08 مدخل الى علوم التربية PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 50

‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬

‫مدخـل إلى عموم التربية‬

‫المحور األول‪ :‬مفهوم التربٌة‬

‫التربية‪ :‬مفهومها‪ -‬تطورها ‪ -‬أهميتها‬

‫معنى التربية لغة واصطالحا‪:‬‬


‫وقد ٌشار إلى التربٌة بالبٌداؼوجٌا ‪ Pedagogy‬التً ترجع إلى أصلها‬
‫اإلؼرٌقً الذي ٌعنً توجٌه األوالد حٌث تتكون هذه الكلمة من مقطعٌن ‪Pais‬‬

‫وتعنً ولد و ‪ Ogogé‬وتعنً توجٌه والبٌداجوج ٌعنً عند اإلؼرٌق المربً‪ ،‬أو‬
‫المشرؾ على تربٌة األوالد‪ ،‬وفً معجم العلوم السلوكٌة إن التربٌة تعنً‬
‫التؽٌرات المتتابعة التً تحدث للفرد‪ ،‬والتً تؤثر فً معرفته واتجاهاته‬
‫وسلوكه‪ ،‬وهً تعنً نمو الفرد الناتج عن الخبرة أكثر من كونه ناتجا عن‬
‫النضج‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وقد جاء تعرٌؾ الٌونٌسكو فً مؤتمرها ببارٌس لكلمة التربٌة إنها‬
‫مجموع عملٌة الحٌاة االجتماعٌة التً عن طرٌقها ٌتعلم األفراد والجماعات‬
‫داخل مجتمعاتهم الوطنٌة والدولٌة ولصالحها أن ٌنموا وبوعً منهم كافة‬
‫قدراتهم الشخصٌة واتجاهاتهم واستعداداتهم ومعارفهم وهذه العملٌة ال تقتصر‬
‫على أنشطة بعٌنها"‬
‫ورد فً "الصحاح" فً اللؽة والعلوم أن التربٌة هً‪" :‬تنمٌة الوظابؾ‬
‫الجسمٌة والعقلٌة والخلقٌة كً تبلػ كمالها عن طرٌق التدرٌب والتثقٌؾ"‪.‬‬
‫التربٌة هً عملٌة هادفة لها أؼراضها وأهدافها وؼاٌاتها‪ ،‬وهً تقتضً‬
‫خططا ووسابل تنتقل مع الناشا من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫أما التربٌة بالمعنى الواسع‪ ،‬فهً تتضمن كل عملٌة تساعد على تشكٌل‬
‫عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد ٌتدخل فً هذا التشكٌل من عملٌات‬
‫تكوٌنٌة أو وراثٌة‪ .‬وإذا رجعنا إلى مفكري التربٌة عبر العصور‪ ،‬فإننا نجد‬
‫عدة تعرٌفات للتربٌة منها‪:‬‬
‫عرفها أفبلطون بأنها تدرٌب الفطرة األولى للطفل على الفضٌلة من‬
‫خبلل اكتسابه العادات المناسبة‪.‬‬
‫أما مٌلتون (‪ )1674-1608‬فإنه ٌقول‪ ،‬بأن التربٌة الصحٌحة هً التً‬
‫تساعد الفرد على تأدٌة واجباته العامة والخاصة فً السلم والحرب بصورة‬
‫مناسبة وماهرة‪ ،‬أما توماس االكوٌنً‪ ،‬فٌقول‪" :‬إن الهدؾ من التربٌة هو تحقٌق‬
‫السعادة من خبلل ؼرس الفضابل العقلٌة والخلقٌة"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وٌرى هٌجل‪" :‬أن الهدؾ من التربٌة هو تحقٌق العمل وتشجٌع روح‬
‫الجماعة"‪ ،‬أما بستالوتزي فشبه التربٌة الصحٌحة بالشجرة المثمرة‪ ،‬التً‬
‫ؼرست بجانب مٌاه جارٌة‪.‬‬
‫وٌرى جون دٌوي أن التربٌة هً‪" :‬عملٌة مستمرة إلعادة بناء الخبرة‪،‬‬
‫بهدؾ توسٌع وتعمٌق مضمونها االجتماعً"‪.‬‬
‫فالتربٌة عموما تعتبر عملٌة شاملة‪ ،‬تتناول اإلنسان من جمٌع جوانبه‬
‫النفسٌة والعقلٌة والعاطفٌة والشخصٌة والسلوكٌة وطرٌقة تفكٌره وأسلوبه فً‬
‫الحٌاة‪ ،‬وتعامله مع اآلخرٌن‪ ،‬كذلك تناوله فً البٌت والمدرسة وفً كل مكان‬
‫ٌكون فٌه‪ ،‬وللتربٌة مفاهٌم فردٌة‪ ،‬واجتماعٌة‪ ،‬ومثالٌة‪.‬‬

‫أما بالمعنى االجتماعي‪:‬‬


‫فهً تعلم الفرد كٌؾ ٌتعامل مع مجتمعه وتعلمه خبرات مجتمعه‬
‫السابقة‪ ،‬والحفاظ على تراثه ألن التراث هو أساس بقاء المجتمعات‪ ،‬فالمجتمع‬
‫الذي ال ٌحرص على بقاء تراثه مصٌره الزوال‪ ،‬وبذلك فالتربٌة بالمعنى‬
‫االجتماعً تحرص على تمكٌن المجتمع من التقدم وتدفعه نحو التطور‬
‫واالزدهار‪.‬‬
‫خصائص مفهوم التربية‪:‬‬
‫‪-‬إن التربٌة عملٌة تكاملٌة‪.‬‬
‫‪-‬عملٌة فردٌة اجتماعٌة‪.‬‬
‫‪-‬تختلؾ باختبلؾ الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫‪-‬عملٌة إنسانٌة‪.‬‬
‫‪-‬عملٌة مستمرة‪.‬‬
‫و ٌرى توفٌق حداد أن التربٌة هً عملٌة مستمرة ال ٌحدها زمن معٌن‪،‬‬
‫وهً تمس كل جوانب حٌاة الفرد والمجتمع‪ ،‬وهً أساس صبلح البشرٌة‪،‬‬
‫وهً قوة هابلة ٌمكنها القضاء على أمراض النفس وعٌوبها‪ ،‬وأمراض‬
‫المجتمع وعٌوبه‪ ،‬ولذلك فهً كل مؤسسات المجتمع كاألسرة‪ ،‬والمدرسة‪،‬‬
‫والسجد‪ ،‬ودور الحضانة‪.‬‬

‫أهمية التربية‪:‬‬
‫لقد برزت أهمٌة التربٌة وقٌمتها فً تطوٌر هذه الشعوب وتنمٌتها‬
‫االجتماعٌة واالقتصادٌة وفً زٌادة قدرتها الذاتٌة على مواجهة التحدٌات‬

‫الحضارٌة التً تواجهها‪ ،‬كما أنها أصبحت إستراتٌجٌة قومٌة كبرى لكل‬
‫شعوب العالم‪ ،‬والتربٌة هً عامل هام فً التنمٌة االقتصادٌة للمجتمعات‪ ،‬وهً‬
‫عامل هام فً التنمٌة االجتماعٌة‪ ،‬وضرورة للتماسك االجتماعً والوحدة‬
‫القومٌة والوطنٌة‪ ،‬وهً عامل هام فً إحداث الحراك االجتماعً‪ ،‬وٌقصد‬
‫بالحراك االجتماعً فً جانبه اإلٌجابً‪ ،‬ترقً األفراد فً السلم االجتماعً‪.‬‬
‫وللتربٌة دور هام فً هذا التقدم والترقً ألنها تزٌد من نوعٌة الفرد وترفع‬
‫بقٌمته ومقدار ما ٌحصل منها‪ .‬كما أن التربٌة ضرورٌة لبناء الدولة‬

‫‪4‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫العصرٌة‪،‬وإرساء الدٌمقراطٌة الصحٌحة والتماسك االجتماعً والوحدة‬
‫الوطنٌة‪.‬كما أنها عامل هام فً إحداث التؽٌر االجتماعً‪.‬‬

‫األهداف التربوية‬
‫لمحة تاريخية عن تطور حركة األهداف التربوية‪:‬‬
‫إن األهداؾ التربوٌة كانت دابما موجودة عبر العصور‪ ،‬الرتباطها‬
‫بالعمل التربوي ولو فً أبسط صوره البدابٌة كتنشبة اآلباء لؤلبناء من أجل‬
‫إعدادهم للحٌاة وما تتطلبه من خصابص مهارٌة فً شتى مجاالت البٌبة‬
‫ومعطٌاتها فً كل زمن‪ .‬ولعل نظرة بسٌطة لتطور النظرٌات التربوٌة والفكر‬
‫التربوي عموما كافٌة لمبلحظة تطور وتنوع أهداؾ التربٌة‪ ،‬فنظرة الفبلسفة‬
‫الٌونان مثبل لمبلمح شخصٌة الرجل المراد تكوٌنه‪ ،‬محاربا كان‪ ،‬أو فٌلسوفا‬
‫حكٌما‪ ،‬وهدؾ التربٌة المسٌحٌة لتكوٌن الراهب المتعبد‪ ،‬وؼٌرها من األفكار‬
‫التربوٌة‪ .‬كل ذلك لم ٌكن ولٌد زمن محدد بل ٌمتد امتداد تارٌخ اإلنسان‪ .‬ؼٌر‬
‫‪.‬‬
‫وتعتبر أعمبل رالؾ تاٌلور(‪ )1929‬أول خطوة هامة فً حركة األهداؾ‬
‫التربوٌة وتصنٌفها‪ ،‬فقد وضحها فً عبارات سلوكٌة‪ .‬وتأثر الكثٌر من‬
‫المفكرٌن بهذه األفكار التربوٌة‪ ،‬واعتبروا األهداؾ أساسا لكل منهج مدرسً‬
‫أثناء بنابه والتخطٌط لتنفٌذه‪ .‬وهذا ٌعنً أنه أثناء التخطٌط للتدرٌس ٌنبؽً‬
‫تحدٌد األهداؾ أوال‪ ،‬ثم وضع المادة التعلٌمٌة‪ ،‬فوضع الخطة‪ ،‬فتحدٌد الوسابل‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫فالتنفٌذ‪ ،‬ثم التقوٌم‪ .‬ولعل أهم دراسة‪ ،‬اتخذت شكبل متمٌزا فً تارٌخ حركة‬
‫األهداؾ التربوٌة‪ ،‬وكان لها أثرها الواضح فً تحدٌد المسار العلمً‬
‫الموضوعً لؤلهداؾ التربوٌة‪ ،‬وتصنٌفها‪ ،‬ومحاولة التحكم فٌها علمٌا‪ ،‬هً ما‬
‫قام به بلوم وزمبلؤه من دراسات فً هذا المجال‪ ،‬وما توصلوا إلٌه من نتابج‪.‬‬
‫ذلك أنهم حاوال ربط األهداؾ التربوٌة بمكونات الفرد البشري مثلما صنؾ‬
‫سابقوهم سلوك البشر فً ثبلث مجاالت أساسٌة‪ :‬الفكر‪ ،‬االنفعال‪ ،‬العمل‪ .‬وهً‬
‫أهم الوظابؾ التً ٌقوم بها الكابن البشري‪ ،‬والتً ٌتوجه الفعل التعلٌمً إلى‬
‫إنمابها‪.‬‬
‫وتلتها أعمال ودراسات أخرى عدٌدة‪ ،‬تهدؾ إلى تخصٌص األهداؾ‬
‫وإجراءاتها كالنتابج التً توصل إلٌها ماجر ( ‪ ،)1962‬والتً تؤكد ضرورة‬
‫توفر ثبلثة عناصر أساسٌة فً الهدؾ التربوي جٌد الصٌاؼة‪ ،‬وهً‪ :‬تحدٌد‬
‫السلوك المرؼوب‪ ،‬تحدٌد الشروط التً ٌتحقق بها الهدؾ‪ ،‬تحدٌد المعاٌٌر‬
‫ومستوى األداء المقبول‪ ،‬على أن ٌكون هذا السلوك بمثابة الدلٌل على التؽٌر‬
‫الذي حدث فً شخصٌة المتعلم نتٌجة تعلم ما‪.‬‬

‫الغايات‪:‬‬
‫هً عبارات فلسفٌة عامة وواسعة‪ ،‬طموحة‪ ،‬تتسم بالتجرٌد والمثالٌة‬
‫والتعقٌد‪ ،‬بعٌدة المدى ؼٌر محددة من حٌث مدة تطبٌقها‪.‬‬
‫إنها تمثل المستوى النظري الذي ٌضبط التوجهات الكبرى للنظام‬
‫التربوي اعتمادا على فلسفة وقٌم مجتمع ما‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫إنها نواتج مستقبلٌة متعلقة بالفرد والمجتمع‪ ،‬ترؼب فً تحقٌقها سلطة‬
‫سٌاسٌة قابمة‪ ،‬فً ضوء مقومات فلسفٌة‪ ،‬دٌنٌة‪ ،‬أخبلقٌة لمجتمع ما‪ ،‬وعلٌه‬
‫فهً تختلؾ من مجتمع آلخر باختبلؾ األنظمة السٌاسٌة والتربوٌة السابدة‪.‬‬
‫وتمثل بذلك المجال الذي ٌتم فٌه العمل التربوي مراعٌا طبٌعة الفرد‬
‫والمجتمع الذي ٌطمح إلٌهما‪ .‬وتزود المربٌن بالمرجعٌة والمسار القٌمً وهذا‬
‫ما جاءت به أمرٌة ‪ 16‬أفرٌل ‪ 1976‬التً ترسم األبعاد المعبرة عن خصابص‬
‫المواطن الجزابري‪.‬‬

‫المرامي‪-‬المقاصد‪:‬‬
‫وهً أقل عمومٌة وتجرٌدا وأكثر وضوحا وتحدٌدا من الؽاٌات‪ ،‬لكنها ال‬
‫تخلو من العمومٌة والتجرٌد‪ ،‬وترتبط بالنظام التربوي والتعلٌمً‪ .‬وتظهر على‬
‫مستوى التسٌٌر التربوي‪ ،‬وهً تعبر عن نواٌا المؤسسة التربوٌة ونظامها‬
‫التعلٌمً‪ ،‬وتتجلى فً أهداؾ البرامج والمواد التعلٌمٌة وأسبلك التعلٌم‪ .‬وتعتبر‬
‫المرامً وسٌلة لتحقٌق الؽاٌات‪ ،‬كما أنها أكثر تعرضا لئلصبلح والتؽٌٌر‪.‬‬
‫وأنها تلك النواٌا التً تعلن آلفاق أقصر أمد من الؽاٌات وتبقى نوعٌة‪.‬‬
‫وبذلك فالمرامً أقل أمد من الؽاٌات‪ ،‬وأنها عبارات مجزأة وتحلٌلٌة‬
‫للؽاٌات‪ ،‬وترتبط المرامً بالقرارات والمناشٌر السٌاسٌة والتربوٌة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬

‫األهداف العامة‪:‬‬
‫إن الهدؾ العام هو صٌاؼة وتعٌٌن المعطٌات العامة للتعلم التً ٌمكن‬
‫توقعها من تعلٌم وحدة تعلٌمٌة أو مقرر‪ .‬واألهداؾ العامة تمثل قابمة من‬
‫المعطٌات للعمل بها‪ ،‬ولٌست قابمة من ألوان السلوك ٌحققها كل المتعلمٌن‪.‬‬
‫وكل هدؾ تعلٌمً عام ٌتطلب تحدٌدا دقٌقا لعٌنة من السلوك التً تتطلب‬
‫بدورها تحدٌدا أكثر دقة‪ ،‬تمثل إنجاز أنماط سلوكٌة معٌنة من طرؾ المتعلم‪.‬‬
‫‪ٌ .‬ستنتج من هذا التعرٌؾ أن األهداؾ العامة تصؾ مجاالت سلوك‬
‫شخصٌة المتعلم‪ :‬العقلٌة‪ ،‬الوجدانٌة‪ ،‬الحسحركٌة‪ ،‬وتتجلى فً القدرات‬
‫والمهارات والتؽٌرات‪ ،‬التً ٌراد إحداثها لدى المتعلم‪ .‬وٌتوجه عمل المدرس‬
‫بكل وعً إلى تنمٌة هذه الجوانب خبلل فترة تعلٌمٌة معٌنة أو خبلل سنة‬
‫دراسٌة أو فصل‪.‬‬

‫األهداف الخاصة‪:‬‬
‫وهً ترجمة األهداؾ العامة إلى أهداؾ للدروس‪ ،‬وهً تمثل مجال‬
‫التنفٌذ على المدى القصٌر والعاجل وعلى مستوى حصة دراسٌة معٌنة فً‬
‫مادة ما‪ ،‬حٌث ٌتحصل فٌها المتعلم على قدرة أو مهارة ما‪ ،‬عند االنتهاء من‬
‫تعلم معٌن‪.‬‬
‫وٌتضمن الهدؾ الخاص مجموعة من األهداؾ اإلجرابٌة التً تتحدد‬
‫بشروط ومعاٌٌر معٌنة فً الموقؾ التعلٌمً‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫من خبلل عرض مستوٌات األهداؾ التربوٌة نبلحظ أن األهداؾ‬
‫التربوٌة تتجه نحو الدقة والتخصص بدءا من الؽاٌات إلى األهداؾ التربوٌة‬
‫الخاصة فتتفرع الؽاٌات إلى مرامً وتتضمن هذه األخٌرة مجموعة من‬
‫األهداؾ العامة التً تتجزأ إلى أهداؾ خاصة التً تحلل إلى أهداؾ إجرابٌة‬
‫تمثل السلوك الذي سٌنجزه المتعلم بعد نهاٌة مقطع أو درس‪ .‬وٌظهر هذا‬
‫السلوك فً جانب واحد أو أكثر من جوانب شخصٌة المتعلم‪.‬‬

‫أسباب الفشل في تحقيق األهداف التربوية‪:‬‬


‫هناك عدة أسباب تعٌق األهداؾ التربوٌة‪ ،‬منها ما هو ذاتً ومنها ما هو‬
‫موضوعً‪ .‬إن فشل الطالب فً تحصٌل مستوى معٌن من المعارؾ بعد فترة‬
‫تعلٌمٌة معٌنة قد ٌعود إلى مجموعة من األسباب نذكر منها ما ٌلً‪:‬‬
‫*أسباب تتعلق بالطالب نفسه‪ ،‬وهذه تكون على ثبلثة أشكال‪:‬‬
‫‪-‬محدودٌة إمكانٌاته الذهنٌة‪.‬‬
‫‪-‬مشاكل صحٌة ونفسٌة‪.‬‬
‫‪-‬ضعؾ المجهود المبذول‪.‬‬
‫*أسباب تتعلق بالمعلم‪ ،‬وهً أٌضا تكون على ثبلثة أشكال هً‪:‬‬
‫‪-‬محدودٌة اإلمكانٌات الذهنٌة التً تسمح بمساعدة الطالب على تحقٌق‬
‫األهداؾ المسطرة‪.‬‬
‫‪-‬مشاكل صحٌة ونفسٌة‪.‬‬
‫‪-‬ضعؾ المجهود المبذول فً إعداد وتقدٌم دروسه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫*أسباب تتعلق بالتفاعل بٌن المعلم والتلمٌذ‪ ،‬إن سوء التفاعل بٌن‬
‫خصابص المعلم وتبلمذته قد ٌؤدي إلى سوء التوافق الذي ٌنعكس سلبا على‬
‫تحصٌل التبلمٌذ‪.‬‬
‫*أسباب تتعلق بالطرق والوسابل المستعملة فً تحقٌق هذه األهداؾ‪.‬‬
‫*أسباب تتعلق باألهداؾ نفسها كأن تكون صعبة جدا فوق مستوى‬
‫التبلمٌذ أو ؼامضة أو ؼٌر واقعٌة‪.‬‬
‫*أسباب تتعلق بتنظٌم وتسٌٌر المؤسسات التعلٌمٌة‪.‬‬

‫تحديد أهم المفاهيم والمصطلحات المتداولة في علوم‬


‫التربية‪:‬‬

‫‪-‬التربية‪:‬‬
‫التربٌة فً التصور اإلسبلمً كما ٌراها علً أحمد مدكور هً "عملٌة‬
‫متشعبة‪ ،‬ذات نظم وأسالٌب متكاملة‪ ،‬نابعة من التصور اإلسبلمً للكون‪،‬‬
‫واإلنسان‪ ،‬والحٌاة‪ ،‬تهدؾ إلى تربٌة اإلنسان‪ ،‬وإٌصاله‪-‬شٌبا فشٌبا‪ -‬إلى درجة‬
‫كماله‪ ،‬التً تمكنه من القٌام بواجبات الخبلفة فً األرض‪ ،‬عن طرٌق‬
‫إعمارها‪ ،‬وترقٌة الحٌاة على ظهرها وفق منهج هللا"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وٌتم تنفٌذ هذا المفهوم عن طرٌق عملٌة التعلٌم والتعلم‪ .‬فالتعلٌم وسٌلة‪،‬‬
‫والتعلم ؼاٌة‪ ،‬ألنه تعدٌل فً السلوك فً االتجاه المنشود‪ ،‬فكل عمل تعلٌمً‬
‫جٌد البد أن ٌكون له هدؾ تربوي فً نفس االتجاه‪.‬‬
‫وكما أن التعلٌم وسٌلة للتربٌة‪ ،‬فالعلم أٌضا وسٌلة للتربٌة‪ .‬فالتربٌة علم‬
‫إخبار‪ ،‬حٌث إنها إخبار عن الحقابق الكلٌة والمعاٌٌر والقٌم اإللهٌة الثابتة التً‬
‫ٌتلقاها اإلنسان‪ ،‬فٌسلم بها‪ ،‬وٌتكٌؾ معها‪ .‬وهً أٌضا علم حٌث إنها معرفة‬
‫بقوانٌن هللا فً الكون التً تم اكتشافها من قبل‪.‬‬

‫‪-‬التعلم‪:‬‬
‫ٌعرؾ التعلم بأنه تؽٌر فً األداء أو تعدٌل فً السلوك ثابت نسبٌا عن‬
‫طرٌق الخبرة والمران‪.‬وهذا التعدٌل ٌحدث أثناء إشباع الفرد لدوافعه وبلوغ‬
‫أهدافه‪ ،‬وقد ٌحدث أن تعجز الطرق القدٌمة واألسالٌب المعتادة عن التؽلب‬
‫على الصعاب أو عن مواجهة المواقؾ الجدٌدة‪ ،‬ومن هنا ٌصبح التعلم عملٌة‬
‫تكٌؾ مع المواقؾ الجدٌدة‪ ،‬وٌقصد بتعدٌل السلوك أو تؽٌٌر األداء المعنى‬
‫الشامل أي عدم االقتصار على الحركات المبلحظة والسلوك الظاهر‪ ،‬وإنما‬
‫ٌنصرؾ التؽٌٌر أٌضا إلى العملٌات العقلٌة كالتفكٌر‪ ،‬وٌقصد بالخبرة والمران‪،‬‬
‫أوجه النشاط المنسقة التً تخطط لها المؤسسات التعلٌمٌة وتنفذها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬

‫‪-‬مفهوم التعليم‪:‬‬
‫للتعلٌم معانً كثٌرة تختلؾ باختبلؾ قابلها وفلسفته التربوٌة ومحور‬
‫اهتمامه‪ .‬فمن المربٌن من ٌركز جل اهتمامه على المعارؾ والمعلومات التً‬
‫ٌحاول المدرس أن ٌوصلها لتبلمٌذه‪ ،‬فً حٌن ٌعنً البعض اآلخر بنمو‬
‫شخصٌة المتعلمٌن وٌهتم فرٌق ثالث بمخرجات التعلم‪ ،‬كما تنعكس فً سلوك‬
‫األطفال عقلٌا‪/‬معرفٌا ووجدانٌا ونفسحركٌا‪.‬‬
‫وفٌما ٌلً مجموعة من التعرٌفات لمفهوم التعلٌم ٌعكس كل واحد منها‬
‫فلسفة تربوٌة معٌنة‪:‬‬
‫‪-‬التعلٌم عملٌة نقل المعارؾ والمعلومات من المعلم إلى المتعلم فً موقؾ‬
‫ٌكون فٌه للمدرس والدور األكثر تأثٌرا‪ ،‬فً حٌن ٌقتصر دور التلمٌذ على‬
‫اإلصؽاء والحفظ والتسمٌع‪ .‬وتخدم الطرق اإللقابٌة مثل المحاضرة والشرح‬
‫والوصؾ والتفسٌر هذا المفهوم للتعلٌم‪.‬‬
‫‪-‬التعلٌم عملٌة تسهٌل تفاعل المتعلم مع بٌبته بهدؾ تحقٌق النمو‬
‫المعرفً‪ ،‬وذلك من خبلل ما ٌقوم به من بحث وتحلٌل وتركٌب وقٌاس‬
‫واكتشاؾ‪.‬‬
‫ٌدخل ضمن هذا التعرٌؾ ما ٌسمى بمعالجة المعلومات‪ ،‬وهً عملٌة‬
‫تتطلب دورا نشطا إٌجابٌا من قبل المتعلم الذي ٌحول ما ٌكتسبه من معلومات‬
‫إلى مفاهٌم ومدركات تدخل نطاق السكٌمات والتنظٌم المعرفً القابم‪ ،‬وذلك من‬
‫خبلل عملٌات التمثٌل والتوفٌق واالستدماج‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ودور المعلم فً ظل هذا التعرٌؾ هو تهٌبة البٌبة التً تساعد الطفل‬
‫االكتشاؾ وتوجٌه نشاطه العقلً بحٌث ٌحقق الهدؾ األساسً المتمثل فً نمو‬
‫الذكاء‪.‬‬
‫‪-‬التعلٌم عملٌة ؼرضها األساسً مساعدة الطفل على تحقٌق ذاته ونمو‬
‫شخصٌته وتلبٌة حاجاته النفسٌة ومطالب نموه‪ .‬وكما فً التعرٌؾ السابق‪،‬‬
‫ٌكون دور المتعلم إٌجابٌا وفعاال‪ ،‬فً حٌن ٌقوم المعلم بدور األب و األخ‬
‫األكبر الموجه والمرشد والمساعد على النمو بما ٌوفره من مناخ نفسً ٌساعد‬
‫على االنطبلق والتعبٌر عن الذات ومواجهة مواقؾ اإلحباط وتحمل المسؤولٌة‬
‫والشعور بالنجاح وتكوٌن مفهوم ذات إٌجابً‪.‬‬
‫‪-‬التعلٌم عملٌة هدفها مساعدة الطفل على تحقٌق النمو االجتماعً‬
‫ومواجهة مطالب الحٌاة فً جماعة‪ .‬وهذا ٌتطلب من المعلم أن ٌقوم بدور‬
‫توجٌهً لمساعدة األطفال على االندماج فً جماعة واكتساب االتجاهات‬
‫االجتماعٌة اإلٌجابٌة‪ ،‬وتسلٌط الضوء على المشكبلت االجتماعٌة للمساهمة فً‬
‫إٌجاد الحلول المناسبة لها بمشاركة المتعلمٌن الفعالة‪.‬‬
‫والمبلحظ أن التعرٌؾ األول أقرب ما ٌكون إلى المفهوم التقلٌدي لعملٌة‬
‫التعلٌم فً حٌن أن التعرٌؾ الثانً ركز على النواحً العقلٌة‪ .‬وٌدور التعرٌؾ‬
‫الثالث حول حاجات ومطالب النمو‪ ،‬فً حٌن تستهدؾ عملٌة التعلٌم فً‬
‫التعرٌؾ الرابع النمو االجتماعً للطفل وتفاعله مع البٌبة المحٌطة به‪ .‬ومهما‬
‫ٌكن من أمر فإن تركٌز عملٌة التعلٌم حول الطفل‪-‬حاجاته وطبٌعته ومطالب‬
‫نموه‪ -‬أصبح من المسلمات فً ممارستنا التربوٌة‪ .‬فإذا أخذنا باالعتبار أن‬
‫‪13‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫الؽاٌة أو الؽرض األساسً من التعلٌم تحقٌق النمو الشامل والمتكامل للطفل‬
‫فإن مفهومنا ٌجمع بٌن التعرٌفات الثبلثة األخٌرة‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم اإلستراتيجية‪:‬‬
‫ٌقصد باإلستراتٌجٌة المنحى والخطة واإلجراءات والمناورات‬
‫(التكتٌكات) والطرٌقة واألسالٌب التً ٌتبعها المعلم للوصول إلى مخرجات أو‬
‫نواتج تعلم محددة منها ما هو عقلً‪/‬معرفً أو ذاتً‪/‬نفسً أو اجتماعً أو‬
‫نفسً‪/‬حركً أو مجرد الحصول على معلومات‪.‬‬
‫وعملٌة التعلٌم تتضمن جمٌع هذه األهداؾ‪ ،‬إال أن التأكٌد على بعضها‬
‫دون ؼٌرها مسألة باألساس فلسفٌة‪ ،‬ففً حٌن تؤكد التربٌة على التنمٌة الشاملة‬
‫والمتكاملة‪ ،‬وتسعى إلى توفٌر المناخ واألنشطة التً تنمً التفكٌر ومهارات‬
‫التعبٌر الحركً واللؽوي واالنفعالً وفرص التفاعل االجتماعً‪ ،‬تركز مراحل‬
‫التعلٌم على الجوانب العقلٌة‪/‬المعرفٌة بشكل خاص‪.‬‬
‫والبد من تحدٌد األهداؾ التعلٌمٌة أوال إذ علٌها تتوقؾ عملٌة اختٌار‬
‫االستراتٌجٌات المناسبة للخروج بنواتج تعلم معٌنة‪ ،‬على سبٌل المثال‪ ،‬فإن‬
‫المعلم الذي ٌؤمن بأن الهدؾ من التدرٌس ٌنحصر فً تزوٌد التبلمٌذ بأكبر كم‬
‫من المعلومات سٌختار اإلستراتٌجٌة التً تضمن وصول المعلومات بأقصر‬
‫الطرق وأسرعها أال وهً اإللقاء‪ ،‬ومن تكتٌكاتها المحاضرة والشرح والتفسٌر‬
‫والوصؾ‪ .‬أما إذا كان ٌهدؾ إلى تنمٌة عقل الطفل وتفكٌره فإنه سٌؤكد على‬
‫إستراتٌجٌة معالجة المعلومات للتوصل إلى استنتاجات ومفاهٌم وتفكٌر منطقً‬
‫‪14‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫من خبلل تحلٌل المعلومات وإٌجاد العبلقات بٌنها وإعادة تنظٌمها أو تركٌبها‬
‫بالشكل الذي ٌؤدي إلى المزٌد من التعلم‪ .‬وٌكون دور المتعلم فً هذا الموقؾ‬
‫فعاال وإٌجابٌا‪ ،‬فً حٌن بقوم المعلم بتوجٌه نشاط المتعلمٌن العقلً مستخدما‬
‫أسلوب الحوار والتساؤل‪ ،‬وٌعد البٌبة التعلٌمٌة بأدواتها وإمكاناتها بما ٌسمح‬
‫باالكتشاؾ وٌعزز وٌشجع وٌساعد لتحقٌق األهداؾ المحددة‪.‬‬

‫‪ -‬التعليمية‪:‬‬
‫اعتبرت التعلٌمٌة وال زالت كفن التدرٌس‪ ،‬وهذا المفهوم ٌحمل فً طٌاته‬
‫كثٌر من المعانً واألفكار والتصورات التً نحاول تلخٌصها فٌما ٌلً‪:‬‬
‫لٌست التعلٌمٌة طرٌقة أو منهج واحد وموحد للتدرٌس ولكن له طرق‬
‫خاصة تابعة لصاحبها وٌعنً هذا أن لكل معلم أسلوبه الخاص فً تأدٌته للعمل‬
‫التعلٌمً شرٌطة أن ٌكون هذا العمل مكلل بالنجاح ٌعنً أن هذا "الفن‬
‫التعلٌمً" ٌكون معترؾ به من خبلل نتابجه لدى التلمٌذ وتأثٌره العمٌق‬
‫والمثمر على تفكٌره وسلوكه‪.‬‬
‫تكاد أن تبنى التعلٌمٌة على قدراتها للبروز بعبلقة تربوٌة ناجحة بٌن‬
‫المعلم والتلمٌذ بفضل وسابل مدروسة ولٌس ‪-‬كما هو منتظر منها عادة‪ -‬قواعد‬
‫منطقٌة ومقننة متعلقة أساسا بتلقٌن المعارؾ للنشا الصاعد ونشٌر فً هذا‬
‫الصدد ما هً أهمٌة الجانب البلمنطقً والبلشعوري فً العبلقة التربوٌة كما‬
‫هو عادي فً كل الفنون التً ٌلعب فٌها الجانب العاطفً والمحسوس دورا‬
‫حاسما‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫فٌحتمل أن تكون للتعلٌمٌة كفن‪-‬عند بعض االختصاصٌٌن‪-‬طرق ووسابل‬
‫خاصة لتلقٌن المعارؾ أو المعلومات والتً ٌنصح استعمالها لنجاح عملٌة‬
‫التدرٌس حسب المنوال التالً‪:‬‬
‫‪-‬خلق لدى التلمٌذ حاجة ماسة للتعلم بفضل حوافز مختلفة وجذابة‪.‬‬
‫‪-‬ربط المعلومات الجدٌدة بالمعلومات القدٌمة أو السابقة‪.‬‬
‫‪-‬االطبلع على الجدٌد والتعمق فٌه‪.‬‬
‫‪-‬استٌعاب الجدٌد عن طرٌق التكرار واالستظهار‪.‬‬
‫‪-‬استعمال الجدٌد فً أعمال تطبٌقٌة متنوعة‪.‬‬
‫‪-‬فتح مجاالت متعددة وفرص مختلفة السترجاع ما هو محفوظ‪.‬‬
‫رؼم استعمال هذه التقنٌات كلها تبقى التعلٌمٌة كفن مرهونة بشخصٌة‬
‫المعلم وبالكٌفٌة التً ٌطبق بها المعلومات وباختٌار الوقت المناسب الستعمالها‪.‬‬
‫البد من اإلشارة إلى أننا نجد فً اللؽة العربٌة عدة مصطلحات مقابلة‬
‫للمصطلح األجنبً الواحد‪ ،‬ولعل ذلك ٌرجع إلى تعدد مناهل الترجمة‪ ،‬وكذلك‬
‫إلى ظاهرة الترادؾ فً اللؽة العربٌة‪ ،‬وحتى فً لؽة المصطلح األصلٌة‪ ،‬إذ‬
‫ترجم إلى لؽة أخرى نقل الترادؾ إلٌها من ذلك‪ :‬تعدد المصطلحات المستقاة‬
‫من اإلنجلٌزٌة فً شقٌها البرٌطانً و األمرٌكً‪ ،‬و الشواهد على هذه الظاهرة‬
‫كثٌرة فً العربٌة سواء تعلق األمر باإلنجلٌزٌة أم بالفرنسٌة وهما اللؽتان اللتان‬
‫ٌأخذ منهما الفكر العبً المعاصر على تنوع خطاباته و المعارؾ المتعلقة به‪،‬‬
‫منها مصطلح ‪ Didactique‬الذي تقابله فً اللؽة العربٌة عدة ألفاظ و هً ‪:‬‬
‫تعلٌمٌة ‪ ،‬تعلٌمٌات‪ ،‬علم التدرٌس‪ ،‬علم التعلٌم‪ ،‬التدرٌسٌة‪ ،‬الدٌداكتٌك‪ .‬تتفاوت‬
‫‪16‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫هذه المصطلحات فً االستعمال ففً الوقت الذي اختار بعض الباحثٌن‬
‫استعمال "دٌدلكتٌك" تجنبا ألي لبس فً مفهوم المصطلح ‪ ،‬نجد باحثٌن آخرٌن‬
‫ٌستعملون علم التدرٌس و علم التعلٌم و باحثٌن آخرٌن لكنهم قبلبل ٌستعملون‬
‫مصطلح تعلٌمٌات ‪ ،‬أما مصطلح تدرٌسٌة فهو استعمال عراقً ؼٌر شابع ‪.‬‬
‫كلمة تعلٌمٌة ‪ Didactique‬اصطبلح قدٌم جدٌد ‪ ،‬قدٌم حٌث استخدم فً‬
‫األدبٌات التربوٌة منذ بداٌة القرن ‪ ،17‬و هو جدٌد بالنظر إلى الدالالت التً ما‬
‫انفك ٌكتسبها حتى و فتنا الراهن ‪ ،‬وفٌما سٌأتً نحاول تتبع التطور التارٌخً‬
‫لهذا المصطلح بداٌة من االشتقاق اللؽوي وصوال إلى االستخدام االصطبلحً‪.‬‬
‫ٌقول األستاذ حنفً بن عٌسى‪ ،‬كلمة تعلٌمٌة فً اللؽة العربٌة مصدر‬
‫لكلمة "تعلٌم" و هذه األخٌرة مشتقة من علّم أي وضع عبلمة أو سمة من‬
‫السمات للداللة على الشًء دون إحضاره‪ .‬أما فً اللؽة الفرنسٌة فإن كلمة‬
‫دٌداكتٌك صفة اشتقت من األصل الٌونانً ‪ Didaktikos‬و تعنً فلنتعلم أي ٌعلم‬
‫‪ Didactiko‬تعنً أتعلم و‬ ‫بعضنا بعضا‪ ،‬أو أتعلم منك و أعلمك و كلمة‬
‫‪ Didaskein‬تعنً التعلٌم‪ ،‬وقد استخدمت هذه الكلمة فً علم التربٌة أول مرة‬
‫‪ 19‬حٌث ظهر‬ ‫واستمر مفهوم التعلٌمٌة كفن للتعلٌم إلى أوابل القرن‬
‫الفٌلسوؾ األلمانً فردرٌك هٌربارت‪ ،‬الذي وضع األسس العلمٌة للتعلٌمٌة‬
‫كنظرٌة للتعلٌم تستهدؾ تربٌة الفرد‪ ،‬فهً نظرٌة تخص النشاطات المتعلقة‬
‫بالتعلٌم فقط‪ ،‬أي كل ما ٌقوم به المعلم من نشاط‪ ،‬فاهتم بذلك الهربرتٌون‬
‫بصورة أساسٌة باألسالٌب الضرورٌة لتزوٌد المتعلمٌن بالمعارؾ‪ ،‬واعتبروا‬
‫الوظٌفة األساسٌة للتعلٌمٌة هً تحلٌل نشاطات المعلم فً المدرسة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وفً القرن التاسع عشر وبداٌة القرن العشرٌن ظهر تٌار التربٌة الجدٌدة‬
‫بزعامة جون دٌوي ( ‪ )Dewey‬وقد أكد هذا التٌار على أهمٌة النشاط الحً‬
‫والفعال للمتعلم فً العملٌة التعلٌمٌة‪ ،‬واعتبروا التعلٌمٌة نظرٌة للتعلم ال للتعلٌم‪.‬‬
‫الدٌداكتٌك اشتق من البٌداؼوجٌا موضوعه التدرٌس وقد استخدمه الالند‬
‫(‪ )Laland‬كمرادؾ للبداؼوجٌا أو للتعلٌم‪.‬‬
‫كما أن الدٌداكتٌك علم تطبٌقً موضوعه تحضٌر وتجرٌب استراتٌجٌات‬
‫بٌداؼوجٌة لتسهٌل إنجاز المشارٌع‪ ،‬فهً علم تطبٌقً ٌهدؾ لتحقٌق هدؾ‬
‫عملً ال ٌتم إال باالستعانة بالعوم األخرى كالسوسٌولوجٌا‪ ،‬والسٌكولوجٌا‪،‬‬
‫واالبستٌمولوجٌا‪ ،‬فهً علم إنسانً مطبق موضوعه إعداد وتجرٌب وتقدٌم‬
‫وتصحٌح االستراتٌجٌات البٌداؼوجٌة التً تتٌح بلوغ األهداؾ العامة والنوعٌة‬
‫لؤلنظمة التربوٌة‪.‬‬
‫فالدٌداكتٌك نهج أو أسلوب معٌن لتحلٌل الظواهر التعلٌمٌة‪ ،‬فهو الدراسة‬
‫العلمٌة لتنظٌم وضعٌات التعلم التً ٌعٌشها المتربً لبلوغ هدؾ عقلً أو‬
‫وجدانً أو حركً‪ ،‬كما تصب الدراسات الدٌداكتٌكٌة على الوضعٌات العلمٌة‬
‫التً ٌلعب فٌها المتعلم الدور األساسً‪ ،‬بمعنى أن دور المدرس هو تسهٌل‬
‫عملٌة تعلم التلمٌذ‪ ،‬بتصنٌــــــــؾ المادة التعلٌمٌة بما ٌبلبم حاجات المتعلم‬
‫وتحدٌد الطرٌقة المبلبمة لتعلمه مع تحضٌر األدوات المساعدة على هذا التعلم‪،‬‬
‫وهذه العملٌة لٌست بالسهلة‪ ،‬إذ تتطلب مصادر معرفٌة متنوعة كالسٌكولوجٌا‬
‫لمعرفة الطفل وحاجاته‪ ،‬والبٌداؼوجٌا الختٌار الطرق المبلبمة‪ ،‬وٌنبؽً أن‬
‫ٌقود هذا إلى تحقٌق أهداؾ على مستوى السلوك‪ ،‬أي أن تتجلى نتابج التعلم‬
‫‪18‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫على مستوى المعارؾ العقلٌة التً ٌكتسبها المتعلم وعلى مستوى المهارات‬
‫الحسٌة التً تتجلى فً الفنون والرٌاضٌات وعلى المستوى الوجدانً‪.‬‬
‫كما ٌمكننا أن نقول أن الدٌداكتٌك علم ٌنشا نماذج ونظرٌات حول‬
‫التدرٌس قصد تفسٌر ظواهره والتنبوء بها‪.‬‬
‫نستخلص من هذه التعارٌؾ أن الدٌداكتٌك تهتم بكل ما هو تعلٌمً‬
‫تعلمً‪ ،‬أي كٌؾ ٌعلم األستاذ مع التركٌز على كٌؾ ٌتعلم التلمٌذ‪ ،‬ودراسة‬
‫كٌفٌة تسهٌل عملٌة التعلم وجعلها ممكنة ألكبر فبة‪ ،‬ثم اتخاذ اإلجراءات‬
‫المناسبة لفة التبلمٌذ ذوي صعوبات فً التعلٌم‪ ،‬وبالتالً فهً دراسة التفاعل‬
‫التعلٌمً التعلمً‪.‬‬

‫‪-‬تعريف المنهاج‪:‬‬
‫فً اإلؼرٌقٌة فتعنً الطرٌقة التً ٌنهجها الفرد حتى ٌصل إلى هدؾ‬
‫معٌن‪ .‬وفً اإلنجلٌزٌة تقابل كلمة منهاج ( ‪ ، )Curriculum‬وهً كلمة مشتقة‬
‫من جذر التٌنً ومعناها مضمار سباق الخٌل‪ .‬وهناك كلمة أخرى تستعمل‬
‫أحٌانا مرادفة لكلمة منهاج أحٌانا تستعمل بمعنى خاص وهً كلمة "المقرر"‬
‫وتقابل هذه الكلمة باإلنجلٌزٌة كلمة ‪ ، Syllabus‬وٌقصد بهذه الكلمة فً العربٌة‬
‫وباإلنجلٌزٌة المعرفة التً ٌطلب من الطلبة تعلمها فً كل موضوع خبلل سنة‬
‫دراسٌة‪.‬‬
‫إذا كانت كلمة "المقرر" تعنً كم المعرفة‪ ،‬فماذا تعنً كلمة "المنهاج"؟‬
‫إنها تعنً "كم المعرفة" المسمى أحٌانا بالمحتوى‪ ،‬وتعنً األنشطة التعلٌمٌة‬
‫‪19‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫التعلمٌة التً ستوصل هذا المحتوى إلى المتعلم‪ ،‬وتعنً التقوٌم‪ ،‬وأخٌرا‬
‫األهداؾ المتوخاة من تعلم هذا المحتوى‪ ،‬باإلضافة إلى المعلم والمتعلم‬
‫والظروؾ المحٌطة بهما‪ ،‬نبلحظ أن المنهاج مفهوم واسع جدا ٌتسع حتى ٌكاد‬
‫أن ٌشتمل على كل ما تحتوٌه التربٌة‪ ،‬بعكس "المقرر" المشتمل على عنصر‬
‫واحد من عناصر المنهاج أال وهو كم المعرفة أو المحتوى‪.‬‬
‫وٌفضل البعض فً الحقل التربوي استخدام كلمة منهج لتدل على منهجٌة‬
‫التفكٌر والحصول على المعرفة‪ ،‬بٌنما ٌستعمل كلمة منهاج للداللة على الوثٌقة‬
‫التربوٌة‪.‬‬
‫فالمنهاج هو مجموعة من المواد الدراسٌة وموضوعاتها التً ٌتعلمها‬
‫التبلمٌذ‪ ،‬وهذا هو المفهوم التقلٌدي للمنهج‪ ،‬حٌث فهمه الدارسون على أنه‬
‫الكتاب المدرسً‪.‬‬
‫وهو عبارة عن مجموعة حقابق ومعلومات ومفاهٌم منظمة بشكل جٌد‪،‬‬
‫بحٌث ٌسهل فهمها وتعلمها‪ .‬وهذا أٌضا مرتبط بالمفهوم األول‪ ،‬حٌث ٌركزان‬
‫على المحتوى الدراسً‪.‬‬
‫أما جونسون فٌعرفه على أنه "سلسلة منظمة ومتتابعة من المهارات التً‬
‫سٌتعلمها التلمٌذ"‪ .‬وهذا مفهوم قرٌب من تحلٌل المهمات الذي أكد علٌه العالم‬
‫األمرٌكً (سكنر)‪ ،‬وٌتفق أٌضا مع المربً األمرٌكً (جٌمس مٌكدانلد) الذي‬
‫ٌعتبر المنهج خطة مكتوبة جاهزة للتنفٌذ (التدرٌس)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫كما أن المنهج هو مجموعة من األسالٌب التقلٌدٌة العامة متمثلة فً تعلٌم‬
‫التلمٌذ األساسٌات العامة فً ‪ :‬الرٌاضٌات‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والمنطق‪،‬‬
‫وقواعد اللؽة‪ ،‬وكتابات األدٌان العظام‪.‬‬
‫كما أن هناك من ٌعرفه على أنه تفاعل دابم ونشط بٌن البشر من جهة‬
‫(مدرسٌن‪ ،‬وإدارٌٌن‪ ،‬وتبلمٌذ‪ ،‬وعلماء نفس)‪ ،‬وبٌن األشٌاء األخرى من‬
‫معلومات ووسابل تعلٌمٌة‪ ،‬وطرق تدرٌس‪ ،‬وتجهٌزات مادٌة من جهة أخرى‪.‬‬
‫وهو نظام محدد المعالم له مدخبلته (التبلمٌذ والمواد الدراسٌة)‪ .‬وله‬
‫عملٌات (طرق التدرٌس)‪ ،‬وله مخرجاته (معارؾ ومهارات متعلمة)‪.‬‬
‫وهذا المفهوم جاء نتٌجة للتطورات التقنٌة‪ ،‬وتطور نظرٌات التعلم‪ ،‬وهو‬
‫ٌمثل وجهة نظر السلوكٌٌن وعلى رأسهم سكنر أبو تكنولوجٌا التعلٌم‪ ،‬والتعلٌم‬
‫المبرمج‪.‬‬
‫كما أن المنهج هو عبارة عن خبرة تربوٌة متنوعة المجاالت‪.‬‬
‫وٌعرفه بٌنٌه‪" :‬هو بٌان مفصل عن العلوم التً تلقى فً المدرسة‪ ،‬وهو‬
‫الذي ٌشؽل اآلراء بالدرجة األولى تضعه السلطة العامة‪ ،‬ولكن كلما كانت‬
‫هناك أسباب سٌاسٌة واقتصادٌة أو ؼٌر ذلك اتجهت إلٌه األنظار وارتفعت‬
‫األصوات بتعدٌله"‪.‬‬
‫ٌشٌر بٌنٌه فً هذا التعرٌؾ إلى نقطتٌن أساسٌتٌن أولهما العلوم‬
‫والمعارؾ وما تحمله من نظرٌات‪ ،‬وقوانٌن‪ ،‬وقواعد علمٌة‪ ،‬وثانٌها األفكار‬
‫واآلراء الفلسفٌة وما تحمله من مبادئ فلسفٌة وقٌم أخبلقٌة اجتماعٌة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وقد أهمل هذا التعرٌؾ الظروؾ التً ٌطبق بها البرنامج وكذلك بالنسبة‬
‫للوسابل التً تساعد على إنجازه‪ ،‬ولم ٌشٌر هذا التعرٌؾ إلى المتعلم ال من‬
‫قرٌب وال من بعٌد وهو عنصر مهم فً العملٌة التربوٌة‪ ،‬لذا ٌتطلب أثناء بناء‬
‫المنهاج أخذ بعٌن االعتبار خصابص نمو الطفل والمراهق‪.‬‬
‫تعرٌؾ نٌجلً و اٌفان ( )‪" : Neagly & Evans‬كل الخبرات المرسومة‬
‫والمخطط لها مما تقدمه المدرسة لطبلبها لكً ٌحققوا النتابج المرجوة مستؽلٌن‬
‫أقصى ما لدٌهم من قدرات"‪.‬‬
‫تعرٌؾ هارٌست ( ‪" : )Hirsts‬برامج األنشطة الموضوعة لكً تساعد‬
‫الطبلب على تحقٌق أقصى ما ٌستطٌعون من األهداؾ والؽاٌات"‪.‬‬
‫وٌعنً المنهاج المدرسً فً مفهومه التقلٌدي مجموع المعلومات‬
‫والحقابق والمفاهٌم واألفكار التً ٌدرسها الطلبة فً صورة مواد دراسٌة‪،‬‬
‫اصطلح على تسمٌتها بالمقررات المدرسٌة‪.‬‬
‫وقد جاء هذا المفهوم كنتٌجة طبٌعٌة لنظرة المدرسة التقلٌدٌة إلى وظٌفة‬
‫المدرسة‪ ،‬حٌث كانت ترى أن هذه الوظٌفة تنحصر فً تقدٌم ألوان من‬
‫المعرفة إلى الطلبة‪ ،‬ثم التأكد عن طرٌق االختبارات‪ ،‬وال سٌما التسمٌع‪ ،‬من‬
‫حسن استٌعابهم لها‪ .‬ولعل السبب الربٌس فً تشكٌل تلك النظرة الضٌقة‬
‫لوظٌفة المدرسة ٌعود إلى تقدٌس المعرفة باعتبارها حصٌلة التراث الثقافً‬
‫الثمٌن الذي ورثه الجٌل الحاضر عن األجٌال السابقة‪ ،‬والذي ال ٌجوز إهماله‬
‫أو التقلٌل من قٌمته بأي حال من األحوال‪.‬وقد جرت العادة على تنظٌم المادة‬
‫الدراسٌة (المعارؾ‪ ،‬والمعلومات‪ ،‬والحقابق‪ ،‬واإلجراءات) فً موضوعات‪،‬‬
‫‪22‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫وتوزٌع تلك الموضوعات على السنوات الدراسٌة للمراحل التعلٌمٌة المختلفة‪،‬‬
‫وكان ٌطلق على المواد الدراسٌة التً تدرس فً سنة دراسٌة معٌنة المقررات‬
‫الدراسٌة‪ .‬وقد ساعد عمل الكتب ما ٌدرسه الطلبة فً كل صؾ دراسً‪ ،‬بل‬
‫وفً كل مادة تحدٌدا واضحا‪ ،‬وأصبحت الكتب هً المصدر الوحٌد الذي ٌتلقى‬
‫منه الطلبة علومهم‪.‬‬
‫أما مهمة إعداد المنهاج فً مفهومه التقلٌدي‪ ،‬أو إدخال تعدٌبلت علٌه‪،‬‬
‫فقد كانت تناط بلجان من المتخصصٌن بالمواد الدراسٌة‪ ،‬أو بلجان معظم‬
‫أعضابها من هؤالء المتخصصٌن‪ ،‬وكان المسؤولون فً جهاز التعلٌم ٌشددون‬
‫على ضرورة التقٌد التام بالموضوعات التً ٌتم تحدٌدها من قبل اللجان‪ ،‬وعلى‬
‫عدم جواز إدخال أي تؽٌٌر أو تعدٌل فٌها تحت أي ظرؾ من الظروؾ‪ ،‬على‬
‫أساس أن إتقان دراسة هذه الموضوعات واستظهار ما بها من معارؾ‬
‫ومعلومات‪ٌ ،‬مثل الهدؾ األسمى والؽاٌة المتوخاة‪.‬‬
‫وهذا الفهم القاصر للمنهاج كان ٌمثل اتجاها عاما متفقا علٌه‪ ،‬ومستعمبل‬
‫فً العملٌات التربوٌة حتى وقت قرٌب‪ ،‬بل وإلى وقتنا الحاضر فً كثٌر من‬
‫البلدان‪ ،‬وبخاصة تلك التً لم تنل حظا كافٌا من الرقً والتقدم‪ ،‬ولم تتح لها‬
‫الفرصة لئلفادة من الدراسات التربوٌة والنفسٌة التً شملت مختلؾ مٌادٌن‬
‫العملٌة التربوٌة‪.‬‬
‫تطور مفهوم المنهاج القدٌم كثٌرا‪ ،‬ولعل ٌعود ذلك إلى األسباب التالٌة‪:‬‬
‫‪-‬كثرة االنتقادات الموجهة للمنهج التقلٌدي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫‪-‬التطورات فً القٌم والعادات االجتماعٌة‪ ،‬وبالتالً أدت إلى تؽٌرات فً‬
‫أسالٌب وطرق حٌاة المجتمعات‪.‬‬
‫‪ -‬نتٌجة لذلك حدث تؽٌر فً أهداؾ التربٌة وفلسفتها‪ ،‬ودور ووظٌفة‬
‫المدرسة‪ ،‬وبالتالً البد من نظرة جدٌدة للمنهج‪.‬‬
‫‪-‬أظهرت بعض البحوث التربوٌة المٌدانٌة جوانب القصور فً المنهج‬
‫التقلٌدي‪ ،‬والذي لم ٌعد ٌصلح للمجتمعات الحدٌثة‪.‬‬
‫‪ -‬نتابج الدراسات النفسٌة المتعلقة بالمتعلم‪ ،‬والتً أكدت على إٌجابٌة‬
‫المتعلم ومشاركته النشطة فً عملٌة التعلم‪ ،‬وأنه لٌس متلقٌا سلبٌا كما كان‬
‫سابدا‪ ،‬وشمولٌة جوانب شخصٌة المتعلم‪ :‬العقلً‪ ،‬والجسمً‪ ،‬واالنفعالً‪،‬‬
‫واالجتماعً‪.‬‬
‫‪-‬طبٌعة المنهج التربوي المتؽٌرة والمتأثرة بالتؽٌرات التً تحدث فً‬
‫المجتمع‪ ،‬ونتٌجة لكل التؽٌرات السابقة طال المنهج تؽٌر نوعً‪.‬‬
‫المنهاج التربوي الحدٌث هو جمٌع الخبرات (النشاطات أو الممارسات)‬
‫المخططة التً توفرها المدرسة لمساعدة الطلبة على تحقٌق النتاجات التعلٌمٌة‬
‫المنشودة إلى أفضل ما تستطٌعه قدراتهم‪ .‬وهو كل دراسة أو نشاط أو خبرة‬
‫ٌكتسبها أو ٌقوم بها المتعلم تحت إشراؾ المدرسة وتوجٌهها سواء أداخل‬
‫الصؾ كان أم خارجه‪ .‬وهو جمٌع أنواع النشاطات التً ٌقوم الطلبة بها‪ ،‬أو‬
‫جمٌع الخبرات التً ٌمرون فٌها تحت إشراؾ المدرسة وبتوجٌه منها سواء‬
‫أداخل أبنٌة المدرسة كان أم خارجها‪ .‬كما أن المنهاج مجموعة من الخبرات‬
‫المربٌة التً تهٌؤها المدرسة للطلبة تحت إشرافهم بقصد مساعدتهم على النمو‬
‫‪24‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫الشامل وعلى التعدٌل فً سلوكهم‪ .‬كم أنه مجموع الخبرات التربوٌة‬
‫االجتماعٌة والثقافٌة والرٌاضٌة والفنٌة والعلمٌة …الخ التً تخططها المدرسة‬
‫وتهٌبها لطلبتها لٌقوموا بتعلمها داخل المدرسة أو خارجها بهدؾ إكسابهم‬
‫أنماطا من السلوك‪ ،‬أو تعدٌل أو تؽٌٌر أنماط أخرى من السلوك نحو االتجاه‬
‫المرؼوب‪ ،‬ومن خبلل ممارستهم لجمٌع األنشطة البلزمة والمصاحبة لتعلم‬
‫الخبرات نساعدهم فً إتمام نموهم‪.‬‬
‫‪)Toombs & Tierney( 1993‬‬ ‫وفً هذا المجال ٌورد تومبس وتٌرنً‬
‫تعرٌفا للمنهاج الحدٌث وٌقوالن أنه "اسم لكل مناحً الحٌاة النشطة والفعالة‬
‫لكل فرد بما فٌها األهداؾ‪ ،‬والمحتوى‪ ،‬واألنشطة‪ ،‬والتقوٌم"‪.‬‬
‫‪ٌ -‬هتم المنهج الحدٌث بالمتعلم‪ ،‬وٌثق بقدرته على المشاركة النشطة الفعالة‬
‫اإلٌجابٌة‪.‬‬
‫‪ٌ-‬ؤكد على االهتمام بجمٌع جوانب شخصٌة المتعلم‪ ،‬وقدرته على التعلم‬
‫الذاتً‪.‬‬
‫‪-‬المدرسة فً المنهج الحدٌث لها دور متعاون مع المؤسسات األخرى‬
‫لخدمة البٌبة االجتماعٌة‪ ،‬وال ٌقتصر دورها على تلقٌن المواد الدراسٌة للطلبة‬
‫بمعزل عن بٌبتها والمؤسسات األخرى مثل‪ :‬المؤسسات الدٌنٌة والنوادي‬
‫وؼٌرها‪.‬‬
‫‪-‬العبلقة بٌن المدرسة والبٌت فً مفهوم المنهج الحدٌث عبلقة وطٌدة‪،‬‬
‫ولكل دوره التكمٌلً لآلخر‪ ،‬وذلك من خبلل تنظٌم مجالس األباء والمعلمٌن‬
‫والزٌارات المتبادلة وإشراك أولٌاء األمور فً بعض النشطات‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫‪-‬إعداد المنهج‪ٌ :‬شترك فً إعداده فرٌق متكامل من المختصٌن بالمواد‬
‫الدراسٌة‪ ،‬والمختصٌن فً مجال علم النفس التربوي‪ ،‬والتبلمٌذ‪ ،‬وأولٌاء‬
‫األمور‪ ،‬والمعلمٌن‪.‬‬

‫‪-‬بيداغوجيا‪:‬‬
‫كلمة ٌونانٌة مركبة من مقطعٌن األول ‪ PED‬وأصله ‪ PAIS‬أو ‪PAIDOS‬‬

‫بمعنى طفل‪ ،‬والمقطع اآلخر ‪ Agogie‬وأصله ‪ Ogogé‬بمعنى القٌادة والتوجٌه‬


‫(‪. )action de conduire‬‬

‫‪-‬مفهوم التكوين‪:‬‬
‫‪ Biznord & Lietard‬فً تعرٌفهما‬ ‫وقد ذهب كل من بٌزنار ولٌتار‬
‫للتكوٌن مذهبا ثالثا‪ ،‬إذ اعتبراه "مجموعة النشاطات التربوٌة التً تتجاوز‬
‫معنى التكوٌن المبدبً‪ ،‬حٌث ٌسمح لكل شخص أن ٌدعم نفسه فً كل المٌادٌن‬
‫على مستوى المهارات المكتسبة فً الحٌاة العابلٌة أو المهنٌة أو االجتماعٌة أو‬
‫المدنٌة‪ ،‬وأن ٌكتسب أٌضا أكبر قدر ممكن من االستقبلل الجسمً واالقتصادي‬
‫واالجتماعً والفكري والثقافً بقدر استطاعته"‪.‬‬
‫‪Raymand Vatier‬‬ ‫وٌتفق بٌزنار ‪ Biznord‬مع كل من رٌمون فاتً‬
‫والفٌلسوؾ التربوي دوركاٌم الذي ٌرى "أنها عملٌة تربوٌة تمثل مجهودا‬
‫مستمرا لتفرض على الطفل نماذج من الرؤى والتفكٌر والسلوك‪ ،‬التً ال ٌمكنه‬

‫‪26‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫أن ٌدركها بصفة تلقابٌة‪ ،‬إال عن طرٌق المجتمع بكل عناصره والمحٌط‬
‫االجتماعً الذي ٌنتمً إلٌه بصفة خاصة‪.‬‬

‫المحور الثانً‪ :‬فلسفة التربٌة‬

‫عالقة التربية بالفلسفة‪:‬‬


‫ٌذهب بعض المؤلفٌن من بٌنهم جاٌمس روس فً األسس العامة‬
‫للنظرٌات التربوٌة للقول أن هناك عبلقة وطٌدة بٌن التربٌة والفلسفة إذ‬
‫ٌعتبرهما وجهان لعملة واحدة‪ .‬أما نحن فنفرق بٌنهما على أننا معه على شدة‬
‫االرتباط‪ ،‬بحٌث إذا حاولنا دراسة التربٌة عند الٌونانٌٌن أو الصٌنٌٌن‪ ،‬فإننا ال‬
‫نستطٌع دراسة التربٌة الصٌنٌة دون التعرؾ على فلسفة كونفوشٌوس‪ ،‬كذلك ال‬
‫نستطٌع التعرؾ على إبراز المفكرٌن أمثال سقراط وأرٌسطو‪ ،‬وال نستطٌع‬
‫التعرؾ على التربٌة اإلسبلمٌة دون التعرض إلى القرآن الكرٌم والتعرؾ‬
‫علٌه‪.‬‬
‫إن التربٌة تقوم على رافدٌن‪ ،‬إما على أساس عقبلنً‪ ،‬أو على أساس‬
‫الوحً والشرع ومن ثم تعتمد على الشرع ومن األدلة التً جاء بها جاٌمس‬
‫روس لتأكٌد فكرته‪ ،‬هً أنه‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫‪ٌ -1‬رى أن التربٌة والفلسفة شًء واحد ألن التربٌة بدون فلسفة ال تكون‪،‬‬
‫إذ أنها تستمد مفاهٌمها وموضوعها أو مفهوم موضوعها من الفلسفة‪ ،‬بل تستمد‬
‫العقٌدة التربوٌة التً تحتوٌها على مجموعة المفاهٌم والقٌم التربوٌة‪.‬‬
‫‪-2‬كون التربٌة تختلؾ فً مفاهٌمها وقٌمها باختبلؾ المذاهب الفلسفٌة‪.‬‬
‫‪-3‬كون التربٌة والفلسفة كبلهما تعتمد على أٌدٌولوجٌة واحدة‪.‬‬
‫إن العبلقة موجودة بٌن التربٌة والفلسفة لكن هذا ال ٌعنً أنهما وجهان‬
‫لعملة واحدة‪ ،‬إذ أن هناك فروق كثٌرة تتمثل فً‪:‬‬
‫* تنطلق الفلسفة من الشك والنسبٌة‪ ،‬بٌنما التربٌة تنطلق من الٌقٌن وتخرج‬
‫عن نطاقه‪.‬‬
‫* تعالج الفلسفة اإلنسان المطلق‪ ،‬بٌنما التربٌة تعالج اإلنسان كما هو فً‬
‫أي زمان ومكان‪.‬‬
‫* ٌمكن للتربٌة أن تلتزم بالتربٌة‪ ،‬كما ٌمكن أن ال تلتزم بها‪.‬‬
‫*ٌمكن للتربٌة أن تلتزم بالدٌانات‪ ،‬وهً لٌست فلسفة‪.‬‬

‫عالقة التربية بعلم النفس‪:‬‬


‫إن التربٌة تتأثر وتؤثر فً نتابج العلوم األخرى‪ ،‬وسوؾ نقتصر عن‬
‫عبلقة التربٌة بعلم النفس عامة وبعلم نفس التربوي وعلم نفس النمو خاصة‪.‬‬
‫ونبدأ طرح السؤال التالً‪ :‬ما دخل التربٌة بالنسبة إلى علم النفس؟‬

‫‪28‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ٌمكن القول بأن مجال اللقاء بٌن التربٌة وعلم النفس هو المٌدان‪ .‬كما أن‬
‫علم النفس هو دراسة الخبرة النفسٌة‪ ،‬وما تطلبه من دوافع مختلفة لكً تتبلور‬
‫بشكل سلوك ‪ ،‬نزوع‪ ،‬فعادة‪ ،‬فشخصٌة‪.‬‬
‫بٌنما نجد التربٌة هً األخرى تحاول أن تعنى باإلنسان من حٌث هو ذو‬
‫إمكانات فطرٌة نفسٌة جسمٌة وؼٌرها لٌمكن له التكٌؾ األفضل مع المحٌط‬
‫الطبٌعً‪ ،‬االجتماعً …الخ‪ ،‬ال ٌستطٌع التكٌؾ إال على أساس المساعدة‬
‫الموضوعٌة البٌبٌة التً تقدم له من طرؾ اآلخرٌن الراشدٌن لكً ٌجنبه‬
‫األخطاء وٌشجعون قدراته العقلٌة والحركٌة وٌساعدونه على الخبرة التً‬
‫تتبلور فٌها شخصٌته‪ ،‬فالتربٌة تهتم بهذه األمور‪ ،‬فهً تعد اإلنسان ال لٌستؽل‬
‫ثمرات األجداد واآلباء وكل األجٌال اإلنسانٌة بل لٌساهم هو اآلخر فً الجهد‬
‫اإلنسانً فً البناء الحضاري بمعناه الشامل‪.‬‬
‫والمربً ال ٌستطٌع أن ٌعرؾ حاجات المربً إال بمعرفته‪ .‬كما نجد علم‬
‫النفس ٌحاول أن ٌقدم لنا معلومات صحٌحة‪ ،‬فما هو مقدار المعلومات التً‬
‫ٌقدمها علم النفس؟ كما أن التربٌة تحتاج إلى كل العلوم اإلنسانٌة مع اختبلؾ‬
‫فً الطرٌقة‪ .‬والتربٌة تعتمد على الدٌن بحٌث تستمد مفاهٌمها ومفاهٌم اإلنسان‬
‫من الدٌن‪ ،‬كما أنها تعتمد على الفلسفة وتستمد مفاهٌمها ومفاهٌم اإلنسان منها‪.‬‬
‫إن مٌدان التربٌة هو ملتقى الطرق‪ ،‬الذي تصل إلٌه كل الروابً‪-‬روابً‬
‫المعرفة‪ -‬ألن التربٌة كالعامود الفقري‪ ،‬بحٌث أننا نبلحظ أن كل ما له عبلقة‬
‫بالثقافة والحضارة له عبلقة بالتربٌة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫إن االهتمام بالتربٌة واكبه تطور هابل فً مجال علم النفس التربوي ذلك‬
‫أن علم النفس التربوي ٌتناول االهتمام بالفرد فً المواقؾ التربوٌة‪.‬‬
‫ولقد اهتم علماء النفس التربوٌٌن بالمشكبلت التربوٌة مثل الممارسات‬
‫التربوٌة‪ ،‬كالتعلم‪ ،‬الدافعٌة‪ ،‬التوجٌه التربوي‪ ،‬التحصٌل المدرسً وقٌاسه‬
‫وتقوٌمه‪.‬‬
‫كما أن علم النفس التربوي هو فرع من علم النفس ٌهتم بتطبٌق مبادئ‬
‫علم النفس ونظرٌاته ومناهج البحث الخاصة به فً مجال التربٌة والتدرٌس‬
‫والتعلٌم والتدرٌب وما ٌظهر فٌه من مشكبلت وظواهر فً حاجة إلى دراسة‬
‫أو عبلج أو حلول‪ .‬وٌهدؾ هذا الفرع من كل هذا إلى رفع كفاٌة العملٌة‬
‫التربوٌة أو التعلٌمٌة وجعلها أكثر عابدا وأقل تكلفة وأفضل نجاحا‪.‬‬

‫التربية واالنتروبولوجيا (علم اإلنسان)‪:‬‬


‫إن العبلقة بٌنهما وثٌقة من حٌث أن التربٌة تحافظ على هذا المٌراث وتنقحه‬
‫وتعززه وتبسطه وتنقله لؤلجٌال البلحقة‪ ،‬وتعلم األجٌال أٌضا كٌفٌة التكٌؾ مع‬
‫الثقافة‪ .‬باإلضافة إلى أن األنثربولوجٌا تهدؾ إلى دراسة سمات الحٌاة‬
‫االجتماعٌة ومعرفة طبٌعتها ومكوناتها إلعادة بناء تارٌخ المجتمعات أو تارٌخ‬
‫الحضارة‪ ،‬مع تحدٌد معالم التركٌب التارٌخً والحضاري لثقافة ما ومقارنتها‬
‫مع المجتمعات والثقافات األخرى‪ ،‬وهنا تدخل العبلقات التربوٌة ودورها فً‬
‫مجمل هذه العملٌات‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫إن مجمل العلوم األنثروبولوجٌة سواء كانت ثقافٌة أم اجتماعٌة أم فٌزٌقٌة‬
‫تركز على دراسة اإلنسان ككابن اجتماعً أو حضاري‪ ،‬فتدرس أشكال الثقافة‬
‫وأبنٌة المجتمعات البشرٌة‪ ،‬من خبلل دراسة هذه المجتمعات األولٌة‪ ،‬ومعالجة‬
‫ما ٌسمى بأنماط الثقافة البدابٌة والتربٌة هً العوامل األساسٌة التً ٌجب أخذها‬
‫باالعتبار عند دراسة التطور الثقافً ألي مجتمع من المجتمعات البشرٌة‪.‬‬
‫والتربٌة ما هً إال العملٌة التً تؤمن للفرد القدرة على التبلؤم بٌن دوافعه‬
‫الداخلٌة وظروفه الخارجٌة النابعة من بٌبة ثقافٌة واجتماعٌة معٌنة (هذا ما‬
‫ٌدرسه علم االجتماع التربوي) ‪ ،‬وهذا ما تركز األنثروبولوجٌة على دراسة‬
‫اإلنسان من الناحٌة الثقافٌة والجسمٌة‪ ،‬وتهتم بسلوك هذا اإلنسان ضمن إطار‬
‫اجتماعً ثقافً متراكم عبر الصور‪.‬‬

‫صلة التربية بالتاريخ‪:‬‬


‫التارٌخ ٌسجل الجهود الفكرٌة لئلنسان فً محاوالته تفسٌر الحٌاة البشرٌة وفهم‬
‫صلتها بالوجود‪ ،‬وهو علم ضروري ومهم للعلوم اإلنسانٌة‪ .‬ووجود البعد‬
‫التارٌخً ٌساعد العملٌة التربوٌةعلى فهم ما ورثه من الماضً وما أعدته‬
‫للحاضر وكٌؾ تخطط لبلنطبلق إلى المستقبل‪ ،‬وأٌضا ٌساعد على فهم‬
‫المشكبلت التً مرت على البشرٌة فً مراحل تطورها‪ ،‬واالبتعاد عما هو ؼٌر‬
‫صالح لتجنبه والبحث عما هو مفٌد‪ ،‬وكذلك اإلطبلع على المفاهٌم التربوٌة‬
‫التً اتبعها اإلنسان قدٌما وكٌؾ تطورت‪ .‬إن التربٌة فً عبلقتها مع التارٌخ‬

‫‪31‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫تكوّ ن ما ٌسمى بتارٌخ التربٌة الذي ٌدرس حركة المجتمعات البشرٌة‬
‫وتفاعبلتها وتأثٌرها على التربٌة‪.‬‬

‫التربية والبيولوجيا‪:‬‬
‫تعتبر البٌولوجٌا ذلك العلم الذي ٌبحث فً دراسة الكابنات الحٌة من الناحٌة‬
‫العضوٌة وتبلؤمها مع الوسط الذي تعٌش فٌه‪ ،‬والتربٌة تبحث فً معرفة‬
‫قوانٌن الحٌاة العامة والنمو والتكٌؾ وهً وثٌقة االتصال مع ما ٌدرسه علم‬
‫األحٌاء (البٌولوجٌا)‪ ،‬وهذا أدى إلى وجود اتجاه بٌولوجً فً التربٌة‪ ،‬وخاصة‬
‫فً التركٌز على مفهوم التكٌؾ المرن والمبنً على وجود دافع داخلً ٌسعى‬
‫إلى تبلؤم الكابن الحً مع مطالب البٌبة المحٌطة به من مختلؾ أوجهها والتً‬
‫هً جوهر الحٌاة نفسها‪.‬‬

‫التربية وعلم االجتماع‪:‬‬


‫العبلقة بٌنهما وثٌقة‪ ،‬ومما ٌدل على أهمٌتها وضرورتها وجود ما ٌسمى "علم‬
‫االجتماع التربوي" الذي نشأ وتطور فً القرن العشرٌن‪ ،‬وهو العلم الذي ٌجمع‬
‫ما بٌن علم االجتماع وعلم التربٌة‪ ،‬وٌعتبر أحد فروع علم االجتماع العامة‬
‫والكثٌرة‪ ،‬وٌهدؾ للكشؾ عن العبلقات ما بٌن العملٌات االجتماعٌة والعملٌات‬
‫التربوٌة‪ .‬وٌستخدم علم االجتماع باعتباره علم المجتمع وعلم دراسة الظواهر‬
‫االجتماعٌة وتفاعبلتها المختلفة لمساعدة التربٌة فً تأدٌة مهامها ووظابفها‪.‬‬
‫وجمٌع األسس االجتماعٌة هً أسس مهمة فً العملٌة التربوٌة ذلك أن التربٌة‬
‫‪32‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ال توجد فً فراغ‪ ،‬وإنما فً مجتمع له أسسه وعبلقاته االقتصادٌة والثقافٌة‬
‫والسٌاسٌة والتربوٌة‪ ،‬كما أن المجتمع محتاج إلى التربٌة‪ ،‬وخاصة أن التربٌة‬
‫تهدؾ فً جملة ما تهدؾ إلٌه إلى تكٌؾ اإلنسان مع مجتمعه بما فٌه من أنماط‬
‫ثقافٌة وعادات مختلفة‪ ،‬وذلك باستفادتها من النتابج التً توصل إلٌها علم‬
‫االجتماع وتسعى إلى تطبٌقها فً المٌدان‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬تطور الفكر‬


‫التربوي‬

‫التربية في فكر روسو ‪:‬‬

‫بالتأكيد‪ ،‬أف مسألة التربية لـ تكف غريبة عف فكر روسو‪ ،‬فقد تناوليا في‬
‫إطار تفكيره السياسي‪ :‬غايتيا إنشاء مواطنيف وطنييف صالحيف‪ .‬فقد تناوليا في‬
‫مقالتو االقتصاد السياسي التي حررت لمموسوعة وفي مقالتو حوؿ حكومة‬
‫بولونيا‪ .‬كاف فكره صارما‪ ،‬أراد أف تتـ تربية األطفاؿ بعيداً عف عائالتيـ في‬
‫إطار الدولة‪ .‬وحيف قاؿ روسو أف كتاب الجميورية ألفالطوف ىو نظرية في‬
‫التربية‪ ،‬كاف ذلؾ بفيمو أف الدور األوؿ لمدولة ىو تعميـ المواطنيف‪ .‬وأف التربية‬
‫قضية ىامة جداً ال يمكف تركيا لممدرسيف واآلباء‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫‪.‬إنيا‬ ‫«بالتأكيد‪ ،‬أف الشعوب‪ ،‬مع الوقت تكوف مثمما أرادتيا الحكومات‬
‫لنقطة ميمة‪ .‬إف التربية ينبغي أف تعطي النفوس القوة الوطنية‪ ،‬وتوجيو آرائيا‬
‫وأذواقيا بحيث تكوف وطنية بالرغبة والعاطفة والضرورة»‬
‫إف التربية إدماج‪ ،‬تدمر «أنا» الفرد وتعوضيا بػ «أنا» الجماعة بحيث‬
‫يفكر ك ّؿ فرد بالمصمحة الجماعية قبؿ المصمحة الفردية‪ ،‬وىذا ما يدعى«‬
‫الفضيمة»‪ .‬وقد أعطي ىذا المعنى في السطور األولى إلميؿ‪.‬‬
‫«إف المؤسسات الجيدة ىي المؤسسات التي تعرؼ تغيير اإلنساف‪ ..‬نقؿ‬
‫األنا إلى الوحدة الجماعية ‪» .‬‬
‫بالتأكيد أف إميؿ يتناوؿ التربية‪ ،‬حتى أنيا كانت العنواف الفرعي لمكتاب!‬
‫ماذا يعني إذاً ىذا المفيوـ‪ .‬تمثؿ الصفحات األولى منظومة مف التعاريؼ‪،‬‬
‫تتناوؿ الطبيعة‪ ،‬اإلفساد‪ ،‬العادة‪ ،‬اإلنساف والمواطف‪ .‬بشكؿ عاـ فإف ىذه‬
‫المفاىيـ تمثؿ فمسفة القرف الثامف عشر‪ ،‬ىذه الفمسفة التي اتجيت نحو التمييز‬
‫ما بيف الطبيعي و المصطنع‪ ،‬والتي كانت مفتونة بسمطة العادة ومتركزة عمى‬
‫العالقة ما بيف العواطؼ الطبيعية والعواطؼ السياسية‪.‬‬
‫ومف ثـ‪ ،‬أف ك ّؿ ىذه األسئمة تتضح في مفيوـ التربية‪ .‬في المقاـ األوؿ‪،‬‬
‫إف التربية في المفيوـ الشائع ليست صالحة‪ ،‬إنيا صناعة لشواذ‪ ،‬إنيا تيذيب‬
‫يخرؽ الطبيعة‪ ،‬إنيا صالحة لمسياسة‪ ،‬حيث إنيا تكيؼ الفرد مع جماعتو‬
‫وتدمج أناه في األنا الجماعية‪.‬‬
‫بعد تربية الواقع‪ ،‬يحدد روسو التربية في ماىيتيا حسب ثالثية ‪ :‬التربية‬
‫والطبيعة‪ ،‬تربية األشياء‪ ،‬تربية اآلخريف‪ .‬ويعطي في بقية الكتاب مضموناً‬
‫محدداً ليذه الثالثية ‪ :‬تعزز الطبيعة الجسد وتحرر المواىب اإلنسانية‪ ،‬وتطور‬
‫‪34‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫األشياء المحيطة باإلنساف والمتوفرة لسموكو ذاكرتو وعقمو‪ ،‬ويتدخؿ اآلخروف‬
‫بدءاً مف التنبو الجنسي عند نشوء المشاعر الترابطية (الصداقة‪ ،‬الشفقة‪،‬‬
‫التقدير)‪.‬‬
‫بيذه الثالثية «التربوية» يضع روسو انتربولوجيا اجتماعية ذات قاعدة‬
‫طبيعية‪ .‬فيستبعد اجتماعية طبيعية تجعؿ اإلنساف في الدولة مثؿ النحمة في‬
‫خميتيا‪ ،‬وفكرة اجتماعية تعاقدية التي تجعؿ مف الدولة ق ار اًر ناتجاً عف الحساب‬
‫اإلنساني‪ .‬ليست ىناؾ حاجة لقمب الطبيعة ليصبح اإلنساف اجتماعياً‪ ،‬إنيا‬
‫طبيعتو التي تجعمو كذلؾ‪ ،‬ولكف بالعودة‪ ،‬ىذه االجتماعية ال يمكف أف تستغني‬
‫عف فعؿ اآلخريف‪ ،‬إف الوحيد ال يمكف أف يكوف اجتماعياً أبداً‪ .‬إف فعؿ‬
‫اآلخريف عمى اإلنساف ليس مصطنعاً‪ ،‬تفرضو الطبيعة‪ ،‬طبيعة تجعؿ الناس‬
‫يعمموف ما تريد أف يعمموه دوف أف يكوف ليا قدرة عمى فعمو بنفسيا‪.‬‬
‫‪ :‬بأي آليات‪،‬‬ ‫إذاً ما يدعوه روسو «بالتربية» ليس سوى فمسفة السببية‬
‫حسب سياؽ الزمف‪ ،‬تتطور الطبيعة اإلنسانية في اتجاه المجتمع‪ ،‬وفي أي‬
‫آليات تستطيع ىذه الطبيعة أف تفسد وأف تيدـ الصالت الحقيقية لإلنسانية؟ إف‬
‫مفيوـ التربية يجيب عمى ىذيف السؤاليف‪.‬‬
‫إف تربية إميؿ ىي تاريخ اإلنسانية‪ ،‬كاف ينبغي عمى اإلنسانية أف تتربى‬
‫بنفسيا‪ ،‬أي أنو في كؿ إنساف مبادئ تربيتو الذاتية ‪ ،‬وانتقالو مف الطبيعة البرية‬
‫(الوحشية) إلى الطبيعة اإلنسانية‪ .‬إف القمب اإلنساني ىو ذاتو في النوع‬
‫اإلنساني وفي الفرد‪ ،‬وميمة إميؿ ىي وصفو‪ ،‬وىو‪ ،‬في ىذا المعنى كتاب‬
‫انتربولوجيا‪ ،‬تاريخ النوع اإلنساني كما أرادتو الطبيعة وكما كاف ينبغي أف‬
‫يظير‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬

‫مبادئ التربية الطبيعية عند روسو‪:‬‬

‫‪ -1‬اإليماف ببراءة الطفؿ‪ ،‬وىو تأكيد العتقاده بخيرية الطبيعة البشرية‪ ،‬إنو‬
‫يذكر أف اإلنساف ابف الخطيئة‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلعالء مف شأف الطبيعة‪ :‬فالطبيعة يتعمـ منيا اإلنساف ما يحتاج‪،‬‬
‫والتربية الصحيحة ىي السير وفؽ قوانينيا‪.‬‬
‫‪ - 3‬مبدأ الحرية ‪ :‬ترؾ الطفؿ يتدبر أمره بنفسو يحممو عمى التفكير‬
‫واكتشاؼ المفاىيـ والحقائؽ‪ ،‬عمى المربي أف يخمؽ مأزقا لمطفؿ ثـ يترؾ لو‬
‫الحرية لمخروج مف المأزؽ‪ ،‬وبيذا تتـ عممية التعمـ التمقائي الراسخ‪.‬‬
‫‪ - 4‬مبدأ التربية السمبية‪ :‬أي أال نعمـ الطفؿ شيئا ال يطمب تعممو‪ ،‬فترؾ لو‬
‫الحرية في الحركة واالحتكاؾ واكتشاؼ الخبرة العممية واالبتعاد عف الدروس‬
‫المفظية فيقوؿ‪" :‬ال ينبغي أف نمقف الطفؿ دروسا لفظية‪ ،‬فالتجربة وحدىا ىي‬
‫التي يجب أف تتولى تعميمو وتأديبو‪.‬‬
‫‪ - 5‬مبدأ الطفؿ ىو محور التربية‪ :‬أي معاممة الطفؿ كطفؿ ال كراشد‪ ،‬وأف‬
‫ميولو وخصائصو وحاجاتو الحاضرة ومصالحو يجب أف تكوف مركز العممية‬
‫التربوية ال رغبات وطموحات الكبار‪.‬‬
‫إف أصحاب ىذا المذىب ييتموف بطبيعة الطفؿ وأساس التربية عندىـ ال‬
‫يتمثؿ في اإلعداد لممستقبؿ حيث يقوؿ روسو‪ ":‬إف الطبيعة تتطمب منيـ أف‬
‫يكونوا أطفاال قبؿ أف يصبحوا رجاال وعمى المربيف أف ال يحمموا الطفؿ ما ال‬
‫طاقة بو‪ ،‬واال عاش تعيسا"‬

‫‪36‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ومف ىنا ينحصر دور المربي عندىـ في مالحظة نمو الطفؿ نموا‬
‫طبيعيا وتييئة الفرص والظروؼ المالئمة ليذا النمو والتشديد عمى خبرة الطفؿ‬
‫وميولو‪.‬‬
‫أي إشراؾ الطفؿ في العمؿ والتجريب في المعامؿ‪ ..‬وتييئة الظواىر‬
‫إلدراكيا والغاء النظاـ التعميمي القائـ عمى السمطة العميا‪.‬‬
‫وبالعودة إلى السياسات التعميمية في بمدنا نجد أنو مف الناحية النظرية‬
‫فإف القائموف عمى العممية التربوية يؤمنوف بأف ىذه النظريات السابقة بمجمميا‬
‫تكمؿ بعضا ‪.‬‬
‫أما مف الناحية العممية فأعتقد أنيـ لـ يأخذوا بيذه النظريات‪ ..‬وىذا‬
‫يظير ويتضح لنا بسرعة بالنظر إلى النتائج المخيبة التي وصؿ إلييا واقع‬
‫التعميـ والتعمـ‪.‬‬
‫واال كاف يمكف أف نشيد نفس النجاحات التي تحققيا المدارس في فرنسا‬
‫أو الواليات المتحدة‪ ..‬أو أية دولة أخرى‪.‬‬
‫إذا فنحف لـ نشيد الكماؿ في مدارسنا ‪ ..‬ابتداء بإنشاء مباف مدرسية‬
‫الئقة مف حيث توافر الشروط الصحية ومراعاة توافر ساحات المعب والمناشط‬
‫المختمفة وانتياء بموضوع االستيعاب والصفوؼ المكتظة التي تحتـ أف يصبح‬
‫المدرس شرطيا ال مربيا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬

‫جون ديوي ‪ :‬حياتو وأفكاره الفمسفية العامة ‪:‬‬

‫يعتبر جوف ديوي مف أبرز ممثمي ومؤسسي الحركة أو الفمسفة‬


‫البراجماتية‪.‬‬
‫)‪ (Burlington‬مف والية فيرمونت‬ ‫لقد ولد في مدينة بورلنجتف‬
‫)‪ (Vermont‬سنة ‪ ،1859‬وقد تمقى تعميمو االبتدائي والثانوي في مدينتو‬
‫وتعميمو الجامعي في جامعة واليتو‪ .‬وبعد إتمامو لتعميمو الجامعي في واليتو عاـ‬
‫‪ 1879‬اشتغؿ بالتدريس لفترة مف الزمف في إحدى المقاطعات‪ ،‬ثـ ما لبث أف‬
‫تاقت نفسو لمواصمة دراستو العميا في ميداف الفمسفة والعموـ السياسية‬
‫والتاريخية‪ .‬وقد استطاع في سنوات قميمة أف يحصؿ عمى شيادة الدكتوراه في‬
‫الفمسفة مف جامعة جوف ىوبكنز عاـ ‪.1884‬‬
‫وبمجرد حصولو عمى الدكتورة انضـ إلى "جامعة ميتشجيف" كمحاضر‬
‫بيا في الفمسفة‪ .‬وقد بقي في ىذه الجامعة لـ يغادرىا إال فترة قصيرة إلى جامعة‬
‫"مينيسوتا" حتى دعى عاـ ‪ 1894‬لتولي رئاسة قسـ الفمسفة بجامعة شيغاغو‪.‬‬
‫وقد استمر في رئاسة قسـ الفمسفة في ىذه الجامعة حتى انتقؿ منيا في عاـ‬
‫‪ 1904‬إلى جامعة "كمومبيا"‪ ،‬ثـ استمر في جامعة كمومبيا منذ ىذا التاريخ حتى‬
‫تقاعده عاـ ‪.1930‬‬
‫وقد ناؿ "ديوي "شيرة فائقة كفيمسوؼ مفكر وكمصمح تربوي كبير ال في‬
‫الواليات المتحدة وحدىا‪ ،‬ولكف في جميع أنحاء العالـ‪ .‬وقد دفعت ىذه الشيرة‬
‫كثي ار مف البمداف المتقدمة لدعوتو ليحاضر في جامعاتيا وليساعدىا في تنظيـ‬
‫‪38‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫تعميميا‪ .‬فدعتو مثال الياباف في عاـ ‪ 1919‬ليحاضر في الفمسفة في "جامعة‬
‫طوكيو الممكية" ودعتو الصيف ليحاضر في جامعة بكيف لمدة سنتيف‪ ،‬كما دعتو‬
‫الحكومة التركية ليساعدىا عمى تنظيـ تعميميا‪ .‬وقد ظؿ ديوي في نشاط عممي‬
‫دائب حتى توفي عاـ ‪.1952‬‬
‫ومف أبرز أعمالو في الميداف التربوي إنشاؤه لمدرستو النموذجية في‬
‫‪ ،1896‬وقد اتخذ ديوي مف ىذه المدرسة االبتدائية‬ ‫مدينة شيكاغو سنة‬
‫‪1902‬‬ ‫النموذجية حقال لتجربة نظرياتو وآرائو التقدمية في التربية‪ .‬وفي سنة‬
‫ضمت ىذه المدرسة لكمية التربية بجامعة شيكاغو لتكوف مدرسة تطبيقية‬
‫تجريبية ليا‪ .‬وقد حاوؿ ديوي أف يقيـ برامج ىذه المدرسة وادارتيا عمى مبادئ‬
‫الفمسفة البرجماتية التي مف بينيا وجوب االتصاؿ والتعاوف بيف المدرسة والبيت‪،‬‬
‫ووجوب اتصاؿ خبرات التالميذ في المدرسة وادارتيا عمى مبادئ الفمسفة‬
‫البرجماتية التي مف بينيا وجوب اتصاؿ خبرات التالميذ في المدرسة بخبرتيـ‬
‫خارج المدرسة‪ ،‬ووجوب جعؿ األطفاؿ يتعمموف عف طريؽ خبرتيـ ونشاطيـ‬
‫الذاتي ووجوب احتراـ ميوؿ التالميذ وحاجاتيـ وحريتيـ في التعبير عف أنفسيـ‪،‬‬
‫ووجوب مراعاة الفروؽ الفردية بيف التالميذ‪ ،‬واعتبار التربية عممية اجتماعية‪،‬‬
‫والتركيز عمى التعاوف بدال مف التنافس‪ ،‬إلى غير ذلؾ مف المبادئ التي كانت‬
‫مطبقة في ىذه المدرسة التجريبية‪.‬‬
‫وقد كاف ليذه المدرسة أثر بالغ في التمييد لمتربية التقدمية التي سادت‬
‫أمريكا في النصؼ األوؿ مف القرف العشريف‪ ،‬كما كاف ليا فضؿ كبير في إقناع‬
‫اآلباء بأىمية المبادئ التربوية التقدمية وامكانية تطبيقيا وقد شجع ديوي‬

‫‪39‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫بمدرستو ىذه إنشاء العديد مف المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة مف‬
‫الواليات المتحدة‪.‬‬
‫ويمكف أف يضاؼ إلى أعمالو التربوية مئات المقاالت وعشرات الكتب‬
‫في الفمسفة والتربية ‪:‬‬
‫‪ -‬المدرسة والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬الطفؿ والمنيج‪.‬‬
‫‪ -‬الديمقراطية والتربية‪.‬‬
‫‪ -‬الخبرة والتربية‪.‬‬
‫‪ -‬كيؼ نفكر‪.‬‬
‫‪ -‬الطبيعة البشرية والتربية‪.‬‬
‫واذا كاف ديوي قد اشتير بأعمالو وكتبو التربوية كمرب مف أعظـ مربي‬
‫ىذا القرف‪ -‬فإنو قد كانت لو نفس الشيرة تقريبا في عالـ الفمسفة‪ .‬فقد ألؼ‬
‫العديد مف الكتب في الفمسفة وكتب المئات مف المقاالت فييا‪.‬‬
‫العوامؿ التي أثرت في أفكاره‪:‬‬
‫مف ىذه العوامؿ أفكار الفالسفة والعمماء والمربيف الذيف اتصؿ بأفكارىـ‬
‫جورج موريس‪ ،‬الذي كاف مف بيف أساتذتو في الفمسفة‪ ،‬ثـ زميال لو في التدريس‬
‫في جامعة متشيجف‪ .‬فعف طريؽ ىذا الفيمسوؼ تعرؼ ديوي عمى الفمسفة‬
‫المثالية الييجمية وقبؿ بالتدريج كثي ار مف عناصر ىذه الفمسفة‪ .‬ولكنو بعد تعرفو‬
‫ودراستو لنظرية التطور كما شرحيا تشارلز داروف ( ‪ ،)1882-1809‬وتوماس‬
‫ىنري ىاكسمي ( ‪ ،)1895-1825‬وغيرىما مف أنصار ىذه النظرية التي سادت‬
‫في النصؼ الثاني مف القرف التاسع عشر‪-‬تحوؿ إلييا مفضال ليا عمى الفمسفة‬
‫‪40‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫الييجمية‪ ،‬ألنو وجد فييا ما يتفؽ مع ميولو العممية التجريبية‪ .‬ولكف تفضيمو‬
‫لمفمسفة الداروينية لـ يمح تماما تأثره بالفمسفة المثالية الحديثة التي مف أبرز‬
‫مظاىرىا الفمسفة الييجمية‪ .‬ويظير تأثره بالفمسفة المثالية بجانب تأثره بالفمسفة‬
‫الداروينية في االسـ الذي أطمقو بادئ األمر عمى فمسفتو عندما أصبحت لو‬
‫فمسفتو الخاصة المحددة‪ .‬فقد سمى فمسفتو "بالفمسفة المثالية التجريبية"‪ .‬وىذا‬
‫االسـ يحمؿ في طياتو التأثر بالفمسفة العممية الواقعية معا‪.‬‬
‫وكما تأثر بأفكار "جورج موريس" و"داروف" فإنو تأثر أيضا بأفكار‬
‫"تشارلس بيرس" و"ولياـ جيمس" المذيف كاف ليما الفضؿ في تأسيس المذىب‬
‫البرجماتي في الواليات المتحدة األمريكية وبأفكار "ستانمي ىوؿ"‪ ،‬وبعض أفكار‬
‫"روسو" و"بستالوتزي"‪ ،‬و"ىربارت"‪ ،‬و"فروبؿ"‪ ،‬وغيرىـ مف المربيف وعمماء النفس‬
‫المحدثيف‪.‬‬
‫وبجانب تأثره بأفكار الفالسفة والعمماء والمربيف السابقيف عميو‬
‫والمعاصريف لو فقد تأثر أيضا بعوامؿ كثيرة أخرى‪ ،‬مف بينيا‪ :‬المبادئ التي‬
‫تقوـ عمييا الحياة الديمقراطية‪ ،‬والقيـ السائدة في المجتمع األمريكي‪ ،‬وخصائص‬
‫ومتطمبات المجتمع الصناعي الذي عاش فيو‪.‬‬
‫وقد كاف ليذه العوامؿ جميعا تأثيرىا في فمسفتو العامة وفمسفتو التربوية‪.‬‬
‫وستتضح لنا بعض آثار ومظاىر ىذا التأثير في المجموعة التي ستناقشيا مف‬
‫أفكاره ومعتقداتو الفمسفية والتربوية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ترى البرجماتية أف اإلنساف كائف طبيعي يعيش في بيئة اجتماعية وبيولوجية‬
‫ويستجيب إلى المثيرات البيولوجية واالجتماعية وىي ترفض كوف اإلنساف كائناً‬
‫روحياً‪.‬‬

‫االنتقادات التي وجهت إلى الفمسفة البرجماتية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تركز البرجماتية عمى المتعمـ وتعده المحور األساس في بناء المنيج‬


‫وتنفيذه وترفض االتجاىات التربوية التقميدية التي اتخذت المادة الدراسية محو اًر‬
‫ليا في بناء المنيج وتنفيذه ‪ ،‬وألف المتعمـ محور العممية التعميمية وترفض‬
‫البرجماتية التحديد السابؽ لممادة العممية وترفض التخطيط لمعممية التعميمية‬
‫ومراحميا‪ ،‬مما يجعمخا تبتعد عف تنظيـ العممية التربوية مواداً وفصوالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬تؤكد الخبرة الذاتية لمفرد بوصفيا وسيمة لمعرفة العالـ الخارجي‬
‫والتعامؿ معو‪ ,‬وترى أف مفيوـ الصدؽ يطابؽ مفيوـ النجاح والفاعمية تطابؽ‬
‫المنفعة فكؿ ما يحقؽ فائدة عممية ويقود إلى تحقيؽ أىداؼ الفرد صادقاً‬
‫وصحيحاً‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنيا تؤكد النمو التمقائي لمفرد بحكـ العوامؿ الوراثية الحتمية‬
‫والبيولوجية وتنظر إلى أىمية التراكـ الكمي لمخبرات الفردية في تكويف‬
‫الشخصية‪ .‬وعمى ىذا األساس تتعامؿ مع التربية باالنتقاء االجتماعي والتوزيع‬
‫وفقاً لقدرات األفراد الطبيعية ‪ ،‬وال سيما الذكاء‪ .‬وعميو ال يمكف بناء الشخصية‬
‫المتكاممة بحكـ إغفاليا لمتراث الحضاري والعوامؿ االجتماعية والعوامؿ األخرى‬

‫‪42‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫تؤدي أث اًر في بناء شخصية اإلنساف وىذا يناقض منطؽ العمـ ‪ ,‬ويؤدي بالمتعمـ‬
‫إلى تشتت اتجاىاتو‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال تتقيد التربية البرجماتية بمعايير روحية فميس في رأييا وجود‬
‫سابؽ لمقيـ والمعايير الروحية ‪ ،‬ولكنيا تنشأ في أثناء القياـ بالتجارب الناجحة ‪،‬‬
‫وتتولد في أثناء حؿ المشكالت المتنوعة‪ .‬وترى أيضاً أف الخبرة الذاتية لمفرد‬
‫والنجاح الفردي ىما األساس لألخالؽ‪ ،‬وليس تراكـ التراث الثقافي لإلنسانية ‪ ،‬أو‬
‫لمصمحة المجتمع وقيمتو ‪ ،‬فيي بذلؾ ت}كد التنافس ‪ ،‬وتنمي الفردية والنجاح‬
‫الفردي والمنفعة والبقاء لألقوى‪.‬‬
‫‪ -5‬النظرية البرجماتية تركز عمى الجانب العممي لعممية التعميـ فإف‬
‫نشاط المتعمـ وفاعميتو في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططيا المتعمـ‬
‫وينفذىا فيي بذلؾ تقدمو لممعرفة بدالً مف أف تقدـ المعرفة لو‪ .‬وىذا سيؤدي إلى‬
‫تحطيـ التنظيـ المنطقي لممادة العممية ‪ ،‬فضالً عف أنيا ال تقدـ لمتالميذ إال‬
‫المعمومات الجزئية والسطحية ذات اليدؼ النفعي مما يؤدي إلى ضعؼ‬
‫المستوى العممي لمتالميذ‪.‬‬
‫‪ -6‬يتمثؿ دور المعمـ البرجماتي في النصح واالستشارة وتنظيـ ظروؼ‬
‫الخبرة واإلمكانات التي تساعد عمى تعمـ الفرد‪ .‬وىذا يعني إىماؿ الكثير مف‬
‫طاقات المعمـ وامكاناتو وابداعاتو ألنو عنصر فاعؿ في العممية التعميمية مما‬
‫يكسب العممية التربوية قدرة عمى بناء المتعمـ وتعميمو‪.‬‬
‫‪ -7‬إف ىذه النظرية ما ىي إال تعبير عف واقع المجتمع األمريكي‬
‫وتطوره االقتصادي واالجتماعي في تطوره العممي وتقدمو الصناعي ‪ ,‬وىي‬
‫محور القيـ الحضارية واالجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح ‪ ,‬ونمو الروح‬
‫‪43‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫الفردية والنزعة العممية والواقعية والنفعية معبرة عف ازدىار الرأسمالية وقوة‬
‫البرجوازية‪.‬‬
‫ويقدـ سميماف بف صالح الخراشي نقد لمبراجماتية مف طرؼ بعض‬
‫المتخصصيف في الفكر الغربي ‪:‬‬
‫يقوؿ سماح رافع محمد في كتابو " المذاىب الفكرية المعاصرة‬
‫الروح المادية لمقرف العشريف‪...‬وىي‬ ‫"‪(:‬البراجماتية فمسفة عممية انبثقت مف‬
‫أمريكية النشأة‪ ،‬رأسمالية االتجاه)‪ (.‬وكممة البراجماتية في أصميا المغوي مشتقة‬
‫المجدية‪ ،‬ويصبح المقصود‬ ‫مف كممة يونانية تعني العمؿ النافع‪ ،‬أو المزاولة‬
‫منيا ىو " المذىب العممي " أو " المذىب النفعي")‪ .‬ومؤسسيا " تشارلز بيرس "‬
‫الذي ( كاف أوؿ مف ابتكر كممة البراجماتية في الفمسفة المعاصرة )‪.‬‬
‫ويقوؿ الدكتور مصطفى حممي الذي يقوؿ في كتابو " الفكر اإلسالمي‬
‫في مواجية الغزو الثقافي" ‪:‬‬
‫بػ "‬ ‫‪ ( -‬تنسب " البراجماتية " كفرع فمسفي إلى أصؿ شجرتيا المسماة‬
‫الوضعية " ‪ ،‬فيجب أف نعرؼ أوالً بالوضعية ليسيؿ عمينا بعد ذلؾ فيـ معالـ‬
‫الفمسفة البراجماتية‪.‬‬
‫إف الوضعية " ىي اتجاه فكرى يقتنع بما ىو كائف ويفسره ويرفض ‪ :‬أف‬
‫ينبغي أف يكوف " ‪ ،‬ثـ أخذت الوضعية الشكؿ الجديد في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية واسمو " البراجماتية " ىذا الشكؿ الجديد يحدده الدكتور توفيؽ الطويؿ‬
‫بقولو " إذا كانت الوضعية قد رفضت التسميـ بالحقائؽ المطمقة والقضايا‬
‫الميتافيزيقية ‪ ،‬فإف الفمسفة العممية ال تتردد في قبوليا واعتبارىا صادقة متى‬
‫كانت مفضية إلى نفع يتحقؽ في حياة الناس " ‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ولفيـ مضموف ىذه الفمسفة ‪ ،‬ينبغي أف نعرؼ أوال أصميا المغوي ثـ‬
‫ننتقؿ إلى التعريؼ بمؤسسيا " تشارلز بيرس " ثـ بياف تفصيؿ الفمسفة عف أبرز‬
‫فالسفتيا وىو " وليـ جيمس " ‪:‬‬
‫األصؿ المغوي يفيد " ما ىو عممي " ومف ىنا أطمؽ عمييا اسـ " الفمسفة العممية‬
‫" ‪ ،‬ولذلؾ فإنيا تيتـ بالعمؿ عمى حساب النظر‪.‬‬
‫‪ 1839‬ػ‬ ‫إف مؤسس ىذا المذىب الفمسفي ىو تشارلز ساندر بيرس "‬
‫‪ " 1914‬ـ ‪ ،‬وىو صاحب فكرة وضع ( العمؿ ) مبدأ مطمقًا ؛ في مثؿ قولو‪:‬‬
‫"إف تصورنا لموضوع ماىو إال تصورنا لما قد ينتج عف ىذا الموضوع مف آثار‬
‫عممية ال أكثر " ‪.‬‬
‫ويتوسع فى دائرة العمؿ بحيث يشمؿ المادي والخمقي أو التصور ‪،‬‬
‫وتثمر ىذه النظرة لمعمؿ اتساع العالـ أمامنا ‪ ،‬إنو عالـ مرف ‪ ،‬نستطيع التأثير‬
‫فيو وتشكيمو ‪ ،‬وما تصوراتنا إال فروض أو وسائؿ ليذا التأثير والتشكيؿ ‪.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬األسس االجتماعية لمتربية‬

‫ىي القوى االجتماعية المؤثرة في وضع المنيج وتنفيذه وتتمثؿ في التراث‬


‫الثقافي لممجتمع والقيـ والمبادئ التي تسوده والحاجات والمشكالت التي ييدؼ‬
‫إلى حميا واألىداؼ التي يحرص عمى تحقيقيا‪ .‬وىذه القوى تشكؿ مالمح‬
‫الفمسفة االجتماعية أو النظاـ االجتماعي ألي مجتمع مف المجتمعات وفي‬

‫‪45‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫ضوئيا تحدد فمسفة التربية التي بدورىا تحدد محتوى المنيج وتنظيمو‬
‫واستراتيجيات التدريس والوسائؿ واألنشطة التي تعمؿ كميا في إطار متسؽ‬
‫لبموغ األىداؼ االجتماعية المرغوب في تحقيقيا‬
‫وىذه القوى تشكؿ مالمح الفمسفة االجتماعية أو النظاـ االجتماعي ألي‬
‫مجتمع مف المجتمعات‪ ,‬وفي ضوئيا تحدد فمسفة التربية التي بدورىا تحدد‬
‫محتوى المنيج وتنظيمو واستراتيجيات التدريس والوسائؿ واألنشطة التي تعمؿ‬
‫كميا في إطار متسؽ لبموغ األىداؼ االجتماعية المرغوب في تحقيقيا‪.‬‬
‫ػ تنمية وتأكيد االتجاه االجتماعي لقبوؿ المساواة بيف الرجؿ والمرأة‬
‫ومشاركتيا في الحياة االجتماعية‪ ،‬في إطار مف ثوابت وقيـ الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬ونبذ النظرة إلى المرأة عمى أنيا أقؿ مكانة مف الرجؿ‪.‬‬
‫‪ 3‬ػ تطوير إستراتيجية التربية العربية بما يحقؽ تأكيد المبادئ التالية‪:‬‬
‫ػ تكويف إنساف معتز بأنو عربي ومسمـ أو مسيحي مف أبناء األمة العربية‬
‫ػ تكويف إنساف يقبؿ االختالؼ االجتماعي والثقافي ويحترـ اآلخريف في‬
‫أسرتو ومجتمعو والعالـ‪ ،‬ولو القدرة عمى التعايش والتعامؿ معيـ بروح إيجابية‬
‫بناءة‬

‫‪ -‬المشاكل التي تواجو المنظومة التربوية في الجزائر‪:‬‬

‫تعاني المنظومة التربوية مف عدة مشاكؿ‪ ،‬و ال يمكف إسناد مصدر ىذه‬
‫المشاكؿ إلى طرؼ دوف آخر‪ ،‬و مف بيف ىذه المشكالت ‪:‬‬
‫* ضعؼ المستوى الدراسي‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫* ارتفاع نسبة التسرب المدرسي‪.‬‬
‫* حصر التربية عمى المدرسة وغياب األولياء عنيا‪.‬‬
‫* غياب منيجية عممية لمتقويـ‪.‬‬
‫* اكتظاظ األقساـ مما يعرقؿ السير الحسف لمدرس واستيعاب التالميذ‪.‬‬
‫* مشكالت مصدرىا األستاذ نفسو‪.‬‬
‫* مشكالت مصدرىا التمميذ‪.‬‬
‫* مشاكؿ مادية ومعنوية يعني منيا الطرفيف(معمـ‪،‬متعمـ)‪.‬‬
‫* نقص اإلمكانات المادية والوسائؿ البيداغوجية‪.‬‬
‫* نقص دراسات عممية ميدانية قبؿ إجراء تعديالت معينة‪.‬‬
‫* غموض سياسة التخطيط‪.‬‬

‫اإلصالح التعميمي وضرورة التغير االيجابي‬


‫إف اإلصالح التعميمي وضرورة التغير االجتماعي يساىـ في بناء‬
‫بناء صحيحاً يبعدىا عف االنحطاط والتخمؼ التي غرقت‬
‫المؤسسة التعميمية‪ً ،‬‬
‫فيو عمى مدى العقود الماضية‪ ،‬والتي كانت فيو المؤسسة التربوية عرضة‬
‫لالنتياؾ والتجاوز األخالقي‪ ،‬مما جعؿ اليوة واسعة بيننا وبيف المجتمعات‬
‫األخرى التي استطاعت التخمص مف الفردانية في الحكـ‪ ،‬والسيطرة والشمولية‬
‫واخضاع المجتمع لمرأي الواحد‪ ،‬الذي احتكر الفعالية االجتماعية واالقتصادية‬
‫والسياسية والتربوية‪ ،‬وقاـ بتقنينيا منيجاً وسموكاً لتصب في منافعو وتطبؿ‬

‫‪47‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫لشعائريتو الزائفة‪ ،‬مما أدى بالعممية التربوية إلى االنكماش والتقوقع في الوقت‬
‫الذي نرى أف المجتمعات المتقدمة رأت في التعميـ ما يوطد الحياة الديمقراطية‪،‬‬
‫ألنيا اعتقدت وآمنت بأف نشر العمـ بيف طبقات الشعب مف األسس المتينة التي‬
‫يقوـ عمييا صرح الحرية واالستقالؿ الوطني‪ ،‬ألف الحرية ال تستقيـ مع الجيؿ‪،‬‬
‫ألف دعامتيا (التعميـ الذي يشعر الفرد بواجبو وحقو وبواجبات نظرائو وحقوقيـ‬
‫الديمقراطية‪.‬‬
‫وىذا يدفعنا لمقياـ ‪ (1‬بتغيير جذري في نظاـ التربية والتعميـ مف أجؿ‬
‫بناء الفرد والمجتمع ) كي نتمكف مف بناء شخصية قوية منتجة ال تعاني مف‬
‫العقد واإلحباطات‪ ،‬وتستشرؼ المستقبؿ‪ ،‬ال مف خالؿ األماني والخطاب‬
‫الديماغوجي‪ ،‬وانما بالنزوع (لدراسة المستقبؿ بيدؼ التنبؤ واالستعداد والتأثير‬
‫فيو)‪ ،‬منطمقيف في ذلؾ مف عممية استقراء تعتمد العممية والمنطؽ لمحاضر‬
‫واشكالياتو‪ ،‬ألنو لـ يعد التعميـ في ضوء الدراسات الحديثة‪ ،‬وما أثمر تمعف‬
‫نظريات جديدة في مجاؿ تعريؼ التعميـ‪ ،‬وما أتاحو التقدـ التكنولوجي مف‬
‫وسائؿ مساعدة لالختبار والقياس ينظر إليو لتحصيؿ لممعرفة والميارات‪ ،‬أو أنو‬
‫تدريب عقمي! بؿ أصبح ينظر إليو بأنو عممية تربوية تيدؼ إلى إحداث تغيير‬
‫في السموؾ معتمداً عمى(عوامؿ عدة في بيئة المتعمـ الكمية وأثر الخبرة التعميمية‬
‫عمى شخصية وسموؾ اإلنساف)‪ .‬وىذا في حالتنا اآلف يستوجب لموصوؿ إلى‬
‫المسار االجتماعي‪/‬الحضاري الصحيح‪ ،‬القياـ باإلصالح والتغيير الجذري لنظاـ‬
‫التربية والتعميـ مف أجؿ قياـ مجتمع جديد متوازف وواع‪ ،‬وىذا يتطمب القياـ‬
‫بميمتيف أساسيتيف ىما (التخطيط والتنفيذ‪ ،‬مع تييئة الضمانة اإلجرائية الالزمة)‬
‫لتغيير الفرد الذي ىو النواة األساسية في المجموعة االجتماعية وجعمو إنساناً‬
‫‪48‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫جديداً متوافقاً مع المفاىيـ واألفكار الجديدة التي تتيحيا لو الحرية التي استعادىا‬
‫ٍ‬
‫لعقود مف الزمف‪.‬‬ ‫بعد أف فقدىا‬
‫وعممية التغيير واإلصالح ىذه ال يمكف أف تتـ بعفوية أو بالعصا‬
‫السحرية‪ ،‬بؿ إنيا تتطمب (عممية شاممة مف التربية واإلرشاد) تفسح المجاؿ‬
‫لمفرد بالوصوؿ بقدراتو واستعداداتو إلى أقصى طاقاتيا‪ ،‬وذلؾ مف خالؿ نظاـ‬
‫يسمح بالمرونة في إعداد وتخطيط المناىج وتنظيميا بما يتوافؽ والطيؼ‬
‫المجتمعي لمعراؽ وحاجاتو‪ ،‬مؤمنيف (بأف الشيء الميـ في التعميـ ليس فيما‬
‫تحتويو المادة ذاتيا بؿ في القدرة العقمية اليامة التي تنمو نتيجة ليا‪ ،‬فقد وجو‬
‫عمـ النفس الوظيفي أنظار المربيف إلى رأي جديد‪ ،‬وىو أف اإلنساف يتعمـ طرقاً‬
‫معينة نتيجة الستجابتو لمواقؼ معينة‪ ،‬أي أف استجابة الفرد تتنوع تبعاً لنوع‬
‫المواقؼ التعميمية) ألف اإلصالح والتغيير الذي نريده لمجتمعنا الجديد‪ ،‬ال‬
‫ينبغي أف يكوف عشوائياً‪ ،‬بؿ يجب أف يسير وفؽ القيـ التي يرسميا الدستور‬
‫لممجتمع‪ ،‬مف أجؿ إقامة المجتمع الديمقراطي‪ ،‬ألف إصالح النظـ المدرسية‬
‫القائمة (بيف الفينة والفينة مطمب ضروري‪ ،‬السيما وأف الشروط االجتماعية‬
‫الجديدة‪ ،‬وتطور العموـ اإلنسانية‪ ،‬تجعؿ التغيير والتطور ضرورياً)‪.‬‬
‫عمى ضوء ما تقدـ سوؼ نتناوؿ في بحثنا ىذا محوريف يشكالف العصب‬
‫والعمود الفقري لمعممية التربوية التعميمية ىما(المدرسة والمنيج) مؤكديف أف‬
‫اإلصالح ال يمكف أف يتـ دوف وثائؽ كافية ودوف اتصاؿ حي فعمي بالواقع‬
‫المدرسي‪ ،‬لذلؾ البد مف اعتماد أصوؿ البحث العممي المنظـ‪ ،‬واال كنا أماـ‬
‫اجتيادات شخصية‪ ،‬يمكف أف تدحضيا اجتيادات شخصية أخرى‪ ،‬إذ أف مف‬
‫شروط نجاح اإلصالح والتغيير أف يتـ(التعاوف بيف القائميف بالبحث وبيف الييئة‬
‫‪49‬‬
‫الدكتورة مزهورة شكنون‪ -‬عماروش استاذة حماضرة "ب"‬
‫التعميمية واإلدارييف والباحثيف المختصيف وسائر األشخاص المعينيف بالحياة‬
‫المدرسية)‪.‬‬

‫‪50‬‬

You might also like