Professional Documents
Culture Documents
المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم الإقتصادية
المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم الإقتصادية
www.bibliojuriste.club
1
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
مقدمة
الشك أن مجرد القول بوجود مسؤولية جنائية عن فعل الغير كاف ألن يثير القلق وينبه إلى قيام
إضطراب يدعوا اإلنسان إلى التفكير العميق في تفسير هذه المسؤولية ومبررات تقريرها ،ذالك أنه إذا
أمكن قبول مبدأ المسؤولية المدنية للمتبوع عن األفعال الضارة التي تقع من تابعه ،فإنه اليسوغ أبدا
معاقبته بهذه الصفة طالما أنه لم يصدر عنه ما يجرمه القانون ويتناوله بالعقاب. 1
فالمسؤولية عن فعل الغير وجدت منفذا تنفذ منه إلى القانون المدني ليقع التنصيص عليها داخل
نصوصه القانونية ،أما في القانون الجنائي حيث تسود قاعدة شخصية المسؤولية الجنائية فال يسأل أحد
إال عن خطئه الشخصي ،وهو مبدأ أقرته وكرسته جل التشريعات الحديثة بعد أن كافح الفكر الجنائي
طويال حتى وصل إليه. 2
فاإلنسان ال يسأل بوصفه فاعال أو شريكا إال عما يكون لنشاطه ،دخل في وقوع تلك األعمال
التي نص القانون على تجريمها سواء كان بالقيام بفعل او باإلمتناع الذي يجرمه القانون ،إذ يقتضي
المنطق أن التتعدى المسؤولية مرتكب الجريمة إلى سواه ممن لم يسهم فيها بوصفه فاعال أو شريكا .
وال شك أن الخوض في هذا الموضوع ليس باألمر الهين ،حيث يعد هذا من ضمن المشكالت
القانونية التي تشعبت فيها اآلراء وإختلفت فيها المواقف فإ ذا كان مبدأ مسؤولية الشخص الطبيعي وكذا
المعنوي من الناحية المدنية امرا مسلما به،حيث يسأل هذا الشخص عن األضرار التي تصيب الغير
وذالك نتيجة أعمال من يمثلونه قانونا أثناء أدائهم لوظائفهم ،إال أن تأصيل هذا المبدأ أو تأسيسه جنائيا هو
محل خالف كبير ،أمام هذا الخالف حول تأسيس المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم
اإلقتصادية برزت الى الوجود مجموعة من التساؤالت كلها وغيرها تتمحور في األساس حول إقرار هذه
المسؤولية أو نفيها ومنها تبرز أهمية الموضوع ودقته .
وبناءا على ما قيل نرى ان التعرض لمشكلة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم
اإلقتصادية ومحاولة البث فيها على وجه من األوجه ،أضحى في غاية األهمية سيما وأن هذه المسؤولية
قد عرفت تنظيما ضاربا في القدم رافق البشرية منذ نشأتها أضف إلى ذالك أن تقريرها كان والزال سببا
في إتساع الخالف حول األساس القانوني الذي ترتكز عليه .
1محمود عثمان الهمشري،المسؤولية الجنائية عن فعل الغير ،دار الفكر العربي1969،القاهرة ص 1
محمد كمال الدين إمام،المسؤولية الجنائية(أساسها و تطورها) ،الطبعة الثانية ،المؤسسة الجامعية بيروت 1991 ، ،ص
2052
2
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
إن موضوع المسؤولية االجنائية عن فعل الغير في الجرائم اإلقتصادية تمخضت عنه
مجموعة من التساؤالت والتي عكست بحق أهمية هذا الموضوع غير ان اهم هذه التساؤالت يتجلى في
إلى اي حد فرض الحفاظ على المصالح اإلقتصادية خروج المشرع عن القواعد العامة المقررة في
القانون الجنائي؟
وتتناسل عن هذه اإلشكالية عدة تساؤالت فرعية نوردها على الشكل التالي:
وماهو السند القانوني الذي يمكن تقديمه لتأسيس المسؤولية الجنائية عن فعل الغير مما يجعلها تتوافق
والمبادئ العامة للقانون الجنائي؟
كل هذه المعطيات واألسئلة هي التي تعكس رغبتنا في إجراء هذا العرض وذالك بهدف
حصر وتحديد أساس هذه المشكلة وأبعادها ،وهذا على ضوء جملة من الدراسات المختلفة سيما
التشريعية منها.وذالك باإلعتماد على الدراسة المقارنة التي نسعى من خاللها اإلجابة على الكثير من
اإلشكاليات التي تطرح بصدد هذا الموضوع ،إذ أن جانب المقارنة هنا ليس من باب استكمال
النقائص فحسب وإنما هو جانب أساسي أملته طبيعة الموضوع.
3
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
المبحث األول :معالم المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم
االقتصادية.
منذ أوائل القرن الثامن عشر ،أصبح القضاء والتشريع بعده يعاقب أشخاصا ليسوا هم
الفاعلين الماديين للجرائم ،واليمكن أن ينسب إليهم إإلشتراك فيها ،وبذالك ظهرت فكرة المسؤولية
الجنائية عن فعل الغير وحظيت بعناية واسعة في مطلع القرن التاسع عشر،وذالك بفعل شيوع إستخدام
اآللة والعمل لحساب الغير،سواء كان هذا األخير فردا أم شخصا معنويا ،مما فتح المجال أمام التوسع
في رقعة مسؤولية الطرف األقوى إقتصاديا كصاحب المصنع أو المؤسسة التجارية عن أية جريمة
3
يرتكبها أحد عماله أو تابعيه .
وقد ساد اإلتجاه نحو توسيع دائرة المسؤولين عن فعل الغير في الجرائم اإلقتصادية،ويظهر هذا
اإلتجاه في التقارير التي قدمت للمؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي عقد في روما سنة 1953
وقد ظهرت هذه السياسة خاصة إثر الحرب العالمية 4
والتي أدت إلى إصدار توصية في هذا الشأن
الثانية نتيجة ما خلفته تلك الحرب من ضمار وفوضى وأزمات مما إستوجب تدخل الدول بغية تنظيم
العالقات اإلقتصادية بين األفراد وحماية المصالح اإلقتصادية ،وهذا التدخل المتزايد من طرف الدولة في
تنظيم العالقات اإلقتصادية تبعته بالضرورة إجراءات جنائية مقابلة كان من بينها توسيع المسؤولية
الجنائية في الجرائم اإلقتصادية عن فعل الغير ،ومرد ذالك كله أن تحقيق أغراض السياسة اإلقتصادية
للدولة مرهون بتنفيد القوانين اإلقتصادية وال يتأتى ذالك إال بتوسيع دائرة المسؤولين عن ذالك التنفيد .5
ويمكن القول ان المسؤولية الجنائية عن فعل الغير هي تلك المسؤولية الملقاة على عاتق رب العمل
أو مديره أو المشرف عليه عن األفعال التي يرتكبها األشخاص الذين يعملون تحت إدارته أو لخطئهم في
اإلدارة أو تقصيرهم في الرقابة .
جرجس يوسف طعمه،مكانة الركن المعنوي في الجرائم اإلقتصادية دراسة مقارنة،المؤسسة الحديثة للكتاب
طرابلس،لبنان 2005،ص 1463
محمود محمود مصطفى،الجرائم اإلقتصادية في القانون المقارن ،الطبعة الثانية ،الجزء األول ،األحكام العامة واإلجراءات
الجنائية ، ،مطبعة جامعة القاهرة،القاهرة 1979،ص 1244
محمود محمود مصطفى،الجرائم اإلقتصادية في القانون المقارن،مرجع سابق،ص 124
5
4
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
غير أن رجال القانون وإن إتفقوا على ضرورة توسيع المسؤولية الجنائية في الجرائم
اإلقتصادية ،إال أنهم لم يتفقوا على تعريف واحد للجريمة االقتصادية ، 6فمنهم من تحاشى إعطاء تعريف
لها وآخرون وضعوا تعريفات تختلف فيما بينهم وفي غياب هذا التحديد من قبل الفقه وفقه القضاء قام
الفقه بمحاوالت لضبط ميدان الجريمة اإلقتصادية ويمكن اإلقرار بوجود إتجاهين فقهيين يحصالن مجمل
هذه المحاوالت:
االتجاه الضيق ويحصر نطاق الجريمة االقتصادية في ميدان المنافسة واألسعار،وبالتالي فالجريمة
االقتصادية هي كل فعل أو امتناع يخالف قواعد المنافسة وتحديد األسعار وهو تحديد يرجع لما كان
يعتمده بعض المشرعين كالمشرع الفرنسي لسنة 1945الذي سمى القانون المتعلق بتنظيم المنافسة
واألسعار بأنه القانون "المتعلق بزجر المخالفات في الميدان اإلقتصادي" إال انه سرعان ما ألغاه وعوضه
بقانون يحمل تسمية جديدة وهي قانون المنافسة واألسعار ,اما اإلتجاه الموسع فيرى في الجرائم
اإلقتصادية جميع أالعتداءات التي تقع على النظام االقتصادي الذي قررته السياسة اإلقتصادية للدولة
،ويعرف الجريمة االقتصادية بأنها"كل عمل أو إمتناع يتضمن مخالفة للسياسة اإلقتصادية بغض النظر
عما اذا كانت القواعد التي ترسم هذه السياسة هي قوانين أو انظمة او تعليمات صادرة بقانون او بمراسيم
قوانين.
وهكذا فإن مفهوم الجريمة اإلقتصادية وطبيعتها تختلف ما بين الدول التي تأخد بالنظام اإلقتصادي
الحر وتلك التي تأخد بالنظام اإلشتراكي كأسلوب إقتصادي .
اما فيما يخص التشريع المغربي فقد أحجم هذا األخير عن تعريف الجريمة اإلقتصادية وذالك
اسوة بكثير من التشريعات ،بل ان الفقهاء انفسهم يتحفظون كثيرا وينتابهم التردد عند تحليل هذا النوع
من الجرائم ،فلم يضعوا تعريفا قابال للتطبيق في الزمان والمكان المختلفين بعكس الجرائم العادية
غير انه وان كان المشرع قد أحجم عن تعريف الجرائم اإلقتصادية اال انه اورد في قانونه التقليدية
الجنائي بعض الجرائم اإلقتصادية ،كالمضاربة غير المشروعة في األسعار ف 289والدعاية
التجارية(ف390و)391وعرقلة المزايداتف. 299
ورغم ترحيب الفقه والقضاء بفكرة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير، 7إال أنهم إستشعروا بعد
ذالك ضرورة الحفاظ على مبدأ شخصية العقاب كقاعدة عامة ،فانقسمت تبعا لذالك أحكام القضاء بصدد
6الغفيري عبد العزيز،المسؤولية الجنائية عن الجرائم اإلقتصادية،بحث نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات
القضائية،الفوج 1996، 25ص 6
وهل مجرد اإلهمال في المراقبة والمتابعة كفيل بتحميل شخص مسؤولية فعل لم يرتكبه وهل بهذا تتحقق
العدالة؟
وسط هذا التجاذب في القضاء كانت تتبلور أكثر فأكثر فكرة المسؤولية المدنية عن فعل الغير
منطلقة أيضا من مبدأ وجوب التعويض عن األضرار التي يحدثها من هم موضوعون تحت رقابة وإدارة
المهن أو األولياء واألوصياء باعتبار أن هؤالء إما مقصرون في الرقابة أو مخطؤون في اإلدارة ويقع
عليهم في كل حال موجب التعويض بإعتبارهم ذوي مالءة وال شك أن الفقه واإلجتهاد الجنائيين تأثرا
أيضا في هذا المضمار بالتطور الحاصل في مفهوم المسؤولية المدنية عن فعل الغير ،وربما كان هاجس
التعويض على الضحية وراء السعي نحو إيجاد مبنى قانوني لموجب التعويض ،فوجداه في خطأ ارتكبه
رب العمل أو المشرف على نشاط التابعين بإهماله بموجب الرقابة واإلحتراز ،فالفقه الجنائي وإن سلم
في الماضي دون قناعة كلية بالجريمة المادية بعد أن حصرها بالمخالفات ،لم يتحرر من فكرة الخطا
كأساس للمسؤولية الجنائية بل افترض هذا الخطأ لدى المخالف أو لدى المسؤول جنائيا عن فعل الغير
وهكذا بدأت تظهر أكثر فأكثر صورة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير وإن بنيت على الخطأ الشخصي
،وستتخد بعدا أعمق بقدر ما تتطور المؤسسة الصناعية واإلقتصادية وتتشعب نشاطاتها .
6
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
المطلب االول :مذاهب التأسيس للمسؤولية الجنائية عن فعل ر
الغي يف الجرائم
االقتصادية
إذا كانت المسؤولية الجنائية عن فعل الغير قد أتت على خالف المبادئ العامة التي تقضي بأن
اإلنسان ال يكون مسؤوال ،إال عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر أنه ارتكبه فعال ،9وأنها اعتبرت
خروجا عن مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية ،فإن اآلراء الفقهية قد اختلفت حول األساس القانوني لهذا
الخروج رغم تعدد العوامل التي ساعدت على هذا الشذوذ 10،غير أن البحث عن األساس القانوني إلسناد
المسؤولية الجنائية إلى الغير يستوجب الرجوع إلى ماقدمه فقه القضاء الفرنسي من أسانيد باعتباره أهم من
قال بهذه المسؤولية ،ويمكن حصر جميع النظريات التي قدمت لتبرير المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في
اتجاهين فهي إما نظريات موضوعية "اوال" ال تعير للخطأ الشخصي أي أهمية ،وإما نظريات ذاتية " ثانيا"
تعتمد الخطأ الشخصي أساسا لها .
إن من أهم األسس والمرتكزات التي تقوم عليها هاته النظريات هو عدم تركيزها على الجانب
المعنوي لمن ستستند إليه المسؤولية عن فعل الغير ،وإنما تكتفي بالبحث عن سند قانوني يمكن على أساسه
نسبة المسؤولية إلى غير مرتكبها ماديا
ويمكن حوصلة هاته النظريات في ثالثة وهي "أ" نظرية المخاطر ثم "ب" نظرية الخضوع اإلرادي
لمخاطر المهنة "ث"نظرية االلتزام القانوني المباشر .
تعد نظرية المخاطر أو قبول مخاطر المنشأة االقتصادية من بين النظريات التي تقوم على
هي الوجه األخر للربح 12
استبعاد فكرة الخطأ ،وهي حديثة نسبيا فالمسؤولية الجنائية حسب هذه النظرية
الذي يحققه صاحب المؤسسة من نشاطه ،مما يلزمه تحملها على أنها مقابل لربحه وهكذا فهذه النظرية
تعتبر أن من أحدث وضعا خطرا يستفيد منه فطبيعي أن يتحمل تبعته ،ويعتبر منشأ هذه النظرية مدني
باألساس فبالرجوع إلى أحكام المسؤولية المدنية نجد أن من بين األسباب التي سهلت قبول المسؤولية
المدنية عن فعل الشيء هو القبول بتحمل المخاطر الناجمة عن استعمال هذه األشياء على المستفيد منها،
الذي يغنم الربح من ورائها وذلك تحت غطاء ما يسمى بنظرية المخاطر ،فزيادة االنتاج الحديث تمت
بفضل زيادة المخاطر التي يتعرض لها األفراد وهذه المخاطر الجديدة يصعب تحديد المسؤول عنها
بشكل محدد ودقيق ،فهي ال ترجع عادة إلى خطأ محدد ،بقدر ماهي نتيجة طبيعية لالنتاج وجزء من نظام
االنتاج اآللي .
ويعد االعتماد على الخطر دون الخطأ في مجال المسؤولية الجنائية من قبيل غزو نظرية
المخاطر المدنية للميدان الجنائي ،حيث كان على القانون الجنائي أن يتدخل لفرض حلوله المتميزة عن
القانون المدني ،وتقوم هذه النظرية على أسس تتمثل في فكرة الغنم بالغرم ومبدأ التضامن االجتماعي،
ورغم حداثة هذه المصطلحات على القانون الجنائي إال أن بعض القائلين بانفتاح هذا القانون على غيره من
فروع القانون األخرى وخاصة المدني يقبلون بمثل هذه المسؤولية بدون خطأ ،ذلك أن الذين يقومون
بنشاطات صناعية واقتصادية عامة ترافقها مخاطر على مصالح اآلخرين وسالمتهم ،يجب أن يلتزموا بأكبر
قدر من الحيطة .13.
وهكذا لما كان صاحب المؤسسة فردا كان أم شركة هو في الغالب الذي يستفيد من الجريمة
االقتصادية ،ويجني ثمارها فإنه من العدل مساءلته عن أفعال تابعيه ،والتي تقع بالمخالفة ألحكام القوانين
والتراتيب االقتصادية وتحميله تبعه هذه األعمال ،وبالتالي فإن من يسارع للحصول على الربح فإنه كان
يضع نصب عينيه ومنذ البداية أن هناك نتائج سلبية قد ترافق هذا العمل ،وبالتالي فمدير المشروع يخضع
11حبيث مل تعرف هذه النظرية الظهور بشكل صريح إال مع منتصف القرن ،20راجع هبذا اخلصوص بعض التعليقات عرب بعض األحكام
القضائية على اخلصوص:
.starck(B) « Domaine et fondement de la responsabilité sans faut » Rev.T.D.civ 1958 p 475
-Alfred Légale « la responsabilité pénale du fait d’autrui dans son application au chef
d’entreprise » Melanges Breth de la Gressaye 1967 p 467
حممد سامي الشوا ،املسؤولية اجلنائية الناشئة عن املشروعات االقتصادية ،دار النهضة العربية القاهرة ،1999ص 134
12
فيكفي لقيام المسؤولية الجنائية لرئيس المنشأة أن يكون هناك تنظيم مفروض عليه وأال يحترم هذا
التنظيم ،وال يغير من ذلك أن يكون مرتكب المخالفة شخص خالف المدير ،أو أال يكون هذا المدير قد
ارتكب خطأ محددا ،فالخطأ هنا مفترض فيه ،بل األكثر من ذلك هناك من قال بأن مسؤولية رئيس المؤسسة
االقتصادية هي نتيجة الزمة للصالحيات التي منحت له وللسلطة التي يمارسها ضمن المؤسسة ،فمن أوكلت
إليه الصالحيات والسلطة قام بهما متحمال نتائج ممارسته لهما ،فصاحب القرار مسؤوال عن نتائج قراره وله
السلطة لمنع ما يخل بالقانون والنظام فإن مارس سلطته خارج إطار القانون أو سمح بان تتم النشاطات
الموضوعة بإشرافه خارج هذا اإلطار تحمل نتائج مخالفته أو المخالفة التي تمت بإشرافه أو بمعرفته,
وبالتالي فمن يقبل بالوظيفة يقبل حتما بمسؤوليتها وبجميع أوجهها .
في أحايين كثيرة يفرض القانون التزاما معينا على عاتق فرد وذلك بصفته الشخصية ،وحيث
والحالة هاته يكون هذا األخير هو المسؤول في حالة الخروج على هذا االلتزام ،بحيث ال يعاقب في هاته
،أو 16
الحالة عن فعل مادي أو إيجابي صادر عن غيره ممن يتبعونه وإنما يعاقب نتيجة إلمتناعه الشخصي
بسبب موقفه السلبي والذي يتجلى في عدم حرصه على تنفيذ االلتزام الملقى عليه بموجب النص ألقانوني
9
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
وهكذا فهذه النظرية تؤكد على أنه إذا كان القانون أو اللوائح يفرضان على شخص التزاما بعمل أو باالمتناع
عن عمل تحت تهديد عقوبة جنائية ،فإن المسؤولية في هذه الحالة تقع على من يفرض عليه هذا االلتزام،
ويجب أن يعاقب إذا ترك بإهماله غيره ممن يعملون تحت إمرته يأتون بما أمر القانون به أن يحظر أو
يمتنعون عما أمر به القانون أن يؤتى وفي ظاهر هذا األمر فإن الشخص يبدو وكأنه مسؤول عن فعل غيره،
ولكن في الحقيقة هو مسؤول عن فعله الشخصي أي عن نقص إشرافه لضمان تنفيذ التزامه الشخصي
17
فأساس مسؤوليته هنا الخطأ غير العمدي أي إهماله في تنفيذ التزاماته الشخصية .
فرئيس المنشأة عليه التزام بضمان احترام اللوائح والقوانين في منشأته ،وكل عمل غير مشروع
من التابع أيا كانت الظروف يقيم مباشرة خطأ المتبوع ،واألمر ال يتعلق بإجرام مستعار ألن المتبوع قد
يكون مسؤوال دون أن يكون التابع مسؤوال فهو إجرام خاص بالمتبوع ،ففعل التابع يفيد بمجرد وجوده
المادي أن المتبوع لم يقم بتأدية واجباته الرئاسية وهذا الوضع يتفق ومبدأ السلطة الذي يأخذ به القانون في
الميدان االقتصادي .
فالمسؤولية الجنائية تبعا لذلك ما هي إال الوجه األخر للصالحيات التي يتمتع بها صاحب
المشروع االقتصادي ،فمن يقبل بمثل هذه الصالحيات يكون قد أخذ على عاتقه مسبقا المسؤولية الجنائية
المالزمة لهما في حال اإلخالل باألنظمة والقوانين والواجبات التي تفرضها عليه ،فالمسؤولية الجنائية إذا
أصبحت مرادفا للصالحيات المعطاة للشخص وللسلطة القيادية التي يتمتع بها.
بأن إرادة النشاط المادي وحدها ال تكفي لتوافر الركن المعنوي 18
يرى أنصار هذا المذهب
للجريمة ولو ترتب على وجودها ضرر فعلي( ) ذلك أن الجريمة في القانون الجنائي ليست كيانا ماديا
خالصا ،بل إن الخطأ يبقى أساس المسؤولية الجنائية حتى في إطار الجريمة المادية ،وتبعا لذلك فهذه
النظريات تمتاز بكونها تبحث عن توافر إسناد معنوي للمسؤولية أكثر من بحثها عن إسناد مادي أو
قانوني لها ويمكن إرجاع هذه النظريات إلى ثالثة أصناف"
"نظرية الفاعل المعنوي" أ "،نظرية االشتراك" ب" ،ثم "نظرية الخطأ الشخصي" ث".
حممود حممود مصطفى ،شرح قانون العقوابت ،القسم العام ،دار الفكر العريب القاهرة 1979 ،ص 144 17
10
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
أ :نظرية الفاعل المعنوي
ظهرت فكرة الفاعل المعنوي تبعا للتطور الذي خضع له تعبير فاعل الجريمة 19ويرى الفقيه رو
Rouxأن الجريمة قد يكون لها إلى جانب فاعلها المادي فاعل معنوي( ) هو الذي ارتكبت لمصلحته أو
بناء على أوامره( ) وكثيرا ما يكون هذا الفاعل أشد إجراما وأفدح خطرا من الفاعل الذي اقترف الفعل
المادي المكون للجريمة ،ولهذا تقرر العقاب لهذا الفاعل إما ألنه قد استفاد من الجريمة أو ألنه أوحى إلى
الغير بارتكابها أو تركه بإهماله يرتكبها في حين كان من واجبه أن يسهر على تنفيذ ما يقضي به القانون
من التزامات ،فالسلوك الخاطئ لمدير المشروع ،وإن لم يحقق بذاته فعل الجريمة ،إال أنه على األقل
سهل ارتكابها وسوف يدان مدير المشروع ،ال باعتباره المنفذ المادي للجريمة ،ولكن ألنه بإهماله
وتهاونه ،ترك الجريمة لكي ترتكب ،وفعل التابع لم يكن سوى المفجر ) (détonateurوالكاشف عن
غياب مدير المشروع( )
ولتأكيد صحة هذه النظرية وعدم مخالفتها لمبادئ القانون الجنائي وعلى الخصوص مبدأ
شخصية المسؤولية والعقوبة ،وأن مدير المشروع أو المنشأة يتوافر في جانبه الركن المادي والمعنوي
للجريمة المرتكبة لجأ البعض( ) فيما يخص الركن المادي إلى القول بفكرة استعارة الركن المادي
للجريمة التي ارتكبها التابع ،أما الركن المعنوي فيتمثل في خطأ مدير المنشأة الذي ارتكبه من خالل
إهماله وعدم احترازه ،ويتم الكشف عنه بمجرد ارتكاب التابع للجريمة ،كما يكشف الفعل المادي للتابع
عن غياب الرقابة واإلشراف من المسير أو المدير( ) وهكذا فالفاعل المعنوي للجريمة ما هو إال ذلك
الشخص الذي يدفع غيره إلى ارتكاب الجريمة أو يسخره في تنفيذها بحيث يكون في يده أداة طيعة أو ألة
يستعين بها في تحقيق العناصر المادية التي تقوم عليها الجريمة ،ويعني ذلك في واقع األمر أن الفاعل
المعنوي هو الذي نفذ الجريمة لكن بواسطة غيره .
19خدوج فالح :املسؤولية اجلنائية للمسري يف شركات املسامهة على ضوء التشريع والفقه والقضاء ،أطروحة لنيل الدكتوراه يف القانون اخلاص ،وحدة
قانون األعمال جامعة احلسن الثاين عني الشق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء ،السنة اجلامعية 2004/2003ص:
159
11
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
تقوم فكرة االشتراك الجرمي على أساس وحدة الجريمة وتعدد الجناة ،فهناك فاعل مادي ارتكب
العناصر المؤلفة للركن المادي للجريمة ،وهناك شركاء لهذا الفاعل ساعدوه على وقوع الجريمة ،وارتكبوا
األفعال المهيئة لوقوعها ،والفاعل المادي في هذه الحالة هو التابع ،أما المتبوع أو رب المحل فهو مشترك
. مع تابعه في إظهار الجريمة إلى حيز الوجود( )20
فاالشتراك بمعناه القانوني عبارة عن مساهمة تبعية وثيقة الصلة بالفعل األصلي الذي جرمه
الشارع وتناوله بالعقاب ويرتبط برابطة السببية وهكذا فالفقه إذ ذهب إلى إسناد المسؤولية إلى الغير على
أساس نظرية المشاركة فألنه اعتبر أن الشخص المسؤول عن فعل الغير ال يعدو أن يكون شريكا في
جريمة هذا الغير ،والقائلون بهذا التفسير يرون أن رب العمل هو الذي يتولى إدارة عمله واإلشراف على
من يتبعه من العمال ،فإذا ارتكب أحدهم فعال يجرمه القانون ويتناوله بالعقاب أعتبر رب العمل شريكا في
جريمة تابعيه ،إما بالتحريض أواالتفاق أو بمساعدته السلبية( ) ذلك أن التحريض وهو أول وسائل
االشتراك ذو طبيعة نفسية إذ يتجه به الشخص المحرض إلى نفسية الفاعل األصلي للتأثير عليه ودفعه إلى
اقتراف الجريمة ،واالتفاق هو الوسيلة الثانية من وسائل االشتراك ومعناه انعقاد إرادتين أو أكثر على
ارتكاب الجريمة وهو بدوره حالة نفسية ،أما المساعدة فهي الوسيلة الثالثة من وسائل االشتراك وتعني
تقديم العون إلى الفاعل األصلي على نحو يسهل أو ييسر له اقتراف الجريمة ،على أن المساعدة بمعناها
القانوني ال تقتصر فحسب على تقديم نشاط إيجابي يبذله الشريك المساعد وإنما يمكن أن تتم هذه المساعدة
21
بطريق سلبي وفي هذه الحالة يتحقق فيها الطابع المعنوي .
بعد أن ظهرت العيوب واإلنتقادات العديدة التي وجهت لجميع النظريات السابقة ،كان ال بد من
البحث عن نظرية تسد هذه العيوب من ناحية ،وترجع بنا إلى القواعد واألحكام العامة من ناحية أخرى،
وذلك لضمان تحقيق فكرة أساسية في عدم الخروج عن قاعدة شخصية العقوبة والمسؤولية وعدم المبالغة
بافتراض القصد أو العودة لفكرة الجريمة المادية ،ومن هنا برزت نظرية إقامة المسؤولية الجنائية عن فعل
الغير والتي إهتدت إلى وجود خطأ شخصي ارتكبه المسؤول أو التابع وهذا الخطأ هو السبب في إيقاع
) وهكذا يرى أنصار هذا االتجاه أن الخطأ في الجرائم االقتصادية يحتل مكانة بارزة 22
العقوبة عليه(
12
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
بوصفه ركنا معنويا لها يفوق مكانة القصد ،وذلك نتيجة للتطور الصناعي الهائل والتساع استعمال اآلالت
التي باتت تشكل تهديدا وخطرا محدقا بالناس وخصوصا العاملين عليها ،األمر الذي استدعى سن العديد
من النصوص العقابية التي تجرم وتعاقب على أفعال تضر بالسياسة االقتصادية للدولة ،وقد رأى
المشرعون وجوب االكتفاء بالخطأ الجنائي لدى الفاعل بمفهومه الضيق كركن معنوي للجريمة مع التأكيد
على وجوب توفره لقيامها في الكثير من الجرائم االقتصادية خوفا من أن يؤدي اشتراط تطلب القصد
الجرمي إلى عدم تجريم العديد من األفعال الضارة باالقتصاد وإفالت الكثير من المجرمين من العقوبة
لصعوبة إثبات توفر النية الجرمية لديهم() 23وهكذا فلكي تصح مساءلة شخص جنائيا عن فعل إجرامي
ارتكبه سواه حسب هذه النظرية ،فإنه يجب أن يسند له إقدامه على ارتكاب خطأ كان من شأنه إحداث
الجريمة أو على األقل عدم تالفي وتحاشي وقوعها ،وليس هذا الوضع القانوني سوى الصفة المالزمة
للمسؤولية الشخصية وإن كانت تبدو في الظاهر أنها مسؤولية عن فعل الغير إال أنها في الحقيقية ال تعدوا
أن تكون مجرد مسؤولية عن الفعل الشخصي للملزم ( Responsabilité pénale du fait
d’autrui pour faute personneleوالمتمثل في غياب المراقبة واإلشراف على تنفيذ واحترام
تطبيق القواعد القانونية والتنظيمية الموجهة إليه ،إما بصفة صريحة أو ضمنية ،وكذلك للقواعد القانونية
والتنظيمية الموجهة للمنشأة االقتصادية التي يكلف بإدارتها وتسييرها( )24وفي هذا يقول الدكتور نجيب
حسني "والرأي الصحيح في تقديرنا ان النصوص السابقة وامثالها ال تقرر المسؤولية عن عمل الغير وانما
تقرر مسؤولية عن خطا وسلوك شخصيين ،فالقانون يلزم شخصا بان يراقب نشاط شخص اخر ويحيطه
بالظروف التي تحول دون ان يفضي هدا النشاط الى جريمة ،فإذا اخل بهذا االلتزام فامتنع عن الرقابة
قامت بامتناعه جريمة ركنها المادي هو االمتناع اما ركنها المعنوي فقد يكون القصد اذا اتجهت ارادته
الى االخالل بهذا االلتزام وقد يكون الخطأ إذا لم يوجه إرادته إلى ذلك ولكن كان في إستطاعته توجيهها
إلى الوفاء بهذا اإللتزام ،كما يرى أصحاب هذا االتجاه أن الشخص المعنوي له إرادة خاصة وهي جماع
إرادات أعضائه من االشخاص الطبيعيين وهم الذين يرتكبون العمل المعاقب عليه لمصلحة الشخص
المعنوي وليس لمصلحتهم الشخصية فهم أعضاء في جسده وبالتالي تعد أعمالهم هي أعماله ويسـأل عنها
باعتبارها أفعاله الشخصية .
13
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
لقد كان لدواعي الحفاظ على النظام العام االقتصادي أثره الكبير في إسناد المسؤولية الجنائية إلى
المتبوع عن أفعال لم يرتكبها هو بنفسه بل تمت من قبل تابعه ،غير أن هذا المبدأ من شأن األخذ به على
إطالقيته أن يضر بالمتبوعين ويجعلهم دائما في وضع غير مستقر وغير آمن ،كما سيؤدي إلى تشجيع
التابعين وإطالق أيديهم في ارتكاب ما شاؤوا من مخالفات ما داموا على يقين بأنهم لن يكونوا عرضه
للمساءلة ،وأن التبعة الجنائية ستحيق المتبوعين،لكل هذا تنبهت جل التشريعات االقتصادية وحاولت وضع
ضوابط وحدود لهذه المسؤولية بحيث نجدها تارة تقر بالمسؤولية المزدوجة لكل من التابع والمتبوع "أوال"
وتارة أخرى تجعل تلك المسؤولية مستقلة بحيث يتحمل كل تبعة عمله وما قدمت يداه"ثانيا".
25
أوال :المتابعة في إطار المسؤولية المزدوجة للتابع والمتبوع
لقد تبين معنا فيما سبق أن الشراح وفي سبيل إقامة مسؤولية رئيس المنشأة ،انتهوا إلى أنه هو الذي يقع
عليه واجب السهر على احترام اللوائح المفروضة على المنشأة .وهذا في حد ذاته سليم وال غبار عليه وال
صعوبة في أمره .
غير أن القول بمسؤولية المتبوع لوحدة سيوصلنا إلى نقطة تحول مطلقة من جهة علم اإلجرام ،ألنه مع
علم المرؤوسين بأن هذا من واجبات المتبوع ،فهم يستطيعوا ارتكاب كل الجرائم دون عقاب ،طالما أن
المسؤول الوحيد عن ذلك هو المتبوع ،من أجل ذلك اقتضت الضرورة أن يقوم إلى جانب مبدأ مسؤولية
المتبوع عن أفعال مرؤسيه ،مبدأ المسؤولية الجنائية الشخصية للتابع .
ولهذا فإن المسؤولية تبعا لذلك تكون مشتركة ما بين التابع والمتبوع والقاعدة األساسية في ذلك "أن خطأ
الفاعل المادي ال يحجب خطأ من اعتبر مسؤوال ،كما أن خطأ هذا األخير ال يحجب خطأ الفاعل المادي،
فكل منهما مسؤول عن خطأه الشخصي ،ولقد عني الفقه منذ القديم بحل هذا اإلشكال حيث استند الفقيه
"رو" من أجل القول بالمسؤولية المزدوجة لكل من التابع والمتبوع على فكرة الفاعل المباشر ،وهكذا تتم
معاقبة الفاعل الشخصي للفعل المكون للجريمة والذي غالبا ما يكون هو التابع ،طالما أنه ارتكبها شخصيا
دون إخالل بعقاب الرئيس إذا ثبت في حقه اشتراك معاقب عليه ،نفس الشيء حاول فعله الفقيه فيلي( )،
والذي أوجب ضرورة التميز بين ما إذا كانت الالئحة محل المخالفة كانت تتوجه مباشرة إلى رئيس
المنشأة ،أو أنها عبارة عن لوائح عامة ،بحيث ال تقوم مسؤولية الفاعل المباشر إال في الحالة األخيرة .غير
لإلطالع جيدا راجع بتفصيل محمود محمود مصطفى،الجرائم اإلقتصادية في القانون المقارن ،مرجع سابق ،ص.
25.405
14
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
أن هاته النظرية ال تعطي حال كافيا ،ألنه إذا أردنا أن نتتبع مبادئها فإنه سوف لن تقوم أبدا مسؤولية
المرؤوس مع مسؤولية الرئيس ألن التبادل يستأصل إمكانية توازي المسؤوليتين .
إن المسؤولية الناشئة عن فعل الغير تعرف بالطابع االستثنائي لها ،ألن األصل أن المرء يسأل
عن فعله الشخصي ،فيكون فعله الخاطئ هو الذي يستتبع محاسبته عن نتائج فعله المجرم ،أما مساءلته عن
فعل غيره فإنها تأتي استثناءا على األصل ،فتكون حاالتها محددة تعدادا وحصرا .
وهذه الحاالت ال تعني كلها أن المسؤول فيها عن فعل غيره يبقى غريبا عن الفعل الضار ،إذ إن بعضها
يحتمل أحيانا أن يكون المتبوع نفسه قد التزم سلوكا خاطئا جعل الفعل الضار يحدث على يد غيره ،أو وفر
الفرصة لحدوثه ،حيث يكون لزاما عليه تحمل تبعات ذلك بنفسه ،وتثار مسؤوليته لوحده بغض النظر عن
الفعل الذي أتاه التابع ،غير أن هذا األخير بدوره لن يكون بعيدا عن المساءلة إذا ما ارتكب خطأ وبصفة
مستقلة عن المتبوع .
إن المسؤولية الجنائية هي الوجه اآلخر للربح الذي يحققه صاحب المؤسسة من نشاطه مما يلزمه
تحملها على أنها مقابل لربحه ،ولما كان صاحب المؤسسة هو في الغالب الذي يستفيد من الجريمة
االقتصادية ،ويجني ثمارها ،فإنه من العدل مساءلته عن أفعال تابعيه من العمال والمستخدمين التي تقع
بالمخالفة ألحكام القوانين والتراتيب االقتصادية وتحميله تبعة هذه األعمال.
فنظرا لتطور الصناعات الحديثة وتكاثرها وتعدد أخطارها وأضرارها على الغير ،ورغبة من المشرع في
المحافظة على السالمة والراحة والنظافة العامة ،تقرر القوانين واألنظمة في مختلف البلدان تنظيم بعض
الصناعات والمشاريع والمهن وتوجب على رب العمل فيها تنفيد واجبات وإلتزامات معينة،ويترتب على
اإلخالل بها أو خرقها مسؤولية جنائية بحقه حتى ولو كان الفاعل عامال أو مستخدما لديه،ألن األنظمة
تفرض عليه شخصيا تلك الواجبات وألنه صاحب المنفعة .
وتبعا لذلك فإن مسؤولية رئيس المؤسسة تقوم باالستناد لخطأ ارتكبه مباشرة والمتمثل في إهماله
موجبا محددا من الموجبات التي تفرضها عليه األنظمة ،أو طبيعة النشاط الذي يتواله من خالل ممارسته
لفنه أو لمهنته ،وإما باالستناد لسوء تنظيم العمل في مؤسسته ،إذ يفترض فيه وإن لم يرتكب إهماال مباشرا
15
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
لموجب محدد ،أن ينظم العمل في مؤسسته بصورة تحول دون حصول أخطاء من قبل تابعيه ،كما تحول
دون حدوث أضرار تلحق بالغير ،وتبعا لذلك فإن مسؤولية المتبوع تقوم والحالة هاته بمفردها بينما يفلت
التابع من المسؤولية بالرغم من إحداثه للجريمة ماديا ،وذلك إذا ما كانت هذه الجريمة قد حدثت نتيجة عدم
تنفيذ المتبوع لبعض النصوص المتعلقة بتنظيم إدارته التي تنبع من سلطته اإلدارية ،فإذا حصلت مخالفة
لهذا االلتزام أو إهمال للموجبات وإن تم ذلك بفعل تابع للرئيس ،أقيمت مسؤولية الرئيس عن المخالفة أو
اإلهمال وليس من الضروري أن يسأل جنائيا التابع عن هذه المخالفة ألن الموجب لم يكن مطلوبا منه
شخصيا ،وهذا ما ينفي اجتماع المسؤولية ،أي مسؤولية الرئيس والمرؤوس إذ تقوم مسؤولية األول فقط،
ذلك ألن فعل التابع لم يكن سوى إظهار للمخالفة الحاصلة من قبل المتبوع ،فالمتبوع خرق القانون عبر
تابعه ،فال يسأل جنائيا ألن تابعه ارتكب فعال مخالفا للقانون ،بل ألن التابع أظهر بفعله مخالفته هو ،أي
مخالفة المتبوع ،فلو خالف التابع القانون العام للوحق بصفته فاعال لجرم قصدي أو غير قصدي ولتناولت
المالحقة الجنائية المتبوع فيما إذا ساهم في إبراز عناصر الجرم قصدا أو ساهم بخطأه في إحداثه .
أما وأن التابع أخل بموجب ملقى على عاتق المتبوع ،وليس على عاتقه هو فهذا األخير يكون المسؤول
عن المخالفة شخصيا ألن احترام الموجب وااللتزام به يجب أن يتم مباشرة منه أو بواسطة تابعيه .
وهذا ما أكده حكم صدر عن محكمة النقض الفرنسية والذي جاء فيه "يعاقب رئيس المؤسسة أو
المقاول جزائيا عن المخالفة التي ترتكب أثناء ممارسة مهنة صناعية منظمة ،وال يعاقب خدمه أو
مستخدموه" ،ونفس المقتضى أكدت عليه محكمة النقض المصرية والتي جاء في حكم لها ما يلي "لما كان
من الثابت أن المتهم إن هو إال بائع بالمحل وليس صاحب المحل ،ومن ثم يتعين القضاء ببراءته من تهمه
عدم اإلعالن عن األسعار" .وهكذا يتضح من الحكمين السابقين انه كلما وضع القانون إلتزاما على عاتق
المتبوع ،إال وتقوم مسؤوليته عن مخالفة هذا االلتزام ،حتى وإن تم ذلك من قبل تابعيه ،إذ والحالة هاته
تكون مسؤوليته مستقلة عن مسؤولية التابع وال مجال لمساءلة هذا األخير وإن كان الجرم صادرا عنه،
ذلك أن هذا الخطأ الصادر عن التابع ال يحتاج إلى إثبات لقيام المسؤولية عن فعل الغير ،فهو خطأ
مفترض ،ويتجسد عموما في إهمال يسهل على التابع خرق أو عدم احترام التعليمات واللوائح ،فمسؤولية
المتبوع الجنائية ال تجد سندها في الجريمة المرتكبة من طرف تابعه ،وإنما في عمله الشخصي الذي كان
السبب فيها ،طالما أن من واجبه اإلشراف الفعلي على تنفيذ القواعد الصادرة في مجال عمله( ) ،وهو ال
يستطيع دفع مسؤوليته بإثبات أنه اتخذ كافة االحتياطات الالزمة لمنع وقوع الجريمة أو أنه كان وقت
ارتكابها واقعا تحت إكراه أو قوة قاهرة ،فاألمر يتعلق بقرينة قاطعة ال تقبل إثبات عكسها.
16
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
إن قرينة المسؤولية عن فعل الغير هي كما تقدم معنا مبنية على خطأ مفترض ال يقبل إثبات
العكس ،غير أن األخذ بهذا المبدأ على إطالقيته قد تترتب عليه بعض النتائج العكسية ،منها أنه يخشى أن
يقعد رب العمل تماما عن القيام بواجبه في اإلشراف وضمان احترام القوانين ،طالما أن مسؤوليته قائمة
تلقائيا وفي جميع األحوال ،مما قد يتسبب في صور جديدة من اإلهمال ،أضف إلى ذلك أنه يخشى أن يلجأ
رب العمل خوفا من المسؤولية إلى مضاعفة التعليمات واللوائح الداخلية وفرض جزاءات جديدة .وهكذا
ومن أجل التخفيف من حدة هذه النتائج فإن أغلب التشريعات أقرت على أن الواجبات التي تقع على عاتق
مدير المنشأة االقتصادية والمتجلية في الرقابة والتوجيه والمتابعة والمالحظة ،ال تنفي بأي حال من
األحوال المسؤولية الجنائية للعامل أو الفاعل المادي والمباشر للجرم ،إذ أن مساءلته عن أفعاله فيه انسجام
كبير مع المنطق السليم وتوافق مع القواعد العامة ورجوع إلى األصل في إقرار مبدأ شخصية المسؤولية
الجنائية .
وتأسيسا على ما سبق فإن مسؤولية التابع يمكن أن تقوم بمفردها بينما يفلت المتبوع من المسؤولية
ويكون ذلك في الحالة التي ينتفي فيها خطأ المتبوع ،حيث يثبت أنه لم يكن طرفا وال شريكا في ارتكاب
الجرم قصدا ،كما أنه لم يرتكب أي صورة من صور الخطأ حتى تعتبر هذه الجريمة بحقه جريمة خطأ
وبذلك تنتفي مسؤوليته عن هذه الجريمة وال يسأل عنها إال فاعلها .
ولقد ثم االعتماد من أجل إسناد هذه المسؤولية إلى التابع على فكرة متأصلة في القانون اإلداري ،حيث تم
التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي ،وحيث أن األول يقيم مسؤولية اإلدارة مدنيا تجاه المتضرر،
وأما الثاني فتقوم به المسؤولية على عاتق فاعله وحده .
وقد تم أخذ هذه الفكرة وإسقاطها على القانون الجنائي حيث يتحمل التابع وحده المسؤولية الجنائية
تبعا لهذه الفكرة إذا كانت الجريمة التي ارتكبها ناشئة عن خطأ في التنفيذ وال يسأل المتبوع عن أي شيء،
وفي المقابل إذا كان الجرم نشأ عن خطأ في الخدمة فإن الرئيس يسأل جنائيا ،على اعتبار أن هذا الموجب
المتعلق بتقديم الخدمات إلى الزبناء يقع عليه وبالتالي وجب عليه أن يتحلى بالقدر الكافي من اليقظة
ومراقبة عماله ،أضف إلى ذلك أنه قد تتم مساءلة العامل بدوره في هاته الحالة إذا ما توافرت فيه
المقومات الضرورية كاعتباره فاعال أصليا إذا كان ذلك ممكنا ،وفي هذا الصدد نورد حكما طريفا صدر
عن القضاء الفرنسي عام 1958حيث تمت إدانة زوج يملك دكانا لبيع الدخان ترك زوجته في مكانه
لبعض الوقت ،فأهانت موظفي إدارة الدخان ،التابعون لوزارة المالية ،حينما دخلوا الدكان ألمور تتعلق
بمصلحة مالية ،وقد اعتبر الزوج مسؤوال جنائيا مع الزوجة عن هذه اإلهانة وأقرت محكمة النقض هذا
الحكم ،فالزوج الذي يعرف طباع زوجته الحادة المزاج ،كان عليه أال يتركها في الدكان لوحدها ولذلك فإن
17
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
مساءلته الجنائية أتت من خطأ ارتكبه هو شخصيا ،كما تنتفي ايضا مسؤولية المتبوع عن الفعل الصادر
من تابعه وذالك في حالة تفويض سلطته له ،وهذا األخير يعد أداة تحتل مكانه مهمه في حياة المقاوالت،
ووسيلة لإلعفاء من المسؤولية التي تقع على عاتق رئيس المقاولة ،فهي تخول له إمكانية لإلفالت من
المتابعات بإقامة الدليل على نقله سلطته ألحد تابعيه ،وبمعنى آخر فإن المتبوع يعفى من المسؤولية الجنائية
نهائيا عن أفعال يرتكبها مستخدموه ،إذا أثبت بأنه أناب عنه أحد تابعيه في اإلشراف المباشر على سير
العمل بالمؤسسة ،وذلك تأسيسا على أن رب العمل يستحيل عليه ماديا في الغالب أن يقوم بكل شيء أو
يشرف على كل شيء في العمل بنفسه.
المبحث الثاني :بعض تطبقيات إسناد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم
االقتصادية.
الجنائ –لمسؤولية جنائية عن فعل ي إذا كان األصل إذن انه ال وجود -يف الميدان
المغرئ تتضمن حاالت قليلة للمسؤولية عن التشيعات ومنها ر
التشي ع الغي()26فإن بعض ر
ر
ي
الغي –بحيث يسأل شخص عن جريمة لم يرتكبها ولم يساهم او يشارك يف ارتكابها.
فعل ر
الجنائ ،جاء المغرئ بعد ان قرر شخصية المسؤولية يف الفصل 1\132من القانون ر
فالمشع
ي ي
األخية من هذا الفصل وقال":وال يستثن من هذا المبدأ إال الحاالت ي
الن ينص فيها القانون ر يف الفقرة
ر
المشع الباب مفتوحا للمسؤولية عن فعل رصاحة عىل خالف ذالك"،إذ بهذا اإلستثناء ترك
الغي(،)27وإن كان يالحظ –من الناحية العملية-أنه ليس هنالك سوى حاالت قليلة للمسؤولية الجنائية
ر
قواني متفرقة.
ر الغي وردت يف
عن فعل ر
الجنائ
ي الغي يف إطار القانون
الطبيع عن فعل ر
ي المطلب األول :مسؤولية الشخص
ر
للشكات.
الغي،
الجنائ لمسؤولية جنائية عن فعل ر
ي إذا كان األصل إذن أنه ال وجود يف الميدان
األخية
ر الجنائ ،جاء يف الفقرة ر
فالمشع بعد أن قرر شخصية المسؤولية يف الفصل 1/132من القانون
ي
الن ينص فيها القانون رصاحة عىلمن هذا الفصل وقال" :وال يستثن من هذا المبدأ إال الحاالت ي
الغي ،فبالقراءة خالف ذلك" إذ بهذا االستثناء ترك ا ر
لمشع الباب مفتوحا للمسؤولية الجنائية عن فعل ر
( ) 28ثريا بوتشيش ،المسؤولية المدنية والجنائية للمسير في شركة المساهمة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية
،2004/2003ص.46 .
( ) 29رضى بن خدة ،مرجع سابق ،ص .287
( ) 30محمود محمـود مصطفى ،الجرائم االقتصادية في القانون المقارن،مرجع سابق ،ص.133 .
19
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
الن
مضامي الفقرة األوىل ي
ر المتفحصة لنص الفصل المذكور ومن خالل إجراء نوع من المقابلة ما ربي
ر
المشع تقض بوجود أالستثناء نستشف عىل أن الن
ي تنص عىل شخصية المسؤولية والفقرة الثانية ي
الغي فال وجود الستثناء عن المسؤولية الشخصية إال
المغرئ يقر بوجود مسؤولية جنائية عن فعل ر
ي
الغي.
المسؤولية الجنائية عن فعل ر
وقد كرس ر
المشع هذه المسؤولية يف المجال االقتصادي من خالل مقتضيات متفرقة كما هو
الشأن بالنسبة للمقتضيات المتعلقة بحفظ األمن والصحة داخل المنشأة االقتصادية والمقتضيات
الرصيبية وتلك المتعلقة بالبيئة".
المتصرف رئيس الجلسة الذي لم يعمل على إثبات مداوالت مجلس اإلدارة في محاضر وفق ما تنص عليه المادة .53
( ) 34تنص المادة 420من قانون الشركات على ما يلي ":يعاقب بغرامة من 10.000إلى 50.000درهم كل مؤسس أو
متصرف أو مدير عام اومدير عام منتدب او عضو في مجلس اإلدارة الجماعية لم يقم داخل األجال القانونية بإيداع أو
إيداعات لوثائق او عقود لدى كتابة ضبط المحكمة وإما القيام بإجراء او اجراءات الشهر المنصوص عليها في هذا القانون
وذالك دون اإلخالل بتطبيق النصوص التشريعية الخاصة وال سيما منها المتعلقة بالمعلومات المطلوبة الى األشخاص
المعنوية التي تدعو الجمهور الى اإلكتتاب".
20
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
الثنائ طبقا للمادة 2/78ق ش م( )35لكن يف حالة تعدد أعضاء مجلس اإلدارة الجماعية،
ي ذات النظام
فالتساؤل يطرح حول وضعية رئيس هذا المجلس لكونه ال يتوفر عىل سلط واسعة كما هو الشأن
بالنسبة لرئيس مجلس اإلدارة.
بخصوص هذه المسألة يتم النظر إىل مدى توزي ع المهام ربي األعضاء ،فإذا تم توزي ع المهام
رئيس يف إطار مهامه ،وإذا لم يتم التوزي ع فرئيس مجلس اإلدارة الجماعية
ي مسي
فكل عضو يعتي بمثابة ر
)36(.
الرئيس
ي هو المدير
ونتيجة لما سبق فإن المسؤولية الجنائية عن فعل التابع يتحملها رئيس مجلس اإلدارة يف
الثنائ فاألمر يختلف
ي رشكة المساهمة ذات المجلس التقليدي ،أما يف ظل رشكة المساهمة ذات النظام
حسب الحاالت ،فإذا كانت المهام والسلطات مقسمة ربي أعضاء مجلس اإلدارة الجماعية فإن كل
الن
وبالتاىل يكون مسؤوال جنائيا عن األخطاء ي
ي عضو يعد بمثابة رئيس يف إطار المهام المسندة إليه،
يرتكبها العاملون تحت تبعيته ،أما يف حالة عدم اقتسام هذه المهام فرئيس مجلس اإلدارة الجماعية هو
)37(.
وبالتاىل يتم تحميله المسؤولية الجنائية عن أخطاء تابعيه
ي الرئيس،
ي المسي
ر
الجنائية ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية ،2010/2009 ،ص.
.14
21
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
المخاطبي
ر الغي يخالف هذا االليام ،يرتب مسؤولية شخصية يف جانب هؤالء األشخاص
االليام وترك ر
الرئيس
ي المسي
ر بهذا االليام ،وهذا ما أكده بعض الفقه حيث اعتي األستاذ سعيد الروبيو أن مسؤولية
القواني واألنظمة،
ر تقوم بناءا عىل عدم احيامه لالليام المتمثل يف العمل عىل عدم مخالفة هذه
الغي كما يذهب إىل ذلك بعض الفقه وإنما
المسي ليست مسؤولية جنائية عن فعل ر
ر ولذلك فمسؤولية
الغي ما
وبالتاىل أعتي أن المسؤولية عن فعل ر
ي للمسي،
ر يتعلق األمر بإحدى صور المسؤولية الشخصية
الشخض للمتبوع أو
ي الغي هو الذي يكشف الخطأ الغي ذلك أن فعل التابع أو ر ه إال مسؤولية عي ر ي
الرئيس )40(.ونحن نسايره يف هذا الرأي عىل إعتبار انه وإن كان التابع هو الذي ارتكب الخطأ وائ
ي المسي
ر
والمتجىل يف
ي الفعل المادي للجريمة،إال أن فعله هذا لم يكن سوى كاشف لخطأ سابق ارتكبه المتبوع
ر
واإلشاف عىل تابعيه. إهماله لموجب فرضه القانون عليه والمتمثل يف غياب الرقابة
وتتمثل الوسيلة الفعالة لتحقيق هذه الغاية يف جعل الركن المعنوي مفيضا لدى مرتكب
والن اليكون سوء النية ر
الجريمة الجمركية ،حيث يفيضه المشع تسهيال إلثبات الجريمة اإلقتصادية ي
الجائ كما هو الحال يف جريمة القانون التقليدي ،وإنما يستدل عليه من
ي فيها مستندا إىل تحليل نفسية
الجائ او كوامن ذاته ( )41فطبيعة بعض الجرائم
ي سلوكه المادي دون ادئ التفات ألهمية نفسية
ر
بالمشع اىل اعتبار بعض الترصفات وخطورة نتائجها عىل األمن العام والمصالح اإلقتصادية ادت
ومسك بعض األشياء يف حاالت واماكن معينة او التمتع ببعض الصفات( )42تشكل قرينة عىل افياض
ربابنة البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات فيما يخص اإلغفاالت والمعلومات ر
غي
الصحيحة المالحظة يف بياناتهم وبصفة عامة فيما يخص الجنح أو المخالفات الجمركية المرتكبة عىل
ظهر بواخرهم و سفنهم ومراكبهم وطائرتهم.
ه مسؤولية
وتأسيسا عىل هذا النص يالحظ بأن مسؤولية مالك البضاعة ووسائل النقل مثال ي
يكف إقامة الدليل عىل أنه هو صاحب البضائع محل الغش لتحميله المسؤولية ،دون حاجة
مطلقة إذ ي
إىل البحث فيما إذا كان المستخدم قد إرتكب المخالفة اثناء أو بمناسبة أداء وظيفته .ذالك أن هذه
ه مفيضة بنص القانون 44 ر
غي معمول بها يف المادة الجمركية ( ) إذ أن هذه المسؤولية ي
الشوط ر
المسؤولي بشكل رصي ح .
ر عي ،وبالتاىل المجال للبحث عن توافر تلك ر
الشوط ما دام القانون قد ر ي
كما نجد كذالك الفصل \222ب من مدونة الجمارك ينص عىل هذا النوع من المسؤولية
حيث يقر عىل أن المؤتمنون مسؤولون جنائيا عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات الجمركية
المنجزة بتعليمات منهم ،والمؤتمن ما هو إال ذالك الشخص الذي يكلف أحد مستخدميه بإجراء
الن يرتكبها المستخدم وهذا
عمليات جمركية لحسابه،حيث يكون مسؤوال عن الجنح والمخالفات ي
الغي( )45إذ أن قيام مسؤولية المؤتمن ر
غي مرتبط يعتي مثاال بينا عن المسؤولية الجنائية عن فعل ر
بثبوت خطأ يف حقه ،أضف إىل ذالك أن إلقاء المسؤولية عىل المؤتمن ال يمنع من متابعة المستخدم.
األجنن عن
ي وف السياق نفسه نجد الفصل 212من ذات المدونة يعاقب مالك الناقلة او
ي
الن هيأت إلرتكاب
الجنح والمخالفات الجمركية المرتكبة من قبل السائق ويؤمر بمصادرة وسيلة النقل ي
األجنن عن هذه الجريمة بما فيها مالك وسيلة النقل ،أي ولو لم
ي الغش ،بحيث يشي هذا النص عىل
يرتكب الفعل المادي للغش ،ولم يكن لديه أي قصد بذالك ،حيث ف هاته الحالة يفيض ر
المشع فيهم ي
سوء النية وتعف ادارة الجمارك والنيابة العامة من اثبات الركن المعنوي للجريمة أي القصد
( )43حفيظي الشرقي،جريمة التهريب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس ،كلية
العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ،الرباط، 1985،ص 74
( )44محمد الشلي ،مرجع سابق ،ص293
( ) 45محمد حدوتي ،مرجع سابق،ص338
23
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
الجنائ.لكن ورغم هذه الرصامة فإن ر
المشع ال يعاقب المالك بشكل مجرد ومطلق عن جرم لم يرتكبه ي
ولم يكن سببا يف إرتكابه بأي وجه من الوجوه ،بحيث لم يمنعه من أن يدفع عن نفسه هذه المسؤولية
الن استعملت يف ارتكاب الجريمة وكذا اثباته قيامه
اجنن وبعيد عن التقنيات ي
ي بإقامة الدليل عىل أنه
بجميع اإلجراءات والتحريات الالزمة للتأكد من خلو الناقلة منها،وبأن ظهور تلك المواصفات وقت
الغي بما فيه السائق او إىل حالة من القوة القاهرة لم يكن بوسعه توقعها
ضبط الجريمة يرجع اىل فعل ر
وال مقاومتها.
الخطية
ر الجمرك بهذا الشكل إىل كون أن الحاالت
ي الجنائ إىل تيير إتجاه القانون
ي ويميل الفقه
الفعليي وأدمغة
ر للمسؤولي
ر للتهريب غالبا ما تكون ورائها شبكات تهريب قوية ودقيقة التنظيم تتيح
بجن األرباح والفوائد يف
ي هذه الشبكات البقاء بعيدا عن نطاق األفعال المادية للتهريب حيث يكتفون
حي أن أعمال التنفيد تبف من إختصاص (عمال الجريمة)والذين تكون المقتضيات الجنائية للجمارك
ر
صارمة يف حقهم إما لكونهم حائزون أو ناقلون للبضائع المهربة ( )48ويبف أهم مير لهذا التوسع هو
حماية المصالح المالية لإلدارة وضمان تحصيل مستحقاتها( )49ر
غي أنه وإن كانت حماية إقتصاد الدولة
وكذا مواردها تتطلب إجراءات حازمة تهدف الرصب عىل يد كل من تسول له نفسه العبث او المس
غيه ،
بهذا اإلقتصاد ،إال ان حماية مبادئ العدالة ومقوماتها تستوجب أن ال يتحمل شخص وزر ر
المغرئ يأخذ بالمسؤولية وباألحرى إفياض وجود هذه المسؤولية ف جانبه.وهذا يؤكد عىل ان ر
المشع
ي ي
( ) 46سليمان عبد المنعم،النظرية العامة لقانون العقوبات،دار الجامعة الجديدة للنشر،اإلسكندرية 2000،ص 582و583
( )47محمد حدوتي ،مرجع سابق328،
()48حفيظي الشرقي،جريمة التهريب ،مرجع سابق،ص 343
()49محمد الشلي ،مرجع سابق،ص294
24
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
،غي انه بتعديل المدونة ثم الياجع
والن اعتمدها يف المادة 205من مدونة الجمارك ر
الجنائية المادية ي
يعن أننا يف إطار الياجع عن القاعدة الموسعة
عىل هذا اإلقرار بمادية الجرائم المرتكبة يف إطارها ،مما ي
لمادية الجريمة اإلقتصادية وذالك يف اتجاه اإلعياف للركن المعنوي بمكانته المرموقة ضمن أركان
الجريمة. 50
()50عبد المنعم بوفلجي،خصوصية القواعد الزجرية في القانون الجمركي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي
والعلوم الجنائية ،جامعة محمد األول،كلية العلوماإلقتصادية واإلجتماعية و القانونية،وجدة 2008\2007ص23
25
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
الئحة المراجع
-أحمد الخمليشي،شرح القانون الجنائي ،القسم العام ،الطبعة الثانية،مطبعة المعارف الجديدة الرباط
.1989،
-أنور سلطان ،مصادر االلتزام في القانون المدني األردني ،منشورات الجامعة األردنية ،عمان.1987 ،
-حسني أحمد الجندي ،القانون الجنائي للمعامالت التجارية ،الكتاب األول ،القانون الجنائي للشركات،
مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي ،القاهرة.1989 ،
-رضى بن خدة ،محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية ،الطبعة األولى ،مطبعة دار السالم،
الرباط . 2010 ،
-رمسيس بهنام ،نظرية التجريم في القانون الجنائي(،معيار سلطة العقاب تشريعا وتطبيقا)،منشأة
المعارف باإلسكندرية . 1971،
-عبد الرزاق السنهوري ،الوجيز في شرح القانون المدني ،الجزء األول ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
.1966
-عبود السراج،شرح قانون العقوبات اإلقتصادي في التشريع السوري والمقارن،مطبعة
طبرين،دمشق.1987،
ــ محمد أحداف،علم اإلجرام(،النظريات العلمية،والسلوك اإلجرامي) ،الطبعة الثالثة ،مطبعة وراقة
سجلماسة،2006، ،
إبراهيم علي صالح ،المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية ،دار المعارف ،مصر.1980 ، -
أمحد عوض بالل ،املذهب املوضوعي وتقلص الركن املعنوي للجرمية ،دراسة مقارنة الطبعة األوىل ،دار النهضة -
العربية ،القاهرة .1988
جرجس يوسف طعمه،مكانة الركن المعنوي في الجرائم اإلقتصادية ،دراسة مقارنة،المؤسسة -
الحديثة للكتاب طرابلس،لبنان.2005،
شريف سيد كامل،المسؤولية الجنائية لالشخاص المعنوية دراسة مقارنة ،الطبعة االولى ،دار -
النهضة العربية ،القاهرة.1997 ،
-عبد الرؤوف مهدي،المسؤولية الجنائية عن الجرائم اإلقتصادية،دراسة مقارنة ،منشأة المعارف
اإلسكندرية .1976 ،
-محمد الشيلي ،المصالحة الجمركية في القانون المغربي ،الطبعة األولى.،2010 ،
26
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
-محمد سا مي الشوا ،المسؤولية الجنائية الناشئة عن المشروعات االقتصادية ،دار النهضة العربية القاهرة
،1999،
-محمد سالمة الشروش ،المسؤولية الجزائية لألشخاص المعنوية ،رسالة ماجستير ،الجامعة األردنية،
2006
الرسائل واألطروحات.
❖ محمد مومن ،المسؤولية الجنائية لرئيس المؤسسة االقتصادية في القانون الجنائي المغربي،
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ،القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،أكدال ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط.1998 ،
❖ خدوج فالح،المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة على ضوء التشريع والفقه والقضاء،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،وحدة قانون األعمال جامعة الحسن الثاني عين الشق
،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء ،السنة الجامعية . 2004/2003
❖ سميرة كميلي ،القانون الجنائي للشغل ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،شعبة القانون
الخاص ،قانون األعمال ،جامعة الحسن الثاني ،عين الشق كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،الدار البيضاء.2002-2001 ،
❖ العلمي محمد ،المسؤولية الجنائية لألشخاص المعنوية عن الجرائم اإلقتصادية في القانون
الجنائي المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم
القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية،الرباط ،السنة الجامعية 1992-1992
❖ ثريا بوتشيش ،المسؤولية المدنية والجنائية للمسير في شركة المساهمة ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية ،2004/2003
❖ حفيظي الشرقي،جريمة التهريب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،جامعة
محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ،الرباط1985،
❖ عتيقة بوزيد ،معضلة الركن المعنوي في جرائم الشركات التجارية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
ّ العليا المعقمة في العلوم الجنائية ،جامعة عبد المالك
واالجتماعية بطنجة ،السنة الجامعية .2006/2005
27
المكتبة القانونية االلكترونية
www.bibliojuriste.club
❖ جابر الحذيفي ،الحماية الجنائية لحرية األسعار والمنافسة ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الجنائي والعلوم الجنائية ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
وجدة2011/2010 ،
❖ الغفيري عبد العزيز،المسؤولية الجنائية عن الجرائم اإلقتصادية،بحث نهاية التمرين بالمعهد
الوطني للدراسات القضائية،الفوج 1996، 25
28