Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 33

‫)‪VOL 7 | JUNE 2018 (pp.

385-417‬‬
‫‪ISSN: 1985-7454 | E-ISSN: 2590-4396‬‬
‫‪www.mjsl.usim.edu.my‬‬

‫____________________________________________________‬

‫مبدأ شخصية العقوبة واملساواة فيها يف الشريعة اإلسالمية‬


‫أمنوذجا‬
‫ً‬ ‫القانون اجلنائي اإليراين‬
‫‪The principles of individualization of punishments and equality‬‬
‫‪of punishments in Islam :The Islamic punishment law in Iran as‬‬
‫‪a sample‬‬
‫‪1*Faroogh‬‬ ‫‪Salami, 1Arif Ali Arif‬‬
‫‪1Department‬‬ ‫‪of Fiqh and Usul al-Fiqh, International Islamic University‬‬
‫‪Malaysia, Gombak 53100‬‬

‫‪*(Corresponding author): farooghsalami@gmail.com‬‬

‫ملخص‬
‫يهدف هذا البحث إىل بيان "مبدأ شخصية العقوبة واملساواة فيها يف‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإختاذ القانون اجلنائي اإليراين أمنوذجا معتمدا على‬
‫املنهج االستقرائي‪ :‬ابستقراء أقوال الفقهاء من املؤلفات املدونة حول هذا‬
‫املوضوع‪ ،‬وكذلك بتتبع القوانني املتناثرة والبنود املتعلقة مببدأ شخصية‬
‫العقوبة واملساواة فيها إختاذ القانون اجلنائي اإليراين أمنوذجا‪ ،‬وكذلك‬
‫االعتماد على املنهجني التحليلي واملقارن‪ :‬بتحليل هذين املبدأين‬
‫ومناقشتهما‪ .‬هذا‪ ،‬وقد وصل الباحث ابملناهج السابقة‪ ،‬واستنادا إىل‬
‫مفهوم العقوبة يف الشريعة اإلسالمية والقانون اجلنائي اإليراين‪ ،‬أن العقوبة‬
‫تتميز خبصائص مشرتكة تستقل هبا‪ ،‬وهذه اخلصائص أو األصول احلاكمة‬

‫‪385‬‬
Malaysian Journal of Syariah and law | ‫ | مجلة الشريعة والقانون بماليزيا‬Vol 7, June 2018

،‫ ومبدأ املساواة يف العقوبة‬،‫على العقوابت تتمثل يف مبدأ قانونية العقوبة‬


‫ مبدأ شخصية‬،‫ وترّكزت هذه الدراسة على مبدأين‬،‫ومبدأ شخصية العقوبة‬
‫ وقد تطرق الباحث يف أثناء البحث إىل عالقة‬،‫ ومبدأ املساواة فيها‬،‫العقوبة‬
،‫بتحمل العاقلة الديةَ عن اجلاين يف اجلناايت اخلطئية‬
ّ ‫مبدأ شخصية العقوبة‬
‫وإنه موافق للقياس (أي القواعد العامة والثابتة يف الشريعة اإلسالمية) وليس‬
.‫استثناء من مبدأ شخصية العقوبة‬

،‫ العاقلة‬،‫ مبدأ شخصية العقوبة‬،‫ خصائص العقوبة‬:‫الكلمات املفتاحية‬


‫ مبدأ املساواة يف العقوبة‬،‫الدية‬

ABSTRACT
The aim of this study is to review two principles of
"individualization of punishments" and "equality of punishments"
in Islam, and the topic was investigated in the Islamic punishment
law in Iran. The inductive method is used to study and induce the
jurisconsults’ sayings and articles of law in the compiled writings
on the related topic, and the two mentioned principles were
analyzed using the analytical and comparative methods. Based on
the mentioned methods and referring to the definition and concept
of punishment in Islam and Iranian criminal law, the author
concluded that punishments have common principles and
properties which are dominant in all punishments and manifested
in the principles of the legality of punishments, equality of
punishments and individualization of punishments. Moreover, the
author studied the relationship between the principle of
individualization of punishment and paying blood money by the
‘Aqilah (blood relative/solidarity group) in unintentional crimes
(error) and concluded that the Aqilah system is completely based
on general and proved rules in Islam, and it is not excepted from
the principle of individualization of punishment.

386
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫‪Keywords: principle of punishments legality, principle of‬‬


‫‪individualization of punishments, Aqilah system, blood money,‬‬
‫‪principle of the equality of punishments‬‬

‫املدخل إىل البحث‬


‫يقصد خبصائص العقوبة يف هذا البحث‪ ،‬جمموعة من الصفات احمل ّددة اليت‬
‫ترتبط مبعىن العقوبة ومفهومها كجزاء‪ ،‬حيث متثل تلك الصفات ضماانت‬
‫توقيع ذلك اجلزاء مبا حيقق أغراضه؛ والذي مسّاه البعض‪" :‬الضماانت اليت‬
‫تصحب نظام العقوابت" (‪ ،)Hosni, 1989‬ويقولون أبن هذه اخلصائص‬
‫تشكل "جمموعة املبادئ اليت تراعيها الشرائع العقابية يف وضع شبكة‬
‫العقاب" (‪ ،)Abu Amer, 2007‬وهذه اخلصائص يطلق عليها علماء‬
‫الشريعة الشروط‪ ،‬بينما يطلق عليها القانونيون خصائص العقوبة‪.‬‬
‫(‪.)Ramadan ataya, 2007‬‬

‫وتتضمن هذه الدراسة مبحثني‪:‬‬


‫( ‪Principle of Personal‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مبدأ شخصية العقوبة‬
‫‪ ،)Punishment‬يهدف هذا املبحث إىل بيان مفهوم الشخصية يف اللغة‬
‫واملدلول االصطالحي وذلك يف متهيد وأربعة مطالب‪.‬‬

‫متهيد‪ :‬مفهوم الشخصية يف اللغة‬


‫مصطلح حديث‪ ،‬فال جتد معناها يف‬
‫ٌ‬ ‫الشخصية‪ :‬إن مصطلح الشخصية‬
‫املعاجم والقواميس القدمية‪ ،‬إال أنه ميكن تتبع أصلها‪ ،‬فعند الرازي‪:‬‬

‫‪387‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫"الشخص‪ :‬هو سواد اإلنسان وغ ريه تراه من بعيد‪ ،‬ومجعه يف القلة‬


‫اص" (‪ ،)Alrazi, 1999‬وقال‬‫وص وأش َخ ٌ‬ ‫ص‪ ،‬ويف الكثرة شخ ٌ‬ ‫أشخ ٌ‬
‫صاحب لسان العرب‪" :‬الشَّخص‪ :‬مجاعة َشخ ر‬
‫ص اإلنسان وغيه‪ ،‬واجلمع‬
‫أشخاص‪ ...‬الشَّخص‪ ُّ :‬ر‬
‫هور‪Ibn manzur, ( "...‬‬ ‫كل جس ٍم له ار ٌ‬
‫تفاع وظ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪.)1994‬‬
‫وقال ابن األثي‪" :‬الشَّخص‪ :‬املراد به إثبات الذات‪ ،‬فاستعي هلا‬
‫لفظ الشَّخص" (‪.)Ibn Athir, 1979‬‬
‫عرف كلمةَ الشخصية بعض املعاجم احلديثة‪ ،‬فقد جاء يف املعجم‬ ‫وقد ّ‬
‫الوسيط‪ ،‬وهو من املعاجم احلديثة‪" :‬الشخصية‪ :‬صفات متيز الشَّخص من‬
‫غيه‪ ،‬ويقال‪ :‬فالن ذو شخصية قَويَّة ذو صفات متميزة‪ ،‬وإرادة وكيان‬
‫مستقل" و"الشخصي‪ :‬أَمر شخصي خيص إنساان َبعينره"(‪.)Anis, 2004‬‬
‫ومن مث يكون املعىن اللغوي لشخصية العقوبة‪ ،‬هو‪" :‬أن العقوبة شخصية‬
‫ختص إنساان بعينه دون سواه‪ ،‬وال تتعلق بغيه‪ ،‬أي أن العقوبة تقع على‬
‫ّ‬
‫مرتكب اجلرمية‪ ،‬أو اجلنحة‪ ،‬أو املخالفة" (‪.)Alkhanizan, 2004‬‬
‫وبعبارة أخرى أن شخصية العقوبة تتمثل يف عدم تنفيذ العقوبة‬
‫على غي احملكوم عليه‪ ،‬يعين فقط مرحلة تنفيذ العقوبة دون أن ميتد إىل ما‬
‫قبلها‪ ،‬فهو يضمن فقط أن تنفذ العقوبة بواسطة من صدرت ضده دون‬
‫غيه مهما كانت الصلة بينهما‪" .‬شخصية العقوبة تشمل مرحليت العقوبة‬
‫معا‪ ،‬ومن مثّ يعين‪ :‬قصر العقاب على من ساهم يف اجلرمية مع حتمله وحده‬
‫تنفيذ العقاب املوقع عليه" (‪.)Ahmad taha, 1992‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبدأ شخصية العقوبة يف الشريعة اإلسالمية‬


‫‪388‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫قد َّقررت الشريعة اإلسالمية مبدأ شخصية العقوبة‪ ،‬وأيضا أغلب القوانني‬
‫الوضعية يف العصر احلديث‪ ،‬ومتتاز هذه اخلصيصةَ أبهنا إسالمية أصيلة‪،‬‬
‫أقر اإلسالم بذلك قبل مخسة عشر قران‪ ،‬إذ إن من "القواعد األولية‬
‫حيث ّ‬
‫يف الشريعة اإلسالمية أن املسئولية اجلنائية شخصية‪ ،‬فال يسأل عن اجلرم‬
‫إال فاعله‪ ،‬وال يؤخذ امرؤ جبريرة غيه مهما كانت درجة القرابة أو الصداقة‬
‫بينهما" (‪ ،)Eawdat, N.D‬وقال عوده‪" :‬ويشرتط يف العقوبة أن تكون‬
‫شخصية تصيب اجلاين‪ ،‬وال تتعداه إىل غيه‪ ،‬وهذا الشرط هو أحد األصول‬
‫اليت تقوم عليها الشريعة اإلسالمية" (‪ ،)Eawdat, N.D‬فمعىن املسئولية‬
‫اجلنائية يف الشريعة‪" :‬أن يتحمل اإلنسان نتائج األفعال احملرمة اليت أيتيها‬
‫خمتارا وهو مدرك ملعانيها ونتائجها‪...‬فاملسئولية اجلنائية يف الشريعة تقوم‬
‫على ثالثة أسس‪ :‬أوهلا‪ :‬أن أييت اإلنسان فعال حمرما‪ .‬اثنيها‪ :‬أن يكون‬
‫الفاعل خمتارا‪ .‬اثلثها‪ :‬أن يكون الفاعل مدركا‪ ،‬فإذا وجدت هذه األسس‬
‫الثالثة وجدت املسئولية اجلنائية"‪.)Eawdat, N.D(.‬‬
‫وابلرجوع إىل نصوص الشريعة جند فيها التأكيد على تلك‬
‫اخلصيصة العقابية يف عدة مواضع من القرآن الكرمي‪ .‬منها؛ قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ َوَال تَك رسب ك ُّل نَف ٍ‬
‫س إرَّال َعلَي َها َوَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر‬
‫إخبار أبن هللا تعاىل ال يؤاخذ أحدا‬‫أخَرى﴾[األنعام‪ ،]164:‬ويف هذا " ٌ‬
‫بذنب غيه‪ ،‬وأنه ال يع ّرذب األبناء بذنب اآلابء" (‪ ،)Aljassas, 1994‬فال‬
‫حتمل نفس مذنبة عقوبة األخرى؛ وإّمنا تؤخذ كل نفس جبريرهتا اليت‬
‫اكتسبتها‪ ،‬وقال ابن العريب‪" :‬وهذا إمنا بَيّنه هلم ردا على اعتقادهم يف‬

‫‪389‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫( ‪Ibnol Arabi,‬‬ ‫الرجل اببنره وأببيه روجب ريرة ح ر‬


‫ليفه"‬ ‫اجلاهليّة من م َؤاخذة َّ‬
‫ََ َ‬
‫‪.)2003‬‬
‫رسول هللا صلى هللا‬ ‫وجاء يف حديث أيب ررمثَةَ‪ ،‬أنه دخل على ر‬
‫ر‬
‫الكعبة‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ب‬ ‫ور رّ‬
‫ابن له‪ ،‬فقال‪" :‬ابنك هذا؟ قال‪ :‬إي َ‬ ‫عليه وسلم ومعه ٌ‬
‫حقا؟ قال‪ :‬أَش َهد به‪ ،‬فتَ بَ َّس َم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ضاحكا رمن‬
‫ف أيب َعلَ َّي‪ ،‬مثّ قال‪ :‬أما إنّه ال ََي رين عليك‪،‬‬ ‫ومن حلر ر‬ ‫تَثبيت َشب رهي رأبيب‪ ،‬ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وال َجت رين عليه‪ ،‬وقرأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ ﴿ :‬وَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر‬
‫‪.‬‬
‫أخَرى﴾ [األنعام‪)Ibn Hanbal, 2001( "]164:‬‬
‫ر ر رر‬
‫ويقول هللا تعاىل‪َّ ﴿ :‬م رن ٱهتَ َدى فَرإَّمنَا يَهتَدي لنَ فسهۦ َوَمن َ‬
‫ض َّل‬
‫ض ُّل َعلَي َها َوَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخَرى﴾[اإلسراء‪.]15:‬‬ ‫فَرإَّمنَا ي ر‬
‫َ‬
‫وقد ورد ذكر هذا املبدأ يف سورة البقرة مرات‪ ،‬منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫ك أ َّمة‪ ٞ‬قَد َخلَت َهلَا َما َك َسبَت َولَكم َّما َك َسب تم َوَال تسَلو َن َع َّما‬ ‫﴿ترل َ‬
‫َكانوا يَع َملو َن﴾ [البقرة‪ ،]134:‬ومنها قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وٱتَّقوا يَوم‪ٞ‬ا َّال َجت رزي‬
‫س َعن نَّفس‪َ ٞ‬شي‪ٞ‬ا َوَال ي قبَل رمن َها َش َف َعة‪َ ٞ‬وَال ي ؤ َخذ رمن َها َعدل‪ٞ‬‬ ‫نَف ٌ‬
‫نصرو َن﴾ [البقرة‪ ،]48:‬وقال سيد قطب‪" :‬فالتبعة فردية‪،‬‬ ‫َوَال هم ي َ‬
‫واحلساب شخصي‪ ،‬وكل نفس مسؤولة عن نفسها‪ ،‬وال تغين نفس عن‬
‫نفس شيئا‪...‬وهذا هو املبدأ اإلسالمي العظيم‪ ،‬مبدأ التبعة الفردية القائمة‬
‫على اإلرادة والتمييز من اإلنسان‪ ،‬وعلى العدل املطلق من هللا‪ ،‬وهو أقوم‬
‫املبادئ اليت تشعر اإلنسان بكرامته‪ ،‬واليت تستجيش اليقظة الدائمة يف‬
‫ضميه" (‪.)Sayyed Qotb, 1992‬‬

‫‪390‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫س َعن نَّفس‪َ ٞ‬شي‪ٞ‬ا‬ ‫َّ ر‬


‫وقوله عزوجل‪َ ﴿ :‬وٱتَّقوا يَوم‪ٞ‬ا ال َجتزي نَف ٌ‬
‫نصرو َن﴾‬ ‫ر‬
‫َوَال ي قبَل من َها َعدل‪َ ٞ‬وَال تَن َفع َها َش َف َعة‪َ ٞ‬وَال هم ي َ‬
‫[البقرة‪ ،]123:‬وقوله سبحانه وتعاىل‪َ﴿ :‬ال ي َكلرّف َّ‬
‫ٱَّلل نَفسا إرَّال وس َع َها‬
‫َهلَا َما َك َسبَت َو َعلَي َها َما ٱكتَ َسبَت﴾ [البقرة‪.]286:‬‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَمن يَك رسب إرمث‪ٞ‬ا فَرإَّمنَا يَك رسبهۥ َعلَى‬
‫نَف رس رهۦ﴾[النساء‪ ،]111:‬وقد أوضح صاحب يف ظالل القرآن ذلك‬
‫بقوله‪" :‬تقرر (هذه اآلية) فردية التبعة‪ ،‬وهي القاعدة اليت يقوم عليها‬
‫التصور اإلسالمي يف اجلزاء‪ ،‬واليت تثي يف كل قلب شعور اخلوف وشعور‬
‫الطمأنينة‪ ،‬اخلوف من عمله وكسبه‪ ،‬والطمأنينة من أن ال حيمل تبعة‬
‫غيه"(‪.)Sayyed Qotb, 1992‬‬
‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬أأيَيُّ َها ٱلنَّاس ٱتَّقوا َربَّكم َوٱخ َشوا يَوم‪ٞ‬ا َّال ََي رزي‬
‫ود ه َو َجا ٍز َعن َوالر ردهرۦ َشيا﴾[لقمان‪.]33:‬‬ ‫رر‬ ‫ر‬
‫َوال ٌد َعن َولَدهۦ َوَال َمول ٌ‬
‫ر رر‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬من ع رمل ر‬
‫َساأءَ‬
‫صلح‪ٞ‬ا فَلنَفسهۦ َوَمن أ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فَ َعلَي َها﴾[فصلت‪.]46:‬‬
‫س رمبَا َك َسبَت َررهينَةٌ﴾ [املدثر‪،]٣٨ :‬‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ك ُّل نَف ِۢر‬
‫وغيها من اآلايت الكثية يف نفس املعىن تبني حقيقتها أن ال توقع العقوبة‬
‫إال على اجلاين نفسه‪ ،‬وهذا ما يفهم من تفسي العلماء لتلك اآلايت وعلى‬
‫كل‬
‫نفس بذنب غيها‪ ،‬بل ّ‬ ‫رأسهم العالمة الكبي القرطيب لقوله‪":‬ال تؤخذ ٌ‬
‫نفس مأخوذةٌ جبرمها ومعاقَبةٌ إبمثها‪...‬وأ ّن كل مباشر جلرمية فعليه‬
‫َمغَبَّ تها"(‪.)Alqortobi, 1964‬‬

‫‪391‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال يؤخذ الرجل جبريرة أبيه‬
‫وال جبريرة أخيه"(‪.)Alnesaei, 1992‬‬
‫وجاء يف دعاء الرسول صلى هللا عليه وسلم‪" :‬واجعل أثران على‬
‫من ظلمنا"‪ ،‬أي‪" :‬إدراك أث رران على من ظلمنا أي مقصورا عليه‪ ،‬وال جتعلنا‬
‫ممن تَ َعدَّى يف طلب أثره فأخذ به َغي َر اجلاين كما كان معهودا يف اجلاهلية‪،‬‬
‫فنرجع ظاملني بعد أن كنّا مظلومني"(‪.)Mobarakfuri, N.D‬‬ ‫َ‬
‫إن مبدأ شخصية املسؤولية من ثوابت التشريع اإلسالمي ‪ ،‬وهو‬
‫"يتعلق مببدأ العدل اإلهلي الذي وصف هللا به نفسه‪ ،‬حبيث ال حياسب‬
‫جل وعال إال من فعل‪ ،‬وعلى ما فعل‪ ،‬وحيث إن اإلسالم جاء ختاما‬
‫للشرائع والرساالت السماوية‪ ،‬وكان من الطبيعي أن ينص على املبادئ‬
‫العامة اليت ال تتغي‪ ،‬وقد قررت الشريعة اإلسالمية أن اجلناية ال يتحمل‬
‫مسؤوليتها غي اجلاين‪ ،‬وعلى هذا األساس أصبحت شخصية املسؤولية‬
‫قاعدة كلية‪ ،‬ومبدأ عام يناط به كل تكليف من تكاليف‬
‫اإلسالم"(‪ ،)Shahatat Hosayn, 2006‬فمبدأ شخصية العقوبة مبدأ إهلي‬
‫عام مطبَّ ٌق يف كل األداين السماوية‪ ،‬وأنه أساس دعوة األنبياء والرسل‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أخرب هللا عزوجل عن يوسف عليه السالم‪ ،‬حينما وجد صواع‬
‫امللك يف رحل أخيه‪ ،‬فأراد ابقي إخوته أن َيعلوا أحدهم بدل من وجد يف‬
‫ال معا َذ َّر‬
‫ٱَّلل أَن‬ ‫رحله‪ ،‬فقال تعاىل على لسان يوسف عليه السالم‪﴿ :‬قَ َ َ َ‬
‫ندأهۥ إر َّانأ إرذ‪ٞ‬ا لَّظَلرمو َن﴾ [يوسف‪ ،]79:‬يصور‬
‫ََّّنخ َذ إرَّال َمن َو َجد َان َمتَ َعنَا رع َ‬
‫لنا التعبي القرآين اعرتاض يوسف عليه السالم احلاد والقوي‪ ،‬وأن ما ذكره‬

‫‪392‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫إخوته أمر جلل‪ ،‬يستحق االستعاذة برب العاملني‪ ،‬فيؤكد املبدأ وهو أن‬
‫الذي جىن ال يؤخذ غيه جبريرته‪ ،‬وال أحد ميكن أن ينال عقوبة لفعل غيه‪،‬‬
‫فإن كان األمر غي هذا فالقاضي به ظاملا‪Alqortobi, 1964, & ( .‬‬
‫‪.)Abozahrah, N.D‬‬
‫‪ -‬كذلك ما جاء يف صحف إبراهيم عليه السالم وموسى عليه‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وسى ‪٣٦‬‬ ‫السالم‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أَم ََل ي نَ بَّأ مبَا ريف صحف م َ‬
‫نس رن‬ ‫ّف ‪ ٣٧‬أََّال تَ رزر وا رزرة‪ ٞ‬روزر أخرى ‪ ٣٨‬وأَن لَّي ر ر‬
‫َوإرب َرره َيم ٱلَّ رذي َو َّأ‬
‫س لۡل َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫إرَّال َما َس َعى﴾ [النجم‪ ،]39-36:‬فمبدأ "ال تزر وازرة وزر أخرى" هو‬
‫ذاته مبدأ شخصية املسؤولية اجلنائية‪ ،‬ولكن بتعبي آخر؛ إذ اجلميع يفيد‬
‫عدم ََحل نفس رَحل ما جنته نفس أخرى‪ ،‬فكما أن هذا مقرر اليوم‪ ،‬فقد‬
‫قرره إبراهيم اخلليل وموسى عليهما السالم‪Ibn Kathir, 1999 & ( .‬‬

‫‪.)Alqortobi, 1964‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مبدأ شخصية العقوبة يف القانون‬


‫إن مبدأ شخصية العقوبة يعد أحد املبادئ العامة يف القانون اجلنائي‬
‫وأسسه‪ ،‬أي أن اجلاين يعاقب مقابل الذنب أو اخلطأ الذي اقرتفه‪ ،‬فال‬
‫مسؤولية عليه عن فعل الغي‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن القانون اجلنائي يتمثل يف‬
‫املسؤولية واجلزاء‪ ،‬فإذا َل توقع العقوبة على املسؤول جنائيا‪ ،‬السرتسل اجلاين‬
‫يف شره وفساده‪ ،‬وليطغى دوافع الشر لديه على دوافع اخلي‪ ،‬ومن انحية‬
‫ألدى ذلك إىل معاقبة الربيء من الذنب‪،‬‬
‫أخرى إذا عوقب غي اجلاين‪ّ ،‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫ويشعر ابلظلم واالغرتاب جتاه جمتمعه‪ ،‬فضال عن إخفاق اجلزاء اجلنائي يف‬
‫حتقيق غايته املنشودة من ردع وتقومي‪.‬‬
‫ولذلك ال جند منفذا لتحقق العدل يف القانون اجلنائي سوى‬
‫االرتكاز على هاتني الدعامتني معا‪ ،‬ومها املسؤولية واجلزاء‪ ،‬والضمان القوي‬
‫والوحيد لذلك هو التقيد مببدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫ومما ينبغي اإلشارة إليه أن مبدأ شخصية العقوبة قد أقرته القوانني‬
‫الوضعية والتشريعات املعاصرة‪ ،‬كما أن اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‬
‫أقر مبدأ شخصية العقوبة بنص صريح يف املادة (‪)11‬‬ ‫لعام ‪1948‬م‪ّ ،‬‬
‫على "أن كل شخص يفرتض أنه بريء طاملا َل يثبت ذنبه قانوان‪ ،‬وإذا ما‬
‫ثبت ذلك الذنب‪ ،‬فال ميكن أن يكون بداهة إال ذنبا خاصا وشخصيا‬
‫للفرد املتابع جنائيا" (‪.)Ahmad taha, 1992‬‬
‫وجاء يف شرح القانون اجلنائي اإليراين ما نصه‪" :‬به موجب اصل‬
‫فردى بودن (شخصى بودن) جمازات ها‪ ،‬جمازات تنها به فرد جمرم (مباشر‪،‬‬
‫شريك‪ ،‬معاون وسبب) اعمال مي گردد و به ساير افراد قابل تسری‬
‫نيست"‪.)Abbas Zeraat, 2008( .‬‬
‫ترمجته‪" :‬مبقتضى مبدأ شخصية العقوابت‪ ،‬توقع العقوبة على‬
‫الشخص اجلاين فقط (سواء أكان مباشرا‪ ،‬أو شريكا‪ ،‬أو معاوان‪ ،‬أو سببا)‪،‬‬
‫وال تتعدى إىل غيه من األشخاص"‪.‬‬
‫وقال احملقق اإليراين حممد حسن قدريت يف مقالته املوسومة ب"قاعدة‬
‫الوزر (مبدأ شخصية العقوبة)"‪ :‬أن هذه القاعدة هي إحدى املبادئ‬
‫األصولية واألساسية يف القانون اجلنائي املعاصر‪ ،‬وعلى أساسها فإن‬

‫‪394‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫املسؤولية اجلنائية تتعلق ابجملرم وشركائه ومعاونيه فقط‪ ،‬وترد نتائج سلوكهم‬
‫السيئة إىل أنفسهم‪ ،‬وال حتمل أعضاء األسرة وأقرابئهم املسؤولية اجلنائية‪،‬‬
‫وال َيوز معاقبتهم" (‪.)Qodrati, 2009‬‬
‫واستدل هذا الباحث على حجية قاعدة الوزر ابملعقول‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قبيح‬
‫أصل عقالينٌ‪ ،‬وأن حتميل وازرة على وزر أخرى ٌ‬ ‫"إن قاعدة الوزر ٌ‬
‫ومنكر‪ ،‬والعقل حيكم على قبحه" (‪.)Qodrati, 2009‬‬‫ٌ‬
‫وقال حسين‪" :‬ومن هذه الضماانت (اليت تصحب نظام‬
‫العقوابت) كذلك شخصية العقوبة اليت تعين أال تنزل بغي من يسأل عقابيا‬
‫عن اجلرمية‪ ،‬ولو كان واحدا من أفراد أسرته أو ورثته"(‪.)Hosni, 1989‬‬
‫ميكن للباحث تعريف مبدأ شخصية العقوبة أبنه يعين‪ :‬قصر توقيع‬
‫العقوبة وتنفيذها على الشخص اجلاين (مرتكب اجلرمية) وحده دون غيه‪.‬‬
‫وال يتصور مبدأ شخصية العقوبة إال أن يقتصر توقيع العقوبة على اجلاين‬
‫أو اجملرم وحده دون غيه‪.‬‬
‫وهذه اخلصيصة للعقوبة أصبحت من املبادئ األساسية يف قانون‬
‫ونصت عليها معظم دساتي الدول‪ ،‬كما‬ ‫العقوابت احلديث‪ ،‬وقد أ ّكدت َّ‬
‫نصت املادة (‪ )66‬من الدستور املصري أبن‪" :‬العقوبة شخصية"( ‪Hosni,‬‬
‫ّ‬
‫أكدت املادة (‪ )2‬من قانون العقوابت اليمين على أن "املسؤولية‬‫‪ ،)1989‬و َّ‬
‫اجلزائية شخصية" (‪ ،www.presidentsaleh.ye‬بتاريخ ‪.)2013/02/09‬‬
‫وهذا املبدأ يع ّد من مبادئ القوانني اجلنائية الوضعية اجلوهرية‬
‫املتضمن عدم انصراف العقوبة إىل غي صاحب اجلرم‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬مدى عالقة شخصية العقوبة بتحمل العاقلة (الدية)‬


‫حتمل العاقلة الدية عن اجلاين يف اجلناايت اخلطئية‬ ‫دل على مشروعية ُّ‬ ‫لقد ّ‬
‫لت امرأاتن رمن ه َذيل‪ ،‬فَ َرَمت إح َدامها‬ ‫ما‪ :‬روي "أ ّن أاب هريرة ‪ ،‬قال‪ :‬اقتَ تَ ر‬
‫صموا إىل النّيب صلى هللا عليه‬ ‫األخرى حبَ َجر فقتلتها وما يف بطنها‪ ،‬فاختَ َ‬
‫يدةٌ‪ ،‬وقَضى أ ّن ديةَ املرأة‬ ‫ر‬
‫وسلم‪« ،‬فقضى أ ّن دية جنينها غَّرةٌ‪َ ،‬عب ٌد أو َول َ‬
‫على عاقلتها»(‪.)Abokhari, 2001‬‬
‫ولكن التساؤل الذي يثار حول حتميل الدية على العاقلة من قبل‬
‫الشرع يف اجلرائم اخلطئية‪ ،‬ومدى اتساق ذلك مع مبدأ شخصية العقوبة‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬هل حتميل الدية على العاقلة موافق للقياس (القواعد العامة‬
‫والثابتة يف الشريعة اإلسالمية)‪ ،‬أو خمالف له؟ يف هذه املسألة قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه خمالف للقياس يعين‪ :‬حتميل الدية علی العاقلة‬
‫استثناء من القاعدة العامة يف الشريعة‪ ،‬أو خمصص لعموم قوله تعاىل‪﴿ :‬أََّال‬
‫تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخرى﴾ [النجم‪ ،]38:‬وما يف معناها ( ‪Ibn Hajar,‬‬
‫َ‬
‫‪ .)1960‬ذهب إىل هذا القول بعض الشافعية‪ ،‬وبعض املالكية‪ ،‬والظاهرية‪،‬‬
‫( & ‪Ibn Hajar, 1960‬‬ ‫والنجفي من الشيعة اإلمامية‪ ،‬وبعض احملدثني‪.‬‬
‫‪.)Sherbini, 1994 & Najafi, N.D & Ibn Hazm, 1933‬‬
‫ووجه هذا القول‪ :‬أن من أتلف مضموان كان ضمانه عليه‪ ،‬ومن‬
‫اقرتف ذنبا يؤاخذ هو به‪ ،‬وَحل العاقلة الدية جعل للضمان على غي‬
‫املتلف ومؤاخذة بذنب الغي‪ ،‬فلو حكم على َحل العاقلة الدية مبثل ما‬
‫حكم به على نظائره مثل َحل العاقلة ضمان األموال املتلفة القتضى‬

‫‪396‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫( ‪Alkasani,‬‬ ‫القياس عدم جوازه‪ ،‬فيكون جوازه على خالف القياس‬


‫‪.)1986‬‬
‫العاقلة الديةَ اثبت ابلسنة‪ ،‬وأمجع أهل‬ ‫ر‬ ‫وحتمل‬
‫قال ابن حجر‪ُّ " :‬‬
‫العلم على ذلك وهو خمالف لظاهر قوله‪َ ﴿:‬وَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخَرى﴾‬
‫ص من عمومها ذلك ملا فيه من املصلحة؛ ألن‬ ‫[اإلسراء‪ ،]15:‬لكنه خ َّ‬
‫وشك أن أتيت على مجيع ماله أل ّن تتابع اخلطأ منه‬‫القاتل لو أ رخ َذ ابلدية َأل َ‬
‫يؤمن ولو ترك بغي تغرمي‪ ،‬ألهدر دم املقتول‪ ،‬قلت‪ :‬وحيتمل أن يكون‬ ‫ال َ‬
‫آلل األمر إىل اإلهدار بعد االفتقار‪،‬‬ ‫ر‬
‫السُّر فيه أنه لو أفرَد ابلتغرمي حىت يفتقر َ‬
‫ّ‬
‫فجعل على عاقلته‪ ،‬ألن احتمال فقر الواحد أكثر من احتمال فقر‬
‫تكرَر ذلك منه كان حتذيره من العود إىل مثل ذلك من‬
‫اجلماعة‪ ،‬وألنه إذا َّ‬
‫مجاعة أدعى إىل القبول من حتذيره نفسه والعلم عند هللا تعاىل"( ‪Ibn‬‬
‫َ‬
‫‪.)hajar, 1960‬‬
‫وجاء يف مغين احملتاج‪" :‬قال العلماء‪ :‬وتَغرمي غي اجلاين خار ٌج عن‬
‫القياس"(‪.)Sherbini, 1994‬‬
‫وقال القرطيب‪ :‬ال شك أن إَياب املواساة على العاقلة خالف‬
‫قياس األصول‪ ،‬يف الغرامات وضمان املتلفات"‪.)Alqortobi, 1964( .‬‬
‫وقال صاحب جواهر الكالم‪" :‬أن ضمان العاقلة على خالف‬
‫األصل"(‪.)Najafi, N.D‬‬
‫قال سيد سابق‪" :‬إَياب دية قتل شبه العمد‪ ،‬واخلطأ على العاقلة‬
‫استثناء من القاعدة العامة يف اإلسالم‪ ،‬وهي‪ :‬أن اإلنسان مسؤول عن‬
‫نفسه وحماسب على تصرفاته‪ ،‬لقول هللا عزوجل‪﴿ :‬أََّال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر‬

‫‪397‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫أخَرى﴾‪ ،‬ولقول الرسول الكرمي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬ال يؤخذ الرجل‬
‫جبريرة أبيه‪ ،‬وال جبريرة أخيه» (‪ ،)Al nesaei, 1986‬وإمنا جعل اإلسالم‬
‫اشرتاك العاقلة يف حتمل الدية يف هذه احلالة‪ ،‬من أجل مواساة اجلاين‪،‬‬
‫ومعاونته يف جناية صدرت عنه من غي قصد منه"( ‪Sayyed sabeq,‬‬

‫‪.)1977‬‬
‫وقال عودة‪" :‬ومبدأ شخصية املسئولية اجلنائية يطبق تطبيقا دقيقا‬
‫يف الشريعة اإلسالمية من يوم وجودها‪ ،‬وليس هلذا املبدأ العام إال استثناء‬
‫واحد‪ ،‬وهو حتميل العاقلة الدية مع اجلاين يف شبه العمد واخلطأ‪ ،‬وأساس‬
‫هذا االستثناء الوحيد هو حتقيق العدالة املطلقة‪ ،‬أي نفس األساس الذي‬
‫قام عليه مبدأ شخصية العقوبة؛ ألن تطبيق هذا املبدأ على دية شبه العمد‬
‫واخلطأ ال ميكن أن حيقق العدالة املطلقة بل أنه يؤدي إىل ظلم‬
‫فاحش"‪.)Eawdat, N.D(.‬‬
‫والذي يبدو للباحث مما سبق‪ :‬أن الشريعة قررت هذا االستثناء‬
‫لعدة اعتبارات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬احل ّد من إهدار الدماء وضياعها‪ ،‬وتضمني اجملين عليه‬
‫واطمئنانه للحصول على حقه حىت يشفي غيظه جتاه اجلاين‪.‬‬
‫‪ -‬حتقيق الرَحة واملساواة والعدالة‪..‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن حتمل العاقلة الدية عن اجلاين موافق للقياس‪،‬‬


‫أي أنه موافق للقواعد العامة والثابتة يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وليس خمالفا‬
‫للقياس‪ ،‬وأن هذا القول ال يتعارض مع القاعدة الشرعية وهي أن اإلنسان‬
‫مسؤول عن نفسه وحماسب على تصرفاته‪ .‬وهو قول مجهور احلنفية‪ ،‬وبعض‬
‫‪398‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫( ‪Aljassas,‬‬ ‫املالكية‪ ،‬وبعض الشافعية‪ ،‬وابن تيمية وتلميذه ابن القيم‬


‫‪.)1994 & Sarakhsi, 1993‬‬
‫مال كثيٌ‪ ،...‬واخلطأ مما ي ع َذر‬
‫ووجه هذا القول أب ّن "ديةَ املقتول ٌ‬
‫عم َده‪،‬‬ ‫ضرٌر َع رظيم به من غي َذ ٍ‬
‫نب تَ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫فيه اإلنسان‪ ،‬فإَياب الدية يف ماله َ َ‬
‫فالشارع أوجب على من عليهم مواالة القاتل ونَصره أن يعينوه على ذلك‪،‬‬
‫فكان هذا كإَياب النفقات اليت جتب للقريب‪ ،...‬وإَياب فكاك األسي‬
‫من بلد العدو؛ فإ ّن هذا أسيٌ ابلدية اليت جتب عليه‪ ،‬وهي َل جتب ابختيار‬
‫ستح ّرقها وال ابختياره‪ ،‬كالديون اليت جتب ابلقرض والبيع‪ ،‬وليست أيضا‬
‫م ر‬
‫إتالف ٍ‬
‫مال كث ٍي بقدر الدية خطأ‬ ‫َ‬ ‫قليلة يف الغالب‪ ،‬كإبدال املتلَفات‪ ،‬فإن‬
‫اندر جدا خبالف قتل النفس خطأ‪ ،‬فما سببه العمد يف نفس أو ٍ‬
‫مال‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫فقليل يف‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫فاملتلف ظاَلٌ مستَح ٌّق فيه للعقوبة وما سببه اخلطأ يف األموال‪ٌ ،‬‬
‫العادة؛ خبالف الدية"‪.)Ibn taymiyyah, 1995(.‬‬
‫قال اجلصاص يف توجيه املسألة‪" :‬ليس يف إَياب الدية على العاقلة‬
‫ر‬
‫هؤالء القوم‬ ‫أَخذهم بذنب اجلاين‪ ،‬إمنا الدية عندان على القاتل وأمر‬
‫حتملها على وجه املواساة له من غي أن يَ َلزَمهم ذنب‬‫ابلدخول معه يف ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أوجب هللا يف أموال األغنياء حقوقا للفقراء من غي إلزامهم‬
‫َ‬ ‫جنايته‪ ،‬وقد‬
‫بكل وجه أمكن‬ ‫ر‬
‫ذنبا َل يذنبوه بل على وجه املواساة‪ ،‬و َأمَر بصلة األرحام ّ‬
‫وصالح‬
‫مندوب إليها للمواساة َ‬ ‫الدين‪ ،‬وهذه كلها أمور‬ ‫ر‬
‫برب الو َ‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬و َأمر ّ‬
‫‪.‬‬
‫ذات البَ ني"(‪)Aljassas, 1994‬‬
‫وقد علّل السرخسي بقوله‪" :‬اإلَياب على العاقلة لدفع‬
‫اإلجحاف واالستئصال عن القاتل والتخفيف عليه‪ ،‬وذلك يف الك رّل ال يف‬

‫‪399‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫اجلزء‪ ،‬مث الوجوب عليهم ابعتبار النصرة وال شك أنه يَنصر نفسه كما‬
‫اخذون بفعله‬
‫غيه‪ ،‬وكما أنه معذور غي مؤاخذ شرعا‪ ،‬فالعاقلة ال يؤ َ‬ ‫ينصر َ‬
‫أيضا‪ .‬قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخَرى﴾ [األنعام‪،]164:‬‬
‫ومن َل ََي رن فهو أبعد من املؤاخذة من اجلاين املعذور"(‪.)Sarakhsi, 1993‬‬
‫لكن ملاذا قيل‪ :‬أ ّن حتميل الدية على العاقلة يعترب مؤاخذة بغي‬
‫اجب‬ ‫الذنب والتقصي؟ فأجاب الكاساين عليه بقوله‪" :‬فإ ّن حف َظ ر‬
‫القاتل و ٌ‬
‫ذنب‪ ،‬وأل ّن القاتل‬
‫على عاقلته‪ ،‬فإذا َل َحيفظوا فقد َّفرطوا‪ ،‬والتَفريط منهم ٌ‬
‫مال‬
‫ني له يف القتل‪ ،‬وأل ّن ال ّدية ٌ‬
‫إمنا يقتل بظَهر عشيته فكانوا كاملشارك َ‬
‫حمل َختفيفا‪،‬‬
‫ف به‪ ،‬فيشاركه العاقلة يف التّ ُّ‬
‫الكل القاتل إجحا ٌ‬
‫كثي فإلزام ّ‬
‫خفيف؛ ألنّه خاطئ‪ ،‬وهبذا فارق ضمان ر‬
‫املال؛ أل ّن ضمان‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫وهو مستح ٌّق التّ َ‬
‫املال ال يَكثر عادة فال تقع احلاجة إىل التّخفيف‪ ،‬وما دون نصف عشر‬
‫ر‬
‫ضمان األموال"(‪.)Alkasani, 1986‬‬ ‫الدية حكمه حكم‬
‫ومن املعلوم أن نظام العاقلة كان معروفا وموجودا عند العرب قبل‬
‫جميء اإلسالم‪ ،‬فأقرهم على ذلك‪ ،‬وهذا ال يعين مؤاخذة العاقلة بذنب‬
‫الغي‪ ،‬وإمنا هو يعترب نوعا من التكافل االجتماعي والتضامن اجلماعي بني‬
‫األمة املسلمة‪ ،‬ملصلحة ورثة املقتول من جهة‪ ،‬والقاتل من جهة أخرى‪،‬‬
‫"والّذي وجب على العاقلة َل َيب تغليظا‪ ،‬وال أ ّن رو َزر القاتل عليهم ولكنّه‬
‫حمضةٌ"(‪ ،)Alqortobi, 1964‬وذلك بغية ختفيف قسوة الدية على‬ ‫م َواساةٌ َ‬
‫اجلاين‪.‬‬
‫وقد استدل أنصار هذا االجتاه على أنه "لو كان هذا احلكم‬
‫استثناء من هذه القاعدة العامة ملا نظر إىل العاقلة إال بعد النظر إىل حال‬

‫‪400‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫اجلاين‪ ،‬فإن استطاع َل يتحمل معه أحد‪ ،‬وإن َل يستطع انتقلوا إىل العاقلة‪،‬‬
‫وَل ينظروا كذلك إىل عدد العاقلة قلة أو كثرة‪ ،‬بل لوجب الدفع على العاقلة‬
‫قل‪ ،‬وملا حتمل بيت املال الدية عند عدم أتكد وجود‬ ‫كثر عددها أو ّ‬
‫العاقلة أصال‪ ،‬أو عند عدم مقدرهتا على الدفع من غي نظر إىل املخطئ‬
‫أكان غنيا أم فقيا"(‪.)Ahmad okaz, 1982‬‬
‫والذي يبدو للباحث من القولني السابقني‪ :‬أنه ال يوجد بينهما‬
‫مثة اختالف يف الغاية من تشريع نظام العاقلة‪ ،‬وهو تضمني اجملين عليه‬
‫للوصول إىل حقه‪ ،‬وشفاء ملا يف صدره‪ ،‬وحتقيقا للمساواة بني أصحاب‬
‫احلادثة‪ ،‬ومع وجود وحدة اهلدف واألساس بني القولني‪ ،‬إال أهنما اختلفا‬
‫يف النتيجة؛ حيث استثناها األول من مبدأ شخصية العقوبة‪ ،‬بينما الثاين‬
‫َل يستثنها من شيء‪.‬‬
‫أصل يف هذا الباب‪ ،‬ومعىن التَّناصر أنّه إذا‬
‫اصر ٌ‬
‫"واحلاصل أ ّن التَّنَ َ‬
‫أمر قاموا معه يف كفايته‪...‬وحيث ال قبيلة وال تَنَاصَر‪ ،‬فالدية يف ماله‬ ‫َحَزبَه ٌ‬
‫أو بيت املال" (‪.)Ibn abedin, 1992‬‬
‫وقال بعضهم بعدم حتميل الدية على العاقلة أصال‪ ،‬فقال أبو بك ٍر‬
‫اخ َذ أح ٌد بذنب‬ ‫يتح َّمل القاتل دون العاقلة؛ ألنّه ال َيوز أن ي َؤ َ‬
‫َص ُّم‪َ " :‬‬
‫األ َ‬
‫غيه قال هللا سبحانه وتعاىل‪َ ﴿ :‬وَال تَك رسب ك ُّل نَف ٍ‬
‫س إرَّال َعلَي َها﴾‬
‫[األنعام‪ ]164:‬وقال جلّت عظمته‪َ ﴿ :‬وَال تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخَرى﴾‬
‫األموال"( ‪Alkasani,‬‬ ‫تتحمل العاقلة ضمان‬
‫[اإلسراء‪ ،]15:‬وهلذا َل َّ‬
‫‪.‬‬
‫‪)1986‬‬

‫‪401‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫ويرد قول األصم أبحاديث صحيحة موجودة يف هذا الباب‪ ،‬ومنها‬


‫ما ذكرانه يف أول هذا املوضوع‪ ،‬حيث يدل على حتمل العاقلة للدية‪ ،‬وَل‬
‫ينكره أح ٌد من صحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فيعترب إمجاعا‪،‬‬
‫وقال السرخسي يف أثناء رده على األصم‪" :‬وهبذا يتبني أان ال جنعل وزر‬
‫أحد على غيه‪ ،‬وإمنا نوجب ما نوجبه على العاقلة بطريق الصلة يف‬
‫املواساة"(‪ ،)Sarakhsi, 1993‬وقال املاوردي‪" :‬قول هللا تعاىل‪َ ﴿:‬وتَ َع َاونوا‬
‫وحتمل العاقلة من مجلة الرب والتَّقوى‪،‬‬ ‫َعلَى ٱلر رّرب َوٱلتَّق َوى﴾[املائدة‪ُّ ،]2:‬‬
‫‪.‬‬
‫فدخل يف عموم اآلية"(‪)Almawardi, 1999‬‬
‫قد نصت املادة الرابعة من الدستور اإليراين على أنه‪َ" :‬يب أن‬
‫تكون املوازين اإلسالمية أساس مجيع القوانني‪ ،‬والقرارات املدنية‪ ،‬واجلزائية‪،‬‬
‫واملالية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وغيها‪،‬‬
‫هذه املادة انفذة على مجيع مواد الدستور‪ ،‬والقوانني‪ ،‬والقرارات األخرى‬
‫إطالقا وعموما"(‪.)Ansareyan, 1985‬‬
‫ومن املوازين اإلسالمية يف القرارت اجلزائية‪ :‬العمل مببدأ شخصية‬
‫العقوابت‪ ،‬أو شخصية املسؤولية اجلنائية املتمثل يف عموم قوله تعاىل‪﴿ :‬أََّال‬
‫تَ رزر َوا رزَرة‪ ٞ‬روزَر أخَرى﴾ [النجم‪.]38:‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬املقارنة بني القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية يف‬


‫مبدأ شخصية العقوبة‬
‫والذي يبدو للباحث؛ أن مبدأ شخصية العقوبة من انحية املنطوق يف‬
‫القوانني الوضعية احلديثة يشرتك مع الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حيث يعتربونه من‬

‫‪402‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫املبادئ األساسية يف نظام العقوابت‪ ،‬ولكن من الناحية التأرخيية؛ "فإن‬


‫كل هذه املبادئ احلديثة اليت َل تعرفها القوانني الوضعية إال يف القرن التاسع‬
‫عشر والقرن العشرين‪ ،‬قد عرفتها الشريعة من يوم وجودها‪ ،‬وإهنا من املبادئ‬
‫األساسية اليت تقوم عليها الشريعة"‪.)Eawdat, N.D(.‬‬
‫ومن انحية التطبيق‪ ،‬فإن دائرَة هذه اخلصيصة يف القوانني الوضعية‬
‫أضيق مما هي عليه يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقد أ ّكد عودة على هذا املعىن‬
‫بقوله‪" :‬وإذا كانت القوانني الوضعية احلديثة قد أخذت أخيا مببدأ‬
‫شخصية املسئولية الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية من ثالثة عشر قران‪،‬‬
‫فإن الظاهر أن القوانني الوضعية َل تصل يف تطبيق هذا املبدأ إىل احلد‬
‫الذي وصلت إليه الشريعة‪ ،‬وأن دائرة تطبيقه يف القانون أضيق من دائرة‬
‫تطبيقه يف الشريعة"‪.)Eawdat, N.D(.‬‬

‫( ‪The Principle of equal‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مبدأ املساواة يف العقوبة‬


‫‪)punishment‬‬
‫إن مبدأ املساواة له معىن عظيم ومكانة كبية يف اإلسالم لدى معتنقيه‪،‬‬
‫خاصة املشرعني يف القوانني اجلنائية‪ ،‬وإنه هو األساس لكل احلقوق‬
‫واحلرايت‪ ،‬ومنها املساواة يف املسؤولية واجلزاء‪ ،‬وإن فقدان هذا املبدأ يعين‬
‫فقداهنا مجيعا‪ ،‬فالشريعة اإلسالمية قد حققت هذا املبدأ ابلفعل وألغت‬
‫الطبقية والفوارق بني الناس منذ بداية نزول القرآن الكرمي‪ ،‬فألجل هذا‬
‫منهد لذلك مفهوم املساواة يف اللغة‪.‬‬
‫تقتضي طبيعة دراستنا أن ّ‬

‫‪403‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫قال ابن سيدة‪" :‬السني والياء والواو (سوي)‪َ :‬س َواء الشيء رمث له‬
‫وس َو راس َوةٌ‪ ،‬األخية اندرة‪ ،‬كلها أمساء‬ ‫اس‪َ ،‬‬ ‫وس َو ٍ‬ ‫ر‬
‫وس َواسيَةٌ‪َ ،‬‬
‫واجلمع أَسواء‪َ ،‬‬
‫صيَ ٍ‬
‫اص‬ ‫رٍ‬
‫َمجع‪ ...‬قال‪ :‬فالياء يف َس َواسيَة منقلبة عن الواو ونظيه من الياء َ‬
‫ص ّحت الواو فيمن قال‪َ :‬س َو راسوةٌ لعلم أهنا الم ٍ‬
‫أصل‪،‬‬ ‫صة وإمنا َ‬
‫مجع صي ٍ‬
‫َ َ‬
‫السواء مجعا‪ ،‬وقوله‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وأن الياء فيمن قال َس َواسيَة منقلبةٌ عنها‪ ،‬وقد يكون َّ‬
‫َسَّر ٱل َقو َل َوَمن َج َهَر بررهۦ﴾ [الرعد‪]10:‬معناه‬ ‫ر‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬س َواأء‪ّ ٞ‬منكم َّمن أ َ‬
‫وماش ره َد والظاهر يف الطرقات واملستَخفي يف‬ ‫غاب َ‬ ‫أن هللا تعاىل يَعلَم ما َ‬
‫ضمَر يف نَف رسه َعلرم هللا هبم مجيعا‬ ‫طقه وامل ر‬ ‫اجلاهر يف ن ر‬‫الظُّلمات و ر‬
‫وساويت بينهما‬ ‫وس َّوي ته به َ‬ ‫سواء‪...‬واستَ َوى الشَّيئان وتَ َس َاوَاي متََاثَالَ‪َ ،‬‬
‫وس َواء‬
‫العدل‪َ ،‬‬ ‫وساويت به‪...‬والس رويَّة والسواء َ‬ ‫وساويت الشيءَ َ‬ ‫وس َّويت َ‬ ‫َ‬
‫الشيء‪َ ...‬و َسطه"(‪.)Ibn sidat, 2000‬‬ ‫ر‬
‫يمة‪َ ،‬ورمنه قَوهلم‪َ :‬ه َذا‬ ‫ر‬
‫و" َس َاواه م َس َاواة َماثَلَه َو َع َادلَه قَدرا أَو ق َ‬
‫يمته ردرَمها‪َ ...‬واستَ َوى ال َقوم ريف ال َم رال إ َذا ََل يَفضل‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬
‫ي َسا روي درَمها أَي ت َعادل ق َ‬
‫َح ٌد َعلَى َغ ريهر َوتَ َس َاووا فر ريه َوهم فر ريه َس َواءٌ"(‪.)Alfayyumi, N.D‬‬ ‫ر‬
‫م ن هم أ َ‬
‫والذي يبدو للباحث‪ :‬أن املساواة يف اللغة تعين املماثلة‪ ،‬واملعادلة‪،‬‬
‫واملشاهبة‪ ،‬والتكافؤ يف القدر والقيمة‪.‬‬
‫وأما املدلول االصطالحي ملبدأ املساواة يف العقوبة يف الشريعة‬
‫اإلسالمية والقانون واملقارنة بينهما‪ ،‬فيتطرق الباحث إليه يف املطلبني‬
‫التاليني‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبدأ املساواة يف العقوبة يف الشريعة اإلسالمية‬

‫‪404‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫إن الشريعة اإلسالمية قد أقرت مبدأ املساواة وأكدته للناس‪ ،‬فاجلميع‬


‫سواسية من حيث املسؤولية واجلزاء يف الشرع اإلسالمي‪ ،‬وأنه ال تفرقة بني‬
‫البشر من حيث الوضع االجتماعي‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو اللون‪ ،‬أو‬
‫اجلنس‪ ،‬وقد اعتربت الشريعة املساواة بني البشر من أساسياهتا وأولوايهتا‪،‬‬
‫فلهذا ال جدال يف هذا املبدأ يف الفقه اإلسالمي من حيث وجوده‪،‬‬
‫ومضمونه‪ ،‬ونطاقه‪.‬‬
‫يف احلقيقة إن ملبدأ املساواة يف اخلضوع للعقوبة يف الشريعة‬
‫اإلسالمية مكانة هامة‪ ،‬سواء من حيث النص عليه كمبدأ‪ ،‬أو من حيث‬
‫تطبيقاته الذاخرة يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬قال عودة‪" :‬يشرتط يف العقوبة أن‬
‫تكون عامة‪ ،‬تقع على كل الناس مهما اختلفت أقدارهم‪ ،‬وحبيث يتساوى‬
‫أمامها احلاكم واحملكوم‪ ،‬والغين والفقي‪ ،‬واملتعلم واجلاهل‪ ،‬واملساواة التامة‬
‫يف العقوبة ال توجد إال إذا كانت العقوبة حدا أو قصاصا؛ ألن العقوبة‬
‫معيّنة ومق ّدرة‪ ،‬فكل شخص ارتكب اجلرمية‪ ،‬عوقب هبا‪ ،‬وتساوى مع غيه‬
‫يف نوع العقوبة وقَدرها"‪.)Eawdat, N.D(.‬‬
‫قد نصت الشريعة على هذا املبدأ يف مواضع كثية‪ ،‬مما يستفاد‬
‫من قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬أأيَيُّ َها ٱلنَّاس إر َّان َخلَقنَكم رّمن ذَ َكر‪َ ٞ‬وأنثَى َو َج َعلنَكم‬
‫ند ٱ َّر‬ ‫ر‬
‫َّلل أَت َقىكم﴾‬ ‫شعوب‪ٞ‬ا َوقَبَاأئر َل لتَ َع َارف أوا إر َّن أَكَرَمكم رع َ‬
‫[احلجرات‪ ،]13:‬و قد يفهم من اآلية أن مناط احلكم وعلة املفاضلة‬
‫والكرامة عند هللا سبحانه وتعاىل هو "التقوى" وأنه ال وجود ملناط سواه‪،‬‬
‫و"أن اآلية مبا هتفت به ابلناس واستهدفته من تذكيهم مبساواهتم لبعض‬
‫يف األصل والطبيعة وحقوق احلياة‪ ،‬ومن تقرير كون التفاضل بينهم إمنا‬

‫‪405‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫يكون يف العمل الصاحل وتقوى هللا‪ ،‬وكون األكرم عند هللا إمنا هو األتقى‪،‬‬
‫هي مجلة اتمة لذاهتا تقرر وجهة نظر الشريعة اإلسالمية اليت ميثلها القرآن‬
‫يف الدرجة األوىل‪ ،‬يف مساواة الناس يف احلقوق والواجبات العامة مساواة‬
‫اتمة‪ ،‬ويف هدم درجات التفاوت والطبقات يف اإلسالم‪ ،‬ونسف امتيازاهتا‬
‫القائمة على األنساب واألحساب والثروات‪ ،‬وما مياثلها من‬
‫األعراض"(‪.)Darwazah, 1964‬‬
‫ويستخلص املبدأ كذلك من قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫أَحر على‬
‫لعجمي على عريب‪ ،‬وال َ‬‫ّ‬ ‫عجمي‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫"أال ال فضل لعريب على‬
‫أَحر‪ ،‬إال ابلتقوى"(‪ ،)Ibn hanbal, 2001‬وقد‬ ‫أسود على َ‬‫أسود‪ ،‬وال َ‬ ‫َ‬
‫يضمن هذا املبدأ تطبيق العدالة بني الناس يف اجملتمع‪ ،‬ورفع الظلم عنهم‪،‬‬
‫ولقد أرسى دعائمه عليه الصالة والسالم عمليا عند تطبيقه على املرأة‬
‫املخزومية اليت سرقت‪ ،‬وقد كانت من أشرف بطون قريش؛ ففي احلديث‬
‫عن عائشة رضي هللا عنها‪" :‬أن قريشا أمهَّهم شأن املرأة املخزومية اليت‬
‫سرقت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن يكلم فيها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟ فقالوا‪:‬‬
‫ب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ومن َيرتئ عليه إال أسامة بن زيد‪ ،‬رح ُّ‬
‫فكلّمه أسامة‪ ،‬فقال‪ :‬رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬أتشفع يف حد من‬
‫حدود هللا»‪ ،‬مث قام فاختطب‪ ،‬مث قال‪« :‬إمنا أهلك الذين قبلكم‪ ،‬أهنم‬
‫كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه‬
‫احل ّد‪ ،‬وامي هللار لو أن فاطمة بنت حممد سرقت‪ ،‬لقطعت يدها»"‬
‫(‪.)Abokhari, 2001‬‬

‫‪406‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫ويفهم من هذا احلديث أن املنزلة االجتماعية ال أتثي هلا يف تطبيق‬


‫العقوابت‪ ،‬وإن كانت السيدة فاطمة رضي هللا عنها بنت رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فمؤدى ذلك أنه ال فضيلة ألسرة رئيس الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وال فرق بني أفرادها وبني سائر الناس‪.‬‬
‫إن الرسول صلى هللا عليه وسلم يطبرّق هذا املبدأ على أهل بيته‪،‬‬
‫وَل يتجاوز عن أحكام الشريعة لنفسه‪ ،‬وَل يطلب إعفاء املسؤولية‪ ،‬فقد‬
‫حقوق من بني أظهركم‪ ،‬فمن كنت‬ ‫ٌ‬ ‫قال‪" :‬اي أيّها النّاس‪ ،‬إنّه قد َد ََن مين‬
‫َجلدت له ظهرا فهذا ظهري فليَستَ رقد منه‪ ،‬ومن كنت شتمت له رعرضا‬
‫فليستقد منه‪ ،‬ومن كنت أخذت له ماال‪ ،‬فهذا مايل فليَستَ رقد‬ ‫ر‬ ‫فهذا عرضي‬
‫الشحناء من قربَ رل رسول هللا‪ ،‬أال وإ ّن‬
‫إَن أخشى ّ‬ ‫رجل‪ّ :‬‬‫منه وال يقولَ َّن ٌ‬
‫إيل َمن أخذ‬ ‫الشحناءَ ليست من طبيعيت‪ ،‬وال من شأين‪ ،‬أال وإ ّن أحبَّكم ّ‬ ‫ّ‬
‫حلَّلين فلقيت هللا وأان طيرّب النَفس"( ‪Altabarani,‬‬ ‫حقا إن كان‪ ،‬أو َ‬
‫‪ ،)N.D‬فيقرر هذا احلديث مبدأ مسؤولية رئيس الدولة اإلسالمية عن مجيع‬
‫األفعال اليت تصدر عنه‪ ،‬وتطبيق مبدأ املساواة بينه وبني أي فرد يف اجملتمع‪.‬‬
‫قسم قَسما‪،‬‬ ‫كما ورد أنه "بينما رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ي ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب عليه‪ ،‬فَطَعنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم برعرجونٍ‬ ‫رجل فأَ َك َّ‬
‫َ‬ ‫أقبَ َل ٌ‬
‫ال‬
‫رح بوجهه‪ ،‬فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬تَ َع َ‬
‫كان معه‪ ،‬فَجر َ‬
‫فَاستَ رقد» فقال‪ :‬بل َعفوت اي رسول هللا"(‪ ،)Abudawood, N.D‬فهذه‬
‫من مميزات الشريعة اإلسالمية تسوي بني الراعي والرعية‪ ،‬وليس فيها حاكم‬
‫يعفى من العقاب‪ ،‬وحمكوم يشدد عليه العقاب‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬مبدأ املساواة يف العقوبة يف القانون اجلنائي االيراين‬


‫يعرب عن هذا املبدأ يف القانون الوضعي "أبن تكون العقوبة‬
‫عامة"(‪ ،)Eawdat, N.D‬ويقصد هبذه اخلصيصة؛ "أن نصوص القانون‬
‫اليت تقرر العقوابت تسري على مجيع األفراد دون تفرقة‬
‫بينهم"‪.)Sulayman abdolmoneim, 1996(.‬‬
‫وقال صاحب كتاب أصول اإلجراء واجلزاء‪" :‬ومن ضماانت‬
‫العقوابت األساسية مبدأ املساواة‪ ،‬ويعين هذا املبدأ أن نصوص القانون‬
‫اليت تقرر العقوابت تسري على مجيع األفراد دون تفرقة بينهم‪ ،‬فإذا قرر‬
‫القانون عقوبة من أجل جرمية‪ ،‬فإن هذه العقوبة توقع على كل من يرتكب‬
‫هذه اجلرمية"(‪.)Hosni, 1989‬‬
‫أما يف القانون اجلنائي اإليراين فقد جاء يف شرحه ما نصه‪" :‬اصل‬
‫تساوى جمازات ها در واقع دنباله و مكمل اصل قانوَن بودن جمازات‬
‫هاست و در مورد جمرميىن كه در شرايط مشابه مرتكب جرم مى شوند‪،‬‬
‫اعمال مى گردد"‪.)Abbas Zeraat, 2008(.‬‬
‫ومكمل‬
‫ترمجته‪" :‬يف احلقيقة؛ أن مبدأ املساواة يف العقوابت‪ ،‬اتبع ّ‬
‫ملبدأ قانونية العقوابت‪ ،‬ويوقع على جمرمني يرتكبون اجلرمية يف ظروف‬
‫متشاهبة"‪ ،‬أي تطبق النصوص القانونية للعقوابت على كل األفراد أاي‬
‫عرب عنه البعض أبن‪" :‬من‬
‫كانت مكانتهم يف اهليئة االجتماعية‪ ،‬والذي ّ‬
‫ضماانت العقوابت األساسية‪ ،‬مبدأ املساواة"(‪ ،)Hosni, 1989‬وقال‬
‫آخر‪" :‬املساواة يف العقوبة تعين‪ :‬إمكانية انطباق النص القانوين على‬
‫الكافة"‪.)Abu Amer, 2007( .‬‬

‫‪408‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫أقرت دساتي الدول اإلسالمية املعاصرة مبدأ املساواة بني‬


‫وقد ّ‬
‫ونصت‬
‫شعبهم دون النظر إىل أصلهم‪ ،‬أو جنسهم‪ ،‬أو معتقداهتم الدينية‪َّ ،‬‬
‫عليه أبهنم كلهم سواء لدى القانون يف احلقوق والواجبات‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫املثال‪ ،‬فإن املادة الرابعة من الدستور اإليراين ورد فيها ‪ -‬كما ذكرانها‬
‫سابقا – ما يلي‪َ" :‬يب أن تكون املوازين اإلسالمية أساس مجيع القوانني‪،‬‬
‫والقرارات املدنية‪ ،‬واجلزائية‪ ،‬واملالية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬
‫والعسكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬وغيها‪ ،‬هذه املادة انفذة على مجيع مواد الدستور‪،‬‬
‫والقوانني‪ ،‬والقرارات األخرى إطالقا وعموما"(‪.)Ansareyan, 1985‬‬
‫ومن املوازين واملبادئ اجلنائية يف اإلسالم‪ :‬املساواة يف العقوبة‪،‬‬
‫ويقصد هبا أن يكون أثر العقوبة الواحدة متساوية ابلنسبة لكل من توقع‬
‫عليه‪.‬‬
‫ونصت املادة (التاسعة عشرة) من دستور اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫ّ‬
‫اإليرانية أبن‪" :‬يتمتع أفراد الشعب اإليراين ‪ -‬من أية قومية أو عشية كانوا‬
‫‪ -‬ابملساواة يف احلقوق وال يعترب اللون‪ ،‬أو العنصر‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو ما شابه‬
‫ذلك سببا للتمييز"(‪.)Ansareyan, 1985‬‬
‫وقد أ ّكدت املادة (العشرون) من الدستور أبن‪َ" :‬حاية القانون‬
‫تشمل مجيع أفراد الشعب ‪ -‬نساء ورجاال ‪ -‬بصورة متساوية‪ ،‬وهم يتمتّعون‬
‫جبميع احلقوق اإلنسانية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬
‫ضمن املوازين اإلسالمية" (‪.)Ansareyan, 1985‬‬
‫وجاء يف الفقرة ‪ ،9‬و‪ ،14‬و‪ 15‬ضمن املادة الثالثة من الدستور؛‬
‫أن حكومة مجهورية إيران اإلسالمية تلتزم أن توظف مجيع إمكانيّتها‬

‫‪409‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫لتحقيق أمور‪ ،‬وقد نص على بعضها‪،‬كمبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬وضمان‬


‫احلقوق‪ ،‬وتوسيع األخوة بني املواطنني بقوله‪:‬‬
‫"‪ -9‬رفع التمييز غي العادل‪ ،‬وإاتحة تكافؤ الفرص للجميع يف‬
‫كل اجملاالت املادية واملعنوية‪.‬‬
‫‪ -14‬ضمان احلقوق للجميع نساء ورجاال‪ ،‬وإَياد الضماانت‬
‫القضائية العادلة هلم‪ ،‬ومساواهتم أمام القانون‪.‬‬
‫‪ -15‬توسيع وحتكيم األخوة اإلسالمية والتعاون اجلماعي بني‬
‫الناس كافة"(‪.)Ansareyan, 1985‬‬

‫أما املقارنة بني القانون الوضعي والشريعة اإلسالمية يف مبدأ املساواة‬


‫يف العقوبة‬
‫فالذي يبدو للباحث‪ :‬أن مبدأ املساواة يف العقوبة من انحية املفهوم‪،‬‬
‫والنص عليه‪ ،‬مشرتك يف الشريعة اإلسالمية والقوانني الوضعية احلديثة‪،‬‬
‫ولكن من انحية أسبقية كل منهما على اآلخر‪ ،‬فقد سبقت الشريعة‬
‫اإلسالمية القوانني الوضعية يف تقرير مبدأ املساواة بثالثة عشر قران‪ ،‬فإن‬
‫القوانني الوضعية َل تعرفها إال يف أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وأن القوانني الوضعية تطبق مبدأ املساواة يف العقوبة تطبيقا‬
‫حمدودا ابلنسبة للشريعة اإلسالمية اليت توسعت يف تطبيق النظرية إىل أقصى‬
‫حد‪.)Eawdat, N.D( .‬‬

‫‪410‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫اخلامتة ونتائج البحث‬


‫الشخصية‪ :‬صفات متيز الشَّخص من غيه‪ ،‬ويقال‪ :‬فالن ذو شخصية‬
‫قَويَّة ذو صفات متميزة‪ ،‬وإرادة وكيان مستقل‪ ،‬ومن مث يكون املعىن اللغوي‬
‫ختص إنساان بعينه دون سواه‪،‬‬
‫لشخصية العقوبة‪ ،‬هو‪ :‬أن العقوبة شخصية ّ‬
‫وال تتعلق بغيه‪ ،‬أي أن العقوبة تقع على مرتكب اجلرمية‪ ،‬أو اجلنحة‪ ،‬أو‬
‫املخالفة فقط‪ ،‬وأن املدلول االصطالحي ملبدأ شخصية العقوبة هو‪ :‬قصر‬
‫توقيع العقوبة وتنفيذها على الشخص اجلاين (مرتكب اجلرمية) وحده دون‬
‫غيه‪.‬‬
‫‪ -1‬إن مبدأ شخصية العقوبة يع ّد أحد اخلصائص واملبادئ‬
‫اجلوهرية واألساسية يف القانون اجلنائي اإليراين‪ ،‬ويعترب أحد‬
‫الضماانت اليت تصحب نظام العقوابت‪.‬‬
‫‪ -2‬قررت الشريعة اإلسالمية مبدأ شخصية العقوبة‪ ،‬كما َّقررت‬
‫ذلك غالب القوانني الوضعية يف العصر احلديث‪ ،‬ومتتاز هذه‬
‫أقر اإلسالم بذلك‬‫اخلصيصةَ أبهنا إسالمية أصيلة‪ ،‬حيث ّ‬
‫قبل مخسة عشر قران‪ ،‬فمن القواعد األولية يف الشريعة‬
‫اإلسالمية أن املسئولية اجلنائية شخصية‪ ،‬فال يسأل عن‬
‫اجلرم إال فاعله‪ ،‬وال يؤخذ امرؤ جبريرة غيه‪ ،‬ونلمس فيها‬
‫التأكيد على ذلك املبدأ يف مواضع كثية من القرآن الكرمي‬
‫والسنة النبوية كما أشران إليها يف أثناء البحث‪.‬‬
‫حتمل العاقلة الدي َة عن اجلاين موافق للقياس أي أنه موافق‬
‫‪ -3‬إن ّ‬
‫للقواعد العامة والثابتة يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وليس خمالفا‬

‫‪411‬‬
‫‪ | Vol 7, June 2018‬مجلة الشريعة والقانون بماليزيا | ‪Malaysian Journal of Syariah and law‬‬

‫للقياس‪ ،‬وأن هذا القول ال يتعارض مع القاعدة الشرعية‬


‫وهي أن اإلنسان مسؤول عن نفسه وحماسب على تصرفاته‪،‬‬
‫وألجل هذا نقول‪ :‬إن حتميل الدية على العاقلة يف اجلناايت‬
‫اخلطئية يف اإلسالم ليس استثناء من مبدأ شخصية العقوبة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن مبدأ شخصية العقوبة يف القوانني الوضعية احلديثة من‬
‫انحية املنطوق‪ ،‬يشرتك مع الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حيث‬
‫يعتربونه من املبادئ األساسية يف نظام العقوابت‪ ،‬ولكن من‬
‫الناحية التأرخيية‪ ،‬فإن كل هذه املبادئ احلديثة اليت َل تعرفها‬
‫القوانني الوضعية إال يف القرن التاسع عشر والقرن العشرين‪،‬‬
‫قد عرفتها الشريعة من يوم وجودها‪ ،‬وإهنا من املبادئ‬
‫األساسية اليت تقوم عليها الشريعة‪.‬‬
‫‪ -5‬إن مبدأ املساواة يف قانون العقوابت يعين أن نصوص القانون‬
‫اليت تقرر العقوابت تسري على مجيع األفراد دون تفرقة‬
‫بينهم‪ ،‬فإذا قرر القانون عقوبة من أجل جرمية‪ ،‬فإن هذه‬
‫العقوبة توقع على كل من يرتكب هذه اجلرمية‪.‬‬
‫‪ -6‬إن مبدأ املساواة يعترب أحد اخلصائص والقواعد العامة‬
‫أقرت دساتي البلدان‬ ‫للقانون اجلنائي اإليراين‪ ،‬وقد ّ‬
‫اإلسالمية املعاصرة مبدأ املساواة بني شعبهم دون النظر إىل‬
‫ونصت عليه‬
‫أصلهم‪ ،‬أو جنسهم‪ ،‬أو معتقداهتم الدينية‪َّ ،‬‬
‫أبهنم كلهم سواء لدى القانون يف احلقوق والواجبات كما‬
‫نص عليه دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪412‬‬
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

‫أقر الدستور اإليراين ضمن القوانني اإلسالمية مبدأ املساواة‬


‫‪ّ -7‬‬
‫يف مجيع احلقوق بني أفراد الشعب‪ ،‬نساءا ورجاال‪ ،‬من أية‬
‫قومية أو عشية كانوا‪ ،‬بغض النظر عن اللون أو العنصر أو‬
‫اللغة أو ما شابه ذلك من املميزات األخرى‪.‬‬
‫‪ -8‬إن مبدأ املساواة يف العقوبة من انحية املفهوم‪ ،‬والنص عليه‪،‬‬
‫مشرتك يف الشريعة اإلسالمية والقوانني الوضعية احلديثة‪،‬‬
‫ولكن من انحية أسبقية كل منهما على اآلخر‪ ،‬فقد سبقت‬
‫الشريعة اإلسالمية القوانني الوضعية يف تقرير مبدأ املساواة‬
‫بزم ٍن طويل‪ ،‬فإن القوانني الوضعية َل تعرفها إال يف أواخر‬
‫القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬وأن القوانني‬
‫الوضعية تطبق مبدأ املساواة يف العقوبة تطبيقا حمدودا‬
‫ابلنسبة للشريعة اإلسالمية اليت توسعت يف تطبيق النظرية‬
‫إىل أقصى حد‪.‬‬

‫‪REFERENCES‬‬

‫‪Abdol moneim, solaiman. (1996). Osoul eilm al ejraam wal‬‬


‫‪jazae. Birut: al moassesat al jameeiyyah..‬‬
‫‪Abu amer, muhamad zaki. (2007). Qanoon al oqoubat- al‬‬
‫‪qesm al aam. Al skandariyyah: dar al jamiat al‬‬
‫‪jadidah.‬‬
‫‪Abu zahrah, muhamad bin ahmad bin mostafa bin ahmad.‬‬
‫‪(N.D). Zahrat al tafasir. N.P: dar al fikr al arabi.‬‬
‫‪Abudawood, sulaimak bin alashath alssajestani. (N.D).‬‬
‫‪Sonan abidawud. Tahqiq: mohammad mohyeddin‬‬
‫‪abdolhamid,‬‬ ‫‪Birut:‬‬ ‫‪maktabat‬‬
‫‪alasreiyyah.‬‬
‫‪413‬‬
Malaysian Journal of Syariah and law | ‫ | مجلة الشريعة والقانون بماليزيا‬Vol 7, June 2018

Ahmad okaz, fikri. (1982). Falsafat al oqoubat fi al shariat


al slami & al qanoon. Al riyadh: sherkat maktabat
okadh.
Al fayyumi, ahmad bin mohammad bin ali. (N.D). Al
mesbah al monir fi garib al sharh al kabir. Birut:
almaktabat alealmiyyah.
Al kasani, aboobakr bin masoud bin ahmad al hanafi. (1986).
Badaaeh al sanaeh fi tartib al sharaeh. N.P: dar
alkotob al ealmiyyah.
Al khanizan, Mansoor bin saleh. (2004). shakhsiyyat al
oqoubat fi shariat va al nezal al soudi va
tatbiqatoha fil mahakem al shareiyat va diwan al
madhalem. Al riyadh: jamiat nayif al arabiyyah
lelouloom al amniyyat.
Al mawadi, abal hasan ali bin mohammad bin mohammad
bin habib. (1999). Al havi al kabir. Tahqiq: ali
mohammad moawwaz & aadil ahmad abdol
mowjood, Birut: dar alkotob al ealmiyyah.
Al mobarakfoori, mohammad abdl Rahman fn abdl rahim.
(N.D). Tohfatol ahwazi. Birut: dar alkotob al
ealmiyyah.
Al najafi, mohammad hasan bin baqir bin abdol rahim.
(N.D). Jawaherol kalam. Tahqiq: abbas qouchan,
Birut: dar ehyae al torath al arabi.
Al nesaaei, abooabdol Rahman ahmad bin shoaib bin ali.
(1986). Sonan al nesaei. Tahqiq: abdol Fattah abu
goddah. Halab: maktab al matbooat al slamiyyat.
Al qortobi, mohammad bin ahmad bin abi bakr bin farah al
ansari. (1964). Al jameh leahkam al Qoran. Al
qaherat: dar al kotob al mesriyyah.
Al sherbini, mohammad bin ahmad. (1994). Mogni al
mohtaj. N.P: dar al kotob al elmiyyat.
Al tabarani, solaiman bin ahmad bin ayyub bin matir
allakhmi. (N.D). Tahqiq: tariq bin ewazollah bin
mohammad & abdol Mohsen bin ebrahim alhosaini.
Al moejam al owsatt. N.P: dar al haramain.

414
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

Albukhary, 'abu abd allah, mhmmd bin 'iismaeil. (1422).


Sahih
albikhari. Tahqiq: mhammad zahir bin nasir alnnasr.
Dar
tuq alnnja.
Aljassas, ahmad bin ali aboobakr al razi. (1994). Ahkam al
qouran. Tahqiq: abdol salam mohammad ali
shahin, Birut: dar alkotob al ealmiyyah.
Alrrazi, mhmmd bin 'abi bikr bin eabd alqadir. (1999).
mukhtar
alsahah thqiq: yusof mohamad. Birut: maktabat
alasreiyyah.
Anis, ebrahim. (2004). Al moejam al wasitt. Al qahirah:
majlae al logat al arabiyyah.
Ansariyan, ali. (1985) Dostur al jomhouriyyah al slamiyyah
al Iraniyyat. Tehran: almarkaz al theqafi.
Darwazat, muhamad ezzat. (1964). Al tafsir al hadith. Al
qahirah: dar ehyae al kotob al arabiyyah.
Ewdat, abdol qadir. (N.D). Al tashrie al jenaei al slami
moqhrenan bel qanoon al wadei. Birut: dar al katib al
arabi.
Hosni, Mahmood najib. (1989). Sharh qanoon al oqoubat –
al qesm al aam. Al qaheirat: dar al nehdhat al
arabiyyat.
https://www.yemen-
nic.info/db/laws_ye/detail.php?ID=11424
Ibn abedin, mohammad amin bin omar bin abdol aziz.
(1992). Raddol mohtar alddorrol mokhtar. Birut: dar
alfekr.
Ibn hajar, ahmad bin ali al asqalani. (1960). Fathol bari
sharh sahih bokhari. Tahqiq: mohammad foaad
abdol baqi, Birut: dar al maerefah.
Ibn hanbal, ahmad bin mohammad din helal. (2001).
Mosnad ahmad bin hanbal. Tahqiq: shoaib arnaut,
Birut: moassesat al resalat.

415
Malaysian Journal of Syariah and law | ‫ | مجلة الشريعة والقانون بماليزيا‬Vol 7, June 2018

Ibn hazm, abu Mahammad ali bin ahmad bin saeid. (1933).
Al mohalla. Tahqiq: mohammad monir al dameshqi,
Mesr: edarat al tebaat al moniriyyah.
Ibn kathir, esmaeil din omar al qorashi albasri. (1999). Tafsir
al qouran al adhim. Tahqiq: sami bin mohammad
salamat, N.P: dar taibat.
Ibn manzur, abu alfadl, muhamad bin mukrim (1994) lisan
alearab. Birut: dar sader.
Ibn Taimiyyah, ahmad ibn abdl halim alharrani. (1995).
Majmue alfatawa. Tahqiq: abdl alrahman bin
mohammad bin qasem, Almadinah alnabawiyyah:
majmae almalik fahd.
Ibnol Arabi, abubakr mohammad ibn abdollah almaaferi.
(2003). Ahkamol quraan. Tahqiq: mohammad abd
alqadir ataa, Birut: dar alkotob al ealmiyyah.
Ibnol Athir, mohammad ibn mohammad ibn abdol karim
aljazari. (1979). Alnnaehaya fi garib alhadith wal
athar. Tahqiq: tahir ahmad alzavi & Mahmood
mohammad altanahi, Birut: almaktabat
alealmiyyah.
Ibnol sidah, ali bin esmaeil al morsi. (2000). Almohkam val
mohit al aedham. Tahqiq: abdol hamid hendouwi,
Birut: dar alkotob al ealmiyyah.
Qodrati, mohammad hasan. (1986). Ghaeda wezr (Asl
shakhsi boodan mojazat). (2009). Foroog wahdat
journal. No: 17.
Ramadan ataaya, ebrahim. (2007). Fardiyya al oqoubat wa
atharoha fil fiqh al slsmi. Al skandariyyah: dar al
fikr al jameei.
Sabeq, sayyed. (1977). Fiqh al sonnat. Birut: dar al ketab al
arabi.
Sarakhsi, mohammad bin Ahmad bin abi sahl shams al
aeimmah. (1993). Al mabsoot. Birut: dar al maerefah.
Sayyed qotb, ebrahim Hossain al sharebi. (1992). Fi zelal al
quran. Birut: dar al shoruq.

416
‫مبدأ شخصية العقوبة والمساواة فيها في الشريعة اإلسالمية القانون الجنائي اإليراني أنموذجًا‬

Shahhatah, mohammad ahmad hosain. (2006). Al Aqilah va


masooliyyatiha an al diyah fil fiqh al slami. Al
skandariyyah: dar al jamiat al jadidah..
Taha mahmood, ahmad. (1992). Mabdae shakhsiyyat al
oqoubat. Al qaheirat: dar al nehdhat al arabiyyat.
Zeraat, abbas. (2008). Qanoon mojazaat slami dar nazm
hoghoqi konooni. Tehran: entesharat qoqnoos.

417

You might also like