Professional Documents
Culture Documents
Basic Ed6 13
Basic Ed6 13
417
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
الثورات واالنتفاضات المحلية في معظم مناطق العراق وباألخص مدن الفرات االوسط وعشائرها ،حتى رضخت
حكومة االحتالل لمطاليب الثوار واجبرتها على تغير سياستها في تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة في تشرين األول عام
1920م ،ورسمت لكل ما سيحدث لها سياسيا باختيارها وقبولها لميالد المملكة العراقية في 23آب 1921م.
-السلطان العثماني Bالثالث والعشرون كان شاعرا واديبأ خاض حروب مع روسيا القيصريه وبالد فارس ،مستغل تدهور أوضاعهما 1
الداخلية :للمزيد من المعلومات انظر ،شكيب Bارسالن ،تاريخ الدولة العثمانية ،دار ابن كثير ،دمشق2001-م ،ص ص.245-241
-عبد األمير محمد أمين وهاشم كاطع الزم وآخرون ،المصالح البريطانية في الخليج العربي 1778-1747م ،مطبعة اإلرشاد ،بغداد، 2
جلبهم الوالي (حسن باشا) من اسواق تفليس وهم اطفال وادخلهم مدارس خاصة تعلموا القراءة والكتابة والسباحة والفروسية وفنون القتال،
وبعد تخرجهم عملوا في سلك الجيش أو الوظائف الحكومية ،وتم تاسيس دائرة خاصة بهم تعرف (آيج دائرة سي) مهمتها Bاالشراف على
شراء المماليك وتدريبهم ،واصبحوا قوة تمكنت من حكم العراق في االعوام 1831-1750م .للمزيد من المعلومات انظر :احمد علي
الصوفي ،المماليك في العراق ،صحائف خطيرة من تاريخ العراق القريب 1831-1949م ،الموصل 1952-م؛ عالء موسى كاظم
نورس ،حكم المماليك في العراق 1831-1750م ،بغداد 1975م.
-عبد األمير محمد أمين ،المصدر السابق ،ص.92 4
418
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
البصرة ومهاجمتها ،إلى جانب معاناة سكان البصرة من حصار الفرس خالل األعوام (1779-1775م) ،وتأثيره في
عمل الشركة الذي اجبر بريطانيا على سحب سفنها من البصرة وترك ممتلكاتها من دون حماية ،التي نتج عنها خلق
مصاعب خطيرة على التجارة البريطانية في الخليج وخسائر سنوية عظيمة ،حيث أجبرتها على تقليص وكالة البصرة
قدم خدمة كبيرة للبريطانيين خالل الحرب الثورية
إلى مقيميه وتعيين مستخدم واحد ،لكن الطريق البري عبر البصرة ّ
في أمريكا عام 1775م ،بعد مساعدة فرنسا للمستعمرات األمريكية في حربها ضد بريطانيا ،فاستعادت بريطانيا مقرها
التجاري في البصرة ومواصالتها إلى الهند بعد انتهاء الحرب(.)1
توسع نفوذ بريطانيا في المنطقة من جديد في نهاية القرن الثامن عشر ،واستطاعت غرس نفوذها السياسي في
جسم الدولة العثمانية للحصول على أكثر االمتيازات في العراق ،حتى أصبح نشاطهم التجاري حجر عثر ٍة على نحو
خطير أمام التطور االقتصادي المحلي المحدود ،وتغير تعاملهم التجاري والسياسي في العراق إلى أكثر اعتداال من
غيرهم من األوربيين في المنطقة في عالقاتهم مع القوى المحلية والحكومية.
-صالح العقاد ،االستعمار Bفي الخليج الفارسي ،االلف كتاب -121مكتبة االنجلو المصرية القاهرة ،ب .ت ،ص.33 1
-ستيفن همسلي لونكريك B،اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ،ترجمة جعفر الخياط ،مطبعة االديب ،ط ،6بغداد1985 ،م ،ص.208 3
419
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
المقيم البريطاني في البصرة والسفير البريطاني في اسطنبول ( ،)1وعمل وكالء الشركة في تحسين صالتهم مع الوالة
العثمانيين Bبواسطة تزويدهم باألسلحة البريطانية الستخدامها في مقاومة منافسيهم على مناصب الوالية ،فضالً عن توسع
َّ
وغض الوالة العثمانيين الطرف عن المخاطر التي تخل بسيادة الدولة العثمانية نفوذهم في المدن والقرى والعشائر،
والمخالفة لقواعد التمثيل السياسي والتجاري ،وأصبحت بغداد Bأهم مركز للنفوذ البريطاني ،كما برزت قوة شخصية
المقيم البريطاني في العراق على شخصية السفير في اسطنبول ( ،)2لذلك انعكست تلك السياسة على بعض شيوخ العشائر
في التقرب إلى المقيم البريطاني ليحصلوا على المكانة والقوة السياسة التي تضمن لهم الحفاظ على مناصبهم وعالقتهم
مع الوالة العثمانيين ،)3( Bوالذي هيأ أرضية خصبة للوجود البريطاني في العراق ،باالعتماد على تلك الشريحة المهمة في
نظرهم في تحقيق سياستها تمهيدا لالحتالل بعد رسم كل مخططاتهم االستعمارية بصورة دقيقة من خالل عمالئهم في
العراق.
حصلت بريطانيا على موافقة الدولة العثمانية في فتح دائرة بريد بريطانية-هندية في بغداد والبصرة ،وعملت
بانتظام من غير اعتراض رسمي في نقل البريد بين المدن الواقعة على النهر بواسطة زوارق البريد( ،)4وقد ساعدها ذلك
أكثر في معرفة دقيقة ألحوال العراق ورسم الطرق النهرية والبرية وتأمين بريده العسكري من الضياع والسرقة حتى
استطاعت مد أسالك بحرية تتصل بين الهند ومدينة الفاو ثم ربطها بأسالك برية بالخط التركي في بغداد ،)5(Bحيث أدى
ذلك إلى تقدم المصالح السياسية االستعمارية على المصالح التجارية ،والعمل على إرسال أولى بعثاتها إلى العراق بقيادة
(جسني) لدراسة شؤون العراق التجارية واالقتصادية B،فضال عن األمور السياسية التي جاءت من اجلها ،ووضع دراسة
علمية لمشروع ربط البحر المتوسط بالخليج عن طريق نهر الفرات(.)6
ثالثاً :نمو المصالح البريطانية وتغلغلها السياسي في العراق
برز أهمية موقع العراق في نظر السياسة البريطانية مع ازدياد أهمية منطقة الخليج العربي دوليا وتصاعد
الصراعات السياسية واالقتصادية العالمية فيها ،والسيما أن بريطانيا توسعت تجارتها في منتصف القرن التاسع عشر،
وأصبح بوسع المقيم البريطاني في العراق أن يحقق مساعي دولته وطموحاتها بكلمة منه إلى الحكام العثمانيين Bفي
اسطنبول ،والتي لم يفتأ بعض من زعماء العشائر العراقية أن يطلب الحماية أو العون من المقيم في التأثير بالوالة
العثمانيين Bأحيانا(.)7
وافق العثمانيون للبريطانيين على تسيير باخرتين نقليتين في نهر الفرات عام 1842م في عهد الوالي (علي رضا
الالذ 1842-1831م) ،بصدور فرمان سلطاني نص على أن يوفر المشروع (إفادته الواقعة مادامت المنافع مشاهدة
ومحققة للجانبين ومالم يستلزم ذلك محذورا ،قد صدرت من لدنا الرخصة لهم بتسيير باخرتين مناوبة في النهر المذكور)
-عالء موسى كاظم نورس وعماد عبد السالم رؤوف ،عهد المماليك واألسر الحاكمة ،العراق في التاريخ ،دار الحرية للطباعة ،بغداد، 1
،1983ص.606
-عبد العزيز عبد الغني ،بريطانيا وامارات الساحل العماني ،الدار الوطنية ،بغداد1978-م ،ص 73؛ ستيفن همسلي لونكريك ،المصدر 2
السابق ،ص.308
-عبد الفتاح ابراهيم ،على طريق الهند ،دار الشؤون الثقافية ،ط ،2بغداد2004-م ،ص 70؛ ستيفن همسلي لونكريك B،المصدر السابق، 3
ص.307
-ستيفن همسلي لونكريك B،المصدر السابق ،ص.382 4
420
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
( ، )1ووافق العثمانيون للبريطانيين إجراء مسح للمواصالت النهرية في دجلة والفرات ،التي حققت رحالت طويلة في
الكشف والتدقيق في صالحية النهرين في المالحة ،وما أعقبها من مجهودات بريطانيا في إرسال بعثات التنقيب االثارية
وإ نشاء خطوط التلغراف وتأسيس الشركات المالحية ،فضال عن إجراء المسح الجغرافي ورسم الخرائط التي هيأت
اوضح الطرق وأدق المساحات باستغالل األوضاع المناوئة للوالة العثمانيين(.)2
رسمت بريطانيا طريقاً برياً بامتداد Bنهري دجلة والفرات ،وسيرت باخرتين فيهما ،لمعرفة صالحية النهرين
للمالحة ،بعد أن تخلت عن مشروع (بالمرستون) في مد خط حديدي عبر وادي الرافدين عام 1857م( ،)3وقد شجع ذلك
األلمان في وضع خطة إلقامة سكة حديد ترمي الوصول بها إلى بغداد والخليج العربي ثم إيجاد قاعدة بحرية على
الخليج ،فضال عن تغلغلها في الدولة العثمانية باعتقادها إن العراق رأس جسر سهل المنال القتحام الهند ،لذلك أصبحت
سياسة األلمان تشكل خطرا على المصالح البريطانية في الهند ،األمر الذي حفز بريطانيا على سرعة االندفاع العسكري
نحو الشرق األوسط والعمل على توطيد العالقات الجيدة مع دول الخليج العربي وعقد المعاهدات ،وقد وجدت هذه الدول
فيها صيانة لمركزها ضد السلطان العثماني والشاه اإليراني على حد سواء( ،)4فضال عن بعث بريطانيا إلى العراق
دوائر مخابراتها العسكرية والسياسية ،عمالء بصفة سائحين ومبشرين وآثاريين ،لتحصل على معلومات أدق عن العراق
من النواحي السياسية واالجتماعية واالقتصادية.
حصل البريطانيون النفوذ التام في العراق وأهابهم الوالة العثمانيون وأصبحوا ذات سطوة عالية ،وفي األكثر
أداروا وكاالت قنصليات الدول األخرى في العراق ،ولهم ثالث قنصليات واحدة في البصرة واخرى في بغداد Bوثالثة في
الموصل ،يديرها وكيل سياسي ثم مقيم ،وكانت وظيفتا القنصل والمنقب األثري تتحدان في شخص واحد ،وكان تحت
تصرف القنصل باخرة تالزمه في إعماله على الدوام(.)5
تمتع الوكالء البريطانيون بحرية التنقل في العراق ،وحصلوا على امتيازات كثيرة في المالحة النهرية ودوائر
البريد الهندية B،ومنزلتهم نافذة ومحترمة في األوساط السياسية واالجتماعية العراقية ،استفاد منهم بعض شيوخ العشائر
والتجار ،وبذلك حصلت بريطانيا على القسط األوفر في التجارة بين الشعوب األوربية في العراق(.)6
اتضحت دوافعهم السياسية في العراق بعد Bأن تستروا بإقامة المشاريع االقتصادية وطرح شعارات المصلحة العامة
ومنفعة العراق بإطالق عناوين التمجيد للعراقيين وخدمة اإلنسانية ،بدعاية يعيدون إلى أذهان العراقيين ماضي بالدهم
المجيد وتراث إمبراطورية العرب المسلمين فيها ،وتبرير ما قد تقتضيه المشاريع التي سيحققونها من نفقات خزينة
الدولة إلتمام ضبط فيضان نهري دجلة والفرات وإ نشاء السدود لمصالح الزراعة ،وتنفيذ المشاريع العمرانية والصناعية،
التي من شأنها تنمية الرغبة البريطانية في وضع قدمها في العراق ،وأقامت صداقات حميمة وكثيرة مع العراقيين(.)7
سعت بريطانيا بواسطة شركاتها (لنج والشركة العثمانية للمالحة النهرية)( )8التدخل بدبلوماسية عالية في أوساط
الحكومة العثمانية للحصول على امتيازات اقتصادية كبيرة في والياتها والسيما في العراق ،منافسين في ذلك الدبلوماسية
-عباس العزاوي ،تاريخ العراق بين احتاللين ،الجزء السابع ،شركة التجارة ،بغداد1955-م ،ص.57 1
-هنري فوستر ،نشأة العراق الحديث ،الجزء األول ،ترجمة سليم طه التكريتي ،مطبعة الفجر ،بغداد1989-م ،ص.58 3
-زكي صالح ،منشأ النفوذ البريطاني في بالد مابين النهرين ،بغداد1949-م ،ص.142 7
-عالء موسى كاظم ،الدبلوماسية البريطانية في العراق 1823-1808م ،مجلة افاق عربية ،عدد 12آب 1980م ،ص ص -107 8
.108
421
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
األلمانية الناجحة في العالقات التجارية واالقتصادية مع العثمانيين ،وبحنكة الوكيل البريطاني (كلوديوس ريج) دخل
العراق حظيرة النفوذ البريطاني ،وتمكن من السيطرة على الجهاز الحكومي وان يكون مهيبا وذا الصدارة في بغداد B،وقد
سارت العالقات البريطانية-العراقية من بعده بالشكل الذي حقق المصالح البريطانية في العراق( ،)1وكادت الشركات
البريطانية أن تحصل على استغالل المناطق النفطية في الدولة العثمانية ،إال إن إصدار السلطان عبد الحميد الثاني (
1909-1876م) فرمانا يقضي بنقل ملكية األراضي النفطية في العراق من الخزينة الخاصة إلى أمالك الدولة ،قد خيب
آمال البريطانيين Bفي عقد االتفاق( ،)2فضال عن تأثير المواجهات السياسية الصعبة التي أقامها الفرنسيون واأللمان ضدهم
في تحريض الدولة العثمانية ضدها.
وإ زاء تلك المطامع والمصالح في العراق وأهمية تحققها ،بدأت القيادة العسكرية البريطانية وضع الخطط العسكرية
الحتالل جنوب العراق عن طريق الخليج العربي ،بعد أن شكلت حكومة الهند لجنة رباعية عام 1911م ،جاء في
تقريرها في كانون الثاني 1912م ،على ضرورة احتالل العراق ،من خالل تنشيط القناصل البريطانيين في بغدادB
والبصرة والموصل على إعداد المعلومات العسكرية واالقتصادية عن الجيش العثماني وتسليحه وتوزيعه ،ووضع
الخرائط العامة عن العراق وال سيما التوزيع العشائري ،حيث ساعد اندالع الحرب العالمية األولى في آب 1914م،
على دخول القوات البريطانية العراق عن طريق الخليج لتأمين مسالكها العسكرية في المنطقة ،بدعوى رغبة بريطانيا
في حماية مناطق النفط االنكليزية الفارسية في عبادان ،ومصالحها في الشرق األوسط( ،)3فضال عن تقاسم ممتلكات
الدولة العثمانية التي تحالفت مع ألمانيا ضد بريطانيا ،حيث اكسبها تأييدا من لدن حليفاتها في االحتالل.
قاومت السلطة المحلية العثمانية االحتالل البريطاني ،وأيدها رجال الدين العراقيين في إصدار فتوى (مقاتلة الكفار)
هب أالف العراقيين من عرب وأكراد بقيادة رجال الدين لوقف
التي اتخذت إشكاال متباينة في الرد على االحتالل ،إذ ّ
الزحف البريطاني على مدن العراق منها في موقعة (الشعيبة) في نيسان 1915م ومناطق أخرى ،ونددت الجرائد
العراقية( )4باالحتالل ودعت المواطنين إلى القتال والتصدي له بكل السبل المتاحة.
-المصدر نفسه ،ص79؛ العراق في الوثائق البريطانية 1930-1905م ،ترجمة فؤاد قزانجي ،دار المأمون ،بغداد1989-م ،ص ص 3
.23-22
-جريدتا العراق والعرب. 4
-عبد اهلل الفياض ،الثورة العراقية الكبرى سنة 1920م ،مطبعة االرشاد ،بغداد1963-م ،ص.118 5
422
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
فيها في حين تحال القضايا الشخصية إلى المحاكم الشرعية التي تطبق الشريعة المقدسة ،والتي القت تقبالً وسروراً
()1
وقتها من بعض األهالي معتقدين بأنه أفضل وسيلة لحل مشاكلهم االقتصادية واالجتماعية وستفي السلطة البريطانية
بوعدها وتعيد إليهم حقهم فيما سلب منهم أبان العهد العثماني.
استخدمت سلطة االحتالل البريطاني الشائعة والكذب ،سالحا راجحا بين سكان المدن والعشائر من خالل
جواسيسهم ،بفكرة ان االتراك منهزمون وان الغلبة لإلنكليز ،وسرت تلك الشائعات واالساطير بأن قوة االنكليز وعلومهم
العجيبة واسلحتهم وثروتهم التي التحد ستهزم االتراك وتسحقهم ويتحرر العراق منهم ،معززين اشاعاتهم بآيات من
القرآن الكريم بأنها وردت في سورة الروم( ،)2فوجدت تلك الشائعات رواجا وتقبال بين العراقيين خاصة وان عالقات
الصدام والكراهية كانت قائمة بين العثمانيين Bوالعراقيين مقارنة بالوعود والتحرير والتقدم والرخاء التي رافقت كل
خطوة من خطوات تقدم جيش االحتالل البريطاني.
على الرغم من ميل العراقيين إلى العثمانيين بحكم العاطفة الدينية Bلدى اكثر الشعب العراقي الذي تأثر بخطابات
السياسيين ورجال الدين البارزين ،إال إن حرارة المقاومة انخفضت درجتها عندما أقدمت سلطات االحتالل العثماني
قسوتها على مدينة Bالحلة بما يعرف ﺒـ (واقعة عاكف األولى والثانية) ( )3عامي 1915و1916م ،راح ضحيتها اعداد
كبيرة من المواطنين ( ،)4ثم اصبحت الحالة في منطقة الفرات االوسط خطيرة ووقعت حوادث ضد السلطة ،قادها عامة
السكان في مدن (كربالء ،الحلة ،طويريج والكوفة) ونتج عنها اجبار موظفو الحكومة والحاميات العثمانية على ترك تلك
المدن B،االمر الذي عجل السلطات الحكومية العثمانية على تغيير سياستها إلى المسالمة والصلح ( ،)5والذي لم يحقق نفعا
لهم ،حيث تغير االتجاه الفكري الشعبي في المقاومة والتوقف عن مساندة العثمانيين Bفي الفرات األوسط ،حتى دخول
البريطانيين بغداد Bفي آذار 1917م ،وفي المقابل تركت السلطة البريطانية منطقة الفرات األوسط وشأنها في اإلدارة
المحلية خالل عام 1917م ،متبعة سياسة (الترهيب والترغيب) التي حققت لها نجاحا اكبر مما حققته في مناطق اخرى،
فقد عينت في مدينة Bالحلة مجلس قبلي لحل المشاكل العشائرية وحشد الفالحين للعمل في مختلف المشاريع ضم عدداً من
الشيوخ البارزين فيها ،وخصصت لهم اإلدارة البريطانية مكافآت مجزية بلغت ثالثمائة روبية شهرياً ( )6ومنهم عينوا
اعضاء في المجالس العشائرية ،حيث بغت بذلك تحقيق أهدافها في منطقة الفرات األوسط بترغيب كبير ألغلب الشيوخ
بقناعتها ان (توزيع الهبات والتساهل بجمع الضرائب من الشيوخ والوجهاء المحليين ،كلها ربحت كثيرا منهم ،وغنمت
حيادهم الميال نحو الخير)( ،)7عندما وجدت كرههم للعثمانيين على مجازرهم في المنطقة ،وإ نها منطقة زراعية تدر
عليهم مبالغ ضريبية عالية مستقبالً ،وكان الترهيب كبيرا فقد استملكت حكومة االحتالل ملكية مقاطعات عدة من
-علي الوردي ،لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ،الجزء الرابع ،دار الراشد ،ط ،2بيروت2005 ،م ،ص ص.193-177 2
-في عام 1915م قام القائد العسكري العثماني (عاكف بيك) في الحلة بإنزال العقاب بالمتخلفين عن الخدمة العسكرية التي اسفر عنها 3
نشوب معركه قتل فيها عدد غير قليل من الجند واهل الحلة وبعد مرور سنه عاد عاكف بيك إلى الحلة وجمع رجالها المعروفين في مشهد
الشمس الستقبال جيشه ،وبمكيده امر بإعدام اكثر من مئتي Bرجل ثم قصف محالت الحلة بالمدافع انتقاما لمقتل جنوده .للمزيد من
المعلومات Bانظر :المس بيل ،فصول من تاريخ العراق القريب ،ترجمة :جعفر الخياط ،دار الكتب ،ط ،2بيروت1971 B،م ،ص ص-97
.98
-المصدر نفسه. 4
-محمد مهدي البصير ،تاريخ القضية العراقية ،الجزء االول ،بغداد ،1924-ص ص .11-10 5
-عمار يوسف عبد اهلل ،سياسة بريطانية تجاه العشائر العراقية 1945-1914م ،أطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية التربية ،جامعة 6
423
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
اصحابها بحجة انهم معروفون (بانحيازهم الفعال للعدو واقامتهم في بالد خاضعة لالحتالل التركي)( )1والتي افادت من
انتاجها نفقات االدارة ،واالحتفاظ بقسم من معدل االرباح أو كله ،كما فرضوا غرامات نقدية وعينية على العشائريين
الخارجين على السلطة أو بقصفهم الجوي لحاالت الطوارئ ،وفي مدينة Bالكوت ارتأى قائد الحملة العسكرية البريطانية
الجنرال (طونزند )Townshendعام 1915م لتأمين سالمة جيشه ،إخراج أهالي الكوت من مدينتهم ممن ال يملكون
منازل فيها (الغرباء) واستثنى منهم ما يوصي بهم حاكم الكوت العسكري إبقائهم فيها ،كما احتجز عشرين شخصا من
وجهائها (رهائن) لضمان هدوء سكان المدينة ،وأمر قواته على مصادرة مواد اإلعاشة المتيسرة في المدينة ،وتفتيش
المنازل بحثاً عن الحبوب والمواد الغذائية ،إذ أعلن عن إعطاء المكافآت لمن يدلي بمخابئها ،فضالً عن فرض إعمال
السخرة على سكانها في حفر الخنادق وإ نشاء الطرق( ،)2كما ألغت السلطة البريطانية القوانين المدنية Bفي معظم مدن
العراق التي احتلوها باستثناء ما يتناسب وسياستهم االستعمارية( ،)3وعينت على إدارتهم في العراق حكومة عسكرية
حددت إدارتها وفقا لما يأتي:
أ -اإلدارة الحكومية:
نص التقرير اإلداري لوالية بغداد Bفي عام 1917م على (إن اإلدارة المدنية Bيجب أن توضع تحت إشراف
السلطات العسكرية . . .وبحد أدنى من اإلجراءات اإلدارية ،ذلك الحد الذي يكفي لحفظ النظام ويقوم بما تطلبه القوات
العسكرية ،إما تعديل القوانين وإ دخال اإلصالحات فيجب إن يكتفي بأقل مقدار ممكن منه ،وال ترغب حكومة صاحب
الجاللة إن تثار قضايا إدارية كبيرة أو متناقضة حتى يبعد Bالخطر التركي) كما قسم التقرير الدوائر الحكومية إلى
مجموعتين ،األولى دوائر الحكومة العثمانية التي أعيدت تحت إشراف البريطانيين (المالية ،األوقاف ،الكمرك والتربية)
وثانيا الدوائر المدنية Bوالتي لم تكن موجودة في العهد العثماني وهي ضرورية لهم لسد حاجة الجيش البريطاني (الري
والزراعة) ودوائر شبه المدنية أسست لسد حاجات الحرب المؤقتة في مراقبة االتجار مع العثمانيين B،وتجهيز الحبوب
ألغراض مدنية Bمنها (المساحة ،سكك الحديد B،التلغراف ،واإلشغال وغيرها)( ،)4ووضع االحتالل العسكري اليد على
احسن البيوت في المدن الستخدامها من االدارة العسكرية والمدنية.)5(B
بقيت التقسيمات اإلدارية في العراق كما كانت عليه أيام الحكم العثماني ،وقسمت والية البصرة بعد عام 1917م
إلى خمس مناطق (البصرة والقرنة والناصرية والعمارة والكوت) ،ووالية بغداد تبعت لها مناطق (بغداد وسامراء
وبعقوبة وخانقين والعزيزية والرمادي والحلة وكربالء والشامية والسماوة) ثم ظهرت منطقتا السليمانية التي فصلت عنها
كركوك ،والموصل التي فصلت عنها اربيل عام1919م ،لعزل المناطق الكردية عن العربية ،وفصلت الديوانية عن
الحلة واعطيت صفة المنطقة بما فيها السماوة ،وادمجت كربالء قضاء بلواء الحلة ،واصبحت النجف قضاء في لواء
تقليال ملحوظا في مركز المدينتين المقدستين ،ولأحكام السيطرة االدارية عليهما بعيدا عن التأثير الديني ونسق ()6
الشامية
العمل اإلداري في الواليات تحت رئاسة الحاكم الملكي العام في بغداد يجاريه الحكم عدد من الحكام السياسيين
-طونزند ،مذكرات الفريق طونزند ،ترجمة حامد احمد الورد ،الدار العربية للموسوعات ،ط ،2د .م1986-م ،ص ص359و.418 2
-امين سعيد ،الثورة العربية الكبرى ،الجزء الثاني ،مطبعة القاهرة ،القاهرة1935-م ،ص ص .26-2 3
Annual Report of Baghdad Division for the Year 1919,p. 5. Number of billets in Baghdad on January 1، - 5
.1919,was 554
-المس بيل ،المصدر السابق ،ص 233؛ غسان العطية ،العراق نشأة الدولة ،ترجمة عطا عبد الوهاب ،دار الالم ،لندن1988-م ،ص 6
.298
424
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
والعسكريين في المدن الذين منحوا مطلق الصالحية( ،)1وكان معهم عراقيون يشغلون مواقع أدنى السلم الوظيفي وممن
يعرفوا إحدى اللغتين العربية أو الكردية ،حيث لم يكن لهم وقع سياسي وإ داري واضح سوى تنفيذ األوامر الصادرة
وتطبيقها على أسس السياسة البريطانية في بالدهم.
كانت أساليب البريطانيين في العراق مبنية على خبرتهم السابقة في الهند ،التي وصفها الجنرال (هالدن)Haldane
قائال( :كانت هذه األساليب قاسية لم يألفها الشعب ولم يكن مستعدا لقبولها بصورة كلية . . .أما ما تبقى من الضباط
الذين استخدموا في اإلدارة المدنية في العراق فأنهم لم يكونوا ذوي خبرة سابقة في اإلدارة وال يعرفون عن البالد وال
عن سكانها شيئا ،لذا استخدموا بوظيفة معاون حاكم سياسي ،وقد عين بعضهم ،أحيانا بوظيفة حكام سياسيين)(،)2
وتوضحت تلك األساليب السياسية على ضرورة الوصاية على العراق وتنظيم إدارته حسبما تنظر إليه قوة االحتالل
بقول وكيل الحاكم الملكي العام (ويلسن ( )Wilsonليس بوسع العراق أن يستغني عن الوصاية ومرد ذلك إلى فقدان
اإلداريين األكفاء في هذه البالد من جهة ،والى إن أهل العراق ال يتذوقون شعور المواطنة من جهة أخرى ،يضاف إلى
ذلك إن موارد البالد االقتصادية بالمعنى العام غير كافية)( ،)3فكانت سياسة بريطانيا في العراق تهدف في البقاء مدة
طويلة ،ووفقا لذلك وضعت قوانينها وإ جراءاتها اإلدارية على ما ينفذ سياستها في التعامل مع سكانه في مجاالت الحياة
السياسية واالقتصادية واالجتماعية وقد أثرت تلك السياسة على عدم السماح بعودة الضباط العراقيين من تركيا وسوريا،
فضال عن تصريحات المسؤولين السياسيين البريطانيين المبررة بعدم وجود إعداد كافية من العراقيين المؤهلين إلشغال
الوظائف اإلدارية الحساسة في العراق( ،)4جاء ذلك على لسان العقيد (لورانس )Looransبان الحكومة التي فرضتها
بريطانيا على العراق كانت (انكليزية في طرازها وهي تدار باللغة االنكليزية ،لذا يسيرها ( )450ضابطا تنفيذاً بريطانياً
من دون أن يكون معهم مسؤول عراقي واحد ،في الوقت الذي كان %70من الموظفين التنفيذيين Bفي اإلدارة من
السكان المحليين أيام األتراك ،وان ثمانية أالف من رجال قواتنا هناك يؤدون مهمات رجال الشرطة لحماية الحدود ،أنهم
يقمعون السكان ،بينما في أيام األتراك إن %60من ضباط الفرقتين الموجودين في بالد ما بين النهرين كانوا من
الضباط العرب)(.)5
استاء ت وانتقدت الصحف العراقية مظاهر السياسية البريطانية الهادفة إلى تمزيق وحدة المجتمع العراقي والتنكيل
بالشعب وأهانته من (ضباط الجيش البريطاني ممن تحولوا إلى الشؤون اإلدارية المدنية B،انفتحت أوداجهم سلفا وغروراً
وازدراء للناس واحتقروهم جهاراً وساروا فيهم سيرة خشنة وأوصلوا أنواع األذى لهم ،ولم يكتفوا بذلك ،بل اصطنعوا
ً
طائفة ممن ال خالق لهم فقربوهم وأدنوهم ،حتى جعلوهم اخلص مستشاريهم ،إمعانا في اإلرهاق وتنكيال بأهل البالد
الشرعيين)(.)6
لم تفصح بريطانيا عن مستقبل الحكومة الذاتية وإ عمالها في العراق ،ماعدا الخطاب الغامض الذي ألقاه القائد
(ستانلي مود )Stanly Moodفي آذار 1917م ،الذي نص على أن (جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيهم بمنزلة قاهرين
أو أعداء ،بل بمنزلة محررين) تعزز الخطاب بعبارات التبجح والمديح للعرب ودورهم في طرد المستعمرين العثمانيين
من الحجاز ،ووصفهم (الذين بغوا عليهم) وأشاد بعظمة قيادة الشريف حسين ملكا عليهم وانجازاته في تحقيق
-وميض جمال عمر نظمي ،ثورة1920م ،ط ،2بيروت1985 -م ،ص.173 4
425
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
(االستقاللية والحرية ،وهو متحالف مع األمم التي تحارب تركية) وبين الخطاب مالمح السياسة البريطانية الغامضة
الزاعمة بأن أمنيتها (إن تحقق ما تطمح إليه نفوس فالسفتكم مرة أخرى ،ولسوف يسعد أهالي بغداد حالهم ،ويتمتعونB
بالغنى المادي والمالي ،بفضل نظامات توافق قوانينهم المقدسة ،واطماحهم القومية والفكرية)( ،)1وحتى خطابهم هذا لم
يلق اهتماما وتأيدا عند بعض السياسيين البريطانيين الذي كان معدا سلفا ،فالقائد (مود) لم يقتنع بمضامينه ،معتقدا انه
غير ضروري وسيثير السكان وأمالهم ،ويعرقل مساعي بريطانيا في العراق ،وعلقت الدوائر السياسية البريطانية عليه
في انه (لن يعود على بريطانيا بمنافع عسكرية)( ،)2وبينت الكاتبة (المس بيل) إلى (إننا لم نخط خطوة نحو هذه الغاية
حسب ،بل إننا أقمنا نظاما يختلف تماما عن الحكم الذاتي . . .ولكننا في الواقع أقمنا حكومة بريطانيا يساعدها
مستشارون عرب)( ،)3ونبه السير (وليم مارشال )Wiliam Marshalقائد جيش االحتالل بعد الجنرال مود بأن
(الجنرال مود . . .لم يجد في عمره لإنجاز هذا الوعد فقد وضع األساس وبقي علي إتمام البناء) وأوعد مارشال على
انجاز مضامين الوعد في أول فرصة ممكنه ،وانه سيعمل على السماح بعودة اسري الحرب المعتقلين في الهند إلى
أوطانهم ،وإ طالق الحرية التامة للتجارة والسماح بنقل الجثث التي تدفن في كربالء والنجف وفتح الطريق إمام الزيارات
المنظمة لالماكن السياحية المقدسة ،وإ طالق سراح بعض المسجونين في السجون الملكية( ،)4ويبدو إن هذه الوعود كانت
مجرد ترضيات لتهدئة الحال وكسب ود الشعب العراقي ،حيث لم ينفذ من ذلك إال النزر القليل وبقيت شعارات مرفوعة
تتناولها الجرائد والكتب.
ّع د العراقيون الخطاب مفبركا بكلمات معسولة وبعبارات مبهرة ،لم يحقق مصالح الشعب ووجدوا إن من األجدر
شخص المؤرخ (الحسني) أساليب بريطانيا السياسية في العراق ()5
تبني شعار (إن االستقالل يؤخذ وال يعطى) ،في حين ّ
بقوله (إن االنكليز أسرفوا في قطع العهود الطيبة للعراقيين ،وإ سرافهم في العبث بهذه العهود وفي اإلساءة إلى هذا
الشعب الوديع ،وإ ذا كان األتراك قد سعوا إلى اإليقاع بين البيت والبيت لكي يستفيدوا من االنشقاق-على حد تعبير
الجنرال مود -فان االنكليز سعوا إلى اإليقاع بين األخ وأخيه والوالد وولده . . .فأوجدوا الفوضى في أخالق الشعب
وعودوه على امتهان الكرامات ،وأمكن حكامهم في سلب حرية اإلفراد والجماعات)(.)6
كان خطاب (مود) مثار سخط وازدراء ،إذ لم تتحقق مضامينه طوال االحتالل البريطاني للعراق متجاهلة أنها
غنمت قسما من مستعمرات الدولة العثمانية ،حسبما تم تقسيمها بين الدول المتحاربة في معاهدة (سايكس-بيكو Sykes-
)Picotوأصبح العراق خالل الحرب خاضعا (إلدارة المناطق المعادية المحتلة) ،توضحت في ما نشرته جريدة
(نيوستيستمان) في 17آذار 1917م ،في مقالها (مهما كانت شروط الصلح التي نريدها في أي مكان ،فالشيء الواضح
بالنسبة إلى المناطق المؤدية إلى الخليج العربي والبحر األحمر ،فانه ينبغي للبريطانيين بان يفتشوا على بعض اإلضافات
المباشرة لكل األسباب اإلستراتيجية جدا)(.)7
تبينت تلك األهداف السياسية البريطانية فيما أوردته برقية وزير الهند في لندن إلى نائب الملك في الهند والدوائر
العسكرية والملكية البريطانية في العراق بتاريخ 29آذار 1917م ،متضمنة مظاهر تحقيق السياسة البريطانية في
العراق ،في إن تبقى البصرة والناصرية وشط العرب وبدرة تحت اإلدارة البريطانية بصورة دائمة ،وتكون بغداد Bمملكة
-عبد الرزاق الحسني ،الثورة العراقية الكبرى ،مطبعة دار الكتب ،ط ،5بيروت1982 -م ،ص ص.27-26 1
-طالب مشتاق ،اوراق ايامي ،الجزء األول ،دار واسط للدراسات والنشر ،بغداد1989-م ،ص.90 5
-عبد الرزاق الحسني ،العراق في دوري االحتالل واالنتداب ،الجزء األول ،مطبعة العرفان ،صيدا1935-م ،ص.62 6
426
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
عربية يديرها حاكم أو حكومة عراقية تحت حماية بريطانيا ،التي تدار خلف ستار عربي بواسطة وكالة وطنية وفقا
للقوانين الموجودة ،ورئيس اإلدارة العراقية العام المندوب السامي المقيم في بغداد B،ويدير البصرة حاكم يرتبط بالمندوب
السامي( ،)1وتأكد فيما بعد إن بريطانيا تعلق أهمية كبيرة على بقائها في العراق طويال من خالل ما كتبته (المس بيل) في
نيسان 1920م قولها (واني على يقين إننا إن تركنا هذه البالد ،علينا إن نعيد Bالنظر في مركزنا في أسيا كلها ،ففقداننا
للعراق يجر وراءه فقداننا إليران ثم الهند ،وسيحل محلنا سبعة شياطين يكون أي واحد منهم أكثر سوء من الذي كان
قبل وجودنا في هذه البالد)(.)2
كان واضحا من السياسة الدولية أن بريطانيا رسمت لوجودها في العراق ما يضمن بقاؤها طويال ،فعزمت على
تهدئة الحال ،ووجدت من األفضل لها كسب ود الدول المتحالفة معها في منطقة الشرق األوسط ،فأصدرت وفرنسا
تصريحا في تشرين الثاني 1918م ،خففت فيه من قيودهما على العرب أيام الحرب العالمية األولى ،وسمحتا بعودة
العراقيين إلى بالدهم ،وأملتهم على توفير األمن وفرض النظام واالرتقاء ببالدهم خيرا ،وتأسيس حكومة وإ دارة وطنية
تستمد سلطتها من رغبة السكان الوطنيين B،وإ عادة القومية العراقية إلى الحياة ،وان غايتهما في العراق وسوريا
(االعتراف بهذه األقطار بمجرد تأسيس حكومات تأسيساً فعليا . . .وان تساعدا على تعميم التعليم والتهذيب وان تضعا
حدا للتفرقة التي طالما توخاها األتراك في سياستهم) ( ،)3لم تكن الدولتان جادتين في االلتزام الدولي بمضامين االتفاق،
وتناقضت بنوده مع خطاب (مود) ومعاهدة سايكس-بيكو ،وكانت محاولة في وضع منهاج لهما يمثل مدى االنسجام
والعمل المتوازي في تحقيق أغراضهما في الشرق األوسط ،فضال عن جعل العرب يثقون بهما بهذا االنسجام
والتفاهم( ،)4وانتقدت (المس بيل) التصريح في مذكرة نشرها (ويلسن) ،شككت في مضامينه معتقدة بأنه سيوصل
سياستهم في العراق إلى نتائج مؤسفة ومتناقضة مع خطاب (مود) الذي ّعده (الناس حيلة عسكرية) ولدت عند العراقيين
قناعة ببقاء السلطة البريطانية طويال وان (يرضوا بما يمليه السيف) لكن سرعان ما بررت ذلك بأهمية التصريح
في حين حذر من نتائجه وكيل الحاكم الملكي العام ()5
للعراقيين انه (فتح لهم أبوابا جديدة لألمل ،ظلوا خائفين عليها)
(ويلسن) وعده طريقا الستقالل العرب في قوله (إن هذا التصريح المبهم سيورطنا في مصاعب كثيرة وتوقعت حتى قبل
ذلك إن وضعا قد ينشأ في البالد قد تكون فيه رغائب الشعب في انتخاب الدولة المنتدبة مخالفا لقرارات الدولة المعظمة)
(.)6
ب -مظاهر السياسة االقتصادية:
كانت العمليات العسكرية البريطانية في العراق وراء تأزم الوضع االقتصادي ،الستخدام المتنازعين العثماني
والبريطاني ،الثروات واإلمكانيات المتوفرة لخدمة احتياجاتهما العسكرية ،من تمويل الجيشين بما تحتاجه من المواد
الغذائية B،واستخدم الطرفان أساليب مجحفة وقاسية لجمع احتياجاتها العسكرية التي وقعت بثقلها على اكثر الشعب
العراقي من الفالحين دافعي الضرائب أو المنتجين لألرض الزراعية وعامة الشعب ،فضال عن سحب القوات التركية
أعدادا كبيرة من السكان وسوقهم إلى الخدمة العسكرية ،والتي أثرت على تدهور األوضاع االقتصادية في القرى
-ويالرد آيرلند ،العراق ،ترجمة جعفر الخياط ،دار الكتب ،بيروت1949-م ،ص.63 1
Wilson، A. T. Mesopotamia، 1917-1920، A Clash of Loyalties: A personal and Historical Record، - 5
427
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
والمدن ،واستولت بريطانيا على البيوت واألمالك إلسكان جيوشها وجعلها مقرات للدوائر الرسمية االستعمارية(،)1
تذرعت بان أصحابها معروفون بانحيازهم للعثمانيين Bأعدائهم.
عبثت السلطات البريطانية شبكات الري ،وأقامت سدوداً في منطقتي العمارة وسوق الشيوخ تهدف إلى رفع
مستوى مياه نهر دجلة لتسهيل مرور سفنها العسكرية ،فأثرت بدورها على تنظيم توزيع المياه على األراضي الزراعية،
التي انخفض إنتاجها الزراعي هناك ،في حين صرفت مبالغ كبيرة من خزينة متصرفية الحلة ،في تخويل الشيخ (عمران
عام 1917م ،ووصفت التقارير ()2
السعدون) قائم مقام قضاء الهندية على استكمال حفر جدولي (بني حسن والجورجية)
البريطانية االوضاع الزراعية في منطقة الهندية اواخر عام 1917م (انها محرومة من الماء ،ولم يكن في قضاء الهنديةB
اي محصول بالمرة وعلى امتداد Bفرع الحلة من النهر . . .وكانت غلة الحاصل الناضج ضئيلة جدا . . .وقد غمرت
المياه مدينة Bكربالء واالراضي المحيطة بها)( ،)3وتوضح للسياسيين البريطانيين في العراق ان منطقة الفرات االوسط
ذات مردود زراعي جيد ،وانها االكثر رخاء عن باقي البالد B،وهي مسالمة ال تسعى للقيام بانتفاضة ضد الحكومة وحدد
مبتغية بذلك اإلفادة من الواردات الضريبية ()4
ان (تسع عشائر يقدرون االعمال التي يجري انجازها من قبل االدارة)
الزراعية هناك ،وكسب ود عشائر الفرات االوسط بتأييد Bوجودها في بلدة السماوة وشمالها التي اعانتها في االحتالل
واتبعت معهم سياسة تركهم وشأنهم مستقلين ينعمون بفترة الحكم الذاتي معفووين من الضرائب والواردات الحكومية أو
المال كية خالل عام 1917م( ،)5والذي كان أفضل طريقة وجدتها بريطانيا في السيطرة على العشائر أكدته (المس بيل)
قولها (كان االستثمار الزراعي اقوى سالح في أيدينا لتهدئة القبائل)(.)6
سعت ادارة االحتالل الستعادة قوة النقود الورقية الرسمية (الروبية) بعد ان عزف السكان عن التداول بها
باستعاضتهم النقود الذهبية والفضية فعملت االدارة البريطانية على إكثار مشترياتهم بالذهب والفضة ،وفرضوا قبول
جباية الضرائب والرسوم بالنقود الورقية ،واستمروا بذلك حتى اصبحت النقود الذهبية والفضية فائضة في االسواق
قابلها ندرة النقود الورقية ،حينها نجحت سياستهم النقدية وشرعوا يغمرون االسواق بالنقود الورقية ،االمر الذي نتج عنه
في بغداد تضخم نقدي هائل لم يشهد له مثيل السكان من قبل ،واستفادت منه القوات البريطانية في بناء الثكنات العسكرية
وتعبيد الطرق ومد السكك الحديدية Bوتشييد القناطر ،وسد حاجتها إلى االطعمة ،فضال عن تأثيرها في منطقة الفرات
االوسط فجنى اكثر السكان اجورا وارباحا كثيرة ،واستفاد شيوخ عشائرها وتجارها والمتعهدون من التضخم النقدي
واصبحوا اغنياء الحرب يلعبون بالمال ويبذرونه تبذيرا يلفت النظر ،في حين تأثر قسم من السكان بارتفاع اسعار
-عبد الرحمن البزاز ،محاضرات عن العراق من االحتالل حتى االستقالل ،مطبعة القاهرة ،القاهرة1954-م ،ص.18 1
-خطط العثمانيون Bحفر جدولي (بني حسن) على يمين وموازي لنهر الهندية ،وجدول (الجورجيه) الذي سمي فيما بعد بجدول الكفل على 2
يسار وموازي نهر الهندية ،وباندالع Bالحرب العالمية األولى توقف العمل بالمشروعين.
.Administration Reportde Partment of reven ue، Baqhdad 1917–1918، p. 31 - 3
-وميض جمال عمر نظمي ،الجذور السياسية والفكرية واالجتماعية للحركة الوطنية العربية (االستقاللية) في العراق ،بيروت1984-م، 4
ص.246
-المس بيل ،المصدر السابق ،ص270؛ وميض جمال عمر نظمي ،الجذور السياسية والفكرية واالجتماعية ،المصدر السابق ،ص.242 5
-المس بيل ،المصدر السابق ،ص ص 248-241؛ غسان العطية ،المصدر السابق ،ص .164 6
428
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
الحبوب( ، )1وكاد ان يؤدي إلى مجاعة في بغداد والفرات االوسط ،واكدته (المس بيل) قائلة (وهكذا ادركوا ان مستوى
االجور قد زاد كثيرا على مستوى تكاليف المعيشة)(.)2
أدى هبوط اإلنتاج الزراعي وتوقف استيراد البضائع الصناعية إلى ارتفاع األسعار وحصلت االحتكارات التي
كانت أ رباحها فاحشة ،وانتشرت المجاعة والموت في بعض المناطق الفقيرة في الموصل وبغداد ،وتفشي أمراض
الطاعون والكوليرا ،حتى أقفرت بعض المناطق بكاملها من السكان(.)3
أ عادت االدارة البريطانية فرض الضرائب على المدن المقدسة بعد ان رفعت عنها خالل فترة الحكم الذاتي،
واعتبرت دفعها استحقاقها معيارا للطاعة والنظام ،والضرائب التي اعيد فرضها على ]البيوت والبناء والماء والمسالخ
والوردية (تؤخذ على جمع دواب الجر والحمل المستعملة لالجرة)[ ،وضريبة (الميدانية Bعلى الدكاكين) وفي النجف
تسمى (البصوانية) وهي ضريبة حراسة واخرى شبيه لها على البيوت تسمى (البيتية) اضافة إلى ضرائب اخرى اقل
أهمية( ، )4إذ وقع العبء االكبر في دفعها على كاهل الطبقات الفقيرة في وقت ارتفعت فيه االسعار وزاد التضخم النقدي.
وقد أوردت بريطانيا على لسان الجنرال (هالدن) ،اهتمام حكومته األول بجمع الضرائب ،حيث كانت (المسائل
المالية تحتل الصدارة في نظرنا)( ،)5والتي أثرت سلبا على الحياة االقتصادية لعامة السكان ،حددت (المس بيل) تكاليف
الحياة العالية التي اضطرتها لشراء (الصابون والسكر والبيض بأثمان عالية)(.)6
وكافأت سلطة االحتالل عشائر الرحالة شرق الفرات جنوبا حتى الزبير ،المؤيدين منهم لالحتالل لتأمين الطرق
المهمة التي يسلكها المحتلون من االعتداء ،بأن نصبت الشيخ (عبد Bاهلل آل رشيد) شيخ الزبير محل الشيخ (محمد
المشري) الذي كان حليفا ل ـ (عجمي) شيخ المنتفك المعارض لالحتالل واكرمته مقاطعة ثمينة على الضفة اليسرى من
شط العرب( ،)7وقد تضمنت السياسة االقتصادية من خالل ما يأتي:
-1الضرائب وأساليب جمعها:
فرضت الحكومة البريطانية بعد Bاستقرارها في معظم مدن العراق ضرائب كثيرةّ ،عدت دافعيها (داللة ظاهرة
للعيان تدل على اعتراف العرب بالخضوع . . .يعتبر مقياساً بارزاً للوالء)( ،)8أثقلت كاهل الشعب العراقي ،بعضهم لم
يألفها في الحكم العثماني ،في تنظيم مراقبة بيع وتجهيز المشروبات الروحية ،ورسمي الطوابع وعلى جثث الموتى(،)9
وأوجبت على الناس دفع ضريبة ماء الشرب والبناء وضريبة الوردية التي تؤخذ على حيوانات األجرة ،وما يجبى من
-ارتفعت االسعار إلى مستويات Bمذهلة ،ففي الحلة عامي 1918-1917م قفز سعر الطغار من الحنطة من 10-8ليرات إلى 100 1
ليرة ،وفي منطقة الكاظمية ببغداد خضعت إلى التقنين التام وحظر بيع اللحم وذبح الماشية لثالث ايام اسبوعيا ،ولم يكن في مدن السماوة
والرميثة والديوانية ما يكفي من المؤن سوى الربعة اشهر ،وفي الحلة والمسيب والهندية فما يكفي لستة اشهر فقط ،في حين كان النقص
في الحبوب في النجف وراء االضطرابات التي وقعت فيها عام 1918م .للمزيد من المعلومات ينظر :غسان العطية ،المصدر السابق،
ص .288
.Burgoyne (Gertrude Bell) -London 1961-vol. 2,P. 100 - 2
-محمد طاهر العمري الموصلي ،تاريخ مقدرات العراق السياسية ،الجزء الثالث ،مطبعة دار السالم ،بغداد1925-م ،ص.95 3
Reports of Administration for 1918 of Divistricts of the Occupied Territories in Mesopotamia. Vol. 1,p p. - 4
.88-91
Wilson، op، cit، 2vols، p,57 - 5
.British Government: Administration Report of Baghdad، Wilayt، 1917، 1، pp، 76، 77، 75 - 9
429
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
إثمان الحيوانات التي تباع في السوق (الميدانية) وغيرها( ،)1والتي بلغ مجموعها المالي عام 1920-1919م ،ضعف ما
جمعه العثمانيون في السنة المالية1912-1911م(.)2
كانت ضريبة الدفن لجثث الموتى مربحة ،وتؤخذ على من يتجاوز عمره ثالث سنوات ممن يدفن في مقبرة النجف
حيث بلغت حصيلتها عام 1918م ( )48000روبية ،فضال عن الضريبة المتممة لها (الكرنتينة) Bالحجر الصحي ،هي
األخرى حققت ربحا كبيرا للمحتلين بلغت قيمتها في العام نفسه ( )53000روبية( ،)3ويذكر الحاكم السياسي في تقريره
عن ضرائب النجف (إن ما جمعناه في الربع األول من سنة 1918م يزيد على مثيله في السنة الماضية)( ،)4وبذلك
تحول االحتالل البريطاني إلى عبء اقتصادي ثقيل على كاهل العراقيين ،الذين لم يستطيعوا مجاراة الحالة أو السكوت
عنها ،بل وجدوا في التصدي لالحتالل ما يضمن الغاء أو تخفيض تلك الضرائب ،والتي حللها المؤرخ (عباس العزاوي)
(ال يرجح هذا العهد بوجه على ما سبقه من العهود والعصور ،فان ضرائبه فتكت باالهليين وجعلتهم ال يشبعون خبزا
وان التحكم بلغ الذروة ،وتجاوز المعهود المعقول واالستطاعة ،ولو قابلنا الضرائب في العهود السابقة بضرائب هذا
()5
العهد لوصلنا إلى نتائج محزنة جدا ،ولما امكننا إال إن نتضرع إلى اهلل تعالى أن يبصر العتاة بان يقللوا من شرهم) ،
ووصفت جريدة الفرات النجفية أسلوب جمع الضرائب بأنهم سلبوا (الحب حتى من منقار الطائر) واستخرجوا (المخ من
العظم) وضاعفوا (الخراج إضعافا للزراع)( ،)6ومارسوا أبشع الوسائل في جمعها من خالل استخدام الطائرات إلرهاب
الناس ،فضال عن أكساء الهارب من دفع الضريبة مالبس حمراء والطواف به في سوق المدينة ،والتي ال تخلوا
قواعدهم الرسمية من جلد المخالفين(.)7
ومنعاً النتشار االوبئة على صحة جنود االحتالل ،فرضوا غرامة قدرها ( )10روبية على كل من يتغوط في
الطرقات ،و( )5روبية على من يتبول فيها ،ونفذوا االمر بالضرب والشدة واالهانة التي استخدمها (الميجر ديلي) في
الديوانية B،االمر الذي اظهر نتائجه على سمات نظافة بعض مدن العراق ،لكن عامة الناس تذمروا من هذه السياسة
واالسلوب المتخذ في الحد من تلك الظاهرة(.)8
فرقت حكومة االحتالل بين شيوخ العشائر في سياسة جمع الضرائب وفقا لوالئهم للسلطة المحتلة ،فمنهم تم اكرامه
بسخاء وشطبت ديونه وخفض ما يدفعه من ضرائب إلى اكثر من النصف ،كما حصل مع الشيخ (فالح الصيهود) في
منطقة قلعة صالح من ( )9000ليرة تركية إلى ( )1,600ليرة زائدا ( )200ليرة عن كودة االغنام ،في حين خفض
-ستيفن همسلي لونكريك B،العراق الحديث من سنة 1950-1900م ،الجزء األول ،ترجمة سليم طه التكريتي ،مطبعة حسام ،بغداد- 1
1988م ،ص.185
Civil Commissioner of Mesopotamia: Review of the Civil Administration of Mesopotamia presented to "- 2
-المصدر نفسه ،ص184؛ للمزيد من المعلومات Bانظر :مجموعة البيانات واالعالنات وغيرها هي االن نافذة والمتعلقة بأهالي العراق 4
وادارتها الملكية والصادرة من القائد العام أو بتفويض منه من 11مارج 1917إلى 30سبتمبر ،1920بغداد1921-م ،البيان رقم 1و
.7
-عباس العزاوي ،تاريخ الضرائب العراقية من صدر االسالم إلى اخر العهد العثماني 1917-633م ،شركة التجارة ،بغداد،1958- 5
ص ص .120-119
-جريدة الفرات في 15أيلول1920م. 6
-كمال مظهر احمد ،دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية ،بغداد1978-م ،ص ص .32-31 7
430
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
قليال ايجار الشيخ (زبون الياسر) من ( )14000ليرة إلى ( )7,600ليرة زائدا كودة قدرها ( )193ليرة ،تبعا لموقع
اراضيهم المهمة في زحف القوات المحتلة ،وبقيا ممثلين رسميين لحكومة االحتالل بصفة مؤقتة في منطقتيهما(.)1
ركزت السلطة البريطانية على استخدام العراقيين في إعمال السخرة الستكمال مشاريعها االستعمارية ومراكزها
العسكرية ،التي وجد جنودها فيهم وسيلة هيمنة في التهكم واالهانة على السكان العراقيين ،واعترف حاكم الشنافية
()2
البريطاني بأنه (استخدم عدد من العمال في بناء سكة الحديد B،وكنا نلجأ إلى جمع العمال بالقوة في حاالت كثيرة) ،
فضال عن استخدام سياسة النفي خارج العراق للمعارضين العراقيين لسياستها ،وإ زاء تلك السياسة القاهرة ،قامت
()3
الثورات واالنتفاضات الشعبية والعشائرية في معظم مدن العراق ،ففي النجف قتل الكابتن (مارشال) عام 1918م ،ثم
قيام ثورة 1920م في اكثر مدن ومناطق عشائر العراق.
-2التبرعات والغرامات اإلجبارية والمصادرة:
وجدت السلطة البريطانية وسائل أخرى في جمع المبالغ إلدامة مواردها المالية ،فأجبرت المواطنين على دفع مبالغ
وتبرعات ()4
كبيرة باسم التبرعات ،منها لبناء المالجئ للجنود في بريطانيا ولتشييد Bصرح كبير يمثل القائد (مود)
للصليب األحمر ،وبأساليب كثيرة دعوتها الناس على دفع مبالغ التبرعات الكثيرة مؤلفة لجان من مختلف الطوائف
لجمعها ،وحصلت على مبالغ كثيرة من اخذ الدية (الفصل) من القاتل وفقا إلجراءاتها التي اعتمدتها في حل مشاكل
الفالحين على التحكيم العشائري ،في بلورتها إلصدار قانون اسمته (نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية)(.)5
صادرت السلطة البريطانية بعض األراضي الزراعية بحجة إقامة معسكراتها أو شق الطرق فيها ،واالستيالء على
دور المالكين إليواء الجند ،الذي ولد شعوراً بالغيض وعدم الرضا ينتشر بين أصحاب الدور ،واستملكت عدة مقاطعات
من أصحابها والستخدامها ألغراض حكومية تشرف عليها دائرة الواردات ،ولم يسلم من أسلوب المصادرة أصحاب
الحوانيت والفنانون وأمثالهم من المساس بأوضاعهم ،ووضعت بريطانيا اليد على بعضها ألغراض عسكرية ،فضال عن
فرض ضريبة األمالك عليهم من مبلغ االجار السنوي(.)6
نتج عن انتفاضة النجف عام 1918م ،عقاب جماعي ومعاملة استبدادية من خالل حصار القوات البريطانية لمدينةB
النجف أربعين يوما ذاق سكانها فيه أنواع المشقات والهالك ،فضال عن دفع غرامة قدرها خمسين ألف روبية وتسليم
آلف بندقية Bونفي مائة شخص من الثائرين إلى الهند كأسرى حرب(.)7
بعد فشل ثورة األكراد في السليمانية عام 1919م في مقاومتهم السلطة البريطانية بقيادة الشيخ (محمود) وصهره
الشيخ (غريب) قبض عليهما وحكم على الشيخ (محمود) باإلعدام ثم استبدل بالحبس لمدة عشر سنوات ،وحكم على
الشيخ (غريب) بالحبس خمس سنوات ودفع غرامة مقدارها (عشرة أالف) روبية(.)8
Reports of Politieal Officers of Oecupied Territories، 1917، 1، 58، Politieal Officer's Reports From Iraq، - 2
Aug1919، P,58
-عبد الرزاق الحسني ،ثورة النجف ،مطبعة العرفان ،ط ،5صيدا1983 ،م ،ص ص.41-30 3
Haldane، op، cit، P,24 -؛ مذكرات سندرسن باشا ،ترجمة سليم طه التكريتي ،مكتبة اليقظة ،ط ،2بغداد1982 ،م ،ص47؛ المس 6
431
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
وفي انتهاء ثورة العشرين ،أصدرت السلطات البريطانية قائمة غرامات توجب على عشائر الفرات االوسط دفعها
ممن شاركت في الثورة ضدها على النحو التالي:
وغرم الشيخ غالب السلطان ألف روبية مع
ُغرم شيخ عشيرة آل فتلة (شمران) ألفي روبية وسبعمائة بندقيةُ ،
خمسمائة بندقية ،وجرت على عشيرة طفيل دفع آلفين روبية وخمسمائة بندقية ومائتي رأس غنم وألف رأس بقر،
وتغريم عشيرة البراجع ثالثة أالف روبية وخمسمائة بندقية B،وغرمت عشيرة خفاجة ثالثة أالف روبية ومائتي بندقية،
()1
فضال عن مصادرة مواشي عشيرة آل فتلة بحدود آلف رأس من البقر وثمانية أالف رأس غنم وخمسمائة رأس خيل ،
وفرضت على مدينة Bكربالء تسليم أربعة أالف بندقية نصفها من الطراز الحديث ومائة رصاصة مع كل بندقية Bوبخالف
ذلك تؤدي غرامة مقدارها عشرين ليرة عثمانية عن كل بندقية وروبية عن كل رصاصة ال تسلم( ،)2وفي منطقة الشامية
سلمت عشائرها ثمانية أالف بندقية ومائتي ألف خرطوشة( ،)3وغرمت مدينة النجف على دفع ثالثمائة بندقية أو بدلها
إحدى وثمانين ليرة ذهبية( ،)4وفي الشمال فرض الميجر (لونكريك) غرامة على مدينة( Bكفري) بتسليم خمسمائة بندقيةB
ودفع عشرة أالف روبية( ، )5وبهذا األسلوب حققت السلطة البريطانية ضربة ساحقة لقوى الثورة في جميع إنحاء العراق
جميعا ،وتهيأت لهم إمكانيات كبيرة في الحفاظ على تفوقهم العسكري والتكتيكي وتقوية مركزهم الذي تزعزع خالل
الثورة.
كذلك مارست سياسة التفريق وتمزيق اللحمة األسرية والعشائرية من خالل مصادرة أمالك الشيوخ ومنحها إلى
مجاميع أخرى ممن تماشت سيرتهم مع سياستها لتخلق فجوة كبيرة بين األسرة نفسها عندما أصدرت حكم اإلعدام على
الشيخ (شخير الهيمص) ،وأمرت بمصادرة أراضيه وإ عطائها إلى شقيق شيخ عشيرة البو سلطان (عداي الجريان)
(المعتمد من قبل السلطات االنكليزية)( ،)6وجرى األمر نفسه على عشيرة بني مسلم التي صادرت أكثر أراضيها في
منطقة الهندية Bبعد ثورة العشرين ومنحتها إلى الشيخ (حميد ألبو صافندي) رئيس عشيرة الكرافة( ،)7لتدب فيهم روح
النزاع وتمزيق وحدتهم بما يضمن نجاح سياستها وتنفيذ أمرها عند العشائر األخرى.
ثانياً :نتائج االحتالل البريطاني على العراق
تجسد موقف العراقيين الرافض لالحتالل ونظامه الجديد في محاولته تطبيق أسس سياسته في الهند إلى مواقف
عدوا من يعمل مع البريطانيين كفاراً ،وصاروا يلعنوهم في الشوارع والمقاهي ،وكثيرا
ثورية وشديدة تنم عن أن الناس ّ
ما يتحول موقفهم إلى مجابهة مسلحة منتظمة ،ففي مدينة النجف قادت (جمعية النهضة اإلسالمية) السرية الثورة الشعبية
ضد االحتالل والتي كانت لها وقعاً كبيراً على العشائر في تهيأت وتنظيم القتال في المنطقة(.)8
تفجرت انتفاضات شعبية ضد البريطانيين في المناطق الكردية كلفتهم خسائر كبيرة وال سيما في السليمانية ،التي
سرعان ما أفصحت بريطانيا بعد إن لمست خطورتهم على امن المنطقة وعرقلة سياستهم فيها عن سياستها الجديدة Bفي
المنطقة من خالل إخبار األكراد مضامين كتاب وكيل الحاكم الملكي العام الذي نص على (خولتني حكومة صاحب
-فريق المزهر الفرعون ،الحقائق الناصعة في الثورة العراقية سنة 1920م ونتائجها ،مطبعة النجاح ،ط ،2بغداد1955 ،م ،ص ص 1
.423-422
-جريدة العراق في 18تشرين األول 1920م. 2
-جعفر محبوبة ،ماضي النجف وحاضرها ،الجزء االول ،ب ط ،صيدا1353-ﻫ ،ص ص .273-272 4
-عبود الهيمص ،ذكريات وخواطر عن احداث عراقية في الماضي القريب ،مطبعة الراية ،بغداد1991-م ،ص.27 6
432
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
الجاللة إن أطمنكم شخصيا بأنها ال تنوي انتهاج سياسة انتقامية نحو األكراد عن اإلعمال التي ارتكبت خالل الحرب،
لكنها مستعدة لمنح العفو العام عن الجميع . . .وترغب حكومة صاحب الجاللة إن اطمنكم بان المصالح الكردية سوف
ال يغض النظر عنها في مؤتمر الصلح)( ،)1والتي لم تضمن لألكراد فيما بعد الوفاء بوعدها وتنفيذ مقرراتها ،وسايرت
سياسة تركيا في مخططاتها تجاههم في سياسة الصهر العنصري والقمع الدموي ،وفي كربالء وبابل وبغداد وغيرها
عقدت االجتماعات والندوات التي طالبت بتشكيل حكومة عراقية مستقلة وإ نهاء االحتالل ،حيث ألقت القوات البريطانية
القبض على بعض رجاالتها ونفوا إلى جزيرة هنجام(.)2
-1الجانب االجتماعي:
ترك االحتالل البريطاني بصماته على المجتمع العراقي من األوجه جميعا ،على أساس (فرق تسد) القائمة على
تعزيز ربطه بأسواقها الخاصة واألسواق الرأسمالية عامة ،من خالل االعتماد المباشر في اقل عدد ممكن من رؤساء
ومتنفذي العشائر العراقية ،وأقاموا عالقات معهم منذ االحتالل في تركيز القوة االقتصادية (األرض) والسلطة (اإلدارية)
بأيدي الشيوخ ،والذي توضح في تقرير الحاكم السياسي البريطاني في العمارة قوله (لقد ساعدنا أيام الحرب إبقاؤنا على
شيخ واحد في مقاطعات كبيرة . . .إن المهمات اآلتية جعلت من الضروري والعملي إسناد الشيوخ الكبار)( ،)3فكانت
وسيلة مؤثرة على المجتمع في إطاعتهم لرئيسهم الذي وجدوا فيه ضمان حل مشاكلهم والتقرب به من سلطة االحتالل
عند المراجعات الرسمية.
رأى العراقيون في االحتالل البريطاني الغالء غير المعهود ،إذ ارتفع سعر خبزه اليومي خالل سنوات قليلة بمقدار
5 .1الى 5 .2مرة والشاي بمقدار ثالث مرات والسكر بمقدار خمس مرات ،وكثيرا ما توزع بالبطاقات(.)4
ازاء ذلك قامت السياسة البريطانية على ستر سياستها في إشغال مسؤوليها العاملين في العراق ممن يفتقرون إلى
الخبرة اإلدارية والحنكة السياسية والجهل بطبيعة المجتمع العراقي ،في أن العراقيين غير قادرين على اإلدارة بنفسهم،
وصار الموظفون االجنبيون الجدد صارمين في تطبيق االنظمة والقوانين ال يراعون فيها احدا ،وكثيرا ما كانوا يعاملون
الناس بالعجرفة والفظاظة وعدم االحترام ،على النحو الذي اعتادوا عليه في الهند بغض النظر عن الفرق بين شخصية
ونفسية العراقي والهندي ( ،)5وتحفظت السلطة البريطانية على عودة الضباط العراقيين من سوريا وتركيا الذين يؤلفون
نخبة المثقفين العراقيين آنذاك ،قد جعلها في مأزق سياسي واجتماعي عندما عزمت على ترشيح األمير (فيصل) ملكا
على العراق والقبول بشروطه في إدارة الدولة الجديدة( ،)6عززه الترحيب الشعبي الكبير باألمير (فيصل) في معظم مدن
العراق.
قلد الحكام البريطانيون أناسا عواما ومنبوذين Bفي المجتمع بعض المناصب اإلدارية ،وفي امور الشرطة البستهم
سراويل قصيرة والتي لم يألفها العراقيون ،واقامتهم في الشوارع واالزقة ،وفرضت على المارة ان يسيروا في الجهة
اليسرى من الشارع ،والمخالف بسلوك الجهة اليمنى سهوا يتعرض لالهانة أو يضرب بالسوط يلفحه جنود االنضباط
العسكري( ، )7األمر الذي أزعج الفئات االجتماعية وولد عندها االستياء والكره في التعامل أو انجاز متطلبات اإلدارة
-محمد حسين الزبيدي ،العراقيون المنفيون Bإلى جزيرة هنجام ،دار الحرية ،ط ،2بغداد1989 ،م ،ص.44 2
-محمد سلمان حسن ،طالئع الثورة العراقية ،العامل االقتصادي ،الثورة العراقية األولى ،مطبعة النعمان ،ط ،2بغداد1958 ،م ،ص ص 3
.18-17
-علي آل بازركان ،الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ،مطبعة االديب ،بغداد1954-م ،ص.15 4
-عبد العزيز القصاب ،من ذكرياتي ،بيروت 1962-م ،ص ص .199-198 5
433
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
الناجحة ،فضال عن سماع الحكام البريطانيين شكاوى الفالحين من دون األخذ ببراهين المالكين B،مما أدى إلى التقليل
من مكانتهم في المجتمع وأصبحت طبقتهم مستاءة من الحكومة ،فانظموا إلى التجمعات والتنظيمات السياسية والسرية
ذات األهمية بين الفئات االجتماعية والدينية المشتركة( ،)1وبذلك احدث االحتالل طبقات اجتماعية اصبح فيها المحترم
ذليال والذليل محترم ،وسيء احترام االشراف وذوي النسب الرفيع ،الذي كان بارزا في العهد العثماني.
لذلك سار الحكام البريطانيون على أسلوب هدر كرامات الناس من خالل الضرب واالهانة والزجر وعلى طريقة
ما نقلته قصص إلف ليلة وليلة في خروج الملوك ،فيقدم الشرطي أو العسكري بيده عصا وبخطوات سريعة يصرخ
بأعلى صوته (قوموا . . .قوموا) على الجالسين في المقاهي والراجلين في الشوارع ليحيوا الضابط البريطاني المار في
ديرتهم ،والذي يحيي الواقفين بابتسامة ساخرة واستخفاف مقيت ،ومن لم ينتبه له النشغاله بحديث مع زميله أو بابتياع
حاجة انهالت عليه السياط( ،)2كذلك ولد سلوك حاكم النجف الكابتن (كرين هاوس ،)F. S. Greenhouseالغبطة واأللم
واالهانة على مجتمع المدينة Bفي إساءته السير في الشارع وامامه من يستعمل السوط على الناس لفسح الطريق امامه(.)3
ومارس الحكام البريطانيون أسلوب االهانة والشتم للشيوخ عند حضورهم في مكاتبهم ،تناقلتها األلسن والمذكرات
عندما يغتاض الشيوخ من اقتراب الكالب البريطانية منهم العتقادهم بانها في العرف االجتماعي والديني (نجسة) والتي
تثير تلك غضب الحاكم ويجعله يسرع في االهانه والزجر على سلوكهم هذا أو االختالف معهم بأمور أخرى(.)4
أجبرت شرطة اإلدارة البريطانية الرجال العراقيين على النزول من ظهور خيلهم عند دخول المدينة وأصدروا
عليهم األوامر المهينة Bوالمخجلة بإبقائهم واقفين مدة طويلة والعمل على جمع فضالت الخيل وإ فرازاتها (الروث) إمعانا
منهم بالتنكيل واالهانة( ،)5ومن يخالف نظام السير في شوارع المدينة Bوفي الجسر بركوب الحيوانات (الحمير ،الخيل
واالبل) يعاقب بالضرب المبرح بعصا غليظة( ،)6وفي مدينة Bالديوانية Bامر (الميجر ديلي) ان يترجل الخيال عن ظهر
حصانه قبل وصوله إلى البلدة بخمسمائة متر ويخلع عقاله ويسير مشيا على االقدام(.)7
أما محاكمهم فكانت شاذة ومنافية ألبسط قواعد العدل ،فيخبر الحاكم السياسي في الديوانية المتنازعين انه سيرمي
العملة النقدية المعدنية Bعلى األرض ،فان كانت صورة (طره) فسيحكم لصالح فالن ،وان كانت كتابة (كتبة) فسيحكم
لخصمه( ،)8وانطوت تلك اإلعمال على االستخفاف بعقول الناس وإ ذاللهم إذ كانت تلك المحاكمات اشد وطأة من سلوك
الوالة العثمانيينB.
واتخذت حكومة االحتالل اجراءات صارمة ضد (االشقياء) وحملت السالح ،فقد حكمت على من يلقى القبض عليه
ليال وحامل سالحه باالعدام ،وشاهد المواطنون صباح كل يوم جثثا معلقة على المشانق ،فولدت تلك السياسة ذعرا بين
الناس وعزموا على التخلص من اسلحتهم برميها في النهر واالبار أو بدفنها تحت االرض ،وشاع بين الناس ان
المحتلين جلبوا معهم القطط القادرة على كشف السالح المخبوء في البيوت عن طريق الشم(.)9
-عبود الهيمص ،المصدر السابق ،ص43؛ طالب مشتاق ،الجزء االول ،المصدر السابق ،ص.91 4
434
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
ركزت السياسة البريطانية على تقويض مقومات اإلقطاع وترسيخ دعائمه وتنظيم أسسه قانونيا من أجل تكوين
قاعدة اجتماعية مضمونة يمكن االعتماد والركون إليها في الحكم ،وبذلك عملت على إصدار (قانون دعاوى العشائر
المدنية Bوالجزائية) المستمد من نظام هندي ،من خالل االعتماد على اقل عدد من ابرز متنفذي الريف باركان السلطة
السياسية واإلدارية في أيدي الشيوخ( ،)1وبموجبه فصل المجتمع العشائري قانونا عن المحاكم المدنية ،حيث سمحوا
بالعمل بالفصل في امور العدالة بين رجال العشائر ،الذي احتوى على مواد عقابية لم يألفها الناس حتى قبل اإلسالم ،فقد
عرضت المنازعات على محاكم عشائرية لتحقيق الرضا من خالل دفع دية الدم إلى اهل القتيل أو فصل االعتداءات
بمبالغ يحددها المجلس العشائري وبحضور الضابط السياسي البريطاني ليكون لحكومة االحتالل نصيب ايرادي من
المبلغ المدفوع باعتباره تأ كيد المسؤولية الجماعية لسلوك الفرد ،إلذالل الشعب العراقي وتمزيق وحدته االجتماعية وحتى
الدينية.)2(B
وسار االحتالل في منطقة الفرات االوسط عند اختيار بعض الشيوخ دون مراعاة القواعد المتعارف عليها في
وراثة المشيخة ،من ان الرئاسة العامة في العشيرة الكبيرة تنحصر حسب العرف العشائري في ساللة الرئيس االكبر
دون اخوته أو ابنائه لكن االنكليز اختاروا لرئاسة العشيرة ممن ابدى لها الصداقة والوالء أو له صلة سابقة بهم في العهد
العثماني بغض النظر عن مقامه الحقيقي في عشيرته( ،)3والذي كان له أثر على سياستهم عند اندالع ثورة العشرين من
مواقف مؤيدة أو معارضه لهم ،وامعانا بإذالل الشيوخ واضعاف تعسفهم ،سمحت حكومة االحتالل لقبول شكاوى
الفالحين ضد شيوخهم وان كانت ملفقه وغير صحيحة والنظر فيها ،حتى اصبحت طبقة المالكين والشيوخ من
المعارضين والمستائين للحكومة.
مارست حكومة االحتالل أساليب أخرى منها سياسة التحبب بين السكان وأظهرت ذلك في مدينة بغداد Bعلى دحض
دعاية العثمانيين ضدهم فصاروا يحترمون المساجد والمراقد المقدسة وسمحوا بإقامة الشعائر الدينية Bالمختلفة وزاروا
رجال الدين معلنين حبهم لإلسالم وجاؤوا لخدمتهم ،وتقربوا نحو طائفة السنة وأغروا علماءهم بقبول الوظائف واالهتمام
بدوائر األوقاف وأغدقوا عليهم األموال ،وفي المقابل اهتموا أكثر بطائفة الشيعة وراعوا مواكبها وطقوسها الحسينية التي
وقدموا لهم ما تحتاجه تلك المواكب من مظاهر الحماية والمواد النادرة كصفائح النفط ونسيج تقام في شهر المحرم ّ
األكفان( ، )4التي من خاللها أججت الطائفية لتمزيق وحدة المجتمع العراقي في ممارسة التنكيل بقياداتهم الدينية باالتهامات
السياسية أو التحريض على أثارة الفتن وتهويلها في المناسبات الدينية Bالمختلفة.
شاع المحتل البريطاني النعرات الدينية Bوالمذهبية Bبأسلوب مقيت في أكثر مدن العراق ،حيث أشار التقرير اإلداري
ٍ
قاض سني في مدينة النجف ،فضال عن البريطاني لشهر تشرين األول 1918م أن اإلدارة البريطانية تعتزم تعيين
إصدار تعليمات على العمال العاملين عندها بإجبارهم ارتداء ِ
ثياب موحدة بحسب انتمائهم القومي والطائفي ،فالعمال
السنة يرتدون كوفية حمراء وعقال اسود ويرتدي إخوانهم من الشيعة كوفية زرقاء وعقال ابيض ،وربط فئة المسيحيين
الدينية Bبوشائج قوية مستغلين بذلك ما خلفته مظاهر السياسة العثمانية في المجتمع ( ،)5لتمزيق لحمة الشعب العراقي
واضعافه من خالل تلك السياسة ،والواضح أن سياستها في إظهار الطائفية سيعود عليها بالنفع السياسي الذي ستجده في
تعلق المسيحيين واليهود بحكمها ،فضال عن تهيئة Bورقة رابحة لديها عن المذاهب اإلسالمية تبرزها متى جاءت الحاجة
-للمزيد من المعلومات عن القانون ينظر :نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية ،المصدر السابق. 1
-علي الوردي ،الجزء الخامس ،المصدر السابق ،ص28؛ انظر وثيقة عزل وتنصيب الشيوخ في الملحق. 3
-كمال مظهر احمد ،الطبقة العاملة الكردية ،التكوين وبداية التحرك ،مطبعة دار الكتب ،بيروت1981-م ،ص ص.45-44 5
435
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
إليها للضغط على المذهبين Bالواحدة على األخرى بوسائل تصطنعها والتي فشلت بها في ثورة العشرين ،فضال عن
استحواذ السلطات البريطانية على أوقاف الشيعة واإلشراف عليها مباشرة.
أججت السلطة البريطانية المشاعر العربية للمواطنين في زرع النزاعات القومية والدينية Bوالقبلية وعمدت إلى
اهانة السكان من كبار السن واألطفال من العرب واألكراد على حد سواء ولم يتورع ضباطها في الكف عن ذلك ،وحطم
جنودها تراثهم الآثاري والحضاري في بعض المدن العراقية القديمة( ،)1وعزمت في شمال العراق على كسب االثوريين
الهاربين من زعمائهم في مدينة عقرة وأسكنتهم قرب مدينة بعقوبة والقسم األخر حلوا في بعض المناطق الكردية من
أراضي الفالحين األكراد التي طردتهم منها ،وهذه القضية من أوائل التغيير (الديمغرافي) العرقي والقومي للسكان،
األمر الذي زاد في حدة النزاع بين األكراد واالثوريين ،كما استخدم الجيش البريطاني فوجين من االثوريين المدربينB
في بعقوبة إلخضاع مناطق (العمادية والكويان وبرواري السفلى والعليا)( ،)2وركزت السلطة البريطانية على زرع
الشقاق بين القوميات والقبائل واألديان المختلفة ،عندما دمجت منطقة اليزيديين بمنطقة جبل سنجار إداريا( ،)3لتدب
النزاع المستحكم بينهما ،مبتغية Bبذلك استمرار أعمال العنف والقتال بين المنطقتين وإ بعادهما عن مقاتلتها ثم تثبيت
سياستها عليهما باسم الحفاظ على امن المنطقتين.
عزمت السلطة البريطانية على تمزيق أواصر العالقات االجتماعية العشائرية فيما بينهم ودبت بين بعضهم
الحزازات والحقد ،الذي وصل إلى حد االقتتال عندما أقدمت قبيلة عنزة برئيسها (فهد بن هذال) الموالي لبريطانيا
هجومه على مكان (عطية أبو كلل) قرب السماوة المتهم بقتل القائد البريطاني (مارشال) في النجف ،األمر الذي اجبره
على تسليم نفسه للسلطات البريطانية قبل نهاية نيسان عام 1918م( ،)4ولم تفلح السلطة البريطانية في تمزيق شمل عائلة
(آل كمونة) المتنفذة في كربالء وتأجيج خالفاتها مع أسرة (آل العواد) ،فضال عن اعتقال كبيرها (فخري كمونة) من
لدن السير (بيرسي كوكس) الحاكم الملكي العام وتهديد شقيقه (محمد علي) باإلقامة في بغداد ليبقى تحت أنظار السلطة
البريطانية ،والتي انتهت سيادتهما ومكانتهما في كربالء بنفيهما إلى الهند عام 1917م(.)5
صادرت قوات االحتالل مطبعة الوالية ،عند دخولها مدينة البصرة ورأت ان تستخدمها في طبع نشراتها وبياناتها
لطالع السكان على سير المعارك في العراق وتستعين بها على توطيد سلطان سياستهم ومتطلباتهم ،وللحيلولة دون
استخدامها من االخرين ضدهم( ،)6وكانت تلك النشرات تقرأ بصوت عال على تجمع حشود الناس في المقاهي ،لتؤثر
اخبارها على (التأثر بالدعاية المؤيدة للبريطانيين)(.)7
منعت السلطة المحتلة العراقيين من إصدار الجرائد الوطنية والسياسية ،حيث سمحت فقط بصدور الجرائد الرسمية
التابعة للسلطة (جريدة الموصل ونجمة الكركوكية التي تصدر نصفها باللغة التركية والنصف األخر بالعربية ،وجريدتا
العرب البغدادية واألوقات البصرية والى جانبها صدرت جريدة بصرة تايمز باللغة االنكليزية) وأصدرت مجلة واحدة
بعنوان (اللسان األدبية)( ،)8كتاباتها كانت وسيلة دعائية للمحتلين ،تدفع جرائدهم اجورا عاليا لمن ينشر مقاال أو قصيدة
يمجد االحتالل ويعظم قادته ،وبذلك اخذت القصائد (العصماء) أو المقاالت (الرنانة) تنهال على الجريدة وهي تلهج
-محمد طاهر العمري الموصلي ،الجزء الثالث ،المصدر السابق ،ص.104 1
-ل .ن ،كوتلوف ،ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق ،ترجمة عبد الواحد كرم ،دار الحرية ،بغداد1971-م ،ص.128 3
436
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
بمدحهم وذم االتراك ،تحمل مقاالتهم أسماء بتواقيع مستعارة ،فصحيفة العرب وصفت العرب بأهل الحضارة وعلم
ونعتتهم الجريدة بكلمات مقيته ومشينه في ()1
وشهامة ووفاء ،و(االتراك اهل عبث وجهل وفساد وقد عرفو بنكث الوعود)
انهم ما جاؤوا (االتراك -أي وربك -فاتحين ،بل مخربين عائثين) ( )2وربطت الجريدة بين سياسة التتريك والتجنيد من
ان (غرض االتحاديين في تجنيد الناس بعد تتريكهم هو لكي يحولوا دون تعلمهم علوم الدين وأداء فرائضه ،ولكي
يهجروا المساجد والجوامع( ،)3وعلى العكس من ذلك مجدت الجريدة االحتالل البريطاني وصورته بانه كان (بدافع سامي
محض حينما اقدمت على خوض الحرب في العراق فقيض لها النصر ،ودخلت جيوشها الباسلة بغداد B،مصافحة العرب،
مصافحة الحبيب لحبيبته)( ،)4والذي ولّد مجموعة منافقة ومتقلبة في نظر المواطنين العراقيين ،قالت عنهم المس بيل
(فالكلمات عند الشرقيين هي مجرد الفاظ التعني شيئا فقد يقولون اليوم شيئا وينقضونه غدا ،وهم اليتركون هذه العادة
ابدا)( ، )5فضال عن كبح الحكومة حرية الكالم واالجتماعات وراقبت السياسيين والنخب المثقفة من خالل جواسيسها،
وحددت مضامين المناهج الدراسية العامة ،لتحقيق ما يضمن سياستها وأهدافها في العراق ،باعتقادها بأنها الوسيلة
الوحيدة لنهضة البالد الثقافية واالجتماعية مستقبال.
أفشت بريطانيا في العراق تعاطي المخدرات وسمحت علنا من غير واعز أخالقي ممارستها ،إذ أمرت أنظمتها
على إصدار تعليمات خاصة في زراعة (الخشخاش) الذي يدخل في إنتاج (األفيون) ،وسمحت باستيراده وخصصت
رسوم كمركية يدفعها المستورد ومنحت إجازات للبيع العام لتسهيل توصيله إلى جميع إنحاء العراق( ،)6تصبو من ذلك
تحقيق نتائج اجتماعية سلبية تؤثر على الروابط االجتماعية ،وإ ضفاء حالة االنتشاء منه بتخدير عقول الشعب وخموله
مؤديا إلى إبعاده عن معتقداته وإ يمانه بدينه ،وسلوك هاوية الرذيلة والموبقات التي تبعده عن المطالبة بحقوقه وتضعه في
الشرك المذموم اجتماعيا ودينيا.
كانت محصلة سياسة االحتالل البريطاني تعزيز التناقضات والمشكالت االجتماعية ،ورزح العراق تحت كابوس
اشد وطأة وأكثر خبثا وتنوعا عما كان عليه في العهد العثماني ،وربطته بأسواقها خاصة واألسواق الرأسمالية عامة،
وأصبح االحتالل في نظر العراقيين واقعا مرفوضا إلى درجة أنهم لم يتأثروا بإجراءاته االيجابية مقارنة بما سرى عليهم
في العهد العثماني ،فكان صورة قاتمة للمحتل الذي فرض إرادته بحكم مركزي قوي أفضى بتحقيق أهدافه االستعمارية.
على الرغم من ورود تلك المساوئ في سياسة االحتالل البريطاني إال إن هذا الدور لم يخل من محاسن في تهيئة
بعض العراقيين لالتصال بالمدنية Bالغربية اتصاال مباشرا والتأثر فيهما حسبما تقتضيه األحوال االجتماعية والفكرية لهم،
فقدمت الحكومة البريطانية نموذجا لحكومة حديثة أكثر حداثة من حكومة العثمانيين في نشر النظام وإ طاعة القانون
ومعالجة مشاكل البالد وتوضيح فكرة الحكومة الجديدة وهيأت الظروف المالئمة لقيام الدولة العراقية الحديثة عام
1921م ،التي أدت إلى حدوث تبدالت جوهرية في مختلف نواحي الحياة االجتماعية والسياسية.
ولمكافحة مرض الكوليرا الذي ظهرت اعراضه في العراق ،صدرت اوامر مشددة بفرض التطعيم االجباري على
معظم السكان ،ونقل كل مريض مشتبه به إلى مستشفى العزل ،وصاحبها منع السفر اال لمن يحمل وثيقة تطعيم ضد
المرض( ، )7وان كانت بادرة حسنة وصحية اال ان الناس ضجرت من هذه االجراءات وتهربوا من رجال التطعيم اليهم،
.Elizebeth Burgoyne (Certrude Bell) -London 1921- vol. 2,p. 57-58 - 5
437
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
وانتشرت وثائق تطعيم مزورة تباع خفية عن انظار الحكومة للمسافرين ،فضال عن كتمان امر المصابين بالمرض عن
الحكومة كي ال تنقله إلى مستشفى العزل العتقادهم ان هناك يقتل مرضاهم.
وصف التقرير الرسمي البريطاني حالة بغداد Bاالقتصادية (لصعوبات ناشئة عن قلة وسائل النقل ،ولم تتوفر وسائل
النقل لتصدير الجلود والصوف والمواد الخام األخرى التي تجمعت في بغداد قبل احتاللنا ،والتي نحن في حاجة ماسة
لها في الوطن ويصدق ذلك على التمور أيضا . . .وعلى هذا فقد تأثر الوضع المالي في والية بغداد في صورة عكسية
ولكنه ما لبث إن تحسن)( ،)1ومدت االدارة البريطانية في وقت قصير جدا عام 1918م خطوطا حديدية بين بغداد Bوالحلة
مع خط فرعي من الحلة إلى الكفل واخر من الناصرية إلى السماوة ،فضال عن تحسين الطرق الصالحة لحيوانات الحمل
فقط لتمكين المركبات من استعمالها( ،)2والتي سهل عليها جباية الضرائب في لواء الحلة ،كما بادرت االدارة البريطانية
إلى الغاء بعض الضرائب مثل ضريبة االشغال العامة وضريبة التعليم وغيرها من الضرائب االضافية ،العتقادها ان
االستمرار في استحصالها سيؤدي إلى استياء تام ،والذي حصل في اوساط العشائريين في الديوانية ،ومشتكى عشائر
سلما( ،)3والذي يدل على مدى االهتمام الواضح في الجانب
عفك عام 1919م من تزايد المقادير المحصلة وتقاوم الدفع ً
التجاري واالقتصادي دون االهتمامات األخرى لما توفر لهم من إرباح مالية كبيرة وإ نعاش للسوق العراقية بعد أن حلت
به األزمة االقتصادية عند دخول جيوش االحتالل البريطاني له.
-2اإلدارة السياسية:
كان (بيرسي كوكس )Persy Kocksأول من شغل منصب السامي البريطاني في العراق ،ومنحت له السلطات
وعين موظفين بريطانيين وهنود إلدارة الوحدات الحكومية،
التشريعية والتنفيذية ،ثم خلفه المقدم (ويلسون) عام 1917مّ ،
ورفعت منزلة رئيس الحكام السياسيين إلى حاكم ملكي عام له صالحيات المخابرة مباشرة مع الحكومة البريطانية ترسل
تقاريره إلى وزير الدولة لشؤون الهند معتمدين Bفي سلطتهم على القوات المسلحة والشرطة ومجموعة من العمالء
السريين(.)4
ووجدت بريطانيا في توحيد قياداتها مع رؤساء العشائر الموالين لها والعاملين تحت امرة الضباط السياسيين،
وسيلة لحماية طرق المواصالت المارة في مقاطعاتهم ،واإلسهام في بعض اإلعمال اإلدارية ٍوالقضائية ،ومنحتهم
صالحيات واسعة في اعتقال المجرمين والنظر في بعض الدعاوى القضائية ،وعلى جمع الضرائب لقاء نسبة معينة(،)5
فضالً عن االستفادة منهم في تنفيذ السياسة االستعمارية في مناطقهم ،ومساعدتها في كبح االنتفاضات المحدودة ،في حين
بقيت عشائر (البدو) متمتعة باالستقالل التام ومعفوة من دفع الضرائب للسلطات البريطانية مقابل اعتراف رؤسائها
باإلدارة المدينة Bعليهم.
اختلفت سياسة اإلدارة البريطانية في كردستان ،على الرغم من خضوع بعض مناطقها إلى سلطة الضباط
السياسيين ،إال أنها لم تتبع السياسة المركزية التي اتبعتها في المناطق الجنوبية والوسطى من العراق ،وقررت تعيينB
زعماء القبائل الكردية ورجال الدين كرؤساء للوحدات اإلدارية( ،)6والتي لم تستمر طويالً حيث أخضعت مدينة
السليمانية إلى سلطاتها المباشرة بعد إبعاد الشيخ (محمود البرزنجي) عن السلطة عام 1919م.
-ل .ن .كوتلوف ،المصدر السابق ،ص114؛ المس بيل ،المصدر السابق ،ص.232 4
-محمد طاهر العمري الموصلي ،الجزء الثالث ،المصدر السابق ،ص.5 5
-كمال مظهر احمد ،دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية ،ص ص.96-79 6
438
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
نشطت األفكار القومية الهادفة إلى تحقيق استقالل العراق بين المثقفين العراقيين في المدن ،كقوة ثورية تقف بحزم
في المعسكر المعادي للسياسة البريطانية ،ساندتهم إعداد كثيرة من الحرفيين والعمال والتجار الصغار ،مكونين قاعدة
سياسية احتضنتها األحزاب السياسية السرية التي لعبت دوراً واضحاً وفعاالً في قيادة العمليات العسكرية ضد االحتالل،
في بغداد Bالنخب المثقفة السياسية ورجال الدين المجتهدين Bوالشيوخ الوطنيين ،حيث ()1
فضمت جمعية (حرس االستقالل)
أقامت عالقات تنظيمية مع المؤسسات الدينية Bورؤساء عشائر الفرات األوسط ،رفعت شعار االستقالل التام للعراق،
وأسهمت في تحشيد الشعب العراقي ضد االحتالل البريطاني عام 1920م( ،)2وفي مدينة Bالنجف تشكلت جمعية (النهضة
اإلسالمية) من رجال الدين والنخب المثقفة بجناحين األول (السياسي) يقوم أعضاءه باالتصاالت السياسية والتنظيمية بين
المواطنين ،والثاني (الفدائي) يسعى إلى محاربة سلطات االحتالل ،التي كانت لهما عالقات حسنة مع جمعية حرس
االستقالل( ،)3و(الجمعية الوطنية اإلسالمية) في كربالء( ،)4تحت إشراف الشيخ (محمد تقي الحائري الشيرازي)( ،)5فضال
عن وجود حزب (العهد العراقي) ،الذي رأى رجاله في التعاون مع بريطانيا امراً ضرورياً لنجاح القضية العربية عامة
والعراقية خاصة.
وبغية تهدئة الحالة السياسية في العراق ،ورغبة بريطانيا في تحقيق االستقالل الشكلي وفقاً لما نوه عنه التصريح
البريطاني – الفرنسي في تشرين الثاني 1918م ،اظهرت السياسة البريطانية إن العراقيين غير مؤهلين لتحمل االستقالل
الذاتي( ،)6ووجوب إجراء االستفتاء العام خالل المدة من نهاية عام 1918م وبداية عام 1919م ،حول نظام الحكم ،الذي
دعت له رؤساء العشائر وممن ارتبطت مصالحهم مع السلطات البريطانية ،في التصديق على صيغة معينة تضمن
()7
الشروط التي وضعتها في إبقاء الحكم البريطاني المباشر ،وجاءت األسئلة الموجهة إلى سكان العراق باإلجابة عليها
وهي:
-1هل يرغبون في دولة عربية واحدة ،تحت الوصاية البريطانية ،تمتد Bمن الحدود الشمالية لوالية الموصل حتى
الخليج العربي؟.
-2هل يرغبون في هذه الحالة في رئيس عربي باالسم يرأس هذه الدولة الجديدة؟.
-3من هو الرئيس الذي يريدونه في هذه الحالة؟.
-جمعية سياسية وطنية تشكلت في نهاية شهر شباط عام 1919م في بغداد ،برئاسة (محمد الصدر) وعضوية (جالل بابان ،محمود 1
رامز ،شاكر محمود المرافق ،عارف حكمت ،حسين شالل ،سعيد حقي ،عبد المجيد يوسف ،عبد اللطيف حميد ،الحاج محي الدين
السهروردي ،علي افندي واخرون) ،من منهاجها تسعى الجمعية وراء استقالل البالد العراقية استقالال مطلقا ولها موقف ومشاركات
وطنية في ثورة العشرين .عبد الرزاق الحسني ،الثورة العراقية الكبرى ،المصدر السابق ،ص ص .81-79
-عبد الرزاق الحسني ،الثورة العراقية الكبرى ،ص ص.81-77 2
-عبد الجبار حسن الجبوري ،االحزاب والجمعيات Bالسياسية في القطر العراقي1958-1908م ،دار الحرية ،بغداد1977-م ،ص ص 3
.55-54
-المصدر نفسه ،ص.54 4
-ولد في مدينة شيراز (جنوب ايران) في سنة 1256هـ1840/م ،ونشأ بها ،ثم هاجرها إلى العراق سنة 1271هـ ،واقام في مدينة 5
كربالء وتدرج في الدراسات الدينية وبعدها انتقل إلى مدينة سامراء واصبح استاذا لجمع كبير من طالبي العلم ،وبعد احتالل القوات
البريطانية مدينة سامراء سنة 1917م ،انتقل إلى مدينة الكلظمية في مدينة بغداد ،وبعد مدة توجه إلى مدينة كربالء في منتصف سنة
1336هـ 23 /شباط 1918م ،وتوفي في 10آب 1920م .للمزيد من المعلومات انظر :كامل سلمان الجبوري ،محمد تقي الشيرازي،
القائد االعلى للثورة العراقية الكبرى 1920م ،مطبعة برهان ،قم 1427-هـ2006/م ،ص.43
-امين سعيد ،المصدر السابق ،ص ص.17-16 6
439
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
تفاوتت أراء المواطنين في اإلجابة ،وظهر للبريطانيين Bإن سياستهم في ضم العراق إلى مستعمراتهم ،تقاوم بأكثرية
الشعب العراقي ،ورفضهم للمقترحات ،التي وجدت الفئات السياسية العراقية المثقفة ورجال الدين وشيوخ عشائر الفرات
األوسط ،على ضرورة النضال ضد االستعمار للحصول على االستقالل( ،)1وعززتها فتوى الشيخ (محمد تقي الحائري)
والتي كانت ()2
في كربالء بأن (ليس ألحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم لإلدارة والسلطنة على المسلمين)
صفعة قوية للسياسة البريطانية ،نسفت أطماعها وأهدافها في العراق ،ولكبح نشاط الحركة الوطنية حثت السلطات
البريطانية على وضع حد للجماعات النشطة لمقاومة االحتالل بإبعادهم خارج العراق وإ يداع اآلخرين في السجون.
بعد تعاظم الحركة الوطنية ونشاطاتها البارزة في معظم مدن العراق ،وبغية تهدئة Bالوضع ألغت السلطات
البريطانية اللجنة الخاصة التي يرأسها (بونكهام كارتر )Bongham Karterمدير دائرة العدلية في العراق ،الذي
يقترح فيه تشكيل مجلسين األول (مجلس دولة) كسلطة تنفيذية Bيتألف من رئيس عربي يتمتع بنفوذ ومنزلة اجتماعية
مرموقة وأحد عشر عضواً ،ستة من البريطانيين وخمسة من العرب ،يعينهم أو يعزلهم المندوب السامي ،يمثلون دوائر
الدولة أو سكرتيرين فيها ،وثانياً المجلس التشريعي تعينه هيئات محلية تكون نفسها منتخبة ومن غير أعضاء مجلس
الدولة يمثلون المدن والمناطق الريفية حسب عدد السكان ،فضال عن تمثيل الطوائف اليهودية Bوالمسيحية فيه ،فيصبح
العدد Bالكلي للمجلس حوالي خمسين عضواً لسن الدستور ،ويكون رئيس المجلس من غير المنتخبين إن لم يوجد مرشح
مناسب للمنصب ،وصالحية المجلس وضع القانون األساس على غرار قانون األساس المصري لعام 1913م ،كنموذج
يحتذى به بعد إجراء بعض التعديالت عليه ،وجعل لمجلس الدولة صالحية إصدار القوانين وفرض الضرائب ،وإ ضافة
جملة مواد متعلقة بواجبات المجلس وصالحياته التي ال تخرج عن التأثير السياسي البريطاني عليه ،وفي فقرات
المشروع الجديد Bالذي وضعته بريطانيا لنظام الحكم ،يحتفظ الموظفون البريطانيون بسلطاتهم الرسمية السابقة ،ويهيمن
(،)3
(مجلس الدولة) المتكون من البريطانيين والعراقيين على السلطة التنفيذية B،وتحت إشراف المندوب السامي في العراق
الذي لم يضمن للعراقيين صدق اشتراكهم في الحكم ،حيث كان في طيات المجلس منح حق الرفض المطلق (الفيتو)
للمندوب السامي حول القرارات ،فضال عن عدم إعطاء رئيس المجلس العربي حق التصويت إال بعد تعادل األصوات
بين أعضاء المجلس والتي كانت مجمل مقررات مجلس الدولة هي صالحية استشارية ،لتثبيت بريطانيا طريقة الحكم
بمشروع الدستور الذي ستصدره في العراق.
جرت اتصاالت واسعة بين جمعية (حرس االستقالل) وشيوخ العشائر والمنظمات الدينية B،قوامها االستعداد للثورة،
وقيام التظاهرات واالجتماعات الشعبية ،ورفع شعارات تدعو إلى إطالق سراح المعتقلين ،إذ اضطر (ويلسون) إلى
امتصاص نقمة الشعب على سياستهم من خالل اجتماعه بوفد المفاوضة في حزيران 1920م ،الذي ماطل بتنفيذ مطاليب
الوفد في إقامة الحكم الوطني المستقل ،وتعاظمت إجراءات السلطة البريطانية القمعية بهذا الشأن ،حيث أفضى الشيخ
(الحائري) على دعوة المواطنين لالنضمام للحركة في بغداد( ،)4وأصبح الوضع السياسي في غاية التوتر عندما أفتى
(الحائري) بالجهاد (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ،ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم واألمن ،ويجوز لهم
-محمد طاهر العمري الموصلي ،الجزء الثالث ،المصدر السابق ،ص.60 1
440
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع االنكليز من قبول مطالبهم) ،وبذلك أصبحت الثورة المسلحة ضد بريطانيا عمالً
()5
441
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
نفوذ كبير على المواطنين منفذة أوامرهم وخولتهم على قمع المعارضين والسيطرة األمنية في مناطقهم ،فالشيخ (عمران
السعدون) قائم مقام الهندية Bرافق معاون الحاكم السياسي البريطاني في مدينة( Bطويريج) الكابتن (جاردين) في 19تموز
1920م وسايره في التوسط إلى مخيم الكوفة إلجراء الترتيبات لوقف القتال ،والتي انقطعت تلك المفاوضات مع
وعلم عند العشائر ان والء الشيخ (عمران) غير أكيد ()1
الثوار ،حيث أثرت سلباً في العالقات العشائرية في المنطقةُ ،
وحذر منه ،فضال عن معارضته للعشائر التي حررت مدينة الكفل التابعة اداريا لقضاء الهندية في 20تموز في كبح
نشاط الثوار وهددهم بالتعاون مع البريطانيين في مقاومتهم( ،)2وعلى العكس من ذلك عمل الميجر (ديلي )Deelyإلى
(الحاج مخيف) مكيدة عند حضوره لمقره في الديوانية وأمر باعتقاله وسوقه إلى البصرة ثم نفيه إلى جزيرة هنجام مع
المنفيين هناك(.)3
كما استخدم المحتلون أسلوب حجز األشخاص (رهائن) حيث عملت القوات البريطانية في الديوانية على وضع
خطة عسكرية لالنسحاب منها إلى الحلة ،فأطلق الميجر (ديلي) سراح الشيخ (شعالن العطية) رئيس عشائر األكرع بعد
ان حجز شقيقه الشيخ (جبل العطية) وابنه (موجد الشعالن) كرهائن للبر بالوعد الذي قطعه بعدم مقاتلة الجيش المنسحب
في حدود قبيلته(.)4
نكثت السلطة البريطانية وعدها بقيادة الميجر (نوربري )Noorberyولم ِ
تف بمواثيقها عندما وقعت اتفاقية هدنه
مع الثوار في الكوفة في تموز 1920م ،باتفاق اإلفراج عن المنفيين والمعتقلين العراقيين ووقف القتال في الرميثة
وإ جالء الحكام البريطانيين من مناطق الفرات األوسط وإ جراء االستفتاء والمفاوضات من البريطانيين على أساس منح
العراق االستقالل والحرية مقابل تعهد رؤساء القبائل في فك الحصار عن الحامية البريطانية في ابي صخير الذي تم
تنفيذه من لدن العراقيين( ،)5حيث وافتهم القوة البريطانية في مقاتلتهم بعد ان حصلت على مرادها بنقض االتفاق.
ومارست السلطة المحتلة أساليب أخرى منها التجويع والحرمان من خالل قيامهم بإتالف المزارع والبساتين وقطع
المياه عن مدينة كربالء إليقاع األذى في سكانها ومزارعها التي قال فيه الجنرال هالدن (لما كانت كربالء مسؤولة إلى
حد غير قليل عن قيام الثورة فاني رغبت في االستيالء على ناظم الحسينية الذي كان يبعد Bعن الفرات بمائتي ياردة،
لكي اجعل سكان البلدة يشعرون بعذاب الحرمان من الماء) وتشفى بمعاناة ومشقات سكان كربالء قائالً (فالضغط
المعنوي الذي نتج عن اظهار مقدرتي على حرمانهم معين الحياة كان بال شك عظيماً)( ،)6وسارت سياستهم على حرق
بيوت ممن اشتركوا في الثورة في شمال العراق في منطقة دلتاوه ودور الرؤساء الزيباريين والبرزانيين ومصادرة
أموالهم( ،)7وأتلفت مزارع وحقول قرى قضاء الهندية Bوحرق مضيفي الشيخ (شمران) رئيس عشيرة آل فتلة والشيخ
(جياد المحمد) رئيس البراجع ،وقامت بمصادرة وقتل اعداد كبيرة من رؤوس األغنام واألبقار والخيل في المنطقة(،)8
ولم تعر اهتماماً بالقوانين الدولية وحقوق اإلنسان ،فأقدمت على إعدام من أسرته من الثوار دون تحقيق أو محاكمة(.)9
-جريدة العراق في 4تشرين األول 1920م؛ المس بيل ،المصدر السابق ،ص.227 7
442
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
وقصفت المدن والقرى بقذائف الطائرات والمدافع التي لم يسلم منها حتى المتعبدين Bفي مسجد الكوفة ،وفتكت
ببالغ إن (جناية االنكليز على المعابد وإ لقاء القذائف النارية على مسجد
ٍ قنابلهم بأجساد الكثيرين نشر خبره الثوار
الكوفة ،قتل النساك والمتعبدين)(.)1
استلمت قيادة االحتالل البريطاني سبعين ألف بندقية Bمن عشائر الفرات األوسط بعد ثورة العشرين ،في حين لم
يجمع من عشائر المنتفك أية قطعة سالح (ألسباب استثنائية) ،)2(Bحيث كان المحتلون يبتغون من ذلك تحقيق أمرين،
األول بقاء هذه العشائر على والئها وإ خالصها لهم والثاني تكيد بهم كقوة يمكن إن تستغلها في ضرب العشائر األخرى
المعارضة لسياستها في مناطقهم.
واعترف وكيل الحاكم المدني العام (ويلسن) بتقريره السري على (انتعاش الروح القومية) وان ثورة العشرين
جعلت (الشك يحل محل اليقين) والذي غير فكره السياسي في تحويل العراق إلى هند ثانية وإ قامة حكم بريطاني
هدوء ودبلوماسية من
ً مباشر( ،)3فضالً عن تزويد الحكومة البريطانية مندوبها الجديد للعراق (بيرسي كوكس) األكثر
سابقه في سياسته مع العراقيين ،تعليماتها السياسية في رسم مستقبل العالقة بينهم والعراق بموجب معاهدة جديدة ال
بصك االنتداب القديم( ،)4والعمل على تأليف حكومة عراقية مؤقتة تعتمد Bالعراقيين في إشغال مناصبها الوزارية ،الذي
سعى بصعوبة على اختيار شاغليها ممن يعرفون بـ(المعتدلين) Bعلى حد تعبيره لهم اإللمام باألمور اإلدارية والحكومية،
حيث لم يتورع من أجل الحصول عليهم إال بنشر اإلعالنات الرسمية التي حددت فيها العراقيين ممن سبق انتخابهم
لمجلس األعيان ومجلس المبعوثان العثماني( ،)5فضال عن بعثه الكتب الخاصة للعراقيين الموجودين خارج العراق ممن
لهم دراية في أمور السياسة واإلدارة( ،)6فوقع تعيينه Bعلى حكومة عراقية برئاسة (عبد الرحمن النقيب)( )7في 25تشرين
األول 1920م تحت إشراف المندوب السامي البريطاني ،تكون جسراً بينه وبين الشعب العراقي إلقامة الحكم المقرر،
وجعلت على رأس كل وزارة مستشاراً بريطانياً لتوجيه سياستها من خالله ،وحكم العراق حكماً مباشراً ،فعينت لكل لواء
وقضاء حاكماً عسكرياً من ضباط الجيش البريطاني ،ممن لم يمارسوا الشؤون اإلدارية والمدنية B،الذين أزدروا الناس
واحتقروهم وعاملوهم بخشونة ،ووضعوا نظاماً مستمداً من عادات واوضاع غير مألوفة عند العشائر العراقية(،)8
واعترفت السلطة البريطانية باألساليب اإلدارية الفوضوية التي مارسها موظفوها في العراق ،من خالل استخدامها
(الجنود والضباط الذين لم يألفوا االشتغال في المناصب اإلدارية . . .ولم يطلعوا على وسائل اإلدارة ويجهلون األحوال
والظروف التي تحيط بهذه البالد (العراق) . . .وإن فريقاً منهم ضعيف في اإلدارة . . .غير كفؤ للقيام بوظائفه ومنهم
من كان يرسل تقريراً ويعقبه بأخر يختلف فحواه عن التقرير األول)( ،)9وبذلك وجدت بريطانيا ترشيح األمير (فيصل بن
.Wilson، A. T. Mesopotamia، 1917-1920، A clash of Layalties، London، 1931، P,54 - 3
-مجيد خدوري ،عرب معاصرون ،ادوار القادة في السياسة ،الدار المتحدة للنشر ،بيروت1973-م ،ص.58 6
-من وجهاء مدينة بغداد ونقيب اشرافها ،ولد سنة 1261هـ1845/م وتقلد نقابة االشراف بعد وفاة اخية سنة 1315هـ1898/م ومنحه 7
السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) نيشانا Bمن الدرجة الثالثة سنة 1297هـ1880/م ،وكان مقدرا من الحكومة العثمانية وعند احتالل
البريطانيين مدينة بغداد عام 1917م ،لقي الحظوة عندهم وعين اول رئيس لوزراء العراق عام 1920م واستقال سنة 1922م ،وتوفي
سنة 1345هـ 1927/م .أبي المعز السيد محمد القزويني ،طروس اإلنشاء وسطور اإلمالء ،تحقيق :جودت القزويني ،ب ط ،بيروت-
1418ﻫ1998/م ،ص .139
-فاضل حسين وعبد الوهاب عباس القيسي وآخرون ،تاريخ العراق المعاصر ،مطبعة جامعة بغداد ،بغداد1980-م ،ص.23 8
443
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
الحسين) لعرش العراق األفضل ألداء مهمتها في العراق ،دون اعتراض شعبي ،لحل مشاكلها في العراق ،وإ بعاد
العراقيين عن اللجوء إلى السالح مرة أخرى ،فضالً عن تعويضه عما فقده في مملكة سوريا بنظامه المعتدل الذي
()1
سيكون في نظرهم خير ضمان لهم في التصدي للتيارين الكمالي والبلشفي الذي ظهر تأثيرهما واضحاً في العراق .
عانى الملك (فيصل) من الثقل السياسي الذي سيكتشفه ،في التعامل مع ارث ثقيل خلفه حكم عثماني متخلف
واحتالل بريطاني استعماري يشوبه التشابك وعقدة مستعصية ،وجد فيصل في تخفيف أثارها (في المراوغة والتلون
ونقض العهود)( )2عمل طوال سنوات حكمه العراق من تتويجه يوم 23أب 1921م وحتى وفاته في 7أيلول
1933م( ،)3بنشاط منقطع النظير نابع عن رغبة صادقة في إقامة الدولة الحديثة في حدود اإلمكان ،ونزاهة مشهودة.
الخاتمــــة
منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميالدي ،تركزت سياسة االستعمار البريطاني في الهند على العراق،
من خالل الصلة الوثيقة بين ما يجري في شبه القارة الهندية Bومسارها عبر الخليج العربي ،والتي نتج عنها اجبار
العراق على تحقيق أهداف االستعمار البريطاني بعد ضمه إلى المنتصرين في الحرب العالمية االولى ،في ميدان شاسع
من السياسة العامة واالدارة ،معتقدة أنها ستضمن نجاح سياستها على اساس وجود االسواق الجديدة والمواد الخام فيه،
كما عملت سلطة االحتالل على اصدار قوانين تطلبتها االوضاع المحلية واالدارية بعيدة Bعن واقع العراق السياسي
واالجتماعي ،تبنتها لجانها العسكرية بمعاونة شيوخ القبائل المؤيدين Bلالحتالل ببقائهم في حكمهم حسب العرف
العشائري ،رافقها تصرفات حكامها الحمقى في التعامل مع العراقيين وفي التأثير المباشر في المجتمع العراقي من خالل
سياسة (فرق تسد) ،كان محصلتها تعزيز التناقضات والمشكالت االجتماعية والسياسية في منظور منشور الجنرال
(مود) وهدفها في تضليل العرب وخداعهم بسعيها إلى نهوضهم مرة اخرى واستعادت مكانتهم السياسية وفق مبدأ (تقرير
المصير) الذي وجدت فيه ايسر وسيلة للسيطرة عليهم وتحقيق سياستها الواضحة المنفذة في الهند ومصر.
فرضت سلطة االحتالل الحكم المركزي المباشر على العراق وتفننت في استحصال الضرائب القائمة والجديدة،
التي اثقلت كاهل العراقيين بأعباء اقتصادية كبيرة ،واتبعت سياسة التركيز في توسيع نفوذها وترسيخ دعائم االقطاع
وتطوير مقوماته بأسس قانونية من خالل اعتمادها على اقل عدد من عمالئها سواء العشائر أو المتنفذين في المدن في
حكم العراق ،من خالل تشريعاتها وقراراتها المكرسة اغلبها بشأن األرض والعشائر واحكامها.
توسع الموقف الذي تبناه البريطانيون تجاه استقالل العراق السياسي من شقة الخالف بينهم وبين العراقيين ،وفشلت
خططهم في حكم العراق حكماً مباشراً وربطه بحكومة الهند ،وكان الفتقار العاملين السياسيين البريطانيين Bفي العراق
إلى الخبرة اإلدارية والحنكة السياسية وجهلهم بطبيعة المجتمع العراقي ،وراء ايقاعهم في نشاط المقاومة الوطنية
المسلحة ورفض الشعب لسياستهم القائمة ،وفشلهم في تفكيك اواصر الشعب ولحمته في تأجيج الطائفية ،كان على
العكس الذي نتج عنه تمسكهم بتقاليدهم وفتاوى القيادات الدينية B،التي وحدت موقفهم في رفض االحتالل ومقاومته
المسلحة في ثورة العشرين ،والتي نتج عنها انهيار مخططاتهم االستعمارية في جعل العراق مستعمرة لها من خالل
تمسكهم بالقرارات الدولية بفرض االنتداب عليه ،والتي اجبرها العراقيون على إعادة النظر في سياستهم تجاه العراق،
بأسلوب ذكي يضمن لبريطانيا مصلحتها في العراق بوسائل جديدة ،عبر عنها حكامهم في خطاباتهم ومذكراتهم بقول
-فاروق صالح العمر ،حول سياسة بريطانيا في العراق1921-1914م ،دراسة وثائقية ،مطبعة اإلرشاد ،بغداد1977-م ،ص ص-104 1
.105
-أمين الريحاني ،ملوك العرب ،اإلعمال الكاملة ،المجلد األول ،الجزء الثاني ،ب-ط ،بيروت1980-م ،ص.327 2
-عبد المجيد كامل التكريتي ،الملك فيصل األول ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة1933-1921م ،دار الشؤون الثقافية ،بغداد- 3
1991م ،ص.320
444
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
المندوب السامي بيرسي كوكس (إن دولة انكلتره ارسلتني للمساعدة ،واالتفاق مع إشراف ورؤساء العراق لنحصل على
الغاية المطلوبة للطرفين وتأليف الحكومة العربية حكومة مستقلة بنظارة دولة انكلتره ،ولقد جئت لهذا المقصد)( ،)1وان
لم يكن هناك حتى قرار متخذ بشأن شكل الحكم في العراق فقد اقترح (بيرسي كوكس) بوثيقة مؤرخة في نيسان 1918م
قائال (ان المندوب السامي قد تساعده اذا تطلب االمر وزارة نصفها من االهالي ونصفها من الموظفين البريطانيين،
وربما يستندها مجلس اداري أو هيئة ما استشارية تتألف بأجمعها من اعيان البالد البارزين . . .وإذا اريد تنصيب
واعترفت صحفهم بسياستهم الفاشلة بانها (منحت ()2
رأس رمزي فهو يوصي بنقيب بغداد وهو احد الذوات المسنين)
الشعب العربي من دون ريب درساً عملياً في الكفاءة ،غير إن هناك اشياء أخرى اعز على قلب االنسان والى قلب
العربي بصفة خاصة من الكفاءة ،والسيما حين يتم دفعه بثمن باهظ ،فالعرب اليوم اقل تمتعاً بالحرية مما كانوا عليه
تحت حكم األتراك ،وانهم االن يدفعون Bثالثة اضعاف ما كانوا يدفعونه من الضرائب)(.)3
وان فشلت الثورة العراقية عسكريا ،لكنها اسهمت كثيرا في تطور الوعي السياسي والثوري بين السكان ،واظهرت
دالئل نضوج سياسي في الفرات االوسط السيما عند بعض كبار الشيوخ في رفض جميع انواع السلطة المفروضة من
خارج العشيرة والرغبة في تجنب الضرائب ،فضال عن مطالبهم السياسية في تحقيق االستقالل وتقرير المصير واقامة
حكم وطني في العراق بديال عن الحكم البريطاني المباشر.
-عبد الرزاق الحسني ،تاريخ العراق السياسي الحديث ،الجزء األول ،المكتبة العصرية ،ط ،2صيدا 1957م ،ص.157 1
F. O. 371/4148 --- 13298. War Cabinet---- Eastern Committee. Secret. 39 th Meeting. - 2
.November27,1918. Annex
مقتبس عن غسان العطية ،المصدر السابق ،ص.223
-جريدة المانجستر غارديان في 24تموز 1920م ،مقتبس Bعن هنري فوستر ،الجزء األول ،المصدر السابق ،ص.141 3
445
آذار2012/م مجلة كلية التربية األساسية /جامعة بابل العدد6 /
وثيقة سلطة االحتالل البريطاني في قضاء الهندية ،تنصب الشيخ (غالب السلطان) على قسم من عشيرة آل فتلة عام
1919م.
446