Professional Documents
Culture Documents
16
16
16
ملخص:
يدخل الشاعر غمار التكوين الشعري وع ّدتو الوحيدة اللغة كال وأجزاء ،حروفا ومجال ،تأسره
قدرهتا على نقل شعوره وتصوير خيالو ،وترمجة أحاسيسو ،فيأتيها فرادى ومجاعات ،يتجسد من
فن القول إذ ىي
خالذلا ويتفنن يف تشكيلها ،لتعرب عن حاالتو وأحوالو ادلختلفة ،وتنوب عنو يف ّ
القول ذاتو ،وال نصبح مع ىذا النوع من النصوص -ادلمثل يف ىذه الدراسة بديوان صحوة الغيم-
أمام لغة الشعر وإّّنا أمام شعر اللغة ،فتتغَت الرؤى وختتلف اإلشكاالت ويصبح السؤال ادلعهود:
كيف قال الشاعر ما قال؟ ىو سؤال اللغة :كيف استطاعت أن تتمثل ماذا يريد وما ىي طريقتو يف
القول الشعري؟ .ومن ىذا ادلنطلق تكتسب اللغة أمهيتها يف ىذه الدراسة ،ويف تشريح الن
الشعري ادلعاصر ،الصويف على وجو اخلصوص ،وتصبح قراءهتا إمجاال وتفصيال ،متصلة ومنفصلة،
خاليا صوتية أو كائنات ُمجَلِيَّة ونصية ىي ادل َّ
عول عليو لبناء الداللة وقراءة الن .
ُ
Summary :
Poet enters to the adventure of poetic composition, his only kit is
the language using everything: its alphabet and sentences, which has
the ability to convey his emotions, draw his fiction as well as interpret
his feelings, so the poet comes to it individually and in groups in order
to be creative in forming it to reflect his different cases and conditions
thus it replaces him in the saying if we don’t say it is the saying itself.
We won’t become in this kind of texts in front of the language of
poetry but the poetry of the language like:
“SAHWAT ALGHAYM” which is represented in this study ,so the
points of view and questions will be changed to the common question
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
that is How and what does the poet say? It’s the question of the
language .How can the language represent the poet , what he wants to
say and what is his way in poetic saying? From this point the language
is gaining importance in this study and in the analysis of contemporary
poetic texts even mystic in particular. Its reading becomes in general
and details connected and separated in this case the reader focuses on
sounds and sentences “all the language” to understand the meaning of
the text.
تمهيد:
إ ّن الشاعر مبدع لعوادلو اخلاصة ،زلدث ذلا دائما ،ومن جترد من فعل اخللق أصبح كمن يرمي
كل ادلخلوقات،
بذوره يف أرض جدباء ،ال ىي تطحن قمحا فتأكل وال تنبت فتستفيد منها ّ
والقصيدة باعتبارىا سللوقا خاصا «ال تستويف شرط وجودىا الفٍت إالّ يف حدود إحالتها على ادلعٌت
وليس ادلعٌت الشعري سوى عناصر التصوير التخييلي اليت تؤديها العبارة الشعرية ،ضلتا للكيان
وتأصيال للذات واستشرافا للمصَت وختصيبا لرؤيا األنا يف احلياة والوجود»( ،)1ويف حالة كهذه يصبح
من العسَت اقتفاء خطوات شاعر نضجت جتربتو الشعرية واستوت على سوقها ،وأصبحت نرباسا
يضيء وشهابا يلوح يف مساوات اإلبداع اجلزائري ،نعم ىكذا نصف التجربة الشعرية عند الشاعر
عبد ا﵁ العشي ،واحد من األقالم اجلزائرية النادرة ،وصاحب جتربة شعرية ال ديكن أن تقارب إالّ
حبذر ،أل ّن مغاليق نصوصو صعبة ادلأخذ ،ومقاماهتا متعددة ومتعالية يف ذات الوقت ،فال ندري من
كل "مقامات الشاعر وبوح"!.
أي مقام تطل علينا ىذه التجربة و ّ
إ ّن التجربة الشعرية يف زلاولتها النمو والتشكل تبتعد عن التقنُت ،لذلك كثَتا ما ركز النقد على
ضرورة االبتعاد عن األحكام ادلسبقة ،والرؤى النقدية اجلاىزة ،وتبعا لذلك حاولنا قدر اإلمكان
االبتعاد عن التأويل الصويف يف قراءتنا لديوان «صحوة الغيم»( ،)2لكن مسعانا مل يكلل بالنجاح إذ
ما فتأت تطل علينا الصوفية بلغتها وإحياءاهتا ،برموزىا ودالالهتا مبدارجها ومقاماهتا ،بأحوال شاعرىا
سريا يغذي الن مبختلف أبعاده ،و«يسمو بفيض من وحاالتو ،وأصبحت ىي واخليال حبال ّ
التخصيب واإلثراء جيعلو قابال لتعدديّة قرائية وتأويلية وكأ ّن مصداقية التجربة اليت حتافظ أبدا على
حسي فلسفي واقعي مأل الذات ادلبدعة فأفرغتو على قدره من التجاوز ،فأحالتو اتزان رؤيوي ّ
الدالالت أو اللغة البعدية إىل األسطوري ادلشحون بقدرة واقتدار عجيب على ختطي الواقع ليقع
260
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
على الذات القارئة وقوع القوى اخلفية على الرغم من انطالقو من ىذا الواقع ،ويغدو من الطبيعي
تألق ىذه الذات وارتقاؤىا مضيفة من مواضع صفائها وإخالصها»( ،)3طاقات شعرية تربط األرضي
بالسماوي ،فتتفجر اللغة الصوفية دالالت شعرية ،بدء من العنوان وامتدادا يف الديوان وسنحاول
الوقوف على بعض تلك الدالالت.
-1ع ّدةُ العنوان في استشراف الزمان /مقام اليقظة:
لظاىرة السحب والغيم أثر بالغ يف مجيع النفوس ،ويف نفسية الشعراء على وجو التحديد ،إذ
كثَتا ما أبكتهم و ّأرقتهم ،أضحكتهم وشغلتهم ،عصرت قرائحهم وأدمت ألسنتهم وذلك منذ
العصر اجلاىلي ،وىا ىو "عبيد بن األبرص" يقول:
دلاح
من عارض كبياض الصبح ِ يا َمن لربق أبيت الل ــيل أرقـ ــبو
وىنا نستوضح جتربة شعرية بأخرى ففي سؤال للشاعرة الفلسطينية "نداء الرفاعي" من أين
يأيت الصحو؟ تقول « :من مطر متالحق كعاصفة ،من جناح فراشة ،قلب تعلم كيف يرتلو ،ليهطل
جنونا آخر ،صحوة الغيم ىو :جنون السماء يف ليلة عاصفة ،استثناء أوجده ا﵁ يف حلظة صفو،
261
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
براءة احلب ،امتزاج الفصول لتصبح فصال خامسا بتمرد الكون ،قبلة العشاق اليت حفرت ذاهتا على
معابد اآلذلة ،صمت صاخب ،حبر مليء مبحارات الشوق»( )5إذًا ىذا ىو صحو الغيم عند
الشعراء ،جنون مستمر وفصول أربعة ىي فصل شعري واحد ،احًتاق وانبعاث ،لكنو ىنا –عند
الشاعرة -رغم مجاليتو صحو يسيح يف فجاج األرض وربوعها ،وليس كصحو ادلتصوف الذي يعرج
ادلتصوفة -صفاء العقل لتنوره بنور القدس ،وىو صفاء
ّ بو إىل مصاف الكشف إنّو عندىم –أي
عما سوى ا﵀بوب ،وىو صفاء الوقت بالسرور بوصل ادلعشوق ،وىو الس ْلو ّ
احلال بقوة احلب و َّ
()6
للصفو الذي تتضح كذلك صفاء العشق والذوق بأحدية اجلمع والفرق ،إنّو مرادف عندىم ّ
فيو الرؤيا ويُؤمن فيو اللُبس ،ويتماىى ىذا التعريف إىل حد بعيد مع ادلعٌت اللغوي الوارد يف قاموس
الصحوة اسم مرة من الفعل صحا ،وعي وشعور وإدراك ،يوم صحو ومساء صحو ليس فيها ادلعاينّ :
غيم ،ويف (الفلسفة والتصوف) :رجوع العارف إىل اإلحساس بعد غيبة بوارد قوي( ،)7ونفهم من
ىذا أ ّن الصحوة مرحلة الحقة للغيم والسحب بعد أن تبددىا الشمس ،لكن أن يصحو الغيم ذاتو
فال حيدث إالّ مع الشعراء ،ففي صياغتهم دلظاىر الطبيعة كمياء أخرى ال يفهمها ادلناخ وال
الصحو الذي تنزل زخاتو حروفا متوىجة كحبات قعد ضاقت أصحابو وال ادلعجم وال ألفاظو ،إنّو ّ
كل مكان ،أو ىي كما يقول الشاعر «أحرفنا
ذرعا بتزيُت األعناق فاحتمت بفضاء الورقة تبوء منو ّ
()8
لوال احًتاقها دلا بعث شاعر نيبء ،وال أمطر قلمو من نبع جمر أوراقنا[ ]...ورماد خطانا»
مهجتو زلتفال بأجبدية اللغة وبرباءهتا األوىل ،فتطوف باألمساء وتكشف األسرار الكامنة يف ألفها
سر من أسرار الغيم وحَتةٌكل ذلك ّ
واحلكمة النابعة من بائها ،والذاكرة يف تاء بنفسجها ...،و ّ
⃰
الصحو الذي صنوه اليقظة وذىاب السكر عن الصويف. للمعٌت ،إنّو ّ
إ ّن العنوان هبذه القدرة االختزالية لعناوين الديوان يدل على عالقتو الرمحية بالذات اخلالقة لو،
وىو يف ارتباطو هبا يكاد يكون اجلزء الوحيد من الن الذي خيضع لسلطة الكاتب عند استاللو،
ادلبدع يولد بعد اعتصار الذات وحتت سطوة الالوعي قبل الوعي ،وبالتايل َ طبعا إذا سلمنا أ ّن الن
يصبح العنوان ىو اخليط الواىي الذي حيافظ للمبدع على عالقتو بالن ،وىو ىنا توىج للذات
وتوق ذلا ضلو االنعتاق من سلطة الالوعي والقراءة معا ،إنّو مغامرة « تؤسس مسلكا يف لغة الشعر
يتغذى من التجربة اإلنسانية شعرا وأسطورة» 9لغة وإبداعا ،خياال وتصوفا .وإن صحت مقولة أ ّن
العنوان آخر ما يستل من رحم الشاعر ،سيصح قولنا أنّو أول قراءة جامعة للن ،وما بعدىا من
262
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
قراءات ال يتعدى التحليل والتمطيط لدالالت العنوان ،أل ّن العنوان ىو ادلؤشر القرائي األبرز يف
الن ،وحلقة الوصل األوىل بُت ادلبدع والقارئ وىو أيضا عنوان مشبع بادلوروث الصويف ،ويف حالتو
ىذه يعد «تأكيدا حللول الن الغائب يف الن احلاضر ،وملمحا من مالمح ثراء الن » (.)10
غض الطرف عن اإلحياء الرومانسي للعبارة "صحوة الغيم" فكثَتا ما كان ىذا وال ديكن ّ
للغيم أثر نفسي يؤدي إىل التفاؤل أو التشاؤم لدى الشاعر وغَته ،ولن نغايل إذا قلنا ىنا أ ّن سحب
الغيم ىي احلائل بُت الشاعر وبُت السماء اليت يسعى إىل االرتقاء إليها ،فهي الربزخ الذي جيعلو
يسبح يف عماء ،تشحن الذات الشعرية شحنة سلبية ىي أقرب للتشاؤم منها إىل التفاؤل ،وصحوة
تلك السحب إيذان باالنفراج والرقي وباخلصب ادلصاحب للصحوة ،وتصبح "صحوة الغيم"
الظاىرة الطبيعية ىي صحوات الذات الشعرية:
إ ّن دالالت العنوان يف الشكل السابق مدارج تعرج من خالذلا الذات بأحواذلا وحاالهتا إىل
درجات من الكشف والتجلي الصويف يصاحبو كشف وجتلي شعري ،ويف ىذا ادلستوى القرائي
أصبح للعنوان دور أكرب من «دور العالمة االشهارية اليت أصبحت حتتل موقع الصدارة يف عرض
ونشر وتسويق ادلنتوج الثقايف والفٍت واألديب عرب الكتب واجملالت والصحف واألقالم واألقراص
ادلكمل الذي ال تكتمل الداللة
ّ ادلضغوطة...إخل» ( ،)11ىذا الدور ىو دور القرائي دور الن
الشعرية إالّ بو.
حتسسنا دالالت العنوان "صحوة الغيم" يف بعض نصوص الديوانواستنادا على ما سبق ّ
فكانت النتيجة من قول الشاعر يف قصيدة "حيرة المعنى"(:)12
إ ّن ىذا ادلقطع يكشف النقاب عن تفاصيل رحلة الذات يف حبثها عن صحوىا ،وما الزىرة ىنا
إالّ رمزا ذلذا الصحوّ ،إنا تلك الذات ادلسعي وراءىا وقد أغمي على ادلريد مكانا وسط ختوم
لكن معناىا الغريب أىب إالّ أن يشرق وينَت مسلك ادلريد ،فيحدث الكشف الذي
التعب –الغيمّ ،-
عرب عنو الشاعر بقولو "الشموس التي أرتقب" ،وبالتايل يعود بنا الشاعر إىل ثنائية
تيميت ِ
الصحو/الغيم( ،اليت ما فتئت تطل علينا بشكل جزئي يف األسطر الشعرية ادلوالية من خالل ْ
) ّ
اللّيل والفجر.
لقد سيطرت على ىذا ادلقطع األلفاظ الدالة على الزمن ادلرتبط تناوبو بثنائية (النور/الظالم)،
الصحو تدنو من صحوىا وبالتايل تدنو من التوحد والكشف ،وىي لن تدنو منو إالّ فالشموس رمز ّ
264
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
السماء ال ّدنيا ،وادلعٌت مشرق بالضحى وبنبوءات الزىرة ،ادلعٌت
إذا كانت يف حالة معراج إىل ما بعد ّ
الذي ينقل مقاصدنا أصبح زلتارا ،ويف ىذه الرحلة العسَتة ادلستعصية جتد الذات موطئ قدم فوق
صلوم الليل تعرج من خالذلا وبواسطتها إىل السماء ادلسعى ادلرتقب ،وذلك باعتبار العالقة ادلكانية
السماء ،مواصلة بذلك –أي الذات -رحلتها التصاعدية اليت يؤرقها الزمان دائما، بُت النّجوم و ّ
خوفا من أن ينقضي ومل حتقق الذات مبتغاىا وبالتايل فالن «ال خيرج عن إشكالية إنسانية كربى
كل الشعوب قدديا وحديثا وىي مقاومة الشعور بالفناء والتالشي كل اآلداب لدى ّ احتفلت هبا ّ
()13
واالنتصار لقوة اإلرادة اإلنسانية اليت لوالىا دلا كان ىناك تاري وحضارة وعلم وتقدم» ،فهذه
العملية يف وجو من وجوىها جتسيد مطلق إلرادة الذات يف التحرر.
وإ ّن الستخدام الزىرة طابعو الرمزي على الزمن كذلك إذ هبا يُعرب عن اللحظات الفارة اليت
كل حياهتا ومجاذلا وعبقها لتفٌت خدمة لو وتذبل فاسحة ادلكان لغَتىا من دتنح فيها الزىرة للوجود ّ
احليوات ،والشعور بادليالد والفناء من خالل الدورة احلياتية للزىرة «يولد يف سليلة الشاعر احلرص كل
احلرص على اإلمساك بالزمن الوليد خشية انفالت أو تقادم الشعور بادليالد اجلديد»( ،)14ىذا وإ ّن
االشتغال بالزمن واإلحساس بوطأتو ليس غريبا عن الشعراء وال عن ادلخيّلة الشعرية العربية خاصة يف
ظاىرة تعاقب اللّيل والنهار ،فقدديا قال "امرئ القيس":
عل ـ ـ ـ َّي بأن ـ ـ ـو ِاع اذلم ـ ـ ـ ِوم ليـ ـبتلِـ ـ ـي كموج البح ِر أرخى سدولوُ ٍ
وليل ِ
وأردف أعج ـ ــاز ونـ ـ ـأى بك ــلكـ ـ ِـل فقلت لـ ــو دل ـ ــا دتط ــى بصلبـ ـ ـ ــو
ّ
بصبح وما اإلصباح منك بأمثل أال أيّها الليل الطويل أال اصللي
وىي أيضا ظاىرة دينية متأصلة يف معتقداتنا الروحانية ،ووجو من وجوه اإلعجاز الرباين ،فادلوىل
جل وعال خصها بالكثَت من آيات الذكر احلكيم ودعانا إىل التأمل يف تعاقب الليل والنهار بل ّ
وأقسم بالليل والفجر والشمس ،ولنتأمل قولو تعاىل يف سورة آل عمران ﴿توجل الليل يف النهار وتوجل
()15
احلي وترزق من تشاء بغَت حساب﴾ ،إذاً احلي من ادليّت وخترج ادليّت من ّ
النهار يف الليل وخترج ّ
فليس غريبا أن يشتغل اإلنسان بظاىرة النّور والظّالم ،ألنو السلطان الوحيد الذي ال يستطيع
265
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
وصيدا،
قيدا ً
حبث مستميت عن احلرية الروحية كان الزمن ً
الفكاك منو ومن أسره ومبا أ ّن التصوف ٌ
ومر من خاللو إىل الكشف والتجاوز.
قيد مبا يفرضو على ادلريد ،وصيد مىت استوعبو ّ
وىنا نلحظ أ ّن البؤر الداللية ادلسيطرة على الن عبارة عن ثنائيات ضدية من خالذلا عمد
الشاعر إىل تزمُت نصوصو؛ ونعٍت بالتزمُت خلق ثنائيات متقابلة زمنيا جتسد حركة الزمن من خالل
(أنرت =
َ بعض مظاىره كالتقابل بُت النهار والليل وما يرتبط هبما كما توضحو الثنائيات اآلتية:
أعد الزمان=حلم)( ،مشرقا بالضحى ،الشموس=زرع الليل أصلمو) منطفئ)( ،الصباحُّ ،
(مشرق=الظالم)( ،)16وىي ثنائيات ضدية تتجاذب الذات وتؤرق صفوىا ،وجتعل من اخلطاب
الشعري « رؤية فنية تتمثل يف التعبَت عن الزمن والتعبَت بو ،بوصفو رمزا لالحتفال باحلياة ،ورمزا
لتأكيد الكينونة ،ورمزا لنفي التالشي والفناء والعدم ،وتلك ىي القيمة الفنية والفكرية والوجودية
اخلالدة للشعر»( )17خاصة منو الصويف.
ويف ىذه الرحلة اليت حيكمها القلق واخلوف والًتقب ،واألمل والرجاء مع اليأس واحلَتة،
ينكشف زيف األشياء وتتالشى األوىام ،وذلك أ ّن الذات تتخل من ركامها ومن ترسبات الوىم،
فتعد الزمان ساعة ساعة حبثا عن النّور الذي ضاع أو الصباح الذي ضاع كما قال الشاعر من
قصيدة "ألف األسماء":
ساعةً ...ساعةً
يف تفاصيل أيامنا
يف الصباح الذي ضاع من يومنا...
266
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
وتذكرا حىت تتعظ ،وىذا التذكر مرحلة ىامة من ً ويا لو من طقس تفقد فيو الذات اتزانا حَتةً
أحوال ادلتصوف خاصة الذي يرتاد الطريقة حبثا عن خالص من ترسبات الزمن وربقو ،والتذكر
كمفهوم يعٍت« :يف البدايات :االتعاظ بالواعظ واستبصار العرب ،يف األبواب :استحضار ما قد فاتو
من الطاعات يف الدنيا واستقراب ما ىو آت من أحوال العقبة ،يف ادلعامالت :استذكار مبادئ
خلقو ليستحقر نفسو لقولو تعاىل ﴿ولقد خلقنا اإلنسان من ُساللة من طُت﴾»( ،)19إنّو مرحلة
عما سوى الذات ،مرحلة لالنسالخ من ادللذات والدنايا ،وقد تكون من أصعب عزل الذات ّ
مراحل ادلريد اليت ال يشعر فيها باالنتماء ،إذ تًتبع بُت ادلوجود والوجود ،الذايت والالذايت ،بُت
ادلاضي باعتباره زمنا مقضيا يطاردنا وبُت حلظة الكشف بعيدة ادلنال ،بُت النّور والظالم ،ورمبا ىذا
ما جعل ىذه الثنائية -األخَتة -تكتسح ّناذج كثَتة من النتاج الشعري ادلدروس وتقتسم دالالت
الديوان ،والشكل اآليت يوضح ذلك:
إ ّن ادلخطط السابق يقدم للدارس التمايز الواضح بُت الرجاء والفناء ،وىذا شيء طبيعي يف عامل
التصوف الروحي ،لذوات ىائمة يف عماء تبحث عن اخلالص يف حضرة ادللكوت األعظم ،ليشع
متما نعمتو بالتوحد ،فَتتقي ادلريد إىل رتبة العارف ،ومعروف أ ّن الزمن أو الوقت
الرباين عليها ً
النّور ّ
شغل من أشغال ادلريد «ودرجتو حُت استقرار مقام الفناء وابتداء مقام البقاء بتكدير ظهور الكثرة
عن الوحدة»(.)20
ومواصلة لفك التشفَت الرمزي ادلكتنز يف دالالت العنوان تطل علينا بعض عناوين القصائد يف
الديوان وقد اكتست حلّة صوفية ومجعتها كيمياء داللية وصوتية شلتصة من الًتاث الصويف كذلك،
267
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
سر تغيم الضحى" اليت مجعت يف تالفيفها إضافة إىل منها على سبيل ادلثال ال احلصر قصيدة " ّ
عنوان الديوان الذي دتثلو مفرديت (تغيم ،الضحى) -باعتبار الضحى زمنا لوضوح الرؤيا شلا يسمح
أسر
فالسر مأخوذ من « ّالسر اليت تفوح بعبق تارخيي أديب صويف؛ ّ بتأويلو بالصحو -مجعت لفظة ّ
الشيء :كتمو وأظهره ،وىو من األضداد ،سررتو ،كتمتو ،سررتو :أعلنتو” ،فثنائيّة اإلظهار واإلخفاء
ّ
السر واإلسرار ،واإلظهار واإلخفاء ثنائيّة ديكن أن دتتد إىل علوم سلتلفة فنتح ّدث
ىي وجو من وجوه ّ
احلقيقي
ّ اىري " "l’expliciteيف ال ّدراسات اللّسانية ،وعن الضمٍت" "l’impliciteوالظّ ّ عن ّ
الصوفيّة منها
اجملازي يف ال ّدراسات البالغيّة ،وعن الظّاىر والباطن عند الفرق الباطنيّة و ّو ّ
()21
وسر الفصاحة البن سنان اخلفاجي خاصة» ،ومن األسرار الشائعة أسرار البالغة للجرجاينّ ، ّ
تسر
وغَتىا كثَت ،وطبعا للمتصوف أسرار كثَتة ،بل إ ّن الكون كلّو أسرار تُعلَن ويف بيان إعالنا ّ
السر يزيده إلغازا من حيث ىو ال يعلم ،أل ّن كالم أسرارا جديدة ،والشاعر عندما يكتب عن ّ
سر وإن فضح أو وضح ،خاصة شعراء الكشف والنبوءة فكالمهم غامض وإن كان صحوا، الشعراء ّ
السر كمقام يتطلب البوح ،ورمبا ىذا ما حييل الدارس على ديوان "مقام البوح" لكشف
كما أ ّن ّ
السر يف "صحوة الغيم".
مغاليق ّ
سر الوالية يف الذاتية
السر « ىو ادلعٌت ادلخفي عن إدراك ادلشاعر ،وحقيقتو يف ىذا القسم ّ
و ّ
عند الفناء عن رسوم الصفات البشرية ،فصاحبو يسًت حالو عن اخللق غَتةً ،ويتأدب الشرع صونًا
ويتهذب يف األخالق وادلعامالت طرفًا ،وىو من األخفياء الذين ورد فيهم :أحب العباد إىل ا﵁
()22
فالسر عند الصويف إخفاء ومواراة ،وىنا تكمن مجالية الطريقة للشاعر
األخفياء األتقياء» ،إذًا ّ
سر تغيم الضحى"،
السر ويكشفو يف قصيدة تامة حتمل امسو ىي " ّ
ادلريد الذي آثر أن يبحث عن ّ
للسالك درب الكشف ويوقظ إحساسو فتتم الصحوة. السر من شأنو أن ينَت ّ
أل ّن انكشاف ىذا ّ
السر أو عنو شغل لإلنسان ككل ،لكن مزية الشاعر تكمن يف جعل األسرار
ىذا وإ ّن البحث يف ّ
السّر ،وىنا تبدو براعة التأليف وروعة
سر ّتنكشف من حيث تزيد غموضا فيصبح القارئ أمام ّ
التوظيف.
268
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
-2فتات الكالم أو الحرف المنثور /مقام الكشف.
باعتباره كتلة متالمحة جيب أن يُؤخذ جلّها أو يًُتك كلّها ،وىذه من نواميس القراءات إ ّن الن
النقدية اجلادة ،ويف ىذا السياق أصبح الدارس حيتك بعديد ادلصطلحات منها مقولة "نص" يف ح ّد
ذاهتا ،ومنها "نحو النص"" ،الجملة النحوية"" ،الجملة الشعرية" ،..لكن الشاعر ادلعاصر يأىب
دائما االنقياد واإلتباعية ،فيفاجئنا بـ"الكلمة الشعرية" و"الحرف الشعري" ،وىذا األخَت ىو مدار
الكالم يف ىذا العنصر.
وتتجسد ظاىرة احلرف الشعري عندما يتم عزل وحدات اللغة الكربى والدنيا بعضها عن بعض
لتشكيل الداللة الكربى وىي الكلمة ،والصغرى وىي احلرف ،ويف حالة الفصل وتفتيت أوصال
اللغة ىذه ،ال تفقد الوحدات الدنيا معناىا بل على العكس تتحمل دالالت جديدة قد تنوء عن
محلها اجلمل فرادى ومجاعات ألنّو يف حالة كهذه تُشحن الداللة ويُكثف ادلعٌت مبعية ادلعجم،
وسيأيت تفصيل ىذا فيما يأيت.
دلا كان التصوف رغبةً وشطحو أداءً كانت مناجاتو مههمةً وكالماً فكان للغة نصيب غَت يسَت
من ثنايا الديوان ،استخدمت كالً وأجزاء ،إمجاال وتفصيال ،واألىم من ذلك تفصيل التفصيل أي
عودهتا إىل أيام الطفولة والصبا أيام كانت حروف أجبدية ،احتفى هبا الشاعر أّديا احتفاء حىت غدت
طقسا من طقوسو ضلو اخلالص الروحي ،يلهج ذكرا هبا فيقول يف قصيدة "فاتحة األبجدية":
أ﵁ُ يا أ﵁
ت من أمامو أضواءَ َك اخلضراء أَنـَْر َ
طت على يديو
فاساقَ ْ
َّ
لكنَّو...
كل ٍ
نبض فيو مْنطَِف ُئ القلبُّ ،،
مدينةٌ عمياء.
()23
أ﵁ُ يا أ﵁
269
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
وال خيفى يف ىذا ادلقطع اجلو االحتفايل الروحي ،الذي تناجي فيو الذات رّهبا وتلهج بامسو بداية
ناية (أهلل يا أهلل) ،فيشع نوره األخضر على القلب ادلنطفئ ،كما ال خيفى علينا مجاليات التشبيو
كل نبض فيه مدينة عمياء" وىي عبارة على بساطتها ادلركب يف قول الشاعر" :منطفئ القلبّ ،
ىم شاعر تنوء عن محلو اجلبال ،فقلبو تلك الكتلة اللحمية كل نبض فيوتعرب عن الوجود كلّو ،عن ّ
مدينة ،بات حيمل مدنا وقارات فقدت بصرىا وأوكلت أمرىا للبصَتة ،والشاىد يف ىذا ادلثال ليس
اللغة التصويرية ادلفرطة يف احلساسية ،وإّّنا يف عنوان القصيدة ادلفارق للمعهود حيث جعل الشاعر
األجبدية حبروفها تفتح طقوسو الشعرية ،حىت دتكنو من مبتغاه ادلتمثل يف الكشف والوصل ،وإلدتام
عما سوى ا﵀بوب ،واقتداء هبذا الفصل جاءت حروف ىذا الوصل كان البد من فصل وانفصال ّ
الشاعر مفصولة حتاكي حالو ،وحتكي أحوالو.
إنّنا يف إطار العالمات نقسم العالمة إىل لغوية وغَت لغوية ،والسؤال أين تصنف حروف
األجبدية ادلنبوذة يف عراء ادلستخدمة فرادى عوض اجلماعات اللغوية اليت كانت تقود الداللة
الشعرية؟ إ ّن األلف والباء والتاء...اليت كانت تقًتن بعضها ببعض خلقا للداللة أصبحت وحدىا
تنهض بالداللة الشعرية ،وجتزأ ويستعار ذلا الصفات حتمل ادلعٌت وحتتار بو يف قصيدة "حيرة
المعنى" ،ويفارق صوهتا خط حروفها فيهيم الشاعر حبثا عنو يف قصائد سلتلفة ،ويعلن عن ضياع
الصدى من الكلمات يف قصيدة "رجع الصدى" اليت يقول فيها "عبد اهلل العشي":
270
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
تلك أحرفنا مجر أوراقنا ...ورماد خطانا...
()24
وفجر تفتح يف أمسو غدنا....
مدى حَتة الشاعر من خالل سؤال الصدى عن رجوعو إىل أول كلمة نالحظ يف ىذا الن
انطلق منها ،مث الرحلة اليت أزمع خوض غمارىا من خالل قولو "وأعود إلى أول اسم يذكرني وقعه
بالسالم" لينبعث بعد ذلك كائنا جديدا يف قولو "تلك أحرفنا جمر أوراقنا[ ]..ورماد خطانا
وفجر تفتح من أمسه غدنا" وترس ىذه العبارة يف ذىن القارئ إديان الشاعر بطاقة احلرف ليبعثو
من رماده كما تبعث العنقاء بعد احًتاقها.
إنّنا نعرب باللغة عن ادلعاين ىذا ىو األصل لكن أن تعرب اللغة عن اللغة عن ادلعٌت وحَتتو،
والكلمة وصداىا فهذا من التجاوز الشعري ومن اخليال البعيد ادلأخذ ،إذ بنا هبذه اللغة شاخصة
تعرب عن وجودىا ووجود شاعرىا من خالذلا ،إ ّن ىذا التمثيل نأى بنا عن كيفية القول الشعري
مدار النقد ،إىل كيف تقول اللغة ما يقول الشاعر ُ،تضافر إحساساتو ورؤاه وتطلعاتو ضلو اخلالص
هما ،فإ ّن األىم
«وإذا كان الوعي العلمي اللساين واجلمايل باللغة الشعرية على ادلستوى النظري ُم ً
منو ىو اختبارىا النصي التطبيقي»( )25الذي جيعل منها أداة سائغةً عند ادلبدع عصيةً عند ادلتلقي
يقارهبا حبذر ويف خفر وتردد.
َّ
إن الشاعر ذو العباءة الصوفية يف عملية حبثو ادلضنية عن بصي النّور يرى يف اللغة وسيلتو
وخالصا لو من زيف األشياء ،كيف ال وقد كان البدء وكانت اللغة ،بلللنجاة ولتجاوز الظالمَ ،
كانا حرفان من حروف أجبديتها " ُكن" مث كانت ىي ال َق َسم وىي فاحتة التكوين الديٍت باعتباره
كل التكوينات والتكوين الصويف على وجو التحديد؛ فكانت ﴿ن مركزا وزلورا ثابتا تدور حولو ّ
والقلم وما يسطرون﴾( ،)26و("أمل"" ،كهيع "" ،ألر" )...وغَتىا من احلروف ادلقطعة اليت كانت
فواتح لسور الذكر احلكيم ،فشاعرنا يف ىذا اخلصوص يقتبس من موروثو الديٍت دالالت شعرية
تنضح ِجدَّة ،ومصادر داللية مل تلو هبا يد إنسان قبلو ،وقد أشرنا سابقا أن الصحو عند الصويف ال
يكون إالّ بوارد وال ضلسب ىذا الوارد إالّ حروف األجبدية بطاقاهتا التعبَتية وبألغازىا وطالمسها،
فهي وحدىا قادرة على البناء واذلدم ونشر ادلوت واحلياة وتالفيف الكالم ومنو إىل الوجود األوسع،
ورمبا لذلك يصادف الدارس عناوين شعرية حتتفل حبروف األجبدية من قبيل" :ألف األسماء"" ،تاء
271
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
لذاكرة البنفسج"" ،دال بقطر الندى"" ،حكمة الباء" ..عناوين ُمحّلت بدوال بصرية لدوال
صوتية.
إ ّن ظاىرة التقطيع الصويت أو التفكيك الكلمي إىل حروف ظاىرة ذلا أبعادىا الداللية ادلتفوقة،
جتعل للحرف قيمة خارج الكلمة بعد أن كان يُعرف من خالذلا ،ووظيفة زلصورة حسب ما يقدمو
للداللة ،27فحدث ىنا ما ديكن أن نسميو تبادل األدوار ،وأصبح باإلضافة إىل كونو جزءً من بناء
ككل لبناء داللة واحدة ىي ِ
الصورة الشعرية ،ينفرد بكونو توظيفا سيميائيا استُـنْفرت من خاللو اللغة ّ
داللة الن .
ولنأخذ كمثال العنوان األول "ألف األسماء" ،إ ّن نظرة متأنية فيو تنبئ باالنفتاح الشعري ذلذا
العنوان على دالالت سلتلفة جتعلنا نعود إىل الن مرارا وتكرارا لفك شفرتو ،فهذه الظاىرة بشكل
مبدئي ذلا بعدان؛ األول تشكيلي والثاين داليل معنوي ،يتمثل األول يف اعتبار حرف األلف ىو
احلرف األول من كلمة األمساء الذي جاء مضافا إىل حروف أخر –أو كلمة أخرى -بالشكل:
(أ+مساء = أمساء) ويف ىذه احلالة تأخذ األلف طابع اإلضافة والوصل الذي تصبو إليو الذات ،فيتم
ادلعراج باأللف ادلتوحدة إىل السماء العال ،إىل الواحد األحد ،مشَتة إىل الذات السفلى – ادلريد-
والذات العليا ادلطمح وادلٌت ،فهو تشكيل ملغز يوىم باالتصال واالنفصال معا.
أما الثاين الداليل ادلعنوي فاأللف فيو رمز إىل حرف األجبدية (أ) األول يف الًتتيب ،واألول يف
احلروف ادلقطعة يف "سورة البقرة" ثاين سورة قرآنية والوىل يف "السبع ادلثاين" ويف ىذه احلالة تصبح
األلف ليست جزء من الكلمة ،وإّّنا ىي كلمة مكونة من ثالثة أحرف ،ىي صورة طبق األصل
وانعكاس لصوت احلرف (أ) ذاتو ،وديكن دائما أن نظيف البعد اجلمايل ذلذا التوظيف الذي ديثلو
رسم احلرف يف الفضاء الطباعي.
وإذا كان علم الصوتييات " "phonétiqueيركز على كتابة حروف الكلمات كما تنطق –
بالزيادة أو النقصان ،-وعلم العروض يركز على التمثيل الصويت للحروف ادلنطوقة –زيادة ونقصان،
فإ ّن الشاعر يف تأسيسو لعوادلو ابتكر طرقا جديدة للتعبَت يأخذ فيها احلرف صورة بصرية دتتح
وجودىا من لدن الصورة الصوتية ،فاكتسب الصوت إضافة إىل خاصية السماع خاصية التشكيل
البصري ،وأصبح داال مبدلولُت (صورة بصرية +صورة ذىنية) كما يف الشكل:
272
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
وىذا التمثيل (ألف) يف حقيقتو ىو كلمة مستقلة تعرب عن جزء من الكلمة ،ومضافة إىل كلمة
كل ادلسميات اليت فاحتتها
أخرى (األمساء) ويف حالتنا الثانية ىذه تصبح األمساء لفظة مفتوحة على ّ
فكل اسم فيو "ألف" معٍت بقصيدة
حرف "ألف" ،فاأللف فيها جتمع األمساء ادلبدوءة هبذا احلرفّ ،
"ألف األسماء" ،وتنقلنا "األلف" من "ألف" األمساء إىل أول األمساء –باعتبارىا احلرف األول يف
ككل ،-فالشاعر ىنا تؤرقو البدايات أل ّن هبا تتشكل النهايات
الكلمة واألول يف حروف األجبدية ّ
كل الشعراء .وقد شاءت األقدار الشعرية يف النصوص ادلدروسة أن تبٌت وال نظن ذلك إال ديدن ّ
الداللة على التوتر وسلالفة ادلعهود وأن تأيت األفعال ادلتصلة بالضمَت ادلتكلم يف ىذا الن أوذلا
"ألف" (أسند ،أع ّد ،أرسم ،أحفر ،)..لتغدو أول األمساء ىي أيضا أول األفعال وتشحن اللغة
ككل حروفا وأمساء وأفعاال بطاقة احلرف "ألف" باحثة يف حفريات أجبديتها عن أيام النقاء والصفاء
كل قوم عن أغراضهم" لتغدو ح ّدىا حروف يعرب هبا
الصبا أيام كانت "ح ّدها أصوات يعبر بها ّ
الشعراء عن دالالهتم الشعرية وديكن أن نتمثل ىذا الكالم يف الشكل اآليت:
273
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
إ ّن األلف يف الشكل السابق تشبو الفراشة اليت حتًتق وىي دتأل الكون مجاال وإحياءً.
وللداللة النحوية نصيب من ىذا التوظيف اإلشاري حلروف اللغة ،فمعلوم عند العام قبل
اخلاص أ ّن احلرف يف اللغة ال زلل لو من اإلعراب وإن كان عامال يف االسم أو الفعل ويؤثر يف
اجلر مثال ،وحروف األجبدية على اخلصوص ال داللة ذلا خارج السياق النحوي ادلعٌت كحروف ّ
واللغوي والشعري ،لذلك فالفرق شاسع بُت كتابة العنوان بالشكل "أ األسماء" ،وبُت كتابتو "ألف
األسماء" ،إذ ديكن أن نع ّد "أ" تدليال على الرقم دتاما كما لو قلنا )1(" :األمساء" ،فتصبح "أ" ال
زلل ذلا من اإلعراب ورمبا من الكالم عامة ،بينما يف حالتنا الثانية تصبح األلف خرب دلبتدأ زلذوف
كل الفضلة أو
تقديره ىذه أو ىذا وىو مضاف واألمساء مضاف إليو ،واخلرب أقوى يف الداللة من ّ
ادلتممات يف اللغة ،واألمر سيان لبقية عناوين الديوان إذ تفتك أمهيتها داخل اجلملة الشعرية وداخل
ككل باعتبارات سلتلفة ودالالت أكثر تنوعا.
ّ الن
وا﵀صلة ىنا أ ّن الشاعر وىو ينزاح عن التقليد انزاح داخل االنزياح ذاتوَّ ،فر من اللغة إليها وهبا،
وىذا ىو التحدي احلقيقي لألسلوب الشعري يف بناء العنوان «كيف ديكن للعنوان أن ينزاح بذىن
ووجدان وخيال ادلتلقي من دائرة إحالة ادلعلوم على ادلعلوم ،إىل دائرة إحالة ادلعلوم على اجملهول،
274
نسرين دهيلي العذد العاشر 7102 هجلت قراءاث
()28
إنّنا حبق أمام اللغة داللة ومقاما ،حتول نسيب من لغة الشعر ضلو وإحالة اجملهول على اجملهول»
شعر اللغة.
ىذا وإ ّن االنغماس يف فلسفة شاعر صويف كـ "عبد اهلل العشي" يؤسس على الدوام لقراءات
مغايرة للمعهود تؤخذ بتأين وإالّ حتولت الداللة إىل مغاليق يصعب الوقوف على أسرارىا ،وإذ بادلعٌت
ضيع وي ِ
ضي ُع. ِ
يرتدي عباءة اخلفر والدالل فيَ ُ ُ
الهىاهش:
( )1يحشص ثابج :انخغًُت انشيضَت وفضاء انؼًق فٍ جذاسَت يحًىد دسوَش ،انحُاة انثقافُت،
وصاسة انثقافت ،حىَظ[ ،ع ،]244أكخىبش ،2013ص .31
(" )2طحىة انغُى" آخش دَىاٌ نهُاقذ وانشاػش واألعخار انجايؼٍ ػبذ هللا انؼشٍ.
( )3أيٍُ ػثًاٌ :حشكالث األعطىسٌ أبؼادا ووظائفا يٍ خالل سواَت انًجىط نهشوائٍ انهُبٍ
إبشاهُى انكىٍَ ،انحُاة انثقافُت ،وصاسة انثقافت ،حىَظ[ ،ع ،]244أكخىبش ،2013ص .55
( )4يحشص ثابج :انخغًُت انشيضَت وفضاء انؼًق فٍ جذاسَت يحًىد دسوَش ،ص32
(َُ )5ظشَ :ذاء انشفاػٍ http://www.fonxe.net :حاسَخ انضَاسة /2015/10/02انغاػت
.14:48
(َُ )6ظش :أحًذ انُقشبُذٌ انخانذٌ :جايغ األطىل فٍ األونُاء يؼجى انكهًاث انظىفُت،
األَخشاس انؼشبٍ ،بُشوث ،نبُاٌ[ ،ط ،1997 ،]1ص.189
(َُ )7ظش www almaany.com :حاسَخ انضَاسة /2015/10/02 :انغاػت .15:09
( 2015/09/ 30 )8انغاػت http://www.alrai.com 21:07
⃰ (أنف األعًاء ،حكًت انباء ،وحاء نزاكشة انبُفغج ،عشّ حغُى انضحً ،حُشة انًؼًُ) :ػُاوٍَ
نقظائذ يٍ دَىاٌ طحىة انغُى.
( )9يحشص ثابج :انخغًُت انشيضَت وفضاء انؼًق فٍ جذاسَت يحًىد دسوَش ،ص.36
( )10أيٍُ ػثًاٌ :حشكالث األعطىسٌ أبؼادا ووظائفا يٍ خالل سواَت انًجىط ،ص .55
ّ
إٌ يؼجى انطبُؼت َكاد َكىٌ انغًت انغانبت ػهً انذَىاٌ خاطت يُها انؼُاوٍَ بحُث ًَكُُا
انقىل ّ
أٌ أنفاظ انذَىاٌ إٌ نى حكٍ طىفُت فهٍ ػهً األغهب طبُؼُت.
حًثم األسقاو يؼشاجا نهذالنت انشؼشَت يٍ األسضٍ إنً انغًاوٌ انزٌ َغؼً انًشَذ فٍ
انطشَقت انظىفُت انىطىل إنُه حغب انقشاءة طبؼا.
( )11ػثًاٌ بذسٌ :دساعاث حطبُقُت فٍ انشؼش انؼشبٍ َحى حأطُم يُهج فٍ انُقذ انخطبُقٍ،
داس ثانت ،انجضائش[ ،د ط] ،2009 ،ص .38
(2015/09/ 30 )12انغاػت http://www.alrai.com 21:07
( )13ػثًاٌ بذسٌ :دساعاث حطبُقُت فٍ انشؼش انؼشبٍ ،ص.26
( )14انًشجغ َفغه :ص.17
( )15انقشآٌ انكشَى :آل ػًشاٌ.27/
275
قراءاث هقام اللغت في الشعر الصىفي قراءة في ديىان صحىة الغين لـ :عبذ هللا العشي
(َُ )16ظش قظائذ :فاححت األبجذَت ،أنف األعًاء ،حُشة انًؼًُ ،سجغ انظذي فٍ دَىاٌ
طحىة انغُى ػهً انخشحُب.
( )17ػثًاٌ بذسٌ :دساعاث حطبُقُت فٍ انشؼش انؼشبٍ ،ص.19
( http://www.alrai.com )18حاسَخ انضَاسة ،2015/09/30انغاػت 21:07
( )19أحًذ انُقشبُذٌ انخانذٌ :يؼجى انكهًاث انظىفُت ،ص.108
( )20انًشجغ َفغه :ص .179
( ،2015/10/09 http://diae.net )21انغاػت .14:22
( )22أحًذ انُقشبُذٌ انخانذٌ :يؼجى انكهًاث انظىفُت ،ص.180
( http://pulpit.alwatanvoice.com )23حاسَخ انضَاسة ،2015/10/08 :انغاػت .21:30
( )24حاسَخ انضَاسة2015/09/30:انغاػت http://www.alrai.com21:07
( )25ػثًاٌ بذسٌ :دساعاث حطبُقُت فٍ انشؼش انؼشبٍ ،ص.37
( )26انقشآٌ انكشَى :انقهى.1 /
(َ )27شُش هُا إنً خظائض انحشف انخٍ حخخهف يٍ يهًىعت ،إنً يجهىسة ،ويٍ شفىَت إنً
حهقُت ...وانزٌ نه حأثُش بانغ انذالنت خاطت فٍ اسحباطه بانخجشبت انشؼشَت.
( )28ػثًاٌ بذسٌ :دساعاث حطبُقُت فٍ انشؼش انؼشبٍ ،ص.40
276