Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 112

‫هالة بشّ ار‬

‫كروموسوم واي‬
‫مجموعة قصصية‬
‫إسم الكتاب‪:‬كروموسوم واي‬
‫المؤلف‪ :‬هالة الطيب بشار‬
‫رقم االيداع‪2018/221 :‬‬
‫ردمك‪978-99942-1-203-3 :‬‬

‫ايميل المؤلف‪:‬‬
‫‪halabashar1977@gmail.com‬‬

‫الناشر‬
‫دار المصورات‬

‫الخرطوم غرب شارع الشريف الهندي‬


‫المتفرع شارع الحرية‬
‫ت‪+249912294714:‬‬
‫‪elrayah1995@gmail.com‬‬
‫المدير المسؤول‪:‬أسامة عوض الريح‬

‫‪c‬‬ ‫حقوق النشر محفوظة للمؤلف‬

‫ان دار المصورات للنشر غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره ‪ ،‬وتعبر االراء واألفكارالواردة‬
‫في هذا الكتاب عن وجهة نظر المؤلف وال تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الدار‪.‬‬

‫تصميم الغالف واالخراج‪ :‬الفنان التشكيلي بكري خضر‬


‫�إهــــداء‬
‫أهدي هذا المنتوج األدبي آلخوتي‬
‫و لألصدقاء الذين دعموني حتي‬
‫يرى هذا الكتاب النور‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪4‬‬
‫مقدمة‬
‫قر�أت بتمعن و�إمعان ‪ ,‬جمموعة القا�صة هالة ب�شار ( كرومو�سوم واي ) وهذا العنوان‬
‫امل�أخوذ من عنوان واحدة من ن�صو�ص املجموعة الق�ص�صية والذي يعترب جاذباً وحمفزاً‬
‫‪ ,‬لتت�صفح بقية الن�صو�ص ‪ ,‬والتي تكت�شف ب�أن �أغلب عتباتها الأوىل جاذبة �أي�ضاً‬
‫وحمفزة ‪� ( .‬إمرباطورية الطورية ) ‪ ,‬ون�ص ( �شمعون و�أم بختني ) ‪ ,‬و ( الهردبي�س‬
‫) ون�ص ( بنجو�سة بائعة املري�سة ) ‪ .‬وهذا الإختيار اجليد لعناوين الن�صو�ص ‪ ,‬مع‬
‫اللغة املميزة والتي تعترب ال�شكل والوعاء الذي يحمل امل�ضمون ‪ ,‬هذه اللغة التي‬
‫مزجت يف تناغم جميل بني عامية موغلة يف القدم وف�صحى مواكبة للغة التخاطب‬
‫اليومي ‪ ,‬حيث يحتار القارئ يف �س�ؤاله هل القا�صة هالة ب�شار قا�صة عا�شت يف‬
‫الريف �أم املدينة �أم الإثنني معاً ‪ .‬وهذه اللغة ذات النكهة ال�رسدية اخلا�صة والتي جتعل‬
‫للقا�صة هالة ب�شار �أي�ضاً ذات ب�صمة �أ�سلوبية خا�صة ‪ .‬تالئم تقنيات الق�صة الق�صرية‬
‫احلديثة ‪ ,‬منها تكثيف اجلملة الو�صفية الق�صرية ‪ ,‬ومنها االقت�صاد ولي�س االطناب‬
‫والإ�سهاب ‪ ,‬بحيث �أنهما ال يتالءمان مع لغة الق�صة الق�صرية والتي ال تتحمل‬
‫�أحداثها هذا الإطناب وهذا الإ�سهاب الزائد ‪ .‬ومنها �أي�ضاَ تقنية تقطيع امل�شاهد �إيل‬
‫و�صفات �رسيعة وم�ستقلة دون �أن تنف�صل من املعنى العام للن�ص الق�ص�صي وكذلك‬
‫ا�ستخدمت تقنية الت�صويت ‪ ,‬مبعنى حتويل اجلملة �إيل �صوت �شفاهي مميز وهي تقنية‬
‫ا�ستخدمها القا�ص ال�سوداين ب�رشى الفا�ضل ‪.‬‬
‫والقارئ لهذه املجموعة الق�ص�صية ‪ ,‬اجلديدة ‪ ,‬جتعلك تكت�شف ب�أن هنالك الكثري‬
‫من فجوات جمتمعنا التي مل تدخلها الق�صة الق�صرية وال الرواية ومنها املعرفة اجليدة‬
‫بالكثري من عاداتنا و�أدبنا ال�شعبي وتعددنا الثقايف ‪ .‬والتي حوتها امل�ضامني العميقة‬
‫والقوية لهذه املجموعة والتي اعتربها �إ�ضافة للق�صة الق�صرية ال�سودانية‪.‬‬

‫عز الدين مريغني‬

‫‪5‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كروموسوم واي‬ ‫‪6‬‬
‫�شاي �أزرق‬
‫ها هو يتم�شي ‪..‬‬
‫يرفع قدم و ي�ؤخر اخري ‪..‬‬
‫بد�أ لهم ك�أنه مي�شي متثاقال ‪..‬‬
‫كما الذي يتتبع �أثرا بالفعل ‪� ..‬أو كما �أرادت لهم �إرادة تفكريهم ‪.‬‬
‫ك�أنه يتق�صي �أثرا ‪ ..‬متلفعا ب�شال �أزرق اللون يتقاذفه الهواء مينة و‬
‫ي�رسة‪.‬‬
‫هذا اللون الأزرق املتكاثر‪  ‬حوله‬
‫و املتدفق ‪ ..‬اندفاق النيل الأزرق ‪ . .‬مرات كثرية يظهر به كلون‬
‫وحيد تقتله الوحدة و قد يكون يف بع�ض الأحيان متدرجا �أو مقلما و‬
‫لرمبا �أتاهم ذات �أم�سية يرتدي �أزرق مزرك�ش ب�أزرق لكن تدرجات‬
‫اللون متفاوتة ‪..‬‬
‫قالوا عندما قالوا ‪..‬‬
‫هل مازال يتتبع �أثر فتاة تنتمي لربج الثور تع�شق اللون الأزرق و‬
‫ت�شجع فريق الهالل؟‬

‫الأزرق اللون ال�سماوي‬


‫لون البحر ‪..‬‬
‫قالوا تعقيبا و امتداح‬

‫‪7‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫لكن فكرتهم عنه مل تكن �إال مثل خط�أ ارتكب مرتني فكرة خاطئة‬
‫متاما موغلة يف اخلط�أ‪.‬‬
‫مل يكن اللون الأزرق �إال حالة من الوالء اخلا�ص و اخلال�ص للعمال ‪.‬‬
‫فقد �شوهد يف ذاك النهار و هذا هو اخلرب الرئي�س الذي جعل منه �أيقونة‬
‫اللون الأزرق‪.‬‬
‫�شوهد و �سمع و هو تعلو انفا�سه و تهبط و يتح�س�س ب�إنفعال حواف‬
‫املن�صة التي وقف عندها ليقدم كلمة ب�إ�سلوب خطابي جيفاري ‪.‬‬
‫كل احلوا�س كانت �شاهدة و حا�رضة �آنذاك‪.‬‬
‫�سمع و هو يتحدث حديث الهام�ش لأهل‪  ‬الهام�ش بو�ضوح نربة‬
‫و لي�س هام�سا و يرتق عباراته مثلما يرتق العمال مالب�سهم القدمية‬
‫و تخرج الكلمات منه قوية لكنها متعبة حتاكي كدح و كفاح ملح‬
‫االر�ض‪.‬‬

‫�شوهدت انفعاالته املمزوجة بعرق عمال الن�سيج و قبل ذلك �شوهدت‬


‫له انكفاءة اللواتي يف احلقول عند جني طويل التيلة و هن معب�أة‬
‫ظهورهن و مثقلة بكومة منه �أ�شبه بكومة �صرب منقطع النظري تنتظرهن‬
‫علي امتداد الدهر ‪.‬‬
‫ت�شبه كومة �صرب �أخري تكافح بها بائعات ال�شاي و القهوة و الأكل‬
‫البلدي‪ .‬تكافح معهن يف مكان عملهن و يتزودن بها ليوم طويل �أ�شبه‬
‫مبتاهة عندما ي�أتي عامل البلدية و ي�صادر الكفترية بداخلها ماء يف‬
‫درجة الغليان و �ضيوف ال�شاي منتظرين و ينظرون �إيل بخار الكفترية‬
‫املت�صاعد من ماء يف ‪ 100‬درجة مئوية ‪.‬‬

‫تنتظرهن كومة ال�صرب ذاتها و حتيط بهن لت�شكل طوق حماية من بع�ض‬
‫�ضيوف ال�شاي الثقالء الذي يجئ بع�ضهم و لي�س له ثمة ارتباط ب�رشب‬
‫ال�شاي و لكنهم فقط يجيئون للت�أكد من بائعة ال�شاي ‪ ..‬كوراء هي ام‬
‫حوراء ‪.‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪8‬‬


‫يعود الراوي �إيل الرجل �أيقونة الأزرق بعد �أن �شاهده متجوال يف‬
‫مكان حتي الأزقة مل ي�ستثناها من جولته يتحدث ب�صوت حامي ب�صوت‬
‫جملجل حتي يظن ال�سامع �أن الآزفة قد �أزفت ‪.‬‬

‫املهن الهام�شية و ما �أدراك ما هي ‪..‬كانت حتمل حما�رضاته عناوين ما‬


‫ي�شبه و يتفرع من اجلملة �أول ال�سطر ‪..‬‬
‫املهن الهام�شية و ما �أدراك ما هي‪.‬‬
‫ماهية املهن الهام�شية‪.‬‬
‫هنات مهن الهام�ش‪.‬‬
‫�شيم املهن الهام�شية‪.‬‬
‫الإهانة يف مهن الهام�ش املهانة‬
‫ه�ش و ب�ش املهم�شني للمهن الهام�شية‪.‬‬
‫ال�صولة و اجلولة يف ف�ساد الدولة‪.‬‬

‫حما�رضات طويلة م�ستطيلة ذات حوا�شي‪  ‬حتدث فيها لأهل الهام�ش‬


‫بحديث قوي غري هام�س ‪ .‬بالرغم من ان املحا�رضات حملت عناوين‬
‫تدعو للطرافة لكنها كانت متعقلة جداً حيث يدور حديث العقل‬
‫بلغات العقل و �أكرثها �إدراكا للعاقلني و املتعقلني ‪.‬كما �شملت العالقني‬
‫يف الو�سط‪.‬‬
‫�س�ألوه ذات مرة و ال ي�س�أله �إال ال�شعب ‪ .‬كيف تنظر لل�شعوب الأخري؟‬
‫قال‪ :‬قبل‪  ‬النظر �إيل ال�شعوب الأخري كنت انتظر ‪..‬‬
‫انتظر �س�ؤال �آخر عن ال�شغل ال�شاغل لل�شعوب و الهم املاثل‬
‫قالوا‪ :‬ما الهم املاثل‬
‫قال احلرية يف �شتي �أنواعها و �أقوى مقا�صدها‬
‫قالوا‪ :‬ومن الذي ال يتوق لتن�شق عبري احلرية؟‬
‫قال‪ :‬قلتم العبري؟‬
‫بل هي املاء النمري‬
‫و خا�صة حرية التعبري‬

‫‪9‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�شعب بال ل�سان لي�س له مكان‬
‫لي�س له مكان بني االمم‬
‫و ال كيان‬
‫عندما ي�ضيع الل�سان ت�ضيع الذمم‬
‫و لي�س هناك ل�سان �أف�صح من ل�سان حرية التعبري‬
‫به ترجع احلقوق ال�ضائعة‬
‫و ت�شبع البطون اجلائعة‬

‫ثم �سادت حلظة �صمت‬


‫نظر فيها �شذرا ايل الأر�ض‬
‫و رفع نظره منها‬
‫و قال ب�صوته اجلهوري‬
‫الف�ساد ‪ ..‬يا ويله و ويله معها‬
‫حرية التعبري حتارب الف�ساد‬
‫و ت�رضب جذوره‬
‫لأن عندها يقال ما ال يقال عادة‬
‫و احلمد هلل نحن براء من هذا الوباء الذي يدعونه كتم احلريات‬
‫كما اننا ترب�أنا جميعا‬
‫من تهم الف�ساد ‪..‬‬
‫و كما تعلمون‬
‫يقبع املف�سدون كلهم يف ال�سجون‬
‫تركناهم ي�أكلون �أيامهم هناك‬
‫كما الأيام �أي�ضا �ست�أكلهم‬
‫ت�ساءل ال�شعب كيف ي�أكلونها‬
‫و كيف ت�أكلهم؟‬
‫قال و ال يرتدد يف القول و موهبة ل�سان طليق و حلول عجلي تنتظره‬
‫�أينما حلت م�شكلة‪..‬‬
‫قال‪ :‬ي�أكلونها و ت�أكلهم‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪10‬‬
‫ت�أكلهم بالتذكر‬
‫و ي�أكلونها بالتفكر‬
‫قالوا‪ :‬كيف �إذن‬

‫قال‪ :‬كل يوم مير عليهم يف ال�سجن ت�أكلهم الذكري للعي�ش الذي‬
‫عا�شوه‬
‫عي�ش رغيد بثمن زهيد‬
‫هاهي حريتهم زهقت بعد �أن كانوا �أحرارا و مل يكونوا �أحرار‬
‫قالوا‪ :‬كيف هذا يا رئي�سنا ‪..‬؟‬
‫قال‪ :‬كانوا �أحرارا يف جمع ما لي�س لهم ‪.‬‬
‫و مل يكونوا �أحرار عندما فقدوا ال�سيطرة علي �أنف�سهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كيف فقدوا ال�سيطرة ؟‬
‫قال‪ :‬عندما تظن انك امل�سيطر علي الأمور كلها حتي بني الإن�سان هم‬
‫حتت �سيطرتك‪  ‬و بالتايل حقوقهم ال تندرج �إال حتت حقوقك‪.‬‬
‫ال�سكوت لهم و لك الكالم‬
‫املجد لك و لهم املالم‬
‫ال�صحة لك و لهم اجلذام‬
‫�أنت احلالل و هم احلرام‬
‫�أنت الكرمي و هم اللئام‬
‫لك الكثري و لهم القليل من الطعام‬
‫لك البعري مبا حمل و لهم اخلطام‬
‫لك الثمار و لهم احلطام‬
‫لك الأعايل و لهم الركام‬
‫لك ال�سالم و لهم اخل�صام‬
‫لك ال�سكينة‬
‫و لهم تزعزع و �إنهزام‬
‫لك �إحرتام و هم دون �إحرتام‬
‫لك البيوت املرفهة و لهم الدلقن و اخليام‬

‫‪11‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫بيوت ك�أع�شا�ش احلمام‬
‫و ما كان جهدهم �إال �إجتهادا من �أجلك‪.‬‬
‫�سي�أكلونها و ت�أكلهم‬
‫ردد‬
‫و ما كان ال�سجن �إال و�سيلة جيدة لهم للتفكر و التفكري ملا �إقرتفوه ‪..‬‬
‫�سيذكرون‬
‫و يتفكرون‬
‫عندما كان الغالء الطاحن يطحن �أبواب الفقراء الذين ال يجدون‬
‫الطحني ‪ ..‬و �إذا وجدوه مل يكن اكتفائي‪..‬‬
‫كانوا هم‪  ‬يتناطحون يف �صنع ناطحات ال�سحاب‬
‫يتناطحون يف اجلمع و الطرح و الق�سمة‬
‫يجمعون املال الفا�سد‬
‫و يطرحون ما دونه‬
‫و ال يقبلون اي �إقت�سام ‪..‬‬
‫فن�ش�أ ما ن�ش�أ و ذر�أ ما ذر�أ‬
‫و نتيجة وزرهم‪  ‬هم الآن يف ال�سجون‪.‬‬
‫حرمناهم حتي الزيارة ‪.‬‬
‫اللهم �إال الزرازير التي حتط علي �سقوف الغرف �صدفة ‪..‬‬

‫ثم �إنربي �إيل و�صف ال�شعوب‬


‫قال‪:‬‬
‫�إن ال�شعوب يف تنوعها و تكاثرها ‪ ..‬بتجمعها و تناثرها‪ ..‬ب�صداماتها‬
‫و ا�صطداماتها ‪..‬بقلقها و نفورها ‪ ..‬بتحفظها و �سفورها ‪.‬‬
‫بتطورها و ت�أخرها ‪..‬بتفاعلها و انفعاالتها‪ ..‬بكرثتها و القلة ‪.‬بكربيائها‬
‫و الذلة ‪ ..‬ب�صمودها و خ�ضوعها ‪ ..‬بتحكمها يف الإمور و ت�ساهلها‪..‬‬
‫ب�إنقيادها بال تفكر و بوعيها و عدم الإنقياد ل�سال�سل اجلالد‪.‬‬
‫بحبورها و ال�رسور‪.‬‬
‫بحزنها و الفتور‪.‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪12‬‬
‫بتدينها و عدم التدين‪.‬‬
‫بخرابها و التزين ‪.‬‬
‫مبالحمها و البطوالت‬
‫بخذالنها و الإنكفاء�آت‬
‫ب�إلهامها و �إ�ستلهامها و �إهمالها و اللهو بها ‪.‬‬
‫بيقظتها و احلذر‪.‬‬
‫ب�صربها و ال�ضجر‬
‫بعميق نومتها و غفلتها‬
‫ب�صحتها و علتها‬
‫يف علو �ش�أنها و الهمة بجانب �إنطالقتها نحو القمة‪.‬‬
‫بتدين �ش�أنها و �إعتالل همتها‬
‫و �إلتزامها ال�سفح‪.‬‬
‫ب�إنهزامها و �إنت�صارها‪.‬‬
‫بتقديرها لبع�ضها البع�ض و عدم التقدير‬
‫بعلمها و جهلها‬
‫ب�رسها و جهرها‬

‫�أ�شبه ب�أبيات الق�صيدة‬


‫�صدر و عجز و قافية ‪.‬‬
‫من عجز عن الت�صدر كان يف الوراء‬
‫و من �أجنز و �إعجز كان مت�صدرا يف كل الإمور‪.‬‬
‫و كان القافية ‪ .‬و علي ال�شعوب الأخري ان تقتفي �أثره و تتبعه‪.‬‬
‫ال�شعوب �أ�شبه مبواويل عندما متيل جتاه احلاكم العادل الذي يلملمها‬
‫من ال�شتات و ميل�ؤها ثقة يف ذاتها و ال يعرتيه املالل من تقبل ال�شكاوي‬
‫و التي تكون غري خمت�رصة و مليئة باحلكايات عندما يتفرع مو�ضوع‬
‫ال�شكوي الأ�سا�سي �إيل حماور جانبية ‪.‬‬

‫ال�شعوب هي كما امل�سدار‬

‫‪13‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫حني تدور و تدار عجلة احلياة ‪.‬‬
‫فثمة �شعب جمتهد ي�صنع بجهده مركز دوران لل�شعوب االخري حول‬
‫مهنته زراعته و �صناعته ‪.‬‬
‫حول مهمته فثمة �شعوب تطلق الفرح و تطلق ما �سواه ‪ ..‬مهمة ما‬
‫�أهمها‪.‬‬
‫�شعوب ت�صنع الأمل و التفا�ؤل بعد �أن نه�ضت من ال �شئ‪.‬‬
‫ثمة �أمل �صغري يكرب‬
‫و كل �صغري جميل �إيل �أن يكرب‪.‬‬
‫هكذا كانت �إجابته علي �شعبه فقد كان يقر�ض ال�شعر ‪.‬‬
‫و�سط ذلكم الزخم الإنفعايل و زخ الكلمات التي ت�شحذ العزائم و‬
‫ترتفع بها الهمم ليتجاوز التفكري حدود كانت خطت م�سبقا و حواجز‬
‫وهمية ت�أ�صلت حتي �صار املرء روبوت لكنه ي�أكل و ي�رشب ما زال‪.‬‬

‫و�سط ذاك كله ‪ ..‬تطفو كلمات علي ال�سطح‬


‫�أموت �أنا يف �ست ال�شاي‬
‫و ليتني كنت هناك الهبهان‬
‫و بخور �صمغ اللبان‬
‫بعد ذاك اخلطاب احلكيم املتعقل تطفو عبارات تعترب �سمجة لرجل‬
‫تنعقد عنده العقد و حتل و ما �شوهد ان ا�ستخدم من�شارا لي�ست�أ�صل‬
‫عقدة بل مل ي�صنع عقدة بينه و بني �شعبه حتي ي�ضطر لإ�ستئ�صالها ‪.‬‬

‫�أموت �أنا يف �ست ال�شاي‬


‫و ليتني كنت هناك الهبهان‬
‫و بخور �صمغ اللبان‬
‫و ملفح الكتان‬

‫ملفح الكتان الذي تتلفح به و مل تفلح تلك العبارات ايل �أن ي�ستهجنه‬
‫ناخبوه املخل�صون له و غري املخل�صني ‪ ..‬كلهم �أجمعوا عليه كمخل�ص‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪14‬‬
‫بك�رس الالم مع الت�شديد خمل�صهم من ل�ؤم و �شدة ب�أ�س حكومة �سابقة‬
‫عندما انتخبوه يف املرة الفائتة ‪.‬‬
‫مل يلتفتوا لتلك الكلمات النيئة غري النا�ضجة و الناتئة غري امل�ستوية علي‬
‫بالط الكلمات و مت �إدراجها داخل �إطار احلرب الباردة التي حتدث‬
‫لزرع الفرقة و ال�شتات جتاه ناخبو املخل�ص املخل�ص ‪.‬‬
‫انتهي الأمر هنا و لي�س هذا بال�شئ الغريب ‪ cold war‬فقط ‪..‬‬
‫و انتهي الكوراك ‪.‬‬
‫لكن الغريب يف الأمر �أن ت�صدر ذاك امل�ساء ها�شتاق منه �شخ�صيا و‬
‫لي�س من �إدارة حملته وهو‬
‫�ست ال�شاي _ يف ح�شاي‪.‬‬

‫ليتبعه �آخر ب�رسعة �أقل من درجة غليان كفترية من الأملونيوم اخلفيف‬


‫حتت وهج من النار خميف و كان‬
‫‪� #‬ست ال�شاي _ يل �أنا_براي ‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كروموسوم واي‬ ‫‪16‬‬
‫جاليكوجني‪..‬‬
‫�أخربته‪..‬‬
‫�أخربته حني �أخربته �أال ي�أخذ كالمها مبحمل اجلد دائما ‪..‬ولكنها‬
‫�أعقبت بقولها حني �إلتفتت �إلتفاتتها املبتورة التي تتلك�أ علي جدار‬
‫�سميك من الثقة ‪..‬‬
‫�إذا �أخربتك ب�أن البهارات يف مطبخي �شارفت علي الإنتهاء هذا يعني‬
‫�أنك �أ�صبحت تبهرين ب�صورة متناق�صة‪..‬‬
‫مثل منطاد ينطلق يف الف�ضاء�آت البعيدة ثم يلقي ب�شئ �إيل الأر�ض‬
‫ف�إنه �سوف ي�سري ب�رسعة متناق�صة من �أعلي �إيل �أ�سفل فريتطم بالأر�ض‬
‫ويتحطم ‪..‬‬
‫هذا املنطاد هو قلبي و ال�شئ الذي يقع علي الأر�ض مل يكن �إال �إنبهاري‬
‫بك والأر�ض هي �أنت ‪..‬‬
‫�أنت الأر�ض ‪..‬‬
‫�أنت الأر�ض بكل ت�ضاري�سها وف�صولها وفوا�صلها و مداراتها وعواملها‬
‫الزاخرة ‪..‬‬
‫الأنفة خا�صتك تذكرين املرتفعات ال�شواهق وحينما تغ�ضب �أتذكر‬
‫بركان ثائر و �شالل هادر ‪..‬‬
‫�صدرك خ�ضم زاخر بالأ�رسار ‪ ..‬بعيدة �أغواره بل مل ي�سرب �أغواره �أحد‬
‫بعد‪..‬‬
‫حلمك ومرونتك ي�أخذانني �إيل منظر جدول رقراق باملاء‪ ..‬بل ك�أين‬
‫�أري املاء من�رسبا علي �سهل منب�سط نبتت فيه نباتات �شتي حتوم حول‬

‫‪17‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�أزهارها الفرا�شات ‪..‬‬
‫غيابك املوح�ش حني تغيب يجعلني �أتخيل غابة موح�شة مت�شابكة‬
‫�أ�شجارها ‪ ..‬وحينما تغتاب �أحدهم �أمامي وما كنت ت�ستمرئ الغيبة‬
‫ولكنك ك�أنك تر�سل يل ر�سالة ما ‪ ..‬ثم ت�ستغفر ‪ ..‬وقتذاك �أتذكر الغاب‬
‫�إنت�شا�ؤك ون�شوتك يذكرانني ال�شتاء بربده القا�سي و كوب �شاي دافئ‬
‫نرت�شفه �سويا ‪..‬‬
‫زهوك و�إفتخارك بي حينما تقدمني يف املجتمعات ‪..‬تقدمني ملعارفك‬
‫يجعالنني �أعي�ش مو�سم خريفي متكامل بكل كمال اللطف فيه ‪..‬لطف‬
‫لأر�ض جدباء قاحلة ‪..‬‬
‫�صربك و حالة ال�صفاء التي تالزمك و�أنت تكلمني ك�صديق عزيز‬
‫جتعلني �أقاوم حرارة ال�صيف بال جهاز تكييف ‪..‬‬
‫تربعك علي قلبي يذكرين الربيع حينما تبدل الأر�ض �أثوابها ‪ ..‬تتبدل‬
‫الأر�ض ب�أر�ض �أخري و تزدهي مبناخ يجعل ‪..‬‬
‫العابد يتلو ذكرا ‪..‬‬
‫والفنان ير�سم �صورة �أو ين�شد �شعرا ‪..‬‬
‫و قبلهم ‪..‬‬
‫الكون كله يزهو �سحرا ‪..‬‬

‫فرحك و�رسورك يفرحانني و �أ�شعر ك�أين ع�صفورة مغردة تتقافز علي‬


‫�أ�شجار ال�رسو ‪..‬‬
‫�أنت الأر�ض كلها ‪..‬‬
‫بكل ماحوت وما �إزدهت من زخرف وزينة ‪..‬لذا كلما قل �إهتمامك‬
‫بي �سريتطم بك عدم �إنبهاري ويتحطم عندك حلمي الأجمل ‪..‬‬
‫لذا البد من حيل جديدة جتعلني �أنبهر بك كثريا و �أ�شتاقك �أكرث و‬
‫�أحن �إليك حني �أراك حتمي حلمي الأجمل ‪ ..‬حلمي بك املزدهر علي‬
‫�أر�ضك يا �أر�ضي ‪..‬‬
‫و �إذا قلت لك ب�أن امللح متزايد هذا يعني �أن ملوحتك وعذوبتك‬
‫الكالمية جتعلني �أذوب مثل ف�صو�ص امللح ذاتها ‪�..‬أذوب يف ذاتك ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪18‬‬
‫ثم تنهنهت بكلمة يا ذاتي ‪..‬‬
‫ثم �أردف��ت لن ي�شكو منزيل قلة ال�سكر ما دمت تخطو بخطواتك‬
‫الواثقة كل بقعة يف بيتي و تخطط بعبقرية خارطة حياتي ‪ ..‬بيتي هو‬
‫بيتك‪..‬بيتك هو بيتي هو بيتنا‪ ..‬و حياتي هي حياتك‪ ..‬وحياتك هي‬
‫حياتي بل هي حياتنا معا ‪..‬‬

‫لن �أ�شكو قلة ال�سكر و �أنت ت�سكرين بر�ؤيتك ‪ ..‬للحد الذي نبهني‬
‫الطبيب ذات �آخر مرة زرته فيها ب�أن الن�ش�أ احليواين يرتاكم يف ج�سمي‬
‫ثم هم�س باللغة الإجنليزية حمدثا طبيب �آخر كان قد جل�س بجانبه حدثه‬
‫بكلمة ك�أنها جاليكوجني ‪ ..‬بل هي جاليكوجني ‪ ..‬حينما قالها يل �أنا‬
‫�أي�ضا ثم عطف عليها كلمة �آ�سف ‪ ..‬ماكان يدري �أين �أي�ضا �أفهم اللغة‬
‫الإجنليزية لكن ال �أ�ستطيع متييز امل�صطلحات العلمية ‪..‬‬
‫ن�صحني ب�أن �أقلل من ال�سكر قدر امل�ستطاع لأنه �سيكون هناك خطرا‬
‫حمدقا بي يف امل�ستقبل ‪..‬‬
‫قلت له يف �رسي ال �أ�ستطيع و هززت ر�أ�سي موافقة علي ن�صيحته يف‬
‫الوقت ذاته ‪..‬‬

‫كان ي�ستمع �إليها يف حالة �صمت ‪� ..‬صمت عميق ‪..‬‬


‫و كعهدها به ‪ ..‬مل يكرتث لكالمها عن ق�صد لي�ؤكد لها دون ق�صد ما‬
‫ت�سببه كلماتها فيه ‪..‬‬
‫ت�أثري كلماتها عليه كوقع ال�سحر حينما ينقلب علي ال�ساحر ‪..‬‬
‫ت�رضه �أكرث مما تفيده‪..‬‬
‫ت�رضه وفق قوانني القرية‪ ..‬كلماتها ت�صيبه يف �صميم رجولته ‪..‬‬
‫حني يهم�س لها ‪..‬‬
‫و املطلوب هو �أن يجهر لها ب�صوته علي الدوام حتي تكون يف حذر‬
‫من �أن تط�أ �سطوتها �أ�سوار رجولته العالية ال�شائكة ‪..‬‬
‫و قوانني القرية ت�ضعه حتت مراقبة ل�صيقة‪..‬‬
‫يف الإجتماعات الدينية كانت توجه له ر�سالة �ضمنية مفادها ب�أال‬

‫‪19‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫تتجاوز حدودها التي تكفل بها الدين‪ ..‬كما طلب منه �إمام القرية �أن‬
‫يخربها ب�أن ت�صلي يف بيتها وال تقرتب من امل�سجد ‪..‬‬
‫وحينما ذكره بحديث الر�سول الكرمي �صلي اهلل عليه و�سلم (ال متنعوا‬
‫�إماء اهلل م�ساجد اهلل)‪..‬‬
‫متتم قائال‪-:‬‬
‫دعها ت�أتي �صالتي العتمة والع�شاء ‪� ..‬إيل حني بناء م�سجد خا�ص‬
‫بالن�ساء ‪ ..‬يف قرية ي�سود فيها مفهوم �أن جميع العبادات للرجال ‪..‬‬
‫و للن�ساء كل املعا�صي و امل�آ�سي ‪..‬‬
‫�أما بخ�صو�ص متلك امل�ساحات و الأماكن لهن يف القرية �صدر مر�سوم‬
‫احلفرتني‪..‬‬
‫حفرة �إنبعاث احلياة ‪..‬‬
‫و‪..‬‬
‫حفرة حياتها بعد املوت قبل البعث ‪..‬‬
‫تتلخ�ص ب�صورة موجزة يف ‪-:‬‬

‫حفرة الدخان ‪..‬‬


‫حفرة القرب ‪..‬‬

‫�إحداهما ال يتجاوز قطرها ‪� 25‬سم �أو تزيد قليال ‪ ..‬و الثانية بعر�ض‬
‫�أقل وطول حني ال�رضورة تلحد فيها حني ي�أتي يومها املوعود ‪ ..‬يوم‬
‫قيامتها ال�صغري ‪..‬‬

‫حفرة �إنبعاث احلياة ‪...‬‬


‫جاءت الت�سمية مقرتنة ب�أحا�سي�س جمة ‪� ..‬إنبعاث احلياة لأنه كان دائما‬
‫ما ي�أتيها بعد مزاولتها حلمام بخار بوا�سطة دخان �أنواع معينة من‬
‫الأخ�شاب ‪ ..‬حمام من نوع خا�ص ال جتده �إال يف بلد بنكهة خا�صة و‬
‫قد ي�صادف �أن تتخلق حياة جدبدة يف ذاك امليعاد من اليوم‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪20‬‬
‫و قد تكون الت�سمية خا�صة باملر�أة ويف م�صلحتها نتيجة ما يحدث لها‬
‫من خفة وطالقة يف اجل�سم بعد تخل�صه من ماء زائد وملوحة م�صحوبة‬
‫بنوع من ال�سموم فيتجدد ن�شاطها و ترد �إليها الروح ‪..‬‬
‫عودة الروح لي�ست بعد �صحو من منام فقط و�إمنا �أرواحنا تتجدد‬
‫دائما وتعود ‪ ..‬حينما تكون خاملة وفقا ملا نتعر�ض له من �ضنك احلياة‬
‫وجفائها‪..‬‬
‫�سجدة هلل خال�صة ‪..‬‬
‫�صوت حمبب ن�سمعه ‪..‬‬
‫منظر جميل للطبيعة الغ�ضة ‪..‬‬
‫مثل‪..‬‬
‫زرقة ال�سماء �أو البحر ‪..‬‬
‫رائحة الرتاب املبتل و املتبل بنيرتوجني املطر ‪..‬‬
‫كل هذه الإمور م�سعفة ‪..‬‬
‫ت�سعف عودة الروح وجتددها يف اجل�سد ‪..‬‬

‫قد تعود ت�سمية �إنبعاث احلياة للرجل �ضمنيا حني ي�ؤكد �أن احلياة تنبعث‬
‫�إليه يف �آخر نهار جمهد و �صاخب بهموم احلياة ‪ ..‬فينتع�ش لرائحة هذا‬
‫املزيج املبهج و املهيج لطاقة تدفع عجلة احلياة و �إقت�صادها وفق ما ال‬
‫يتوقعه متخ�ص�ص يف هذه ال�ش�ؤون‪..‬‬
‫�أ�ضخم خبري �إقت�صادي در�س الإقت�صاد علي نظرية �أم ثالث ‪..‬ماء و‬
‫ب�صل و ويكة ‪..‬‬

‫بد�أت حفرة �إنبعاث احلياة تتحكم يف ت�سيري �سلطة البلد ال غرو يف‬
‫ذلك فالإقت�صاد و احلياة الإجتماعية العالية و الرفاهية �أ�صبحت ال‬
‫تنف�صل عن بع�ضها و تتوطد العالقة بينها مع احلفرة ذاتها ‪..‬‬
‫علي قدر �إنعتاقها و مرونة احلطب دائما ما ت�أتي النتائج‪..‬‬
‫مرونة احلطب املتمثلة يف �إختيار النوع املنا�سب الطلح �أم الهبيل‬
‫�أم ال�شاف؟‪..‬‬

‫‪21‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫الطلح �أوفر و �أرخ�ص ‪..‬‬
‫ال�شاف �أغلي من الطلح و �أندر‪..‬‬
‫الهبيل بني بني ‪..‬‬
‫كمية احلطب املنا�سبة ‪..‬طريقة �شق احلطب و تك�سريه ‪� ..‬أيدولوجية‬
‫�إنكماره يف احلفرة‪..‬هل هو م�ستلق �أم واقف ؟ ‪..‬‬
‫�إ�شعاله يف اخلارج ثم �إدخاله يف احلفرة ‪..‬‬
‫�أم ‪..‬‬
‫و�ضع جمرات من الفحم عليه بالداخل بوا�سطة املا�شة ‪..‬‬
‫ثم قد تتدخل و�ضعية النطع واملادة التي �صنع منها وم�ساحته ‪ ..‬النطع‬
‫الكبري يعطي براح وا�سع ل�سيدته لتجل�س متمهلة ‪ ..‬جتل�س علي مهل و‬
‫�إرتياح وبالتايل جتل�س �أكرث وقت و �أطول وقت ممكن ‪..‬‬
‫�أكرث وقت من ناحية تناول غذاء من ك�رسة الذرة املتخمرة معجونة باملاء‬
‫جُمت من طبيعتها ذات الرقائق مع �إ�ضافة ال�سكر ‪ ..‬ما ت�سمي باملو�صة‬
‫‪..‬‬

‫�أطول وقت من منطلق زمني حيث ال تقل الفرتة الزمنية عن ‪ 60‬دقيقة‬


‫�أي �ساعة مما ي�ؤدي لنتائج مبهرة ‪..‬بوا�سطة عالقة طردية ‪ ..‬جتل�سي �أكرث‬
‫نتائج �أف�ضل و �أبهر‪..‬‬
‫نتائج هي �أن ميكث بجانبك يف خ�ضوع تام ‪ ..‬ن�شاط متجدد ‪..‬‬
‫�إقت�صاد ماكوكي ‪..‬‬
‫تظهر نتائجه يف البيت وتنعك�س يف املحيط اخلارجي ‪..‬‬
‫يتدخل �أي�ضا زيت امل�سوح ‪..‬هل هو حملي بالقرنفل واملحلب؟ ومعتق‬
‫مباء ال�صندل ؟ �أم زيت ُمر �ساي ‪..‬‬
‫املحلي نتائجه ف�ضفا�ضة دون كالم و بال جدال ‪..‬‬
‫بعد امل�سوح ي�أتي دور ال�شملة التي تغطي كامل اجل�سم �إال الر�أ�س والتي‬
‫هي من ال�صوف كلما كانت ذات م�سامات منا�سبة كان �أف�ضل ‪ ..‬ذات‬
‫امل�سامات الوا�سعة تهدر الدخان وذات امل�سامات ال�ضيقة جتعله مكتوما‬
‫وحتول دون �أن يتنف�س اجل�سم فتبدو ال�سيدة كما �أدخلت يف زجاجة ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪22‬‬
‫هكذا يحدث منذ �أمد بعيد ‪..‬‬
‫ظهورك يف امللمات واملجتمعات ‪ ..‬تعني �أنك تعي�شني خالفات‬
‫زوجية حادة خالفات تنذر بالطالق ‪ ..‬ظهورك يف حالة الغبا�ش‬
‫الغبا�شي بدون هذا اللون الع�سجدي يف ج�سدك لون ورائحة ي�ضفيهما‬
‫مزيج الطلح وال�شاف كما الهبيل ‪..‬‬
‫و لرمبا تقديرك لزوجك قليل �أو قد متار�سني نوع من ال�سيا�سة ‪�..‬سيا�سة‬
‫تروي�ضية جتاه الرجل لأنه ال ي�ستجيب لبع�ض طلبات املنزل لأنه ي�شعر‬
‫ب�أنها �إمور �إن�رصافية ‪..‬‬
‫لذا ت�صدرين قرار عنوانه ‪ ..‬نكران حالة الدخان و التنكر لها ‪ ..‬وذلك‬
‫يتم بوا�سطة �أمرين ‪..‬‬
‫دفن م�ؤقت للحفرة ‪..‬‬
‫طمرها وغمرها باملاء ‪..‬‬

‫ففي جوالته التفقدية ال�رسيعة لأرجاء املنزل التي يقوم بها يوميا ومن‬
‫�ضمنها حفرة �إنبعاث احلياة يجد الذي يجده غمر باملاء ‪..‬‬

‫�أو ‪,,‬‬
‫ال يجدها �أ�صال بعد �أن ت�ساوت بالأر�ض يف وقت كانت تنفث برائحة‬
‫ال�شوق و الع�شق ال�شوق الأب��دي وع�شق ال يدانيه ع�شق �إال ع�شق‬
‫املت�صوفة ‪..‬‬
‫مما ي�صيبه يف عنفوانه ‪ ..‬ال ي�س�أل عن �شئ فهو من نوع الرجال الذين‬
‫ديدنهم الكتمان و الكتمان ذي ال�رصامة ‪..‬‬
‫لرمبا رجعت به الذاكرة قبل يوم �أو يومني ‪ ..‬لي�ستذكر ما ال�ضيق الذي‬
‫�سببه لها ‪..‬‬
‫لكنه ال ي�ستطيع �أن يلومها ‪ ..‬لأنها ما كانت لتلومه �أبدا ال تلومه علي‬
‫�أي �شئ تاركة له احلبل علي القارب يفعل ما يريد متي يريد‪..‬‬
‫ال يدري �أحد هل هو فرط الثقة �أم �إنفراطها ؟ �أم �إنها ت�أثرت بنبات‬

‫‪23‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫العوير املغرو�س �أمام منزلها ومنازل القرية �أجمعها ؟ نبات العوير ذي‬
‫الزهريات البنف�سجية ‪..‬‬
‫ال يدري �أحد حتي الآن ‪..‬‬

‫رغم �أنها ما ن�سيت و�صية جدتها لها يف يوم عر�سها ‪ ..‬دخلت اجلدة‬
‫املطبخ بخطوات متثاقلة جدا كمن يجر وراءه �أك��وام من الهموم‬
‫والك�آبة ‪ ..‬رغم �أنها مل تكن كذلك لكن عوامل مثل كرب ال�سن وجريان‬
‫نهر الزمن املتقادم علي ج�سدها جعل حركتها هكذا‬
‫دخلت املطبخ وخرجت منه حتمل يف يدها جك من الألومنيوم ممل�ؤ‬
‫باملاء ومت�أبطة غربال قدمي ‪..‬‬
‫وقفت �أمامها و�سكبت ماء جك الألومنيوم يف الغربال القدمي ‪..‬‬
‫�إنبهل املاء يف الأر�ض بقلة �صرب ‪ ..‬ثم قالت ‪ :‬يا بتي البي�ضمن الرجال‬
‫ي�ضمن املوية يف الغربال ‪..‬‬
‫ثم قالت ‪� :‬إذا ما �صو�صلتي البليلة كوي�س بيح�صل �شنو؟‬
‫ردت الفتاة وهي جتل�س علي كر�سي التعليم والتعلم من احلبوبة املعلمة‬
‫الأويل ‪ ..‬ردت حني ردت بتكون بي حجارتا ‪..‬‬
‫�أها يابتي الرجال البليلة �أم حجار ‪ ..‬بتقدري تاكليها ؟ بتتااكل ؟ كناية‬
‫عن قهر الرجال و ب�أ�سهم ال�شديد كلهم يف بع�ضهم وبع�ضهم يف كلهم‬
‫ذكرت اجلزء و �أرادت الكل ‪..‬‬

‫ثم �أردفت �أوعاكي تتب�شتني ‪� ..‬إتكحلي من ال�صباح قبل ما ت�سوي‬


‫ال�شاي‪..‬‬
‫و �إمت�سحي متام ‪..‬‬
‫و ريحتك تكون حلوة علي الدوام ‪..‬و �أكلك حار وبارد يف وقت‬
‫واحد‪..‬‬
‫بارد وحار ‪ ..‬مبهر وبدون بهار ‪..‬‬
‫م�سيخ وطاعم ‪ ..‬طاعم وم�سيخ ‪..‬‬
‫و ما تعانديهو ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪24‬‬
‫و كان قال ليك �أعملي من الف�سيخ �رشبات �أعمليهو‪..‬‬
‫كدة يابتي بتك�سبيهو ‪..‬‬
‫ماتعانديهو ‪ ..‬دخلت اجلدة وخرجت وهي تدندن بالكلمة ‪..‬‬
‫ما تعانديهو ماتعانديهو‪..‬‬
‫حي�شوف �أقرب عود يدقك بيهو ‪..‬‬
‫ما تعانديهو ‪..‬‬
‫وكان ما دقاك بيعر�س فيك ‪..‬‬
‫و دا املابياهو ليك ‪..‬‬
‫و �أخري يدقك وال يعر�س فيك ‪..‬‬
‫ال�رضة تنج�ضك و تغت�س(تغط�س) حجرك‪..‬‬
‫�أها يابتي قلتي �شنو؟‬

‫كان �أطعتيهو بديك عيونو و بكون ليك ذي اخلامت يف �إيدك‪..‬‬


‫و كان عاندتي حتكوين زي ما ت�شيلي �أ�صبعك تطبزي بيهو عيونك ‪..‬‬
‫ما تعانديهو ‪..‬خرجت بها بعد �أن دخلت‪..‬‬
‫للحد الذي قالت حفيدتها التي تتهي�أ حلياة جديدة قالت ليتها �سكتت‬
‫عملت بو�صية جدتها ‪� ..‬ضاربة �أروع الأمثال حلاالت هي ال�صرب و‬
‫الن�ضال و طول البال جتاه الرجال ‪..‬‬

‫م�ضي �إيل عمله بعد �أن ودعها ‪ ..‬مل تقم من مكانها ‪� ..‬إنتظرته �إيل حني‬
‫�أغلق الباب وراءه ‪ ..‬نه�ضت �رسيعا ‪ ..‬واربت الباب لتنظر �إليه نظرات‬
‫مت�سكعة بت�أين جموح ‪..‬‬
‫تعود ملكان �إ�ستلقت فيه قبل خروجه لتجد برنامج متلفز برنامج يتزامن‬
‫مع قرار نكران حالة الدخان الذي �إعتمدته قبل يومني ويتعار�ض معه‬
‫ب�ضدية ‪..‬‬
‫كانت فكرة الربنامج تدور حول املهرجان ال�سنوي الذي تقيمه دولة‬
‫من الدول املتقدمة يف التقانات الزراعية ‪ ..‬كرنفال ال�شجرة ‪ ..‬خ�ص�ص‬
‫ذاك العام لنباتات و �أ�شجار ت�ساهم يف زينة الن�ساء و �إنبعاث اجلمال‬

‫‪25‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ون�رشه يف املكان ‪..‬‬
‫اجلمال ب�شقيه ‪ ..‬احل�سي و ال�شعوري ‪..‬‬
‫اجلمال احل�سي الذي ميكننا �أن نتح�س�سه و نلم�سه ونراه ‪..‬‬
‫اجلمال ال�شعوري الذي تتجمل به الروح حني تتفكر يف قدرة اهلل وهي‬
‫تري الأ�شجار و النباتات املختلفة‪..‬‬
‫تختلف يف لون اللحاء الذي ي�شبه الب�رشة يف الإن�سان ‪..‬‬
‫تختلف يف البنية التي ترتاوح بني طول وق�رص ‪ ..‬ومتدد وتفرع وزحف‬
‫ت�سلك النباتات �سلوك الب�رش حينما تتمدد و تزحف �شبيهة بامليول‬
‫التو�سعية لدي بع�ض النا�س ‪..‬‬

‫املهرجان يجمع �شخ�صيات مولعة باجلمال من بلدان �شتي حيث‬


‫يتبادلون الأفكار و الإ�ستنارة حول كيف يجعلون من كوكب الأر�ض‬
‫كوكب من جمال بعيدا عن ال�شناءة والقبح ‪ ..‬القبح املتمثل يف ع�ضة‬
‫اجلوع املوجعة و احلرمان الذي يقود للم�شكالت و طغيان احلروب و‬
‫قهر الإن�سان لأخيه الإن�سان ‪ ..‬و هد�أة اجلوع ‪..‬هد�أته التي حتقق الأمن‬
‫و ت�صنع املعجزات ‪..‬فينت�رش اجلمال ‪..‬‬
‫ي�ستخدمون اجلمال كمحفز للطاقة الإيجابية يف النف�س الب�رشية التي‬
‫هي وقود النجاح يف معظم امل�رشوعات بل جلها ‪..‬‬

‫�أهم امل�رشوعات يف احلياة والتي لها الأولوية دائما و�أبدا هي الأمن‬


‫الغذائي وبدون غذاء ال �أ�ستطيع �أن �أ�سمعك �أو �أراك وال �أ�سمح لك �أن‬
‫ت�سمعني �أو تراين ففي كل احلاالت تقل قوتنا الإدراكية و ينح�رس �صربنا‬
‫و �إهتمامنا بالنا�س ‪..‬‬

‫املهرجان كان �ضاج ًا ‪..‬بالرجال و الن�ساء‪..‬‬


‫حتدثوا ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪26‬‬
‫�أثروا بع�ضهم البع�ض و �أ َثروا يف بع�ضهم البع�ض ‪�..‬سيدات من دول‬
‫خمتلفة حتدثن ومن بينهن �سيدة يف �أواخر اخلم�سني �سيدة �سمراء من بالد‬
‫ال�سمراويني و ال�سمراويات �إنربت و �إعتلت املنرب لتحكي ق�صة اجلمال‬
‫القدمية عند ال�سمراويات ‪ ..‬ق�صة �أبطالها الأ�سا�سيني هم ‪-:‬‬
‫حطب الدخان و النطع و ال�شملة وحفرة يتم �إحتفارها يف الأر�ض‪..‬‬
‫قبل �أن يكتمل حديث املر�أة عن �أ�شجار اجلمال يف بالد ال�سمراويني‬
‫حديث كان مدعما بال�صور و التقارير التي حتكي ق�صة كل �شجرة كما‬
‫توثق حلمام البخار بوا�سطة تلكم الأ�شجار‪..‬و�أبطاله الأ�سا�سيني وغري‬
‫الأ�سا�سيني ‪..‬‬
‫قبل �أن يكتمل حديثها كان �أن تبنت منظمة بيئية و خمت�صة بحماية‬
‫الأ�شجار التي ت�ؤثر �إجتماعيا و تقود �إيل �إ�ستقرار �إقت�صادي تبنت‬
‫م�رشوع بحثي متكامل عن �أ�شجار اجلمال يف بالد ال�سمراويني ‪..‬‬
‫م�رشوع بحثي لإ�ستنباط �أنواع جديدة بعد �أخذ حبوب اللقاح من‬
‫الطلح و الهبيل و ال�شاف و مزاوجتها مع بع�ضها البع�ض بعد �أن تو�ضع‬
‫يف ميا�سم ال�شجرات ذاتها لعمل توليفة جديدة هكذا‪..‬‬
‫عند �أخذ الهبيل و ال�شاف ‪..‬متوك الهبيل تو�ضع يف ميا�سم ال�شاف ‪..‬‬
‫الهبيل و الطلح ‪ ..‬متوك الهبيل تو�ضع يف ميا�سم الطلح ‪..‬‬
‫الطلح و ال�شاف ‪..‬ت�ؤخذ متوك الطلح تو�ضع يف ميا�سم ال�شاف ‪..‬‬
‫ ‬
‫بينما كان يتحلق حول ملخ�ص احللقة الرباجمية التي قامت بتدوينها‬
‫وو�صفها و�صف دقيق ‪ ..‬يف الوقت ذاته كانت هي تتحلق حول �آنية‬
‫الفخار ‪..‬‬
‫�آنية الفخار التي ال ت�ستطيع �أن متار�س �أي حيلة ماكرة جتاهها ‪ ..‬ال‬
‫ت�ستطيع غمرها باملاء لأنه �سينت�شله ‪..‬‬
‫ال ت�ستطيع طمرها بالرتاب ي�ستطيع تفريغه ‪ ..‬ال ت�ستطيع ك�رسها و‬
‫حتطيمها لي�س لأنها ال حتب اخلراب ‪ ..‬ولكن �شئ ما يف نف�سها مينعها‬
‫حتطيم هداياه �إليها ‪..‬‬
‫يف الوقت الذي كانت ترتدد �أفكارها يف ر�أ�سها كان هناك هم�س ما‪..‬‬

‫‪27‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫هم�س يقول ‪� ..‬آنية الفخار طريقة م�ستحدثة تر�ضي الطرفني ‪..‬‬
‫منبعجة يف الو�سط م�ستدقة من اجلانبني ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪28‬‬


‫كرومو�سوم واي‬
‫رفع يده ‪..‬‬
‫رفعها ثم و�ضعها ‪..‬‬
‫رفعها مرة �أخري حك �أذنه ‪..‬‬
‫�أنزلها لي�ضعها يف خده ‪ ..‬لتنزلق و ت�ستقر علي ذقنه غري احلليق ‪..‬‬
‫كلها كانت حماوالت ‪..‬‬
‫كانت حماوالت كلها ‪..‬‬
‫حماوالت كلها كانت ‪ ..‬مل تنتبه لها �إال �أخريا ‪..‬‬
‫كان يريد �أن يريها خامت زواجه ‪..‬‬
‫هل �أراد �أن يقهرها ؟ هل �أراد لها �أن ت�سلك طريق الأمل ؟ �أم الأمل يطرق‬
‫قلبها مبطرقة احلزن فيطفو حزنها علي �سطح حياتها ؟‬
‫بل �أراد �أن يقهرها ‪ ..‬هذا وفقا حلالة الرتب�ص التي ع�شع�شت فيها منذ‬
‫�أمد بعيد ‪ ..‬حا�سة الرتب�ص التي جتعلها ت�شتم رائحة الورد اجلميلة كما‬
‫بقايا ب�صل الطبخ يف يدها ‪..‬‬
‫مل ت�شعر ب�أي نوع من القهر ‪ ..‬وال �شئ من الأمل �إال كمن �شاكته �شوكة‬
‫�صغرية وتال�شي �أملها �رسيعا ‪..‬‬
‫ملاذا ما �شعرت بالقهر ؟‬
‫لأنها تعي�ش يف و�سط جمتمعي �شقائق الرجال فيه مقهورات بالفطرة ‪..‬‬
‫تولد مقهورة و تعي�ش مقهورة و متوت قهرا ‪..‬‬
‫�شقائق الرجال مقهورات وفقا ملا ي�أتي ‪:‬‬
‫للكالم حدود بني �سمعا و طاعة ‪..‬‬
‫لي�س لديها تطلعات �أو ر�ؤي ‪..‬‬
‫‪29‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫�إذا جاءتها جر�أة وتطلعت ‪..‬‬

‫تطلعها يندرج فوق و حتت وبني �أواين الطبخ و ال�ستائر و املفار�ش ‪..‬‬
‫و �أماين حليازة كمية كبرية من احللي الذهبية و املجوهرات ‪..‬و هذه‬
‫الأمنيات تندرج حتت بند التطلعات الذكية وفقا للمثل الذي يقول‬
‫القر�ش الأبي�ض لليوم الأ�سود ‪..‬‬

‫امل�ساحات حم�صورة يف احلفرتني ‪..‬‬


‫التواجد دائما يف اخللف ‪ ..‬خلفه ‪..‬‬
‫حما�رصة دائما ‪..‬‬
‫دائما يف حالة ح�صار ‪..‬‬
‫حينما تبد�أ طفولتها بالتفتق و الإزدهار حتا�رص باخلتان الفرعوين ‪..‬درءا‬
‫للم�شاكل الأخالقية ‪..‬كما يظنون ‪..‬‬
‫كربت قليال ‪..‬‬
‫يبد�أ التفكري يف �سرتها بالزواج ‪ ..‬جملة بني اجلمل ت�ؤكد �أن الزواج هو‬
‫املبتد�أ واخلرب يف �آن واحد ‪ ..‬هو الفعل و الفاعل و املفعول به ‪..‬‬
‫مبتد�أ للفتاة و خربها ومنتهاها ‪..‬‬
‫هو الفعل و الفاعل و املفعول به ‪..‬‬
‫هو الفعل حني يفعل ما يفعل بالفتاة من حالتي الرتقب و الإنتظار ‪..‬‬
‫هو الفاعل حني مينحها كرامة �إجتماعية فاعلة �أكرث من غري املتزوجة ‪..‬‬
‫و املفعول به حني تطم�س معامله و دوره الأزيل يف تكوين املجتمع‬
‫ال�صالح ‪ ..‬تطم�س باملباهاة و املاليني و فطور العري�س و طقو�سه العبثية‬
‫جملة �أن الزواج �سرتة للبنت �أ�شبه بحالة جترمي م�سبق ‪ ..‬وكلمة ال�سرت‬
‫التي تقود �إيل الت�سرت ومنها تنبثق كلمة �رس تالحق الفتاة منذ والدتها‪..‬‬
‫حيث ال �ضجة وال زغاريد ت�شبه �ضجة و زغاريد املولود الذكر ‪ ..‬ثم‬
‫تبد�أ املباركة ‪..‬‬
‫�إن �شاء اهلل تكون من امل�ستورات ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪30‬‬
‫ربنا ي�سرتها ‪..‬‬
‫ربنا ي�سرتها و يكربها ‪..‬‬
‫م�ستورة يا �أخوانا ‪..‬‬
‫فتحيط بها من وقتها الأ�سوار ‪� ..‬أ�سوار ال�سرت اخلفية ‪ ..‬حركة حمدودة‬
‫و �صوت خفي�ض مفردات منتقاة ‪..‬‬
‫تزوجت‪..‬‬
‫تزوجت؟‬
‫تبد�أ حما�رصتها بالإجناب �إذا �أجنبت �أحدثت خريا ‪� ..‬إال و ال�رش امل�ستطري‬
‫يتابعها �إن مل تنجب ‪� ..‬رش لدرجة الت�شا�ؤم ‪..‬‬
‫�أجنبت ‪..‬‬
‫�أجنبت؟‬
‫ما نوع اجلنني الذي �أجنبته ؟ بنت �أويل ‪ ..‬بنت ثانية ‪ ..‬بنت ثالثة ‪..‬‬
‫�ستوا�صل �سباق الإجناب مع ر�صيفاتها �إيل حني ي�أتي مولود ذكر ‪..‬‬
‫�أتي مولود ذكر ؟‬
‫كتبت لها النجاة �إال و�شبح الزوجة الثانية يطاردها يف �أي مكان مت�ضي‬
‫�إليه ‪..‬يف الوقت الذي لي�س لها �أي يد �أو دور يف املو�ضوع ‪..‬‬
‫دور قريب �أو بعيد ‪..‬‬
‫فالكرومو�سوم واي امل�س�ؤول من �إجناب الذكور خا�صته هو ‪ ..‬بيده‬
‫هو مفتاح �إجناب الذكور ‪ ..‬الباب الذي يولج به �إيل جنة الرجال‬
‫وجحيمهم مفتاحه عند الرجال ‪..‬‬
‫�أي عدل هذا؟ اللهم لك احلمد ‪..‬‬
‫ر�أفة بنا نحن الن�ساء ‪ ..‬اهلل جل يف عاله �أنقذنا ‪ ..‬من امل�س�ؤولية هذه ‪..‬‬
‫م�س�ؤولية جت�شم حتديد نوع املواليد الرجال ‪..‬‬
‫هكذا دارت يف خياالتها كل هذه ال�سجاالت و هي مازالت تذكر‬
‫كيف �أنه تزوج الأويل ف�أجنبت البنت الأويل ‪ ..‬ثم حملت للمرة الثانية‬
‫ف�أجنبت البنت الثانية ‪..‬‬

‫‪31‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫دارت الأيام دورتها ‪� ..‬ضاجعها ‪ ..‬ف�أجنبت زهرة ثالثة ‪..‬‬
‫ت�ضجر لكن ما تكلم ‪..‬‬
‫جاءت الزهرة الرابعة �أكرث تفتحا ‪..‬‬
‫تلتها اخلام�سة ‪..‬‬
‫بد�أت تظهر بوادر م�شكالت يف �سماء عالقته الزوجية ‪� ..‬سحب و‬
‫�ضباب ‪� ..‬ضباب يف العالقة ‪ ..‬يف الوقت الذي كانت حياتهما و‬
‫توافقهما م�صدر توافق و�سعادة القرية ب�أجمعها ‪ ..‬وحالة التوافق بينهم‬
‫متاثل حالة �إن�سكاب ال�سمن علي الع�سل ‪..‬‬
‫بد�أ يت�ضايق من جاره الذي ينعته ب�أبوالبنات و حني يالقيه و ي�سلم عليه‬
‫‪� ..‬إزيك يا �أبوالبنات ‪ ..‬وين �إنت من �أمبارح ما �شفناك يا �أبوهن ؟‪..‬‬
‫يف قمة ال�ضيق و �ضبابية املوقف تكورت بطنها للمرة ال�ساد�سة خرجت‬
‫بنتا قرر يف داخله �أمرا ‪� ..‬سيمنحها فر�صة �أخري �أو فر�صتني ‪ ..‬فكالم‬
‫النا�س يطن يف �أذنه ‪ ..‬كادت �أذنه �أن تُقد من الكالم و الطنني ‪..‬‬
‫مولود‪ ..‬مولود ذكر ‪ ..‬البد من مولود ذكر‪ ..‬مولود ذكر يحمل‬
‫�إ�سمك ‪..‬مولود ذكر يرث هذا املال ‪..‬و هذا التعب واجلهد ‪ ..‬تعبك‬
‫وجهدك الذي �أنتج مالك يف حوجة ليحميه مولود ذكر ‪..‬‬
‫تف�شي اخلرب عن لوعته وحنينه �إيل �صبي ‪ ..‬ن�ساء القرية بد�أن يف تزيني‬
‫بناتهن ‪ ..‬حتي البنات اللواتي تفلطحت �أفخاذهن من زمن قريب‬
‫كلهن دخلن يف القرعة التي نتاجها احل�صول علي �أم املولود الذكر ‪..‬‬
‫عاد يف ذاك امل�ساء و �أ�صدر زوبعة رعدية ب�صوته ‪� ..‬إ�ضطربت قليال ‪..‬‬
‫دخلت و خرجت دون �أن تدري ملاذا دخلت �أو خرجت و لأي �شئ‬
‫قادتها �أقدامها للداخل و �أخرجتها للخارج ‪..‬‬
‫�إقرتب منها وقال �أمامك فر�صتني لتجيبي يل ولد ‪ ..‬عاوز ولد �أو‬
‫�س�أتزوج يف احلال ‪� ..‬إن�رصف عنها وهو يردد‬
‫مولود ذكر‬
‫و �إن طال ال�سفر ‪..‬‬
‫مولود ذكر و�إن طال ال�سفر ‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪32‬‬


‫قبل �أن ين�رصف كانت قد �أعطته ظهرها و قالت اللهم �إين �أعوذ بك‬
‫من �ض�آلة احلال و قهر الرجال و �سوء امل�آل ‪..‬‬
‫قدمت �ض�آلة حالها لأنها �شعرت بنف�سها �ضعيفة و لوال ذلك ملا وجد‬
‫طريقا �إيل قهرها و �أخرت �سوء امل�آل لأنها ال تدري ما الذي يحدثه هذا‬
‫القهر ‪ ..‬وتو�سط التعوذ من قهر الرجال بني �ض�آلة احلال و �سوء امل�آل‬
‫لأن له ذراع متتد هنا و �أخري م�شتبكة هناك ‪..‬‬
‫يف اللحظة ذاتها الهايبوثاملث ي�صدر �إ�شارتني جمتمعتني يف مرة واحدة‬
‫�إيل القونادو اخلا�ص بها ‪�..‬إحتفل هذا الأخري يف ذاك ال�شهر �إحتفالني‬
‫غري عادته ‪ ..‬مرة واحدة جمتمعة بال�شمال وباليمني ‪..‬‬
‫�إجتهت �إيل املقرون �أخرجت قنينة تبعرثت يف احل��ال رائحتها ‪..‬‬
‫ل ج�سده املكان ‪..‬‬ ‫ت�ضمخت بعطرها كان متمددا يف و�سط ال�رسير مي أ‬
‫�إن�سلت �إيل فرا�شه بهدوء �إختل�ست طرف الفرا�ش و نامت ‪..‬‬
‫بعد �أ�شهر معدودة �صحت من نومها علي �أمل طلق مل تعتده من قبل‬
‫�أ�شبه مبوجة عاتية ‪ ..‬خرجتا ‪ ..‬زهرتان ‪� ..‬إخت�رصت الفر�صتني يف مرة‬
‫واحدة ‪ ..‬مل ت�شعر بالندم من فوات الفر�صة التي جاءت مند�سة يف‬
‫�أختها مل تندم �أبدا فقد كانت مرهقة من كرثة الوالدات ‪ ..‬والدات‬
‫متالحقة ‪ ..‬مرهقة بنوع من القلق يطاردها كل حني و �أ�سئلة حول‬
‫كيفية �إر�ضائه ‪ ..‬زوجها ‪� ..‬إر�ضا�ؤه بق�ضاء اهلل وقدره و تذكريه ب�أن‬
‫اهلل ‪..‬‬
‫(يخلق ما ي�شاء يهب ملن ي�شاء �إناثا و يهب ملن ي�شاء الذكور �أو يزوجهم‬
‫ذكرانا و �إناثا و يجعل من ي�شاء عقيما )‪..‬‬

‫دخل م�رسعا وجدها مم�سكة ب�إحدي البنتني ‪�..‬أخربته يف هدوء حني‬


‫قالت باقي يومني لل�سماية ‪..‬‬
‫متذكر ‪..‬‬
‫متذكر ‪..‬‬
‫رد ب�إقت�ضاب و توتر و �أردف �ستكون ال�سماية الأخرية يف البيت دا‪..‬‬
‫الأخرية ‪ ..‬الأخرية ‪..‬‬

‫‪33‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�س�ألته بذات الهدوء عندك �أ�سماء للبنات ؟‬
‫ال ال ما عندي �سميهن �إنتي ‪..‬خرجت كلماته �أكرث توترا ‪..‬‬
‫�إجتهت نظراتها بعيدا عنه و بعد فرتة ‪..‬‬
‫فرتة لي�ست بالق�صرية كما �إنها لي�ست طويلة �أخربته ب�أنها �سوف تطلق‬
‫علي البنت التي خرجت �أوال �إ�سم �أقدار و البنت التي ت�أخرت مما‬
‫�إ�ضطرت القابلة �أن جترها �سوف ت�سميها �إ�رصار ‪..‬‬
‫بدون �إكرتاث قال لها علي كيفك ‪� ..‬سميهن زي ما ت�سميهن ‪..‬‬

‫تو�أم غري مت�شابه يف الوقت الذي كانت متيل �أقدار نحو الإ�سمرار كانت‬
‫�إ�رصار بلون قامت ‪..‬لون النب املقلي بطريقة و�ضع النب بني جمرات النار‬
‫يف قدح خ�شبي ثم حتريكه بنف�ضه يف الهواء ثم �إرجاعه ‪..‬‬
‫تو�أم غري مت�شابه يف حالة ت�آذر معها و ت�آمر �ضده حينما قالت له‪:‬‬
‫بناتي بنفعني و ما عندي �شغلة بيك ‪..‬‬
‫عر�س طوايل الليلة قبل باكر ‪..‬‬
‫قالت هذا الكالم ب�شجاعة حت�سد عليها ‪..‬‬
‫ثم �إلتفتت �إيل احلائط متمتمة ‪..‬‬
‫الرجال ‪..‬‬
‫البليلة ‪..‬‬
‫الرجال البليلة ‪..‬‬
‫البليلة �أم حجار‪..‬‬
‫�أخربها ب�أنه هذه املرة ال يريد دعوة �أي �أحد من رجاالت القرية ‪..‬‬
‫�سوف يعمل ال�سماية حتت بند كرامة و �سالمة ‪� ..‬سوف يذبح اخلراف‬
‫ويتم توزيع اللحم يف بيوتات القرية بدون �أدين �ضجة ‪..‬‬

‫و يف نف�سه كان يقول �سوف �أقيم عر�س عظيم لأم الولد اجلديدة و‬
‫بعد �أن ت�أتيني به �س�أقيم العر�س الأعظم ‪ ..‬كل القري املجاورة �ستحتفل‬
‫يف بيتي ذاك اليوم ‪� ..‬سوف تقرع الطبول من جهة ومن جهة �أخري‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪34‬‬
‫�ستدق النوبة حتي ال�صباح �س�أقيم حلقة ذكر كبرية و ت�أتي فطوم اخلبرية‬
‫يف رمي الزالبية لت�صنع �صنيعها من الدقيق و خمرية البرية ‪ ..‬ال�شاي‬
‫تدور كفاتريه علي النا�س مع الكبابي و كل زول يف القرية ي�رشب مرتني‬
‫و �إذا �أراد �أكرث من ذلك فله مايريد ‪..‬ثم ت�أوه ‪� ..‬أخرج �آهة عميقة من‬
‫الداخل ‪..‬‬
‫�س�ألته‪�..‬إن �شاء اهلل خري و�سالمتك من الآهة ‪�..‬إنتبه حينها �إنه مع �أم‬
‫البنات مازال طلبت منه �أن يحمل �إحدي البنتني و يقبلها كعادته حينما‬
‫تولد له بنت يف كل مرة حيث كانت هذه زيارته الثانية لها بعد خما�ض‬
‫ع�سري ‪..‬الأويل كانت بعد �أن دخل وحتمدل لها ال�سالمة و البنتني‬
‫طريتني باملاء الأمنيوين ‪..‬‬
‫زيارته الثانية ت�أتي يف اليوم اخلام�س ‪..‬ماكان مهتم ب�أمر ال�ضيفتني‬
‫احللوتني اجلديدتني بل كان كل همه من�صب جتاه الع�صارة البلدية‬
‫اجلديدة التي �أقامها يف قرية جم��اورة‪ ..‬كان �أكرث همه يدور حول‬
‫التفاو�ض من �أجل �رشاء جمل للع�صارة اجلديدة‪..‬‬
‫فهو ميتلك �أ�سطول ع�صارات بلدية تنتج زيت ال�سم�سم النقي ‪� ..‬إ�ضافة‬
‫�إيل �أنه مزارع قدير ‪ ..‬ميتهن زراعة ال�سم�سم مهنة متوارثة �أبا عن جد ‪..‬‬
‫فهو مزارع‬
‫�إبن مزارع‬
‫�إبن مزارع‪..‬‬

‫�إن�صاع حلديثها ‪ ..‬جل�س بجانبها و �أخذ �أقدار و�ضعها علي كتفه ‪..‬‬
‫أح�س ب�شئ دايفء ي�سيل علي ظهره‬‫كانت تتميع كما ال�صغار يتميعون � ّ‬
‫كانت قد تقي�أت ‪ ..‬نظرت الأم نظرات �إعتذار و قالت �إنها مل تربت‬
‫علي ظهرها بعد �أن �أر�ضعتها و ما جت�ش�أت لأن �رصاخ �إ�رصار �أزعجها‬
‫ف�أخذتها عجلي ‪..‬‬
‫قام بتبديل اجلالبية ‪ ..‬بعدها خرج م�رسعا من الدار متجها نحو ال�سوق‬
‫حيث يعمل يف �إدارة الع�صارة ‪ ..‬و يف طريقه �إيل هناك �إلتقته �إحدي‬
‫قريباته �سلمت عليه و �أخربها �أنه رزق ببنتني ‪ ..‬المته لوم يائ�س ‪..‬‬

‫‪35‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫بائ�س ‪..‬‬

‫ليه ما كلمتنا بيهن؟ نحن ما �سمعنا واهلل ‪ ..‬ثم و�سو�ست له ‪� ..‬شهق‬


‫مرتني وقال ح �أجيكم بعدين ‪..‬‬
‫جركان متو�سط من زيت ال�سم�سم النقي يتقدمه ‪ ..‬ي�سبقه �إيل بيت‬
‫قريبته التي �إلتقته يف ال�صباح ‪ ..‬يتقدمه وي�سبقه بوا�سطة �أحد �صبيانه ‪..‬‬
‫كانت متيل �إيل الغروب �شم�س ذاك النهار �إن�رصف ال�صبي من الباب بعد‬
‫�أن قام بت�سليم اجلركان الهدية من �أجل الزوجة امل�ستقبلية ‪..‬‬
‫قبل �آذان املغرب بقليل كان قد وطيء بقدميه فناء الدار ‪ ..‬دار قريبته‬
‫الأرملة ‪ ..‬خم�سينية خال�سية ‪ ..‬فو�ضوية املالمح و بنتيها الأثنتني‬
‫ت�شبهانها متاما ‪..‬‬
‫�إتف�ضل ‪�..‬إتف�ضل �سمع ال�صوت من بعيد بعد �أن قام هو بت�صفيق حاد‬
‫للتنبيه ‪..‬كانت الغرفة يف نهاية احلو�ش و �أمامها ك�شا�شة و بني الدار‬
‫وغرفتها مع �إبنتيها فناء وا�سع ‪ ..‬كانت قد و�ضعت يف فناء الدار‬
‫عنقريبني و بينهما تربيزة عجوز من خ�شب متهالك و بجانبها �إبريق‬
‫و بر�ش لل�صالة م�صنوع حمليا من ال�سعف و حوافه زخرفت بقما�ش‬
‫قدمي �إتك�أ علي العنقريب الذي م�سافته �أقرب �إيل حيث تتنف�س �أم الولد‬
‫املرتقبة ليخرب قريبته �ضمنيا مبوافقته و �أنه قام بنق�ض القرعة التي �أجريت‬
‫قبل �أ�سابيع يف القرية ‪..‬‬
‫قام بنق�ضها لأ�سباب �أهمها �أنها قريبته و يريد �أن ي�صنع معروفا ويقوم‬
‫مب�ساعدتها و يتج�شم معها التعب يف تربيتها للبنتني ‪..‬‬
‫و ال�سبب الثاين وهو الأهم من ال�سبب الأول وفق ما كان ي�ضمره يف‬
‫ذاته ‪� ..‬أن القرعة التي �إقرتعها �أتته ب�إمر�أة عذبة وهو يريدها بكرا يريدها‬
‫بكرا لي�ست ذات خربة بالرجال فهو ي�ستحق �إمر�أة بكر ‪..‬‬
‫�أال ي�ستحق �إمر�أة بكرة ؟‬
‫ت�ساءل حني ت�ساءل وجاءه الرد يف حينه ب�أنه ي�ستحقها ‪..‬‬
‫املال لديه‬
‫و ال�صحة‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪36‬‬
‫و القوة اجل�سدية ‪..‬‬
‫رددها يف نف�سه ومرة �أخري بهم�س �إنها ت�ستحقه هو ال �سواه و‬
‫ي�ستحقها هي‪..‬‬

‫جاءت الفتاتان مت�شيان علي �إ�ستحياء تتقدمهن �أمهن ‪ ..‬وقف وقفته‬


‫املعهودة حني ال�سالم يده الي�رسي مغروزة يف و�سطه و اليمني ممدودة‬
‫‪ ..‬كان ميدها قبل �أن ي�صل �إليه من �أراد �أن ي�سلم عليه بزمن طويل ‪..‬يدل‬
‫هذا الت�رصف وفقا لتحليل �أ�صدقا�ؤه ب�أنه مبادر وها�ش با�ش خا�صة مع‬
‫�إنفراج فمه مت�سعا بال�ضحك �أثناء ال�سالم ‪..‬‬
‫�أعدا�ؤه يقولون �أن ت�رصفه هذا يدل علي �إ�ستعجاله للأمور و �ضحتكه‬
‫هي الدليل علي �سخريته من النا�س لأنه مرتف باملال و الذين يقفون يف‬
‫الو�سط ويف ال�شق املحايد يقولون �أنه ال هذا وال ذاك ‪ ..‬زول عادي‬
‫ميار�س حياة عادية ‪..‬‬
‫كانت �صلة القرابة التي تربطه ب�أم الفتاتني كالآتي ‪..‬جدته لأبيه �أخت‬
‫جدتها لإمها ‪..‬‬
‫رجعت الفتاتان بعد �أن �صافحنه ‪..‬‬
‫جل�ست �أمهما معه ‪ ..‬دار احلديث يف مناحي خمتلفة ثم طلب منها‬
‫�أن تخرب الفتاة الق�صرية ب�أنه يريدها لتكون له ‪ ..‬زوجته الأويل طويلة‬
‫و هذه املرة يريدها ق�صرية ‪ ..‬وقبل �أن تذهب لت�ست�شري �إبنتها بد�أ يف‬
‫احلديث ‪ ..‬حدثها عن حم�صول ال�سم�سم هذا العام و التهي�ؤ للعام‬
‫اجلديد و التجهيزات التي تقف علي �ساق واحدة‪ ..‬حدثها كثريا مل‬
‫يكن متعلما ولكن كان ملما ومثقفا ثقافة داخل وخارج احلدود ‪..‬‬
‫و�شغوفا مبعرفة مايدور حوله وحول الآخرين ‪..‬‬
‫و كانت هي �أي�ضا غري متعلمة و ما كانت ملمة �إال بقليل من الثقافة‬
‫الدينية بيد �أنها كانت مرتفة ثقافيا ‪ ..‬ثقافة تدور حول جمتمعها وحميطها‬
‫ال�ضيق ‪ ..‬متخ�ص�صة يف �صناعة الأكالت املحلية و لها ذوق عايل يف‬
‫�إختيار امللبو�سات فقد كانت مندوبة ت�سويق جلاراتها املرتفات لتختار‬
‫لهن �أثوابهن من �سوق القرية الذي يعقد مرة يف ال�شهر ‪..‬‬

‫‪37‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�أما عن ثقافتها الدينية فقد كانت تعرف كيف ت�صلي و تعرف نواق�ض‬
‫الو�ضوء وتعرف متي تغت�سل رغم �أنها توقفت عن الإغت�سال الواجب‬
‫منذ زمن لكنها تغت�سل من باب املندوب كل جمعة ‪ ..‬در�ست قليل‬
‫من علم التوحيد وهذا القليل قيد �أرجلها بقيود ت�شتبك مثل جنزير‬
‫ال�سجان كلما �أرادت �أن مت�ضي للفكي �أو امل�شعوذين ‪..‬‬
‫ال�سبب الآخر يف كونها غري ملمة بالأحداث ال�سبب املجاور للأمية‬
‫هو �أنها كانت م�شغولة بتوفري لقمة عي�ش �رشيفة للبنتني بالرغم من �أن‬
‫جاراتها كن ي�ساعدنها ‪ ..‬وال�سبب الأخري �أن م�صدر الأخبار لديها‬
‫تعطل ‪..‬راديو قدمي منبعجة �أ�سالكه من الداخل ‪ ..‬تعطل جراء ن�سيانه‬
‫يف ف�ضاء الدار وهطول املطر عليه مما �أدي �إيل حالة تبكم �إال من �شخري‬
‫و �شخ�شخة متقطعة ف�أ�صبحت �إثر ذلك منقطعة من العامل ‪..‬‬

‫حدثها كثريا لأنه يعي�ش حالة غبطة �إ�ستثنائية نتيجة للموعد الذي‬
‫ينتظره و يرجوه و يتمناه ‪ ..‬موعد مع فتاة الطا�رش الق�صرية ذات ال�صدر‬
‫النا�زش وال�صوت غري الن�شاز ‪ ..‬حدثها عن معار�ضة الداخل و معار�ضة‬
‫اخلارج و �إنتهازية النظام و جرجرته ومتاطل �ساحق و تزييف للحقائق‬
‫و حوار يف الردهات و والئم وملذات ‪..‬‬
‫�إبتعد عن الإطار الذي يعي�شون فيه و يتعاي�شون معه �إيل واقع �آخر حيث‬
‫�إقتتال �سافر و دمار من �أجل �إقامة دولة خالفة مزعومة علي الأنقا�ض‬
‫و حينما �س�ألته ‪ :‬مامعني �إرهاب ؟ ‪..‬‬
‫�أخربها ب�أنها حالة من الرهبة و اخلوف و لتقريب م�سافة الفهم و‬
‫الإدراك عندها ‪� ..‬س�ألها عن �إح�سا�سها عند �سماع �صوت الو�شا�شة‬
‫ال�صوت الذي ت�صدره لتنبيه فرائ�سها ‪�..‬س�ألها ما الذي �ست�شعرين به‬
‫حينها ؟‬
‫�أخربته ب�أنه �إح�سا�س متداخل ‪ ..‬مزيج من اخلوف والرغبة يف اجلري و‬
‫الرك�ض املت�سارع ملغادرة املكان ‪..‬‬
‫بال�ضبط هذا هو الإرهاب جاء رده حمركا يده �أمام وجهه ليه�ش ح�رشة‬
‫من ح�رشات الليل ثم بد�أ يف ال�رشح ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪38‬‬
‫الإرهاب نوع من �أنواع الإجرام يتلزق بالإ�سالم ‪� ..‬صنيع �إجرامي‬
‫يتلفع زورا وبهتانا برداء �إ�سالمي ‪ ..‬وكلمة �إ�سالم تعني �سلم و�سالم و‬
‫مودة م�صحوبة ب�سلوك مهذب ‪� ..‬سلم و�سالم داخلي للإن�سان يرتجمه‬
‫لأفعال خارجية ‪�..‬أالقيك �ألقي عليك ال�سالم ‪ ..‬ت�أمن جانبي فقط‬
‫لأنني قلت ال�سالم عليكم ‪..‬‬
‫(امل�سلم من �سلم امل�سلمون من ل�سانه ويده)‪..‬‬
‫امل�سلم يده ال تبط�ش بالآخر ‪ ..‬ال ي�ؤذي �أحد و قبل ذلك ال يجعل �أحد‬
‫يت�أمل منه بكلمة ينطقها بل�سانه همزا و ملزا ‪..‬ومن كان غري ذلك فهو‬
‫يتلزق بدين �سمح كرمي ‪ ..‬دين الت�سامح و ال�سماحة والكرم ‪..‬‬
‫الإرهاب ‪ ..‬رهبة �أوال و هروب ثانيا للإن�سان العادي و قبله �إنبهار‬
‫بفكر مو�سو�س مطمو�س و معادي للقيم الإن�سانية و غلو لل�شخ�ص‬
‫الذي يقوم مبعاجلة هذة الأفكار املطمو�سة داخل عقله ثم يعتنقها بعد‬
‫�أن يزاوجها بالو�سو�سة مدمرا ذاته �أوال و �أ�رسته وقريته �إ�ضافة ملا يحدثه‬
‫من �رضر فتاك بالآخرين ‪..‬‬
‫بعد كل هذا ال�رشح بادرته بال�س�ؤال مرة �أخري ‪..‬‬

‫قلت الإرهاب �شنو؟‬

‫هو �شنو؟‬
‫و ل�شنو النا�س بتكتل يف بع�ض بال�شكل دا ؟‬
‫و بال�صورة دي؟ معقول الكالم دا؟‬
‫و معاهم ن�سوان كمان؟‬
‫ثم بلغتها الب�سيطة قالت وهي جترجر يف ثوبها لتغطي جبهتها ‪..‬‬
‫ياخ �أنا عندي فارة يف ال ُتكل جمنناين حلدي �أ�سة ما قادرة �أعرف �أكتلها‬
‫وال �أخليها ‪ ..‬مرات �أقول �أتخل�ص منها �أقول ميكن يكون عندها �صغار‬
‫�أقوم �أغري ر�أيي و �أخليها ‪..‬‬
‫تقول يل بيكتلو بني �آدمني عديل ؟‬
‫كان الليل قد �أليل و كان ينبغي له الذهاب ال �سيما و القرية �ضيقة جدا‬

‫‪39‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫وال ي�صح له �أن يبقي مع �أرملة و طفلتيها لهذا الوقت املت�أخر ‪..‬‬
‫قبل �أن يذهب �أخربها ب�أنه �سوف ي�أخذ معه عرو�سته �إيل ال�صعيد حيث‬
‫مزارع ال�سم�سم فهو �سيتغيب �أ�شهرا هناك ملتابعة حت�ضريات املو�سم ثم‬
‫الإنتظار حتي ي�شتد عود املح�صول يف احلقل ثم يعود بعدها ‪..‬‬
‫�إمتع�ضت املر�أة من هذا املطلب فهي تعرف ق�سوة احلياة و�شدتها هناك‬
‫قالت له �إنها تخ�شي علي �إبنتها من احل�رشات و تق�صد باحل�رشات‬
‫الثعابني ‪ ..‬ذلك لأنها فقدت زوجها �أبو البنتني بعد �أن رحل من احلياة‬
‫و ترملت من بعده و تيتمت بنتيها ب�سبب لدغة ثعبان و ال�سبب الأخطر‬
‫هو عدم توفر م�صل اللدغات الثعبانية ال�سامة ‪ ..‬عدم توفره يف قريتهم‬
‫و القري املجاورة ‪..‬‬
‫منذ ذلك الوقت حتول قلبها املوله بحب زوجها ‪ ..‬قلبها الكبري الوا�سع‬
‫مثل فناء القرية وف�ضائها حتول �إيل قلب حاقد �ضيق مثل �أزقة القرية‬
‫ل �شوارع قريتهم النفايات الكريهة‪..‬‬ ‫ال�ضيقة مملوء كراهية مثلما مت أ‬

‫قلبها ينب�ض بالكراهية جتاه كل املق�رصين يف حق �أهل القرية بدءا‬


‫ب�صاحب كمائن الفحم الذي كان يعمل زوجها معه حني حدوث‬
‫احلادث ‪ ..‬كان الثعبان ملتفا داخل حزمة و لونه �شبيه بلون �أعواد‬
‫احلطب متخذا حيلة من حيل الطبيعة للتخفي و املحافظة علي ذاته ‪..‬‬
‫عندما جاء زوجها لري�ص احلطب داخل الكمينة قر�صه الثعبان يف‬
‫منطقة العرقوب و مات يف اليوم التايل يف نف�س ميعاد اللدغة بال�ضبط‬
‫و بالرغم من املحاوالت اليائ�سة ملداواته بعالجات و �أدوية بلدية ‪..‬‬
‫ف�شلت كل املحاوالت ومات بعدها ‪ ..‬تركها و فقدت معه كل �شيء‪..‬‬
‫كل �شيء فقد كان هو كل ما متلك يف دنياها ‪ ..‬هو وعمل يده ‪..‬‬
‫قلبها كره �صاحب الكمائن لتق�صريه يف حقوق العمال لديه ‪ ..‬كان‬
‫هذا واجبه هو كم تعتقد هي ‪ ..‬واجبه توفري الأم�صال للعمال وال‬
‫يعتمد علي �شفخانة القرية املتهالكة التي ال يوجد فيها غري البندول‬
‫لل�صداع العادي غري املتطور لل�شقيقة ‪ ..‬ال يوجد �إال البندول و بقية‬
‫الأدوية تباع يف ال�سوق ال�سوداء بثمن باهظ ال ي�ستطيع �أحد �رشا�ؤه �إال‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪40‬‬
‫حمافظ الأقليم �أو جتار ال�سم�سم ‪..‬‬
‫كان هذا واجبه كما ظنت و مازالت تظن ذلك رغم �أن هذا الأمر‬
‫مرت عليه �سنوات ع�رش ‪� ..‬سنوات مليئة ذكريات وعذابات و �شقاء ‪..‬‬
‫كرهت فيها احلاكم املحلي ‪� ..‬سافرت الكراهية بطريق وعر لت�صل �إيل‬
‫حاكم الإقليم و �إنت�رشت يف الف�ضاء العري�ض ‪.‬‬
‫حتول كرهها للثعابني لي�شمل �أي �شيء ي�شبهها ‪ ..‬احلبال خا�صة و كل‬
‫�شيء ملتوي للحد الذي لي�س يف بيتها حبل للغ�سيل ‪..‬بل تن�رش مالب�سها‬
‫و مالب�س البنتني علي العناقريب �أو يتم جتفيفها علي حو�ش الق�ش‪..‬‬
‫لكنها بعد هذا كله ر�ضخت ملطلبه و وافقت �أن مت�ضي �إبنتها معه �إيل‬
‫مزارع ال�سم�سم ‪ ..‬وكان حتي اللحظة مل تخربها بحديث الرجل‬
‫حولها لكنها كانت مت�أكدة من �أنها ال ترف�ض لها طلب ‪..‬‬
‫ر�ضخت الأم بعد حالة �إغراء �أ�شبه بال�صفقة بعد �أن وعدها ب�أن ي�أتيها‬
‫بكل �شيء فقط عليها �أن تتمني ‪� ..‬أمنيات ف�ضفا�ضة تبد أ� مباء الزير و‬
‫تنتهي بلنب الطري ‪..‬‬
‫حينما حدثته ب�أن �إبنتها حديثة عهد بعادة الن�ساء التي ت�أتيهن يف ال�شهر‬
‫مرة ‪ ..‬تبني له �أن عمرها ال يتجاوز ‪ 14‬عام ‪ ..‬طافت يف خياله تلك‬
‫اللحظة حلظة �سلم عليها بقوام ق�صري و�صدر نا�زش �أو كما بدت له ‪..‬‬
‫حينها ر�ؤيا خاطفة ‪..‬‬

‫�أخرجه من خياالته �صوت الآذان ‪..‬‬


‫حي علي الفالح ‪..‬‬
‫حي علي ال�صالة ‪َ ..‬‬ ‫�آذان الع�شاء يرتدد �أن َ‬
‫كانت والدة طفلته �أو زوجته الطفلة قد دخلت �إيل خمدع البنتني و‬
‫�أخربت طفلتها الق�صرية باخلري الوفري الذي ينتظرها و عي�ش رغيد‬
‫وجنة موعودة و �إلتفتت نحو طفلتها الأخري و قالت لها عقبالك ‪..‬‬
‫عقبالك �إنتي كمان ‪ ..‬عقبال ما �أفرح بيك يابتي ‪..‬‬
‫ما نطقت البنت بكلمة ‪ ..‬خرجت �أمها �رسيعا و �أخربته ب�إنها قامت‬
‫مبهمتها و هي الآن �صارت له و ما عليه �إال الإ�ستعجال ب�إكمال املرا�سم‬
‫لكن �إ�شرتطت عليه عدم الإ�شهار يف الوقت احلايل �إيل حني والدة‬

‫‪41‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫املولود املرتقب ‪..‬‬
‫�س�ألها بلهفة ‪ ..‬البت وافقت ؟‬
‫ثنت عنقها و �أخرجت �ضفرية من �ضفائرها و�ضعتها يف امل�ساحة‬
‫بني �أنفها و �شفتها العليا تتالعب وت�شتم يف رائحة �شعرها املودوك‬
‫بال مباالة ت�أتيها رائحة الودك متزامنة مع راحة املجموع و تتزامن مع‬
‫الرائحتني نطقها مبوافقة بنتها عندما تقول �س�ألتها و �سكتت وال�سكات‬
‫ر�ضا و عليك �أن تتوكل ‪� ..‬سوف �أتكلم مع عمها جاي ال�سوق باكر‬
‫عمها الذي يقطن يف قرية من قري ال�سافل ‪..‬‬
‫بني بفتاة الطا�رش عند مزارع ال�سم�سم ‪..‬يف و�سط احلقول دجج قطية‬
‫فاخرة ال�صناعة دججها ب�أمنياته و �إبتهاالته و �إنفعاالته ‪..‬‬
‫لوال العمال كانوا خمل�صني نوع من الإخال�ص النادر ‪�..‬إخال�ص املريد‬
‫ل�شيخه لوال ذلك ل�شهد املو�سم حالة بوار و ك�ساد ودمار لأنه �أهمل‬
‫مراقبتهم و ما كان يتخطي باب القطية املدججة ب�إنفعاالته و �إبتهاالته‬
‫و �أمنياته �إال م�ضطرا يف حالة واحدة‪..‬‬
‫حالة الإ�ضطرار لقطع اجلمار ‪..‬‬
‫م�ضت الأيام �رسيعا ‪ ..‬وحان وقت العودة جاء احل�صاد مفاجئا للجميع‬
‫كانت هناك �أزمة يف �شواالت مللمة املح�صول من كرثته و �إندفاقه ‪..‬‬
‫كما كانت هناك مفاج�أة �أخري يف �إنتظاره تقف جنبا �إيل جنب مع‬
‫تفا�ؤله بفتاة الطا�رش التي فتحت له �أبواب عديدة من الرزق بعد �أن‬
‫�إنهمر اخلري عليه �إنهمار املطر الإ�ستوائي ‪..‬‬

‫فتاة الطا�رش رجعت �إيل �أمها تعاين حالة نفاخ معهودة والتي ت�أتي‬
‫كنتيحة حتمية حني ميكث رجل جوار �إم��ر�أة ل�شهور دون �أن متنعه‬
‫موانع و حواجز و �أ�سوار �أو حتي جدار ه�ش مته�ش�ش ‪..‬‬

‫�أقدار و �إ�رصار كربتا قليال بد�أت �أمهن تعودهن علي اجللو�س رغم‬
‫�إنفداع عنق كل واحدة منهما �إنفداعها للوراء ‪ ..‬و �إندفاعها هي‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪42‬‬
‫لت�سندهن بعد �أن هي�أت لهن مقعدين بعد زحزحة الرمال وغر�ستهما‬
‫يف الأر�ض بجانبها لت�ؤكد �أنهن وردتني مزهرتني من نبتة هي ذاتها التي‬
‫جتل�س بجوارهن ‪ ..‬النبتة املزهرة ‪..‬‬
‫�إنطلق خرب زواج فتاة الطا�رش مبجرد مغادرتها القرية نحو مزارع‬
‫ال�سم�سم ‪� ..‬إنطلق بخا�صية و نظرية �رس خليهو بيني وبينك ‪ ..‬ن�ساء‬
‫القرية تلتقي واحدة بالثانية تو�سو�سان ببطء بعد �أن تنتهي الرثثرة �رسيعا‬
‫و قبل �أن تودع الأخري �أختها تقول لها �رس خليهو بيني وبينك ‪..‬‬
‫�إنتهي ال�رس حيثما �إبتد�أ بعد �أن دار دورة كاملة يف �أر�ض القرية يف زمن‬
‫�أقل من �ضحوية نهار غائظ‪..‬‬
‫�آخر من �سمع اخلرب يف القرية هي �أم البنات فقد كان اجلميع متوج�س‬
‫من �أن يو�صل لها هذه الفجيعة فتحدث لها �صدمة م�ؤذية ت�صل �أذيتها‬
‫للبنات و خا�صة البنتني احلديثتني ‪..‬‬
‫فقد كان اجلميع مع فر�ضية تقول قد يجف اللنب يف �صدرها من هول‬
‫ال�صدمة‪ ..‬فيكون الأثر قا�سيا يتجاوزها �إيل روحني �صغريتني بريئتني مل‬
‫تكونا قد �أكملتا �شهرهما الأول ‪..‬‬
‫الن�سوة ع�شن حالتي �صمت و وجوم تامتني ‪ ..‬لكنها كانت تقر أ� �شئ‬
‫يف �أعينهن حينما يزرنها ‪ ..‬كانت تطفر من �أعينهن نظرات ال�شفقة‬
‫عليها ‪ ..‬تطفر فعلته التي فعلها و الكل يعلم وهي حتي الآن مل تعلم‬
‫تعلم �شئ واحد فقط هو الآن يف مزارع ال�سم�سم غياب معهود �سنويا‬
‫�صادف �أن بقراتهم دخلن يف مو�سم اجلفاف وغرزن ‪ ..‬بائعة لنب املاعز‬
‫جتد عندها �سوق رائجة حني تبيع احلليب و الروب والفر�صة وال�سمن‬
‫‪..‬‬
‫�أخربتها بفعلته ‪� ..‬أخربتها مبا فعل زوجها الذي هو الآن يف مزارع‬
‫ال�سم�سم كما تعتقد هي ‪�..‬شعرت �إذا تكتمت عن الأمر �ستعي�ش‬
‫ب�ضمري معذب فهذه خيانة عظمي لأنها‬

‫�إ�ست�أمنتها و �أدخلتها بيتها و �أكلت معها امللح و املالح ‪�..‬أخربتها و‬


‫ك�أنها ما �أخربتها فقد كانت مهي�أة م�سبقا ومعب�أة بال�شدائد ملواجهة كل‬

‫‪43‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كرب ‪..‬‬
‫�إن�رصفت بائعة اللنب وتركتها جتول بب�رصها علي زهراتها الثماين بزهو‬
‫و تردد يف �رسها احلمدهلل احلمد هلل علي كل النعم الظاهرة و الباطنة ‪..‬‬
‫فقد كانت تعرف اهلل ‪..‬‬
‫يف الوقت الذي كان احلدث قد �أخذ وقته و �صار �إيل �إندثار كان عندها‬
‫طازجا ‪ ..‬مثل بي�ضة خرجت لتوها من رحم دجاجة ونزلت علي‬
‫رمل فتلزق الرمل بها ‪..‬يف اللحظة التي كانت تنظر فيها �إيل زهراتها‬
‫نظرات ت�ضج باحلمد ‪� ..‬سمعت وقع خطواته الن�شطة كانت حا�سة‬
‫النظر مرتكزة مع زهراتها و �سمعها احلاد مع وقع خطواته ‪..‬‬
‫�إنحني فيها و�سلم ‪..‬كانت جال�سة ‪ ..‬نادي علي البنات �إلتففن حوله و‬
‫لثمن يده لثمات تقدير و حب �أبوي غامر ‪ ..‬حب �أبوي لأب غاب يف‬
‫مزارع ال�سم�سم جمهدا نف�سه و جمتهدا من �أجلهن ‪..‬‬
‫ما �أظهرت �أمهن �أي �شئ بل هي�أت نف�سها له وغابت نحو �ساعة بعد �أن‬
‫�إ�ست�أمنت �أقدار و �إ�رصار لأختهن الكبرية ‪ ..‬تركتهما معها بعد ر�ضعة‬
‫م�شبعة لكل واحدة منهما ‪..‬‬

‫ما مل يجده يف فتاة الطا�رش وجده عندها ‪..‬حبه القدمي و ع�رشة قدمية‬
‫وتفا�صيل حلياة بالرغم من �أنها ما كانت طويلة عقد وب�ضع �سنوات‬
‫لكن حدث فيها تراكم فعلي لأحداث جعلته ي�شعر بوخزات ال�ضمري‬
‫يف حالة التجلي و الإقرتان معها للحد الذي كاد �أن يعرتف لها ويعتذر‬
‫لكنه مل يعرتف ومل يعتذر لأنه كان يكره الإعرتاف و الإعتذار ‪..‬‬

‫�أعرتف ل�شنو؟؟‬
‫الزواج للمرة الثانية حق من حقوقي ‪ ..‬و �أعتذر ل�شنو؟؟‬
‫ما بعتذر ‪ ..‬هكذا ردد يف نف�سه ‪..‬‬
‫ق�ضي وطرا ‪..‬‬
‫و �أعطاها ظهرا‪..‬‬
‫نعم فقد �أعطاها ظهره ونام ك�أن مل ينم من قبل ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪44‬‬
‫نام نومة �أهل الكهف ‪..‬‬

‫حينما فاق م�ساء ذاك اليوم وجد فتاة الطا�رش قد جاءت بفتاتها الأويل‬
‫و�سط حتفظ وتكتم �شديدين ‪ .‬الفتاة الأويل لها و التا�سعة له ‪..‬ح�صيلته‬
‫الآن ت�سع فتيات ‪ 8‬من الأويل و واحدة من الثانية هكذا قام بعملية‬
‫ح�ساب �رسيعة �إبتد أ� بخن�رص يده اليمني و �إنتهي ب�إبهامها ثم بد�أ بخن�رص‬
‫يده ال�شمال و �إنتهي بال�سبابة ‪..‬‬
‫م��ازال متكتما و متحفظا حيث ال ينفع التكتم يف قرية حمدودة‬
‫الأطراف ‪ ..‬ون�سيجها متما�سك للحد الذي حني يكح �أحدهم يف‬
‫طرف القرية ي�سمعه الذي بطرفها الآخر و�رسعان ما يجده عنده مم�سكا‬
‫بثمار القر�ض بكلتا يديه ‪..‬‬
‫كان وجال من �شماتة �أم البنات عليه لكنه �إ�ستبعد فر�ضية �شتمه وتعيريه‬
‫بقلة ال�صرب و �إ�ستلقاء �أذنيه لت�ستمع لكل من هب ودب ‪ ..‬ت�سمع‬
‫حتاري�شهم و �أفكارهم املغر�ضة و حتي يقي نف�سه كل هذه ال�رشور ‪..‬‬
‫قرر �أن ينتقل لفرتة م�ؤقتة لإحدي الع�صارات يف قرية تقع عند ملتقي‬
‫طرق ‪ ..‬لكن قبل �أن مي�ضي �إيل هناك ذهب حممال مب�ؤونة عامني �إيل فتاة‬
‫الطا�رش بارك لها املولودة ورمي ميني الطالق بالثالثة وخرج منها وهو‬
‫يردد (كفي اهلل امل�ؤمنني القتال)‪ ..‬كان يرددها دائما كلما �إ�ست�صعب‬
‫عليه �أمر و تراكمت همومه ‪..‬‬
‫م�ضي �إيل حيث قرر �أن مي�ضي دون �أن يودع �أهل بيته الأول ‪ ..‬م�ضي و‬
‫ل بها ن�صف فناء دارها حتي‬ ‫�أم البنتني مازالت تعد يف الأ�شياء التي �إمت أ‬
‫‪..‬فر منهم‬
‫�إنها مل تنتبه له حني غادر فر َ‬
‫كمن ر�أي جمذوم ‪..‬‬
‫�أو كمن ر�أي �أ�سد جائع ‪..‬‬

‫جوال عد�س ‪ ..‬جواالت ب�صل عديدة �سوف �أقوم بتقطيعه و جتفيفه‬


‫قالت �رسا حمدثة نف�سها ‪ ..‬ثور �س�أبيعه و �أ�شرتي بثمنه معزات ‪..‬‬
‫جواالت الدقيق ‪..‬جواالت ال�سكر ‪..‬جوال بن ‪ ..‬النب الذي تع�شق‬

‫‪45‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�رشابه جنبا �إيل جنب مع ال�شاي ‪ ..‬احللبة والعطرون يف حالة تالزم‬
‫احلرجل وال�شيح للنف�ساء ‪ ..‬الفحم جواالته مرتا�صة �ستتخل�ص منه فقد‬
‫حاربت الفحم بعد رحيل زوجها الذي ت�سببت الكمائن يف طريقة‬
‫موته العاجل ‪..‬ومن وقتها وهي ت�ستخدم نار احلطب ‪..‬‬
‫مل يرتك �شئ ما �أتي به‪ ..‬كل �شئ ‪ ..‬كل �شئ حتي �أع��واد الكربيت‬
‫�ضمنها يف احلاجيات جولتها التفقدية للأ�شياء جعلتها تن�سي نف�سها‬
‫و تن�سي طفلتها التي جاءت بطفلة مل تعد لها �شيء ت�شد به �أودها ‪ ..‬ال‬
‫ن�شاة الذرة وال �شوربة احلمام ‪..‬‬

‫و�صل هو للقرية التي كانت علي مفرتق طرق كان يريد ت�سلية نف�سه‬
‫بالقادمني من �شتي املناحي يريد �أن يذوب يف وجوههم ويذوي داخل‬
‫هوياتهم ثم يخرج ليعيد ت�شكيل و�صياغة ذاته من جديد �شعر ب�أنه يعاين‬
‫�شئ من الت�شتت كيف �إ�ستطاع ت�صديق النا�س و قبلها مل يكذب نف�سه‬
‫التي قالت له �إذا بحثت عن �أخري �ستجد ماتنال و �ستطول املحال ‪..‬‬
‫مكث وقتا لي�س بالقليل يرتب فيه نق�سه من الداخل ويعيد �إليها نوع‬
‫من الثبات و ال�صرب الذي �إفتقده كما عاد ي�صلي بخ�شوع بعد �أن كان‬
‫ينقرها نقرا يف ال�شهور املا�ضية ‪..‬عاد له �إميانه و الت�سليم بق�ضاء اهلل و‬
‫قدره منذ الأزل �أن يهبه ومينحه ‪ 9‬فتيات ‪..‬‬
‫‪� 9‬أ�شهر مكثها بعيدا يف غربته ‪� 9 ..‬أ�شهر بالتمام و الكمال ويف اليوم‬
‫ال‪ 9‬من ال�شهر ال ‪ 10‬جئن �إيل الع�صارة ن�سوة كن قد �إعتدن املجيئ‬
‫بعد �أن وزن لهن �أرطال الزيت التي �إعتاد �أن يزنها لهن دائما و معها‬
‫كيلوهات �أم جقوقة خفق قلبه ‪..‬‬
‫خفق قلبه حني �سمع حديثهن حول مغ�صة ال�رضة التي منحت الأويل‬
‫ولد ‪ ..‬خفق قلبه �أكرث و �أطرق لهن لي�سمع �أكرث ‪ ..‬ت�أكد له حني �سمع‬
‫�إحداهن ت�رشح للأخري �أن مغائ�ص املرة التانية خلتا جتيب ولد ‪..‬‬
‫ما كان يعد الأيام وال ال�شهور لكنه دخل �إيل دكانه وبد أ� يح�سب ب�رسعة‬
‫بطيئة متي هو جاء ‪..‬فوجد �إنه قد مكث فرتة كافية جدا �إذا كان يف‬
‫ذاك اليوم قد �أحدث معها �شئ ‪ ..‬اليوم الذي جتاذبته فيه نف�سه ب�أن‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪46‬‬
‫يعتذر لها �أو ال يعتذر ‪ ..‬وقبلها �أن يعرتف لها �أو ال يعرتف ثم ق�ضي‬
‫وطرا و �أعطاها ظهرا ‪..‬‬
‫خفق قلبه �أكرث ‪..‬‬
‫تلجلج ‪..‬‬
‫قام من املكان ليجل�س يف مكان �آخر و �شعر بنوع من العط�ش ‪�..‬رشب‬
‫حد الإرتواء لكنه مازال ي�شعر بالعط�ش �أكل حفنات من �أم جقوقة ثم‬
‫رجع ح�سا ح�سوات من املاء ‪ ..‬ترك باب الدكان مفتوحا‬
‫ومكان نومه ‪..‬‬
‫�أوكل كل �شئ ل�صبيانه و �إرحتل �إيل قريته الأم ‪..‬‬

‫و مع م�شارف القرية وجد النا�س متكومني �أكوام ‪..‬‬


‫�أكوام ‪..‬‬
‫فقد �صادف �سوق �آخر ال�شهر كل النا�س يف ال�سوق يتحدثون عن‬
‫الوجع الذي �أحدثته فتاة الطا�رش لزوجته الأويل للحد الذي جعلها ت�أتي‬
‫مبولود ذكر ‪..‬‬
‫�إمتدت الزغاريد ملدة ‪ 40‬يوما بلياليها كان قد تعاقد مع الزغرادة ‪..‬‬
‫بعدد ‪ 9‬زغرودات نهارا ومثلها ليال ‪..‬يف النهار تكون يف بيته ‪ 3‬عند‬
‫ال�صباح بعد �رشاب ال�شاي و ‪ 3‬يف منت�صف اليوم و ‪� 3‬آخر النهار قبل‬
‫املغرب ‪� ..‬أما ليال فلتزغرد يف بيتها و �سي�سمعها هو يف بيته ‪ ..‬كان‬
‫اليريد �أن يزعجها �أن ت�أتي يف جنح الليل ‪ ..‬نقدها نقودا ما ر�أتها من‬
‫قبل وما حت�س�ستها بيدها يف يوم من الأيام ‪..‬‬

‫ولد بعد ‪ 9‬بنات ‪..‬‬


‫�أقيمت الوالئم والعزومات ودقت الطبول والنوبات ‪..‬و �إبتهج اجلميع‬
‫يف الإحتفاالت ‪ ..‬غنوا ورق�صوا يف احلفالت ثم رجعوا و �إ�ستغفروا‬
‫بعد �أن غ�شوا حلقات النوبة ‪ ..‬وهناك من كان يف النوبة مل يغادرها‬
‫و �آخ��رون �إكتفوا بالرق�ص والغناء ومل يغادروا مكانهم فكونوا ‪3‬‬
‫جمموعات ‪..‬‬

‫‪47‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫جمموعة �أق�صي اليمني ‪..‬‬
‫جمموعة �أق�صي الي�سار ‪..‬‬
‫جمموعة و�سطهما ‪..‬‬
‫جواالت دقيق الزالبية التي قامت ب�صنعها فطوم م�سرية كيلومرتين هذا‬
‫بعد �أن متت ر�رص�صتها مع بع�ضها البع�ض ‪..‬كل القري املجاورة كانت‬
‫حا�رضة ملباركة الولد‪ ..‬جواالت الدقيق الفارغة �صنع منها ب�ساط‬
‫بطول كيلومرتين بعد �أن مدت مدا من بوابة بيته �إيل مكان عمله يف‬
‫�سوق القرية ‪..‬‬
‫قام بتغيري حالة امل�شي ‪..‬بد�أ مت�أنيا ‪..‬‬
‫يرفع خطوة وي�ضع �أخري ‪..‬‬
‫وقورا بد�أ �أكرث من ذي قبل ‪..‬‬

‫�أ�صدقا�ؤه قالوا حالة حمد و�شكر جاءوا و باركوا ب�ساط جواالت‬


‫الدقيق الذي كان بلون �أبي�ض نا�صع ‪..‬‬
‫�أعدا�ؤه دخلوا يف النار و مرقوا و كالوا له اللعنات وال�شتائم ‪ ..‬نعتوه‬
‫بالتكرب و التعايل وقالوا تنكر لرتاب الأر�ض ‪..‬‬
‫و من الرتاب خلق ‪..‬‬
‫و �سيعود للرتاب ‪..‬‬
‫و منه يبعث مرة �أخري ‪..‬‬
‫النا�س الذين كانوا يف الو�سط املحايد قالوا‪ :‬الفرح حالة ت�ستوجب‬
‫الفرح ‪ ..‬و كفاح �سنني طويلة للح�صول علي مولود ذكر لي�س بالإمر‬
‫الهني و نظموا م�شاركة �أ�سموها ‪..‬‬
‫امل�شي علي ب�ساط الدقيق ‪..‬‬
‫فرحا معه وم�ؤازرة و بدوا يف تعبريهم هذا �أكرث من �أ�صدقاء ‪..‬‬
‫كان الوقت ع�رصا حني بد�أت امل�سرية من باب بيته �إيل مكان عمله‬
‫م�سرية �صامتة مل يحدثوا �أي جلبة حتي ال يظن �أعدا�ؤه ب�أنه قام ب�إيجارهم‬
‫لي�ؤطر حالة الكرب داخله ‪ ..‬فقط كانت هناك �إ�شارات تدل علي الفرح‬
‫مثل طرقعة بالأ�صابع ‪ ..‬طرقعة خفيفة و عالمات �أخري مثل التب�سم ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪48‬‬
‫حني يلتفتون �إيل بع�ضهم البع�ض و ترت�سم علي �شفاههم الب�سمات ‪..‬‬

‫كان قد دخل علي �أم البنات بعيون تدمع فرحا يف ذاك اليوم ‪..‬مدد كلتا‬
‫يديه يهز فيهما وهو يهتف‪..‬‬
‫ولد‪..‬‬
‫ولد‪..‬‬
‫ولد‪..‬‬
‫�أخريا‪ ..‬يا �أم البنات‪ ..‬يا �أمهن ‪..‬‬
‫�أخريا ‪..‬‬
‫ح تكوين �أم (‪)....‬‬

‫ثم �سكت ‪..‬‬


‫�سكت عن الكالم و �إندفعت هي يف احلديث ‪ ..‬وقالت �أنا التي �سوف‬
‫�أ�سميه ‪..‬‬
‫بعد �سنوات ال�صرب ‪� ..‬صربها ‪..‬‬
‫�سنوات ال�شكر ‪� ..‬شكرها ‪..‬‬
‫�سنوات العكر ‪..‬‬
‫�سنوات تعكرفيها �صفو العالقة بينهما بعدم �صربه ‪ ..‬ي�أتي مولودها ‪9‬‬
‫لتعود كل الأ�شياء �إيل طبيعتها الأويل ‪..‬فرحته ولهفته جتاهها ‪� ..‬إهتمامه‬
‫حول جمراه لفتاة الطا�رش عاد لي�صب يف م�صبه الأول ‪..‬‬ ‫الذي ِ‬
‫�صمته وال�ضيق الذي ال ي�ستطيع �أحد تفريجه ‪ ..‬تال�شي وعاد لإنب�ساطه‬
‫�إنب�ساط وم�سامرة ‪..‬عاد ل�ضحكه القدمي ‪..‬‬

‫توهطت يف عمق عنقريبها وهي تر�ضع يف مولودها وقالت له ‪..‬‬


‫�شوف ‪..‬‬
‫�شوف هنا دا ‪..‬‬
‫الولد دا جاء نتاج �صرب و�شكر ‪..‬‬
‫�صربي عليك وعلي �أذاك و �شكري لأنو ربنا �أهداين ‪ 8‬بنات ‪..‬‬

‫‪49‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ع�شان كدة �أنا ح �أ�سميهو ‪..‬‬
‫ح �أ�سميهو �صبار �شكور ‪..‬‬
‫�صبار �شكور ؟ مت�سائال ‪..‬‬
‫�أيوة ‪..‬ردت بثورة ثم هد�أت ‪..‬‬
‫�أيوة نتاج ال�صرب وال�شكر ‪..‬‬
‫بينما تناديه �صبار �شكور وهو يجري يف �أزقة القرية ‪ ..‬كان �أهل القرية‬
‫و خ�صو�صا الن�ساء ينادونه ب جني املغ�صة و �آخرين يطلقون عليه جني‬
‫املغائ�ص ‪ ..‬هناك ن�ساء ينطقن ال�صاد �سني ‪ ..‬فيقلن له جني املغ�سة يا‬
‫جني املغ�سة ‪..‬‬

‫جني املغ�سة م�شي املدر�سة ‪..‬‬


‫جني املغ�سة رجع من املدر�سة ‪..‬‬
‫مغ�صة ال�رضة التي منحتها مولود ذكر ‪..‬‬
‫ال�رضة فتاة الطا�رش ‪ ..‬ذات ال�صدر النا�زش ‪..‬‬
‫و ال�صوت غري الن�شاز ‪..‬‬
‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪50‬‬


‫�إمرباطورية الطورية‬
‫كان هو ذاته ‪..‬‬
‫متلثما جاء ‪..‬‬
‫بخطوات متلعثمة ‪ ..‬كانت بداخل جدران عزلتها هتفت فيه حينما‬
‫ر�أت ما ر�أت ومل تطمئن للذي ر�أت ‪..‬جاء �رصاخها من عمق حنجرتها‬
‫مل تقل مابك �أو ما الذي حدث بل توالت �رصخاتها ‪..‬‬
‫وا ‪ ..‬وا ‪ ..‬فليلي ‪ ..‬فليلي ‪..‬‬
‫فليلي �شني ‪..‬‬
‫�ش�شني‪� ..‬ش�ش�شيني‪..‬‬

‫كان هناك �شئ ما لكن كعادته الذ ب�صمت مثقل ‪ ..‬و بد أ� يندب يف‬
‫�صمت ‪ ..‬كيف �أن طوريته التي �صمدت معه يف �أحلك املواقف ‪..‬‬
‫ال�شئ الذي جعله يتفاءل بها ‪..‬‬
‫ف�إنتاج العام املا�ضي تكلم عنه القا�صي و الداين ال �سيما حينما حتدثت‬
‫الإذاعة املحلية عنه بعد التقرير الذي قدمه كبري القرية للمفت�ش الزراعي‬
‫قرظ فيه �شمعون تقريظا بهيجا ‪..‬‬
‫و الذي حدث بعدها �أن تداول �أهل القرية ق�صة الطورية لكن القادم‬
‫غري املتوقع هو �إختفاء الطورية بني ع�شية و �ضحاها تبخرت الطورية‬
‫مثل ماء يف م�سطح وا�سع حتته نار ملتهبة و فوقه نهار غائظ ‪..‬‬

‫�إختفت طورية �شمعون التي ت�صدرت الأخبار يف ذاك امل�ساء و جلبت‬


‫احلظ للقرية بعد �أن عرف اجلميع قرية �شمعون و قبلها مت التعرف عليه‬
‫‪51‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫هو كمزارع غزير الإنتاج و الإنتاجية ‪..‬‬
‫�أ�صبح هو قريته ذوي �صيت وا�سع للحد الذي دفع ب�أم بختني �أن تعي�ش‬
‫حراك م�ستدمي لتمار�س طقو�سا مل تعتادها من قبل ‪ ..‬بعد �أن �أتت مببخر‬
‫كبري من الفخار لتبخري �أواعي �شمعون �أجمعها ‪..‬‬
‫بد�أت مبلبو�ساته و �آنية خم�ص�صة للطعام و �إنتهت بطورية احلقل ‪..‬‬
‫بعد ذلك �س�ألها من طقو�س التبخري و عندما �أخربته �أنها قامت بتبخري‬
‫الطورية يف الآخر قال لها ‪ :‬كان ينبغي �أن تبدئي بها و تنتهي عندها‬
‫هذه غلطتك ‪ ..‬و جت�شمت �أم بختني م�س�ؤولية �أثقل بها عاتقها ‪..‬‬
‫طورية احلقل التي �أ�صبحت م�صدرا حقيقيا للف�أل احل�سن ‪ ..‬بينما كان‬
‫يندب يف حظه و يتح�رس مازال ‪ ..‬توالت �صيحات اجلزع من �أم بختني‬
‫فليلي ‪ ..‬فليلي �شني ‪� ..‬شني ‪� ..‬شني ‪..‬‬
‫ف�إذا هي علي حني غرة تنقطع �صيحاتها لتقول بعدها ‪..‬‬
‫�أتندب ؟؟‬
‫�أتندب كالن�ساء ؟؟‬
‫�أتندب كالن�ساء علي طورية مل حتافظ عليها كالرجال ؟؟‬
‫مل يعرها �أدين �إلتفاتة بل كان خاطره حينذاك يطوف حول ذكريات‬
‫ح�صاد العام املا�ضي ويعود من املا�ضي ليعي�ش يف احلا�رض ‪ ..‬يف اللحظة‬
‫الآنية ‪ ..‬ي�أتيه الآن بكل الهواج�س و القلق ‪..‬و الت�سا�ؤل ‪ ..‬فيت�ساءل‬
‫كيف يكون ح�صاد هذا العام بدون الطورية التي دفعت ب�إ�سم القرية و‬
‫�إ�سمه بعد ذلك �إيل �أثري الإذاعة ‪..‬‬
‫مازال ي�أتيه وقع خطوات �أهل القرية و القري املجاورة الذين هرعوا‬
‫للمباركة ‪ ..‬هرعوا �إيل بيته بعدما �سمعوا اخلرب ‪..‬‬

‫ي�أتيه وقع خطواتهم ‪..‬‬


‫طق ‪ ..‬طرق ‪ ..‬طق طرق ‪..‬طق طق ‪ ..‬طرق طرق ‪..‬‬
‫ي�أتيه و يلت�صق ب�أذنيه ‪..‬‬

‫هناك من ي�ضع يدا يف خد تعجبا ‪� ..‬شمعون الذي ما فارقته ذكري �أم‬


‫كروموسوم واي‬ ‫‪52‬‬
‫هدم ‪� ..‬شمعون الذي يطوف بالوهاد و الرباري كي ين�ساها والن�سيان‬
‫ميار�س معه اخلذالن و ير�سله �إيل ذاكرة تكاد تكون فوالذية ‪..‬‬
‫يعود من وهاده و براريه مع ج�سد براه النحول و ك�أن ما دخلت ن�شاة‬
‫الرب �إيل �أح�شائه يوما ‪..‬‬
‫ن�شاته التي ت�صنعها �أم بختني البارة ذات الن�شاط‪.‬‬
‫مزيجها جعل عوده ي�شتد‬
‫ها هو يعود بعوده الناحل يدفعه وفاء وعده للأر�ض‬
‫�شمعون �آخر من يزرع ‪..‬‬
‫يتلك�أ يف نظافة حقله و ترقيع ما ينبغي ترقيعه ‪..‬‬
‫�شمعون الك�سول‬
‫ك�سال غري متوقع يداهمه يف كل وقت و مرتع‬
‫ك�سل متجذرال ي�سمح له ب�صنع خيال م�آتة لطرد الطيور التي تهجم‬
‫علي القناديل ‪ ..‬و ك�أن بينها وبني قناديل الذرة ثارات قدمية فتقت�ص‬
‫منه يف بذوره حتي تقلل من تكاثره و �إن وجدت حيلة كي ال يتكاثر‬
‫لفعلتها ‪..‬‬
‫و �أحيانا يعتقد املزارع ك�أن هناك عقد موثوق بني الطيور و القناديل‬
‫عقد تبادل للمنفعة ‪ ..‬القناديل تك�سب �أجرا يف �إطعامها مقابل �أن‬
‫تخفف عنها الطيور �أثقال و حمولة ‪..‬‬
‫وقد تهجم الطيور بطريقة جتعل ذوي الألباب يف حرية و �إرتياب و‬
‫ك�أنها دفعت �أجرا م�سبقا للمزارعني ‪..‬‬
‫هجوم بنظرية علي و علي �أعدائي قبل �أن ي�أتي اجلراد‪..‬‬
‫للحد الذي يتمني احل�صاد‬
‫�أال ي�أتي زمان ن�ضوجه‪..‬‬

‫مازالت هناك �أياد يف خدود‪..‬‬


‫و �شمعون ال يحفل بحلوق املزارعني التي جفت من كرثة الكالم و‬
‫الن�صائح التي توجه له �ضمنية يف الأوقات العادية و مبا�رشة يف �أحلكها‬
‫و هو يفلح يف احلقل وال يحفل بحلوقهم التي جفت و بعترب كالمهم‬

‫‪53‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫عنه ال ينفعه وال ينفعهم فهو �أ�شبه ب جيفة‪..‬‬
‫و يقول بكل ب�ساطة‬
‫خلوا الطيور ت�أكل‬
‫خلوها ‪..‬خلوها تااكل ‪..‬‬
‫�أجر و ح�سنة ‪..‬‬
‫ح�سنة و �أجر خلوها تااكل ‪..‬‬
‫تتحرك الأيادي عن اخلدود لتمار�س حرية حركية يف الهواء كلغة �إ�شارة‬
‫�شمعون يعود من براريه ‪ ..‬هنا متتد الأيادي بعيدا و ال�سواعد م�شرية �إيل‬
‫الأ�صقاع النائية ‪..‬‬
‫�شمعون �آخر من يزرع ويرقع حم�صوله ‪ ..‬وقتئذ جتثو الأيادي �إيل الأر�ض‬
‫لتحاكي رمي البذور يف احلفر وفقا للزراعة اليدوية ‪ ..‬وي�أتي حم�صوله‬
‫قبل حم�صولهم يف زمن الن�ضوج و ي�سبقهم مبراحل هنا يقومون بثني و‬
‫يل �أياديهم لتحاكي �شكل الأكوام و اجلنادل ‪ ..‬جنادل الفول و �أكوام‬
‫الذرة ‪..‬‬
‫ين�ضج حم�صوله ويكرب و يزيد يف كميته ‪ ..‬ويت�أخر حم�صولهم يف الن�ضوج‬
‫و ت�أتي كميته متناق�صة قليلة ‪ ..‬وهنا ت�صفق �أياديهم ح�رسة جترها ح�رسة‬
‫�شمعون ينتبه �إيل �أم بختني يف اليوم الذي بعده و ال�شم�س تنحدر نحو‬
‫املغيب و يقول خماطبا �إياها مبلء �أوتاره ال�صوتية ‪ :‬قلتي �شنو ؟؟‬
‫العوين؟؟‬
‫الن�ساوين؟؟‬
‫قالت ‪..‬‬
‫ح�ش�شا عليا ‪ ..‬حا�شا وتاين حا�شا ‪..‬‬
‫�أنا قلت ليك من �سنني و �إنت راف�ض عجن العجني يف برمة الطني‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪54‬‬


‫�شمعون و �أم بختني‬
‫حينما انبج�ست معاين العيد يف القرية �سالت �أودي��ة يف الطرقات‬
‫تبخرت ‪ ..‬تكثفت غمامات غمامات ‪ ..‬لتنزل قطراتها �أحرفا و‬
‫ت�شاكيل ‪..‬‬
‫حينما كتبت قطراتها يف الهواء «عيد �سعيد يا نا�س احللة «‪� ..‬سالما‬
‫وت�ساحما ‪..‬افرتت ابت�سامة بني ملعان الربوق كانت ت�ضيء يف �شفاه‬
‫الغمامات ‪..‬‬
‫ويف زمن قدره ن�صف ثانية طافت الكلمات و االبت�سامات كل بيوتات‬
‫القرية و دخلت ال�صدور املوغورة ‪ ..‬فت�سامح اجلميع ‪�..‬أحيا ًء و‬
‫جمادات ‪..‬‬
‫يف ن�صف ثانية �أخرى ت�شكلت القطرات �أرجوحة ب�أن�شوطة طويلة‬
‫�أحد طرفيها يف الغمام و نهايتها غ�شيت �أطفال القرية ‪..‬طافت بهم‬
‫مرات ومرات يف الف�ضاءات البعيدة ثم عادت و �أرجعت كل طفل �إيل‬
‫منزله بعد �أن ملأت نهنهاتهم و�ضحكاتهم الف�ضاء ‪..‬‬
‫ترا�صن لتبا�شري العيد رزازا ي�أتيهن ليدخل يف �سحناتهن‬ ‫عجائز القرية َ‬
‫املتغ�ضنة ويتعمق يف خالياهن كلها ثم ترتجمه �أل�سنتهن بالدعاء �إىل‬
‫مين علي اجلميع بالعي�ش الرغيد يف قريتهن و ما جاورها ‪..‬‬ ‫اخلالق �أن ّ‬
‫مناح خمتلفات �أخريات ‪..‬‬
‫ثم عرجن بالدعاء �إيل ٍ‬
‫ثالث من �أ�سريات اهلل يف �أر�ضه دعون اهلل �رسا وجهرا �أن ميتد بهن العمر‬
‫ل�سنة قادمة ي�سبحن اهلل فيها كثريا و يذكرنه بكرة و �أ�صيال ‪..‬‬

‫‪55‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫يف الوقت ذاته كانت �أم هدم تتلك�أ يف الثمانني ترفع كفا واحدة بالدعاء‬
‫وكفها الأخرى ت�ضغط بها على عكازتها الق�صرية‪..‬‬

‫و ما �أن انتهي الدعاء حتى �أبدلت عكازتها �إىل يدها الأخرى ثم رفعت‬
‫ي�رساها لتدعو بدعاء �أ�ضمرته ‪..‬تريد �أن تعي�ش �سنة قادمة لتمار�س هواية‬
‫حمببة‪ ..‬تربية (الع ّتان) وبيعها‪..‬‬
‫ن�صف قرن م�ضى و�أهل القرية‪ ،‬و خا�ص ًة من ي�أتون غرباء ي�ستجريون‬
‫برم�ضاء ع ّتانها كما متار�س هواية جانبية �أثناء البيع هي التفاو�ض والكالم‬
‫بفمها الذي هو �أ�شبه بغرفة خالية بعد �أن تناثرت �أ�سنانها ‪..‬‬
‫�أم هدم تنحو مناحي غريبة ‪ ..‬قي الوقت الذي �أ�شارت �إيل حفر البئر‬
‫التي ي�ستقون منها هم و القرى املجاورة ‪ ..‬كانت �أول من ا�ستخدم‬
‫كنيفا و بقية �أهل القرية ي�سرتيحون ما زالوا يف اخلالء عند ال�صباح‬
‫الباكر �أو ليال ‪ ..‬مازالوا حتي ت�أريخ هذه اللحظة ‪..‬‬
‫�أم ِه ِدم تقطن بالقرب من بئرها و تظل يف حالة ترقب و تيقظ لكل‬
‫الواردين ‪ ..‬ت�سلم و ت�س�أل عن الأحوال ب�أنف ف�ضويل م�ستعرا ال�ستقاء‬
‫�أية معلومة ‪..‬‬
‫ت�س�أل عن �أي �شيء ‪ ..‬بد ًءا بالزروع و انتهاء مبا يوجد يف حمفظات‬
‫العجائز ‪..‬يحدث هذا بعد انتهاء مو�سم اخلريف ‪ ..‬يجيء الواردون‬
‫�إىل بئرها زرافات زرافات ‪ ..‬يجيئون وحدانا �أحيانا ‪ ..‬وتكون هي قد‬
‫جهزت �أ�سئلتها و �إجاباتها معا ‪..‬‬
‫تبد�أ بالواردين من قريتها القدمية لت�س�ألهم �س�ؤالها املعهود ‪(:‬ما الذي‬
‫حدث بني �شمعون و �أم بختني ؟)‪..‬‬
‫كان �شمعون قبل �ستني عاما �سنة خلون يحب �أم هدم حبا مل ي�صفه‬
‫الوا�صفون ‪ ..‬حبا حار فيه الع�شاق كلهم �أجمعون ‪..‬تفانى �شمعون‬
‫يف حبها و �أ�رستها ‪ ..‬كان هو الذي يزرع ويح�صد ويحتطب و يطمئن‬
‫علي القطعان ‪..‬‬
‫لكن ‪..‬‬
‫�أم هدم تركته حني �أتى ليتمم مرا�سم ارتباطه بها ‪ ..‬كانت تعي�ش حالة‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪56‬‬
‫من حاالت العناد التي تتكرر عندها ثالث مرات يف ال�سنة مع بداية‬
‫كل ف�صل من ف�صولها ‪..‬‬

‫�شمعون انتقم لكرامته ف�ألب�سها ثوب زليخة بزرك�شة ذلك العهد القدمي‬
‫ثم نزعه منها ليدخلها يف مكيال بنيامني ‪.‬‬

‫وقتئذ �أو وقتذاك ‪ ..‬ا�ستعرت ال�شائعات يف القرية ‪ ..‬بعد �أن كمنت يف‬
‫�صدر �شمعون كمون النار يف ال�شجر الأخ�رض ‪..‬‬
‫�أفراد �أ�رسة �أم هدم انتظروا حني غاب القمر ليحزموا �أمتعتهم يف جنح‬
‫الليل ثم غادروا القرية ‪ ..‬حينما �أ�صبح ال�صباح وجدوا �أنف�سهم يف‬
‫قيعان ذات �أ�شجار با�سقة (و �شيء من �سدر قليل)‪ ..‬ن�صبوا خيمتهم‬
‫هناك �إىل حني ‪..‬‬
‫مع انبالج الفجر ‪� ..‬أ�صبحت القرية تفتقد �أ�رسة كاملة ‪ ..‬لتبد�أ رحلة‬
‫البحث عن �أم هدم و �أهلها ‪� ..‬أهل القرية طافوا كل الأمكنة و�س�ألوا‬
‫كل الأ�شياء املنظورة بل�سان طليق عن املفقودين ‪ ..‬الأ�شياء غري املنظورة‬
‫�س�ألوها ‪ ..‬لكن ال �أثر ‪..‬‬
‫التفت كبري القرية �إىل �شمعون الذي كان يربطم حينها بلغة «الهوهاي‬
‫و النوناي» ‪ ..‬بالإ�ضافة للروراي الذي يباغته على حني غرة ‪..‬لغات‬
‫غري معروفة �أو هي حمدودة املعرفة بحيز املكان املحدد والزمان الذي‬
‫هو كذلك ‪..‬‬
‫حني جيء به ‪� ..‬س�أله كبري القرية �أوم�أ فقط حني �أجاب‪� ..‬أوم أ� ب�أنه هو‬
‫ال�سبب وراء هذا الفقدان ‪..‬جاء العقاب (جزا ًء وفاقا)‪..‬ملا فعل بعد �أن‬
‫فقدت القرية ب�سببه �أ�رسة كاملة ‪..‬‬
‫مت اختيار �أم بختني ليق�ضي معها بقية حياته ‪� ..‬أم بختني التي ولدت يف‬
‫يوم مات فيه ن�صف �أهل القرية بدقيق م�سموم ‪ ..‬وعندما �أكملت عامها‬
‫الثاين ق�ضي �أبونيني علي القطعان املوجودة يف ذلكم احليز اجلغرايف ‪..‬‬

‫‪57‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ولأنها ما كانت ت�ست�سيغ الطعام �إال وطعم لنب املاعز يتخلله لذا فقد‬
‫اعت�صمت عن كل ما قدم لها مما ا�ضطرت معه والدتها امل�سلولة‬
‫لإر�ضاعها عاما ثالثا ‪ ..‬بعد �أن �ألقمتها ثديها «الدلقان» ‪..‬‬
‫ن�ش�أت �أم بختني حني ن�ش�أت ك�أن هناك �أليالت جاءتها خل�سة من‬
‫الب�شمن ‪..‬بلون �أ�سمر وج�سم �ضئيل و نحيف للحد الذي حني ت�ضع‬
‫يديها يف و�سطها كانتا ت�شبهان مثلثني متطابقني بوتر واحد هو خ�رصها‬
‫و�صدرها ‪ ..‬مع ر�أ�س م�ستطيل كعنقها وال فا�صل بينهما ‪..‬‬
‫�شمعون يدخل يف حالة من التنكب الهروبي من �أم بختني ‪ ..‬يجمع‬
‫�سكائبا ليلتحق ب�أ�رسة �أم هدم‪ ..‬لكن كبري القرية يقوم بربطه و �سجنه‬
‫ال�شيء الذي يجعله ي�ستكني لواقع �أم بختني احلتمي فبد أ� يردد كل‬
‫عبارات ال�صرب والتوكل و ختمها ب�صوت جهوري �أن احلمد هلل ‪..‬‬
‫احلمد هلل ‪ ..‬احلمد هلل ‪�(..‬سواء علينا �أجزعنا �أم �صربنا ما لنا من حمي�ص)‪..‬‬

‫يف الليلة ذاتها ت�أتي �أم هدم يف ثوب �أبي�ض ق�شيب ت�أتي لكبري القرية و‬
‫تقول �إنها ا�ستخارت يف �ش�أن �شمعون كثريا ‪ ..‬لكنها ما كانت لرتى �إال‬
‫ثعابني ملتقمة فئرانا وتري غربان �سوداء و �أخري �ألبينو ‪..‬‬
‫ي�صحو كبري القرية من نومته ليخرب �شمعون بذلك حتي يقطع دابر �أي‬
‫خاطر يطوف حول �أم هدم ذات اجلمال ولكي ي�سرَ ي عنه قليال قال له‬
‫ل القلب )‪..‬‬‫(املر�أة اجلميلة تعجب العني لكنها ال مت أ‬
‫انكف أ� �شمعون علي ذاته و مل يخرب كبري القرية �أنها رفرفت حوله �ساعة‬
‫ال�سحرو�ساحمته علي �أي �شانئة قالها عنها لكنها يف الوقت ذاته قالت‬
‫له ‪�(:‬س�أعود �إليك يف حالة واحدة حني ي�أتي الواق واق بن�سائه املائة‬
‫و �أبنائه و �أحفاده املليون كي يحرثوا الأر�ض يف بالدي وبعدها ينمو‬
‫قمحا خمتلفا وحبا و�سالما تتمدد �شجرياته يف الأفق و ت�أتي �أوراقها‬
‫علي هيئة �أياد بي�ضاء بعد �أن اختزلت يخ�ضورها‪� ..‬أياد بي�ضاء ممدودة‬
‫ومتحركة مع اجتاه ال�شم�س)‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪58‬‬
‫تخرج �أم هدم من �أ�سئلتها و �أجوبتها ب�صوت يناديها ‪ ..‬تدخل يف‬
‫كوخها ثم تخرج ب�رسعة ‪ ..‬تخرج لتكمل بقية احلديث وقبلها تروي‬
‫لهم عن زوجها �أبو هدم امل�سحور يف مالب�سه اجلديدة النظيفة ‪ ،‬فهو ال‬
‫يقرتب منها البتة وحني يحاول االقرتاب منها يخطو خطوة �أوىل ترتاءة‬
‫له كما ال�رساب و يف اخلطوة الثانية تغ�شاه زغللة ‪ ،‬وظلمة البحار تغ�شى‬
‫ي�شتم رائحة متداخلة للحيوانات البحرية ‪..‬‬ ‫عينيه ‪ ..‬ويف الوقت ذاته ّ‬
‫�أم هدم مت�سح فمها اخلايل بيد راجفة و �أ�صابع �أ�شبه ب�أعواد �شجر الأراك‬
‫لت�ستعد يف موا�صلة الق�صة ‪ ..‬ق�صة �شمعون و �أم بختني و كيف �أنه مت‬
‫ترحيلهم �إيل هجليجة يف م�شارف القرية ‪ ..‬و�أنها مكثت زمانا بعيدا‬
‫تنقع ثمار الهجليج لت�رشب ماءها علي الريق ظنا و توهما ال�ست�سقاء �ألمَ‬
‫بها ‪..‬‬
‫و يف ليلة مقمرة ا�ستيقظت القرية على �رصخات مدوية ‪ ..‬ن�ساء القرية‬
‫تلفعن بال�صمت و زحفن نحو ال�صوت و م�صدره الهجليجة ‪ ..‬جاءت‬
‫�آثار زحفهن �أعينا �آدمية منبلجة مل تعرف الإنغما�ض منذ ميالدها ‪�..‬أي‬
‫�إن�سان عني يدور ب�رسعة ف�ضولية ‪..‬‬
‫حني و�صلن كلهن �إيل الهجليجة يف زمن واحد كانت �أم بختني تعاين‬
‫خما�ضا حقيقيا خرجت منها �صبية بهدوء بالغ بعد �أن تركت �رصخة‬
‫ميالدها بداخل �أمها ‪ ..‬مل يوجد تف�سري لذلكم حتى الآن ‪..‬لكن ن�ساء‬
‫القرية �سجدن �شكرا هلل �أن اال�ست�سقاء مل يعد خطرا يتهددهن بعد �أن‬
‫تكورت كتلته يف �صبية بلون الزيتون‪..‬‬
‫حينما ت�صل الرواية لهذا احلد ‪� ،‬أم هدم ي�أتيها ما ي�أتيها ‪ ..‬كانت‬
‫حمرومة من الأطفال ‪ ..‬مل يرزقها اهلل ‪..‬جتيئها حالة من الطنني الداخلي‬
‫ترتجمه خارجيا �إيل هتاف و �رضب بالإرجل على الأر�ض و تقول‪�(:‬أم‬
‫بختني ال�سلك جتيب بت بلون الزيتون و �أنا ما عندي؟؟ يا ال�صاحلني يا‬
‫ال�صاحلني �أفزعوين ‪� ..‬أفزعوين)‪..‬‬
‫ت�ستمر هذه احلالة �أ�سبوعا كامال ترتك فيه ال�صالة و �أوراد ال�صباح‬
‫وامل�ساء و متنع النا�س �أن يقرتبوا من بئرها ليعي�شوا حالة العط�ش �إال حني‬

‫‪59‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ي�ستغفلونها فريتوون من ظمئهم احلامي ‪ ..‬ويف نهاية الأ�سبوع تتوطد‬
‫يف م�صالتها مثل �شجرة بلوط عتيقة جذورها عميقة ‪..‬‬

‫تتوطد لت�صلي �صالة �أ�سبوع كامل ‪..‬وتطعم �سبعة م�ساكني وت�سمح‬


‫لأهل القرية لينهلوا من بئرها‪ ..‬لكن‪..‬‬
‫حني تنتهي من �صالتها يكون الليل قد �أليل وحالة الطنني اختفت �إال‬
‫قليال ‪ ..‬و ما تبقى يجعلها تنحو للمكر ‪ ..‬فتقوم لتجمع �أغ�صان �شجر‬
‫«اللعوت» املخ�رضة لرتميها يف البئر ‪..‬بعدها ت�رشب القرية ما ًء بطعم و‬
‫رائحة �شجر اللعوت ورائحته وطعمه‪..‬‬
‫�أم هدم تعمد �رسا كل ع�شية �إيل �أغنام القرية فت�سقيها لتخرج رائحة‬
‫اللعوت مع حلبة ال�صباح ‪ ..‬يعاف الأطفال حليبها ذا الرائحة النفاذة‬
‫لريموا �أكوابهم بطريقة ه�ستريية فتتطاير الأكواب بحليبها يف الهواء‬
‫تتطاير لتنجذب نحو م�صدر الرائحة �إيل بئر �أم هدم ‪..‬‬
‫متار�س الأمهات حيال �شتى بغلي الكمون واحللبة و اليان�سون مع‬
‫احلليب كي ي�ست�سيغه ال�صغار وال جدوى ‪..‬‬
‫يلتفت �شباب القرية �إىل البئر ينزل �أحدهم لتكحيلها ‪ ..‬يكحل البئر من‬
‫هذا الطعم الذي يعرفونه جيدا ويف الوقت ذاته ال توجد �إجابة وا�ضحة‬
‫ل�س�ؤال ‪ :‬ما الذي جاء بهذا الطعم �إىل مائهم ‪..‬‬
‫�صاف و الأطفال تكت�سي‬ ‫ٍ‬ ‫تهد�أ القرية ‪ ..‬تهد أ� قليال ‪ ..‬و تهن�أ مباء‬
‫عظامهم حلما بعد �أن عاد �إليهم حليبهم الدافئ �سائغا ‪ ..‬ي�رشبونه ليل‬
‫نهار ب�شهية مت�ضاعفة لتعوي�ض ما فات لكن ‪..‬لكن ماذا ؟‬
‫عا�صقة من �ساري الليل اجتاحت القرية مع الغروب كونت �رسادقات‬
‫ب�أبواب علي منط املعمار القوطي ‪..‬‬
‫فتيات القرية تلفعن بثياب توطنت فيها ر�سومات �ساري الليل ‪ ..‬بعد‬
‫�أن الت�صق بثيابهن ثم هرعن �إيل ال�رسادقات فوجدن كل ما يحتجنه‬
‫بتالوين خمتلفة ‪ ..‬فبد�أن يرفعن الأ�شياء وي�ضعنها ‪ ..‬يرفعن وي�ضعن‬
‫مرتام ‪..‬‬
‫ب�رسعة �أ�شبة مبكوك ماكينة خياطة يف م�صنع ٍ‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪60‬‬


‫انهدت جوانب ال�رسدقات من جهتني و فتيات القرية يرفعن الأ�شياء‬
‫وي�ضعن ‪..‬يرفعن و ي�ضعن ‪..‬‬
‫‪..‬انكب عليهن و هن يف احلالة‬
‫ّ‬ ‫انهدت القواعد كلها ‪ ..‬وبقي ال�سقف‬‫ّ‬
‫ذاتها ‪..‬يرفعن ‪..‬وي�ضعن ‪..‬يرفعن وي�ضعن‪ ..‬هن يف احلالة ذاتها ‪..‬‬
‫حالة الده�شة والتحديق ‪..‬‬
‫انكب ال�سقف ‪ ..‬يف اللحظة ذاتها كان �أبو هدم و �أم هدم �أيديهما‬
‫ّ‬ ‫حني‬
‫تن�سحقان يف جمع جراد �ساري الليل يف جواالت ن�سجت خ�صي�صا‬
‫ا�شتم �أبو هدم ب�أنفه العتيق رائحة العا�صفة قبل‬
‫لهذا الغر�ض بعد �أن ّ‬
‫يومني‪..‬‬
‫�ساري الليل قبل �أن يق�ضي علي �أخ�رض القرية وياب�سها ق�ضت عليه‬
‫�أيادي �أهل القرية‪ ..‬مت �سحق جزء كبري منه بعد جتفيفه ال�ستعماله كدواء‬
‫و غذاء يف �آن واحد‪ ..‬بقي جزء �آخر مل ي�سحق للقرم�شة ‪..‬‬
‫�أم هدم ف�صلت �أعني �ساري الليل املركبة و �أ�ضافتها لأثمدها تكتحل‬
‫بها �صباح م�ساء لتعزيز خا�صية الف�ضول و اال�ستك�شاف لديها ‪� ..‬أما‬
‫�أجنحة �ساري الليل املتك�رسة ففتيات القرية تبارين يف التقاطها ومتت‬
‫�إ�ضافتها لثمرة اله�شاب ل�صنع �شيء ي�شبه التالوين املربق�شة التي ي�ضعنها‬
‫ن�ساء املدن حول �أعينهن ‪..‬‬
‫يف م�ساء اليوم التايل �أح�ست �أم هدم ب�إعياء و تعب �شديدين ‪ ..‬بد�أت‬
‫تعيد ذكرياتها وجترتها بال مربر ‪..‬وهي التي مل تخرج من بيتها قيد �أمنلة‬
‫جاءتها ذكرياتها حتمل كل مناخات العامل ‪..‬‬

‫متلفعة ب�شفق غروب دام ‪� ..‬شم�س اال�ستواء تقدح فوق ر�أ�سها و‬


‫تك�شف عن �ساق بحجم غابات املنجروف ‪ ..‬بينما تنتعل يف ميناها‬
‫عمق البحار بكل دويباتها كانت ي�رساها حافية ‪ ..‬حافية متاما متاما‬
‫‪�..‬سوي جليد القطبني الذي الت�صق بها فتيب�ست ومن بني الأ�صابع‬
‫املتيب�سة انبعثت اربعة من �أطيار البطريق ‪ ..‬بد�أت تر�سل �أهزوجة حزينة‬
‫هي ‪ ..‬كيك كيك‪ ..‬كيكا كاو ‪..‬كيك كيك ‪..‬كككوو‪.‬‬

‫‪61‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كانت ذكريات زاخرة وحافلة ومع �آخر �صيحة من الأهزوجة كانت‬
‫الروح قد ان�سلت منها ‪ ..‬من �أم هدم ‪ ..‬ورحلت �إىل ال�سماء ‪..‬‬

‫انتهي ‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪62‬‬


‫�أم ‪44‬‬
‫قالت وهي تعبث بخالخيلها كعادتها ‪..‬‬
‫قالت له ماذا لو باغتت هيالري ذلكم الرجل وتربعت علي عر�ش‬
‫الدولة بعد ‪ 44‬رجل‪..‬‬
‫عر�ش الدولة الرثة باملال والهناء وتقدير الن�ساء ‪..‬‬
‫�أحنت �إبهامها �إيل داخل كفها ون�صبت خن�رصها وبن�رصها و و�سطاها‬
‫و ال�سبابة‪ ..‬كلها �إنت�صبت وبحركة ترددية مرتني �أوم�أت بيدها‪� ..‬أربعة‬
‫و �أربعة ‪..‬‬
‫�إمر�أة بعد ‪ 44‬رجل ‪..‬‬
‫�إمر�أة واحدة بعد ‪ 44‬رجل ‪..‬‬
‫بعد ‪ 44‬رجل �إمر�أة واحدة ‪..‬‬
‫قالت ذلكم ثالثا بنربة دراماتيكية ‪..‬‬
‫قهقه عاليا وقال ‪(:‬قبل �أن يباغتك الوقت قومي للعوا�سة‪..‬جهزي‬
‫فطور �أطفالك)‪..‬‬
‫�أما �أنا ف�أتوق و �أ�شتاق �إيل طبيخ �أمي ‪ ..‬ما طبيخك ‪..‬‬
‫�أ�شتهي التقلية بتاعت �أمي ما بتاعتك ‪..‬ثم ت�أوه ‪..‬‬
‫وثبت واقفة وقالت ك�رسة �أمبارح يف ‪ ..‬و الطماطم يف ‪..‬‬
‫�رصخ قائال ‪� :‬أوالدي �أنا ‪� ..‬أنا ‪..‬‬
‫�أوالدي �أنا ي�أكلوا ك�رسة بايتة بالطماطم و�إنتي خاتة بالك مع نا�س برة‬
‫؟‬
‫يا �أم ‪.. 44‬‬
‫قام قومته ونه�ض نهو�ضه و �أطف�أ جهاز التلفاز‪..‬متوعدا �إياها و منذرا‬
‫‪63‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫و�آم��را بعد �أن قال مرتني ‪(:‬قومي‪ ..‬قومي �شويف �شغلك ‪ ..‬قومي‬
‫وكدي �أ�شوفك تنومي)‪..‬‬

‫دخل �صغريها مت�سائال بعني واحدة مغم�ضة و الأخري �شبه مغم�ضة‬


‫كان نائما ‪ ..‬ال�صوت العايل ولج �إليه من باب الإ�ستيقاظ ف�إ�ستيقظ‬
‫هد�أت من ت�سا�ؤله بعد �أن حملته علي جنبها بالرغم من �أنه يف حوايل‬
‫ال�ساد�سة من �سنني عمره و خبرَ ته �أن والده يعاين من ال�صداع املعهود و‬
‫املتكرر يوميا ‪..‬ثم �أردفت �أدع له بال�شفاء ‪� ..‬أدع لوالدك يا �صغريي ‪..‬‬
‫نادي عليها مرة �أخري ‪..‬‬
‫يا �أم ‪.. 44‬‬
‫جاءت و �إنثنت �أمامه ‪..‬‬
‫ظنت �إنه يريدها ل�شئ يف نف�سه‪..‬‬
‫يف الوقت الذي كان يناديها ب�أم ‪ 44‬يف حالتني ‪ ..‬حالة يكون غا�ضبا‬
‫‪ ..‬ويف حاالت ال�سعادة و الإنت�شاء ‪..‬‬
‫يف حال غ�ضبه كان يق�صد �شئ و يف حال الفرح و احلوجة �إليها كان‬
‫يق�صد �شئ �آخر ‪ ..‬وهي كانت ال تدرك �إال �شئ واحد فقط ‪ ..‬كانت‬
‫ال تدرك ما ي�ستبطنه ‪..‬‬
‫كانت ت�ستثري غ�ضبه ببالها الطويل ‪ ..‬طول بال يدعو للملل ‪ ..‬وكان‬
‫هو �إيقاعه �رسيع فيمار�س عليها �سباب غري معلن ‪..‬‬
‫لكنها كانت �أي�ضا تبهجه بحالة من اللهو واملرح فيعود �أعواما للوراء‬
‫في�ضحك ويلهو‬
‫مثل طفل غرير ‪..‬‬
‫ما زالت يف حالة تثني �أمامه و تغنج ‪ ..‬وفقا ملا ميليه فهمها و �إدراكها‬
‫ملناداته لها ‪ ..‬ويف الوقت ذاته كان هو يق�صد املعني الآخر فلم يهتم‬
‫حلالة الإنحناء و الإنثناء التي عا�شتها لدقائق ‪..‬‬
‫يف �أول يوم �إنهتك فيه �سرتها �أمامه و �أعطته �أعز ما لديها قر�أ ج�سدها‬
‫قراءة �رسيعة وعميقة يف �آن واحد ‪ ..‬وجد عندها ‪� 44‬أثرا ‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪64‬‬


‫�إنهتك �سرتها و ماكان �سينهتك �إال بعد �أن �أوحت �إليه بنات �أفكاره‬
‫بفكرة كما يقول النا�س جهنمية ‪ ..‬مازال ي�شكر بنات �أفكاره حتي‬
‫الآن وي�ضحك من �أعماقه كلما تذكر هذا الأمر ‪..‬‬
‫مكثت �أيام بلياليها ‪� ..‬أيام و ليايل طويلة متمنعة ‪ ..‬جترجر ثيابها الطويلة‬
‫كقدي�سة �أو ك�أنها راهبة تعي�ش حالة تبتل عميقة وخ�شوع �أعمق ‪ ..‬ما‬
‫كانت لرتتدي �إال �أثواب طويلة معتمة ال ت�شف ج�سدها ‪..‬‬
‫ال تتحدث معه �إال نذر قليل و دائما ما تعطيه ظهرها ‪ ..‬حني ي�أتي �إليها‬
‫من الأمام تنقلب للخلف وحني ي�أتيها من اخللف تتقرف�ص ‪..‬‬
‫ترد بال علي �أ�سئلة ت�ستحق الرد بنعم ‪..‬‬
‫ترد بنعم علي �أ�سئلة ت�ستحق الرد بال ‪..‬‬
‫طيلة نهارها تعي�ش حالة عزف منفرد يف ت�رصيف �ش�ؤونيهما ‪ ..‬وال‬
‫تلتقي معه �إال يف امل�ساء ‪..‬تلتقيه ليال يف الفرا�ش حني تعطيه ظهرها ‪..‬‬
‫ولوال �أنها كانت تخ�شي الظالم وتخاف من �أن تنام وحدها لكانت‬
‫نامت وحدها ‪..‬‬
‫ما ت�ضجر ‪..‬‬
‫بل حبال ال�صرب املتينة ‪..‬‬
‫التي �أ�شبه بهلب �سفينة ‪..‬‬
‫مددها ‪..‬‬
‫مدد حبال ال�صرب و بد�أ يف تروي�ضها كما يرو�ض اخليال فر�س جموح‬
‫كل هذا حدث له ‪� ..‬صرب و تعب مرهق وهي ما حدث لها �أي �شئ‬
‫كانت ت�صحو عند الفجر جتد نف�سها و�سط تالل ال�صرب ‪ ..‬تالل �صربه‬
‫تنمو عليها نبتة بورد �أ�سود ‪ ..‬تنزل منها قطرات �سوداء ‪..‬ت�أتي بجاروف‬
‫خ�شبي فتقوم برمي تالل �صربه عرب نافذة الغرفة بعد �أن تقطف الورد‬
‫ثم تبد أ� يف تبديل الثياب الطويلة للنهار ‪..‬‬

‫�إيل �أن �أتته النجدة من بنات �أفكاره ‪..‬‬


‫كانت هناك غابة �أمام القرية ذهب �إليها نهارا ‪ ..‬جمع �شئ يف كي�س‬
‫‪65‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫�صغري و عاد �إيل البيت و خب�أه ‪ ..‬خب�أ الكي�س ‪ ..‬ما ر�أته ‪..‬كانت‬
‫م�شغولة بتبديل ثيابها بثياب �أكرث طوال وعتامة ‪..‬‬
‫�أتي امل�ساء �إعتلت الفرا�ش بجواره و�أعطته ظهرها �إنتظر حتي غرقت يف‬
‫النوم ‪� ..‬إنتظرها �إيل �أن �إنقلبت جتاهه و �أعطته وجهها ‪ ..‬مد يده بهدوء‬
‫نحو الكي�س ال�صغري و ببطء �أفرغ حمتواه يف �صدرها ‪..‬‬
‫�إنت�رش املحتوي �رسيعا يف �أنحاء ج�سدها و تعرجاته ‪..‬فج�أة �رصخت‬
‫�رصاخ امل�ستنجد ‪� ..‬إ�ستنجدته‪ ..‬قبلها النمالت �رصخن وبحثن عن‬
‫خمرج لهن بعد حالة ال�ضيق التي �إنتابتهن‪� ..‬صحت من نومها والنمل‬
‫يقر�ص فيها بعداوة‪ ..‬خلعت ف�ستانها اجلرجار ذو العتامة وتنف�ضت ‪..‬‬
‫بدت �أمامه ك�أنها خرجت لتوها من رحم �أمها ‪ ..‬خملوق �ضعيف يدعو‬
‫لل�شفقة ‪ ..‬ذاب ذاك اجلربوت كقطعة ثلج �صغرية و�ضعت يف �شعلة‬
‫كبرية‪� ..‬أو كقطعة زبد �أ�صغر و�ضعت يف �شعلة �أكرب ‪..‬‬
‫كانت �إ�سرتاتيجيته التي ر�سمها �أال ينت�رش النمل يف ج�سدها بل يبقي‬
‫متكوما يف �صدرها املتكوم ‪ ..‬لطاملا �أرهقته و هو يتحرق �شوقا �إليها ‪..‬‬
‫لكن النمل خذله و �إنت�رش �إنت�شاره �أراد �أن ي�ساعدها ب�إلتقاط النمل الذي‬
‫�إلت�صق بها �أم�سكت يده ليحك معها ‪..‬‬
‫‪� 4‬أيادي ‪..‬‬
‫‪� 10‬أنامل طرية ‪� ..‬أناملها ‪..‬‬
‫‪� 10‬أ�صابع قوية ‪� ..‬أ�صابعه ‪..‬‬
‫يديه ويديها تلتقيان عند منلة ‪..‬‬
‫يديها و يديه تفرتقان �إيل منلة �أخري ‪..‬‬
‫تهر�شان بقوة ‪..‬‬
‫حالة الهر�شان و احلك �أ�شبه مبعركة ‪..‬‬

‫معركة النمل معها ‪..‬‬


‫و �إنت�صار النمل معه ‪..‬‬
‫عا�ش حالة ن�رص مبني يف تلك اللحظة مع �ضحك مكتوم ‪..‬‬
‫�أيام وليايل متقلة يف دمك ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪66‬‬
‫متقلة يف دمك �أيام وليايل ‪..‬قالها �رسا و�سط فو�ضي ال�ضحك بداخله ‪..‬‬
‫هر�شانه للنمل يف ج�سدها جعل ج�سدها يتنمل ‪..‬بعد �أن حتول من‬
‫الهر�شان القوي �إيل مالطفة ومداعبة رقيقة ‪..‬‬
‫منحته نف�سها دفعة واحدة ‪ ..‬و�إنهتك �سرتها يف مرة واحدة‪..‬‬
‫بف�ضل غارات النمل‪ ..‬غارات منظمة بجهده و �إجتهاده ‪ ..‬بف�ضل‬
‫حام�ض النمليك الناجت من قر�صات النمل الذت �إليه ‪�..‬سكنت عنده‬
‫�إيل الأبد ‪..‬وحتي الآن مل يخربها ولن يخربها ‪..‬‬
‫منحته نف�سها فوجد عندها ‪� 44‬أثراً‪..‬‬
‫‪ 44‬نقطة و�شامة وندبة وث�ألولة ‪..‬‬
‫ف�إنتابته حالة ‪..‬‬
‫كان يكره الريا�ضيات لكنه مار�س عملية ح�سابية دقيقة جدا حينما بد�أ‬
‫يعد يف �آثار ج�سدها ب�صوت م�سموع‪..‬‬
‫النقطة الأويل ‪..‬‬
‫ال�شامة الأويل ‪..‬‬
‫الندبة الأويل ‪..‬‬
‫الث�ألولة الأويل ‪..‬‬
‫و هكذا ‪..‬‬

‫�شامة �أويل علي الكاحل ‪..‬‬


‫�أثر نار قدمي ندبة �أويل ‪ ..‬عندما �سقطت وهي طفلة علي الكانون �أو‬
‫املنقد املتقد بنار الفحم امللتهبة ‪� ..‬إختطفتها �أمها ب�رسعة لكن قما�ش‬
‫النايلون الذي كانت ترتديه �إلتهب هو الآخر وذاب فتقطرت منه قطرة‬
‫يف �ساقها لي�صنع جرح يندمل مع مرور الوقت لي�صنع �أثرا حمفورا بني‬
‫ثنيات اجللد كندبة �أويل ‪..‬‬
‫ثم كتلة من الوحمات يف بطنها قام بتعدادها الواحدة تلو الأخري ثم‬
‫جمع عددهن مع بع�ض و �أ�ضافه لبقية الآثار ‪..‬‬
‫تخطي ردفيها ليعود �إليهما فيجد �آثار ت�أديب �أمها التي كانت متار�س‬
‫نوع خا�ص من الت�أديب حني تقب�ضها مثل الكما�شة ب�إبهامها و ال�سبابة‬
‫‪67‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫يف �أوراكها ‪..‬‬
‫ندبة من �أثر ع�ضة قدمية حدثت لها يف املدر�سة عندما ت�شاك�ست مع‬
‫جارتها يف الكنبة حتي الآن ال تدري هل كانت هي خمطئة �أم رفيقتها‬
‫رفيقتها التي حتولت فج�أة �إيل قطة �رش�سة ولدت حديثا ‪..‬وهكذا �إيل �أن‬
‫�أكمل العدد ‪ 44‬عند ث�ألولة يف عنقها ‪..‬‬
‫فج�أة بد أ� يحب الريا�ضيات بعد �أن تنكر لها منذ طفولته ‪ ..‬تنكر حتي‬
‫للغة ال�ضاد ويتحدث الآن بلهجة حملية و بدارجة مك�رسة ‪..‬‬
‫تنكر لأي كلمة تذكره بالريا�ضيات فهو ال ميار�س �أي ريا�ضة �سوي‬
‫ريا�ضة امل�شي وال ي�سمع �أخبار الريا�ضة باللغة العربية ولكنه قد ي�سمعها‬
‫باللغة الإجنليزية فكلمة �سبورت�س تذكره بكلمة �سبور�س‪..‬‬
‫كلمة �سبور�س التي ي�ستقي منها معاين الكفاح فالبذور و الأبواغ‬
‫التي تقاوم اجلفاف وعوامل الطبيعة القاهرة ال�شئ الذي يعزز لديها‬
‫الأ�ستمرارية يف احلياة و رف�ض اخل�ضوع و الإنك�سار ‪..‬اخل�ضوع‬
‫للهزمية و رف�ض احلياة و بالتايل الإندثار و املوت ‪..‬‬

‫و تنكر لكل كلمة جتمعه بالريا�ضيات‪..‬‬


‫تنكر ثم تذكر ‪..‬‬

‫تذكر كيف �أن يده �إمتدت �إيل طافور ال�رضيرة حلظة اجلرتق البهيجة‬
‫و�سكبه علي الأر�ض حتت �أب�صار كل اجلمع حتت �أب�صارهم ووعيهم‬
‫�إعتذرت �أمه ب�أنه عنده ح�سا�سية �ضد الأرياح تق�صد بذلك الريحة و‬
‫العطور ‪..‬‬
‫رف�ضه لل�رضيرة جعل �أم العرو�س تدخل يف حالة ت�أكد فيما بعد �أنها‬
‫حالة �سبور وتطري ب�أنه �إذا مل يت�رض�رض �سوف يكب�س بنتها و الكب�سة‬
‫م�آالتها �أن متر�ض بنتها يف احلال �أو م�ستقبال �ستكون بال �أطفال ‪..‬‬
‫�صدر مر�سوم �أم العرو�س القائل ب�أنها قد تتنازل من العوائد لكنها �أبدا‬
‫لن تتنازل عن قرار هو �أن رف�ض العري�س لل�رضيرة كبري اخلطورة علي‬
‫بنتها حني ي�أتي بعواقب �أخطر ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪68‬‬
‫كانت هناك بقية باقية من ال�صندل غري املك�سور واملحلب ‪..‬قامت‬
‫�إحدي عماته ب�سحن اخلليط و�أ�ضافت �إليه عطر غري معلوم يف وقت‬
‫بدل �ضائع و �أتت حتمله بدال عن ذلكم الذي تدرف�س ب�أقدام احلا�رضين‬
‫بعد �أن رمي به �أر�ضا ‪..‬‬
‫احلا�رضين الذين كانوا يف حالة �إنتظار لطقو�س قطع الرحط ‪ ..‬وتالزم‬
‫حالة الإنتظار حالة �إ�شتهاء ت�ؤرق اللواتي ي�شتقن �إيل قطع رحاطتهن و‬
‫من ثم ت�شتيت احللوي و بخ العري�س لهم بالعطر يف نهاية ال�سيناريو‬
‫الذي قد ميتد يف بع�ض املجتمعات �إيل رق�صة العرو�س حني ت�أتي‬
‫العرو�س بحركات م�صاحبة للغناء بوا�سطة �آلة الدلوكة تعر�ض فيه‬
‫العرو�س ج�سدها لأهل العري�س و احلا�رضين ك�أنها تر�سل ر�سالة تت�ضمن‬
‫خ�صوبتها وجمالها ‪..‬‬

‫عاد �إيل طفولته الأويل و�سنني درا�سته وعقدة الريا�ضيات التي تولدت‬
‫حينها و كيف �أنه مار�س قتل نوع معني من النمل حينما �أخربته �أمه‬
‫ب�أن �إ�سمه ال�رض ‪..‬ف�إنتقل من قتل ال�رض �إيل كل �أنواع النمل الأخري وما‬
‫توقف �إال بعد �أن كرب و �إ�شتغل ب�أمور �أكرب ‪..‬‬

‫و حينما �إنتهي من �إمتحان ال�شهادة الثانوية ور�سب يف الريا�ضيات قاد‬


‫ثورة �ضد ال�رضار ‪ ..‬ورف�ض �أن تكون لأي �إمر�أة �رضة يف القرية ‪ ..‬فبد�أ‬
‫بتهديد زوجة �أبيه عندما رف�ضت �أمه طلبه ب�أن ترحل بهم وترتك والده‬
‫مع زوجته الأخري فهو �سيقوم ب�إعالتها‬
‫مع �أخواته مدعيا �أن �رضاعه �أخ�رض ‪..‬زوجة �أبيه بعد التهديد جمعت‬
‫�أمتعتها ورحلت دون وداع ‪..‬‬

‫�إجته �إيل ن�ساء �إخوته الغائبني فقام بتطليقهن بالنيابة عنهم وترك لكل‬
‫واحد منهم �إمر�أة واحدة �إيل حني عودتهم ‪..‬‬
‫ترك اللواتي لديهن �أطفال ُ كرث و قام بتطليق الالئي لي�س لديهن و‬
‫الأخريات اللواتي لديهن �أطفال �أقل وتكفل لهن برعاية الأطفال‬
‫‪69‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫منطلقا من مبد أ� مقد�س (ال �رضر وال �رضار)‪ ..‬يف هذه احلالة فقط فهو‬
‫يخ�ضع حلريف ال�ضاد والراء‪..‬تذلال و �إحرتاما ‪..‬‬

‫ال�شئ الذي �أثار عليه رجال الدين و �أكدوا يف املنابر ب�أنه يتدخل يف‬
‫�أمور و �ش�ؤون ال تخ�صه ‪..‬‬
‫الن�ساء املطلقات بيمينه الكاذب وغري املطلقات بيمني �أزواجهن عدن‬
‫�إيل بيوتهن ‪ ..‬كل الن�ساء رجعن ‪..‬زوج �أبيه ون�ساء �إخوته ون�ساء رجال‬
‫�آخرين يف القرية قام ب�إقناعهم فقد كان يحمل بني جنبيه �شخ�صية فذة‬
‫قادرة علي الإقناع ‪..‬‬
‫رجال الدين حتدثوا �إيل �أبيه وطلبوا منه �أن يلجمه بلجام ال�صمت‬
‫ويلملموا املو�ضوع حمليا قبل �أن يتطور ويذهب �إيل جهات عليا ‪..‬‬

‫ال�سبب الذي جعله يغادر القرية �إيل قرية �أخري متخفيا من نظراتهم‬
‫ونقماتهم وهناك حتول �إيل نا�شط بيئي و �إجته ملحاربة �أي �شئ ي�رض‬
‫بالبيئة ‪..‬‬
‫ال�رضبة قا�صمة الظهر �أتته حني �أُودع ال�سجن �سنني عددا بعد �أن جاءه‬
‫�إتهام من رجال ال�سيا�سة بالبلد ب�أنه يق�صدهم هم ال �سواهم ‪..‬‬
‫يق�صدهم حني يقدم خطبه الرنانة حول احل�رشات ال�ضارة و �إنبعاثات‬
‫الغازات الكربونية الأكرث �رضرا‪ ..‬الغازات املنبعثة من عوادم رتل‬
‫�سياراتهم ‪� ..‬أقحموه ال�سجن لأنه مل ي�ستطع النفي كما �أنه مل ي�ستطيع‬
‫الإثبات ‪..‬‬
‫مل ي�ستطع نفي �أنه حينما ينطق بكلمتي احل�رشات ال�ضارة ال يق�صدهم‬
‫ب�أنهم احل�رشات ‪ ..‬كما �إنه مل ي�ستطع الأثبات ب�أن احل�رشات ال�ضارة التي‬
‫يق�صدها هي الباعو�ض و الذباب ‪..‬‬
‫التهمة الثانية كانت متفرعة‪..‬‬
‫�إتهمهم يف تهمته الثانية الأويل �أنهم �إ�ستخدموا امل��وارد الغابية و‬
‫�إ�ستنفذوها بقطع الأثاث الفاخرة بعد ت�صدير اخل�شب اخلام الهام‬
‫وعودته م�صنعا لتدخل داخل التهمة الثانية الأويل تهمتني �أولهما ب�أنهم‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪70‬‬
‫ال ي�شجعون ال�صناعة املحلية و الثانية ب�أنهم يعي�شون الإنبهار و التماهي‬
‫يف ثقافة الغري دون ال�سعي لت�صدير ثقافاتهم ثم �أل�صقوا تهمة ثانية �أويل‬
‫ثالثة حني قالوا �أنه قال العناقريب مالها؟؟عقرب اجلبال تدخل ليكم‬
‫مابني اللحم والعظم‪..‬‬
‫التهمة الثانية الثانية �إنهم �إ�ستخدموا ال�صمغ العربي املح�صول‬
‫الإقت�صادي الأول و الرئي�سي و املهم �إ�ستخدموه مل�سح م�ؤخراتهم حتي‬
‫يتلزقوا بكرا�سي احلكم ‪..‬‬
‫التهمة الثانية الثالثة �أن ن�ساءهم �أ�رضرن مبحمية الطلح ‪ ..‬هذه التهمة‬
‫الأخ�يرة كانت �أعنف تهمة وجهت له ‪..‬ح�ين قالوا �إن��ه �إتهمهم‬
‫ب�إن�شغالهم بالن�ساء وترك �أمور الدولة املهمة ‪..‬‬

‫دفة القيادة وجهت جتاه جزيرة الن�ساء و تركوا البالد يف بحر متالطم‬
‫�أمواجه عاتية من امل�شكالت ‪..‬تركوا الدولة تتخبط بعد �أن ولهو‬
‫وتدلهوا ثم لهو بهن ‪..‬و معهن ‪..‬للحد الذي جعلهم ي�شبهون �إقت�صاد‬
‫الدول الغنية واملتقدمة ي�شبهونه باملر�أة املكتنزة �أما �إقت�صاد دولتهم‬
‫ي�شبهونه باملر�أة العجفاء ‪..‬‬

‫لأن �أكرثية ال�شعب يعاين ويالت حرب البطون املتمثلة يف قر�صة اجلوع‬
‫الآتي من ع�ضة الفقر ‪..‬فهو �إقت�صاد �أعجف �أجوف نتيجة لإت�ساع‬
‫الفجوة الغذائية فال يجد ال�شعب ما يدخله �إيل جوفه �سوي نزر ي�سري‬
‫قليل متقطع من فتاتهم املتبقي ‪..‬‬
‫كل هذا تذكره يف حلظة �شقاءه مع الريا�ضيات �شقاء حوله من قاتل منل‬
‫�إيل نا�شط جمتمعي مع حقوق املر�أة �إيل نا�شط بيئي �إيل نا�شط �سيا�سي �سار‬
‫�سريا متدرجا بعد تدرجه الأخري كنا�شط �سيا�سي �أعتقل وقبع يف زنازين‬
‫النظام مدة لي�ست قليلة ولوال دعوات �أمه املتالحقة مع �أول مطرة يف‬
‫ف�صل اخلريف ‪..‬دعاء �أمه الذي �سخر له جمعية حقوقية �أدرجت �إ�سمه‬
‫عندها و�إ�شتغلت علي عملية الإفراج ف�أفرج عنه لوال ذاك ملات وتعفن‬
‫يف ال�سجن ‪..‬‬
‫‪71‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫خرج من ذكرياته وبغ�ضه للمادة الذي حتول �إيل ع�شق �رسمدي ليلة‬
‫�إلتقاها ‪ ..‬متنا�سيا حكمة قدمية تقول ‪..‬‬
‫( �أبغ�ض بغي�ضك هونا ما ع�سي �أن يكون حبيبك يوما ما )‪..‬‬
‫يف دعوة للإعتدال والتو�سط يف كل �شئ ‪ ..‬يف م�شاعرنا وعالقاتنا‬
‫الإن�سانية وتعامالتنا وكل �شئ يربطنا بالب�رش و احلجر ‪..‬‬
‫البغ�ض والكراهية املتع�صبة حتولت �إيل حب وع�شق وتوله ‪..‬هاهو‬
‫يتعلم عمليات طرح وجمع وق�سمة و �إخت�صار يف �شامات وعالمات‬
‫وث�آليل ج�سدها وهي تزدهي ب�صرب معتق حينما يقوم بعملية �رضب‬
‫لث�ألول متخفي باحثا وراءه ‪..‬‬
‫ميار�س عملية ح�سابية ب�صورة دورية �أحيانا يف قيلولتها يوقظها من‬
‫نومتها ويف منت�صف الليل‪ ..‬ليقوم بعملية العد التي جتعله ينت�شي ‪..‬‬

‫فتنقلب �رسيعا �إيل �أمكنة الآثار ثم تنقلب �إيل اجلهة الأخري حتي ينتهي‬
‫من طقو�س العد ثم تعود لنومتها ‪ ..‬تعرف من �أين يبد�أ و�أين ينتهي مع‬
‫الوقت الالزم لذلك بالتقريب ‪..‬‬
‫لكنه �أحيانا قد يعك�س الآية فيبد أ� من حيث �إنتهي وينتهي من حيث يبد�أ‬
‫�إذا بد�أ ب�شامة الكاحل ينتهي بث�ألولة عنقها وقد يحدث �إنه يف مزاج‬
‫خمتلف فيبد أ� يف ذاك اليوم بث�ألولة عنقها و ينتهي ب�شامة الكاحل فتظن‬
‫فيه ظن �سيئ ب�أنه يعي�ش حالة �إنحدار نف�سي‪..‬‬

‫لأن �أثر ث�ألولة عنقها كان �أكرب من �أثر �شامة الكاحل ‪ ..‬الحظت ذلك‬
‫يف حالة الهيجان هيجانه كانت تقرتب منه ومت�سك بيده لت�ضعها علي‬
‫الث�ألولة ‪ ..‬فيتال�شي الهيجان ‪ ..‬ث�ألولة �أ�شبه مبغنطي�س جتتذب �إليها يده‬
‫وجتذب معها حالة الهيجان فتخمد يف احلال ‪..‬هيجان لأتفه الأ�سباب‬
‫لذا جعلت من هذا الث�ألول منفذا لإتخاذ القرارت وتنفيذ املطالب‬
‫بجانب التهدئة ‪..‬‬
‫كان عندما يتتبع �آثار ندباتها وعالماتها يتخذ طرقا ملتوية فقد يل�سعها‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪72‬‬
‫كنحلة و مرات يرفرف كفرا�شة زارت زهرة ‪ ..‬و�أحيانا ينق�ض كن�رس‬
‫علي فري�سة وهي يف حالة �إ�ستكانة وتلذذ �إنتقلت عدواه منه �إليها ‪..‬‬

‫يف هذه اللحظة بالذات ين�سي �إيقاعه ال�رسيع ويتبادل معها طول البال‬
‫الذي يدعو للملل جتري العملية احل�سابية ببطء �شديد مع �صوت الأرقام‬
‫الذي يرتجمه �إيل كلمات ‪� ..‬صوت يخرج بعمق وفخامة وزفرات‬
‫الهثة ‪..‬‬
‫�شامة �أويل ‪..‬‬
‫ندبة �أويل ‪..‬‬
‫نقطة �أويل ‪..‬‬
‫ث�ألولة �أويل ‪..‬‬
‫ينتهي ب�شامة الكاحل �إذا بد�أ بث�ألولة عنقها و ينتهي بث�ألولة عنقها �إذا بد�أ‬
‫ب�شامة الكاحل يف حالتي هما الركود والإنحدار النف�سي ‪ ..‬وال�سمو‬
‫والإرتقاء للنف�س علي التوايل ‪..‬‬

‫�إعتاد الأمر بل فطن �إيل طم�أنينة من نوع خا�ص وحكمة و�سكينة تتنزل‬
‫عليه وت�ستقر يف قلبه ‪..‬‬
‫�إعتاد كلما حز به �أمر �أن يناديها يا �أم ‪ .. 44‬كانت ت�ستجيب يف معظم‬
‫الأحيان ويف �أحايني �أخر ت�أتي �إ�ستجابتها كما توخز طوب الأر�ض‬
‫ب�إبرة �أو كما يعانق رجل �إمر�أة متثال من رمل ‪.‬‬
‫وقتذاك يرتجل �إليها فيجدها م�شغولة ب�شئ فيكتفي بالعالمات الظاهرة‬
‫�أمامه ‪ ..‬فيعدها بذات ال�صوت ويجمعها مع بع�ضها ثم يرحل بعد �أن‬
‫ت�صاحب عملية العد �س�ؤال هو ليه ماجيتي ملا ناديت عليك ؟‪..‬‬
‫�س�ؤال �صامت لكنها ت�سمعه حني ي�أتيها مرتجما بطريقة العد امل�ستخدمة‬
‫فت�شعر ك�أنه يحاول ده�س كل �أثر و ث�ألولة و نقطة و�شامة ‪ ..‬كان‬
‫ي�ضغطها بفرك �سبابته و �إبهامه يف كل الأمكنة التي تبدو ظاهرة �أمام‬
‫ناظريه ‪ ..‬وهي غري مبالية تق�ضي يف �أعمالها اليومية فتمد له يدا بها‬
‫ندبة ومتيل �إيل ناحية �أخري �إذا كانت ترتدي مريلة �أو ف�ستان عاري‬

‫‪73‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫الأكمام فقد كانت هناك �آثار يف كتفها الأمين ‪..‬‬
‫جاء الغداء ‪..‬‬
‫�إختارت �أن جتل�س علي ميينه و الأطفال علي ي�ساره حتي تتحا�شي‬
‫�أن يباغتها بعملية ح�سابية �أمام الأطفال لأنها ال تريد لأطفالها �أن‬
‫ينتبهوا لت�رصف والدهم ت�رصف ال ي�ستطيعون �سرب �أغواره وال الأبعاد‬
‫و التداعيات التي قد حتدث يف عقولهم ال�صغرية ب�أن والدهم يعتدي‬
‫علي �أمهم ويقر�صها كما يعتدي عليه �أطفال الرو�ضة ويقر�صونه و‬
‫ال�ضمري يف يقر�صونه يعود لطفلها الأو�سط الذي هو يف فرتة التعليم‬
‫غري املدر�سي وكان �شديد املالحظة و ي�س�أل من كل �شئ للحد الذي‬
‫قال لها ذات يوم ‪� :‬أمي �إنتي قعدتي يف طماطمة ؟ م�شريا �إيل بقعة دم‬
‫تلطخ بها ف�ستانها من الوراء ‪..‬‬
‫لي�س هذا هو ال�سبب فح�سب‪ ..‬تتحا�شي �أن يقر�صها �أمام الأطفال و‬
‫�إمنا هناك �أ�سباب �أخري ‪..‬‬
‫وجودها يف املائدة مينحها وقت للراحة من تعب يوم م�ضني بالرغم‬
‫من �أنها تنام القيلولة ‪ ..‬كما �إنها تتخذ قرارات �إدارية بخ�صو�ص تقييم‬
‫�سلوك الأ�رسة ‪..‬و تت�أكد من‬

‫الطبيخ �إن كان جيدا �أم ال ‪ ..‬وذلك بوا�سطة تعابريهم وحركاتهم‬


‫و�سكناتهم التي تظهر يف وجوههم وال ي�ستطيعون �إخفاءها ‪..‬‬
‫ت�ستطيع بنظرة موجزة �أن تعرف املرتدد واخلائف و املبتهج و الكئيب‬
‫تعرف من املتلذذ بالطعام ومن اخلائب يف تطلعاته ‪..‬‬
‫ما كانت تنتظر �إ�شادة من زوجها ‪..‬‬

‫ما كانت لتنتظر �إ�شادة منه فهو يعي�ش حالة حنني دائم �إيل والدته ‪..‬‬
‫�إيل ون�ستها ون�سيانها له ‪� ..‬إيل كالمها ‪..‬ومالمها له ‪..‬‬
‫�إيل مالحمها ومالحها ‪ ..‬مالحها الطاعم من يدها الطاعمة ‪..‬‬
‫ذلك لأنه �أم�ضي وقتا طويال يف معتقله وعندما خرج وجدها تعاين من‬
‫اخلرف وما كانت تذكر �شئ يخ�صه هو �إال كلمتي �رضاعه الأخ�رض‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪74‬‬
‫�رضاعه الأخ�رض الذي وعدها به حينما �إقرتح عليها �أن ترحل بهم بعيدا‬
‫عن والدهم ‪..‬‬
‫عندما عاد �إيل قريته ذاك امل�ساء و �إ�ستقبلته احل�شود كانت تقف معهم ‪..‬‬
‫�سلمت عليه ب�إ�سمه و�ضمته �إيل �صدرها و �إحت�ضنته وقالت جيدا جيت‬
‫جيدا جيت يا جني ح�شاي بعدها �أطلقت الزغاريد ‪..‬‬
‫ويف طريقهم �إيل البيت كانت ت�س�أل �إحدي بناتها الراجل دا منو املعاكم‬
‫دا؟‪ ..‬حتي الآن مل ينتبه ل�شئ ولكنه عندما دخل �إيل البيت بكل احلنني‬
‫امل�شتعل وطاف بالغرف غرفة غرفة ‪ ..‬وخرج من �إحدي الغرف التي‬
‫تفتح علي زقاق ‪ ..‬كانت هي قد نزعت غطاء ر�أ�سها و �إتك�أت علي‬
‫عنقريبها الهباب فلما ر�أته غطت �شعرها و تبلمت بالمة كثيفة وقالت‬
‫يا بنات تعالن ‪ ..‬تعالن جاي ‪..‬تعالن �شوفن الراجل اجلاين دا منو ؟؟‬

‫وقتذاك ‪..‬‬

‫بكي بكاءا مرا ‪� ..‬أول مرة يبكي يف حياته وي�شعر باملرارة ‪..‬حتي يف‬
‫حلظات ال�ضيق والقلق والعذاب يف عمق الزنزانة ما �أح�س بالأمل الذي‬
‫ت�أمله وقتها ‪..‬‬
‫بكي ‪ ..‬بكي ‪ ..‬بكي ‪� ..‬أح�س بعذاب ال يو�صف ومتني �إن كان وقتها‬
‫مل يعاقبه �أ�ستاذ الريا�ضيات وجعله يكره املادة كرها قاده للمعتقل ‪..‬‬
‫متني لو كان هناك مر�شدا نف�سيا باملدر�سة ‪..‬‬
‫متني لو �إ�ستجاب له والده يف ذاك الوقت حني ذهب و �إ�ستنجد به والده‬
‫احلري�ص علي تعليمهم لأنه مل يكن متعلما ‪..‬حري�ص علي حت�صيلهم‬
‫العلمي حر�ص املري�ض علي العافية و حر�ص املرابي جلمع املال ‪..‬‬

‫مل يجد النجدة عند والده بل قب�ض يده بقب�ضة حديدية ومل يطلقها �إال‬
‫عند باب املدر�سة عندما وجدوا معلم الريا�ضيات قرب الباب ‪ ..‬قام‬
‫بت�سليمه للمعلم مع مقولة ما زال ينام ليال عليها وتوقظه من نومته يف‬
‫ال�صباح ‪�..‬صوت والده وهو ينطق باملقولة ظل يالزمه يف �أي مكان‬

‫‪75‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫يرحل �إليه حتي يف الزنزانة ‪� ..‬صوته وهو يو�صي معلمه ب�أن الولد دا‬
‫ولدكم وليكم اللحم ولينا العظم ‪..‬‬
‫كان املعلم من النوع احلقود فمار�س عملية ت�شفي و ت�شفية لل�صبي ‪..‬‬
‫�رضبه �رضب غرائب الإبل ‪� ..‬رضبه حتي تبول يف مالب�سه ‪ ..‬حقد‬
‫وت�شفي وت�شفية مثل جزار حاقد علي بهيمة �سمينة تف�شي دهنها‬
‫فت�شفي هو بذبحها و�شفي حلمها من عظمها ‪..‬‬

‫عند املغرب ‪..‬‬


‫يجل�س �أر�ضا و �إبريق القهوة �أمامه ‪..‬‬
‫كان يف�ضل �أن يرت�شف القهوة علي ب�ساط �أر�ضي وجتل�س هي لرتت�شف‬
‫ال�شاي ‪ ..‬جتل�س بجانبه ‪..‬‬
‫ال ت�شاطره ال�رشاب ‪ ..‬بينما ت�شاطره الب�ساط و اجلل�سة و احلديث ‪..‬هي‬
‫ترت�شف �شايها ببطء وهو يتقهوج ببطء �أكرث ‪..‬‬
‫يتبادالن احلديث ‪..‬‬
‫تذكرت حديث ال�صباح لكنها عرجت نحو الدول ال�رشق �أو�سطية ‪..‬‬
‫قالت له ‪� :‬إذا �إفرت�ضنا بعد كل فرتتني رئا�سيتني لرجلني ت�أتي �إمر�أة‬
‫كرئي�سة ‪..‬‬
‫و مبا �أن الفرتة الرئا�سية يف بلدان الكر�سي الواحد للرجل الواحد تقع‬
‫يف مدي زمني بني ‪�20_40‬سنة ‪ ..‬نتوقع يف كل ‪� 100‬سنة �أن ت�أتي‬
‫�إمر�أة واحدة كرئي�سة ‪..‬‬
‫يف القرن �إمر�أة ‪..‬‬
‫يف كل قرن �إمر�أة ‪..‬‬
‫فيطلق عليها ‪..‬‬
‫�إمر�أة القرن ‪..‬‬
‫�أو ‪..‬‬
‫املر�أة القرن ‪..‬‬
‫في�سمي ذاك القرن بقرن املر�أة ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪76‬‬
‫مل ي�شاطرها احلديث �إال حينما نطق بكلمة واحدة هي كرا�سة وقامت‬
‫بت�صويبه وت�صحيحه حني قالت ما كرا�سة كرئي�سة ‪..‬‬

‫بعدها وجدت نف�سها تتحدث �إيل نف�سها ‪ ..‬وجدت �أنها تكلم نف�سها‬
‫جهرا ‪ ..‬ليتحول احلديث من اجلهر �إيل حالة حديث مع النف�س �رسا ‪..‬‬
‫قرن‪..‬‬
‫�إمر�أة قرن ‪..‬‬
‫قرن املر�أة ‪..‬‬

‫املر�أة القرن ‪..‬‬


‫قرن ‪..‬‬
‫قرن‪..‬‬
‫قرر‪..‬قرر‪..‬‬
‫جاءتها الكلمات ‪ ..‬وهي تقف ل�صالة الع�شاء خلفه‪ ..‬دائما ما يو�سو�س‬
‫لها خنزب بحديث النهار يف �صالة الليل و بحديث الليل و خلجاته و‬
‫�إختالجاته يف �صالة النهار‪..‬‬
‫�أول مرة يف حياتها ت�صلي خلفه �صالة الع�شاء لأن �صالته كانت طويلة‬
‫يجرب فيها �صلوات مل ي�صليها وقام بتك�سريها يف عنفوان ال�شباب و الآن‬
‫يقوم بتجبريها ‪..‬‬
‫�صالته طويلة وهي ت�صلي بق�صار ال�سور ‪..‬‬

‫قرن املر�أة ‪ ..‬املر�أة القرن ‪..‬‬


‫قرن ‪..‬قرن‪..‬قرررر‪..‬‬
‫قرررررن ‪ ..‬ترتدد يف �أذنيها ‪..‬‬
‫�إ�ستعاذت باهلل من خنزب ‪..‬‬
‫�أكمل �سورة الفاحتة ‪�..‬سمعته يتلو ‪..‬‬
‫(و قرن يف بيوتكن وال تربجن تربج اجلاهلية الأويل )‪..‬‬

‫‪77‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�إنتهت ال�صالة ‪..‬‬
‫وقتذاك فقط �أدركت �أن هناك حالة من توارد اخلواطر ‪ ..‬حالة تخاطر‬
‫بينهما ‪..‬‬

‫كيف �إنتقلت كلمة قرن من تفكريها �إيل تفكريه ‪..‬يف اللحظة ذاتها‬
‫بالرغم من �إختالف املعني و ال�شكل ويف ذات الوقت تتطابق الكلمات‬
‫يف عدد الأحرف و نوعها ‪..‬‬
‫وقتذاك �أذنت حلالة ت�شكك عميقة ‪� ..‬أذنت لها بالرحيل وقالت لها‬
‫�إرحلي ‪..‬‬
‫بعد �أن ت�أكدت ب�أن حالة التخاطر هذه ما جاءت �إال لأنه يف �إندماج‬
‫فكري و روحي معها وقررت �أن تت�آلف مع موجة الع�صبية التي تغ�شاه‬
‫مرات كثرية لأ�سباب واهية للحد الذي جعلها تت�شكك ب�أنه �سئمها ‪..‬‬
‫قررت يف نف�سها وم�ضت �إليه لت�ؤكد هذا القرار فعليا ‪ ..‬و �إقرتبت منه‬
‫بعد �أن تغربت عنه ‪� ..‬إقرتبت لتنفي �شكوكها و لتنتفي حالة الغربة التي‬
‫تنتابها متزامنة مع حالة الغ�ضب التي تنتابه ‪..‬‬
‫كان مازال علي �سجادة �صالته ‪..‬‬
‫لكنها ركنت �إليه وحدثته عن خماوفها كلها ‪ ..‬كل خماوفها املركبة و‬
‫املرتاكمة و املرتامية الأطراف ‪..‬‬
‫نظر �إليها بطرف عينيه ‪ ..‬كان ي�ضج بال�ضحك منها �ضحك مكتوم‬
‫لكنه قام بت�شكيل �إبت�سامة وديعة علي �شفتيه ‪..‬‬
‫طفر ث�ألول عنقها �إيل عمق عينيه التي كانت تطفر هي الأخري مباء‬
‫مالح ناجت من حالة �ضحك مند�سة غري معلنة ‪..‬‬
‫�إمتدت يده لتهدئ من روع الث�ألول العا�شق و املع�شوق ‪..‬بل �سلطان‬
‫الع�شق موثوق من ناحيته ‪ ..‬موثوق بحبال �صربه املتينة التي هي �أ�شبه‬
‫بحبال هلب �سفينة ‪..‬‬
‫�إمتدت يده ‪..‬‬
‫فتنف�ست ال�صعداء ‪..‬‬
‫نامت يف احلال ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪78‬‬
‫نامت و �إح�سا�س من راحة البال ‪..‬‬
‫و �أمان يهدهدها ‪..‬‬
‫يهدهدها ‪..‬‬
‫و م�ضي ال�شك الذي كان يهددها ‪..‬‬
‫و يهددها ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫‪79‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كروموسوم واي‬ ‫‪80‬‬
‫مكان عزيز‬
‫يت�سكع داخل خياالته ‪..‬‬
‫داخلها يت�سكع ‪..‬‬
‫ينظر من وراء عتمة �أ�شكاال ويري �أ�شياء ‪..‬‬
‫يتخيلها فتبدو لطيفة �أحيانا ويف �أحايني كثرية ت�أتي قامتة ‪..‬‬
‫فهو مازال يعي�ش حالة التناق�ضات منذ فراق حمبوبته �أم هدم التي مافتئت‬
‫حبي�سة داخل جدران خالياه كلها ‪..‬‬

‫تتعرث حني يعط�س ‪..‬‬


‫تكاد تخرج لكنها تعود ثانية ‪..‬‬
‫حينما يبتلع طعامه تقف له يف حلقه ‪..‬‬
‫فيتذكر مثل قدمي ‪ ..‬حمبوبته اللطيفة �أ�صبحت مثل �شوكة حوت يف‬
‫حلقه ‪..‬‬
‫�شوكة حوت ال بتتبلع ال بتفوت ‪..‬‬
‫بل كاد يجزم �أنه يتذوقها بعد �أن �إ�ستقرت يف حليمات ل�سانه ‪ ..‬يتذوقها‬
‫مع طعامه �أو حني يرت�شف القهوة ‪ ..‬قهوة من �صنع �أياد �أم بختني التي‬
‫حتاكي امل�ساويك اجلافة ‪..‬‬
‫يتذوقها بنكهة خا�صة ‪..‬‬
‫لكنه يعود لواقعه احلتمي �أم بختني ‪..‬واقعه الذي ي�سيطر عليه منذ �أن‬
‫فارقت حمبوبته القرية مع �أهلها يف جنح الليل ذاك امل�ساء ‪..‬‬

‫‪81‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫هاهو الآن ‪..‬‬
‫مم�سكا بكوب ال�شاي ‪ ..‬ر�شفة �أويل ‪..‬تليها ر�شفة ثانية �إيل �آخر قطرة‬
‫من الكوب ‪..‬‬

‫هو �شمعون ‪� ..‬شمعون ذاته ال غريه ‪ ..‬يتمدد علي عنقريب القد و‬


‫بجانبه �سي�سابانة ‪ ..‬هاهو ميد يده ليداعب �ضفريتيها �إحداهما غطت‬
‫جزء كبري من عينها اليمني و كامل حاجبها الأمين ‪..‬و الأخري �إن�سدلت‬
‫خلف عنقها ‪..‬‬
‫�سي�سابانة جاء خما�ضها يف يوم �أرعدت فيه ال�سماء و �أمطرت مطرا‬
‫ك�أفواه القرب‪ ..‬وب�سبب هزمي الرعود و هطول املطر �ضاعت �رصخة‬
‫ميالدها يف حادثة �أ�شبه بحالة �أختها الكربي التي تركت �رصخة‬
‫ميالدها بداخل �أمها ‪..‬‬
‫حالة �صمت يلفها الإ�رصار علي ال�صمت ذاته ‪..‬‬
‫�صمت مطبق كانت هي حالة �إبنتي �شمعون ‪ ..‬الهدوء التام ‪ ..‬هذا‬
‫الأخري �صاحب �شمعون �أثناء ر�شفات ال�شاي حتي �آخر ر�شفة من‬
‫الكوب ‪�..‬إعتدل مزاجه حينها ف�إذا به يعتدل و�سط العنقريب وينتعل‬
‫حذائه ‪ ..‬وي�أخذ اجلالبية التي تدلت من عود القطية الو�سطاين الذي‬
‫ترتكز عليه �أعواد ال�سقف ‪..‬‬
‫العود الو�سطاين الذي قام بتنظيفه م�سبقا من �أم �شبتو التي ت�شاطرهم‬
‫امل�سكن ‪ ..‬و يف العود الآخر بني �أبوالدنان بيته الذي ت�شبه �أبوابه‬
‫فتحات مزمار البو�ص ‪..‬‬
‫�شمعون يرتدي اجلالبية دون �أن يخلع القمي�ص الق�صري و ال�رسوال‬
‫الطويل ‪ ..‬وبيده اليمني يلفح �سي�سابانة علي كتفه و يخرج من القطية‬
‫يحدث هذا يف قرية نائية ‪ ..‬ويف القرية ذاتها يف مكان نائي ‪ ..‬مازال‬
‫كبري القرية يطبق نظام من العزلة علي �أ�رسة �شمعون املتكونة من �شخ�صه‬
‫و �أم بختني و بنتني زيتونة و�سي�سابانة ‪..‬‬
‫�إجتاز �شمعون فناء الدار م�رسعا بعد خروجه من القطية و وقف قبالة‬
‫كومة من فروع ق�ش ال�سنقد الذي جمعه ليبني حو�شا بعد �أن بد�أت �أم‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪82‬‬
‫بختني تئن و جت�أر بال�شكوي من �أعني الغرباء الذين يتجولون �أحيانا‬
‫حول بيت �شمعون يف حماولة ل�سرب �أغوار ما تخفيه‪.‬‬
‫و‪..‬‬
‫كيف �أنها �إمتلكت هذه القدرة املذهلة من ال�سيطرة علي �شمعون الذي‬
‫ما �إنفك يحاول �أن ينجو من حبال وهمية �إلتففن حوله و ربطنه �إيل‬
‫جانبها �أم بختني العجفاء ‪..‬‬

‫تراكتور �شمعون يهز �شخريه القرية حني ي�شخر ‪ ..‬حيث �أنه �أول �آلة‬
‫تط�أ �أر�ض القرية ‪.‬‬
‫كان يوما م�شهودا ‪ ..‬م�شهود‪..‬‬
‫توالت فيه احل�شود‪..‬‬
‫توالت من كل مكان يف قريته و القري املجاورة بعد �أن متت دعوتهم‬
‫لر�ؤيته ‪..‬‬
‫تفح�ص النا�س الآلة ومعها رتل من اجلركانات ‪..‬جركانات البال�ستيك‬
‫مليئة باجلازولني الذي مل تخربه القرية من قبل فمازالوا يعتمدون يف‬
‫موا�صالتهم علي اخليل و احلمري وبع�ض البغال ‪..‬‬
‫ن�ساء القرية �إلتففن حول اجلراكني و�شممن رائحتها التي جلبت‬
‫ال�صداع لكثريات منهن ‪�..‬صداع تبعه تقي�ؤ ‪..‬‬
‫ي�صري �شمعون من �أعيان القرية و رجاالتها الذين ي�شار لهم بال�سبابة‬
‫هذا وهذا وذاك حيث ال توجد تلكم �أو تلك ولي�س هناك فر�ضيات‬
‫لأن توجد يف املدي القريب ‪..‬‬

‫ميم �شا ‪ ..‬ميم �شا‪..‬حففا عليك ‪ ..‬حففا عليك ‪..‬‬


‫�صوت �إمتعا�ضي وحركة �أكرث �إمتعا�ضا ‪� ..‬صوت يتبعه فعل ينت�سب كل‬
‫واحد منهما للآخر ‪..‬الإثنان ينت�سبان �إيل �شفتي ويدي �إمر�أة تزور �أم‬
‫بختني يف غربتها ‪..‬جاءت بها �شماتة مقيتة بعد �أن �سمعت هم�س يدور‬
‫بني �شمعون وكبري القرية ‪..‬‬
‫�أخربتها �أنهم تناق�شوا و �إنتف�ضوا وقاموا و قعدوا ‪ ..‬كما �أنها �سمعت‬

‫‪83‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�ضجة حول الكيلومرتات التي يقتطعها �أطفال القرية م�شيا و زحفا‬
‫و رك�ضا يف الهجري و حتت وابل املطر �أحيانا حتي تتبني لهم مالمح‬
‫املدر�سة من علي البعد ‪..‬‬
‫كما �أخربتها �إنها �سمعت همهمة �أخرية ‪ ..‬بعدها لغة �رصيحة وكالم‬
‫�أكرث و�ضوحا ب�أنه قد تبيتي الليلة طلقانة ‪..‬دون �إكرتاث ردت عليها �أم‬
‫بختني‪ :‬طلقانة طلقانة ‪ ..‬الطالق حق بنات الرجال ‪ ..‬وما خايفة ‪..‬‬

‫دارت املر�أة حول نف�سها ومل ترتدد حينما �س�ألتها �أها كان طلقوكي‬
‫بتم�شي وين؟ ؟‬
‫تذكرت �أم بختني اللعنة التي تطاردها منذ والدتها يف يوم مات فيه‬
‫ن�صف �أهل القرية بدقيق م�سموم ‪ ..‬تذكرت ال�ش�ؤم الذي خلفته‬
‫ذكريات يوم فطامها حني هجم �أبونيني علي قطعان املاعز ‪ ..‬وكيف‬
‫�أنه قد �ألقمتها �أمها ثديها الدلقان ل�سنة ثالثة ‪..‬‬
‫تذكرت هذا كله يف ن�صف ثانية ‪..‬‬
‫ثم بذات القدرة التي طرحت بها املر�أة ال�س�ؤال و دون تردد قالت ‪ :‬ما‬
‫بطلع ‪ ..‬ما بطلع ليهو من البيت ولو طردين بعد الثالثة �شهور بر�ضو‬
‫ما مب�شي ‪..‬‬
‫ثم واجهتها بعد �أن كانت تنظر �إليها بن�صف وجه و قالت ‪�:‬شاحدة‬
‫ربي لو كالمك طلع �صاح ‪ ..‬طلقة جتيهو يف �أعز مكان عندو ‪ ..‬ينقطع‬
‫ن�سلو ‪ ..‬يلف ويلف و يدور ويجيني راجع تاين ‪..‬‬
‫حالة البهتان و الإفرتاء التي �أل�صقتها املر�أة ب�شمعون ما �أحدثت �أي‬
‫زوبعة �أو زعزعة يف قلب �أم بختني التي كانت تعلم العلم اليقني �أن ن�ساء‬
‫القرية يح�سدنها يف �شمعون الذي �آتاه اهلل ب�سطة يف العلم واجل�سم ‪..‬‬
‫مل يدر�س يف مدر�سة لكنه كان عاملا ب�أمور احلياة علم يجهله الكثريون‬
‫قبل �أن تخرج املر�أة وتعود خائبة بعد �أن عب�أت جوفها بظنون وتوقعات‬
‫�أقل ن�سبة منها ال تقل عن �أن تفقد بختو وعيها و تنك�رس عظماتها الناتئة‬
‫كان �شمعون قد �إ�ست�رشف كومة ق�ش ال�سنقد ‪� ..‬إبتلعت املر�أة ريقها و‬
‫غادرت دون �أن تلقي حتية ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪84‬‬
‫دخل �شمعون القطية و �إنتعل الدي�سكو بعد �أن خلع جلبابه وحذاء‬
‫الزيارات ‪� ..‬إنتعله بعد �أن نادي علي �أم بختني ‪ ..‬بختو ‪ ..‬يا بختو وين‬
‫الدي�سكو ؟‬
‫كان يكره �إ�سمه الآخر الذي يذكره بالآخرة ‪..‬‬
‫كان الإ�سم الأخري للحذاء امل�صنوع حمليا من �إطارات ال�سيارات �إطارات‬
‫نافقة و قدمية قدم الزمان ‪ ..‬مت �إ�ستخدامها ل�صنع (متوت تخلي) كناية‬
‫عن �شدة احلذاء الذي ميكث زمانا بعيدا وميكن توريثه ‪..‬‬

‫كما كان يكره �إ�سمه الذي يذكره ب�أيام ال�شقاء قبل �أن تنفتح عليه �أبواب‬
‫الرزق من �أمكنة متعددة ‪ ..‬كان يكره �إ�سم ال�شقيانة التي مل يطلق عليها‬
‫هذا الإ�سم �إال لإرتباطها ب�شظف العي�ش الذي ي�سري معه ال�شقاء جنبا �إيل‬
‫جنب ك�صديقني حميمني ‪..‬‬
‫فقد كانت ال�شقيانة رخي�صة الثمن جدا ‪ ..‬ال تكلف �صناعتها �سوي‬
‫م�سامري نقلة و �إطار �سيارة قدمي �إنهتك وقُد من طول امل�سري ‪..‬‬
‫�شمعون املتناق�ض الذي ال (ي�شكو بيته قلة الفئران) من �شدة ال�شبع و‬
‫بعد هذا كله يرتدي الدي�سكو ؟ هكذا غمغمت يف �رسها مت�سائلة ‪..‬بيته‬
‫�أبدا ال ي�شكو قلة الفئران مع �إنه ال ي�شكر اهلل �إال قليال ‪ ..‬وال ي�صلي �إال‬
‫مع مولد هالل �شهر رم�ضان و الأربعة احلرم ‪..‬‬
‫يتكلم النا�س عن ح�صاده كل عام فريد عليهم وراء كل ح�صاد عظيم‬
‫دعوات عظيمة من �إمر�أة مثل �أم بختني ‪..‬‬
‫حني ت�سمع هي كالمه عنها ال ت�ستطيع التمييز �إن كان ميدحها �أو قدح‬
‫ميار�سه عنوة بعد �أن ي�سرته برداء براق من املدح و الإطراء‪..‬‬
‫دخلت املر�أة بيتها بعد املغيب و هي ما زالت تفكر و ت�سرتجع حديث‬
‫�أم بختني لها و تنفي حالة غل وغ�ضب جمهولني جتاه بختو ‪ ..‬حالة‬
‫تلب�ستها و تقم�صتها مثل جان تلب�س و تقم�ص م�رصوع ‪..‬‬
‫تخلت عن غلها لثوان و بد�أت متني نف�سها ‪ ..‬و �أزهرت الأماين التي‬
‫�شاهت وحتطمت بعد �أن فارقت خميلتها منذ �أمد بعيد ‪ ..‬فكرت يف‬
‫ذاك املكان الذي يعز اهلل به من ي�شاء و يذل من ي�شاء ‪..‬‬

‫‪85‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫مكان عزيز يقود �صاحبه يف حالة من عمي �رصيح و �صمم وتبكم لكل‬
‫وعي و يختار له طريق �ضاللة عقيمة حينما تقد �إرادة �صاحبه من قبل‬
‫مكان ي�أتيه الباطل حني تخور عزمية �صاحبه و يتفتق بداخله �سلطان‬
‫ال�شهوات وعنفوان امللذات ال�ضئيلة ‪..‬لكنها غرمية �أم بختني تزدهر‬
‫�شهوتها �إيل ذاك املكان و متار�س حيل �شتي حتي يلتفت �إليها �شمعون‬
‫حالة من غلو �أ�صابت �أمانيها ‪� ..‬أ�صبحت تتمني و �أم�ست بذات‬
‫الأمنيات ‪� ..‬أمنيات جمملة ومف�صلة ‪ ..‬جمملة يف الرحيل ‪..‬رحيل �أم‬
‫بختني من القرية ‪..‬و مف�صلة يف طريقة الرحيل التي ال تُ�شعر �أهل القرية‬
‫ب�أنها رحلت مرغمة ‪ ..‬بل طوع �إرادتها جعلتها تن�سل من القرية كما‬
‫تن�سل ال�شعرة من العجني ‪..‬‬
‫و بد�أت يف حياكة امل�ؤامرة بعد �أن مللمت ق�صا�صات �أفكارها ‪ ..‬بد�أت‬
‫تفكر يف �شئ يجعل �شمعون يعاف �أم بختني كما يعاف النا�س القذارة‬
‫قررت �أن ت�ست�شري هردبي�س م�شعوذ القرية التي تبعد عنهم م�سرية‬
‫ليلة و�ضحاها حتي ال يكت�شف �أحدهم �رسها ‪ ..‬البد من �أن تتحا�شي‬
‫م�شعوذ قريتهم امل�شهود له بتحويل ماء الزير �إيل روب حام�ض ت�ست�شيط‬
‫من حمو�ضته الآذان قبل الل�سان ‪..‬‬
‫هباب متو�سدة و�سادة �أقرب و �أ�شبة بلبدة‬ ‫نامت املر�أة يف عنقريب َ‬
‫حمار �شمعون ‪..‬بينما نامت �أم بختني متو�سدة ذراع �شمعون يف حالة‬
‫من الزهو ‪ ..‬وهي تتذكر يف حديث النهار مع غرميتها التي جاءت‬
‫لتزرع اخلوف يف قلبها ‪ ..‬خوف قطفت ثماره ن�رصا مبينا و هي الآن‬
‫بجواره ميو�سق �شخريه �أذنيها و �شخريها �أذنيه يف حالة مو�سقة حلنية‬
‫فريدة من حلون الطبيعة اخلالدة ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪86‬‬


‫الهردبي�س‬
‫هردبي�س كان قد نفث عقده التي �أوثقت رباط املودة بني �أم دورين‬
‫و زوجها الذي قام بتطليقها طالقا بائنا بينونة كربي بعد �أن �شك يف‬
‫عفتها يف �أول يوم �أجتمع فيه معها ‪..‬‬
‫نفث الهردبي�س عقده بعد �أن ن�صحها �أن تتكتم علي الأمر و ال تتطرق‬
‫ب�أي حديث لأيهم �إن�سان ‪�..‬صامت عن الكالم لأكرث من �شهر �سوي‬
‫�إمياء�آت �أو �إ�ضطرارا تتلفظ بكلمات حمدودة العدد و الأحرف ‪..‬‬
‫كانت قد مهدت لهذا الأمر ‪..‬مهدت لأهل زوجها الذين ت�شاركهم‬
‫امل�سكن وت�شاطرهم كل �شئ ‪ ..‬بدءا بالطعام و �إنتهاءا ب�صابون احلمام‬
‫�أخربتهم �أن �شيخ الزار طلب منها ال�سكوت لأن اجلماعة غ�ضبانني‬
‫منها �سوف تكف عن الكالم املباح �إيل حني ي�سكن غ�ضبهم ‪..‬‬
‫مل ي�ستطع �أحد تكذيبها �إال زوجها الذي منحها وقتا حمددا لرتجع فيه‬
‫بيت �أهلها ‪..‬زمن كايف حلجة طالق غري احلجة احلقيقية فهو رجل‬
‫�شهم ال يريد �أن يدن�س مروءته و�شهامته بف�ضحها يف قرية �ضيقة جدا‬
‫�إتفق معها علي ق�صة خمتلقة وهي �أنها �سكبت القهوة يف مالب�سه مرتني‬
‫و �ساحمها علي ذلك لكن مل ي�ستطع م�ساحمتها علي كمية الزجنبيل املهولة‬
‫التي ت�ضعها يف فنجانه عن ق�صد حتي ت�ستمتع بر�ؤيته وهو يعاين من‬
‫�أبو�شهيق ‪..‬فقد كان يعاين من هذا الأخري عند تذوقه لأي طعم حار‬
‫ال �سيما ال�شطة ‪..‬‬

‫نفث الهردبي�س عقده وتكتمت هي عن الأمر ولكن كانت ترن يف‬


‫�أذنيها كلمات هي التحليل و املحلل و املحلل له ‪�..‬إتفقت مع �أحد‬

‫‪87‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫رج��االت القرية و دفعت �صيغتها ‪� ..‬أ�سورة من الذهب اخلال�ص‬
‫ليتزوجها لليلة واحدة ثم يطلقها لتعود لذلكم الرجل ذي امل�آثر اخلا�صة‬
‫املرتفة ‪..‬‬
‫حدث لها ما �أرادت ‪ ..‬زواج ليوم واحد وليلة واحدة متخمة كانت‬
‫لذلكم الرجل النهم اجلزع ‪ ..‬وقام بتطليقها يف اليوم الثاين وكانت‬
‫حالة النهم تطفر من عينيه ‪ ..‬ولوال �أنها �إ�شرتت نف�سها منه ب�أ�سورتني‬
‫جديدتني ما كان ليطلقها فما حدث له �أن �إلتقي �إمر�أة �إال يف اخليال‪..‬‬

‫حدث لها الذي �أرادت ‪ ..‬دخل بها رجل �آخر ليقوم بعملية حتليل‬
‫�رسيعة و �إن كان هذا الأمر غري �صحيح لكنها �أباحته لنف�سها بحجة‬
‫�أنها �سوف ت�ستغفر اهلل و تبد�أ حياة م�ستقيمة بالرغم من �أنها كانت‬
‫م�ستقيمة‪..‬‬
‫نفث الهردبي�س عقدة �أخري ‪..‬‬
‫بعدها دخل الزوج يف حالة ن�سيان ملا حدث ‪..‬ن�سي متاما �إنه وجدها‬
‫بال خامت ال�سبب الذي جعله يت�شكك يف �أمانتها و كيف �سرتبي بناته‬
‫غدا‪ ..‬رغم �أنها كانت بخامت لكنه مل يتبينه ‪..‬‬
‫ن�سي ن�سيان مل ولن يخرج منه للحد الذي تبادل مع �أم دورين الأدوار‬
‫ف�أوكلت له كل الأعمال التي تراها القرية معيبة و �شائنة يف حق الرجال‬
‫�أخزي مهمة �أوكلتها له هي املهمة التي يقوم فيها مب�ساعدتها باخل�ض‬
‫و الهز ‪..‬‬
‫خ�ض ال�سعن ‪�..‬سعن الروب ‪..‬‬
‫هز البخ�سة ‪ ..‬بخ�سة الروب ذاتها ‪..‬فقد كان هناك خيارين روب‬
‫ال�سعن و روب البخ�سة ‪..‬‬
‫كما �أوكلت له تذويب الفر�صة يف نار يجب �أن تكون هادئة فكانت‬
‫تكيل له ال�شتائم املقزعة و الإهانة عندما تزيد نار احلطب و تلتهب‬
‫حمدثة تغيريا يف لون الفر�صة الذائبة �إيل �سمن ‪..‬‬
‫ثم ‪..‬‬
‫مهمته الثالثة كانت بيع اللنب الرائب ‪ ..‬فتجده مرتبعا يف �سوق القرية‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪88‬‬
‫�أمامه البخ�سة ‪ ..‬بخ�سة الروب الكبرية و يف يده هبابة يه�ش و ين�ش‬
‫بها الذباب ‪..‬‬
‫بيع اللنب الرائب كان ممنوع قطعا وفق د�ستور القرية ‪ ..‬لذا فقد كان‬
‫يعاين الأ َمرين و يقبع بني مطرقة و�سندان �سلطتني ‪..‬‬
‫�سلطة �أم دورين ‪..‬‬
‫و �سلطة كبري القرية ‪..‬‬

‫كبري القرية كان ير�سل �أعوانه حتي يكيلوا مبكيالني لكل من ت�سول‬
‫له نف�سه ب�إخرتاق القوانني التي ت�ضمنها د�ستور القرية و كان العقاب‬
‫كالآتي ‪:‬‬
‫عليك �أن تختار �أن ت�رشب الروب مرة واحدة ‪..‬‬
‫�أو ‪..‬‬
‫ين�سكب علي ر�أ�سك دفعة مرة واحدة ‪..‬‬

‫لذا كانت حري�صة ب�أال متلأ البخ�سة حت�سبا لأي طاري يطر أ� ‪..‬حتي‬
‫تتجنب اخل�سارة وتربح �أرباحا طائلة ‪�..‬أرب��اح مادية و �أخري غري‬
‫منظورة متمثلة يف حالة ت�شفي �صامتة لأنه �أهانها يف ليلة كانت تتح�رض‬
‫لها طويال ‪..‬‬

‫ال ميكن املتاجرة باللنب الرائب ‪ ..‬نقطة �سطر جديد ‪..‬‬


‫هكذا ختم كبري القرية حديثه يف ذاك الوقت من اليوم ثم �أردف قائال ‪:‬‬
‫ال ميكن املتاجرة �أبدا ‪� ..‬أبدا باللنب الرائب ‪� ..‬إنتهي ‪..‬‬

‫فقد كانت هناك معزات وح�شية تطوف بالقرية لي�س هناك يد تطولها‬
‫معزات لي�ست ملك لأحد بل كل �أهل القرية يت�شاركونها بعد ال�سيطرة‬
‫عليها ب�إطعامها امل�شك فتدخل يف حالة خمول وقتذاك فقط ي�ستطيعون‬
‫�إ�ستمطار حليبها ‪..‬‬
‫كانت ت�أكل من ع�شب الأر�ض و الأر�ض هلل و لوالها هذه املعزات ما‬

‫‪89‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫�إ�ستمطروا ‪..‬‬

‫تلكم املر�أة حينما ر�أت �صنائع و معجزات الهردبي�س التي �أحتف بها‬
‫�أم دورين حزمت �أغرا�ض قليلة و �إجتهت �صوبه ‪� ..‬صوب قريته التي‬
‫كانت م�سرية ليلة و�ضحاها ‪ ..‬حينما �أليل الليل �إختارت جزع �شجرة‬
‫�إلتفت حوله و زرعت حولها متيمة ظالمية كلما‬
‫�إقرتب منها خملوق وجدها �سحابة دهماء ‪..‬مع �أول خيوط الفجر‬
‫�إنق�شعت ال�سحابة الدهماء فقد �إنتق�ض مفعول التميمة الذي كان‬
‫عملها يف حالة ت�ضاد مع خيوط الفجر ‪..‬‬
‫جفون املر�أة كانت متورمة بعد �أن قر�صتها منلة حيث �أن النمل كان‬
‫خارج �إطار جدار التميمة العازل و مل ت�ستطع فر�ض ح�صار عليه لأنها‬
‫كانت �ضد احليوانات املفرت�سة و الزواحف ‪..‬‬
‫�رسيعا نه�ضت ‪..‬‬
‫�أوراق ال�شجر املت�ساقطة التي �إفرت�شتها كان هناك لفيف منها �إلتف‬
‫بثيابها املتكونة من قطعتني ‪ ..‬واحدة لفتها حول ج�سدها ربطتها يف‬
‫خ�رصها و �أخري حزمت بها كتفيها و�صدرها مع غطاء ر�أ�س رقيق و‬
‫ق�صري تديل علي كتفها الأمين ‪..‬‬
‫ب�صقت ‪..‬‬
‫و ب�صقت معها جهد م�شوار البارحة الطويل ‪ ..‬نه�ضت مرتاحة اجل�سد‬
‫و البال ‪..‬‬
‫مرتاحة اجل�سد فقد �أ�سعدتها نومة هانئة و هادئة يف رحم طبيعة غ�ضة‬
‫وبكر ما ر�شقتها عوامل التعرية و مل ت�سمع بالتغري املناخي و ما �إنتابت‬
‫�أر�ضها نائبة بل تعي�ش حالة خ�صب متنامي مر الدهور ‪..‬‬
‫�أزهار متفتحة ب�ألوان و�أ�شكال خمتلفة و �شجريات �أكرث �إختالفا تفوقها‬
‫قامة �أ�شجار با�سقات ‪..‬و ترتبع وترتع يف ربوعها مملكة حيوانية متعاي�شة‬
‫كلها‪ ..‬ال ي�ستطيع حيوان تق�صي حقيقة �آخر �إال و رئي�س الغابة يت�صدي‬
‫له ‪ ..‬يعود الأول منهزما و مي�ضي الآخر ‪ ..‬مي�ضي ج�سورا �إيل خمبئه‪..‬‬
‫نه�ضت هانئة البال و مرتاحة لأنها �شارفت الو�صول لهردبي�س النجي�ض‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪90‬‬
‫الذي �سوف يق�ضي غر�ضها يف زمن وجيز ‪..‬كما تظن ‪..‬‬
‫حينما و�صلت �إيل م�شارف قرية امل�شعوذ كانت ال�شم�س يف كنف‬
‫ال�ضحي ‪ ..‬هدوء يلف املكان مع رائحة ماء راكد ينبعث من بركة‬
‫التما�سيح اململوكة للم�شعوذ ‪..‬‬

‫التما�سيح غري �أنها خمب�أ للطالمي�س ‪ ..‬فوظيفة �إبتالع ال�سحر هي �آخر‬


‫خطوة تنتهي عندها ‪..‬حني تقدم لها اللحوم املطلم�سة حتي ال يجد‬
‫�أحدهم مكان الطلمو�س ‪ ..‬كما �إنها كانت لها وظائف �أخري عديدة‬
‫‪..‬كان ي�أكل بي�ضها مقليا يف الزيت وي�أكل حلومها �أي�ضا كما �إنها كانت‬
‫ميزة جمالية ت�ساعد امل�شعوذ للح�صول علي الفرح ‪..‬‬
‫بالإ�ضافة لذلك �إنه كان ي�ستمتع بعراك التما�سيح حول �أنثي واحدة يف‬
‫مو�سم التزاوج و من ثم يقوم بالإفراج عن بقية الإناث بعد �أن يحمي‬
‫الوطي�س حيث قاتل و مقتول وخ�سارات ‪..‬‬
‫جل�ست القرف�صاء �أمام الهردبي�س و بد�أت يف �إختالق الق�ص�ص ‪ ..‬و‬
‫الهردبي�س يختل�س النظرات �إليها ‪ ..‬نظرة تلو �أخري و هي تروي يف‬
‫ق�صتها التي �صاغتها بخبث �أنثي و كيد عظيم مل يعكر �صفوه �ضمري‬
‫يتنف�س �أو حتي وازع ديني كان قد ي�ستطيع �أن يلجمها فتكتب لها‬
‫النجاة ‪..‬‬
‫الهردبي�س كانت بجانبه �أ�صداف كثرية ‪ ..‬تخري واحدة منها و �ضعها‬
‫علي �أذنه و �أعطاها هي واحدة ‪..‬‬
‫بعد �أن �أكملت حديثها �أنزل املحارة عن �أذنه و و�ضعها جانبا ‪ ..‬ثم قال‬
‫للمر�أة يجب �أن تقطفي ثالث �شعرات من ثالثة حمال ‪� ..‬أو�صف لها‬
‫الأماكن بدقة ‪� ..‬أو�صفها لها ثم �أخربها بالت�رصفات التي تطال �أم بختني‬
‫من قبل �شمعون ‪..‬‬
‫�أوال ‪ ..‬يعاين ليها ‪..‬‬
‫ثانيا ‪ ..‬يت�أبطه ال�رش ‪..‬‬
‫ثالثا ‪ ..‬ينطحها نطحة وحيد قرن ‪..‬‬
‫�إبت�سمت �إبت�سامة نكراء ملونة بال�صفار و �أخربته �أنها ت�أكدت من‬
‫‪91‬‬ ‫كروموسوم واي‬
‫الأماكن جيدا ‪ ..‬ت�أكدت منها متاما ‪..‬‬
‫و حتي ال تعود باخليبة و اخل�سارة بعد رحلة ذهاب و �إياب طويلة ‪..‬‬
‫دخل معها يف �إ�ستجواب �رسيع و�س�ألها حني �س�ألها حددي الأماكن‬
‫بدقة قالت و عينيه كانت مغم�ضة ف�أر�سلت هي نظراتها �إليه ‪..‬ركزت‬
‫نظراتها حول ب�ؤرة معينة و قالت ‪..‬‬
‫عانته و �إبطه و مفرق �شعره ‪..‬‬

‫يف الوقت ذاته كان هو يق�صد ب ملا يعاين ليها كان يق�صد �أن ت�أخذ‬
‫�شعرة من ال�شعر الذي يحيط ب�إحدي عينيه �أي من احلواجب �أو‬
‫الرمو�ش ‪..‬و ملا ر�أي �أنها ذهبت ملكان بعيد �شعر ب�شئ ما جعله يتمناها‬
‫يف تلك اللحظة و ي�شتهيها لكنه �أعر�ض عنها ‪..‬و �أ�شاح وجهه وقال ‪..‬‬
‫�أعطيتك �إذن الذهاب ‪� ..‬إنطلقي الآن ‪..‬‬
‫و يف �رسه قال �إنطلقي ولن تنطلقي ‪ ..‬لن تنطلقي لن تنطلقي ‪..‬‬
‫�سلكت ذات الطريق الذي �سلكته من قبل يف رحلة املجئ ‪ ..‬كانت قد‬
‫�إ�ستجمت قليال يف بيت ال�ساحر و �أكلت معه غذاء متكون من بي�ض‬
‫التما�سيح و عروق البافرا و �رشاب متخمر من ثمرة الدليب ‪..‬‬

‫بعد �أن ودعته طفق الهردبي�س يت�أملها و بد�أ ك�أنه يتذكر يف طريق �سلكه‬
‫من قبل و يبحث الآن عن العودة ‪ ..‬طريق ولج �إليه من قبل عينيها و‬
‫�سلك �شعابه ثم عاد من حيث �أتي ليجدها حا�رضة و مرتبعة علي قلبه ‪..‬‬
‫الهردبي�س وقع يف �رشاك املر�أة و قرر �أن يبقيها نوارة تنري رتل و �صف‬
‫طويل من ن�سائه ‪ ..‬حينما ودعها �أكد لها ب�أن ت�أتي له بال�شعرات الثالث‬
‫�إ�ضافة �إيل �أظافره ب�رشط يكون ق َلمها يف يوم من الأيام التي ال ينبغي‬
‫فيها تقليم الأظافر ‪..‬‬
‫رجع و �أعاد لها الكالم مرتني ‪ ..‬ال�شعر من الأماكن تلك و �أظافر‬
‫�أ�صابع �أقدامه ‪� ..‬أقدامه قالها مرة ثانية ‪..‬حيث منها ي�ستطيع �أن ي�سيطر‬
‫علي حركة امل�شي ب�أال يتجاوز حميط قطر م�شاويره بيتهما وحقول‬
‫الزراعة حيث يعمل ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪92‬‬
‫حينما �أعطته ظهرها �إبتلع ريقا طريا ‪..‬بعد �أن �إبتعدت خطوات �إلتفتت‬
‫وجدته يراقب يف حركاتها و�سكناتها �إبت�سمت ذات الإبت�سامة ‪ ..‬و‬
‫�سارت �سريا حثيثا ‪..‬‬
‫حت�صنت وراء �شجرة �ضخمة لتق�ضي حاجتها ‪ ..‬يف الوقت ذاته كان‬
‫هو قد ر�سم دوائر حول �أثر �أقدامها و متتم بتعاويذ ‪..‬ثم قال بعدها‬
‫ب�صوت خفي�ض ي�شبه الفحيح مع عيون �شبه مغم�ضة ‪..‬‬

‫يا ما�شة خا�شة‪..‬‬


‫يا خا�شة ‪..‬ما ما�شة ‪..‬‬
‫يا ما�شة مني �أ�سة ‪..‬‬
‫خا�شة عندي ل�سة ‪..‬بعد �أ�سة ‪..‬‬
‫يا قاعدة وراء ال�شجرة ‪..‬‬
‫خا�شة عندي بكرة ‪..‬‬
‫ق�ضت حاجتها و �إنطلقت يف الغابة ‪..‬تاهت و �ضلت طريقها ملدة‬
‫�ساعات وهي تائهة يف الغابة ‪ ..‬عادت لنف�س النقطة ‪..‬نف�س ال�شجرة‬
‫ال�ضخمة حيث ق�ضت حاجتها ‪..‬‬
‫�إنطلقت منها للمرة الثانية متخذة دليال هو ذاكرتها امل�شو�شة ب�شئ ما‬
‫ي�شبه ال�سحابة الدهماء التي �أحاطتها البارحة ليال ‪� ..‬سحابة دهماء‬
‫�أمامها و �أ�صوات تناديها ‪ ..‬كانت تقاوم وبدت لها مالمح قريتها‬
‫من بعيد ‪ ..‬عدلت من ثوبها و م�سحت من وجهها �إرهاق الرحلة‬
‫‪..‬مالمح قريتها تت�ضح لها �أكرث ف�أكرث حينما �إقرتبت وجدت نف�سها‬
‫�أمام ال�شجرة الت ق�ضت فيها حاجتها ‪..‬‬
‫قررت �أن ترتاح قليال ‪ ..‬حالة نعا�س �إجتاحتها ‪�..‬إ�ست�سلمت ل�سلطان‬
‫النوم القاهر ‪..‬‬
‫نامت ‪..‬‬
‫لت�صحو حني ت�صحو ‪..‬‬
‫لتجد نف�سها حني جتدها ‪ ..‬يف مكان �ضيق ب�أ�سوار عالية ‪..‬‬

‫‪93‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫دخل الهردبي�س يحمل يف يده فطور بي�ض التما�سيح و �رشاب الدليب‬
‫املتخمر و عروق البافرا و�ضعه �أمامها ‪� ..‬س�ألها ‪� :‬إنتي وين ؟؟‬
‫ردت قائلة ‪ :‬يف بيتي ‪..‬‬

‫قال لها ‪� :‬أنا منو ؟؟‬


‫قالت ‪ :‬راجلي ‪..‬‬
‫راجلي ‪..‬‬
‫راجلي براي ‪..‬‬
‫مل ت�سكت ‪..‬‬
‫�إ�ضطر �أن ي�ضع يده يف فمها ‪..‬‬
‫و ل�سانها يف الداخل يلثغ مازال ‪..‬‬

‫�إنتهي‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪94‬‬


‫بنجو�سة بائعة املري�سة‬
‫بنجو�سة ‪..‬‬
‫بنجو�سة ‪ ..‬يا بنجو�سة ‪..‬‬
‫بنجو�سة ‪ ..‬يا مكنو�سة ‪ ..‬يا منحو�سة ‪..‬‬
‫كا�سات القرع ال�شويات زدتيهن؟؟‬
‫زدتيهن ؟؟‬
‫و ال ل�سة حالفة تخلينا نتجابد فيهن ؟؟‬

‫هكذا تداعي الرجال‪..‬‬


‫حالة تداعي يومية يدخلون فيها حني زيارتهم خلمارة بنجو�سة وكانت‬
‫هي تقوم بلعبة الكا�سات التي هي �أ�شبة بلعبة الكرا�سي ‪ ..‬حني تقوم‬
‫ب�إح�صاء املرا�سني فردا ‪ ..‬فردا ثم تقوم بو�ضع كا�سات القرع التي‬
‫ي�ستخدمونها يف ال�رشاب ت�ضعها ن�صفهم و �إ�ضافة كا�س واحد ‪..‬‬
‫مثال ‪..‬‬
‫�إذا كان املرا�سني ‪ 14‬ف�إنها ت�ضع ‪ 7‬كا�سات و �إذا كانو‪ 15‬ف�إنها ت�ضع ‪7‬‬
‫كا�سات و ت�ضيف ‪ 1‬كعاملة ريا�ضيات مغمورة ‪..‬‬
‫كانت قد قامت بزراعة القرع حول منزلها ت�ستخدمه يف مهنتها‬
‫القا�سية وتبيع جزء منه للبخا�سات (�صانعات البخ�س)‪..‬‬
‫كانت بنجو�سة يف نق�صانها لعدد الكا�سات ك�أنها تخترب وعي الرجال‬
‫و �صربهم و �شدة ب�أ�سهم و �شهامتهم حني ي�ستف�ضل بع�ضهم بع�ضا و‬
‫يدعوه لل�رشاب �أوال و من ثم تختار �ضالتها ‪..‬‬

‫‪95‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫كانت تقف وراء �رصيف الق�ش و تنظر �إليهم ‪ ..‬تعاين بعني واحدة ‪..‬‬
‫ملا ي�أتيها الفرت و تتعب تبدلها بعينها الأخري ‪ ..‬تتلذذ بر�ؤيتهم و هم‬
‫يتخاطفون الكا�سات و مري�ستها املعتقة تفعل الأفاعيل يف عقولهم ‪..‬‬
‫يرمتون علي تالل الرمل ‪ ..‬بنجو�سة �إ�ستخ�رست فيهم الربو�ش و البنابر‬
‫ترتكهم يتو�سدون الرثي و يتعاركون حول �إمر�أة خيال ‪� ..‬إنت�صبت‬
‫�أمامهم فهي تظهر بني الفينة و الأخري حتيطها هالة من اجلالل و‬
‫اجلمال ف�إذا هم يقعون يف فك الرغبة و احل�رسة معا ‪..‬‬
‫ف�إذا �أراد �أحدهم الأم�ساك بها تعود يداه مليئة بالرمال الناعمة ‪ ..‬وال‬
‫�شي �سوي الرمال وقد متتد يد �أحدهم �آخر فيكون م�صريه الت�أذي ب�شوك‬
‫احل�سكنيت مما يجعله ي�شعر باملرارة مرتني ‪..‬‬
‫مرارة احل�سكنيت ‪..‬‬
‫و مرارة فواتها ‪..‬‬

‫بنجو�سة ت�أتي وتطوف حولهم لتجمع الكا�سات و كورة الطل�س‬


‫الكبرية التي ورثتها من جدتها التي هي الأخري �أورثتها لأم بنجو�سة‬
‫�أم بنجو�سة كافحت لتبقي الكورية يف معزل عن ن�ساء القرية الالئي‬
‫يعتقدن �إعتقادا جازما ب�أن هناك �سحر خفي يحيط بها ‪..‬‬
‫الكورة التي �شهدت مولد ‪� 4‬أجيال كانت جدة بنجو�سة قد قامت‬
‫ب�رشائها من بائع متجول حينما كانت جتهز لوالدة مولودها الأول ‪..‬‬
‫�إ�شرتتها للت�شطيف اخلا�ص بها و ت�شطيف املولود بعد ذلك ‪..‬‬
‫مكثت الكورية ال�ساحرة زمانا بعيدا تهب عائلة بنجو�سة مواليد ذكور‬
‫مبعدل ‪ 9‬ذكور يف كل ‪ 10‬حاالت والدة ‪..‬ن�ساء القرية كن ي�ستعرنها‬
‫مع ظهور بوادر احلمل الأويل لديهن ي�أخذنها ليتم�سحن بها يف ظاهرة‬
‫مل تكن غريبة يف ذاك الزمان لأن الربكة منثورة يف‬

‫كل مكان ‪..‬و الالئي مل يلدن ي�ضعن عليها �أوراق من نبات خا�ص‬
‫ينقعنه فيها �أمدا بعيدا و من ثم يكمدنه و ي�ضعنه بعد �أن يتف�سخ ي�ضعنه‬
‫كتلبي�سة بعد عملية لف و برم ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪96‬‬
‫بنجو�سة كانت بوائقها ال ي�ستطيع �أحد �إدراكها لذا كان كل الذين‬
‫�إ�ستولدوها يطبقون اخلطة ذاتها ‪ ..‬ميكثون معها �سنة ون�صف �أي ‪18‬‬
‫�شهر ‪ ..‬فيها �ضمانات �أهمها �أن ي�شتد عود ال�صبي من حليبها املقد�س‬
‫ملدة ‪� 9‬شهور و يغادروا ب�أطفالهم تاركني ورائهم بنجو�سة ب�أح�شاء ممزقة‬
‫و كبد مفتت ‪..‬ثم تعيد الكرة حتي تداوي �أح�شاءها املمزقة و كبدها‬
‫املفتت ‪ ..‬الكرة بعد الكرة حتي و�صلن �إيل ع�رش كرات و ب�ضعها ‪..‬‬
‫كانت لديها خ�صوبة عبقرية ‪ ..‬خ�صوبتها جترها جرا لتلبي نداء الطبيعة‬
‫و ت�شبع رغبة �أزلية حتت م�سمي علمي هو احل�صول علي الأندروفني من‬
‫الأندروجني ‪ ..‬ومن وجهة نظرها و نظر �أهل القرية البد من التوالد‬
‫للح�صول علي رجال للحقول ‪..‬‬
‫فما جدوي احلياة بال فرتيت يغلي يف الرباميل و يفور ‪ ..‬يفور ليح�صل‬
‫اجلميع علي حم�صول املري�سة الذي يقطفون بوا�سطته اللذة مبجاميعها‬
‫هم و حيواناتهم ‪..‬فاملعزات جتد طاقة امل�شك طريقها املعبد ل�رضوعهن‬
‫فتمتلئ و تتديل و تدور وترتد يف حركتها ‪.‬‬
‫يفور الفرتيت يف الرباميل و يقطفون لذة اجل�سد و حرية الفكر ‪..‬‬
‫وين�سي اجلميع قهر ال�سلطان و �سوء احلرمان و بالتايل جور الزمان ‪..‬‬
‫و هل الزمان حني يجور ‪ ..‬لن تكون احلياة �سوي ديجور ؟‬
‫و هل جور الزمان �إال قهر ال�سلطان ؟ و ردي احلرمان ؟‬

‫كانت بنجو�سة هدية لرجال القرية فمنحتهم كل ما كان يف �إ�ستطاعتها‬


‫تهدئة خواطرهم و مطايبتهم ‪..‬‬
‫الكل يعب من �رشابها عبا و عبا بعد �أن ي�صطفون �صفا و�صفا ‪..‬‬
‫الكل ‪..‬‬
‫امل�ستطيع وغري امل�ستطيع ‪..‬كلهم يح�صلون علي ال�شبع و الإرتواء ‪..‬‬
‫حيث ال ت�شرتط عليهم �أن يدفعوا نقدا ‪..‬‬
‫فهناك من يرهن عندها مقدما جزء من ح�صاد الفرتيت مقابل الكا�سات‬
‫التي يتناولها و �آخرون يرتوون حتي الثمالة فلما يجئ مو�سم احل�صاد‬
‫كانت تتكد�س جواالت الفرتيت قُدام اخلمارة و خلفها ‪..‬‬

‫‪97‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫قليلون كانوا من مينحونها نقود قليالت ال ت�ساوي القليل من جهد‬
‫وقفتها �أمام النريان لكنها ما كانت ت�أبه بالنقود كثريا فقد كانت هناك‬
‫م�آثر �أخري جتدها عندهم ‪..‬‬
‫كانوا هم عائلتها بعد �أن هجرها ‪ 14‬زوج ت�شتتوا يف فيايف الأر�ض و‬
‫مع كل رجل جمهود كبري ‪� 9..‬شهور �إعياء و تعب و تقي�ؤ و �إ�شتهاء لطني‬
‫البحر يف مكان ال توجد فيه رائحة بحر دعك �أن يكون هناك بحر ‪..‬‬
‫‪� 9‬شهور تعود علي وجه �صغري حامل حتققت ر�ؤيته بعد �أن كان جمرد‬
‫�إح�سا�س داخلي و قطعت ال�شك باليقني مع �أول حت�س�س ملواليدها ‪..‬‬
‫�أول �رصخة ‪..‬‬
‫و‬
‫�أول م�صة �رس�سوب ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪98‬‬


‫بنجو�سة تعي�ش حالة فكرية‬
‫بعد �أن �إ�ستقرت �أو�ضاع اخلمارة الداخلية و قبلها اخلارجية قررت‬
‫بنجو�سة �أن تخو�ض معركة فكرية بطريقتها اخلا�صة ‪..‬‬
‫متثل الإ�ستقرار الداخلي للخمارة يف �إزدياد عدد زوارها ‪ ..‬عدد جتاوز‬
‫‪ 350‬زائر �أ�سبوعيا و هذا يعد رقم خرايف يف تلك القرية النائية ذات‬
‫بيوتات الق�ش املتفرقة ‪ ..‬لكن قد حتدث حاالت خا�صة مثل العرب‬
‫الرحل الذين ي�أتون يف رحلة الن�شوق مع �أبقارهم ‪..‬‬
‫الإ�ستقرار الداخلي هبط مع ذلكم الرجل الإ�ستثنائي يف م�ساء �إ�ستثنائي‬
‫هو الآخر بعد �أن تلبدت �سماء القرية فيه بالغيوم يومها ومل تف�صح‬
‫ال�شم�س عن نف�سها وقتذاك �إال حينما جاء الغروب ف�إ�ست�أذنت �أهل‬
‫القرية يف رحلة املغيب الأزلية تعقبها عودة و �رشوق تختفي ل�ساعات‬
‫ليحتفي النا�س ب�رشوق عودتها و حتتفي معهم ب�ضيف بنجو�سة‬
‫الإ�ستثنائي و ت�رشب معهم نخب �ضيف اخلمارة الذي هبط فج�أة ‪..‬‬
‫الإ�ستقرار اخلارجي توطد حني توقفت بنجو�سة من �إ�ستخدام �أ�شجار‬
‫مثمرة و معمرة يف املحيط و �إكتفت بنباتات مو�سمية لإ�شعال نار‬
‫اخلمارة ‪..‬كما �إنها حت�صلت علي �ضمانات كافية �ضد ال�رضائب بعد‬
‫�إن�ضمام ذوي ال�ش�أن للخمارة ‪..‬‬
‫بالرغم من �أن القرية تقع يف بقعة من�سية ن�سبيا �إال �أن يد النظام طالتها‬
‫و �أدرجتها حتت بند قوانني م�ستحدثة و رجعية يف �آن واحد ‪ ..‬هناك‬
‫بند قانوين ي�سمح لبنجو�سة �إ�ستعادة برميل �صناعة املري�سة ذي احلواف‬
‫املت�آكلة من ال�صد�أ ‪..‬‬
‫ت�ستعيده بعد �أن ي�صادر مقابل غرامة مالية و يف حالة عدم الدفع ي�أتي‬

‫‪99‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫رجل من النظام و ي�أخذ �أردبني من الفرتيت حيث ي�ستخدمونه يف‬
‫تغذية خيولهم �أما هم فيتعاطون الدخن يف نظامهم التغذوي و �أحيانا‬
‫الذرة البي�ضاء ‪..‬‬
‫بنجو�سة بد�أت رحلتها الفكرية حني تولدت من ذكرياتها ‪ ..‬تذكرت‬
‫‪ 14‬مولود ذكر يدبون يف الأر�ض يحرثونها ويعمرونها وفق لعادات‬
‫و تقاليد ‪ 14‬رجل هم �آبائهم ال غريهم ‪�..‬إ�ستولدوها حينما �إ�ستولدوها‬
‫ثم فروا منها ‪..‬تتفكر حينما تنتهي من دوام اخلمارة الثاين الذي ي�ستمر‬
‫حتي منت�صف الليل و �أحيانا يتجاوزه يف حالة مرور بع�ض ال�ضيوف‬
‫الغرباء عن القرية ‪..‬‬
‫الرحلة التي تريد �أن مت�شيها بوا�سطة �أفكارها و تقتطعها مب�رشوعاتها‬
‫تتمحور يف كيفية حتديث اخلمارة ومل �شمل �أبنائها و جمعهم بعد �أن‬
‫تفرقوا يف الأر�ض ‪..‬‬
‫اخلمارة مكان عملها ‪..‬‬
‫�أبنا�ؤها هم ر�صيد حياتها الغايل ‪..‬‬
‫بدت كفيل�سوفة ‪..‬‬

‫املال �أوال من العمل ‪ ..‬ثم الأبناء الذين ال ت�ستطيع رعايتهم و الوقوف‬


‫عليهم �إال باملال ‪� .‬أبنا�ؤها حتي و �إن كانوا هم الآن رجال كبار لكنها‬
‫تراهم ك�أنها ولدتهم البارحة ‪ ..‬تتذكر �رصاخهم و نهنهاتهم حني‬
‫تناغيهم ‪ ..‬تتذكر �إلت�صاقهم بها و خا�صة الذين �صادف ميالدهم‬
‫ف�صل ال�شتاء تتذكرهم ب�شدة حني يتبولون فيها ويرتكونها تعاين البلل‬
‫وال�صقيع تتذكر �إلت�صاقهم ب�صدرها يلتم�سون و يتلم�سون عندها دفئا و‬
‫�إطفاء نار جوعهم من حليبها املقد�س ‪..‬‬
‫بد�أت بتحديث اخلمارة بعد �أن �أتت ب�صبيتني‪�..‬إحداهما كانت تدور‬
‫مهمتها حول �أ�سئلة تلقيها علي زائري اخلمارة اجلدد وغري املداومني‬
‫املداومون القدامي مت �إعفا�ؤهم بعد �أن �إنبعثت منهم رائحة �ضجر و‬
‫ك�أن هناك �أزمة ثقة بينهم و بني بنجو�سة ‪..‬‬
‫�أهم الأ�سئلة كانت ‪-:‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪100‬‬
‫من الذي �أخربك باخلمارة؟ متي؟ و�أين؟‬
‫�أول مرة ت�أتي �أم �سبق لك �أن �أتيت ؟‬
‫�إذا كنت قد �أتيت من قبل ‪ ..‬كم عدد املرات ؟‬
‫�س�ؤال حول عدد الأفدنة التي متتلك و كمية حم�صول الفرتيت ال�سنوي؟‬
‫احلالة ال�صحية للمرا�سي ؟‬

‫هل هناك تاريخ ملر�ض عائلي يجعل ال�رشاب يف �ضدية معه ؟ حتي ال‬
‫يكون �ضحية للخمارة فت�سوء �سمعتها ‪..‬‬

‫متو�سط عدد الكا�سات التي يعبها �أو تلك التي يدعو �أقرانه ل�رشبها‬
‫مقارنة مع دخله من الفرتيت و عدد �أفدنته بالأحري ‪..‬؟‬
‫احلالة اخلا�صة باجللو�س ‪ ..‬الرب�ش �أم البمرب ؟‬
‫بعد متددهم علي الرمل و عراكهم حول �إمر�أة خيال قررت بنجو�سة‬
‫�إدخال الربو�ش و البنابر ‪ ..‬البنرب �أغلي من الرب�ش لأن به خ�صو�صية‬
‫�أكرث ب�إمكانك �أن ت�أخذ بنربك و تنعزل بعيدا عن املرا�سني ‪�..‬أما الرب�ش‬
‫فيجعلك مع اجلميع و دائما ما يختاره �أنا�س ال يف�ضلون العزلة من ذوي‬
‫ال�شخ�صيات الإنب�ساطية ‪..‬‬

‫عدد الن�ساء مت�ضمن داخل قائمة الأ�سئلة مع �س�ؤالني فرعيني ‪:‬‬


‫عدد الأطفال و نوعهم ؟‬

‫مناولة ال�رشاب ‪ ..‬ت�أتي �إليه بنجو�سة �أم هو الذي مي�شي �إليها ؟‬


‫كونها ت�أتي �إليك �ستدفع �أكرث لأنها ب�شخ�صيتها املرحة وحبها للنا�س‬
‫ت�أخذ وقتها لإ�ضحاكك و هذا خ�صما علي زمنها الغايل ‪� ..‬أما عندما‬
‫مت�شي �إليها �أنت تناولك ال�رشاب من وراء �ستار ‪ ..‬خلفه يقبع برميل‬
‫املري�سة مكان ال�رشاب الأ�سا�سي ومنه يتفرع للزير و الكورية ‪..‬‬

‫منهل ال�رشاب ‪ ..‬الكورة املقد�سة �أم الزير ؟‬

‫‪101‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫يتم تق�سيم ال�رشاب بعد ن�ضجه يف الربميل ذي ال�صد�أ يق�سم يف الكورية‬
‫و الزير ‪..‬‬

‫�رشاب الكورية �أف�ضل د�سامة و تركيز لأن للكورية قد�سيتها كما �إنك‬
‫ت�ستطيع �أن تكت�شفه �إن كان مغ�شو�شا و بالتايل فهو �أغلي ‪..‬‬
‫�رشاب الزير فطري لأن ماء الغدير الذي يجاور اخلمارة ي�سيل و يتدفق‬
‫حمازيا لعنق الإناء الفخاري بف�ضل �إحدي الفتاتني التي كانت مهمتها‬
‫هي �أن تورد للماء و جتلبه ثم تلقي به يف الزير ‪..‬‬

‫و�ضعية النعال ‪..‬‬


‫هل ترتكه خارج الدار �أم يكون جماورا لربج احلمام ؟؟‬
‫حيث كانت بنجو�سة متار�س هواية تربية و رعاية الطيور ‪..‬‬
‫يت�صدر احلمام �أعلي القائمة بجانب طيور �أخري مثل الدجاج البلدي‬
‫و دجاج الوادي املرقط الذي يت�صدر �ضجة عارمة كلما جاء �أحدهم‬
‫ك�إحتفالية و �إحتفاء ‪..‬‬
‫عندما ت�ضع احلذاء قرب برج احلمام هذا يعني �أنك تننظر من بنجو�سة‬
‫خدمة �إ�ضافية هي تقدمي �شوربة حلوم احلمام ‪..‬كانت ت�ستخدم ف�ضالت‬
‫احلمام خم�صبا طبيعيا للجرباكة خا�صتها حيث ينمو قرع الكا�سات و‬
‫بع�ض اخل�رضوات مثل البامية و التب�ش ‪..‬‬
‫حينما ر�أت اخل�رضة الزاهية يف حم�صوالتها ذات الإ�ستعمال و الإكتفاء‬
‫الذاتي ‪ ..‬خطرت لها فكرة يف �إ�ستخال�ص ماء زرق احلمام ت�ضيفه يف‬
‫كا�سات املرا�سني ‪..‬‬
‫رجال بعينهم خ�صتهم بهذا ال�رشاب ‪..‬‬
‫كانت ت�ضيفه يف �رشاب كل من حتوي معلوماته ال�شخ�صية التي جمعتها‬
‫�إحدي الفتاتني توحي �إنه بني بني ‪..‬‬
‫كل من يح�صد حم�صول قليل من الفرتيت ت�ؤكد لها خربتها �أنه خاي�س‬
‫وناي�ص ‪ ..‬هناك م�شكلة يف رجولته ‪..‬‬
‫هكذا تدعي ‪..‬‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪102‬‬
‫الإدعاء ينبني علي فرو�ض هي ‪..‬‬
‫�أن الرجل الذي عليه الإتكال يجب �أن يكون غزير املنتوج من الفرتيت‬
‫بالتايل ‪..‬‬
‫يجمع مال كتري لأطفاله و ملذاته الأخري ‪..‬‬
‫ثم ‪..‬‬
‫يرتكها بنجو�سة تتمرغ يف حبات الفرتيت التي تنهمر عليها نظري‬
‫خدماتها ‪..‬‬
‫ال�شئ الذي ي�ؤكد �أنها قد حتمل بني جنباتها �شخ�صية متناق�ضة ‪..‬ما‬
‫كانت تهتم �أن يكون لديها نقود و يف الوقت ذاته تعي متاما �أهمية املال‬
‫و يف كونه ع�صب احلياة و نب�ضها و املحرك الأ�سا�سي ‪..‬‬

‫املال هو الذي يعزك و يذلك ‪..‬‬


‫يعزك عند من ينظروا �إليك من خالله وهو متكاثر‪ ..‬و ُيذلك عندهم‬
‫عندما ينظروا �إليه من خاللك كلما نظروا �إيل مالك متناق�صا بد�أت‬
‫نظرة الإذالل تكرب يف عالقة عك�سية ‪..‬‬
‫و يف كل الأحوال تبقي �أنت ال�شخ�ص ذاته بينما هم يذهبون مع ذهاب‬
‫املال و يجيئون مع جميئه فهم هنا مع دنياك ‪..‬‬
‫�إذا �أقبلت �أقبلوا ‪..‬‬
‫و‪..‬‬
‫�إذا �أدبرت �أدبروا ‪..‬‬
‫املال �ضل �ضحي هكذا قالت بنجو�سة لكن ال منا�ص منه لأويل النهي‬
‫�صوت خافت خاطبها‪..‬‬

‫�إنتبهت فج�أة ب�أن اخلمارة ممتلئة بالرجال حيث ال يوجد مكان خايل‬
‫البنابر �أخذت �أمكنتها و فوقها تربع الذين يحبون العزلة و الربو�ش‬
‫ت�ضج ب�سمارها ‪..‬ف�أيقنت �أن التحديثات �آتت ثمارها بعد �أن �إنذهل‬

‫‪103‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫الرجال و �إنبدلوا ‪ ..‬فعا�شوا مقيدين ب�أ�سوار اخلمارة حتت قب�ضة‬
‫بنجو�سة ‪..‬قب�ضتها و رحمتها ‪..‬‬
‫ن�ساء القرية جعرن بال�شكوي ‪� ..‬إجتماع طارئ بعد �أن دق ناقو�س‬
‫اخلطر ‪ ..‬خطر م�ستقبلي ي�ؤثر و يهدد احلقول اجلافة و اللينة‪..‬‬
‫خطر �سيحدق بالبيئة زمانا و مكانا ‪..‬‬
‫مكانا و زمانا ‪..‬‬
‫بيئة املكان حقول الزراعة ‪..‬‬
‫بيئة الزمان مو�سم احل�صاد وقبله مو�سم الزراعة و الإنغرا�س ‪..‬‬
‫يف الإجتماع الذي مل يكن مدرو�سا و مل يكن هناك �سوي بند واحد ومل‬
‫تكن هناك �أي�ضا �أي �أجندة كامنة خرج البند ب�إ�سم ‪:‬‬
‫�إقتالع بنجو�سة‬
‫�إقتالع بنجو�سة يقود مبا�رشة �إيل �إقتالع الرجال من براثنها ‪ ..‬براثن‬
‫بنجو�سة ومن ثم جتفيف منبعها ‪..‬‬
‫رفعت ال�شكوي لكبري القرية بوا�سطة �إمر�أة ت�ستطيع امل�شي و الرك�ض‬
‫يف �أكرث الأماكن خطورة و وعورة كما ل�سانها ي�شبه املرتار ‪..‬‬
‫و يف �إنتظار نتيجة ال�شكوي التي ما كانت بنجو�سة تعلم عنها �شئ ‪..‬‬
‫كان الرجل الإ�ستثنائي قد قام مبحاوالت يلم فيها �شمل بنجو�سة ب‬
‫‪ 14‬طفل كبري و ‪� 14‬أب لأطفالها ما كانت ت�أبه و حتفل بالآباء لكنها‬
‫كانت يف حوجة لتعرف ما الذي جري مع �أطفالها يف �سنوات طوال‬
‫بنجو�سة �أعطته �أ�سماء و �ألقاب وكل ما تعرف من معلومات كانت‬
‫�صغرية �أو كبرية �أو �أي �أثر يقوده و يدله يف طريق رحلة بحثه معها‬
‫بحث بوا�سطة و�سيلة حديثة مل ت�سمع بها من قبل ‪..‬مل تكن الو�سيلة‬
‫احلديثة �إال في�س بوك ‪.‬‬

‫وجد الرجل الإ�ستثنائي �أطفال بنجو�سة الذين هم الآن رجال كبار‬


‫وخطهم امل�شيب ‪ ..‬وجدهم يعي�شون يف �أر�ض الأحالم ‪..‬يعملون يف‬
‫مكان واحد ويت�شاركون ال�سكن كما �أن �أطفالهم يدر�سون يف مدار�س‬
‫واحدة ‪ ..‬و�آبا�ؤهم ال يعرفون �أنهم �إخوة �أن�صاف �أ�شقاء ‪ ..‬ال يتعارفون‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪104‬‬
‫يتعارفون فقط حني يجدون �أنف�سهم ي�شرتكون يف املواهب ذاتها ‪..‬‬
‫املواهب التي منحتها لهم بنجو�سة من خارطتها اجلينية و �أهم موهبة‬
‫و �أبرزها كانت تلك املوهبة التي تخت�ص بالكدح و الإجتهاد و رعاية‬
‫�أطفالهم بحنكة و حكمة دون مراعاة و�ضع �أهمية للمال بعد حت�صيله‬
‫�سوي للرفاه و ال�سعادة ‪..‬‬
‫كان قد جتاوز عدد �أحفادها ‪ 25‬حفيد ‪ ..‬فلما ر�أتهم يف �شا�شة تلفون‬
‫ذلكم الرجل الإ�ستثنائي الذي ح�صد املعرفة الإلكرتونية ح�صاد وفري ملا‬
‫ر�أتهم �إنتابتها فرحة عارمة ‪ ..‬كموجة عارمة �إجتاحت قلبها فدخلت‬
‫يف �صدمة ‪..‬‬
‫ملا ر�أت �أحفادها جتاوزت حالة الفرح �أبنائها مثلما جتاوزت �آباءهم من‬
‫قبل حينما مل تهتم �أو حتفل ب�أن تلقاهم‪..‬‬

‫من الفرح ما قتل ‪..‬‬


‫من الفرح ما قتل ‪..‬‬
‫قال ذلكم الرجل الإ�ستثنائي و هو يحاول �إقناع بنجو�سة بنطق‬
‫ال�شهادتني و هي تنادي يف الفتاتني ‪..‬‬
‫يا بنات �أك�شحن امل�شك ‪� ..‬أك�شحنوا ‪..‬‬
‫ولعن النار ‪ ..‬ولعنها ‪..‬‬
‫هبهنب النار ‪..‬هبهبنها يل ‪..‬‬
‫�أنا جاية �أ�سة ‪ ..‬جاية �أ�سة ‪..‬و ما نطق ل�سانها بال�شهادة ‪..‬‬
‫لكن الرجل اخلبري كان ينظر �إيل فمها و هي يف الرمق الأخري �شفتيها‬
‫�إنفرجتا �أكرث ف�أكرث ثم �إنطبقتا علي كلمة التوحيد ‪..‬‬

‫�صدمة قاتلة �أودت بحياة بنجو�سة يف قعر خمارتها وهي تنظر‬


‫لأحفادها الكرث الذين جتاوز عددهم ‪ 25‬حفيد‪..‬‬
‫يخرج الرجال من قب�ضة بنجو�سة ليقعوا يف قب�ضة الفتاتني ‪ ..‬الفتاتني‬
‫اللتني �أورثتها املهنة و كان لهما من اجلمال والدالل ما جعل الرجال‬
‫يتوطدوا و يوثقوا �أنف�سهم باخلمارة ‪..‬‬

‫‪105‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ن�ساء القرية دخلن يف ي�أ�س عميق بعد �أن خرج القرار يف م�صلحتهن‬
‫يف اليوم الذي غابت فيه بنجو�سة عن الدنيا بعد �أن غيبها املوت يف‬
‫غيابة القرب ‪..‬‬
‫قتلهن الي�أ�س بعد �أن �أورثت بنجو�سة مهنتها القا�سية لفتاتني يف مقتبل‬
‫العمر متحزمات و متلزمات بعد �أن �شدت كل واحدة منهما مئزرها‬
‫من �أجل الوفاء بو�صية بنجو�سة الأخرية‬
‫�أن‪..‬‬
‫يابنات �أك�شحن امل�شك ‪� ..‬أك�شحنو ‪..‬‬
‫ولعن النار ‪ ..‬ولعنها ‪..‬‬
‫هبهنب النار ‪ ..‬هبهبنها ‪..‬‬
‫هبهبنها يل ‪� ..‬أنا جاية‪..‬‬
‫جاية �أ�سة ‪..‬‬
‫�أ�سة ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪106‬‬


‫كوكب جديد‬
‫بنجو�سة ذات م�ساء‪..‬‬
‫بعد �أن �أنارت قريتهم الكهرباء ‪..‬‬
‫و �رسي �سل�ساال املاء ‪..‬‬
‫قالت بنجو�سة عندما ر�أته ي�رسي و يجري يف اخلراطيم ملء ال�سمع و‬
‫الب�رص‬
‫قالت ‪:‬‬
‫ال تدري هل تنت�سب للمدينة �أم تظل يف �إطار القرية ثم �أردفت �إنها‬
‫عالقة يف الو�سط‪..‬‬
‫ال تنتمي للقرية بعد �أن ودعت ماء احلفري خريفا ‪..‬‬
‫و ماء البئر �صيفا‬
‫لديها الآن ماء زالل ي�أتي �إليها يف مكانها و ال تذهب �إليه حتي‬
‫جمجمتها �إرتاحت من ثقل جركان املاء ف�إنها كانت ت�ستخدم ر�أ�سها‬
‫و�سيلة لنقل املياه التي ت�ستخدمها يوميا يف ال�رشب و �صنع الطعام و‬
‫احلمام الذي قد يكون �أو ال يكون‪.‬‬
‫كانت ت�ضع �أعلي ر�أ�سها و �أ�سفل وعاء البال�ستك الذي حتمل فيه املاء‬
‫ت�ضع قطعة من القما�ش تلف دائريا و يطلق عليها الوقاية لكونها تقي‬
‫الر�أ�س من حواف الوعاء البال�ستيكي ال�صلبة كما متت�ص ما تدفق من‬
‫مياه‪.‬‬
‫قالت ‪:‬‬
‫ال �أنتمي للقرية فقد ودعت الفانو�س الذي �أحيانا يكون بال زجاجة ‪.‬‬

‫‪107‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫ثم قال الراوي ‪:‬‬
‫بنجو�سة ودعت مع �أهل قريتها الفانو�س و الرتينة التي كانت ت�ستخدم‬
‫يف املنا�سبات الكبرية ب�شقيها الفرح و الرتح ‪..‬‬
‫كان �ضوء الرتينة مبهر و يعطي �ألق ما يف منعطف �إحتفايل ما مع مزيج‬
‫من البهجة‪.‬‬
‫كما ير�سل بريق خامد كمن يخطف ن��ور احلياة و ذل��ك عندما‬
‫ي�ستخدمونها يف �أتراحهم ‪ ..‬رتينة القرية التي كانت �ضمن حاجيات‬
‫اجلمعية ت�شاركهم �أدق تفا�صيل القرية و حتفظ علي ظهر قلب �أمكنة‬
‫جلو�سها مع �أهل القرية و كيف كانت مت�شي معهم و ت�سمع ون�ساتهم و‬
‫ت�ضحك معهم بال �صوت و�ضجة‪..‬‬
‫يجل�سونها �أعلي ال�سقوف يف �أفراحهم كما كانت حتفظ الطريق امل�ؤدي‬
‫للمقابر ‪ ..‬ي�صطحبون نورها ليال لدفن موتاهم ‪ ..‬كما تعرف قبور‬
‫املوتي قربا تلو قرب ‪..‬‬

‫الرتينة ظلت عالقة يف ذهن بنجو�سة ال �سيما و �أول عالقة حب لها‬


‫يدعوها فتاها الذي كان مولعا بها جدا و يناديها بنجو�سة الرتينة ‪..‬‬
‫دليل لي�س قبله وال بعده‬
‫�أن الرتينة كانت ال ت�شكل م�صدر �إنارة فقط بل تاريخ و رحلة حب و‬
‫ميثاق حياة‪.‬‬

‫يعود الراوي ليقول ‪:‬‬


‫بنجو�سة ودعت حبوبة ون�سيني التي يتطاير منها ثاين �أك�سيد الكربون‬
‫الذي �صبغ �سماء القطية بلونه الأ�سود‪ ..‬كما �إنها ال تنت�سب للمدينة‬
‫فما زالت يف عفويتها املطلقة التي ت�شكك الآخرين يف �صدقيتها مما‬
‫يلوذ كل من تعرفه �إيل الفرار خوفا من �أن يقع يف م�شكل ب�سببها �أو‬
‫لرمبا ين�سب �إليه ما ال يحتمل ك�أن يقال عنه قروي يف زمن مي�ضي فيه‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪108‬‬
‫العامل نحو التمدن ‪..‬‬

‫و مي�ضي النا�س وفق مقدراتهم و مهاراتهم‬


‫ب�رسعة الربق‬
‫جري الفهود‬
‫�أو زحف ال�سلحفاة‬

‫ال ت�ستطيع بنجو�سة �أن تنتمي �إيل املدينة فهي ال زالت غري م�ؤمنة مب�س�ألة‬
‫احلياد و ال تلتزم بها عند حدوث م�شكل ما ‪ ..‬معك �أو �ضدك‪.‬‬
‫و قد يكون وا�ضحا كالعيان و حم�سو�س ك�شم�س ال�صيف احلارة‬
‫معك �أو �ضدك‬
‫�أ�سود �أو �أبي�ض و لي�س لديها رمادي‪.‬‬

‫بنجو�سة بعد �أن متت �إ�ستتابتها و توقيعها علي �إعرتافاتها حتت �ضغط‬
‫ثم �إقرار رجعت للخمارة و قامت بتحويلها �إيل نفاج احللو مر‪..‬‬
‫لكنها كانت مع احللو مر تخلط ماهو �أمر و مل يكن �إال العرقي يف غطاء‬
‫العرق�سو�س ‪.‬‬
‫حدث ذلك بعد عودتها للحياة و ما كانت تعب�أ بحديث النا�س �إذ قالوا‬
‫�أو مل يقولوا �أنها من ترب البنية‪.‬‬
‫كانوا يف القرية يعرفون اهلل و �إن مل يكونوا ملتزمني ‪ ..‬من �صلي و �صام‬
‫له �صالته و �صيامه و من مل ي�صل و مل ي�صم فعليه عدم �صالته و �صيامه‪..‬‬
‫لكن كلهم كانوا يف �سالم تام‬
‫كان �إما �أن تكون بني الم �أو علي له �أو عليه‬
‫كل القرية متجد الرب ‪ ..‬و الرب غفور رحيم لكن فج�أة ‪..‬‬
‫و�صلت �إيل �أطراف القرية �شظايا من ذلك الكوكب اجلديد و الذي‬
‫كان �سببا يف �إ�ستتابة بنجو�سة و القرية كانت متدينة قبل حلولهم و مل‬
‫تكن يف حوجة للحلول التي قدموها ‪.‬‬
‫كان حال القرية يعجب و ي�رس‬

‫‪109‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫و ن�سيجها متما�سكا‬
‫لكن‬
‫كانوا قد هبطوا علي قري و عبثوا بها �إيل �أن جاءت �شظية من �شظاياهم‬
‫�إيل �أطراف قرية بنجو�سة فعلت ما فعلت ثم رحلت ‪.‬‬
‫حتدثوا عن النا�سخ و املن�سوخ ‪..‬‬
‫مل يفهمهم �أهل القرية و ت�سخطوا منهم‪.‬‬
‫بعدها حتدثوا ب�صورة �أكرث و�ضوحا ب�أن الإ�سالم جاء نا�سخا لكل‬
‫الديانات التي قبله لذا فهو الدين الذي يجب �أن يبقي و الديانات‬
‫الأخري يجب �أن تغيب‪.‬‬
‫كانت القرية مت�ساحمة‬
‫مت�ساحمة حلد بعيد‪..‬‬
‫قد جتد يف البيت الواحد �أكرث من ديانة‪ ..‬يف رم�ضان كان غري ال�صائمني‬
‫يقومون بتجهيز �إفطار ال�صائمني كما �أن غري ال�صائمني قد ي�شاطرونهم‬
‫ال�صيام �أحيانا‪ ..‬لكن �أن حتدث هذه الفرقة فهذا لي�س يف ح�سابهم ‪..‬‬
‫�أخرجوا للجهاد ‪..‬‬
‫دخل �أهل القرية بيوتهم و خرجوا بالطواري و الكدنكات ‪..‬‬
‫و �إجتهوا �إيل احلقول ‪..‬‬
‫عقود تتالت‬
‫�أيام ‪� ..‬أ�سابيع‬
‫�شهور ‪� ..‬سنواتليايل و نهارات‬
‫�ضحوات و �ضهريات‬
‫كل الف�صول هم بجانب احلقول‬
‫�شمو�س درت حارة متتاليات‬
‫و قبلها كان‬
‫وابل املطر علي ظهورهم‬
‫هكذا قالوا ‪:‬‬
‫لي�س لنا �سوي جهاد احلقول و توفري لقمة �أطفالنا ‪.‬‬
‫قالوا ب�صوت رجل واحد و الطواري و الكدنكات تعتلي الر�ؤو�س ثم‬
‫كروموسوم واي‬ ‫‪110‬‬
‫�أنهم ب�أياديهم ن�صبوا �أعواد الطواري م�رشعات �إيل ال�سماء ‪.‬‬
‫�سنجاهد يف احلقول‬
‫مل يحدث و لن‬
‫لن و لن‬
‫لن نتقاتل‬
‫و لن نقتل �أبناء قريتنا‬
‫دمهم من دمنا‬
‫دمنا من دمنهم‬
‫كلنا �أهل حلم و دم‬
‫لكن‬
‫رغم ذلك كله‬
‫ا�ستتابوا بنجو�سة و حلقوا �شعر ر�أ�سها و �أرغموها علي �إغالق اخلمارة‬
‫و جتديد �إميانها ب�أن تنطق بال�شهادتني‪.‬‬
‫حولت اخلمارة �إيل نفاج احللو مر ومل تنطق بال�شهادتني لأنها م�ؤمنة‬
‫قبل �أن ي�أتوا‬
‫رحلوا ‪..‬‬
‫عادت القرية كما كانت قبل جميئهم‬
‫م�ساملني‬
‫مت�ساملني‬
‫طيبني‬
‫من �صلي و �صام له �أجر �صالته و �صيامه‬
‫و من مل ي�صل ومل ي�صم عليه وزر عدم �صالته و �صيامه‬
‫كل القرية تقع بني له و عليه‬
‫كل القرية متجد الرب‬
‫و الرب غفور رحيم ‪..‬‬

‫�إنتهي‪..‬‬

‫‪111‬‬ ‫كروموسوم واي‬


‫املحتويات‬

‫‪7‬‬ ‫‪� /1‬شاي �أزرق‬


‫‪17‬‬ ‫‪ /2‬جاليكوجني‬
‫‪29‬‬ ‫‪ /3‬كرومو�سوم واي‬
‫‪51‬‬ ‫‪ /4‬امرباطورية الطورية‬
‫‪55‬‬ ‫‪� /5‬شمعون و �أم بختني‬
‫‪63‬‬ ‫‪� /6‬أم ‪44‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ /7‬مكان عزيز‬
‫‪87‬‬ ‫‪ /8‬الهردبي�س‬
‫‪95‬‬ ‫‪ /9‬بنجو�سة بائعة املري�سة‬
‫‪99‬‬ ‫‪ /10‬بنجو�سة تعي�ش حالة فكرية‬
‫‪107‬‬ ‫‪ /11‬كوكب جديد‬

‫كروموسوم واي‬ ‫‪112‬‬

You might also like