Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫‪1‬‬

‫قناة لوغوس بالواليات املتَّحدة األمريكيَّة‬


‫إيبارشيَّة لوس أجنلوس‬
‫نوفمرب ‪1015‬م‬
‫الرَّاهب القس أثناسيوس املقاري‬

‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬


‫احملتويات‬
‫‪1‬‬ ‫مقدِّمة عن‪ :‬الرِّباط القوي بني أسرار الكنيسة وأسرار الالَّهوت‬
‫‪............................................. ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪.................. ................................ ................................ ................................ ................................‬‬ ‫تأثري الالَّهوت الغريب على الهوت األسرار الكنسيَّة يف الشَّرق املسيحي‬
‫‪1‬‬ ‫(‪ )1‬مفهوم السِّر الكنسي‬
‫‪.......................... ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪............................................. ................................ ................................ ................................‬‬ ‫(‪ )1‬تكميل السِّر الكنسي وعالقته بشخص الكاهن الذي خيدم السِّر‬
‫‪6‬‬ ‫(‪ )3‬عدد األسرار الكنسيَّة‬
‫‪........................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪7‬‬ ‫بني الصَّلوات السَّرائريَّة والصَّلوات التَّقديسيَّة!‬


‫‪........................................... ................................ ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫‪8‬‬ ‫(‪ )4‬هل تأسَّست األسرار بواسطة السيِّد املسيح نفسه؟‬


‫‪......................... ................................ ................................ ................................ ................................ ................................‬‬

‫مقدِّمة عن‪ :‬الرِّباط القوي بني أسرار الكنيسة وأسرار الالَّهوت‬


‫(‪)1‬‬
‫• إنَّنا ال نستطيع أن نفصل أسرار الكنيسة عن أسرار الالَّهوت‪ ،‬أي اجلسد عن الرأس‪ ،‬ألنَّ املسيح هو رأس الكنيسة‬
‫والكنيسة هي جسد املسيح(‪ ،)1‬ورسول الكنيسة هو جمد املسيح(‪ .)3‬فسرُّ املعموديَّة يعلن سرَّ موت املسيح وقيامته‪ ،‬بل وحيقِّقه‪.‬‬
‫فهل يستطيع من ال جيوز املوت والقيامة مع املسيح يف املعموديَّة أن يقول‪” :‬املسيح قام؟“‪ .‬وسرُّ التَّجسُّد بكلِّ تدبري اخلالص‬
‫فيه‪ ،‬كامنٌ يف سرِّ اإلفخارستيَّا وحمقَّق فيه‪ .‬فسرُّ التَّجسُّد هو عينه سرُّ التَّقوى(‪ ،)4‬وسرُّ اإلفخارستيَّا هو عينه سرُّ التَّقوى كقول‬
‫القُدَّاس اإلهلي‪” :‬ووضع لنا هذا السِّرَّ العظيم الذي للتَّقوى“‪ .‬فبدون اإلفخارستيَّا تصبح قضيَّة جتسُّد ابن اهلل‪ ،‬قضيَّة الهوتيَّةة‬
‫حبتة‪ ،‬بعيدة عن كوهنا سبب حياة تقويَّة للذين يؤمنون باملسيح‪ .‬وأيضاً سرُّ املريون املقدَّس يف الكنيسة‪ ،‬هو سرُّ الرُّوح القُدُس فيها‪.‬‬

‫أي أنَّ الكنيسة هي اليت تُعلن سرَّ الثَّالوث‪ ،‬وسرَّ املسيح‪ .‬وخارجاً عنها‪ ،‬هي دراسات الهوتيَّة أكادمييَّة‪ ،‬هتب شةهادات‬
‫تكلمَتْ عن األسرار‪ ،‬جتعل منها واجبات دينيَّة‪ ،‬تُتمَّم كعُرف كنسي‪ ،‬حة وإن‬ ‫الدُّكتوراه‪ ،‬ولكنَّها ال هتب احلياة‪ ،‬ألنَّها إن َّ‬
‫زيََّنتها بربيق ألفاظ حمبوكة املعىن‪.‬‬

‫فيشرح القدِّيس بولس الرَّسول كيف أنَّ الكنيسة هي واسطة التَّعرُّف على سرِّ الثَّالوث‪ ،‬فيقول‪ ...« :‬يل أنا أصغر مجيع‬
‫القدِّيسني أُعطيَت هذه النِّعمة‪ ،‬أن أبشِّر بني األُمم بغىن املسيح الذي ال يُستقصى‪ ،‬وأُنريَ اجلميع يف ما هو شركة السِّرِّ املكتوم‬
‫منذ الدُّهور يف اهلل خالق اجلميع بيسوعَ املسيح‪ ،‬لكي يُعرَّف اآلن عند الرُّ َؤساء والسَّالطني يف السَّماويَّات بواسطة الكنيسةة‬
‫حبكمة اهلل املتنوِّعة حسب قصد الدُّهور الذي صََنعهُ يف املسيح يسوع ربِّنا ‪( »...‬أفسس ‪.)11-8:3‬‬

‫‪ -1‬أفسس ‪13:5‬‬
‫‪ -1‬كولوسي ‪14:1‬‬
‫‪1 -3‬كورنثوس ‪13:8‬‬
‫‪1 -4‬تيموثاوس ‪16:3‬‬
‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬ ‫‪1‬‬

‫• إذاً‪ ،‬إنْ كان سرُّ الكنيسة هو سرُّ املسيح نفسه ‪ -‬ألنَّ الكنيسة هي جسد املسيح كقول الرَّسول ‪ -‬وإن كنَّا ال نسةتطيع أن‬
‫نستقصي ”سرَّ املسيح“ ونستنفذ كلَّ أعماقه‪ ،‬فهكذا أيضاً سرّ الكنيسة‪ .‬ومع ذلك فعندما يستأمن اهلل قدِّيسيه وأنبيةاءه ليعةرِّفهم‬
‫ويُعلن هلم أسراره‪ ،‬يظلّ هذا اإلعالن إعالناً قلبيًّا داخليًّا حيسُّه القلب‪ ،‬وبالكاد يستوعبه العقل استيعاباً جزئيًّا غري كُِّلي‪.‬‬

‫• لقد ظلَّت أسرار الكنيسة وأسرار الالَّهوت يف حياة الكنيسة األوىل ملتحمة بليتورجيَّتها‪ ،‬وخمتَربة يف الكنيسةة حبيةاة‬
‫عابدة ملؤها اإلميان والتَّقوى‪ ،‬يتذوَّقها اإلنسان شاهداً ما أطيبها‪ ،‬فيؤمن هبا بدون حتديد مدرسةي ملفهومهةا‪ ،‬أو تعريةف‬
‫وتصنيف هلا‪ ،‬وم يبطل فعلها؟ وم يسري مفعوهلا؟ وعددها وشروط منحها ‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫فهل ميكنك أن تصف يف كلمات طعم التُّفَّاح مثالً؟ أو تعبِّر عن رائحة األزهار اجلميلة بتعبريات كالميَّة؟ فهكذا أسرار‬
‫الكنيسة إذا مل خيتربها القلب‪ ،‬تظل معرفتها العقليَّة جدباء ال جتدي نفعاً‪.‬‬

‫• إذاً‪ ،‬اإلميان بأسرار الالَّهوت‪ ،‬هو نفسه إميانٌ بالكنيسة ومن داخل احلياة فيها‪ .‬هو إميانٌ تغذِّيه األسرار الكنسيَّة‪،‬‬
‫اليت هي نبعُ القوَّة فيها‪ ،‬ومضمون أسرار الالَّهوت وحتقيقه‪.‬‬

‫وبذلك نستعيد تراث الكنيسة الشَّرقيَّة األصيل‪ ،‬وهو التُّراث الذي ال يعاجل أو يشرح األسرار بطريقة منهجيَّة مدرسةيَّة‬
‫قانونيَّة ‪ -‬كما يفعل الالَّهوت الغريب املدرسي ‪ -‬سوى يف جانب بسيط منه‪ ،‬بل يفسح اجملال بكليَّته‪ ،‬لشرح األسةرار مةن‬
‫السرّ غايته‪ ،‬كحياة‬
‫داخل اللِّيتورجيَّا‪ ،‬وحياة الكنيسة وصلواهتا‪ ،‬وعبادهتا‪ ،‬رابطاً بني السِّرِّ الكنسي واحلياة التَّقوية ملتقبِّليه‪ ،‬فيأيت ِّ‬
‫معاشه وخمتَربة‪.‬‬

‫تأثري الالَّهوت الغريب على الهوت األسرار الكنسيَّة يف الشَّرق املسيحي‬


‫أقتصرُ يف احلديث عن هذه اجلزئيَّة‪ ،‬يف أربع نقاط هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬مفهوم السِّر الكنسي‪.‬‬
‫(‪ )1‬تكميل السِّر الكنسي وعالقته بشخص الكاهن الذي خيدم السِّر‪.‬‬
‫(‪ )3‬عدد األسرار الكنسيَّة‪.‬‬
‫بني الصَّلوات السَّرائريَّة والصَّلوات التَّقديسيَّة!‬
‫(‪ )4‬هل تأسَّست األسرار بواسطة السيِّد املسيح نفسه؟‬

‫(‪ )1‬مفهوم السِّر الكنسي‬


‫• الكلمة الالَّتينيَّة املرادفة لكلمة ”سر“ يف اللُّغة العربيَّة‪ ،‬هي ‪ Sacramentum‬ومنها جاءت يف اإلجنليزيَّةة ‪ Sacrament‬أو‬
‫‪ mystery‬وهي يف اليونانيَّة ‪( μυστῆριον‬ميسترييون)‪ .‬والكلمة الالَّتينيَّة يف أصلها اللُّغةوي كانةت تعة ”القَسَةم“‪ ،‬أو‬
‫سم الوالء“‪ .‬وانتشرت آثار هذا املعىن‪ ،‬وعاشت يف أدب الكنيسة املبكِّر‪ ،‬كما‬ ‫سم العسكري‪ ،‬وهو ”َق َ‬‫”احللف“ خصوصاً القَ َ‬
‫(‪)5‬‬
‫عند العالَّمة ترتليان (‪115-160‬م) مثالً ‪.‬‬

‫ولقد استُخدمت الكلمة يف الالَّهوت املسيحي يف جمال متَّسع رحب‪ .‬فالقدِّيس أغسطينوس (‪430-354‬م) يُعرِّف الس َّ‬
‫ِّةر‬
‫بأنه ”شكلٌ منظورٌ لنعمة غري منظورة“ أو ”عالمةٌ لشيء مقدَّس“‪ ،‬مطبِّقاً ذلك ح على صيغ الصَّلوات الكنسةيَّة‪ ،‬مثةل‬
‫قانون اإلميان‪ ،‬والصَّالة الرَّبيَّة‪ .‬واستمر هذا التَّطبيق املتَّسع ح العُصور الوُسطى‪ .‬وينبغي أن نالحظ هنا‪ ،‬أنه برغم التعريةف‬
‫الضعيف ملعىن السِّر الكنسي عند القدِّيس أغسطينوس‪ ،‬إالَّ أنه يطبق مفهوم السِّر على صيغ الصَّلوات الكنسيَّة أيضاً‪ .‬وهةذه‬
‫نقطة جوهرية‪ ،‬سنعود إليها الحقاً لشرحها‪.‬‬

‫‪5- Ad. Martyres, 3.‬‬


‫‪3‬‬ ‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬

‫• ولقد ظهر يف الالَّهوت الغريب الكاثوليكي‪ ،‬ومنذ سنة ‪1135‬م‪ ،‬متييزٌ بني املادة والشَّكل ‪ The matter and the form‬يف‬
‫األسرار الكنسيَّة‪ .‬فاملادة هي العنصر الذي جيري عليه السِّر‪ ،‬كاملاء للمعموديَّة واخلُبز لإلفخارستيَّا ‪ ...‬اخل‪ ،‬أمَّةا الشَّةكل فهةو‬
‫كلمات التَّقديس اليت بواسطتها يتم تقديس السِّر‪ .‬ولقد دخل العُلماء يف مباحثات ومناقشات عقالنيَّة طويلة‪ .‬وصارت صحَّة‬
‫املادة وصحَّة الشَّكل‪ ،‬هي اليت حتدِّد قانونيَّة السِّر وصالحيَّته‪.‬‬

‫ويف الالَّهوت الغريب أيضاً‪ ،‬ال تعتمد قانونيَّة السِّرِّ على استحقاق أو عدم استحقاق املتمِّم للسِّر‪ .‬وأنَّ غياب اإلميان والتَّوبة رمبا‬
‫يضع عائقاً يف طريق النِّعمة اليت تفيض طبيعيًّا من األسرار‪ ،‬ويف مثل هذه احلاالت فإنَّ الفعل السَّرائري برغم قانونيَّته وصالحيَّته‪ ،‬إالَّ‬
‫أنَّه يصبح عدمي التَّأثري ‪ ...‬اخل(‪.)6‬‬

‫ولقد ضمَّنت الكنيسة الكاثوليكيَّة كلَّ إمياهنا وعقيدهتا فيما خيتص باألسرار الكنسيَّة‪ ،‬ورُتب اإلكلريوس فيها‪ ،‬وكافةة‬
‫الصَّلوات‪ ،‬وأوجه العبادة فيها‪ ،‬وشرح قانون اإلميان‪ ،‬والصَّالة الربيَّة‪ ،‬والتَّعليم عن أسرار الثَّالوث‪ ،‬والتَّجسد‪ ،‬والفداء‪ ،‬واجمليء‬
‫الثَّاين‪ ،‬واحلياة األبديَّة‪ ،‬والرُّوح القُدُس وعمله يف الكنيسة واملؤمنني‪ ،‬والوصايا العشر ‪ ...‬اخل‪ ،‬ضمَّنت كةلَّ ذلةك يف كتةاب‬
‫”التَّعليم املسيحي“ وهو املعروف باسم ‪” Catechism‬كاتيشزم“(‪ .)7‬ولقد نقلت الكنائس الشَّرقيَّة والغربيَّة على السَّواء مةن‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬بعد أن ترمجته وشرحته دومنا متعُّن‪ ،‬فكانت النَّتيجة الهوت غريب اقتحم الكنيسة الشَّرقيَّة‪ ،‬واخةتلط بالهوهتةا‬
‫األصيل وليتنه‪.‬‬
‫ويُعرِّف ”الكاتيشزم“ الغريب السِّرَّ الكنسي بأنَّه ”عالمةٌ خارجيَّةٌ منظورةٌ‪ ،‬هتبنا نعمة داخليَّة روحيَّة ‪ .“...‬وهو تكرارٌ لتعريف‬
‫القدِّيس أغسطينوس للسِّر‪ ،‬أنَّه ”شكلٌ منظورٌ لنعمة غري منظورة“‪ .‬فبات مفهوم السِّر الكنسي هبذا اإلجياز املخل‪ ،‬ضعيفاً‪.‬‬
‫الالَّهوت الغريب هو الهوت مدرسي املنهج‪ ،‬يُخضع كلَّ شيء للتَّقسيم والتَّبويب والفحص والتَّحليل واالستنتاج‪ .‬فلمَّةا‬
‫طال هذا الالهوت أسرار الكنيسة وصلواهتا اللِّيتورجيَّة‪ ،‬تورَّط يف شرح السَّمائيَّات مبنهج األرضيَّات‪ ،‬وأخضع السِّر ملنطةق‬
‫العقل‪ ،‬فغاص يف متاهات ال قرار هلا‪ ،‬ألنه حاد حيناً عن التَّعليم اآلبائي‪ ،‬الذي ال يفصل بني الالَّهوت والعبةادة واخلةالص‪،‬‬
‫والذي يعطي اإلميان دوره الالئق به يف حياة الكنيسة‪ .‬ال نُنكر أنه ميكن للذِّهن املستنري بالِّنعمة‪ ،‬أن يفحص أسرار الكنيسةة‬
‫وعقيدهتا‪ ،‬ولكن إىل حدود يتعذَّر عليه ختطِّيها‪ ،‬ومن مثَّ وعند هذا احلد‪ ،‬البد أن يفسح جماالً لإلميان‪ ،‬ليوقن بقلبه الدَّاخلي مبا‬
‫ال ميكن لذهنه أن يستوعبه‪ .‬وإالَّ فكيف تظل أسرار الكنيسة وعقائدها أسراراً‪ ،‬م متَّ إخضاعها للعقل واملنطق والتَّحليل؟‬

‫• إنَّ كتابات اآلباء يف الكنيسة األوىل‪ ،‬تشرح وتفسِّر األسرار من داخل االحتفال اللِّيتورجي الفِّعلي هبا‪ ،‬كون اللِّيتورجيَّا‬
‫هي حياة الكنيسة وإمياهنا‪ .‬فالسِّ ُّر الكنسي ملتحم باللِّيتورجيَّا‪ ،‬وال يكمل بدوهنا‪ .‬فالشَّركة يف احلياة اللِّيتورجيَّة يف الكنيسة هي‬
‫‪6- F.L. Cross & E.A. Livingstone, The Oxford Dictionary of The Christian Church (ODCC), 2nd edition, 1988, p. 1218.‬‬
‫‪ -7‬بُدء يف تدوينه يف منتصف القرن السَّادس عشر يف شكل أسئلة وأجوبة تُلقَّن لكلِّ إنسان ينتمي إىل الكنيسة الكاثوليكيَّة قبل منحةه سة ّر‬
‫املريون بواسطة األُسقُف (‪ )ODCC, p. 249.‬واستمرَّت اإلضافات والتَّعديالت عليه عرب السِّنني ح سنة ‪1885‬م عندما ظهرت طبعة جديدة له‪.‬‬
‫ويف سنة ‪1886‬م تشكَّلت جلنة من اإلكلريوس والالَّهوتيِّني لوضع كتاب ”التَّعليم املسيحي ‪ -‬الكاتيشزم“ يف ثوب جديد‪ ،‬حيث ظهر يف سةنة‬
‫‪1883‬م ‪ ،‬حيوي جتديداً أو تأصيالً لبعض النَّظريَّات الالَّهوتيَّة يف الكنيسة الكاثوليكيَّة مبا يتَّ فق مع آباء الكنيسة األوائل‪ ،‬ممَّ ا أظهر بةادرة‬
‫تقارُب بني الكنيسة الكاثوليكيَّة والكنيسة األرثوذكسيَّة يف كثري من املبادئ اليت كان خمتلَفاً عليها فيما سبق‪ ،‬وذلةك بعةد أن اسةتبعد‬
‫الكاتيشزم اجلديد مبادئ القدِّيس أغسطينوس اليت مل تعُد تُناسب العصر‪ ،‬على حد قول الكنيسة الكاثوليكيَّة‪ ،‬وكذلك الفكر الالَّهويت الذي روَّج‬
‫له يف الغرب الالَّهويت اإلجنليزي أنْسِل ْم (رئيس أساقفة كانتربري يف القرن احلادي عشر)‪ ،‬حيث أخذت الكنيسة الكاثوليكيَّة بآرائةه‪ ،‬وتسةرَّبت‬
‫بعض تلك اآلراء إىل كتابات بعض املؤلِّفني يف الكنيسة الشَّرقيَّة عن أسباب الفداء واخلالص‪ ،‬واليت حيصرها يف أسباب قانونيَّة مثل إرضاء الغضب‬
‫والعدل اإلهليَّني‪ ،‬وتلوُّث اإلنسان خبطيئة آدم األصليَّة ‪ ...‬اخل‪ .‬حيث اعترف الكاتيشزم اجلديد باألُ ُسس اإلميانيَّة الرَّئيسةيَّة الةيت يعتةرف هبةا‬
‫األرثوذكس الشَّرقيُّون‪ ،‬وأعطى األمهيَّة األوىل آلباء الكنيسة الذين كتبوا باليونانيَّة مثلما فعل مع الذين كتبوا بالالَّتينيَّة‪ ،‬وكذلك التَّقليد املستيكي‬
‫األصيل الذي يشترك فيه الشَّرق والغرب‪ ،‬حماوالً أن يتجنَّب منهج بالجيوس‪ ،‬ذلك الرَّاهب الربيطاين املولد‪ ،‬الذي ترهَّب يف أواخر القرن الرَّابةع‬
‫امليالدي‪ ،‬وعاش يف روما‪ ،‬وكان يؤكِّد على اجلهاد البشري دون مساندة النِّعمة يف سبيل خالص اإلنسان‪ ،‬ولقد انشغل القةدِّيس أغسةطينوس‬
‫بالصِّراع معه‪ .‬بينما يؤكِّد الفكر األرثوذكسي بشدَّة على دور النِّعمة واشتراكها مع إرادة اإلنسان يف تكميل خالصه‪ ،‬حيث تُصةبح الفضةيلة‬
‫عمالً إهليًّا بشريًّا مشترَكاً‪.‬‬
‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬ ‫‪4‬‬

‫الضَّمان الوحيد لتفسري السِّرِّ تفسرياً اختباريًّا حياتيًّا معاشاً‪ ،‬وهو ما مل يفعله الالَّهوت الغريب الذي عزل السِّرَّ عن اللِّيتورجيَّا‪،‬‬
‫السرّ وغايته‪ .‬فسرُّ اإلجنيل نفسه ال يُستعلَن إالَّ من‬‫وجعله أداة نعمة قائمة بذاهتا‪ ،‬فأفقد اللِّيتورجيَّا وظيفتها‪ ،‬واليت هي استعالن ِّ‬
‫داخل الكنيسة ونظام عبادهتا وصلواهتا‪ ،‬ألنَّ معرفة اإلجنيل نفسه إذا مل تؤدِّي إىل حياة كنسيَّة تقويَّة‪ ،‬تظلّ معرفة إجنيليَّة عقليَّة‪،‬‬
‫ح وإن لبست هذه املعرفة ثوباً من تأمُّالت روحيَّة‪ ،‬أو تفسريات الهوتيَّة‪ .‬فإن كنتَ حتبّ اإلجنيل‪ ،‬فليظهر هذا من خةالل‬
‫حياة شركة فعليَّة حتياها يف الكنيسة املقدَّسة بأسرارها وليتورجيَّتها‪.‬‬

‫وإنَّ كلَّ شرح وتفسري أليِّ سرٍّ كنسي‪ ،‬ال يُفضي يف النِّهاية إىل اإلفخارستيَّا ويصب فيها‪ ،‬هو شرح عقالين غريبٌ عن‬
‫الالَّهوت الشَّرقي‪ ،‬ح لو اكتسى ثوب البالغة وإتقان األسلوب‪ .‬فأيُّ سرٍّ كنسي يف حدِّ ذاته ال ميكن أن يكون نعمة إهليَّة‪،‬‬
‫إالَّ إذا اكتمل بالشَّركة يف جسد الرَّب ودمه األقدسَني‪ ،‬وهنا يكمُن قصور املفهوم األوغسطي للسِّر‪.‬‬

‫السِّرُّ الكنسي هو واسطة العالقة بني اهلل واإلنسان‪ ،‬ويف ذات الوقت جمال حتقيقها الوحيد‪ .‬فبالسِّ ِّر الكنسي ننال حياة اهلل‬
‫فينا‪ ،‬وبالسِّ ِّر الكنسي يسكب اهلل فينا كلَّ هباته وعطاياه ومواهبه وأسراره‪ .‬فهو باب دخولنا إليه‪ ،‬أو باحلري دخوله إلينةا‪.‬‬
‫وهو الطَّريق الوحيد لسكناه فينا‪ .‬هذا ما تفعله الكنيسة وحتقِّقه األسرار فينا‪.‬‬

‫وهكذا تلتحم احلياة اللِّيتورجيَّة يف الكنيسة مع مضمون أسرارها‪ ،‬فتمتزج التَّقوى بالالَّهوت‪ .‬فاللِّيتورجيَّا تُكمِّل السِّةرَّ‬
‫الكنسي‪ ،‬والسِّ ُّر الكنسي يُحقِّق اللِّيتورجيَّا‪ ،‬فتصبح العبادة هي مصدر العقيدة‪.‬‬
‫السرّ الكنسي يف الالَّهوت ما بعد اآلبائي‪ ،‬يتمثَّل يف عزلته داخل كيان سرائري قائم بذاته‪ ،‬وعندما أُعليةت‬ ‫• إنَّ حتوُّل ِّ‬
‫األسرار الكنسيَّة ومُجِّدت من حيث هي حقائق سامية‪ ،‬بدأ الالَّهوت يتغرَّب تدرجيياً عن األسرار الكنسيَّة‪ .‬إنَّ اخلطأ املميت‬
‫يف العقالنيَّة ما بعد اآلبائيَّة‪ ،‬كان عزهلا للسِّرِّ الكنسي عن اللِّيتورجيَّا‪ ،‬من حيث كون اللِّيتورجيَّا تعبريٌ كُِّل ٌّي عن حياة الكنيسة‬
‫وإمياهنا‪ .‬هذا العزل يف الواقع قد عزل السِّرَّ الكنسي عن الرَّمز‪ ،‬أي عن تلك الصِّلة وذاك االتصال مبجمل احلقيقة اليت تتحقَّةق‬
‫يف السِّرِّ الكنسي‪ .‬وإذ أصبح السِّرُّ الكنسي ”أداة نعمة“ مغلقة‪ ،‬قائمة بذاهتا‪ ،‬صار نقطة حقيقيَّة يف حبر من الرُّموز‪ ،‬فحُرمت‬
‫اللِّيتورجيَّا من وظيفتها اخلاصة اليت هي ربط السِّرِّ الكنسي مبضمونه(‪.)8‬‬

‫• أسرار الكنيسة من حيث كوهنا توحِّدنا باملسيح‪ ،‬وتثبِّتنا فيه‪ ،‬ال تكون رموزاً أو أشكاالً للتَّعبري عن إميان الكنيسة‪ ،‬أو‬
‫وسيلة للوصول إىل هذا اإلميان‪ ،‬بل هي حتقيق هذا اإلميان‪ ،‬هي إيَّاه وليس تعبرياً عن معناه‪ .‬إميان الكنيسة هو يف كماله‪ ،‬اقتناء‬
‫حياة املسيح وفكره‪ ،‬وبالتَّايل اقتناء حياة الكنيسة‪ .‬فحياة الكنيسة هي يف اقتنائها حلياة املسيح باألسرار الكنسيَّة‪ ،‬تلك األسرار‬
‫اليت استودع املسيح فيها كلَّ حياته‪ ،‬لكي تنتقل بدورها إىل الكنيسة‪ ،‬ومنها إىل كلِّ املؤمنني باملسيح‪ ،‬ليس يف كون األسرار‬
‫الكنسيَّة كوسيلة لغاية‪ ،‬بل نبع هذه الغاية ودوامها‪ .‬فاالنعزال عن األسرار الكنسيَّة هو انعزال عن حياة املسيح‪ ،‬فحياتنةا يف‬
‫املسيح ال تتم بواسطة األسرار الكنسيَّة‪ ،‬بل من داخلها‪.‬‬

‫إنَّ عمل الكنيسة‪ ،‬هو أن تنقل إلينا وباستمرار حياة املسيح باألسرار‪ ،‬فإن توقَّفت دميومة السِّرِّ تعطَّل يف احلةال عمةل‬
‫الكنيسة‪ ،‬وانتفت بالتَّبعيَّة حياة املسيح فينا‪.‬‬

‫(‪ )2‬تكميل السِّر الكنسي وعالقته بشخص الكاهن الذي خيدم السِّر‬
‫• مفهوم عمل الكاهن يف تكميل األسرار‪ ،‬أنَّه ليس هو الذي يتمِّم السِّر بل املسيح نفسه‪ .‬الكاهن يقوم بتأديةة السِّةر‪،‬‬
‫لكن بقوَّة املسيح اليت يسبغها على الكاهن‪ .‬هنا الكاهن خاطئ تائبٌ ينضم إىل اخلاطئني التَّةائبني‪ ،‬طلبةاً للغفةران لنفسةه‬
‫ولآلخرين معه‪ .‬إذا فهو أوَّل التَّائبني‪ ،‬كي ينتقل صفحُ اهلل وغفرانُه عن طريقه‪ ،‬لآلخرين‪.‬‬

‫‪ -8‬ألكسندر مشيمان‪ ،‬من أجل حياة العامل‪ ،‬منشورات النُّور‪1884 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 111-180‬بتصرُّف‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬

‫فالكاهن ال يقدر على إمتام خدمته اللِّيتورجيَّة بكهنوته الذَّايت‪ ،‬بل بكهنوت املسيح الذي خيدمه‪ .‬ألنه ليس كهنوتاً آخةر غةري‬
‫كهنوت املسيح‪ ،‬هذا هو الكاهن إىل األبد على رُتبة ملكي صادق‪ .‬والكاهن يف كنيسة العهد اجلديد يربهن بةذلك علةى عةدم‬
‫انفصاله عن اجلماعة قط‪ ،‬بل ويؤكِّد وحدته معها‪ ،‬ألنَّ املسيح مات من أجل الكنيسة‪ ،‬وليس من أجل نفسه‪.‬‬

‫ويلزمنا هنا جدًّا أن نتوقَّف لنتساءل؛ إنْ كان املسيح نفسه هو الذي يتمِّم السِّر بواسطة الكاهن‪ ،‬فماذا يع هنا إن كان‬
‫الكاهن مستحقًّا ملباشرة السِّر أو غري مستحق؟ أي إنْ كان ذا سرية صاحلة أم ال؟‬

‫إنَّ الفصل بني شخص الكاهن‪ ،‬وبني نعمة الكهنوت املعطاة له واملستقلَّة عن طبائع األشخاص‪ ،‬هي عقالنيَّةة الهوتيَّةة‬
‫غربيَّة‪ .‬ألنَّ تنوُّع اهلبات اإلهليَّة واخلِدم يف الكنيسة(‪ )8‬يدل على أنَّ املوهبة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشَّخص الذي تُنةزل عليةه‬
‫هذه اهلبة‪.‬‬

‫فكما أنَّ الكنيسة حمقَّة يف عدم ربط حقيقة األسرار باستحقاق الكهنة الذين رُمسوا خلدمتها ‪ -‬وإالَّ الستحال إمتةام ٍّ‬
‫أي‬
‫منها ‪ -‬فهي أيضاً حمقَّة يف ربط حتقيق ملء حياهتا بالقدر الذي يتقبَّل به كلُّ عضو من أعضائها املواهب املنحدرة على كةلِّ‬
‫واحد منهم‪.‬‬

‫الكاهن دُعي ورُسم يف الكنيسة اليت هي جسد املسيح‪ ،‬ليكون صورة رأس هذا اجلسد‪ ،‬أي ليكون صةورة للمسةيح‪.‬‬
‫ولكي يكون ذاك الذي بواسطته تستمر اخلدمة الشَّخصيَّة للمسيح‪.‬‬

‫إنَّ دعوة الكهنوت تتوجَّه إىل صميم الشَّخص املدعو وال ميكن أن تنفصل عنه‪ .‬فمن اخلطأ فصل الكهنوت عةن الشَّةخص‪،‬‬
‫وكأنَّ الكهنوت رسالة أو خدمة مغلقة جامدة قائمة بذاهتا‪ ،‬ال عالقة هلا ال من قريب أو بعيد بالشَّخص الذي سةيتمِّمها‪ .‬إنَّ‬
‫أيَّ متييز قاطع كهذا‪ ،‬هو متييزٌ خاطئ‪ ،‬ألنه يشوِّه طبيعة الكهنوت نفسها‪ ،‬كاستمرار لكهنوت املسيح يف الكنيسة‪.‬‬

‫صحيحٌ أنَّ شخص الكاهن ال يؤثِّر على عمل األسرار وفاعليَّتها‪ .‬ولسنا نربط إمتام األسرار مبزاياه الشَّخصيَّة‪ .‬فالكنيسة ال‬
‫تنكر حقيقة األسرار اليت جتري على يدي أيِّ كاهن‪ ،‬سواء كان صاحلاً أو سيئاً‪ .‬ولكنَّها يف الوقت عينه‪ ،‬تعلم حةق العلةم‪،‬‬
‫الدَّرجة الكبرية اليت تعتمد فيها احلياة الكنسيَّة على استحقاق أو عدم استحقاق من أوكلوا وأودِعوا تدبري األسرار اإلهليَّة(‪.)10‬‬

‫وبرغم كلِّ ذلك‪ ،‬فتظل الكنيسة قائمة‪ ،‬ألنَّ قداسة الكنيسة ليست نابعة منَّا‪ ،‬إهنا قداسة املسيح الذي أحةب الكنيسةة‬
‫وأسلم نفسه ألجلها‪ ،‬لكي حيضرها لنفسه كنيسة جميدة ال دنس فيها‪ ،‬وال عيب(‪.)11‬‬

‫• وحني بدأ الطُّغيان اإلكلرييكي التَّدرجيي يف الكنيسة منذ القرون املبكِّرة‪ ،‬وهو ما تشهد عليه قوانني جممع ترولو سةنة‬
‫‪681‬م‪ ،‬اتسعت اهلوَّة اليت تفصل بني رجال اإلكلريوس والعلمانيِّني‪ .‬فكان من الطَّبيعي واحلالة هذه‪ ،‬أن يتغيَّر جو الكنيسةة‬
‫ب القدِّيس يوحنَّا ذهيب الفم يقول(‪:)11‬‬
‫بُرمَّته‪ .‬ففي هناية القرن الرَّابع‪َ ،‬كَت َ‬
‫[مثَّة حاالت ال يتميَّز فيها الكاهن بشيء عن اخلاضعني له‪ ،‬وكذا احلال عند تناول األسرار املقدَّسة الرَّهيبةة‪.‬‬
‫فنحن مجيعًا مستحقُّون بالقدر نفسه‪ .‬لقد تغيَّرت احلال عمَّا كانت عليه يف العهد القدمي‪ ،‬عندما كان للكهنة طعام‪،‬‬
‫وللشَّعب آخر‪ .‬وعندما مل يكن يُسمح للشَّعب مبشاطرة الكهنة طعامهم‪ .‬اليَوم‪ ،‬احلال خمتلفة‪ .‬اليَوم‪ ،‬اجلسد ذاتةه‬
‫والكأس ذاهتا ممنوحان للجميع ‪ ...‬اليَوم‪ ،‬كلُّنا نصافح بعضُنا بعضاً ‪.)13(]...‬‬

‫‪ -8‬انظر ‪1‬كورنثوس ‪30-18:11‬‬


‫‪ -10‬األب ألكسندر مشيمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪173-171‬‬
‫‪ -11‬انظر‪ :‬أفسس ‪17-15:5‬‬
‫‪ -11‬األب ألكسندر مشيمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪338 ،338‬‬
‫‪ -13‬العظة رقم ‪ 18‬إىل الكورنثيني (‪)PG 61, 527‬‬
‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬ ‫‪6‬‬

‫يقول البابا أثناسيوس الثَّاين (‪486-488‬م) ال ‪ 18‬واملعروف باسم ”أثناسيوس الصَّغري“‪ ،‬يقول يف قوانينه‪” :‬اختري الكهنة‬
‫ليكونوا أطهاراً أكثر من كلِّ الشَّعب‪ ،‬ألهنم يصلُّون عن الشَّعب‪ ،‬ويطلبون إىل الرَّب الصَّفح عن خطاياهم‪ .‬فإن أخطأ الكاهن‬
‫مثل الشَّعب فمن الذي يُصلِّي عنهم‪ ،‬ألنَّ شعباً كهنته أجناس‪ ،‬ليس هلم صالة تصعد إىل اهلل“‪.‬‬

‫ويقول البابا غُربيال اخلامس (‪1417-1408‬م) ال ‪” :88‬إذا مل يكن الكاهن قلبه وخاطره طيِّبٌ على شةعبه‪ ،‬والشَّةعب‬
‫(‪)14‬‬
‫خاطره طيِّبٌ عليه‪ ،‬فال يتقبَّل اهلل منه طلبته يف شعبه‪ .‬وال يتقبَّل اهلل طلباهتم فيه‪ .‬وكفانا اهلل من ذلك“‬

‫(‪ )3‬عدد األسرار الكنسيَّة‬


‫مل تعرف الكنيسة اجلامعة شرقاً وغرباً‪ ،‬حتديداً لعدد أسرار الكنيسة‪ ،‬على مدى أحد عشر قرناً من تارخيهةا‪ .‬أمَّةا أوَّل‬
‫حتديد لعدد األسرار الكنسيَّة‪ ،‬فكان يف غضون القرن الثَّاين عشر املةيالدي‪ ،‬حةني عةدَّ (القةدِّيس) فيكتةور ‪St. Victor‬‬
‫(‪1141+‬م)‪ ،‬األسرار إىل حوايل ثالثني سرًّا‪ ،‬مقسِّماً إيَّاها إىل ثالث جمموعات‪ .‬أمَّا بطرس ملبةارد ‪ Peter Lombard‬أُسةقُف‬
‫باريس (‪1160-1100‬م) فقد جعلها سبعة أسرار فقط‪ .‬ولقد قنَّن جممع فلورنسا سنة ‪1438‬م أنَّ األسرار الكنسيَّة هي سةبعة‬
‫فقط‪ .‬مثَّ جاء جممع ترنت ‪1563-1545( )15(Trent‬م) الذي عُقد يف إيطاليا‪ ،‬ليقول يف أحد قوانينه‪” :‬إن قال أحدٌ أنَّ يسوع مل‬
‫يؤسِّس مجيع أسرار الشَّريعة اجلديدة‪ ،‬وأنَّ هناك أكثر أو أقل من سبعة أسرار‪ ،‬وأنَّ أحد هذه السَّبعة ليس سراً باملعىن احلصري‬
‫فليكن حمروماً“‪ .‬فأصبح الرَّقَم سبعة لألسرار الكنسيَّة تقليداً ثابتاً يف الغرب‪ .‬أمَّا أن ينتقل هذا التَّقليةد الغةريب إىل الشَّةرق‬
‫املسيحي‪ ،‬فهذا هو الشَّيء الغريب‪.‬‬

‫ذلك ألنَّ تقليد الكنيسة الشَّرقيَّة‪ ،‬خالل اخلمسة عشر قرناً األوىل من تاريخ املسيحيَّة يف الشَّرق‪ ،‬ال يعرف هذا التحديد‪.‬‬
‫فإن عُدنا إىل القرن الرَّابع عشر يف الكنيسة القبطيَّة‪ ،‬وعند العامل الطَّقسي مشس الرئاسة ابن َكبَر (‪1314+‬م)‪ ،‬وهو قس كنيسة‬
‫العذراء املعلَّقة‪ ،‬املقر البطريركي آنئذ‪ ،‬ال جند أيَّ تفريق عنده بني صلوات األسرار اليت نعرفها اليَوم‪ ،‬وباقي الصَّلوات الكنسةيَّة‬
‫األُخرى‪ .‬فهو مثالً ال يفرِّق بني صلوات تكريس الكهنة (أي سرّ الكهنوت)‪ ،‬وصلوات تكريس الكنائس‪.‬‬

‫ففي الباب السَّادس عشر من مؤلَّفه‪” :‬مصباح الظُّلمة وإيضاح اخلدمة“ نقرأ‪” :‬والصَّلوات املختصَّة بالكهنة هي مُرتَّبةة‬
‫يف البيعة‪ ،‬وال جتوز بغري كاهن‪ ،‬صالة التَّعميد‪ ،‬صالة تقديس القُربان‪ ،‬وصالة تكريس الكهنة والبيَةع‪ ،‬وصةالة الةزَّواج‪،‬‬
‫والتَّحليل‪ ،‬وصالة أشفية املرضى وهي صالة الزَّيت‪ ،‬وصالة األموات حال انتقاهلم وبعدها‪ ،‬وأبكار املآكل‪ ،‬وصالتا الغطاس‬
‫والقصريَّة مستنبَطة من القُدَّاس“‪.‬‬

‫ففي القائمة السَّابقة يذكر ابن َكبَر أسرار‪ :‬املعموديَّة‪ ،‬واملريون‪ ،‬والقُربان املقةدَّس‪ ،‬والكهنةوت‪ ،‬والزِّجيةة‪ ،‬والتَّوبةة‬
‫واالعتراف الذي يدعوه ”التَّحليل“‪ ،‬ومسحة املرضى‪ .‬إىل جانب صلوات تكريس الكنائس‪ ،‬والصَّةالة علةى املنةتقلني‪،‬‬
‫وتذكارات املنتقلني‪ ،‬وصالة تربيك باكورات الثِّمار‪ ،‬وصالة اللقَّان يف عيد الغطاس‪ ،‬وصالة القصريَّة أي قُدَّاس املاء يف مخيس‬
‫العهد‪ .‬وكلُّها يدعوها ”الصَّلوات املختصَّة بالكهنة“‪ .‬وجدير بالذِّكر أنه مل يُشر إىل لقَّان عيد الرُّسل الذي مل يكن ح ذلك‬
‫الوقت قد انتشر يف الكنيسة القبطيَّة‪ ،‬إذ بدأ استخدامه فيها منذ القرن الثَّالث عشر‪.‬‬

‫لقد دارت احملاوالت يف القرون املتأخِّرة‪ ،‬لتصب كلُّها يف مسار واحد‪ ،‬هو التَّركيز على الرَّقَم سبعة ومضاعفاته‪ .‬فكانت‬

‫‪ -14‬األنبا غُربيال اخلامس‪ ،‬حقَّقه ونشره األب ألفونس عبد اهلل الفرنسيسكاين‪ ،‬ضمن مطبوعات املركز الفرنسيسكاين للدِّراسات املسةيحيَّة الشةرقيَّة‪،‬‬
‫سلسلة دراسات شرقيَّة مسيحيَّة‪ ،‬القاهرة ‪1864‬م‪ ،‬ص ‪61‬‬
‫‪ -15‬ويعرف أيضاً باسم ”اجملمع التريدنتي “ من الكلمة الالَّتينيَّة ‪ .Tridentinum‬وقد عُقد هذا اجملمع يف مدينة ترنت (ترانتو) مشال إيطاليةا‪.‬‬
‫وتعتربه الكنيسة الكاثوليكيَّة اجملمع املسكوين التَّاسع عشر هلا‪ .‬وكان هدف اجملمع هو السَّعي حملاولة تالقي أهل اجلنوب مع أهل الشَّمال‪ ،‬ولكةن‬
‫أهل الشَّمال مل حيضروا‪ ،‬إذ بدأ اجملمع جلساته ومل حيضر فيه سوى ‪ 34‬عضوًا من ‪ 500‬أسقف كاثوليكي يف العامل‪ .‬وتوقَّف اجملمع ثالث مةرَّات‬
‫مث عاد واستأنف أعماله‪ ،‬واستمر معقوداً يف عهود الباباوات بولس الثَّالث (‪1548-1534‬م)‪ ،‬ويوليوس الثَّالث (‪1555-1550‬م)‪ ،‬وبولس الرَّابع‬
‫(‪1558-1555‬م)‪ ،‬وبيوس الرَّابع (‪1565-1558‬م)‪ .‬وكان لقراراته تأث ًري كبريٌ على الكنيسة الكاثوليكيَّة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬

‫رُتب الكنيسة يف املصادر الطَّقسيَّة القبطيَّة القدمية‪ ،‬ح ما قبل القرن العاشر امليالدي تقريباً‪ ،‬هي مخس رُتب‪ ،‬هي‪ :‬األُسقُف‬
‫والقس والشمَّاس واإليبودياكون واألغنسطس(‪ .)16‬مثَّ صارت تسع رُتب كنسيَّة منذ القرن العاشر وح القرن الثَّالث عشةر‬
‫امليالدي‪ ،‬وذلك بشهادة مصادر طقسيَّة قبطيَّة قدمية‪ ،‬وأيضاً بشهادة املمارسة الطَّقسيَّة يف صلوات رفع البُخةور‪ ،‬يف ذلةك‬
‫الرتَب اخلمس الكنسيَّة القدمية‪ ،‬حيث صار تقسيم رُتبة األُسةقُف إىل‬
‫الرتَب الكنسيَّة التِّسع مل خترج عن ُّ‬
‫الوقت‪ ،‬إالَّ أنَّ هذه ُّ‬
‫ثالث رتب هي‪ :‬البطريرك واملطران واألُسقُف‪ .‬وتقسيم رُتبة القس إىل‪ :‬القُمُّص والقس‪ .‬وتقسيم رُتبة الشَّماس إىل‪ :‬رئةيس‬
‫الشَّمامسة والشمَّاس الدِّياكون‪ .‬ويف النِّهاية تأيت رتبيت اإليبودياكون واألغنسطس(‪.)17‬‬

‫وكان أوَّل ذكر يرد عن رُتبة اإلبصالتيس أي املرتل‪ ،‬ما ورد يف قوانني البابا أثناسيوس الثَّاين (‪486-488‬م) وهو القانون‬
‫(‪ ،)4:10‬إىل جانب ذكرها لرُتبة البوَّاب‪ .‬وأيضاً القوانني الكنسيَّة املصريَّة املنسوبة للقدِّيس باسيليوس الكبري‪ .‬ولعلَّ قةوانني‬
‫البابا أثناسيوس الثَّاين بطريرك اإلسكندريَّة‪ ،‬والقوانني الكنسيَّة املنسوبة للقدِّيس باسيليوس الكبري‪ ،‬قد نقلت من قوانني جممةع‬
‫الرتَب الكنسيَّة فيها‪ .‬أو نقلت من مصدر كنسي آخةر‪ ،‬ألنَّ التَّقليةد‬ ‫الالذقيَّة (‪381-341‬م) ما خيتص هباتني الرُّتبتَني‪ ،‬ضمن ُّ‬
‫السِّرياين القدمي‪ ،‬وتقليد كنيسة روما‪ ،‬يعرفان رُتبيت املرتِّل والبوَّاب‪ ،‬كرُتب كنسيَّة مستقلَّة‪ ،‬أي رُتب كنسيَّة قائمة بذاهتا‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬زحف الرَّقَم سبعة أو مضاعفاته على كلِّ شيء يف الكنيسة‪ ،‬سواء يف عدد طغماهتةا‪ ،‬أو عةدد أواين اخلدمةة‬
‫املستخدمة يف اهليكل املقدَّس(‪ ،)18‬أو عدد قطع مالبس اخلدمة الكهنوتيَّة لألُسقُف(‪ ،)18‬أو عدد األعياد الكنسيَّة اليت احنصرت‬
‫فقط يف ضِعف العدد سبعة‪ ،‬فخرجت بعض األعياد الكنسيَّة من احلصر‪ ،‬أو عدد الدَّورات االحتفاليَّة يف الكنيسة واليت احنصرت يف‬
‫الرَّقَم سبعة بالتَّحديد‪ .‬كما أنَّ الشُّموع املوقدة حول الزَّيت يف ليلة سبت الفرح هي سبعة مشوع وسبعة قناديل ‪ ...‬اخل! ح‬
‫طال الرَّقَم سبعة‪ ،‬عدد أسرار الكنيسة يف القرن اخلامس عشر‪ ،‬فحجَّمها إىل سبعة أسرار‪.‬‬

‫وبسبب حصر األسرار الكنسيَّة يف الرَّقَم سبعة‪ ،‬ونظراً لوجود صلوات كنسيَّة أُخرى يف غاية األمهيَّة خلالص اإلنسةان‪،‬‬
‫مثل الصَّالة على الرَّاقدين‪ ،‬وغريها‪ ،‬فقد ظهر يف الغرب تفريق بني أسرار الكنيسة‪ ،‬واليت دُعيت باسم الصَّلوات السَّةرائريَّة‪،‬‬
‫وصلوات أُخرى مهمة‪ ،‬دعوها باسم الصَّلوات التَّقديسيَّة‪ .‬وهذا التَّقسيم الغريب انتقل إىل الكنيسة البيزنطيَّة يف الشَّرق‪ ،‬ومن مثَّ‬
‫تسرب إىل الكنائس الشَّرقيَّة األُخرى‪ ،‬ومن بينها الكنيسة القبطيَّة طبعاً‪ .‬وهذا يدفعنا إىل شرح هذه اجلزئيَّة بتوضيح أكثر‪.‬‬

‫بني الصَّلوات السَّرائريَّة والصَّلوات التَّقديسيَّة!‬


‫كان من أبرز حتديدات جممع ترنت ‪1563-1545( Trent‬م) الذي عُقد يف إيطاليا‪ ،‬أنه ثبَّت ما استقر يف الالَّهوت املدرسي‬
‫‪ -16‬وهو ما جنده يف كتاب التَّقليد الرَّسويل هليبوليتس‪ ،‬والذي عُرف يف مصر باسم ”التَّرتيب الكنسي املصري“‪ .‬وهو نفةس مةا يةذكره‬
‫خوالجي القدِّيس سرابيون املدون سنة ‪350‬م‪ .‬ونفس ما تذكره قوانني هيبوليتس القبطيَّة يف أواخر القرن اخلامس‪ ،‬وأوائل السَّادس امليالدي‪.‬‬
‫‪ -17‬وهو ما جنده يف كتاب ”ترتيب الكهنوت“ املنسوب لألنبا ساويرس بن املقفَّع (حوايل ‪1000-815‬م)‪ .‬وبرغم تكرار الكاتب للةرقم‬
‫تسعة غري مرَّة‪ ،‬إالَّ أننا جند حماولته تقليص الرُّتَب الكنسيَّة من تسعة إىل سبعة فقط‪ ،‬فارتبك يف الشَّرح‪.‬‬
‫كما يتكلم ابن سباع يف القرن الثَّالث عشر‪ ،‬من كتابه ”اجلوهرة النَّفيسة يف علوم الكنيسة“ عن تسع رتب كنسيَّة‪ ،‬مثَّ يعود ليتكلم مرَّة أُخرى‬
‫عن سبع رتب فقط‪ .‬وهذا يريك الوقت الذي بدأ فيه الرَّقَم سبعة يظهر يف الكنيسة‪.‬‬
‫واجلدير بالذِّكر هنا أن رُتبة األُغنسطُس يف الكنيسة القبطيَّة يف املصادر القدمية‪ ،‬كان منوطاً هبا قراءة الفُصول الكتابيَّة‪ ،‬والتَّرتيل أيضاً‪.‬‬
‫‪ -18‬يذكر كتاب ”ترتيب الكهنوت“ املنسوب لألنبا ساويرس بن املقفَّع (تنيَّح بعد سنة ‪887‬م)‪ ،‬وهو كتاب يعود إىل القرون الوُسطى‪ ،‬يذكر‬
‫أنَّ األواين املستخدمة يف اهليكل‪ ،‬عددها أربعة عشرة‪ .‬سبعة منها يتم تكريسها باملريون‪ ،‬وسبعة ال تُكَّرس‪ .‬والسَّبعة اليت يتم تكريسها هي‪ :‬اللَّوح‬
‫املقدَّس‪ ،‬وهو مثال القرب‪ .‬والصِّينيَّة مثال املذود‪ .‬ومن اللَّفائف املكرَّسة لفافتَني‪ ،‬واحدة حتت الصِّينيَّة‪ ،‬واألُخرى حتت الكأس‪ ،‬وهي نظري اللَّفائف‬
‫يف املوت والدَّفن‪ ،‬وامللفوف هبا جسد سيِّدنا يف املذود‪ .‬والكأس مكرَّس مثال قسط املن‪ .‬وامللعقة مكرَّسة برسم التَّوزيع للنَّاس الرِّجال والنِّسةاء‪،‬‬
‫ألهنم ال يتناولون من الكأس نظري الكهنة‪ .‬واإلبروسفارين مكرَّس نظري احلجر الذي دُحرج عن القرب فوق اجلسد املدفون‪.‬‬
‫وأمَّا السَّبعة غري املكرَّسة‪ ،‬فهي‪ :‬املنارة‪ ،‬والكوز‪ ،‬والطَّاسة‪ ،‬واجملمرة‪ ،‬ودُرج البُخور‪ ،‬واحلامل الذي يوضع عليه الكأس‪ ،‬والصَّليب‪.‬‬
‫وقبة اهليكل مرفوعة على أربعة عشر عاموداً ( الحظ أهنا مضاعفات الرَّقَم سبعة)‪.‬‬
‫‪ ، Julius‬مطبوعةات‬ ‫‪Assfalg‬‬ ‫األنبا ساويرس بن املقفَّع‪ ،‬كتاب ترتيب الكهنوت‪ ،‬كتيِّب قدمي لليتورجيَّة الكنيسة القبطيَّة‪ ،‬حتقيق يوليوس أسةفلج‬
‫مركز الدِّراسات الشَّرقيَّة حلراسة األراضي املقدَّسة‪ ،‬القاهرة ‪1855‬م‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ -18‬يوحنَّا بن أيب زكريا بن سباع‪ ،‬اجلوهرة ‪ ،...‬ص ‪175‬‬
‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬ ‫‪8‬‬

‫الغريب بتقسيم الصَّلوات إىل صلوات سرائريَّة‪ ،‬وأُخرى تقديسيَّة‪ .‬ويقول بأنَّ األوىل أكثر أمهيَّة من الثَّانية!‬

‫لقد عقد الالَّهوت املدرسي الغريب‪ ،‬مقارنة بني الصَّلوات السَّرائريَّة والصَّلوات التَّقديسيَّة‪ ،‬فجعل من األوىل اختصاصها‬
‫حبياة اإل نسان يف نواحيها األساسيَّة‪ ،‬ومن الثَّانية أهنا األكثر اتساعاً من ميدان األسرار‪ ،‬لتشمل اإلنسان واخلليقة‪ ،‬أي الكائنات‬
‫غري العاقلة‪ .‬وأنَّ األسرار الكنسيَّة رئيسيَّة وجوهريَّة خلالص اإلنسان‪ ،‬يف حني ال تتمتَّع الصَّلوات التَّقديسيَّة باألمهيَّة ذاهتا! وأنَّ‬
‫األ سرار الكنسيَّة تفعل مفعوهلا من تلقاء ذاهتا‪ ،‬بصرف النَّظر عن استحقاق مقتبليها‪ ،‬يف حني أن الصَّالة التَّقديسيَّة تفعةل يف‬
‫يؤمن حقًّا مبفعوهلا‪ .‬وأنَّ األسرار الكنسيَّة أسَّسها الرَّب نفسه‪ ،‬أمَّا الصَّلوات التَّقديسيَّة فقد أنشأهتا الكنيسة ‪ ...‬اخل!!‬

‫ولكن الفكر الشَّرقي مل يكن يعرف هذه التَّقسيمات‪ ،‬ذلك ألنَّ كلَّ صلوات الكنيسة اللِّيتورجيَّة هي بذات األمهيَّة‪ ،‬ألننا‬
‫لن نستطيع ‪ -‬إن قبلنا هبذا التَّقسيم أصالً ‪ -‬أن نكتفي مثالً يف حياتنا الكنسيَّة بصلوات األسرار الكنسيَّة‪ ،‬وال نةويل نفةس‬
‫األمهيَّة لتلك الصَّلوات اليت تُدعى تقديسيَّة‪ ،‬مثل صلوات السَّواعي‪ ،‬أي الصَّالة باألجبية‪ ،‬أو تسبحة نصف اللَّيل والسَّحَر‪ ،‬أو‬
‫قُدَّاسات اللقَّانات‪ ،‬أو تكريس الكنائس اجلديدة‪ ،‬أو تكريس األيقونات يف الكنائس‪ ،‬أو تكريس املذابح املقدَّسة ‪ ...‬اخل‪ .‬بةل‬
‫إنَّ الصَّالة على املنتقلني يف الكنيسة قبل مواراهتم الثَّرى‪ ،‬وتذكاراهتم الدَّائمة بعد ذلك‪ ،‬متثِّل جانباً عقائديًّا مهمًّةا يف ضةمري‬
‫الكنيسة وحياهتا‪ ،‬ولكلِّ عضو من أعضائها‪.‬‬

‫باإلضافة إىل أنَّ الكالم الذي يقوله الالَّهوت الغريب‪ ،‬يعترضه لقَّان يوم مخيس العهد مثالً‪ ،‬إذ أنَّ الرَّب الذي احنىن ليغسل‬
‫أرجل ت الميذه يف ليلة آالمه وقبل الصَّليب‪ ،‬قد أسَّس بذلك صلوات قُدَّاس املاء‪ ،‬أو طقس اللقَّان يف الكنيسة‪ ،‬ليس فقط مبةا‬
‫مارسه هو فعليًّا‪ ،‬بل أيضاً بوصيَّة إهليَّة‪ ،‬بقوله‪« :‬أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ فإن كنتُ وأنا السيِّد واملعلِّةم قةد غسةلت‬
‫أرجلكم‪ ،‬فأنتم جيب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض» (يوحنَّةا ‪ .)14 ،11:13‬وقوله لبطرس الرَّسول‪« :‬إن مل أغسلك‪،‬‬
‫فليس لك معي نصيب» (يوحنَّا ‪.)8:13‬‬

‫فالرُّوح ال ُقدُس يُقدِّس ماء اللقَّان تقديساً‪ ،‬يصبح مبوجبه ذات قوَّة للتَّطهري واخلالص‪ ،‬بل ونافعاً لكلِّ شيء‪ ،‬وذلك حبسب‬
‫منطوق الصَّلوات ذاهتا‪ .‬وهو نفس ما يفعله سرّي مسحة املرضي‪ ،‬والتَّوبة واالعتراف أيضاً‪ .‬بل إنَّ نصوص صلوات اللقَّةان‬
‫نفسها‪ ،‬تنصُّ على تسمية هذا الطَّقس سرًّا‪ ،‬بل وسرًّا مقدَّساً‪.‬‬

‫إنَّ التَّحديدات اليت قنَّنها الغرب وتثبَّتت لديهم مبجامع كنسيَّة عرب قرون متتابعة‪ ،‬قد انتقلت رويداً رويةداً إىل الشَّةرق‬
‫املسيحي‪ .‬والسيَّما إىل الكنيسة البيزنطيَّة‪ .‬ومن مثَّ صار من الالَّزم إعطاء تفسري مقبول للتَّفريق بني األسرار الكنسةيَّة وبةني‬
‫الصَّلوات التَّقديسيَّة فيها‪ ،‬ممَّا فتح باب االجتهاد لتأويالت وشروحات تبغي وضع حدٍّ يفصل بني ما تقنَّن كسرٍّ كنسي‪ ،‬وبني‬
‫ما أُدرج حتت مضمون ”صلوات تقديسيَّة“‪ .‬وإنَّ ال ُكتُب الطَّقسيَّة البيزنطيَّة نفسها ال متيِّز يف نصوص صلواهتا بني األسةرار‬
‫‪ Sacraments‬وبني الصَّلوات التَّقديسيَّة ‪ Sacramentals‬متييزاً واضحاً كما بات معروفاً يف الكنيسة الغربيَّة(‪.)10‬‬

‫(‪ )4‬هل تأسَّست األسرار بواسطة السيِّد املسيح نفسه؟‬


‫كان جملمع ترنت ‪1563-1545( Trent‬م) السَّابق ذكره‪ ،‬تأثريٌ كبريٌ‪ ،‬ليس على الكنيسة الغربيَّة فحسب‪ ،‬بل وأيضاً على‬
‫الكنيسة الشَّرقيَّة‪ ،‬بعد أن تسرَّبت بعض قراراته وحتديداته إىل الشَّرق املسيحي‪ .‬وكان من أبرزها‪ ،‬هةو تلةك الَّتحديةدات‬
‫املنهجيَّة العقالنيَّة لألسرار الكنسيَّة‪ .‬فقال‪’ :‬إنَّ األسرار قد تأسَّست بواسطة السيِّد املسيح نفسه‘‪ .‬بل قد حرم كلَّ من يقول‬
‫خبالف ذلك‪ .‬فظهر خالف بني الهوتي ِّي الكنيسة الغربيَّة أنفسهم خبصوص هذا التَّحديد‪ .‬وكان جوهر اخلالف‪ ،‬هو أنَّ هناك‬
‫بعض أسرار مثل املريون ومسحة املرضى والزَّواج‪ ،‬ال يوجد يف الكتاب املقدَّس ما حيدِّد أنَّ السيِّد املسيح هو الذي أسَّسةها‬
‫بنفسه(‪ .)11‬بينما اعتقد الهوتيُّو كنيسة إجنلترا‪ ،‬أنَّ سرَّي املعموديَّة واإلفخارستيَّا فقط دون باقي اخلمسة أسرار األُخرى‪ ،‬مها‬

‫‪20- Davis, J.G., A Dictionary of Liturgy and Worship, SCM Press LTD, 1972, p. 78.‬‬
‫‪21- ODCC, (2nd edition), op. cit.,p. 1218.‬‬
‫‪8‬‬ ‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬

‫اللَّذان أسَّسهما السيِّد املسيح(‪.)11‬‬

‫وهذا الكالم‪ ،‬يضاد ما صار مستقراً يف الشَّرق املسيحي منذ البداية‪ ،‬وهو أنَّ احلياة اللِّيتورجيَّة يف الكنيسة‪ ،‬تستمد أصوهلا مةن‬
‫مصدرين أساسيني‪ ،‬ال يقل أحدمها عن اآلخر يف األمهيَّة‪ ،‬املصدر األوَّل هو التَّقليد املكتوب‪ ،‬أي التَّقليد الذي وصةل إلينةا مةن‬
‫الكتاب املقدَّس‪ ،‬واملصدر الثَّاين هو التَّقليد الشفهي أي التَّقليد غري املكتوب‪ ،‬أو املعروف يف الكنيسة باسم ”التَّسليم السِّري“‪ .‬فإن‬
‫كان املسيح بالنِّسبة للكنيسة هو حجر الزاوية فيها‪ ،‬فإنَّ الكنيسة مبنيَّة أيضاً على أساس الرُّسُل واألنبياء‪.‬‬

‫فيتحدَّث القدِّيس باسيليوس الكبري (‪378-330‬م) يف كتابه عن الرُّوح ال ُقدُس‪ ،‬عن مكانة وأمهيَّة التَّسةليم السِّةري يف‬
‫الكنيسة‪ ،‬وأنَّه إىل جانب التَّعليم املكتوب أو املعلَن‪ ،‬يشكِّالن معاً دعامة اإلميان الصَّحيح‪ ،‬وإذا رُفةض األوَّل‪( ،‬أي التَّعلةيم‬
‫السِّري) يُشوِّش الثَّاين (أي التَّعليم املكتوب) ويُفقده قوَّته فيقول‪:‬‬
‫[العقائد واملمارسات اليت تقبلها الكنيسة وحتفظها‪ ،‬يستند بعضها إىل التَّعليم املكتوب‪ ،‬والبعض اآلخر قبلنةاه‬
‫سرًّا‪ ،‬وهو تسليم الرُّسُل‪ .‬وهذان مها دعامة اإلميان الصَّحيح‪ ،‬وهلما نفس القوَّة‪ .‬وهو ما ال يعترض عليةه أحةدٌ‪،‬‬
‫السيَّما من توفَّرت له خربة يف ممارسات الكنيسة‪ .‬وحنن ال نستطيع أن نرفض ما استقرَّ من عادات يف الكنيسةة‪،‬‬
‫بدعوى أنَّ هذه العادات ال تستند إىل بُرهان مكتوب‪ ،‬أو أنَّ قيمتها صغرية‪ .‬ألنَّنا إن رفضنا عةادات الكنيسةة‪،‬‬
‫فسوف جنرح اإلجنيل نفسه‪ ،‬بل حنوِّل التَّعليم إىل اسم بال معىن‪ .‬واملثال الذي أريد أن أقدِّمه يف هذا الشَّأن‪ ،‬هو عن‬
‫موضوع عام ‪...‬‬

‫ما هو املصدر املكتوب الذي تعلَّمنا منه أن نرشم بعالمة الصَّليب‪ ،‬أولئك الذين يثقون بربِّنا يسوع املسةيح‪،‬‬
‫ويطلبون اخلالص يف املعموديَّة؟ ‪ ...‬وتقديس مياه املعموديَّة واملريون وطريقة قبول وتعميد املوعوظني‪ ،‬هةل هلةا‬
‫مصدر مكتوب؟ أليس مصدر كلّ هذا هو ما ال يُعلن؟ (أي التَّسليم السِّري)‪.‬‬

‫ما هي الكلمات املكتوبة اليت علَّمتنا مسحة املريون؟ وأيضاً ما هو املصدر املكتوب الةذي حيةدِّد أن تكةون‬
‫غطسات املعموديَّة ثالث؟ وميكن أن نسأل عن العادات األُخرى اخلاصة باملعموديَّة‪ ،‬مثل جحد الشيطان وكةلَّ‬
‫مالئكته‪ ،‬ما هو املصدر املكتوب الذي يُعلن لنا هذا؟‬

‫أليس كلُّ ذلك من التَّعليم العظيم والسِّري غري املُعلَن‪ .‬والذي احتفظ به اآلباء يف سريَّة تامة‪ ،‬لكي ال يعرفةه‬
‫املتشكِّكون واملتطفِّلون فيحفظون بذلك هيبة األسرار؟ فالذي ال جيوز إعالنه لغري املعمَّدين‪ ،‬هو ما ال نسمح هلةم‬
‫حبضوره‪ ،‬وال ح تسجيله مكتوباً ‪...‬‬

‫الرُّسُل واآلباء قد أرسوا دعائم الشَّرائع الكنسيَّة‪ ،‬وحفظوا هيبة األسرار وكرامتها باإلبقاء عليها سةرًّا وعةدم‬
‫إذاعتها‪ ،‬ألنَّ ما يُعلن ويُعرف لدى عامة النَّاس يفقد هيبته‪ ،‬وال يصبح سرًّا‪ ،‬وهذا هو السَّبب يف وجود التَّسليم غري‬
‫املكتوب الذي حيوي عقائد وممارسات ال تُعلن وال تُدوَّن ح ال تصبح من توافه األمور م صارت مألوفة للكُل‪.‬‬
‫العقيدة والتَّعليم اللَّذان يتم إذاعتهما‪ ،‬مها شيآن متمايزان‪ :‬األوىل حنتفظ هبا يف صمت‪ ،‬والثَّ انية ميكن إذاعتها‬
‫لكلِّ الدُّنيا ‪...‬‬

‫وسوف أحتاج إىل وقت طويل جدًّا إذا حاولت أن أسرد أسرار الكنيسة غري املكتوبة ‪ ...‬أمَّا عن االعتراف بإمياننةا‬
‫باآلب واالبن والرُّوح القُدُس ‪ ...‬فما هو املصدر املكتوب هلذه العقيدة؟ ‪.)13(]...‬‬

‫وحيدِّد القدِّيس باسيليوس الكبري (‪378-330‬م) أنَّ املعموديَّة واإلفخارستيَّا وزيت املريون‪ ،‬هي من األمور اليت ال يُسمح‬
‫‪ -11‬لقد تبنَّت الكنيسة األجنليكانيَّة أفكارًا أكثر إجيابيَّة يف العصور احلديثة جتاه هذه األسرار اخلمسة األُخرى‪.‬‬
‫‪ -13‬القدِّيس باسيليوس الكبري‪ ،‬الرُّوح القُدُس‪ ،‬مرجع سابق‪67،66:17 ،‬‬
‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬ ‫‪10‬‬

‫لغري املعمَّدين بالنَّظر إليها‪ ،‬أو االطالع عليها(‪ .)14‬ولقد أحصى الذين درسوا مؤلَّفات القدِّيس يوحنَّا ذهيب الفم (‪407-347‬م)‬
‫مخسني موضعاً منها على األقل استعمل فيها عبارة متكرِّرة هي‪:‬‬
‫[سوف يفهم معىن كالمي‪ ،‬املعمَّدون فقط]‪.‬‬

‫وعندما كان القدِّيس غريغوريوس النَّاطق باإلهليَّات (‪ )388-318‬يعظ عن األسرار‪ ،‬كان يقول للشَّعب‪:‬‬
‫[لقد حتدَّثتُ كثرياً عن السِّر حسبما هو مسموح لنا أن نتحدَّث علناً وأمام النَّاس‪ ،‬أمَّا باقي احلةديث‪،‬‬
‫فسوف تسمعونه يف السِّر لكي يبقى هذا الكالم سرًّا خاصاً بكم] (عظة ‪ 4‬على املعموديَّة)‪.‬‬

‫ويتحدَّث القدِّيس كريلُّس األورشليمي (‪386-315‬م) إىل املوعوظني فيقول هلم‪:‬‬


‫إال املؤمنني فقط‪.‬‬
‫[حنن ال نتحدَّث علناً عن األسرار أمام املوعوظني‪ ،‬بل نتحدَّث بطريقة غري واضحة ال يعرفها َّ‬
‫أمَّا الذين ال يعرفون‪ ،‬فال تؤذيهم الكلمات اليت مسعوها]‪.‬‬

‫ولقد انعكس هذا األمر على املصادر املسيحيَّة نفسها‪ .‬أي أنَّ كلَّ ما سجَّله اآلباء‪ ،‬كان هو التَّعليم العل املعروف الذي‬
‫خيص كلّ الشَّعب‪ ،‬أمَّا التَّعليم السِّري غري املعلن‪ ،‬فقد تسلَّمته الكنيسة بدون تدوين‪ ،‬بل وأبقت عليه غري معروف‪ ،‬حة أنَّ‬
‫املؤرِّخ سوزومني (أوائل القرن اخلامس)‪ ،‬والذي كان معاصراً للمؤرِّخ سقراط (‪450-380‬م) قد امتنع عن تسجيل كلمةات‬
‫قانون اإلميان‪ ،‬لئال يقع كتابه عن تاريخ الكنيسة‪ ،‬يف حوزة غري املؤمنني (كتاب ‪.)15()10:1‬‬

‫ويقول القدِّيس كريلُّس األورشليمي (‪386-315‬م) يف مقاله االفتتاحي لطاليب املعموديَّة‪:‬‬


‫[عندما تتسلَّم تعليماً‪ ،‬إن سألك موعوظ من اخلارج قائالً لك‪ :‬ماذا يقول املعلِّمون؟ ال تُجبه بشيء‪ .‬إنَّنا نسلِّمك‬
‫سرًّا ورجاءً يف احلياة املقبلة‪ ،‬فاحفظ السِّر لذاك الذي يهبك املكافأة‪.‬‬

‫ال يقُل لك أحدٌ ماذا يصيبك لو عرفته أنا أيضاً؟ فإنَّه كاملريض الذي يطلب مخراً‪ ،‬وإذ يأخذه يف وقت غري مناسب‪،‬‬
‫حيدث له هذيان‪ ،‬وهبذا يتحقَّق شرَّان‪ :‬املريض ميوت‪ ،‬والطَّبيب يُالم ‪ ...‬إنك كنتَ يوماً موعوظاً‪ ،‬ومل أخربك مبا أُعلنةه‬
‫لك اآلن‪ .‬إنَّك ستخترب كيف أنَّ أمور تعاليمنا عالية‪ ،‬وعندئذ تدرك أنَّ املوعوظني مل يتأهَّلوا بعد لسماعها]‪.‬‬

‫ومل يكن يُسمح للموعوظني أن يبقوا يف الكنيسة بعد انتهاء قُدَّاس الكَّلمة‪ .‬ألنَّ كلَّ من يبق يف الكنيسة بعد ذلةك‪ ،‬يلةزم أن‬
‫يتناول من األسرار املقدَّسة‪ .‬ويف اللِّيتورجيَّة اإلثيوبيَّة‪ ،‬ينادي الشمَّاس بعد قُبلة السَّالم قائالً‪” :‬يا أيها الذين ال يتناولون‪ ،‬اخرجوا“‪.‬‬
‫وحبسب الطَّقس‪ ،‬وبعد غلق األبواب‪ ،‬ال تُفتح مرَّة أُخرى إالَّ بعد انتهاء القُدَّاس والتَّناول من األسرار املقدَّسةة‪،‬‬
‫وتسريح املؤمنني‪ .‬وهذا نقرأه يف قوانني الرُّسُل حبسب الكنيسة القبطيَّة‪ ” :‬ولتقف اإليبودياكونات عند أبواب النِّسةاء‪،‬‬
‫ويقف مشامسة على أبواب الرِّجال ‪ ،‬لئال خيرج أحد‪ .‬وال يفتحوا األبواب يف وقت القُدَّاس الطَّ اهر‪ ،‬ولو كان على الباب‬
‫مؤمن“ (قانون الرُّسُل ‪.)11:51:1‬‬

‫أمَّا اآلن‪ ،‬فيدخل املسيحيُّون إىل الكنيسة يف أيِّ وقت يشاءون‪ ،‬وخيرجون منها حينما يرغبون‪ ،‬ويتقرَّبون من األسةرار‬
‫املقدَّسة أو ال يتقرَّبون‪ .‬فهل بات طقس الكنيسة تارخياً يُحكى أو تراثاً عفت عليه السُّنون؟ فقوانني الكنيسة تعلِّمنا أنه إن بقى‬
‫أحدٌ خارج حدود املذبح‪ ،‬فإنه ال ينال من اخلُبز اإلهلي‪.‬‬

‫يقول األب ألكسندر مشيمان (‪1883 +‬م)‪” :‬يذكر القدِّيس غريغوريوس النَّاطق باإلهليَّات (‪388-318‬م) أنَّ الشمَّاس‬
‫كان يقول‪ ” :‬ليخرج كلُّ من ال يريد أن يتناول القُدسات“ (‪ . )16‬عندئذ مل يكن يبقى يف االجتماع اإلفخارسيت سوى‬
‫‪ -14‬نفس املرجع‪ ،‬فصل ‪17‬‬
‫‪ -15‬انظر‪ :‬الدُّكتور جورج حبيب بباوي‪ ،‬مذكِّرات يف املعموديَّة يف األربعة قرون األوىل‪ ،‬ص ‪88 -85‬‬
‫‪26- PG 77, 233.‬‬
‫‪11‬‬ ‫تأصيل األسرار الكنسيَّة‬

‫املؤمنني‪ ،‬أي املعمَّدين يف الكنيسة‪ ،‬فهم مدعوون مجيعاً اآلن بالصَّالة املشتركة‪ ،‬إىل االستعداد للتَّقدمة اإلفخارستيَّة‪.‬‬

‫أمَّا اليَوم فتبقى أ بواب الكنيسة مفتوحة طوال إقامة الذَّبيحة اإلهليَّة‪ ،‬فيخرج من خيرج‪ ،‬ويدخل من يةدخل يف أيِّ‬
‫وقت‪ .‬ونسى العلمانيُّون‪ ،‬وح الكهنة أيضاً‪ ،‬أنَّ اإلفخارستيَّا هي اجتماع مُغلق للكنيسة‪ ،‬وأنَّ اجلميع يف هذا االجتماع من‬
‫كبريهم إىل صغريهم مُكرَّس‪ ،‬وأنَّ اجلميع حيتفل كلٌ يف مكانه‪ ،‬يف العمل اللِّيتورجي الواحد للكنيسة‪ .‬أي أنَّ الكهنة ليسوا هةم‬
‫وحدهم الذين خيدمون الذَّبيحة‪ ،‬وال ح الكهنة مع العلمانيِّني‪ ،‬بل هي الكنيسة اليت يؤلِّفوهنا كلُّهم معاً جمةتمعني‪ ،‬والةيت‬
‫يعلنون مألها حبضورهم‪ .‬إنَّ الكنيسة هي اليت حتتفل“(‪.)17‬‬

‫إن ما سبق ذكره‪ ،‬هو مقدِّمة عامة عن األسرار‪ .‬وعلينا اآلن أن نتكلم عن بعض أسرار الكنيسة بأكثر توضيح‪.‬‬

‫‪ -17‬األب ألكسندر مشيمان‪ ،‬اإلفخارستيَّا سرُّ امللكوت‪ ،‬ترمجة سامر عبُّود‪ ،‬منشورات النُّور‪1883 ،‬م‪ ،‬ص ‪118‬‬

You might also like