لباب المعاني في ترجمة لجين الداني في مناقب سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ببغداد

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 26

‫لباب المعاني‬

‫في ترجمة لجين الداني في مناقب سيدنا الشيخ‬


‫عبد القادر الجيالني ببغداد رضي اهلل عنه‬

‫أليب حممد صاحل مستمر احلاجيين اجلواين‬


‫متع اهلل حياته وسلم يف الدارين‬
‫رب العاملني‬
‫آمني يا ّ‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم بكامل‬ ‫احلمد هلل الذي أرسل سيدنا ٍ‬
‫الشريعة وخالص الدين وحلى جـِيـْ َد رسالته بباهر اخلوارق وأيده‬
‫بالرقي‬
‫ّ‬ ‫بكماة األصحاب املهتدين * وحض من شاء من أتباع ملته‬
‫إىل أوج املعارف واحلقائق * وأفاض عليهم من حبور مواهبـ‬
‫اللدنية طرف اللطائف وشوارق الرقائق * فأصبحوا هداة األمة‬
‫وقادهتا إىل العزيز العليم * سالكني بعباد اهلل تعاىل من سبل اإلرشاد‬
‫أعلى الصراط املستقيم * وآل اهلل عليه وعليهم زاكي الصلوات‬
‫والتسليم * ووفقنا لالهتداء هبداهم واالقتداء بآثارهم * واالقتباس‬
‫من مشكاة أنوارهم * يف حندس اجلهل البهيم * ما عطرت مناقبهم‬
‫معاطس األمساع الواعية * وتليت آي فضائلهم فكانتـ إىل النهوضـ‬
‫إىل اهلل تعاىل داعية * ( أما بعد ) فيقول املفتقر إىل فضل الكرمي‬
‫(‪)1‬‬
‫املنجي جعفر بن حسن بن عبد الكرمي الربزجني * هذه نبذة من‬
‫أحوال القطب الرباين والغوث الصمداين سلطان األولياء العارفني‬
‫* وإمام العلماء السالكني الناهلني من حبر احلقيقة والغارفني *‬
‫السيد الشريف والسند الغطريف احلسيبـ النسيب ذي املقامـ‬
‫األعلى والنادي الرحيب سيدنا وموالنا الشيخ حمي الدين عبد‬
‫ـقي جنة‬ ‫القادر اجليالين احلسين احلسيين * بلغنا اهلل بنفسه القوي احلِّ ّ‬
‫َّف‬ ‫القرب واألماين ِ‬
‫قد نظمته من فوائد عمله وقوله * لتشن َ‬ ‫وع ُ‬
‫بدرره أمساع احلاضرين عند عمل مهمه وحوله انتخبته من كالم‬
‫بعض العارفني أرباب الطريقة * ومن له يف حضرة الشيخ عقيدة‬
‫حمكمة وحمبة وثيقة * كالشيخ اإلمام عبد الوهاب الشعراين * الذي‬
‫الح له الفالح * والسراج الدمشقي صاحب كتاب تفاح األرواح‬
‫* رغبة يف نشر أحوال ال ُك َّمل * وبث مناقب األخيار * واستنزاالًـ‬
‫لصبب الرمحات والربكات الغزار * إذ بذكرهم تفتح أبواب‬
‫السماوات العلية * وتنهل من حضرية القدس سحب الفيوضات‬
‫اإلهلية * وفصلته بوسائط من آليل الرتاضي عنه وطلب اإلمداد‬
‫بأسراره * فليجهر بذلك احلاضرون عند بلوغ القارئ إليها يف‬
‫أخباره * ومسيته ب ـ ( اللجين الداين يف ذكر نبذة من مناقب القطب‬
‫الرباين ) سيدنا الشيخ عبد القادر اجليالين رضي اهلل عنه ‪ .‬فأقول‬
‫(‪)2‬‬
‫واجلهبذي الواصل ذو املقامات العالية الشريفة *‬
‫ّ‬ ‫هو الشيخ الكامل‬
‫واألقدام الراسخة والتمكن التام واألحوال املنيفةـ * والكماالت‬
‫الشاخمة * القطب الرباين * والنور الساطع الربهاين * واهليكل‬
‫الصمداين * والغوث النوراين * وهو أبو حممد عبد القادر اجليالين‬
‫رضي اهلل عنه * ابن السيد أيب صاحل بن موسى بن جنكي دوست‬
‫* ( وقيل جنكا دوست ) * ابن السيد عبد اهلل * ابن السيد حيىي‬
‫الزاهد * ابن السيد حممد * ابن السيد داود * ابن السيد موسى *‬
‫ابن السيد عبد اهلل * ابن السيد احلسن املثىّن * ابن السيد اإلمام‬
‫احلسن السبط * ابن سيدنا اإلمام اهلُمام أمري املؤمنني علي بن‬
‫طالب * وابن فاطمة الزهراء البتول * بنت سيدنا ونبينا حممد صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وشرف وكرم وجمد وعظم الرسول *‬
‫نسب كأن عليه من مشس الضحى‬ ‫ٌ‬
‫نوراً ومن فلق الصباح عمودا‬
‫ـب له يف وجـ ــه آدم ملعةٌ‬
‫نس ـ ـ ـ ٌ‬
‫منحت مالئ ــكة السماء سجودا‬
‫نس ـ ـ ــب كتاب اهلل أوىف ح ـ ٍ‬
‫ـجة‬ ‫ٌ‬
‫يف مدحه من ذا يروم جحودا‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وأمة رضي اهلل تعاىل عنة * هي السيدة الشريفة والدرة املنيفةـ‬
‫احلسينيةـ * أم اخلري أمة اجلبار فاطمة رضي اهلل عنها بنت السيد عبد‬
‫اهلل الصومعي الزاهد * ابن السيد أيب مجال الدين حممد * ابن السيد‬
‫حممود * ابن السيد أيب العطا عبد اهلل * ابن اليد كمال الدين‬
‫عيسى * ابن السيد اإلمام علي الرضا * ابن اإلمام موسى الكاظم‬
‫* بان اإلمام جعفر الصادق * ابن اإلمام حممد الباقر * ابن اإلمام‬
‫زين العابدين علي ابن اإلمام اهلمام سيد الشهداء أيب عبد اهلل‬
‫احلسني * ابن اإلمام اهلمام أمري املؤمنني سيدنا علي بن أيب طالب‬
‫رضي اهلل عنهم أمجعني *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتهالديه‬
‫ولد رضي اهلل عنة جبيالن * وهي بالد متفرقة من وراء طربستانـ يف‬
‫يوم تسعة من ربيع األخر سنة سبعني وأربع مائة * وكان يف‬
‫طفولتهـ ميتنع من الرضاعة يف هنار رمضان عناية من اهلل تعاىل به *‬
‫وملا ترعرع سارع إىل طلب العلوم وقصد كل مفضال عليم * ومد‬
‫يده إىل الفضائل فكان أسرع من خطو الظليم * وتفقه بأيب الوفا‬
‫علي بن عقيل * وأيب اخلطاب الكلوذاين حمفوظ بن أمحد اجلليل *‬
‫(‪)4‬‬
‫وأيب احلسني حممد ابن القاضي أيب يعلى وغريهم * ممن تنص لدية‬
‫عرائس العلوم وجتلى * وقرأ األدب على أيب زكرياء حيىي بن علي‬
‫التربيزي * واقتبس منة أي اقتباس * وأخذ علم الطريقة عن‬
‫العارف الشيخ أيب اخلري محاد بن مسلم الدباس * ولبس من يد‬
‫القاضي أيب سيعد املباركـ ابن علي املخزومي اخلرقة الشريفة‬
‫الصوفيةـ * وتأدب بآدابه الوفية * ومل يزل ملحوظاً بالعناية الربانية‬
‫* عارجا يف معارج الكماالت هبمته األبية * آخذاً نفسه باجلد‬
‫مشمرا عن ساعد االجتهاد * نابذا ملألوف اإلسعاف واإلسعاد *‬ ‫ّ‬
‫حىت أنه مكث مخسأ وعشرين سنة سائحا يف صحارى العراق‬
‫وخراباته * ال يعرف الناس وال يعرفونه * فيعدلونه عن أمرة‬
‫ويصرفونه * وقاسى يف بداية أمره األخطار * فما ترك هوال إال‬
‫ركبه وفقر منة الفقار * وكان لباسه يف سياحته رضي اهلل عنه *‬
‫صوف وعلى رأسه خريقة * ميشي حافياً يف الشوك والوعر *‬ ‫ٍ‬ ‫جبة‬
‫لعدم وجدانه نعال ميشي فيها * ويقتات مثر األشجار وقمامة البقل‬
‫اليت ترمى وورق احلشيش من شاطىء النهر * وال ينام غالباً وال‬
‫يشرب املاء * وبقي مدة مل يأكل فيها طعاماً * فلقيه إنسان فأعطاه‬
‫صرة دراهم أكراماً * فأخذ ببعضهاـ خبزاً مسيداً وخبيصاً وجلس‬
‫ليأكل وإذا برقعة مكتوب فيها؛ إمنا جعلت الشهوات لضعفاء‬
‫(‪)5‬‬
‫عبادي ليستعينواـ هبا على الطاعات * وأما األقوياء فما هلم‬
‫الشهواتـ * فرتك األكل وأخذ املنديل وترك ما كان فيه * وتوجه‬
‫يف القبلة وصلى ركعتني وانصرف * وفهم أنه حمفوظ ومعتىن به‬
‫وعرف *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫ورافقه اخلضر على نبينا وعلية الصالة والسالم أول دخوله إىل‬
‫العراق * ومل يكن سيدنا الشيخ يعرفه وشرط عليه اخلضر أن ال‬
‫خيالفه واملخالفة سبب الفراق * وقال له اخلضر‪ :‬اقعد هاهنا‪ ،‬فقعد‬
‫يف املكان الذي أشار إليه بالقعود فيه ثالث سنني يأتيهـ يف كل سنة‬
‫مرة ويقول له ال تربح مكانك حىت آتيك * ونام مرة يف إيوانـ‬
‫كسرى من املدائن يف ليلة باردة فاحتلم فذهب إىل الشط واغتسل‬
‫* مث نام فاحتلم فذهب إىل الشط واغتسل * وقع له ذلك يف تلك‬
‫الليلة أربعني مرة وهو يغتسل يف كل مرة * مث صعد على جدار‬
‫اإليوان خوفاً من النوم حمافظة على الطهارة * وكان كلما أحدث‬
‫توضأ مث صلى ركعتني * وال جيلس على حدث قط * ومل يزل‬
‫االجتهاد دأبه حىت طرقه من اهلل احلال * وآن أوانـ الوصال *‬
‫وبدت أنوار اجلمال * فخرج على وجهه الوجيه ال يعي غري ما هو‬
‫(‪)6‬‬
‫فيه *ويتظاهر بالتخارس واجلنونـ حىت مُح ل إىل املارستانـ مرات إىل‬
‫أهل عصره علماً وعمالً وزهداً ومعرفة‬‫أن اشتهر أمره * وفاق َ‬
‫ورياسة وقبوالً * وطار صيته وسار ذكره مسري الشمس * وحكي‬
‫أنه اجتمع له مائة فقيه من علماء بغداد ومجع كل واحد منهم عدة‬
‫مسائل وجاءوا إليه ليمتحنوه * فلما استقروا أطرق الشيخ رضي‬
‫اهلل عنة فظهرت من صدره بارقة من نور فمرت على صدور مائة‬
‫الفقيهـ فمحت ما يف قلوهبم وهبتوا واضطربوا وصاحوا صيحة‬
‫واحدة * ومزقوا ثياهبم * وكشفوا رؤوسهم * مث صعد الشيخ‬
‫على الكرسي وأجاب عن مجيع مسائلهم * فاعرتفوا بفضله‬
‫ئ يف‬‫وخضعوا له من ذلك الوقت * وكان رضي اهلل عنه * يَـقر ُ‬
‫ثالثة عشر علماً * التفسري واحلديث واخلالف * واألصول *‬
‫والنحو * والقراءات وغري ذلك * ويفيت على مذهب اإلمام‬
‫الشافعي * واإلمام أمحد بن حنبل رضي اهلل عنهما * وكان علماء‬
‫ورفع‬
‫العراق يتعجبونـ من فتواهـ * ويقولون‪:‬ـ سبحان من أعطاه * ُ‬
‫إليه مرة سؤال عجز العلماء عن جوابه * صورته رجل حلف‬
‫بالطالق الثالث أنة البد أن يعبد اهلل عز وجل عبادة ينفرد هبا دون‬
‫اخلآلئق أمجعني يف ذلك الوقت فما خالصه؟ * فقال رضي اهلل عنه‬

‫(‪)7‬‬
‫على الفور‪ :‬خالصه أن يأيت مكة املكرمةـ وخيلي له املطاف *‬
‫فيطوف أسبوعاًـ وحده * وتنحل ميينه * فلله دره رضي اهلل عنه *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وكان رضي اهلل عنه * يلبس لباس العلماء ويتطيلس ويركب البغلة‬
‫* وترفع الغاشية بني يديه * وإذا تكلم جلس على كرسي عال *‬
‫ورمبا خطا يف اهلواء على رؤوس األشهاد * مث يرجع إىل الكرسي *‬
‫وكان وقته كله معموراً بالطاعات * قال خادمه‪ ،‬الشيخ الويل‬
‫العارف باهلل أبو عبد اهلل حممد بن أيب الفتح اهلروي‪ :‬خدمت‬
‫شيخنا السيد عبد القادر رضي اهلل عنه * مدة أربعني سنة * وكان‬
‫يصلي الصبح بوضوء العشاء هذه املدة كلها * وكان إذا أحدث‬
‫جدد يف وقته وضوءه وصلى ركعتني * وكان إذا صلى العشاء‬
‫دخل خلوته فال يُ َـمكـِّن أحداً أن يدخلها معه وال يفتحها إال عند‬
‫طلوع الفجر * ولقد أتاه اخلليفة مرار بالليل يقصد االجتماع به‬
‫فال يقدر على ذلك * قال ابن أيب الفتح املذكور‪ :‬بت ليلة عنده‬
‫فرأيته يصلي أول الليل يسرياً * مث يذكر اهلل تعاىل إىل أن ميضي‬
‫الثلث األول من الليل * مث يقول‪ :‬احمليط الرب الشهيد احلسيبـ‬
‫الفعال اخلالق اخلالق البارئ املصور * تسعة ألفاظ * ويرتفع يف‬
‫(‪)8‬‬
‫اهلواء إىل أن يغيب عن بصري * مث يصلي قائماً على قدميه يتلو‬
‫القرآن إىل أن يذهب الثلث الثاين * وكان يطيل سجوده جداً * مث‬
‫جيلس متوجهاً مراقباً مشاهداً إىل طلوع الفجر * مث يأخذ يف‬
‫االبتهال والدعاء والتذلل ويغشاه نور يكاد خيطف باألبصار إىل أن‬
‫يغيبـ فيه عن النظر * قال وكنت أمسع عنده‪ :‬سالم عليكم سالم‬
‫عليكم وهو يرد السالم إىل أن خيرج لصالة الفجر * وكان رضي‬
‫اهلل عنة يقول‪ :‬ال ينبغي لفقري أن يتصدى ويتصدر إلرشاد الناس *‬
‫إال أن أعطاه اهلل علم العلماء وسياسة امللوك وحكمة احلكماء *‬
‫قال ورفع إلية مرة شخص ادعى أنة يرى اهلل تعاىل بعيين رأسه *‬
‫فقال له‪ :‬أحق ما يقولون عنك * فقال‪ :‬نعم * فزجره وانتهره‬
‫وعاهده أن ال يعود إىل ذكر ذلك * مث التفتـ سيدنا الشيخ رضي‬
‫اهلل عنه إىل احلاضرين السائلني له‪ :‬أحمق هذا أم مبطل؟ فقال‪ :‬هو‬
‫حمق يف قوله ملتبس عليه * وذلك أنة شهد ببصريتهـ نور اجلمال *‬
‫مث خرق من بصريته منفذ * فرأى بصره بصريته وشعاعها متصل‬
‫بنور شهوده * فظن أن بصره رأى ما شهدته بصريته * وإمنا رأى‬
‫ب العلماء والصوفيةـ من‬ ‫نور بصريتهـ قط وهو ال يدري * فاضطََر َ‬
‫مساع هذا الكالمـ ودهشوا * قال وذكر رضي اهلل عنة * أنه يُرى له‬
‫مرة من املرات نور عظيم وبدا له يف ذلك النور صورة * قال‬
‫(‪)9‬‬
‫فنادتين‪ :‬يا عبد القادر أنا ربك وقد أحبت لك احملرمات * فقلت‪:‬‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم * اخسأ يا ليعني * فإذا بذلك النور‬
‫ظالم وإذا بالصورة دخان * مث صرخ يب‪ :‬يا عبد القادر جنوت مين‬
‫بعلمك حبكم ربك وفقهك يف أحكام منازالتك * ولقد أضللت‬
‫مبثل هذه الواقعةـ سبعني من أهل الطريق * فقيل لسيدنا الشيخ‪ :‬مب‬
‫أحبت لك احملرمات * فعلمت‬ ‫عرفت أنه شيطان؟ فقال‪ :‬من قوله ٌ‬
‫أن اهلل تعاىل ال يأمر بالفحشاء *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وكان رضي اهلل عنه * ال يعظم األغنياءـ وال يقوم ألحد من األمراء‬
‫وال أركان الدولة * وكان كثرياً ما يرى اخلليفة قاصداً له وهو‬
‫جالس فيدخل خلوة * مث خيرج على اخلليفة بعد وصوله حىت ال‬
‫يقوم له إعزازاً لطريق الفقراء * وال وقف بباب وزير وال سلطان *‬
‫وال قبل هدية من اخلليفة قط * حىت عتب علية مرة على عدم قبول‬
‫هديته فقال له الشيخ‪ :‬أرسل ما بدا لك وأحضر معه * فحضر‬
‫اخلليفة عند الشيخ ومعه شيء من التفاح * ففلق الشيخ التفاح فإذًا‬
‫كل تفاحة حمشوة دماً وقيحاً * فقال للخليفة‪ :‬كيف تلومنا على‬
‫عدم أكلنا من هذا وكله حَم ُش ٌّـو بدماء الناس * فاستغفر اخلليفة‬
‫( ‪) 10‬‬
‫وتاب على يديه * وكان يأيت فيقف بني يدي الشيخ كآحاد الناس‬
‫وصحبه إىل أن مات * وكان سيدنا الشيخ رضي اهلل عنه مع‬
‫عد صيته وعُ ِّلو ذكره يعظِّم الفقراء وجيالسهم ويُفلي‬‫جاللة قدره وب ِ‬
‫ُ‬
‫هلم ثياهبم * وكان يقول‪ :‬الفقري الصابر أفضل من الغين الشاكر *‬
‫والفقري الشاكر أفضل منهما * والفقري الصابر الشاكر أفضل من‬
‫أحب البالء وتلذذ به إال من عرف املْبـلي * وكان‬‫الكل * وما َّ‬
‫ُ‬
‫يقول‪ :‬اتبعواـ وال تبتدعوا وأطيعوا وال مترقوا واصربوا وجتزعوا‬
‫وانتظروا الفرج وال تيأسوا واجتمعوا على ذكر اهلل تعاىل وال‬
‫تَـتفرقوا * وتطهروا بالتوبة عن الذنوب وهبا ال تتلطخوا وعن باب‬
‫موالكم فال تربحوا * وكان يقول‪ :‬ال خترت جلب النعماء وال دفع‬
‫البلواء * فإن النعماء واصلة إليك بالقسمة استجلبتها أم ال *‬
‫والبلوى حالة بك وإن كان كرهتها فسلم هلل يف الكل يفعل ما‬
‫يشاء * فإن جاءتك النعماء فاشتغل بالذكر والشكر * وإن جاءتك‬
‫البلوى فاشتغل بالصرب واملوافقةـ * وإن كنت أعلى من ذلك فالرضا‬
‫والتلذذ * واعلموا أن البلية مل تأت املؤمن لتهلكه وإمنا أتته لتختربه‬
‫* وكان رضي اهلل عنة يقول‪ :‬ال يصلح جملالسة احلق تعاىل إال‬
‫املطهرون من رجس الزالت * وال يفتح أبوابه تعاىل إال ملن خال‬
‫عن الدعاوى واهلوسات * وملا كان الغالبـ على الناس عدم التطهر‬
‫( ‪) 11‬‬
‫ابتالهم اهلل باألمراض كفارة وطهوراً * ليصلحوا لقربة وجمالسته‬
‫شعروا بذلك أم مل يشعروا * وكان يقول‪ :‬إياكم أن حتبوا أحداً‬
‫وتكرهوهـ إال بعد عرض أفعاله على الكتاب والسنة * كي ال حتبوه‬
‫باهلوى وتبغضوهـ باهلوى *‬

‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬


‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وكان رضي اهلل عنه ال جيلس الذباب على ثيابه وراثة له من جده‬
‫صلى اهلل علية وسلم * فقيل له يف ذلك فقال‪ :‬أي شي يعمل‬
‫الذباب عندي وليس عندي من دبس الدنيا وال عسل األخرة *‬
‫ومن كراماته ري اهلل عنه أيضاً أنه جلس مرة يتوضأ فذرق علية‬
‫عصفور فرفع رأسه إلية فخر العصور ميتا * فغسل الثوب مث‬
‫تصدق به عن العصفور وقال‪ :‬إن كان علينا إمث فهو كفارته *‬
‫ومن كراماته أن امرأة أتته بولدها لتشوقه إىل صحبة الشيخ عبد‬
‫القادر رضي اهلل عنه وتُ َسل َكهُ * فأمره باجملاهدة وسلوك طريق‬
‫السلف * فرأته أمه يوما حنيالً مصفراً يأكل من قُرص شعري *‬
‫ووجدت بني يدي الشيخ رضي اهلل عنه إناءً فيه عظام دجاجة‬
‫مسلوقة * فسألته عن املعىن يف ذلك * فوضع سيدنا الشيخ رضي‬
‫( ‪) 12‬‬
‫اهلل عنه يده املباركة على العظام وقال هلا‪ :‬قومي بإذن اهلل الذي‬
‫حييي العظام وهي رميم * فقامت الدجاجة سوية وصاحت‪ :‬آل إله‬
‫إال اهلل حممد رسول اهلل الشيخ عبد القادر ويل اهلل * فقال‪ :‬إذا صار‬
‫ابنك هكذا فليأكل ما شاء * ( أقول ال يستبعد ذلك إال كل غيب‬
‫ألنه كل ما كان معجزة لنيب جاز أن يكون مثله كرامة لويل *‬
‫وهذه القصة ذكرها أئمة فضالء وعلماء أتقياء وحمدثون نبالء ال‬
‫يُ َعدُّو َن وال حيدون ) * ومن كراماته أيضا أنه مر مبجلسه حدأة يف‬
‫يوم شديد الريح فشوشت بصياحها * فقال‪ :‬يا ريح خذي رأسها‬
‫* فوقعت لوقتها مقطوعة الرأس فنزل عن الكرسي وأخذها يف يده‬
‫وأمر األخرى عليها وقال‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم * فحيّت‬
‫وطارت سوية والناس يشاهدون ذلك * ومن كراماته أن أبا عمر‬
‫الرميي رمحة اهلل عليهما * قاال‪ :‬كنا‬
‫الصريفيين وأبا حممد عبد احلق ِّ‬
‫بني يدي سيدنا الشيخ السيد عبد القادر مبدرسته يف يوم األحد‬
‫ثالث صفر سنة مخس ومخسني ومخسمائة * فتوضأ يف قبقابه‬
‫وصلى ركعتني * مث صرخ صرخة عظيمة * ورمى بفردة قبقابه يف‬
‫اهلواء فغابت عن أبصارنا * مث فعل ثانية كذلك باألخرى * مث‬
‫جلس فلم يتجاسر أحد على سؤاله * مث قدمت قافلة من بالد‬
‫العجم بعد ثالث وعشرين يوما * فقالوا إن معنا لسيدنا الشيخ‬
‫( ‪) 13‬‬
‫نذراً فاستأذناه * فقال‪ :‬خذوه * فأعطونا شيئا من ذهب وثياباً من‬
‫خز والقبقابـ بعينه فسألناهم * فقالوا بينما حنن سائرون يوم األحد‬
‫ثالث صفر إذا خرجت علينا عرب هلم مقدمان * فانتهبواـ أموالنا‬
‫وقتلوا منا ونزلوا واديا يقتسمون ونزلنا على شفري الوادي * فقلنا‬
‫لو ذكرنا سيدنا الشيخ عبد القادر * فنذرنا له شيئاً سلمنا * فما‬
‫هو إال أن ذكرناه * فسمعنا صرختني عظيمتني مألتا الوادي‬
‫ورأيناهم مذعورين * فظننا أن قد جاءهم مثلهم فجاءنا بعضهم‬
‫وقالوا خذوا أموالكم وانظروا ما قد دمهنا فوجدنا املقدمني ميتني *‬
‫وعند كل منهما فردة مبتلة مباء فردوا علينا ما أخذوا منا * وقالوا‪:‬‬
‫إن هلذا نبأ عظيماً * ومن كراماته أنه جاءه رجل من أصفهان له‬
‫موالة تصرع وقد أعيتـ املعزمني * فقال سيدنا الشيخ رضي اهلل‬
‫عنه هذا مارد من وادي سرنديب امسه حابس * فإذا صُرعت فقل‬
‫يف أذهنا يا حابس عبد القادر رضي اهلل عنه املقيم ببغداد * يقول‪:‬‬
‫ال تعد فتهلك * فغاب الرجل عشر سنني * مث قدم وأخرب أنه فعل‬
‫ما قال الشيخ رضي اهلل عنه * فلم يعد الصرع إليها إىل اآلن *‬
‫وقال بعض رؤساء التعزمي‪ :‬مطثت ببغداد دامت أربعني سنة يف‬
‫حياة سيدنا الشيخ السيد عبد القادر ال يقع فيها صرع على أحد *‬
‫فلما توىف رضي اهلل عنه وقع الصرع * ومن كراماته أن ثالثة من‬
‫( ‪) 14‬‬
‫أشياخ جيالن أتوا إىل زيارة سيدنا الشيخ قدس اهلل سره العزيز *‬
‫فلما دخلوا عليه رأوا اإلبريق موجهاً إىل غري القبلة واخلادم واقفاً‬
‫بني يده * فنظر بعضهم إىل بعض كاملنكرين بسبب توجه اإلبريق‬
‫لغري جهة القبلة وقيام اخلادم بني يديه * فوضع سيدنا الشيخ كتاباً‬
‫من يده ونظر إليهم نظرة وإىل اخلادم أخرى فوقع ميتاً * ونظر وإىل‬
‫اإلبريق نظرة أخرى فدار وطار وحده إىل القبلة * ومن كراماته أن‬
‫أبا املظفر حسن بن متيم البغدادي التاجر جاء إىل الشيخ محاد بن‬
‫مسلم بن دورة الدباس رمحة اهلل عليهما يف سنة إحدى وعشرين‬
‫ومخسمائة * وقال قد‪ :‬جهزت يل قافلة إىل الشام فيها بضاعة بسبع‬
‫مائة دينار * فقال‪ :‬إن سافرت يف هذه السنة قتلت وأخذ مالك *‬
‫فخرج مغموماً * فوجد سيدنا الشيخ عبد القادر وهو شاب يومئذ‬
‫فحكا له ما قاله الشيخ محاد * فقال رضي اهلل عنه‪ :‬سافر تذهب‬
‫علي يف ذلك * فسافر وباعها بألف‬ ‫ساملاً وترجع غامناً والضمان ّ‬
‫جلب لقضاء حاجة اإلنسان *‬ ‫دينار * ودخل يوما يف سقاية َ‬
‫رف من السقاية * فخرج وتركها ناسيا *‬ ‫ووضع ألف دينار على ّ‬
‫وأتى إىل منزله فألقي عليه النعاس فنام فرأى يف منامه كأنه يف قافلة‬
‫قد خرجت عليها العرب * وانتهبوها وقتلوا من فيها وأتاه أحدهم‬
‫فضربه ببحربة فقتله فانتبه فزعاً * ووجد أثر الدم يف عنقه وأحس‬
‫( ‪) 15‬‬
‫باألمل * وتذكر األلف فقام مسرعاً فوجدها ساملة ورجع إىل بغداد‬
‫* وقال‪ :‬إن بدأت بالشيخ محاد فهو األسن وسيدي الشيخ عبد‬
‫القادر فهو الذي صح كالمه * فلقي الشيخ محاد يف أثناء ترديد‬
‫اخلاطر يف سوق السلطان * فقال‪ :‬ابدأ بعبد القادر فإنه حمبوب *‬
‫ولقد سأل اهلل تعاىل فيك سبع عشرة مرة حىت ُجعل ما قُـدِّر عليك‬
‫من القتل يقظة مناماً * وما قُ ّدر من الفقر عيانا نسياناً * فجاء‬
‫للشيخ عبد القدر فابتدأه وقال‪ :‬قال الشيخ محاد سبع عشرة مرة *‬
‫وعزة املعبود لقد سألت اهلل تعاىل سبع عشرة وسبع عشرة إىل متام‬
‫سبعني مرة حىت كان ما ذكر * ومنها أن الشيخ علياً اهلييت‬
‫والشريف أبا الغنائم احلسيين قدس اهلل روحيهما * دخال دار سيدنا‬
‫الشيخ السيد عبد القادر قدس سره الطاهر * فوجدا إنساناً شاباً‬
‫ملقى على قفاه * فقال للشيخ علي اهلييت رضي اهلل عنه‪ :‬يا سيدي‬
‫يف عند سيدي الشيخ عبد القادر * فلما ذكره له وهبه له‬ ‫اشفع ّ‬
‫بقوله قد وهبتُه له * فخرجا إىل الرجل امللقى وعرفاه وبشراه فقام‬
‫الرجل من كوة يف الدهليز وطار يف اهلواء * فرجعا إىل سيدنا عبد‬
‫القادر رضي اهلل عنه وسأاله عن حال الرجل * فقال‪ :‬إنه مر يف‬
‫اهلواء وقال يف نفسه ما يف بغداد رجل مثلي فسلبتُه حاله * ولو ال‬
‫الشيخ علي ما رددته له * ومن كراماته أن الشيخ أبا احلسن‬
‫( ‪) 16‬‬
‫املعروف بن الطنطنة رمحة اهلل تعاىل * قال يوم وفاة سيدنا الشيخ‬
‫السيد عبد القادر قدس اهلل سره ورضي اهلل عنه‪ :‬كنت أشتغل على‬
‫سيدي الشيخ عبد القادر بالعلم وأكثر السهر لرتقب حاجته فخرج‬
‫ليلة من داره يف صفر سنة ثالث ومخسني ومخسمائة * فناولتُه‬
‫إبريقاً فلم يأخذه وقصد باب املدرسة وأشار إليه فانفتح وخرج‬
‫وخرجت خلفه وأنا أقول يف نفسي إنه ال يشعر يب * مث انغلق مث‬
‫باب املدينةـ كذلك * مث مشى غري بعيد فإذا حنن ببلد ال أعرفه‬
‫فدخل مكاناً كالرباط فإذا فيه ستة من رجال قعود * فلما رأوا‬
‫الشيخ عظَّموه وبادروه بالسالم إليه * والتجأت إىل سارية ومسعت‬
‫أنينا من جانب ذلك املكانـ * مث بعد يسري سكن ذلك األنني مث‬
‫دخل رجل وخرج حيمل رجال من ذلك اجلانب * ودخل شخص‬
‫مكشوف الرأس طويل الشارب وجلس بني يدي سيدي الشيخ *‬
‫فأخذ علية العهد بالشهادتني وقص رأسه وشاربه وألبسه طاقية‬
‫ومساه حممداً * وقال للستة‪ :‬قد أمرت أن يكون هذا بدال عن امليت‬
‫* فقالوا‪ :‬مسعاً وطاعة * مث خرج وتركهم وخرجت معه ومشينا‬
‫غري بعيد وإذا حنن عند باب بغداد فانفتح كأول مرة * مث أتى باب‬
‫املدرسة كذلك فدخل داره * مث يف الغد جلست بني يدي الشيخ‬
‫أقرأ فمنعتين هيبتهـ فقال‪ :‬يا بين اقرأ وال عليك فأقسمت عليه أن‬
‫( ‪) 17‬‬
‫يبني يل ما رأيت منه باألمس * فقال رضي اهلل عنه‪ :‬أما البلد‬
‫فنهاوند وأما الستة فهم األبدال النجباء * وأما صاحب األنني‬
‫فسابعهم كان مريضا * فلما حضرته الوفاة جئت أحضر وفاته *‬
‫وأما الذي محله فأبو العباس اخلضر عليه السالم أخذه ليتوىل أمره *‬
‫وأما الذي أخذت عليه الشهادتني فنصراين من القسطنطينية *‬
‫أمرت أن يكون عوض املتوىف وهو اآلن منهم * قال أبو احلسن‬
‫وأخذ الشيخ علي العهد أن ال أحدث بذلك مادام حياً * وذكر‬
‫الشيخ عبد اهلل احلسيين املوصلي أن اإلمام املستنجد باهلل أبا املظفر‬
‫يوسف جاء إىل سيدنا الشيخ السيد عبد القادر قدس اهلل سره‬
‫الباهر واستوصاه * ووضع بني يديه ماالً يف عشرة أكياس حيملها‬
‫عشرة من اخلُ ّدام * فردها سيدنا الشيخ فأىب اخلليفة إاّل أن يقبلها‬
‫وأحلّ على الشيخ * فأخذ الشيخ كيسني منها يف يده ومها خري‬
‫األكياس وأحسنها وعصرمها فساال دماً * فقال سيدنا الشيخ‬
‫للخليفة‪ :‬أما تستحي من اهلل تعاىل تقابلين بدماء املسلمني فغشي‬
‫على اخلليفة يف احلال * فقال الشيخ‪ :‬وعزة املعبود لوال حرمة‬
‫اتصاله برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لرتكت الدم جيري إىل‬
‫منزله * قال عبد اهلل املذكور‪ :‬وشهدت اخلليفة عنده يوماً * فقال‬
‫ليطمئن قليب‬
‫ّ‬ ‫لسيدنا الشيخ رضي اهلل عنه‪ :‬أريد شيئاً من الكرامات‬
‫( ‪) 18‬‬
‫* قال وما تريد؟ قال تفاحاً ومل يكن أوانه يف العراق * فم ّد سيدنا‬
‫الشيخ يده يف اهلواءـ فإذا فيها تفاحتان * فناوله إحدامها وكسر‬
‫الشيخ اليت يف يده فإذا هي بيضاء تفوح منها رائحة املسك *‬
‫وكسر اخلليفة األخرى فإذا فيها دودة * فقال‪ :‬ما هذا واليت بيدك‬
‫كما أرى؟ فقال سيدنا الشيخ‪ :‬هذه ملستها يد الظامل فدودت كما‬
‫ترى * وهذه ملستها يد الوالية فطابت * وقد تقدمت قصة التفاح‬
‫الذي جاء به اخلليفة للشيخ * وكراماته رضي اهلل عنه أكثر من أن‬
‫حتصى وأعظم من أن تستقصىـ * رضي اهلل تعاىل عنه وعنا برضائه‬
‫الرفيع وأمدنا مبدده الوسيع *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدناباألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وكان رضي اهلل عنه يقول وهو من باب التحدث بالنعم لقوله‬
‫مر مسلم على باب مدرسيت‬ ‫تعاىل "وأما بنعمة ربك فحدث"‪ :‬ما َّ‬
‫إال خفف اهلل عنه العذاب يوم القيامةـ * وأُخرب بأنـ شخصاً يصيح‬
‫يف قربه فمضى إليه وقال‪ :‬إن هذا زارين مرة وال بد أن يرمحه اهلل‬
‫تعاىل * فلم يسمع بعد ذلك له صراخ * وقال رضي عنه عثر‬
‫حسني احلالج عثرة فلم يكن يف زمنه من يأخذ بيده * ولو كنت‬
‫يف زمنه ألخذت بيدي * وأنا لكل من عثر مركوبه من مجيع‬
‫( ‪) 19‬‬
‫وحميب إىل يوم القيامة آخذ بيده كلما عثر حياً‬
‫ومريدي َّ‬
‫َّ‬ ‫أصحايب‬
‫مسرج ‪ .‬ورحمي منصوب ‪ .‬وسيفي مشهور‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وميتاً * فإن فرسي‬
‫وقوسي موتور حلفظ مريدي وهو غافل * وقال رضي اهلل عنه‪ :‬أنا‬
‫نار اهلل املوقدة ‪ .‬أنا سالب األحوال ‪ .‬أنا حبر بال ساحل ‪ .‬أنا‬
‫ص َّوام ‪ .‬يا قُوام ‪.‬‬
‫املتكلم يف غريي ‪ .‬أنا احملفوظ ‪ .‬أنا امللحوظ ‪ .‬يا ُ‬
‫يا أهل اجلبال دكت جبالكم ‪ .‬يا أهل الصوامع هدمت‬
‫صوامعكم ‪ .‬أقبلوا إىل أمر من أمر اهلل ‪ .‬يا رجال ‪ .‬يا أبطال ‪ .‬يا‬
‫إيل ‪ .‬وخذوا البحر الذي ال ساحل له ‪.‬‬ ‫أبدال ‪ .‬يا أطفال ‪ .‬هلموا َّ‬
‫يا عزيز أنت واحد يف السماء وأنا واحد يف األرض * يقال يل بني‬
‫الليل والنهار سبعني مرة‪ :‬وأنا اخرتتك لنفسي ويقال يل أيضاً‬
‫سبعني مرة * ولتصنع على عيين * إن السعداء واألشقياء يعرضون‬
‫علي وقفون لدي * وإن نور عيين يف اللوح احملفوظ مقيم ‪ .‬أنا‬
‫غائص يف حبر علم القدمي ‪ .‬أنا حجة اهلل عليكم يوم العرض ‪ .‬أنا‬
‫نائب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ووارثه * يقال يل‪ :‬يا عبد‬
‫القادر تكلم يُسمع منك * قال الشيخ عبد القادر ما شربت * حىت‬
‫قيل يل‪ :‬يا عبد القادر حبقي عليك اشرب * وما أكلت حىت قيل‬
‫وأمنتُك من الردى جتيء‬ ‫يل‪ :‬حبقي عليك كل * حبقي عليك تكلم َّ‬
‫علي وختربين مبا جيري فيها * وكذا الشهر وكذا‬ ‫السنة تسلم ّ‬
‫( ‪) 20‬‬
‫الكرسي‪ :‬إذا سألتم اهلل تعاىل‬
‫ّ‬ ‫األسبوعـ وكذا اليوم * قال مرة على‬
‫فاسألوهـ يب *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وكان رضي اهلل عنه أمسر اللون ‪ .‬مقرون احلاجبني ‪ .‬عريض اللحية‬
‫ربع القامة ‪ .‬جهوري‬ ‫طويلها ‪ .‬عريض الصدر ‪ .‬حنيف البدن ‪َ .‬‬
‫الصوت ‪ .‬هبي الصمت ‪ .‬سريع الدمعة ‪ .‬شديد اخلشية ‪ .‬كثري‬
‫اهليبةـ ‪ .‬جماب الدعوةـ ‪ .‬كرمي األخالق ‪ .‬طيب األعراق ‪ .‬أبعد‬
‫الناس عن الفحش وأقرهبم إىل احلق ‪ .‬شديد البأس إذا انتهكت‬
‫حمارم اهلل عز وجل ‪ .‬ال يغضبـ لنفسه ‪ .‬وال ينتصر لغري ربه ‪ .‬وال‬
‫يرد سائال ولو بأحد ثوبيه ‪ .‬وكان التوفيق رائده ‪ .‬والتأييد معاضدة‬
‫‪ .‬والعلم مهذبه‪ .‬والقرب مؤيده ‪ .‬واحملاضرة كنزه ‪ .‬واملعرفة حرزه‬
‫‪ .‬واخلطاب مسريه ‪ .‬واللحظ سفريه ‪ .‬واألنسـ ندميه ‪ .‬والبسط‬
‫نسيمه ‪ .‬والصدق رايته ‪ .‬والفتح بضاعته ‪ .‬والعلم صناعته ‪.‬‬
‫والذكر وزيره ‪ .‬والفكر مسريه ‪ .‬واملكاشفةـ غذاءه ‪ .‬واملشاهدةـ‬
‫شفاءه ‪ .‬وآداب الشريعة ظاهره ‪ .‬وأوصاف احلقيقةـ سرائره ‪ .‬قدمه‬
‫التفويض واملوافقة مع التربي من احلول والقوة ‪ .‬وطريقه جتريد‬
‫بشر‬
‫التوحيد ‪ .‬وتوحيد التفريد مع احلضور يف موقف العبوديةـ * ٌ‬
‫( ‪) 21‬‬
‫قائم يف موقف العبدية ‪ .‬ال بشيء وال لشيء ‪ .‬وكانت عبوديته‬
‫مستمدة من كمال الربوبية * فهو عبد مسا عن مصاحبة التفرقة إىل‬
‫مرافقة اجلمع مع لزوم أحكام الشريعة * وفضائله رضي اهلل عنة‬
‫كثرية * وأحواله وشرفه أظهر من مشس الظهرية * ( وملا أتاه املوت‬
‫كان يقول‪ :‬استعنت بال إله إال هلل سبحانه وتعاىل احلي الذي ال‬
‫ميوت ‪ .‬وال خيشى املوت ‪ .‬سبحان من تعزز بالقدرة ‪ .‬وتفرد‬
‫بالبقاء ‪ .‬وقهر العباد باملوت ‪ .‬ال اله إال اهلل حممد رسول اهلل‪ .‬اهلل‪.‬‬
‫اهلل‪ .‬اهلل * مث خرجت روحة الكرمية رضوان اهلل عليه ) * وكانت‬
‫وفاته دامت بركاته صبيحة ليلة السبتـ يف احلادي عشر من شهر‬
‫ربيع اآلخر سنة إحدى وستني ومخسمائة * (ودفن ليالً لكثرة‬
‫الزحام ‪ .‬فإنه مل يبق ببغداد أحد إال جاء ليحضر جنازته وامتألتـ‬
‫احللبة والشوارع واألسواقـ والدروب فلم يُتمكن من دفنه بالنهار‬
‫وصلى علية ولده اإلمام املهاب السيد عبد الوهاب يف مجاعة ممن‬
‫حضر من أوالده وأصحابه الكرام ‪ .‬مث دفن مبدرسته بباب األزج‬
‫ببغداد ومل يفتح باب املدرسة حىت عال النهار وأهرع الناس إىل‬
‫الصالةـ على قربه وزيارته وكان يوماً مشهوداً رضي اهلل عنه )‬
‫*وعمره احدى وتسعني سنة ودفن ببغداد ‪ .‬وقربه ظاهر يزار‬

‫( ‪) 22‬‬
‫ويقصد من سائر األقطار * رضي اهلل عنه ونفعنا به أمجعني اللهم‬
‫آمني اللهم آمني *‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدناباألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫وحيث انتهى ما أردناه ومت ما هتممنا به وقصدناه فلنرفع إىل اهلل‬
‫أكف االبتهالـ * ونتوسل به وبنتائجه أرباب األذواق واألحوال *‬
‫فنقول‪ :‬اللهم إنا نسألك بأنفاس هذا العارف األكرب والسر‬
‫األطهر ‪ .‬الوارث احملمدي ‪ .‬صاحب اإلدالل على البساط‬
‫العندي ‪ .‬وبالسالكني على منهاجه األنور ‪ .‬واملغرتفني من منهل‬
‫معارفه األعذب األدخر * أن متدنا بطيب أنفاسهم وتدين لنا مثار‬
‫غراسهم ‪ .‬يا أيتها األرواح املقدسة ‪ .‬يا ختم ‪ .‬يا قطب ‪ .‬يا إمامان‬
‫‪ .‬يا أوتاد يا أبدال ‪ .‬يا رقباء ‪ .‬يا جنباء ‪ .‬يا نقباء ‪ .‬يا أهل الغريةـ ‪.‬‬
‫يا أهل األخالق ‪ .‬يا أهل السالمة ‪ .‬يا أهل العلم ‪ .‬يا أهل‬
‫البسط ‪ .‬يا أهل احلنان والعطف ‪ .‬يا أيها الضيفان ‪ .‬يا أيها‬
‫الشخص اجلامع ‪ .‬يا أهل األنفاس ‪ .‬أهل الغيبـ منكم والشهادة ‪.‬‬
‫يا أهل القوة والعزم ‪ .‬يا أهل اهليبة واجلالل ‪ .‬يا أهل الفتح ‪ .‬يا‬
‫أهل املعارج العُلى ‪ .‬يا أهل النفس ‪ .‬يا أهل اإلمداد ‪ .‬يا أهل‬
‫صلصلة اجلرس ‪ .‬يا قطب القاهر ‪ .‬يا قطب الرقائق ‪ .‬يا قطب‬
‫( ‪) 23‬‬
‫سقط الرفرف من ساقط العرش ‪ .‬يا أهل الغىن باهلل ‪ .‬يا قطب‬
‫اخلشية ‪ .‬يا أهل عني التحكيم والزوائد ‪ .‬يا أيها البدالء ‪ .‬يا أهل‬
‫اجلهات الست ‪ .‬يا مالمتية ‪ .‬يا فقراء ‪ .‬يا صوفية ‪ .‬يا عباد ‪ .‬يا‬
‫زهاد ‪ .‬يا رجال املاء ‪ .‬يا أفراد ‪ .‬يا أمناء ‪ .‬يا قراء ‪ .‬يا أحباب ‪ .‬يا‬
‫أخالء ‪ .‬يا حمدثون ‪ .‬يا مسراء ‪ .‬يا ورثة الظامل لنفسه منكم‬
‫واملقتصد ‪ .‬والسابق باخلريات ‪ .‬أيتها األرواح الطاهرة يف رجال‬
‫الغيبـ والشهادة * كونوا لنا عوناً يف جناح الطلبات ‪ .‬وتيسري‬
‫املرادات ‪ .‬وإهناض العزمات ‪ .‬وتأمني املرعونات ‪ .‬وسرت‬
‫العورات ‪ .‬وقضاء الديونـ ‪ .‬وحتقيق الظنون ‪ .‬وإزالة احلجب‬
‫الغياهب ‪ .‬وحسن اخلواتيم والعقوبات ‪ .‬وكشف الكروب ‪.‬‬
‫وغفرانـ الذنوب *‬

‫َج ِل اهلل‬ ‫أِل‬ ‫ِ‬ ‫*‬ ‫اد اهلل ِر َج َ‬ ‫ِ‬


‫أَغ ْي ُث ْونَا ْ‬ ‫ال اهلل‬ ‫عبَ َ‬
‫ض ِل اهلل‬‫س ٰى نَ ْحظَ ٰى بَِف ْ‬ ‫*‬ ‫و ُكو ُنوا َعو َننَا ِ‬
‫َع َ‬ ‫هلل‬ ‫َ ْ ْ ْ‬
‫افي َساَل ُم اهلل‬ ‫َعلَى َّ‬ ‫*‬
‫الش ّ‬ ‫صاَل ةُ اهلل‬‫افي َ‬‫َعلَى الْ َك ّ‬
‫ِمن الْبلْو ِ‬
‫آء يَا اهلل‬ ‫َ ََ‬ ‫*‬ ‫صنَا‬‫بِ ُم ْح ِي الدِّيْ ِن َخلِّ ْ‬
‫َحبَاب‬ ‫ادات َويَا أ ْ‬ ‫َويَا َس َ‬ ‫*‬ ‫َويَا أَقْطَاب َويَا أَنْ َجاب‬
‫* َت َعالَ ْوا َوانْ ُ‬
‫ص ُر ْوا هلل‬ ‫َوأَْنتَ ْم يَا أُولِي اأْل َلْبَاب‬
‫( ‪) 24‬‬
‫* َولِ ُّ‬
‫لزلْ َف ٰى َر َج ْونَا ُك ْم‬ ‫َسأَلْنَا ُك ْم َسأَلْنَا ُك ْم‬
‫ش ُّدوا َع ْزم ُكم ِ‬ ‫ِ‬
‫هلل‬ ‫* فَ ُ ْ َ ْ‬ ‫ص ْدنَا ُك ْم‬ ‫َوف ْي أ َْم ٍر قَ َ‬
‫* تَ َح َّق ْق لِ ْي إِ َش َارتِ ْي‬ ‫ادتِ ْي‬
‫بس َ‬‫َفيَا َربِّ ْي َ‬
‫ص ُفو وق ُْتنَا ِ‬
‫هلل‬ ‫* َويَ ْ ْ َ‬ ‫ش َارتِ ْي‬‫س ٰى تَأْتِ ْي بِ َ‬‫َع َ‬
‫ب َع ْن َع ْينِ ْي * َو َرفْ ِع الَْب ْي ِن ِم ْن َب ْينِ ْي‬ ‫ْح ْج ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َك ْشف ال ُ‬
‫* بُِن ْو ِر ال َْو ْج ِه يَا اهلل‬ ‫ف َواأْل َيْ ِن‬ ‫س الْ َك ْي ِ‬ ‫َوطَ ْم ِ‬
‫* َعلَ ٰى َم ْن بِال ُْه َد ٰى َجانَا‬ ‫صاَل ةُ ِ‬
‫اهلل َم ْواَل نَا‬ ‫َ‬
‫* َش ِف ْي ِع الْ َخل ِْق ِع ْن َد اهلل‬ ‫َو َم ْن بِال َ‬
‫ْح ِّق أ َْواَل نَا‬
‫اللهم انشر نفحات الرضـوان عليه‬
‫وأمدنا باألسرار اليت أودعتها لديه‬
‫اللهم وكما أحضرتنا ختم كتابك الذي أعربت فيه عن شرائع‬
‫أحكامك ووحيك الذي أنزلته على نبيك مفرقاً بني حاللك‬
‫وحرامك ‪ .‬وندبتنا للتعرض لثوابه اجلسيم ‪ .‬وحذرتنا على لسان‬
‫وعيده شديد عذابك األليم ‪ .‬فاجعلنا ممن تلني قلوهبم عند مساع‬
‫آياته ‪ .‬ويدين لك بامتثال أوامره ومنهياته ‪ .‬واجعله نوراً نسعى به‬
‫وسلّماً نعرج به إىل دار املقامة ‪ .‬اللهم وسهل‬ ‫يف عرصات القيامةـ ‪ُ .‬‬
‫علينا كرب السياق إذا دنا الرحيل ‪ .‬وبلغت الروح منا الرتاقـ ‪.‬‬
‫وجتلى ملك املوت لقبضها من حجب الغيوب ‪ .‬وقيل من راق ‪.‬‬
‫( ‪) 25‬‬
‫والتفتـ الساق بالساق ‪ .‬إىل ربك يومئذ املساق ‪ .‬وصارت‬
‫األعمال قالئد يف األعناقـ * اللهم ال تغل إىل األعناقـ أكفاً‬
‫تضرعت إليك ‪ .‬واعتمدت يف صالهتا راكعة وساجدة بني يديك ‪.‬‬
‫وال تُقيّد بأنكال اجلحيم أقداماً سعت أليك ‪ .‬وبرزت من منازهلا‬
‫إىل املساجد طامعة فيما لديك ‪ .‬وال تصم أمساعاً تلذذت حبالوة‬
‫بكت يف ظلم‬
‫تالوة كتابك الكرمي ‪ .‬وال تَطمس بالعمى أعيناًـ ْ‬
‫وصل وسلِّم على سيدنا‬
‫الليايل خوفاً من عذابك العظيم * اللّهم ِّ‬
‫حممد شفيع أرباب الذنوب ‪ .‬وعلى اله وأصحابه أطباء القلوب ‪.‬‬
‫كل حمبوب ‪.‬‬ ‫كشفت هلم كل حمجوب ‪ .‬وأنلتَهم ّ‬ ‫َ‬ ‫وعلى أمته الذين‬
‫رت اجملالس بعرف أخبار األخيار‬ ‫ما هبتـ النفخات السحرية وتعطّ ِ‬
‫الزكية املسكية ‪ .‬وسلم تسلمياً كثرياً ‪ .‬و"سبحان ربك رب العزة‬
‫عما يصفونـ ‪ .‬وسالم على املرسلني ‪ .‬واحلمد هلل رب العاملني *‬
‫انتهىـ كتاب اجلين الداين يف مناقب القطب اجليالين رضي اهلل عنه‬

‫( ‪) 26‬‬

You might also like