Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 2

‫الهمة العالية‬

‫كان زميالً يل يف الكلية العسكرية … كان األول على زمالئه يف كل شئ يف طاعته هلل… يف حسن خلقه… يف‬
‫دراسته… يف‬
‫تعامله … كان صاحب قيام ليل وحمافظة على صالة الفجر وغريها وحب للخري… وبعد أن ختّرج وفرح كما‬
‫يفرح الطلبة بالتخرج وإذا به يُصاب مبا نسميه ( األنفلونزا) وتطور معه املرض حىت أصاب العمود الفقري فأصيب‬
‫بشلل تام ومل يعد يستطيع احلركة… كتاب قصص واقعية‪ X‬للدكتور خالد اجلبري‬

‫حىت أن طبيبه‪ X‬املعاجل قال يل أنه حسب مرئياته فال أمل له يف الشفاء… وإن احتمال رجوعه ملا كان عليه وجناح‬
‫العالج معه ال تتجاوز العشرة يف املائة فقلت احلمد هلل على كل حال وسألت اهلل له الشفاء وهو القادر على كل‬
‫شئ… مث زرته يف املستشفى‪ X‬وهو مقعد يرقد على السرير األبيض‪ X‬ملواساته وتذكريه باهلل والدعاء له فإذا به هو الذي‬
‫يذ ّكرين باهلل !! وهو الذي يواسيين… وجدته قد امتأل وجهه نوراً… واشرق باإلميان حنسبه واهلل حسيبه… قلت‬
‫له ‪ :‬احلمد هلل على السالمة… وأسأل اهلل لك الشفاء العاجل طهور إن شاء اهلل… فأجابين بالشكر والدعاء مث قال‬
‫كلمته العجيبة يف حالته املأساوية‪ X‬نعم إهنا كلمة عجيبة!! مل يشتكي‪ ! X‬ومل يتربم !! ومل يقل أرايت ماذا حل يب يا أخ‬
‫وأثرت يف قليب وما زلت احفظها حىت اآلن … قاهلا وهو يبتسم‬ ‫دوت يف أذين ّ‬‫خالد !! إمنا قال تلك الكلمة اليت ّ‬
‫… قال حفظه اهلل ‪ :‬يا أخي لعل اهلل علم مىن تقصريي يف حفظ القـرآن فلهذا أقعدين إلتفرغ حلفظه … وهذه نعمة‬
‫من نعم اهلل !! سبحـان اهلل … مـا هذا الكالم؟! من أين هذه العبارات ؟! كيف تتحول النقمة إىل نعمة ؟! إنه‬
‫اإلميان يصنع املعجزات بعد فضل اهلل وتوفيقه‪ … X‬وصدق اهلل يف جزاء من صرب واسرتجع عند املصيبة‪ X‬وقال إنا هلل‬
‫( وإنا إليه راجعون إن له ثالث جوائز … قال تعاىل)أولئك عليهم صلوات من رهبم ورمحة وأولئك هم املهتدون‬
‫البقرة ‪ . 157‬نعم إهنا الرمحة من اهلل والثناء منه واهلداية لصراطه املستقيم والثبات على شرعه القومي ويف صحيح‬
‫مسلم من حديث صهيب مرفوعاً… ( عجباً ألمر املؤمن إن أمره كله له خري وليس ذاك ألحد إال ملؤمن إن أصابته‬
‫سراء شكر وإن أصابته ضراء صرب فكان خرياً له ) خمتصر مسلم ‪ . 2092‬ما أمجل تلك العبارات اليت قاهلا … إهنا‬
‫واهلل تعدل عشرات الكلمات النظرية … ألن املواقف اإلميانية تريب وتعلّم الشيء الكثري … ويف كل خري… نعم‬
‫لقد تعجبت ودهشت من موقفه وإميانه وصربه وثباته رغم ما هو فيه من مرض خطري … وشلل تام … ورغم أنه‬
‫مل ميض على خترجه ستة أشهر ومل يفرح بالرتبة والراتب والعمل اجلديد أياماً … واهلل لقد غبطته على إميانه…‬
‫فيها اخلري وهلل احلمد ‪ .‬مث زرته بعد فرتة وعنده ‪ r‬ومحدت اهلل جل وعال أن يف األمة أمثال هذا الرجل … وأمة حممد‬
‫أمر عجيباً … ومسعت منه ما أدهشين مرة أخرى … ويف‬ ‫بعض أقاربه … فسلمت عليه ودعوت له … مث رأيت ً‬
‫كل زيارة له يزداد اإلميان من مواقفه العجيبة اإلميانية ‪ .‬قال له ابن عمه ‪ :‬حاول حتريك رجلك … ارفعها لألعلى‬
‫… فقال له ‪ :‬إين الستحي من اهلل أن استعجل الشفاء فإن ق ّدر اهلل يل وكتب الشفاء فاحلمد هلل … وإن مل يكن‬
‫مقدوراً يل فاحلمد هلل … فاهلل أعلم مبا هو خري يل … فقد يكون‪ X‬يف الشفاء ما ال حتمد عقباه‪ … X‬وقد أمشي‬
‫بقدمي هاتني إىل احلرام … ولكين أسأل اهلل إن يكتب يل اخلري فهو العليم احلكيم … وال تعليق على كالمه اإلمياين‬ ‫ّ‬
‫وعسى أن تكرهوا‪ X‬شيئاً وهو خري لكم وعسى أن حتبوا شيئاً وهو شر لكم واهلل يعلم ) إال مبا هو خري قال تعاىل‬
‫وأنتم ال تعلمون ( البقرة آية ‪ . 216‬يواصل الدكتور حديثه قائالً ‪ :‬سافرت إلكمال الدراسات العليا مث عدت بعد‬
‫ثالثة أشهر وكنت متوقعاً إنه يف منزله حيث ال أمل يف عالجه وسيبقى‪ X‬يف منزله على فراشه حيمل من مكان إىل آخر‬
‫… سألت عنه الزمالء يف املستشفى هل خرج ؟! وكيف حالته ؟! فقالوا ‪ :‬هذا الرجل عجيب جداً… لقد كان‬
‫ورضى مبا ُكتب له… ولقد حتسنت حالته شيئاً ما … فنُقل إىل‬ ‫ً‬ ‫عنده قوة يف العزمية ومهة عالية وابتسامة دائمة‬
‫التأهيل للعالج الطبيعي … ذهبت إىل مركز التأهيل فإذا به على كرسي املعاقني ففرحت به وقلت له ‪ :‬احلمد هلل‬
‫على السالمة… احلمد هلل أصبحت اآلن تتحرك أحسن مما مضى… فقاطعين قائالً ‪ :‬احلمد هلل … أبشرك إنين قد‬
‫وأجد فائدة إميانية‬
‫أمتمت حفظ القرآن !! فقلت ‪ :‬سبحان اهلل !! ما أعجب هذا الرجل … ال ميكن أن أزوره إال ُ‬
‫… فدعوت له … وسألت اهلل من فضله ‪ .‬سافرت مرة أخرى وغبت‪ X‬عنه أكثر من أربعة أشهر … وملا عدت‬
‫حصل ما مل خيطر يل ببايل الضعيف‪ X‬املسكني وهو ليس بعجيب وال غريب على قدرة اهلل تعاىل الذي حيي العظام‬
‫وهي رميم … أتدرون ماذا حصل ؟! لقد كنت أصلي يف مسجد املستشفى… فإذا برجل يناديين يا أبا حممد‬
‫أتدرون من املنادي؟! إنه صاحبنا… نعم واهلل إنه الزميل احلبيب الذي كان مشلوالً معاقاً متاماً يناديين وهو ميشي‬
‫وبصحة جيدة وعافية … نعم إهنا قدرة اهلل … مث إنه اإلميان يصنع املعجزات قال تعاىل) اهلل ويل الذين آمنوا‪ ( X‬إنه‬
‫التقوى قال تعاىل ) ومن يتق اهلل جيعل له خمرجاً ( إهنا النجاة والعافية‪ X‬من اهلل للمؤمنني قال تعاىل ) وكذلك ننجي‬
‫املؤمنني( ‪ .‬نعم … لقد جاءين ميشي … وسلمت عليه وضممته إىل صدري وأنا أبكي‪ X‬نعم أبكي‪ X‬مرتني …‬
‫على حىت أنه من فرط ما قد سرين‬ ‫وألمرين … أما األول فأبكي‪ X‬فرحاً ملا حصل له من شفاء … هجم السرور ّ‬
‫أبكاين وأما الثانية‪ X‬فعلى نفسي املسكينة املقصرة‪ … X‬فكم حنن فيه من نعم وخريات ومل نقم بشكر اهلل عليها ومل‬
‫جنتهد يف حفظ القرآن وعمل الصاحلات … وكلنا تقصري وتسويف … نسأل اهلل العفو والغفران‪ . X‬ليس هذا‬
‫من اهلل عليه بأمور كثرية … فمنها موافقة املسئولني لبعثته بعثة داخلية جلامعة امللك سعود بالرياض‬ ‫فحسب بل ّ‬
‫إلكمال دراسته العليا… وهلذا البعثة‪ X‬قصة أخرى… فقد طلب ذلك منذ خترجه من الكلية ومل يأته الرد … وقبل‬
‫أيام … وبعد شفائه وهلل احلمد جاءت املوافقة عليها بعد أن نسيها فاحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات ‪ .‬مث قال‬
‫يل بعدها ‪ :‬يا دكتور خالد إن ما حصل يل حجة علي إن مل أقم بشكر النعمة … قلت ‪ :‬بل هي حجة علينا مجيعاً‬
‫… القصة مل تنته بعد … فلقد زارين بعد سبع سنوات يف مراجعة جلدة املريض بالقلب … فماذا رأيت ؟! رأيت‬
‫شاباً وضيئاً … وقد رزقه اهلل الرتقيات حىت وصل إىل رتبة رائد … فأسأل اهلل أن جيعله رائداً يف اخلري والنفع‬
‫والصالح وأن يصلح أحوالنا مجيعاً أنه مسيع جميب‬

You might also like