4 5769286606435387563

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 19

‫مصادر المستشرق توماس ارنولد في دراسة النظرية السياسية االسالمية‬

‫د‪ .‬زاهدة محمد الشيخ طه‬

‫‪                                      ‬رئيس قسم االجتماعيات‬


‫جمهورية العراق ‪/‬دهوك ‪/‬جامعة دهوك‪ /‬كلية التربية االساسية ‪/‬قسم االجتماعيات‬
‫مصادر المستشرق) توماس ارنولد) في دراسة‬
‫النظرية السياسية االسالمية‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫‪          ‬تنطلق اهمية دراسة موضوع النظرية السياسية االسالمية في دراسة المستشرق)‬


‫البريطاني) المعروف) السير توماس ارنولد من منطلق المعطيات السياسية للواقع البريطاني‬
‫انذاك ‪,‬وهو الواقع الذي فرض نفسه على الساحة السياسية واولد اهتمام منقطع النظير في‬
‫بريطانيا) التي تجسدت فيها كل مقوالت االستشراق) الغربي برتباطاته السياسية وبرمجياته‬
‫العلمية‪.‬وكان من‪  ‬ابرز مظاهر ذلك االهتمام أدراك بريطانيا) لحاجتها إلى تنمية معرفتها‬
‫بالشرق وفقا الضطراد) وتوسع) مصالحها فيه‪ ،‬وسعيها) لتلبية هذه الحاجة عن طريق دعم‬
‫مؤسستها) السياسية لمشروع) إقامة مؤسسة أكاديمية رفيعة لتولي عملية تغذية العقل البريطاني‬
‫بالمعرفة الراقية حول الشرق متمثلة بـ مدرسة الدراسات الشرقية ‪the School of Oriental‬‬
‫‪ Studies‬التي تاسست عام ‪ 1917‬في لندن على ايدي مؤسسات) اكاديمية رفيعة الشان ‪,‬والتي‬
‫ادت دورا رائدا في مجال التفاعل الثقافي بين بريطانيا) ومستعمراتها) في الشرق عكستها‬
‫المناهج االكاديمية التي تقرر تدريسها في في المدرسة ‪,‬وكان من ابرز مقرراتها الرئيسة‬
‫تدريس المدرسة من حيث صلتها بطبيعة االدارة السياسية البريطانية للشعوب االسالمية‬
‫الخاضعة لسيطرتها) في الشرق ‪,‬ومن حيث اهمية الفكر السياسي االسالمي في القانون‬
‫االسالمي (الشريعة)والمؤسسات االكاديمية ‪,‬لذلك عدت هذه المادة انطالقة جديدة لدراسة‬
‫موضوع) النظرية السياسية االسالمية عامة والنظرية السياسية االسالمية خاصة التي شيد‬
‫بنيانها المستشرق توماس ارنولد‪.‬‬

‫السيرة العلمية المستشرق) توماس ارنولد‪:‬‬


‫‪         ‬ياتي‪  ‬اهتمام المستشرق توماس ولكر ارنولد بالدراسات) الشرقية عامة واالفكر‬
‫السياسي االسالمي خاصة من البيئة التي احتضنت هذا المستشرق‪ .‬فقد ولد االخير في مدينة‬
‫ديفونبورت) قرب لندن عام ‪ ،1864‬ودرس في جامعة كمبردج وفيها ولع بالدراسات الشرقية‪،‬‬
‫وكرس معظم وقته في دراسة التاريخ اإلسالمي‪ .‬وفي عام ‪ 1888‬سافر) إلى الهند وشغل‬
‫منصب مدرس الفلسفة في كلية عليكره(‪ )1‬التي كان قد أنشأها المصلح الهندي السيد احمد‬
‫خان (‪ )1898-1817‬في عام ‪ ،1875‬الذي كان يحظى باهتمام البريطانيين لدعواته الموالية‬
‫لالحتالل البريطاني(‪ .)2‬وقد منحت الحقبة التي أمضاها ارنولد) في الهند التي استمرت حتى‬
‫عام ‪ 1904‬فرصة مناسبة لالطالع عن كثب على جوهر العقيدة اإلسالمية من خالل اتصاله‬
‫بكبارعلماء الهند (‪ ،)3‬وقد بلغ تأثر ارنولد بهؤالء العلماء حدا جعله يبدي تعاطفا مع زمالئه‬
‫المسلمين وتالمذته بظهوره بالزي) اإلسالمي(‪ .)4‬مما أكسبه إحترام مسلمي الهند وإ عجابهم)‬
‫بمناظراته العلمية التي كانت تتجلى عبر المناقشات) المحتدمة بينه وبين علماء الهند عن‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪    ‬مضى ارنولد في مواصلة نشاطه األكاديمي) في القارة الهندية‪ ،‬وشغل في عام ‪1898‬‬
‫منصب أستاذ الفلسفة في الهور إلى عام ‪1904‬حيث عاد إلى بريطانيا) ليشغل منصب‪  ‬أمين‬
‫مكتبة وزارة الهند(‪ )5‬حتى عام ‪ 1909‬عندما اسند إليه منصب أستاذ العربية في كلية الجامعة‬
‫في لندن ومع تأسيس مدرسة الدراسات الشرقية في لندن استدعي ارنولد) عام ‪ 1917‬لتدريس‬
‫العربية‪ ،‬وفي) عام ‪1921‬تم اختيار ارنولد لمنصب رئاسة قسم العربية والدراسات اإلسالمية‬
‫في المدرسة ويشيرتلميذه المستشرق السير هاملتون كب‪  ‬إلى أن ارنولد) بتسلمه لهذا المنصب‬
‫كرس معظم وقته لبناء القسم الجديد‪ ،‬ولتدريس المناهج الرئيسة التي حظيت باهتمام القسم‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫‪    ‬وقد حظيت دراية مادة الفكر السياسي) االسالمي باهمية كبيرة من لدن ارنولد) الذي كان‬
‫يشدد على على أهمية وقوف بريطانيا وإ لمامها بديانة الشعوب اإلسالمية‪ ،‬وبين أن أهمية ذلك‬
‫ال ترتبط) في التفوق العددي للشعوب اإلسالمية فحسب‪ ،‬وإ نما في االختالف الجوهري) بين‬
‫الديانتين اإلسالمية والمسيحية من حيث أن الدين اإلسالمي يدخل في حيز القانون السياسي‬
‫والمؤسسات) االجتماعية إلى جانب األخالق على خالف المسيحية التي تمتاز بوجود) النظام‬
‫الكهنوتي فيها مؤكدا على أهمية هذه المعرفة بالنسبة للمواطن البريطاني الذي يعاني من تخلف‬
‫معرفي في هذا المجال‪ ،‬كما أكد أهمية إزالة التأثير الكنسي الطاغي على أعمال المستشرقين‬
‫التي كانت تمتاز) بروح العداء الشديد لإلسالم مقارنة بسائر األديان‪ ،‬والسيما) كتابات المستشرق‬
‫البريطاني) ديفيد صاموئيل) ماركليوث(‪.)6‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬لذلك توجت عملية تدريس ارنولد لمادة الفكر السياسي اإلسالمي بإصداره عام ‪1924‬‬
‫كتاباً تحت عنوان (الخالفة) ‪ ،The Caliphate‬جمع فيه المحاضرات التي سبق أن ألقاها‬
‫على مسامع تالمذته عن مادة الفكر السياسي اإلسالمي ضمن تاريخ الخالفة اإلسالمية خالل‬
‫عصورها التاريخية المختلفة(‪ .)7‬وقد جاء نشر هذه المحاضرات إسهاماً في النقاش المحتدم‬
‫في العالم اإلسالمي بشأن موضوع الخالفة إثر قيام كمال أتاتورك بإلغاء منصب الخليفة‬
‫وانبعاث الدعوات لتجديد هذا المنصب سواء في مصر أو الهند التابعين لبريطانيا(‪.)8‬‬
‫والمعروف) أن مثل هذه المطاليب كانت تشكل تهديدا لمصالح بريطانيا في الشرق والسيما) إن‬
‫األخيرة كانت قد أدت دوراً كبيراً في عملية إلغاء مقام الخالفة في أنقرة(‪ .)9‬فجاء كتاب‬
‫(الخالفة) دعما‪  ‬لتلك المصالح‪ ،‬وذلك من خالل سعي ارنولد) لتفنيد قضية تنازل آخر خليفة‬
‫عباسي (المتوكل على اهلل) عن الخالفة للسلطان سليم األول عام ‪ ،1517‬فضالً عن تقديم‬
‫عرض شامل لتاريخ مؤسسة الخالفة منذ وفاة الرسول محمد ‪ r‬وحتى إلغائها عام ‪(1924‬‬
‫‪.)10‬‬

‫دوافع ارنولد) لدراسة مصادر) النظرية السياسية االسالمية‬

‫‪         ‬يرتبط)‪  ‬معالجة ارنولد) لمصادر) النظرية السياسية االسالمية بالدوافع) الرئيسة لدراسة‬
‫مادة الفكر السياسي االسالمي في المدرسة ‪.‬اال وهي تسليط الضوء على مسالة االختالف بين‬
‫الفكرين اإلسالمي والمسيحي حـول طبيعة العالقة بين الدين والسياسة في كال النظامين(‬
‫‪. )11‬ومما الشك فيه أن تجربة ارنولد) في الهند وعالقته بكبار علمائها‪ -‬كما رأينا‪ -‬أثرها في‬
‫تعميق نظرته االستشراقية إلى طبيعة ذلك التمايز بين النظاميي على وفق ذلك يمكن القول ان‬
‫ارنولد كان من بين المستشرقين القلة الذين فطنوا الى طبـيعة ذلك التمايز‪ ،‬وانه حاول في بحثه‬
‫عن (النظرية السياسية اإلسالمية) تعديل النظرة االستشراقية حول طبيعة اختالف السلطتين‬
‫الخالفة في العالم اإلسالمي والبابوية في العالم المسيحي‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫كما أن دراسة مادة الفكر السياسي اإلسالمي في مدرسة الدراسات الشرقية كان ينصب نحو‬
‫مفهوم الخالفة أو اإلمامة عند أهل السنة‪ .‬وذلك يعود) في جانب كبير منه إلى طبيعة عالقة‬
‫المصالح السياسية البريطانية مع الشعوب اإلسالمية التي كان يدين اغلبها بالمذهب السني‪،‬‬
‫والسيما شعوب الدولة العثمانية ذات المذهب الحنفي‪ .‬والمعروف أن كتاب (الخالفة) يفصح‬
‫في جانب كبير منه عن ذلك االهتمام‪ ،‬والسيما فيما يتعلق بمسألة الخالفة العثمانية وتبني‬
‫السالطين العثمانيين أللقاب الخالفة‪ ،‬لذلك فان ارنولد كرس جهده لدراسة الفكر السياسي‬
‫السني‪.‬‬

‫مصادر النظرية السياسية االسالمية‪:‬‬

‫خاض ارنولد) في معالجته لمصادر) النظرية السياسية االسالمية في الفصلين الثاني والثالث من‬
‫كتابه الخالفه الى دراسة المصدرين االساسيين اال وهما (القران الكريم والحديث الشريف)‪,‬ففي)‬
‫الفصل الثاني المعنون (اصل الخالفة والقاب االخالفة ) ‪Origin of the Caliphate. The‬‬
‫‪ Titles of The Caliph‬لجاء ارنولد) الى القران الكريم في حديثه عن العالقة بين ألقاب‬
‫الخالفة والسيما) \"خليفة – إمام\" واآليات القرآنية التي وردت فيها لفظتا خليفة وإ مام الرتباطها‬
‫الوثيق بموضوع ارنولد األثير ألقاب الخالفة‪.‬في حين تناول في الفصل الثالث المعنون (المؤيد‬
‫الديني للخالفة في القرآن والحديث) ‪Theological Sanction For the Caliphate in the‬‬
‫‪  Qur\'an and Tradition‬المصدرين األساسين (القرآن الكريم والحديث الشريف) في‬
‫حديثه عن صياغة النظرية اإلسالمية‪.‬‬

‫أ‌‪ -‬القرآن الكريم‬


‫يعد القرآن الكريم احد المرتكزات األساسية في عرض موضوع النظرية السياسية اإلسالمية‪،‬‬
‫إذ يؤكد) ارنولد على أن الفقهاء المسلمين لجأوا إلى القرآن الكريم بوصفه المصدر) األساسي‬
‫للتشريع في اإلسالم‪ ،‬ليكون سنداً لنظرية الخالفة على نحو ما فعله رجال الدين في أوروبا) في‬
‫العصور الوسطى حين لجاؤا في الكتاب المقدس لتأييد مطالب الباباوات واألباطرة (‪ .)12‬علما‬
‫ان هذا االستنتاج يتناقض مع الواقع التاريخي) للدولة االسالمية‪ .‬وينصب جهد ارنولد في هذا‬
‫الشأن على تحليل العالقة بين اآليات التي ورد فيها مصطلحا) (خليفة وإ مام) وألقاب الخالفة‪،‬‬
‫وقبل الحديث عن النتائج التي توصل إليها نجد من الضروري عرض هذه اآليات للوقوف‬
‫على طريقة استقصائه لها‪ ،‬ومن ثم أثرها على نتائج بحثه‪.‬‬

‫‪         ‬فقد سعى ارنولد) لعرض اآليات التي وردت لفظة خليفة في صيغها المتنوعة كما في‬
‫األر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َِّ‬
‫ض‬ ‫آمُنوا من ُك ْم َو َعملُوا الصَّال َحات لََي ْستَ ْخلفََّنهُم في ْ‬ ‫ين َ‬ ‫;و َع َد اللهُ الذ َ‬ ‫قوله تعالى &‪َ 61481#‬‬
‫ين ِمن قَْبِل ِه ْم&‪ ،)13( ;61480#‬واآليات التي ورد فيها المصطلح في صيغة‬ ‫َكما استَ ْخلَ َ َِّ‬
‫ف الذ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ق‬‫ض ُك ْم فَ ْو َ)‬‫ض َو َرفَ َع َب ْع َ‬ ‫الجمع كما في قوله تعالى &‪َ ;61481#‬و ُه َو الَِّذي َج َعلَ ُك ْم َخالَئِ َ‬
‫ف األ َْر ِ‬
‫ات لَِّيْبلَُو ُك ْم ِفي َما آتَا ُك ْم &‪ ،)14( ;61480#‬وقوله تعالى &‪;61481#‬أ ََو َع ِج ْبتُ ْم أَن‬ ‫ض َدرج ٍ‬
‫َب ْع ٍ َ َ‬
‫َجاء ُك ْم ِذ ْكٌر ِّمن َّرِّب ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل ِّمن ُك ْم ِلُي ِنذ َر ُك ْ)م َواذ ُك ُروْ)ا ِإ ْذ َج َعلَ ُك ْم ُخلَفَاء ِمن َب ْع ِد قَ ْوِم ُن ٍ‬
‫وح‬
‫ون‪ ،)15( ;61480#&  ‬وكذلك قوله‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫و َز َاد ُك ْم ِفي اْل َخْل ِ‬
‫طةً فَا ْذ ُك ُروْ)ا آالء اللّه لَ َعل ُك ْم تُْفل ُح َ‬ ‫ق َب ْس َ‬ ‫َ‬
‫ون ِمن‬ ‫تعالى &‪;61481#‬وا ْذ ُكروْا ِإ ْذ جعلَ ُكم ُخلَفَاء ِمن بع ِد ع ٍاد وب َّوأَ ُك )م ِفي األَر ِ ِ‬
‫ض تَتَّخ ُذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ ََ ْ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ين &‪#‬‬ ‫سهوِلها قُصورا وتَْن ِحتُون اْل ِجبا َل بيوتًا) فَا ْذ ُكروْ)ا آالء اللّ ِه والَ تَعثَوا ِفي األَر ِ ِ ِ‬
‫ض ُم ْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُُ‬ ‫ُُ َ ُ ً َ‬
‫‪ ،)16( (;61480‬ووفقاً لذلك يستدل ارنولد) على أن اآليات التي وردت فيها لفظة خليفة في‬
‫صيغة الجمع جاءت بمعنى مجموعة من القبائل حلوا محل غيرهم في األرض وليس الوظيفة‬
‫األساسية المحددة للخليفة لذلك فان كلمة خليفة برأيه \"ال يمكن شرحها) متصلة مع الخليفة‬
‫التاريخي رئيس الجماعة اإلسالمية السامي\" (‪)17‬‬

‫لكن على الرغم من ذلك فان ارنولد لم يستطع أن يتجاهل وجود آيتين وردتا فيهما لفظة خليفة‬
‫ُّك ِلْل َمالَئِ َك ِة ِإِّني‬
‫ال َرب َ‬ ‫;وإِ ْذ قَ َ‬
‫في صيغة المفرد األولى إشارة إلى ادم‪  ‬في قوله تعالى &‪َ 61481#‬‬
‫ك‬‫ِّح بِ َح ْم ِد َ‬ ‫ك ِّ‬
‫الد َماء َوَن ْح ُن ُن َسب ُ‬ ‫ض َخِليفَةً قَالُوْا أَتَ ْج َع ُل ِفيهَا َمن ُي ْف ِس ُد ِفيهَا َوَي ْس ِف ُ‬
‫اع ٌل ِفي األ َْر ِ‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫ون&‪ ،)18( ;61480#‬والثانية إلى النبي داود‪  ‬في قوله‬ ‫َعلَ ُم َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬‫ال ِإِّني أ ْ‬
‫ك قَ َ‬ ‫َوُنقَ ِّد ُس لَ َ‬
‫ق َوال تَتَّبِ ِع‬
‫اس بِاْل َح ِّ‬
‫الن ِ‬
‫اح ُكم َب ْي َن َّ‬
‫ض فَ ْ‬ ‫األر ِ‬ ‫ود ِإَّنا جعْلَنا َ ِ ِ‬
‫ك َخليفَةً في ْ‬ ‫ََ‬ ‫تعالى &‪;َ 61481#‬يا َد ُاو ُ)‬
‫اب َش ِد ٌ‬
‫يد بِ َما َن ُسوا َي ْو َم‬ ‫يل اللَّ ِه لَهُ ْم َع َذ ٌ‬
‫ون َعن سبِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ ُّ‬ ‫َِّ‬ ‫ك عن سبِ ِ َّ ِ‬
‫يل الله ِإ َّن الذ َ‬
‫ين َيضل َ‬
‫ِ َّ‬
‫اْلهَ َوى فَُيضل َ) َ َ‬
‫اب &‪ ،)19(;61480#‬ويرى ارنولد انه على الرغم من أن هاتين اآليتين حظيتا باهتمام‬ ‫اْل ِح َس ِ‬
‫كل من بحث في الخالفة من الفقهاء والمفكرين المسلمين‪ ،‬فان لفظة خليفة التي وردت في كال‬
‫اآليتين لم تكن تعني أكثر من مجرد خلف‪ ،‬كما يرى أيضاً أن المراجع اإلسالمية تفسر كلمة‬
‫خليفة بمعنى وكيل ونائب وبديل وخلف بمعنى الذي يفوز بمنصب سام‪ ،‬ووفقاً) لذلك المدلول‬
‫اللغوي الذي رسمه ارنولد يرى أن المفسرين شرحوا اآليتين في أن ادم وداود‪  ‬سميا باسم‬
‫خليفة إذ كان كل منهما على األرض نائباً عن اهلل في إنذارهم) بما أمر اهلل (‪.)20‬وان كان‬
‫الخليفة في حقيقة االمر ليس بنائب عن اهلل وانما منفذا لشريعته‪.‬‬

‫وبذلك نفى ارنولد مسألة وجود) عالقة بين لقب خليفة وبين هاتين اآليتين اللتين وردتا فيهما‬
‫لفظة خليفة في صيغة المفرد وبين المدلول اللغوي للفظة خليفة التي لم تكن تعني من وجهة‬
‫نظره أكثر من مجرد خلف‪.‬‬
‫في حين أن المدلول اللغوي للفظة الخالفة يطلق على من استخلفه غيره وعلى من خلف غيره‬
‫في أمر من األمور‪ ،‬ويقال خلف فالن فالناً‪ ،‬إذ قام باألمر عنه‪ ،‬والخالئف جمع خليف‪ ،‬وخلفاء‬
‫جمع خليفة يقول ابن منظور صاحب (لسان العرب) \"الخالفة‪ :‬اإلمارة وهي الخليفي‪ ،‬وانه‬
‫لخليفةٌ بين الخالفة والخليفي‪ ...‬قال الزجاج جاز أن يقال لالئمة خلفاء اهلل في أرضه لقوله‬
‫ض&‪ ...;61480#‬وخلفه يخلفه خلفا‬ ‫األر ِ‬ ‫ود ِإَّنا جعْلَنا َ ِ ِ‬
‫ك َخليفَةً في ْ‬ ‫ََ‬ ‫عزوجل‪;َ 61481#& :‬يا َد ُاو ُ‬
‫صار مكانه\" (‪ .)21‬والخالفة إصطالحا‪ :‬هي الزعامة العظمى \"وهي الوالية العامة في كافة‬
‫األمور والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها\" (‪.)22‬‬
‫‪ ‬‬
‫وتشير كتب التفسير التي تناولت مصطلح خليفة كما ورد في كلتا اآليتين وعالقته بلقب خليفة‪،‬‬
‫بأن مصطلح خليفة لم يكن يعني من يقوم بتنفيذ الشريعة فحسب‪ ،‬وإ نما كان يعني أيضاً‬
‫ممارسة السلطة السياسية للخليفة‪ ،‬إذ يشير اإلمام القرطبي في تفسيره إلى أن لفظة خليفة التي‬
‫ض َخِليفَةً&‪،;61480#‬‬‫جاع ٌل ِفي األ َْر ِ‬
‫وردت في اآلية األولى في قوله تعالى &‪ِ;61481#‬إّنَِي ِ‬
‫ليس المراد بها خليفة آدم &‪ ;61557#‬كما يفسره طائفة من المفسرين وإ نما يشير إلى أن هذه‬
‫اآلية \"أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع‪ ،‬لتجتمع به الكلمة وتنفذ به إحكام الخليفة\"‬
‫(‪ .)23‬كما يشير المفسرون إلى ان مصطلح خليفة الذي ورد) في اآلية الثانية قد اقترن‬
‫األر ِ‬
‫ض‬ ‫بممارسة السلطة السياسية للخليفة في قوله تعالى &‪ِ;61481#‬إَّنا جعْلَن َ ِ ِ‬
‫اك َخليفَةً في ْ‬ ‫ََ‬
‫ق‪ ،)24(;61480#&  ‬إذ يشير اإلمام الزمخشري إلى أن قوله تعالى‬ ‫اس بِاْل َح ِّ‬
‫الن ِ‬
‫اح ُكم َب ْي َن َّ‬
‫فَ ْ‬
‫ض &‪;61480#‬يعني \"استخلفناك على الملك في األرض كما‬ ‫األر ِ‬ ‫&‪ِ ِ َ 61481#‬‬
‫;خليفَةً في ْ‬
‫تستخلفه بعض السالطين على بعض البالد ويملكه عليها‪ ،‬ومنه قولهم) \"خلفاء اهلل في أرضه\"(‬
‫‪ .)25‬كما يربط) اإلمام القرطبي هذه اآلية باآلية األولى من حيث ضرورة وجود خليفة يتولى‬
‫ض&‪#‬‬ ‫األر ِ‬ ‫أمور السلطة والحكم‪ ،‬فيذكر) أن قوله تعالى &‪ِ;61481#‬إَّنا جعْلَن َ ِ ِ‬
‫اك َخليفَةً في ْ‬ ‫ََ‬
‫‪ ;61480‬يعني \"مكناك) لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‪ ،‬فتخلف من كان قبلك من األنبياء‬
‫واألئمة والصالحين\"‪ ،‬ويرى) وفقاً لذلك استلزم نصب خليفة ليفصل بين الناس(‪ ،)26‬كما يشير)‬
‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫اح ُكم َب ْي َن َّ‬ ‫األر ِ‬
‫ض فَ ْ‬ ‫اإلمام ابن كثير إلى أن قوله تعالى &‪ِ;61481#‬إَّنا جعْلَن َ ِ ِ‬
‫اك َخليفَةً في ْ‬ ‫ََ‬
‫ق&‪ ;61480#‬يعني \"وصية من اهلل عزوجل لوالة األمور أن يحكموا بين الناس بالحق‬ ‫بِاْل َح ِّ‬
‫المنزل من عنده تبارك اهلل\" (‪.)27‬‬

‫كما يبين المستشرق مونتكمري) وات إلى أن جذر كلمة خليفة قد تعرض لتطور) غني ومتعدد)‬
‫من حيث المعنى في اللغة العربية‪ .‬وفي انه لمعنى خليفة عدة تجليات يصعب إزاءها معرفة ما‬
‫يسود منها في سياقات معينة‪ ،‬وفي أن المعنى األساس برأيه هو الخلف‪   ،‬أما أمثلة الجمع‬
‫الواردة في القرآن فهي تشير من وجهة نظره إلى أناس حلوا في ارض شغلها غيرهم من قبل‬
‫ودمرهم اهلل عقابا لعصيانهم‪ ،‬وفي أن هذه الحاالت تبرر‪  ‬برأيه ترجمة المعنى إلى \"الخلف\"‬
‫وفي أن بعضها ال يتضمن ذكر السابقين أو التشديدعلى) الالحقين‪ ،‬وانه لذلك يختل المعنى‬
‫برأيه إذا ترجمت بكلمتي \"القاطنين\" أو‪"\  ‬المستوطنين\"‪ ،‬أما في صيغة المفرد فهي توحي)‬
‫باإلضافة إلى معنى \"الخلف\" بمعنى من يمارس السلطة(‪.)28‬‬

‫أما لقب إمام فإن معالجة ارنولد لهذا اللقب لم يختلف عن معالجته للقب خليفة‪ ،‬إذ حاول أيضاً‬
‫نفي وجود) عالقة بين اآليات التي ورد) فيها مصطلح إمام وبين لقب إمام الذي لم يكن يعني‬
‫وفق منظور ارنولد االستشراقي) سوى لفظة انبثقت من الوظيفة الدينية بمعنى مرشد للمؤمنين‬
‫في صالة الجماعة‪ .‬ويؤكد) أن الفقهاء المسلمين لجأوا إلى مستند في القرآن الكريم الستخدام)‬
‫لقب إمام الذي لم يكن يعني رغم المعاني المتباينة فيهم برأيه سوى قائداً أو دليالً أو مثاالً أو‬
‫أنموذجاً (‪ ،)29‬ويدعم ارنولد) رأيه بمجموعة من اآليات التي وردت فيها لفظة إمام في قوله‬
‫اما &‪ ،)30(;61480#‬وقوله تعالى &‪#‬‬ ‫ك ِل َّلن ِ ِ‬ ‫ال ِإِّني ج ِ‬
‫اس إ َم ً‬ ‫اعلُ َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى &‪;61481#‬قَ َ‬
‫اه ْم أَئِ َّمةً َي ْه ُد َ ِ‬
‫اج َعْلَنا‬
‫;و ْ‬ ‫ون بأ َْم ِرَنا&‪ ،)31(;61480#‬وقوله تعالى &‪َ 61481#‬‬ ‫;و َج َعْلَن ُ‬
‫‪َ 61481‬‬
‫ام ِه ْم&‪#‬‬ ‫اس بِِإم ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِلْلمتَِّق َ ِ‬
‫اما &‪ ،)32(;61480#‬وقوله تعالى &‪;َ 61481#‬ي ْو َم َن ْد ُعو ُكل أَُن ٍ َ‬ ‫ين إ َم ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ،)33(;61480‬كما أورد ارنولد اآليات التي وردت فيها لفظة إمام في وصف) معاني متباينة‬
‫اما‬ ‫ِ‬
‫وسى إَ َم ً‬ ‫اب ُم َ‬ ‫فيرى أن لفظة إمام جاءت في وصف) كتاب في قوله تعالى &‪;61481#‬كتَ ُ‬
‫َو َر ْح َمةً &‪ ،)34(;61480#‬وفي وصف) الكفرة في قوله تعالى &‪;61481#‬فَقَاتِلُوْا أَئِ َّمةَ اْل ُك ْف ِر‬
‫ان لَهُ ْم &‪ ،)35(;61480#‬ولوصف) مدينة أثيمة في قوله تعالى &‪;61481#‬فَانتَقَ ْمَنا‬ ‫ِإَّنهُ ْم الَ أ َْي َم َ‬
‫ِم ْنهُ ْم َوإِ َّنهُ َما لَبِِإ َم ٍام ُّمبِ ٍ‬
‫ين &‪.)36(;61480#‬‬

‫في حين ان المدلول اللغوي للفظة إمام‪،‬كما يقول ابن منظور) في مادة \"أمم\" \"األم بالفتح‪،‬‬
‫وامم بهم‪ ،‬تقدمهم‪ :‬وهي االمامةُ‪،‬‬‫إمة‪ ،‬وأم القوم ّ‬‫وتأمم) به وأتم جعله ّ‬
‫واإلمةُ‪ :‬الشرعة والدين‪ّ ...‬‬ ‫ّ‬
‫واإلمام كل من أئتم به قوم) كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين‪ ...‬في قوله عزوجل‬
‫ام ِه ْ)م &‪ ،;61480#‬قالت طائفة بكتابهم وقال) آخرون‪:‬‬‫اس بِِإم ِ‬ ‫َّ‬
‫&‪;َ 61481#‬ي ْو َم َن ْد ُعو ُكل أَُن ٍ َ‬
‫بنبيهم وشرعهم‪ ،‬وقيل بكتابه الذي احصى فيه عمله‪ ،‬وسيدنا) رسول) اهلل‪  ‬إمام أمتهم وعليهم‬
‫جميعاً االتمام بسنته التي مضى عليها‪ ،‬ورئيس القوم إمامهم‪ ...‬واإلمام ما أتم به رئيس وغيره‬
‫والجمع أئمة‪ ،‬وفي التنزيل العزيز &‪;61481#‬فَقَاتِلُوْا أَئِ َّمةَ اْل ُك ْف ِر &‪ ;61480#‬أي قاتلوا)‬
‫رؤساء الكفر‪ ،‬الذين ضعفائهم تبعا لهم‪ ...‬والخليفة امام الرعية‪ ،‬وإ مام الجند قائدهم‪ ،‬ويكون‬
‫اإلمام رئيسا كقولك إمام المسلمين ويكون الكتاب‪ :‬قال اهلل تعالى &‪;َ 61481#‬ي ْو َم َن ْد ُعو ُك َّل‬
‫;وإِ َّنهُ َما‬ ‫ٍ ِِ ِ ِ‬
‫أَُناس بإ َمامه ْم &‪ ;61480#‬ويكون اإلمام الطريق) الواضح قال اهلل تعالى &‪َ 61481#‬‬
‫ين &‪ ;61480#‬ويكون اإلمام المثال‪ .)37( "\...‬وإ ستنادا على ما تقدم يظهر أن‬ ‫لَبِِإ َم ٍام ُّمبِ ٍ‬
‫معجات اللغة العربية تبنت التفسير الديني للفظة إمام‪.‬‬
‫ويخلص ارنولد في ختام استقصائه الواسع والمفصل لموضوع ألقاب الخالفة إلى غياب الصلة‬
‫بين القرآن والخالفة بوصفها) منصباً‪ ،‬وان الصلة المفترضة هي من ابتكار المتأخرين(‪.)38‬‬
‫كما استبعد في فصل (أصل الخالفه وألقاب الخالفة) أن يكون ورود هذا اللقب في القرآن‬
‫دافعا التخاذه لقبا للخليفة‪ ،‬وفي) أن هذا اللقب اكتسب برأيه احتراما وإ جالال بفضل الفتوحات‬
‫اإلسالمية(‪ ،)39‬أما لقب إمام فان ارنولد بعد أن نفى ورود هذا اللقب في القرآن بمعنى مرشد‬
‫للمؤمنين في الصالة‪ ،‬بين انه على الرغم من أن لقب إمام كان يعد صفة رسمية لخليفة النبي‪ ‬‬
‫لكنه لم يكن برأيه مفضال لدى السنة كما هو الحال لدى الشيعة(‪.)40‬‬

‫والمعروف) أن المصادر) الفقهية لدى أهل السنة استخدمت أيضاً لقب إمام إلى جانب الخليفة‪،‬‬
‫الن المسلمين من أهل السنة لم يميزوا) بين لقبي خليفة وإ مام فكالهما يشير إلى شخص واحد (‬
‫‪ .)41‬ويفسر األستاذ أبو زهرة أصل الترادف) بين اللفظتين بقوله \"إن المذاهب السياسية كلها‬
‫تدور حول الخالفة وهي اإلمامة الكبرى وسميت إمامه الن الذي يتوالها ويكون الحاكم األعلى‬
‫للمسلمين يخلف النبي محمد‪  ‬في إدارة شؤون المسلمين وتسمى اإلمامة‪ ،‬الن الخليفة كان‬
‫يسمى إماماً‪ ،‬والن طاعته واجبة‪ ،‬والن الناس يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم) في‬
‫الصالة\" (‪.)42‬‬

‫لكن على الرغم من ذلك فان الجدل الفقهي كان يفضل استخدام اإلمامة على الخالفة‪ .‬ويذهب‬
‫المؤرخين في تفسير ذلك إلى أن الشيعة هم أول من بحث في هذا الموضوع) ووضعوا)‬
‫مصطلحاته‪ ،‬ولما كان اللقب الذي اختاروه وخصوا) به زعماءهم هو \"اإلمام\" فان المشكلة‬
‫األولى التي بدأوا يبحثونها ويجادلون فيها خصومهم) كانت هي \"اإلمامة\"‪ ،‬وصار) هذا االسم‬
‫الذي تعرف به المشكلة‪ ،‬وانطلق خصومهم يجادلونهم) باللغة نفسها‪ ،‬فثبت التقليد ولم يكن هناك‬
‫داع لتغييره‪ .‬الن اإلمام عند الشيعة ال يعني إال صاحب الحق الشرعي‪ "\de jure"\  ‬أما لفظة‬
‫خليفة فتشير إلى صاحب السلطة الفعلية \")‪ .  de facto\" (43‬أما لقب \"أمير المؤمنين\"‪،‬‬
‫فان ارنولد) يرى أن هذا اللقب خالفا للقبي \"خليفة‪ ،‬وإ مام\") لم يرد ذكره في القرآن الكريم‪،‬‬
‫ولكن على الرغم من ذلك فانه يرى أن لقب أمير المؤمنين يبجل الصفة الدنيوية على خالف‬
‫لقب إمام‪ ،‬وبأنه كان برأيه أعم ألقاب الخالفة ألن به عرفت أوربا الخليفة في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬لما حمله هذا اللقب من سلطة هائلة اجتاحت بها اإلمبراطورية الرومانية والفارسية(‬
‫‪.)44‬‬

‫ب _الحديث الشريف ‪:‬‬

‫‪        ‬أما الحديث الشريف) فيعد المصدر الثاني الذي استند إليه ارنولد في عرض النظرية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إذ كان يرى أن اللجوء إلى األحاديث‪  ‬ذو أهمية في عرض \"النظرية السياسية‬
‫للخالفة عرضاً واضحا وثابتاً\") (‪ .)45‬وعلى الرغم من أن ارنولد) وفي مستهل معالجته لهذا‬
‫الموضوع) حاول جاهدا الطعن في صحة األحاديث التي رأى أن نظرية الخالفة استندت عليها‪،‬‬
‫كما وجه اتهاما اخر بين فيه ان الفقهاء المسلمين لم ينتبهوا إلى عملية الوضع في األحاديث‬
‫إلى أن جاء علماء البحث الحديث من األوربيين فكشفوا) زيفها‪ .‬وهو االمر الذي الينسجم) مع‬
‫المعطيات التي افرزها) علماء البحث وفق اصول وقواعد معالجة االحاديث وان كان يبدو وفق‬
‫السياق الذي وضعه ارنولد) ان االخير كان يقصد بذلك األحاديث التي تتعلق بموضوع الخالفة‪،‬‬
‫والسيما انه قد اكد \"أن العلماء المسلمين أنفسهم اعترفوا) اعترافا صريحاً بأن بعض األحاديث‬
‫التي تزعم أنها من نفس مأثور كالم النبي كانت تزويرا واضحاً\" (‪ .)46‬وان كانت هي‬
‫االخرى تناولها) الفقهاء المسلمين بمزيد من البحث والتمحيص‪.‬‬

‫ولكن على الرغم من ذلك يؤكد ارنولد على أن الحديث استخدم \"كأساس للبحث المنسق لعقيدة‬
‫الخالفة التي عرضت في مخطوطات علماء الدين اإلسالمي وفقهائه\" (‪ .)47‬وكان ارنولد) قد‬
‫استند في عرضه لألحاديث على مخطوطة ألحد األئمة الهنود المدعو عالء الدين المتقي بن‬
‫حسام الدين الهندي (ت ‪975‬هـ ‪1567 /‬م (‪ .)48‬ومما ال شك فيه أن ارنولد بحكم عمله لبضع‬
‫سنين أمين مكتبة وزارة الهند قد أتيحت له دون شك فرصة االطالع على المخطوطات)‬
‫والمصادر) بضمنها) هذه المخطوطة المعنونة (كنز العمال في سنن األقوال واألفعال)‪ ،‬والتي‬
‫كانت تعد إحدى كتب السنن الشاملة لألحاديث‪ .‬والكتاب مقسم إلى مجموعة كبيرة من الفصول‬
‫ولكن‪              ‬لم يلتزم صاحبه فيها منهجا ثابتا‪ ،‬فتارة يلجأ إلى ذكر سلسلة اإلسناد لكنه‬
‫غالباً ما يحذفها‪ ،‬والسيما األحاديث التي أستشهد بها ارنولد فيما يتعلق بموضوع) الخالفة‪،‬‬
‫فضالً عن أن صاحبه في عرضه لألحاديث لم يبين مدى صحة األحاديث وموثوقيتها) التي‬
‫أوردها من بين األحاديث الموضوعة‪.‬‬
‫وقد وجه ارنولد إهتمامه في عرضه لألحاديث إلى معالجة أمرين‪-:‬‬
‫األول‪ :‬مسألة النسب القرشي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬طاعة السلطة الحاكمة‪.‬‬

‫‪      ‬ففي معالجته لألمر األول الذي يعد المرتكز االساس في سياق دراسة أرنولد لموضوع)‬
‫النظرية السياسية االسالمية‪ ،‬يرى االخير أن األحاديث اشترطت فيمن يتولى منصب الخالفة‬
‫أن يكون من قبيلة قريش التي إليها ينتسب الرسول محمد ‪ ،‬وفي أن هذه األحاديث هي التي‬
‫حددت برأيه شرط) النسب القرشي) لكل الخلفاء الذين تولوا إدارة مؤسسة الخالفة خالل‬
‫عصورها التاريخية (‪ .)49‬ثم يستشهد ارنولد بمجموعة من األحاديث التي وردت في كتاب‬
‫(كنز العمال) في باب \"األمراء من قريش\"‪ ،‬وهي االحاديث المرفوعة إلى الرسول‪"\ :‬األمراء‬
‫من قريش\" (‪ .)50‬وهنا ننوه إلى أن هذا الحديث قد اقترن كما ورد) في المصدر) المعتمد بقول‬
‫الرسول &‪"\ : ;61554#‬ما عملوا فيكم) بثالث‪ :‬ما رحموا إذا استرحموا وقسطوا) وعدلوا إذا‬
‫حكموا\" (‪ .)51‬وكان هذا الحديث قد ورد في مسند الطبراني (ت ‪360‬هـ ‪970 /‬م) رواه عن‬
‫إبراهيم بن عبد اهلل ابن مسلم عن معاذ بن عوذ اهلل القرشي عن عوف عن أبي سعيد الخدري‬
‫قال الرسول محمد‪"\  ‬إن هذا األمر اليزال في قريش ما إذا استرحموا رحموا وإ ذا حكموا‬
‫عدلوا وإ ذا اقسموا أقسطوا ومن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين\" (‬
‫‪ ،)52‬ويرى السيوطي (ت ‪911‬هـ ‪1505 /‬م)‪ ،‬أن هذا الحديث يدل على أن أحق الناس‬
‫بالخالفة قريش لكنه ال يدل على بطالن خالفة غيرهم وفي) أن معيار حكمهم هو \"اتصافهم‬
‫بالعدل والوفاء والرحمة\" (‪.)53‬‬

‫األمر في‬
‫‪        ‬كما أورد ارنولد) حديثاً آخر مرفوعاً إلى الرسول‪  ‬وهو قوله \"ال يزا ُل هذا ُ‬
‫قريش\" (‪ .)54‬وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم الذي رواه عن احمد بن عبد اهلل بن‬
‫يونس عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قول الرسول‪"\  ‬اليزال هذا األمر في قريش ما‬
‫بقى من الناس اثنان \" (‪ ،)55‬ويرى محمد أبو زهرة \"أن هذا الحديث يشير إلى فضل قريش\")‬
‫(‪ ،)56‬كما أورد ارنولد حديثاً آخر لم يرد في باب \"األمراء من قريش\" وإ نما ورد في‬
‫باب \"فضائل) القبائل‪ -‬قريش\") لكونه تضمن إشارة إلى خالفة قريش لدعم رأيه‪ ،‬كما في‬
‫الحديث المرفوع إلى الرسول‪"\  ‬الخالفة في قريش‪ ،‬والحكم في األنصار‪ ،‬والدعوة في الحبشة\"‬
‫(‪ .)57‬وقد ورد هذا الحديث في مسند اإلمام الترمذي (ت ‪279‬هـ ‪892 /‬م)‪ ،‬رواه عن احمد‬
‫بن منيع عن زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح عن أبي مريم األنصاري) عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال الرسول)‪"\  ‬الملك في قريش‪ ،‬والقضاء في األنصار‪ )،‬واآلذان في الحبشة\" (‪.)58‬‬

‫‪         ‬وقد أورد ارنولد) جزءاً من حديث آخر ورد في المصدر المعتمد في باب \"األمراء‬
‫من قريش\"‪ ،‬الحديث المرفوع) إلى الرسول‪"\  ‬األئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها‬
‫وفجارها) أمراء فجارها\") (‪ ،)59‬ولم يشر إلى بقية الحديث الذي يقيد فيه الطاعة وفق) حكم‬
‫الشريعة في قوله‪"\  ‬وان أمرت عليكم قريش حبشيا مجدعا فاسمعوا له وأطيعوا) ما لم يخير‬
‫أحدكم بين إسالمه وضرب عنقه فان خير بين إسالمه وضرب عنقه فليقدم عنقه\" (‪،)60‬‬
‫وكان هذا الحديث قد ورد في مسند الطبراني) رواه عن حفص بن عمر بن الصباح الرقي عن‬
‫فيض البجلي عن مسعر بن كدام عن سلمة بن هيكل عن أبي صادق) عن ربيعة بن ناجد عن‬
‫علي‪  ‬عن الرسول‪  ‬قوله‪"\ :‬األئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها) وفجارها) أمراء فجارها)‬
‫ولكل حق فآتوا كل ذي حق حقه‪ ،‬وان أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا) له وأطيعوا‪ ،‬ما‬
‫لم يخير أحدكم بين إسالمه وبين ضرب عنقه‪ ،‬فان خير بين إسالمه وبين ضرب عنقه‪ ،‬فليمدد‬
‫عنقه ثكلته أمه فال دنيا وال آخرة بعد ذهاب إسالمه ودينه\" (‪.)61‬‬

‫ويبدو أن ذلك يعود إلى أن موضوع) طاعة اإلمام أو الخليفة كان يعد األمر الثاني في عرض‬
‫ارنولد لنظرية الخالفة‪ ،‬وفيها سعى النتقاء بعض األحاديث التي وردت في كتاب كنز العمال‬
‫في باب اإلمارة \"إطاعة األمير والترهيب عن البغي ومخالفته\"‪ .‬ويشير) ارنولد‪  ‬إلى األحاديث‬
‫التي ال تقيد الطاعة‪ ،‬ويذكر من األحاديث في هذا الصدد الحديث المرفوع) إلى الرسول \"من‬
‫ِ‬
‫يعص‬ ‫أطاعني فقد أطاع اهلل‪ ،‬ومن عصاني فقد عصى اهلل‪ ،‬ومن يطع األمير فقد أطاعني ومن‬
‫األمير فقد عصاني\" (‪ ،)62‬وقد ورد هذا الحديث في كتاب السنن الكبرى لإلمام النسائي (ت‬
‫‪303‬هـ ‪915 /‬م) في باب \"الترغيب في طاعة اإلمام\"‪ ،‬الذي أورده عن يوسف بن سعيد عن‬
‫حجاج عن أبي جريح عن زياد بن سعد بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال الرسول‪ ‬‬
‫\"من أطاعني فقد أطاع اهلل ومن عصاني فقد عصى اهلل ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن‬
‫عصى أميري فقد عصاني\" (‪.)63‬‬

‫‪         ‬كما أورد ارنولد حديثين مرفوعين إلى الرسول)‪  ‬يدعوان فيهما إلى الطاعة‪،‬‬
‫تسبن أحدا من أصحابي\" (‪ .)64‬وكان هذا‬
‫األول‪"\ :‬أطع كل أمير وصل خلف كل إمام وال ّ‬
‫الحديث قد ورد في السنن الكبرى لالمام البيهقي (‪458‬هـ‪1065/‬م) الذي ذكر ان هذا الحديث‬
‫أمراء فأدوا) طاعتهم فان األمير مثل المجن يتقي به‬
‫ٌ‬ ‫منقطع السند(‪ .)65‬والثاني \"سيكون بعدي‬
‫فان أصلحوا) أموركم) بخير فلكم ولهم‪ ،‬وان اساؤا فيما أمروكم) فهو عليهم وانتم) منه براء إن‬
‫األمير إذ ابتغى الريبة في الناس أفسدهم\" (‪ .)66‬ولم يورد) ارنولد ما جاء في بداية الحديث‬
‫الثاني \"أذكركم) اهلل ال تبغوا على أمتي بعدي\" (‪ .)67‬كما أستشهد أرنولد بحديث آخر مرفوع)‬
‫إلى الرسول‪  ‬ليعزز فيه ما جاء بالحديث الثاني‪ ،‬فيما روى عن الرسول‪"\  ‬أطيعوا) أمراءكم‬
‫مهما كان فان أمروكم بشيء مما جئتكم به فإنهم) يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتهم وان‬
‫أمروكم بشيء مما لم آتكم به فانه عليهم وأنتم منه براء ذلكم بإنكم إذا لقيتم اهلل قلتم ربنا ال‬
‫ظُ َلم‪ ،‬فيقول‪ :‬ال ظلم‪ :‬فيقولون‪ :‬ربنا أرسلت إلينا ُرسالً فاطعناهم بإذنك وإ ستخلفت علينا خلفاء‬
‫وأمرت علينا أمراء‪ :‬فأطعناهم لك‪ ،‬فيقول صـدقتم) هو عليهم وأنتم منه براء\"‬‫فأطعناهـم) بإذنك‪ّ :‬‬
‫(‪  .)68‬وكان هذا الحديث قد ورد بصيغة اخرى في سنن البيهقي في ما روي عن الرسول‪"\  ‬‬
‫أطيعوا امراءكم ما كان فإن امروكم بما حدثتكم) به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتكم‪،‬‬
‫وإ ن امراءكم بشيء مما لم آمركم به فهو عليهم وانتم منه برءاء ذلك بانكم اذا لقيتم اهلل قلتم‬
‫ربنا الظلم فيقول الظلم فتقولون ربنا ارسلت الينا رسال فاطعناهم) باذنك واستخلفت علينا خلفاء‬
‫وامرت علينا امراء فاطعناهم) قال فيقولوا) صدقتم) هو عليهم وانتم منه برءاء\"‬
‫فاطعناهم) باذنك ّ‬
‫(‪ )69‬ولم يعلق عليه او يذكر تخريجا له في كتب االحاديث االخرى‪.‬‬

‫ثم يؤكد ارنولد) أن الطاعة لم تكن مقتصرة على الخليفة فحسب وإ نما أي سلطة تقام مهما تكن‬
‫كانت تجب لها الطاعة (‪ ،)70‬ويدعم قوله بإيراد جزء من نص الحديث المرفوع إلى الرسول‪ ‬‬
‫عبد حبشي مجدع فاسمعوا) له وأطيعوا\" (‪ .)71‬ولم‬ ‫\"يا أيها الناس اتقوا اهلل وان أ ِ‬
‫ُمر عليكم ٌ‬
‫يورد تتمة الحديث الذي ورد في المصدر نفسه الذي قيد الطاعة بالعمل وفق الشريعة في قوله‬
‫\"ما أقام لكم كتاب اهلل\" (‪ .)72‬وكان هذا الحديث قد ورد في صحيح مسلم في الدعوة إلى‬
‫طاعة ألحاكم الذي يعمل وفقاً ألحكام الشريعة‪ ،‬وقد) أورده عن محمد بن المثنى عن محمد بن‬
‫جعفر عن شعبة عن يحيى بن حصين‪ ،‬قال سمعت النبي‪  ‬يخطب في حجة الوداع وهو‬
‫يقول \"ولو استعمل عليكم عبد يقودكم) بكتاب اهلل‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا\" (‪.)73‬‬

‫ووفقاً لألحاديث التي أوردها ارنولد) يخلص إلى القول أن \"النظرية السياسية تدل على أن اهلل‬
‫يعين السلطة الزمنية ‪ Earthly Authority‬بكاملها وواجب الرعية الطاعة أكان الحاكم عادال‬
‫أو ظالماً‪ ،‬الن المسؤولية أمام اهلل والرضى) الوحيد الذي يستطيع أن تشعر به الرعية هو أن‬
‫اهلل سيجازى األمير الظالم على أعماله السيئة مثلما يكافئ األمير الصالح\" (‪ .)74‬وهنا يناقض‬
‫ارنولد نفسه في مسألة بحثه للتمايز بين السلطتين‪.‬‬

‫كما أستشهد ارنولد) بأحاديث أخرى‪ ،‬لكنه بين أنها موضوعة ومن صنع المؤلفين السياسيين‪ ،‬إذ‬
‫يظهر فيها الطابع التحيزي لفئة دون غيرها ‪ .‬ويالحظ أن ارنولد اعتمد فيما أورده من تلك‬
‫األحاديث على كتاب (تاريخ الخلفاء) للسيوطي وبين أن العباسيين أبدعوا أحاديث لتبجيلهم‬
‫وإ هانة األمويين(‪ )75‬من بينها الحديث المرفوع) إلى الرسول‪"\  ‬رأيت بني مروان يتعاورون‬
‫منبري فساءني) ذلك‪ ،‬ورأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك\" (‪ ،)76‬وكان‬
‫السيوطي) قد أورد هذا الحديث في باب \"األحاديث المبشرة بخالفة بني العباس\"‪ ،‬وذكر) انه‬
‫أورده عن الطبراني) في مسنده‪ .‬وكان األخير قد رواه عن احمد بن محمد بن يحيى بن حمزة‬
‫عن إسحاق بن إبراهيم أبو النصر عن يزيد بن ربيعة عن أبي األشعث عن ثوبان عن الرسول‬
‫محمد‪"\  ‬رأيت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلك‪ ،‬ورأيت بني العباس يتعاورون‬
‫منبري فسرني ذلك\" (‪ .)77‬ويعمد ارنولد إلى إيراد حديث آخر جامعاً إياه مع هذا الحديث‬
‫ليظهر وكأنه حديث واحد ذكره السيوطي) في موضع آخر من الفصل وذكر انه من األحاديث‬
‫الموضوعة المرفوع) إلى الرسول‪"\  ‬يلي ولد العباس من كل يوم تليه بنو أمية يومين ومن كل‬
‫شهر شهرين\" (‪.)78‬‬

‫كما أستشهد بحديثين مرفوعين إلى الرسول‪  ‬يتنبآن أن الخالفة ستبقى في حوزة العباسيين حتى‬
‫يتنازلوا عنها للمسيح‪ .‬األول \"الخالفة في ولد عمي وصنو أبي حتى يسلموها إلى المسيح\"‪.‬‬
‫وكان السيوطي قد بين أن هذا الحديث من األحاديث الضعيفة والموضوعة(‪ ،)79‬والثاني‬
‫أورده السيوطي) في األفراد) عن الدارقطني) \"إذا سكن بنوك السواد ولبسوا) السواد‪ ،‬وكان‬
‫شيعتهم أهل خراسان لم يزل األمر فيهم حتى يدفعوه إلى عيسى ابن مريم\" (‪.)80‬‬

‫كما أستشهد أرنولد) بحديث آخر مرفوع) إلى الرسول‪  ‬ورد في كنز العمال أيضاً وهو \"الخالفة‬
‫بعدي في أمتي ثالثون سنة ثم ملك بعد ذلك\" (‪ ،)81‬وكان هذا الحديث قد ورد كما يذكر‬
‫اإلمام ابن كثير في كتب التفاسير والصحاح عن اإلمام احمد وأبي داؤد والترمذي) والنسائي)‬
‫الذي رواه عن سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول‪  ‬أن الرسول‪  ‬قال‪"\ :‬الخالفة بعدي‬
‫ثالثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً\" (‪ ،)82‬وعلى الرغم من أن ارنولد بين صحة هذا‬
‫الحديث لكنه يرى أن هذا الحديث يعود في تدوينه إلى القرن الثالث الهجري‪ ،‬حيث لجأ إليه‬
‫بعض الفقهاء المسلمين للطعن في شرعية الخلفاء العباسيين في القاهرة (‪ ،)83‬وهنا يرى أن‬
‫إلغاء السالطين العثمانيين أللقاب الخالفة كان \"ناتجاً إن الفقهاء الحنفيين الذين يخصون‬
‫مدرسة القانون التي أخذها السالطين العثمانيون في كنفهم اخذوا وجهة نظر ‪-‬هذا الحديث‪-‬‬
‫في أن الخالفة لم تدم أكثر من ثالثين سنة\" (‪ .)84‬ويبدو أن ارنولد أستشهد) بذلك الحديث‬
‫لتعزيز رأيه في أن السالطين العثمانيين لم يهتموا بتبني ألقاب الخالفة اإلسالمية –كما أسلفنا‪-‬‬
‫مشيرا إلى أن فقهاء الحنفية في الدولة العثمانية تبنوا ظاهر ذلك الحديث‪.‬‬

‫ويظهر من خالل استقراء األحاديث التي لجأ إليها ارنولد) أن األخير كان يسعى في عرضه‬
‫النظرية السياسية ألبراز أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن نظرية الخالفة تشترط) النسب القرشي في الخليفة والمعروف) أن هذه المسألة ترتبط‬
‫ارتباطا وثيقا بموضوع) ارنولد) األثير المتمثل بالدولة العثمانية‪ ،‬ليؤكد على مسألة افتقاد‬
‫السالطين العثمانيين لهذا الشرط الذي نصت عليه األحاديث التي أوردها‪ ،‬كما بين ارنولد أن‬
‫جميع الخلفاء الذين تولوا) إدارة مؤسسة الخالفة عبر عصورها التاريخية المختلفة كان يتمثل‬
‫فيهم هذا الشرط‪ .‬ولعل افتقار العثمانيين لهذا الشرط سيمنع سلطان مثل سليم االول للتفكير في‬
‫امكانية تولي منصب الخليفة مما يدعم حجج ارنولد في نفي مسالة ايصاء الخليفة العباسي‬
‫االخير المتوكل على اهلل بالخالفة لسليم االول ‪.‬‬

‫الثاني والذي بذل ارنولد) جهده إلبرازه هو \"أن نظرية الخالفة صيغت سنداً لخالفة مستبدة\"‪،‬‬
‫ليؤكد استنادا إلى األحاديث التي أوردها في الدعوة إلى طاعة السلطة الحاكمة سواء كانت‬
‫عادلة أو جائرة \"كيف انبثقت النظرية عن الوقائع التاريخية الراهنة لدعم ما أضحى حــكما‬

‫مطلقا ‪ Absolntism‬بينما تحتفظ بظاهر من نظام االنتخاب السياسي القديم بقطع النظر عن‬
‫طابعها االستبدادي )‪Autocratic Character\"). (85‬‬

‫الخاتمة‬

‫‪    ‬ومن هنا فاننا نخرج في نهاية استقاء ارنولد للمصدرين االساسيين من مصادر التشريع‬
‫االسالمي(القران الكريم والحديث الشريف ) ان االخير في تناوله العالقة بين مصطلحي خليفة‬
‫وامام والقاب الخالفة في القران الكريم لم يبذل جهدا كافيا في التعامل مع النص القرآني لتقديم‬
‫تصور محكم لدولة الخالفة ومفاهيمها‪ ،‬واكتفى بمتابعة كلمتي خليفة وامام فلم يكد يصل الى‬
‫تصور واضح عن نظرية الخالفة وان كان من االجدر التعامل مع شبكة المعطيات التشريعية‬
‫في النص القرآني‪ ،‬وهو ما نجده في معظم الدراسات الحديثة التي كتبها المسلمون انفسهم‪,‬في‬
‫حين ان ارنولد في معالجته للحديث حام حول مسالة رئيسية في دراسته لموضوع) النظرية‬
‫السياسية االسالمية وهي ضرورة انتساب الخليفة الى قبيلة قريش وهي مسالة ترتبط اشد‬
‫االرتباط بالغاية االساسية من دراسته للموضوع) نفسه ‪ ,‬من حيث الطعن بصحة نسب الخلفاء‬
‫العثمانيين الذين تولوا) ادارة الدولة االسالمية لقرون عدة من جهة ‪ .‬ومن جهة اخرى سعى‬
‫ارنولد جهده لوضع موضوع الطاعة للسلطة الحاكمة في سياق قائم على ان االنقياد للنظام‬
‫السياسي في االسالم يدعو الى الطاعة بغض النظر عن ان كانت السلطة عادلة ام جائرة وفق)‬
‫مجموعة من االحاديث التي اوردها في كتاب (كنز العمال) ضاربا بعرض الحائط االحاديث‬
‫التي كانت تقيد الطاعة ‪.‬اما المصدر الثالث من مصادر) التشريع االسالمي (االجماع)‪,‬فنالحظ)‬
‫ان ارنولد لم يول هذا المصدر أي اهتمام ‪,‬بالرغم ان هذا المصدر) كان يعد اساس دراسة‬
‫موضوع) النظرية السياسية االسالمية لكونه كان مرتكزا اساسيا للفقهاء السنة لعرض موضوع‬
‫الخالفة ‪ .‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫(‪H.A.R. Gibb, \"Sir Thomas Arnold\" , DNB, 1921-1930,p.25  )1‬‬


‫(‪ )2‬للمزيد انظر‪:‬‬
‫‪Colonial India\", IC, 1987, Vol. Dasheer A.Dabble \"Muslim Political‬‬
‫‪.Thought in LXI, pp.25-29‬‬
‫(‪URL//WWW.Islam-  )3‬‬
‫‪online.net/Arabic/History1422/03/article20.shtml‬‬
‫(‪Theodore Morison and H.A.R.Gibb, \"Sir Thomas Arnold\", JRAS, )4‬‬
‫‪"\.1930, Vol. XVII, p.398‬‬
‫(‪Gibb, \"Sir  …\", p.26; Morison, \"Sir  …\",p.398  )5‬‬
‫(‪.The Study…\", pp. 113-114"\ .)6‬‬
‫(‪T. Arnold, The Caliphate, (London, Rutledge and Kegan Paul Ltd.: )7‬‬
‫‪.1965) The Preface‬‬
‫(‪ .)8‬حول العالقة بين الدعاوى المطالبة بتجديد منصب الخالفة واثرها على المصالح‬
‫البريطانية في الشرق‪ .‬انظر‪ :‬على عبد الرزاق‪ ،‬االسالم واصول) الحكم‪ ،‬دراسة موثقة بقلم‬
‫محمد عماره‪( ،‬مصر‪.17-8        ،)200 ،‬‬
‫(‪ .)9‬حول الدور الذي ادته بريطانيا اللغاء الخالفة في انقره‪ .‬انظر‪ :‬ابراهيم الداقوقي‪ ).‬صورة‬
‫االتراك لدى العرب‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.70-69 ، )2001 ،‬‬
‫(‪D. B. Macdonald, \"Review of Thomas Arnold, The Caliphate\", .)10‬‬
‫‪AHR, 1925, Vol.30, p.582‬‬
‫(‪Hogarth, \"Review…\", p.49; Macdonald, \"Review…\", p.582 )11‬‬
‫(‪ )12‬الخالفة‪ The Caliphate, p.42 29 ،‬‬
‫(‪ )13‬سورة النور‪ ،‬ايه‪.55‬‬
‫(‪ )14‬سورة االنعام‪ ،‬ايه‪.165‬‬
‫(‪ )15‬سورة االعراف‪ ،‬ايه ‪.69‬‬
‫(‪ )16‬سورة االعراف‪ ،‬ايه‪.74‬‬
‫(‪ )17‬الخالفة‪  The Caliphate, p.44 30 ،‬‬
‫(‪ )18‬سورة البقرة‪ ،‬اية ‪.30‬‬
‫(‪ )19‬سورة ص‪ ،‬اية ‪.26‬‬
‫(‪ )20‬الخالفة‪The Caliphate, p.25 31 ،‬‬
‫(‪ )21‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف) الخياط‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬د‪/‬ت)‪.1/883 ،‬‬
‫(‪ )22‬القلقشندي‪ ،‬مآثر االنافة في معالم الخالفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الستار احمد فراج‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫(بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪.9-8 ،)1980 ،‬‬
‫(‪ )23‬الجامع‪.183-2/182 ،‬‬
‫(‪ )24‬سورة ص‪ ،‬ايه‪.26‬‬
‫(‪ )25‬تفسير الكشاف‪.924 ،‬‬
‫(‪ )26‬الجامع‪.15/124 ،‬‬
‫(‪ )27‬تفسير ابن كثير‪.4/33 ،‬‬
‫(‪ )28‬انظر‪ :‬الفكر السياسي) االسالمي‪ ،‬ترجمة‪ :‬صبحي الحديدي‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار الحداثة‪،‬‬
‫‪.51 ،)1981‬‬
‫(‪ )29‬الخالفة‪The Caliphate, p.34   24 ،‬‬
‫(‪ )30‬سورة البقرة‪ ،‬ايه‪.124‬‬
‫(‪ )31‬سورة االنبياء‪ ،‬ايه‪.73‬‬
‫(‪ )32‬سورة الفرقان‪ ،‬ايه‪.74‬‬
‫(‪ )33‬سورة االسراء‪ ،‬ايه ‪.71‬‬
‫(‪ )34‬سورة هود‪ ،‬ايه‪.17‬‬
‫(‪ )35‬سورة التوبة‪ ،‬ايه ‪.12‬‬
‫(‪ )36‬سورة الحجر‪ ،‬ايه ‪. 79‬‬
‫(‪ )37‬لسان العرب‪103-1/101 ،‬‬
‫(‪ )38‬الخالفة‪  30  ،‬؛ ‪The Caliphate, p.44‬‬
‫(‪ )39‬الخالفة‪   22 ،‬؛ ‪The Caliphate, p.31‬‬
‫(‪ )40‬الخالفة‪    28 ،‬؛ ‪The Caliphate, p.40‬‬
‫(‪ )41‬انظر‪ :‬للمزيد انظر‪:‬احمد محمود صبحي‪ ,‬نظريه االمامه لدى الشيعه االثنى عشريه‪،‬‬
‫(مصر‪ ،‬دار المعارف‪.26 ،)1986 ،‬‬
‫(‪ )42‬تاريخ المذاهب‪.1/20 ،‬‬
‫(‪  )43‬النظريات السياسية‪119-118 ،‬‬
‫(‪ )44‬الخالفة‪ 23 ،‬؛ ‪The Caliphate, p. 32‬‬
‫(‪ )45‬الخالفة‪The Caliphate, p.45-46 .   31 ،‬‬
‫(‪ )46‬انظر‪ :‬الخالفة‪.The Caliphate, p.13  10 ،‬‬
‫(‪ )47‬الخالفة‪.The Caliphate, p.45  .31 ،‬‬
‫(‪ )48‬علي بن حسام الدين بن عبد الملك بن قاضي) خان المتقي الشاذلي ولد في مدينة‬
‫برهاينور) في الهند عام(‪885‬هـ‪1480 /‬م)‪ ،‬رحل الى مكة واخذ الحديث عن ابن الحسن‬
‫الشافعي البكري‪ ،‬فذاع صيته ووفد) عليه الناس‪ ،‬مكث في مكه حيث توفى فيها‪ ،‬وترك العديد‬
‫من المؤلفات‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬كنز العمال في سنن االقوال واالفعال‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود) عمر‬
‫الدمياطي‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلميه‪ ،)1998 ،‬مقدمه المحقق ‪.9-3‬‬
‫(‪ )49‬الخالفة‪ 32 ،‬؛ ‪ .The Caliphate, p.47‬‬
‫(‪ )50‬الخالفة‪ 32 ،‬؛‪The Caliphate, p.47    ‬‬
‫(‪ )51‬كنز العمال‪.6/20 ،‬‬
‫(‪ )52‬معجم الطبراني الصغير‪( ،‬الهند‪ ،‬مطبعة االنصاري‪ ،‬د‪/‬ت)‪.43 ،‬‬
‫(‪ )53‬انظر‪ :‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪( ،‬بغداد‪.9 ،)1983 ،‬‬
‫(‪ )54‬كنز العمال‪.6/20 ،‬‬
‫(‪ )55‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪( ،‬د‪/‬م‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬د‪/‬ت)‪،‬‬
‫‪.3/1452‬‬
‫(‪ )56‬تاريخ المذاهب االسالميه‪.1/89 ،‬‬
‫(‪ )57‬كنز العمال‪.12/13 ،‬‬
‫(‪ )58‬أنظر‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار احياء التراث العربي‪.8/10 ،)2000 ،‬‬
‫(‪ )59‬كنز العمال‪.6/20 ،‬‬
‫(‪ )60‬كنز العمال‪.6/20 ،‬‬
‫(‪ )61‬معجم الطبراني الصغير‪.85 ،‬‬
‫(‪ )62‬كنز العمال‪.6/21 ،‬‬
‫(‪ )63‬أنظر‪ :‬كتاب السنن الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي) حسن‪،‬‬
‫ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلميه‪.4/431 ،)1991 ،‬‬
‫(‪ )64‬كنز العمال‪.6/22 ،‬‬
‫(‪ )4‬أبي بكر احمد بن الحسين بن علي البيهقي‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار صابر‪،‬‬
‫د‪.‬ت)‪.8/158 ،‬‬
‫(‪ )65‬كنز العمال‪.6/22 ،‬‬
‫(‪ )66‬كنز العمال‪.6/22 ،‬‬
‫(‪ )67‬كنز العمال‪.3/22 ،‬‬
‫(‪ )68‬السنن الكبرى‪.8/159 ،‬‬
‫(‪ )69‬الخالفة ‪ 33 ،‬؛‪The Caliphate, p.48   ‬‬
‫(‪ )70‬الخالفة‪   33 ،‬؛‪The Caliphate, p.48   ‬‬
‫(‪ )71‬كنز العمال‪.6/21 ،‬‬
‫(‪ )72‬صحيح مسلم‪3/1468 ،‬‬
‫(‪ )73‬الخالفة‪  33 ،‬؛‪.The Caliphate, p.49  ‬‬
‫(‪ )74‬الخالفة‪35 ،‬؛‪The Caliphate, p.52   ‬‬
‫(‪ )75‬تاريخ الخلفاء‪.14 ،‬‬
‫(‪ )76‬معجم الطبراني الكبير‪.236 ،‬‬
‫(‪ )77‬تاريخ الخلفاء‪ .17 ،‬وقد) أورد االمام الذهبي هذا الحديث وذكر انه من االحاديث‬
‫الضعيفة‪ .‬انظر‪ :‬ابي عبد اهلل محمد بن احمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬ميزان االعتدال في نقد‬
‫الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة ‪.2/624 ،)1963‬‬
‫(‪ )78‬تاريخ الخلفاء‪.16 ،‬‬
‫(‪ )79‬تاريخ الخلفاء‪16 ،‬‬
‫(‪ )80‬كنز العمال‪.6/35 ،‬‬
‫(‪ )81‬تفسير ابن كثير‪.3/302 ،‬‬
‫‪ ‬قال سفينة مولى رسول اهلل ‪"\ r‬امسك عليك خالفه ابي بكر سنتين وخالفه عمر عشرا‪.‬‬
‫وخالفه عثمان اثنى عشر وخالفه علي ست سنوات‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪،‬‬
‫‪ .12/19‬القلقشندي‪ ،‬ماثر االنافة‪."\13-12       ،‬‬
‫(‪ )82‬الخالفة‪.The Caliphate, p.107  .76 ،‬‬
‫(‪ )83‬الخالفة‪120 ،‬؛‪.The Caliphate, p.163.‬‬
‫(‪ )84‬الخالفة‪ .36 ،‬؛‪The Caliphate, p.53  ‬‬

You might also like