Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 30

‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫سياسة االحتالل البريطاني للعراق في منطقة الفرات االوسط ‪1920-1917‬م‬


‫د‪ .‬عبد الكريم حسين عبد‪.‬‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬فالح محمود خضر البياتي‪.‬‬
‫جامعة القادسية‪ /‬كلية التربية‪.‬‬ ‫جامعة بابل‪ /‬كلية التربية األساسية‪.‬‬
‫المقدمـــة‪:‬‬
‫ليس احتالل بريطانيا للعراق في اثناء الحرب العالمية االولى‪ ،‬وليد سياسة آنية اوحى بها اشراك الدولة العثمانية‬
‫بالحرب‪ ،‬وانما استجابة لمطامع بريطانيا قديمة بأرض العراق‪ ،‬ألهمية موقعه الجغرافي ذي الصلة الوثيقة بين ما يجري‬
‫في شبه القارة الهندية ومسارها في الخليج العربي‪ ،‬فضال عن وجود النفط الباعث األساسي االخر التجاه بريطانية نحو‬
‫العراق‪ ،‬ولضمان نجاح سياستها على اساس االسواق الجديدة والمواد الخام فيه‪ ،‬وما ان فكت ان تصطدم سياستها بوابل‬
‫مقاومة القبائل العربية الخليجية المعارضة لها‪ ،‬حتى اقامت مركزا تجاريا لها في البصرة وعززت ذلك بنشاط عالقتها‬
‫بالدولة العثمانية‪ B،‬من خالل بعثة (جسني) لمعرفة صالحية النقل في نهري دجلة والفرات ومسحهما ألغراض المالحة‬
‫ظاهرا وألغراض سياسية عسكرية باطنا‪ ،‬من خالل بسط نفوذها على العراق تمهيدا لما يتيسر لها عمله فيه في‬
‫المستقبل‪ ،‬ساعدتها على ذلك االرساليات البريطانية الطبية والتبشيرية وفتح دوائر البريد البريطانية في بغداد‪ B‬والبصرة‪.‬‬
‫إ ن السمة الغالبة على االفكار والخطط والمشاريع لالحتالل البريطاني في العراق أياً كانت الجهة التي صدرت‬
‫عنها الرسمية فيها أو قرارات القادة العسكريين هي تحقيق المصلحة البريطانية قبل كل شيء‪ ،‬فعملت على اصدار‬
‫القوانين التي تتطلبها االوضاع المحلية التي تبنتها اللجان العسكرية البريطانية‪ ،‬يجاريها الحكم بعض شيوخ القبائل في‬
‫حكمهم على العرف العشائري‪ ،‬ثم رسمت سياستها المستقلة فيما تراه ممكنا على نظام سياسي هيكلي للدولة ككل في‬
‫انظمة جزئية ذات وظائف متخصصة كالسلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) مبتغية‪ B‬بذلك تحقيق مآربها‬
‫االستعمارية بصورة مماثلة لمحيطها الدولي نظريا‪ ،‬اختلفت فيه عن الواقع الفعلي‪ ،‬التي اغاضت العراقيين بتلمسهم ان‬
‫بريطانيا انكرت وعودها وقراراتها لحماية امن العراق وااللتزام بصون الكرامة واحترام العراقيين‪ B،‬وعملت على اساءة‬
‫معاملتهم في وطنهم وعظـّمت المكانة االجتماعية لعشائر العراق محاولة منها لفصلها عن الكيان المدن‬
‫واستخدامهم كسالح قوي مع المتغيرات الجديدة‪ B،‬االمر الذي ولّد جراحات بليغة ومؤلمة على المستويات السياسية‬
‫واالجتماعية نتج عنها قيام التمردات والثورات‪.‬‬
‫من هنا جاء موضوع البحث (سياسة االحتالل البريطاني للعراق في منطقة الفرات االوسط ‪1920-1917‬م)‪ ،‬إذ‬
‫يضم الوية العراق الوسطى (الحلة ويتبعها قضاء الهندية وناحيتا الكفل وطويريج‪ ،‬كربالء تتبعها قضاء النجف وناحيتا‬
‫الكوفة وهور الدخن‪ ،‬الديوانية وتتبعها قضاء السماوة وناحية الرميثة‪ ،‬وقضاء الشامية وناحية الشنافية) الهميته التاريخية‬
‫المعاصرة والتي تناولها عدد من الكتاب والباحثين لنعزز ما حصلنا عليه من وثائق ومعلومات متشعبة عن منطقة‬
‫الفرات االوسط‪ ،‬غطت تلك المدة برؤيا من مجموع الحقائق التي استهدف الكشف عنها في كل موضوع من مواضيع‬
‫البحث‪ ،‬بطريقة التقصي والتحليل ومتابعة الحدث‪.‬‬
‫نظم البحث في مبحثين‪ :‬األول بداية المصالح البريطانية في العراق ونشاطاتها السياسية ثم تطور مصالحها في‬
‫العراق‪ ،‬وتضمن المبحث الثاني احتاللهم العراق ودخولهم العاصمة بغداد‪ B،‬ثم سياستها االدارية واالقتصادية في الفرات‬
‫االوسط خاصة والعراق عامة بما يتضمن الضرائب والتبرعات والغرامات االجبارية والمصادرة‪ ،‬ونتائج االحتالل‬
‫البريطاني على المستوى االجتماعي واالقتصادي والسياسي‪.‬‬
‫شخصت مظاهر السياسة البريطانية في منطقة الفرات االوسط ما خفي منها في دراسة الوثائق البريطانية السرية‬
‫وما نشر وقتها في الكتب والصحف المحلية‪ ،‬التي اظهرت واقع العراق السياسي واالجتماعي وما نتج عنها في قيام‬

‫‪417‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫الثورات واالنتفاضات المحلية في معظم مناطق العراق وباألخص مدن الفرات االوسط وعشائرها‪ ،‬حتى رضخت‬
‫حكومة االحتالل لمطاليب الثوار واجبرتها على تغير سياستها في تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة في تشرين األول عام‬
‫‪1920‬م‪ ،‬ورسمت لكل ما سيحدث لها سياسيا باختيارها وقبولها لميالد المملكة العراقية في ‪ 23‬آب ‪1921‬م‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ /‬المصالح البريطانية في العراق‬


‫أوال‪ :‬المصالح االقتصادية البريطانية في العراق‬
‫ظهرت مصالح بريطانيا االقتصادية في منطقة الخليج العربي مع تأسيس شركة الهند الشرقية في بداية القرن‬
‫السابع عشر الميالدي‪ ،‬األمر الذي جعلها تبني العالقات المتينة‪ B‬مع القوى المتنفذة في منطقة الخليج لتامين سالمة الطرق‬
‫التجارية هناك أوال‪ ،‬وبناء مراكز تجارية لها ثانيا‪ ،‬وحاولت الشركة المتاجرة مع مدينة البصرة لتجنب المنافسة التجارية‬
‫الهولندية‪ B،‬حيث توصلت بريطانيا إلى عقد معاهدة مع السلطان العثماني (أحمد الثالث ‪1730-1703‬م)(‪ ،)1‬سمح بموجبها‬
‫بممارسة التجارة البريطانية المارة عبر البصرة واإلرجاء الواقعة تحت السيطرة العثمانية كافة‪ ،‬وحددت نسبة الرسوم‬
‫الكمر كية ﺑ‪ %3‬على الواردات البريطانية(‪ ،)2‬وكان لهذه الشركة مقر دائم في البصرة منذ‪ B‬عام ‪1723‬م‪ ،‬يشرف عليها‬
‫مقيم تابع لوكيل الشركة في بندر عباس‪ ،‬واستطاعت حكومة بريطانيا في بومبي أن تنشئ لها قنصلية في البصرة عام‬
‫‪1764‬م‪ ،‬وتلقى البريطانيون المساعدة من الوالة المماليك (‪ )3‬كما أمر الوالي (سليمان باشا أبو ليله ‪1761-1736‬م)‬
‫عماله على وجوب احترام مقيم الشركة واالهتمام بحماية التجارة في البصرة‪ ،‬فضال عن تقديمه الهدايا للمقيم‬
‫البريطاني(‪ ،)4‬رغبة منه في تحسين العالقات التجارية والسياسية معه‪ ،‬لأهميتها في تحقيق مردود مالي جيد للعراق‬
‫آ نذاك‪ ،‬وفي المقابل سيحصل الوالي على المساعدات العسكرية أحيانا‪ ،‬تؤمن له قوة في إسناد حكمه ومقاومة المناوئين‬
‫له‪.‬‬
‫تحذرت بريطانيا من االلتزامات السياسية في بداية تغلغلها التجاري في العراق‪ ،‬وعدتها من مضامين أساسية‬
‫للتجارة‪ ،‬فضال عن منع الدول االستعمارية المنافسة لها من استغالل ذلك في التقرب نحو الدولة العثمانية بهذا الشأن‪،‬‬
‫وبذلك سهـّل على بريطانيا الحصول على الفرمانات واالمتيازات التجارية في الدولة العثمانية وحكام بالد فارس(‪،)5‬‬
‫وغدت أكثر السفن البريطانية تحتكر نقل السلع التجارية من الهند‪ B‬إلى ميناء البصرة وبالعكس‪.‬‬
‫شهدت المدة (‪1779-1773‬م) كسادا في تجارة شركة الهند الشرقية في العراق النتشار الوباء في البصرة عام‬
‫‪1773‬م‪ ،‬وموت العديد من سكانها‪ ،‬وشجـّع ضعف السلطات العثمانية هناك على انتفاضة عشيرة (كعب) في شرق مدينة‬

‫‪ -‬السلطان العثماني‪ B‬الثالث والعشرون كان شاعرا واديبأ خاض حروب مع روسيا القيصريه وبالد فارس‪ ،‬مستغل تدهور أوضاعهما‬ ‫‪1‬‬

‫الداخلية‪ :‬للمزيد من المعلومات انظر‪ ،‬شكيب‪ B‬ارسالن‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪2001-‬م‪ ،‬ص ص‪.245-241‬‬
‫‪ -‬عبد األمير محمد أمين وهاشم كاطع الزم وآخرون‪ ،‬المصالح البريطانية في الخليج العربي ‪1778-1747‬م‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1977‬م‪ ،‬ص ص‪.40-39‬‬


‫‪ -‬المماليك هم من الرقيق االبيض من الجراكس‪ ،‬ادخلوا المدارس العسكرية واصبحوا ماهرين في القتال‪ ،‬والمماليك في العراق هم الذين‬ ‫‪3‬‬

‫جلبهم الوالي (حسن باشا) من اسواق تفليس وهم اطفال وادخلهم مدارس خاصة تعلموا القراءة والكتابة والسباحة والفروسية وفنون القتال‪،‬‬
‫وبعد تخرجهم عملوا في سلك الجيش أو الوظائف الحكومية‪ ،‬وتم تاسيس دائرة خاصة بهم تعرف (آيج دائرة سي) مهمتها‪ B‬االشراف على‬
‫شراء المماليك وتدريبهم‪ ،‬واصبحوا قوة تمكنت من حكم العراق في االعوام ‪1831-1750‬م‪ .‬للمزيد من المعلومات انظر‪ :‬احمد علي‬
‫الصوفي‪ ،‬المماليك في العراق‪ ،‬صحائف خطيرة من تاريخ العراق القريب ‪1831-1949‬م‪ ،‬الموصل ‪1952-‬م؛ عالء موسى كاظم‬
‫نورس‪ ،‬حكم المماليك في العراق ‪1831-1750‬م‪ ،‬بغداد ‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد األمير محمد أمين‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.92‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪418‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫البصرة ومهاجمتها‪ ،‬إلى جانب معاناة سكان البصرة من حصار الفرس خالل األعوام (‪1779-1775‬م)‪ ،‬وتأثيره في‬
‫عمل الشركة الذي اجبر بريطانيا على سحب سفنها من البصرة وترك ممتلكاتها من دون حماية‪ ،‬التي نتج عنها خلق‬
‫مصاعب خطيرة على التجارة البريطانية في الخليج وخسائر سنوية عظيمة‪ ،‬حيث أجبرتها على تقليص وكالة البصرة‬
‫قدم خدمة كبيرة للبريطانيين خالل الحرب الثورية‬
‫إلى مقيميه وتعيين مستخدم واحد‪ ،‬لكن الطريق البري عبر البصرة ّ‬
‫في أمريكا عام ‪1775‬م‪ ،‬بعد مساعدة فرنسا للمستعمرات األمريكية في حربها ضد بريطانيا‪ ،‬فاستعادت بريطانيا مقرها‬
‫التجاري في البصرة ومواصالتها إلى الهند بعد انتهاء الحرب(‪.)1‬‬
‫توسع نفوذ بريطانيا في المنطقة من جديد في نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬واستطاعت غرس نفوذها السياسي في‬
‫جسم الدولة العثمانية للحصول على أكثر االمتيازات في العراق‪ ،‬حتى أصبح نشاطهم التجاري حجر عثر ٍة على نحو‬
‫خطير أمام التطور االقتصادي المحلي المحدود‪ ،‬وتغير تعاملهم التجاري والسياسي في العراق إلى أكثر اعتداال من‬
‫غيرهم من األوربيين في المنطقة في عالقاتهم مع القوى المحلية والحكومية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المظاهر السياسية البريطانية في العراق‪:‬‬


‫كانت لمدينة البصرة أهمية تجارية وسياسية كبيرة في منطقة الخليج العربي‪ ،‬إذ أصبحت المركز الرئيس واألفضل‬
‫في نقل الرسائل البريطانية بين الخليج ومدينة‪ B‬حلب ثم إلى أوربا‪ ،‬والتي كانت احد اإلعمال األساسية للمقيم البريطاني‬
‫على أرض البصرة‪ ،‬في وقت توقفت مظاهر التذمر من ضياع الرسائل وتاخرها في فترة الستينيات من القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬وغدت البصرة أكثر المقرات التجارية أهمية بالنسبة لبريطانيا في الشرق األوسط‪ ،‬حيث نقلت مقر وكالتها من‬
‫بندر عباس إلى البصرة ومنها تنقل رسائلها برا‪ ،‬وتوسعت عالقتها السياسية مع الوالة العثمانيين الذين وجدوا فيها‬
‫تحقيق مصالحهم المشتركة في وقف الحركات المسلحة ضدهم واحتوائها‪ ،‬وضمانة في مقاومة االعتداءات األجنبية‬
‫المتصارعة في منطقة الخليج العربي‪ ،‬إذ دعمت بريطانيا الوالي (سليمان باشا) عسكريا بإرسال سفينتها العسكرية)‬
‫سوالو ‪ ،)Swallow‬إلى ميناء البصرة لمساعدته في صراعه مع عشيرة (كعب)(‪ ،)2‬وتحسنت العالقات بين مسؤولي‬
‫الشركة والسلطات المحلية العراقية التي ظهر عليها مستوى التطور التجاري واألمني في عهد الوالي (علي باشا‬
‫‪1762‬م)‪ ،‬بصداقته الحميمة مع البريطانيين وتشجيع تجارتهم في معظم واليات العراق(‪.)3‬‬
‫عززت بريطانيا مساعداتها العسكرية للعثمانيين‪ B‬خالل األعوام (‪1765-1761‬م) بإرسال عدة سفن حربية لقمع‬
‫عصيان سلطة عشيرة (كعب) في منطقة شط العرب‪ ،‬ووقف نشاطها في قطع طرق المواصالت مع البصرة‪ ،‬إال أنها‬
‫فشلت في إخضاعهم بسبب حصانة مواقعهم المائية واستيالئهم على بعض السفن البريطانية‪ ،‬إلى جانب تردد العثمانيين‪B‬‬
‫في إيصال المستلزمات العسكرية للمعركة وعدم وصول المزيد من اإلمدادات من بغداد لشن الهجوم‪ ،‬وكانت نتائجه‬
‫خطيرة‪ ،‬إذ كلفت الجيش البريطاني خسائر كثيرة(‪ ،)4‬وعدت تلك اإلعمال أولى التزامات بريطانيا العسكرية في العراق‬
‫وبمثابة خطوة جدية لبسط نفوذهم في المنطقة‪ ،‬وتوفير األمن والسيطرة التامة لحماية تجارتهم التي من خاللها ستزيد من‬
‫نشاطها السياسي لتحقيق مآربها في العراق‪.‬‬
‫غيرت بريطانيا في مطلع القرن التاسع عشر تسمية تأسيساتها التجارية إلى وكالة سياسية في العراق واستخدمت‬
‫طائفة من الخبراء السياسيين في حقلي اإلدارة والتعيين‪ ،‬فكان تعيين‪ B‬الوالي (سليمان باشا الكبير) عام ‪1780‬م بدعم من‬

‫‪ -‬صالح العقاد‪ ،‬االستعمار‪ B‬في الخليج الفارسي‪ ،‬االلف كتاب ‪ -121‬مكتبة االنجلو المصرية القاهرة‪ ،‬ب‪ .‬ت‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد االمير محمد امين‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث‪ ،‬ترجمة جعفر الخياط‪ ،‬مطبعة االديب‪ ،‬ط‪ ،6‬بغداد‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.208‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد االمير محمد امين‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪419‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫المقيم البريطاني في البصرة والسفير البريطاني في اسطنبول (‪ ،)1‬وعمل وكالء الشركة في تحسين صالتهم مع الوالة‬
‫العثمانيين‪ B‬بواسطة تزويدهم باألسلحة البريطانية الستخدامها في مقاومة منافسيهم على مناصب الوالية‪ ،‬فضالً عن توسع‬
‫َّ‬
‫وغض الوالة العثمانيين الطرف عن المخاطر التي تخل بسيادة الدولة العثمانية‬ ‫نفوذهم في المدن والقرى والعشائر‪،‬‬
‫والمخالفة لقواعد التمثيل السياسي والتجاري‪ ،‬وأصبحت بغداد‪ B‬أهم مركز للنفوذ البريطاني‪ ،‬كما برزت قوة شخصية‬
‫المقيم البريطاني في العراق على شخصية السفير في اسطنبول (‪ ،)2‬لذلك انعكست تلك السياسة على بعض شيوخ العشائر‬
‫في التقرب إلى المقيم البريطاني ليحصلوا على المكانة والقوة السياسة التي تضمن لهم الحفاظ على مناصبهم وعالقتهم‬
‫مع الوالة العثمانيين‪ ،)3( B‬والذي هيأ أرضية خصبة للوجود البريطاني في العراق‪ ،‬باالعتماد على تلك الشريحة المهمة في‬
‫نظرهم في تحقيق سياستها تمهيدا لالحتالل بعد رسم كل مخططاتهم االستعمارية بصورة دقيقة من خالل عمالئهم في‬
‫العراق‪.‬‬
‫حصلت بريطانيا على موافقة الدولة العثمانية في فتح دائرة بريد بريطانية‪-‬هندية في بغداد والبصرة‪ ،‬وعملت‬
‫بانتظام من غير اعتراض رسمي في نقل البريد بين المدن الواقعة على النهر بواسطة زوارق البريد(‪ ،)4‬وقد ساعدها ذلك‬
‫أكثر في معرفة دقيقة ألحوال العراق ورسم الطرق النهرية والبرية وتأمين بريده العسكري من الضياع والسرقة حتى‬
‫استطاعت مد أسالك بحرية تتصل بين الهند ومدينة الفاو ثم ربطها بأسالك برية بالخط التركي في بغداد‪ ،)5(B‬حيث أدى‬
‫ذلك إلى تقدم المصالح السياسية االستعمارية على المصالح التجارية‪ ،‬والعمل على إرسال أولى بعثاتها إلى العراق بقيادة‬
‫(جسني) لدراسة شؤون العراق التجارية واالقتصادية‪ B،‬فضال عن األمور السياسية التي جاءت من اجلها‪ ،‬ووضع دراسة‬
‫علمية لمشروع ربط البحر المتوسط بالخليج عن طريق نهر الفرات(‪.)6‬‬
‫ثالثاً‪ :‬نمو المصالح البريطانية وتغلغلها السياسي في العراق‬
‫برز أهمية موقع العراق في نظر السياسة البريطانية مع ازدياد أهمية منطقة الخليج العربي دوليا وتصاعد‬
‫الصراعات السياسية واالقتصادية العالمية فيها‪ ،‬والسيما أن بريطانيا توسعت تجارتها في منتصف القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وأصبح بوسع المقيم البريطاني في العراق أن يحقق مساعي دولته وطموحاتها بكلمة منه إلى الحكام العثمانيين‪ B‬في‬
‫اسطنبول‪ ،‬والتي لم يفتأ بعض من زعماء العشائر العراقية أن يطلب الحماية أو العون من المقيم في التأثير بالوالة‬
‫العثمانيين‪ B‬أحيانا(‪.)7‬‬
‫وافق العثمانيون للبريطانيين على تسيير باخرتين نقليتين في نهر الفرات عام ‪1842‬م في عهد الوالي (علي رضا‬
‫الالذ ‪1842-1831‬م)‪ ،‬بصدور فرمان سلطاني نص على أن يوفر المشروع (إفادته الواقعة مادامت المنافع مشاهدة‬
‫ومحققة للجانبين ومالم يستلزم ذلك محذورا‪ ،‬قد صدرت من لدنا الرخصة لهم بتسيير باخرتين مناوبة في النهر المذكور)‬

‫‪ -‬عالء موسى كاظم نورس وعماد عبد السالم رؤوف‪ ،‬عهد المماليك واألسر الحاكمة‪ ،‬العراق في التاريخ‪ ،‬دار الحرية للطباعة‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،1983‬ص‪.606‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز عبد الغني‪ ،‬بريطانيا وامارات الساحل العماني‪ ،‬الدار الوطنية‪ ،‬بغداد‪1978-‬م‪ ،‬ص‪ 73‬؛ ستيفن همسلي لونكريك‪ ،‬المصدر‬ ‫‪2‬‬

‫السابق‪ ،‬ص‪.308‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح ابراهيم‪ ،‬على طريق الهند‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬ط‪ ،2‬بغداد‪2004-‬م‪ ،‬ص‪ 70‬؛ ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬المصدر السابق‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.307‬‬
‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.382‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح ابراهيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.75‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.307‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪420‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫(‪ ، )1‬ووافق العثمانيون للبريطانيين إجراء مسح للمواصالت النهرية في دجلة والفرات‪ ،‬التي حققت رحالت طويلة في‬
‫الكشف والتدقيق في صالحية النهرين في المالحة‪ ،‬وما أعقبها من مجهودات بريطانيا في إرسال بعثات التنقيب االثارية‬
‫وإ نشاء خطوط التلغراف وتأسيس الشركات المالحية‪ ،‬فضال عن إجراء المسح الجغرافي ورسم الخرائط التي هيأت‬
‫اوضح الطرق وأدق المساحات باستغالل األوضاع المناوئة للوالة العثمانيين(‪.)2‬‬
‫رسمت بريطانيا طريقاً برياً بامتداد‪ B‬نهري دجلة والفرات‪ ،‬وسيرت باخرتين فيهما‪ ،‬لمعرفة صالحية النهرين‬
‫للمالحة‪ ،‬بعد أن تخلت عن مشروع (بالمرستون) في مد خط حديدي عبر وادي الرافدين عام ‪1857‬م(‪ ،)3‬وقد شجع ذلك‬
‫األلمان في وضع خطة إلقامة سكة حديد ترمي الوصول بها إلى بغداد والخليج العربي ثم إيجاد قاعدة بحرية على‬
‫الخليج‪ ،‬فضال عن تغلغلها في الدولة العثمانية باعتقادها إن العراق رأس جسر سهل المنال القتحام الهند‪ ،‬لذلك أصبحت‬
‫سياسة األلمان تشكل خطرا على المصالح البريطانية في الهند‪ ،‬األمر الذي حفز بريطانيا على سرعة االندفاع العسكري‬
‫نحو الشرق األوسط والعمل على توطيد العالقات الجيدة مع دول الخليج العربي وعقد المعاهدات‪ ،‬وقد وجدت هذه الدول‬
‫فيها صيانة لمركزها ضد السلطان العثماني والشاه اإليراني على حد سواء(‪ ،)4‬فضال عن بعث بريطانيا إلى العراق‬
‫دوائر مخابراتها العسكرية والسياسية‪ ،‬عمالء بصفة سائحين ومبشرين وآثاريين‪ ،‬لتحصل على معلومات أدق عن العراق‬
‫من النواحي السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫حصل البريطانيون النفوذ التام في العراق وأهابهم الوالة العثمانيون وأصبحوا ذات سطوة عالية‪ ،‬وفي األكثر‬
‫أداروا وكاالت قنصليات الدول األخرى في العراق‪ ،‬ولهم ثالث قنصليات واحدة في البصرة واخرى في بغداد‪ B‬وثالثة في‬
‫الموصل‪ ،‬يديرها وكيل سياسي ثم مقيم‪ ،‬وكانت وظيفتا القنصل والمنقب األثري تتحدان في شخص واحد‪ ،‬وكان تحت‬
‫تصرف القنصل باخرة تالزمه في إعماله على الدوام(‪.)5‬‬
‫تمتع الوكالء البريطانيون بحرية التنقل في العراق‪ ،‬وحصلوا على امتيازات كثيرة في المالحة النهرية ودوائر‬
‫البريد الهندية‪ B،‬ومنزلتهم نافذة ومحترمة في األوساط السياسية واالجتماعية العراقية‪ ،‬استفاد منهم بعض شيوخ العشائر‬
‫والتجار‪ ،‬وبذلك حصلت بريطانيا على القسط األوفر في التجارة بين الشعوب األوربية في العراق(‪.)6‬‬
‫اتضحت دوافعهم السياسية في العراق بعد‪ B‬أن تستروا بإقامة المشاريع االقتصادية وطرح شعارات المصلحة العامة‬
‫ومنفعة العراق بإطالق عناوين التمجيد للعراقيين وخدمة اإلنسانية‪ ،‬بدعاية يعيدون إلى أذهان العراقيين ماضي بالدهم‬
‫المجيد وتراث إمبراطورية العرب المسلمين فيها‪ ،‬وتبرير ما قد تقتضيه المشاريع التي سيحققونها من نفقات خزينة‬
‫الدولة إلتمام ضبط فيضان نهري دجلة والفرات وإ نشاء السدود لمصالح الزراعة‪ ،‬وتنفيذ المشاريع العمرانية والصناعية‪،‬‬
‫التي من شأنها تنمية الرغبة البريطانية في وضع قدمها في العراق‪ ،‬وأقامت صداقات حميمة وكثيرة مع العراقيين(‪.)7‬‬
‫سعت بريطانيا بواسطة شركاتها (لنج والشركة العثمانية للمالحة النهرية)(‪ )8‬التدخل بدبلوماسية عالية في أوساط‬
‫الحكومة العثمانية للحصول على امتيازات اقتصادية كبيرة في والياتها والسيما في العراق‪ ،‬منافسين في ذلك الدبلوماسية‬

‫‪ -‬عباس العزاوي‪ ،‬تاريخ العراق بين احتاللين‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬شركة التجارة‪ ،‬بغداد‪1955-‬م‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.357-356‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬نشأة العراق الحديث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة سليم طه التكريتي‪ ،‬مطبعة الفجر‪ ،‬بغداد‪1989-‬م‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.68‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.335‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.Langley K,M,The Industrialization of Iraq,Caambridge,1961,P,24 -‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬زكي صالح‪ ،‬منشأ النفوذ البريطاني في بالد مابين النهرين‪ ،‬بغداد‪1949-‬م‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬عالء موسى كاظم‪ ،‬الدبلوماسية البريطانية في العراق ‪1823-1808‬م‪ ،‬مجلة افاق عربية‪ ،‬عدد ‪ 12‬آب ‪1980‬م‪ ،‬ص ص ‪-107‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪.108‬‬

‫‪421‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫األلمانية الناجحة في العالقات التجارية واالقتصادية مع العثمانيين‪ ،‬وبحنكة الوكيل البريطاني (كلوديوس ريج) دخل‬
‫العراق حظيرة النفوذ البريطاني‪ ،‬وتمكن من السيطرة على الجهاز الحكومي وان يكون مهيبا وذا الصدارة في بغداد‪ B،‬وقد‬
‫سارت العالقات البريطانية‪-‬العراقية من بعده بالشكل الذي حقق المصالح البريطانية في العراق(‪ ،)1‬وكادت الشركات‬
‫البريطانية أن تحصل على استغالل المناطق النفطية في الدولة العثمانية‪ ،‬إال إن إصدار السلطان عبد الحميد الثاني (‬
‫‪1909-1876‬م) فرمانا يقضي بنقل ملكية األراضي النفطية في العراق من الخزينة الخاصة إلى أمالك الدولة‪ ،‬قد خيب‬
‫آمال البريطانيين‪ B‬في عقد االتفاق(‪ ،)2‬فضال عن تأثير المواجهات السياسية الصعبة التي أقامها الفرنسيون واأللمان ضدهم‬
‫في تحريض الدولة العثمانية ضدها‪.‬‬
‫وإ زاء تلك المطامع والمصالح في العراق وأهمية تحققها‪ ،‬بدأت القيادة العسكرية البريطانية وضع الخطط العسكرية‬
‫الحتالل جنوب العراق عن طريق الخليج العربي‪ ،‬بعد أن شكلت حكومة الهند لجنة رباعية عام ‪1911‬م‪ ،‬جاء في‬
‫تقريرها في كانون الثاني ‪1912‬م‪ ،‬على ضرورة احتالل العراق‪ ،‬من خالل تنشيط القناصل البريطانيين في بغداد‪B‬‬
‫والبصرة والموصل على إعداد المعلومات العسكرية واالقتصادية عن الجيش العثماني وتسليحه وتوزيعه‪ ،‬ووضع‬
‫الخرائط العامة عن العراق وال سيما التوزيع العشائري‪ ،‬حيث ساعد اندالع الحرب العالمية األولى في آب ‪1914‬م‪،‬‬
‫على دخول القوات البريطانية العراق عن طريق الخليج لتأمين مسالكها العسكرية في المنطقة‪ ،‬بدعوى رغبة بريطانيا‬
‫في حماية مناطق النفط االنكليزية الفارسية في عبادان‪ ،‬ومصالحها في الشرق األوسط(‪ ،)3‬فضال عن تقاسم ممتلكات‬
‫الدولة العثمانية التي تحالفت مع ألمانيا ضد بريطانيا‪ ،‬حيث اكسبها تأييدا من لدن حليفاتها في االحتالل‪.‬‬
‫قاومت السلطة المحلية العثمانية االحتالل البريطاني‪ ،‬وأيدها رجال الدين العراقيين في إصدار فتوى (مقاتلة الكفار)‬
‫هب أالف العراقيين من عرب وأكراد بقيادة رجال الدين لوقف‬
‫التي اتخذت إشكاال متباينة في الرد على االحتالل‪ ،‬إذ ّ‬
‫الزحف البريطاني على مدن العراق منها في موقعة (الشعيبة) في نيسان ‪1915‬م ومناطق أخرى‪ ،‬ونددت الجرائد‬
‫العراقية(‪ )4‬باالحتالل ودعت المواطنين إلى القتال والتصدي له بكل السبل المتاحة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ /‬االحتالل البريطاني للعراق ودخولهم العاصمة بغداد‬


‫أوال‪ :‬سياسة بريطانيا خالل االحتالل‬
‫كانت خطة بريطانيا في العراق االكتفاء باحتالل والية البصرة فقط‪ ،‬ولكن نجاح قواتها في احتالل البصرة جعلها‬
‫تغير خطتها والتقدم الحتالل بغداد وفقا العتبارات سياسة وجدت فيها تهدئة الحالة في إيران‪ ،‬وإ بعاد العثمانيين عن‬
‫التجمع العسكري في العراق الذي سيؤثر مستقبال على المحتلين البريطانيين‪ ،‬فضال عن تقوية مركز بريطانيا في الهند‬
‫من خالل صعوبة اتصال العثمانيين بأفغانستان وتحريض قبائلها الحدودية‪ B‬مع الهند على الثورة ضدها(‪.)5‬‬
‫أصدرت السلطة العسكرية البريطانية في آب ‪1915‬م في المناطق العراقية المحتلة قانوناً باسم (قانون األراضي‬
‫العراقية) فيه أسس القوانين الهندية المدنية‪ B‬والجزائية‪ ،‬يخول السلطة تطبيق القانون الهندي على المجتمع العراقي‪ ،‬وأجاز‬
‫لها تعديله‪ B‬حسبما تتطلب األوضاع المحلية‪ ،‬وحدد القانون إحالة القضايا الخطيرة إلى اللجان العسكرية البريطانية للبت‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الفتاح ابراهيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.178‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪79‬؛ العراق في الوثائق البريطانية ‪1930-1905‬م‪ ،‬ترجمة فؤاد قزانجي‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬بغداد‪1989-‬م‪ ،‬ص ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.23-22‬‬
‫‪ -‬جريدتا العراق والعرب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى سنة ‪1920‬م‪ ،‬مطبعة االرشاد‪ ،‬بغداد‪1963-‬م‪ ،‬ص‪.118‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪422‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫فيها في حين تحال القضايا الشخصية إلى المحاكم الشرعية التي تطبق الشريعة المقدسة ‪ ،‬والتي القت تقبالً وسروراً‬
‫(‪)1‬‬

‫وقتها من بعض األهالي معتقدين بأنه أفضل وسيلة لحل مشاكلهم االقتصادية واالجتماعية وستفي السلطة البريطانية‬
‫بوعدها وتعيد إليهم حقهم فيما سلب منهم أبان العهد العثماني‪.‬‬
‫استخدمت سلطة االحتالل البريطاني الشائعة والكذب‪ ،‬سالحا راجحا بين سكان المدن والعشائر من خالل‬
‫جواسيسهم‪ ،‬بفكرة ان االتراك منهزمون وان الغلبة لإلنكليز‪ ،‬وسرت تلك الشائعات واالساطير بأن قوة االنكليز وعلومهم‬
‫العجيبة واسلحتهم وثروتهم التي التحد ستهزم االتراك وتسحقهم ويتحرر العراق منهم‪ ،‬معززين اشاعاتهم بآيات من‬
‫القرآن الكريم بأنها وردت في سورة الروم(‪ ،)2‬فوجدت تلك الشائعات رواجا وتقبال بين العراقيين خاصة وان عالقات‬
‫الصدام والكراهية كانت قائمة بين العثمانيين‪ B‬والعراقيين مقارنة بالوعود والتحرير والتقدم والرخاء التي رافقت كل‬
‫خطوة من خطوات تقدم جيش االحتالل البريطاني‪.‬‬
‫على الرغم من ميل العراقيين إلى العثمانيين بحكم العاطفة الدينية‪ B‬لدى اكثر الشعب العراقي الذي تأثر بخطابات‬
‫السياسيين ورجال الدين البارزين‪ ،‬إال إن حرارة المقاومة انخفضت درجتها عندما أقدمت سلطات االحتالل العثماني‬
‫قسوتها على مدينة‪ B‬الحلة بما يعرف ﺒـ (واقعة عاكف األولى والثانية) (‪ )3‬عامي ‪1915‬و‪1916‬م‪ ،‬راح ضحيتها اعداد‬
‫كبيرة من المواطنين (‪ ،)4‬ثم اصبحت الحالة في منطقة الفرات االوسط خطيرة ووقعت حوادث ضد السلطة‪ ،‬قادها عامة‬
‫السكان في مدن (كربالء‪ ،‬الحلة‪ ،‬طويريج والكوفة) ونتج عنها اجبار موظفو الحكومة والحاميات العثمانية على ترك تلك‬
‫المدن‪ B،‬االمر الذي عجل السلطات الحكومية العثمانية على تغيير سياستها إلى المسالمة والصلح (‪ ،)5‬والذي لم يحقق نفعا‬
‫لهم‪ ،‬حيث تغير االتجاه الفكري الشعبي في المقاومة والتوقف عن مساندة العثمانيين‪ B‬في الفرات األوسط‪ ،‬حتى دخول‬
‫البريطانيين بغداد‪ B‬في آذار ‪1917‬م‪ ،‬وفي المقابل تركت السلطة البريطانية منطقة الفرات األوسط وشأنها في اإلدارة‬
‫المحلية خالل عام ‪1917‬م‪ ،‬متبعة سياسة (الترهيب والترغيب) التي حققت لها نجاحا اكبر مما حققته في مناطق اخرى‪،‬‬
‫فقد عينت في مدينة‪ B‬الحلة مجلس قبلي لحل المشاكل العشائرية وحشد الفالحين للعمل في مختلف المشاريع ضم عدداً من‬
‫الشيوخ البارزين فيها‪ ،‬وخصصت لهم اإلدارة البريطانية مكافآت مجزية بلغت ثالثمائة روبية شهرياً (‪ )6‬ومنهم عينوا‬
‫اعضاء في المجالس العشائرية‪ ،‬حيث بغت بذلك تحقيق أهدافها في منطقة الفرات األوسط بترغيب كبير ألغلب الشيوخ‬
‫بقناعتها ان (توزيع الهبات والتساهل بجمع الضرائب من الشيوخ والوجهاء المحليين‪ ،‬كلها ربحت كثيرا منهم‪ ،‬وغنمت‬
‫حيادهم الميال نحو الخير)(‪ ،)7‬عندما وجدت كرههم للعثمانيين على مجازرهم في المنطقة‪ ،‬وإ نها منطقة زراعية تدر‬
‫عليهم مبالغ ضريبية عالية مستقبالً‪ ،‬وكان الترهيب كبيرا فقد استملكت حكومة االحتالل ملكية مقاطعات عدة من‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.96‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬دار الراشد‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ص‪.193-177‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬في عام ‪1915‬م قام القائد العسكري العثماني (عاكف بيك) في الحلة بإنزال العقاب بالمتخلفين عن الخدمة العسكرية التي اسفر عنها‬ ‫‪3‬‬

‫نشوب معركه قتل فيها عدد غير قليل من الجند واهل الحلة وبعد مرور سنه عاد عاكف بيك إلى الحلة وجمع رجالها المعروفين في مشهد‬
‫الشمس الستقبال جيشه‪ ،‬وبمكيده امر بإعدام اكثر من مئتي‪ B‬رجل ثم قصف محالت الحلة بالمدافع انتقاما لمقتل جنوده‪ .‬للمزيد من‬
‫المعلومات‪ B‬انظر‪ :‬المس بيل‪ ،‬فصول من تاريخ العراق القريب‪ ،‬ترجمة‪ :‬جعفر الخياط‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪1971 B،‬م‪ ،‬ص ص‪-97‬‬
‫‪.98‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬محمد مهدي البصير‪ ،‬تاريخ القضية العراقية‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬بغداد‪ ،1924-‬ص ص ‪.11-10‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬عمار يوسف عبد اهلل‪ ،‬سياسة بريطانية تجاه العشائر العراقية ‪1945-1914‬م‪ ،‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة‬ ‫‪6‬‬

‫الموصل ‪2002‬م‪ ،‬ص ص‪.124-121‬‬


‫‪ -‬فيليب ايرلند‪ ،‬العراق‪ :‬دراسة في تطوره السياسي‪ ،‬ترجمة جعفر الخياط‪ ،‬دار الكشاف‪ ،‬بيروت‪1949 -‬م‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪423‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫اصحابها بحجة انهم معروفون (بانحيازهم الفعال للعدو واقامتهم في بالد خاضعة لالحتالل التركي)(‪ )1‬والتي افادت من‬
‫انتاجها نفقات االدارة‪ ،‬واالحتفاظ بقسم من معدل االرباح أو كله‪ ،‬كما فرضوا غرامات نقدية وعينية على العشائريين‬
‫الخارجين على السلطة أو بقصفهم الجوي لحاالت الطوارئ‪ ،‬وفي مدينة‪ B‬الكوت ارتأى قائد الحملة العسكرية البريطانية‬
‫الجنرال (طونزند‪ )Townshend‬عام ‪1915‬م لتأمين سالمة جيشه‪ ،‬إخراج أهالي الكوت من مدينتهم ممن ال يملكون‬
‫منازل فيها (الغرباء) واستثنى منهم ما يوصي بهم حاكم الكوت العسكري إبقائهم فيها‪ ،‬كما احتجز عشرين شخصا من‬
‫وجهائها (رهائن) لضمان هدوء سكان المدينة‪ ،‬وأمر قواته على مصادرة مواد اإلعاشة المتيسرة في المدينة‪ ،‬وتفتيش‬
‫المنازل بحثاً عن الحبوب والمواد الغذائية‪ ،‬إذ أعلن عن إعطاء المكافآت لمن يدلي بمخابئها‪ ،‬فضالً عن فرض إعمال‬
‫السخرة على سكانها في حفر الخنادق وإ نشاء الطرق(‪ ،)2‬كما ألغت السلطة البريطانية القوانين المدنية‪ B‬في معظم مدن‬
‫العراق التي احتلوها باستثناء ما يتناسب وسياستهم االستعمارية(‪ ،)3‬وعينت على إدارتهم في العراق حكومة عسكرية‬
‫حددت إدارتها وفقا لما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإلدارة الحكومية‪:‬‬
‫نص التقرير اإلداري لوالية بغداد‪ B‬في عام ‪1917‬م على (إن اإلدارة المدنية‪ B‬يجب أن توضع تحت إشراف‬
‫السلطات العسكرية ‪ . . .‬وبحد أدنى من اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬ذلك الحد الذي يكفي لحفظ النظام ويقوم بما تطلبه القوات‬
‫العسكرية‪ ،‬إما تعديل القوانين وإ دخال اإلصالحات فيجب إن يكتفي بأقل مقدار ممكن منه‪ ،‬وال ترغب حكومة صاحب‬
‫الجاللة إن تثار قضايا إدارية كبيرة أو متناقضة حتى يبعد‪ B‬الخطر التركي) كما قسم التقرير الدوائر الحكومية إلى‬
‫مجموعتين‪ ،‬األولى دوائر الحكومة العثمانية التي أعيدت تحت إشراف البريطانيين (المالية‪ ،‬األوقاف‪ ،‬الكمرك والتربية)‬
‫وثانيا الدوائر المدنية‪ B‬والتي لم تكن موجودة في العهد العثماني وهي ضرورية لهم لسد حاجة الجيش البريطاني (الري‬
‫والزراعة) ودوائر شبه المدنية أسست لسد حاجات الحرب المؤقتة في مراقبة االتجار مع العثمانيين‪ B،‬وتجهيز الحبوب‬
‫ألغراض مدنية‪ B‬منها (المساحة‪ ،‬سكك الحديد‪ B،‬التلغراف‪ ،‬واإلشغال وغيرها)(‪ ،)4‬ووضع االحتالل العسكري اليد على‬
‫احسن البيوت في المدن الستخدامها من االدارة العسكرية والمدنية‪.)5(B‬‬
‫بقيت التقسيمات اإلدارية في العراق كما كانت عليه أيام الحكم العثماني‪ ،‬وقسمت والية البصرة بعد عام ‪1917‬م‬
‫إلى خمس مناطق (البصرة والقرنة والناصرية والعمارة والكوت)‪ ،‬ووالية بغداد تبعت لها مناطق (بغداد وسامراء‬
‫وبعقوبة وخانقين والعزيزية والرمادي والحلة وكربالء والشامية والسماوة) ثم ظهرت منطقتا السليمانية التي فصلت عنها‬
‫كركوك‪ ،‬والموصل التي فصلت عنها اربيل عام‪1919‬م‪ ،‬لعزل المناطق الكردية عن العربية‪ ،‬وفصلت الديوانية عن‬
‫الحلة واعطيت صفة المنطقة بما فيها السماوة‪ ،‬وادمجت كربالء قضاء بلواء الحلة‪ ،‬واصبحت النجف قضاء في لواء‬
‫تقليال ملحوظا في مركز المدينتين المقدستين‪ ،‬ولأحكام السيطرة االدارية عليهما بعيدا عن التأثير الديني ونسق‬ ‫(‪)6‬‬
‫الشامية‬
‫العمل اإلداري في الواليات تحت رئاسة الحاكم الملكي العام في بغداد يجاريه الحكم عدد من الحكام السياسيين‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪271-270‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬طونزند‪ ،‬مذكرات الفريق طونزند‪ ،‬ترجمة حامد احمد الورد‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬ط‪ ،2‬د‪ .‬م‪1986-‬م‪ ،‬ص ص‪359‬و‪.418‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬امين سعيد‪ ،‬الثورة العربية الكبرى‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪1935-‬م‪ ،‬ص ص ‪.26-2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.Administration Report of the Baghdad Wilayat,1917,P,12 -‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪Annual Report of Baghdad Division for the Year 1919,p. 5. Number of billets in Baghdad on January 1، -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.1919,was 554‬‬
‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 233‬؛ غسان العطية‪ ،‬العراق نشأة الدولة‪ ،‬ترجمة عطا عبد الوهاب‪ ،‬دار الالم‪ ،‬لندن‪1988-‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪6‬‬

‫‪.298‬‬

‫‪424‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫والعسكريين في المدن الذين منحوا مطلق الصالحية(‪ ،)1‬وكان معهم عراقيون يشغلون مواقع أدنى السلم الوظيفي وممن‬
‫يعرفوا إحدى اللغتين العربية أو الكردية‪ ،‬حيث لم يكن لهم وقع سياسي وإ داري واضح سوى تنفيذ األوامر الصادرة‬
‫وتطبيقها على أسس السياسة البريطانية في بالدهم‪.‬‬
‫كانت أساليب البريطانيين في العراق مبنية على خبرتهم السابقة في الهند‪ ،‬التي وصفها الجنرال (هالدن‪)Haldane‬‬
‫قائال‪( :‬كانت هذه األساليب قاسية لم يألفها الشعب ولم يكن مستعدا لقبولها بصورة كلية ‪ . . .‬أما ما تبقى من الضباط‬
‫الذين استخدموا في اإلدارة المدنية في العراق فأنهم لم يكونوا ذوي خبرة سابقة في اإلدارة وال يعرفون عن البالد وال‬
‫عن سكانها شيئا‪ ،‬لذا استخدموا بوظيفة معاون حاكم سياسي‪ ،‬وقد عين بعضهم‪ ،‬أحيانا بوظيفة حكام سياسيين)(‪،)2‬‬
‫وتوضحت تلك األساليب السياسية على ضرورة الوصاية على العراق وتنظيم إدارته حسبما تنظر إليه قوة االحتالل‬
‫بقول وكيل الحاكم الملكي العام (ويلسن ‪( )Wilson‬ليس بوسع العراق أن يستغني عن الوصاية ومرد ذلك إلى فقدان‬
‫اإلداريين األكفاء في هذه البالد من جهة‪ ،‬والى إن أهل العراق ال يتذوقون شعور المواطنة من جهة أخرى‪ ،‬يضاف إلى‬
‫ذلك إن موارد البالد االقتصادية بالمعنى العام غير كافية)(‪ ،)3‬فكانت سياسة بريطانيا في العراق تهدف في البقاء مدة‬
‫طويلة‪ ،‬ووفقا لذلك وضعت قوانينها وإ جراءاتها اإلدارية على ما ينفذ سياستها في التعامل مع سكانه في مجاالت الحياة‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية وقد أثرت تلك السياسة على عدم السماح بعودة الضباط العراقيين من تركيا وسوريا‪،‬‬
‫فضال عن تصريحات المسؤولين السياسيين البريطانيين المبررة بعدم وجود إعداد كافية من العراقيين المؤهلين إلشغال‬
‫الوظائف اإلدارية الحساسة في العراق(‪ ،)4‬جاء ذلك على لسان العقيد (لورانس ‪ )Loorans‬بان الحكومة التي فرضتها‬
‫بريطانيا على العراق كانت (انكليزية في طرازها وهي تدار باللغة االنكليزية‪ ،‬لذا يسيرها (‪ )450‬ضابطا تنفيذاً بريطانياً‬
‫من دون أن يكون معهم مسؤول عراقي واحد‪ ،‬في الوقت الذي كان ‪ %70‬من الموظفين التنفيذيين‪ B‬في اإلدارة من‬
‫السكان المحليين أيام األتراك‪ ،‬وان ثمانية أالف من رجال قواتنا هناك يؤدون مهمات رجال الشرطة لحماية الحدود‪ ،‬أنهم‬
‫يقمعون السكان‪ ،‬بينما في أيام األتراك إن ‪ %60‬من ضباط الفرقتين الموجودين في بالد ما بين النهرين كانوا من‬
‫الضباط العرب)(‪.)5‬‬
‫استاء ت وانتقدت الصحف العراقية مظاهر السياسية البريطانية الهادفة إلى تمزيق وحدة المجتمع العراقي والتنكيل‬
‫بالشعب وأهانته من (ضباط الجيش البريطاني ممن تحولوا إلى الشؤون اإلدارية المدنية‪ B،‬انفتحت أوداجهم سلفا وغروراً‬
‫وازدراء للناس واحتقروهم جهاراً وساروا فيهم سيرة خشنة وأوصلوا أنواع األذى لهم‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك‪ ،‬بل اصطنعوا‬
‫ً‬
‫طائفة ممن ال خالق لهم فقربوهم وأدنوهم‪ ،‬حتى جعلوهم اخلص مستشاريهم‪ ،‬إمعانا في اإلرهاق وتنكيال بأهل البالد‬
‫الشرعيين)(‪.)6‬‬
‫لم تفصح بريطانيا عن مستقبل الحكومة الذاتية وإ عمالها في العراق‪ ،‬ماعدا الخطاب الغامض الذي ألقاه القائد‬
‫(ستانلي مود ‪ )Stanly Mood‬في آذار ‪1917‬م‪ ،‬الذي نص على أن (جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيهم بمنزلة قاهرين‬
‫أو أعداء‪ ،‬بل بمنزلة محررين) تعزز الخطاب بعبارات التبجح والمديح للعرب ودورهم في طرد المستعمرين العثمانيين‬
‫من الحجاز‪ ،‬ووصفهم (الذين بغوا عليهم) وأشاد بعظمة قيادة الشريف حسين ملكا عليهم وانجازاته في تحقيق‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Haldane,A. L. The Insurrection in Mesopotamia,1920، Edinburgh ,1922، P,21 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Wilson,A. T. AClash of Loyalties، 2vols، London، 1939، P. 11 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬وميض جمال عمر نظمي‪ ،‬ثورة‪1920‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪1985 -‬م‪ ،‬ص‪.173‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.The”Times”London، July23,1920 -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬جريدة االستقالل في ‪3‬تشرين الثاني‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪425‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫(االستقاللية والحرية‪ ،‬وهو متحالف مع األمم التي تحارب تركية) وبين الخطاب مالمح السياسة البريطانية الغامضة‬
‫الزاعمة بأن أمنيتها (إن تحقق ما تطمح إليه نفوس فالسفتكم مرة أخرى‪ ،‬ولسوف يسعد أهالي بغداد حالهم‪ ،‬ويتمتعون‪B‬‬
‫بالغنى المادي والمالي‪ ،‬بفضل نظامات توافق قوانينهم المقدسة‪ ،‬واطماحهم القومية والفكرية)(‪ ،)1‬وحتى خطابهم هذا لم‬
‫يلق اهتماما وتأيدا عند بعض السياسيين البريطانيين الذي كان معدا سلفا‪ ،‬فالقائد (مود) لم يقتنع بمضامينه‪ ،‬معتقدا انه‬
‫غير ضروري وسيثير السكان وأمالهم‪ ،‬ويعرقل مساعي بريطانيا في العراق‪ ،‬وعلقت الدوائر السياسية البريطانية عليه‬
‫في انه (لن يعود على بريطانيا بمنافع عسكرية)(‪ ،)2‬وبينت الكاتبة (المس بيل) إلى (إننا لم نخط خطوة نحو هذه الغاية‬
‫حسب‪ ،‬بل إننا أقمنا نظاما يختلف تماما عن الحكم الذاتي ‪ . . .‬ولكننا في الواقع أقمنا حكومة بريطانيا يساعدها‬
‫مستشارون عرب)(‪ ،)3‬ونبه السير (وليم مارشال ‪ )Wiliam Marshal‬قائد جيش االحتالل بعد الجنرال مود بأن‬
‫(الجنرال مود ‪ . . .‬لم يجد في عمره لإنجاز هذا الوعد فقد وضع األساس وبقي علي إتمام البناء) وأوعد مارشال على‬
‫انجاز مضامين الوعد في أول فرصة ممكنه‪ ،‬وانه سيعمل على السماح بعودة اسري الحرب المعتقلين في الهند إلى‬
‫أوطانهم‪ ،‬وإ طالق الحرية التامة للتجارة والسماح بنقل الجثث التي تدفن في كربالء والنجف وفتح الطريق إمام الزيارات‬
‫المنظمة لالماكن السياحية المقدسة‪ ،‬وإ طالق سراح بعض المسجونين في السجون الملكية(‪ ،)4‬ويبدو إن هذه الوعود كانت‬
‫مجرد ترضيات لتهدئة الحال وكسب ود الشعب العراقي‪ ،‬حيث لم ينفذ من ذلك إال النزر القليل وبقيت شعارات مرفوعة‬
‫تتناولها الجرائد والكتب‪.‬‬
‫ّع د العراقيون الخطاب مفبركا بكلمات معسولة وبعبارات مبهرة‪ ،‬لم يحقق مصالح الشعب ووجدوا إن من األجدر‬
‫شخص المؤرخ (الحسني) أساليب بريطانيا السياسية في العراق‬ ‫(‪)5‬‬
‫تبني شعار (إن االستقالل يؤخذ وال يعطى) ‪ ،‬في حين ّ‬
‫بقوله (إن االنكليز أسرفوا في قطع العهود الطيبة للعراقيين‪ ،‬وإ سرافهم في العبث بهذه العهود وفي اإلساءة إلى هذا‬
‫الشعب الوديع‪ ،‬وإ ذا كان األتراك قد سعوا إلى اإليقاع بين البيت والبيت لكي يستفيدوا من االنشقاق‪-‬على حد تعبير‬
‫الجنرال مود‪ -‬فان االنكليز سعوا إلى اإليقاع بين األخ وأخيه والوالد وولده ‪ . . .‬فأوجدوا الفوضى في أخالق الشعب‬
‫وعودوه على امتهان الكرامات‪ ،‬وأمكن حكامهم في سلب حرية اإلفراد والجماعات)(‪.)6‬‬
‫كان خطاب (مود) مثار سخط وازدراء‪ ،‬إذ لم تتحقق مضامينه طوال االحتالل البريطاني للعراق متجاهلة أنها‬
‫غنمت قسما من مستعمرات الدولة العثمانية‪ ،‬حسبما تم تقسيمها بين الدول المتحاربة في معاهدة (سايكس‪-‬بيكو ‪Sykes-‬‬
‫‪ )Picot‬وأصبح العراق خالل الحرب خاضعا (إلدارة المناطق المعادية المحتلة)‪ ،‬توضحت في ما نشرته جريدة‬
‫(نيوستيستمان) في ‪ 17‬آذار ‪1917‬م‪ ،‬في مقالها (مهما كانت شروط الصلح التي نريدها في أي مكان‪ ،‬فالشيء الواضح‬
‫بالنسبة إلى المناطق المؤدية إلى الخليج العربي والبحر األحمر‪ ،‬فانه ينبغي للبريطانيين بان يفتشوا على بعض اإلضافات‬
‫المباشرة لكل األسباب اإلستراتيجية جدا)(‪.)7‬‬
‫تبينت تلك األهداف السياسية البريطانية فيما أوردته برقية وزير الهند في لندن إلى نائب الملك في الهند والدوائر‬
‫العسكرية والملكية البريطانية في العراق بتاريخ ‪ 29‬آذار ‪1917‬م‪ ،‬متضمنة مظاهر تحقيق السياسة البريطانية في‬
‫العراق‪ ،‬في إن تبقى البصرة والناصرية وشط العرب وبدرة تحت اإلدارة البريطانية بصورة دائمة‪ ،‬وتكون بغداد‪ B‬مملكة‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬ط‪ ،5‬بيروت‪1982 -‬م‪ ،‬ص ص‪.27-26‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.The Letters، vol 11,P,407 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.145‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬طالب مشتاق‪ ،‬اوراق ايامي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار واسط للدراسات والنشر‪ ،‬بغداد‪1989-‬م‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬العراق في دوري االحتالل واالنتداب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬صيدا‪1935-‬م‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪426‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫عربية يديرها حاكم أو حكومة عراقية تحت حماية بريطانيا‪ ،‬التي تدار خلف ستار عربي بواسطة وكالة وطنية وفقا‬
‫للقوانين الموجودة‪ ،‬ورئيس اإلدارة العراقية العام المندوب السامي المقيم في بغداد‪ B،‬ويدير البصرة حاكم يرتبط بالمندوب‬
‫السامي(‪ ،)1‬وتأكد فيما بعد إن بريطانيا تعلق أهمية كبيرة على بقائها في العراق طويال من خالل ما كتبته (المس بيل) في‬
‫نيسان ‪1920‬م قولها (واني على يقين إننا إن تركنا هذه البالد‪ ،‬علينا إن نعيد‪ B‬النظر في مركزنا في أسيا كلها‪ ،‬ففقداننا‬
‫للعراق يجر وراءه فقداننا إليران ثم الهند‪ ،‬وسيحل محلنا سبعة شياطين يكون أي واحد منهم أكثر سوء من الذي كان‬
‫قبل وجودنا في هذه البالد)(‪.)2‬‬
‫كان واضحا من السياسة الدولية أن بريطانيا رسمت لوجودها في العراق ما يضمن بقاؤها طويال‪ ،‬فعزمت على‬
‫تهدئة الحال‪ ،‬ووجدت من األفضل لها كسب ود الدول المتحالفة معها في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬فأصدرت وفرنسا‬
‫تصريحا في تشرين الثاني ‪1918‬م‪ ،‬خففت فيه من قيودهما على العرب أيام الحرب العالمية األولى‪ ،‬وسمحتا بعودة‬
‫العراقيين إلى بالدهم‪ ،‬وأملتهم على توفير األمن وفرض النظام واالرتقاء ببالدهم خيرا‪ ،‬وتأسيس حكومة وإ دارة وطنية‬
‫تستمد سلطتها من رغبة السكان الوطنيين‪ B،‬وإ عادة القومية العراقية إلى الحياة‪ ،‬وان غايتهما في العراق وسوريا‬
‫(االعتراف بهذه األقطار بمجرد تأسيس حكومات تأسيساً فعليا‪ . . .‬وان تساعدا على تعميم التعليم والتهذيب وان تضعا‬
‫حدا للتفرقة التي طالما توخاها األتراك في سياستهم) (‪ ،)3‬لم تكن الدولتان جادتين في االلتزام الدولي بمضامين االتفاق‪،‬‬
‫وتناقضت بنوده مع خطاب (مود) ومعاهدة سايكس‪-‬بيكو‪ ،‬وكانت محاولة في وضع منهاج لهما يمثل مدى االنسجام‬
‫والعمل المتوازي في تحقيق أغراضهما في الشرق األوسط‪ ،‬فضال عن جعل العرب يثقون بهما بهذا االنسجام‬
‫والتفاهم(‪ ،)4‬وانتقدت (المس بيل) التصريح في مذكرة نشرها (ويلسن)‪ ،‬شككت في مضامينه معتقدة بأنه سيوصل‬
‫سياستهم في العراق إلى نتائج مؤسفة ومتناقضة مع خطاب (مود) الذي ّعده (الناس حيلة عسكرية) ولدت عند العراقيين‬
‫قناعة ببقاء السلطة البريطانية طويال وان (يرضوا بما يمليه السيف) لكن سرعان ما بررت ذلك بأهمية التصريح‬
‫في حين حذر من نتائجه وكيل الحاكم الملكي العام‬ ‫(‪)5‬‬
‫للعراقيين انه (فتح لهم أبوابا جديدة لألمل‪ ،‬ظلوا خائفين عليها)‬
‫(ويلسن) وعده طريقا الستقالل العرب في قوله (إن هذا التصريح المبهم سيورطنا في مصاعب كثيرة وتوقعت حتى قبل‬
‫ذلك إن وضعا قد ينشأ في البالد قد تكون فيه رغائب الشعب في انتخاب الدولة المنتدبة مخالفا لقرارات الدولة المعظمة)‬
‫(‪.)6‬‬
‫ب‪ -‬مظاهر السياسة االقتصادية‪:‬‬
‫كانت العمليات العسكرية البريطانية في العراق وراء تأزم الوضع االقتصادي‪ ،‬الستخدام المتنازعين العثماني‬
‫والبريطاني‪ ،‬الثروات واإلمكانيات المتوفرة لخدمة احتياجاتهما العسكرية‪ ،‬من تمويل الجيشين بما تحتاجه من المواد‬
‫الغذائية‪ B،‬واستخدم الطرفان أساليب مجحفة وقاسية لجمع احتياجاتها العسكرية التي وقعت بثقلها على اكثر الشعب‬
‫العراقي من الفالحين دافعي الضرائب أو المنتجين لألرض الزراعية وعامة الشعب‪ ،‬فضال عن سحب القوات التركية‬
‫أعدادا كبيرة من السكان وسوقهم إلى الخدمة العسكرية‪ ،‬والتي أثرت على تدهور األوضاع االقتصادية في القرى‬

‫‪ -‬ويالرد آيرلند‪ ،‬العراق‪ ،‬ترجمة جعفر الخياط‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬بيروت‪1949-‬م‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.The Letters، vol 11,P,395 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪Wilson، A. T. Mesopotamia، 1917-1920، A Clash of Loyalties: A personal and Historical Record، -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.London، 1931، P,330‬‬


‫‪ -‬السر ارنولد ويلسن‪ ،‬الثورة العراقية‪ ،‬ترجمة جعفر الخياط‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪2004 -‬م‪ ،‬ص‪.65‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪427‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫والمدن‪ ،‬واستولت بريطانيا على البيوت واألمالك إلسكان جيوشها وجعلها مقرات للدوائر الرسمية االستعمارية(‪،)1‬‬
‫تذرعت بان أصحابها معروفون بانحيازهم للعثمانيين‪ B‬أعدائهم‪.‬‬
‫عبثت السلطات البريطانية شبكات الري‪ ،‬وأقامت سدوداً في منطقتي العمارة وسوق الشيوخ تهدف إلى رفع‬
‫مستوى مياه نهر دجلة لتسهيل مرور سفنها العسكرية‪ ،‬فأثرت بدورها على تنظيم توزيع المياه على األراضي الزراعية‪،‬‬
‫التي انخفض إنتاجها الزراعي هناك‪ ،‬في حين صرفت مبالغ كبيرة من خزينة متصرفية الحلة‪ ،‬في تخويل الشيخ (عمران‬
‫عام ‪1917‬م‪ ،‬ووصفت التقارير‬ ‫(‪)2‬‬
‫السعدون) قائم مقام قضاء الهندية على استكمال حفر جدولي (بني حسن والجورجية)‬
‫البريطانية االوضاع الزراعية في منطقة الهندية اواخر عام ‪1917‬م (انها محرومة من الماء‪ ،‬ولم يكن في قضاء الهندية‪B‬‬
‫اي محصول بالمرة وعلى امتداد‪ B‬فرع الحلة من النهر‪ . . .‬وكانت غلة الحاصل الناضج ضئيلة جدا ‪ . . .‬وقد غمرت‬
‫المياه مدينة‪ B‬كربالء واالراضي المحيطة بها)(‪ ،)3‬وتوضح للسياسيين البريطانيين في العراق ان منطقة الفرات االوسط‬
‫ذات مردود زراعي جيد‪ ،‬وانها االكثر رخاء عن باقي البالد‪ B،‬وهي مسالمة ال تسعى للقيام بانتفاضة ضد الحكومة وحدد‬
‫مبتغية بذلك اإلفادة من الواردات الضريبية‬ ‫(‪)4‬‬
‫ان (تسع عشائر يقدرون االعمال التي يجري انجازها من قبل االدارة)‬
‫الزراعية هناك‪ ،‬وكسب ود عشائر الفرات االوسط بتأييد‪ B‬وجودها في بلدة السماوة وشمالها التي اعانتها في االحتالل‬
‫واتبعت معهم سياسة تركهم وشأنهم مستقلين ينعمون بفترة الحكم الذاتي معفووين من الضرائب والواردات الحكومية أو‬
‫المال كية خالل عام ‪1917‬م(‪ ،)5‬والذي كان أفضل طريقة وجدتها بريطانيا في السيطرة على العشائر أكدته (المس بيل)‬
‫قولها (كان االستثمار الزراعي اقوى سالح في أيدينا لتهدئة القبائل)(‪.)6‬‬
‫سعت ادارة االحتالل الستعادة قوة النقود الورقية الرسمية (الروبية) بعد ان عزف السكان عن التداول بها‬
‫باستعاضتهم النقود الذهبية والفضية فعملت االدارة البريطانية على إكثار مشترياتهم بالذهب والفضة‪ ،‬وفرضوا قبول‬
‫جباية الضرائب والرسوم بالنقود الورقية‪ ،‬واستمروا بذلك حتى اصبحت النقود الذهبية والفضية فائضة في االسواق‬
‫قابلها ندرة النقود الورقية‪ ،‬حينها نجحت سياستهم النقدية وشرعوا يغمرون االسواق بالنقود الورقية‪ ،‬االمر الذي نتج عنه‬
‫في بغداد تضخم نقدي هائل لم يشهد له مثيل السكان من قبل‪ ،‬واستفادت منه القوات البريطانية في بناء الثكنات العسكرية‬
‫وتعبيد الطرق ومد السكك الحديدية‪ B‬وتشييد القناطر‪ ،‬وسد حاجتها إلى االطعمة‪ ،‬فضال عن تأثيرها في منطقة الفرات‬
‫االوسط فجنى اكثر السكان اجورا وارباحا كثيرة‪ ،‬واستفاد شيوخ عشائرها وتجارها والمتعهدون من التضخم النقدي‬
‫واصبحوا اغنياء الحرب يلعبون بالمال ويبذرونه تبذيرا يلفت النظر‪ ،‬في حين تأثر قسم من السكان بارتفاع اسعار‬

‫‪ -‬عبد الرحمن البزاز‪ ،‬محاضرات عن العراق من االحتالل حتى االستقالل‪ ،‬مطبعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪1954-‬م‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬خطط العثمانيون‪ B‬حفر جدولي (بني حسن) على يمين وموازي لنهر الهندية‪ ،‬وجدول (الجورجيه) الذي سمي فيما بعد بجدول الكفل على‬ ‫‪2‬‬

‫يسار وموازي نهر الهندية‪ ،‬وباندالع‪ B‬الحرب العالمية األولى توقف العمل بالمشروعين‪.‬‬
‫‪.Administration Reportde Partment of reven ue، Baqhdad 1917–1918، p. 31 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬وميض جمال عمر نظمي‪ ،‬الجذور السياسية والفكرية واالجتماعية للحركة الوطنية العربية (االستقاللية) في العراق‪ ،‬بيروت‪1984-‬م‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.246‬‬
‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪270‬؛ وميض جمال عمر نظمي‪ ،‬الجذور السياسية والفكرية واالجتماعية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.242‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪248-241‬؛ غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪428‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫الحبوب(‪ ، )1‬وكاد ان يؤدي إلى مجاعة في بغداد والفرات االوسط‪ ،‬واكدته (المس بيل) قائلة (وهكذا ادركوا ان مستوى‬
‫االجور قد زاد كثيرا على مستوى تكاليف المعيشة)(‪.)2‬‬
‫أدى هبوط اإلنتاج الزراعي وتوقف استيراد البضائع الصناعية إلى ارتفاع األسعار وحصلت االحتكارات التي‬
‫كانت أ رباحها فاحشة‪ ،‬وانتشرت المجاعة والموت في بعض المناطق الفقيرة في الموصل وبغداد‪ ،‬وتفشي أمراض‬
‫الطاعون والكوليرا‪ ،‬حتى أقفرت بعض المناطق بكاملها من السكان(‪.)3‬‬
‫أ عادت االدارة البريطانية فرض الضرائب على المدن المقدسة بعد ان رفعت عنها خالل فترة الحكم الذاتي‪،‬‬
‫واعتبرت دفعها استحقاقها معيارا للطاعة والنظام‪ ،‬والضرائب التي اعيد فرضها على ]البيوت والبناء والماء والمسالخ‬
‫والوردية (تؤخذ على جمع دواب الجر والحمل المستعملة لالجرة)[‪ ،‬وضريبة (الميدانية‪ B‬على الدكاكين) وفي النجف‬
‫تسمى (البصوانية) وهي ضريبة حراسة واخرى شبيه لها على البيوت تسمى (البيتية) اضافة إلى ضرائب اخرى اقل‬
‫أهمية(‪ ، )4‬إذ وقع العبء االكبر في دفعها على كاهل الطبقات الفقيرة في وقت ارتفعت فيه االسعار وزاد التضخم النقدي‪.‬‬
‫وقد أوردت بريطانيا على لسان الجنرال (هالدن)‪ ،‬اهتمام حكومته األول بجمع الضرائب‪ ،‬حيث كانت (المسائل‬
‫المالية تحتل الصدارة في نظرنا)(‪ ،)5‬والتي أثرت سلبا على الحياة االقتصادية لعامة السكان‪ ،‬حددت (المس بيل) تكاليف‬
‫الحياة العالية التي اضطرتها لشراء (الصابون والسكر والبيض بأثمان عالية)(‪.)6‬‬
‫وكافأت سلطة االحتالل عشائر الرحالة شرق الفرات جنوبا حتى الزبير‪ ،‬المؤيدين منهم لالحتالل لتأمين الطرق‬
‫المهمة التي يسلكها المحتلون من االعتداء‪ ،‬بأن نصبت الشيخ (عبد‪ B‬اهلل آل رشيد) شيخ الزبير محل الشيخ (محمد‬
‫المشري) الذي كان حليفا ل ـ (عجمي) شيخ المنتفك المعارض لالحتالل واكرمته مقاطعة ثمينة على الضفة اليسرى من‬
‫شط العرب(‪ ،)7‬وقد تضمنت السياسة االقتصادية من خالل ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الضرائب وأساليب جمعها‪:‬‬
‫فرضت الحكومة البريطانية بعد‪ B‬استقرارها في معظم مدن العراق ضرائب كثيرة‪ّ ،‬عدت دافعيها (داللة ظاهرة‬
‫للعيان تدل على اعتراف العرب بالخضوع‪ . . .‬يعتبر مقياساً بارزاً للوالء)(‪ ،)8‬أثقلت كاهل الشعب العراقي‪ ،‬بعضهم لم‬
‫يألفها في الحكم العثماني‪ ،‬في تنظيم مراقبة بيع وتجهيز المشروبات الروحية‪ ،‬ورسمي الطوابع وعلى جثث الموتى(‪،)9‬‬
‫وأوجبت على الناس دفع ضريبة ماء الشرب والبناء وضريبة الوردية التي تؤخذ على حيوانات األجرة‪ ،‬وما يجبى من‬

‫‪ -‬ارتفعت االسعار إلى مستويات‪ B‬مذهلة‪ ،‬ففي الحلة عامي ‪1918-1917‬م قفز سعر الطغار من الحنطة من ‪ 10-8‬ليرات إلى ‪100‬‬ ‫‪1‬‬

‫ليرة‪ ،‬وفي منطقة الكاظمية ببغداد خضعت إلى التقنين التام وحظر بيع اللحم وذبح الماشية لثالث ايام اسبوعيا‪ ،‬ولم يكن في مدن السماوة‬
‫والرميثة والديوانية ما يكفي من المؤن سوى الربعة اشهر‪ ،‬وفي الحلة والمسيب والهندية فما يكفي لستة اشهر فقط‪ ،‬في حين كان النقص‬
‫في الحبوب في النجف وراء االضطرابات التي وقعت فيها عام ‪1918‬م‪ .‬للمزيد من المعلومات ينظر‪ :‬غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪،‬‬
‫ص ‪.288‬‬
‫‪.Burgoyne (Gertrude Bell) -London 1961-vol. 2,P. 100 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬محمد طاهر العمري الموصلي‪ ،‬تاريخ مقدرات العراق السياسية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬مطبعة دار السالم‪ ،‬بغداد‪1925-‬م‪ ،‬ص‪.95‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Reports of Administration for 1918 of Divistricts of the Occupied Territories in Mesopotamia. Vol. 1,p p. -‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.88-91‬‬
‫‪Wilson، op، cit، 2vols، p,57 -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪The Letters، vol 11,P,36 -‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.236‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪.British Government: Administration Report of Baghdad، Wilayt، 1917، 1، pp، 76، 77، 75 -‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪429‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫إثمان الحيوانات التي تباع في السوق (الميدانية) وغيرها(‪ ،)1‬والتي بلغ مجموعها المالي عام ‪1920-1919‬م‪ ،‬ضعف ما‬
‫جمعه العثمانيون في السنة المالية‪1912-1911‬م(‪.)2‬‬
‫كانت ضريبة الدفن لجثث الموتى مربحة‪ ،‬وتؤخذ على من يتجاوز عمره ثالث سنوات ممن يدفن في مقبرة النجف‬
‫حيث بلغت حصيلتها عام ‪1918‬م (‪ )48000‬روبية‪ ،‬فضال عن الضريبة المتممة لها (الكرنتينة)‪ B‬الحجر الصحي‪ ،‬هي‬
‫األخرى حققت ربحا كبيرا للمحتلين بلغت قيمتها في العام نفسه (‪ )53000‬روبية(‪ ،)3‬ويذكر الحاكم السياسي في تقريره‬
‫عن ضرائب النجف (إن ما جمعناه في الربع األول من سنة ‪1918‬م يزيد على مثيله في السنة الماضية)(‪ ،)4‬وبذلك‬
‫تحول االحتالل البريطاني إلى عبء اقتصادي ثقيل على كاهل العراقيين‪ ،‬الذين لم يستطيعوا مجاراة الحالة أو السكوت‬
‫عنها‪ ،‬بل وجدوا في التصدي لالحتالل ما يضمن الغاء أو تخفيض تلك الضرائب‪ ،‬والتي حللها المؤرخ (عباس العزاوي)‬
‫(ال يرجح هذا العهد بوجه على ما سبقه من العهود والعصور‪ ،‬فان ضرائبه فتكت باالهليين وجعلتهم ال يشبعون خبزا‬
‫وان التحكم بلغ الذروة‪ ،‬وتجاوز المعهود المعقول واالستطاعة‪ ،‬ولو قابلنا الضرائب في العهود السابقة بضرائب هذا‬
‫(‪)5‬‬
‫العهد لوصلنا إلى نتائج محزنة جدا‪ ،‬ولما امكننا إال إن نتضرع إلى اهلل تعالى أن يبصر العتاة بان يقللوا من شرهم) ‪،‬‬
‫ووصفت جريدة الفرات النجفية أسلوب جمع الضرائب بأنهم سلبوا (الحب حتى من منقار الطائر) واستخرجوا (المخ من‬
‫العظم) وضاعفوا (الخراج إضعافا للزراع)(‪ ،)6‬ومارسوا أبشع الوسائل في جمعها من خالل استخدام الطائرات إلرهاب‬
‫الناس‪ ،‬فضال عن أكساء الهارب من دفع الضريبة مالبس حمراء والطواف به في سوق المدينة‪ ،‬والتي ال تخلوا‬
‫قواعدهم الرسمية من جلد المخالفين(‪.)7‬‬
‫ومنعاً النتشار االوبئة على صحة جنود االحتالل‪ ،‬فرضوا غرامة قدرها (‪ )10‬روبية على كل من يتغوط في‬
‫الطرقات‪ ،‬و(‪ )5‬روبية على من يتبول فيها‪ ،‬ونفذوا االمر بالضرب والشدة واالهانة التي استخدمها (الميجر ديلي) في‬
‫الديوانية‪ B،‬االمر الذي اظهر نتائجه على سمات نظافة بعض مدن العراق‪ ،‬لكن عامة الناس تذمروا من هذه السياسة‬
‫واالسلوب المتخذ في الحد من تلك الظاهرة(‪.)8‬‬
‫فرقت حكومة االحتالل بين شيوخ العشائر في سياسة جمع الضرائب وفقا لوالئهم للسلطة المحتلة‪ ،‬فمنهم تم اكرامه‬
‫بسخاء وشطبت ديونه وخفض ما يدفعه من ضرائب إلى اكثر من النصف‪ ،‬كما حصل مع الشيخ (فالح الصيهود) في‬
‫منطقة قلعة صالح من (‪ )9000‬ليرة تركية إلى (‪ )1,600‬ليرة زائدا (‪ )200‬ليرة عن كودة االغنام‪ ،‬في حين خفض‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬العراق الحديث من سنة ‪1950-1900‬م‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ترجمة سليم طه التكريتي‪ ،‬مطبعة حسام‪ ،‬بغداد‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1988‬م‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪Civil Commissioner of Mesopotamia: Review of the Civil Administration of Mesopotamia presented to "-‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.both Houses of Parliament by Command of His Majesty”London,1920,P,118‬‬


‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪184‬؛ للمزيد من المعلومات‪ B‬انظر‪ :‬مجموعة البيانات واالعالنات وغيرها هي االن نافذة والمتعلقة بأهالي العراق‬ ‫‪4‬‬

‫وادارتها الملكية والصادرة من القائد العام أو بتفويض منه من ‪ 11‬مارج ‪ 1917‬إلى ‪ 30‬سبتمبر ‪ ،1920‬بغداد‪1921-‬م‪ ،‬البيان رقم ‪1‬و‬
‫‪.7‬‬
‫‪ -‬عباس العزاوي‪ ،‬تاريخ الضرائب العراقية من صدر االسالم إلى اخر العهد العثماني ‪1917-633‬م‪ ،‬شركة التجارة‪ ،‬بغداد‪،1958-‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص ص ‪.120-119‬‬
‫‪ -‬جريدة الفرات في ‪15‬أيلول‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬كمال مظهر احمد‪ ،‬دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية‪ ،‬بغداد‪1978-‬م‪ ،‬ص ص ‪.32-31‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.400‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪430‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫قليال ايجار الشيخ (زبون الياسر) من (‪ )14000‬ليرة إلى (‪ )7,600‬ليرة زائدا كودة قدرها (‪ )193‬ليرة‪ ،‬تبعا لموقع‬
‫اراضيهم المهمة في زحف القوات المحتلة‪ ،‬وبقيا ممثلين رسميين لحكومة االحتالل بصفة مؤقتة في منطقتيهما(‪.)1‬‬
‫ركزت السلطة البريطانية على استخدام العراقيين في إعمال السخرة الستكمال مشاريعها االستعمارية ومراكزها‬
‫العسكرية‪ ،‬التي وجد جنودها فيهم وسيلة هيمنة في التهكم واالهانة على السكان العراقيين‪ ،‬واعترف حاكم الشنافية‬
‫(‪)2‬‬
‫البريطاني بأنه (استخدم عدد من العمال في بناء سكة الحديد‪ B،‬وكنا نلجأ إلى جمع العمال بالقوة في حاالت كثيرة) ‪،‬‬
‫فضال عن استخدام سياسة النفي خارج العراق للمعارضين العراقيين لسياستها‪ ،‬وإ زاء تلك السياسة القاهرة‪ ،‬قامت‬
‫(‪)3‬‬
‫الثورات واالنتفاضات الشعبية والعشائرية في معظم مدن العراق‪ ،‬ففي النجف قتل الكابتن (مارشال) عام ‪1918‬م ‪ ،‬ثم‬
‫قيام ثورة ‪1920‬م في اكثر مدن ومناطق عشائر العراق‪.‬‬
‫‪ -2‬التبرعات والغرامات اإلجبارية والمصادرة‪:‬‬
‫وجدت السلطة البريطانية وسائل أخرى في جمع المبالغ إلدامة مواردها المالية‪ ،‬فأجبرت المواطنين على دفع مبالغ‬
‫وتبرعات‬ ‫(‪)4‬‬
‫كبيرة باسم التبرعات‪ ،‬منها لبناء المالجئ للجنود في بريطانيا ولتشييد‪ B‬صرح كبير يمثل القائد (مود)‬
‫للصليب األحمر‪ ،‬وبأساليب كثيرة دعوتها الناس على دفع مبالغ التبرعات الكثيرة مؤلفة لجان من مختلف الطوائف‬
‫لجمعها‪ ،‬وحصلت على مبالغ كثيرة من اخذ الدية (الفصل) من القاتل وفقا إلجراءاتها التي اعتمدتها في حل مشاكل‬
‫الفالحين على التحكيم العشائري‪ ،‬في بلورتها إلصدار قانون اسمته (نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية)(‪.)5‬‬
‫صادرت السلطة البريطانية بعض األراضي الزراعية بحجة إقامة معسكراتها أو شق الطرق فيها‪ ،‬واالستيالء على‬
‫دور المالكين إليواء الجند‪ ،‬الذي ولد شعوراً بالغيض وعدم الرضا ينتشر بين أصحاب الدور‪ ،‬واستملكت عدة مقاطعات‬
‫من أصحابها والستخدامها ألغراض حكومية تشرف عليها دائرة الواردات‪ ،‬ولم يسلم من أسلوب المصادرة أصحاب‬
‫الحوانيت والفنانون وأمثالهم من المساس بأوضاعهم‪ ،‬ووضعت بريطانيا اليد على بعضها ألغراض عسكرية‪ ،‬فضال عن‬
‫فرض ضريبة األمالك عليهم من مبلغ االجار السنوي(‪.)6‬‬
‫نتج عن انتفاضة النجف عام ‪1918‬م‪ ،‬عقاب جماعي ومعاملة استبدادية من خالل حصار القوات البريطانية لمدينة‪B‬‬
‫النجف أربعين يوما ذاق سكانها فيه أنواع المشقات والهالك‪ ،‬فضال عن دفع غرامة قدرها خمسين ألف روبية وتسليم‬
‫آلف بندقية‪ B‬ونفي مائة شخص من الثائرين إلى الهند كأسرى حرب(‪.)7‬‬
‫بعد فشل ثورة األكراد في السليمانية عام ‪1919‬م في مقاومتهم السلطة البريطانية بقيادة الشيخ (محمود) وصهره‬
‫الشيخ (غريب) قبض عليهما وحكم على الشيخ (محمود) باإلعدام ثم استبدل بالحبس لمدة عشر سنوات‪ ،‬وحكم على‬
‫الشيخ (غريب) بالحبس خمس سنوات ودفع غرامة مقدارها (عشرة أالف) روبية(‪.)8‬‬

‫‪ -‬غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Reports of Politieal Officers of Oecupied Territories، 1917، 1، 58، Politieal Officer's Reports From Iraq، -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Aug1919، P,58‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬ثورة النجف‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬ط‪ ،5‬صيدا‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ص‪.41-30‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬جريدة العرب في ‪11‬مايس‪1918‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬نظام دعاوى العشائر العراقية المدنية والجزائية‪ ،‬بغداد‪.1947-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ Haldane، op، cit، P,24 -‬؛ مذكرات سندرسن باشا‪ ،‬ترجمة سليم طه التكريتي‪ ،‬مكتبة اليقظة‪ ،‬ط‪ ،2‬بغداد‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪47‬؛ المس‬ ‫‪6‬‬

‫بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.270‬‬


‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬ثورة النجف‪ ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.203‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪431‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫وفي انتهاء ثورة العشرين‪ ،‬أصدرت السلطات البريطانية قائمة غرامات توجب على عشائر الفرات االوسط دفعها‬
‫ممن شاركت في الثورة ضدها على النحو التالي‪:‬‬
‫وغرم الشيخ غالب السلطان ألف روبية مع‬
‫ُغرم شيخ عشيرة آل فتلة (شمران) ألفي روبية وسبعمائة بندقية‪ُ ،‬‬
‫خمسمائة بندقية‪ ،‬وجرت على عشيرة طفيل دفع آلفين روبية وخمسمائة بندقية ومائتي رأس غنم وألف رأس بقر‪،‬‬
‫وتغريم عشيرة البراجع ثالثة أالف روبية وخمسمائة بندقية‪ B،‬وغرمت عشيرة خفاجة ثالثة أالف روبية ومائتي بندقية‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فضال عن مصادرة مواشي عشيرة آل فتلة بحدود آلف رأس من البقر وثمانية أالف رأس غنم وخمسمائة رأس خيل ‪،‬‬
‫وفرضت على مدينة‪ B‬كربالء تسليم أربعة أالف بندقية نصفها من الطراز الحديث ومائة رصاصة مع كل بندقية‪ B‬وبخالف‬
‫ذلك تؤدي غرامة مقدارها عشرين ليرة عثمانية عن كل بندقية وروبية عن كل رصاصة ال تسلم(‪ ،)2‬وفي منطقة الشامية‬
‫سلمت عشائرها ثمانية أالف بندقية ومائتي ألف خرطوشة(‪ ،)3‬وغرمت مدينة النجف على دفع ثالثمائة بندقية أو بدلها‬
‫إحدى وثمانين ليرة ذهبية(‪ ،)4‬وفي الشمال فرض الميجر (لونكريك) غرامة على مدينة‪( B‬كفري) بتسليم خمسمائة بندقية‪B‬‬
‫ودفع عشرة أالف روبية(‪ ، )5‬وبهذا األسلوب حققت السلطة البريطانية ضربة ساحقة لقوى الثورة في جميع إنحاء العراق‬
‫جميعا‪ ،‬وتهيأت لهم إمكانيات كبيرة في الحفاظ على تفوقهم العسكري والتكتيكي وتقوية مركزهم الذي تزعزع خالل‬
‫الثورة‪.‬‬
‫كذلك مارست سياسة التفريق وتمزيق اللحمة األسرية والعشائرية من خالل مصادرة أمالك الشيوخ ومنحها إلى‬
‫مجاميع أخرى ممن تماشت سيرتهم مع سياستها لتخلق فجوة كبيرة بين األسرة نفسها عندما أصدرت حكم اإلعدام على‬
‫الشيخ (شخير الهيمص)‪ ،‬وأمرت بمصادرة أراضيه وإ عطائها إلى شقيق شيخ عشيرة البو سلطان (عداي الجريان)‬
‫(المعتمد من قبل السلطات االنكليزية)(‪ ،)6‬وجرى األمر نفسه على عشيرة بني مسلم التي صادرت أكثر أراضيها في‬
‫منطقة الهندية‪ B‬بعد ثورة العشرين ومنحتها إلى الشيخ (حميد ألبو صافندي) رئيس عشيرة الكرافة(‪ ،)7‬لتدب فيهم روح‬
‫النزاع وتمزيق وحدتهم بما يضمن نجاح سياستها وتنفيذ أمرها عند العشائر األخرى‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نتائج االحتالل البريطاني على العراق‬
‫تجسد موقف العراقيين الرافض لالحتالل ونظامه الجديد في محاولته تطبيق أسس سياسته في الهند إلى مواقف‬
‫عدوا من يعمل مع البريطانيين كفاراً‪ ،‬وصاروا يلعنوهم في الشوارع والمقاهي‪ ،‬وكثيرا‬
‫ثورية وشديدة تنم عن أن الناس ّ‬
‫ما يتحول موقفهم إلى مجابهة مسلحة منتظمة‪ ،‬ففي مدينة النجف قادت (جمعية النهضة اإلسالمية) السرية الثورة الشعبية‬
‫ضد االحتالل والتي كانت لها وقعاً كبيراً على العشائر في تهيأت وتنظيم القتال في المنطقة(‪.)8‬‬
‫تفجرت انتفاضات شعبية ضد البريطانيين في المناطق الكردية كلفتهم خسائر كبيرة وال سيما في السليمانية‪ ،‬التي‬
‫سرعان ما أفصحت بريطانيا بعد إن لمست خطورتهم على امن المنطقة وعرقلة سياستهم فيها عن سياستها الجديدة‪ B‬في‬
‫المنطقة من خالل إخبار األكراد مضامين كتاب وكيل الحاكم الملكي العام الذي نص على (خولتني حكومة صاحب‬

‫‪ -‬فريق المزهر الفرعون‪ ،‬الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة ‪1920‬م ونتائجها‪ ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬ط‪ ،2‬بغداد‪1955 ،‬م‪ ،‬ص ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.423-422‬‬
‫‪ -‬جريدة العراق في ‪ 18‬تشرين األول ‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬في ‪ 27‬تشرين الثاني ‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬جعفر محبوبة‪ ،‬ماضي النجف وحاضرها‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬ب ط‪ ،‬صيدا‪1353-‬ﻫ‪ ،‬ص ص ‪.273-272‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬جريدة العراق في ‪ 30‬أب ‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬عبود الهيمص‪ ،‬ذكريات وخواطر عن احداث عراقية في الماضي القريب‪ ،‬مطبعة الراية‪ ،‬بغداد‪1991-‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬فريق المزهر الفرعون‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.423-422‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬ثورة النجف‪ ،‬ص ص‪.41-30‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪432‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫الجاللة إن أطمنكم شخصيا بأنها ال تنوي انتهاج سياسة انتقامية نحو األكراد عن اإلعمال التي ارتكبت خالل الحرب‪،‬‬
‫لكنها مستعدة لمنح العفو العام عن الجميع‪ . . .‬وترغب حكومة صاحب الجاللة إن اطمنكم بان المصالح الكردية سوف‬
‫ال يغض النظر عنها في مؤتمر الصلح)(‪ ،)1‬والتي لم تضمن لألكراد فيما بعد الوفاء بوعدها وتنفيذ مقرراتها‪ ،‬وسايرت‬
‫سياسة تركيا في مخططاتها تجاههم في سياسة الصهر العنصري والقمع الدموي‪ ،‬وفي كربالء وبابل وبغداد وغيرها‬
‫عقدت االجتماعات والندوات التي طالبت بتشكيل حكومة عراقية مستقلة وإ نهاء االحتالل‪ ،‬حيث ألقت القوات البريطانية‬
‫القبض على بعض رجاالتها ونفوا إلى جزيرة هنجام(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬الجانب االجتماعي‪:‬‬
‫ترك االحتالل البريطاني بصماته على المجتمع العراقي من األوجه جميعا‪ ،‬على أساس (فرق تسد) القائمة على‬
‫تعزيز ربطه بأسواقها الخاصة واألسواق الرأسمالية عامة‪ ،‬من خالل االعتماد المباشر في اقل عدد ممكن من رؤساء‬
‫ومتنفذي العشائر العراقية‪ ،‬وأقاموا عالقات معهم منذ االحتالل في تركيز القوة االقتصادية (األرض) والسلطة (اإلدارية)‬
‫بأيدي الشيوخ‪ ،‬والذي توضح في تقرير الحاكم السياسي البريطاني في العمارة قوله (لقد ساعدنا أيام الحرب إبقاؤنا على‬
‫شيخ واحد في مقاطعات كبيرة‪ . . .‬إن المهمات اآلتية جعلت من الضروري والعملي إسناد الشيوخ الكبار)(‪ ،)3‬فكانت‬
‫وسيلة مؤثرة على المجتمع في إطاعتهم لرئيسهم الذي وجدوا فيه ضمان حل مشاكلهم والتقرب به من سلطة االحتالل‬
‫عند المراجعات الرسمية‪.‬‬
‫رأى العراقيون في االحتالل البريطاني الغالء غير المعهود‪ ،‬إذ ارتفع سعر خبزه اليومي خالل سنوات قليلة بمقدار‬
‫‪5 .1‬الى ‪5 .2‬مرة والشاي بمقدار ثالث مرات والسكر بمقدار خمس مرات‪ ،‬وكثيرا ما توزع بالبطاقات(‪.)4‬‬
‫ازاء ذلك قامت السياسة البريطانية على ستر سياستها في إشغال مسؤوليها العاملين في العراق ممن يفتقرون إلى‬
‫الخبرة اإلدارية والحنكة السياسية والجهل بطبيعة المجتمع العراقي‪ ،‬في أن العراقيين غير قادرين على اإلدارة بنفسهم‪،‬‬
‫وصار الموظفون االجنبيون الجدد صارمين في تطبيق االنظمة والقوانين ال يراعون فيها احدا‪ ،‬وكثيرا ما كانوا يعاملون‬
‫الناس بالعجرفة والفظاظة وعدم االحترام‪ ،‬على النحو الذي اعتادوا عليه في الهند بغض النظر عن الفرق بين شخصية‬
‫ونفسية العراقي والهندي (‪ ،)5‬وتحفظت السلطة البريطانية على عودة الضباط العراقيين من سوريا وتركيا الذين يؤلفون‬
‫نخبة المثقفين العراقيين آنذاك‪ ،‬قد جعلها في مأزق سياسي واجتماعي عندما عزمت على ترشيح األمير (فيصل) ملكا‬
‫على العراق والقبول بشروطه في إدارة الدولة الجديدة(‪ ،)6‬عززه الترحيب الشعبي الكبير باألمير (فيصل) في معظم مدن‬
‫العراق‪.‬‬
‫قلد الحكام البريطانيون أناسا عواما ومنبوذين‪ B‬في المجتمع بعض المناصب اإلدارية‪ ،‬وفي امور الشرطة البستهم‬
‫سراويل قصيرة والتي لم يألفها العراقيون‪ ،‬واقامتهم في الشوارع واالزقة‪ ،‬وفرضت على المارة ان يسيروا في الجهة‬
‫اليسرى من الشارع‪ ،‬والمخالف بسلوك الجهة اليمنى سهوا يتعرض لالهانة أو يضرب بالسوط يلفحه جنود االنضباط‬
‫العسكري(‪ ، )7‬األمر الذي أزعج الفئات االجتماعية وولد عندها االستياء والكره في التعامل أو انجاز متطلبات اإلدارة‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.214-213‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد حسين الزبيدي‪ ،‬العراقيون المنفيون‪ B‬إلى جزيرة هنجام‪ ،‬دار الحرية‪ ،‬ط‪ ،2‬بغداد‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.44‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬محمد سلمان حسن‪ ،‬طالئع الثورة العراقية‪ ،‬العامل االقتصادي‪ ،‬الثورة العراقية األولى‪ ،‬مطبعة النعمان‪ ،‬ط‪ ،2‬بغداد‪1958 ،‬م‪ ،‬ص ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.18-17‬‬
‫‪ -‬علي آل بازركان‪ ،‬الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية‪ ،‬مطبعة االديب‪ ،‬بغداد‪1954-‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬عبد العزيز القصاب‪ ،‬من ذكرياتي‪ ،‬بيروت ‪1962-‬م‪ ،‬ص ص ‪.199-198‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬وميض جمال عمر نظمي‪ ،‬ثورة ‪1920‬م‪ ،‬ص‪.173‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪433‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫الناجحة‪ ،‬فضال عن سماع الحكام البريطانيين شكاوى الفالحين من دون األخذ ببراهين المالكين‪ B،‬مما أدى إلى التقليل‬
‫من مكانتهم في المجتمع وأصبحت طبقتهم مستاءة من الحكومة‪ ،‬فانظموا إلى التجمعات والتنظيمات السياسية والسرية‬
‫ذات األهمية بين الفئات االجتماعية والدينية المشتركة(‪ ،)1‬وبذلك احدث االحتالل طبقات اجتماعية اصبح فيها المحترم‬
‫ذليال والذليل محترم‪ ،‬وسيء احترام االشراف وذوي النسب الرفيع‪ ،‬الذي كان بارزا في العهد العثماني‪.‬‬
‫لذلك سار الحكام البريطانيون على أسلوب هدر كرامات الناس من خالل الضرب واالهانة والزجر وعلى طريقة‬
‫ما نقلته قصص إلف ليلة وليلة في خروج الملوك‪ ،‬فيقدم الشرطي أو العسكري بيده عصا وبخطوات سريعة يصرخ‬
‫بأعلى صوته (قوموا ‪ . . .‬قوموا) على الجالسين في المقاهي والراجلين في الشوارع ليحيوا الضابط البريطاني المار في‬
‫ديرتهم‪ ،‬والذي يحيي الواقفين بابتسامة ساخرة واستخفاف مقيت‪ ،‬ومن لم ينتبه له النشغاله بحديث مع زميله أو بابتياع‬
‫حاجة انهالت عليه السياط(‪ ،)2‬كذلك ولد سلوك حاكم النجف الكابتن (كرين هاوس‪ ،)F. S. Greenhouse‬الغبطة واأللم‬
‫واالهانة على مجتمع المدينة‪ B‬في إساءته السير في الشارع وامامه من يستعمل السوط على الناس لفسح الطريق امامه(‪.)3‬‬
‫ومارس الحكام البريطانيون أسلوب االهانة والشتم للشيوخ عند حضورهم في مكاتبهم‪ ،‬تناقلتها األلسن والمذكرات‬
‫عندما يغتاض الشيوخ من اقتراب الكالب البريطانية منهم العتقادهم بانها في العرف االجتماعي والديني (نجسة) والتي‬
‫تثير تلك غضب الحاكم ويجعله يسرع في االهانه والزجر على سلوكهم هذا أو االختالف معهم بأمور أخرى(‪.)4‬‬
‫أجبرت شرطة اإلدارة البريطانية الرجال العراقيين على النزول من ظهور خيلهم عند دخول المدينة وأصدروا‬
‫عليهم األوامر المهينة‪ B‬والمخجلة بإبقائهم واقفين مدة طويلة والعمل على جمع فضالت الخيل وإ فرازاتها (الروث) إمعانا‬
‫منهم بالتنكيل واالهانة(‪ ،)5‬ومن يخالف نظام السير في شوارع المدينة‪ B‬وفي الجسر بركوب الحيوانات (الحمير‪ ،‬الخيل‬
‫واالبل) يعاقب بالضرب المبرح بعصا غليظة(‪ ،)6‬وفي مدينة‪ B‬الديوانية‪ B‬امر (الميجر ديلي) ان يترجل الخيال عن ظهر‬
‫حصانه قبل وصوله إلى البلدة بخمسمائة متر ويخلع عقاله ويسير مشيا على االقدام(‪.)7‬‬
‫أما محاكمهم فكانت شاذة ومنافية ألبسط قواعد العدل‪ ،‬فيخبر الحاكم السياسي في الديوانية المتنازعين انه سيرمي‬
‫العملة النقدية المعدنية‪ B‬على األرض‪ ،‬فان كانت صورة (طره) فسيحكم لصالح فالن‪ ،‬وان كانت كتابة (كتبة) فسيحكم‬
‫لخصمه(‪ ،)8‬وانطوت تلك اإلعمال على االستخفاف بعقول الناس وإ ذاللهم إذ كانت تلك المحاكمات اشد وطأة من سلوك‬
‫الوالة العثمانيين‪B.‬‬
‫واتخذت حكومة االحتالل اجراءات صارمة ضد (االشقياء) وحملت السالح‪ ،‬فقد حكمت على من يلقى القبض عليه‬
‫ليال وحامل سالحه باالعدام‪ ،‬وشاهد المواطنون صباح كل يوم جثثا معلقة على المشانق‪ ،‬فولدت تلك السياسة ذعرا بين‬
‫الناس وعزموا على التخلص من اسلحتهم برميها في النهر واالبار أو بدفنها تحت االرض‪ ،‬وشاع بين الناس ان‬
‫المحتلين جلبوا معهم القطط القادرة على كشف السالح المخبوء في البيوت عن طريق الشم(‪.)9‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬العراق الحديث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.193‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬طالب مشتاق‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬جعفر محبوبة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.249‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبود الهيمص‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪43‬؛ طالب مشتاق‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬عبود الهيمص‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.401‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬عبود الهيمص‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.401‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪434‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫ركزت السياسة البريطانية على تقويض مقومات اإلقطاع وترسيخ دعائمه وتنظيم أسسه قانونيا من أجل تكوين‬
‫قاعدة اجتماعية مضمونة يمكن االعتماد والركون إليها في الحكم‪ ،‬وبذلك عملت على إصدار (قانون دعاوى العشائر‬
‫المدنية‪ B‬والجزائية) المستمد من نظام هندي‪ ،‬من خالل االعتماد على اقل عدد من ابرز متنفذي الريف باركان السلطة‬
‫السياسية واإلدارية في أيدي الشيوخ(‪ ،)1‬وبموجبه فصل المجتمع العشائري قانونا عن المحاكم المدنية‪ ،‬حيث سمحوا‬
‫بالعمل بالفصل في امور العدالة بين رجال العشائر‪ ،‬الذي احتوى على مواد عقابية لم يألفها الناس حتى قبل اإلسالم‪ ،‬فقد‬
‫عرضت المنازعات على محاكم عشائرية لتحقيق الرضا من خالل دفع دية الدم إلى اهل القتيل أو فصل االعتداءات‬
‫بمبالغ يحددها المجلس العشائري وبحضور الضابط السياسي البريطاني ليكون لحكومة االحتالل نصيب ايرادي من‬
‫المبلغ المدفوع باعتباره تأ كيد المسؤولية الجماعية لسلوك الفرد‪ ،‬إلذالل الشعب العراقي وتمزيق وحدته االجتماعية وحتى‬
‫الدينية‪.)2(B‬‬
‫وسار االحتالل في منطقة الفرات االوسط عند اختيار بعض الشيوخ دون مراعاة القواعد المتعارف عليها في‬
‫وراثة المشيخة‪ ،‬من ان الرئاسة العامة في العشيرة الكبيرة تنحصر حسب العرف العشائري في ساللة الرئيس االكبر‬
‫دون اخوته أو ابنائه لكن االنكليز اختاروا لرئاسة العشيرة ممن ابدى لها الصداقة والوالء أو له صلة سابقة بهم في العهد‬
‫العثماني بغض النظر عن مقامه الحقيقي في عشيرته(‪ ،)3‬والذي كان له أثر على سياستهم عند اندالع ثورة العشرين من‬
‫مواقف مؤيدة أو معارضه لهم‪ ،‬وامعانا بإذالل الشيوخ واضعاف تعسفهم‪ ،‬سمحت حكومة االحتالل لقبول شكاوى‬
‫الفالحين ضد شيوخهم وان كانت ملفقه وغير صحيحة والنظر فيها‪ ،‬حتى اصبحت طبقة المالكين والشيوخ من‬
‫المعارضين والمستائين للحكومة‪.‬‬
‫مارست حكومة االحتالل أساليب أخرى منها سياسة التحبب بين السكان وأظهرت ذلك في مدينة بغداد‪ B‬على دحض‬
‫دعاية العثمانيين ضدهم فصاروا يحترمون المساجد والمراقد المقدسة وسمحوا بإقامة الشعائر الدينية‪ B‬المختلفة وزاروا‬
‫رجال الدين معلنين حبهم لإلسالم وجاؤوا لخدمتهم‪ ،‬وتقربوا نحو طائفة السنة وأغروا علماءهم بقبول الوظائف واالهتمام‬
‫بدوائر األوقاف وأغدقوا عليهم األموال‪ ،‬وفي المقابل اهتموا أكثر بطائفة الشيعة وراعوا مواكبها وطقوسها الحسينية التي‬
‫وقدموا لهم ما تحتاجه تلك المواكب من مظاهر الحماية والمواد النادرة كصفائح النفط ونسيج‬ ‫تقام في شهر المحرم ّ‬
‫األكفان(‪ ، )4‬التي من خاللها أججت الطائفية لتمزيق وحدة المجتمع العراقي في ممارسة التنكيل بقياداتهم الدينية باالتهامات‬
‫السياسية أو التحريض على أثارة الفتن وتهويلها في المناسبات الدينية‪ B‬المختلفة‪.‬‬
‫شاع المحتل البريطاني النعرات الدينية‪ B‬والمذهبية‪ B‬بأسلوب مقيت في أكثر مدن العراق‪ ،‬حيث أشار التقرير اإلداري‬
‫ٍ‬
‫قاض سني في مدينة النجف‪ ،‬فضال عن‬ ‫البريطاني لشهر تشرين األول ‪1918‬م أن اإلدارة البريطانية تعتزم تعيين‬
‫إصدار تعليمات على العمال العاملين عندها بإجبارهم ارتداء ِ‬
‫ثياب موحدة بحسب انتمائهم القومي والطائفي‪ ،‬فالعمال‬
‫السنة يرتدون كوفية حمراء وعقال اسود ويرتدي إخوانهم من الشيعة كوفية زرقاء وعقال ابيض‪ ،‬وربط فئة المسيحيين‬
‫الدينية‪ B‬بوشائج قوية مستغلين بذلك ما خلفته مظاهر السياسة العثمانية في المجتمع (‪ ،)5‬لتمزيق لحمة الشعب العراقي‬
‫واضعافه من خالل تلك السياسة‪ ،‬والواضح أن سياستها في إظهار الطائفية سيعود عليها بالنفع السياسي الذي ستجده في‬
‫تعلق المسيحيين واليهود بحكمها‪ ،‬فضال عن تهيئة‪ B‬ورقة رابحة لديها عن المذاهب اإلسالمية تبرزها متى جاءت الحاجة‬

‫‪ -‬للمزيد من المعلومات عن القانون ينظر‪ :‬نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية‪ ،‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.340-339‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪28‬؛ انظر وثيقة عزل وتنصيب الشيوخ في الملحق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.398‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬كمال مظهر احمد‪ ،‬الطبقة العاملة الكردية‪ ،‬التكوين وبداية التحرك‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬بيروت‪1981-‬م‪ ،‬ص ص‪.45-44‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪435‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫إليها للضغط على المذهبين‪ B‬الواحدة على األخرى بوسائل تصطنعها والتي فشلت بها في ثورة العشرين‪ ،‬فضال عن‬
‫استحواذ السلطات البريطانية على أوقاف الشيعة واإلشراف عليها مباشرة‪.‬‬
‫أججت السلطة البريطانية المشاعر العربية للمواطنين في زرع النزاعات القومية والدينية‪ B‬والقبلية وعمدت إلى‬
‫اهانة السكان من كبار السن واألطفال من العرب واألكراد على حد سواء ولم يتورع ضباطها في الكف عن ذلك‪ ،‬وحطم‬
‫جنودها تراثهم الآثاري والحضاري في بعض المدن العراقية القديمة(‪ ،)1‬وعزمت في شمال العراق على كسب االثوريين‬
‫الهاربين من زعمائهم في مدينة عقرة وأسكنتهم قرب مدينة بعقوبة والقسم األخر حلوا في بعض المناطق الكردية من‬
‫أراضي الفالحين األكراد التي طردتهم منها‪ ،‬وهذه القضية من أوائل التغيير (الديمغرافي) العرقي والقومي للسكان‪،‬‬
‫األمر الذي زاد في حدة النزاع بين األكراد واالثوريين‪ ،‬كما استخدم الجيش البريطاني فوجين من االثوريين المدربين‪B‬‬
‫في بعقوبة إلخضاع مناطق (العمادية والكويان وبرواري السفلى والعليا)(‪ ،)2‬وركزت السلطة البريطانية على زرع‬
‫الشقاق بين القوميات والقبائل واألديان المختلفة‪ ،‬عندما دمجت منطقة اليزيديين بمنطقة جبل سنجار إداريا(‪ ،)3‬لتدب‬
‫النزاع المستحكم بينهما‪ ،‬مبتغية‪ B‬بذلك استمرار أعمال العنف والقتال بين المنطقتين وإ بعادهما عن مقاتلتها ثم تثبيت‬
‫سياستها عليهما باسم الحفاظ على امن المنطقتين‪.‬‬
‫عزمت السلطة البريطانية على تمزيق أواصر العالقات االجتماعية العشائرية فيما بينهم ودبت بين بعضهم‬
‫الحزازات والحقد‪ ،‬الذي وصل إلى حد االقتتال عندما أقدمت قبيلة عنزة برئيسها (فهد بن هذال) الموالي لبريطانيا‬
‫هجومه على مكان (عطية أبو كلل) قرب السماوة المتهم بقتل القائد البريطاني (مارشال) في النجف‪ ،‬األمر الذي اجبره‬
‫على تسليم نفسه للسلطات البريطانية قبل نهاية نيسان عام ‪1918‬م(‪ ،)4‬ولم تفلح السلطة البريطانية في تمزيق شمل عائلة‬
‫(آل كمونة) المتنفذة في كربالء وتأجيج خالفاتها مع أسرة (آل العواد)‪ ،‬فضال عن اعتقال كبيرها (فخري كمونة) من‬
‫لدن السير (بيرسي كوكس) الحاكم الملكي العام وتهديد شقيقه (محمد علي) باإلقامة في بغداد ليبقى تحت أنظار السلطة‬
‫البريطانية‪ ،‬والتي انتهت سيادتهما ومكانتهما في كربالء بنفيهما إلى الهند عام ‪1917‬م(‪.)5‬‬
‫صادرت قوات االحتالل مطبعة الوالية‪ ،‬عند دخولها مدينة البصرة ورأت ان تستخدمها في طبع نشراتها وبياناتها‬
‫لطالع السكان على سير المعارك في العراق وتستعين بها على توطيد سلطان سياستهم ومتطلباتهم‪ ،‬وللحيلولة دون‬
‫استخدامها من االخرين ضدهم(‪ ،)6‬وكانت تلك النشرات تقرأ بصوت عال على تجمع حشود الناس في المقاهي‪ ،‬لتؤثر‬
‫اخبارها على (التأثر بالدعاية المؤيدة للبريطانيين)(‪.)7‬‬
‫منعت السلطة المحتلة العراقيين من إصدار الجرائد الوطنية والسياسية‪ ،‬حيث سمحت فقط بصدور الجرائد الرسمية‬
‫التابعة للسلطة (جريدة الموصل ونجمة الكركوكية التي تصدر نصفها باللغة التركية والنصف األخر بالعربية‪ ،‬وجريدتا‬
‫العرب البغدادية واألوقات البصرية والى جانبها صدرت جريدة بصرة تايمز باللغة االنكليزية) وأصدرت مجلة واحدة‬
‫بعنوان (اللسان األدبية)(‪ ،)8‬كتاباتها كانت وسيلة دعائية للمحتلين‪ ،‬تدفع جرائدهم اجورا عاليا لمن ينشر مقاال أو قصيدة‬
‫يمجد االحتالل ويعظم قادته‪ ،‬وبذلك اخذت القصائد (العصماء) أو المقاالت (الرنانة) تنهال على الجريدة وهي تلهج‬

‫‪ -‬محمد طاهر العمري الموصلي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.220‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬ل‪ .‬ن‪ ،‬كوتلوف‪ ،‬ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق‪ ،‬ترجمة عبد الواحد كرم‪ ،‬دار الحرية‪ ،‬بغداد‪1971-‬م‪ ،‬ص‪.128‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.126‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.116 -115‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬هنري فوستر‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.343-342‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.159-158‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪436‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫بمدحهم وذم االتراك‪ ،‬تحمل مقاالتهم أسماء بتواقيع مستعارة‪ ،‬فصحيفة العرب وصفت العرب بأهل الحضارة وعلم‬
‫ونعتتهم الجريدة بكلمات مقيته ومشينه في‬ ‫(‪)1‬‬
‫وشهامة ووفاء‪ ،‬و(االتراك اهل عبث وجهل وفساد وقد عرفو بنكث الوعود)‬
‫انهم ما جاؤوا (االتراك‪ -‬أي وربك‪ -‬فاتحين‪ ،‬بل مخربين عائثين) (‪ )2‬وربطت الجريدة بين سياسة التتريك والتجنيد من‬
‫ان (غرض االتحاديين في تجنيد الناس بعد تتريكهم هو لكي يحولوا دون تعلمهم علوم الدين وأداء فرائضه‪ ،‬ولكي‬
‫يهجروا المساجد والجوامع(‪ ،)3‬وعلى العكس من ذلك مجدت الجريدة االحتالل البريطاني وصورته بانه كان (بدافع سامي‬
‫محض حينما اقدمت على خوض الحرب في العراق فقيض لها النصر‪ ،‬ودخلت جيوشها الباسلة بغداد‪ B،‬مصافحة العرب‪،‬‬
‫مصافحة الحبيب لحبيبته)(‪ ،)4‬والذي ولّد مجموعة منافقة ومتقلبة في نظر المواطنين العراقيين‪ ،‬قالت عنهم المس بيل‬
‫(فالكلمات عند الشرقيين هي مجرد الفاظ التعني شيئا فقد يقولون اليوم شيئا وينقضونه غدا‪ ،‬وهم اليتركون هذه العادة‬
‫ابدا)(‪ ، )5‬فضال عن كبح الحكومة حرية الكالم واالجتماعات وراقبت السياسيين والنخب المثقفة من خالل جواسيسها‪،‬‬
‫وحددت مضامين المناهج الدراسية العامة‪ ،‬لتحقيق ما يضمن سياستها وأهدافها في العراق‪ ،‬باعتقادها بأنها الوسيلة‬
‫الوحيدة لنهضة البالد الثقافية واالجتماعية مستقبال‪.‬‬
‫أفشت بريطانيا في العراق تعاطي المخدرات وسمحت علنا من غير واعز أخالقي ممارستها‪ ،‬إذ أمرت أنظمتها‬
‫على إصدار تعليمات خاصة في زراعة (الخشخاش) الذي يدخل في إنتاج (األفيون)‪ ،‬وسمحت باستيراده وخصصت‬
‫رسوم كمركية يدفعها المستورد ومنحت إجازات للبيع العام لتسهيل توصيله إلى جميع إنحاء العراق(‪ ،)6‬تصبو من ذلك‬
‫تحقيق نتائج اجتماعية سلبية تؤثر على الروابط االجتماعية‪ ،‬وإ ضفاء حالة االنتشاء منه بتخدير عقول الشعب وخموله‬
‫مؤديا إلى إبعاده عن معتقداته وإ يمانه بدينه‪ ،‬وسلوك هاوية الرذيلة والموبقات التي تبعده عن المطالبة بحقوقه وتضعه في‬
‫الشرك المذموم اجتماعيا ودينيا‪.‬‬
‫كانت محصلة سياسة االحتالل البريطاني تعزيز التناقضات والمشكالت االجتماعية‪ ،‬ورزح العراق تحت كابوس‬
‫اشد وطأة وأكثر خبثا وتنوعا عما كان عليه في العهد العثماني‪ ،‬وربطته بأسواقها خاصة واألسواق الرأسمالية عامة‪،‬‬
‫وأصبح االحتالل في نظر العراقيين واقعا مرفوضا إلى درجة أنهم لم يتأثروا بإجراءاته االيجابية مقارنة بما سرى عليهم‬
‫في العهد العثماني‪ ،‬فكان صورة قاتمة للمحتل الذي فرض إرادته بحكم مركزي قوي أفضى بتحقيق أهدافه االستعمارية‪.‬‬
‫على الرغم من ورود تلك المساوئ في سياسة االحتالل البريطاني إال إن هذا الدور لم يخل من محاسن في تهيئة‬
‫بعض العراقيين لالتصال بالمدنية‪ B‬الغربية اتصاال مباشرا والتأثر فيهما حسبما تقتضيه األحوال االجتماعية والفكرية لهم‪،‬‬
‫فقدمت الحكومة البريطانية نموذجا لحكومة حديثة أكثر حداثة من حكومة العثمانيين في نشر النظام وإ طاعة القانون‬
‫ومعالجة مشاكل البالد وتوضيح فكرة الحكومة الجديدة وهيأت الظروف المالئمة لقيام الدولة العراقية الحديثة عام‬
‫‪1921‬م‪ ،‬التي أدت إلى حدوث تبدالت جوهرية في مختلف نواحي الحياة االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫ولمكافحة مرض الكوليرا الذي ظهرت اعراضه في العراق‪ ،‬صدرت اوامر مشددة بفرض التطعيم االجباري على‬
‫معظم السكان‪ ،‬ونقل كل مريض مشتبه به إلى مستشفى العزل‪ ،‬وصاحبها منع السفر اال لمن يحمل وثيقة تطعيم ضد‬
‫المرض(‪ ، )7‬وان كانت بادرة حسنة وصحية اال ان الناس ضجرت من هذه االجراءات وتهربوا من رجال التطعيم اليهم‪،‬‬

‫‪ -‬جريدة العرب في ‪28/2/1918‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه في ‪17/7/1917‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه في ‪28/12/1917‬م‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه في ‪31/7/1917‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.Elizebeth Burgoyne (Certrude Bell) -London 1921- vol. 2,p. 57-58 -‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.267‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.400‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪437‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫وانتشرت وثائق تطعيم مزورة تباع خفية عن انظار الحكومة للمسافرين‪ ،‬فضال عن كتمان امر المصابين بالمرض عن‬
‫الحكومة كي ال تنقله إلى مستشفى العزل العتقادهم ان هناك يقتل مرضاهم‪.‬‬
‫وصف التقرير الرسمي البريطاني حالة بغداد‪ B‬االقتصادية (لصعوبات ناشئة عن قلة وسائل النقل‪ ،‬ولم تتوفر وسائل‬
‫النقل لتصدير الجلود والصوف والمواد الخام األخرى التي تجمعت في بغداد قبل احتاللنا‪ ،‬والتي نحن في حاجة ماسة‬
‫لها في الوطن ويصدق ذلك على التمور أيضا ‪ . . .‬وعلى هذا فقد تأثر الوضع المالي في والية بغداد في صورة عكسية‬
‫ولكنه ما لبث إن تحسن)(‪ ،)1‬ومدت االدارة البريطانية في وقت قصير جدا عام ‪1918‬م خطوطا حديدية بين بغداد‪ B‬والحلة‬
‫مع خط فرعي من الحلة إلى الكفل واخر من الناصرية إلى السماوة‪ ،‬فضال عن تحسين الطرق الصالحة لحيوانات الحمل‬
‫فقط لتمكين المركبات من استعمالها(‪ ،)2‬والتي سهل عليها جباية الضرائب في لواء الحلة‪ ،‬كما بادرت االدارة البريطانية‬
‫إلى الغاء بعض الضرائب مثل ضريبة االشغال العامة وضريبة التعليم وغيرها من الضرائب االضافية‪ ،‬العتقادها ان‬
‫االستمرار في استحصالها سيؤدي إلى استياء تام‪ ،‬والذي حصل في اوساط العشائريين في الديوانية‪ ،‬ومشتكى عشائر‬
‫سلما(‪ ،)3‬والذي يدل على مدى االهتمام الواضح في الجانب‬
‫عفك عام ‪1919‬م من تزايد المقادير المحصلة وتقاوم الدفع ً‬
‫التجاري واالقتصادي دون االهتمامات األخرى لما توفر لهم من إرباح مالية كبيرة وإ نعاش للسوق العراقية بعد أن حلت‬
‫به األزمة االقتصادية عند دخول جيوش االحتالل البريطاني له‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلدارة السياسية‪:‬‬
‫كان (بيرسي كوكس ‪ )Persy Kocks‬أول من شغل منصب السامي البريطاني في العراق‪ ،‬ومنحت له السلطات‬
‫وعين موظفين بريطانيين وهنود إلدارة الوحدات الحكومية‪،‬‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ثم خلفه المقدم (ويلسون) عام ‪1917‬م‪ّ ،‬‬
‫ورفعت منزلة رئيس الحكام السياسيين إلى حاكم ملكي عام له صالحيات المخابرة مباشرة مع الحكومة البريطانية ترسل‬
‫تقاريره إلى وزير الدولة لشؤون الهند معتمدين‪ B‬في سلطتهم على القوات المسلحة والشرطة ومجموعة من العمالء‬
‫السريين(‪.)4‬‬
‫ووجدت بريطانيا في توحيد قياداتها مع رؤساء العشائر الموالين لها والعاملين تحت امرة الضباط السياسيين‪،‬‬
‫وسيلة لحماية طرق المواصالت المارة في مقاطعاتهم‪ ،‬واإلسهام في بعض اإلعمال اإلدارية ٍوالقضائية‪ ،‬ومنحتهم‬
‫صالحيات واسعة في اعتقال المجرمين والنظر في بعض الدعاوى القضائية‪ ،‬وعلى جمع الضرائب لقاء نسبة معينة(‪،)5‬‬
‫فضالً عن االستفادة منهم في تنفيذ السياسة االستعمارية في مناطقهم‪ ،‬ومساعدتها في كبح االنتفاضات المحدودة‪ ،‬في حين‬
‫بقيت عشائر (البدو) متمتعة باالستقالل التام ومعفوة من دفع الضرائب للسلطات البريطانية مقابل اعتراف رؤسائها‬
‫باإلدارة المدينة‪ B‬عليهم‪.‬‬
‫اختلفت سياسة اإلدارة البريطانية في كردستان‪ ،‬على الرغم من خضوع بعض مناطقها إلى سلطة الضباط‬
‫السياسيين‪ ،‬إال أنها لم تتبع السياسة المركزية التي اتبعتها في المناطق الجنوبية والوسطى من العراق‪ ،‬وقررت تعيين‪B‬‬
‫زعماء القبائل الكردية ورجال الدين كرؤساء للوحدات اإلدارية(‪ ،)6‬والتي لم تستمر طويالً حيث أخضعت مدينة‬
‫السليمانية إلى سلطاتها المباشرة بعد إبعاد الشيخ (محمود البرزنجي) عن السلطة عام ‪1919‬م‪.‬‬

‫‪.Reports of The Baghdad Wilayat، 1917، P,3 -‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.334‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ص ‪.335-334‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ل‪ .‬ن‪ .‬كوتلوف‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪114‬؛ المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.232‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬محمد طاهر العمري الموصلي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬كمال مظهر احمد‪ ،‬دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية‪ ،‬ص ص‪.96-79‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪438‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫نشطت األفكار القومية الهادفة إلى تحقيق استقالل العراق بين المثقفين العراقيين في المدن‪ ،‬كقوة ثورية تقف بحزم‬
‫في المعسكر المعادي للسياسة البريطانية‪ ،‬ساندتهم إعداد كثيرة من الحرفيين والعمال والتجار الصغار‪ ،‬مكونين قاعدة‬
‫سياسية احتضنتها األحزاب السياسية السرية التي لعبت دوراً واضحاً وفعاالً في قيادة العمليات العسكرية ضد االحتالل‪،‬‬
‫في بغداد‪ B‬النخب المثقفة السياسية ورجال الدين المجتهدين‪ B‬والشيوخ الوطنيين‪ ،‬حيث‬ ‫(‪)1‬‬
‫فضمت جمعية (حرس االستقالل)‬
‫أقامت عالقات تنظيمية مع المؤسسات الدينية‪ B‬ورؤساء عشائر الفرات األوسط‪ ،‬رفعت شعار االستقالل التام للعراق‪،‬‬
‫وأسهمت في تحشيد الشعب العراقي ضد االحتالل البريطاني عام ‪1920‬م(‪ ،)2‬وفي مدينة‪ B‬النجف تشكلت جمعية (النهضة‬
‫اإلسالمية) من رجال الدين والنخب المثقفة بجناحين األول (السياسي) يقوم أعضاءه باالتصاالت السياسية والتنظيمية بين‬
‫المواطنين‪ ،‬والثاني (الفدائي) يسعى إلى محاربة سلطات االحتالل‪ ،‬التي كانت لهما عالقات حسنة مع جمعية حرس‬
‫االستقالل(‪ ،)3‬و(الجمعية الوطنية اإلسالمية) في كربالء(‪ ،)4‬تحت إشراف الشيخ (محمد تقي الحائري الشيرازي)(‪ ،)5‬فضال‬
‫عن وجود حزب (العهد العراقي)‪ ،‬الذي رأى رجاله في التعاون مع بريطانيا امراً ضرورياً لنجاح القضية العربية عامة‬
‫والعراقية خاصة‪.‬‬
‫وبغية تهدئة الحالة السياسية في العراق‪ ،‬ورغبة بريطانيا في تحقيق االستقالل الشكلي وفقاً لما نوه عنه التصريح‬
‫البريطاني – الفرنسي في تشرين الثاني ‪1918‬م‪ ،‬اظهرت السياسة البريطانية إن العراقيين غير مؤهلين لتحمل االستقالل‬
‫الذاتي(‪ ،)6‬ووجوب إجراء االستفتاء العام خالل المدة من نهاية عام ‪1918‬م وبداية عام ‪1919‬م‪ ،‬حول نظام الحكم‪ ،‬الذي‬
‫دعت له رؤساء العشائر وممن ارتبطت مصالحهم مع السلطات البريطانية‪ ،‬في التصديق على صيغة معينة تضمن‬
‫(‪)7‬‬
‫الشروط التي وضعتها في إبقاء الحكم البريطاني المباشر‪ ،‬وجاءت األسئلة الموجهة إلى سكان العراق باإلجابة عليها‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬هل يرغبون في دولة عربية واحدة‪ ،‬تحت الوصاية البريطانية‪ ،‬تمتد‪ B‬من الحدود الشمالية لوالية الموصل حتى‬
‫الخليج العربي؟‪.‬‬
‫‪ -2‬هل يرغبون في هذه الحالة في رئيس عربي باالسم يرأس هذه الدولة الجديدة؟‪.‬‬
‫‪ -3‬من هو الرئيس الذي يريدونه في هذه الحالة؟‪.‬‬

‫‪ -‬جمعية سياسية وطنية تشكلت في نهاية شهر شباط عام ‪1919‬م في بغداد‪ ،‬برئاسة (محمد الصدر) وعضوية (جالل بابان‪ ،‬محمود‬ ‫‪1‬‬

‫رامز‪ ،‬شاكر محمود المرافق‪ ،‬عارف حكمت‪ ،‬حسين شالل‪ ،‬سعيد حقي‪ ،‬عبد المجيد يوسف‪ ،‬عبد اللطيف حميد‪ ،‬الحاج محي الدين‬
‫السهروردي‪ ،‬علي افندي واخرون)‪ ،‬من منهاجها تسعى الجمعية وراء استقالل البالد العراقية استقالال مطلقا ولها موقف ومشاركات‬
‫وطنية في ثورة العشرين‪ .‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.81-79‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص ص‪.81-77‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الجبار حسن الجبوري‪ ،‬االحزاب والجمعيات‪ B‬السياسية في القطر العراقي‪1958-1908‬م‪ ،‬دار الحرية‪ ،‬بغداد‪1977-‬م‪ ،‬ص ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.55-54‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.54‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬ولد في مدينة شيراز (جنوب ايران) في سنة ‪1256‬هـ‪1840/‬م‪ ،‬ونشأ بها‪ ،‬ثم هاجرها إلى العراق سنة ‪1271‬هـ‪ ،‬واقام في مدينة‬ ‫‪5‬‬

‫كربالء وتدرج في الدراسات الدينية وبعدها انتقل إلى مدينة سامراء واصبح استاذا لجمع كبير من طالبي العلم‪ ،‬وبعد احتالل القوات‬
‫البريطانية مدينة سامراء سنة ‪ 1917‬م‪ ،‬انتقل إلى مدينة الكلظمية في مدينة بغداد‪ ،‬وبعد مدة توجه إلى مدينة كربالء في منتصف سنة‬
‫‪1336‬هـ‪ 23 /‬شباط ‪1918‬م‪ ،‬وتوفي في ‪ 10‬آب ‪ 1920‬م‪ .‬للمزيد من المعلومات انظر‪ :‬كامل سلمان الجبوري‪ ،‬محمد تقي الشيرازي‪،‬‬
‫القائد االعلى للثورة العراقية الكبرى ‪1920‬م‪ ،‬مطبعة برهان‪ ،‬قم ‪1427-‬هـ‪2006/‬م‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ -‬امين سعيد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص‪.17-16‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص‪.46‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪439‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫تفاوتت أراء المواطنين في اإلجابة‪ ،‬وظهر للبريطانيين‪ B‬إن سياستهم في ضم العراق إلى مستعمراتهم‪ ،‬تقاوم بأكثرية‬
‫الشعب العراقي‪ ،‬ورفضهم للمقترحات‪ ،‬التي وجدت الفئات السياسية العراقية المثقفة ورجال الدين وشيوخ عشائر الفرات‬
‫األوسط‪ ،‬على ضرورة النضال ضد االستعمار للحصول على االستقالل(‪ ،)1‬وعززتها فتوى الشيخ (محمد تقي الحائري)‬
‫والتي كانت‬ ‫(‪)2‬‬
‫في كربالء بأن (ليس ألحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم لإلدارة والسلطنة على المسلمين)‬
‫صفعة قوية للسياسة البريطانية‪ ،‬نسفت أطماعها وأهدافها في العراق‪ ،‬ولكبح نشاط الحركة الوطنية حثت السلطات‬
‫البريطانية على وضع حد للجماعات النشطة لمقاومة االحتالل بإبعادهم خارج العراق وإ يداع اآلخرين في السجون‪.‬‬
‫بعد تعاظم الحركة الوطنية ونشاطاتها البارزة في معظم مدن العراق‪ ،‬وبغية تهدئة‪ B‬الوضع ألغت السلطات‬
‫البريطانية اللجنة الخاصة التي يرأسها (بونكهام كارتر ‪ )Bongham Karter‬مدير دائرة العدلية في العراق‪ ،‬الذي‬
‫يقترح فيه تشكيل مجلسين األول (مجلس دولة) كسلطة تنفيذية‪ B‬يتألف من رئيس عربي يتمتع بنفوذ ومنزلة اجتماعية‬
‫مرموقة وأحد عشر عضواً‪ ،‬ستة من البريطانيين وخمسة من العرب‪ ،‬يعينهم أو يعزلهم المندوب السامي‪ ،‬يمثلون دوائر‬
‫الدولة أو سكرتيرين فيها‪ ،‬وثانياً المجلس التشريعي تعينه هيئات محلية تكون نفسها منتخبة ومن غير أعضاء مجلس‬
‫الدولة يمثلون المدن والمناطق الريفية حسب عدد السكان‪ ،‬فضال عن تمثيل الطوائف اليهودية‪ B‬والمسيحية فيه‪ ،‬فيصبح‬
‫العدد‪ B‬الكلي للمجلس حوالي خمسين عضواً لسن الدستور‪ ،‬ويكون رئيس المجلس من غير المنتخبين إن لم يوجد مرشح‬
‫مناسب للمنصب‪ ،‬وصالحية المجلس وضع القانون األساس على غرار قانون األساس المصري لعام ‪1913‬م‪ ،‬كنموذج‬
‫يحتذى به بعد إجراء بعض التعديالت عليه‪ ،‬وجعل لمجلس الدولة صالحية إصدار القوانين وفرض الضرائب‪ ،‬وإ ضافة‬
‫جملة مواد متعلقة بواجبات المجلس وصالحياته التي ال تخرج عن التأثير السياسي البريطاني عليه‪ ،‬وفي فقرات‬
‫المشروع الجديد‪ B‬الذي وضعته بريطانيا لنظام الحكم‪ ،‬يحتفظ الموظفون البريطانيون بسلطاتهم الرسمية السابقة‪ ،‬ويهيمن‬
‫(‪،)3‬‬
‫(مجلس الدولة) المتكون من البريطانيين والعراقيين على السلطة التنفيذية‪ B،‬وتحت إشراف المندوب السامي في العراق‬
‫الذي لم يضمن للعراقيين صدق اشتراكهم في الحكم‪ ،‬حيث كان في طيات المجلس منح حق الرفض المطلق (الفيتو)‬
‫للمندوب السامي حول القرارات‪ ،‬فضال عن عدم إعطاء رئيس المجلس العربي حق التصويت إال بعد تعادل األصوات‬
‫بين أعضاء المجلس والتي كانت مجمل مقررات مجلس الدولة هي صالحية استشارية‪ ،‬لتثبيت بريطانيا طريقة الحكم‬
‫بمشروع الدستور الذي ستصدره في العراق‪.‬‬
‫جرت اتصاالت واسعة بين جمعية (حرس االستقالل) وشيوخ العشائر والمنظمات الدينية‪ B،‬قوامها االستعداد للثورة‪،‬‬
‫وقيام التظاهرات واالجتماعات الشعبية‪ ،‬ورفع شعارات تدعو إلى إطالق سراح المعتقلين‪ ،‬إذ اضطر (ويلسون) إلى‬
‫امتصاص نقمة الشعب على سياستهم من خالل اجتماعه بوفد المفاوضة في حزيران ‪1920‬م‪ ،‬الذي ماطل بتنفيذ مطاليب‬
‫الوفد في إقامة الحكم الوطني المستقل‪ ،‬وتعاظمت إجراءات السلطة البريطانية القمعية بهذا الشأن‪ ،‬حيث أفضى الشيخ‬
‫(الحائري) على دعوة المواطنين لالنضمام للحركة في بغداد(‪ ،)4‬وأصبح الوضع السياسي في غاية التوتر عندما أفتى‬
‫(الحائري) بالجهاد (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين‪ ،‬ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم واألمن‪ ،‬ويجوز لهم‬

‫‪ -‬محمد طاهر العمري الموصلي‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪;lreland، P. W. Iraq. Astudy in Political development، London، 1937,P,305 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫السير أرنولد ويلسن‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.48-45‬‬


‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص ص‪.145-129‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪440‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع االنكليز من قبول مطالبهم) ‪ ،‬وبذلك أصبحت الثورة المسلحة ضد بريطانيا عمالً‬
‫(‪)5‬‬

‫مشروعاً بموجب الشريعة اإلسالمية‪.‬‬


‫لم تكن الحكومة البريطانية راغبة في تغيير سياستها في العراق وعزمت على إلحاقه بمستعمراتها‪ ،‬فقامت‬
‫بمناورات سياسية لخداع الشعب العراقي من خالل إجراء بعض التنازالت السياسية وشق وحدة الفئات الوطنية‪ ،‬بغية‬
‫االستفادة من كسب الوقت في تهدئة‪ B‬الحالة‪ ،‬والقضاء على المظاهر المسلحة وزج القيادات الشعبية في السجون أو النفي‬
‫إلى جزيرة هنجام‪ ،‬في الوقت الذي حطم مؤتمر (سان ريمو) عام ‪1920‬م آمال الوطنيين العراقيين بتثبيته‪ B‬على قرارات‬
‫(سايكس‪-‬بيكو) باقتسام العراق وسوريا ولبنان وفلسطين بين بريطانيا وفرنسا ثم إصداره قرار فرض االنتداب‬
‫البريطاني على العراق‪ ،‬الذي صدم العراقيين بعقم أملهم في انشاء دولة عراقية مستقلة‪ ،‬وكشف تنكر المستعمرين‬
‫للوعود التي قطعوها على أنفسهم للشعب العربي‪ ،‬ففشل البريطانيون في تهدئة الحالة من خطورة نفور العراقيين من‬
‫كلمة (االنتداب) بتبريرهم على لسان المندوب السامي (بيرسي كوكس) ]إنني أقرر بان الكلمة (منتدب) قد طرحت من‬
‫قبل الشخص الذي اوصى بها‪ ،‬وهو الرئيس ويلسون ‪ . . .‬أي انه الشخص الذي يتعهد‪ B‬بتقديم الخدمة إلى اخر بالنسبة‬
‫إلى الملكية المودعة في يديه من لدن اآلخرين‪ ،‬فالكلمة (اآلخرون) يقصد بها عصبة األمم‪ ،‬في حين أن كلمة انتداب هي‬
‫العقد الذي تقدم الخدمة بموجبه‪ ،‬غير إن الكلمة في العراق أخذت معناها اآلخر الذي يعني بطلب السيادة من لدن دولة‬
‫ما[(‪ ،)1‬ومهما يكن ترتيب العبارات ومضمونها فهي ال تخرج عن معنى االستعمار‪.‬‬
‫لم ِ‬
‫تجد نفعاً المفاوضات السياسية التي عقدت بين مندوبي الشعب وأصدقاء الحكومة ومواليهم مع نائب الحاكم‬
‫الملكي (ويلسن) في ‪ 28‬مايس ‪1920‬م‪ ،‬إذ كانت المفاوضات أشبه بالمناظرة التي يعقدها الفرقاء لكسب الجولة ودحر‬
‫الخصم دون التوصل إلى حل ينال موافقة الطرفين‪ ،‬وبذلك اظهر للعراقيين ان قضيتهم ال تحل إال بقيام الثورة المسلحة‬
‫التي أعلنت في الثالثين من حزيران ‪1920‬م‪ ،‬والتي توقع قيامها وكيل الحاكم السياسي البريطاني ضد حكومتهم في‬
‫مضمون رسالته إلى الجنرال هالدن في حزيران ‪1920‬م قوله (انه من المحتمل إن تحدث اضطرابات خطيرة في البالد‬
‫وأكدتها (المس بيل) في رسائلها (لقد مر علينا أسبوع مليء بالحوادث‪ ،‬ازدادت فيه دعاة‬ ‫(‪)2‬‬
‫خالل الشهرين القادمين)‬
‫الوطنيين ‪ . . .‬وكان المتطرفون يدعون إلى االستقالل وال يريدون االنتداب)(‪.)3‬‬
‫أصدرت السلطة البريطانية منشور رقم ‪ 70‬نشر نصه في جريدة العراق حول تحديد‪ B‬سياستها النهائية في العراق‬
‫من أنها ستجعل فيه حكومة مستقلة تضمن استقاللها جمعية عصبة األمم‪ ،‬وإ لزامها بتشكيل قانون أساسي واستشارتها‬
‫أهالي العراق في مسألة تشكيله مع مالحظة حقوق (األجناس المختلفة الموجودة في بالد العراق ورغائبها ومنافعها)(‪،)4‬‬
‫فهو وثيقة رسمية واضحة سوغت بريطانيا فيه سياستها االستعمارية التي ستربط العراق بالقرارات الدولية المهيمنة‬
‫عليها‪ ،‬وبهذا الشأن لقيت معارضة شديدة من الوطنيين العراقيين‪ ،‬فضال عن تطور الموقف الحربي في الفرات األوسط‬
‫وظهور الحركات المسلحة ضد القوات البريطانية‪.‬‬
‫فمارست بريطانيا سياسة االستبداد‪ B‬في العراق القائمة على اضطهاد سكانه ومعاملتهم بقسوة في ثورة العشرين‬
‫ومضت على هذا األسلوب في محاولة منها لكسب بعض رؤساء العشائر وجعلهم موالين لها خدمة في تحقيق أهدافها‬
‫ومصالحها‪ ،‬فانضوى بعضهم للخدمة المدنية‪ B‬عند الضباط السياسيين البريطانيين فحققت بذلك سلطة داخلية محكمة‪ ،‬لها‬

‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.145‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪.The letters، Vol، 11,PP,535-536 -‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.Haldane، Op,Cit، P,36 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.The letters، Vol، 11,P,397 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬جريدة العراق في ‪2‬حزيران‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪441‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫نفوذ كبير على المواطنين منفذة أوامرهم وخولتهم على قمع المعارضين والسيطرة األمنية في مناطقهم‪ ،‬فالشيخ (عمران‬
‫السعدون) قائم مقام الهندية‪ B‬رافق معاون الحاكم السياسي البريطاني في مدينة‪( B‬طويريج) الكابتن (جاردين) في ‪ 19‬تموز‬
‫‪ 1920‬م وسايره في التوسط إلى مخيم الكوفة إلجراء الترتيبات لوقف القتال‪ ،‬والتي انقطعت تلك المفاوضات مع‬
‫وعلم عند العشائر ان والء الشيخ (عمران) غير أكيد‬ ‫(‪)1‬‬
‫الثوار ‪ ،‬حيث أثرت سلباً في العالقات العشائرية في المنطقة‪ُ ،‬‬
‫وحذر منه‪ ،‬فضال عن معارضته للعشائر التي حررت مدينة الكفل التابعة اداريا لقضاء الهندية في ‪ 20‬تموز في كبح‬
‫نشاط الثوار وهددهم بالتعاون مع البريطانيين في مقاومتهم(‪ ،)2‬وعلى العكس من ذلك عمل الميجر (ديلي ‪ )Deely‬إلى‬
‫(الحاج مخيف) مكيدة عند حضوره لمقره في الديوانية وأمر باعتقاله وسوقه إلى البصرة ثم نفيه إلى جزيرة هنجام مع‬
‫المنفيين هناك(‪.)3‬‬
‫كما استخدم المحتلون أسلوب حجز األشخاص (رهائن) حيث عملت القوات البريطانية في الديوانية على وضع‬
‫خطة عسكرية لالنسحاب منها إلى الحلة‪ ،‬فأطلق الميجر (ديلي) سراح الشيخ (شعالن العطية) رئيس عشائر األكرع بعد‬
‫ان حجز شقيقه الشيخ (جبل العطية) وابنه (موجد الشعالن) كرهائن للبر بالوعد الذي قطعه بعدم مقاتلة الجيش المنسحب‬
‫في حدود قبيلته(‪.)4‬‬
‫نكثت السلطة البريطانية وعدها بقيادة الميجر (نوربري ‪ )Noorbery‬ولم ِ‬
‫تف بمواثيقها عندما وقعت اتفاقية هدنه‬
‫مع الثوار في الكوفة في تموز ‪1920‬م‪ ،‬باتفاق اإلفراج عن المنفيين والمعتقلين العراقيين ووقف القتال في الرميثة‬
‫وإ جالء الحكام البريطانيين من مناطق الفرات األوسط وإ جراء االستفتاء والمفاوضات من البريطانيين على أساس منح‬
‫العراق االستقالل والحرية مقابل تعهد رؤساء القبائل في فك الحصار عن الحامية البريطانية في ابي صخير الذي تم‬
‫تنفيذه من لدن العراقيين(‪ ،)5‬حيث وافتهم القوة البريطانية في مقاتلتهم بعد ان حصلت على مرادها بنقض االتفاق‪.‬‬
‫ومارست السلطة المحتلة أساليب أخرى منها التجويع والحرمان من خالل قيامهم بإتالف المزارع والبساتين وقطع‬
‫المياه عن مدينة كربالء إليقاع األذى في سكانها ومزارعها التي قال فيه الجنرال هالدن (لما كانت كربالء مسؤولة إلى‬
‫حد غير قليل عن قيام الثورة فاني رغبت في االستيالء على ناظم الحسينية الذي كان يبعد‪ B‬عن الفرات بمائتي ياردة‪،‬‬
‫لكي اجعل سكان البلدة يشعرون بعذاب الحرمان من الماء) وتشفى بمعاناة ومشقات سكان كربالء قائالً (فالضغط‬
‫المعنوي الذي نتج عن اظهار مقدرتي على حرمانهم معين الحياة كان بال شك عظيماً)(‪ ،)6‬وسارت سياستهم على حرق‬
‫بيوت ممن اشتركوا في الثورة في شمال العراق في منطقة دلتاوه ودور الرؤساء الزيباريين والبرزانيين ومصادرة‬
‫أموالهم(‪ ،)7‬وأتلفت مزارع وحقول قرى قضاء الهندية‪ B‬وحرق مضيفي الشيخ (شمران) رئيس عشيرة آل فتلة والشيخ‬
‫(جياد المحمد) رئيس البراجع‪ ،‬وقامت بمصادرة وقتل اعداد كبيرة من رؤوس األغنام واألبقار والخيل في المنطقة(‪،)8‬‬
‫ولم تعر اهتماماً بالقوانين الدولية وحقوق اإلنسان‪ ،‬فأقدمت على إعدام من أسرته من الثوار دون تحقيق أو محاكمة(‪.)9‬‬

‫‪ -‬المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.450‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.274‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص‪.214‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬علي الوردي‪ ،‬الجزء الخامس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.282‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.274‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪Haldane، OP,cit، P,147 .-‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬جريدة العراق في ‪ 4‬تشرين األول ‪1920‬م؛ المس بيل‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬فريق المزهر الفرعون‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.423‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ -‬أمين سعيد‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪442‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫وقصفت المدن والقرى بقذائف الطائرات والمدافع التي لم يسلم منها حتى المتعبدين‪ B‬في مسجد الكوفة‪ ،‬وفتكت‬
‫ببالغ إن (جناية االنكليز على المعابد وإ لقاء القذائف النارية على مسجد‬
‫ٍ‬ ‫قنابلهم بأجساد الكثيرين نشر خبره الثوار‬
‫الكوفة‪ ،‬قتل النساك والمتعبدين)(‪.)1‬‬
‫استلمت قيادة االحتالل البريطاني سبعين ألف بندقية‪ B‬من عشائر الفرات األوسط بعد ثورة العشرين‪ ،‬في حين لم‬
‫يجمع من عشائر المنتفك أية قطعة سالح (ألسباب استثنائية)‪ ،)2(B‬حيث كان المحتلون يبتغون من ذلك تحقيق أمرين‪،‬‬
‫األول بقاء هذه العشائر على والئها وإ خالصها لهم والثاني تكيد بهم كقوة يمكن إن تستغلها في ضرب العشائر األخرى‬
‫المعارضة لسياستها في مناطقهم‪.‬‬
‫واعترف وكيل الحاكم المدني العام (ويلسن) بتقريره السري على (انتعاش الروح القومية) وان ثورة العشرين‬
‫جعلت (الشك يحل محل اليقين) والذي غير فكره السياسي في تحويل العراق إلى هند ثانية وإ قامة حكم بريطاني‬
‫هدوء ودبلوماسية من‬
‫ً‬ ‫مباشر(‪ ،)3‬فضالً عن تزويد الحكومة البريطانية مندوبها الجديد للعراق (بيرسي كوكس) األكثر‬
‫سابقه في سياسته مع العراقيين‪ ،‬تعليماتها السياسية في رسم مستقبل العالقة بينهم والعراق بموجب معاهدة جديدة ال‬
‫بصك االنتداب القديم(‪ ،)4‬والعمل على تأليف حكومة عراقية مؤقتة تعتمد‪ B‬العراقيين في إشغال مناصبها الوزارية‪ ،‬الذي‬
‫سعى بصعوبة على اختيار شاغليها ممن يعرفون بـ(المعتدلين)‪ B‬على حد تعبيره لهم اإللمام باألمور اإلدارية والحكومية‪،‬‬
‫حيث لم يتورع من أجل الحصول عليهم إال بنشر اإلعالنات الرسمية التي حددت فيها العراقيين ممن سبق انتخابهم‬
‫لمجلس األعيان ومجلس المبعوثان العثماني(‪ ،)5‬فضال عن بعثه الكتب الخاصة للعراقيين الموجودين خارج العراق ممن‬
‫لهم دراية في أمور السياسة واإلدارة(‪ ،)6‬فوقع تعيينه‪ B‬على حكومة عراقية برئاسة (عبد الرحمن النقيب)(‪ )7‬في ‪ 25‬تشرين‬
‫األول ‪1920‬م تحت إشراف المندوب السامي البريطاني‪ ،‬تكون جسراً بينه وبين الشعب العراقي إلقامة الحكم المقرر‪،‬‬
‫وجعلت على رأس كل وزارة مستشاراً بريطانياً لتوجيه سياستها من خالله‪ ،‬وحكم العراق حكماً مباشراً‪ ،‬فعينت لكل لواء‬
‫وقضاء حاكماً عسكرياً من ضباط الجيش البريطاني‪ ،‬ممن لم يمارسوا الشؤون اإلدارية والمدنية‪ B،‬الذين أزدروا الناس‬
‫واحتقروهم وعاملوهم بخشونة‪ ،‬ووضعوا نظاماً مستمداً من عادات واوضاع غير مألوفة عند العشائر العراقية(‪،)8‬‬
‫واعترفت السلطة البريطانية باألساليب اإلدارية الفوضوية التي مارسها موظفوها في العراق‪ ،‬من خالل استخدامها‬
‫(الجنود والضباط الذين لم يألفوا االشتغال في المناصب اإلدارية ‪ . . .‬ولم يطلعوا على وسائل اإلدارة ويجهلون األحوال‬
‫والظروف التي تحيط بهذه البالد (العراق) ‪ . . .‬وإن فريقاً منهم ضعيف في اإلدارة ‪ . . .‬غير كفؤ للقيام بوظائفه ومنهم‬
‫من كان يرسل تقريراً ويعقبه بأخر يختلف فحواه عن التقرير األول)(‪ ،)9‬وبذلك وجدت بريطانيا ترشيح األمير (فيصل بن‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬الثورة العراقية الكبرى‪ ،‬ص‪.221‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬ستيفن همسلي لونكريك‪ B،‬العراق الحديث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.205‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.Wilson، A. T. Mesopotamia، 1917-1920، A clash of Layalties، London، 1931، P,54 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل الفياض‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.327‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬جريدة العراق في ‪ 12‬تموز‪1920‬م‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ -‬مجيد خدوري‪ ،‬عرب معاصرون‪ ،‬ادوار القادة في السياسة‪ ،‬الدار المتحدة للنشر‪ ،‬بيروت‪1973-‬م‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬من وجهاء مدينة بغداد ونقيب اشرافها‪ ،‬ولد سنة ‪1261‬هـ‪1845/‬م وتقلد نقابة االشراف بعد وفاة اخية سنة ‪1315‬هـ‪1898/‬م ومنحه‬ ‫‪7‬‬

‫السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) نيشانا‪ B‬من الدرجة الثالثة سنة ‪1297‬هـ‪1880/‬م‪ ،‬وكان مقدرا من الحكومة العثمانية وعند احتالل‬
‫البريطانيين مدينة بغداد عام ‪1917‬م‪ ،‬لقي الحظوة عندهم وعين اول رئيس لوزراء العراق عام ‪1920‬م واستقال سنة ‪1922‬م‪ ،‬وتوفي‬
‫سنة ‪1345‬هـ‪ 1927/‬م‪ .‬أبي المعز السيد محمد القزويني‪ ،‬طروس اإلنشاء وسطور اإلمالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬جودت القزويني‪ ،‬ب ط‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫‪1418‬ﻫ‪1998/‬م‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -‬فاضل حسين وعبد الوهاب عباس القيسي وآخرون‪ ،‬تاريخ العراق المعاصر‪ ،‬مطبعة جامعة بغداد‪ ،‬بغداد‪1980-‬م‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪.Haldane، OP، Cit، P,36 -‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪443‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫الحسين) لعرش العراق األفضل ألداء مهمتها في العراق‪ ،‬دون اعتراض شعبي‪ ،‬لحل مشاكلها في العراق‪ ،‬وإ بعاد‬
‫العراقيين عن اللجوء إلى السالح مرة أخرى‪ ،‬فضالً عن تعويضه عما فقده في مملكة سوريا بنظامه المعتدل الذي‬
‫(‪)1‬‬
‫سيكون في نظرهم خير ضمان لهم في التصدي للتيارين الكمالي والبلشفي الذي ظهر تأثيرهما واضحاً في العراق ‪.‬‬
‫عانى الملك (فيصل) من الثقل السياسي الذي سيكتشفه‪ ،‬في التعامل مع ارث ثقيل خلفه حكم عثماني متخلف‬
‫واحتالل بريطاني استعماري يشوبه التشابك وعقدة مستعصية‪ ،‬وجد فيصل في تخفيف أثارها (في المراوغة والتلون‬
‫ونقض العهود)(‪ )2‬عمل طوال سنوات حكمه العراق من تتويجه يوم ‪ 23‬أب ‪1921‬م وحتى وفاته في ‪ 7‬أيلول‬
‫‪1933‬م(‪ ،)3‬بنشاط منقطع النظير نابع عن رغبة صادقة في إقامة الدولة الحديثة في حدود اإلمكان‪ ،‬ونزاهة مشهودة‪.‬‬
‫الخاتمــــة‬
‫منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬تركزت سياسة االستعمار البريطاني في الهند على العراق‪،‬‬
‫من خالل الصلة الوثيقة بين ما يجري في شبه القارة الهندية‪ B‬ومسارها عبر الخليج العربي‪ ،‬والتي نتج عنها اجبار‬
‫العراق على تحقيق أهداف االستعمار البريطاني بعد ضمه إلى المنتصرين في الحرب العالمية االولى‪ ،‬في ميدان شاسع‬
‫من السياسة العامة واالدارة‪ ،‬معتقدة أنها ستضمن نجاح سياستها على اساس وجود االسواق الجديدة والمواد الخام فيه‪،‬‬
‫كما عملت سلطة االحتالل على اصدار قوانين تطلبتها االوضاع المحلية واالدارية بعيدة‪ B‬عن واقع العراق السياسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬تبنتها لجانها العسكرية بمعاونة شيوخ القبائل المؤيدين‪ B‬لالحتالل ببقائهم في حكمهم حسب العرف‬
‫العشائري‪ ،‬رافقها تصرفات حكامها الحمقى في التعامل مع العراقيين وفي التأثير المباشر في المجتمع العراقي من خالل‬
‫سياسة (فرق تسد)‪ ،‬كان محصلتها تعزيز التناقضات والمشكالت االجتماعية والسياسية في منظور منشور الجنرال‬
‫(مود) وهدفها في تضليل العرب وخداعهم بسعيها إلى نهوضهم مرة اخرى واستعادت مكانتهم السياسية وفق مبدأ (تقرير‬
‫المصير) الذي وجدت فيه ايسر وسيلة للسيطرة عليهم وتحقيق سياستها الواضحة المنفذة في الهند ومصر‪.‬‬
‫فرضت سلطة االحتالل الحكم المركزي المباشر على العراق وتفننت في استحصال الضرائب القائمة والجديدة‪،‬‬
‫التي اثقلت كاهل العراقيين بأعباء اقتصادية كبيرة‪ ،‬واتبعت سياسة التركيز في توسيع نفوذها وترسيخ دعائم االقطاع‬
‫وتطوير مقوماته بأسس قانونية من خالل اعتمادها على اقل عدد من عمالئها سواء العشائر أو المتنفذين في المدن في‬
‫حكم العراق‪ ،‬من خالل تشريعاتها وقراراتها المكرسة اغلبها بشأن األرض والعشائر واحكامها‪.‬‬
‫توسع الموقف الذي تبناه البريطانيون تجاه استقالل العراق السياسي من شقة الخالف بينهم وبين العراقيين‪ ،‬وفشلت‬
‫خططهم في حكم العراق حكماً مباشراً وربطه بحكومة الهند‪ ،‬وكان الفتقار العاملين السياسيين البريطانيين‪ B‬في العراق‬
‫إلى الخبرة اإلدارية والحنكة السياسية وجهلهم بطبيعة المجتمع العراقي‪ ،‬وراء ايقاعهم في نشاط المقاومة الوطنية‬
‫المسلحة ورفض الشعب لسياستهم القائمة‪ ،‬وفشلهم في تفكيك اواصر الشعب ولحمته في تأجيج الطائفية‪ ،‬كان على‬
‫العكس الذي نتج عنه تمسكهم بتقاليدهم وفتاوى القيادات الدينية‪ B،‬التي وحدت موقفهم في رفض االحتالل ومقاومته‬
‫المسلحة في ثورة العشرين‪ ،‬والتي نتج عنها انهيار مخططاتهم االستعمارية في جعل العراق مستعمرة لها من خالل‬
‫تمسكهم بالقرارات الدولية بفرض االنتداب عليه‪ ،‬والتي اجبرها العراقيون على إعادة النظر في سياستهم تجاه العراق‪،‬‬
‫بأسلوب ذكي يضمن لبريطانيا مصلحتها في العراق بوسائل جديدة‪ ،‬عبر عنها حكامهم في خطاباتهم ومذكراتهم بقول‬

‫‪ -‬فاروق صالح العمر‪ ،‬حول سياسة بريطانيا في العراق‪1921-1914‬م‪ ،‬دراسة وثائقية‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد‪1977-‬م‪ ،‬ص ص‪-104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.105‬‬
‫‪ -‬أمين الريحاني‪ ،‬ملوك العرب‪ ،‬اإلعمال الكاملة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ب‪-‬ط‪ ،‬بيروت‪1980-‬م‪ ،‬ص‪.327‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد المجيد كامل التكريتي‪ ،‬الملك فيصل األول ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة‪1933-1921‬م‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1991‬م‪ ،‬ص‪.320‬‬

‫‪444‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫المندوب السامي بيرسي كوكس (إن دولة انكلتره ارسلتني للمساعدة‪ ،‬واالتفاق مع إشراف ورؤساء العراق لنحصل على‬
‫الغاية المطلوبة للطرفين وتأليف الحكومة العربية حكومة مستقلة بنظارة دولة انكلتره‪ ،‬ولقد جئت لهذا المقصد)(‪ ،)1‬وان‬
‫لم يكن هناك حتى قرار متخذ بشأن شكل الحكم في العراق فقد اقترح (بيرسي كوكس) بوثيقة مؤرخة في نيسان ‪1918‬م‬
‫قائال (ان المندوب السامي قد تساعده اذا تطلب االمر وزارة نصفها من االهالي ونصفها من الموظفين البريطانيين‪،‬‬
‫وربما يستندها مجلس اداري أو هيئة ما استشارية تتألف بأجمعها من اعيان البالد البارزين ‪ . . .‬وإذا اريد تنصيب‬
‫واعترفت صحفهم بسياستهم الفاشلة بانها (منحت‬ ‫(‪)2‬‬
‫رأس رمزي فهو يوصي بنقيب بغداد وهو احد الذوات المسنين)‬
‫الشعب العربي من دون ريب درساً عملياً في الكفاءة‪ ،‬غير إن هناك اشياء أخرى اعز على قلب االنسان والى قلب‬
‫العربي بصفة خاصة من الكفاءة‪ ،‬والسيما حين يتم دفعه بثمن باهظ‪ ،‬فالعرب اليوم اقل تمتعاً بالحرية مما كانوا عليه‬
‫تحت حكم األتراك‪ ،‬وانهم االن يدفعون‪ B‬ثالثة اضعاف ما كانوا يدفعونه من الضرائب)(‪.)3‬‬
‫وان فشلت الثورة العراقية عسكريا‪ ،‬لكنها اسهمت كثيرا في تطور الوعي السياسي والثوري بين السكان‪ ،‬واظهرت‬
‫دالئل نضوج سياسي في الفرات االوسط السيما عند بعض كبار الشيوخ في رفض جميع انواع السلطة المفروضة من‬
‫خارج العشيرة والرغبة في تجنب الضرائب‪ ،‬فضال عن مطالبهم السياسية في تحقيق االستقالل وتقرير المصير واقامة‬
‫حكم وطني في العراق بديال عن الحكم البريطاني المباشر‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق الحسني‪ ،‬تاريخ العراق السياسي الحديث‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬ط‪ ،2‬صيدا ‪1957‬م‪ ،‬ص‪.157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪F. O. 371/4148 --- 13298. War Cabinet---- Eastern Committee. Secret. 39 th Meeting. -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.November27,1918. Annex‬‬
‫مقتبس عن غسان العطية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪ -‬جريدة المانجستر غارديان في ‪ 24‬تموز ‪1920‬م‪ ،‬مقتبس‪ B‬عن هنري فوستر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.141‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪445‬‬
‫آذار‪2012/‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪6 /‬‬

‫خارطة موقع الفرات االوسط‪.‬‬

‫وثيقة سلطة االحتالل البريطاني في قضاء الهندية‪ ،‬تنصب الشيخ (غالب السلطان) على قسم من عشيرة آل فتلة عام‬
‫‪1919‬م‪.‬‬

‫‪446‬‬

You might also like