ك م��ع م�ط��ال��ب واح�ت�ي��اج��ات ال �ق��وات امل�س�ل�ح��ة‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬تشمل‬
‫خططه إع��داد الطرق والوسائل معاً فتتضمن الطرق التجهيزات‬
‫واحمل��اور‪ ،‬ومنشآت الصيانة والدفاع‪ ،‬وغيرها من املتطلبات‪ ،‬بينما‬
‫تشمل الوسائل املركبات‪ ،‬والسفن‪ ،‬والطائرات‪ ،‬وأجهزة االتصال‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫واألنابيب‪ ،‬وقاطرات وعربات السكك احلديدية‪ .‬ويجري تخطيط‬
‫شبكة امل��واص�لات‪ ،‬وتنفيذها‪ ،‬ضمن خطة إع��داد وجتهيز مسرح‬
‫ال�ع�م�ل�ي��ات‪ ،‬لتشمل امل��واص�لات ال��داخ�ل�ي��ة‪ ،‬واخل��ارج �ي��ة‪ ،‬مب��ا يخدم‬
‫التصور للصراع املنتظر‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬متطلبات إعداد اقتصاد احلرب‬

‫يتطلب اإلعداد االقتصادي خلوض حرب (ضمن خطة إعداد‬


‫ال��دول��ة للدفاع)‪ ،‬حتقيق مطالب خطط اإلع��داد االق�ت�ص��ادي‪ ،‬التي‬
‫يتم إعدادها من خالل حتديد املطالب االقتصادية لإلعداد للدفاع‪،‬‬
‫وحتديد إمكانيات وقدرات الدولة‪ ،‬واألسلوب األمثل الستخدامها‪،‬‬
‫وحتديد املطالب اخلارجة عن طاقة وقدرات موارد الدولة وإمكانياتها‪،‬‬
‫وكيفية تدبيرها‪.‬‬

‫يلي مرحلة حتديد املطالب‪ ،‬مرحلتا التخطيط والتنفيذ‪ .‬فتتولى‬


‫األج�ه��زة املعنية وض��ع اخلطة وحت��دي��د تنفيذها ف��ي م��راح��ل زمنية‬
‫محددة‪ ،‬مع األخ��ذ في االعتبار‪ ،‬عدم اإلخ�لال باملطالب األساسية‬
‫لالقتصاد في الدولة‪.‬‬

‫وتشتمل مطالب إع��داد اقتصاد الدولة خلوض احل��رب‪ ،‬على‬


‫ث�ل�اث م�ج�م��وع��ات رئ�ي�س�ي��ة‪ ،‬ت�ل�ب��ي ك��ل م�ن�ه��ا م�ط��ال��ب ق �ط��اع رئيس‪.‬‬
‫فاألولى حتدد مطالب إعداد القوات املسلحة‪ ،‬والثانية حتدد مطالب‬
‫جتهيز مسرح العمليات‪ ،‬واألخيرة حتدد مطالب إعداد مرافق الدولة‬
‫وأجهزتها‪.‬‬

‫وت �ك��ون أج �ه��زة ال��دول��ة االق�ت�ص��ادي��ة واخل��دم �ي��ة‪ ،‬م�س��ؤول��ة عن‬


‫جتهيز مرافقها خلدمة مطالب القوات املسلحة‪ .‬فتُعد شبكات املياه‬
‫والكهرباء‪ ،‬وامل��واص�لات بأنواعها املختلفة‪ ،‬واملستشفيات ومصانع‬

‫‪186‬‬
‫األدوي��ة‪ ،‬واملستودعات واملخازن‪ ،‬واملنشآت العامة األخ��رى‪ .‬ويوضع‬
‫في االعتبار زي��ادة كثافة العمل واالستخدام واالستهالك في وقت‬
‫احلرب‪ ،‬عنه في وقت السلم‪ .‬إضافة إلى النسبة املتوقعة من اخلسائر‬
‫في األجهزة واملرافق‪.‬‬

‫ي�ت�ط�ل��ب اإلع� ��داد االق �ت �ص��ادي خل ��وض احل� ��رب‪ ،‬األساسيات‬


‫التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬ال�ق��درة على التخطيط اإلستراتيجي ال�ع��ام والتفصيلي‬


‫(ال �ش��ام��ل)‪ ،‬وحت��دي��د ال �س �ي��اس��ات واأله � ��داف‪ ،‬ووسائل‬
‫وأجهزة التنفيذ ومراحلها‪ ،‬وأجهزة الرقابة‪ .‬وذل��ك من‬
‫خالل جهاز تخطيطي‪ ،‬على أعلى مستوى في الدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬سرعة التحول من حالة السلم إلى حالة احلرب‪ ،‬بواسطة‬


‫أجهزة التخطيط الفرعية املعدة للقيام بذلك‪.‬‬

‫‪ - 3‬التخطيط التفصيلي لكل جهاز‪ ،‬طبقاً ملا هو محدد له‬


‫ل �ص��ال��ح امل �ج �ه��ود احل��رب��ي‪ ،‬واح �ت �ي��اج��ات امل�ج�ت�م��ع وقت‬
‫احلرب‪.‬‬

‫‪ - 4‬إنشاء غرف عمليات لألجهزة واملجموعات االقتصادية‪،‬‬


‫متكِّنها من تنفيذ مهامها‪ ،‬ومتابعة األداء لوحداتها‪.‬‬

‫‪ - 5‬جتهيز خطط تبادلية‪ ،‬للمناورة‪ ،‬ملواجهة التطورات املفاجئة‬


‫للصراع‪ ،‬مما ميكِّن األجهزة االقتصادية من مواجهة مثل‬
‫هذه املواقف‪ ،‬والتغلب عليها‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫خامس ًا‪ :‬العوامل املؤثرة على اإلعداد االقتصادي‬

‫تتأثر إجراءات وخطة اإلعداد االقتصادي للدفاع عن الدولة‪،‬‬


‫بعوامل مختلفة‪ ،‬يرجع التقدير فيها (في الكم والنوع) إلى القيادة‬
‫السياسية العسكرية‪ ،‬بينما متثل األجهزة االقتصادية للدولة جهة‬
‫التنفيذ‪ ،‬حيث تضعها القيادة في احلسبان‪ ،‬عند تخطيطها لإلعداد‬
‫للدفاع‪ .‬وتتمثل أهم هذه العوامل في‪:‬‬

‫‪ - 1‬هدف الدولة اإلستراتيجي (الغاية املرجوة من اإلعداد‬


‫للحرب املنتظرة)‪.‬‬

‫‪ - 2‬العدو املتوقع الدخول في صراع معه (قدراته‪ ،‬وإمكانياته‬


‫االقتصادية والقتالية‪ ،‬ومدى أسلحته)‪.‬‬

‫‪ - 3‬طبيعة أعمال القتال املتوقعة (هجوم دفاع تأمني حدود‬


‫حترير أرض)‪.‬‬

‫‪ - 4‬خطة استخدام القوات املسلحة املنتظرة (تعبئة شاملة أو‬


‫جزئية حتركات أعمال قتال على اجتاه إستراتيجي واحد‬
‫أو عدة اجتاهات مدى تعاون االجتاهات مع بعضها‪ ،‬أو‬
‫انفصالها عن بعضها)‪.‬‬

‫‪ - 5‬خطة إعداد مسرح العمليات وجتهيزه (اتساعه‪ ،‬ما يتوفر‬


‫فيه‪ ،‬ما ينقصه)‪.‬‬

‫‪ - 6‬حجم القوات املطلوب االحتفاظ به أثناء السلم‪ ،‬واحلجم‬


‫الذي يجب إضافته قبل دخول احلرب‪.‬‬

‫‪ - 7‬نظام التعبئة عند توقع اخلطر (التوتر)‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ - 8‬خ�ط��ط ال �ت��دري��ب ملختلف اجل �ه��ات وامل �س �ت��وي��ات (مدنية‬
‫وعسكرية)‪.‬‬

‫‪ - 9‬ال �ت��أم�ين ال �ش��ام��ل‪ ،‬ل�ك��اف��ة اح �ت �ي��اج��ات ال�ش�ع��ب والقوات‬


‫املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 10‬طلب سرعة إجناز االنتشار اإلستراتيجي للقوات املسلحة‪،‬‬


‫وبناء جتميعاتها اإلستراتيجية في مسرح العمليات‪ ،‬على‬
‫االجتاهات اإلستراتيجية املطلوبة‪.‬‬

‫ويُعد تقدير القوات املسلحة ملطالبها‪ ،‬أهم العوامل التي ينبغي‬


‫أن يرتبط بها التخطيط لإلعداد االقتصادي للدفاع‪ .‬وبقدر دقة تلك‬
‫التقديرات‪ ،‬تكون درج��ة تلبية االقتصاد‪ ،‬ملطالب القوات املسلحة‪،‬‬
‫قبل‪ ،‬وخالل إدارة الصراع‪ .‬ويستدعى التحسّ ب‪ ،‬للتطورات احلادة‬
‫في مواقف الصراع املنتظر‪ ،‬إنشاء احتياطي إستراتيجي اقتصادي‬
‫للدولة‪ ،‬إلمداد القوات املسلحة والشعب مبا يلزمهما من احتياجات‪،‬‬
‫يوزع على ثالثة مستويات‪ ،‬إضافة إلى مستوى خاص‪ ،‬ميكن االستفادة‬
‫منه‪:‬‬

‫‪ - 1‬احتياطي دول��ة‪ :‬وهو ما يعد ملواجهة مطالب القوات‬


‫املسلحة والشعب‪ ،‬في حالة حدوث استهالك غير منتظر‬
‫في بعض األصناف‪ ،‬أو تدمير بعض مصادر اإلنتاج‪ ،‬مما‬
‫يُحدث نقصاً حاداً فيها‪ .‬ويتم السحب من هذا املستوى‬
‫حسب احلاجة‪ ،‬حلني إعادة كفاءة مصادر اإلنتاج املتوقفة‪،‬‬
‫أو استعواض املستهلك من املستويات األدنى‪.‬‬

‫‪ - 2‬احتياطي إستراتيجي‪ :‬وهو جزء من مخزون الدولة‬


‫واحتياطيها‪ ،‬يُجعل حتت تصرف القوات املسلحة مباشرة‪،‬‬

‫‪189‬‬
‫ملواجهة أي طارئ‪ ،‬أو ظروف غير متوقعه‪.‬‬

‫‪ - 3‬احتياطي طوارئ‪ :‬وهو املخزون في مستودعات القوات‬


‫املسلحة الرئيسية والفرعية‪ ،‬وف��ي م�خ��ازن التشكيالت‬
‫وال��وح��دات املقاتلة‪ ،‬لصالح العمليات الرئيسية‪ ،‬طبقاً‬
‫لتقدير جهات القوات املسلحة املختصة‪.‬‬

‫‪ - 4‬احتياطي خاص‪ :‬هو املخزون في كل جهة إنتاج أو مؤسسة‪،‬‬


‫من املواد اخلام‪ ،‬و املنتجات اجلاهزة‪ ،‬أو النصف مصنعة‪،‬‬
‫وقطع الغيار الالزمة الستمرار العمل‪ .‬ويُستخدم االحتياطي‬
‫اخلاص‪ ،‬مبعرفة اجلهة املخزّن فيها طبقاً للموقف‪ ،‬الذي‬
‫تواجهه‪ ،‬حلني قيام الدولة بتوفير احتياجاتها‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬انعكاسات اإلعداد االقتصادي للدفاع عن الدولة‬

‫‪ - 1‬االنعكاسات العامة على االقتصاد‪:‬‬

‫تسعى الدولة في خطتها لإلعداد للدفاع إلى توفير متطلبات‬


‫القوات املسلحة‪ ،‬وتدبير مخزون احتياطي‪ ،‬ملتطلبات الشعب‪ ،‬والقوات‬
‫املسلحة‪ ،‬طوال فترة الصراع املرتقبة‪ .‬ويتطلب ذلك تخصيص حجم‬
‫من العمالة املتخصصة وغيرها‪ ،‬وكذلك جزء من الثروة الوطنية‪،‬‬
‫للوفاء بتلك املطالب‪ .‬ويعني ذلك حرمان القطاعات األخرى خاصة‬
‫في الدول النامية من تلك العمالة وتلك الثروات‪ .‬وتختلف نتائج هذا‬
‫الوضع‪ ،‬حسب قدرة الدولة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الدول الصناعية‪:‬‬

‫(‪ )1‬ت�ن�ش�ي��ط ص �ن��اع��ة ال �ت �ع��دي��ن‪ ،‬وت �ص �ن �ي��ع اآلالت الدقيقة‬

‫‪190‬‬
‫والكيماويات واإللكترونيات ووسائل النقل‪ ،‬على حساب‬
‫الصناعات األخرى‪.‬‬

‫(‪ )2‬يكثر إقامة اإلن�ش��اءات اخلرسانية وشبكات املواصالت‬


‫اإلستراتيجية‪ ،‬على حساب املنشآت السكنية واالقتصادية‬
‫األخرى‪.‬‬

‫(‪ )3‬ت��زي��د ف��رص ال �ع �م��ل‪ ،‬وي �ق��ل م �ع��دل ال�ب�ط��ال��ة‪ ،‬م��ع ارتفاع‬
‫ف��ي األج ��ور‪ ،‬وك�ث��رة امل�ب�ت�ك��رات وامل�خ�ت��رع��ات (خ��اص��ة ما‬
‫يخدم اجلانب العسكري)‪ ،‬مما يخلق حالة من االزدهار‬
‫اقتصادياً‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الدول غير الصناعية والدول النامية‪:‬‬

‫تستورد هذه املجموعة من الدول معظم متطلباتها‪ ،‬من األسلحة‬


‫وامل �ع��دات وامل��واد الغذائية ومطالب التخزين‪ .‬وينعكس ذل��ك على‬
‫تضخم اإلنفاق‪ ،‬الذي ينعكس‪ ،‬بدوره‪ ،‬سلباً على اإلنفاق في خطط‬
‫التنمية املختلفة‪ .‬ويؤدي ذلك إلى‪:‬‬

‫(‪ )1‬توقف العمل في مشروعات التنمية االقتصادية املختلفة‪،‬‬


‫أو بطء العمل فيها‪.‬‬

‫(‪ )2‬ضعف وندرة فرص العمل‪ ،‬مع تصاعد في نسب البطالة‪،‬‬


‫وزي��ادة ال��دي��ون اخلارجية للدولة بسبب اخ�ت�لال ميزان‬
‫املدفوعات‪.‬‬

‫(‪ )3‬انخفاض مستوى اإلنفاق على اخلدمات‪ ،‬وتدني موقفها‬


‫(املواصالت العامة ‪ -‬الكهرباء مياه الشرب النقية شبكات‬

‫‪191‬‬
‫الصرف شبكة االتصاالت املنشآت العامة)‪.‬‬

‫(‪ )4‬ال��وص��ول إل��ى حالة من ال��رك��ود االق�ت�ص��ادي‪ ،‬لعدم قدرة‬


‫منتجات ال��دول��ة على املنافسة ف��ي األس��واق اخلارجية‪،‬‬
‫بسبب ضعف مستوى اجلودة‪ ،‬وعدم القدرة على تغطية‬
‫طلبات السوق احمللي‪.‬‬

‫(‪ )5‬تتغلب بعض ال��دول على مشاكل التمويل‪ ،‬التي تقتطع‬


‫ج��زءاً مهماً وضخماً من الدخل القومي ملواجهة نفقات‬
‫الدفاع ومتطلباته‪ ،‬باالعتماد على املساعدات والهبات‬
‫املالية م��ن ال��دول املانحة الغنية‪ .‬وق��د ي�ك��ون ذل��ك على‬
‫حساب قرارها السياسي اخل��اص‪ ،‬فتصبح دول��ة تابعة‪.‬‬
‫أو قد تستثمر موقفاً دولياً أو إقليمياً خاصاً (إسرائيل‬
‫بالنسبة للواليات املتحدة األمريكية الوضع التركي بعد‬
‫حرب اخلليج الثانية موقف ال��دول العربية في مساندة‬
‫دول املواجهة مع إسرائيل بعد حرب حزيران ‪ 67‬وحتى‬
‫تشرين األول ‪.)73‬‬

‫(‪ )6‬تواجه دول أخرى اخللل‪ ،‬بني العرض والطلب‪ ،‬في السوق‬
‫احمللي‪ ،‬بوضع قيود على السلع اإلستراتيجية (الوقود‬
‫بأنواعه احلبوب السكر الزيت)‪ ،‬وتنظيم الصرف لألفراد‬
‫مبوجب حصص وبطاقات‪ ،‬مما يزيد من صعوبة احلياة‬
‫اليومية للمواطنني‪.‬‬

‫‪ - 2‬االنعكاسات االجتماعية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ت��ؤدي زي��ادة اإلن�ف��اق ل�لإع��داد للدفاع‪ ،‬إل��ى زي��ادة العبء‬


‫الضريبي على املواطنني‪ ،‬واملنشآت االقتصادية‪ .‬وتقلل‬

‫‪192‬‬
‫فرص التوسع‪ ،‬والتطور بها‪ ،‬مع ضعف القدرة الشرائية‬
‫للمواطنني‪ ،‬وارتفاع في نسبة التضخم النقدي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ندرة العمالة املاهرة‪ ،‬وزيادة نسبة العمال غير املؤهلني‬


‫التأهيل الكافي‪ ،‬مما يزيد تكلفة اإلنتاج ويقلل اجلودة‪،‬‬
‫مع ارتفاع في األج��ور بصفة عامة‪ .‬وك��ل ذل��ك يزيد من‬
‫لا م��رة أخ ��رى في‬
‫نسبة ال�ت�ض�خ��م ال �ن �ق��دي‪ ،‬وي��وج��د خ �ل� ً‬
‫مستويات األج ��ور‪ ،‬بسبب ارت �ف��اع أج��ور احل��رف�ي�ين‪ ،‬عن‬
‫وظائف اإلدارة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬زي ��ادة ت��دخ��ل ال��دول��ة ف��ي ق�ط��اع��ات ال�ص�ن��اع��ة والزراعة‬


‫والتجارة‪ ،‬وفرضها قيوداً ملنع حدوث خلل‪ ،‬في توفر املواد‬
‫الهامة واإلستراتيجية الالزمة‪ ،‬في زمن احلرب (الوقود‬
‫املواد الغذائية املالبس بصفة عامة)‪.‬‬

‫د ‪ -‬عقد صفقات شراء وتصنيع لألسلحة واملعدات‪ ،‬املستهلكة‬


‫أو امل��دم��رة‪ ،‬وق�ط��ع ال�غ�ي��ار ال�ب��دي�ل��ة‪ ،‬ف��ي إط��ار صفقات‬
‫س�ي��اس�ي��ة‪ ،‬ق��د ت�ض��ع ق �ي��وداً ع�ل��ى س �ي��ادة ال��دول��ة وحرية‬
‫حتركها السياسي‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تناقص املنتجات االستهالكية في األس��واق احمللية‪ ،‬مع‬


‫ارتفاع في األسعار‪.‬‬

‫و ‪ -‬ال�ل�ج��وء إل��ى ع�م��ل ال�ن�س��اء وال �ش �ب��اب‪ ،‬م��ن ه��م دون سن‬
‫التجنيد‪ ،‬مم��ا يؤثر على نظام املجتمع‪ ،‬وي�ف��رض منطاً‬
‫مختلفاً عن تقاليده وأعرافه املتوارثة‪.‬‬

‫ز ‪ -‬نشوء ظاهرة السوق السوداء‪ ،‬واتساع عدد السلع املتداولة‬


‫فيها ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫ح ‪ -‬تردي حالة الصناعة والزراعة والتجارة بشكل عام‪ ،‬إلى‬
‫مستوى قد يصل إلى توقف كثير من املنشآت عن العمل‪.‬‬
‫وق��د تتعرض املناطق امل�ت��أث��رة‪ ،‬إل��ى امل�ج��اع��ات‪ ،‬وانتشار‬
‫األوبئة‪.‬‬

‫ط ‪ -‬تضخم جهاز الدولة اإلداري بسبب التوسع في أجهزة‬


‫الرقابة‪ ،‬على أعمال اإلع��داد للدفاع‪ ،‬وحركة التصنيع‬
‫واالستيراد والتوزيع‪ .‬وكذلك‪ ،‬أجهزة التأمني للمنشآت‬
‫وامل�ص��ان��ع واألم��ن ال��داخ�ل��ي‪ .‬ويُ��حّ �م��ل االق�ت�ص��اد الوطني‬
‫(القومي) املنهك أعباء ذلك كله‪.‬‬

‫ي ‪ -‬تزيد اخلسائر االقتصادية الناجتة عن أعمال القتال‪ ،‬من‬


‫مصاعب االقتصاد الوطني (القومي) وكفاءته‪ ،‬إضافة‬
‫إل��ى العمل بأسلوب الالمركزية في اإلن�ت��اج‪ ،‬نتيجة إلى‬
‫انتشار مؤسساته‪ ،‬حتسباً ألعمال التدمير والتخريب‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الفصل السادس‬
‫إعداد أجهزة الدولة والشعب للدفاع‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬أهمية اإلعداد‬

‫يُقصد ب��إع��داد أج�ه��زة ال��دول��ة ل�ل��دف��اع‪ ،‬إع��داد ك��اف��ة املصالح‬


‫وال�ه�ي�ئ��ات وامل��ؤس �س��ات وال� ��وزارات ف��ي احل�ك��وم��ة‪ ،‬وك��ذل��ك األجهزة‬
‫السياسية والتنفيذية واإلدارية التابعة للجهاز احلكومي‪ ،‬واملنشآت‬
‫اإلداري��ة واملالية والصناعية (اإلنتاجية)‪ ،‬ألداء دوره��ا أثناء إدارة‬
‫الصراع واحلرب‪ .‬وهو أمر يستلزم اإلعداد له مسبقاً‪.‬‬

‫والهدف من إعداد أجهزة الدولة للدفاع‪ ،‬هو ضمان استقرار‬


‫واستمرار العمل أثناء فترة األزمات واحلرب‪ ،‬في املجاالت الرئيسية‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية للدولة‪ ،‬مبا يضمن السيطرة‬
‫الكاملة على األنشطة‪ ،‬واستمرارها في العمل في مختلف أنحاء‬
‫الدولة (خاصة تلك القريبة من مناطق القتال‪ ،‬أو املتأثرة بالعمليات‬
‫احلربية)‪ ،‬من دون أن تتوقف‪ ،‬أو تتأثر كثيراً بنتائج القتال‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬مشتمالت اإلعداد‬

‫ينبغي أن تضع كل جهة من أجهزة ال��دول��ة‪ ،‬خطتها اخلاصة‬


‫لإلعداد للدفاع‪ ،‬بالتوازي مع خطتها التخصصية إلع��داد الدولة‪.‬‬
‫ويشتمل إعداد أجهزة الدولة للدفاع‪ ،‬على اإلجراءات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬سرعة حتول اجلهاز من حالة السلم إلى حالة احلرب‪ ،‬من‬


‫خالل خطة تفصيلية موقوتة لكافة الوظائف واألنشطة‬
‫باجلهاز‪ ،‬وباألسبقيات األكثر ضرورة لعمل اجلهاز‪ ،‬في‬
‫مثل تلك الظروف‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتديد األعمال املطلوبة من اجلهاز‪ ،‬في وق��ت األزمات‬


‫واحل ��روب (إض��اف��ة إل��ى العمل ال�ي��وم��ي امل�ع�ت��اد للجهاز‪،‬‬
‫واملرافق التابعة له)‪ ،‬خاصة تلك امل ُدعَّ مة للمجهود احلربي‬
‫للدولة‪ ،‬أو مطالب الشعب في وقت األزمات واحلروب‪.‬‬

‫‪ - 3‬إنشاء غرفة عمليات‪ ،‬يتوافر بها الوقاية املناسبة‪ ،‬ملا قد‬


‫يتعرض له اجلهاز من أعمال عدائية أثناء احلرب‪ ،‬خارجياً‬
‫أو داخلياً‪ .‬أي بواسطة األعمال العسكرية احلربية للعدو‬
‫أو بواسطة العمالء واملخربني املندسني وسط الشعب‪.‬‬
‫(ي�خ�ت�ل��ف ذل ��ك م��ن م��وق��ع آلخ ��ر‪ ،‬ح �س��ب درج ��ة اقتراب‬
‫اجلهاز من مناطق العمليات‪ ،‬أو التعرض للقصف اجلوي‪،‬‬
‫وال�ض��رب��ات ال�ص��اروخ�ي��ة‪ ،‬وال �غ��ازات احل��رب�ي��ة‪ ،‬واإلشعاع‬
‫النووي‪ ،‬وغيره من األعمال العدائية احملتملة)‪.‬‬

‫‪ - 4‬تأمني اتصاالت مستقرة ومأمونة‪ ،‬بني اجلهاز واجلهات‬


‫األخرى‪ ،‬التي يستلزم عمل اجلهاز االتصال بها‪ ،‬والعمل‬
‫معها‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى االت�ص��االت الرئيسية للحصول على‬

‫‪196‬‬
‫املعلومات الالزمة لعمل اجلهاز‪ ،‬أو إصدار معلوماته إلى‬
‫اجلهات املستفيدة (طبقاً لطبيعة عمل اجلهاز)‪.‬‬

‫‪ - 5‬خطة االنتقال من مكان العمل اليومي‪ ،‬إلى مكان العمل‬


‫في حالة الطوارئ‪ ،‬أو االنتقال ملوقع تبادلي عند إصابة‬
‫املوقع الرئيس ب��األض��رار‪ ،‬وفتح موقع إضافي إذا دعت‬
‫احلاجة‪.‬‬

‫ويُ�ع��د إع��داد أج�ه��زة ال��دول��ة‪ ،‬ج��زءاً أس��اس�ي�اً م��ن خطة إعداد‬


‫الدولة للحرب‪ .‬وال تُعد اخلطة مكتملة إال باستكمال ذلك اجلزء‪،‬‬
‫الذي يلزم التدريب عليه في كافة أجهزة الدولة‪ ،‬من خالل جتارب‬
‫موقوتة وأخرى فجائية‪ ،‬وحتقيق نتائج مرضية‪ .‬وقد تشارك القوات‬
‫املسلحة في بعض تلك التجارب‪ ،‬إليضاح العدائيات التي قد يتعرض‬
‫لها اجلهاز‪ ،‬وتأثيرها على كافة مراحل العمل به‪ ،‬وأسلوب التغلب‬
‫عليها (أو جتنبها) والوقاية منها (خاصة العدائيات الداخلية)‪.‬‬

‫وينبغي أن تشمل خطة إعداد أجهزة الدولة‪ ،‬أسلوب التعاون بني‬


‫األجهزة واملؤسسات احلكومية‪ ،‬بعضها بعضاً‪ ،‬حتت ظروف األعمال‬
‫احلربية‪ .‬وك��ذل��ك‪ ،‬أسلوب السيطرة على مرافق اجلهاز ووحداته‬
‫الفرعية اخلارجية‪ ،‬لضمان استمرار العمل بالكفاءة املطلوبة‪.‬‬

‫تقع مسؤولية إعداد أجهزة الدولة‪ ،‬على عاتق الوزراء املختصني‬


‫أوالً‪ ،‬كل في نطاق تخصصه‪ ،‬ورؤساء املناطق اإلدارية (احملافظات)‬
‫بالدولة‪ ،‬أو أي تقسيم إداري آخر‪ ،‬حسب نظام احلكم احمللي داخل‬
‫ال��دول��ة‪ .‬وي�ك��ون على ه��ؤالء القياديني‪ ،‬تنفيذ كافة إج��راءات خطة‬
‫اإلعداد ألجهزة الدولة للدفاع‪ ،‬في قطاع مسؤوليتهم‪ ،‬بالتنسيق مع‬
‫القيادات العسكرية القريبة‪ ،‬وعناصر الدفاع املدني والتنظيمات‬
‫غير النظامية والشعبية‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أجهزة الدولة الرئيسية ومسؤولية اإلعداد للدفاع‬

‫تتعدد أجهزة الدولة‪ ،‬العاملة في اإلعداد للدفاع‪ ،‬وعلى رأسها‬


‫مجلس ال� ��وزراء‪ ،‬ووزارة ال��دف��اع‪ .‬ول�ك�ث��رة تلك األج �ه��زة‪ ،‬وتعددها‬
‫وتشعبها‪ ،‬ووجود بعض منها في أقاليم الدولة‪ ،‬طبقاً حلاجة العمل‬
‫ونوعه‪ ،‬لذلك‪ ،‬يصبح التنسيق بني تلك األجهزة‪ ،‬في األعمال املشتركة‪،‬‬
‫أمراً مهماً‪ ،‬حتى تنتظم كافة األعمال في وقت احلرب‪ ،‬كما هي في‬
‫وقت السلم‪.‬‬

‫‪ - 1‬مسؤوليات رئيس الدولة‪:‬‬

‫يرأس جهاز إعداد الدولة للدفاع‪ ،‬رئيس الدولة نفسه (ملكاً أو‬
‫أميراً أو رئيساً) وتتحدد مسؤولياته في اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إصدار القرارات امل ُنشئة للمجالس املختصة بإعداد الدولة‬


‫للدفاع‪ ،‬وحتديد اختصاصاتها‪ .‬ودعوتها لالجتماع‪ ،‬كلمّا‬
‫دعت احلاجة‪ ،‬وترأس اجتماعاتها الدورية والطارئة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إص��دار ال�ق��رارات والتوجيهات الالزمة‪ ،‬لتنفيذ قرارات‬


‫املجالس املختصة بإعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تشكيل املجلس السياسي ال��وط�ن��ي (ال �ق��وم��ي)‪ ،‬م��ن بني‬


‫أعضاء السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية‪ ،‬كهيئة‬
‫استشارية لتقدير املواقف السياسية الوطنية (القومية)‪،‬‬
‫وتأثيرها على سياسات الدولة وإستراتيجياتها الوطنية‪.‬‬
‫وي �ك��ون ع�ل��ى ه��ذا امل�ج�ل��س إب ��داء ال���رأي‪ ،‬ف��ي اخليارات‬
‫والبدائل املطروحة‪ ،‬التخاذ القرار‪ .‬ويحدد هذا املجلس‬
‫األه� ��داف ال��وط �ن �ي��ة‪ ،‬وإط� ��ار ال�س�ي��اس��ة ال �ع��ام��ة للدولة‪،‬‬
‫وتوجهات اإلستراتيجية العليا الوطنية الشاملة‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫‪ - 2‬املجلس األعلى إلعداد الدولة للدفاع‪:‬‬

‫ال بذاته‪ ،‬أو قد تضاف اختصاصاته‬


‫قد يُنشأ ذلك املجلس مستق ً‬
‫ومسؤولياته ملجلس آخ��ر للقيام بها‪ .‬وت�ك��ون اختصاصاته‪ ،‬عامة‪،‬‬
‫إعداد الدولة للدفاع‪ ،‬ضمن اختصاصات أعلى هيئة سياسية وأمنية‬
‫بالدولة (مجلس الدفاع الوطني‪ ،‬أو املجلس األعلى لألمن الوطني)‬
‫ومن بني مهامه اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬دراس��ة مسائل الدفاع عن الدولة‪ ،‬والبت فيها‪ ،‬وتكليف‬


‫جهات االختصاص بتنفيذها‪ ،‬ومتابعة ذلك‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اتخاذ قرار احلرب‪ ،‬وإعالنه‪.‬‬

‫ج ‪ -‬دراس��ة مقترحات وزارة الدفاع (القيادة العامة للقوات‬


‫املسلحة)‪ ،‬اخلاصة بإعداد الدولة للدفاع‪ ،‬وإقرارها أو‬
‫تعديلها‪.‬‬

‫د ‪ -‬إصدار القرارات املنف ّذة ملقترحات إعداد الدولة للدفاع‪،‬‬


‫التي مت إقرارها‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬حتديد حجم القوات املسلحة‪ ،‬والتركيب التنظيمي لها‪،‬‬


‫ومستوى التدريب القتالي‪ ،‬ودرج��ة االس�ت�ع��داد القتالي‬
‫املطلوبة‪.‬‬

‫و ‪ -‬حتديد اجتاهات التطوير للقوات املسلحة‪ ،‬وأسلوب تأمني‬


‫احتياجاتها‪.‬‬

‫ز ‪ -‬اتخاذ قرار إعالن الطوارئ‪ ،‬والتعبئة العامة (أو اجلزئية)‪،‬‬


‫وإعالنه‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫ح ‪ -‬إص ��دار ت��وج�ي�ه��ات خ�ط��ط اإلع ��داد التفصيلية‪ ،‬إلعداد‬
‫وإدارة السياسة اخلارجية للدولة‪ ،‬واالقتصاد الوطني‪،‬‬
‫وال�ق��وات املسلحة‪ ،‬وأراض ال��دول��ة‪ ،‬واملجتمع (الشعب)‪،‬‬
‫وأجهزة الدولة‪ ،‬للدفاع‪.‬‬

‫‪ - 3‬مسؤوليات مجلس الوزراء‪:‬‬

‫هو الهيئة التنفيذية العليا في الدولة‪ ،‬ويتكون من رئيس املجلس‪،‬‬


‫ونوابه‪ ،‬والوزراء املتخصصني‪ ،‬ووزراء الدولة‪ .‬وتنحصر مسؤولياته‪،‬‬
‫في إعداد الدولة للدفاع في اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إدراج خطة «تلبية إعداد الدولة للدفاع» بعد تنسيقها في‬


‫خطط التنمية الطويلة والقصيرة األجل‪ ،‬وفي األسبقيات‬
‫املناسبة لها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إص��دار التكليفات اخلاصة بإعداد الدولة للدفاع‪ ،‬إلى‬


‫الوزارات‪ ،‬واألجهزة احلكومية التابعة‪ ،‬كما أقرها املجلس‬
‫األعلى إلعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تنسيق وت��وزي��ع خ�ط��ط اإلن��ت��اج‪ ،‬ل�ص��ال��ح إع���داد الدولة‬


‫للدفاع‪.‬‬

‫د ‪ -‬املتابعة واإلشراف على تنفيذ خطط إعداد الدولة للدفاع‬


‫العامة والتخصصية (املركزية واملرحلية) مباشرة‪ ،‬بواسطة‬
‫وزي��ر دول��ة مخصص‪ ،‬أو من خ�لال وزارة التخطيط‪ ،‬أو‬
‫جلنة تخطيط وتنفيذ خطة إعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تنسيق مطالب ال��وزارات املختلفة‪ ،‬ومراحل عملها‪ ،‬مبا‬

‫‪200‬‬
‫يضمن االستمرار في تنفيذ اخلطط‪.‬‬

‫و ‪ -‬م��راج�ع��ة امل�ع��وق��ات لتنفيذ اخل�ط��ط‪ ،‬واألع �م��ال املؤجلة‪،‬‬


‫والعمل على إزالة أسباب التأجيل‪ .‬والتعديل في اخلطط‬
‫املقبلة الستيعاب األعمال املؤجلة‪ ،‬من دون تأثير كبير‬
‫على اخلطة املركزي‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬مسؤولية الوزارات الرئيسية ودورها‬

‫تضع الوزارات اخلطة التخصصية العامة للمشروعات املطلوب‬


‫تنفيذها‪ ،‬في إطار خطة إعداد الدولة للدفاع‪ ،‬وتوجيه موارد الدولة‬
‫املتاحة لها‪ ،‬مبا يتفق ومتطلبات التنفيذ‪ .‬مع األخذ في االعتبار‪ ،‬تلبية‬
‫مطالب القوات املسلحة في تخصصها‪ .‬تاركة التخطيط التفصيلي‬
‫لألجهزة املنفذة (أو إدارات التخطيط بالوزارة‪ ،‬بعد إق��رار اخلطة‬
‫التخصصية)‪ .‬وتتمثل مسؤوليات هذه الوزارات فيما يلي‪:‬‬

‫‪ - 1‬وزارة التخطيط‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التنسيق ب�ين اخل �ط��ة ال �ع��ام��ة‪ ،‬وم�ط��ال��ب إع ��داد الدولة‬


‫للدفاع‪ ،‬واخلطط التخصصية‪ ،‬مبا يتفق مع إستراتيجية‬
‫الدولة‪ ،‬واألهداف الوطنية احملددة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تنسيق األسبقيات ف��ي اخل�ط��ط املرحلية التخصصية‪،‬‬


‫مبا يتمشى مع أسبقيات إعداد الدولة للدفاع‪ ،‬ومطالب‬
‫القوات املسلحة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬متابعة تنفيذ خطط التنمية‪ ،‬وخطة إعداد الدولة للدفاع‪،‬‬


‫ومشروعات البنية األساسية‪ ،‬وخطط ومشروعات إعداد‬

‫‪201‬‬
‫أراض��ي ال��دول��ة كمسرح للعمليات‪ ،‬ف��ي امل��دى املتوسط‬
‫والطويل‪.‬‬

‫د ‪ -‬متابعة تنفيذ قرارات وتكليفات مجلس الوزراء‪ ،‬للوزارات‬


‫املختلفة‪ ،‬خاصة ما يتعلق بإعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تنسيق مقترحات إعداد الدولة للدفاع مع وزارة الدفاع‪،‬‬


‫عند عرضها على املجلس األعلى إلعداد الدولة للدفاع‬
‫(مجلس الدفاع الوطني)‪.‬‬

‫و ‪ -‬تنسيق مطالب القوات املسلحة إلعداد الدولة للدفاع‪ ،‬مع‬


‫خطط التنمية واخلطط التخصصية للوزارات‪.‬‬

‫‪ - 2‬وزارة الدفاع‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وضع اخلطط التي حتقق الهدف السياسي‪ /‬العسكري‬


‫للدولة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حتديد طبيعة العمليات املقبلة‪ ،‬وأسلوب إدارة الصراع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تقدير حجم وتكوين‪ ،‬القوات املسلحة للدولة‪.‬‬

‫د ‪ -‬وض��ع أس��س إع��داد ال��دول��ة للدفاع (مب��ا في ذل��ك إعداد‬


‫القوات املسلحة)‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬إعداد مطالب القوات املسلحة للدفاع عن الدولة‪ ،‬طبقاً‬


‫للتصورات‪ ،‬التي وضعها املجلس األعلى إلع��داد الدولة‬
‫للدفاع‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ - 3‬وزارة اخلارجية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توثيق العالقات الدولية للدولة‪ ،‬مبا يخدم إعدادها للدفاع‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ع�ق��د امل �ع��اه��دات واالت �ف��اق �ي��ات‪ ،‬لتوفير م�ط��ال��ب الدولة‬


‫والقوات املسلحة لإلعداد للدفاع‪ ،‬وصيانة وتأمني األمن‬
‫الوطني للدولة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬كسب األصوات املؤيدة حلق الدولة‪ ،‬ومشروعية القضية‪،‬‬


‫التي تدافع عنها‪ ،‬في احملافل الدولية‪ ،‬واإلقليمية‪.‬‬

‫‪ - 4‬وزارة الداخلية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تنظيم وتخطيط أعمال الدفاع املدني‪ ،‬وتدريب عناصره‪،‬‬


‫وإمدادها باملعدات الالزمة ألداء دورها أثناء احلرب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التنسيق م��ع املنظمات غير النظامية األخ ��رى‪ ،‬لتأمني‬


‫األهداف احليوية واملنشآت املهمة‪ ،‬بالتنسيق مع القوات‬
‫املسلحة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬التخطيط حلماية اجلبهة الداخلية وتأمينها‪ ،‬في وقت‬


‫األزمات واحلرب‪.‬‬

‫د ‪ -‬تنظيم احل��رك��ة داخ��ل امل��دن على ال�ط��رق السريعة‪ ،‬مبا‬


‫يحقق سهولة التحركات للقوات املسلحة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬املشاركة في خطط الدفاع عن املدن واملواقع املدنية‪ ،‬في‬


‫املناطق القريبة من األعمال العدائية‪ ،‬أو عند قيام العدو‬
‫بإبرار قواته في املناطق اخللفية للقتال‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ - 5‬وزارة املالية واالقتصاد الوطني‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التخطيط ل�ت�ح��ول االق �ت �ص��اد ال��وط�ن��ي م��ن اقتصاديات‬


‫السلم‪ ،‬إلى اقتصاديات احلرب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وضع خطة تدبير املوارد املالية الالزمة خلطط التنمية‪،‬‬


‫وخ��ط��ط إع � ��داد ال ��دول ��ة ل��ل ��دف ��اع‪ ،‬ط �ب �ق �اً لألسبقيات‬
‫واملراحل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تخصيص االع�ت�م��ادات املالية ال�لازم��ة‪ ،‬ل�ش��راء املعدات‬


‫وامل��واد الضرورية‪ ،‬لتنفيذ خطط إع��داد الدولة للدفاع‪،‬‬
‫من الداخل واخلارج‪.‬‬

‫د ‪ -‬التنسيق م��ع وزارة ال��دف��اع لفتح االع �ت �م��ادات الالزمة‪،‬‬


‫ل �ش��راء األس�ل�ح��ة وامل �ع��دات م��ن اخل ��ارج‪( .‬م��ن ال ��دول أو‬
‫األسواق اخلارجية للسالح)‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تخطيط وتنسيق القروض األجنبية ال�لازم��ة‪ ،‬الستيراد‬


‫األسلحة واملعدات واألجهزة للقوات املسلحة والوزارات‬
‫األخرى طبقاً لألسبقيات بالتعاون مع وزارة اخلارجية‬

‫و ‪ -‬تدبير احتياطي من املوارد املالية اإلضافية ملواجهة احلاالت‬


‫الطارئة‪ ،‬واملشاكل التي قد تظهر أثناء تنفيذ خطة إعداد‬
‫الدولة للدفاع‪ ،‬أو الناجمة عن العمليات احلربية‪.‬‬

‫ز ‪ -‬ت��دب �ي��ر امل � ��وارد امل��ال �ي��ة ال�ل�ازم��ة ل�ت�ك��وي��ن االحتياطيات‬


‫اإلستراتيجية في كافة الوزارات‪ ،‬طبقاً لتوجيهات املجلس‬
‫األعلى إلعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ - 6‬وزارة النفط والثروة املعدنية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توفير احتياجات الدولة‪ ،‬ومطالب القوات املسلحة‪ ،‬من‬


‫األنواع املختلفة من الوقود والزيوت والشحوم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تنمية ق��درات الدولة النفطية‪ ،‬لدعم القوة االقتصادية‬


‫للدولة‪ ،‬لصالح إعدادها للدفاع (في حالة الدول املنتجة‬
‫للنفط)‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تكوين االحتياطي اإلستراتيجي من املواد النفطية طبقاً‬


‫للتخطيط‪ ،‬واحتياجات االستخدام‪.‬‬

‫د‪ .‬ت�خ�ط�ي��ط اس �ت �م��رار ع �م��ل ق �ط��اع ال �ن �ف��ط‪ ،‬وق ��ت األزم� ��ات‬
‫واحلرب‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬وضع خطط تأمني املنشآت النفطية‪.‬‬

‫‪ - 7‬وزارة الزراعة واملوارد املائية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التخطيط للوصول باحملاصيل الزراعية‪ ،‬واإلنتاج الزراعي‬


‫واحليواني‪ ،‬إلى مستوى االكتفاء الذاتي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التنسيق م��ع وزارة ال�ت�ج��ارة‪ ،‬وق �ي��ادات املناطق اإلدارية‬


‫(احمل��اف �ظ��ات)‪ ،‬ل�ت��وف�ي��ر ك��اف��ة االح �ت �ي��اج��ات‪ ،‬ف��ي فترات‬
‫األزمات واحلرب‪.‬‬

‫ج ‪ -‬التخطيط لتغيير التركيب احملصولي للزراعات الوطنية‬


‫مبا يتالءم مع متطلبات الدولة والقوات املسلحة‪ ،‬وقت‬
‫األزمات واحلرب‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫د ‪ -‬تنسيق توزيع وصرف املياه لكافة االستخدامات‪ ،‬وتكوين‬
‫احتياطي إستراتيجي من املوارد املائية املتاحة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تكوين احتياطي إستراتيجي من امل��واد الغذائية‪ ،‬بصفة‬


‫مستمرة (مع جتديده)‪ ،‬للشعب والقوات املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 8‬وزارة املواصالت‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إعداد وجتهيز وصيانة الطرق‪ ،‬واملوانئ البحرية‪ ،‬واجلوية‪،‬‬


‫طبقاً ملطالب القوات املسلحة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اإلعداد لدعم القوات املسلحة‪ ،‬طبقاً ملطالبها من النقل‬


‫بأنواعه (بري‪ ،‬بحري‪ ،‬جوي‪ ،‬سكك حديدية‪ ،‬مواصالت‬
‫واتصاالت)‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ت�ه�ي�ئ��ة وس��ائ��ل ال �ن �ق��ل‪ ،‬ل��دع��م م�ط��ال��ب ال �ق��وات املسلحة‬


‫واملجهود احلربي‪ ،‬وإعداد خطة تعبئتها‪.‬‬

‫د ‪ -‬التخطيط ملواجهة املواقف الطارئة للنقل‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التخطيط لنشر وتشغيل‪ ،‬ورش اإلنتاج واإلصالح‪ ،‬لتقدمي‬


‫املعاونة الفنية للقوات املسلحة‪.‬‬

‫‪ - 9‬وزارة التجارة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ع �ق��د االت��ف��اق��ي��ات ال �ت �ج��اري��ة م ��ع ال � ��دول واملؤسسات‬


‫واملنظمات‪ ،‬إلم��داد ال��دول��ة مبتطلبات اإلع��داد للدفاع‪،‬‬
‫بالتعاون مع وزارة اخلارجية‪ ،‬ووزارة املالية‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫ب ‪ -‬اإلش��راف على تكوين وتخزين االحتياطي اإلستراتيجي‬
‫ل �ل��دول��ة‪ ،‬م��ن ك��اف��ة االح �ت �ي��اج��ات‪ ،‬غ �ي��ر ال �ت��اب �ع��ة ل ��وزارة‬
‫متخصصة‪ ،‬وال�ص��رف منه‪ ،‬طبقاً لتوجيهات وتعليمات‬
‫املجلس األعلى لإلعداد وللدفاع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ت��أم�ين م �ط��ال��ب ال� �ق ��وات امل �س �ل �ح��ة غ �ي��ر ال �ع �س �ك��ري��ة من‬


‫اخلارج‪.‬‬

‫د‪ .‬الرقابة على األسعار‪ ،‬ومستوى االستهالك داخل الدولة‪.‬‬

‫‪ - 10‬وزارة الصحة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توفير اخل��دم��ات الصحية‪ ،‬باملستوى ال�لائ��ق واألعداد‬


‫املناسبة‪ ،‬للمواطنني‪.‬‬

‫ب ‪ -‬دعم القوات املسلحة باملنشآت واملعدات الطبية‪ ،‬واألطقم‬


‫اجلراحية واملتخصصة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إم��داد ال�ق�ط��اع امل��دن��ي‪ ،‬والعسكري ب��األدوي��ة واألمصال‬


‫املطلوبة‪.‬‬

‫د ‪ -‬التخطيط لعمليات اإلسعاف واإلخالء والعالج للمواطنني‪،‬‬


‫في فترة احلروب‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التخطيط ملواجهة انتشار األم��راض واألوب�ئ��ة‪ ،‬في فترة‬


‫احلروب‪.‬‬

‫و ‪ -‬التخطيط مل��واج �ه��ة ال �ع��دائ �ي��ات ال�ب�ي��ول��وج�ي��ة (األسلحة‬


‫اجلرثومية)‪ ،‬بالتعاون مع القوات املسلحة‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ - 11‬وزارة اإلسكان واألشغال العامة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬امل�ش��ارك��ة ف��ي وض��ع خطط البنية األس��اس�ي��ة‪ ،‬واملنشآت‬


‫العامة‪ ،‬بالتنسيق مع وزارة الدفاع‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تأمني مواد وأدوات البناء الالزمة‪ ،‬إلعداد أراضي الدولة‬


‫كمسرح عمليات‪ ،‬بالتنسيق مع الوزارات املختصة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تأمني مطالب القوات املسلحة من مواد البناء‪ ،‬لإلعداد‬


‫للدفاع‪.‬‬

‫د ‪ -‬وضع خطة تعبئة املعدات لدعم القوات املسلحة‪ ،‬وقت‬


‫األزمات واحلرب‪.‬‬

‫‪ - 12‬وزارة الصناعة والكهرباء‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تنسيق خطط التصنيع في كافة املجاالت‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تأمني امل��واد األول�ي��ة للصناعة‪ ،‬بالتنسيق م��ع الوزارات‬


‫األخرى‪.‬‬

‫ج ‪ -‬توحيد القياسات لإلنتاج الصناعي‪ ،‬طبقاً للمواصفات‬


‫اخلاصة بالدولة‪.‬‬

‫د ‪ -‬تنسيق تنوع اإلنتاج وتعدده‪ ،‬واخلطط البديلة‪ ،‬بالتنسيق‬


‫مع الوزارات املختصة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تنسيق إم��داد املصانع احل��رب�ي��ة‪ ،‬وال�ش��رك��ات الصناعية‬


‫العاملة في املجهود احلربي‪ ،‬مبستلزمات اإلنتاج من مواد‬

‫‪208‬‬
‫أولية‪ ،‬ومعدات وأجهزة‪.‬‬

‫و ‪ -‬تلبية مطالب القوات املسلحة من املهمات واملعدات‪ ،‬غير‬


‫القتالية والطاقة‪.‬‬

‫ز ‪ -‬إعداد خطة وقاية املصانع ومحطات الطاقة‪.‬‬

‫ح ‪ -‬إع��داد خطط ط��وارئ ملواجهة تأثير األع�م��ال القتالية‪،‬‬


‫على أعمال الوزارة والوحدات التابعة لها‪.‬‬

‫‪ - 13‬وزارة اإلعالم‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وضع خطط للحمالت اإلعالمية احمللية والعاملية‪ ،‬لشرح‬


‫القضية املطروحة‪ ،‬ووجهة نظر الدولة فيها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تخطيط حمالت توعية وطنية للمواطنني‪ ،‬وزيادة الوعي‬


‫العسكري لديهم‪ ،‬بالتنسيق مع أجهزة اإلعالم العسكري‪،‬‬
‫بوزارتي الدفاع والداخلية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تنسيق احلمالت اإلعالمية‪ ،‬مادة وتوقيتاً وموضوعات‪،‬‬


‫بني أجهزة اإلعالم املختلفة (العامة‪ ،‬واخلاصة)‪.‬‬

‫د ‪ -‬إمداد القوات املسلحة باألجهزة الالزمة‪ ،‬لعمل اإلعالم‬


‫العسكري‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التوجيه والسيطرة على امل��راس�ل�ين األج��ان��ب‪ ،‬ووكاالت‬


‫األنباء في الدولة‪ ،‬بالتنسيق مع األجهزة املختصة بوزارة‬
‫الدفاع‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪ - 14‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إع� � ��داد خ��ط��ة ل �ل �ت��وع �ي��ة ال ��دي� �ن� �ي ��ة‪ ،‬وت� �ق ��وي ��ة العقيدة‬
‫وترسيخها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تقوية وحدة طوائف الدولة‪ ،‬ونبذ التعصب الديني‪.‬‬

‫ج ‪ -‬بث الروح الوطنية‪ ،‬واالنتماء والوالء للوطن‪.‬‬

‫‪ - 15‬وزارة البلديات والشؤون القروية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬التخطيط إلع��داد احملليات للدفاع‪ ،‬طبقاً إلمكانياتها‪،‬‬


‫ومواردها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تخطيط املشاركة الشعبية باجلهود الذاتية‪ ،‬في خطط‬


‫اإلعداد للدفاع‪.‬‬

‫ج ‪ -‬التنسيق بني أجهزة احلكم احمللي املختلفة‪ ،‬والوزارات‬


‫املختصة‪.‬‬

‫د ‪ -‬التنسيق بني أجهزة احلكم احمللي املتناظرة‪ ،‬في املناطق‪/‬‬


‫القطاعات‪ /‬احملافظات‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬ال�ت�ن�س�ي��ق ب�ين أج �ه��زة احل �ك��م احمل �ل��ي‪ ،‬ووزارة الدفاع‪،‬‬
‫والوحدات املقاتلة‪ ،‬داخل قطاع احلكم احمللي (احملافظة‬
‫املنطقة)‪.‬‬

‫و ‪ -‬السيطرة على املجتمعات السّ كانية‪ ،‬واملنظمات واملؤسسات‬


‫غير احلكومية‪ ،‬وإشراكها طبقاً لقدراتها في خطط إعداد‬

‫‪210‬‬
‫الدولة للدفاع‪.‬‬

‫ز ‪ -‬تخزين املواد األولية الضرورية‪ ،‬في مناطق متعددة من‬


‫الدولة‪.‬‬

‫ح ‪ -‬االح�ت�ف��اظ باحتياطي م��ن امل��واد ال�غ��ذائ�ي��ة‪ ،‬واحتياجات‬


‫الشعب‪.‬‬

‫ط ‪ -‬ت��أم�ين م ��واد اإلن �ش��اء وال �ب �ن��اء وال �ط��رق‪ ،‬لتجهيز مسرح‬
‫العمليات‪ ،‬وإعادة إعمار الدولة بعد احلرب‪.‬‬

‫ي ‪ -‬إعداد خطة تعبئة املعدات الالزمة للقوات املسلحة‪ ،‬في‬


‫قطاع املسؤولية‪.‬‬

‫‪ - 16‬األجهزة املركزية املتخصصة‪:‬‬

‫وهي أجهزة تابعة لرئاسة مجلس ال��وزراء مباشرة‪ ،‬أو لوزارة‬


‫التخطيط‪ ،‬ولها دور مهم في إعداد الدولة للدفاع (مركز املعلومات‬
‫ودعم القرار السياسي‪ ،‬اجلهاز املركزي للتعبئة العامة واإلحصاء‪،‬‬
‫جلنة متابعة اخلطة‪ ،‬وغيرها)‪:‬‬

‫أ ‪ -‬مركز املعلومات ودعم القرار السياسي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ت��وف �ي��ر ال �ب �ي��ان��ات وامل �ع �ل��وم��ات واإلح �ص��ائ �ي��ات الدقيقة‬
‫والتفصيلية واحلديثة‪ ،‬واملقارنات والتحليالت الالزمة‬
‫ل � �ل� ��وزارات امل �خ �ت �ل �ف��ة ل��وض��ع خ �ط��ط ت �ف �ص �ي�ل�ي��ة دقيقة‬
‫وسليمة‪.‬‬

‫(‪ )2‬إعداد خطط التعبئة‪ ،‬العامة واخلاصة والنوعية‪ ،‬بالتنسيق‬

‫‪211‬‬
‫مع وزارة الدفاع‪ ،‬وإجراء التجارب الالزمة عليها‪.‬‬

‫(‪ )3‬م�ت��اب�ع��ة أع �م��ال ال�ت�ن�ف�ي��ذ ل�ل�خ�ط��ط‪ ،‬وحت��دي��ث البيانات‬


‫واإلح �ص��ائ �ي��ات أوالً ب ��أول وإم���داد ال� ��وزارات املختلفة‪،‬‬
‫والقيادة السياسية بها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬جهاز التعبئة واإلحصاء‪:‬‬

‫(‪ )1‬توفير البيانات واإلحصائيات الالزمة لتخطيط إعداد‬


‫الدولة للدفاع‪.‬‬

‫(‪ )2‬االشتراك مع وزارة الدفاع في إعداد خطة التعبئة العامة‬


‫(الكاملة واجلزئية) لألفراد واألجهزة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬جلنة متابعة اخلطة‪:‬‬

‫(‪ )1‬وضع قواعد التعاون بني قوى الدولة املختلفة والقوات‬


‫املسلحة‪.‬‬

‫(‪ )2‬تخصيص امل�ه��ام ل �ل��وزارات واألج �ه��زة التنفيذية لتنفيذ‬


‫خطة إعداد الدولة للدفاع‪.‬‬

‫(‪ )3‬متابعة تنفيذ اخلطة‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬إعداد الشعب واملجتمع للدفاع‬

‫كانت القوى البشرية وم��ازال��ت أه��م عناصر الصراع املسلح‪،‬‬


‫فعلى الرغم من التطور الكبير في األسلحة واملعدات‪ ،‬إال أن العنصر‬
‫البشري مازال هو األساس في التخطيط واإلع��داد وإدارة الصراع‬

‫‪212‬‬
‫املسلح‪ ،‬وقيادة التشكيالت املقاتلة‪ ،‬واستخدام املعدات واألسلحة‬
‫املتقدمة‪ .‬ويتحدد مصير الصراع‪ ،‬بقُدرة الدولة على إمداد مسارح‬
‫العمليات بالتشكيالت وال��وح��دات املقاتلة‪ ،‬وبكفاءة تلك العناصر‪،‬‬
‫وعلى مدى صمود الشعب واملجتمع‪ ،‬وحتمله للمصاعب واخلسائر‬
‫والدمار املادي واملعنوي‪.‬‬

‫تطور مفهوم استخدام القوى البشرية في احلروب من الكثافة‬


‫ال �ع��ددي��ة‪ ،‬القائمة على ك��م األس�ل�ح��ة املعدنية م��ن س�ي��وف وحراب‬
‫وسهام‪ ،‬إلى الكثافة العلمية القائمة على تطور األسلحة واملعدات‪،‬‬
‫التي تخطط وتنفذ بأيسر مجهود وأقل خسائر ممكنة؛ كما حتقق‬
‫أحد مبادئ احلرب املهمة‪ ،‬وهو االقتصاد في القوى‪ ،‬باالعتماد على‬
‫قدرات األسلحة التدميرية‪ ،‬بدالً من الكثافة العددية‪.‬‬

‫أصبح إع��داد القوى البشرية مقاتلني وشعب وتهيأة املجتمع‬


‫بكل فئاته وطوائفه للدفاع‪ ،‬من أهم اخلطط وأكثرها تعقيداً‪ ،‬في‬
‫إط��ار اخل�ط��ة ال�ش��ام�ل��ة إلع ��داد ال��دول��ة ل�ل��دف��اع‪ .‬وال ي��رت�ب��ط إعداد‬
‫الشعب واملجتمع‪ ،‬باحلجم والتعداد‪ ،‬بقدر ارتباطه باملستوى الصحي‬
‫والثقافي والبدني (النوع)‪ ،‬واألسلوب السليم‪ ،‬لالستفادة من الطاقات‬
‫والقدرات املادية والفكرية واملعنوية للشعب‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬أهداف إعداد الشعب للدفاع‬

‫تهدف خطة إعداد الشعب للدفاع‪ ،‬إلى حصر طاقات الشعب‬


‫وحتديدها في مختلف املجاالت‪ ،‬وتنميتها وإعداد الكوادر املتخصصة‬
‫في الصناعات املهمة التي يحتاجها املجهود احلربي‪ .‬وه��ي بذلك‬
‫تضع خطتها الستخدام القوى البشرية املتاحة‪ ،‬في كافة املجاالت‪،‬‬
‫أفضل استخدام‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫وحتقق خطة اإلعداد العسكري لألفراد‪ ،‬التوازن بني أداء الفرد‬
‫للخدمة العسكرية‪ ،‬وممارسة العمل املدني‪ .‬كما حتدد مدة اخلدمة‬
‫اإللزامية‪ ،‬وم��دد االحتياط والتدريب خ�لال فترة االحتياط‪ .‬وهي‬
‫تعمل‪ ،‬كذلك‪ ،‬على إيجاد أرص��دة من القوى البشرية‪ ،‬في مختلف‬
‫التخصصات العسكرية واملدنية املهمة واحلساسة‪.‬‬

‫وتضع خطة إعداد الشعب للدفاع‪ ،‬نصب عينها‪ ،‬رفع قدراته‬


‫اإلنتاجية‪ ،‬والعمل على زيادة الدخل القومي‪ ،‬مما يساعد املخططني‬
‫في االجت��اه��ات االقتصادية‪ ،‬على استخدام الوفر املالي في تلبية‬
‫مطالب القوات املسلحة‪.‬‬

‫وتُ�ع��د احمل��اف�ظ��ة ع�ل��ى ال ��روح امل�ع�ن��وي��ة ال�ع��ال�ي��ة للشعب‪ ،‬خالل‬


‫الصراع املسلح‪ ،‬أحد األهداف الرئيسية إلعداد الشعب للدفاع‪ ،‬والتي‬
‫من خاللها ميكن إم��داد القوات املسلحة باحتياجاتها من األفراد‬
‫بتعبئة العناصر املؤهلة في وق��ت قصير‪ ،‬لتمتعها ب��ال��روح املعنوية‬
‫العالية وتأهيلها بالتخصص والتدريب املناسب‪ ،‬وينعكس ذلك على‬
‫التشكيالت املقاتلة باحملافظة على قدراتها القتالية املرتفعة‪ ،‬ومن‬
‫دون أن يؤثر ذلك على احلياة اليومية‪ ،‬للشعب والدولة‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬اإلعداد السياسي املعنوي للشعب‬

‫يُخطط لهذا اإلعداد ليشمل كل مراحل عمر اإلنسان‪ ،‬ليغرس‬


‫فيه روح الوطنية وال ��والء ل�ل��دول��ة‪ ،‬وم�ب��ادئ�ه��ا وأه��داف �ه��ا السامية‪.‬‬
‫ويتواصل العمل على إعداد الشباب لتنمية روح االنتماء للوطن‪ ،‬من‬
‫خالل وسائل اإلعالم املختلفة وبرامج التوعية‪ .‬وللمؤسسات الدينية‬
‫دور كبير في التربية الوطنية‪ ،‬على أسس أخالقية رفيعة‪ ،‬حتث عليها‬
‫األديان السماوية‪ .‬ذلك أنّ اجلهاد املبذول للذود عن األرض والعرض‬

‫‪214‬‬
‫واملمتلكات والنفس‪ ،‬شعبة من شعب اجلهاد‪ .‬اإلعداد املعنوي عامل‬
‫مهم‪ ،‬يفوق اإلعداد املادي قوة‪ .‬وقد قال سبحانه وتعالى في ذلك‪:‬‬

‫ني عَ ل َى الْقِ تَالِ ِإ ْن يَ ُك ْن مِ نْ ُك ْم ِعشْ رُو َن‬


‫ِّض المْ ُؤْمِ ِن َ‬
‫{يَاأَ ُّيهَا ال َّنبِيُّ حَ ر ِ‬
‫صا ِبرُو َن يَ ْغ ِلبُوا مِ ائَتَينِْ َو ِإ ْن يَ ُك ْن مِ نْ ُك ْم مِ ائَ ٌة يَ ْغ ِلبُوا أَلْفًا مِ َن الَّذِ ي َن‬
‫َ‬
‫َك َفرُوا ِب َأ َّن ُه ْم َق ْو ٌم الَ يَ ْف َقهُو َن} (سورة األنفال‪ :‬اآلية ‪.)65‬‬

‫وميثل العامل السياسي املعنوي‪ ،‬مجموعة من العناصر‪ ،‬يجري‬


‫إعدادها ليتحمل الشعب والقوات املسلحة ظروف القتال الصعبة‪.‬‬
‫وتستطيع الدولة أن تواجه املطالب امل��ادي��ة‪ ،‬والضغوط واملناورات‬
‫السياسية‪ ،‬وحتافظ‪ ،‬في الوقت ذات��ه‪ ،‬على ال��روح املعنوية لشعبها‬
‫وقواتها عالية‪ ،‬محققه الصمود مادياً ومعنوياً‪ .‬ومن مهام اإلعداد‬
‫السياسي املعنوي‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنمية الشعور القومي‪ ،‬والوطني‪ ،‬لدى الشعب‪.‬‬

‫‪ - 2‬تنمية ال��وف��اء وال��والء للوطن‪ ،‬والتضحية وإن�ك��ار الذات‬


‫دفاعاً عن الوطن‪.‬‬

‫‪ - 3‬توعية الشعب‪ ،‬بأهمية ثقته بقواته املسلحة‪ ،‬ومساندتها‬


‫مادياً ومعنوياً‪.‬‬

‫‪ - 4‬توعية الشعب وال �ق��وات املسلحة‪ ،‬بعدالة القضية التي‬


‫سيدور الصراع من أجلها‪.‬‬

‫‪ - 5‬ت��وع�ي��ة ال�ش�ع��ب‪ ،‬بأهمية تضحيته‪ ،‬وحتمية ال�ن�ص��ر في‬


‫الصراع املنتظر‪ ،‬من أجل مستقبل أفضل‪.‬‬

‫‪ - 6‬بث روح الكراهية واملقت‪ ،‬للعدو‪ ،‬والتنفير منه‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫‪ - 7‬التوعية املضادة‪ ،‬ملواجهة أساليب العدو‪ ،‬خلفض الروح‬
‫املعنوية‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬التنشأة العسكرية للشعب‬

‫يتم إعداد الشعب عسكرياً أثناء السلم‪ ،‬ويستمر اإلعداد في‬


‫فترة التوتر ثم أثناء احلرب‪ .‬ويهدف اإلعداد العسكري إلى إيجاد‬
‫األفراد الالئقني للعمل في صفوف القوات املسلحة في أقصر وقت‬
‫ممكن‪ ،‬ويتم ذلك من خالل برامج التدريب للشباب واملواطنني لفترات‬
‫محدودة دورياً الكتساب املهارات األساسية الالزمة للحياة العسكرية‬
‫واألعمال القتالية‪ ،‬واكتساب احلجم املناسب من الثقافة العسكرية‬
‫التي تؤهل الشباب لالندماج بسرعة ف��ي صفوف ال��وح��دات التي‬
‫ينضمون إليها‪ ،‬والتنظيمات شبه العسكرية التي يلتحقون بها‪.‬‬

‫ي�ب��دأ إع��داد الشباب عسكرياً ف��ي م��راح��ل ال��دراس��ة الثانوية‬


‫وتستمر عادة حتى الصفوف العلياً‪ ،‬مما يخفف العبء عن القوات‬
‫امل�س�ل�ح��ة أث �ن��اء ان�ض�م��ام�ه��م إل �ي �ه��ا‪ ،‬وب��ان�ت�ق��ال امل �ج �ن��دون إل��ى قوات‬
‫االح�ت�ي��اط‪ ،‬يستمر تدريبهم على ف�ت��رات متباعدة للمحافظة على‬
‫صالحيتهم ولياقتهم العسكرية‪.‬‬

‫يخطط في معظم الدول لالستفادة من رصيدها البشري بتكوين‬


‫هياكل رئيسية لتنظيمات عسكرية وشبه عسكرية تكون عوناً للقوات‬
‫املسلحة عند التعبئة‪ .‬وبعض األمم تطبق اإلع��داد العسكري على‬
‫النساء كذلك‪ ،‬بتدريبهم تدريباً أولياً على حمل السالح‪ ،‬واستخدامه‪،‬‬
‫والتركيز على املهام التي يستطيعون العمل فيها‪ ،‬مثل األعمال املكتبية‬
‫والتمريض‪ .‬وقد يرتقي تدريبهم ملصاف القوات املقاتلة ذاتها‪ ،‬للعمل‬

‫‪216‬‬
‫في بعض الوظائف غير احليوية (قيادة املركبات اإلدارية مثالً) أو‬
‫في وظائف شديدة األهمية (طائرات مقاتالت)‪.‬‬

‫تاسع ًا‪ :‬دور املنظمات شبه العسكرية والشعبية‬

‫تشمل تلك املنظمات املتعددة التسميات باختالف الدول احلرس‬


‫الوطني‪ ،‬كتائب الشباب‪ ،‬الفدائيني‪ ،‬املتطوعني وإن ك��ان مفهومها‬
‫العام واحد‪ ،‬حيث ينضم لهذه املنظمات الشبان (وأحياناً الشابات)‬
‫الذين لم ينخرطوا في سلك العسكرية لسبب أو آلخر‪ ،‬رغم صالحية‬
‫لياقتهم الطبية والبدنية لألعمال العسكرية (ول��و بدرجة أقل من‬
‫القوات املسلحة)‪.‬‬

‫وبعض الدول تُعِ ْد هذه التنظيمات‪ ،‬لتكون صفاً ثانياً لقواتها‬


‫املسلحة‪ ،‬تكلفها ببعض امل�ه��ام القتالية األق��ل ش��أن�اً‪ ،‬مثل املعاونة‬
‫ف��ي بعض أع �م��ال ال�ش��رط��ة مثل تنظيم امل ��رور‪ ،‬أو ح��راس��ة مناطق‬
‫التعدين أو التنقيب املهمة كالنفط مثالً‪ ،‬واملوانئ البحرية واجلوية‪،‬‬
‫واجلسور‪ ،‬واملنشآت العامة ذات األهمية كاإلذاعة والتليفزيون‪ ،‬ودور‬
‫الصحف‪ ،‬ودواوين احلكومة وغيرها‪ .‬وبذلك تتفرغ وحدات القوات‬
‫املسلحة وتشكيالتها للقتال‪ ،‬مطمئنة إلى وجود حماية كافية للجبهة‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫عاشراً‪ :‬الدفاع املدني‬

‫هو أهم عناصر التنظيمات الشعبية‪ ،‬ويهدف إلى إعداد الشعب‬


‫للوقاية ضد هجمات العدو اجل��وي��ة‪ ،‬وضرباته الصاروخية وإزالة‬
‫آثارهما‪ .‬كما يتولى حماية األه��داف اإلستراتيجية واحليوية ضد‬
‫إغارات العدو‪ ،‬وأعمال التسلل والتخريب‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫‪ - 1‬مهام الدفاع املدني‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توعية الشعب وتدريبه على أسلوب الوقاية‪ ،‬ضد الهجمات‬


‫اجلوية والضربات الصاروخية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إعداد وتنظيم أماكن الوقاية احملصنة (املالجئ واملخابئ)‪،‬‬


‫ومراكز اإلسعاف‪ ،‬وفرق اإلنقاذ ومراكزه‪.‬‬

‫ج ‪ -‬جتميع املتطوعني وتنظيمهم وت��دري�ب�ه��م‪ ،‬على األعمال‬


‫اخلاصة بالدفاع املدني‪ ،‬وإم��داد وح��دات للدفاع املدني‬
‫املكونة داخ��ل املناطق اآلهلة بالسكان‪ ،‬وف��ي املؤسسات‬
‫واملنشآت االقتصادية واحليوية باملعدات الالزمة‪.‬‬

‫د ‪ -‬تدريب الطالب في اجلامعات‪ ،‬على العمل في صفوف‬


‫الدفاع املدني‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬حماية األه ��داف احل�ي��وي��ة واالق�ت�ص��ادي��ة‪ ،‬ووض��ع خطط‬


‫إزالة آثار التدمير‪ ،‬وإصالح األعطال‪ ،‬لضمان سير العمل‬
‫بها‪.‬‬

‫و ‪ -‬إع ��داد م��راك��ز س�ي�ط��رة وغ ��رف ع�م�ل�ي��ات‪ ،‬ف��ي ال���وزارات‬


‫واملصالح احلكومية‪ ،‬وامل��دن والقرى واألحياء السكنية‪،‬‬
‫وربطها بالغرفة املركزية إلدارة أعمال ال��دف��اع املدني‪،‬‬
‫واملناورة باالحتياطي من املعدات وفرق اإلنقاذ واإلطفاء‬
‫واإلسعاف‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ز ‪ -‬تنظيم وإق��ام��ة ش�ب�ك��ة إن���ذار بجميع امل �ن��اط��ق السكنية‬
‫والصناعية‪ ،‬وربطها بشبكة اإلن ��ذار اخل��اص��ة بالقوات‬
‫املسلحة‪ ،‬لنقل التحذير ب��وق��وع غ��ارة ج��وي��ة‪ ،‬أو هجوم‬
‫صاروخي‪ ،‬للمدنيني وفي الوقت املناسب‪.‬‬

‫‪ - 2‬إعداد املهنيني واألخصائيني الالزمني‪ ،‬إلدارة النشاط‬


‫االقتصادي وقت احلرب‪:‬‬

‫تُعد هذه الفئة من العاملني‪ ،‬ذات أهمية بالغة‪ ،‬في بناء قوة‬
‫ال��دول��ة وزي��ادة قدراتها‪ .‬لذلك‪ ،‬يجب أن يوليهم املخططون عناية‬
‫زائدة‪ ،‬بوضع مناهج تدريبية إلعدادهم أحسن إعداد‪ ،‬ألداء دورهم‬
‫احليوي في وقتي احلرب والسلم‪ ،‬على حد سواء‪.‬‬

‫تبدأ هذه املهمة‪ ،‬بحصر حاجة القطاعني املدني والعسكري‬


‫من املهن الفنية واملتخصصني امل�ه��رة‪ .‬ثم العمل على سد حاجات‬
‫تلك املهن‪ ،‬وإعدادها بالشكل السليم‪ .‬ويتطلب ذلك حلوالً‪ ،‬جذرية‬
‫تستوجب البدء من املراحل التعليمية املتوسطة‪ ،‬بتوجيه ع��دداً من‬
‫الدارسني إلى التعليم الفني واحلرفي‪ ،‬وإعداد العدد الكافي منهم‪،‬‬
‫في التخصصات املطلوبة‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬تقييم املجهود احلربي للدولة‬

‫املجهود احلربي للدولة‪ ،‬هو كل ما تستطيع الدولة تخصيصه‪،‬‬


‫أو القيام به من أعمال لصالح إدارة أعمال القتال والصراع املسلح‪،‬‬
‫وصوالً إلى النصر ودر ًء اخلطر عن أراضى الوطن‪ ،‬لذا‪ ،‬فهو وثيق‬
‫الصلة بإعداد الدولة للدفاع‪ ،‬بل إنه يشمل خططها جميعاً‪ ،‬ويضيف‬

‫‪219‬‬
‫عليها عناصر أخرى مكملة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪ - 1‬دراسة أثر البيئة‪ ،‬والعناصر اجلغرافية للدولة‪ ،‬ومجالها‬


‫احليوي‪.‬‬

‫‪ - 2‬دراس��ة العناصر التاريخية لألمة‪ ،‬مثل روحها احلربية‬


‫في العصور السابقة‪ ،‬وطبيعتها احمل��ارب��ة في احلضارة‬
‫القدمية‪ ،‬واحلروب التي خاضتها‪.‬‬

‫‪ - 3‬دراسة الدولة لظروفها السياسية‪.‬‬

‫‪ - 4‬دراسة إمكانيات الدولة االقتصادية‪ ،‬ومميزات اقتصادها‪،‬‬


‫ونقط ضعفه‪.‬‬

‫‪ - 5‬دراسة إمكانيات الدولة التصنيعية‪ ،‬وقدرتها على إمداد‬


‫ق��وات �ه��ا امل�س�ل�ح��ة ب��اح�ت�ي��اج��ات�ه��ا‪ ،‬وم ��دى ت��وف��ر اخلامات‬
‫الالزمة للتصنيع احلربي‪.‬‬

‫‪ - 6‬دراسة مدى توفر الطاقة‪.‬‬

‫‪ - 7‬حتديد مدى الكفاية الذاتية للدولة من حاجات الدفاع‪.‬‬

‫‪ - 8‬دراسة قدرة الدولة على التطور واستخدام التكنولوجيا‬


‫احلديثة واملتقدمة‪ ،‬أو مقاومة األسلحة املتقدمة لدى‬
‫اخلصم (مبا في ذلك اجلهود السياسية)‪ ،‬والتغلب على‬
‫آثار الدمار في احلرب‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫تقييم امل�ج�ه��ود احل��رب��ي‪ ،‬يمُ � ّك��ن املخططني م��ن ال�ت�ع�رّف على‬
‫التوقيتات احلرجة‪ ،‬التي قد تنشأ خاللها أزم��ة ما‪ ،‬في واح��د من‬
‫قطاعات ال��دول��ة املختلفة‪ .‬كما يلقي ال�ض��وء على وج��ود وف��رة في‬
‫تخصص أو صناعة أو ن�ش��اط‪ ،‬ميكن االس�ت�ف��ادة منه بإحالته إلى‬
‫مجال آخر فيه قصور‪ .‬كذلك‪ ،‬فهو يعرِّف املخططني التوقيت‪ ،‬الذي‬
‫يجب أن تبدأ فيه حمالت التوعية واجتاهاتها األكثر فائدة‪ ،‬للوصول‬
‫باحلالة املعنوية للشعب‪ ،‬إلى الدرجة املطلوبة في الوقت املناسب‪،‬‬
‫متوافقة في ذلك التصعيد‪ ،‬مع خطط إعداد الدولة للدفاع األخرى‪،‬‬
‫وملبية احتياجاتها م��ن م�س�ت��وى وع��ي م�ع�ين ل��دى ال�ش�ع��ب‪ .‬وتكون‬
‫مواد الدعاية والتوعية‪ ،‬نابعة من تراث األمة وتاريخها وحضارتها‬
‫السابقة‪ ،‬ومرتكزة على حقائقها اجلغرافية وسماتها املعاصرة‪ .‬إن‬
‫اإلملام اجليد بخصائص املجهود احلربي للدولة‪ ،‬هو مبثابة تسجيل‬
‫مبوب ألنشطتها واخلدمات بها‪ ،‬مما يعني على جتنب األزمات وقت‬
‫احلرب‪ ،‬أو التوصل املبكر إلى حلول‪.‬‬

‫لم تعد القوة العسكرية‪ ،‬هي الوحيدة القادرة على حسم الصراع‬
‫وإن كانت أهمها بل أصبحت احلرب العصرية‪ ،‬تستلزم تكاتف كل‬
‫قوى الدولة‪ ،‬عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬وحشدها‬
‫جميعاً‪ ،‬من أجل النصر‪.‬‬

‫أظ �ه��رت احل ��روب احل��دي �ث��ة‪ ،‬األه�م�ي��ة ال�ب��ال�غ��ة إلدارة سياسة‬
‫الدولة اخلارجية‪ ،‬لصالح اإلعداد للدفاع‪ .‬وأنها عنصر مستمر‪ ،‬قبل‪،‬‬
‫وأثناء‪ ،‬وكذلك بعد‪ ،‬انتهاء الصراع‪ .‬كما أن الدولة باإلدارة الصحيحة‬
‫تستطيع احلفاظ على اجتاهات سير األحداث نحو الهدف‪ ،‬وتستثمر‬
‫النتائج‪ ،‬وتوجهها ألكبر فائدة ممكنة‪ .‬وتهيأ الظروف ملرحلة السالم‪،‬‬

‫‪221‬‬
‫كما هيأتها ملرحلة احل��رب وال �ص��راع‪ .‬ل��ذل��ك‪ ،‬ي�ب��دأ اإلع ��داد لهذه‬
‫السياسة مبكراً‪ ،‬وتستمر السياسة في إدارتها لألزمة إلى أن حتقق‬
‫ك��ل األه��داف‪ ،‬وم��ا يتفرع ع��ن ذل��ك م��ن أه��داف أخ��رى‪ ،‬ف��ي سلسلة‬
‫مستمرة ودائمة‪.‬‬

‫ويساند االق�ت�ص��اد ال��وط�ن��ي‪ ،‬خطط اإلع��داد ل�ل��دف��اع‪ ،‬وخطط‬


‫التنمية معاً‪ .‬وهو ذو ق��درات محددة‪ ،‬يجب أن تستثمر جيداً‪ ،‬في‬
‫تنسيق يتمشى مع كافة مطالب الدولة‪ ،‬ويراعى إمكانياتها‪ .‬فكم من‬
‫دولة غنية‪ ،‬هوت‪ ،‬باإلدارة غير السليمة إلى مصاف الفقراء‪ ،‬وأ ُثقل‬
‫كاهل اقتصادها بالديون وفوائدها‪ ،‬حتى باتت تدور في فلك الدين‬
‫الذي ال فكاك منه‪.‬‬

‫وت �ع �ك��س األه �م �ي��ة امل �ت��زاي��دة إلع� ��داد ال��دول��ة ل �ل��دف��اع‪ ،‬أعباء‬
‫متزايدة على خطط الدولة للتنمية‪ .‬ويصبح التنسيق فيما بينهما‬
‫ال أساسياً لنجاحهما معاً‪ .‬كما أن ترتيب أولوياتهما‪ ،‬وتخطيط‬ ‫عام ً‬
‫األعمال املنفذة ومتابعتها‪ ،‬مسؤولية كل األجهزة الرسمية والشعبية‬
‫في الدولة‪.‬‬

‫إن ال��دع��ام��ة األس��اس �ي��ة إلع���داد ال��دول��ة ل �ل��دف��اع‪ ،‬ه��ي قوتها‬


‫البشرية‪ .‬فعلى ق��در اتسامها بالتقدم والتحضر‪ ،‬وم��واك�ب��ة العلم‬
‫والتقنية احلديثة‪ ،‬تكون الدولة ق��ادرة على إع��داد نفسها ملواجهة‬
‫األخطار املنتظرة‪ ،‬ودرء العدائيات عنها‪ .‬وقد تبوأت الروح املعنوية‬
‫مكاناً عالياً في إعداد الشعب كما كانت دائماً في احلروب املاضية‬
‫فهي العامل‪ ،‬الذي ال ميكن إهماله‪ ،‬ألن في يده تغيير النتائج‪ ،‬وقلب‬
‫األوضاع إيجاباً أو سلباً‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫وسيظل اإلعداد السليم‪ ،‬املبني على أساليب علمية حديثة‪ ،‬هو‬
‫األساس في النصر‪ ،‬وإدارة الصراع املسلح بنجاح‪ .‬وهذا اإلعداد ال‬
‫بد أن تواكبه خطوات التنمية والتطور والتقدم بالقوة نفسها‪.‬‬

‫‪223‬‬
224
‫(((‬
‫الباب الثالث‬
‫احلروب واستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫مقد مة‬

‫املفاهيم النظرية إلستراتيجية االقتراب‬ ‫الفصل األول‪ :‬‬


‫غير املباشر‪.‬‬

‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر في العصور‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬‬


‫القدمية والوسطى‪.‬‬

‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر في عصر‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬‬


‫الثورة الصناعية‪.‬‬

‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر في عصر‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬‬


‫ثورة املعلومات والتكنولوجيا‪.‬‬

‫مت االعتماد في معلومات هذا الباب على موسوعة «املقاتل» بتصرف‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪225‬‬
226
‫مقدمة‬

‫تعتبر ظاهرة الصراع‪ ،‬إح��دى حقائق العالقات الدولية‪ ،‬منذ‬


‫العصور البدائية‪ ،‬وعلى الرغم من عدم وجود صياغة علمية للعلوم‬
‫اإلنسانية والطبيعية‪ ،‬خ�لال تلك العصور‪ ،‬مقارنة مبفهوم العلوم‬
‫املعاصرة احلديثة‪ ،‬فقد حكمت ال�ص��راع في حينه‪ ،‬مبادئ فطرية‬
‫جاءت استجابة للغرائز الطبيعية لإلنسان ودوافعه األولية‪ .‬وتطورت‬
‫خصائص العالقات الدولية‪ ،‬وتعقدت وتشابكت املصالح القومية‬
‫للدول‪ ،‬وتباينت ردود الفعل في مواجهة األحداث الدولية‪ ،‬وأصبحت‬
‫الدراسات العلمية‪ ،‬والفكر الفلسفي‪ ،‬هي التطور الطبيعي في تاريخ‬
‫البشرية‪ ،‬ل��وض��ع األس��س النظرية واحل�ق��ائ��ق العلمية‪ ،‬وخضوعهم‬
‫للتخطيط العلمي املدروس ملواجهة املستقبل‪.‬‬

‫وخالل القرن السادس عشر‪ ،‬ظهرت بعض األفكار احلديثة‪،‬‬


‫وصيغت املناهج العلمية للتفكير‪ ،‬وكان من أبرزها ما هو متعلق بسير‬
‫احلرب‪ ،‬وتطوير الفكر اإلستراتيجي‪ .‬واجته التفكير إلى حتسني كفاءة‬
‫القوة العسكرية بصفتها أداة للدولة‪ ،‬ووضح الترابط بني العوامل‬
‫العسكرية واالقتصادية والسياسية واالجتماعية واملعنوية‪ ،‬إلى احلد‬

‫‪227‬‬
‫الذي تالشت معه احلدود الفاصلة بينهم‪ ،‬وأصبح الفن اإلستراتيجي‬
‫‪ Strategic Art‬أكثر اتساعاً وشموالً‪ ،‬وأخ��ذت اإلستراتيجية مظهراً‬
‫ق��وم�ي�اً ش��ام�لاً‪ ،‬ل�ت��دور ح��ول ف��ن اس�ت�خ��دام ال�ق��وى القومية للدولة‪،‬‬
‫لتحقيق الغاية القومية لها‪.‬‬

‫لقد أصبح التخطيط لبناء السياسات واإلستراتيجيات هو‬


‫املنهج العلمي لتحقيق الغاية القومية للدولة‪ ،‬والذي يتدرج في وضع‬
‫األهداف والسياسات التخصصية‪ ،‬والتي تعبر عن السياسة العامة‬
‫ل�ل��دول��ة‪ ،‬وينتقل التخطيط إل��ى وض��ع األه ��داف واإلستراتيجيات‬
‫التخصصية‪ ،‬وتشمل في إطارها «اإلستراتيجية العسكرية» ‪Military‬‬
‫‪ ،Strategy‬والتي تنبع أساساً من السياسة العسكرية للدولة‪ ،‬ويتم‬
‫التخطيط لها في ترابط تام مع املبادئ العامة‪ ،‬واجتاهات التطور‬
‫للعلم العسكري‪ ،‬وف��ن احل��رب‪ .‬وتُعد اإلستراتيجية العسكرية أداة‬
‫للسياسة لتحقيق األهداف السياسية العسكرية للحرب‪ ،‬باستخدام‬
‫وسائل الصراع املسلح‪ ،‬كما تتحكم األهداف والسياسات العسكرية‪،‬‬
‫في حتديد طبيعة اإلستراتيجية العسكرية سواء أن كانت هجومية‬
‫أو دفاعية أو للردع‪ ،‬وحت��دد أيضاً األساليب اإلستراتيجية إلدارة‬
‫ال �ص��راع‪ ،‬وال�ت��ي ترتبط بالنظريات وم �ب��ادئ احل ��رب‪ ،‬مثل احلرب‬
‫اخلاطفة‪ ،‬واالقتراب غير املباشر ‪ ،Indirect Approach‬ومعارك العمق‬
‫أو معارك األنساق الثانية‪ ،‬واملعركة البرية اجلوية‪.‬‬

‫إن الباحث في التاريخ العسكري جليوش العالم عبر التاريخ‪،‬‬


‫ي�ج��د أن م�ف�ه��وم االق �ت��راب غ�ي��ر امل �ب��اش��ر‪ ،‬ل��م ي�ك��ن ول �ي��داً للفكر أو‬
‫اإلستراتيجية املعاصرة‪ ،‬كما يتبادر للبعض‪ ،‬بل إن كثيراً من القادة‬
‫العسكريني ال�ق��دام��ى ط�ب�ق��وا أس��س ه��ذه ال�ن�ظ��ري��ة ـ اع �ت �م��اداً على‬
‫ذكائهم الفطري ـ وحققوا انتصارات الفتة في حروبهم‪ ،‬ومع تطور‬
‫الفكر العسكري وتكنولوجيا وسائل احلرب‪ ،‬تطورت أساليب تطبيق‬

‫‪228‬‬
‫النظرية‪ ،‬وبعد أن كانت تشمل البعد العسكري فقط‪ ،‬أضحى لها‬
‫مفهوم قومي شامل الستخدام ق��وى ال��دول��ة في مجالها السياسي‬
‫والدبلوماسي واالقتصادي واالجتماعي واملعنوي‪.‬‬

‫بنهاية احلرب العاملية األولى‪ ،‬قام املفكر العسكري البريطاني‬


‫(ليدل ه��ارت) بدراسة وحتليل أكثر من ثالثني حرباً عبر التاريخ‪،‬‬
‫وص ��اغ إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة االق��ت��راب غ�ي��ر امل �ب��اش��ر‪ ،‬وأس ��س ل�ه��ا املبادئ‬
‫واألسس النظرية‪ ،‬وسبل النجاح في تطبيقها‪ ،‬إال أن الفكر العسكري‬
‫البريطاني لم يأخذ بها‪ ،‬وطبقتها اآللة العسكرية األملانية في احلرب‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬وحققت جناحاً هائالً‪.‬‬

‫يتلخص جوهر اإلستراتيجية‪ ،‬في أن النصر يتحقق من خالل‬


‫حتقيق االنهيار النفسي للخصم‪ ،‬وليس بالتدمير امل��ادي لقدراته‪.‬‬
‫ويتم ذلك عن طريق املناورة بالقوات والنيران وبالوسائل واألساليب‬
‫األخ��رى‪ ،‬واستخدام محاور تقدم غير متوقعة‪ ،‬وحشد اإلمكانيات‬
‫وت��وج�ي��ه ال�ض��رب��ات الرئيسة‪ ،‬ض��د أض�ع��ف ن�ق��اط اخل�ص��م‪ ،‬لسرعة‬
‫الوصول إلى العمق واملؤخرة مع إنهاكه من الداخل‪ ،‬بدالً من تدميره‬
‫كامالً‪ ،‬وعلى أن يتم تفتيت اخلصم‪ ،‬وتدميره على أج��زاء ومراحل‬
‫متتالية‪ ،‬من خالل حتقيق انهياره النفسي‪ ،‬ويجب استغالل األجناب‬
‫املفتوحة واملعرضة‪ ،‬أو املدافع عنها بقوات محدودة‪ ،‬كطرق اقتراب‬
‫غير متوقعة من اخلصم‪ ،‬مع العمل على قطع خطوط مواصالته‪،‬‬
‫ومحاور إمداده في العمق‪ ،‬وإجباره على العمل في مواجهة واسعة‪ ،‬عن‬
‫طريق األعمال الهجومية اخلداعية أو التثبيتية على طول املواجهة‪،‬‬
‫بهدف إرباكه أو إفقاده السيطرة على قواته وتفتيت احتياطاته أو‬
‫تثبيتها‪ .‬وعموماً تركز هذه اإلستراتيجية على أن أفضل األعمال‬
‫القتالية‪ ،‬هو حتطيم مقاومة اخلصم دون قتال‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫إن التاريخ جتربة عملية‪ ،‬الختبار صحة املسائل العسكرية أو‬
‫فشلها‪ ،‬والتاريخ هو جتربة شاملة وحصيلة عدة جتارب في احلرب‪،‬‬
‫أكدت جناح وتفوق إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ ،‬وانتصارات‬
‫غير متوقعة‪ ،‬لكل القادة العسكريني العظماء الذين طبقوها‪ ،‬في‬
‫شكلها املادي واملعنوي‪.‬‬

‫وعلى سبيل املثال وليس احلصر‪ ،‬في عصر الثورة الزراعية‪ ،‬أو‬
‫ما أطلق عليه عصر املوجة األولى ‪ .The 1st Wave‬الفترة من العصور‬
‫القدمية وحتى ال�ق��رن السابع عشر‪ ،‬العصر ال��ذي ب��دأ باستخدام‬
‫السيف والرمح والسهم‪ ،‬وانتهى باستخدام البندقية وال�ب��ارود في‬
‫احل ��رب‪ ،‬ويحمل ال�ت��اري��خ ال�ع��دي��د م��ن امل �ع��ارك خ�لال ه��ذا العصر‪،‬‬
‫والتي اعتمد جناحها على تطبيق هذه اإلستراتيجية‪ ،‬حيث برزت‬
‫في احل��روب اإلسالمية‪ ،‬ومعارك الفتح اإلسالمي‪ ،‬وفي الفتوحات‬
‫الكبرى للحروب اإلغريقية والرومانية والبيزنطية‪ ،‬وتُ�ع��د حروب‬
‫ال�ق��رون ال��وس�ط��ى‪ ،‬الفترة م��ن ال�ق��رن احل��ادي عشر حتى السادس‬
‫عشر‪ ،‬قليلة التأثر بها‪ ،‬خاصة في دول الغرب‪ ،‬ولكن في جانب آخر‬
‫من العالم‪ ،‬قدمت الدولة اإلسالمية في حروبها مع الصليبيني مثاالً‬
‫لإلستراتيجية العليا لالقتراب غير املباشر‪ ،‬وقدمت شعوب الشرق‬
‫من املغول والتتار‪ ،‬مثاالً آخ��ر حققت به إجن��ازات كبيرة على رغم‬
‫أهدافها التدميرية وإستراتيجية الرعب التي كانت تسبقها‪.‬‬

‫وظهر عصر جديد‪ ،‬يحمل فكراً عسكرياً حديثاً‪ ،‬وتكنولوجيا‬


‫مختلفة‪ ،‬وهو عصر البندقية واملدفع واآلالت البخارية‪ ،‬والتي تطورت‬
‫إلى تكنولوجيا الدبابة والطائرة والصاروخ وأسلحة التدمير الشامـل‪،‬‬
‫وأطلـق عليـه عصر الثـورة الصناعيـة‪ ،‬أو عصر املوجة الثانية ‪The‬‬
‫‪ ،2nd Wave‬والذي بدأ مع مطلع القرن الثامن عشر‪ ،‬وكانت حروبه‬
‫ذات طابع خاص‪ ،‬وفكر إستراتيجي متطور‪ ،‬ترك أثره ألجيال بعدها‬

‫‪230‬‬
‫في مجال إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ .‬وكانت احلرب العاملية‬
‫األولى في مطلع القرن العشرين‪ ،‬قد حملت العديد من صور االقتراب‬
‫غير امل�ب��اش��ر‪ ،‬وت�ب�ل��ورت تلك اإلستراتيجية‪ ،‬وتبناها «هتلر» وآلته‬
‫العسكرية‪ ،‬في احلرب العاملية الثانية‪ ،‬التي أفرزت مفاهيم وأبعاداً‬
‫جديدة لإلستراتيجية من الناحية املادية واملعنوية‪ ،‬وعلى الصعيدين‬
‫العسكري واملدني‪ ،‬وتأتي بعد ذلك‪ ،‬احلروب العربية اإلسرائيلية في‬
‫تطبيقاتها املختلفة إلستراتيجية االقتراب غير املباشر‪.‬‬

‫وعندما حتولت طبيعة ال �ص��راع‪ ،‬لتأخذ أش�ك��االً ج��دي��دة‪ ،‬من‬


‫صور احلرب‪ ،‬بدأ عصر املعلومات والتكنولوجيا ‪،Info & Tech age‬‬
‫وال��ذي ب��دأ العالم ال��دخ��ول فيه‪ ،‬اع�ت�ب��اراً م��ن العقد األخ�ي��ر للقرن‬
‫العشرين‪ ،‬وحتديداً منذ حرب اخلليج عام ‪ 1991‬ـ عاصفة الصحراءـ‬
‫حيث استخدم فيها ك��ل م��ا وص��ل إليه العلم والتكنولوجيا‪ ،‬واتفق‬
‫احملللون على توصيفه بعصر املوجة الثالثة ‪ .The 3rd Wave‬وأخذت‬
‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر أشكاالً جديدة في الصراع‪ ،‬وبرزت‬
‫احلرب اجلوية في البلقان كأحد األساليب احلديثة لإلستراتيجية‪،‬‬
‫ولم يتوقف تطبيقها عند حد املجال العسكري‪ ،‬بل امتد إلى املجال‬
‫االقتصادي‪ ،‬والدبلوماسي والسياسي اخلارجي‪ ،‬واملجال االجتماعي‪،‬‬
‫وامل�ج��ال املعنوي‪ ،‬وت�ط��ورت أساليب اإلستراتيجية مع تطور الفكر‬
‫العسكري وتكنولوجيا التسليح في حروب املستقبل‪ ،‬لتأخذ أبعاداً‬
‫جديدة وأشكاالً حديثة إلستراتيجية االقتراب غير املباشر في القرن‬
‫الواحد والعشرين‪.‬‬

‫‪231‬‬
232
‫الفصل األول‬
‫املفاهيم النظرية إلستراتيجية االقتراب‬

‫غير املباشر‬

‫تعتبر احل��رب ظاهرة اجتماعية يصعب جتنبها‪ ،‬وهي ترتبط‬


‫مبتطلبات احلياة‪ ،‬فإذا كان سير حوادث احلرب ونتيجتها حتددها‬
‫قوانني موضوعه‪ ،‬دل ذلك على وجود علم عسكري‪ ،‬قادر على كشف‬
‫النقاب عن املضمون السياسي للحرب والقوى احملركة لها‪ ،‬والكشف‬
‫عن العالقة بني احلرب بصفتها ظاهرة اجتماعية وقواعد إدارتها‪ ،‬وملا‬
‫كان العلم العسكري انعكاساً لسير احلرب والقوانني القياسية التي‬
‫حتكمها‪ ،‬كان لزاماً علينا أن نسترشد به في كل أعمالنا العسكرية‬
‫الفعلية‪ ،‬ويرجع أصل العلم العسكري إلى األزمنة األولى في العصور‬
‫القدمية‪ ،‬والتي كان يحكمها مبادئ نظرية‪ ،‬ودوافع إنسانية طبيعية‪،‬‬
‫وموهبة القادة وحسن إدراكهم وفكرهم الفطري‪.‬‬

‫لقد سجل التاريخ العديد من حروب العصور القدمية‪ ،‬ولكنه‬


‫لم يحدد أصول العلم العسكري وفن احلرب بشكل صريح ومباشر‪،‬‬

‫‪233‬‬
‫وإمنا ظهرت أصول العلم العسكري وفنون احلرب‪ ،‬في سياق وصف‬
‫سير احلرب ونتائجها‪ ،‬وكان على الفكر العسكري أن يحلل أحداث‬
‫احلروب القدمية‪ ،‬ويستنبط فن احلرب‪ ،‬وقد جرى ذلك في عصور‬
‫تالية‪ ،‬ويطوره طبقاً ملتطلبات كل عصر من العصور‪ ،‬من ذلك جند أن‬
‫أساليب القتال في العصور القدمية‪ ،‬قد مت إعادة صياغتها وتطويرها‬
‫لتكون نظريات عسكرية‪ ،‬والتي هي جزء من فن احلرب‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬النظرية والعقيدة‬

‫احتلت النظرية العسكرية‪ ،‬مركز الصدارة‪ ،‬عند أغلب املفكرين‬


‫العسكريني‪ ،‬وي��رى كالوزفيتز أن دور النظرية‪ ،‬هو ترتيب األفكار‬
‫واملفاهيم املتشابكة والغامضة‪ ،‬وإظهار العالقات املتبادلة لألشياء‪،‬‬
‫وإبراز بعض املبادئ أو القواعد‪ ،‬التي تنتج عنها‪ ،‬مع فصل القضايا‬
‫الهامة عن الثانوية‪ ،‬وإلقاء ضوء كاشف ينير الفهم الصحيح‪ ،‬ويساعد‬
‫ع�ل��ى اق �ت�لاع امل�ف��اه�ي��م اخل��اط �ئ��ة‪ ،‬وت�ب��دي��د ض�ب��اب األف �ك��ار املسبقة‬
‫الغامضة‪ .‬والنظرية ال تُعد منهجاً محدداً لشكل احلرب‪ ،‬وال تقدم‬
‫قوانني حلل جميع املشكالت أو كل احلاالت واالحتماالت‪ ،‬وإن لكل‬
‫عصر أشكاله اخلاصة باحلرب‪ ،‬ونظريته اخلاصة‪.‬‬

‫ت �ق��وم ال�ن�ظ��ري��ة ال�ع�س�ك��ري��ة‪ ،‬ب �ب �ل��ورة اخل �ب��رة ال�ع�م�ل�ي��ة للقوات‬


‫املسلحة وتعميمها‪ ،‬وتكشف النقاب عن القوانني القياسية إلدارة‬
‫احلرب‪ ،‬واملطالب التي يتطلبها الصراع املسلح‪ ،‬ولذلك تُعد اخلبرة‬
‫القتالية العملية‪ ،‬أساس النظرية‪ ،‬وإذا لم تتوافر اإلمكانيات‪ ،‬املادية‬
‫والفنية‪ ،‬ف��إن النظرية تكون عدمية القيمة في تطور فن احلرب‪،‬‬
‫كما أن النظرية حتدد اجتاه تطور التسليح العسكري‪ .‬وتطور القوة‬
‫العسكرية‪ ،‬بدوره يؤثر على تطور فن احلرب‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫‪ - 1‬العقيدة‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إن مفهوم العقيدة أو املذهب ‪ Doctrine‬يعني‪« :‬مجموعة‬


‫القيم واملبادئ‪ ،‬التي تتعلق بالبشر أو الدولة»‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وتقسم من حيث املستوى إلى اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬عقيدة عسكرية‪:‬‬

‫(أ) هي القاعدة التي يتم حشد جميع القوى القومية للدولة‬


‫إلع��داده��ا ل �ل��دف��اع‪ ،‬وخ�لاص��ة ن�ظ��ري��ات ال�ق�ت��ال ومبادئ‬
‫احل��رب‪ ،‬وتتضمن م�ك��ون�اً عسكرياً وتكنولوجياً إلعداد‬
‫القوات املسلحة للدفاع‪ ،‬ومكوناً سياسياً وتنموياً لتحديد‬
‫دور ال�ق��وات املسلحة‪ ،‬وتتكون العقيدة العسكرية وفقاً‬
‫مل�ج�م��وع��ة م��ن امل �ب��ادئ واألس� ��س‪ ،‬ال �ت��ي تعطيها ظاهرة‬
‫اخل �ص��وص �ي��ة‪ ،‬خ��اص��ة ال �ع��وام��ل ال��دي �ن �ي��ة واالجتماعية‬
‫واألوضاع السياسية واالقتصادية للدولة‪.‬‬

‫(ب) تعمل بعض ال��دول مبفهوم العقيدة العسكرية‪ ،‬وبعضها‬


‫اآلخ��ر مبفهوم السياسة العسكرية‪ ،‬مع تشابه املكونات‬
‫بشكل عام‪ ،‬ويتركز مفهوم العقيدة العسكرية في اآلتي‪:‬‬
‫«م�ج�م��وع��ة م��ن ال�ق�ي��م وامل �ب��ادئ ال�ت��ي ت�ه��دف إل��ى إرساء‬
‫ن �ظ��ري��ات ال�ع�ل��م ال�ع�س�ك��ري وف��ن احل���رب‪ ،‬وحت��دي��د بناء‬
‫واستخدام القوة العسكرية في السلم واحلرب»‪.‬‬

‫(‪ )2‬عقيدة قتالية‪:‬‬

‫تطلق عليها بعض ال��دول مذهباً قتالياً‪ ،‬وتشمل‪« :‬مجموعة‬

‫‪235‬‬
‫املبادئ واألف�ك��ار واالجت��اه��ات اخلاصة بتنظيم وتسليح واستخدام‬
‫القوات املسلحة وأفرعها الرئيسية»‪.‬‬

‫وتعمل في إطار العقيدة العسكرية للدولة‪ ،‬وتأخذ بعض الدول‬


‫بنظام وضع عقيدة قتالية لكل فرع من األفرع الرئيسة‪ ،‬وتشكل في‬
‫مجموعها العقيدة القتالية للقوات املسلحة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬العالقة بني النظرية والعقيدة‪:‬‬

‫(‪ )1‬إن تأسيس جوهر النظرية‪ ،‬يأتي من تاريخ فن احلرب‪،‬‬


‫واخلبرة القتالية الفعلية‪ ،‬والتي توضع موضع اختبار عملي‬
‫إلقرارها‪ ،‬ثم تتحول إلى مذهب بواسطة عملية منهجية‬
‫منظمة‪ ،‬تقوم بها األجهزة املختصة‪ ،‬عبر سنوات طويلة‪،‬‬
‫ويصاحب هذه العملية‪ /‬الدورة‪ ،‬ويلحق بها تطوير شامل‬
‫للقوات املسلحة من حيث التنظيم والتسليح والتدريب‪ ،‬مبا‬
‫يلبي احتياجات النظرية ومبادئها األساسية املستحدثة‪،‬‬
‫فالعقيدة هي تعبير عن النظرية بصورة عملية‪.‬‬

‫(‪ )2‬تتوافق النظرية ومبادئها مع العقيدة القتالية والعقيدة‬


‫ال‬
‫ال�ع�س�ك��ري��ة ل �ل��دول��ة‪ ،‬ك�م��ا تُ�ع��د ال�ن�ظ��ري��ة م�ف�ه��وم�اً شام ً‬
‫متكامالً‪ ،‬تقوم على أس��اس العقيدة العسكرية‪ ،‬وعندما‬
‫يتم جتسيد مفهوم النظرية عملياً‪ ،‬وبعد تطبيقها فعلياً‪،‬‬
‫فإنها تسجل في قواعد خدمة امليدان واملراجع الرسمية‪،‬‬
‫حتت مسمى عقيدة قتالية‪.‬‬

‫(‪ )3‬قد تأخذ النظرية مجاالً إستراتيجياً واسعاً‪ ،‬من حيث‬


‫الفكر أو التطبيق‪ ،‬وفي هذه احلالة يطلق عليها نظرية‬
‫إستراتيجية‪ ،‬وم�ج��ال عملها ه��و العقيدة العسكرية أو‬

‫‪236‬‬
‫عقيدة الدولة‪ ،‬طبقاً للمستوى‪ ،‬وقد ينبع منها في بعض‬
‫احلاالت نظرية قتالية‪.‬‬

‫‪ - 2‬ليدل هارت ونظرية االقتراب غير املباشر‪:‬‬

‫تأثر ليدل ه��ارت مب�ع��ارك احل��رب العاملية األول��ى‪ ،‬وم��ا القاه‬


‫م��ن جتربة شخصية أليمة ل��دى اش�ت��راك��ه بها‪ ،‬وم��ا خسره اجليش‬
‫البريطاني خالل احل��رب‪ ،‬وتطلع إلى إيجاد نظرية قتالية جديدة‪،‬‬
‫حتل محل نظريات احلرب العاملية األولى‪ ،‬التي سادها إستراتيجية‬
‫الهجوم املباشر‪ ،‬في معظم امل�ع��ارك‪ ،‬ورأى ه��ارت‪ ،‬في وق��ت الحق‪،‬‬
‫أن سبب كوارث احلرب العاملية األولى‪ ،‬يكمن بالدرجة األولى‪ ،‬في‬
‫االلتزام بعقيدة كالوزفيتز على أنها تفسير للحرب النابليونية‪ ،‬وأن‬
‫أفكار كالوزفيتز عن احلرب املطلقة‪ ،‬بصرف النظر عن خسائرها‪،‬‬
‫وح��رب الكتلة‪ ،‬ك��ان��ت سبباً ف��ي جتميد اإلستراتيجية ف��ي احلرب‬
‫العاملية األولى‪ ،‬وأكد هارت أن كالوزفيتز قد ركز على بحث كيفية‬
‫كسب احلرب‪ ،‬ولم يبحث في كسب السلم‪.‬‬

‫حتى ع��ام ‪ 1922‬اعتنق ه��ارت‪ ،‬بفضل فوللر‪ ،‬عقيدة احلرب‬


‫امليكانيكية‪ ،‬حيث كانت الدبابة هي املعيار الرئيس للتطور العسكري‪،‬‬
‫وهكذا وج��د الوسيلة‪ ،‬وظ��ل يبحث عن الطريقة‪ ،‬حتى وجدها في‬
‫حتليل تاريخ جنكيز خان‪ ،‬ورأي أن املغول جمعوا بني احلركة والقوة‬
‫ال�ه�ج��وم�ي��ة‪ ،‬ووص ��ل إل��ى إم�ك��ان�ي��ة ب �ن��اء ن�ظ��ري��ة مبنية ع�ل��ى الدبابة‬
‫والطائرة‪.‬‬

‫ف��ي ع��ام ‪ ،1929‬نشر ل�ي��دل ه��ارت م�ش��روع نظرية االقتراب‬


‫غير املباشر‪ ،‬وواجهت النظرية اعتراضات وانتقادات هائلة‪ ،‬من قبل‬
‫املفكرين والقادة العسكريني البريطانيني‪ ،‬واستنكروا حقه في إبداع‬

‫‪237‬‬
‫نظرية جديدة‪ ،‬تقوم على أفكاره واستنتاجاته اخلاصة‪ ،‬وأخفقوا في‬
‫تقدير قيمة وجوهر النظرية‪ ،‬وعلى اجلانب اآلخر في أملانيا‪ ،‬فقد‬
‫وجد القادة العسكريون في النظرية‪ ،‬التطور املعاصر والفكر اخلالق‪،‬‬
‫وتبنى اجليش األملاني النظرية‪ ،‬وعملوا على أساسها‪ ،‬وأثبتوا‪ ،‬في‬
‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬جدواها وفاعليتها‪.‬‬

‫وعلى م��دى ‪ 25‬عاماً منذ ظهرت النظرية ألول م��رة‪ ،‬واصل‬


‫ليدل هارت إجنازاته ودراساته‪ ،‬من أجل حتقيق النظرية‪ ،‬وتدقيق‬
‫م�ب��ادئ�ه��ا‪ ،‬ع�ل��ى ض��وء األح� ��داث ال�ت��اري�خ�ي��ة وال �ت �ط��ورات املعاصرة‪،‬‬
‫وال� ��دروس امل�س�ت�ف��ادة م��ن احل��رب ال�ع��امل�ي��ة ال�ث��ان�ي��ة‪ ،‬ث��م سجلها في‬
‫كتابه عن «اإلستراتيجية وتاريخها في العالم»‪ ،‬ورفعها من مستوى‬
‫اإلستراتيجية العسكرية إلى مستوى اإلستراتيجية العليا‪.‬‬

‫‪ - 3‬األسس العامة للنظرية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬دراسة وحتليل التاريخ العسكري وفن احلرب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ح��ل م �ش �ك�لات ف��ن احل� ��رب‪ ،‬وإي��ج��اد ب��دائ��ل للنظريات‬


‫السابقة‪ ،‬التي لم حتقق جناحاً في الوصول إل��ى هدف‬
‫احلرب‪.‬‬

‫ج ‪ -‬طابع وأهداف السياسة العسكرية للدولة‪.‬‬

‫د ‪ -‬املوقف السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬واجتاهات‬


‫الرأي العام الداخلي‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التطور التكنولوجي لوسائل احل��رب‪ ،‬وما توفره الدولة‬


‫من إمكانيات‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫و ‪ -‬اجتاهات تطور نظريات وأساليب القتال داخ��ل وخارج‬
‫الدولة‪.‬‬

‫ز ‪ -‬مستوى إعداد القوات املسلحة للحرب‪.‬‬

‫ح ‪ -‬موقف الدول والقوات احلليفة‪ ،‬والعدو احملتمل‪ ،‬ونظريات‬


‫القتال التي يعمل بها‪.‬‬

‫ط ‪ -‬مستوى وطبيعة إعداد وجتهيز مسرح العمليات‪.‬‬

‫ي ‪ -‬خصائص ومتطلبات املوقع اإلستراتيجي واجليوبوليتيكي‬


‫للدولة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬جوهر إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫‪ - 1‬يتلخص مفهوم ليدل ه��ارت‪ ،‬في حتديده جلوهر نظرية‬


‫االقتراب غير املباشر‪ ،‬في‪« :‬أن النصر يتحقق من خالل‬
‫االنهيار النفسي للعدو‪ ،‬وليس بالتدمير املادي لقواته»‪.‬‬
‫ي�ت��م ذل ��ك ع��ن ط��ري��ق امل� �ن ��اورة ب��ال �ق��وات‪ ،‬وح �ش��ده��ا في‬
‫اجت��اه أضعف النقط واالجت��اه��ات‪ ،‬في دف��اع��ات العدو‪،‬‬
‫لسرعة الوصول إلى عمق ومؤخرة العدو‪ ،‬بهدف إنهاكه‬
‫وليس حتطيمه‪ ،‬على أن يتم تفتيت العدو وتدميره على‬
‫أجزاء‪ ،‬مع استغالل األجناب املفتوحة‪ ،‬وطرق االقتراب‬
‫غير املتوقعة من العدو أو املدافع عنها بقوات محدودة‪،‬‬
‫والعمل على قطع خطوط اإلم��داد وم�ح��اور املواصالت‬
‫في العمق‪ ،‬وإجبار العدو على العمل في مواجهة واسعة‪،‬‬
‫عن طريق األعمال الهجومية‪ ،‬اخلداعية والتثبيتية‪ ،‬على‬
‫املواجهة‪ ،‬بهدف تفتيت احتياطاته وتشتيتها أو تثبيتها‪،‬‬

‫‪239‬‬
‫وبشكل عام فإن النظرية تركز على أن أفضل األعمال هو‬
‫حتطيم مقاومة العدو‪.‬‬

‫‪ - 2‬وف��ي مفهوم آخ��ر لليدل ه��ارت‪« :‬ليس الهدف احلقيقي‬


‫هو البحث عن املعركة‪ ،‬بل البحث عن وضع إستراتيجي‬
‫مالئم‪ ،‬إن لم يؤد إلى النصر‪ ،‬يهيئ ظروفاً مناسبة ملعركة‬
‫تأتي بعدها وتنتزع النصر»‪.‬‬

‫‪ - 3‬أم ��ا ص��ن ت ��زو ع ��ام ‪ 500‬ق م‪ ،‬ف �ك��ان��ت ت�ع�ل�ي�م��ات��ه في‬
‫اإلستراتيجية الهجومية تركز على هزمية العدو بدون‬
‫حرب‪ ،‬واالستيالء على املدن ساملة‪ ،‬وأسر اخلصم أفضل‬
‫م��ن تدميره‪ ،‬وإن ه��دف احل��رب ه��و ض��رب إستراتيجية‬
‫العدو‪ ،‬وذك��ر في ذل��ك‪« :‬أن إح��راز مِ ئة انتصار في مِ ئة‬
‫معركة ليس هو أفضل ما يكون‪ .‬إن إخضاع العدو بدون‬
‫قتال هو أفضل ما يكون»‪ .‬وأيضاً‪« :‬إن املخطط اجليد‬
‫يِخضع العدو دون قتاله»‪.‬‬

‫‪ - 4‬إن ميدان تطبيق االقتراب غير املباشر أكثر اتساعاً من‬


‫غيره‪ ،‬فهو صالح لكل امل�ج��االت في ال��دول��ة‪ ،‬السياسية‬
‫واالقتصادية والدبلوماسية واالجتماعية‪ ،‬وترتبط فكرة‬
‫النظرية بجميع القضايا الناجمة عن تأثير الفكر على‬
‫ال �ف �ك��ر‪ ،‬ول �ه��ذا ال�ت��أث�ي��ر أع �م��ق األث ��ر ف��ي اجت ��اه التاريخ‬
‫البشري‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬األهداف اإلستراتيجية العسكرية‬

‫‪ - 1‬يختلف الهدف‪ /‬األهداف اإلستراتيجية العسكرية‪ ،‬عند‬


‫تنفيذ إستراتيجية الهجوم غير املباشر في العملية اإلستراتيجية‪،‬‬

‫‪240‬‬
‫ارت�ب��اط�اً بنوع العملية ومستواها‪ ،‬واإلم�ك��ان�ي��ات املتيسرة‪ ،‬وطبيعة‬
‫أعمال قتال اخلصم‪ ،‬وطبيعة مسرح العمليات‪ ،‬باإلضافة إلى الهدف‬
‫السياسي العسكري للعملية اإلستراتيجية‪ ،‬فقد يكون اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إضعاف مقاومة العدو قبل قهره والتغلب عليه‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إيجاد موقف إستراتيجي مناسب‪ ،‬إن لم يؤد إلى النصر‪،‬‬


‫فإنه يهيئ ظروفاً أفضل النتزاع النصر‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تدمير البنية االقتصادية للعدو‪.‬‬

‫د ‪ -‬تفتيت ال �ع��دو‪ ،‬وت��دم �ي��ره ع�ل��ى م��راح��ل لتحقيق الهدف‬


‫النهائي من العملية‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬التأثير النفسي على العدو‪.‬‬

‫‪ - 2‬ويتم حتقيق األهداف بالتركيز على اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬مادياً‪:‬‬

‫(‪ )1‬أع�م��ال القصف اإلس�ت��رات�ي�ج��ي‪ ،‬ب�ن�ي��ران ال �ق��وات اجلوية‬


‫والبحرية‪ ،‬وصواريخ أرض ‪ -‬أرض‪.‬‬

‫(‪ )2‬توجيه الضربات ضد أه��داف اقتصادية وتدمير البنية‬


‫التحتية للعدو‪.‬‬

‫(‪ )3‬وضع العدو حتت تأثير نيران قواتنا‪ ،‬واألعمال اخلاصة‬


‫وأعمال اإلزع��اج واإلرب��اك لفترة زمنية طويلة‪ ،‬قبل بدء‬
‫املعركة الرئيسية‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫(‪ )4‬تنفيذ املهام اإلستراتيجية بأسلوب العمليات املتتالية‪.‬‬

‫(‪ )5‬تشتيت جهود العدو في املواجهة والعمق‪ ،‬بأعمال املناورة‬


‫والتطويق وتوجيه الضربات في املواجهة والعمق‪ ،‬وتثبيت‬
‫احتياطات العدو‪.‬‬

‫(‪ )6‬قطع وتهديد خطوط املواصالت ومحاور اإلمداد‪.‬‬

‫(‪ )7‬إخفاء نوايا قواتنا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬معنوياً‪:‬‬

‫(‪ )1‬إفقاد القادة ثقتهم بأنفسهم‪.‬‬

‫(‪ )2‬إيجاد شعور لدى اخلصم بالعجز‪ ،‬وعدم القدرة على رد‬
‫الفعل‪.‬‬

‫(‪ )3‬فرض حالة من التمزق النفسي والذعر؛ نتيجة إحساس‬


‫العدو بتورطه في مـوقف صعب‪.‬‬

‫(‪ )4‬الوجود في مؤخرة العدو‪ ،‬أفضل أسلوب لشله وإرباكه‬


‫وانهياره‪.‬‬

‫(‪ )5‬تطبيق أساليب احلرب النفسية‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬قواعد إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫ميكن إيجاز مبادئ‪ /‬قواعد إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪،‬‬


‫في نشاط واحد‪ ،‬يشمل التجمع‪ ،‬أي احلشد‪ ،‬أو بصورة أدق «حشد‬

‫‪242‬‬
‫القوة ضد الضعف»‪ ،‬املرتبط بتوزيع قوات العدو‪ ،‬الناجت عن توزيع‬
‫قواتنا‪ ،‬الذي يعطي العدو فكرة عن تبعثرنا وتوزيع قواتنا‪ .‬إن إعادة‬
‫توزيع قواتنا املبني على توزيع قوات العدو‪ ،‬ثم إعادة جتميع قواتنا‪،‬‬
‫عبارة عن سلسلة من العمليات التي تنجم الواحدة منها عن األخرى‪،‬‬
‫وما احلشد السليم سوى ثمرة توزيع محسوب بحكمة‪ ،‬ويبرز هنا‬
‫مبدأ أساسي يفرض نفسه‪ ،‬ويتركز في ضرورة جتنب إعطاء العدو‬
‫الزمن واحلرية للحشد ضد حشد قواتنا‪.‬‬

‫ولفهم ه��ذا املبدأ األس��اس واستخدامه عملياً‪ ،‬ميكن شرحه‬


‫بثمانية مبادئ‪ /‬قواعد‪ /‬نصوص عملية‪ ،‬تنطبق على اإلستراتيجية‬
‫والتكتيك كاآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬مطابقة الهدف مع اإلمكانيات‪:‬‬

‫إن��ه م��ن اخل �ط��أ أن ت��رغ��ب ف��ي أش �ي��اء ال تستطيع حتقيقها‪،‬‬


‫واحلكمة العسكرية في بحث ما هو ممكن‪ ،‬فمن خالل تقدير العوامل‬
‫احلقيقية املاثلة‪ ،‬وليس مجرد االعتقاد‪ ،‬تتولد ثقة كبيرة منذ بداية‬
‫العمل‪ ،‬تتيح النجاح في أم��ور تبدو مستحيلة‪ ،‬شريطة أال نستهلك‬
‫هذه الثقة‪.‬‬

‫‪ - 2‬استمرار احملافظة على الهدف‪:‬‬

‫م��ن األهمية استمرار احملافظة على ال�ه��دف‪ ،‬وميكن حتديد‬


‫أهداف وسيطة تتحقق بالتتالي‪ ،‬لتحقيق الهدف النهائي األساسي‪،‬‬
‫وهناك عدة طرق للوصول إلى الهدف‪ ،‬مع احليطة واحلذر في أثناء‬
‫التقدم‪ ،‬ألن كل هدف وسيط يؤثر على الهدف األصلي‪ ،‬ولذلك فبعد‬
‫تقرير األهداف احملتملة‪ ،‬ميكن تقومي اإلمكانيات املتيسرة للوصول‬
‫إليها‪ ،‬مع مقارنة عائد حتقيقها على الهدف العام األصلي‪ ،‬وإذا كان‬

‫‪243‬‬
‫الفشل في مواجهة أي موقف طارئ لتحقيق الهدف أمراً سيئاً‪ ،‬فإنه‬
‫من األسوأ استمرار متابعة اجلهود في هذا االجتاه غير املجدي‪.‬‬

‫‪ - 3‬اختيار االجتاه األقل توقع ًا‪:‬‬

‫إن العمل على اخلطوط‪ /‬االجتاهات املتوقعة‪ ،‬يزيد من قوة‬


‫وثبات العدو‪ ،‬لتمشيها مع فكرته إلدارة أعماله‪ ،‬والعكس هو األصح‪،‬‬
‫ولذلك فإن من الضروري‪ ،‬دراسة وحتليل العدو وردود فعله‪ ،‬وأعماله‬
‫احملتملة‪ ،‬ويراعى التفكير دائماً من وجهة نظر العدو‪ ،‬لتقدير األشياء‬
‫التي ال يتوقعها‪.‬‬

‫‪ - 4‬استثمار النجاح في االجتاهات الضعيفة‪:‬‬

‫عند جناح أعمال القتال في اجتاه املقاومة الضعيفة للعدو‪ ،‬فإن‬


‫من الضروري استغالل النجاح وتطوير أعمال القتال‪ ،‬وتوسعها في‬
‫هذا االجتاه‪ ،‬طاملا كان قادراً على حتقيق الوصول إلى هدف وسيط‪،‬‬
‫يؤدي احتالله إلى الوصول إلى الهدف العام‪ ،‬وتنطبق هذه القاعدة‬
‫على املستوى التكتيكي‪ ،‬في استخدام االحتياطات‪ ،‬وتتحقق على‬
‫املستوى اإلستراتيجي‪ ،‬باستثمار كل جناح تكتيكي متتالي لتحقيق‬
‫هدف إستراتيجي أو مهمة إستراتيجية‪.‬‬

‫‪ - 5‬اختيار االجتاهات التي تؤدي إلى أهداف متناوبة‪:‬‬

‫إن تهديد عدة أهداف متناوبة‪ ،‬يؤمن الوصول إلى الهدف األقل‬
‫حماية‪ ،‬ويسمح باحتالل هدف واحد على األق��ل‪ ،‬ميكن منه تهديد‬
‫واحتالل أهداف تالية‪ ،‬ويحقق هذا األسلوب‪ ،‬استمرار مفاجأة العدو‬
‫ويجددها‪ ،‬كما أنه يضع العدو في حيرة دائمة عن نوايا قواتنا‪ ..‬بينما‬
‫يؤدي تهديد واحتالل هدف واحد إلى فقد املبادأة واملفاجأة لقواتنا‪،‬‬

‫‪244‬‬
‫واحتمال الفشل في االستيالء على الهدف أو األهداف التالية‪.‬‬

‫‪ - 6‬املرونة عند التخطيط وانتشار القوات‪:‬‬

‫تراعى امل��رون��ة في مرحلة التخطيط للحرب أو عند تشكيل‬


‫ال�ق��وات وتوزيعها في مناطق االنتشار‪ ،‬بحيث تتالءم مع الظروف‬
‫احمليطة‪ ،‬وتوقع املرحلة التالية من احلرب‪ ،‬واالستعداد ملواجهة النجاح‬
‫والفشل‪ ،‬الكلي أو اجلزئي‪ ،‬وأن تكون أوضاع القوات وتوزيعها‪ ،‬حتقق‬
‫التالؤم والتوافق مع املوقف‪ ،‬واستخدامها في أقل وقت ممكن‪.‬‬

‫‪ - 7‬احلرص في استخدام كل اإلمكانيات إذا كان اخلصم‬


‫مستعد ًا ‪:‬‬

‫وتعني عدم الدفع بكل ثقل إمكانيات قواتنا‪ ،‬عند تنفيذ مهام‬
‫رئيسة‪ ،‬في حالة استعداد العدو وتوقعه لهذا العمل‪ ،‬وتؤكد التجربة‬
‫التاريخية أن الضربات الرئيسة أو األخرى والثانوية‪ ،‬ال حتقق تأثيراً‬
‫ف�ع��االً‪ ،‬م��ا ل��م يتم ش��ل مقاومة ال�ع��دو‪ ،‬أو ق��درت��ه على حتاشي هذه‬
‫الضربات‪ ،‬وال ينبغي أن يقبل القادة القيام بهجوم رئيس على عدو‪،‬‬
‫قبل التأكد من هذا الشلل‪ ،‬وإضعاف مقاومته‪ ،‬وإفقاده السيطرة‬
‫على قواته‪ ،‬وحتطيم معنوياته‪.‬‬

‫‪ - 8‬عدم إعادة الهجوم عند فشله في املرة األولى‪:‬‬

‫وتعني عدم تكرار الهجوم‪ ،‬في نفس االجتاه أو بنفس األسلوب‬


‫أو التشكيل‪ ،‬بعد أن فشل في امل��رة األول��ى‪ ،‬وتقوية ق��درات القوات‬
‫املهاجمة‪ ،‬ال تبرر جتديد مثل هذا الهجوم‪ ،‬ألنه من احملتمل أن يكون‬
‫العدو قد حصل بدوره على قدرات وإمكانيات جديدة‪ ،‬خالل الفترة‬

‫‪245‬‬
‫نفسها‪ ،‬إضافة إلى ارتفاع الروح املعنوية للعدو بعد جناحه في صد‬
‫الهجوم األول‪.‬‬

‫وتدل هذه املبادئ والقواعد‪ ،‬على أنه لتحقيق النصر‪ ،‬ينبغي‬


‫حل مشكلتني مهمتني‪ ،‬هما تفتيت العدو ثم استثمار هذا العمل‪ ،‬ومن‬
‫املقدر هزمية العدو بشكل فعال‪ ،‬قبل التمهيد لذلك‪ ،‬بخلق الظروف‬
‫املالئمة لتحقيق هذا العمل‪ ،‬وال ميكن أن تصبح الضربة حاسمة‪ ،‬إال‬
‫إذا حتقق استثمار الفرصة اجلديدة‪ ،‬قبل أن يستعيد العدو اتزانه‪.‬‬

‫وذكر اجلنرال أندريه بوفر أنه ميكن اختصار املبادئ أو القواعد‬


‫السابقة في اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬إجبار اخلصم على بعثرة قواته بواسطة االقتراب غير‬


‫املباشر‪.‬‬

‫‪ - 2‬املفاجأة‪ ،‬بالعمل غير املتوقع‪.‬‬

‫‪ - 3‬جتميع القوة ضد الضعف‪.‬‬

‫‪ - 4‬البحث عن احلل احلاسم في حقول العمليات الثانوية إن‬


‫أمكن‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬متطلبات تطبيق إستراتيجية االق�ت��راب غير‬


‫املباشر‬

‫‪ - 1‬مرحلة التحضير للعملية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توفير معلومات دقيقة وموقوتة عن العدو‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫ب ‪ -‬الدراسة الدقيقة والتفصيلية ملسرح العمليات‪.‬‬

‫ج ‪ -‬دراسة وتقييم قدرات قواتنا والعدو‪.‬‬

‫‪ - 2‬مرحلة التخطيط‪:‬‬

‫أ ‪ -‬خطة نيران قوية ومؤثرة وطويلة املدى‪ ،‬لعدة أيام‪ ،‬ضد‬


‫األه��داف اإلستراتيجية وأه��داف البنية التحتية للعدو‪،‬‬
‫باستخدام جميع اإلمكانيات النيرانية‪ ،‬القوات اجلوية‪/‬‬
‫البحرية‪ /‬املدفعية‪ /‬الصواريخ أرض ـ أرض‪.‬‬

‫ب ‪ -‬خطة إشغال وإرباك وإزعاج اخلصم‪ ،‬ضد مراكز القيادة‬


‫واالح�ت�ي��اط��ات واأله���داف احل�ي��وي��ة‪ ،‬ب��اس�ت�خ��دام القوات‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬عند التخطيط للعمليات يراعى اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬حتديد هدف إستراتيجي ينفذ من خالل أهداف تعبوية‬


‫وتكتيكية متعددة‪ ،‬تنفذ بالتتالي‪ ،‬على أن تشمل أكثر من‬
‫هدف لكل مستوى‪ ،‬لتطوير أعمال النجاح في االجتاهات‬
‫الناجحة‪ ،‬والتي تؤدي إلى الهدف اإلستراتيجي النهائي‪،‬‬
‫واستمرار احملافظة عليه‪.‬‬

‫(‪ )2‬تركيز اجلهود في اجتاه أضعف النقط في دفاعات العدو‪،‬‬


‫واستثمار النجاح في هذا االجتاه‪.‬‬

‫(‪ )3‬تفتيت العدو وتدميره على مراحل وبالتتالي‪.‬‬

‫(‪ )4‬تخطيط أعمال هجومية ثانوية وتثبيتية في املواجهة‪،‬‬

‫‪247‬‬
‫وتوجيه الضربات الرئيسية في العمق‪ ،‬باستغالل أعمال‬
‫امل �ن��اورة وخ �ف��ة احل��رك��ة‪ ،‬ل�لال�ت�ف��اف ع�ل��ى أج �ن��اب العدو‬
‫وم��ؤخ��رت��ه املفتوحة‪ ،‬أو ف��ي اجت��اه ال��دف��اع��ات الضعيفة‬
‫واألقل توقعاً من وجهة نظر العدو‪.‬‬

‫(‪ )5‬احملافظة على تكوين االحتياطات طوال مراحل العملية‪،‬‬


‫لتحقيق االتزان‪.‬‬

‫(‪ )6‬متشي التخطيط لتنفيذ املهام مع القدرات واإلمكانيات‬


‫املتيسرة‪.‬‬

‫(‪ )7‬إخ�ف��اء ن��واي��ا ق��وات�ن��ا‪ ،‬بتجميع ال�ق��وات وإع��ادة انتشارها‬


‫في مناطق واسعة ومتفرقة وحتقق إخفاء اجتاه الضربة‬
‫الرئيسية‪ ،‬بتوفير شبكة من الطرق على طول املواجهة‪،‬‬
‫وليس في اجتاه الضربة الرئيسية فقط‪.‬‬

‫(‪ )8‬يسمح التخطيط‪ ،‬بنقل وحتويل اجلهود الرئيسية‪ ،‬بسرعة‬


‫وكفاءة‪ ،‬من اجتاه آلخر‪ ،‬الستثمار النجاح‪.‬‬

‫(‪ )9‬يشمل التخطيط على أعمال اخل��داع‪ ،‬باستخدام جميع‬


‫اإلم �ك��ان �ي��ات اإلي �ج��اب �ي��ة وال�س�ل�ب�ي��ة‪ ،‬واس �ت �خ��دام احلرب‬
‫النفسية على أوسع نطاق للتأثير على معنويات العدو‪.‬‬

‫‪ - 3‬مرحلة إدارة أعمال القتال‪:‬‬

‫أ ‪ -‬م��رون��ة ال �ق��ادة ف��ي ات �خ��اذ ال �ق��رار‪ ،‬خ��اص��ة ف��ي املواقف‬


‫الطارئة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تنفيذ خطط بديلة لتنفيذ املهام‪ ،‬مع استمرار احملافظة‬


‫على الهدف‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ج ‪ -‬إعادة النظر عند الفشل في أحد االجتاهات‪ ،‬بعدم تكرار‬
‫الهجوم من نفس االجت��اه وبنفس فكرة الهجوم‪ ،‬والعمل‬
‫على إدخال فكر جديد وسرعة تنفيذه‪.‬‬

‫د ‪ -‬استمرار احملافظة على املبادأة وحتقيق املفاجأة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬استثمار العمل في االجتاهات الناجحة‪ ،‬والتي تؤدي إلى‬


‫الهدف الرئيسي من العملية‪.‬‬

‫‪ - 4‬تنظيم واستخدام القوات‪:‬‬

‫أ ‪ -‬توفير قوات مدرعة وميكانيكية‪ ،‬مبا يحقق خفة احلركة‬


‫وسرعة املناورة‪ ،‬ومتطلبات احلرب امليكانيكية واحلرب‬
‫اخلاطفة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إمكانيات نيرانية عالية من املدفعية والصواريخ أرض ‪-‬‬


‫أرض‪ ،‬خاصة البعيدة املدى‪ ،‬والقوات البرية والبحرية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ق� ��وات خ ��اص ��ة‪ ،‬وق � ��وات إب � ��رار ج���وي وب� �ح ��ري‪ ،‬بحجم‬
‫مناسب‪.‬‬

‫عال‪.‬‬
‫د ‪ -‬منظومة قيادة وسيطرة على مستوى ٍ‬

‫سادس ًا‪ :‬أسلوب تطبيق إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫‪ - 1‬على املستوى القومي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬عزل الدولة املعادية عن الدول احلليفة واملتعاونة معها‪ ،‬في‬


‫املجال السياسي والدبلوماسي واالقتصادي والعسكري‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫ب ‪ -‬احلصار االقتصادي أو العمل على إضعاف اقتصاديات‬
‫الدولة املعادية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إضعاف املجتمع ونظام احلكم في الدولة املعادية‪ ،‬مثل‬


‫بث الفرقة بني فئات الشعب وطوائفه الدينية والعقائدية‬
‫والعنصرية وطبقاته االجتماعية‪ ،‬وإب��راز سلبيات نظام‬
‫احلكم‪..‬الخ‪.‬‬

‫د ‪ -‬خلق األزمات املستمرة للخصم‪ ،‬والعمل على تفتيت جبهته‬


‫الداخلية‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬اخ �ت��راق اجلبهة الداخلية للخصم‪ ،‬وخ�ل��ق مجموعة أو‬


‫فئة أو طبقة مؤيدة‪ ،‬تشكل جبهة معارضة لها تأثير في‬
‫صنع القرار بالدولة اخلصم‪ ،‬وقد يتطلب األمر تنفيذها‬
‫ألعمال طابور خامس‪.‬‬

‫و ‪ -‬وعلى مستوى الدولة الصديقة‪:‬‬

‫(‪ )1‬كسب احللفاء‪ ،‬وتوطيد العالقات والتعاون اإلستراتيجي‬


‫م��ع ال ��دول اخل��ارج �ي��ة‪ ،‬إق�ل�ي�م�ي�اً ودول��ي��اً‪ ،‬خ��اص��ة الدول‬
‫الكبرى‪.‬‬

‫(‪ )2‬دعم التعاون اإلستراتيجي مع الدول الصديقة واملتعاونة‪،‬‬


‫لتوفير الدعم االقتصادي والسياسي والعسكري‪.‬‬

‫(‪ )3‬إبراز مراكز الثقل أو قوة الردع الستمرار ردع العدو‪.‬‬

‫(‪ )4‬التظاهر بالرغبة في السلم‪ ،‬مع استمرار اإلعداد للعمل‬


‫العسكري‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫(‪ )5‬خطة إعالمية شاملة تستهدف خفض رغبة اخلصم في‬
‫القتال أو االستمرار فيه‪.‬‬

‫‪ - 2‬على املستوى اإلستراتيجي العسكري‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تكثيف جهود املخابرات واالستطالع واستمرار متابعة‬


‫العدو‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أعمال قصف إستراتيجي بنيران القوات اجلوية والبحرية‬


‫وال�ص��واري��خ أرض ـ أرض‪ ،‬ضد األه��داف اإلستراتيجية‬
‫احليوية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تنفيذ أع�م��ال إزع��اج وإرب��اك ال�ع��دو‪ ،‬بأعمال اإلغارات‬


‫والكمائن في املواجهة والعمق التعبوي واإلستراتيجي‪.‬‬

‫د ‪ -‬حشد ال �ق��وات ف��ي مناطق االن�ت�ظ��ار األم��ام�ي��ة ي�ك��ون في‬


‫مناطق تبادلية‪ ،‬ثم يتم احتالل املناطق الرئيسية قبل بدء‬
‫الهجوم بفترة قليلة‪ ،‬إلخفاء نوايا قواتنا‪ ،‬مع استمرار‬
‫التأثير على العدو بنيران قواتنا‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬توجيه الضربات الثانوية واخلداعية‪ ،‬في اجتاه دفاعات‬


‫العدو الرئيسية‪ ،‬وإشغال العدو بالقوات والنيران على‬
‫طول املواجهة‪.‬‬

‫و ‪ -‬توجيه ال�ض��رب��ات الرئيسية‪ ،‬ف��ي اجت��اه أه��داف تعبوية‬


‫م�ت�ن��اوب��ة‪ ،‬ت ��ؤدي إل��ى ال �ه��دف اإلس �ت��رات �ي �ج��ي‪ ،‬باستغالل‬
‫األج �ن��اب املفتوحة وامل�ع��رض��ة أو االجت��اه��ات الضعيفة‪،‬‬
‫وغير املتوقعة من العدو‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫ز ‪ -‬استثمار اجت��اه ال�ن�ج��اح‪ ،‬وحت��وي��ل اجل�ه��ود الرئيسية في‬
‫اجتاهها‪ ،‬مبا يحقق الوصول للهدف النهائي‪.‬‬

‫ح ‪ -‬خ� �ط ��ة خ � � ��داع‪ ،‬وخ� �ط ��ة ح � ��رب ن �ف �س �ي��ه ت��غ��ط��ي جميع‬


‫املستويات‪.‬‬

‫ط ‪ -‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر وف �ك��رة العملية‬
‫الهجومية‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬أسس جناح إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫ت�ت��رك��ز أس��س جن��اح إستراتيجية االق �ت��راب غ�ي��ر امل�ب��اش��ر في‬


‫اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬حدد ليدل هارت عند تناوله لإلستراتيجية‪ ،‬أن الفاصلني‬


‫الرئيسيني لتحقيق النصر‪ ،‬هما تفتيت العدو‪ ،‬واستثمار‬
‫هذا العمل‪.‬‬

‫‪ - 2‬إض�ع��اف ال�ع��دو ب��دالً م��ن حتطيمه بصدمة م�ب��اش��رة‪ ،‬أو‬


‫هزمية العدو بدون حرب‪ ،‬أو هزمية إستراتيجية العدو‪.‬‬

‫‪ - 3‬التمسك بتحقيق مبدأي امل�ب��ادأة وامل�ف��اج��أة‪ ،‬واحملافظة‬


‫عليهما دائماً‪ ،‬مع استغالل نقاط ضعف العدو واستثمارها‬
‫لصالح قواتنا‪.‬‬

‫‪ - 4‬توفير خطط تبادلية لتحقيق الهدف من العملية‪ ،‬للعمل‬


‫بها في حالة متكن العدو من إعاقة خطط قواتنا‪.‬‬

‫‪ - 5‬جتميع القوات في اجتاه الضربات الرئيسية‪ ،‬يحقق نسبة‬

‫‪252‬‬
‫تفوق عالية على العدو‪ ،‬وتوجيهاً في االجتاهات الضعيفة‬
‫وغير املتوقعة من العدو‪.‬‬

‫‪ - 6‬توسيع نطاق أعمال قتال قواتنا في املواجهة والعمق‪،‬‬


‫بالقوات والنيران‪ ،‬إلجبار العدو على نشر وبعثرة قواته‬
‫وإم�ك��ان�ي��ات��ه‪ ،‬وتشتيت ج �ه��وده‪ ،‬وإف �ق��اده ال�س�ي�ط��رة على‬
‫قواته‪.‬‬

‫‪ - 7‬خ��داع ال �ع��دو ع��ن ال �ه��دف ال��رئ�ي�س��ي ل�ق��وات�ن��ا‪ ،‬باألعمال‬


‫اخل��داع�ي��ة والتثبيتية‪ ،‬مب��ا يحقق ت��وزي��ع ق��وات��ه وتشتيت‬
‫وتثبيت احتياطاته أو دفعها في اجتاهات ثانوية‪.‬‬

‫‪ - 8‬تنفيذ أعمال القتال الرئيسية ضد مؤخرة العدو‪ ،‬بأعمال‬


‫االلتفاف السريعة‪ ،‬ومن أقل االجتاهات مقاومة‪ .‬هدف‬
‫احلرب‪.‬‬

‫‪ - 9‬قطع خطوط ومحاور املواصالت والتقدم واإلم��داد في‬


‫عمق العدو؛ لتهديد التجميع الرئيسي املعادي‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬السالح النووي وإستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫انتقد ليدل هارت وجهة النظر لدول أوروبا والواليات املتحدة‪،‬‬


‫والتي تتلخص في‪ :‬التسليح النووي وسيلة عملية للوصول بسهولة‬
‫إل��ى نصر س��ري��ع وش��ام��ل وإق��ام��ة س�لام ع��امل��ي‪ .‬وأض ��اف ه��ارت أن‬
‫القنبلة الهيدروجينية لم تستطع إيجاد حل أكيد‪ ،‬في ضمان األمن‬
‫املطلق للدول الغربية‪ ،‬ولم تكن دوا ًء شافياً للوقاية من األخطار‪ ،‬التي‬
‫تهددهم‪ ،‬لقد زادت قدرتهم الضاربة‪ ،‬ولكنها زادت في نفس الوقت‬
‫قلقهم‪ ،‬وأثارت شعورهم بعدم االطمئنان‪ ،‬ويدل القلق‪ ،‬الذي تعيشه‬

‫‪253‬‬
‫شعوب العالم الغربي‪ ،‬على عجزهم عن ال��وص��ول إل��ى حل مشكلة‬
‫إيجاد سلم قائم على مثل هذا النصر‪ ،‬ولم تتجاوز رؤيتهم‪ ،‬ما وراء‬
‫الهدف اإلستراتيجي املباشر‪ ،‬كسب احلرب‪ ،‬واقتصر تفكيرهم على‬
‫أن النصر العسكري يضمن السلم‪ ،‬إن الثقة‪ ،‬التي وضعتها الدول‬
‫الغربية في دور السالح النووي‪ ،‬سالحاً ردعاً‪ ،‬وهم وسراب‪.‬‬

‫إن التسليح النووي يشكل عائقاً لسياسة صد اخلصم‪ ،‬بدالً‬


‫ال من‬‫ال مساعداً لها‪ .‬وعلى رغم أنه قد يحد فع ً‬ ‫من أن يكون عام ً‬
‫االجت��اه نحو احل��روب الشاملة‪ ،‬ولكنه ي��زي��د م��ن احتمال احلروب‬
‫احملدودة‪ ،‬والتي تبدأ باعتداء غير مباشر ومحلى‪ ،‬قد ميتد ويتسع‪،‬‬
‫ويستخدم املهاجم خالله مختلف الوسائط واألساليب الهجومية‪،‬‬
‫الكفيلة بتحقيق الهدف‪ ،‬ويؤكد ذلك إحصاءات األمم املتحدة‪ ،‬أن‬
‫امل�س��رح ال�ع��امل��ي شهد ‪ 172‬ص��راع �اً مسلحاً‪ ،‬منذ احل��رب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬مبعدل ‪ 3.12‬صراع مسلح سنوياً‪ ،‬وتشهد املرحلة الراهنة‬
‫‪ 24‬صراعاً مسلحاً في أربع قارات‪ ،‬وهو ما يشير إلى اتساع دائرة‬
‫احلروب التقليدية خالل القرن العشرين‪.‬‬

‫وق��د أش ��ار ل �ي��دل ه ��ارت أن ازدي���اد آث ��ار ال�ت��دم�ي��ر اجلماعية‬


‫لألسلحة احلديثة وتطورها‪ ،‬يفسح املجال أمام إستراتيجية حرب‬
‫العصابات‪ ،‬والتي تعني في مفهومه «اقتراب غير مباشر» لتحقيـق‬
‫الهدف‪.‬‬

‫تاسع ًا‪ :‬املجال القومي إلستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫أش��ار ليدل ه��ارت إل��ى أن مجال إستراتيجية االق�ت��راب غير‬


‫امل �ب��اش��ر‪ ،‬ي�ع��د أك �ث��ر ات �س��اع �اً م��ن غ �ي��ره‪ ،‬وه��و ص��ال��ح ل�ك��ل امليادين‬
‫وامل�ج��االت‪ ،‬التي يلعب فيها العامل اإلنساني دوراً ه��ام�اً‪ ،‬وترتبط‬

‫‪254‬‬
‫فكرة هذا املنظور بشكل دقيق‪ ،‬بالقضايا الناجمة عن تأثير الفكر‬
‫في امليدان السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫إن هدف إستراتيجية االقتراب غير املباشر في املجال القومي‬


‫للدولة يتركز في إخضاع اآلخر إلرادت��ك بدون صراع‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫املثال ال احلصر ميكن تسجيل اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬املجال السياسي‪:‬‬

‫قد ينبعث ص��راع بني إرادت�ي�ن‪ ،‬تربطهماً مصالح مشتركة أو‬


‫مجتمع واح��د‪ ،‬وفي هذه احلالة فإن محاولة توجيه األفكار بشكل‬
‫مباشر‪ ،‬قد يثير مقاومة عنيدة‪ ،‬ويزيد من صعوبة تعديل مواقف‬
‫اآلخ��ري��ن‪ ،‬بينما ميكن إقناعهم بسهولة وسرعة أكبر‪ ،‬ببث مستور‬
‫لألفكار والتوجهات اجلديدة املعارضة‪ ،‬مع دعمها بحجج تلتف حول‬
‫جوانب كل اعتراض‪.‬‬

‫‪ - 2‬املجال االقتصادي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ويتحقق ذلك في القطاع التجاري‪ ،‬مثل أن يقوم البائع‬


‫ب �ت��روي��ج جت��ارت��ه م��ن خ�ل�ال إي �ج��اد ح��واف��ز أو مميزات‬
‫للمشترين أو اإليحاء للمشترين‪ ،‬مبـدى جناح جتارته أو‬
‫مميزاتها اجليدة‪ ،‬هذا إضافة إلى تطبيقات فن التسويق‬
‫احلديث بأساليب غير مباشرة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وفي مجال آخر قد تتطلب الظروف إبراز القوة االقتصادية‬


‫للدولة عند الضعف‪ ،‬وقد يكون بهدف إبراز قوة الدولة‬
‫للردع‪ ،‬أو إلخفاء نقاط ضعف معينة‪ ،‬أو بهدف تشجيع‬

‫‪255‬‬
‫جذب االستثمار اخلارجي‪.‬‬

‫‪ - 3‬املجال الدبلوماسي‪:‬‬

‫وي��دخ��ل ف�ي��ه أس��ال�ي��ب ع�ل��م ال �ت �ف��اوض‪ ،‬وف��ي م �ج��ال العالقات‬


‫السياسية ال��دول�ي��ة‪ ،‬وميكن تبني نظريات االح �ت��واء أو االستجابة‬
‫املرنة أو الردع أو سياسة التفرقة بني اخلصم وحلفائه‪.‬‬

‫‪ - 4‬املجال االجتماعي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ويدخل فيه جميع اإلجراءات إلضعاف الدولة اخلصم في‬


‫مجالها االجتماعي مثل اختراق املجتمعات أو الطبقات‬
‫أو الفئات املختلفة والتفرقة بينها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ويدخل في ذلك أيضاً أعمال اإلرهاب‪ ،‬واملخدرات‪ ،‬ونشر‬


‫األمراض املستعصية‪ ،‬واحلروب البيولوجية ضد الدولة‬
‫اخلصم‪.‬‬

‫‪ - 5‬املجال املعنوي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬يلعب اإلعالم دوراً مهماً في خفض الروح املعنوية للخصم‪،‬‬


‫وإفقاده الثقة في نظامه السياسي وقواته املسلحة‪ ،‬وبث‬
‫التفرقة في صفوفه‪ ،‬ويأتي ذلك بتناول اإلعالم للقضايا‬
‫السياسية واالقتصادية والعسكرية واالجتماعية في توجيه‬
‫األفكار بشكل غير مباشر لتحقيق أهداف مباشرة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اعتبرت الدعاية هي السالح السري ألملانيا‪ ،‬لتمهيد طريق‬


‫النصر خالل احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وارتكزت أملانيا على‬

‫‪256‬‬
‫نشر الشائعات‪ ،‬كما تعرض ل��ودن��دورف في مذكراته عن‬
‫النواحي الفنية للدعاية‪ ،‬مثل خلق روح التضحية والوالء‪،‬‬
‫فإنه يجب أن يعلم كل فرد في املجتمع‪ ،‬أثر فقدان احلرب‬
‫على حياة األفراد واملجتمع‪ ،‬ومن الضروري نشر ذلك في‬
‫جميع وسائل اإلعالم‪ ،‬فإن عرض املخاطر جلماهير الشعب‬
‫له تأثير يخالف التفكير في املكاسب والغنائم‪ ،‬وله تأثير‬
‫أبعد مدى عن احلديث عن مفاوضات الصلح‪.‬‬

‫‪257‬‬
258
‫الفصل الثاني‬
‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫في العصور القدمية والوسطى‬

‫يعد املجتمع البدائي األول‪ ،‬منذ عام ‪ 50.000‬ق‪.‬م‪ ،‬هو أول‬


‫مجتمع ظهر في تاريخ البشرية‪ ،‬وأطولها في تاريخ تطور اإلنسان‪،‬‬
‫وحكمت املجتمعات حينها العالقات القبلية‪ ،‬ول��م تظهر احلروب‬
‫مبفهومها الشامل‪ ،‬وكانت دوافعها غرائزية من أجل البقاء وحماية‬
‫ال��وج��ود‪ ،‬وت�ط��ورت فلسفة احل�ي��اة‪ .‬وعندما ظهرت امللكية اخلاصة‬
‫لألرض ووسائل اإلنتاج‪ ،‬وتطور استغالل اإلنسان لإلنسان‪ ،‬برز معها‬
‫ظاهرة الصراع من أج��ل التوسع وال��دف��اع عن األرض‪ ،‬وظهر معها‬
‫ما يطلق عليه «الدميقراطية العسكرية»‪ ،‬وهي تنظيم خاص خلدمة‬
‫احلرب‪ ،‬وكان مجلس الزعماء هو العنصر الرئيسي في تطبيق هذه‬
‫الدميقراطية‪ ،‬وتطور األمر إلى اجليوش احملترفة‪ ،‬وتطورت أسلحة‬
‫القتال‪ ،‬وظهرت رم��اح الطعن وال�ق��ذف والسيوف واخليل وعربات‬
‫القتال‪ ،‬وبدأت تكتيكات املعركـة في التطـور‪ ،‬فظهرت املرونة وخفة‬
‫احلركة والقوات اخلفيفة والثقيلة‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫عندما ظهرت ظاهرة الصراع‪ ،‬منذ ‪ 12.000‬عام ق‪ .‬م‪ ،‬كان ذلك‬
‫ميالد عصر جديد في تاريخ البشرية‪ ،‬وأطلق عليه عصر الزراعة‪،‬‬
‫أو الثورة الزراعية‪ ،‬الستقرار املجتمعات واعتمادهم على الزراعة‪،‬‬
‫أطلق عليه احملللون عصر املوجة األولى «‪.»The 1st Wave‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬حروب العصور القدمية‬

‫على رغ��م أن ظاهرة الصراع املسلح بني املجتمعات والدول‪،‬‬


‫كانت موجودة منذ عصر الثورة الزراعية‪ ،‬املوجة األولى‪ ،‬فإن التاريخ‬
‫ل��م يسجل معظمها‪ ،‬أو رمب��ا مت تسجيله ول��م يتم اكتشافه‪ .‬ومنذ‬
‫عام ‪ 6000‬ق‪ .‬م‪ .‬سجل التاريخ العديد من املعارك القدمية‪ ،‬والتي‬
‫ارتبطت ف��ي معظمها بعوامل البيئة اجل�غ��راف�ي��ة‪ ،‬م��ن حيث املوقع‬
‫اجلغرافي والرخاء االقتصادي املرتبط بالزراعة‪ ،‬وعلى رغم ذلك فإن‬
‫املعلومات املسجلة على البرديات‪ ،‬وفي املعابد القدمية‪ ،‬والتماثيل‬
‫واآلث��ار القدمية‪ ،‬تُعد محدودة في تفاصيلها عن سير أحداث هذه‬
‫املعارك‪.‬‬

‫منذ عام ‪ 4000‬ق‪ .‬م‪ .‬مرت احلضارة القدمية مبراحل ازدهار‬


‫واضمحالل ارتباطاً باحلروب‪ ،‬التي كانت سبباً في تطور الزارعة‬
‫وصناعة ال�س�لاح‪ ،‬وك��ان��ت اجلندية مظهراً مشرفاً للشعوب‪ ،‬وكان‬
‫فن احل��رب يعتمد على الفطنة الفطرية للقادة وال��زع�م��اء‪ ،‬وكانت‬
‫امل�ش��اة حتتل ال�ق��وة الرئيسية ف��ي اجل�ي��وش‪ ،‬التي متيزت بالتنظيم‬
‫ال�ع�س�ك��ري وال�ض�ب��ط وال��رب��ط ال�ع��ال��ي‪ ،‬وس�ج��ل ال�ت��اري��خ ال�ع��دي��د من‬
‫األفكار اإلستراتيجية للقادة القدماء‪ ،‬واستخدامهم إلستراتيجية‬
‫االقتراب املباشر وغير املباشر‪ ،‬وأساليب اخل��داع‪ ،‬على رغم عدم‬
‫انتشارها خالل تلك العصور‪ ،‬حيث كان يحكم احل��روب عندها ما‬
‫يسمى «بقانون املعركة»‪ ،‬وهو قانون يعبر في مجمله عن إستراتيجية‬

‫‪260‬‬
‫االقتراب املباشر‪.‬‬

‫وإذا تعرضنا للحضارة املصرية القدمية‪ ،‬كمثال‪ ،‬جند أن هناك‬


‫العديد من فراعنة مصر‪ ،‬طبقوا إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪،‬‬
‫وك��ان أبرزهم امللك سيرخيت عند غ��زوه لسيناء عام ‪ 3370‬ق‪.‬م‪،.‬‬
‫وامللك زوسر حوالي عام ‪ 2900‬ق‪.‬م‪ .‬في حمالته لصد غزوات البدو‬
‫من الشرق والزنوج من اجلنـوب‪ ،‬وأحمس في حملتـه لطـرد الهكسوس‬
‫من مصر عام ‪1580‬ق‪ .‬م‪ ،.‬وحتتمس الثالث في إستراتيجيته الكبرى‪،‬‬
‫عندما وجه ضربة رئيسية إلى البالد اآلسيوية‪ ،‬في معركة مجدو‬
‫عام ‪ 1447‬ق‪.‬م‪ ،‬بقيادته‪ ،‬وضربة أخرى إلى احلدود املتاخمة ملصر‬
‫اجلنوبية‪ ،‬مؤخرة مصر‪ ،‬وتطبيقه إلستراتيجية االقتراب غير املباشر‬
‫في مرحلة التقدم إلى مجدو‪ ،‬واختياره الطريق الصعب األقصر عبر‬
‫اجلبال‪ ،‬وجتنبه حمل��اور التقدم األخ��رى السهلة واملنبسطة‪ ،‬والذي‬
‫حقق له املفاجأة ضد ق��وات احليثيني وحلفائهم‪ ،‬وحصاره حلصن‬
‫يافا بدالً من قتال العدو فيه‪ ،‬وتظاهره بالتسليم‪ ،‬جلذب العدو خارج‬
‫احلصن‪ ،‬ثم تدميره في األرض املفتوحة‪ ،‬وبرز أيضا عند قتاله للعدو‬
‫في مجدو‪ ،‬واتخاذه تشكيل قتال يحقق حصار العدو‪ ،‬وقطع خطوط‬
‫مواصالته م��ن الشمال‪ ،‬وحرمانه م��ن أي إج ��راءات وت�ع��زي��زات من‬
‫قواته في الشمال‪ ،‬أو إمكانية انسحاب العدو شماالً‪ .‬وهناك أيضاً‬
‫رمسيس الثاني في حملته على ق��ادش عام ‪ 1285‬ق م‪ ،‬التي تعبر‬
‫عن عظمة الفكر اإلستراتيجي‪ ،‬سنختار لهذه احلملة لتكون منوذجاً‬
‫عن تطبيق إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ ،‬نظراً ملا تتميز به من‬
‫تفصيالت مسجلة على وثائق أصلية صحيحة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عملية قادش (عام ‪ 1285‬ق‪.‬م‪:).‬‬

‫أ ‪ -‬تُ عد عملية قادش‪ ،‬من وجهة نظر فن احلرب‪ ،‬مكملة ملا‬

‫‪261‬‬
‫قام به حتتمس الثالث عام ‪ 1447‬ق‪ .‬م‪ ،.‬ومن املعارك الهامة في‬
‫التاريخ‪ ،‬حيث ق��ام رمسيس الثاني ببناء جيش ق��وي قوامه حوالي‬
‫‪ 30.000‬رج��ل اض��اف��ة إل��ى ‪ 5000‬مركبة‪ ،‬ل��م يعرف ال�ت��اري��خ هذا‬
‫ال ف��ي أرب��ع ف��رق (أم��ون‪ ،‬رع‪ ،‬ب�ت��اح‪ ،‬سوتخ)‪،‬‬
‫احلجم م��ن قبل‪ ،‬مشك ً‬
‫أما قوات احليثيني فكانت حوالي ‪ 20.000‬رجل اضافة إلى ‪3500‬‬
‫مركبة‪ ،‬مشكلة في كتائب وسرايا‪.‬‬

‫ب ‪ -‬املراحل الرئيسية‪:‬‬

‫(‪ )1‬مرحلة اإلعداد للحرب‪:‬‬

‫(أ) جتلى الفكر اإلستراتيجي‪ ،‬عند رمسيس الثاني‪ ،‬عندما‬


‫ق��ام بحملة ع��ام ‪1286‬ق م‪ ،‬قبل احلملة الرئيسية على‬
‫ق ��ادش ب �ع��ام‪ ،‬لتدمير ال �ع��دو ف��ي منطقة ن�ه��ر ليسيوس‬
‫(حوالي ‪12‬كم شمال بيروت) بهدف جتهيز قاعدة عمليات‬
‫متقدمة خلدمة عملياته املقبلة‪.‬‬

‫(ب) إعالن التعبئة العامة‪ ،‬وجتميع اجليش في سهول مصر‪.‬‬

‫(‪ )2‬مرحلة التقدم إلى فينيقيا‪:‬‬

‫عبرت احلملة املصرية حدود مصر من جنوب العريش ‪ -‬بئر سبع‬


‫‪ -‬حبرون ‪ -‬غزه ‪ -‬مجدو ‪ -‬صور وصيدا‪ ،‬ثم اجتهوا شرقاً عبر أراضى‬
‫صعبة في جبل لبنان‪ ،‬حتى وصلوا إلى منطقة وادي العاصي ثم قادش‬
‫في اليوم الثالثني للحملة‪ ،‬وكان معدل السير حوالي ‪ 20‬كم‪ /‬يوم‪.‬‬

‫(‪ )3‬مرحلة إدارة العملية‪:‬‬

‫(أ) قام احلثيون باملناورة بقواتهم شرق قادش‪ ،‬وقام رمسيس‬

‫‪262‬‬
‫بإقامة معسكر لفرقة آمون شمال شرق قادش‪ ،‬واستمرار‬
‫تقدم فرقة رع جنوب غرب قادش‪ ،‬مع وجود فرقة بتاح‬
‫جنوب شابتون‪ ،‬وفرقة سوتخ متقدمة في العمق‪.‬‬

‫(ب) ق��ام احلثيون بهجوم خاطف بعربات القتال ض��د فرقة‬


‫رع املتقدمة‪ ،‬وواص�ل��وا هجومهم شماال في اجت��اه فرقة‬
‫آمون‪ ،‬وقرر رمسيس القيام بهجوم مضاد ناجح في اجتاه‬
‫الغرب‪ ،‬وفشل احليثيون في تنفيذ ست هجمات مضادة‪،‬‬
‫وبعد وص��ول فرقة بتاح حتسن موقف رمسيس‪ ،‬وأمكن‬
‫هزمية ال�ع��دو وإج�ب��اره على ال��دخ��ول ف��ي حصن قادش‪.‬‬
‫واستمر رمسيس في حصار حصن قادش‪ ،‬وعقد صلحاً‬
‫معهم بعد حوالي ‪ 18‬عاماً‪ ،‬صلح املساء‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تطبيقات إستراتيجية الهجوم غير املباشر‪:‬‬

‫(‪ )1‬إن ما قام به رمسيس الثاني في االستيالء على قاعدة‬


‫عمليات متقدمة بالقرب من بيروت‪ ،‬قبل عملية قادش‬
‫الرئيسية بعام‪ ،‬يعد أح��د األساليب اإلستراتيجية غير‬
‫امل�ب��اش��رة‪ ،‬لتحقيق أه��داف إستراتيجية م�ب��اش��رة وغير‬
‫مباشرة‪ ،‬من حيث كونها قاعدة ارتكاز للعمليات املقبلة‪،‬‬
‫ال معنوياً ضد اخلصم‪.‬‬‫تكتيكياً وإدارياً‪ ،‬وعام ً‬

‫(‪ )2‬اختيار رمسيس الثاني طرق تقدم صعبة في الوصول إلى‬


‫منطقة مجدو وعبور املنطقة اجلبلية ش��رق جبيل‪ ،‬يعد‬
‫أسلوب اقتراب غير مباشر لتحقيق املفاجأة‪.‬‬

‫(‪ )3‬اس�ت�خ��دام احليثيني عامل اخل��داع ف��ي تضليل رمسيس‬


‫ال�ث��ان��ي‪ ،‬بإعطائه معلومات خاطئة ع��ن حت��رك قواتهم‪،‬‬

‫‪263‬‬
‫وأسلوب املناورة امليدانية املستورة لقوات احليثيني من‬
‫شمال قادش إلى شرقها‪ ،‬وتوجيه ضربة جانبية لقوات‬
‫ال بارعاً لنجاح أعمال القتال‪.‬‬
‫رمسيس كل ذلك يعد عم ً‬

‫(‪ )4‬استخدام رمسيس الثاني جيشاً كبيراً‪ ،‬وتشكيله في فرق‬


‫كبيرة مزودة بأحدث األسلحة اعتماداً على قوة الصدمة‬
‫وإرهاب اخلصم‪.‬‬

‫(‪ )5‬على رغم حصار فرقة آمون شمال شرق قادش بواسطة‬
‫احليثيني‪ ،‬ق��ام رمسيس ب��إع��ادة جتميع ق��وات��ه اخلفيفة‬
‫احلركة وتوجيه ضربة مضادة قوية في مواجهة ضيقة إلى‬
‫جناح احليثيني الضعيف‪ ،‬والتي غيرت مجرى احلوادث‬
‫لصالح رمسيس‪.‬‬

‫(‪ )6‬جلوء رمسيس إلى حصار قادش بعد نهاية العملية‪ ،‬يعد‬
‫لا إستراتيجياً غير مباشر ل�ل��وص��ول إل��ى صلح مع‬
‫ع�م� ً‬
‫األعداء‪ ،‬بدالً من تدميرهم‪.‬‬

‫‪ - 2‬احلروب اإلغريقية (‪ )323 - 500‬ق‪.‬م‪:.‬‬

‫ارت�ب��ط تكوين وظ�ه��ور اجليش ف��ي أثينا‪ ،‬مب��ا ح��دث م��ن حتول‬
‫اجتماعي وعسكري في املجتمع خالل القرن السادس ق‪.‬م‪ ،.‬ويرجع‬
‫عصر امل��دن‪ ،‬التي اعتبرت نفسها دول��ة مستقلة ف��ي ال�ي��ون��ان‪ ،‬إلى‬
‫القرون (‪ )6 - 8‬ق‪.‬م‪ .‬وكان أقوى هذه املدن أثينا وإسبرطة‪ ،‬وشهدت‬
‫القرون ( ‪5‬ـ‪ )4‬ق‪.‬م‪ .‬عظمة احلضارة اليونانية عقب هزمية الفرس‪.‬‬
‫وظهر تفوق اإلغريق في فنون احلرب والتنظيمات العسكرية‪ ،‬واإلبداع‬
‫ف��ي تطبيقات االق �ت��راب غير املباشر‪ ،‬على مستوى اإلستراتيجية‬
‫واإلستراتيجية العليا‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫أ ‪ -‬موقعة ماراثون‪ 490( :‬ق‪.‬م‪:).‬‬

‫(‪ )1‬تعرضت ال�ي��ون��ان لغزو ف��ارس��ي م��ن ال�ش��رق‪ ،‬ف��ي منطقة‬


‫سهل ماراثون‪ ،‬على مسافة ‪28‬كم من أثينا‪ ،‬وكانت فكرة‬
‫اجليش الفارسي مبنية على عملية إن��زال عند ماراثون‬
‫لتكون ج��زءاً من عملية برمائية‪ ،‬وضعت جلذب اجليش‬
‫اليوناني‪ ،‬بعيداً عن أثينا‪ ،‬واالستيالء على أثينا بالطابور‬
‫اخلامس من داخلها‪ ،‬إضافة إلى قوة فارسية أخرى أنزلت‬
‫في منطقة فالريوم‪.‬‬

‫(‪ )2‬وع�ل��ى رغ��م ت�ف��وق ال�ف��رس ف��ي اإلم�ك��ان�ي��ات‪ ،‬ف��إن القوات‬


‫اليونانية أحلقت بها هزمية كبيرة‪ ،‬بفضل فن احلرب عند‬
‫اليونان‪ ،‬وتطبيقاتهم إلستراتيجية الهجوم غير املباشر‪:‬‬

‫(أ) جناح اإلغريق في إضعاف التفوق الفارسي في اخليالة‪،‬‬


‫ب��اس �ت �غ�لال اخل� ��واص ال�ق�ت��ال�ي��ة ل �ل �ق��وات‪ ،‬خ��اص��ة املشاة‬
‫الثقيلة‪.‬‬

‫(ب) ق�ي��ام اإلغ��ري��ق بهجوم م��ن اجل�ن��اح�ين‪ ،‬ض��رب��ات جانبية‪،‬‬


‫باستخدام ق��وات خفيفة احل��رك��ة م��ن امل�ش��اة واخليالة‪،‬‬
‫ومدربة جيداً على االقتحام‪ ،‬مما حقق تطويق القوات‬
‫الفارسية وحسم املعركة لصالح اإلغريق‪.‬‬

‫ب ‪ -‬احلرب البلوبونيزية‪ )404 - 431( :‬ق‪ .‬م‪:.‬‬

‫(‪ )1‬استمرت احلرب مدة ‪ 27‬عاماً‪ ،‬وكان النزاع على السيادة‬


‫ب�ين أث �ي �ن��ا وإس �ب��رط��ة‪ ،‬وان��ع��دم ف�ي�ه��ا حت��دي��د األه���داف‬
‫اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫(‪ )2‬كانت إستراتيجية قائد جيش أثينا تعتمد على جتنب‬
‫االشتباك ال�ب��ري‪ ،‬واس�ت�خ��دام التفوق البحري اليوناني‬
‫بشكل أفضل‪ ،‬وقتل رغبة العدو الهجومية‪ ،‬بسلسلة من‬
‫اإلغ ��ارات التخريبية‪ ،‬وتُ�ع��د ف��ي ح��د ذات�ه��ا إستراتيجية‬
‫عالية‪ ،‬هدفها تفتيت قوة العدو باستمرار‪ ،‬حتى يصل إلى‬
‫مرحلة العجز عن رد الفعل‪ .‬ولم تنجح القوات اليونانية‬
‫في حتقيق النصر‪ ،‬النتشار الطاعون في أثنيا‪.‬‬

‫(‪ )3‬وف��ي مجال اإلستراتيجية العليا للهجوم غير املباشر‪،‬‬


‫ق��ام��ت ال �ق��وات ال�ي��ون��ان�ي��ة بعملية ض��د س �ي��راك��وز مفتاح‬
‫صقلية‪ ،‬التي كانت مصدر املواد التموينية لإلسبارطيني‬
‫وذلك في إطار التهديد االقتصادي واملعنوي للعدو‪.‬‬

‫كان من نتائج احلرب البلوبونيزية سقوط إمبراطورية أثنيا‪،‬‬


‫وبداية مرحلة جديدة في تاريخ اليونان‪ ،‬واستقلت طيبة عن إسبرطة‪،‬‬
‫وبدأت طيبة تأخذ طريقها إلى القمة بفضل «إيبامينونداس» القائد‬
‫الطيبي‪ ،‬ال��ذي أح��دث ث��ورة ف��ي إستراتيجية الهجوم غير املباشر‬
‫ووض��ع قواعد قتالية عظيمة‪ ،‬م��ازال��ت مستخدمة حتى اآلن‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها‪:‬‬

‫(‪ )1‬اس �ت �خ��دام أك �ث��ر م��ن م �ح��ور ل�ل�ت�ق��دم واالق� �ت ��راب‪ ،‬محاور‬
‫متفرقة‪ ،‬واالقتراب إلى الهدف‪ ،‬مبا يحقق إخفاء وخداع‬
‫العدو عن الهدف الرئيسي‪ ،‬وأي�ض�اً حت��رك ال�ق��وات في‬
‫اجت��اه معني ث��م التحول نحو ال�ه��دف الرئيسي ـ مفهوم‬
‫االقتراب غير املباشر إلى الهدف‪.‬‬

‫(‪ )2‬التوزيع غير املتساوي للقوات على املواجهة‪ ،‬إذ ال ميكن‬

‫‪266‬‬
‫أن تكون قوياً في كل مكان‪ ،‬وإذا حاولت ذلك فستكون‬
‫ضعيفاً في كل مكان‪.‬‬

‫(‪ )3‬حشد القوات في اجتاه الضربة الرئيسية‪ ،‬إلحراز التفوق‬


‫على العدو في هذا االجتاه‪ ،‬أي تركيز التجميع الرئيسي‬
‫للقوات في االجتاه أو القطاع احلاسم‪.‬‬

‫بعد وفاة إيبامينونداس عام ‪ 362‬ق‪.‬م‪ ،.‬بدأ زوال القوة السياسية‬


‫لطيبة‪ ،‬وفرضت مقدونيا سيطرتها على اليونان‪ ،‬بفضل فيليب الثاني‬
‫(‪ )336 - 382‬ق‪.‬م‪ .‬الذي كان بارعاً في اخل��داع‪ ،‬وإخفاء أهدافه‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬عند حتريك القوات‪ ،‬املناورة واملفاجأة للقوات على‬
‫املستوى اإلستراتيجي والتكتيكي‪ ،‬وحققت إستراتيجيته لالقتراب‬
‫غير املباشر‪ ،‬سيطرته على اليونان وبالد الفرس‪ ،‬واستكمل فتوحات‬
‫ابنه اإلسكندر املقدونى‪ ،‬ذو العبقرية العسكرية الفذة‪ ،‬واالنتصارات‬
‫السياسية والعسكرية الهائلة‪.‬‬

‫استمر الغزو املقدوني للشرق عشرة أعوام (‪ )324 - 334‬ق‪.‬م‪.‬‬


‫وخالل الغزو قطع اجليش املقدوني (‪ )20‬ألف كم‪ ،‬وخاض العديد‬
‫م��ن امل�ع��ارك‪ ،‬وجتلت إستراتيجية الهجوم غير املباشر ف��ي معركة‬
‫جوكيماال (‪ )331‬ق‪.‬م‪ ،.‬حيث انهزم فيها الفرس على رغم تفوقهم‬
‫املضاعف في قوتهم العسكرية‪ .‬تلخصت فكرة املوقعة لإلسكندر‬
‫في توجيه الضربة الرئيسية إل��ى اجلناح األمي��ن بواسطة فرسان‬
‫مختارين بالتعاون مع ضربة املشاة الثقيلة باملواجهة وتدمير العدو‬
‫الفارسي‪ ،‬وبرز في املوقعة اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ط�ب��ق اإلس �ك �ن��در إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة إي�ب��ام�ي�ن��ون��داس اخلاصة‬


‫بالتوزيع غير املتساوي للقوات على امل��واج�ه��ة‪ ،‬وتركيز‬

‫‪267‬‬
‫اجلهود في اجتاه الضربة الرئيسية‪.‬‬

‫(‪ )2‬ظهر ف��ي املوقعة ال�ت�ع��اون الوثيق ب�ين امل�ش��اة والفرسان‬


‫وال��وح��دات املختلفة لتشكيل ال �ق �ت��ال‪ ،‬وأي �ض��ا التعاون‬
‫الوثيق بني الضربات األمامية‪ ،‬قوات الهجوم باملواجهة‪،‬‬
‫والضربات اجلانبية‪ .‬وزاد اخلط الثاني من عمق تشكيل‬
‫القتال‪ ،‬وهذا ما ميكن اعتباره صورة من صور خلق النسق‬
‫الثاني واالحتياط‪.‬‬

‫‪ - 3‬احلروب الرومانية‪:‬‬

‫لقد كانت روما أقوى دولة في البحر املتوسط‪ ،‬وكان فن احلرب‬


‫�ال م��ن التطور‪ ،‬ولعبت احل��رب ب�ين روما‬
‫ال��روم��ان��ي على مستوى ع� ٍ‬
‫وقرطاجنة‪ ،‬وخاصة معارك هانيبال‪ ،‬دوراً حاسماً في تاريخ أوروبا‪.‬‬

‫لقد كان هانيبال قائداً بارعاً عندما غزا إيطاليا (‪218‬ق‪.‬م‪،).‬‬


‫في اختياره للطريق البرى الطويل والصعب وغير املباشر‪ ،‬بدالً من‬
‫الطريق البحري املباشر‪ .‬وجتنبه االستيالء على روما‪ ،‬ملا تتميز به من‬
‫معاد لروما‪ ،‬من مدن جنوب‬ ‫حتصينات قوية‪ ،‬وقرر عزلها وخلق حلف ٍ‬
‫إيطاليا والوصول إلى شواطئ البحر املتوسط ليحقق االتصال بحراً‬
‫بقرطاجنة‪ .‬ويبرز لنا أيضاً إستراتيجية هانيبال في معركة كاني‬
‫(‪ )216‬ق‪.‬م‪ .‬ضد الرومان‪ ،‬في توجيه الضربات اجلانبية احلاسمة‪،‬‬
‫وضربات مؤخرة املشاة الرومانية بفرسانه الثقيلة‪ ،‬وهذا ما حقق‬
‫لهانيبال حصار وتدمير اجليش الروماني كامالً‪.‬‬

‫ومع مضي الزمن حتسن موقف الرومان‪ ،‬ومت إجراء إصالحات‬


‫واسعة للقوة العسكرية (‪ )107‬ق‪.‬م‪ .‬ونتيجة للصراعات الداخلية‬
‫لإلمبراطورية الرومانية تولى احلكم قيصر وب��وم�ب��ي‪ ،‬وكراسس‪،‬‬

‫‪268‬‬
‫ال عاماً‪ ،‬ونشأ ص��راع بني‬ ‫وفي عام (‪ )59‬ق‪.‬م‪ .‬أصبح قيصر قنص ً‬
‫قيصر وبومبي في معركة فارسالي عام (‪ )48‬ق‪.‬م‪ ،‬التي ظهر فيها‬
‫إستراتيجية االق �ت��راب غير امل�ب��اش��ر م��ن قيصر وق ��واده ف��ي مجال‬
‫االحتفاظ باالحتياطي واستخدامه‪ ،‬حيث احتفظ بقوتني احتياطيتني‬
‫ف��ي العمق‪ ،‬وك��ان��ت مهمته الرئيسية تدمير ال�ع��دو‪ ،‬وذل��ك باملناورة‬
‫باالحتياطي وتغيير اجتاهه ملواجهة فرسان بومبي‪ ،‬مما حقق عامل‬
‫املفاجأة وحسم املوقف‪ ،‬وكانت اهتمامات قيصر يدخل فيها احملاوالت‬
‫املستمرة لتدمير معنويات الوحدات املعادية‪.‬‬

‫‪ - 4‬احلروب البيزنطية‪1068 - 527( :‬م)‪:‬‬

‫بعد وف��اة يوليوس قيصر‪ ،‬ب��دأت اإلمبراطورية الرومانية في‬


‫االض �م �ح�لال‪ ،‬ال��ذي اس�ت�م��ر خمسة ق ��رون‪ ،‬وت��اب�ع��ت اإلمبراطورية‬
‫الرومانية بقاءها حتت شكل آخر ملدة نحو ‪1000‬عام‪ .‬ويعود طول‬
‫ح�ي��اة اإلم�ب��راط��وري��ة البيزنطية إل��ى قسطنطني األك �ب��ر‪ ،‬ال��ذي نقل‬
‫العاصمة من روما إلى بيزنطة‪ ،‬القسطنطينية عام ‪330‬م‪ ،‬وحتول‬
‫العالم الروماني عام ‪364‬م إلى إمبراطورية في الشرق‪ ،‬وأخرى في‬
‫الغرب‪ .‬في أواسط القرن السادس قام قادة بيزنطة أيام جوستنيان‬
‫باالستيالء على أفريقيا وإيطاليا وأسبانيا اجلنوبية‪ ،‬وانتصر على‬
‫الفرس والفاندال والغوط الشرقيني‪.‬‬

‫إن ان �ت �ص��ارات جوستينيان ت �ع��ود إل��ى ق ��ادة ج�ي��وش��ه بيليزير‬


‫ون��ارس�ي��س‪ ،‬وك��ان بيليزير ل��ه فكر وإستراتيجية خاصة ف��ي مجال‬
‫االقتراب غير املباشر‪ ،‬وحقق انتصارات كثيرة في املعارك‪ .‬واشتملت‬
‫أفكاره على اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬كانت إستراتيجيته دفاعية هجومية‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫(‪ )1‬ن �ظ��راً لضعف ق��وة ج�ي�ش��ه‪ ،‬ك��ان ه�ن��اك ت�ف��وق دائم‬
‫ألعدائه بنسبة ‪ 2‬إلى ‪ ،1‬ووصلت أحياناً إلى نسبة‬
‫‪ 10‬إلى ‪ 1‬لصالح أعدائه‪ ،‬في كل املعارك‪ ،‬استخدم‬
‫ال��دف��اع بشكل من��وذج��ي‪ ،‬واس�ت�غ��ل األرض لتأمني‬
‫األج �ن��اب‪ ،‬أو ح�ف��ر اخل �ن��ادق ف��ي م��واج�ه��ة الدفاع‬
‫إلجبار اخلصم على الهجوم من اجتاهات محددة‬
‫طبقاً خلطته‪.‬‬

‫(‪ )2‬صد واستنزاف هجمات العدو‪ ،‬والتأثير على روحه‬


‫املعنوية‪.‬‬

‫(‪ )3‬استغالل سرعة احلركة‪ ،‬معظم قواته من اخليالة‪،‬‬


‫وشجاعة قواته في توجيه الضربات اجلانبية للعدو‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الضغط على اخل�ص��م‪ ،‬وت��دم�ي��ر خ�ط��وط م��واص�لات��ه في‬


‫العمق اإلستراتيجي‪ ،‬وطبق بيليزير ه��ذا األس�ل��وب في‬
‫معركته ضد الفرس عام ‪540‬م‪ ،‬عندما كان القتال على‬
‫شاطئ البحر األس��ود‪ ،‬قام بيليزير بالتعاون مع حلفائه‬
‫بتوجيه إغارات قوية على الفرس وخطوط مواصالتهم‪،‬‬
‫على طول نهر دجلة حتى حدود أشور‪.‬‬

‫ج ‪ -‬جلأ إلى اخل��داع في بعض معاركه؛ إليهام الفرس بقوة‬


‫جيشه واحتالله أوضاعاً يهدد جنب الفرس مادياً ويؤثر‬
‫عليهم معنوياً‪ ،‬مما أدى إلى انسحاب جيش الفرس بأقل‬
‫تكاليف‪.‬‬

‫د ‪ -‬ال��دع��وة إل ��ى ت �س��وي��ة ال �ن��زاع��ات ب��امل �ب��اح �ث��ات السلمية‪،‬‬


‫واستبدال السلم باحلرب‪ ،‬وذلك في إحدى معاركه عام‬

‫‪270‬‬
‫‪530‬م م��ع ال �ف��رس‪ ،‬على رغ��م حتصنه وجتهيز اجليش‬
‫للمعركة‪ ،‬وكان ذلك قبيل يوم نصره الكبير األول‪.‬‬

‫كان نارسيس أحد قواد بيليزير‪ ،‬وأظهر مهارة فائقة في معاركه‪،‬‬


‫وحصل على جيش قوي مجهز جتهيزاً جيداً من جوستنيان‪ ،‬ولم يختلف‬
‫كثيراً عن بيليزير في تطبيقاته إلستراتيجية االقتراب غير املباشر‪،‬‬
‫وتوالى القادة على اإلمبراطورية البيزنطية وأخ��ذت بني االنكماش‬
‫واالتساع‪ ،‬إلى أن تالشت عام ‪1068‬م على أيدي األتراك‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬احلروب اإلسالمية (العام األول الهجري ‪ 622‬م‪/‬‬


‫عام ‪10‬هـ ‪ 62‬م)‬

‫إن املنهج اإلس�لام��ي‪ ،‬وف��ر للقوة العسكرية اإلس�لام�ي��ة‪ ،‬قوة‬


‫روحية‪ /‬معنوية‪ ،‬وقوة فكرية‪ ،‬وقوة مادية‪ ،‬إضافة إلى قيمة مضافة‬
‫من القوة الروحية للمسلمني‪ ،‬وعلى رغم أن فن احلرب اإلسالمي‪ ،‬بدأ‬
‫متواضعاً فإنه تطور بشكل سريع ورائع مع بداية احلروب اإلسالمية‪،‬‬
‫حيث قاد الرسول [‪ ،‬وأصحابه حوالي (‪ )75‬مهمة قتالية تكتيكية‬
‫وتعبوية وإستراتيجية‪ ،‬على مدى عشر سنوات‪ ،‬وضح خاللها أسس‬
‫فن احل��رب‪ ،‬وقد برز فيها دور السياسة العسكرية اإلسالمية في‬
‫حتقيق األهداف‪ ،‬وتنوع أساليب اإلستراتيجية العسكرية‪ ،‬وتطور فن‬
‫وأساليب القتال‪ ،‬وتفتيت وعزل القوة املعادية‪ ،‬واحلرص على كسب‬
‫سالم أفضل‪ ،‬يسمح بتوسيع قاعدة اإلسالم‪.‬‬

‫بعد هجرة ال��رس��ول [‪ ،‬إل��ى ي�ث��رب‪ ،‬واس�ت�ق��رار أم��ر اإلسالم‬


‫بها‪ ،‬ف��رض الله عليهم اجل�ه��اد‪ ،‬فبدأت مرحلة جديدة في التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ .‬وكانت الغزوات والسرايا‪ ،‬بلغت (‪ )28‬غزوة‪ ،‬وبعث (‪)47‬‬
‫سرية‪ ،‬وكانت الغزوات بقيادة الرسول [‪ ،‬أما السرايا فكان يقودها‬

‫‪271‬‬
‫أح��د ق��ادت��ه‪ ،‬وكانت األع�م��ال القتالية للغزوات تبدأ بدفع السرايا‬
‫للعمل بصفة دوري��ات لالستطالع‪ ،‬أو أعمال اإلغ��ارة والكمائن‪ ،‬أو‬
‫الدعوة اإلسالمية‪ .‬وكان الهدف منها يشمل اآلتي‪:‬‬

‫استطالع األرض وحتديد الطرق واملسالك‪ ،‬التي تؤدي‬ ‫< ‬


‫إل��ى املدينة ومكة‪ ،‬وأماكن آب��ار املياه‪ ،‬وحتديد الهيئات‬
‫احليوية املسيطرة على طرق االقتراب املختلفة‪.‬‬

‫استطالع حال القبائل‪ ،‬ودعوتها لإلسالم‪ ،‬أو عقد حتالف‬ ‫< ‬


‫وصداقة معها‪.‬‬

‫إشعار املشركني واليهود‪ ،‬بقوة املسلمني‪ ،‬وقدرتهم على‬ ‫< ‬


‫صد أي عدوان ‪ -‬الردع املعنوي‪.‬‬

‫تأمني قاعدة اإلسالم في يثرب‪ ،‬من أي أعمال مفاجئة‬ ‫< ‬


‫قد يقوم بها اليهود واملشركون‪.‬‬

‫وكان للحروب اإلسالمية‪ ،‬طابعها املميز‪ ،‬في تطبيق إستراتيجية‬


‫الهجوم غير املباشر بأساليب مختلفة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ال تعزيز للفشل‪:‬‬

‫وظهر في غزوة الطائف (شوال ‪8‬هـ ‪ /‬فبراير ‪630‬م) عند قيام‬


‫الرسول [‪ ،‬رفع احلصار عن حصون الطائف‪ ،‬بعد أن شن املسلمون‬
‫عدة هجمات غير ناجحة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التخلص املنظم من العدو املتفوق جتنبا للهزمية‪:‬‬

‫أقر الرسول [‪ ،‬تخلص سرية خالد بن الوليد (جمادي األولى‬

‫‪272‬‬
‫‪ 8‬هـ ‪ -‬سبتمبر ‪629‬م) في مؤتة‪ ،‬من ع��دو متفوق ع��ددي�اً‪ .‬ودفاع‬
‫الرسول‪ ،‬صلى الله عليه وسلم عن خالد بن الوليد الذي نظم هذا‬
‫التخلص‪ ،‬ووصفه بأنه كرُّ‪ ،‬أي ارتداد منظم‪ ،‬وليس فراً‪.‬‬

‫ج ‪ -‬املناورة باجلهود وتركيزها ضد مراكز ثقل العدو‪:‬‬

‫ومت تنفيذ هذا األسلوب في العديد من العمليات اإلسالمية‪،‬‬


‫خاصة غزوة خيبر (‪ 7/1‬هـ ‪628/5 -‬م)‪.‬‬

‫د ‪ -‬مفاجأة العدو بأساليب قتالية جديدة‪:‬‬

‫برزت في أعمال قتال املسلمني في موقعة بدر (رمضان ‪2‬هـ‬


‫‪ -‬م��ارس ‪624‬م)‪ ،‬وغ��زوة اخلندق واألح��زاب (ش��وال ‪ 5‬هـ ‪ -‬مارس‬
‫‪627‬م)‪.‬‬

‫‪ - 1‬موقعة بدر الكبرى‪( :‬رمضان ‪ 2‬هـ ‪ -‬مارس ‪:)624‬‬

‫أ ‪ -‬ق��ام ال��رس��ول [‪ ،‬بدفع ع��دد (‪ )8‬س��راي��ا ف��ي اجتاهات‬


‫مختلفة قبل معركة بدر‪ ،‬بهدف االستطالع‪ ،‬وتهديد طرق‬
‫جتارة قريش‪ ،‬ومطاردة املشركني‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ك��ان ال �ه��دف م��ن ح�م�ل��ة ال��رس��ول [‪ ،‬ف��ي ال �ب��داي��ة‪ ،‬هو‬


‫االستيالء على أموال أحد القوافل‪ ،‬وهزمية قريش‪.‬‬

‫ج ‪ -‬خرج املسلمون من املدينة في تشكيل مسير‪ ،‬يعد قمة في‬


‫تطور فن احلرب‪ ،‬يشمل حرس مقدمة‪ ،‬وقوات رئيسية‪،‬‬
‫وحرس مؤخرة‪ ،‬ويؤمن تشكيل التحرك بدوريات استطالع‬
‫أمام القوات وعلى أجنابها‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫د ‪ -‬متركزت قوة املسلمني في منطقة شرقي بدر‪ ،‬وأصبحت‬
‫امل�ي��اه حت��ت سيطرتهم‪ ،‬وف��ي م�ك��ان يسيطر على ميدان‬
‫قتال ورمي مناسب‪ ،‬واملنطقة تُعد شبـه مضيق ال يسمح‬
‫بالتطويق م��ن األج �ن��اب‪ ،‬وب��ذل��ك ت�ن�ع��دم م�ي��زة الفرسان‬
‫املشركني خاصة في ظروف تفوق املشركني‪ ،‬كانت املقارنة‬
‫في املقاتلني ‪ 0.3‬إلى ‪ 1‬وفي اخليل ‪ 0.01‬إلى ‪ ،1‬وفي‬
‫اإلبل ‪ 0.2‬إلى ‪ 1‬في صالح املشركني‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬تشكيل القتال‪.‬‬

‫(‪ )1‬املسلمون‪:‬‬

‫في نسق واح��د‪ ،‬من صفوف متراصة منظمة‪ ،‬أشبه بصفوف‬


‫املسلمني في الصالة‪ ،‬وتعمل في ثالث كتائـب‪ ،‬واالحتفـاظ بفصيلـة‬
‫احتياط‪ ،‬وتؤمن مركز القيادة‪.‬‬

‫(‪ )2‬املشركون‪:‬‬

‫تشكلت في قلب على قسمني من املشاة‪ ،‬وميمنة وميسرة من‬


‫الفرسان‪.‬‬

‫و ‪ -‬كانت خطة املسلمني‪ ،‬عدم البدء بالهجوم‪ ،‬والثبات وصد‬


‫هجوم املشركني‪ ،‬مع عدم استخدام السهام؛ إال بعد أن‬
‫تدنو قوات العدو‪ ،‬ثم تنهال السهام عليهم بكثافة عالية‪،‬‬
‫وتصيب أكبر عدد منهم‪ ،‬وتضعف من قوتهم‪ ،‬كما أن بقاء‬
‫املسلمني في ثباتهم يوفر لهم تأمني األجناب‪.‬‬

‫ز ‪ -‬وبدأت املعركة‪ ،‬وجنح املسلمني في صد الهجوم املعادي‬

‫‪274‬‬
‫أكثر من م��رة‪ ،‬وعندما فشلت هجمات املشركني وزادت‬
‫خسائرهم وفتر حماسهم‪ ،‬حتول املسلمني إلى الهجوم‪،‬‬
‫ف�ت�ف��رق امل �ش��رك��ون وول ��وا ب��ال �ف��رار ـ ع�ل��ى أث��ر ال �ه��زمي��ة ـ‬
‫إستراتيجية دفاعية هجومية‪.‬‬

‫ح ‪ -‬تطبيق إستراتيجية الهجوم غير املباشر‪.‬‬

‫(‪ )1‬االختيار املناسب لألرض‪ ،‬من حيث السيطرة على مصدر‬


‫املياه‪ ،‬وتأمني أجناب القوات‪.‬‬

‫(‪ )2‬اخ�ت�ي��ار التشكيل امل�ن��اس��ب ل�ل�م�ع��رك��ة‪ ،‬وال��وق��ت املناسب‬


‫للتحول للهجوم بعد جناح املسلمني في صد العدو‪ ،‬وهو‬
‫تعبير عن إستراتيجية دفاعية هجومية‪ ،‬واعتبر أسلوباً‬
‫جديداً للقتال في تلك الفترة‪.‬‬

‫‪ - 2‬ال �ف �ت��وح��ات اإلس�لام �ي��ة (ع ��ام ‪ 11‬ه �ـ ‪632 -‬م‪ /‬عام‬


‫‪100‬هـ ‪718 -‬م)‪:‬‬

‫ان�ط�ل�ق��ت ال�ف�ت��وح��ات اإلس�لام �ي��ة‪ ،‬أو م��ا أط �ل��ق عليها معجزة‬


‫ال�ف�ت��وح��ات لضخامتها‪ ،‬م��ن ن�ط��اق اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ة احمل���دودة بشبه‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬إلى آفاق إستراتيجية عاملية‪ ،‬استطاع املسلمون أن‬
‫يقهروا إمبراطوريتي الفرس والروم‪ ،‬ووصلت الفتوحات اإلسالمية‬
‫م��ن ال�ص�ين ش��رق��ا ح�ت��ى ح��دود ف��رن�س��ا غ��رب �اً‪ .‬وت�ص��اع��د م��د الفتح‬
‫اإلسالمي في عهد عمر بن اخلطاب ]‪ ،‬وأوائ��ل عهد عثمان بن‬
‫عفان ]‪ ،‬حتى أصبح الفتح طوفاناً عارماً‪.‬‬

‫حظيت مرحلة الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬على العديد من تطبيقات‬


‫إستراتيجية ال�ه�ج��وم غ�ي��ر امل�ب��اش��ر‪ ،‬ف��ي شكلها امل ��ادي أو املعنوي‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫‪275‬‬
‫أ ‪ -‬املفاجأة اإلستراتيجية واالقتراب غير املباشر‪:‬‬

‫ف��ي مسيرة خ��ال��د ب��ن ال��ول�ي��د م��ن ال �ع��راق إل��ى ال �ش��ام‪ ،‬معركة‬
‫اليرموك ‪15‬هـ‪636 /‬م‪ ،‬حيث انطلق من احليرة بالعراق إلى عني‬
‫أراض صعبة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫القمر ‪ -‬قراقر ‪ -‬سوى ‪ -‬تدمر ‪ -‬بصري‪ ،‬وذلك عبر‬
‫وقضى مسيرة (‪ )18‬يوماً‪ ،‬ومتجنباً املسير على الطريق السهل من‬
‫اجتاه اجلوف‪ ،‬فحقق بذلك مفاجأة الروم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬شل رماة العدو‪:‬‬

‫في موقعة ذات العيون‪ ،‬حاصر خالد بن الوليد‪ ،‬قوات الفرس‬


‫في حصن األنبار‪ ،‬والذين حفروا خندقاً مينع وصول املهاجمني إليهم‪،‬‬
‫وركزوا رماتهم املهرة في مشارف احلصن‪ ،‬عندها أمر خالد رماته‬
‫بتركيز رشقاتهم على عيون رماة الفرس‪ ،‬فأصابوا ألف عني منهم‪،‬‬
‫مما سهل له التقدم نحو احلصن واحتالله‪ ،‬وتغلب على اخلندق‪،‬‬
‫بعد نحر اجلمال الضعيفة‪ ،‬ووضعها في اخلندق‪ ،‬وجعل أجسادها‬
‫جسوراً عبر املسلمون عليها‪.‬‬

‫ج ‪ -‬استدراج العدو‪:‬‬

‫استخدم ه��ذا األس �ل��وب‪ ،‬النعمان ب��ن مقرن ف��ي معركته ضد‬
‫ال�ف��رس ف��ي ن�ه��اون��د‪ ،‬حيث حتصن ال�ف��رس داخ��ل امل��دي�ن��ة‪ ،‬وتظاهر‬
‫النعمان باالنسحاب‪ ،‬وعند مطاردة الفرس لهم‪ ،‬قام النعمان بالتحول‬
‫للهجوم وهزميتهم في العراء‪.‬‬

‫د ‪ -‬احلصار‪:‬‬

‫عند قتال عمرو بن العاص للروم في اإلسكندرية‪ ،‬وحتصن‬

‫‪276‬‬
‫الروم داخلها‪ ،‬فضل عمرو حصار املدينة‪ ،‬ملدة أربعة أشهر‪ ،‬سقطت‬
‫بعدها املدينة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬العمليات التشتيتية‪:‬‬

‫ظهرت بشكل واض��ح ف��ي ح��روب ال��ردة‪ ،‬عندما وج��ه اخلليفة‬


‫أب��و بكر ال�ص��دي��ق ]‪ ،‬أح��د عشر جيشاً لقتال امل��رت��دي��ن ف��ي كل‬
‫أنحاء اجلزيرة‪ ،‬بهدف حرمان القبائل املرتدة من االحت��اد وتنظيم‬
‫التعاون فيما بينهم‪ ،‬وتكرر ه��ذا األس�ل��وب‪ ،‬عندما أرس��ل الصديق‬
‫]‪ ،‬أربعة جيوش لفتح الشام‪ ،‬وكانت تعمل منفردة وتتجمع عندما‬
‫تصطدم بجيوش ضخمة‪ ،‬وك��ان��ت من��وذج�اً للمناورة اإلستراتيجية‬
‫وحرب احلركة‪.‬‬

‫‪ - 3‬معركة القادسية (‪ 16‬هـ‪637 /‬م)‪:‬‬

‫أ ‪ -‬تُ�ع��د معركة ال�ق��ادس�ي��ة‪ ،‬ذات أهمية خ��اص��ة‪ ،‬حيث إنها‬


‫فتحت ال�ع��راق وم��ن ث��م ب�لاد ال�ف��رس‪ ،‬حيث أرس��ل أمير‬
‫املؤمنني‪ ،‬عمر بن اخلطاب ]‪ ،‬جيشاً بقيادة سعد بن‬
‫أبى وقاص وأحرز نصراً ساحقاً‪.‬‬

‫ب ‪ -‬فكرة اجلانبني‪.‬‬

‫(‪ )1‬كانت فكرة ملك الفرس‪ ،‬منازلة املسلمني في القادسية‬


‫بجيش كبير ي�ق��ات��ل ف��ي م�ع��رك��ة ف��اص�ل��ة‪ .‬وع�ل��ى رغ��م أن‬
‫رستم قائد جيش الفرس أرادها أن تكون حرب استنزاف‬
‫للمسلمني‪ ،‬ومفاجأتهم بجيش بعد جيش‪ ،‬ثم يداهمهم في‬
‫معركة فاصلة بعد استنزافهم‪ ،‬فإن امللك متسك بخطته‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫(‪ )2‬وكانت فكرة سعد بن أبي وق��اص‪ ،‬في لقاء الفرس على‬
‫حدود أرضهم‪ ،‬احلدود بني العراق وشبه اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫واخ�ت��اروا القادسية ون��زال العدو في أعمال دفاعية ثم‬
‫التحول للهجوم ـ إستراتيجية دفاعية هجومية‪.‬‬

‫ج ‪ -‬إدارة أعمال القتال‪.‬‬

‫(‪ )1‬بدأت املعركة بهجوم للفرس نحو ميسرة املسلمون ومتكنت‬


‫الفيلة من اقتحام صفوف املسلمني‪ ،‬ومتكن املسلمون من‬
‫إيقافهم بعد عزل الفيلة عن اخليالة الفارسية‪.‬‬

‫(‪ )2‬ع��اود ال �ف��رس هجومهم ع�ل��ى م��دى أرب �ع��ة أي ��ام‪ ،‬ومتكن‬
‫املسلمون من وقف هجماتهم نتيجة لوصول قوات إضافية‪،‬‬
‫وبعد التغلب على مشكلة الفيلة من جيش الفرس باحليلة‬
‫وتركيز الهجمات عليها‪.‬‬

‫(‪ )3‬وبعد مقتل رستم قائد الفرس‪ ،‬في اليوم الرابع‪ ،‬حتول‬
‫جيش سعد للهجوم واختراق صفوف الفرس وهزميتهم‪.‬‬

‫د ‪ -‬تطبيقات إستراتيجية الهجوم غير املباشر‪.‬‬

‫(‪ )1‬اختيار املسلمني ملكان وتوقيت املعركة حفاظاً على املبادأة‬


‫واملفاجأة‪.‬‬

‫(‪ )2‬تبنى سعد ب��ن أب��ى وق��اص إستراتيجية دف��اع�ي��ة‪ ،‬لصد‬


‫الفرس واستنزافهم‪ ،‬ثم التحول إلى الهجوم ‪ -‬إستراتيجية‬
‫دفاعية هجومية‪ ،‬في ظروف التفوق العددي للفرس‪.‬‬

‫(‪ )3‬تركيز املسلمني اهتمامهم للقضاء على الفيلة‪ ،‬مركز ثقل‬

‫‪278‬‬
‫الفرس‪ ،‬بقطع سروجها‪ ،‬وقتل الفيل األبيض واألجرب‪،‬‬
‫حيث أنهم يقودان باقي الفيلة‪ ،‬وعزل الفيلة عن اخليالة‬
‫الفارسية‪.‬‬

‫(‪ )4‬اجتاه املسلمني إلى اخلداع باستخدام اجلمال املبرقعة‪،‬‬


‫متويه اجلمال باألقنعة لتبدو مثل الفيلة‪ ،‬والتي أثارت‬
‫الذعر في اخليول الفارسية‪.‬‬

‫(‪ )5‬املناورة باألهداف والتكتيك املتغير‪:‬‬

‫(أ) في اليوم األول كان الهدف الرئيسي هو هزمية مدرعات‬


‫العدو (الفيلة)‪.‬‬

‫(ب) في اليوم الثاني كان الهدف هو كسب الوقت حلني وصول‬


‫الدعم اإلسالمي‪.‬‬

‫(ج) في اليوم الثالث كان الهدف هو هزمية الفيلة واخليالة‬


‫الفارسية‪.‬‬

‫(د) في اليوم الرابع كان الهدف هو القضاء على جيش الفرس‬


‫وإنهاء املعركة بالتحـول للهجوم املضاد الشامل‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬حروب القرون الوسطى‪ :‬القرن (‪ )17 - 11‬م‬

‫تُ�ع��د م��رح�ل��ة ال �ق��رون ال��وس �ط��ى‪ ،‬قليلة ال�ت��أث�ي��ر بإستراتيجية‬


‫االق �ت��راب غير امل�ب��اش��ر‪ ،‬أو بفن احل��رب ع��ام��ة‪ ،‬وك��ان��ت ح��روب تلك‬
‫املرحلة‪ ،‬محدودة املهارة‪ ،‬وأهدافها اإلستراتيجية بسيطة ومباشرة‪،‬‬
‫ونتائجها غير حاسمة بشكل عام‪ ،‬مقارنة بحروب العصور السابقة‬
‫أو الالحقة لها‪ ،‬وإن تخللها بعض احلروب التي تتميز عن غيرها‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫أظهر النورمانديون براعة عظيمة في فن احلرب عام ‪1066‬م‪،‬‬
‫عند اجتياحهم إجنلترا بقيادة غليوم ال�ث��ان��ي‪ ،‬مستخدماً املناورة‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬واالقتراب غير املباشر‪ ،‬وظهر في معاركه اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬جذب العدو وقتاله في منطقة من اختيار غليوم الثاني‪،‬‬


‫مما حقق إبعاد ملك إنكلترا وجيشه عن إمداداته‪ ،‬وإطالة‬
‫خطوط مواصالته‪ ،‬إضافة إل��ى إدارة املعركة من حيث‬
‫الزمان واملكان الذي حدده غليوم الثاني‪.‬‬

‫‪ - 2‬اخل��داع باالنسحاب‪ ،‬ثم التحول املفاجئ للهجوم‪ ،‬حيث‬


‫تظاهر باالنسحاب وجذب القوات اإلنكليزية إلى مناطق‬
‫قتل مجهزة بالنبال والسهام من األجناب‪ ،‬وإنزال خسائر‬
‫ك�ب�ي��رة ف��ي ق ��وات امل �ط��اردة ث��م ال�ت�ح��ول ل�ل�ه�ج��وم املضاد‬
‫الشامل‪.‬‬

‫‪ - 3‬االس �ت �ي�لاء ع �ل��ى أه� ��داف غ �ي��ر م �ب��اش��رة ل�ت�ح�ق�ي��ق هدف‬


‫إستراتيجي مباشر‪ ،‬حيث ق��ام باالستيالء على أهداف‬
‫واسعة شمال وغرب لندن‪ ،‬التي استسلمت بعدها تخوفاً‬
‫من املجاعة‪ ،‬وذل��ك ب��دالً من الهجوم املباشر على لندن‬
‫احملصنة‪.‬‬

‫وفي حروب القرن (‪12‬م) أظهر النورمانديون براعة في تطبيق‬


‫أفكار غليوم الثاني بالتظاهر باالنسحاب والتحول للهجوم‪ ،‬وتوجيه‬
‫الهجمات على مؤخرات العدو‪ ،‬وأعمال الهجوم الليلي واستمرت‬
‫هذه األساليب غير املباشرة في حروب الفترة من القرن (‪ 13‬حتى‬
‫‪16‬م) وإن زاد عليها تدمير العدو بالتتالي وإضعاف مقاومة اخلصم‪،‬‬
‫إستراتيجية فابيوس‪ ،‬مع جتنب املعارك الرئيسية‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫وف��ي ج��ان��ب آخ��ر م��ن ال�ع��ال��م‪ ،‬ك��ان ال�ع��ال��م ال�ع��رب��ي اإلسالمي‪،‬‬
‫يصارع دول أوروب��ا في حروبها الصليبية‪ ،‬على أرض مصر والشام‬
‫منذ القرن احلادي عشر‪ ،‬وزخر التاريخ بالعديد من القادة العرب‬
‫األف ��ذاذ خ�لال ت�ل��ك ال�ف�ت��رة‪ ،‬م��ن أم �ث��ال ن��ور ال��دي��ن زن �ك��ي‪ ،‬الشهير‬
‫بالشهيد‪ ،)1173 - 1115( ،‬وال��ذي وحد بالد الشام ومصر ضد‬
‫الصليبيني‪ ،‬وأعاد تنظيم املسلمني وحرر أمارة الرها‪ ،‬وكان صالح‬
‫الدين األيوبي (‪ )1193 - 1137‬الذي اشتهر مبعركة حطني‪ ،‬وحترير‬
‫القدس‪ ،‬وكانت له أمجاده في فن احلرب وإستراتيجية االقتراب غير‬
‫املباشر‪ .‬ومن أمثلة تطبيقاتها اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬إن دعوة صالح الدين‪ ،‬حلث امللوك العرب على اجلهاد‬


‫للدفاع عن األراض��ي املقدسة‪ ،‬ما هي إال دع��وة لوحدة‬
‫القوى‪ ،‬خللق وضع أفضل‪ ،‬لتحرير األرض‪ ،‬ويأتي ذلك‬
‫ف��ي مجال اإلستراتيجية العليا لالقتراب غير املباشر‬
‫لتحقيق هدف سياسي عسكري‪.‬‬

‫‪ - 2‬إن التسامح وعدم التأثر من صفات صالح الدين األيوبي‪،‬‬


‫واستمرار عرضه للسالم مع األمراء الصليبيني‪ ،‬كل ذلك‬
‫يأتي أيضاً في إط��ار إستراتيجية عالية لالقتراب غير‬
‫املباشر في مكونها املعنوي‪.‬‬

‫‪ - 3‬املناورة اإلستراتيجية الواسعة‪ ،‬التي قام بها صالح الدين‬


‫عام ‪1186‬م‪ ،‬عندما دفع بقواته من السويس إلى إيالت‬
‫بقيادة حسام الدين لؤلؤ‪ ،‬الذي متكن من تدمير األسطول‬
‫الصليبي والتقدم في اجتاه أرض احلجاز‪.‬‬

‫‪ - 4‬جناح صالح الدين في جذب القوات الصليبية‪ ،‬خروجها‬

‫‪281‬‬
‫م��ن حتصيناتها ف��ي ص�ف��وري��ة بأحمالها الثقيلة واحلر‬
‫ال�ش��دي��د‪ ،‬إل��ى منطقة ح�ط�ين‪ ،‬حيث حكم ص�لاح الدين‬
‫جتهيزاته الدفاعية وسيطرته على مصادر املياه بها‪.‬‬

‫‪ - 5‬إحكام احلصار في منطقة حطني على القوات الصليبية‪،‬‬


‫واستخدام أساليب مبتكرة‪ ،‬مثل إشعال احلشائش خللق‬
‫جو من النار والدخان للقوات احملاصرة‪.‬‬

‫بينما فقد ال�غ��رب اع�ت�ب��اره اإلستراتيجي ف��ي ال�ق��رن (‪13‬م)‪،‬‬


‫قدمت شعوب الشرق مثاالً عن إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪،‬‬
‫والتي كانت في دمائهم منذ أكثر من عشرة قرون ومتثلت في غزوات‬
‫ال �ه��ون‪ ،‬ح�ي��ث ب��رع��وا ف��ي أع �م��ال اإلغ���ارة‪ ،‬واالن �ق �ض��اض‪ ،‬والهروب‬
‫املخادع‪ ،‬وسرعة وخفة احلركة‪ ،‬وظهر الفاحت املغولي جنكيز خان‬
‫وطبق في غزواته إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ ،‬ومتثلت في‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬اس�ت�خ��دام م�ح��اور ت�ق��دم م�ت�ع��ددة جل�ي��وش��ه‪ ،‬نحو الهدف‬


‫اإلستراتيجي‪.‬‬

‫‪ - 2‬تنوع أساليب احل��رب ف��ي الهجمات السريعة املفاجئة‪،‬‬


‫الهجمات املضادة‪ ،‬وأعمال اإلغارات والكمائن‪.‬‬

‫‪ - 3‬توجيه الضربات القوية في عمق اخلصم‪ ،‬بقوة جيش‪.‬‬

‫‪ - 4‬احل� �ص ��ار ‪ -‬م ��ع جت ��وي ��ع أه� ��ل امل � ��دن وإرغ ��ام� �ه ��م على‬
‫االستسالم‪.‬‬

‫‪ - 5‬االعتماد على شبكة فعالة لالستطالع‪ ،‬وجمع املعلومات‬

‫‪282‬‬
‫السياسية والعسكرية‪.‬‬

‫‪ - 6‬اخلداع بالتظاهر باالنسحاب‪ ،‬بينما تقوم القوة الرئيسية‬


‫ال في األغلب‪ ،‬مستفيدة من طبيعة‬ ‫باملناورة الواسعة‪ ،‬لي ً‬
‫األرض‪ ،‬ثم تطويق العدو وتدميره‪.‬‬

‫‪ - 7‬االعتماد على حرب احلركة‪ ،‬وإخفاء التحركات لتحقيق‬


‫املفاجأة‪.‬‬

‫‪ - 8‬نشر الرعب واإلرهاب لتحطيم القوة املعنوية للعدو قبل‬


‫الهجوم‪ ،‬وأطلق عليها «إستراتيجية الرعب»‪ ،‬حيث كان‬
‫الدمار يالزمهم دائماً‪.‬‬

‫وعندما جاء القرن السابع عشر‪ ،‬وقعت أول حرب كبيرة في‬
‫التاريخ احلديث‪ ،‬وهي حرب الثالثني عاماً (‪ ،)1648 - 1618‬في‬
‫ال �ق��ارة األورب �ي��ة‪ ،‬واحل��رب األهلية ال�ت��ي م��زق��ت إنكلترا (‪- 1642‬‬
‫‪ ،)1652‬وكال احلربني لم تسفر عن أعمال إستراتيجية لالقتراب‬
‫غير املباشر‪ ،‬لها طابع مميز أو حتقق نتائج حاسمة في احلرب‪،‬‬
‫وميكن اعتبار كرومويل في احلرب األهلية خارجاً عن هذا النمط‪.‬‬
‫حيث قام ببعض األعمال غير املباشرة مثل اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬جذب العدو إلى أرض مكشوفة‪ ،‬للحصول على إمكانية‬


‫توجيه الضربات اجلانبية‪.‬‬

‫‪ - 2‬املناورة الواسعة بالقوات‪ ،‬خالل أراضى صعبة‪ ،‬للوصول‬


‫إلى مؤخرة العدو وقلب ميزان القوى لصالح قواته‪ ،‬على‬
‫رغم ضعف إمكانياته‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ - 3‬املناورة الواسعة بالقوات‪ ،‬لتجنب االصطدام باحلواجز‬
‫الدفاعية احلصينة للعدو‪.‬‬

‫‪ - 4‬استغالل الظروف اجلوية السيئة لصالح قواته‪.‬‬

‫مت�ي��زت ح��روب ال�ف�ت��رة م��ن (‪ 1650‬حتى ‪ )1700‬ف��ي أوروبا‬


‫باآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬محدودية الغايات واألهداف‪.‬‬

‫‪ - 2‬كان الدفاع هو الشكل الغالب في أعمال القتال‪ ،‬وتفوق‬


‫التحصينات‪.‬‬

‫‪ - 3‬ارتباط املناورة باحلصون الدفاعية‪ ،‬حيث توجد اإلمدادات‬


‫اإلدارية واالحتياطات‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫في عصر الثورة الصناعية‬

‫اب�ت��داء م��ن أواخ��ر ال�ق��رن السابع عشر‪ ،‬وعندما دخلت اآللة‬


‫البخارية في حياة البشر‪ ،‬بدأت املصانع في االنتشار‪ ،‬وبدأ اإلنتاج‬
‫الكبير يحل محل الزراعة‪ ،‬وأصبحت احلرب أيضاً صناعية‪ ،‬وظهر‬
‫عصر البندقية واملدفع واآلالت البخارية‪ ،‬وصوالً إلى عصر الدبابة‬
‫وال �ط��ائ��رة وال��ص��اروخ وال�ق�ن�ب�ل��ة ال��ذري��ة‪ ،‬أط �ل��ق عليه ع�ص��ر الثورة‬
‫الصناعية‪ ،‬أو عصر املوجة الثانيـة ‪ ،The 2nd Wave‬والذي بدأ مع‬
‫مطلع القرن الثامن عشر‪ ،‬حيث ت��وازن اإلنتاج الكبير مع اجليوش‬
‫الضخمة‪ ،‬وساعدت احلرب على تسارع عملية التصنيع‪ ،‬وأصبحت‬
‫فكرة احلروب الشاملة والتدمير الشامل تناسب املجتمعات الكبرى‬
‫وحضارة املوجة الثانية‪ .‬وبعد أن كانت احلرب صداماً‪ ،‬بني احلكام‬
‫أصبحت صداماً بني الشعوب‪ ،‬وأظهرت احلرب العاملية الثانية وما‬
‫بعدها اجلهد الرهيب لصناعة املوت في عصر الصناعة‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬حروب القرن الثامن عشر‬

‫عكست تطورات األوضاع في مطلع القرن الثامن عشر‪ ،‬مرحلة‬


‫جديدة من تطور العالقات الدولية‪ ،‬وظهور نظام تعدد األقطاب من‬
‫ال��دول األوروب �ي��ة‪ ،‬واجت��اه كل ق��وة إل��ى اتخاذ قراراتها إزاء احلرب‬
‫والسالم‪ ،‬على أساس املصالح القومية‪ ،‬كما لعب املوقع اإلستراتيجي‬
‫واملال دورهما في نتائج احلروب‪.‬‬

‫انفردت حرب الوراثة األسبانية (‪1713 - 1701‬م) بازدواج‬


‫طبيعتها‪ ،‬حيث كان لها هدف سياسي محدود‪ ،‬وآخ��ر كبير‪ ،‬يرمي‬
‫إلى تدمير القوة الفرنسية‪ ،‬وكان التخطيط إلستراتيجية االقتراب‬
‫غير املباشر موجوداً‪ ،‬لكن تنفيذه كان بعيد املنال‪ ،‬وكان النصر في‬
‫املعارك غالي الثمن‪ ،‬وخسائره كبيرة على جميع األطراف‪ ،‬واختصت‬
‫باحلركة البطيئة للقوات‪ ،‬مبعدل ‪17‬كم‪ /‬يوم‪ ،‬وكانت على الصعيد‬
‫اإلستراتيجي عبارة عن سلسلة متوالية من الهجوم املباشر واملناورة‬
‫غير املباشرة‪ .‬وفي مجال إستراتيجية االقتراب غير املباشر نذكر‬
‫منها ‪:‬‬

‫‪ - 1‬املناورة الواسعة للقوات النمساوية‪ ،‬في شمال إيطاليا‪،‬‬


‫عبر ممر جبلي صعب‪ ،‬لم يستخدم منذ زمن طويل‪ ،‬حققت‬
‫مفاجأة عالية للقوات املعادية وهزمتهم‪ .‬وأعطى هذا‬
‫االقتراب غير املباشر وجناحه‪ ،‬قوة معنوية دافعة للقوات‬
‫النمساوية وحلفائها في مرحلة بدء الصراع املسلح‪.‬‬

‫‪ - 2‬ب��رع مارلبورو في تطبيق قاعدة تفتيت العدو وتدميره‬


‫على م��راح��ل‪ ،‬مبتدئاً باألضعف‪ ،‬وذل��ك ع��ام ‪ 1704‬في‬
‫الدانوب لتدمير اجليوش الفرنسية وحلفائها‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫‪ - 3‬املناورة اإلستراتيجية املخادعة الجت��اه التقدم‪ ،‬وتهديد‬
‫عدة أهداف في وقت واحد‪ ،‬وفي كل مرحلة‪ ،‬مما مينع‬
‫العدو من اكتشاف الهدف احلقيقي‪ ،‬وهي تُعد من أساليب‬
‫مارلبورو في حتريك جيوشه‪.‬‬

‫‪ - 4‬جذب احتياطات العدو في اجتاه‪ ،‬ثم تركيز الهجوم في‬


‫اجت��اه آخ��ر‪ ،‬وه��و م��ا طبقه م��ارل �ب��ورو ع��ام ‪1706‬م في‬
‫موقعة رامبي‪ ،‬حيث قام بهجوم غير مباشر على اجلناح‬
‫األيسر للقوات الفرنسية‪ ،‬مما أجبرهم على استدعاء‬
‫االحتياط في هذا االجتاه‪ ،‬ثم قام بإعادة جتميع لقواته‪،‬‬
‫وق��ام بهجوم مركز على اجل��ان��ب األمي��ن للعدو‪ ،‬وتوافق‬
‫ذلك مع تهديد مؤخرة القوات الفرنسية‪ ،‬والضغط على‬
‫طول املواجهة األمامية‪.‬‬

‫انشغلت أوروبا بحوادث حرب وراثة العرش النمساوي (‪1740‬‬


‫‪ ،)1748 -‬والتي عرفت باسم احلروب السيليزية‪ ،‬ثم حرب السنوات‬
‫السبع (‪ ،)1763 - 1756‬وظ�ه��رت بروسيا ق��وة كبيرة منذ بداية‬
‫احلرب‪ ،‬بفضل فردريك الثاني الذي يرجع إليه الفضل في االنتصارات‬
‫العظمى للدولة‪ ،‬نتيجة ألفكاره العسكرية التحررية‪ ،‬ونبذ ألساليب‬
‫احلرب املوضعية البطيئة وحرب احلصار التي كانت شائعة‪ ،‬وتبنيه‬
‫ألفكار أق��رب ما تكون لقواعد احل��رب اخلاطفة‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫صغر مساحة الدولة‪ ،‬وقوة جيشه احملدودة‪ ،‬مقارنة بجيرانه من كل‬
‫جانب‪ ،‬كان بارعاً في استخدام قواته بحكمة بالغة‪ ،‬وإذا تعرضنا إلى‬
‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر خالل ح��روب تلك الفترة‪ ،‬فهي‬
‫ترجع إلى فردريك الثاني‪ ،‬وقد طبق اآلتي‪:‬‬

‫‪287‬‬
‫‪ - 1‬أسس ما هو معروف باسم «احلرب من خطوط داخلية»‪.‬‬
‫ن �ظ��راً ألن ب��روس�ي��ا حتتل م��وق�ع�اً متوسطاً ب�ين أعدائها‬
‫احمليطني‪ ،‬النمسا وفرنسا وروسيا‪ ،‬فكان فريدريك يقوم‬
‫بالدفاع ف��ي مواجهة ك��ل دول��ة معادية‪ ،‬ث��م توجيه القوة‬
‫الرئيسية لضرب اخلصم األكثر خطراً واألشد تهديداً‪،‬‬
‫ثم االنتقال إلى اجلبهة الثانية‪ ،‬أي تدمير القوى املعادية‬
‫على التتابع‪ ،‬ومن دون أن يتيح فرصة للخصوم بالتجمع‬
‫ضده‪ ،‬مستفيداً بقدرة قواته العالية على احلركة‪.‬‬

‫‪ - 2‬احلرص على املفاجأة‪ ،‬وسرية االستعداد للحرب‪ ،‬وتنفيذ‬


‫خطط خداعية إلخفاء نشاط القوات‪ ،‬فبينما كان يظهر‬
‫أن الهدف من مسير القوات هو التقدم نحو الغرب‪ ،‬كان‬
‫يوجه قواته بسرعة نحو الشرق مستفيداً من الظالم ومن‬
‫طبيعة األرض اجلبلية الصعبة‪.‬‬

‫‪ - 3‬التقومي اإلستراتيجي السليم للحرب‪ ،‬واالنسحاب‪ ،‬عندما‬


‫تكون الظروف غير مواتية للقوات وفي مصلحة اخلصم‪،‬‬
‫وبرز ذلك عام ‪ 1742‬في معركة سيليزيا‪.‬‬

‫‪ - 4‬التظاهر باالنسحاب‪ ،‬ثم التحول املفاجئ للهجوم املضاد‬


‫القوي‪.‬‬

‫‪ - 5‬احمل��اف �ظ��ة ع �ل��ى ال� �ه ��دف‪ ،‬وجت �ن��ب ال��دف��اع��ات القوية‪،‬‬


‫واملناورة على األجناب لتوجيه الضربات في عمق العدو‪،‬‬
‫باستغالل قوة اخليالة خفيفة احلركة‪ ،‬عام ‪1758‬م في‬
‫معركة بوزنان ضد القوات الروسية‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬احلروب النابليونية‬

‫بعد قيام الثورة الفرنسية عام ‪ ،1789‬وانتهاء عصر حروب‬


‫امللوك‪ ،‬وبدء عصر حروب الشعوب‪ ،‬نشبت أولى حروب الثورة عام‬
‫‪ ،1792‬دفاعاً عن اجلمهورية الفرنسية ضد التدخل األجنبي‪ ،‬ومع‬
‫جتدد التحالفات األوربية ضد الثورة‪ ،‬استمرت احلروب‪ ،‬وانتصرت‬
‫جيوش الثورة الفرنسية‪ ،‬وتوغلت في أراضى الدول املعادية‪ ،‬بصورة‬
‫لم حتدث من قبل‪ ،‬وكانت احلروب النابليونية (‪1815 - 1796‬م)‪،‬‬
‫السبب األول في ظهور فن احلرب احلديث واخلروج به من ظلمات‬
‫القرون الوسطى‪ ،‬إلى ضياء عصر النهضة‪ ،‬حيث قدمت صوراً متعددة‬
‫للحرب اخلاطفة وح��رب احل��رك��ة‪ ،‬وتقليل االعتماد على احلصون‬
‫الدفاعية‪ ،‬واالعتماد اإلداري على املوارد احمللية للبالد احملتلة‪ ،‬أو‬
‫التي تقاتل اجليوش فيها‪ ،‬كما برزت مفاهيم جديدة على ما أطلق‬
‫عليه «إستراتيجية احلسم»‪ ،‬ودور الروح املعنوية في موازين القوى‪.‬‬
‫وبغض النظر عن أخطاء نابليون بونابرت السياسية واإلستراتيجية‬
‫فإنه كان عبقرياً في ميدان القتال وتطبيقه إلستراتيجية االقتراب‬
‫غير املباشر‪ ،‬وكان منها اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬االع�ت�م��اد على العمل ال�ه�ج��وم��ي‪ ،‬ل��م يلجأ نابليون إلى‬


‫الدفاع في كل أعماله‪ ،‬واالق�ت��راب املفاجئ السريع من‬
‫العدو‪ ،‬وخلق أفضل الظروف حلسم املوقف في موقعة‬
‫رئيسية‪.‬‬

‫‪ - 2‬استغالل نابليون توزيع قوى األحالف املعادية وتدميرها‬


‫على أق �س��ام‪ ،‬ب��امل�ن��اورة السريعة لتدمير أح��د اجليوش‬
‫املعادية‪ ،‬ثم امل�ن��اورة لتدمير جيش آخ��ر في اجت��اه آخر‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه احلرص على عدم جتزئة قواته وتوحيد‬

‫‪289‬‬
‫جهودها بصفة مستمرة‪ ،‬في أثناء املسير أو االشتباك‪.‬‬
‫وظ�ه��ر ذل��ك بعد ان�ت�ص��اره على ال �ق��وات النمساوية في‬
‫موقعة أول��م ‪ ،1805‬حيث حت��ول إل��ى مهاجمة اجليش‬
‫الروسي‪ /‬النمساوي‪ ،‬ودمره في أوسترليتز‪ ،‬وبينما كان‬
‫يحقق انتصاره ع��ام ‪ 1806‬على ال�ق��وات البروسية في‬
‫يينا‪ ،‬كان يعيق تقدم القوات الروسية املتحالفة في اجتاه‬
‫آخر‪.‬‬

‫‪ - 3‬كانت فكرة نابليون إلدارة معاركه‪ ،‬على رغ��م تكرارها‪،‬‬


‫تتلخص في إيجاد التفوق في االجت��اه احلاسم‪ ،‬والعمل‬
‫ضد خطوط مواصالت وإم��داد العدو‪ ،‬حتى في ظروف‬
‫ضعف قواته عن العدو‪ ،‬فإنه كان يحقق التفوق في االجتاه‬
‫احلاسم‪ ،‬مع االقتصاد في القوى في االجتاهات األخرى‪،‬‬
‫تكرر هذا األسلوب في موقعة مارجنو عام ‪ ،1800‬وموقعة‬
‫أولـم ‪ ،1805‬وموقعة يينا ‪.1806‬‬

‫‪ - 4‬أسلوب املوقعة‪ /‬املعركة‪:‬‬

‫على رغم تكرار أساليب نابليون في إدارة املوقعات واملعارك‪،‬‬


‫فإنها جديرة بالدراسة وتتلخص في اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬املرحلة األولى‪:‬‬

‫دف��ع املقدمات لالتصال بالدفاعات املعادية‪ ،‬وتأمني قاعدة‬


‫دفاعية تنطلق منها قواته املهاجمة‪ ،‬وتعود إليها إذا فشلت‪ ،‬وبينما‬
‫يحتفظ نابليون بقواته الرئيسية الضاربة اخلفيفة احلركة في العمق‬
‫البعيد عن مالحظة العدو‪ ،‬يقوم بدفع قواته الثانوية ملشاغلة العدو‬
‫وتثبيته‪ ،‬للقيام بهجوم مخادع يجبر العدو على إضعاف قواته املدافعة‬

‫‪290‬‬
‫واستنزافها وتشتيتها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬املرحلة الثانية‪:‬‬

‫عند ظهور اللحظة املناسبة‪ ،‬التي يترقبها نابليون‪ ،‬يبدأ على‬


‫الفور بتوجيه ضربة بقواته الرئيسية‪ ،‬تخترق جناح العدو الضعيف‪،‬‬
‫وتسيطر على خ�ط��وط ان�س�ح��اب��ه‪ ،‬وت�ع��زل منطقة ال�ق�ت��ال‪ ،‬وبتعاون‬
‫القوات الرئيسية والثانوية‪ ،‬يتم تفتيت العدو وتدميره‪ ،‬ثم التحول‬
‫إلى املطاردة إلبادة ما تبقى من العدو‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬احلرب األهلية األمريكية‬

‫تُعد احلرب األهلية األمريكية (‪ )1865 - 1861‬بداية التاريخ‬


‫العسكري لفن احلرب األمريكي‪ ،‬حيث كانت ميداناً لتطبيق املبادئ‬
‫والفنون‪ ،‬التي درس��ت في كلية «وس��ت بوينت» العسكرية منذ عام‬
‫‪ 1817‬بواسطة دراسة تاريخ احلروب‪ ،‬خاصة احلروب النابليونية‪،‬‬
‫وكانت هناك قناعة مببادئ احلرب اخلاطفة وحرب احلركة‪ ،‬وذلك‬
‫قبل نشوب احل��رب األهلية‪ .‬ومن ثم فإن احل��رب األهلة كانت ذات‬
‫طابع غير مباشر في إستراتيجيتها‪ ،‬واعتمدت على املناورة والسرعة‬
‫واملفاجأة واملبادأة‪ .‬وكان لتطور السكك احلديدية أثره في احلرب‪،‬‬
‫خاصة في مجال سرعة نقل القوات وتأمني اإلمدادات‪ ،‬خاصة في‬
‫الشمال‪ ،‬كما لعبت السيطرة البحرية دوراً هاماً في نقل القوات‬
‫إلى أجناب اخلصم اإلستراتيجية‪ ،‬وبرز العديد من القادة البارزين‬
‫مثل جرانت‪ ،‬لي‪ ،‬شريدان‪ ،‬شيرمان وبشكل عام فإن قوات الشمال‬
‫واجلنوب قد طبقت إستراتيجية االقتراب غير املباشر بنجاح‪ ،‬ومتثل‬
‫ذلك في اآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬قامت خيالة القوات اجلنوبية‪ ،‬بإغارات قوية على مراكز‬

‫‪291‬‬
‫السكك احلديدية للشمال‪ ،‬مما أصابها بالشلل التام‪،‬‬
‫وأدى بالقائد اإلستراتيجي «شيرمان» للتحرر من العلة‪،‬‬
‫وت�خ�ل�ص��ه م��ن االع �ت �م��اد ال�ك�ل��ي ع�ل��ى ال�س�ك��ك احلديدية‬
‫الثابتة‪ ،‬واالستقالل عنها للحصول على إمكانية املناورة‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬والتغلغل في عمق وأجناب العدو‪.‬‬

‫‪ - 2‬تبنى ش�ي��رم��ان دائ �م �اً حت��دي��د ه��دف�ين متناوبني لقواته‪،‬‬


‫يحتل واحداً فقط أثناء التنفيذ‪ ،‬لتنفتح أمامه اجتاهات‬
‫وأهداف أخرى‪.‬‬

‫‪ - 3‬امل�ن��اورة اإلستراتيجية الكبرى‪ ،‬التي قامت بها القوات‬


‫الشمالية بقيادة شيرمان‪ ،‬بعد احتالل أتالنتا واختراق‬
‫جورجيا وكارولينا ملسافة حوالي ‪720‬كم ب��دون توقف‪،‬‬
‫مخترقاً أراضي صعبة‪ ،‬وإستراتيجية الرعب والتدمير‪،‬‬
‫التي نفذت والتي اشتهر بها القادة القدامى‪ ،‬مثل اإلسكندر‪،‬‬
‫وقيصر‪ ،‬وجنكيزخان‪ ،‬وفردريك الثاني‪ ،‬ونابليون أدت إلى‬
‫ضغط معنوي كبير على اجلنوبيني وحرمانهم من املوانئ‬
‫الرئيسية‪ ،‬ووقف اإلم��دادات املتجهة نحو ريتشموند في‬
‫الشمال وجيش لي االحتادي في اجلنوب‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬احلرب العاملية األولى (‪)1918 - 1914‬‬

‫ب�ع��د س �ق��وط إم �ب��راط��وري��ة ن��اب�ل�ي��ون‪ ،‬وت��أس�ي��س اإلمبراطورية‬


‫األملانية اجل��دي��دة‪ ،‬كانت هناك إش��ارة نحو توحيد أوروب��ا بزعامة‬
‫أملانيا‪ ،‬وتنافست كل الشعوب في التسليح‪ ،‬وظهرت الدبابة والطائرة‬
‫والغواصة‪ ،‬وعلى رغم امتالك كل الدول الصناعية لهذه األسلحة‪،‬‬
‫أكثر مما كانت متلكه أملانيا‪ ،‬فإن استخدام هذه األسلحة بصورتها‬

‫‪292‬‬
‫الصحيحة‪ ،‬أعطى لألملان ميزة التفوق‪ ،‬خاصة في املرحلة األولى من‬
‫احلرب‪ ،‬وعندما جاءت احلرب العاملية األولى (‪1918 - 1914‬م)‪،‬‬
‫كانت صراعاً حول الثروة والقوة‪ ،‬وليست حرباً سياسية‪ ،‬وعلى رغم‬
‫حتقيق معدالت عالية من اإلنتاج‪ ،‬وعملية حتديث صناعي وجتاري‪،‬‬
‫وطفرة في النشاط االقتصادي‪ ،‬لكل أطراف الصراع‪ ،‬مع تقدم نسبي‬
‫لصالح أملانيا‪ ،‬فإن الثروة والقوة لكل دول أوروبا لم تستطع الصمود‬
‫ال أمام احلرب‪ ،‬ووصلت إلى مرحلة الضعف واإلنهاك في نهاية‬ ‫طوي ً‬
‫احلرب‪ ،‬ولم يحسمها إال تدخل الواليات املتحدة عام ‪1917‬م لصالح‬
‫احللفاء‪.‬‬

‫شملت احلرب إستراتيجيات متعددة‪ ،‬فكان فيها حرب اخلنادق‬


‫واحلرب امليكانيكية‪ ،‬وحرب احلركة‪ ،‬وحرب العصابات‪ ،‬وإستراتيجية‬
‫الهجوم املباشر وغير املباشر‪ ،‬وإستراتيجية احلرب الشاملة‪ ،‬والتي‬
‫تشمل تعبئة موارد الدولة للحرب‪ ،‬واحلرب النفسية‪.‬‬

‫‪ - 1‬تطبيقات إستراتيجية االقتراب غير املباشر (على‬


‫املستوى السياسي العسكري)‪:‬‬

‫أ ‪ -‬احلصار‪:‬‬

‫إن احلصار الذي فرض على أملانيا‪ ،‬منذ بداية احلرب‪ ،‬والذي‬
‫أحكمته ال��والي��ات املتحدة في املراحل األخيرة من احل��رب‪ ،‬تسبب‬
‫في إضعاف االقتصاد األملاني‪ ،‬وعجل بالثورة الشعبية داخل أملانيا؛‬
‫نتيجة ملعاناة الشعب األملاني مادياً ومعنوياً‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حرب الغواصات‪:‬‬

‫ك��ان اخل �ط��ر ال�ك��ام��ن ف��ي احل �ص��ار‪ ،‬س�ب�ب�اً ل �ب��دء أمل��ان�ي��ا حرب‬

‫‪293‬‬
‫ال �غ��واص��ات ف��ي ش �ب��اط ‪ ،1915‬خ��اص��ة ف��ي م �ج��ال ق �ط��ع خطوط‬
‫املواصالت البحرية البريطانية‪ ،‬حيث كانت تعتمد عليه بريطانيا‬
‫لتموين شعبها وجيشها‪ ،‬وحققت هذه احلرب نتائج ملموسة‪ ،‬فقد‬
‫وصلت بريطانيا إلى وضع حرج للغاية خالل تلك املرحلة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬العمل من خطوط داخلية‪:‬‬

‫ارتكزت اإلستراتيجية العليا للقوات األملانية على الدفاع في‬


‫جبهة‪ ،‬وال�ه�ج��وم ف��ي جبهة أخ��رى‪ ،‬حيث ك��ان��ت ت�ن��اور إستراتيجياً‬
‫بقواتها الرئيسية لتنفيذ عمليات هجومية في اجتاه مسرح العمليات‬
‫الشرقي‪ ،‬مع الدفاع النشط في مسرح العمليات الغربي أو العكس‪.‬‬

‫د ‪ -‬احلرب النفسية‪:‬‬

‫بعد دخ��ول ال��والي��ات املتحدة األمريكية احل��رب ع��ام ‪1917‬م‪،‬‬


‫جلأت إلى أساليب احلرب النفسية لتفجير اجلبهات الداخلية في‬
‫أملانيا والدولة العثمانية‪.‬‬

‫‪ - 2‬تطبيقات إستراتيجية االقتراب غير املباشر (على‬


‫املستوى اإلستراتيجي العسكري)‪:‬‬

‫أ ‪ -‬حققت أملانيا املفاجأة اإلستراتيجية في مرحلة بدء احلرب‪،‬‬


‫آب ‪1914‬م‪ ،‬ب��امل�ن��اورة اإلستراتيجية بالقوة الرئيسية‪،‬‬
‫متجنبة الدفاعات الفرنسية احلصينة‪ ،‬واجتياح بلجيكا‪،‬‬
‫ثم مجابهة القوات الفرنسية في العمق‪.‬‬

‫ب ‪ -‬سادت معظم املعارك أعمال هجوم غير مباشرة‪ ،‬كان لها‬


‫أثر مادي ومعنوي على اخلصم‪ ،‬وكانت املبادأة واملبادرة‬

‫‪294‬‬
‫من القوات األملانية‪ ،‬إال أنها محدودة األه��داف‪ ،‬وكانت‬
‫ال �ق��وات ال�ب��ري�ط��ان�ي��ة واحل �ل �ف��اء ت�ع�م��ل ب��إس�ت��رات�ي�ج�ي��ة رد‬
‫الفعل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ساد معظم أعمال الهجوم األملاني‪ ،‬ما أطلق عليه تكتيكات‬


‫«لودندورف» التي تتلخص في اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬إع���ادة جت�م�ي��ع ال �ق��وات ف��ي ق��واع��د ال �ه �ج��وم ليالً‪،‬‬


‫واتخاذ املدفعية ألوضاعها في أماكن مستورة قرب‬
‫اجلبهة‪.‬‬

‫(‪ )2‬بعد حتديد نقاط الضعف في دفاعات العدو‪ ،‬تقوم‬


‫ال �ق��وات بالتسلل منها‪ ،‬م�ت�ج��اوزة م��راك��ز املقاومة‬
‫ال �ق��وي��ة‪ ،‬وال�ت�غ�ل�غ��ل‪ ،‬ك�ل�م��ا أم �ك��ن‪ ،‬ب�ع�م��ق‪ ،‬ح�ت��ى تتم‬
‫مهاجمة مدفعية ال �ع��دو‪ ،‬وب��اس�ت�غ�لال جن��اح قوات‬
‫التسلل‪ ،‬يتم دف��ع االحتياطي ف��ي املعركة لتطوير‬
‫أع�م��ال ال�ق�ت��ال ف��ي ال�ع�م��ق‪ .‬وف��ي نفس ال��وق��ت يتم‬
‫تنفيذ أعمال هجوم خداعي ومشاغلة متتالية في‬
‫اجتاهات أخرى‪ ،‬ويسمح بتوسيع نطاق الهجوم‪.‬‬

‫د ‪ -‬وفي مسرح عمليات فلسطني‪ ،‬جنحت حرب العصابات‬


‫للقوات العربية مبساعدة «لورانس» في أيلول ‪ ،1918‬في‬
‫عمليات الثورة العربية‪ ،‬في التأثير على احلرب النظامية‬
‫ضد القوات التركية‪ ،‬حيث جنحت هذه احلرب في تثبيت‬
‫القوات التركية في أوضاعها‪ ،‬وإضعاف حجم اإلمدادات‬
‫إليها بصورة يزداد معها ضعفهم مادياً ومعنوياً‪ ،‬كما أدت‬
‫إلى بعثرة القوات التركية وجتزئتها‪ ،‬واستخدم في ذلك‬

‫‪295‬‬
‫أقل القوى‪ ،‬في أصغر وقت‪ ،‬وفي أبعد مكان‪ .‬ومثال آخر‬
‫عندما شكل «اللنبي» قوة قتالية من اخليالة والدبابات‪،‬‬
‫في عام ‪1918‬م‪ ،‬وقام بدفعها عبر املمرات اجلبلية حتى‬
‫سهل م��رج بن عامر ق��رب عفولة وبيسان‪ ،‬ووص��ول هذه‬
‫القوة إلى مؤخرة اجليش التركي وعملت ما يسمى «سداً‬
‫إستراتيجياً»‪ ،‬مما أجبر القوات التركية على االنسحاب‬
‫شرقاً نحو األردن‪ ،‬ثم مت تدميرهم بالطيران البريطاني‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬احلرب العاملية الثانية (‪)1945 - 1939‬‬

‫بعد نهاية احلرب العاملية األولى‪ ،‬وتوقيع معاهدة فرساي عام‬


‫‪1919‬م‪ ،‬ك��ان أكبر تغير شهدته أوروب ��ا‪ ،‬ظهور العديد م��ن الدول‬
‫القومية‪ ،‬وف�ق��دت بعض ال��دول العظمى‪ ،‬أج��زاء م��ن مستعمراتها‪،‬‬
‫وع��ودة التراجع األمريكي إل��ى عزلته السياسية النسبية بعد عام‬
‫‪ ،1920‬املتمثل في عقيدة مونرو وعلى رغم تأثر االقتصاد الدولي‬
‫م��ن خسائر احل��رب‪ ،‬التي تعرضت لها ال��دول م��ن احل��رب العاملية‬
‫األولى‪ ،‬والتي بلغت في أحد التقديرات مقتل وإصابة وجرح حوالي‬
‫‪ 30‬مليون ف��رد في ميدان القتال‪ ،‬وفقدت أوروب��ا باستثناء روسيا‬
‫ح��وال��ي ‪ 5‬ماليني م��دن��ي‪ ،‬ووص�ل��ت تكلفة احل��رب إل��ى ح��وال��ي ‪260‬‬
‫مليون دوالر‪ ،‬فإن معظم الدول قامت بتحسني أوضاعها اإلنتاجية‬
‫واالق �ت �ص��ادي��ة‪ ،‬وان�ع�ك��س ذل��ك ع�ل��ى االه �ت �م��ام بالتسليح والنفقات‬
‫العسكرية حيث رفعت معظم الدول نفقاتها العسكرية لتكون حوالي‬
‫‪30‬ـ‪ 40‬ضعفاً عن عام ‪1930‬م‪ ،‬مع زيادة النفقات للقوة األملانية بشكل‬
‫عال مقارنة بقوة الدولة‪ ،‬عن مثيلتها لباقي القوى الكبرى‪ .‬وهكذا‬ ‫ٍ‬
‫كان االهتمام العاملي بالتسليـح‪ ،‬خاصة في مجال إدخال تكنولوجيا‬
‫التسليح احلديثة‪ ،‬لتغيير نظم التسليح في كل األفرع الرئيسية‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫يُعد تزايد اإلنتاج األملاني‪ ،‬وتنامي القوة العسكرية من حيث‬
‫الكم وال�ن��وع أح��د األس�ب��اب الرئيسية لدعم أف�ك��ار هتلر التوسعية‬
‫ف��ي احل��رب العاملية الثانية‪ ،‬حيث مثلت ال�ق��وة العسكرية األملانية‬
‫بحوالي ‪ 15%‬من القوى العاملية‪ ،‬واعتبرت ثاني قوة عسكرية في‬
‫العالم بعد الواليات املتحدة‪ ،‬وكانت بريطانيا حينها ‪ .1.2%‬بعد أن‬
‫أصبح هتلر سيد أملانيا عام ‪ ،1933‬بدأ حرباً سياسية‪ ،‬متثلت في‬
‫إجراء مجموعة من املعاهدات مع بعض دول اجلوار لضمان حيادها‪،‬‬
‫وإسقاطه ملعاهدة فرساي املفروضة على تسليح أملانيا عام ‪.1935‬‬
‫وفي عام ‪1936‬م أعاد تسليح الراين‪ ،‬وساعد فرانكو على قلب نظام‬
‫احلكم في أسبانيا‪ .‬وب��دأت مرحلة االحتواء وقياس رد الفعل‪ ،‬في‬
‫ظروف غياب اإلرادة السياسية للحلفاء لدخول احلرب‪ ،‬حيث لم يكن‬
‫أمامهم إال استخدام سياسة احلصار االقتصادي والسياسي‪ ،‬وإمداد‬
‫ال��دول املعتدى عليها بالسالح‪ ،‬وق��ام هتلر في آذار ‪ 1938‬بدخول‬
‫النمسا‪ ،‬وفي ايلول ‪ 1938‬استرد إقليم السوديت‪ ،‬وفي آذار ‪1939‬‬
‫احتل تشيكوسلوفاكيا‪ ،‬وفي نيسان ‪ 1939‬احتلت إيطاليا ألبانيا‪،‬‬
‫وف��ي اي�ل��ول ‪ 1939‬اجتاحت أملانيا ح��دود بولندا‪ ،‬التي تُعد بداية‬
‫ملرحلة إع�لان حالة احل��رب احلقيقية‪ ،‬التي ب��دأت ف��ي ‪ 10‬أي��ار ‪/‬‬
‫مايو ‪ 1940‬باختراق حدود بلجيكا وسقوط فرنسا في ‪ 25‬حزيران‬
‫‪ /‬يونيو‪ ،‬وكانت مثاالً للتفوق العسكري األملاني في أساليب القتال‪،‬‬
‫والسيطرة اجلوية‪ ،‬وحرب الغواصات‪.‬‬

‫ك��ان ق��رار هتلر بغزو روسيا في ‪ ،1941‬مبثابة تغير لألبعاد‬


‫الكاملة للصراع‪ ،‬فمن الناحية اإلستراتيجية‪ ،‬يعني أن تقاتل أملانيا‬
‫على ع��دة ج�ب�ه��ات‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى االت �س��اع اجل�غ��راف��ي ال�ه��ائ��ل ملسرح‬
‫العمليات ف��ي عمق روس�ي��ا‪ ،‬وم��ا يتطلبه م��ن دع��م م��ادي وإمدادات‬
‫ومعاونة جوية‪ ،‬وعلى رغم تفوق القوات األملانية وجناحها‪ ،‬لم تكن‬

‫‪297‬‬
‫مهيأة أو ق��ادرة على استمرارها‪ ،‬وأظهرت أن طموحاتهم أكبر من‬
‫إمكانياتهم‪ ،‬ودلت التجربة على أن هناك حدوداً ال ميكن جتاوزها‬
‫عند تنفيذ إستراتيجية هجومية في مسرح غير م�ح��دود‪ ،‬وبدأت‬
‫أملانيا في التخلي عن مكاسبها منذ ع��ام ‪ ،1943‬واالرت ��داد حتت‬
‫وطأة الضربات الروسية‪.‬‬

‫وعندما دخلت اليابان احلرب في ايلول ‪ ،1940‬كانت حربها‬


‫في الباسفيك وسنغافورة والفلبني والهند الصينية والهند الشرقية‪،‬‬
‫وتوسعت في مناطق جنوب شرق آسيا‪ ،‬وهاجمت القوات األمريكية‬
‫ف��ي ب�ي��رل ه��ارب��ر‪ ،‬وكلما زاد توسعهم زاد ضعفهم‪ ،‬ث��م ع��ادوا إلى‬
‫االنكماش منذ أيار ‪ ،1942‬حتت ضغط القوات األمريكية‪ ،‬إلى أن‬
‫مت استسالمهم عام ‪ ،1945‬على أثر القذف الذري األمريكي على‬
‫هيروشيما وناغازاكي‪.‬‬

‫وف��ي مسرح عمليات شمال أفريقيا ‪ ،1941‬متكنت القوات‬


‫األملانية من الوصول إلى احلدود املصرية‪ ،‬وأخذت املعارك بني شد‬
‫وجذب‪ ،‬ولكنها انتهت لصالح احللفاء‪ .‬حيث امتد هذا النصر إلى‬
‫القارة األوروبية‪ ،‬وأودت بأملانيا وآلتها العسكرية إلى النهاية‪.‬‬

‫لقد كانت احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وأطراف القتال فيها‪ ،‬مجاالً‬


‫زاخراً بتطبيقات إستراتيجية االقتراب غير املباشر وعلى املستويات‬
‫املختلفة كاآلتي‪:‬‬

‫‪ - 1‬على املستوى السياسي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬هتلر وإستراتيجية االقتراب غير املباشر‪:‬‬

‫(‪ )1‬درس هتلر التاريخ وقرارات القادة العظماء وتوجيهاتهم‪،‬‬

‫‪298‬‬
‫واستخلص أن‪« :‬اإلستراتيجية السليمة تقوم على تأخير‬
‫العمليات‪ ،‬حتى تنهار معنويات العدو بشكل يسمح بتوجيه‬
‫ضربة قاضية له»‪ ،‬وأن «احلرب احلقيقية تبدأ قبل بدء‬
‫العمليات احلربية»‪ ،‬كما أن «الناس لم يلجؤوا إلى القتل‬
‫إال عندما ع �ج��زوا ع��ن احل �ص��ول على هدفهم بطريقة‬
‫أخ ��رى‪ ،‬وأن ه�ن��اك إستراتيجية أوس��ع ت�ق��وده��ا أسلحة‬
‫فكرية‪ ،‬فهل أحطم معنويات العدو بوسائط عسكرية‪ ،‬إذا‬
‫كنت أستطيع ذلك بوسائط أخرى أفضل وأقل نفقة؟»‪،‬‬
‫«إن إستراتيجيتنا ت�ق��وم على أس��اس تدمير ال�ع��دو من‬
‫الداخل‪ ،‬وقهره بتحطيم معنوياته»‪.‬‬

‫(‪ )2‬أن الدولة قد تدخل احلرب‪ ،‬ألسباب مختلفة‪ ،‬ولكن هدف‬


‫احلرب األساسي هو تأمني استمرار سياسة الدولة‪ ،‬على‬
‫رغم إرادة دول��ة معادية تطبق سياسة مضادة‪ ،‬ويتحقق‬
‫ذلك بوسائل اإلستراتيجية العليا‪ ،‬التي تشمل املجاالت‬
‫املكملة للعمل العسكري‪ ،‬كالضغط االقتصادي والدعاية‬
‫والعمل الدبلوماسي‪ ،‬ويفضل إش��راك العوامل الفعالة‬
‫القليلة التكاليف‪ ،‬واملالئمة للموقف‪ ،‬بقصد حتطيم إرادة‬
‫العدو بأقل ثمن‪.‬‬

‫ب ‪ -‬املناورات السياسية‬

‫(‪ )1‬عقد هتلر العديد من املعاهدات مع دول م�ج��اورة؛ من‬


‫أج��ل ح�ي��اده��ا ق�ب��ل ب��دء احل��رب ب�ف�ت��رات م�ت�ب��اع��دة‪ ،‬مثل‬
‫معاهدة عدم اعتداء مع بولونيا؛ لتغطية جناحه الشرقي‪،‬‬
‫ومع روسيا لضمان حيادها‪ .‬وفي املقابل قامت فرنسا‬
‫وإنكلترا قبلها بتطبيق نفس السياسة؛ الحتواء وحصار‬

‫‪299‬‬
‫أمل��ان�ي��ا‪ ،‬وذل��ك بعقد سلسلة م��ن التحالفات الدفاعية‪،‬‬
‫ال في الشرق األوسط مع مصر وسوريا وشرق األردن‬ ‫فمث ً‬
‫وفلسطني وت��رك�ي��ا‪ ،‬وف��ي البلقان م��ع ال�ي��ون��ان ورومانيا‪،‬‬
‫وقبلها خالل العقد الثالث من القرن العشرين‪ ،‬كان هناك‬
‫حتالفات منفصلة مع بلجيكا‪ ،‬وبولندا وتشيكوسلوفاكيا‪،‬‬
‫ويوغسالفيا‪.‬‬

‫(‪ )2‬عمليات االجتياح السلمي‪.‬‬

‫ال من النمسا وتشيكوسلوفاكيا‪ ،‬مبناورات سلمية‬ ‫اجتاح هتلر ك ً‬


‫من دون سفك دماء‪ ،‬حتت ستار الدعاية البارعة‪ ،‬إلقناع الرأي العام‬
‫بشرعية أعماله‪.‬‬

‫(‪ )3‬خداع النوايا السياسية‪.‬‬

‫(أ) حققت حتركات هتلر السياسية‪ ،‬أو مناوراته السلمية‬


‫نحو دول اجلوار‪ ،‬املفاجأة لدول احللفاء‪ ،‬حيث كان دائماً‬
‫يلجأ إلى وضع خصومه في حيرة من أهدافه‪.‬‬

‫(ب) أحياناً كان هتلر يلجأ إلى الصراحة التامة‪ ،‬وأش��ار أن‬
‫الصراحة التامة قد تكون أفضل طريقة للمحافظة على‬
‫السر‪ .‬وأن العمل املباشر يكون في بعض احل��االت أقل‬
‫توقعاً من غيره‪.‬‬

‫(‪ )4‬اعتمد هتلر في اجتياحه للدول املعادية على األنصار‬


‫املوالني‪ ،‬للتمهيد للغزو‪ ،‬ومساعدته في حتقيق أهدافه‪،‬‬
‫ب��إض�ع��اف م�ق��اوم��ة ال �ب�لاد‪ ،‬وت��وزي��ع ج�ه��وده��ا‪ ،‬م��ع إعداد‬
‫حكومة مماثلة جاهزة الستالم احلكم‪ ،‬ولم يعتمد على‬

‫‪300‬‬
‫امل���ال‪ ،‬ب �ق��در اع �ت �م��اده ع�ل��ى ط �م��وح األش��خ��اص‪ ،‬وتنمية‬
‫رغبتهم في تولي السلطة‪.‬‬

‫‪ - 2‬على املستوى السياسي العسكري‪:‬‬

‫أ ‪ -‬العمل من خطوط داخلية‪:‬‬

‫جلأ هتلر إلى تأمني جبهته الشرقية باملعاهدات والتحالفات‪،‬‬


‫أو باجتياح بعض الدول ثم حتويل اجلهود لغزو فرنسا‪ ،‬وبعد سقوط‬
‫فرنسا‪ ،‬قام بتأمني اجلبهة الغربية وحتويل جهوده لغزو روسيا في‬
‫الشرق‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أعمال اخلداع‪:‬‬

‫شملت احلرب على العديد من األمثلة التاريخية لكل أطراف‬


‫ال�ص��راع حتمل أع�م��االً كبيرة خل��داع ال�ط��رف اآلخ��ر ع��ن توقيت أو‬
‫مكان أو أهداف العمليات الكبرى‪.‬‬

‫ج ‪ -‬احلصار‪:‬‬

‫جلأ احللفاء إلى أسلوب احلصار االقتصادي والسياسي ألملانيا‪،‬‬


‫وعندما تدخلت الواليات املتحدة‪ ،‬مت إحكام احلصار وانعكس أثره‬
‫على االق�ت�ص��اد األمل��ان��ي‪ ،‬والشعب األمل��ان��ي‪ ،‬وأع �م��ال القتال بشكل‬
‫عام‪ ،‬وذلك على رغم جلوء أملانيا إلى حرب الغواصات للخروج من‬
‫احلصار‪.‬‬

‫د ‪ -‬القذف اجلوي اإلستراتيجي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ن �ف��ذت��ه أمل��ان �ي��ا ض��د ب��ري�ط��ان�ي��ا ل�ل�ت��أث�ي��ر ع �ل��ى االقتصاد‬

‫‪301‬‬
‫البريطاني‪ ،‬والروح املعنوية للشعب البريطاني‪ .‬كما نفذته‬
‫أيضاً ضد روسيا إلحداث نفس الغرض‪.‬‬

‫(‪ )2‬كما نفذته دول احللفاء ضد أملانيا واليابان بغرض تدمير‬


‫البنية االقتصادية‪ ،‬وخطوط امل��واص�لات‪ ،‬والتأثير على‬
‫الشعوب‪ ،‬وكان الستخدام الواليات املتحدة القنبلة الذرية‬
‫في هيروشيما وجنازاكي أثره على استسالم اليابان‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬إن مشاركة أملانيا احلرب في مسرح شمال أفريقيا على‬


‫ال مباشراً لتحقيق أهداف‬ ‫املستوى السياسي العسكري ميثل عم ً‬
‫غير مباشرة‪ ،‬حيث متثل الهدف األملاني في االستيالء على مصر‬
‫وقناة السويس‪ ،‬مبا يحقق قطع خطوط املواصالت للحلفاء‪ ،‬وعزل‬
‫الشرق عن الغرب‪ ،‬واالندفاع نحو اخلليج العربي‪ ،‬ومصادر البترول‬
‫بها‪ ،‬والسيطرة على العراق وإيران وعزل روسيا من اجلنوب‪ ،‬وفتح‬
‫جبهة جديدة في هذا االجتاه‪ ،‬حتقق االستيالء على القوقاز‪ ،‬مصادر‬
‫البترول‪ ،‬وحرمان روسيا منه‪ ،‬وتطويق القوات الروسية والقضاء‬
‫عليها ‪.‬‬

‫‪ - 3‬على املستوى اإلستراتيجي العسكري‪:‬‬

‫ش�م�ل��ت احل ��رب ال�ع��امل�ي��ة ال�ث��ان�ي��ة ع�ل��ى ال �ع��دي��د م��ن تطبيقات‬


‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر بأساليب مختلفة كاآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬احلرب اخلاطفة‪:‬‬

‫كانت أملانيا مثاالً لتطبيق أسلوب احلرب اخلاطفة في عملياتها‬


‫العسكرية‪ ،‬والتي اعتمدت على القوة املدرعة والسيطرة اجلوية‪،‬‬
‫ويشمل هجوماً عاماً باملواجهة‪ ،‬وهجوماً ثانوياً أو خداعياً‪ ،‬وضربة‬

‫‪302‬‬
‫رئيسية ضد أجناب العدو ومؤخرته‪ ،‬بالتعاون مـع قـوات إبـرار‪/‬‬
‫إسقاط ج��وي في العمق‪ ،‬وحققت أملانيا جناحاً في تطبيقها لهذا‬
‫األسلوب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬اإلبرار اجلوي والبحري‪:‬‬

‫(‪ )1‬اعتبرت احل��رب العاملية الثانية‪ ،‬بداية عصر استخدام‬


‫ق��وات اإلب���رار اجل��وي وال �ب �ح��ري‪ ،‬ح�ي��ث ب��رع األمل ��ان في‬
‫استخدام قوات اإلبرار في املرحلة األولى عام ‪،1941/40‬‬
‫مثل االستيالء على املوانئ الرئيسية للدول اإلسكندنافية‬
‫باإلبرار البحري‪ ،‬واستخدام اإلبرار اجلوي ملعاونة الهجوم‬
‫الرئيسي عند غزو فرنسا‪ ،‬وبولونيا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وهولندا‪.‬‬

‫(‪ )2‬كما استخدمت الواليات املتحدة اإلبرار البحري في مسرح‬


‫الباسفيك‪ ،‬وفي إيطاليا‪ ،‬وتوسعت قوات احللفاء معها في‬
‫أعمال اإلبرار اجلوي في عمليات غزو نورماندي‪.‬‬

‫(‪ )3‬كما تعددت أعمال اإلبرار اجلوي والبحري لكل األطراف؛‬


‫لتنفيذ أعمال التخريب على مدى احلرب‪.‬‬

‫ج ‪ -‬اختيار األهداف املتناوبة‪:‬‬

‫ت �ع��ددت تطبيقات ال�ع�م��ل ب��أس �ل��وب األه� ��داف امل �ت �ن��اوب��ة‪ ،‬لكل‬
‫األطراف‪ ،‬إلخفاء اجتاه الهدف احلقيقي أو الرئيسي‪.‬‬

‫(‪ )1‬أملانيا‪:‬‬

‫ال�ق��وات األملانية ف��ي تطبيق العمل ب��األه��داف املتناوبة‪ ،‬على‬


‫املستوى اإلستراتيجي‪ ،‬فعندما احتل هتلر النمسا عام ‪ ،1938‬عجز‬

‫‪303‬‬
‫احللفاء عن حتديد أهدافه التالية‪ ،‬وعندما احتل تشيكوسلوفاكيا عام‬
‫‪ ،1939‬فتح الطريق لغزو بولندا واملجر ورومانيا‪ ،‬وعندما حتول نحو‬
‫الغرب احتل النرويج عام ‪ ،1940‬واحتل هولندا وبلجيكا‪ ،‬وعندما‬
‫أصبح الفرنسيون في حيرة من اجتاه الهجوم الرئيسي األملاني هل‬
‫هو نحو باريس‪ ،‬أم في اجت��اه مؤخرة قواتهم في بلجيكا‪ ،‬وعندما‬
‫استدارت القوات األملانية نحو الغرب أصبحت أهدافها متناوبة نحو‬
‫أميان وليل وباريس‪ .‬كما طبقت القوات األملانية هذا األسلوب على‬
‫املستوى التعبوي والتكتيكي‪ ،‬وكانت دائ�م�اً تستولي على األهداف‬
‫احليوية التي حتقق تهديد أكثر من هدف تالي‪.‬‬

‫(‪ )2‬قوات احللفاء‪:‬‬

‫طبق احللفاء هذا األسلوب بنجاح وساعدتهم طبيعة املسرح‬


‫واإلمكانيات القتالية‪ ،‬فكان حضوهم في شمال أفريقيا يهدد صقلية‬
‫وسردينيا‪ ،‬وكان مجهودهم الرئيسي نحو الشواطئ الغربية إليطاليا‪،‬‬
‫وعند التقدم عبر البحر األدرياتيكي ك��ان أمامهم شمال إيطاليا‬
‫وغرب البلقان‪ ،‬وأيضاً محور بحر إيجه‪ ،‬الذي يهدد القوات األملانية‬
‫ف��ي ال�ي��ون��ان وب�ل�غ��اري��ا وروم��ان �ي��ا‪ .‬كما طبق احل�ل�ف��اء أس�ل��وب العمل‬
‫باألهداف املتناوبة على املستوى التعبوي والتكتيكي في غزو إيطاليا‬
‫وفرنسا‪.‬‬

‫د ‪ -‬صور مختلفة لالقتراب غير املباشر‪:‬‬

‫(‪ )1‬في العملية الدفاعية‪:‬‬

‫(أ) اعتبرت إستراتيجية روسيا الدفاعية في املراحل األولى‬


‫من احلرب عام ‪ ،1941‬وانسحابهم ألعماق واسعة‪ ،‬وفي‬
‫ال غير مباشر لتحقيق النصر‪ ،‬وذلك‬ ‫مساحة كبيرة‪ ،‬عم ً‬

‫‪304‬‬
‫باالستفادة من طبيعة املسرح وأعماقه الكبيرة وطبيعة‬
‫ال�ط�ق��س؛ الس�ت�ن��زاف ال �ق��وات األمل��ان�ي��ة وتهيئة الظروف‬
‫املناسبة للتحول للهجوم العام منذ عام ‪.1943‬‬

‫(ب) ومن تطبيقات اإلستراتيجية الدفاعية الهجومية‪ ،‬التي‬


‫تعتمد على جذب العدو في منطقة قتل مخططة‪ ،‬ما قامت‬
‫به ال�ق��وات األملانية ع��ام ‪ ،1943‬وذل��ك عندما اخترقت‬
‫القوات الروسية اجلبهة شمال نهر الدونيتز‪ ،‬واندفعت‬
‫للغرب من خالل ثغرة عرضها حوالي ‪340‬كم وجتاوزت‬
‫أجناب القوات األملانية‪ ،‬واستعادت خاركوف‪ ،‬وفي هذا‬
‫الوقت قامت القوات األملانية بتجميع احتياطيها كامالً‪،‬‬
‫وقامت بتوجيه ضربة على جنب وم��ؤخ��رة ال��روس‪ ،‬مما‬
‫أفقدها السيطرة وال�ت��وازن‪ ،‬وتراجعت في فوضى تامة‬
‫بعد خسائر أكثر من ‪ 600‬دبابة و‪ 1000‬مدفـع‪ ،‬وذلك‬
‫رغم تفوق القوات الروسية بنسبة ‪ 8‬إلى ‪ 1‬على القوات‬
‫األملانية‪.‬‬

‫(ج) وفي مسرح عمليات شمال أفريقيا‪ ،‬كان روميل أبرز من‬
‫عمل بإستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ ،‬في كل عملياته‬
‫الهجومية‪ ،‬على رغم تكرارها‪ ،‬وكان بارعاً لدرجة عالية‪،‬‬
‫ولم تقف أعماله الدفاعية عند حد الدفاع‪ ،‬بل شملت‬
‫نشاطاً إيجابياً وأعماالً هجومية‪ ،‬دفاعية هجومية‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة تطبيقاته املاهرة معركة «باتل إكس» في ‪ 15‬حزيران‬
‫‪1941‬م‪ ،‬وذلك عندما جنح في جذب املجموعة الوسطى‬
‫م��ن امل��درع��ات البريطانية إل��ى منطقة قتل ف��ي كابتزو‪،‬‬
‫عبارة عن ستارة من امل��داف��ع ‪88‬مم امل�ض��ادة للدبابات‪،‬‬
‫وح �ق��ول أل �غ��ام منتشرة ع�ل��ى ن�ط��اق واس ��ع ف��ي املنطقة‪،‬‬

‫‪305‬‬
‫وبعد صد الهجوم البريطاني واستنزافه نتيجة للخسائر‬
‫الكبيرة‪ ،‬قام روميل بالتحول للهجوم نحو مؤخرة القوات‬
‫البريطانية في ممر حلفاية‪ ،‬لقطع خط االنسحاب إلى‬
‫الشرق‪.‬‬

‫(‪ )2‬في عمليات االنسحاب‪:‬‬

‫(أ) برعت القوات األملانية في تطبيق إستراتيجية االقتراب‬


‫غير املباشر في االنسحاب‪ ،‬خاصة على مسرح عمليات‬
‫روس �ي��ا‪ ،‬وذل��ك عند ان�س�ح��اب مجموعة ج�ي��وش كليست‬
‫من قلب القوقاز حتى ممر روستوف‪ ،‬في أثناء تعرضها‬
‫لهجوم دائم على أجنابها من اجليوش الروسية املتقدمة‬
‫من نهر الدون‪.‬‬

‫(ب) كما يعد انسحاب جيش روميل في أفريقيا من العلمني‬


‫إلى تونس‪ ،‬ملسافة حوالي ‪ 3300‬كم‪ ،‬من أعظم األعمال‬
‫العسكرية غير امل�ب��اش��رة ف��ي االرت ��داد املنظم‪ ،‬م��ن دون‬
‫خسائر كبيرة‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬احلرب النفسية‪:‬‬

‫برع هتلر في تطبيق أساليب احلرب النفسية وحرب الدعاية‪،‬‬


‫كان مستشاره البارع «غوبلز» في حرب الدعاية‪ ،‬واستخدم في ذلك‬
‫العديد من األساليب‪ ،‬مثل اإلذاعة والنشرات‪ ،‬والشائعات‪ ،‬الخ‪ ،‬كما‬
‫برعت ال��والي��ات املتحدة في تطبيق أساليب احل��رب النفسية على‬
‫اليابان‪ ،‬منذ بدء غزوها للفيليبني عام ‪.1944‬‬

‫‪306‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬

‫في عصر ثورة املعلومات والتكنولوجيا‬

‫بعد انتهاء عصر ال�ث��ورة ال��زراع�ي��ة‪ ،‬أخ��ذت ه��ذه ال�ث��ورة معها‬


‫ح��روب ال�س�ي��ف وال��رم��اح‪ ،‬وان�ط�ل��ق ع�ص��ر ال �ث��ورة ال�ص�ن��اع�ي��ة‪ ،‬التي‬
‫غيرت من أساليب البشر‪ ،‬وأصبح التدمير الشامل هو سمة العصر‬
‫الصناعي‪ ،‬وال زال ميثل العالمة املميزة حلرب املوجة الثانية‪ .‬مع‬
‫بداية العقد الثامن من القرن العشرين‪ ،‬بدأت تكنولوجيات جديدة‪،‬‬
‫وأف �ك��ار ج��دي��دة‪ ،‬تتحدى مجتمع امل��وج��ة الثانيـة‪ ،‬وك��ان��ت انطالقة‬
‫جديدة لعصر جديد‪ ،‬هو «عصر املعلومات والتكنولوجيا» & ‪Info‬‬
‫‪ Tech Age‬الذي بدأ العالم قريباً الدخول فيه اعتباراً من احلقبة‬
‫األخيرة من القرن العشرين‪ ،‬وحتديدا منذ حرب اخلليج عام ‪،1991‬‬
‫حيث استخدم فيها ك��ل م��ا وص��ل إليه العلم والتكنولوجيا‪ ،‬واتفق‬
‫احملللون على توصيفه بعصر املوجة الثالثة ‪ The 3rd Wave‬أو حضارة‬
‫املعرفة ‪ -‬إستراتيجية االقتراب غير املباشر عبر العصور‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫إن عصر املعلومات والتكنولوجيا‪ ،‬يشمل ت�ط��وراً ه��ائ�لاً‪ ،‬في‬
‫جميع املجاالت االقتصادية والعسكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالجتماعية‬
‫ال من املعلومات واملعرفة والتكنولوجيا‪،‬‬‫واحلضارية‪ ،‬ويحمل كماً هائ ً‬
‫سمة القرن الواحد والعشرين‪ ،‬كما أطلق على التخطيط ملواجهته‬
‫«إستراتيجية املعرفة»‪ ،‬وأصبح من ميلك املعلومات واملعرفة‪ ،‬ميلك‬
‫اليد العليا في أي صراع اقتصادي أو عسكري أو حضاري جديد‪.‬‬

‫إن القوة احلقيقية في ثورة املعلومات والتكنولوجيا‪ ،‬تكمن في‬


‫قدرتها على قلب املفاهيم التقليدية‪ ،‬التي هيمنت على الفكر اإلنساني‪،‬‬
‫طوال عصر الصناعة‪ ،‬وأصبح هناك خصائص وأشكال جديدة للحرب‪،‬‬
‫وأصبح هناك تغير في الفكر الفلسفي والعقائد العسكرية‪ ،‬التي تبنى‬
‫على التحول من عقيدة ترتكز على تدمير القدرة املادية للخصم‪ ،‬إلى‬
‫مفهوم آخر ينظر إلى اخلصم على أنه نظام معقد‪ ،‬ميكن شل قدرته على‬
‫املقاومة‪ ،‬من خالل استهداف وظائفه احليوية‪ ،‬وهدم بنيانه التنظيمي‪،‬‬
‫طبيعة ال مادية‪ ،‬أو من خالل حرب غير قاتلة ‪ ،Non- lethal war‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك فإن إستراتيجية االقتراب غير املباشر هي محور أو‬
‫أساس تطور النظريات وأساليب احلرب احلديثة إضافة إلى دورها‬
‫في الرؤية احلديثة للمجاالت السياسية واالقتصادية والدبلوماسية‬
‫واملعنوية على املستوى القومي للدولة‪.‬‬

‫إن ه��دف إستراتيجية االق �ت��راب غير املباشر‪ ،‬ه��و تفتيت أو‬
‫إضعاف مقاومة اخلصم‪ ،‬ويكون ذلك بتدميره أو قهره من الداخل‪ ،‬بأقل‬
‫تكاليف ممكنة‪ ،‬وفي أقل زمن متاح‪ .‬إن املجال القومي لإلستراتيجية‪،‬‬
‫هو من الضروريات لتحقيق األهداف والغايات القومية للدولة‪ ،‬وإذا‬
‫كان ضرورياً في املجال العسكري‪ ،‬فال يقل أهمية عنها في املجال‬
‫السياسي والدبلوماسي واالقتصادي واالجتماعي واملعنوي لتحقيق‬
‫األهداف من دون صراع‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫‪ - 1‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫السياسي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ويعني اتخاذ موقف تعبيري بني طرفني أو أكثر‪ ،‬فئات أو‬


‫طبقات أو مجموعات في املجتمع‪ ،‬حول قضية‪ ،‬يتم من‬
‫خاللها عرض وتبادل وتقريب وجهات النظر‪ ،‬باستخدام‬
‫أس��ال�ي��ب غ�ي��ر م �ب��اش��رة‪ ،‬ل�ل�ح�ف��اظ ع�ل��ى امل�ص��ال��ح العامة‬
‫للدولة‪ ،‬أو احلصول على منفعة أو تعظيمها‪ .‬إن طبيعة‬
‫العالقة بني النظام احلاكم والشعب‪ ،‬وطبيعة املشكالت‬
‫السياسية املطلوب مواجهتها‪ ،‬حتدد املناهج املستخدمة‪،‬‬
‫وطبيعة األساليب املطلوب تطبيقها‪.‬‬

‫(‪ )1‬منهج املصلحة املشتركة‪ :‬ويعتمد على إبراز أهمية‬


‫خلق عالقة تعاون بني األطراف‪ ،‬وذلك بفرض حلول‬
‫لتطوير التعاون القائم أو حتقيق التكامل‪.‬‬

‫(‪ )2‬م�ن�ه��ج ال��ص��راع‪ :‬وي�ع�ت�م��د ع�ل��ى اخل���داع والتمويه‪،‬‬


‫واإلحباط‪ ،‬والتشتيت أو التفتيت‪.‬‬

‫ب ‪ -‬تتعدد أساليب إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪ ،‬وإن‬


‫كانت تعتمد على حتقيق الهدف باسلوب غير مباشر‪،‬‬
‫«م �ث��ل وض��ع ال �س��م ف��ي ال �ع �س��ل»‪ ،‬وع �ل��ى أن ت �ب��دأ بكسب‬
‫الثقة واالحترام املتبادل‪ ،‬ثم جتزئة القضية وتفتيتها إلى‬
‫أج��زاء أو م��راح��ل‪ ،‬ث��م ات�خ��اذ األس�ل��وب املناسب بعدها‪،‬‬
‫مثل «اإلغ ��راء‪ ،‬وإخ�ف��اء قضايا وإب��راز أخ��رى‪ ،‬والتشويه‬
‫والتضليل‪ ،‬وقلب احلقائق‪ ،‬وامل�ن��اورة باملواقف وأن لكل‬

‫‪309‬‬
‫ش��يء ث�م�ن�اً‪ ،‬وه �ن��اك ثمن لكل ش��يء‪ ،‬واحل �ل��ول الوسط‪،‬‬
‫وإجهاض املبادرات واملطالب املقدمة»‪.‬‬

‫ج ‪ -‬من الطبيعي في أي دولة أن يواجه النظام احلاكم بعض‬


‫املشاكل أو األزم��ات التي تنتج عن ص��راع بني إرادتني‪،‬‬
‫س��واء ب�ين احل�ك��وم��ة وب�ع��ض ف�ئ��ات املجتمع أو ب�ين بضع‬
‫فئات املجتمع وبعضها اآلخ��ر‪ ،‬وم��ن ال�ض��روري مواجهة‬
‫ه��ذه املشاكل واألزم ��ات بدبلوماسية غير مباشرة لكل‬
‫قضايا املجتمع‪ .‬ومن أمثلة ذلك مشاكل الفتنة الطائفية‪،‬‬
‫أو الصراعات احلزبية‪ ،‬أو الصراع الطبقي بني األغنياء‬
‫وال��ف��ق��راء‪ ،‬أو ع �ن��د اخ �ت�لاف اآلراء ف��ي م �ج��ال حترير‬
‫االقتصاد أو تبعيته للدولة‪ ،‬أو بني من ينادي بالسالم‬
‫ومن ينادي باحلرب‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪ - 2‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫االقتصادي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬على املستوى الداخلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬ويدخل في إطارها فن التسويق باستخدام أساليب غير‬


‫مباشرة‪ ،‬بغرض الترويج التجاري‪.‬‬

‫(‪ )2‬األساليب املختلفة جلذب االستثمار في مجاالت الزراعة‬


‫واس �ت �ص�لاح األراض� ��ي وال �ص �ن��اع��ة وامل��ج��االت اخلدمية‬
‫وخ�ل�اف��ه‪ ،‬وذل���ك ب��إج��راء ب �ع��ض ال�ت�س�ه�ي�لات والدعاية‬
‫واإلعالم‪ ،‬والقضاء على الروتني‪ ،‬واملصارحة باحلقائق‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫(‪ )3‬إن تنمية ق��درة الدولة‪ ،‬تنعكس بشكل غير مباشر على‬
‫قدرتها االقتصادية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬على املستوى اخلارجي‪:‬‬

‫(‪ )1‬األساليب غير املباشرة‪ ،‬جلذب املستثمرين من اخلارج‪.‬‬

‫(‪ )2‬األساليب املختلفة للصراع االقتصادي‪:‬‬

‫(أ) احلصار االقتصادي للخصم واحتواؤه داخل وحول‬


‫مناطق نفوذه وتشديد الضغط عليه‪.‬‬

‫(ب) أسلوب التسلل غير املباشر؛ لهدم البنيان االقتصادي‬


‫للخصم ‪ -‬مادياً ومعنوياً‪.‬‬

‫(ج) ت�ط�ب�ي��ق أس��ال �ي��ب االح �ت �ك��ار‪ ،‬واإلغ � ��راق واملضاربة‬


‫املالية‪.‬‬

‫(د) ق��د ي�ك��ون ال�ت��وس��ع اجل�غ��راف��ي أح��د األس��ال�ي��ب غير‬


‫املشروعة حلل مشكالت اقتصادية داخلية‪.‬‬

‫(‪ )3‬األساليب املختلفة لدعم التعاون االقتصادي الدولي‪:‬‬

‫(أ) االن �ف �ت��اح ع�ل��ى ال �س��وق ال �ع��امل��ي‪ ،‬وحت�ق�ي��ق املنافسة‬


‫العاملية‪ ،‬واحتياج السوق العاملي‪.‬‬

‫(ب) األحالف والتكتالت االقتصادية‪ ،‬واملناطق احلرة‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫(ج) اإلعالم والدعاية واملصداقية والشفافية‪ ،‬في إبراز‬
‫مزايا أو قوة وضع االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫(د) خلق ن��وع من التبعية االقتصادية‪ ،‬خاصة مع دول‬


‫أقل ثراء‪.‬‬

‫‪ - 3‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫الدبلوماسي والسياسة اخلارجية‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إن الدبلوماسية إحدى أدوات السياسة اخلارجية‪ ،‬ومجال‬


‫نشاطها في دعم وإدارة العالقات الدولية والتأثير على‬
‫الرأي العام العاملي‪ ،‬والتعاون الدولي‪ ،‬وبحث التسهيالت‬
‫والتحالفات والتكتالت السياسية واالقتصادية والعسكرية‪،‬‬
‫وذلك من خالل التمثيل والتفاوض اخلارجي للدول أو مع‬
‫املنظمات اإلقليمية والدولية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وتتعلق السياسة اخلارجية مبفهوم توازن القوى‪ ،‬ومفهوم‬


‫األمن اجلماعي‬

‫(‪ )1‬توازن القوى‪:‬‬

‫(أ) يتحقق بالتعادل أو شبه التعادل‪ ،‬في ت��وازن القوى‪ ،‬بني‬


‫محاور القـوى املضادة‪ ،‬وعندما يتحقق ذلك يسود السالم‬
‫الدولي واستقالل الدول املعنية‪.‬‬

‫(ب) الوسائل املتبعة في حتقيقه‬

‫‪312‬‬
‫سياسة فرق تسد‪.‬‬ ‫< ‬

‫سياسة التعويضات اإلقليمية وإعادة توزيع مناطق‬ ‫< ‬


‫النفوذ‪.‬‬

‫سياسة التسلح للحصول على التوازن املطلوب‪.‬‬ ‫< ‬

‫التحالفات والتكتالت والتسهيالت والتعاون‪.‬‬ ‫< ‬

‫املناطق العازلة‪.‬‬ ‫< ‬

‫التدخل العسكري‪.‬‬ ‫< ‬

‫(‪ )2‬األمن اجلماعي‪:‬‬

‫(أ) هدف إلى احليلولة دون تغير الواقع الدولي‪ ،‬أو اإلخالل‬
‫بأوضاعه وعالقاته أو تبديلها‪ ،‬في اجتاه يخدم مصلحة‬
‫دولة على حساب دولة أخرى‪ ،‬وذلك باتخاذ تدابير دولية‬
‫جماعية لقوة ضاغطة ومضادة حملاوالت التغير‪.‬‬

‫(ب) بني تقديرات نظام األمن اجلماعي‪ ،‬في عدم االحتكام‬


‫إل��ى املنطق أو األخ�لاق�ي��ات ل��ردع ال �ع��دوان‪ ،‬وإمن��ا وضع‬
‫العدوان في مواجهة قوى متفوقة‪ ،‬وه��ذا التفوق يشكل‬
‫قوة رادعة تضمن بقاء الوضع القائم‪.‬‬

‫(ج) من األساليب غير املباشرة‪ ،‬لبناء النظام خلق مصالح‬


‫مشتركة‪ ،‬دعم‪ /‬خلق تهديد محتمل‪ ،‬إضعاف األطراف‪،‬‬
‫الدعاية ملزايا النظام‪ ،‬ومب��ا يحقق احتياج ال��دول لبناء‬

‫‪313‬‬
‫نظام إقليمي‪.‬‬

‫‪ - 4‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫االجتماعي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ويشمل كل ما يتعلق باملجتمع والسكان‪ ،‬من حيث املجتمع‬


‫وفئاته‪ ،‬ومستويات الصحة والتعليم والرفاهية والبطالة‪،‬‬
‫والتنمية االج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬وال�ت��وج�ه��ات الثقافية والدينية‬
‫والعقائدية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وه�ن��اك م�ج��ال اجتماعي داخ �ل��ي‪ ،‬وتتشابه أساليبه مع‬


‫املجال السياسي الداخلي‪ ،‬أما اخلارجي فيشمل جميع‬
‫اإلج� ��راءات ال�ت��ي تتخذ إلض �ع��اف ال��دول��ة اخل �ص��م‪ ،‬مثل‬
‫التفرقة بني املجتمعات والطبقات والفئات املختلفة‪.‬‬

‫(‪ )1‬جتنيد عناصر موالية في الدولة اخلصم؛ لتنفيذ‬


‫مهام معينة ‪ -‬طابور خامس‪.‬‬

‫(‪ )2‬دعم أعمال اإلره��اب‪ ،‬واملخدرات‪ ،‬ونشر األمراض‬


‫املستعصية ال�ف�ت��اك��ة‪ ،‬واحل���روب ال�ب�ي��ول��وج�ي��ة ضد‬
‫الدولة اخلصم‪.‬‬

‫ج ‪ -‬كما أن الصراع احلضاري والغزو الثقافي من الوسائل‬


‫احلديثة في حروب القرن الواحد والعشرين‪ ،‬والتي تكون‬
‫موجهة لتحقيق أهداف محددة وغير مباشرة‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫‪ - 5‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق� �ت ��راب غ �ي��ر امل �ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫املعنوي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬وتهدف إلى التأثير النفسي في القوى البشرية‪ ،‬وتوجيه‬


‫األفكار والعقائد توجيهاً خاصاً يتفق ومطالب الدولة‪.‬‬
‫وتعمل على حتطيم ال��روح املعنوية وق��وة إرادة اخلصم‪،‬‬
‫وفي مجال آخر تقوية الروح املعنوية وقوة إرادة الشعب‬
‫دون ضعف أو استسالم‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ويلعب اإلعالم املوجة وأساليب احلرب النفسية وأساليب‬


‫ال��دع��اي��ة ال �س��وداء ض��د املجتمع دوراً ه��ام�اً وح�ي��وي�اً في‬
‫امل�ج��ال السياسي والدبلوماسي‪ ،‬والسياسي اخلارجي‪،‬‬
‫واالقتصادي‪ ،‬والعسكري‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وي �س �ت �خ��دم ف ��ي ذل���ك أس��ال �ي��ب م�خ�ت�ل�ف��ة م �ث��ل اإلذاع� ��ة‬
‫والتليفزيون‪ ،‬والصحافة والسينما‪ ،‬والنشرات‪ ،‬والعمالء‪،‬‬
‫والشائعات‪ ،‬واحلصار‪ ،‬والطابور اخلامس‪.‬‬

‫د ‪ -‬ومن أبرز األساليب التكرار‪ ،‬وعرض احلقائق‪ ،‬وحتديد‬


‫هدف لإلعالم أو احلرب النفسية أو الدعاية‪.‬‬

‫‪ - 6‬إس �ت��رات �ي �ج �ي��ة االق�� �ت� ��راب غ��ي��ر امل� �ب ��اش ��ر وح� ��روب‬
‫املستقبل‪:‬‬

‫أ ‪ -‬ف��ي ذروة احل��رب البرية ض��د ال �ع��راق‪ ،‬ف��ي أث�ن��اء عملية‬


‫عاصفة ال�ص�ح��راء‪ ،‬ذك��ر أح��د املتحدثني ب��اس��م القوات‬
‫امل �س �ل �ح��ة األم��ري �ك �ي��ة‪ ،‬أن ال��ه��دف م��ن وراء العمليات‬

‫‪315‬‬
‫العسكرية األمريكية هو «النفاذ إل��ى داخ��ل دورة اتخاذ‬
‫القرار للقيادة العراقية ولم يتضح وقتها ما هو املقصود‬
‫بهذا التصريح‪ ،‬إذ ظنت وسائل اإلعالم أنه يشير إلى جناح‬
‫أجهزة االستخبارات لدول التحالف في كشف تفاصيل‬
‫خطط احل��رب العراقية‪ ،‬إال أن احلقيقة ه��ي أن فكرة‬
‫اخ�ت��راق دورة صنع ال�ق��رار للعدو‪ ،‬ه��ي الفكرة احملورية‬
‫التي يتبلور حولها مفهوم أطلق عليه «حرب املعلومات»‪،‬‬
‫وال �ت��ي ت�ه��دد احل��واس��ب اآلل �ي��ة‪ ،‬وم��راك��ز التحكم اآللي‪،‬‬
‫ونظم القيادة والسيطرة‪ ،‬إال أن هذا النوع من احلروب‬
‫قد تطور كثيراً في العصر احلديث ليشمل العديد من‬
‫أع�م��ال امل�خ��اب��رات‪ ،‬واالس�ت�ط�لاع‪ ،‬واحل��رب اإللكترونية‪،‬‬
‫والتخريب الفني لنظم املعلومات‪ ،‬مبا في ذلك حل شفرة‬
‫البرقيات‪ ،‬واحملادثات وغيرها‪ .‬وعندما بدأت فكرة حرب‬
‫املعلومات‪ ،‬خالل الثمانينيات‪ ،‬ظهر معها مفهوم حروب‬
‫املستقبل وتصوراتها املختلفة في الدول املتقدمة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬نتيجة الستمرار وتسارع التطور التكنولوجي العاملي‪ ،‬فإنه‬


‫لم يستقر حتى اآلن على شكل نهائي حل��روب املستقبل‬
‫‪ ،Futurity Wars‬وإن ك��ان هناك بعض ال�ص��ور‪ ،‬التي مت‬
‫التوصل إليها واختبارها‪ ،‬في ح��روب العقد األخير من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ارتباطاً مبا وصل إليه العلم واملعرفة‬
‫من تطور‪ ،‬واخلطط املستقبلية لهذا التطور‪ ،‬ويعتمد ذلك‬
‫على عقيدة أطلق عليها «ا حل��رب عن بعد » ‪rTele-Wa‬‬
‫‪ ،faree‬وعقيدة «ا حل��رب ب��دون قتل» �‪Non - lethal War‬‬
‫‪ ،fare‬وعقيدة «حرب املعلومات» ‪ ،Info-warfare‬وجوهر‬

‫‪316‬‬
‫تلك العقائد يعتمد على احلرب بدون قتل‪ ،‬أو بال دماء‬
‫‪ ،Without Blood‬وف��ي ص��ورة أخ��رى‪ ،‬ت��ؤدي إل��ى تدمير‬
‫الهدف املطلوب بأقل تدمير مصاحب حوله‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وم��ن ص��ور ح ��روب امل�س�ت�ق�ب��ل‪ ،‬ح��رب امل�ع�ل��وم��ات وتشمل‬


‫اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬حرب القيادة والسيطرة‪.‬‬

‫(‪ )2‬حرب االستطالع‪.‬‬

‫(‪ )3‬احلرب اإللكترونية‪.‬‬

‫(‪ )4‬العمليات النفسية‪.‬‬

‫(‪ )5‬حرب التحكم اآللي‪.‬‬

‫(‪ )6‬احلرب من الداخل أو مهاجمة برامج النظم اآللية‪.‬‬

‫(‪ )7‬احلرب في مجال الفضاء اخلارجي‪.‬‬

‫د ‪ -‬وهناك صور أخرى متعددة للحروب‪ ،‬مثل احلرب البيئية‪،‬‬


‫وحروب أسلحة البيئة املتطورة‪ ،‬التي حتقق إحداث زالزل‬
‫وبراكني‪ ،‬وأعاصير‪ ،‬أو تغير طبيعة األح��وال اجلوية‪ ،‬أو‬
‫إرسال احلشرات املعدلة جنسياً لتدمير محصول زراعي‬
‫معني‪ .‬وهناك أيضاً حرب الطاقة املوجهة‪ ،‬والتي تؤدي‬
‫إلى تلويث وق��ود الدبابات والعربات؛ لشل قدرتها على‬
‫احل��رك��ة‪ ،‬وه��و م��ا أط �ل��ق ع�ل�ي��ه األس �ل �ح��ة امل �ض��ادة للجر‬

‫‪317‬‬
‫واحلركة‪ ،‬أو باستخدام مواد أخ��رى‪ ،‬تؤدي إلى هشاشة‬
‫املعدن ‪ ،‬والتي بنثرها على أي منشأة أو معدة معدنية‬
‫جتعلها هشة‪ ،‬قابلة للكسر‪ ،‬وغير صاحلة لالستخدام أو‬
‫«احلرمان من االستخدام»‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬وتقسم حروب املستقبل إلى اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )1‬احلروب صغيرة املدى (حرب محدودة)‪ :‬وهي األكثر‬


‫احتماالً‪ ،‬واألكثر انتشاراً في املستقبل‪ ،‬ويستخدم فيها‬
‫قوات ذات طبيعة خاصة‪ ،‬وتدريب وإعداد خاص‪ ،‬ويطلق‬
‫عليهـا ق��وات العمليات اخل��اص��ة ‪،Special Operations‬‬
‫حيث تتخصص في تنفيذ عمليات عسكرية ذات طابع‬
‫خ��اص‪ ،‬مع توفير تكنولوجيا متقدمة ‪ Hig‬من التسليح‪،‬‬
‫تتناسب م��ع ه��ذا ال �ن��وع م��ن احل ��روب احمل���دودة‪ ،‬فتكون‬
‫أك �ث��ر ف�ع��ال�ي��ة‪ ،‬وحت ��دث أق��ل خ�س��ائ��ر مم�ك�ن��ة‪ ،‬وتستخدم‬
‫التكنولوجيا املتقدمة في التخطيط واإلع��داد والتدريب‬
‫وتنفيذ العمليات‪ ،‬كما تستخدم التكنولوجيا في توفير‬
‫أسلحة ذات م�ه��ام م�ت�ع��ددة‪ ،‬وسهلة االس �ت �خ��دام‪ ،‬وتوفر‬
‫إمكانية العمل ف��ي ال�ظ��روف الصعبة‪ ،‬وخ��اص��ة اإلعاقة‬
‫واالكتشاف املنخفض‪ ،‬وكذلك االستفادة من مشروعات‬
‫ال�ت�ط��وي��ر امل�خ�ط�ط��ة ف��ي اس �ت �خ��دام اجل�ي�ن��ات والهندسة‬
‫ال��وراث�ي��ة‪ ،‬مثل خلق ج�ن��دي محترف ذي ص�ف��ات خاصة‬
‫وبالعدد املطلوب أو باستخدام توارد األفكار الصناعي‪.‬‬

‫(‪ )2‬احلرب الفضائية‪ :‬ومتثل البعد الرابع للحرب‪ ،‬باالعتماد‬


‫املتزايد على الصواريخ واألقمار الصناعية‪ ،‬وميكن من‬

‫‪318‬‬
‫خالل الفضاء‪ ،‬التحكم في عوامل فنية معينة‪ ،‬تؤثر على‬
‫ميزان ال�ق��وى‪ ،‬وتصبح عمليات التجسس أكثر سهولة‪،‬‬
‫وتظهر أن��واع جديدة من احل��رب املمتدة زمنيا‪ ،‬مثل ما‬
‫يطلق عليه «القتل اللني» أو القتل الناعم ‪،Soft Killing‬‬
‫حيث ميكن تدمير أو إع��ادة برمجة ال�ص��واري��خ ومراكز‬
‫امل�ع�ل��وم��ات ألي دول��ة‪ ،‬دون االش�ت�ب��اك الفعلي ف��ي حرب‬
‫دموية‪ ،‬ومتحاشياً التعرف على هوية الدولة املعتدية‪.‬‬

‫(‪ )3‬حرب الروبوت‪ :‬ظهر الروبوت في استخدامات متعددة‪،‬‬


‫عسكرياً و م��د ن�ي�اً‪ ،‬ومت تطويره إ ل��ى امليكرو رو ب��و ت ‪iM‬‬
‫‪ cro Robot‬وبرز لنا جيل جديد أطلق عليه النانو روبوت‬
‫‪ Nano Robot‬اعتماداً على تكنولوجيا النانو‪ ،‬تكنولوجيا‬
‫التصغير‪( ،‬النانو ج��زء من أل��ف مليون من امليكرو)‪ ،‬ثم‬
‫تكنولوجيا البيكو‪( ،‬جزء من ألف جزء من النانو)‪ ،‬ومن‬
‫ث��م يصبح ال��روب��وت بحجم اخللية احل�ي��ة‪ ،‬ول��ذل��ك أمكن‬
‫إنتاج اجلندي املبيد ‪ ،Terminator‬والذي يدار عن بعد‪،‬‬
‫ويتميز بالذكاء الصناعي العالي في التعامل مع األهداف‬
‫في ميدان القتال‪ ،‬ويستخدم في تنفيذ مهام االستطالع‬
‫أو احلراسة والتأمني‪ ،‬أو اإلص�لاح‪ ،‬أو فتح الثغرات‪ ،‬أو‬
‫امل�ه��ام ذات اخل �ط��ورة العالية‪ ،‬عند اس�ت�خ��دام األسلحة‬
‫الكيماوية‪ ،‬البيولوجية والنووية‪ ،‬وهناك أيضا الطائرات‬
‫املوجهة بدون طيار‪ ،‬ذات املهام املتعددة واحلجم الصغير‪،‬‬
‫والدبابة والعربة والزورق الروبوت‪.‬‬

‫(‪ )4‬احل��رب باستخدام األسلحة الذكية‪ :‬وتشمل دوائر‬


‫االس�ت�ش�ع��ار‪ ،‬واألل �غ��ام اإلل�ك�ت��رون�ي��ة وال �ص��واري��خ الذكية‪،‬‬

‫‪319‬‬
‫وال ��دروع اإلل�ك�ت��رون�ي��ة‪ ،‬واألس�ل�ح��ة غير القاتلة املتعددة‬
‫ال�ت��أث�ي��ر‪ ،‬واألس�ل�ح��ة ذات ال �ق��درة ع�ل��ى ال�ت��وال��د الذاتي‪،‬‬
‫وهي األكثر خطورة بسبب عدم القدرة على التحكم في‬
‫حصر أعدادها بعد إط�لاق الدفعة األول��ى‪ ،‬إضافة إلى‬
‫العديد من األسلحة الذكية األخ��رى‪ ،‬حيث يتشكل منها‬
‫ال عن األسلحة‬ ‫ميدان ح��رب إلكتروني‪ ،‬وال��ذي يُعد بدي ً‬
‫التقليدية‪.‬‬

‫(‪ )5‬ح��رب ال�ل�ي��زر‪ :‬وتشمل االس�ت�خ��دام��ات امل�ت�ع��ددة لطاقة‬


‫ال�ل�ي��زر ف��ي امل �ي��دان‪ ،‬لتخفيض حجم القتلى والوفيات‪،‬‬
‫م��ع إح ��داث اآلث ��ار املطلوبة ل�لأه��داف األخ ��رى‪ ،‬وأيضا‬
‫اس �ت �خ��دام ال �ع��وام��ل غ�ي��ر امل��رئ�ي��ة ف��ي اإلخ �ف��اء واخلداع‬
‫وتشتيت العدو‪.‬‬

‫و ‪ -‬وإذا نظرنا إلى جميع صور حروب املستقبل‪ ،‬جند أنها‬


‫صور مختلفة ألساليب إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪،‬‬
‫حيث جند أن حرب املعلومات في جميع صورها تستهدف‬
‫النفاذ إل��ى داخ��ل دورة اتخاذ ال�ق��رار للخصم‪ ،‬وه��و في‬
‫حقيقة األم��ر اق �ت��راب غ�ي��ر م�ب��اش��ر يحقق ش��ل اخلصم‬
‫وإف�ق��اده السيطرة على ال�ق��وات‪ .‬كما أن االستخدامات‬
‫املختلفة ألسلحة البيئة املتطورة وحرب الطاقة املوجهة‬
‫واألس �ل �ح��ة امل �ض��ادة ل�ل�ج��ر واحل��رك��ة‪ ،‬حت�ق��ق إم��ا تدمير‬
‫اخلصم بدون دماء‪ ،‬أو شل حركة قواته‪ .‬وإذا انتقلنا إلى‬
‫حروب املستقبل من حيث النوع‪ ،‬جند أن احلروب صغيرة‬
‫املدى أو احل��روب احمل��دودة واحل��روب الفضائية‪ ،‬وحرب‬
‫الروبوت‪ ،‬واستخدامات األسلحة الذكية‪ ،‬والليزر‪ ،‬تطبيق‬

‫‪320‬‬
‫ألساليب إستراتيجية االقتراب غير املباشر لتكنولوجيا‬
‫القرن الواحد والعشرين‪ ،‬فهي حتقق تدمير اخلصم بأقل‬
‫خسائر أو بدونها‪ ،‬وبأقل تكاليف ممكنة‪ ،‬وأقل زمن متاح‪،‬‬
‫أو تؤدي إلى شل اخلصم وسهولة فرض اإلرادة السياسة‬
‫عليه ‪.‬‬

‫‪321‬‬
322
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬
‫املقدمة ‪7 .....................................................‬‬
‫ال� � �ب � ��اب األول‪ :‬االس� �ت ��رات� �ي� �ج� �ي ��ة وال �ت �خ �ط �ي��ط‬
‫االستراتيجي ‪13 ............................................‬‬
‫الفصل ألول‪ :‬االستراتيجية وعالقتها بالقضايا‬
‫القومية ‪15 ...................................................‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلستراتيجية ‪15 .......................................‬‬
‫‪ - 1‬الصفة اإلستراتيجية ‪15 ...............................‬‬
‫‪ - 2‬عناصر القدرة اإلستراتيجية ‪17 ......................‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإلستراتيجية القومية العليا ‪18 .......................‬‬
‫‪ - 1‬مفهوم اإلستراتيجية القومية ‪18 ......................‬‬
‫أ ‪ -‬وجهة نظر ليدل هارت ‪18 ............................‬‬
‫ب ‪ -‬وجهة نظر أندريه بوفر ‪18 ..........................‬‬
‫ج ‪ -‬وجهات نظر حديثة ‪19 ...............................‬‬

‫‪323‬‬
‫الصفحة‬
‫‪19‬‬ ‫د ‪ -‬أبعاد اإلستراتيجية القومية ‪......................‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪ - 2‬عالقة اإلستراتيجية القومية باألمن القومي ‪......‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪ - 3‬عالقة اإلستراتيجية القومية بالغاية القومية ‪......‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ - 4‬عالقة اإلستراتيجية القومية باألهداف القومية‪...‬‬
‫‪22‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬سياسة الدولة ‪......................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫رابعاً‪ :‬اإلستراتيجية العسكرية ‪...........................‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ - 1‬الهدف اإلستراتيجي العسكري ‪....................‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ - 2‬طبيعة اإلستراتيجية العسكرية ‪....................‬‬
‫‪25‬‬ ‫(‪ )1‬القوة أداة هجومية ‪...............................‬‬
‫‪26‬‬ ‫(‪ )2‬القوة كأداة دفاعية ‪...............................‬‬
‫‪26‬‬ ‫(‪ )3‬القوة أداة للردع ‪..................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫خامساً‪ :‬بناء السياسات واإلستراتيجيات العسكرية ‪.....‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ - 1‬مستوى القيادة السياسية في الدولة ‪...............‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪ - 2‬مستوى القيادة السياسية العسكرية ‪...............‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪ - 3‬مستوى القيادة العسكرية ‪..........................‬‬
‫ال� �ف� �ص���ل ال�� �ث� ��ان� ��ي‪ :‬م� �ف� �ه���وم ع� �م� �ل� �ي ��ة ال �ت �ف �ك �ي��ر‬
‫‪29‬‬ ‫االستراتيجي ‪..........................................‬‬
‫‪34‬‬ ‫أوالً‪ :‬معنى التفكير االستراتيجي القومي ‪................‬‬
‫‪36‬‬ ‫ثانياً‪ :‬عالقة اإلبداع بالتفكير االستراتيجي القومي ‪.....‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪ - 1‬وسائل اختيار املشاكل القومية ‪.....................‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪ - 2‬إتاحة اإلبداع ‪......................................‬‬
‫‪38‬‬ ‫‪ - 3‬طريقة العمل ‪.......................................‬‬

‫‪324‬‬
‫الصفحة‬
‫‪38‬‬ ‫‪ - 4‬التركيز االدراكي ‪...................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أهمية التفكير االستراتيجي ومعوقاته ‪.............‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ - 1‬أهمية التفكير االستراتيجي ‪.......................‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪ - 2‬معوقات التفكير االستراتيجي ‪.....................‬‬
‫‪40‬‬ ‫أ ‪ -‬خبرات املفكر االستراتيجي ‪.......................‬‬
‫‪40‬‬ ‫ب ‪ -‬وهم التكامل االدراكي ‪...........................‬‬
‫‪41‬‬ ‫ج ‪ -‬التنظيم البيروقراطي ‪............................‬‬
‫‪41‬‬ ‫د ‪ -‬خضوع املفكر االستراتيجي للسلطة ‪.............‬‬
‫‪42‬‬ ‫رابعاً‪ :‬مراحل التفكير االستراتيجي القومي ومهامه ‪.....‬‬
‫‪44‬‬ ‫خامساً‪ :‬أدوات التفكير االستراتيجي القومي ‪............‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ - 1‬استراتيجية بناء السيناريوهات ‪....................‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪ - 2‬استنباط احللول ‪...................................‬‬
‫‪48‬‬ ‫سادساً‪ :‬أسس التفكير االستراتيجي وبنيته الفكرية ‪....‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪ - 1‬أسس التفكير االستراتيجي ‪........................‬‬
‫‪48‬‬ ‫أ ‪ -‬الرؤية العاملية النظامية ‪...........................‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ -‬مفهوم الفوضى بدالً من مفهوم السبب والنتيجة‪..‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -‬مفهوم الترابط ‪....................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -‬مفهوم االختيار املفاهيمي ‪.........................‬‬
‫‪51‬‬ ‫ب ‪ -‬النظرة بعمق في هيكل الواقع ‪...................‬‬
‫ج ‪ -‬التركيز نحو هدف والدفع بأجتاهه والتفكير في‬
‫الزمن ‪53 .................................................‬‬
‫‪ - 2‬بنية التفكير االستراتيجي ‪55 ..........................‬‬

‫‪325‬‬
‫الصفحة‬
‫‪56‬‬ ‫‪ -‬التفكير لهدف ما ‪...................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -‬التفكير انطالقاً من نسق معرفي ‪...................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ -‬التفكير يتم بنا ًء على مفاهيم ‪.......................‬‬
‫‪58‬‬ ‫‪ -‬التفكير يقوم على املعلومات والوقائع واخلبرات‪....‬‬
‫‪58‬‬ ‫< استيعاب املعلومات اخلاملة ‪.......................‬‬
‫‪59‬‬ ‫< تفعيل اجلهل ‪......................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫< تفعيل املعرفة ‪.....................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪ -‬التفكير يقوم على افتراضات ‪.......................‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪ -‬فهم التداعيات ‪.....................................‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ -‬التفكير يهدف إلى اإلجابة على تساؤالت ‪..........‬‬
‫‪62‬‬ ‫سابعاً‪ :‬منهجية التفكير االستراتيجي ‪....................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التخطيط االستراتيجي القومي‬
‫‪67‬‬ ‫وسمات االستراتيجيات القومية ‪......................‬‬
‫‪68‬‬ ‫أوال مفهوم التخطيط االستراتيجي القومي ‪.............‬‬
‫‪70‬‬ ‫ثانياً‪ :‬سمات التخطيط االستراتيجي القومي ‪...........‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪ - 1‬علمية التخطيط ‪...................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ - 2‬دينامية التخطيط االستراتيجي ‪...................‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ - 3‬السمة التفاعلية ‪...................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أهمية التخطيط االستراتيجي القومي ومعوقاته‪...‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪ - 1‬مكاسب عملية التخطيط االستراتيجي القومي‪....‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪ - 2‬معوقات التخطيط االستراتيجي القومي ‪..........‬‬
‫‪75‬‬ ‫رابعاً‪ :‬السمات العامة لإلستراتيجية القومية ‪............‬‬

‫‪326‬‬
‫الصفحة‬
‫‪75‬‬ ‫‪ - 1‬وضوح األهداف ‪...................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ - 2‬واقعية االستراتيجية ‪...............................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ - 3‬العقالنية والتخصص ‪..............................‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ - 4‬املرونة ‪..............................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ - 5‬االستمرارية ‪........................... Continuity‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ - 6‬أمن االستراتيجية ‪.................................‬‬
‫خامساً‪ :‬القيادة االستراتيجية وتفعيل عملية التخطيط‬
‫‪78‬‬ ‫االستراتيجي ‪.............................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ - 1‬فهم السياق العام للدولة ‪...........................‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ - 2‬فهم املستهدفون في االستراتيجية ‪.................‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ - 3‬تشجيع القيادة اجلماعية ‪..........................‬‬
‫‪83‬‬ ‫‪ - 4‬ايجاد البيئة احلوارية والفكرية ‪....................‬‬
‫سادساً‪ :‬عالقة التفكير االستراتيجي بعملية التخطيط‬
‫‪84‬‬ ‫االستراتيجي ‪.............................................‬‬
‫الفصل ال��راب��ع‪ :‬م��راح��ل التخطيط االستراتيجي‬
‫‪85‬‬ ‫القومي ‪....................................................‬‬
‫‪86‬‬ ‫أوالً‪ :‬مرحلة تقييم قدرات الدولة وظروفها العامة ‪......‬‬
‫‪87‬‬ ‫‪ - 1‬التوافق السياسي ‪..................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫‪ - 2‬املشاركون في عملية التخطيط االستراتيجي ‪.....‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪ - 3‬محددات عملية التوافق السياسي ‪.................‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪ - 4‬إخفاق عملية التوافق السياسي ‪....................‬‬
‫‪90‬‬ ‫ثانياً‪ :‬حتديد قيم ورسالة الدولة ‪.........................‬‬
‫‪90‬‬ ‫‪ - 1‬منظومة قيم الدولة ‪................................‬‬

‫‪327‬‬
‫الصفحة‬
‫‪91‬‬ ‫‪ - 2‬رسالة الدولة ‪.......................................‬‬
‫‪91‬‬ ‫أ ‪ -‬حتديد هوية الدولة ‪...............................‬‬
‫‪92‬‬ ‫ب ‪ -‬طبيعة األهداف القومية للدولة ‪.................‬‬
‫‪93‬‬ ‫ج ‪ -‬سباق التنمية ‪.....................................‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪ - 3‬حتديد رؤية الدولة ‪.................................‬‬
‫‪94‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬تقييم بيئة الدولة الداخلية واخلارجية ‪............‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪ - 1‬تقييّم الوضع الداخلي للدولة ‪......................‬‬
‫‪95‬‬ ‫أ ‪ -‬العامل اجلغرافي ‪.................................‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪ )1‬موقع الدولة اجلغرافي ‪...........................‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪ )2‬الشكل اجلغرافي للدولة ‪.........................‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪ )3‬املساحة اجلغرافية للدولة ‪.......................‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪ )4‬تضاريس الدولة ‪..................................‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪ )5‬السكان ‪...........................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫‪ )6‬احلدود ‪...........................................‬‬
‫‪100‬‬ ‫ب ‪ -‬العامل االقتصادي ‪...............................‬‬
‫‪102‬‬ ‫ج ‪ -‬العامل العسكري ‪.................................‬‬
‫‪102‬‬ ‫‪ )1‬طبيعة العقيدة العسكرية للدولة ‪.................‬‬
‫‪102‬‬ ‫‪ )2‬طبيعة اإلستراتيجية العسكرية للدولة ‪...........‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪ )3‬مستوى وحجم القوى اجلوية ‪.....................‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪ )4‬مستوى وحجم القوة البرية ‪.......................‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪ )5‬مستوى وحجم القوة البحرية ‪....................‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪ )6‬حجم ومستوى القوات اإلستراتيجية ‪.............‬‬

‫‪328‬‬
‫الصفحة‬
‫‪105‬‬ ‫‪ )7‬مستوى االستخبارات االستراتيجية ‪..............‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪ )8‬حجم ومستوى مجموعات الدفاع اإلستراتيجية‪..‬‬
‫‪107‬‬ ‫د ‪ -‬العامل االجتماعي ‪................................‬‬
‫‪109‬‬ ‫هـ ‪ -‬العامل السياسي واالستخباراتي ‪................‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪ - 2‬تقييم الوضع اخلارجي للدولة ‪.....................‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬صياغة االستراتيجيات القومية‬
‫‪115‬‬ ‫وتنفيذها ‪.................................................‬‬
‫‪116‬‬ ‫أوالً‪ :‬حتديد القضايا اإلستراتيجية التي تواجه الدولة‪...‬‬
‫‪118‬‬ ‫ثانياً‪ :‬صياغة اإلستراتيجية ‪..............................‬‬
‫‪120‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬تنفيذ اإلستراتيجية ‪................................‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪ - 1‬اسلوب التنفيذ‪ :‬املباشر ‪............................‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪ - 2‬أسلوب التنفيذ غير املباشر ‪........................‬‬
‫‪121‬‬ ‫رابعاً‪ :‬تقييم اإلستراتيجية ‪...............................‬‬
‫‪123‬‬ ‫الباب الثاني‪ :‬االستراتيجيات الدفاعية للدول ‪.....‬‬
‫‪125‬‬ ‫مقدمة ‪.....................................................‬‬
‫ال �ف �ص��ل األول‪ :‬م �ف��اه �ي��م وأس� ��س استراتيجيات‬
‫‪129‬‬ ‫الدفاع ‪..................................................‬‬
‫‪130‬‬ ‫أوالً‪ :‬مفهوم استراتيجية الدفاع ‪..........................‬‬
‫‪132‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أهمية اإلعداد املسبق لإلستراتيجية ‪..............‬‬
‫‪132‬‬ ‫ثالثا‪ :‬أهداف إعداد االستراتيجية ‪.......................‬‬
‫‪133‬‬ ‫رابعاً‪ :‬عناصر إعداد االستراتيجية ‪......................‬‬
‫‪135‬‬ ‫خامسا‪ :‬مراحل إعداد االستراتيجية ‪....................‬‬

‫‪329‬‬
‫الصفحة‬
‫‪136‬‬ ‫‪ - 1‬التخطيط ‪..........................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫‪ - 2‬التنظيم والتنسيق ‪..................................‬‬
‫‪140‬‬ ‫‪ - 3‬التوجيه واملتابعة ‪...................................‬‬
‫‪141‬‬ ‫‪ - 4‬التنفيذ ‪.............................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬القائمون ب��إع��داد االستراتيجيات‬
‫‪143‬‬ ‫ومسؤولياتهم ‪............................................‬‬
‫‪143‬‬ ‫أوالً‪ :‬القيادة السياسية ‪...................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫ثانياً‪ :‬القيادة العسكرية ‪..................................‬‬
‫‪151‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األجهزة احلكومية ‪.................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬إدارة السياسة اخلارجية للدفاع عن‬
‫‪155‬‬ ‫الدولة ‪.....................................................‬‬
‫‪156‬‬ ‫أوالً‪ :‬أ ُسس إدارة السياسة اخلارجية ‪....................‬‬
‫‪158‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أدوات السياسة اخلارجية ‪.........................‬‬
‫‪158‬‬ ‫‪ - 1‬البعثات الدبلوماسية ‪...............................‬‬
‫‪158‬‬ ‫‪ - 2‬أجهزة جمع املعلومات ‪..............................‬‬
‫‪159‬‬ ‫‪ - 3‬اإلعالم والدعاية ‪..................................‬‬
‫‪159‬‬ ‫‪ - 4‬العالقات االقتصادية ‪..............................‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪ - 5‬األعمال العسكرية ‪.................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أسلوب تنفيذ اإلعداد السياسي ‪...................‬‬
‫‪163‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬إعداد القوات املسلحة للدفاع ‪........‬‬
‫أوالً‪ :‬ال��ت��خ��ط��ي��ط اإلس��ت��رات��ي��ج��ي الس��ت��خ��دام القوات‬
‫‪166‬‬ ‫املسلحة ‪..............................................‬‬
‫‪168‬‬ ‫ثانياً‪ :‬حتديد حجم القوات املسلحة في السلم واحلرب‪....‬‬

‫‪330‬‬
‫الصفحة‬
‫‪169‬‬ ‫‪ - 1‬حجم القوات املسلحة العاملة وقت السلم ‪........‬‬
‫‪169‬‬ ‫‪ - 2‬حجم القوات في وقت األزمات واحلرب ‪...........‬‬
‫‪170‬‬ ‫‪ - 3‬األنساق اإلستراتيجية ‪..............................‬‬
‫‪170‬‬ ‫أ ‪ -‬النسق اإلستراتيجي األول ‪........................‬‬
‫‪171‬‬ ‫ب ‪ -‬النسق اإلستراتيجي الثاني ‪......................‬‬
‫‪172‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬نظام التعبئة ‪.......................................‬‬
‫‪172‬‬ ‫‪ -‬خطة التعبئة ‪.........................................‬‬
‫‪173‬‬ ‫رابعاً‪ :‬االنتشار اإلستراتيجي للقوات املسلحة ‪...........‬‬
‫‪177‬‬ ‫الفصل اخلامس‪ :‬إعداد االقتصاد الوطني ‪...........‬‬
‫‪177‬‬ ‫أوالً‪ :‬أهمية اإلعداد االقتصادي ‪..........................‬‬
‫‪178‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التخطيط االقتصادي للدفاع عن الدولة ‪..........‬‬
‫‪181‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬حتول الدولة إلى اقتصاد احلرب ‪..................‬‬
‫‪181‬‬ ‫‪ - 1‬إعداد القطاع الزراعي ‪.............................‬‬
‫‪182‬‬ ‫‪ - 2‬إعداد القطاع الصناعي ‪............................‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪ - 3‬إعداد قطاع املواصالت في الدولة ‪................‬‬
‫‪186‬‬ ‫رابعاً‪ :‬متطلبات إعداد اقتصاد احلرب ‪...................‬‬
‫‪188‬‬ ‫خامساً‪ :‬العوامل املؤثرة على اإلعداد االقتصادي ‪.......‬‬
‫س��ادس��اً‪ :‬انعكاسات اإلع��داد االقتصادي للدفاع عن‬
‫‪190‬‬ ‫الدولة ‪...............................................‬‬
‫‪190‬‬ ‫‪ - 1‬االنعكاسات العامة على االقتصاد ‪.................‬‬
‫‪190‬‬ ‫أ ‪ -‬الدول الصناعية ‪..................................‬‬
‫‪191‬‬ ‫ب ‪ -‬الدول غير الصناعية والدول النامية ‪............‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪ - 2‬االنعكاسات االجتماعية ‪............................‬‬

‫‪331‬‬
‫الصفحة‬
‫الفصل ال �س��ادس‪ :‬إع��داد أج�ه��زة ال��دول��ة والشعب‬
‫‪195‬‬ ‫للدفاع ‪..................................................‬‬
‫‪195‬‬ ‫أوالً‪ :‬أهمية اإلعداد ‪......................................‬‬
‫‪196‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مشتمالت اإلعداد ‪.................................‬‬
‫‪198‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أجهزة الدولة الرئيسية ومسؤولية اإلعداد للدفاع‪...‬‬
‫‪198‬‬ ‫‪ - 1‬مسؤوليات رئيس الدولة ‪...........................‬‬
‫‪199‬‬ ‫‪ - 2‬املجلس األعلى إلعداد الدولة للدفاع ‪..............‬‬
‫‪200‬‬ ‫‪ - 3‬مسؤوليات مجلس الوزراء ‪..........................‬‬
‫‪201‬‬ ‫رابعاً‪ :‬مسؤولية الوزارات الرئيسية ودورها ‪..............‬‬
‫‪201‬‬ ‫‪ - 1‬وزارة التخطيط ‪....................................‬‬
‫‪202‬‬ ‫‪ - 2‬وزارة الدفاع ‪.......................................‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪ - 3‬وزارة اخلارجية ‪....................................‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪ - 4‬وزارة الداخلية ‪.....................................‬‬
‫‪204‬‬ ‫‪ - 5‬وزارة املالية واالقتصاد الوطني ‪....................‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪ - 6‬وزارة النفط والثروة املعدنية ‪.......................‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪ - 7‬وزارة الزراعة واملوارد املائية ‪.......................‬‬
‫‪206‬‬ ‫‪ - 8‬وزارة املواصالت ‪...................................‬‬
‫‪206‬‬ ‫‪ - 9‬وزارة التجارة ‪.......................................‬‬
‫‪207‬‬ ‫‪ - 10‬وزارة الصحة ‪.....................................‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪ - 11‬وزارة اإلسكان واألشغال العامة ‪..................‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪ - 12‬وزارة الصناعة والكهرباء ‪.........................‬‬
‫‪209‬‬ ‫‪ - 13‬وزارة اإلعالم ‪....................................‬‬

‫‪332‬‬
‫الصفحة‬
‫‪210‬‬ ‫‪ - 14‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ‪...............‬‬
‫‪210‬‬ ‫‪ - 15‬وزارة البلديات والشؤون القروية ‪.................‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪ - 16‬األجهزة املركزية املتخصصة ‪.....................‬‬
‫‪211‬‬ ‫أ ‪ -‬مركز املعلومات ودعم القرار السياسي ‪...........‬‬
‫‪212‬‬ ‫ب ‪ -‬جهاز التعبئة واإلحصاء ‪..........................‬‬
‫‪212‬‬ ‫ج ‪ -‬جلنة متابعة اخلطة ‪..............................‬‬
‫‪212‬‬ ‫خامساً‪ :‬إعداد الشعب واملجتمع للدفاع ‪..................‬‬
‫‪213‬‬ ‫سادساً‪ :‬أهداف إعداد الشعب للدفاع ‪...................‬‬
‫‪214‬‬ ‫سابعاً‪ :‬اإلعداد السياسي املعنوي للشعب ‪................‬‬
‫‪216‬‬ ‫ثامناً‪ :‬التنشأة العسكرية للشعب ‪.........................‬‬
‫‪217‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬دور املنظمات شبه العسكرية والشعبية ‪..........‬‬
‫‪217‬‬ ‫عاشراً‪ :‬الدفاع املدني ‪....................................‬‬
‫‪218‬‬ ‫‪ - 1‬مهام الدفاع املدني ‪.................................‬‬
‫‪ - 2‬إع���داد املهنيني واألخ��ص��ائ��ي�ين ال�لازم�ين‪ ،‬إلدارة‬
‫‪219‬‬ ‫النشاط االقتصادي وقت احلرب ‪.......................‬‬
‫‪219‬‬ ‫حادي عشر‪ :‬تقييم املجهود احلربي للدولة ‪..............‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬احلروب واستراتيجية االقتراب غير‬
‫‪225‬‬ ‫املباشر ‪.....................................................‬‬
‫‪227‬‬ ‫مقدمة ‪.....................................................‬‬
‫ال�ف�ص��ل األول‪ :‬امل�ف��اه�ي��م ال�ن�ظ��ري��ة إلستراتيجية‬
‫‪233‬‬ ‫االقتراب غير املباشر ‪...................................‬‬
‫‪234‬‬ ‫أوالً‪ :‬النظرية والعقيدة ‪...................................‬‬
‫‪235‬‬ ‫‪ - 1‬العقيدة ‪.............................................‬‬

‫‪333‬‬
‫الصفحة‬
‫‪235‬‬ ‫(‪ )1‬عقيدة عسكرية ‪.................................‬‬
‫‪235‬‬ ‫(‪ )2‬عقيدة قتالية ‪...................................‬‬
‫‪236‬‬ ‫ج ‪ -‬العالقة بني النظرية والعقيدة ‪....................‬‬
‫‪237‬‬ ‫‪ - 2‬ليدل هارت ونظرية االقتراب غير املباشر ‪........‬‬
‫‪238‬‬ ‫‪ - 3‬األسس العامة للنظرية ‪.............................‬‬
‫‪239‬‬ ‫ثانياً‪ :‬جوهر إستراتيجية االقتراب غير املباشر ‪.........‬‬
‫‪240‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األهداف اإلستراتيجية العسكرية ‪.................‬‬
‫‪242‬‬ ‫رابعاً‪ :‬قواعد إستراتيجية االقتراب غير املباشر ‪........‬‬
‫‪243‬‬ ‫‪ - 1‬مطابقة الهدف مع اإلمكانيات ‪.....................‬‬
‫‪243‬‬ ‫‪ - 2‬استمرار احملافظة على الهدف ‪....................‬‬
‫‪244‬‬ ‫‪ - 3‬اختيار االجتاه األقل توقعاً ‪.........................‬‬
‫‪244‬‬ ‫‪ - 4‬استثمار النجاح في االجتاهات الضعيفة ‪..........‬‬
‫‪244‬‬ ‫‪ - 5‬اختيار االجتاهات التي تؤدي إلى أهداف متناوبة‪..‬‬
‫‪245‬‬ ‫‪ - 6‬املرونة عند التخطيط وانتشار القوات ‪............‬‬
‫‪ - 7‬احلرص في استخدام كل اإلمكانيات إذا كان اخلصم‬
‫‪245‬‬ ‫مستعداً ‪.................................................‬‬
‫‪245‬‬ ‫‪ - 8‬عدم إعادة الهجوم عند فشله في املرة األولى‪......‬‬
‫خ��ام��س��اً‪ :‬متطلبات تطبيق إستراتيجية االق��ت��راب غير‬
‫‪246‬‬ ‫املباشر ‪...................................................‬‬
‫‪246‬‬ ‫‪ - 1‬مرحلة التحضير للعملية ‪...........................‬‬
‫‪247‬‬ ‫‪ - 2‬مرحلة التخطيط ‪..................................‬‬
‫‪248‬‬ ‫‪ - 3‬مرحلة إدارة أعمال القتال ‪.........................‬‬

‫‪334‬‬
‫الصفحة‬
‫‪ - 4‬تنظيم واستخدام القوات ‪249 ...........................‬‬
‫س��ادس��اً‪ :‬أس��ل��وب تطبيق إستراتيجية االق��ت��راب غير‬
‫املباشر ‪249 ...............................................‬‬
‫‪ - 1‬على املستوى القومي ‪249 ...............................‬‬
‫‪ - 2‬على املستوى اإلستراتيجي العسكري ‪251 ..............‬‬
‫سابعاً‪ :‬أسس جناح إستراتيجية االقتراب غير املباشر‪252 ...‬‬
‫ث��ام��ن��اً‪ :‬ال��س�لاح ال��ن��ووي وإستراتيجية االق��ت��راب غير‬
‫املباشر ‪253 ...............................................‬‬
‫ت��اس��ع��اً‪ :‬امل��ج��ال القومي إلستراتيجية االق��ت��راب غير‬
‫املباشر ‪254 ...............................................‬‬
‫‪ - 1‬املجال السياسي ‪255 ...................................‬‬
‫‪ - 2‬املجال االقتصادي ‪255 .................................‬‬
‫‪ - 3‬املجال الدبلوماسي ‪256 ................................‬‬
‫‪ - 4‬املجال االجتماعي ‪256 ..................................‬‬
‫‪ - 5‬املجال املعنوي ‪256 ......................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬
‫في العصور القدمية والوسطى ‪259 ........................‬‬
‫أوالً‪ :‬حروب العصور القدمية ‪260 ............................‬‬
‫‪ - 1‬عملية قادش (عام ‪ 1285‬ق‪.‬م‪261 ................... ).‬‬
‫أ ‪ -‬عملية قادش ‪262 ......................................‬‬
‫ب ‪ -‬املراحل الرئيسية ‪262 ................................‬‬
‫(‪ )1‬مرحلة اإلعداد للحرب ‪262 ..........................‬‬
‫(‪ )2‬مرحلة التقدم إلى فينيقيا ‪262 ......................‬‬

‫‪335‬‬
‫الصفحة‬
‫‪262‬‬ ‫(‪ )3‬مرحلة إدارة العملية ‪............................‬‬
‫‪263‬‬ ‫ج ‪ -‬تطبيقات إستراتيجية الهجوم غير املباشر ‪......‬‬
‫‪264‬‬ ‫‪ - 2‬احلروب اإلغريقية (‪ )323 - 500‬ق‪.‬م ‪............‬‬
‫‪265‬‬ ‫أ ‪ -‬موقعة ماراثون‪ 490( :‬ق‪.‬م‪..................... ).‬‬
‫‪265‬‬ ‫ب ‪ -‬احلرب البلوبونيزية‪ )404 - 431( :‬ق‪ .‬م ‪......‬‬
‫‪268‬‬ ‫‪ - 3‬احلروب الرومانية ‪.................................‬‬
‫‪269‬‬ ‫‪ - 4‬احلروب البيزنطية‪1068 - 527( :‬م) ‪............‬‬
‫ثانياً‪ :‬احلروب اإلسالمية (العام األول الهجري ‪ 622‬م‪/‬‬
‫‪271‬‬ ‫عام ‪10‬هـ ‪ 62 -‬م) ‪......................................‬‬
‫‪272‬‬ ‫أ ‪ -‬ال تعزيز للفشل ‪.....................................‬‬
‫‪272‬‬ ‫ب ‪ -‬التخلص املنظم من العدو املتفوق جتنبا للهزمية‪..‬‬
‫‪273‬‬ ‫ج ‪ -‬املناورة باجلهود وتركيزها ضد مراكز ثقل العدو‪..‬‬
‫‪273‬‬ ‫د ‪ -‬مفاجأة العدو بأساليب قتالية جديدة ‪.............‬‬
‫‪273‬‬ ‫‪ - 1‬موقعة بدر الكبرى‪( :‬رمضان ‪ 2‬هـ ‪ -‬مارس ‪...)624‬‬
‫‪274‬‬ ‫(‪ )1‬املسلمني ‪........................................‬‬
‫‪274‬‬ ‫(‪ )2‬املشركني ‪........................................‬‬
‫‪ - 2‬الفتوحات اإلسالمية (عام ‪ 11‬هـ ‪632 -‬م‪ /‬عام‬
‫‪275‬‬ ‫‪100‬هـ ‪718 -‬م) ‪......................................‬‬
‫‪276‬‬ ‫أ ‪ -‬املفاجأة اإلستراتيجية واالقتراب غير املباشر‪...‬‬
‫‪276‬‬ ‫ب ‪ -‬شل رماة العدو ‪.................................‬‬
‫‪276‬‬ ‫ج ‪ -‬استدراج العدو ‪.................................‬‬
‫‪276‬‬ ‫د ‪ -‬احلصار ‪.........................................‬‬

‫‪336‬‬
‫الصفحة‬
‫هـ ‪ -‬العمليات التشتيتية ‪277 ..............................‬‬
‫‪ - 3‬معركة القادسية (‪ 16‬هـ‪637 /‬م) ‪277 .................‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حروب القرون الوسطى‪ :‬القرن (‪ )17 - 11‬م‪279 .....‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬
‫في عصر الثورة الصناعية ‪285 .............................‬‬
‫أوالً‪ :‬حروب القرن الثامن عشر ‪286 ..........................‬‬
‫ثانياً‪ :‬احلروب النابليونية ‪289 ................................‬‬
‫أ ‪ -‬املرحلة األولى ‪290 ......................................‬‬
‫ب ‪ -‬املرحلة الثانية ‪291 .....................................‬‬
‫ثالثاً‪ :‬احلرب األهلية األمريكية ‪291 ..........................‬‬
‫رابعاً‪ :‬احلرب العاملية األولى (‪292 ......... )1918 - 1914‬‬
‫‪ - 1‬تطبيقات إستراتيجية االقتراب غير املباشر (على‬
‫املستوى السياسي العسكري) ‪293 ...........................‬‬
‫أ ‪ -‬احلصار ‪293 ...........................................‬‬
‫ب ‪ -‬حرب الغواصات ‪293 .................................‬‬
‫ج ‪ -‬العمل من خطوط داخلية ‪294 ........................‬‬
‫د ‪ -‬احلرب النفسية ‪294 ..................................‬‬
‫‪ - 2‬تطبيقات إستراتيجية االقتراب غير املباشر (على‬
‫املستوى اإلستراتيجي العسكري) ‪294 .......................‬‬
‫خامساً‪ :‬احلرب العاملية الثانية (‪296 ...... )1945 - 1939‬‬
‫‪ - 1‬على املستوى السياسي ‪298 .............................‬‬
‫أ ‪ -‬هتلر وإستراتيجية االقتراب غير املباشر ‪298 .........‬‬
‫ب ‪ -‬املناورات السياسية ‪299 ..............................‬‬

‫‪337‬‬
‫الصفحة‬
‫‪301‬‬ ‫‪ - 2‬على املستوى السياسي العسكري ‪..................‬‬
‫‪301‬‬ ‫أ ‪ -‬العمل من خطوط داخلية ‪.........................‬‬
‫‪301‬‬ ‫ب ‪ -‬أعمال اخلداع ‪...................................‬‬
‫‪301‬‬ ‫ج ‪ -‬احلصار ‪..........................................‬‬
‫‪301‬‬ ‫د ‪ -‬القذف اجلوي اإلستراتيجي ‪......................‬‬
‫‪302‬‬ ‫‪ - 3‬على املستوى اإلستراتيجي العسكري ‪..............‬‬
‫‪302‬‬ ‫أ ‪ -‬احلرب اخلاطفة ‪..................................‬‬
‫‪303‬‬ ‫ب ‪ -‬اإلبرار اجلوي والبحري ‪.........................‬‬
‫‪303‬‬ ‫ج ‪ -‬اختيار األهداف املتناوبة ‪.........................‬‬
‫‪303‬‬ ‫(‪ )1‬أملانيا ‪...........................................‬‬
‫‪304‬‬ ‫(‪ )2‬قوات احللفاء ‪...................................‬‬
‫‪304‬‬ ‫د ‪ -‬صور مختلفة لالقتراب غير املباشر ‪.............‬‬
‫‪304‬‬ ‫(‪ )1‬في العملية الدفاعية ‪............................‬‬
‫‪306‬‬ ‫(‪ )2‬في عمليات االنسحاب ‪..........................‬‬
‫‪306‬‬ ‫هـ ‪ -‬احلرب النفسية ‪.................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬إستراتيجية االقتراب غير املباشر‬
‫‪307‬‬ ‫في عصر ثورة املعلومات والتكنولوجيا ‪...............‬‬
‫‪ - 1‬إستراتيجية االق��ت��راب غير امل��ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫‪309‬‬ ‫السياسي ‪.............................................‬‬
‫‪ - 2‬إس��ت��رات��ي��ج��ي��ة االق���ت���راب غ��ي��ر امل��ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫‪310‬‬ ‫االقتصادي ‪...............................................‬‬
‫‪310‬‬ ‫أ ‪ -‬على املستوى الداخلي ‪..............................‬‬
‫‪311‬‬ ‫ب ‪ -‬على املستوى اخلارجي ‪............................‬‬

‫‪338‬‬
‫الصفحة‬
‫‪ - 3‬إس��ت��رات��ي��ج��ي��ة االق���ت���راب غ��ي��ر امل��ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫‪312‬‬ ‫الدبلوماسي والسياسة اخلارجية ‪........................‬‬
‫‪312‬‬ ‫(‪ )1‬توازن القوى ‪........................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫(‪ )2‬األمن اجلماعي ‪....................................‬‬
‫‪ - 4‬إس��ت��رات��ي��ج��ي��ة االق���ت���راب غ��ي��ر امل��ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫‪313‬‬ ‫االجتماعي ‪...............................................‬‬
‫‪ - 5‬إستراتيجية االق��ت��راب غير امل��ب��اش��ر ف��ي املجال‬
‫‪314‬‬ ‫املعنوي ‪................................................‬‬
‫‪ - 6‬إس��ت��رات��ي��ج��ي��ة االق���ت���راب غ��ي��ر امل��ب��اش��ر وحروب‬
‫‪315‬‬ ‫املستقبل ‪.................................................‬‬
‫‪323‬‬ ‫الفهرس ‪....................................................‬‬

‫‪339‬‬
340
‫الدكتور خليل حسني‬

‫ح��ائ��ز على دك��ت��وراه دول��ة ف��ي العلوم السياسية ‪ /‬اختصاص عالقات‬ ‫‪ .1‬‬
‫دولية‪.‬‬

‫حائز على رتبة بروفسور من اجلامعة اللبنانية‪.‬‬ ‫‪ .2‬‬

‫أستاذ املنظمات والعالقات الدولية في كلية احلقوق والعلوم السياسية‬ ‫‪ .3‬‬


‫في اجلامعة اللبنانية‪.‬‬

‫أس��ت��اذ التنظيم الدبلوماسي والقضايا ال��دول��ي��ة ف��ي كلية احل��ق��وق في‬ ‫‪ .4‬‬
‫جامعة بيروت العربية‪.‬‬

‫أستاذ محاضر في كلية القيادة واألركان‪/‬اجليش اللبناني‪.‬‬ ‫‪ .5‬‬

‫أشرف على عشرات اطروحات الدكتوراه ورسائل املاجستير‪.‬‬ ‫‪ .6‬‬

‫مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني سابقاً‪.‬‬ ‫‪ .7‬‬

‫أسَّ س العديد من مراكز الدراسات واألبحاث‪ ،‬ورأس حترير عدة مجالت‬ ‫‪ .8‬‬
‫دورية‪.‬‬

‫من مؤلفاته‪:‬‬

‫النظام ال��دول��ي‪ ،‬املفاهيم واألس���س‪ ...‬الثوابت وامل��ت��غ��ي��رات‪ ،‬منشورات‬ ‫‪ .1‬‬


‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬

‫موسوعة القانون الدولي العام‪ :‬اجلزء األول والثاني‪ ،‬منشورات احللبي‬ ‫‪ .2‬‬
‫احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬

‫موسوعة املنظمات االقليمية والقارية‪ :‬اجلزء األول والثاني‪ ،‬منشورات‬ ‫‪ .3‬‬


‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬

‫‪341‬‬
‫موسوعة املنظمات العاملية‪ :‬اجل��زء األول وال��ث��ان��ي‪ ،‬منشورات احللبي‬ ‫‪ .4‬‬
‫احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬

‫العالقات الدولية‪ :‬النظرية والواقع ‪ -‬األشخاص والقضايا‪ ،‬منشورات‬ ‫‪ .5‬‬


‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2011 ،‬‬

‫اجلغرافيا االقتصادية والبشرية والسياسية واجليوبولتيكا‪ ،‬منشورات‬ ‫‪ .6‬‬


‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬

‫قضايا عربية معاصرة‪ :‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2012 ،‬‬ ‫‪ .7‬‬

‫التاريخ السياسي للوطن العربي‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ .8‬‬


‫‪.2012‬‬

‫املراسم والتشريفات الدبلوماسية‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ .9‬‬


‫‪.2011‬‬

‫‪ .10‬التنظيم الدبلوماسي‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2011 ،‬‬

‫‪ .11‬التنظيم القنصلي‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2011 ،‬‬

‫‪ .12‬الفلسفة والفكر السياسي في العصور القدمية والوسطى‪ ،‬منشورات‬


‫احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2011 ،‬‬

‫‪ .13‬ذرائ��ع اإلره��اب الدولي وح��روب الشرق األوس��ط اجلديد‪ ،‬اجلزء األول‪،‬‬


‫منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2011 ،‬‬

‫‪ .14‬مكافحة اإلرهاب الدولي‪ :‬االتفاقيات الدولية واإلقليمية‪ ،‬اجلزء الثاني‪،‬‬


‫منشورات احللبي احلقوقية‪.2011 ،‬‬

‫‪ .15‬التنظيم الدولي‪ :‬النظرية العامة واملنظمات العاملية‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪،‬‬


‫بيروت‪.2010 ،‬‬

‫‪342‬‬
‫‪ .16‬التنظيم ال��دول��ي‪ :‬املنظمات القارية واإلقليمية‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪،‬‬
‫بيروت‪.2010 ،‬‬

‫‪ .17‬اجل��رائ��م واحمل��اك��م ف��ي ال��ق��ان��ون ال��دول��ي اجل��ن��ائ��ي‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪،‬‬


‫بيروت‪.2009 ،‬‬

‫‪ .18‬النظام العاملي اجلديد واملتغيرات الدولية‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫‪.2009‬‬

‫‪ .18‬اجلغرافيا السياسية‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪.2008 ،‬‬

‫‪ .20‬الصراعات اإلقليمية والدولية في لبنان‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫‪.2007‬‬

‫‪ .21‬قضايا دولية معاصرة‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪.2007 ،‬‬

‫‪ .22‬ال��س��ي��اس��ات ال��ع��ام��ة ف��ي ال���دول ال��ن��ام��ي��ة‪ ،‬دار امل��ن��ه��ل اللبناني بيروت‪،‬‬


‫‪.2007‬‬

‫‪ .23‬العدوان اإلسرائيلي على لبنان‪ :‬اخللفيات واألبعاد‪ ،‬دار املنهل‪ ،‬اللبناني‪،‬‬


‫‪.2006‬‬

‫‪ .24‬يوميات احل��رب اإلسرائيلية على لبنان‪ ،‬دار املنهل اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫‪.2006‬‬

‫‪ .25‬حروب إسرائيل ضد لبنان‪ ،‬مجلس النواب اللبناني‪( ،1997،‬باالشتراك‬


‫مع آخرين)‪.‬‬

‫‪ .26‬نظام احلياد في القانون الدولي ومدى مناسبته للبنان‪.1994 ،‬‬

‫‪ .27‬أث��ر امل��ت��غ��ي��رات ال��دول��ي��ة ف��ي وح���دة أوروب����ا‪ ،‬م��رك��ز دراس����ات السياسة‬


‫اخلارجية‪.1993 ،‬‬

‫‪343‬‬
‫‪ .28‬الكومنولث الروسي‪ :‬مشروع احتاد أم انحالل‪ ،‬مركز دراسات السياسة‬
‫اخلارجية‪.1993 ،‬‬
‫‪ .29‬امل��ف��اوض��ات ال��ع��رب��ي��ة ‪ -‬اإلس��رائ��ي��ل��ي��ة‪ ،‬وق��ائ��ع ووث���ائ���ق‪ ،‬مكتبة بيسان‪،‬‬
‫‪.1993‬‬
‫‪ .30‬مؤمتر مدريد وآفاق السالم‪ ،‬املركز اللبناني للبحوث والتوثيق واألعالم‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ .31‬عهد احلكومتني في لبنان‪ ،‬املركز اللبناني للبحوث والتوثيق واألعالم‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ .32‬شهادات الهزمية‪ :‬إسرائيل في لبنان‪ ،‬املركز اللبناني للبحوث والتوثيق‬
‫واألعالم‪.1991 ،‬‬
‫‪ .33‬أث��ر امل��ش��ارك��ة ف��ي سياسة لبنان اخل��ارج��ي��ة‪ ،‬امل��رك��ز اللبناني للبحوث‬
‫والتوثيق واألعالم‪.1988 ،‬‬
‫�‪International & regional organizations, Dar Al Manhal Al alub‬‬ ‫‪ .344‬‬
‫‪nani, 2007.‬‬

‫‪Introduction to law; Dar-Al Manhal Al Lubnani, 2008.‬‬ ‫‪ .35‬‬

‫إض��اف��ة إل��ى ع��ش��رات ال��دراس��ات املنشورة ف��ي مجالت لبنانية وعربية وأجنبية‬
‫محكمة‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫ظلت االستراتيجيا م��ن املصطلحات اجل��ذاب��ة التي‬
‫استعملت في غير دراسة ومجال‪ .‬وتطور استعمالها واقترانها‬
‫بالقضايا غير العسكرية‪ .‬فبات لكل قضية استراتيجية يحاول‬
‫من خاللها الوصول إلى أفضل املمكن‪.‬‬

‫قسمنا الدراسة إلى ثالثة أبواب‪ ،‬في الباب األول الذي‬


‫ضم خمسة فصول عالج اسس ومبادئ وقواعد اإلستراتيجية‬
‫والتفكير والتخطيط االستراتيجي‪ ،‬وكذلك استراتيجيات‬
‫األمن القومي وصياغتها وتنفيذها‪ .‬فيما ضم الباب الثاني‬
‫ستة فصول عاجلت استراتيجيات الدفاع الوطني وما يتعلق‬
‫بها من أسس اقتصادية وسياسية وعسكرية‪ .‬فيما ضم الباب‬
‫الثالث اربعة فصول عاجلت استراتيجيات احل��روب عبر‬
‫التاريخ البشري وصوالً الى نظرية االقتراب غير املباشر‪.‬‬

‫لقد اعتمدنا منهجاً اكادميياً علمياً‪ ،‬محاولني توضيح‬


‫وتفسير علم وفن ما زال يتطور مع تطور العلوم واملعارف‪.‬‬
‫آملني من هذا العمل املتواضع ان نكون قد أضفنا لبنة جديدة‬
‫إلى مكتباتنا العربية‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬خليل حسني‬

You might also like