Professional Documents
Culture Documents
المختصر الوجيز في تاريـخ حزب البعث العربي الإشتراكي
المختصر الوجيز في تاريـخ حزب البعث العربي الإشتراكي
المختصر الوجيز في تاريـخ حزب البعث العربي الإشتراكي
حزب البعث العربي االشتراكي هو حزب وُلِدَ في ظروف مجتمعية سياسية واقتصادية كان لها دورها الكبير في صياغة
أهدافه ،وبرامجه السياسية حيث كانت سوريا ما تزال تحت االنتداب الفرنسي ،أما العراق فرغم أنه كان قد حقق نوعاً
من االستقالل منذ عام ، 0391إال أنه كان مرتبطاً مع بريطانيا بمعاهدة تحد من استقالله ،وتجعله تابعاً سياسياً ،
واقتصادياً لبريطانيا ،فما هي هذه الظروف التي ساهمت في وجود هذا الحزب وما هي تداعياتها على أهدافه ،وبرامجه
السياسية ؟ ،هذا ما سيوضحه لنا هذا المبحث من خالل بحثه في أيديولوجية حزب البعث وعقيدته السياسية واالقتصادية
في تفسيره ،وتحليله للمجتمع العربي بشكل عام ،والعراقي بشكل خاص ،وتفسير هذه األيديولوجيا على ضوء أفكار
منظر البعث ومؤسسه األول ميشيل عفلق ؛ من خالل عرض أهم آراءه حول تناقضات المجتمع ،وحلولها من وجهة نظره
،على أساس أنه يعتبر المفسِّر األول واألخير أليدولوجيا حزب البعث ،إضافة لما يهم الدراسة من بعض المنطلقات
النظرية للحزب؛ تلك المنطلقات التي صاغتها المؤتمرات القومية للحزب خالل فترات انعقادها .
-9اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الواليات العربية ،واالعتراف بها كلغة ثانية في البرلمان العثماني.
-4اقتصار الخدمة العسكرية على حاجات الواليات العربية ،باستثناء الحاالت العادية.
ومنذ ذلك الوقت بدأت اآلراء القومية تجد لها مريدين في الدول العربية وخاصة تلك الدول التي عانت من التقسيم
االستعماري لها ،وهي دول الهالل الخصيب ،حيث قُسِّمت هذه المنطقة بين فرنسا ،وبريطانيا ؛ فكان نصب فرنسا كل من
سوريا ،ولبنان ،أما نصيب بريطانيا فكل من العراق ،واألردن ،وفلسطين ،ورغم ما كان يربط هذه المنطقة ببعضها
البعض من روابط سياسية ،وعشائرية ،واقتصادية ،إال أن نظامي االنتداب الفرنسي واإلنكليزي عمال على حل هذه
الروابط ؛ فنشأت فيها موجات متصاعدة من الصراع الداخلي.
-0اجتماع القوى الوطنية بغض النظر عن انتمائها الطبقي ،وتكوينها الفكري على مكافحة االحتالل من منطلقات ،
ومواقف ،ومصالح مختلفة.
-2هيمنة الطابع اإلقليمي على الحركات االستقاللية ،وتركيزها على تحقيق االستقالل السياسي ضمن حدود القطر العربي
الواحد.
-5بدء بروز الطبقة الوسطى عن طريق بعض المثقفين ،والضباط ،وقيادات األحزاب ،والحركات السياسية.
-6بروز دور النخبة المثقفة على حساب المشاركة الواسعة والفعَّالة للجماهير.
-7إهمال األحزاب الوطنية التي تتزعمها البرجوازية للمطالب االجتماعية ،وعزلها لطلب االستقالل ،والحرية عن مطلب
التغيير االجتماعي ،والتطور الرأسمالي.
وفي هذه الظروف اتسم المجتمع العربي في بنيته االجتماعية ،بعدة سمات أهمها:
-2طابع التخلف المسيطر على القطاعات األساسية الثالث (البدوي ،الريفي ،المديني) للبناء االجتماعي ،وارتفاع نسبة
السكان في القطاعين البدوي والريفي ،وانخفاضها في القطاع المديني.
-9غلبة العالقات اإلقطاعية في الريف ،والنمو النسبي للعالقات الرأسمالية في المدن (البرجوازية التجارية
،والصناعية).
-4بدء بروز الطبقة العاملة ،وصعود الطبقة الوسطى ( المالكون ،وصغار التجار ،وأصحاب المهن الحرة ،والمثقفون
الوطنيون ،والعناصر الوطنية في الجيش ....الخ) ،خاصة بعد بدء إنتاج النفط العراقي الذي اكتشفت في عام ، 0327
بالقرب من شمال مدينة كركوك العراقية ،ثم في بقية أجزاء العراق.
-5انتشار األيديولوجيات الليبرالية ،واالشتراكية ،والفاشية إلى جانب الوعي القومي ،ونمو النزعات االستقاللية ،
والتحررية.
وعلى هذا األساس رأى الكثير من المثقفين أن التكامل العربي من خالل الوحدة االقتصادية العربية ،هو الهدف الرئيسي
وهو السبيل واألساس المادي للوحدة العربية الشاملة ،وإن تجاهل هذه األهداف يجعل التكامل االقتصادي بين الدول
العربية ليس سوى شكالً من أشكال التكامالت االقتصادية العادية التي هي شكل من أشكال التنظيمات اإلقليمية ؛ للقضاء
على التمييز في المعاملة في محيط الدول األعضاء ،وأن السياسة االستعمارية عمدت إلى تجزئة الوطن العربي؛ من أجل
القضاء على الوحدة العربية ،واستنزاف ثروات األمة ،واالستفادة من الموقع االستراتيجي للوطن العربي ،وإضعاف الروابط
بين اقتصادياته ،وربطها بالغرب ،والحيلولة دون قيام الصناعات الوطنية ؛ إال بما يخدم أغراضها االستعمارية.
لهذا كان للنموذج الوحدوي جاذبية كبيرة في الدول العربية ،وخاصة في دول الهالل الخصيب ؛ بسبب ما تعانيه هذه
األقطار من تشرذم سياسي ،وعدم تجانس ثقافي ،ووجود الوالءات الطائفية ،والقبلية ،واإلقليمية ،فال وفاق جماعي
داخلها في القضايا األساسية التي تواجهها ؛ لذلك رأى الكثير من السياسيين في هذه الدول ضرورة التطلع خلف حدود
هذه األقطار من أجل حل المشاكل المتعلقة بهوية هذه الدول ؛ بسبب ما تعانيه من أزمة الهوية داخلها ،حيث حاول
االستعمار أن يصنع لها هوية مختلفة عن هويتها األصلية ،وجعلت تلك الهوية عمداً لصالح األقليات سواء كانت أقليات
طائفية ،أو عرقية ،أو طبقية ،أو غير ذلك ،لذلك فقد أخفقت حكومات مابعد االستقالل ؛ التي كانت سياستها قطرية ،
وإقليمية إلى حد بعيد في جذب مشاعر الوالء ،والطاعة من الشعب كله ،من هنا كان دور الصفوة السياسية التي جعلت
من أولى مهامها البحث عن الهوية الوطنية من خالل إقليم يتجاوز حدود هذه الدول ،فكانت مشاريع سوريا الكبرى ،أو
الهالل الخصيب ،أو الوحدة العربية الشاملة ،تلك المشاريع التي دعت إلى وجوب وجود هوية جامعة خارج كيان هوية
الدولة القطرية.
وكان فشل السياسيين السورين التقليديين ،الذين تزعموا نضال الشعب السوري ضد االنتداب الفرنسي في المفاوضات ،
مع سلطات االنتداب الفرنسي ،قد ساهم في سلب لواء اإلسكندرونة السوري لصالح تركيا عام ، 0393كما أنهم تميزوا
في فترة ما بعد االستقالل الرسمي السوري عام 0349؛ بعدم القدرة على قيادة هذه المرحلة ؛ بسبب نقصهم للكفاءات
اإلدارية ،وعدم قدرتهم على حل المشاكل االقتصادية ،واالجتماعية ،إضافة لعدم قدرتهم على تحقيق التضامن العربي،
كبديل لسد عجزهم عن كبح جماح التسلط الصهيوني على فلسطين التي يعتبرها الكثيرين أنها جزءاً من الوطن السوري
بشكل خاص ،والعربي بشكل عام ،كل ذلك أدى إلى والدة أحزاب جديدة سواء كانت تقليدية ،أو يسارية.
كما كان ظهور جماعة مساندة للثورة العراقية عام ،0340واشتراك عدداً من القوميين السوريين فيها ،ودعهما مادياً،
خاصة أن هذه الثورة كانت قد دعت لتحرير سوريا ،والعراق معاً ،مما زاد من مريدي األحزاب القومية في كل من
سوريا ،والعراق ،حيث رؤوا أن التجزئة الحاصلة بين الدول العربية ،هي تجزئة تحاول أن تكون ثابتة ،وشرعية ،بخالف
العهود قبل سايكس بيكو.
كما أن وجود الجامعة العربية منذ عام ،0349وقيام دستورها منذ عام ،0345قد أثار القوميين العرب ،الذين رؤوا
فيها مؤامرة غربية بريطانية تهدف لمنع تدخل الحكام العرب في شؤون بعضهم البعض ،واحترام كل منهم لحدود الدول
العربية األخرى ،وإقامة الصالت الدبلوماسية مع بعضهم البعض كما لو كانوا دو ًال أجنبية ،مما حذا بهؤالء القوميون إلى
السعي ؛ إلقامة أحزاب تدعو إلى الوحدة العربية ،بغض النظر عن الجامعة العربية.
هذه الظروف اجتمعت مع بعضها البعض ؛ لتساهم في ظهور حزب البعث العربي االشتراكي في سوريا ،كحزب رأى أنه
قادر على حل تناقضات المجتمع العربي السياسية ،واالجتماعية ،وعلى قيادة الدول العربية من خالل أيديولوجيته
وبرامجه وأهدافه ،فما هي الديناميكية التي ظهر من خاللها حزب البعث ؟ وكيف استطاع نقل هذه األيديولوجية إلى
العراق ؟ وما هي األسباب التي جعلته يستقطب الكثير من أفراد المجتمع سواءاً في سوريا أم في العراق ؟ هذا ما
سيبحثه المطلب الثاني من هذا المبحث ،حيث سيبحث عن ديناميكية نشوء هذا الحزب في سوريا وانتقاله إلى العراق.
لكن النشوء العملي لحزب البعث بدأ عندما كان أحد الطلبة السوريين في باريس وهو ميشيل عفلق يدرس هناك منذ
عام 0323وكان تأثره بالجمعيات العربية القومية التي كانت في سوريا قبل االنتداب الفرنسي ،إضافة لما أثرت به
الثورة السورية الكبرى عام 0325ضد االنتداب الفرنسي ،مما حذا به -وهو في باريس -إلى االنضمام لجمعيتين
عربيتين قوميتين هما :الجمعية العربية السورية ،وجمعية الثقافة العربية ،وكانت الجمعية األولى سياسية تطالب
باالستقالل والدفاع عن قضية فلسطين ،وتدعو إلى الوحدة العربية الشاملة ،أما الثانية فكانت ثقافية تعتمد أسلوب
التثقيف من خالل إلقاء المحاضرات التي تتناول أعمال األدباء العرب القدماء ،وتذِّكر العرب بأنفسهم بأنهم أبناء حضارة
واحدة ،وقد اطلع ميشيل عفلق خاللٍ نفس تلك الفترة على أعمال المفكرين األوروبيين أمثال :دستوفسكي ،وتولستوي،
وبيرغسون ،وأناتول فرانس،وفيختيه،ونيتشه وغيرهم من المفكرين الغربيين .
وقد استجاب ألفكار ميشيل عفلق التي اتسمت بالدعوة إلحياء الفكرة القومية في نفوس العرب ،عدداً من أصدقائه الذين
كانوا معه في الدراسة في باريس ،وكان من أهمهم صديقه صالح الدين البيطار ،الذي كان يدرس الفيزياء ،بينما كان
ميشيل عفلق يدرس التاريخ ،لذلك تحالف االثنان على العمل من أجل القضية القومية ،وعندما عادا إلى سوريا اشتغاال
بالتدريس الثانوي في دمشق منذ عام ،0399وكونا أول منظمة سياسية باسم " منظمة اإلحياء العربي " عام
،0340على أساس أن منظمتهم تهدف إلى إحياء المجد العربي ،كما أسسا " حركة نصرة العراق"· ،عقب اندالع ثورة
رشيد عالي الكيالني في العراق ،التي اتهمت بعالقتها بالنازية الهتلرية خالل الحرب العالمية الثانية ،لكن منذ عام
0349أصبحت بيانات الحركة تحمل اسم "البعث العربي" ،الذي قصدو به ،إعادة نهضة األمة العربية من خالل بعث
الروح القومية فيها لتعود إلى أمجادها ،كما كانت في الماضي ،وافتتح أول مكتب للحزب منذ عام 0345وكان عدد
األعضاء يصل إلى 411عضو.
لكن يرى بعض البحاث أن من الذين لهم دور في تأسيس البعث المفكر زكي األرسوزي ،الذي كان عضواً في عصبة
العمل القومي عام ،0392لكنها انتهت عام ،0341إال أن األرسوزي عاود العمل في السياسة فأسس الحزب القومي
العربي ،الذي حاول نشر أفكاره في العراق ،لكنه فشل ،وتتسم أفكاره بأنها أفكار هدامة للمجتمع ،فهو يعتبر أن كل من
ال يؤمن بأفكاره خائناً ،وكان إعجابه بالنازية وكتبها مثل أفكار نيتشه ،وفيختيه ،وإعجابه بالشعر العربي الجاهلي الذي
اعتبر عصره الفترة الذهبية للعرب ،وتفضيله التكلم بالفرنسية على العربية ،وعيبه على كل إنسان متأثر بالقرآن ،كل
هذه األمور قد أبعدت الكثيرين عنه ،حيث انتهى عمله السياسي بسقوط سوريا بيد اإلنكليز وقوات فرنسا الحرة ،وذلك
بعد فشل الثورة العراقية نهاية عام ، 0340وكانت أفكار األرسوزي قد تأثرت ،بسلب لواء اإلسكندونة من سوريا عام
0393كونه من لواء اإلسكندرونة السوري ،ومن ضمن السوريين الذين هجروا بيوتهم وانتقلوا إلى بقية أنحاء الوطن
السوري بعد ضم لواء اإلسكندرونة إلى تركيا ،حيث كان اللواء يحتوي على أقلية تركية ؛ لكن حدث اتفاق فرنسي تركي،
لضم اللواء إلى تركيا ،رغم احتجاجات سكانه األكثرية الذين كانوا من العرب واألرمن ،مما حذا األرسوزي إلى الدعوة
الستنهاض الشباب العربي من أجل القضية العربية القومية ،ورغم انضمام بعض المريدين إليه ،إال أنهم سرعان ما تركوه
؛ بسبب انفعاالته وعزلته ،وانضموا إلى أحد مريديه وهو وهيب القائم الذي انضم إليه فايز إسماعيل ووصفي الغانم ،الذين
كان لهما الدور األول في زرع بذور البعث األولى في العراق ،إال أن كل هؤالء كانوا متعلقين بأفكار ميشيل عفلق ،
وصالح الدين البيطار ؛ اللذين عبَّرا عن أفكارهما عام ،0344بقولهما :لقد جئنا إلى االشتراكية عن طريق الفكر
والعلم ،ووجدنا أنفسنا أمام تفسير بارع وساحر لكل المشاعر السياسية واالجتماعية التي ترهق العالم عموماً ،والتي
نعانيها نحن العرب بشكل خاص...
وسبب تأثر االثنان باالشتراكية ؛ أنه لم يكن أحد يتعاطف مع السوريين الموجودون في باريس سوى الشيوعيين
واالشتراكيين ،إال أنهما تأثرا بالقومية بعد تحول روسيا في عهد ستالين إلى دولة قومية ،وتخليها (عملياً) عن
الشيوعية األممية ،وقد سميا الحركة بحركة اإلحياء العربي ،ومنذ عام 0349استعملت اسم حركة البعث العربي،
وفي عام 0345تشكل أول مكتب تنفيذي للحزب.
وأول نواة للبعث العربي كانت عام ،0341وأصدرت أولى بياناتها عام ،0340دعماً لالضطراب السوري ضد فرنسا ،
وبعدها استقال كل من ميشيل عفلق ،وصالح الدين البيطار من التدريس عام ،0342وتفرغا للعمل الحزبي ،ثم انضم
مريدو زكي األسوزي إلى تنظيم ميشيل عفلق عام ،0345وأصدر البعث صحيفة البعث في الثالث من يوليو عام
،0346رغم أن أول صحيفة سرية للبعث كانت قد صدرت عام 0392باسم (العربي الجديد) ،ثم (العربي
االشتراكي) ،وفي السابع من مايو 0347تم انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب بمقهى الرشيد في دمشق ،وتميز بأن
معظم أعضاءه كانوا من النخبة المثقفة ومن الطبعة الوسطى.
وقد اشترك في المؤتمر التأسيسي األول جميع األفراد الذين انتسبوا للحزب من سوريا ولبنان وكان عددهم ال يتجاوز
مائة عضو ،وقد ترأس االجتماع عضو اللجنة التنفيذية جالل السيد ،وقد برز في المؤتمر تياران :األول :وصف باالعتدال
يتزعمه ميشيل عفلق وصالح البيطار ،والثاني :وصف بالتطرف يتزعمه وهيب الغانم الذي كان يصر على إبراز الهوية
االشتراكية للحزب ،وأهم النقاط التي دارت حولها المناقشات هي:
* الحرية الفردية.
ولقد انتهى المؤتمر بعد إقرار دستور الحزب وانتخاب لجنته التنفيذية الجديدة التي تشكلت من ميشيل عفلق والبيطار
وجالل السيد ووهيب الغانم ،واعتبر هذا التاريخ هو الميالد الرسمي لحزب البعث العربي.
وقد رشح الحزب ميشيل عفلق لالنتخابات البرلمانية عام ،0347ونجح فيها ،ثم قاد ميشيل عفلق مع صديقه صالح
الدين البيطار ،كتائب المتطوعين في حرب فلسطين عام .0341وأعقب ذلك مرحلة االضطراب السياسي في سوريا ؛
بسبب االنقالبات العسكرية ،مما زاد من قوة جاذبية الحزب من قبل النخبة المثقفة.
وبعد سقوط نظام الرئيس حسني الزعيم عام ، 0343عاد ميشيل عفلق إلى العمل بالسياسة ودخل الحكومة الجديدة ،
وتسلم وزارة التربية بعد أن رشحه الحزب لذلك ،لكن بعد انقالب أديب الشيشكلي في سوريا أصدر عفلق بياناً ضد
النظام االنقالبي ،ودعا إلبعاد الجيش عن السياسة ،وقد وافقه في العداء للدكتاتورية العسكرية ،زعيم الحزب العربي
االشتراكي أكرم الحوراني ،الذي حوَّل حزب الشباب الذي أسسه عمه عثمان الحوراني ،إلى الحزب العربي االشتراكي ،وقد
تقاربت أفكار كل من الحزبين :العربي االشتراكي ،والبعث العربي ،تجاه ديكتاتورية الشيشكلي ،إضافة إلى تبنيهما
االشتراكية بدعوتهما للتأميم ،وإزالة الهيمنة األجنبية ،وتوفير الخدمات االجتماعية الشاملة ،إضافة إلى الدعوة للوحدة
العربية ،وفي عام 0354عقد المؤتمر القومي الثاني للحزب وغير اسم الحزب إلى حزب البعث العربي االشتراكي بدالً
من حزب البعث العربي وانتخب قيادة قومية له تتألف من:
-2القيادة القومية بعضوية كل من :أكرم الحوراني ،وصالح الدين البيطار وكالهما من سوريا ،وعبد اهلل الريماوي وعبد
اهلل الفواس من األردن ،وعلي جابر من لبنان ،وفؤاد الركابي من العراق.
وأخذ البعث في سوريا يزرع في نفوس الشعب أن اإلقطاعيين يريدون أن يستنفذوا الثروة الوطنية ويخضعوها للمصالح
األجنبية ،من خالل البرجوازية الوطنية ،وأن استثمارات هذه البرجوازية مع اإلقطاع الوطني هي استثمارات جاهلة للحكم
واالقتصاد ؛ ألنها تريد تحويل البالد إلى مزرعة ألبناء العائالت اإلقطاعية واالنتهازية التجارية ،وأن هؤالء عديمو الوطنية
؛ ألنهم عجزوا عن الدفاع عن الوطن في نكبة فلسطين عام ،0341وعجزوا أمام عودة االستعمار بشكله الجديد الذي
اتخذ شكل محاور ،وأحالف في المنطقة ،وعلى الجماهير أن تحتقر مستوياتها الجاهلة ،والتابعة ،والتقليدية ،والغيبية
؛ ألنها ال وطنية لها ،وانتهازية ،وفاسدة ،وعميلة للرجعية الرسمية العربية ،ولإلمبريالية العالمية من خالل المخططات
االستعمارية مثل :مشروع الهالل الخصب تحت الحكم الهاشمي الرجعي الموالي للعميل نورى السعيد ،أو من خالل
مخطط سوريا الكبرى التابع لالستعمار البريطاني من خالل األردن ،لذلك فإن حزب البعث يرفض الواقع المتخلف من
خالل اإلقطاع والرأسمالية ويتطلع إلى بناء مجتمع عصري متحرر من االستعمار كلياً ،ومن االستقالل والتخلف داخلياً،
وذلك من خالل إقامة الدولة العربية الكبرى القادرة على تحرير وطنها ودحر محاوالت االستعمار الخارجية ،وإعداد
اإلمكانيات البشرية والمادية لبناء المجتمع العصري المتقدم والعادل.
وأنه ثورة ذات مضمون ثوري صحيح بكل أبعادها ،ومعانيها ،ومستوياتها ؛ ألنها قضاء على المصالح اإلقليمية التي
توضحت ،وترسبت عبر القرون ،حيث تجابه هذه الثورة مصالح ،وطبقات الذين يعادون الوحدة العربية ويقفون في
وجهها ،وأن البرلمانية في الوطن العربي ليست سوى بناءاً كرتونياً هزيالً ونسخةً مزيفةً عن البرلمانية الغربية ،على
أساس أنها لم تستطع مواجهة مهام النضال القومي االشتراكي من جهة ،ولم تستطع ترسيخ جذورها في الحياة السياسية،
وأن الحزب يعارض الحكم الفردي ،ويؤمن بالديمقراطية الثورية التي ال يمكن أن تأخذ مداها التطبيقي الفعَّال إال إذا
قامت على تنظيم شعبي طالئعي ،يؤمن بديمقراطية الجماهير الشعبية ،ويتيح المجال لدور طالئعي فعَّال للعمال ،
والفالحين خصوصاً ،جماهير الكادحين عموماً ،ويكون ذلك سيطرة الطبقة الكادحة على مقاليد السلطة وتخطى البرلمانية
على اعتبار أنها إحدى أشكال سيطرة الطبقات البرجوازية ،واإلقطاعية على الجماهير الشعبية ،ويكون تحقيق
الديمقراطية الشعبية من قبل الشعب بالتدريج ،وبصورة دورية من األسفل إلى األعلى وخضوع األقلية لألكثرية ،خضوعاً
مخلصاً وخضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا ،وخضوع المنظمات لقرارات القيادة المركزية ،وتوجيهها ،والهدف النهائي
هو إقامة مجتمع عربي اشتراكي موحد ،تزول فيه الطبقات ،وتنتهي فيه كل أشكال االستغالل.
وأنه حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر األقطار العربية ،وهو ال يعالج السياسية القطرية ،إال من وجهة نظر
المصلحة العربية العليا ،وهو قومي شعبي انقالبي ،يؤمن أن أهدافه الرئيسية في الوحدة والحرية واالشتراكية تسعى
لتحقيق أهداف القومية العربية ،وأنها لن تتحقق إال عن طريق االنقالب ،وأن قضية فلسطين هي قضيته المركزية في
النضال وهي أساس سياسته ،وقوميته العربية ذات محتوى تقدمي· ،فال يتفق أو يتظاهر بالنزعة العنصرية ،أو اإلقليمية ،
أو العشائرية ،أو اإلقطاعية ،أو البرجوازية ،أو الطائفية.
وأن القومية العربية هي الشعور باالنتماء إلى كيان جماعي واحد هو األمة العربية من المحيط إلى الخليج ،وهي التي
تبلورت تاريخياً على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً ،بفعل اإلسالم وحضارته ،وبفعل اللغة العربية كأداة خطاب وتواصل،
وبفعل الجوار الجغرافي ،والتفاعل االجتماعي كموحدات للمصير ،والمصالح ،وبفعل التحديات الخارجية من التتار ،
والمغول ،والصليبيين إلى االستعمار الغربي الحديث إلى الصهيونية التي خلقت وحدة الهموم والمصير.
وأن جامعة الدول العربية هي تزوير إلرادة األمة العربية ،في الوحدة الحقيقية التي يهدف الحزب إلى تحقيقها ،وأنها
صنيعة استعمارية كان المقصود منها إضعاف إمكانيات الفئات التي أخذت على عاتقها إقامة الوحدة العربية الحقيقية.
"كان الحزب غير األحزاب القائمة ،لم يكن حزباً تقليدياً ،أو رجعياً ،لم يكن يبحث فقط عن زيادة األجور ،وتحديد
ساعات العمل ،وكل ما تقوم به األحزاب التقليدية في البالد العربية ،بل كان حزباً يرمي إلى بعث حضارة يشارك فيها
الجميع ،ويتقدم الصفوف من هو المؤهل نضالياً للتقدم.
كما يوضح ميشيل عفلق أن البعث هو حزب شعبي ،وأنه ضد أعداء الشعب ،حيث يقول في ذلك:
لو جعلنا الشعب العربي في صف ،والذين يعادون ويعرقلون القضية القومية ،ويقيمون في سبيلها ،جعلناهم في صف
أخر ،فليس فقط الرأسماليون واإلقطاعيون هم أعداء الشعب ،بل أيضاً السياسيون الذين يتمسكون بالتجزئة ؛ ألنها
تقيدهم شخصياً ،وليس هؤالء فحسب ،بل أولئك الذين يسايرون االستعمار بشكل من األشكال ،وأولئك الذين يعادون
الفكر ،والعلم ،والتطور والتفتح والتسامح ،والذين يقاومون أو يحولون دون تجذر أمتنا ،وضعناهم في صف ،ومجموع
الشعب في صف أخر ،فنحن إذاً ال نقول أننا قسَّمنا أمنا إلى طبقات ،أو طبقتين.
هذه األمور جعلت الكثير من القوى الشعبية تؤيد الحزب في خمسينات القرن العشرين ،خاصة بعد اندماج البعث العربي
مع الحزب العربي االشتراكي عام ،0352ذلك الحزب الذي كان ذو طابع فالحي ،على اعتبار أن مؤسسه أكرم الحوراني
كان عدواً لدوداً لإلقطاع في سوريا ،كما كان تنديد الحزب لبعض المشاريع الغربية مثل مشروع إيزنهاور ،وحلف بغداد،
والتحالف التركي اإلسرائيلي ،قد زاد من شعبية الحزب في أوساطاً القومين في سوريا ،خاصة بعد تالقيه في األفكار مع
الثورة المصرية بقيادة محمد نجيب في 29يوليو ، 0352وتأييده للوحدة بين سوريا ومصر ،والعمل على تحقيقها
باستقطاب بعض أفراد الجيش إليه ،مما أدى لوالدة الوحدة السورية المصرية ،رغم عدم رغبة الكثير من السياسيين
السوريين وعلى رأسهم الرئيس السوري شكري القوتلي للطريقة التي تمت بها الوحدة ،بسبب ارتجاليتها ،وعدم
دراستها دراسة علمية دقيقة من كافة النواحي.
لكن في عهد الوحدة ،أُلغي حزب البعث العربي االشتراكي نظرياً ،كما أُلغيت جميع األحزاب في سوريا ،بعد قرار رئيس
دولة الوحدة جمال عبد الناصر بضرورة إلغاء جميع األحزاب السورية ،وإقامة ما سمي آنذاك باالتحاد القومي ؛ إال أنه
عملياً رفض البعث حل نفسه ،وظل ميشيل عفلق األمين القومي للحزب فقد جمع أعضاء الحزب في بيروت عام ،0353
وعقد مؤتمراً حزبياً هناك وأكد في ذلك المؤتمر على ما يلي:
-0إن الهدف من إقامة الوحدة كان ؛ إليقاف المد الشيوعي الذي سيطر على سوريا في الشارع والمؤسسات قبل
الوحدة.
-2إن الخلل واالضطراب داخل صفوف الحزب ،قد قاد إلى تفتيت ،وانهيار المؤسسة الحزبية ،وكان حل الحزب والوحدة
مع مصر ،طريق اإلنقاذ للحزب.
وكان قرار حل الحزب قد تم من القيادة مباشرة دون التشاور مع أعضاء البعث حول ذلك ،مع أن ميشيل عفلق كان
يعلم أن عبد الناصر سيحكم دولة الوحدة بمؤسساته المعروفة والمعتمدة بالدرجة األولى على أجهزة األمن والمخابرات ،
إضافة إلى شعبيته الطاغية ،إال أنه كان معتقداً أن عبد الناصر كان من الممكن أن يعطي البعث حصة الحكم في سوريا ،
أو أن تعطي لميشيل عفلق رئاسة االتحاد القومي ،بعدما أُعطي أكرم الحوراني منصب نائب رئيس دولة الوحدة ،إضافة
إلى خمسة وزراء بعثيين في الحكومة المركزية لدولة الوحدة.
وظهر الخالف بين قيادات البعث خالل عهد الوحدة ،إال أنهم ظلوا على صلة مع بعضهم البعض ،ولم يلبث أن أخذ
البعث يقاوم األخطاء التي ظهرت في عهد الوحدة ؛ فقدم الوزراء البعثيون استقالتهم من الحكومة المركزية ،إضافة إلى
نائبه أكرم الحوراني ،وحاول ميشيل عفلق تأليب بعض الضباط المصريين ضد نظام الحكم ؛ إال أنه عندما شعر بخطورة
الموقف ذهب إلى بيروت حتى سقوط الوحدة على يد عبد الكريم النحالوي عام ،0360حيث وقَّع اثنين من قادة
البعث على وثيقة االنفصال وهما :أكرم الحوراني ،وصالح الدين البيطار ،كما أن ميشيل عفلق قال حول ذلك" :االنفصال
شر البد منه ثم أيد ذلك بقوله :
"كنا مقنعين بأن الوحدة العربية لن تقوم بدون مصر ،ولم يكن ذلك القتناعنا بأنها ستكون بروسيا العالم العربي،
وستحقق الوحدة بالقوة ،وال ألننا كنا نعتقد بأنه ال يمكن ألي بالد أخرى أن تتخذ مركز التقاء ،ولكننا فعلنا ذلك بشكل
خاص؛ ألنه كانت أمامنا قوة العرقلة المصرية ،فقد كانت قادرة وتريد أن تقف بنجاح في وجه أي حركة نحو الوحدة
تستبق مصر ،مثلما أظهرت ذلك قصة مشاريع الهالل الخصيب المؤسفة.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه في ظل الوحدة ظل البعض من البعثيين بعد قرار حل الحزب عام ،0351متواجدين في
بعض المناطق البعيدة عن دمشق مثل دير الزور والالذقية ،وكانوا على اتصال دائم باللجنة العسكرية البعثية التي
تشكلت سراً في عهد الوحدة من عدداً من الضباط السوريين الذين تذمروا من حكم الوحدة ،وشكَّلوا تنظيماً سرياً
إلسقاط النظام القائم.
لكن سرعان ما انقلب زعماء البعث مرة أخرى على بعضهم البعض ،وذلك بعد تشكيل البعث رسميا مرة أخرى عام
،0362وقرر المؤتمر القومي الخامس للحزب طرد الحوراني من الحزب ،ثم أخذ البعث يعمل على إسقاط نظام االنفصال
في سوريا ،فعمل على استمالة الضباط العسكريين القوميين والناصريين وأعضاء اللجنة العسكرية البعثية ،للقيام بحركة
الثامن من إبريل عام 0369وساعدها في ذلك نجاح حركة البعث في العراق وسيطرتها على السلطة هناك وذلك في
1مارس ،0369ومنذ تولي البعث للسلطة في كل من العراق وسوريا عام ،0369أصبح له جيشاً عقائدياً على
أساس أن مهمته الدفاع عن الثورة داخلياً وخارجياً ،وأن يكون البعث هو المشارك الفعلي في بناء االشتراكية ،وأصبح
ميشيل عفلق الموجه والمراقب للحزب.
وتجدر اإلشارة هنا أن حركتي البعث في كل من العراق ،وسوريا لم تكونا عفويتين ،بل كانتا بعد اجتماع القيادة
القومية لحزب البعث أوائل عام 0369بمجموعات عراقية ،وسورية في بيروت ،ودراستها سبل اإلطاحة بنظامي عبد
الكريم قاسم في العراق ،وناظم القدسي في سوريا ،وأن تكون اإلطاحة في يوم واحد ،لذلك ربطوا معهم مجموعة من
الضباط – غير البعثيين إضافة للضباط البعثيين -لتحقيق نجاح الحركتين ،وعلى هذا األساس تشكلت لجنة سرية من
ممثلي البعث وأعضاء من لجنة الضباط األحرار القديمة.
كما تجدر اإلشارة أيضا أنه في المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث عام ، 0362قد قل عدد أعضاء حزب البعث
بشكل كبير ،ولم يكن سوي إثنين في القيادة القومية ،هما ميشيل عفلق وجمال األتاسي ،وقد أعيد تشكيل القيادة
القطرية لحزب البعث في سوريا بعد تكليف القيادة القومية لبعض البعثيين العراقيين ،ومنهم على صالح السعدي وهاني
الفكيكي لتشكيلها في سوريا من جديد ؛ وكان ذلك بسبب الصراعات العنيفة بين البعثيين السوريين.
وبالنسبة للتنظيم الهرمي للحزب ،فبناء على أن حزب البعث العربي االشتراكي ،فهو يعتبر نفسه ممثال لألمة العربية
كلها من المحيط إلى الخليج ؛ فيكون له قيادة قومية تشمل الوطن العربي كامالً ،وتتبعها القيادات القطرية ،حيث بكل
قطر عربي قيادة قطرية تسيِّر أمور الحزب في ذلك القطر ،ويكون لها ممثل في القيادة القومية ،ويحق له التصويت وإبداء
الرأي والمشورة ،كما تحتوي القيادة القومية على مجموعة مكاتب الحزب لإلدارة والثقافة والعمال والرياضة والمالية ،ومن
رئيس وأعضاء المكتب السياسي.
وتعيينات قيادات الوحدات المختلفة تتم من األعلى على كافة المستويات ،وماعدا األمين القومي (العميد) ،فإنها تنتخب
من قبل المجلس الحزبي المؤلف من :العميد ،ورؤساء مكاتب الحزب وفروعه ،وأعضاء المكتب السياسي ،واألعضاء
المنتجون الذين يمثلون كل الفروع.
وقد كان هذا التنظيم يضم كل األعضاء الرئيسيين الذين يكونوا مسؤولين بشكل خاص عن نشاطات الحزب وتقدمه،
ومنهم يتم اختيار كل من العميد ،وأمناء الفرق ،والشعب ،وأعضاء األجهزة اإلدارية للفرع ،ومختلف المكاتب ،وهؤالء
ينتخبون مجلس الحزب.
وقد عرف المؤتمر التأسيسي للحزب عام ،0347العميد بأنه :المرجع األعلى للحزب في كل سياساته ،ومدير كل
تنظيماته ،وهو وحده يجري كل التعيينات في كل المناصب الحزبية األساسية ،وهو الذي يوقع على ترقي األعضاء
الرئيسيين ،ولكن بعد عام ،0354تم تعديل بعد اللوائح ومنها:
-0ألغي منصب العميد ،وأصبح بدالً منه أسم األمين القومي العام .
-2أضيف إلى الوحدات السابقة ،وحدتان تنظيميتان هما الحلقة التي تضم ثالث إلى سبع أشخاص ،واألمين القطري الذي
تمتاز به القيادة القطرية ،المنتخبة من القيادة القومية للحزب.
-9أُلغي الفاروق بين األعضاء واألعضاء الرئيسيين ،وأصبح األعضاء هم المرشح ،والعنصر العامل ،ويترقى المرشح إلى
عضو عامل بعد مضي ستة أشهر ،ثم أوجدت بعد ذلك عضوية المؤيدين أو األنصار· .
· البعث يف العراق
بدأ البعث في العراق في المدارس الثانوية في بغداد إضافة إلى جامعتها ،وذلك من خالل بعض الطلبة السوريين الذين
كانوا يدرسون في بغداد ومعظمهم من مريدي زكي األرسوزي الذين انضموا لتنظيم ميشيل عفلق عام ،0345ومنهم:
أدهم مصطفى ،وسليمان العيسى ،وفائز إسماعيل ،ثم أنضم إليهم فؤاد الركابي ،وحازم جواد-ابن أخت فؤاد الكابي، -
وبعض المثقفين اآلخرين ،وكان أكثرهم من الشيعة الفقراء ،ثم أمتد البعث إلى بقية المدن العراقية في الناصرية ،
والرمادي ،والبصرة ،والنجف وغيرها من المدن العراقية· ،وقد قاد البعث في العراق في هذه الفترة الطالب السوري :
فائز إسماعيل ،ثم انتقلت القيادة إلى طالب سوري آخر هو:عبد الرحمن الضامن عام ،0351وذلك بعد عودة فائز
إسماعيل إلى سوريا ،ثم تسلمها عام 0350المهندس العراقي :فؤاد الركابي لمدة ثمان سنوات أي حتى عام
، 0353وهو أول عراقي استلم قيادة التنظيم في العراق ،ويتميز بانتمائه إلى عائلة شيعية فقيرة ،وهذا ما جعله يتأثر
بفكرة العروبة واالشتراكية التي ينادي هما البعث ،وقد انتسب إلى الحزب مائة عضو عام ،0352ومنذ ذلك الوقت
اعترفت به القيادة القومية في سوريا ،وقد وصل أعضاءه عام 0355إلى مائتين وتسعة وثمانين عضواً عامالً ماعدا
أالف المؤيدين.
أما الرعيل الثاني للحزب فقد ظهر في العراق بعد انتفاضة العراق عام 0352ضد معاهدة بورتسموث ،فظهر التيار
العنيف في الحزب من خالل كل من :علي صالح السعدي ،وسعدون حمادي ،وهاني الفكيكي وغيرهم ،وبعد ذلك ظهر
الرعيل الثالث للحزب من خالل كل من :فائق البزاز ،وعبد الخالق السامرائي ،وطارق عزيز وغيرهم ،وقد بدأ أعضاء
البعث يتجهون إلى الجيش والكليات العسكرية منذ عام ،0355وكانت النشرات الطباعية للبعث تدعو لالنقالب منذ
عام ،0354على أساس أن انقالب البعث هو انقالب على الذات ،كما اتبع البعث استراتيجية التحالف مع الشيوعيين
؛ الذين كان لهم قوة شعبية في العراق ،وكانت اتصاالت البعث في العراق مع القيادة القومية في سوريا تقوم من خالل
السفير السوري في العراق محمد كبول ،واألمين القطري لحزب البعث في العراق فؤاد الركابي ،إضافة إلى المراسالت
المباشرة مع القيادة القومية في سوريا.
أما الديناميكية التي وصل فيها البعث بأفكاره إلى العراق فكانت منذ عام 0351تحت اسم نادي قومي سمي "نادي
البعث العربي" ،كرد فعل للحركات اإلقليمية في العراق ،وإلى آمنت بالتقسيمات االستعمارية للمنطقة العربية ،وخاصة
االتفاقية االستعمارية للمنطقة العربية سايكس بيكو عام 0306؛ لذلك نادي هذا النادي بضرورة حل مشاكل العرب
االجتماعية ،واالقتصادية ،وتحقيق ثورة جذرية في المجتمع ،وتحقيق دولة موحدة مستقلة للعرب.
لكن مما تجدر اإلشارة إليه أنه قبل ذلك كانت أفكار البعث ،قد صدرت قبل تأسيس ذلك النادي ،وكانت سبباً في
تأسيسه ،حيث كان قد صدر كراسان موقعان في العراق منذ عام ،0341أي بعد سنة واحدة من تأسيس حزب البعث
في سوريا ،وحمل األول من هذان الكراسان عنوان " :أحاديث البعث العربي" ،والثاني كان بعنوان " :في السياسة
العربية" وقد أكد كل منهما على مطالب الشعب ،ورفض الحزب لكل المساومات وطالب بالحلول الجذرية ،والتأكيد على
وحدة المصير ،وأن طريق الثورة هو الحل ؛ لتحقيق التغيير ،ثم استمرت المنشورات ،والملصقات تشمل كل أنحاء
العراق ،خاصة بعد تأسيس فؤاد الركابي عام 0352لصحيفة :األخبار البغدادية التي أعلنت عن تشكيل حزب البعث
العربي في العراق ،ودعا إلى القيام باضرابات طالبية في بغداد في انتفاضة 0352في العراق ؛ ألن معظم أعضاء البعث
في العراق كانوا من الطالب وقد استنكر الحزب في هذه االنتفاضة اعتداءات الحكومة على كلية الصيدلة ،والكيمياء ،
ودعا لمواصلة النضال ضدها ثم أصدر في عام ،0359صحيفة سرية باسم العربي الجديد ،ثم غيَّر االسم إلى العربي
االشتراكي ،ثم إلى الثورة العربية.
وقد قاوم البعث في العراق سياسة رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد على أثر حلف بغداد وُسجن قسماً منهم بسبب
ذلك ،مما حذا بالحزب إلى إصدار بياناً ضد هذا الحلف الذي سماه ؛ حزب نوري مندريس نسبة إلى رئيسي وزراء كل من
العراق وتركيا وقد جاء في البيان:
إن إعالن هذا البيان المشترك ال يعتبر تحدياً صريحاً إلرادة شعبنا في التحرر واإلنعتاق ،فحسب ،ولكن الشعب الذي
صارع االستعمار طوال السنين المنصرمة ،وسجل في صراع مواقف بطولية خالدة سيقاوم اليوم بشدة أية اتفاقية
استعمارية ،وخاصة مع تركيا ،تركيا سالبة لواء اإلسكندرونة العربي ،تركيا صديقة إسرائيل ،تركيا التي طالبت ببقاء
الجيوش البريطانية في قناة السويس ،تركيا التي أرادت سلب لواء الموصل من العراق ،تركيا حليفة إسرائيل ،لقد آن
لجماهير الشعب أن تخلع عنها رداء القنوت واالنزواء وتبدأ كفاحها إلسقاط حكومة نوري السعيد ،وإلغاء معاهدة
0391العراقية البريطانية ؛ إلحباط االتفاق العراقي التركي والمؤامرات االستعمارية.
ولقد لبَّت األحزاب الوطنية في الكليات والمدارس العراقية بمساندة الشعب العراقي هذا النداء ،وأغلقت أبوابها ،واعتقلت
الحكومة العراقية الكثير من البعثيين ،وقد ترابط البعث في العراق خالل هذه الفترة مع الحركة القومية العراقية ،التي
تأثرت بالثورة المصرية في 29يوليو ،0352وعرفت بعد ذلك بالحركة الناصرية في العراق كما في سوريا ،لكن لم
يجمعهم تنظيم مشترك واحد ،وكانت أهم مبادئها هي:
وفي منتصف عام ،0359عقد أول مؤتمر قطري للحزب ،رافعاً شعار "إتحاد وطني إلسقاط النظام الملكي" ،ثم قام عام
0356بالمظاهرات ضد العدوان الثالثي على مصر ،ودعا إلى إضراب عام في السادس عشر من أغسطس 0356وقاد
علي صالح السعدي المظاهرات ضد الحكومة ،واصطدم معها في مظاهرة الجسر التي وقع منها الكثير من الضحايا
البعثيين.
وقد مرَّ حزب البعث العربي االشتراكي في العراق ـ القيادة القطرية ـ بظهور اتجاهين متضاربين في أول مؤتمر قطري له
عام ،0359وهذين االتجاهين هما:
-0اتجاه على صالح السعدي :الذي رأى أن ضعف االلتزام عند بعض األعضاء وعدم تقيدهم بواجباتهم الحزبية ،وعدم
حضورهم اجتماعات الحزب بشكل منظم ،سيؤدي إلى ضعف الحزب ،لذلك فهو يرى ضرورة أن يضم الحزب أعضاء
صداميين ،يلتزمون بأوامر الحزب ،ويتحملون التضحيات التي قد يتعرضون لها ،حتى يستطيع الحزب أن يعتمد عليهم،
ويوكل لهم المهمات التي تتطلبها الظروف ،وضرورة فصل األعضاء غير الملتزمين.
-2اتجاه حازم جواد ،الذي يرى عدم فصل هؤالء األعضاء ،وإعطاءهم الفرصة لتأكيد والءهم ومواقفهم الحزبية.
وقد حل الخالف بين هذين التيارين بانتخاب أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي االشتراكي في العراق ،وعلى
رأسهم فؤاد الركابي ،وفصل األعضاء الغير ملتزمين مع تجميد قسماً منهم.
وفي عام 0355قامت السلطات العراقية باعتقال األمين القطري للحزب في العراق ،بسبب استعمال الحزب لطابعة
تنشر منشورات ضد الحكومة بعدما كان أعضاء الحزب يكتبون في صحيفة " الحرية " منذ عام 0354؛ لكن أفرج
عنه ،وبعد ذلك عقد فؤاد الركابي اجتماعاً ضم القيادة القطرية في العراق عام 0357وذلك للبحث في األمور الداخلية
التي تهم المجتمع العراقي ،وقد قررت القيادة عدداً من األمور أهمها.
-2موقف الحزب من جبهة االتحاد الوطني التي انعقدت مع مجموعة من األحزاب السياسية العراقية ومنها حزب البعث
؛ لالتفاق على إسقاط النظام الملكي العراقي ،وقد ظهر شيئاً من الخالف بينه ،وبين الحزب الديمقراطي الكردي
(البارتي) ،ولم يشجع البعث التعاون معه على عكس الحزب الشيوعي في العراق.
وعلى مستوى الوطن العربي هاجم الحزب في العراق ،نظام الرئيس السوري أديب الشيشكلي ،واعتبره ديكتاتورياً ،ودعا
إلى جبهة وطنية موحدة تضم جميع الكتل السياسية والحزبية في سوريا إلسقاطه ؛ إال أنه رفض محاولة النظام الملكي
العراقي إسقاط النظام السوري ،على اعتبار أن ذلك يخدم االستعمار البريطاني ،الذي يحاول اإلطاحة بالنظام السوري
العميل للواليات المتحدة ،وشجب الحزب محاوالت الحكومة العراقية إثارة عدم االستقرار السياسي في سوريا بتهريب
السالح إلى مؤيديها في سوريا ،وعلى الصعيد األردني رحب البعث في العراق بإبعاد كلوب باشا عن قيادة الجيش األردني
عام ،0356وطالب بإلغاء المعاهدة البريطانية األردنية ،واالستغناء عن اإلعانة المالية البريطانية ،وقبول اإلعانة
العربية ،واالنضمام إلى المواثيق العربية ،وتقوية الجيش األردني لمجابهة إسرائيل ،واعتبر الوحدة العراقية األردنية بما
عرف باالتحاد الهاشمي الذي تم عام ،0351بأنها كانت بإيعاز من االستعمار ضد الوحدة السورية المصرية ،وأيد
الثورة المصرية عام ،0352لكنه ندد بتقارب الرئيس المصري محمد نجيب من الواليات المتحدة ،واعتبر ذلك دليالً
على محاولة جديدة من االستعمار لتكبيل مصر ،بيد أنه غيَّر موقفه بعد تأميم قناة السويس ،وقال بيان القيادة القطرية
حول ذلك " :تأميم قناة السويس نصر جديد للسياسة العربية التحررية" ،ودعا الحزب إلى دعم الثورة الجزائرية التي
ابتدأت عام ،0354ودعا الستقالل المغرب وتقديم الدعم الموحد لكل من المغرب والجزائر ،وإلى تقديم ما يلزم للثورة
الجزائرية ،ثم أيد اإلضرابات التي قام بها العمال في الشركات النفطية ،في شركة الدخان العراقية ،وفي كل أنحاء الوطن
العربي ،فحين أضرب عمال شركة أرامكو األمريكية السعودية ،دعا الحزب لمساندة عمالها ،وشجب موقف النظام
السعودي في ذلك الوقت.
وفي إطار محاوالت البعث في العراق ؛ إلسقاط النظام الملكي العراقي ،أيَّد الحزب إضراب عمال النفط في البصرة عام
،0359ووجَّه نداءاً بضرورة مساندتهم ضد استغالل شركات النفط ،وضد الحكم الذاتي الذي كان يدعم تلك الشركات،
وهاجم الحزب شركة نفط كركوك من موقفها من العمال ،وأكدت صحيفته أن عيد مايو 0356يجب أن يكون حافزاً
لجمع العرب ؛ من أجل تحرير األمة العربية من االستعمار واالستغالل ،ودعا العمال العراقيين للثورة ضد مستغليهم،
وحثَّ نقابات العمال على العمل من أجل العمال ،وهاجم الحكومات العراقية الداعمة لالستقالل ،واعتبرها عميلة للغرب
وضد مصلحة الشعب ،وشدد على الحكومات التي يرأسها نوري السعيد ،أو أحد مواليه ،وهاجم رأي نوري السعيد في
حل قضية اإلقطاع في العراق ،بأن توزع أراضي اإلقطاعي على أوالد االقطاعي بعد وفاته ثم على أحفاده بعد وفاة األوالد،
وبذلك تنتهي مشكلة اإلقطاع بعد جيلين أو ثالثة ،واعتبر هذا الرأي خاطئاً ؛ ألن الفالح العراقي وفق ذلك عليه أن
ينتظر عشرات السنين ؛ ليحصل على العدالة في المجتمع ،واعتبر الحزب أن كل الحكومات العراقية الملكية موالية
لنوري السعيد ورجعية ومفروضة على العراق ،ودعا األحزاب العراقية إلى ضرورة االلتفاف حول جبهة االتحاد الوطني ؛
إلسقاط النظام الملكي وتحرير العراق.
كل هذه األمور جعلت حزب البعث في العراق مساهماً أساسياً في إسقاط النظام الملكي في العراق في ثورة 04يوليو
0351بقيادة عبد الكريم قاسم ،كما كانت قيادة البعث على علم دقيق وتفصيلي بتلك الثورة وبتنظيمات ضباطها،
ولعب األمين القطري للبعث في العراق فؤاد الركابي دور همزة الوصل مع الجيش ،وخاصة مع عبد السالم عارف ،وناجي
طالب ،ورفعت الحاج سري ،وناظم الطبقجلي ،وعبد الوهاب الشواف ،ونجيب الربيعي ،وأصبح عبد السالم عارف المعبِّر
األساسي عن أفكار الثورة ،ورغم حل القيادة القومية في سوريا نظرياً؛ إال أن الصالت بين القيادة القومية المنحلة بقيادة
ميشيل عفلق ،والقيادة القطرية في العراق ظلت كما هي ،واعتلى فؤاد الركابي إحدى الوزارات العراقية في حكومة عبد
الكريم قاسم.
وبحدوث الخالف بين عبد الكريم قاسم ،وعبد السالم عارف ،انحاز البعث إلى عبد السالم عارف ذو العالقة الحميمة
بفؤاد الركابي ،حيث كان عبد السالم عارف متوافق اآلراء مع البعث حول الوحدة ،وحول العالقة مع الجمهورية العربية
المتحدة ،وقد حاول البعث تهريب عبد السالم عارف من السجن عندما سجنه عبد الكريم قاسم ،وحرص البعث أيضاً
على تقديم مساعدة عائلته مالياً عندما كان في السجن.
وما زاد من عداء البعث لعبد الكريم قاسم ،إضافة إلى سجنه ألهم أصدقاء البعث في حينها وهو عبد السالم عارف ،أن
قاسم اعتمد الديكتاتورية الفردية في حكمه؛ بسبب ما أعطى لنفسه من صالحيات في الدستور الذي أقامه من خالل قوته
العسكرية ،بعد أن حلَّ جبهة األحزاب التي تألفت في العراق عام ،0357وأسقطت الحكم الملكي عام ،0351وكان
حزب البعث من أهم أعضائها ،فقد أصبح قاسم بموجب الدستور الذي وضعه هو رئيساً للوزراء ،الذي كانت له كل
الصالحيات التنفيذية في الدولة ،ولم يكن ما سمي بمجلس السيادة برئاسة نجيب الربيعي أي شأن ،سوى التوقيع على
المعاهدات ،والقرارات التي يقررها قاسم ،كما سيطر قاسم على التشريع بموجب الدستور ،وخاصة من خالل مادتيه
الحادية والعشرين والثانية والعشرين ،ولم يكن للوزراء أي سلطة على قاسم ،خاصة أنه قد احتفظ لنفسه بقيادة الجيش
ووزارة الدفاع ،كما أجاز قاسم للحزب الشيوعي الذي شكله هو بعد أن حل الحزب الشيوعي القديم ،وأجاز الحزب
الوطني الديمقراطي ذي االتجاهات اإلقليمية ،والحزب الوطني الكردستاني ذي النزعة القومية الكردية االنفصالية ،رغم أن
الغرب عمل على إثارة األكراد في الشمال من خالل تركيا وإيران ضد نظام عبد الكريم قاسم ،وشجعوا المعارضة
الطائفية ضده ،من خالل ما عرف بحلف السنتو وهو نفس حلف بغداد بعد سقوط النظام الملكي العراقي وخروج العراق
منه ،حيث كان قد تحول إلى هذا االسم ،كما قام قاسم بتشجيع وإجازة التيار اإلسالمي ؛ ألجل استغالله ،وإتباعه
أسلوب وجود قوي متقاربة القوة لضربها ببعضها البعض ،بحيث تضعف وتنهي نفسها بنفسها ،كل هذه األمور جعلت
بعض الوطنيين الوحدويين ومنهم عبد الوهاب الشواف ،ورفعت الحاج سري ،وناظم الطبقجلي ،وغيرهم ،يعارضون حكم
قاسم ،مما حذا بهم إلى القيام بثورة الموصل عام 0353ـ لكنها فشلت وأعدم القائمين فيها ـ وعملت األحزاب
الموالية لقاسم ،وأهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني ،والحزب الشيوعي على تصفية وقمع كل من كان له عالقة
بالثورة ،رغم أن معظمهم قد شارك في ثورة 04يوليو ، 0351واشتهروا بوطنيتهم ،ثم كان إتباع قاسم لسياسة
العزلة السياسية عن األقطار العربية ،وتأكيده على الطابع المحلي للثورة ،واتِّخاذه سياسة خارجية ارتجالية بدون أي
ضوابط أو محددات ،وإخضاعها له بشكل مطلق ،وخلقه ألزمة الكويت عام ،0360مما أثار عداوات بعض الدول العربية
ضده ،إضافة إلى محاوالته استرجاع مناطق اإلمتيازات النفطية الخاصة بالشركات األجنبية ؛ مما أثار له خصومات كبيرة
مع دول الغرب ،ثم خلقه ألزمة األكراد من خالل إعطائه صالحيات كبيرة للحزب الوطني الكردستاني ،وإجازة تسليحه،
وارتفاع نفوذ التيار الشيوعي في عهده ،وتنكره ألهداف ثورة ،0351التي كان من أهدافها تحرير العراق من
االستغالل االقتصادي ،وإنهاء القيود التي فرضت على حريات الشعب وحقوقه وإنهاء الوجود االستعماري على أرض
العراق وإرجاعه إلى الركب العربي مع تحقيق الديمقراطية الشعبية ،ورفع مستوى الطبقات الفقيرة.
كل هذه األمور ألقت على عاتق البعث العراقي مهمة إسقاط عبد الكريم قاسم ،خاصة وأنه لم يبقى في الساحة السياسية
سواه ،حيث أصبح يعمل في السر باالتفاق مع القيادة القومية المنحلة نظرياً في سوريا ،وكان لسريته خالل هذه الفترة
وقعاً نفسياً ،وسياسياً ،وثقافياً مؤثراً على مريديه الذين كانت تتوافر فيهم النضالية ،والصدامية ،والصمود ،والكتمان
،والطاعة العمياء لمرؤوسيهم ،معتمدين على نظام األرقام لألعضاء ،كما أخذ الحزب على عاتقه أنه البد من إزالة النظام
على اعتبار أن البعث يمثل األمة والشعب ؛ لذلك حاول البعث إحداث انشقاقات في نظام عبد الكريم قاسم ،ثم حاول
قتله عام 0353من خالل بعض األعضاء البعثيين ،حيث تم التنسيق بين فؤاد الركابي في العراق ،وحازم جواد الذي
كان الجئاً في سوريا وبين بعض البعثيين في العراق ،كما كان يتم تهريب السالح عبر الحدود إلى العراق ،من خالل
العقيد السوري أمين الحافظ ،وقد تمت محاولة االغتيال بالتنسيق أيضاً مع القيادة القومية المنحلة في سوريا ؛ لكن
فشلت المحاولة وقتل في العملية عبد الوهاب الغريري ،وهرب فاتك الصافي ،وصدام حسين مجيد التكريتي ،كالجئين
إلى سوريا ،وقد أصيب صدام حسين بساقه في هذه العملية.
كما كان نظام الوحدة بين سوريا ،ومصر يقدم المساعدات للبعثين العراقيين من مساعدات مالية ،وأجهزة إرسال
إذاعي ،واتصاالت السلكية ،ويدربهم في معسكرات خاصة؛ بسبب الخالف بين نظام الوحدة بقيادة عبد الناصر ـ ونظام
عبد الكريم قاسم في العراق ،كما أشرف أحد البعثيين العراقيين ضمن الجمهورية العربية المتحدة في دمشق على
إذاعة " صوت العراق الحر " وهو عبد الهادي الفكيكي.
كما كان هناك تنسيق بين البعث في العراق والسفارة األمريكية عن طريق مساعد الملحق العسكري في بغداد وليم
ليكالند منذ عام 0362؛ بغية إسقاط عبد الكريم قاسم.
وكانت استراتيجية البعث إلسقاط عبد الكريم قاسم ،هو التعاون مع الضباط العسكريين في الجيش الذين رفضوا مواقف
قاسم ،وتذمروا منها وأيدوا التعاون مع القوميون الوحدويين والناصريين والبعثيين .
ثم قام البعث بإشعال المظاهرات في بغداد لالحتجاج على ارتفاع أسعار البنزين في مارس ،0360ثم حدث إضراب
عام 0362لالتحاد الوطني لطلبة العراق ،ثم اتبعه اضطراب الطلبة في كلية اآلداب ،بعد فترة وجيزة من نفس العام،
وفي بداية عام ،0369أصدر االتحاد الوطني لطلبة العراق ،نداءاً إلى جميع منظمات الطلبة ،والشبيبة في العالم
لتحقيق عدة مطالب ،ثم حدث اعتصام مائتي طالب في مقر جامعة بغداد ،وأعلنوا إضرابهم عن الطعام ،ثم حدثت
مواجهات بينهم ،وبين االنضباط العسكري ،وفي هذه األثناء أقرت القيادة القطرية في العراق التعاون مع األكراد؛ إلسقاط
عبد الكريم قاسم ،مقابل إقرار الحقوق الثقافية لألكراد والمركزية الحكم فيما لو استلم البعث السلطة في العراق.
كل هذه األمور أثارت الرأي العام في العراق ،ومهَّدت األجواء لتدخل بعض ضباط الجيش البعثيين ضد نظام عبد الكريم
قاسم ،حيث قاموا بحركة الثامن من فبراير ،0369وقتلوا قائد القوة الجوية ،ثم قصفوا وزارة الدفاع ،وفي اليوم التالي
،تم قتل عبد الكريم قاسم .وهكذا وصل البعث إلى السلطة في العراق ،وكان أهم رموزه خالل هذه الفترة علي صالح
السعدي الذي تسلم الحرس القومي ،وأحمد حسن البكر الذي عينه البعث رئيساً للوزراء ،حيث لم يرد البعث احتالل
منصب الرئاسة ،على اعتبار أنه استلم الحكومة برئاسة أحمد حسن البكر ،وكان عبد السالم عارف حليفاً رئيسياً
للبعث ،واستولى البعثيون على معظم الوزارات العراقية ،وخاصة الرئيسية منها ،أما حازم جواد فقد تسلم القيادة
القطرية للحزب في العراق ،وعلى هذا األساس فقد أصبح الحكم بعثي يؤازره بعض القوميين الناصريين وعلى رأسهم عبد
السالم عارف.
وعلى ذلك يالحظ من خالل دراسة مرحلتي نشوء البعث في سوريا والعراق ،عدة أمور تميز فيها حزب البعث سواء
بقيادته القومية ،أو بقيادتيه القطريتين في سوريا ،والعراق وأهم هذه األمور هي:
-0ظهرت مشاهد انقسام عديدة في الحزب أهمها :انقسام األمين القطري في األردن عبد اهلل الريماوي ،بعد أن اتهمته
القيادة القومية بالخيانة ؛ ألنه تعامل مع مخابرات عبد الحميد السراج في عهد الوحدة ،وانقسام األمين القطري في
العراق فؤاد الركابي ،حيث اتهمته القيادة القومية المنحلة نظرياً في عهد الوحدة ؛ بعدم تنفيذ أوامر القيادة ،فشكل في
مصر تنظيم الوحدويين االشتراكيين ،وأصبح وثيق الصلة بعبد الناصر في مصر ،وفي المؤتمر القومي الخامس في بيروت،
ظهر انقسام أحد قيادتي الحزب في سوريا وهو أكرم الحوراني ،الذي انفصل عن البعث وشكل حزباً جديداً هو
"االشتراكيون العرب" ،وكان ذلك بسبب خالفه مع ميشيل عفلق حول قيادة الحزب ،ثم ظهر في المؤتمر القومي
السادس عام ،0369مشهد انقسام علي صالح السعدي عن حازم جواد ،بعد وصول البعث إلى السلطة في العراق ،ثم
انفصال القيادة القطرية في العراق عن القيادة القومية ،وهذا سهَّل من اختراق الحزب من قبل بعض العناصر العسكرية،
وعلى صعيد سوريا أيضاً حدث فيما بعد انقسام القيادة القطرية عن القيادة القومية في سوريا عام ،0366حيث كانت
بوادر هذا االنقسام منذ الوحدة بين سوريا ،ومصر عام ،0351وذلك عندما قام نائب حماه عبد الكريم زهور ،بالسعي
لالنفصال عن القيادة القومية ،بدعوى أنها قبلت بحل الحزب ،فتألفت حركة سيناء فيما بعد من قبل مجموعة من
العسكريين البعثيين ،التي قامت بحركة 29فبراير 0366في سوريا ،واتهمت القيادة القوية بالعمالة والسقوط.
-2تميز معظم أعضاء البعث بالشباب ،وكان معظم البعثيون من الطبقات البرجوازية الصغيرة ،أو من الطبقات الكادحة،
وكانت في معظمها من أصول قروية ،وفي العراق تحديداً تميزت معظمها بأنها شيعية ،حيث كانوا متأثرين بوضعهم
الطبقي ،في ظل نظام معظم ضباطه من السنة.
-9الصالت القوية بين القيادات القطرية في كل من سوريا والعراق ،فقبل وصول البعث إلى السلطة في العراق كان
يتلقى الدعم من القيادة القطرية والقومية في سوريا ،وعندما وصل البعث إلى السلطة في العراق عمل على إثارة عدم
االستقرار الداخلي في سوريا ضد النظام السوري في عهد ناظم القدسي ،مما أدى إلى سقوطه بعد شهر واحد فقط من
وصول البعث العراقي إلى السلطة في العراق.
-4تميزت بعض قيادات البعث في العراق بأنها لم تكن على درجة كبيرة من التمرس السياسي ،أو المستوى العلمي،
الذي يؤهلها لتسلم حكم العراق ،إضافة إلى ما كان له دور في وصولها إلى هذه المراكز الحساسة ،من عوامل إقليمية
ومذهبية فعلى سبيل المثال كان علي صالح السعدي ،وهاني الفكيكي ،وصالح التكريتي ،معلمين ابتدائي ،أما أحمد
حسن البكر ومروان التكريتي وصالح مهدي عماش ،فكانوا ضباطاً وبالنسبة إلى صدام حسين التكريتي فقد كان طالباً في
الحقوق لم يكمل دراسته ،لكن القيادة القطرية في العراق أتاحت ترفيعه من عضو عادي في الحزب إلى عضو في القيادة
القطرية في الحزب ،وأصبح له رأي مسموعاً أمام أرفع السلطات الحزبية ،خاصة بعد توصية األمين القومي للحزب به.
مما سبق نرى أن نشوء حزب البعث في كل من سوريا والعراق كان متأثراً إلى حد بعيد بمشكالت المجتمع السوري
أوالعراقي ،وبالوضع االجتماعي والسياسي ألفراد الشعب العراقي ،إضافة إلى الوضع اإلقليمي والعالمي ،فكل هذه األمور
ساهمت في وجوده على الساحة العراقية ،ومن ثم نفوذه من خالل الجيش إلى السلطة في بداية عام 0369م.
-0حزب البعث العربي االشتراكي هو حزب عربي شامل تؤسس له فروع في سائر األقطار العربية ،وهو ال يعالج
السياسية القطرية ،إال من وجهة نظر المصلحة العربية العليا.
-2أنه حزب قومي يؤمن بأن القومية العربية حقيقة حية خالدة ،وأن الشعور القومي الواعي الذي يربط الفرد بأمته
ربطاً وثيقاً هو شعور مقدس.
-9يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية ،وبناء االشتراكية ال يمكن أن تتم إال عن طريق االنقالب
والنضال ،وإن االعتماد على التطور البطيء واالكتفاء باإلصالح الجزئي السطحي يهدد هذه األهداف بالفشل والضياع.
-4حرية الكالم واالجتماع واالعتقاد مقدسة ،وال يمكن ألي سلطة أن تنتقصها.
-5السيادة ملك الشعب ،وأن قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها عن إرادة الجماهير ،كما أن قدسيتها متوقفة على مدى
حريتهم في اختيارها.
-6إقامة نظام نيابي دستوري ،السلطة التنفيذية فيه مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة.
-7السلطة القضائية مصونة ،ومستقلة عن أية سلطة أخرى ،وتتمتع بحصانة مطلقة.
-1يسعى الحزب لوضع دستور للدولة ؛ يكفل للمواطنين المساواة المطلقة أمام القانون ،والتعبير بملء الحرية عن
إرادتهم ،واختيار ممثليهم اختياراً صادق ًا ويهيئ لهم بذلك حياة حرة ضمن نطاق القوانين.
-3اعتبار االشتراكية ضرورة منبثقة من صميم القومية العربية ،واعتبارها النظام األمثل الذي يسمح للشعب العربي
بتحقيق إمكانياته ،وتفتح عبقريته على أكمل وجه.
-09تدير الدولة المؤسسات ذات النفع العام ،وتمتلك وسائل اإلنتاج الكبرى ومصادر الثروة.
وقد نص دستور البعث على أن العرب أمة واحدة ،وإن المشاكل القطرية يجب أن تحل على أساس النظرة القومية ،لهذا
السبب فقد رفض البعث تحديد عمله في قطر عربي واحد ،واعتبر أن مجال عمله يشمل جميع األقطار العربية.
ويرى أن االشتراكية هي اشتراك جميع أفراد المجتمع في إنتاج الثروة وتوزيعها ؛ بقيام الدولة بالهيمنة على هذين
الجانبين اإلنتاج والتوزيع ،على اعتبار أنهما أساس الحياة االقتصادية ،وهذه االشتراكية ال تنكر وجود الدولة أو تعاديها
لكنها تثق في الدولة ومقدرتها على إدارة ،وتوجيه الحياة االجتماعية ،واالقتصادية بما يقضي على الشرور الناجمة عن
الحرية الفردية ،ويؤدي إلى تحقيق الرفاهية االجتماعية التي تتضمن كفالة مستوى الئق من المعيشة لألفراد وخاصة
الطبقات الفقيرة ،فغاية االشتراكية هي الفرد وتحقيق نموه الكامل بعيداً عن استغالل الطبقات المالكة ،والرأسمالية.
ويرى البعث أن العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها،
ولهذا فإن حزب البعث يعتبر أن:
-0الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية ال تتجزأ ،وال يمكن ألي قطر من األقطار العربية أن يستكمل شروط حياته
منعزالً عن اآلخر.
-2األمة العربية وحدة روحية ثقافية وجميع الفوارق القائمة بين أبناءها عرضية زائفة تزول بيقظة الوجدان العربي.
-9الوطن العربي للعرب ،ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجهي مقدراته.
كما يعتبر أن العرب أمة واحدة ،وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن واحد ،وأن لغتهم تعبِّر عن أصالتهم ،ورسالة
األمة تتجلى في نشر التضامن واإلخاء بين األمم ،والوطن العربي هو أرض سكنها العرب ،ونشروا فيها لغتهم وطبعوها،
وكل أرض اغتصبت من أراضي العرب هي جزء من الوطن العربي ،ويعمل الحزب على إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف
الدينية ،والمذهبية ،والعنصرية ،والطبقية ،ويهدم النظم االجتماعية ،واالقتصادية ،والسياسية الفاسدة ،وأنه قد وضع
نظم تتفق مع طبيعة العرب ،وحاجاتهم في العصر الحاضر...
وقد نادى بضرورة إزالة الهيمنة األجنبية ،وتأميم الصناعة وتوفير خدمات اجتماعية شاملة ،وهذه األمور تتحقق بواسطة
ثالثة مبادئ هي :االستقالل العربي التام ،واالشتراكية من خالل حزب دولة واحدة ،وأن هذه األشياء غير قابلة للتعديل.
ويرى أن راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية التي انفجرت عام 0306لتحرير األمة العربية وتوحيدها ،لذلك
فعلم البعث يحتوي على أربعة ألوان هي األبيض الذي يرمز للعهد الراشدي ،واألخضر الذي يرمز للعهد األموي ،
واألسود الذي يرمز للعهد العباسي ،أما المثلث األحمر فهو تعبير عن دماء الشهداء الذين ضحُّوا من أجل األمة العربية.
وقد انطلقت هذه األفكار من خالل مجموعة أحاديث ومقاالت ميشيل عفلق ،والتي اتسمت بالغموض في بعض األحيان،
وكانت فلسفية وال تقبل مقارنتها بأي مثيلٍ لها من األفكار ،والتيارات ،والنظريات السياسية في العالم سواءاً كانت
شيوعية ،أم ليبرالية موجودة في المجتمع ،كما تحتوي هذه األفكار على وصايا منظر البعث ميشيل عفلق لكل األعضاء
البعثيين في الوطن العربي.
أن العرب يعانون مشكلة أساسية واحدة هي استسالمهم لطبقة اجتماعية تقوم على االستثمار واالستئثار ،وهذا الوضع
يشكل ضعفهم الداخلي والخارجي ؛ ألنه يخنق معظم قواهم وإمكانياتهم في الداخل ويظهرهم أمام العالم بمظهر الشعب
المتخلف ...
إن الفئة المتحكمة اليوم بمصير البالد مسوقة حتماً إلى استغالل الحكم بكل الوسائل؛ ألنها مضطرة إلى إرضاء األسرة
الكبيرة التي إنما جاءت هذه الفئة إلى الحكم لتحتل مصالحها ،وإلى إرضاء األنصار الذين تعتمد عليهم وتسيِّر مصالح
كبار التجار الذين يسندونها في الظروف الحرجة ...ولكن الخطر الحقيقي الجسيم هو في أن هذه الفئة الحاكمة لكي
تصل إلى ما تريد من استغالل لثروة البالد ووظائف الدولة ،ال تستطيع أن تلجأ إلى قوة الجيش ،والبد لها لذلك من أن
تحتال على دستور الدولة وقوانينها ،لكي تحول دون مراقبة الشعب لها ،واعتراضه على أعمالها ،من هنا يأتي عداءها
للحرية واعتداءها عليها...
ويستطرد الكالم حول الطبقية في المجتمع العربي بأنها المشكلة الكبرى التي يواجهها الشعب الكادح ،وأن الوسيلة
لتحرره من الظلم والعبودية هو ؛ إسقاط النظام القائم ومن ثم اإلجهاز على الطبقة المستغلة وعلى ذلك يقول:
فمصيبة العرب في هذا الدور هو أن الطبقة التي فرضت نفسها عليهم تعيش في طريق معاكس تماماً لنفسيتهم وآمالهم،
فهي طليقة شائخة ،طبقة فاسدة ،أفسدها الترف ،أفسدها االستعمار ،أفسدها ظلمها لآلخرين ،ونفسية الظالم ،نفسية
المستثمر ،نفسية الغاصب ،هي دوماً نفسية شائخة هرمية متعبة ،لذلك تنظر هذه الطبقة إلى أبسط األمور وتحسبها غاية
ما يطمح إليه ويرغب فيه ،تنظر إلى مظاهر بسيطة من التقدم ،فتقول للشعب ،لألمة العربية جمعاء ،هذا أقصى ما يمكن
أن تصلى إليه...
وعلى هذا األساس يرى ميشيل عفلق أن العدو األساسي للشعب هو في طبقة األغنياء ،وأن مشاكلهم ال تحل إال بانهيار
هذه الطبقة ،وال يدرك أن الكثير من أفراد هذه الطبقة كان لهم دورهم البارز في تحقيق استقالل الكثير من البالد
العربية وفي مقدمتها سوريا ،فهو ال يدعو إلى زيادة االستثمار في الدولة كما فعلت الدول الرأسمالية المتقدمة ،وال يدعو
إلى الضمان االجتماعي للعمال في ظروف عملهم ،لكنه يدعو إلى تدمير بينة المجتمع الطبقية ،وإحالل سلطة الدولة على
هذه الممتلكات الصناعية والزراعية ،رغم أن هذه السياسة قد أثبتت فشلها فازداد الفقر في معظم المجتمعات التي حلت
بها الشيوعية ،وهذا ما يفسر انهيار االتحاد السوفيتي ،والدول األوروبية الشرقية ،وإتباعها بعد ذلك نظام السوق،
وعودة التنافس االقتصادي بين األفراد لزيادة اإلنتاج ،وزيادة الدخل القومي الذي يؤدي إلى زيادة الدخل الفردي.
" االشتراكية تعني دوماً تأميم المرافق العامة ،والصناعات الحيوية الكبرى ،كما تعني التوزيع العادل لألراضي ،وإشراف
الدولة ،أو وضع يدها على التجارتين الخارجية والداخلية ...االشتراكية ليست غاية في حد ذاتها ؛ بل وسيلة ضرورية
لتضمن للمجتمع أعلى مستوى من اإلنتاج مع أبعد حد من االنسجام والتضامن بين المواطنين ..االشتراكية أن ترفع عن
صدر أكثرية مواطنينا هذه األثقال ،أثقال الفقر والجهل والمرض ،وترجعهم إلى طريقهم الطبيعي السوي ،وتقول لهم أنتم
أبناء الوطن ،لكم ما لغيركم من الحقوق ،فانطلقوا ،أو أنتجوا ،وأبدعوا حتى ترفعوا بناء وطنكم وتكونوا عنوان فخر
ألمتكم...
فهذا تفسير يشبه التفسير الشيوعي لالشتراكية ،لكنه في مكان أخر يربط هذه االشتراكية بالعروبة فيقول " :االشتراكية
العربية :تستمد من روح األمة العربية وحاجاتها العميقة وأخالقها األصلية ،وتزود أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب
العربي بكل الوسائل والفرص ؛ ليستطيعوا تحقيق عروبتهم على أكمل وجه...
لكن ما الذي يربط بين العروبة واالشتراكية ،هل تبنى المجتمع العربي منذ القديم وحتى نشوء البعث المنهج االشتراكي ؛
ليزدهر ويتقدم ؟ رغم أن الكثير من المجتمعات قد تقدمت بدون تبنيها لهذا المنهج ،وبعضها تبنى االشتراكية دون
ربطها بالمحتوى القومي ،وهذا ما أدى إلى تضارب بين مفهومه السابق الذي يشبه المفهوم الشيوعي ،وبين مفهومه األخر
الذي يربطها بالقومية العربية.
لكن ميشيل عفلق يقارن في مكان أخر بين اشتراكية البعث ،واالشتراكية الشيوعية بقوله:
· " االشتراكية الشيوعية قضت على حق التملك ،وبذلك قضت على الدوافع الغريزية لألفراد ،بينما اشتراكية البعث
تعتبر أن أغزر قوة في األمة تكمن في الدوافع الذاتية لألفراد.
· الحزب الشيوعي يدعو لألممية الالقومية ،بينما البعث يدعو للدولة العربية القومية.
إال أن البعث دعا على اإلصالح الزراعي والتأميم ،أما حق التملك الذي رآه فهو حق ال يسمح له بالمنافسة ،واإلنتاج
الكثيف ،وتحقيق اإلنتاج الكبير على غرار اإلنتاج في الدول المتقدمة ،كما أن الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه قد تحول
إلى حزب قومي في عهد ستالين ،وعلى هذا فيتشابه الحزبان حول االشتراكية ،ورغم ذلك يهاجم ميشيل عفلق الشيوعية
في آراءه ويعتبرها غريبة عن المجتمع العربي فيقول:
الشيوعية غريبة عن كل ما هو عربي .....إن الشيوعيون يتجاهلون النظريات ،واألنظمة المنبعثة من حضارة العرب،
وأوضاعه ال تلبي حاجات البيئة العربية ،وال تلقى فيها قبوالً .......إن الشيوعية ليست مجرد نظام اقتصادي بل هي
رسالة مادية أممية مصطنعة تنفي حقيقة القوميات في العالم ،وتنكر األسس الروحية والوثائق التاريخية التي تقوم عليها
األمة...
إال أنه رغم ذلك التطبيق العملي للشيوعية في البلدان التي قامت فيها؛ إال أنها كانت قومية إلى حد بعيد ،فرغم أنها
دعت إلى األممية ،لكنها أممية من أجل تحقيق مصالح القطب الشيوعي في فترة الحرب الباردة بين المعسكرين ،كما أن
هذه األقوال من ميشيل عفلق ال تتفق مع آراءه في األربعينات من القرن الماضي حيث يقول :إن العرب وبطبيعة
طموحاتهم وتقاليدهم ،هم في صف الديمقراطيات الغربية ضد التجاوزات الشيوعية للفكر القومي والديمقراطي والتقاليد
العربية نفسها ...كما يدعو في مكان آخر أن االشتراكية هي" :تحقيق الذات العربية ،ومن الممكن أن تنفصل عن
الديمقراطية...
إن التوزيع الراهن للثروة في الوطن العربي ليس توزيعاً عادالً ....ال يمكن للنضال القومي أن يتم حالياً ؛ إال إذا كان
يستند إلى كل العرب ،وهؤالء لن يشتركوا فيه إال إذا كانوا مستغلين ..االشتراكية ضرورة تنبع من عمق القومية
العربية ،إذ أنها تشكل النضال المثالي الذي سيسمح للعرب ،بتحقيق إمكاناتهم ،وتطوير نبوغهم حتى الكمال...
ولكن ال يحدد هنا استراتيجية بناء االشتراكية كما يرها ،وال يتفق على تعريف محدد المعالم لها ،فهو تارة يربطها
بالشيوعية ،وتارة يربطها بالديمقراطيات الغربية ،وتارة يفصلها عن الديمقراطية نفسها.
إن للبعث العربي دعامتين ال يستطيع أن يمشي إال بهما معاً وهما الجناحان اللذان بهما ينهض ويحلق ،هما الطبقة
العاملة ،والطبقة المثقفة ...يجب أن يفهم المثقفون أن ثقافتهم ال تكتسب معناها وال تعود على أمتهم بالخير ؛ إال إذا
وضعوها في خدمة العمال وخدمة الطبقات الشعبية الكادحة ،وإال إذا قسموا جهودهم بين عمل الفكر وعمل اليد....
إال أنه على الواقع العملي اعتمد ميشيل عفلق على المثقفين بشكل أكبر بكثير من اعتماده على الطبقة الشعبية ،وكان
هذا من أسباب خالفاته مع أحد قياديي حزب البعث وهو أكرم الحوراني.
يجب أن يرتفع مستوى الشعب المادي حتى يستطيع النضال ،واقع الحوادث وتاريخ حركتنا يدل على أن مستوى الشعب
يرتفع نتيجة للنضال ،وكلما ناضل استطاع تحقيق شيئ من التحسن في أوضاعه ،وكلما كان النضال محققاً لمستوى
اقتصادي أعلى كلما كان أقوى وأجدى...
ولكن ال يفسر لنا هنا كيف يكون النضال ،هل يكون باإلصالح الزراعي ،أم بالتأميم ،وإلغاء الطبقية في المجتمع ،أم يكون
بسيطرة الطبقة العاملة ،أو الكادحة على السلطة ،وقد أثبتت التجارب أن التأميم ،واإلصالح الزراعي ،قد أضر
بالمجتمعات الزراعية ،وجعلها أضعف مادياً من ذي قبل،وهذا ما أثبتته كل التجارب في جميع الدول التي قامت به .
ليس في فكر الحزب طبقية بالمعنى الذي تفهمه الماركسية ،ولكن فيه طبقية ؛ أي أننا نعترف بها وأن كنا ال نتبنى
المفهوم الماركسي لها ،فالماركسية أقرَّت حقيقة واقعية عندما قالت بأن الصراع في هذا العصر هو بين الطبقات ،وجعلته
بهذا قانون التطور التاريخي ،وهي محقة في تعليلها واستقرائها لمميزات هذا العصر ،إذن هناك صراع بين الطبقات ال
يجوز تجاهله ،إال أن الماركسية انطلقت من نظرة جعلت هذا الصراع على النطاق العالمي األسمى ،وتجاهلت هذا التكوين
التاريخي الحي للقوميات ،حين اعتقدت بأن الروابط التي تجمع طبقة معينة في أمة معينة بقوميتها...
فلو سلمنا بأن الصراع الطبقي في المجتمع العربي ،هو نفسه الصراع الطبقي حسب التعريف الماركسي مع إضافة أنه
صراع بين طبقين تنتميان إلى قومية واحدة ،فهل يفترق هذا الصراع الذي بينهما عن صراع بين عدوين أحداهما
خارجي واآلخر داخلي ؟ وهل إسقاط هذه الطبقية في المجتمع العربي سيؤدي إلى نهوضه وتقدمه ؟ وما هو التفسير
العلمي لالشتراكية العربية التي يتبناها ميشيل عفلق ؟ حيث يقول " االشتراكية العربية تعني بأنها :اشتراكية مالئمة
لظروف وحاجات المجتمع العربي...
ورغم أن معظم التيارات السياسية في المجتمع السوري ،أو العراقي كانت تعمل على القضاء على التمايز الطبقي في
المجتمع ،سواءاً كانت يسارية ،أم يمينية ،إال أن ميشيل عفلق يعتبر أن البعث هو الذي دعا إلى إلغاء التفاوت الطبقي
في المجتمع العربي ،لتحقيق النجاح للقومية العربية ،وفي ذلك يقول:
كانت هذه الحركة أول من وضع القضية القومية ،قضية األمة العربية ،في قلب الواقع ،في قلب الجد بوضعها المشكلة
االجتماعية في صميم الثورة القومية ،بوضعها مشكلة عيش الماليين من أفراد الشعب العربي ،رزق الماليين وعشرات
الماليين الذين كانوا وما يزالون مشلولين إلى حد بعيد ؛ بنتيجة األوضاع الجائرة المعكوسة فالتعبير العملي عن الثورة
القومية هو الثورة االجتماعية...
وعلى ذلك فحدوث الثورة االجتماعية من خالل اإلصالح الزراعي ،والتأميم ،وسيطرة الدولة التي يقودها البعث على
التجارتين الداخلية والخارجية ،سيحقق الثورة القومية ،ويحقق أهدافها ؛ لكن عملياً اصطدم البعث مع عبد الناصر ،رغم
أنه حقق تلك األشياء ،بل لقد ساهم في االنفصال السوري عن دولة الوحدة.
ثم يربط ميشيل عفلق بين الوحدة العربية ،والديمقراطية التي تعني عنده مشاركة الجماهير الكادحة بالسلطة بقوله :
" إن ابتعاد األنظمة العربية التقدمية عن الشرطين األساسيين اللذين بدونهما ال تكون الثورة العربية ثورة بالمعنى
الصحيح :
فقد أفقد تلك األنظمة كل طابع ثوري جدي ،وجعلها تقوم في األساس على التسويات الطبقية واإلقليمية.
ورغم ذلك يرفض عفلق في مكان آخر مشاركة غير البعث في السلطة السياسية ،كما أنه من يعتبرهم طليعة الحزب
هم من يجب أن يقودوا الشعب واألمة ،على أساس أنهم ممثلين لهذه الطبقات ،وهذا يعني عملياً تجاهل الفئات األخرى
من الشعب –من غير البعثيين ،-إضافة لجعل البعث ممثالً عن كل فئات األمة ،وهذا يشبه المبادئ الشيوعية ،والفئات
الطليعية في الحزب الشيوعي.
وحول تعريفة للوحدة العربية يقول :الوحدة العربية قبل كل شئ نضال ،ووحدة في النضال ،فالوحدة السياسية هي التي
تتحقق في النضال ،ألن النضال هو الحياة الصحيحة للعرب .....النضال هو المعبر الصحيح عن األمة...
لكن حزب البعث العربي االشتراكي رفض الوحدة السياسية على المستوى اإلقليمي على غرار الوحدة الهاشمية ،كما
رفض وحدة الهالل الخصيب ،أو وحدة سوريا الكبرى ،من خالل المشاريع الهاشمية ،كما رفض الوحدة العسكرية من
خالل دولة تفرض نفسها على اآلخرين ،كما فعل كل من بسمارك وغالباردي ،على أساس أنك لو جمعت أشياء ميتة إلى
بعضها البعض فلن تنتج حياة ...كما دعا حزب البعث إلى تكوين وحدة اتحادية تستند إلى واقع الفوارق اإلقليمية ،لكنه
أصدر أحكاماً تؤدي إلى زيادة الفوارق اإلقليمية وتعمقها من خالل مشروع الوحدة الذي أقرته القيادة القومية عام
...0369كما كان هناك تناقض بين آراء ميشيل عفلق ،وصالح الدين البيطار ،حول الوحدة وآرائهما لم تكن تتضمن
أي استراتيجية نحو الوحدة العربية ،فعلى سبيل المثال ،قالت صحيفة البعث في العدد الخامس واألربعين في الخامس
عشر من أبريل لسنة " : 0369ليبيا تعد القهقري للمركزية" ،حيث كان قد وافق مجلس النواب الليبي على قانون
دمج واليات ليبيا الثالث :طرابلس ،وبرقة ،وفزان ،معاً في ظل دولة واحدة ،حيث رأت هذه الصحيفة أال يحصل اندماج
لتبقى دولة اتحادية ،ويكون لكل والية سلطاتها الخاصة ،فهي تستنكر توحيد ليبيا واعتبار هذه التوحيد تقهقراً إلى
الوراء ...ويقول حول العروبة " :العروبة في أعمق وأصدق معانيها هي النضال في سبيل الحرية ...لكن ال يوجد أي
تحديد لماهية الحرية ؛ ألنها مفهوم واسع وتختلف من مكان آلخر ،ومن زمن آلخر ،كما أن لكل منظِّر آراءه الخاصة
فيها .
كما دعت القيادة القطرية في العراق للعمل من أجل الوحدة العربية على أساس أن ذلك من أهداف البعث وشعاراته،
لكنها رأت أن هذا التوحيد ال يجب أن يتم في ظل الحكومات الرجعية التي ال يؤمن بها البعث ،بل بتوحيد المنظمات
والهيئات الحزبية في الوطن العربي ،ومن ثم يضع مسألة الوحدة كهدف أسمى يسعى لتحقيقه عاجالً أم آجالً ...ويرد
على هذا الرأي بأن جميع التوحدات التي حدثت بين الدول ،لم تصل عملياً إلى وحدة دولها من خالل هذا الرأي ،كما
أنه لو افترضنا أن كل الحكومات رجعية ،فكيف نستطيع إسقاطها ؟ هل بوصول حزب البعث في كل واحدة منها إلى
السلطة ؟ وهذا شئ صعب ؛ ألن الظروف التي أتاحت وجود حزب البعث في السلطة في كل من سوريا ،والعراق ليست
هي نفسها الظروف الموجودة في كل البالد العربية ،وعلى هذا فمن المستحيل تحقيق هذا الرأي.
كما يقول ميشيل عفلق حول الوحدة :نؤمن بالوحدة الديناميكية المنفتحة الهجومية ،التي تعرف بأن الزمن قد يكون
معاكساً لها وأنها يجب أن تفرض نفسها وأنها مفجرة للقوى...
وحول تعريف األمة يقول ميشيل عفلق :األمة ليست مجموعاً حسابياً بل فكرة مجسدة في كل أو بعض أفرادها ،ولهذا
فإن أولئك الذين يجسدون هذه الفكرة يملكون الحق في التحدث باسم األمة بأسرها...
ويقول أيضاً :حزبنا هو حزب ثوري عبَّر عن ثوريته في عدة مجاالت ،ولكن أهم مجال عبَّر فيه عن هذه الثورية هو
مجال وحدة التنظيم ،كون الحزب ذا تنظيم عربي ال ينحصر في قطر واحد ،ويشكل تحدياً لواقع قوى وصعب جداً هو
واقع التجزئة...
· آراءه حول اإلقليمية والعرقية والطائفية واجلمهورية واحلزبية
يقول ميشيل عفلق بأن اإليمان بمبادئ الحزب يجب أن يسبق المعرفة الموضوعية بها ،فهو بذلك يشبه قساوسة القرون
الوسطى الذين طلبوا من غاليليو أن يستغفر اهلل على اإلثم الذي ارتكبه باعتقادهم ،وهو أن األرض تدور حول نفسها،
كما حثَّ بذلك مريديه أن يثقوا بكل شئ يقوله دون براهين علمية ،أو أرقام بقوله " :إن األعضاء المخلصين الذين
يطيعون القادة" ...من هذا المنطلق ترابط أعضاء البعث مع بعضهم البعض ...
يرفض ميشيل عفلق اآلخرين الذين يشكلون الجزء الفاسد المريض من المجتمع العربي فيقول:
هل يجوز المقارنة بين هذا النوع الفاسد المبتذل من الناس خصوم البعثيين ذوي النفوس الحقيرة ،واألهداف الشخصية
الوضيعة وبيننا نحن حملة الرسالة الخالدة ........إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة ،خوَّلنا أيضاً حق األمر والكالم
بقوة ،والعمل بقسوة ،وانتشالهم من االنتهازيين إلى الحياة الحرة السامية التي يرغبونها...
كما يقول " :حركتنا أصبحت قدر األمة العربية في هذا العصر ...حركتنا ال يمكن ألي حركة أن تنافسها ،أو أن تحل
محلها...
وعلى هذا فإن منظر البعث تتوافق آراءه مع األيديولوجية البعثية حول موضوع رفض التمايز العرقي والطائفي في
المجتمع وأن تتسهم في عضو البعث سمات تختلف عن اآلخرين ولذلك يقول :
" أعضاء الحزب يجب أن يكونوا قساة مع أنفسهم وقساة مع اآلخرين وأن يتسلحوا بالعلم ،وأن يكرسوا أنفسهم كلي ًا
للنشاط الثوري للحزب وعليهم أيضاً أن يعوا أوضاع أمتهم ،وأن يخلصوا لقضيتها ،وأن يغاروا على حقوقها ،وأن
يستجيبوا لطموحات الشعب واحتياجاته وسيعرف إخالصهم وتميزهم من خالل أفعالهم ومن سلوكهم اليومي وحتى من
نبرة أصواتهم...
" العمل القومي القابل للنجاح هو ذلك الذي يستثير الحقد حتى الموت ،تجاه أولئك الذين يجسدون فكرة مضادة للقومية،
إن من التفاهة بمكان أن يحارب أعضاء الحركة النظريات ،ويقولوا لماذا علينا أن نهتم باألشخاص إن النظرية ال توجد
بذاتها لذاتها ،بل تتجسد في أشخاص البد من زوالهم لزوالها...
" حول موقفنا من األحزاب ،فنحن ال نرفض فكرة التعاون معها ،ولكننا نقيدها بجملة تحفظات وشروط تجعل مجال
تطبيقها محصوراً في نطاق بعض األحزاب دون البعض اآلخر ،ومقتصراً على بعض الحاالت العامة التي يكون فيها
التعاون ضرورة قومية ،ونفصِّل ذلك أننا نخرج من نطاق التعاون بين األحزاب التي تقوم في أساس تشكيلها على ارتباط
أجنبي ،وعلى فكرة مخالفة للقومية العربية...
أما عن رأيه في الدين والعلمانية ،فقد آثار التيار الديني نحوه ،على أساس رأيه القائل ؛ أن اإلسالم قد جاء طوراً من
أطوار العقلية العربية الراقية ،وهذا ما اعتبره التيار الديني وخاصة اإلسالمي ،ديناً غير سماوي ،وغير منزه ؛ ألن العقلية
اإلنسانية مهما كانت البد أنها قاصرة ،وإن رأي البعث " .إن للعرب رسالة غير اإلسالم ،على أساس أن الرسالة الخالدة
حسب رأي ميشيل عفلق هي :
" فهم العرب ألنفسهم وإدراكهم لقضايا أمتهم ،وتحررهم من االحتالل األجنبي ،وهي حضارة وقيم معينة يقوم العرب
بتبليغها لألمم األخرى ،عندما يبلغون مستوى القدرة ،واالرتقاء وتبدأ هذه الرسالة من االنقالب الشامل عندما يبدأ
العرب يواجهون مشكالتهم بجرأة وصدق وصراحة...
فهذه الرسالة حسب رأي التيار الديني اإلسالمي ،تخالف رسالة اإلسالم تلك األيديولوجية السائدة في الوطن العربي منذ
القرن السادس الميالدي ،وحتى اآلن والدليل على ذلك حسب رأي هذا التيار قول القرآن الكريم" :كنتم خير أمة
أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باهلل " ،أما أن يطلب العرب الحرية والتقدم واألمن
والوحدة فهذه مطالب أية أمة من األمم ،وأن رسالة العرب حسب رأي محمد الغزالي هي :حراسة الفضائل ونشر شعارها
،ومحاصرة الرذائل ،وطي عارها ،وااللتفاف حول اإليمان باهلل وحده ،وقمع اإللحاد والعوج ،وتسخير قوى األمة كلها لبلوغ
هذه األهداف اإلنسانية ،وسوق العدالة للمظلومين والحرية للمضطهدين ،واليقين والتقوى للشاكِّين ،وتعريف البشر بربهم
بعد تحريك مواهبهم اإلنسانية ،وأن لإلسالم فقط الفضل على العرب ؛ ألنه وحدهم وحررهم من العبودية ،عندما لم
يكونوا شيئاً يذكر في التاريخ ،وعبيداً في مستعمرات الروم والفرس...
" هذه األمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحاً متعدداً متنوعاً في تشريع حمورابي ،وشعر الجاهلية،
ودين محمد ،وثقافة عصر المأمون ،شعور واحد يهزها في مختلف األزمان ،ولها هدف واحد بالرغم من فترات االنقطاع
واالنحراف...
فإن هذا القول ينقص من المستوى القيمي لرسالة اإلسالم ،ألنه يقارن ،رسالة إلهية ،أنزلت على الرسول محمد (ص) ،مع
ثقافات بشرية لكثير من األمم مثلها ،كما ال يمكن مقارنة شريعة اإلسالم بشريعة أناس وثنيين مثل حمورابي ،أو بثقافة
جاهلية من أناس كانوا ذوي عادات سيئة في معظمها ،بشريعة القرآن ،كما أن طبيعة رسالة اإلسالم ترفض التمزق مثلها
مثل الطبيعة العربية ،وأن للقرآن الفضل األول في حفظ اللغة العربية وجعلها لغة مقدسة ،فهو الذي جعل الحفاظ عليها
ديناً ...وهو الذي جعلها تنتشر وتحل محل اللغات القبطية ،والفارسية ،والرومانية،والسريانية ،وأصبحت جميع
األجناس البشرية تأتي ؛ لتتلمذ على الذكاء العربي ،في مجاالت العلوم اإلنسانية والفكرية.
كما أن اإلسالم لم يعرف مساساً باألقليات الدينية ؛ فهم في ذمة المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ،على أال
يحاربوا معهم ،بل يحميهم المسلمين مقابل ضريبة رمزية تسمى الجزية ،وتسقط عن غير القادرين عليها ،بل يعطوا من
بيت مال المسلمين إن احتاجوا ،وبالنسبة لألقليات العرقية من المسلمين فلها ما لكل مسلم عربي من حقوق وواجبات،
ولم تولد فكرة األقليات إال من خالل عصر القوميات في أوربا ،وهي التي صدَّرت هذه المشكلة لتفتيت الوطن العربي ،كما
أن الرسول محمد (ص) من العرب المستعربة ،وليس من العرب العاربة· ،ومن حق أي إنسان أن يستعرب حسب رأي
اإلسالم ؛ ألن ذلك يدعم كيان األمة العربية ،ويمدها بأساليب البقاء والنماء ،حيث أن كثير من العلماء كانوا من
المستعربين ،وقدَّموا خدمات علمية ،وأدبية ،وسياسية ،وعسكرية أكثر من أقوام ترجع أصولها إلى عدنان أو قحطان،
ورغم هذا كله فإن برنامج (دستور) حزب البعث ال يحوي أي ذكر لإلسالم ،أو أي إيماء إلى عقائده ،أو شرائعه ،أو
ماضيه ،أو حاضره ...
وينتقد التيار اإلسالمي أيضاً المادة التاسعة من دستور البعث التي تقول" :راية الدولة العربية هي راية الثورة العربية
التي انفجرت عام 0306لتحرير األمة العربية وتوحيدها" ،رغم أن قائد الثورة الشريف حسين ،قد أعلن هذه الثورة
بناءاً على مبدأ الخيانة ،والغدر على حسب رأي هذا التيار ،وكان مغفالً ؛ وعمي عن أية توجهات إسالمية سياسية،
وكان يريد خالفه عربية بمساعدة اإلنكليز إال أن العروبة األصلية ال صلة لها بأناس يعشقون الحكم ،ويريدونه بسالح
األجنبي ،في حرب لم تخدم سوى الحلفاء ضد العرب ،والمسلمين ،كما أن هذه الثورة قد ترتبت عليها اتفاقية سايكس
بيكو عام ،0306والتي قسَّمت بموجبها منطقة الهالل الخصب ،وترتب عليها أيضاً وعد بلفور عام ،0307الذي دعا
؛ إلقامة دولة دينية قومية يهودية في فلسطين ،وعلى هذا األساس ال تعتبر هذه الثورة نهضة عربية ؛ ألنها تمت في
أحضان اإلنكليز وشقت طريقها بسالحهم...
لكن هذا ال يبرر أن ميشيل عفلق قد ارتفع فوق التناقضات الطائفية ،والدينية ،وبيَّن أثر اإلسالم على العرب في دعوته
القومية العلمانية فهو على سبيل المثال يقوم " :إن اإلسالم بالنسبة إلى العرب ،ليس عقيدة أخروية فحسب وال هو
أخالق مجردة ،بل هو مفصح عن شعورهم الكوني ،ونظرتهم إلى الحياة ،وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم ...كما يقول
أيضاً في نفس السياق:
" عالقة اإلسالم بالعروبة ،ليس كعالقة أي دين بأية قومية ،وسوف يعرف المسيحيون العرب ،عندما تستيقظ قوميتهم
يقظتها التامة ،ويسترجعون طبعهم األصيل ،أن اإلسالم هو لهم ثقافة قومية ،يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ،
ويحبوها ،فيحرصوا على اإلسالم حرصهم على أثمن شئ في عروبتهم ،وإذا كان الواقع ال يزال بعيداً عن هذه األمنية،
فإن على الجيل الجديد من المسيحيين العرب مهمة تحقيقها بجرأة ،وتجرد مضمنين في سبيل ذلك بالكبرياء والمنافع،
إذا ال شئ يعادل العروبة ،وشرف االنتساب إليها...
وعلى هذا األساس يعتبر ميشيل عفلق قد ربط البعث باإلسالم وجعله شيئاً أصيالً فيه ،رغم عدم تضمن برنامج البعث
إليديولوجية اإلسالم ،وهذا ما يعتبر دافعاً لألقليات الدينية في المجتمع العربي إلى الدخول فيه ،بعد أن كانت تتخوف
من العروبة ،وقوميتها على أساس أنها تريد التحكم فيهم ،وإخفاء شخصيتهم في بوتقتها ،بل لقد زاد ميشيل عفلق
من ربط البعث باإلسالم ،بقوله إن الرسالة الخالدة هي اإلسالم نفسه· ،ثم يستدرك ذلك أيضاً ،بقوله:
" يفترض الحل البعثي لوحدة العصيات ،التمسك بالرسالة الخالدة التي هي اإلسالم تمسكاً حضارياً؛ ألن اإلسالم بالنسبة
للعرب أكثر من دين ،أنه قوميتهم وعروبتهم وإنسانيتهم ،وأداة حضورهم األخالقي وناموس وحدتهم العصبة...
وعلى ذلك فإن هذا التعبير البد أنه كان حافزاً النتشار البعث في األوساط الشعبية ،بنقضه أية عصبيات دينية ،أو
إثنية ،كما كانت مشاركة ميشيل عفلق في االحتفاالت الدينية اإلسالمية كاحتفاالت مولد الرسول لها دورها في ذلك ،
فيقول حول رسالة األمة العربية التي نشأت في قلب األرض العربية:
"إن األمة التي ظهرت فيها رسالة بحجم رسالة اإلسالم ،ترفض الخضوع ،وترفض التبعية ،الفكرية والحضارية ،إن لها
طريقها الخاص ،واشتراكية عربية .....األمة التي حملت إلى العالم رسالة اإلسالم ال يمكن أن تكون قوميتها سلبية
تعصبية عدوانية ،فقوميتها في أساسها أخالقية وإنسانية تحمل مبادئ العدل والمساواة...
فهذه القومية بمنظور ميشيل عفلق قد خدمت وظيفة التكامل بالنسبة للمثقفين من األقليات الدينية؛ ألنها استبدلت فكرة
األيديولوجية اإلسالمية ،بالفكرة اإلسالمية القومية ذات الطابع العلماني التي تضم كل العرب من جميع األديان ،والذين
يشتركون بتراث ثقافي واحد ،فعلمانية البعث ،لم ترد من الشعب العربي أن ينسى تراثه ،وشخصيته ،وهويته ،
ويتنكر لما فيه ،بدعوى االلتقاء بين أبناء الشعب في تعددية دينية على الساحتين الوطنية والقومية ،كما أن عفلق قد
رأى أن للدين دور نضالي في الثورات العربية ،وأن العالقة بين اإلسالم والعروبة هي عالقة وثيقة ،وأن العروبة هي
الجسم ،واإلسالم هو الروح ،وأن المسيرة الروحية للفكر السياسي العربي ،ال تبعده عن العلم والمنهجية ،وإنما تقربه
منها وتوحده معها...
وبالفعل فاألمة العربية هي أمة العرب بدون تفريق بين عربي وأخر على قاعدة انتمائه الديني ،أو المذهبي ،والتاريخ
العربي هو تاريخ مفتوح على جميع اإلسهامات التي قدمتها المجوعات المنتظمة في سياقه العام ،بما في ذلك المجموعات
الغير عربية ،وإذا كانت ثمة استشعار بخوف من اضطهاد ،أو ذوبان لدى جماعة في مرحلة تاريخية ما ،فذلك يعود إلى
سوء التصرف في المعاملة الخاصة بسلطة متعسفة ...أما عن رأيه في العلمانية فيقول:
" تعتبر حركتنا بموقفها اإليجابي من الدين ...أعطت الدين بصورة عامة كدين له دوره المشروع في حياة البشر
وتاريخهم وتطورهم ،وأعطت اإلسالم الدين العربي ،الدين اإلنساني ،أعطته المكانة األساسية في تكوين قوميتنا....
األيديولوجيا التي تفصل العقيدة الدينية عن العقيدة القومية ،والثورة القومية ،بكل متطلباتها ،هذا شئ مجزأ ،وسطحي ،
ولن يحرك كل القوى المبدعة في أمتنا وسرعان ما يتحول إلى تقليد واندفاع ،إلى غوغائية ونفعية ...واقعنا هو العالقة
بين العروبة واإلسالم ،أما العلمانية فهي الدستور ،والقوانين ،يجب أال نميز مذهباً على آخر في القبول للوظائف...
فالعلمانية في فكر ميشيل عفلق ليست تحييد الدين والتجرد من أحكامه ،التي ترتفع باإلنسان نمو الكمال ،لكنها تعني
أن ال يتدخل الدين في سياسة الدولة اإلدارية والوظيفية؛ ألن السياسة تتغير بتغير األحوال والظروف ،وتعتمد في كثير
من األحيان على أشياء ال تمت للدين بأي صلة ،فتحييد الدين وجعله يسير في طريقه الخاص ،وأن تسير السياسة في
طريقها الخاص ،يحافظ على الدين ،ويحافظ على القوانين ،ويؤكد ذلك بقوله" :نؤمن بأن الجماهير الكبيرة الواسعة هي
القادرة على إحداث التغييرات التاريخية الحاسمة وليست األقليات المثقفة مهما يكن شأن تفوقها الفكري والثقافي...
وقد انتقد ميشيل عفلق في فكره البعثي النزاعات اإلقليمية في مصر ،وتوجه المسيحيين في لبنان لمسيحيتهم ،
ومحاولتهم مكافحة الفكرة العربية ،بحجة أن العروبة معناها سيادة ،وسيطرة اإلسالم كدين ،وتشريع ،وتقاليد ،
وحضارة ،وانتقد دعاة التعصب في القومية العربية أو الكردية ،فيقول في ذلك.
"القومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا ألنها تغذي الفروق بدالً من القضاء عليها ...ووجد دوماً من صور العروبة
بأنها مقتصرة على نوع معين ،وعدد معين من الناس ،وأنها تفاخر ،واستعالء على اآلخرين ،وطبيعي أن يحدث هذا رد
فعل ،وأن تشعر األقليات العنصرية بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القوى ،لذلك كان هناك رد فعل على القومية
المتعصبة من األكراد ،واآلشورية ،واألرمن ورد فعل ديني ومذهبي ،إن القومية اإلسالمية ،والدعوات الطائفية األخرى
كان مصيرها الفشل كما كان مصير القومية الطاغية المتعصبة ،نحن عندما ننادي بالمساواة االقتصادية ،وبتكافؤ الفرص،
إننا سلمنا قضية البالد ألصحابها الحقيقيين ،وهم أفراد الشعب ،وهم في حقيقتهم شيء واحد ال فرق بين مسلم ،
ومسيحي ،وعربي ،وكردي ،ويزيدي ...
"واجبنا أن نشرح للبنانيين االنعزاليين بأن العروبة التي نعمل لها ؛ تمنع الضغط الديني ،وسيطرة طائفة دينية على
أخرى ،إنهم يتهربون من العروبة ،وهي مرادفة في نظرهم لإلسالم؛ ألنها في نظرهم ال تسمح بتكوين مجتمع يحفظ حرية
الفرد ،ويساير التطور الحديث في العالم ...األكراد ظلوا مئات السنين يعيشون مع العرب ويحاربون ويستبسلون في
الدفاع عن األرض العربية ،وأفراد الشعب من األكراد ماذا يريدون ،وأي شيء يطمحون إليه أكثر من أن يعيشوا حياة
كريمة سعيدة ،وأن يكون لهم ما للجميع وعليهم ما على الجميع ؛ باستثناء بعض الزعماء الذين لهم مصالح أقطاعية،
أفراد الشعب هؤالء ال يريدون أكثر مما يريده العرب أنفسهم ........ال أحد يمنع األكراد أن يتعلموا لغتهم شريطة أن
يكونوا خاضعين لقوانين الدولة ,وال يشكلون خطراً على الدولة ،والطوائف المسيحية مثالً ال يوجد ما يمنعها من ممارسة
شعارها الدينية ،ومن الثقافة المسيحية ضمن هذه الثقافة العربية العامة ،فمفهومنا بعيد جداً عن مفهوم القومية النازية
التي تؤمن بأن هناك عرقاً مفضالً ،وله مميزات خاصة يجب أن يتطهر من كل شئ ،وبالتالي أن يضطهد كل من ال تتوفر
له الشروط من حيث النسب ،والعادات المعينة ...فالعروبة هي إنسانية ونحن نفهم من قومينا العربية ؛ بأنها اإلنسانية
الصحيحة ،وبأنها تقديس للقوميات اآلخرى ،فنقدس هذا الشعور عند كل شعب آخر ...أن نظهر للبربر الذين يتحفظون
تجاه القومية العربية؛ بأنها عين ما يطمحون إليه ،وأنها حريتهم وحياتهم وازدهارهم ،وأنها القوة الحقيقية ،وأنهم لن
يكونوا فئة قليلة ،وبأنهم سيكونون جزءاً من أمة واسعة منتشرة في الشرق والغرب ،وهذا أضمن لقوتهم وسعادتهم...
ويرى ميشيل عفلق أن التناقض بين العرب والكرد هو تناقض ليس بين قوميتين ،بل تناقض بين طبقة مستغلة تستغل
األكراد ،أو لصالح نفسها في مقاومة القومية العربية التي تنظر بتعاطف واحترام لكل القوميات األخرى وفي ذلك يقول:
" القومية العربية هي قومية إنسانية تنظر بحب وتعاطف واحترام لكل القوميات ،وخاصة لتلك القوميات التي شاركت
العرب بالمصير قروناً ،وأجياالً وجمعتها بالعرب حضارة واحدة ،وتراث روحي واحد ........إن المشكلة بين العرب ،
واألكراد هي ليست بين قوميتين ،بل المشكلة هي بين أناس تقدميين منفتحين على روح العصر وهم أعداء اإلقطاع ،
والعنصرية ،وبين شخصيات عنصرية إقطاعية تحاول استثمار القومية الكردية لصالح نفسها ،وإن من األجدر لهذه
القيادات أن تتطوع لقتال أعداء األمة ،وهم الصهاينة في فلسطين ،وأن ما يثيرونه من توترات هو جزء من حرب
اإلمبريالية ،والصهيونية ضد العرب ،وأن هذه المشاكل دخلت بدخول االستعمار الغربي الداعي إلى التفرقة بين األخوة،
وإننا رغم ذلك مستعدون ومنفتحون دائماً أمام من يرجع عن الخطأ...
ويرى أنه لحل مشكلة القوميات هو في التآخي بين جميع فئات الشعب ،وعدم ترك ثغرات ينفذ منها اآلخرون لتفريق
الشعب عن بعضه ،لكنه ال يحدد ما هي محددات هذا الحل وكيف تستطيع تحقيق ذلك ؟ ،فيقول في ذلك:
" إن المنطق لحل مشكلة األقليات هو منطق واحد ال يتغير هو إنسانية قوميتنا العربية ،المنطق بأن قوميتنا ليست هي
القومية المتعصبة ،ليست هي القومية الضيقة ،ليست هي القومية المستعلية ،والهادفة إلى التوسع ،وإلى استعباد اآلخرين
.....مصلحتنا هي في التآخي وليست في إبقاء عوامل وأسباب للتنافر الداخلي ،ولترك ثغرات يستغلها األعداء في داخل
بنياننا القومي ،اإلشارة إلى الفروق تعني أن كل قطر البد أن يأخذ بعين االعتبار واقعة الحي ،ويحاول أن يجد الحل
المالئم ليس هناك شئ جاهر يطابق حرفياً في كل مكان...
مما سبق نجد أن ميشيل عفلق يحاول من خالل فكرة أن يصوغ فكرة القومية العربية التي تتناسب مع األيديولوجيات
الدينية ،والعرقية لجميع الفئات في الوطن العربي ،بحيث يجعل هذه األيديولوجية البعثية هي وحدها القادرة على قيادة
مجتمع ذو قوميات وطوائف متعددة.
كما يحارب ميشيل عفلق في فكره ،كل األفكار الشيوعية ،أو الالدينية ،الداعية إلى اإللحاد ،وإبعاد الدين عن حياة
األمة ،فيقول في ذلك:
" نحن ال نرضى عن اإللحاد وال نشجع اإللحاد ،ونعتبر اإللحاد موقفاً زائفاً في الحياة ،موقفاً باطالً وضاراً ،وكاذباً ،إذ أن
الحياة معناها اإليمان والملحد كاذب ،أنه يقول :شيئاً ويعتقد شيئاً أخر ،أنه مؤمن بشئ مؤمن ببعض القيم ،ولكننا ننظر
لإللحاد كظاهرة مرضية ،يجب أن تعرف أسبابها لتداوي ،وال ننظر إليها كشر يجب أن يعاقب؛ ألن ذلك ال يخفف اإللحاد
بل يزيده ،فعندما نبحث عن األسباب ،نستطيع أن نزيل اإللحاد...
إال أن ميشيل عفلق يرفض ما يدَّعيه رجعية دينية ،ويرى أنها تحاول إيقاف عجلة التطور في المجتمع العربي ،ويرى أنه
من الضروري مقاومتها؛ ألنها تشوه المجتمع وخطر على الدين نفسه ،لكنه مع ذلك ال يضع أي محددات لتلك الفئات
المجتمعية ،التي يعتبرها رجعية ،وما هو معيار متاجرتها بالدين ووقوفها في وجه التحرر وتدخلها في المجتمع ،وعلى
ذلك يقول:
" الرجعية الدينية تؤلف مع الرجعية االجتماعية معسكراً واحداً ؛ يدافع عن مصالح واحدة ،وأنها أكبر خطر يهدد الدين،
إن هذه الرجعية التي تحمل لواء الدين في يومنا هذا ،وتتاجر به ،وتستغله ،وتحارب كل تحرر باسمه ،وتدخله في
كل صغيرة ،وكبيرة لكي يعتق االنطالقة الجديدة ،هي أكبر خطر على الدين ،وهي التي تهدم مجتمعنا ،وتشوهه ،فلو
لم نكن نحن ولو لم تكن حركتنا موجودة لتهدد المجتمع العربي ،إذ أننا بمقاومتنا الرجعية الدينية بدون اعتدال وبدون
مسايرة وبمواقفنا الجريئة المؤمنة لها ،ننفذ مجتمعنا العربي من تشويه اإللحاد .......المناضل البعثي يجب أن تتوافر
فيه شروط صعبة جداً ،وتكاد تكون متناقضة ،فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه ؛ لمنع التطور ،
والتحرر ،واإلبقاء على األوضاع الفاسدة ،والتأخر االجتماعي ،ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين ،وحقيقة النفس
اإلنسانية التي هي إيجابية قائمة على اإليجاب ال تطيق اإلنكار والجمود ........على المناضل البعثي عندما يحارب
الرجعية ويصمد أمام هجماتها ،وافتراءاتها ،وتهيجاتها ،وإثارتها ،أن يتذكر دوماً أنه مؤمن بالقيم اإليجابية ،والقيم
الروحية ،وأنه عندما يساير جمهور الشعب ،ويتصرف تصرفاً حكيماً معه ،دون أن يجرح عواطفه لكي ينقله تدريجياً
إلى مستوى الوعي الالزم ،عليه أن يتذكر أنه رجل ثائر متحرر ال يقبل لنفسه وال ألمته مستواً رجعياً رخيصاً من
االعتقاد ،وال صورة مشوهة للعقيدة الروحية ،وأن مسايرته للشعب ليست إال وسيلة مؤقتة للعقيدة الروحية لكي تهيئه ؛
ألن يفهم األمور الصعبة ،إن ثقة البعثي باإلنسان عامة وباإلنسان العربي خاصة ،يجب أن تغريه دوماً بالمزيد من الجرأة
في مكافحة المعتقدات الخاطئة الجامدة...
· آراءه حول االنقالب ،والوحدة العربية ،والقيادة القومية:
يختلف مفهوم االنقالب في فكر ميشيل عفلق عن االنقالب الذي تقوم به بعض األوساط العسكرية ضد نظام الدولة؛ ألنه
يعتبر االنقالب ثورة نضالية من أجل مصلحة األمة وتحقيق مصالح الشعب ،وعلى ذلك يقول:
" الطريقة المميزة للبعث لتحقيق أهدافه هي االنقالب على الدولة ..االنقالب ظاهرة روحية وثورة في القيم العربية ،وفي
طريقة تفكير العرب وهو عالج األمة قبل عالج الدولة ،ألن الدولة جسداً بال روح ....األمة على الرغم من تخلفها تمتلك
الحقيقة ،وهذه الحقيقة تعبر عن نفسها مهما كانت قوة الوقائع الراهنة ،واالنقالب هو هذا التعبير أنه الشهادة على وجود
األمة .....التعبير العملي عن فكرة االنقالب هو النضال؛ وما نعنيه بالنضال هو استرداد األمة بعد سبات طويل لتوقها
إلى الصراع مع الحياة والمصير ،إن نظرتها إلى الوجود عميقة وبطولية ،وهي تنظر إلى قيمة الجهد قبل النظر إلى ما
يثمره الجهد...
ثم يقول حول االنقالب في فكر البعث موضحاً بعض المحددات التي تجعل من حركة البعث انقالباً فيقول:
-9وحدة األهداف الثورية ،وتفاعلها ،والتأثير المتبادل للنضال التحرري ،والنضال االشتراكي ،والنضال الوحدوي.
-4مشمولية القضية ،وترابط مصلحة الشعب العربي في جميع أقطاره وضرورة توحيد نضاله.
-5الحرية كأعمق أساس وواقع ،واعتبار األمة مسرحاً لتحقيق القيم اإلنسانية...
وعلى هذا األساس فاالنقالب في فكر البعث هو نفسه الثورة في الحزب الشيوعي ،تلك التي تحقق للشعب كل أهدافه ،مع
إضافة الجانب القومي إلى الجانب الشعبي ،ويؤكد ذلك بقوله :
" إن حركتنا عربية انقالبية .....إن انقالبيتنا تنبع من صلتنا القومية بفقر الواقع ،وقساوته ،وضرورة تبديله ،والقيام
بانقالب يرجع إلى األمة حقيقتها ،ويظهر كفاءتها الحقيقية ،وروحها وأخالقها ......الشروط الالزمة للحركة االنقالبية،
تقوم على الوعي أوالً ،وعلى الشعور بالمسؤولية ثانياً ،وعلى اإليمان أخيراً .......إن زمن الحركة االنقالبية يرجع آخر
األمر إلى نشاطها ،وإلى صدقها وجديتها...
أما عن رأيه حول الوحدة العربية ،فقد أيد البعث منذ نشأته المشاريع الوحدوية العربية على المستوى اإلقليمي –
كمشروع سوريا الكبرى ،أو الهالل الخصب ،وهاجم سياسة النظام السوري ،لمحاربة ،أو عدم الموافقة على هذين
المشروعين ،ورأى أن الرجعية العربية ممثلة في نظام الملك فاروق في مصر ،والملك عبد العزيز في السعودية ،هي
التي تقف وراء عدم وحدة سوريا الكبرى ،أو الهالل الخصب ...لكنه ما لبث بعد ذلك أن شعر بأن سيره في اتجاه
المشاريع الهاشمية سيعرضه للعزلة السياسية؛ بسبب عدم تبني النظام السوري لهذه المشاريع فغيَّر اتجاهه منذ عام
،0345وأصبح يعارض هذه المشاريع ،إال أنه استمر في دعوته لوحدة سوريا ،والعراق بشرط إلغاء المعاهدة
البريطانية العراقية لعام ،0391تلك التي تحقق مصالح بريطانيا في العراق.
وأصبح يؤكد أيضاً على ضرورة الوحدة العربية الشاملة ،فيقول ميشيل عفلق في ذلك :
" العمل للوحدة أمر ضروري طبيعي بالنسبة للعرب الضمان مستقبلهم ،كذلك العمل في سبيل الحرية أيضاً؛ ألنه ال قيمة
للوحدة إذا لم تضم شعباً حراً واعي ًا لحقوقه قادراً على ممارستها ،واالشتراكية هي أن يكون في هذه الوحدة شعب حر
منتج قادر على الحياة ،وتكون ألفراده فرص متكافئة فتظهر قواه وإمكانياته دون عرقلة مصطنعة تفرضه طبقة على
أخرى ،أو استثمار داخلي عندما يعطي العرب طاقاتهم القصوى ،ويكون مجتمعهم قادراً على البقاء ،والدفاع عن
النفس ،وهذه األهداف ال تتعارض مع بعضها...
وندد عفلق باألنظمة السورية التي عجزت عن تحقيق الوحدة العربية واعتبرها قطرية ،وضد مصالح األمة العربية ،فيقول
في ذلك:
"القيادة القديمة التي أوالها الشعب ثقته ؛ عجزت عن مجاراة الشعب في تحقيق أهدافه في الوحدة العربية الكبرى ،
واعتمادها القطرية في عملها ،وابتعدت عن الشعب ،وانتشر الفساد في أجهزتها اإلدارية ..وسوريا سبقت غيرها من
األقطار العربية في االستقالل ،يجب أن تتحمل مسؤوليتها في المساهمة في تحقيق استقالل البالد العربية ،وتحقيق حكم
دستوري يساهم في تقدم األمة .....والبعث هو أمل األمة في تحقيق أهدافها...
ولم يرى ميشيل عفلق أن الدول العربية ذات أنظمة سياسية متعددة ،ولكل نظام فلسفته ،فال يمكن أن تتحقق وحدة
البالد العربية وفق الشروط التاريخية الموجودة ،إال على أساس فيدرالي ،تتوحد فيه أشياء ،وتحترم في داخله أشياء
أخرى ،كما في دول المغرب العربي ،أو دول الخليج ،أو وادي النيل ،أو الهالل الخصب ،فعلى سبيل المثال يقول ميشيل
عفلق حول السودان ذلك القطر العربي المتعدد األديان والقوميات" :العروبة السودانية هي اإلسالم في جوهره...
ومعيار الرجعية في النظام السياسي عند ميشيل عفلق هو عدم مشاركة الجماهير الشعبية في الحكم ،وعدم السير في
طريق الوحدة العربية ؛ ألن ذلك برأيه يبعد النظام عن كل طابع ثوري ،ويجعله طبقياً ،وإقليمياً ...كما أنه يرفض
انفرادية أي حزب ،أو نظام في الحكم،
كما يعارض ميشيل عفلق ميثاق الجامعة العربية ويعتبره كارثياً على األمة العربية ،ولعله في هذه الناحية محق في ذلك
؛ ألن ميثاق الجامعة ليس فيه أية إيماءات لتحقيق وحدة عربية ،على المستوى السياسي ،أو االقتصادي ،أو االجتماعي ،
فيقول في ذلك:
" إن التعاون الذي حققه ميثاق الجامعة العربية هو تعاون قاصر ،قد يتحقق مثله بين دول غريبة متباينة في اللغة ،
والعنصر ،والتاريخ ،وبعيدة عن بعضها في اإلقليم والقارة ،فالميثاق في مجموعه إقرار لحالة التجزئة الراهنة في العالم
العربي ،وتوكيد للنزعات الشخصية في الفئات الحاكمة ،وإذعان من دول الجامعة لسياسية األمر الواقع ،الذي سهَّل عليها
التراجع أمام مطامع األجنبي ضد بعض أجزاء الوطن العربي...
" القيادة القومية :هي التعبير العملي لنظام الحزب عن هذه الوحدة ،وبالتالي عن ثورية الحزب ،وهي تعني وجود عدد
من القادة من أقطار مختلفة حسب مؤهالتهم وثقة المؤتمرات بهم وتنتخبهم المؤتمرات ويقودون الحزب ،وعندما يصل
الحزب في قطر ،أو أكثر إلى مستوى االشتراك في الحكم ،أو استالم الحكم كامالً ،تصل القيادات القطرية في هذه
األقطار إلى حد من القوة يغريها بأال تخضع ألي سلطة فوقها ،والحل في ذلك هو نظري فقط ،لكي تكون القيادة القومية
هي صاحبة السلطة العليا فعلي ًا يجب أن يكون وعي القاعدة الحزبية في أعلى مستوى ،وسهرها على سير الحزب ،
والتزامها بمبادئه ،ونظامه فائقاً ...
الملحق المصور