Professional Documents
Culture Documents
نظرية التطور الاجتماعي
نظرية التطور الاجتماعي
نظرية التطور الاجتماعي
توفيق شومر
ٌتطرق هذا البحث إلى تقدٌم عرض تبسٌطً لنظرٌة التطور االجتماعً التً قدمها عالم
االجتماع والفٌلسوف األلمانً كارل ماركس .1وٌقسم ماركس مراحل التارٌخ البشري باالعتماد
على نمط اإلنتاج السائد فً المجتمع اإلنسانً فً مرحلة معنٌة .وكما سنرى أدناه فإن فكرة
اإلنتاج فكرة محورٌة فً فكر ماركس وتدخل فً تفسٌره لكل التطورات المهمة فً تارٌخ
المجتمع اإلنسانً .ولكً تتضح الصورة العامة لهذا البحث ٌجب أن نحدد المراحل التارٌخٌة
للمجتمع وهً )1 :المرحلة البدائٌة (المشاعٌة البدائٌة) )2 ،مرحلة العبودٌة (الرق))3 ،
المرحلة اإلقطاعٌة )4 ،المرحلة الرأسمالٌة )5 ،المرحلة االشتراكٌة )6 ،المرحلة الشٌوعٌة.
الجدل (الديالكتيك):
ٌعتمد ماركس فً تحلٌله للتطور االجتماعً على الجدل والذي تبناه من الفٌلسوف
األلمانً جورج فلهام هٌغل .ولكن بٌنما كان جدل هٌغل مثالٌا ً ٌناقش عالقة األفكار باألفكار
حاول ماركس أن ٌنقل مفهوم الجدل إلى تفسٌر حركة التارٌخ وحركة التطور االجتماعً.
لنحاول فً البداٌة أن نفسر ببساطة فكرة هٌغل .هناك ثالثة محاور فً أي عالقة جدلٌة:
محور الفكرة ،ومحور النقٌض أو الضد للفكرة ،ومحور التركٌب بٌن األضداد
( )thesis , anti-thesis, and synthesisوٌقر المنهج الجدلً بأن هناك وحدة وصراعا ً بٌن
هذه األضداد .وقد حاول هٌغل تفسٌر الكون ونشأته انطالقا ً من هذه الفكرة فأعتبر أن العالم هو
نقٌض الروح المطلق وأن هذا العالم صدر عن الروح المطلق لٌتطور باستقالل ولٌصل فً
رقٌه الفكري إلى مرحلة من التطور تمكنه من السمو لٌتمكن مرة أخرى من االلتحام مع الروح
المطلق .واعتبر هٌغل أن الفكر البشري والفلسفة بوجه خاص هً التً ستمكن الطبٌعة من
الرقً الالزم لتتمكن من السمو إلى المستوى المطلوب لكً تتمكن من االلتحام بالروح المطلق.
ولذلك فقد ركز اهتمامه على تارٌخ األفكار بوصفها التارٌخ الحقٌقً للبشر بٌنما التارٌخ
الطبٌعً والتارٌخ البشري ما هما إال ردٌف مساعد ،أو بٌئة مساندة لتارٌخ األفكار .والفكر هو
التطور األرقى للطبٌعة.
نقٌضها
الطبٌعة الروح المطلقة
وبالتالً فحٌن نطبق المحاور الثالثة على التطور لتارٌخ العالم والطبٌعة نخرج
بالتصور التالً:
ٌ 1دب اإلشارة ويُذ انبدء بأَه بغض انُظز ػٍ يىلف انكثٍزٌٍ يٍ َظزٌاث ياركض انظٍاطٍت وااللخصادٌت إال أٌ َظزٌخه فً انخطىر
االخخًاػً هً انُظزٌت األكثز حضىراً إنى انٍىو فً دوائز ػهى االخخًاع فً انؼانى أخًغ.
1
تنتج الفكر الطبٌعة الروح المطلقة مستوى أدنى
(الحالة األساسٌة)
للروح المطلقة
مستوى الروح
أعلى المطلقة
ٌتجلى االختالف بٌن المادٌة والمثالٌة حول فهم التارٌخ فً أن الفكر المثالً متمثالً
بالفكر األلمانً الذي ٌتحرك فً مٌدان (الفكر الخالص) ٌجعل من الفكر القوة المحركة للتارٌخ.
وٌعتبر ماركس "أن فلسفة التارٌخ عند هٌغل هً النتٌجة الحاسمة األخٌرة ،المختزلة فً
(تعبٌرها الصوفً) ،لمجمل هذه الطرٌقة التً ٌتبعها األلمان فً كتابة التارٌخ والتً ال تولً
االهتمام للمصالح الفعلٌة ،وال حتى المصالح السٌاسٌة" 2.بل تعالج األمور من منطلق توجه هذا
التارٌخ نحو الغاٌات التً ٌرسمها هذا الفكر.
فً حٌن أن الفكر المادي ٌربط التطور والحركة عبر العالقات المادٌة التارٌخٌة ،فكل
ما هو موجود ،كل ما هو حً على األرض أو تحت الماء ٌوجد وٌحٌا بنوع من الحركة فقط،
وهكذا فحركة "التارٌخ تنتج العالقات االجتماعٌة؛ والحركة الصناعٌة تقدم المنتجات
الصناعٌة ...الخ" 3وهو فً هذا الموقف ٌقف فً تعارض مع الرؤٌة المٌتافٌزٌقٌة للتارٌخ والتً
ٌحددها على أنها "الفكرة التأملٌة ،التصور التجرٌدي ،تصبح القوة المحركة فً التارٌخ بحٌث
ٌرتد التارٌخ إلى مجرد تارٌخ للفلسفة ،وفضالً عن ذلك فإن هذا التارٌخ األخٌر نفسه ال ٌصور
كما قد جرى فعالً ،ووفقا ً للمصادر المتوفرة – وأقل من ذلك بوصفه نتٌجة العالقات التارٌخٌة
الفعلٌة – بل كما تصوّ ره الفالسفة األلمان المحدثون وعلى األخص هٌغل وفٌورباخ" ، 4وهذا ما
ٌؤكد أن التارٌخ المٌتافٌزٌقً ٌتعامل فقط مع تارٌخ األفكار وتارٌخ األشباح وال ٌتعامل مع
الواقع إال بما ٌسمح لهذه األشباح أن تتلبس به لتظهر بالمظهر الواقعً نفسه.
وٌعتبر ماركس أن العالقات االجتماعٌة هً عالقات جدلٌة ال ٌمكن أن نقول أن أحدها
ٌنتج بشكل مٌكانٌكً عن اآلخر .فالحدث االجتماعً ٌؤثر فً تشكٌل حالة اجتماعٌة بالمقدار
نفسه من تأثٌر حالة اجتماعٌة فً إبراز حدث اجتماعً .وهذا التأثٌر المتبادل هو الذي ٌعطً
النظرٌة االجتماعٌة نوعا ً من التشابك الذي ال بد من االنتباه إلٌه عندما نرٌد أن نحلل التطور
االجتماعً .فالنظرة المٌكانٌكٌة أو النظرة الساذجة للعالقة بٌن مؤثرات ونتائج تعجز عن إدراك
العالقات االجتماعٌة ،وتعجز عن رؤٌة أن هذه العالقات تتجاوز كونها عالقات بٌن أفراد
مستقلٌن إلى كونها عالقات اجتماعٌة .فماركس ٌؤكد أن المجتمع ال ٌمكن أن ٌنظر إلٌه باعتباره
مجموع األفراد الذٌن ٌتشكل منهم هذا المجتمع ،بل ٌتعدى األفراد لٌنظر إلى العالقات بٌنهم
وإلى القوى االجتماعٌة المحركة فً المجتمع .وفً هذه النقطة ٌختلف فكر ماركس عن فكر
2كارل ماركس وفردرٌك أنجلس ،األٌدٌولوجٌة األلمانٌة ،دار دمشق ،دمشق ،1891 ،ص. 51
3كارل ياركض ،بؤص انفهظفت ،دار ديشك ،ط ،1ديشك ،1793 ،ص.111
4األٌدٌولوجٌة األلمانٌة ،ص. 126
2
المدرسة البرغماتٌة أو المدرسة التحلٌلٌة وكالهما ٌنظر إلى المجتمع من منطلق االرتباط
الطوعً بٌن أفراد مستقلٌن .أما ماركس فٌقول بأن التطور االجتماعً والبنٌة االجتماعٌة تؤثر
على األفراد وعلى دٌنامٌكٌات الحراك االجتماعً فً المجتمعات.
أما التناقض فهو داخل المجتمع والصراع بٌن األضداد داخل المجتمع هو الذي ٌصنع
التطور االجتماعً .واألضداد فً المجتمع تتمثل عادة بطبقتٌن رئٌسٌتٌن :طبقة مسٌطرة وطبقة
مسٌطر علٌها .وفً كل مرحلة من مراحل التطور االجتماعً ٌبدأ المجتمع بالثورة ثم ٌنتقل إلى
مرحلة استقرار نسبً ،ولكن وبعد فترة من هذا االستقرار تبدأ الطبقات المسٌطر علٌها برفض
الواقع القائم ،وٌدخل المجتمع مرحلة اضطراب ٌنتج عنها تخلخل فً التركٌبة الطبقٌة وتظهر
طبقة جدٌدة تحاول أن تستثمر التناقض بٌن الطبقتٌن الرئٌسٌتٌن فً المجتمع وتقوم بالثورة
معتمدة على الطبقة المسٌطر علٌها وهً بالعادة طبقة األغلبٌة.
وهنا ال بد لنا من أن نوضح المفاهٌم العامة للمنطق الجدلً وقوانٌن الجدل:
تتمثل قوانٌن الجدل بثالثة قوانٌن تبنى بشكل أساسً على أرضٌة أساسٌة ،بأن الحركة
هً المطلق والسكون نسبً أو بمعنى آخر كل شًء ٌتطور.
وقوانين الجدل هي:
.1قانون شمولٌة التناقض (وحدة وصراع األضداد) كل شًء ٌحمل فً داخله ضده
والصراع بٌن األضداد هو الذي ٌحكم التطور والتقدم.
.2قانون نفً النفً والتطور الحلزونً :وهو قانون مستقى من العلوم الطبٌعٌة ومن
الرٌاضٌات على حد سواء ،وٌطبق فً االقتصاد وفً التطور االجتماعً وقد
استخدمه ماركس بكثافة فً كتابه الرأسمال عندما كان ٌحاول معرفة القوانٌن
التً تحكم تطور االقتصاد الرأسمالً (تراكم رأس المال).
.3التراكمات الكمٌة والتغٌرات الكٌفٌة :إن تراكما ً كمٌا ً معٌنا ً ٌؤدي بالضرورة إلى
تغٌر كٌفً معٌن( .كما فً الماء ودرجات الحرارة).
وٌقول ماركس بأن العامل االقتصادي هو العامل الحاسم فً أي تغٌٌر اجتماعً .لكنه
ٌؤكد أٌضا ً أن أي ثورة ال ٌمكنها أن تستمر وتنظم المساندٌن لها بمعزل عن فكر ثوري ٌرافقها
وٌبرر ضرورتها وٌبرر ضرورة التغٌٌر واالنتقال من الوضع القائم إلى وضع جدٌد هو
بالضرورة أكثر تطوراً.
وٌطبق ماركس قوانٌن الجدل على المجتمع بشكل مختلف عن هٌغل فبدالً من الفكرة
(عند هٌغل) ٌضع (ماركس) الحالة االجتماعٌة أو المرحلة االجتماعٌة .فٌقول" :إن سٌر حٌاة
العقل اإلنسانً ،أي سٌر التفكٌر ،الذي حوّ له [هٌغل] ،إلى موضوع مستقل ،تحت اسم (الفكرة)،
هو القوة الخالقة بالنسبة للعالم الحقٌقً ،والعالم الحقٌقً نفسه هو مجرد الشكل الظاهري
والخارجً لـ (الفكرة) .أما بالنسبة لً فاألمر على العكس تماماً ،أن الفكرة هً ال شًء سوى
العالم المادي معكوسا ً من قبل العقل اإلنسانً ،ومن ثم محوّ الً إلى أشكال من (الفكرة) 5".وفً
هذا ٌنبع االختالف بٌن الجدل المادي (الماركسً) والجدل المثالً الهٌغلً ،أي فً المنطلق
الذي ٌنطلقان منه ،فاألول ٌنطلق من الواقع المادي ،والثانً من (الفكرة) .ولنفسر ما ٌقصده
ماركس فٌصبح المفهوم على النحو التالً :الحالة ثم الحالة النقٌض ثم التركٌب ،والتركٌب هنا
ال ٌتم إال بالثورة وٌتم بالتالً االنتقال من حالة أولى إلى حالة تركٌبٌة جدٌدة تستدعً وجود
حالة نقٌض لها وثم تستدعً وجود تركٌب جدٌد وهكذا .وبصورة عامة فالمجتمع البشري بدأ
بكونه مجتمع "ال -طبقً" فالنقٌض لهذه الحالة هو المجتمع الطبقً أما التركٌب فهو نوع من
المجتمع "الال – طبقً" ولكنه بمستوى أرقى بالضرورة من الحالة األولى التً وجد بها
المجتمع ألول مرة .ولكً نوضح هذا المفهوم المعقد بعض الشًء ال بد لنا من تتبع التطور
االجتماعً كما ٌصفه لنا ماركس.
3
المرحلة األولى :المشاعية البدائية
تفترض نظرٌة التطور االجتماعً مقدمة ضرورٌة لتحلٌل التطور االجتماعً ،وتتمثل
هذه المقدمة فً اإلقرار بأن اإلنسان ما كان لٌقوى على الصمود أمام شظف العٌش فً العصور
البدائٌة لو لم ٌكن اجتماعٌاً .أي أن اإلنسان الفرد ما كان بمقدوره فً أي حال من األحوال أن
ٌستطٌع الحٌاة فً بٌئة "الطبٌعة كما هً" أي فً بٌئة الطبٌعة المجردة التً لم تغٌرها أٌادي
البشر .ولذلك فإن ماركس ٌقول لنا أن ما ٌمٌز اإلنسان عن الحٌوان ال ٌرتبط بكونه إنسانا ً عاقالً
أو إنسان له دٌن أو معتقد ،بل ما ٌمٌزه عن الحٌوان كونه إنسانا ً منتجا ً لظروف حٌاته الخاصة.
فاإلنسان هو الكائن الوحٌد الذي ٌشكل البٌئة الحٌاتٌة حوله ،فهو ٌشكل الطبٌعة بحسب احتٌاجاته
وال ٌنتظر أن تفرض علٌه الطبٌعة بٌئتها المجردة ،بٌنما الكائنات األخرى تحكمها البٌئة
الطبٌعٌة فهً ال تستطٌع أن تحٌا خارج البٌئة المناسبة لها.
مقدمة ثانٌة مهمة لهذه النظرٌة تتمثل فً أن التطور االجتماعً ٌنتج عن حالة الصراع
بٌن طبقات المجتمع التً ٌنتج عنها ثورة اجتماعٌة تؤدي إلى االنتقال من مرحلة تارٌخٌة فً
التطور االجتماعً إلى مرحلة الحقة .ولكن وبما أن المجتمع المشاعً البدائً مجتمع ال طبقً
وبالتالً لٌس هناك صراع بٌن طبقتٌن متناحرتٌن ،فإن النظرٌة تقول بأن الصراع فً تلك
الحقبة لم ٌكن بٌن الطبقات االجتماعٌة ولكن بٌن اإلنسان والطبٌعة .وبالتالً كان على اإلنسان
أن ٌحٌا فً صراع متواصل مع مختلف القوى الموجودة فً الطبٌعة لكً ٌتمكن من االستقرار
وتوفٌر الشروط المناسبة لحٌاته.
تتمٌز المرحلة البدائٌة هذه ،فً أن اإلنسان لم ٌكن ٌهتم بمسألة الملكٌة الخاصة ،ففً
الظروف الصعبة المحٌطة به كان ٌحتاج إلى كل المساعدة من كل األفراد القادرٌن على
المساعدة لكً ٌتمكنوا من الحٌاة .ففً مواجهة الحٌوانات الشرسة كان ال بد أن ٌكون هناك
تضامن جماعً .وبالكاد كان ما ٌنتجه البشر كافٌا ً الستمرار وجودهم .وبالتالً لم ٌكن هناك
فائض قٌمةٌ 6ذكر ٌدفع أٌا ً كان لمحاولة السٌطرة علٌهم.
استمرت المرحلة البدائٌة فً التارٌخ البشري حقبة طوٌلة من الزمن إذ تثبت حفرٌات
علماء اآلثار إلى أن أول هٌكل عظمً لكائن بشري تعود إلى 2.2ملٌون سنة .وتشٌر هذه
الحفرٌات إلى تطور بطًء فً أدوات اإلنتاج التً تعامل معها اإلنسان ،فحٌاته فً الكهوف
استمرت لمئات اآلالف من السنٌن ،كما أنه لم ٌتمكن من صناعة أدوات حجرٌة للدفاع عن نفسه
(العصر الحجري) إال بعد عشرات اآلالف من السنٌن .بٌنما استقرار اإلنسان فً مناطق
زراعٌة فقد جاء فً مرحلة متأخرة عن ذلك كثٌراً ،وتعود فً األكثر إلى ما ٌقارب خمسٌن ألف
سنة قبل المٌالد .أما على الصعٌد الفكري فقد كان التطور أكثر بطئا ً منه على صعٌد إنتاج
أدوات تساعد اإلنسان فً التغلب على صعوبة الحٌاة .فأول أشكال تنم عن قدرة اإلنسان على
االتصال تعود إلى رسومات الكهوف وأقدم هذه الرسومات المعروفة ٌعود فقط إلى 60ألف
سنة .بٌنما ٌعود أول نظام فً الكتابة (الحروف األبجدٌة) إلى ستة آالف سنة قبل المٌالد.7
ٌجب أن نفكر ملٌا ً بهذه األرقام ،فهً تدل على مقدار الجهد والوقت الذي استغرقه
اإلنسان فً االنتقال من الهمجٌة إلى اإلنسانٌة .فألكثر من ملٌونً سنة بقً اإلنسان هائما ً ٌحاول
أن ٌخترق قٌوده لٌصل إلى التحضر ،وكان لزاما ً للتطور الفكري والبناء المجرد لألفكار أن
6يفهىو فائض انمًٍت يٍ انًفاهٍى انًهًت فً َظزٌت ياركض وهى حؼبٍز ػٍ انمًٍت انًضافت ػهى ػًم األفزاد وانخً ًٌكٍ نصاحب
انؼًم أو انظٍد أٌ ٌظخفٍد يُها يٍ ػًم األفزاد .أي أٌ انؼايم فً انًصُغ ٌُخح يدًىػت يٍ انظهغ ونكُه ٌخماضى أخز ال ٌخداوس خشء
بظٍظ يٍ لًٍت انظهغ انخً طاهى فً إَخاخها ،أيا صاحب انؼًم وانذي نى ٌظاهى فً إَخاج انظهؼت ٌظخفٍد يٍ انفارق انكبٍز بٍٍ األخىر
انًظخحمت نهؼًال ولًٍت انظهؼت فً انظىق .وهذا انفارق بٍٍ لًٍت انؼًم ولًٍت انظهؼت فً انظىق ٌظًى بفائض انمًٍت وهى أطاص حشكم
انًدخًؼاث انطبمٍت.
9نغت أوغارٌج انحضارة انخً وخدث فً يُطمت بالد انشاو.
4
ٌنتظر طوٌالً قبل أن ٌرى النور .ولم ٌكن غرٌبا ً أن تكون األسطورة الشكل األول للفكر
المجرد ،وال أن ٌكون السحر دٌن اإلنسان المطلق ،فالعقل البشري حٌنها كان عاجزاً عن تفسٌر
الكثٌر من ظواهر الطبٌعة من حوله ،والتفسٌر الوحٌد الممكن لها أن ٌكون هناك من ٌحركها
لتضرب اإلنسان أ ّنى كان .فهناك آلهة للرعد والمطر والزرع والبحر والخصب والموت...الخ.
وكان السحر هو تعبٌر عن مجتمع ٌعجز فٌه اإلنسان عن السٌطرة على الطبٌعة ،فٌلجأ إلى
القوى الخفٌة والغٌبٌة التً ٌتصور أنها المسؤولة عما ٌتعرض له ،وٌتوقع بالتالً أنه ومن خالل
أعمال السحر فإنه ٌستطٌع التحكم فً مجرى األشٌاء :فهو ٌعتقد أن الطبٌعة ٌمكن أن تخضع
لكلمات اإلنسان وأوامره وتعاوٌذه.
وتجدر اإلشارة إلى أن المرأة فً المجتمعات البدائٌة كانت هً المسٌطرة على المجموعة
اإلنسانٌة ،وذلك نابع أٌضا ً من مفهوم "اإلنتاج" فالمرأة هً أهم العناصر المنتجة فً المجتمع
البدائً ،فهً التً تضمن استمرار الجماعة البشرٌة ،وبالتالً فإن إعادة إنتاج العنصر البشري
هو األكثر قدسٌة فً ذلك العصر الذي أحاطته المخاطر من كل صوب.واستمرت سٌطرة المرأة
إلى ما بعد االنتقال إلى المرحلة الالحقة من تطور المجتمعات البشرٌة.
ترافق مع استقرار البشر وانتقالهم إلى اإلنتاج الزراعً ومرحلة تدجٌن الحٌوانات،
وظهور التفكٌر المجرد والتفسٌرات األسطورٌة للظواهر الطبٌعٌة ،تغٌٌرات مهمة فً البنٌة
االجتماعٌة وفً قدرة المجتمع على اإلنتاج ،فلم ٌعد اإلنسان ٌنتج كفاٌته بل كان هناك فائض من
اإلنتاج ٌدفع البعض لمحاولة االستغالل .وترافق أٌضا ً مع نوع من تقسٌم العمل بٌن أفراد
المجتمع فبعضهم مهمته حماٌة الجماعة اإلنسانٌة من األخطار المحٌطة (المحاربون) وهم طبقة
من األقوٌاء الذٌن رأوا بأنفسهم التمٌز عن باقً أفراد المجتمع كون المجتمع لم ٌكن لٌحٌا حٌاة
استقرار من دون مجهودهم .ثم هناك الكاهن أو الساحر الذي ٌستطٌع بمجموعة تعاوٌذه أن
"ٌسٌطر" على قوى الطبٌعة .وهناك المزارع والراعً ومن ٌعتنً بالبٌوت واألطفال ومن ٌقرر
مصٌر الجماعة .وترافق مع تشكل الجماعة المستقرة تشكل ممٌزات خاصة للجماعة تختلف عن
جماعات أخرى استقرت فً مناطق تختلف فً طبٌعتها وبٌئتها.
مرحلة الرق
كما رأٌنا فإن التطور البشري أخذ منحى بطٌئا ً جداً فً بداٌاته ولكن هذا المنحى بدأ
بالتسارع التدرٌجً ،فبعد أن دخلت المجتمعات مرحلة تقسٌم العمل وظهر مفهوم القٌادة
للجماعات اإلنسانٌة ،وتماٌزت هذه الجماعات بعضها عن بعض .وترافق مع هذه التحوالت
رقًّ ذهنً وفكري ،بحٌث تمكن اإلنسان من أن ٌنتج أفكاراً تتعدى التعرٌف بحٌاته الٌومٌة إلى
التعرٌف بما ٌتخٌله فً ذهنه .وظهرت أول أشكال الدول السٌاسٌة التً تضع لنفسها شرائع
وسننا ً تحدد عالقات البشر داخل حدود الدولة .ومع هذا التحدٌد بدأت الجماعات اإلنسانٌة
األقوى واألكثر عدداً تحاول السٌطرة على الجماعات اإلنسانٌة المتاخمة لها لتضم إلى محٌط
ضٍ جدٌدة .وعند السٌطرة على جماعة ما ٌتم تحوٌل العاملٌن فٌها إلى عبٌد "الدولة" أرا ِ
للجماعة المسٌطرة .كانت هذه هً أول ظواهر النظام العبودي ونظام الرق ،لكن هذا الشكل من
السٌطرة على جماعات متماٌزة لتتحول إلى عبٌد لم تكن الشكل الوحٌد الذي تشكلت به العبودٌة.
فهناك النمط اآلخر المتعلق بتحول أفراد من المجتمع ونظراً لرفضهم بعض السنن والتشرٌعات
التً ٌفرضها الحاكم إلى عبٌد بعد تجرٌدهم من كل صالحٌات ٌحملونها.
وبغض النظر عن األسباب الداعٌة لتشكل المجتمع العبودي إال أن له سمات محددة
تمٌزت فً ظهور طبقتٌن أساسٌتٌن فً التركٌبة االجتماعٌة :طبقة األسٌاد وطبقة العبٌد .وتمٌز
المجتمع بعدم حاجة طبقة األسٌاد إلى العمل بل تركت مهمة العمل بكل أشكاله لطبقة العبٌد
ولشرائح متوسطة مثل التجار والصناع والمهرة .وهذا التفرغ لدى طبقة األسٌاد ساهم فً تبلور
5
الفكر الفلسفً والفكر العلمً واألدب والفن والمسرح .وٌمكن اعتبار األسطورة الشكل الجنٌنً
الذي تمثلت فٌه هذه األشكال للنشاط الذهنً اإلنسانً .فعند تناول األسطورة األسئلة الحساسة
فً الفلسفة مثل :ما هو أصل الحٌاة؟ وما المصٌر؟ وتحاول أن تقدم مجموعة من اإلجابات
متأثرة بالبٌئة المادٌة المحٌطة (كأن ٌُقال أن األصل من نار أو تراب أو هواء أو ماء أو كلّها
مجتمعة) .وبالتالً فإنها تحاول أن تقدم تفسٌراً "علمٌا ً" معرفٌا ً ألصل العالم.
وٌمتاز المجتمع الٌونانً بأنه المجتمع الذي نشأت به الفلسفة بشكل خاص .وذلك نتٌجة
لوحود أربعة طبقات هً العبٌد والعامة (الزراع والصٌادون) والطبقة الوسطى (الصناع
والتجار) وطبقة األغنٌاء (األسٌاد) وهً الطبقة الوحٌدة التً ٌحق لها أن تمتلك عبٌداً وكانت
تحتقر العمل و"فضٌلتها" كما ٌقول أرسطو هً التأمل والتفكٌر وهذا التماٌز هو الذي ساهم
بشكل أساسً بظهور الفلسفة وظهور الفكر السٌاسً المتطور الذي تمٌزت به الدول المدٌنٌة فً
المجتمع الٌونانً .فعلى الرغم من أن المجتمع الٌونانً كان مجتمعا ً ولٌداً إذا ما قورن بالمجتمع
الحضاري فً بالد الرافدٌن أو بالمجتمع الحضاري فً وادي النٌل ،إال أن هذٌن المجتمعٌن
(كما المجتمع فً فارس والهند) لم ٌنتجا إال فكراً أسطورٌا ً ودٌانات سحرٌة .أما الٌونان فقد أنتج
الفلسفة بشقٌها :الفكر المثالً متمثالً بأفكار أرسطو وأفالطون (رغم كونهما ٌعبّران عن نمطٌن
مختلفٌن للمثالٌة) ،والفكر المادي متمثالً بأفكار دٌمقرٌطس وأبٌقور واإلٌونٌٌن.
االختالف األساسً ٌتمثل فً نمط "دولة المدٌنة" الذي تمٌزت به الدول الٌونانٌة عن
"الدولة الممتدة" التً كانت سمت الدول فً المنطقة الحضارٌة الممتدة من الهند إلى مصر.
ودولة المدٌنة تمتاز فً أن تأثٌر الشرائح المتوسطة بٌن طبقة األسٌاد وطبقة العبٌد تأخذ بعداً
مؤثراً على السٌاسة العامة للدولة وعلى النشاط الذهنً المرافق لهذه السٌاسة .األسٌاد فً
المجتمع الٌونانً كانوا ٌرفضون العمل حتى ولو كان ضرب من التجارة ،مما أدى بهم إلى
التفرغ التام للمناظرات الذهنٌة الخالصة التً برزت خاللها الفلسفة .بٌنما األسٌاد فً المنطقة
العربٌة كانوا هم التجار وكان مفهوم العمل غٌر مرتبط بالعبودٌة ،ألن العبودٌة ترتبط فقط
بالعمل الجسدي القاسً بٌنما التجارة فهً عمل األسٌاد.
ٌرتبط هذا التصوّ ر عن إنتاج األفكار بشكل مباشر بوجهة نظر ماركس بقوله" :مهما
ٌكن فالفالسفة ال ٌظهرون كالفطرٌات من األرض؛ إنهم نتاج زمانهم ،وأمتهم ،حٌث األكثر
مالئمة ،واألكثر قٌمة والذي ٌحوي األحكام المضمرة هو الذي ٌكون فً أفكار الفالسفة .نفس
الروح التً تبنً سكك الحدٌد بأٌدي العمال ،تبنً المنظومات الفلسفٌة فً عقول الفالسفة.
فالفلسفة ال توجد خارج العالم ،كما أن الدماغ ال ٌوجد خارج اإلنسان ،إن لم ٌكن موجوداً فً
معدته .لكن الفلسفة توجد فً العالم من خالل الدماغ ،حتى قبل أن تقف على أرجلها ،بٌنما هناك
جوانب من العمل اإلنسانً األخرى موجودة عملٌا ً ولها جذور فً األرض حتى قبل أن تكون
9
موجودة فً "العقول".
واستمرت مرحلة العبودٌة لفترة امتدت منذ األلف الثانً قبل المٌالد إلى القرن الرابع
المٌالدي حٌن بدأت أول الدول تنادي بالتحول عنه على الرغم من استمراره بأشكال مختلفة
حتى القرن التاسع المٌالدي .وٌعتبر ماركس أن التحول نحو المجتمع اإلقطاعً كان تحوالً
ثورٌا ً قادته الدٌانة المسٌحٌة فً أوروبا.
المرحلة اإلقطاعية:
Karl Marx & F. Angles, On Religion, Progress Publisher, 1985, P. 28-29 8
6
لٌس من السهل تعرٌف المرحلة اإلقطاعٌة بسمات عامة ممٌزة عبر المناطق التً
انتشرت بها كما هً الحال مع المرحلة العبودٌة .لكن على المستوى االقتصادي ٌمكن القول أنه
كان هناك نمطان عامان لهذه المرحلة :نمط اإلقطاع الغربً ،ونمط اإلنتاج اآلسٌوي فً الشرق.
لقد انتبه ماركس إلى هذه الحقٌقة ومٌز بٌن النمطٌن لكنه ونظراً الهتمامه بالتطور االجتماعً
فً أوروبا فقد ركز على الشكل األول.
تتمٌز المرحلة اإلقطاعٌة بتالشً دور الدولة المركزٌة على صعٌد المقاطعات الداخلٌة،
بٌنما تبقى الشكل الذي ٌتوافق علٌه اإلقطاعٌو لتمثٌلهم خارج إطار الدولة .وتتمٌز أٌضا ً بظهور
طبقة من مالكً األراضً الكبار الذٌن ٌتكفلون بالسٌطرة على مقاطعاتهم داخل الدولة ،وٌسٌطر
أصحاب األراضً على األراضً ومن ٌعٌش علٌها .وٌتحول كل من ٌعٌش على هذه األراضً
إلى عامل لدى صاحب األرض .وهذا ٌستدعً ظهور الطبقة المسٌطرة وجود الطبقة النقٌض
فً التركٌبة الطبقٌة للمرحلة اإلقطاعٌة ،وهذه الطبقة هً طبقة "األقنان" ،أو "فالحوالسخرة"،
وهذه الطبقة تعبر عن مجموعة الفالحٌن الذٌن ٌعملون فً األرض مقابل حصة من اإلنتاج
الزراعً ،فٌما كان ٌعرف فً بالدنا "بنظام العشر" أو "نظام السدس" أي أن ٌحصل الفالح
مقابل عمله فً األرض على عشر المحصول أو سدس المحصول بٌنما ٌحصل اإلقطاعً على
باقً المحصول.
االختالف األساسً فً أوروبا عن الوضع فً المنطقة العربٌة أن األراضً كانت
للدولة ،والخلٌفة ٌمنح حق استغاللها ألمراء المناطق المختلفة وهم ٌوزعونها بما ٌرونه مناسباً.
ثم ٌوظف من ٌستغل األرض الفالحٌن للعمل فٌها ضمن نظام العشر وهكذا .وهنا تجدر اإلشارة
إلى أن مفهوم تثبٌت ملكٌات األراضً لم ٌدخل إلى المنطقة إال فً مرحلة متأخرة من الحكم
العثمانً وباألخص فً القرن التاسع عشر.
تمٌزت هذه المرحلة فً أوروبا بسٌطرة الفكر المسٌحً على كل مناحً الحٌاة.
ووصلت سٌطرة الكنٌسة على الممالك واإلمارات فً أوروبا إلى الحد الذي أصبح فٌه (بابا)
الفاتٌكان هو من ٌعٌن الملوك وقٌلهم .وقد وصفت هذه الرحلة بأنها عصر الظلمات.
لكن مجموعة من العوامل المتشابكة أدت إلى نهاٌة سٌطرة الكنٌسة .أول هذه العوامل
كان فشل الحمالت الصليبية فبعد أن حررت الجٌوش العربٌة بٌت المقدس بقٌادة صالح الدٌن
األٌوبً حاول األوروبٌون إرسال حملتٌن واحدة إلى فلسطٌن والثانٌة إلى مصر لكنهما فشلتا
فشالً كبٌراً ،أدى ذلك إلى زعزعة سٌطرة الكنٌسة ألنها كانت تدعى أن هذه الحروب هدفها
تحرٌر بٌت المقدس وكانت تجمع الضرائب لتجهٌز الجٌوش ،مما ساهم فً انتشار الفقر فً
المجتمع .العامل الثانً نتج عن التصدع الداخلي للكنيسة والذي تمثل بانفصال الكنٌسة
المسٌحٌة فً برٌطانٌا نتٌجة للخالف بٌن هنري الثامن والبابا ( 1532م)؛ والخالف الثانً فً
القرن الخامس عشر وتمثل فً حركة "االحتجاج والتصحٌح" كما سمٌت والتً نتج عنها تشكل
الكنٌسة البروتستنتٌة ( 1517م).
العامل الثالث نتج عن احتكاك الغرب مع العلم العربي اإلسالمي من خالل الدولة األموٌة
فً األندلس ،وأدى هذا االحتكاك بٌن الحضارة العربٌة اإلسالمٌة فً األندلس والحضارة
األوروبٌة إلى نقل المعرفة العربٌة غلى أوروبا على الرغم من أن الذٌن درسوا العلوم العربٌة
اإلسالمٌة تنكروا لهذا العلم خوفا ً من محاكم التفتٌش التً كانت تحرق وتحاكم كل من تجد عنده
كتبا ً بلغة "الكفر" (اللغة العربٌة).
وترافق مع انتقال العلوم العربٌة اإلسالمٌة إلى أوروبا نهضة علمٌة تكللت بالثورة
العلمٌة الكبرى وباالكتشافات الجغرافٌة وبانتقال صناعة الورق إلى أوروبا ،ومن ثم اختراع
اآللة الطابعة واختراع المانٌفكتورا .8هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تغٌٌر بنٌوي حقٌقً فً
المجتمعات األوروبٌة فقد ازدهرت الصناعة بشكل كبٌر ،مما دفع بالفالحٌن األقنان إلى ترك
7
األرض والتوجه إلى المدٌنة للعمل فً المصانع .وأدى هذا إلى تضخم المدن وتشكل طبقة
عاملة كبٌرة.
خلقت هذه التحوالت البٌئة المناسبة لنشوء الثورة البورجوازٌة والتً قادها التجار
والصناع وكان وقودها األساسً العمال فً المدن ،وانطلقت هذه الثورات فً برٌطانٌا عام
1696م ثم الثورة األمرٌكٌة عام 1776م وبعدها الثورة الفرنسٌة عام 1898م .وقد تكون
الثورة الفرنسٌة أكثر هذه الثورات تأثٌراً فً العالم لما ترافق معها من محاوالت تعمٌم الفكر
اللٌبرالً على مستوى جماهٌري واسع .فحركة "الموسوعٌون" فً فرنسا فً المرحلة التً
سبقت الثورة الفرنسٌة أخذت على عاتقها تبسٌط الفكر والمعرفة للعامة والوصول إلى اتفاق
حول المفاهٌم والمصطلحات بما ٌدعم النهج الدٌمقراطً .وقد ضمت حركة الموسوعٌٌن
مفكرٌن من مشارب عدة من اإلصالح الدٌنً إلى االشتراكٌة دون أن ٌجدوا ضٌراً فً التعامل
فٌما بٌنهم لما فٌه مصلحة الشعب والدولة الفرنسٌة .ولنتذكر هنا مقولة فولتٌر الشهٌرة" :قد ال
اتفق فً شًء مع ما تقوله ،ولكن ثق أننً مستعد للمحاربة حتى الموت ألضمن حقك فً أن
تقول ما ترٌد".
المرحلة الرأسمالية:
تتمٌز هذه المرحلة بسٌطرة الطبقة البورجوازٌة الصناعٌة والتجارٌة على الحكم ،بٌنما تعبر
الطبقة العاملة عن الطبقة النقٌض فً التركٌبة االجتماعٌة للمجتمع الرأسمالً .وقد قامت الثورة
البورجوازٌة على أساس رفع مجموعة من الشعارات السٌاسٌة المهمة "الحرٌة ،العدالة،
المساواة" ولكن الثورات البورجوازٌة عجزت عن تحقٌق هذه الشعارات وتوقفت فً تعمٌمها
للحقوق السٌاسٌة لألفراد دون أن تكون لهذه المفردات مردوداً اجتماعٌا ً أو اقتصادي.
ولذلك فالمجتمع الرأسمالً مجتمع استغالل طبقً ال ٌختلف كثٌراً عن مجتمعات
االستغالل الطبقً السابقة .فهو لم ٌقض على التناقضات بٌن الطبقات بل أقام طبقات جدٌدة محل
القدٌمة و اوجد ظروفا جدٌدة لالضطهاد .وما ٌمٌز المرحلة الرأسمالٌة هو فً وضوح التناقض
الطبقً بٌن طبقتٌن طبقة البورجوازٌة المسٌطرة وهً طبقة األقلٌة فً المجتمعات الرأسمالٌة،
والطبقة العاملة والتً تشكل الغالبٌة العظمة من المجتمعات اإلنسانٌة.
وتمٌزت المرحلة الرأسمالٌة بقدرتها على التحول والتأقلم مع الظروف المحٌطة بها.
فعلى سبٌل المثال تمكنت البورجوازٌة الغربٌة ،مع التغٌرات الكثٌرة على األصعدة االقتصادٌة
والسٌاسٌة واالجتماعٌة والتً فرضت نفسها بعد الحرب العالمٌة األولى ومع انتصار الثورة
الروسٌة ،كان من الضروري لها أن تعطً بعض التنازالت للطبقة العاملة بهدف تجمٌد
التحوالت السٌاسٌة والحفاظ بالتالً على مواقعها المسٌطرة سٌاسٌاً .ولذلك كان هناك تعدٌل فً
ما تقدمه هذه البرجوازٌات للطبقة العاملة من تأمٌنات صحٌة وتقاعد وغٌرها من االستحقاقات
االجتماعٌة التً بدأت باالنتشار فً العالم الغربً ولو بشكل محدود قبل الحرب العالمٌة الثانٌة
ولكن وبشكل واسع جداً بعد الحرب العالمٌة الثانٌة .وأتضح مع هذه التغٌٌرات طبٌعة
البرجوا زٌة المتمثلة فً قدرتها على تجدٌد ذاتها .فهً ال تستطٌع أن تستمر بالسٌطرة إال إذا
تمكنت بٌن الحٌن واآلخر من إدخال تغٌٌرات ثورٌة (نوعا ً ما) مستمرة على أدوات اإلنتاج،
وبالتالً على عالقات اإلنتاج ،وهذا ما سٌؤثر بالضرورة على العالقات االجتماعٌة برمتها.
ومؤخراً انتقلت السٌطرة على المستوى العالمً إلى قوى رأس المال المالً ،فلمسنا أنه
وبعد انهٌار المنظومة االشتراكٌة بدأت المجتمعات األوروبٌة بالتراجع التدرٌجً عن السٌاسات
التً انتهجتها خالل الفترة منذ نهاٌة الحرب العالمٌة األولى وحتى عام 1880م .كما أن
منجزات الدٌمقراطٌة التً ٌتغنى بها الغرب بدأت بالتراجع الشدٌد فً الدول الغربٌة تحت ذرٌعة
8
"محاربة اإلرهاب" فنجد أن منجزات أكثر من ثالث قرون معرضة الٌوم ألن تتهاوى مع مهب
الرٌح.
لذلك ٌمكننا أن نؤكد أن الدٌمقراطٌة بشكلها االجتماعً واالقتصادي وانتصارها فً
العالم هً الضمان الوحٌد للبشرٌة لتتمكن من الخروج من حالة البربرٌة المفروضة علٌها الٌوم.
فما ٌولد حاالت الكراهٌة والحقد والصدام هو الشعور الذي ٌنتاب شعوب العالم عندما ترى
وتلمس الفارق فً مستوى المعٌشة بٌنها وبٌن الدول المتقدمة وعندما ٌفرض علٌها مفاهٌم
المجتمع المدنً التً ال تخلصهم من قٌودهم بل أنها تزٌد من شعورهم باالغتراب.
فالمجتمع المدنً ودولة المؤسسات بشكلها البرجوازي وشعار "الجمٌع سواسٌة أمام
القانون" إنما هً الرداء الذي ترٌد الدٌمقراطٌة اللٌبرالٌة أن تلبسه علها تخفً ورائه بشاعة
صورتها .فعلى الرغم من زعم مجتمعات الدٌمقراطٌة اللٌبرالٌة أنها تحقق المكاسب االقتصادٌة
واالجتماعٌة لكل من ٌجهد نفسه وٌعمل من أجل الوصول إلى إمكانٌات اقتصادٌة تؤهله
للحصول على هذه المكاسب ،وهً تبرر موقفها هذا بالقول بأنه من غٌر المنطقً أن ٌحصل أي
كان على ما لم ٌعمل مقابله .والحجة المقدمة هنا حجة واهٌة جداً فمن المعروف أن من ٌحصل
على اإلرباح األكبر فً مجتمع كهذا هو من ٌسحب اللقمة من أفواه الجٌاع حول العالم.
إن مضار هذه المجتمعات ونواقصها واضحة لكل عاقل وأي مطلع ولو بشكل سطحً
على حقائق األرقام التً تقدمها الوكاالت الدولٌة عن األوضاع فً أفرٌقٌا وأمرٌكا الالتٌنٌة
وجنوب شرق آسٌا وشبه القارة الهندٌة عن مقدار الجوع والعوز والمرض فً هذه المناطق
باإلضافة إلى البطالة العالٌة والمتزاٌدة فً الدول الصناعٌة ٌدرك مدى فشل المجتمع المدنً فً
تحقٌق أي من حقوق اإلنسان التً تنادي مؤسساته بها .وعلى الرغم من أن المجتمع المدنً هو
بالتأكٌد حالة متقدمة على حالة المجتمع فً ظل التشرذم اإلقطاعً الذي كان ٌسود المجتمع
البشري قبله ،إال أنه وبال رٌب لم ٌستطع أن ٌحقق حتى شعاراته بالعدالة والحرٌة والمساواة.
فإن كانت ثنائٌة "السٌد-العبد" التً مٌزت المراحل ما قبل المجتمع المدنً قد زالت،
فإن المجتمع المدنً بتبنٌه دولة القانون ،حوّ ل هذه الثنائٌة إلى ثنائٌة غٌر مباشرة بٌن "العامل أو
الموظف" "ورب العمل" من خالل الجهاز القانونً والمؤسسً .فالقانون وإن ظهر منصفا ً فإنه
فً نهاٌة المطاف ٌخدم "رب العمل" .وعند دراسة الوضع الذي آل إلٌه المجتمع البشري فً
ظل المرحلة المتقدمة من تطبٌق المجتمع المدنً فً الدول الرأسمالٌة المتقدمة نجد اإلخفاقات
التالٌة:
10
أوال :حالة اإلغتراب ما زال "العامل" أو "الموظف" بشكل خاص والمواطن بشكل ً
عام ٌعٌش فً حالة اغتراب فً ظل التركٌبة االجتماعٌة االقتصادٌة القائمة ،بل أن حالة
االغتراب هذه قد تعمقت .وتنتج حالة االغتراب هذه من جملة من العوامل أهمها أن العامل أو
الموظف ٌكون ملزما ً من خالل دخوله إلى سوق العمل للخضوع إلى قانون العرض والطلب،
وبالتالً فهو ٌتحول بهذه العملٌة من كونه إنسانا ً إلى كونه سلعة عمل ٌبٌع قوة عمله لرب العمل
مؤسسة أو جهاز دولة) .وعند انخراطه فً آلٌة اإلنتاج وتحدٌدً (سوا ًء كان رب العمل فرداً أو
موقعه من عملٌة اإلنتاج ذاتها (بمفهومها العام)ٌ ،تحول مع الوقت إلى جزء من أداة اإلنتاج
ذاتها وهذه هً المرحلة الثانٌة من الشعور باالغتراب .وبتراكمٌة تأثٌر حالة االغتراب عند
األفراد فً المجتمع تتحول من كونها ظاهرة فردٌة للعامل الفرد إلى ظاهرة اجتماعٌة ٌشترك
فٌها السواد األعظم من القوى البشرٌة داخل المجتمع المدنً( .أنظر بهذا الصدد التحلٌل الرائع
فً مقالة ماركس "العمل المتغرب" فً مجموعة المخطوطات الفلسفٌة واالقتصادٌة لعام
)1944
ٌ 11جب أن أنوه هنا أن حالة المواطنةة لةم تصةلها الكثٌةر مةن شةعوب العةالم كمةا هةً الحةال فةً معظةم بلةداننا العربٌةة لألسةف ،فاإلنسةان
العربً ما زال ٌعتبةر جةزءاً مةن رعٌةة بلةد مةا ،ال مةواطن لتلةك البلةد والفةارق كبٌةر بةٌن المةواطنٌن والرعاٌةا .لكةن التحلٌةل أعةاله ٌحلةل
المجتمعات التً وصلت إلى المجتمع المدنً ال تلك التً تحاول الوصول إلٌه.
9
ثانٌاً :تفكك الروابط االجتماعية نتٌجة النعدام الثقة بالترابط االجتماعً ونتٌجة لتعمق
ظاهرة االغتراب االجتماعً نفسها التً ٌعٌشها المجتمع تتفكك الروابط االجتماعٌة .ومع هذا
التفكك تصبح المدٌنة متشكلة من مجموعات من الوحدات السكنٌة المتجاورة المتراصة لكنها
تعٌش حالة عزلة داخلٌة عن بعضها البعض .ومن خالل المحاوالت الناجحة نسبٌا ً للدولة
الحدٌثة لتفكٌك دولة الرفاه التً تمكن العمال من تحقٌقها خالل مرحلة الحرب الباردة
والمحاوالت القائمة والمستمرة لتفكٌك النقابات العمالٌة والمهنٌة ،تتضاءل الفرص لتوفر هٌاكل
اجتماعٌة قادرة على كسر حاجز العزلة .وٌتحول األفراد بالتالً إلى مستقبلٌن ٌتلقون ما تبثه
أجهزة األعالم المختلفة والمسٌطر علٌها من قبل الفئة المسٌطرة اجتماعٌا ً وهً الٌوم الرأسمال
المالً .وضمن هذه المعادلة ٌصبح االتصال االجتماعً الممكن لألفراد ٌنبع من مصدرٌن هما
وسائل اإلعالم المسٌطر علٌها وموقعة فً العملٌة االنتاجٌة .وهذا هو بالضبط أبشع شكل ممكن
لالستالب اإلنسانً ،أي عندما تصبح عالقة اإلنسان االجتماعٌة هً نفسها عالقته االغترابٌة.
ثالثاً :غياب العدالة االجتماعية ،حٌث ال ٌزال المجتمع المدنً فً غالبٌتهٌ ،عانً من
الفقر والظلم االجتماعً فالفوارق االجتماعٌة بٌن الطبقات تزداد وتتعمق ،وٌتحول الكثٌر من
الناس إلى حالة من البؤس الشدٌد فً ظل عدم توفر فرص عمل وارتفاع األسعار واألزمات
االقتصادٌة المتالحقة التً تسٌطر على مجرٌات التطورات االجتماعٌة فً العقود الماضٌة.
رابعاً :استمرار النزاعات والنعرات والصراعات :فما زال المجتمع المدنً ٌتمٌز
بالتطاحن بٌن مجتمع وآخر ،فما زالت الحروب سمة أساسٌة من سمات المجتمعات المدنٌة ،وما
زالت النعرات موجودة ،فإن كانت النعرات اإلقطاعٌة قد زالت (أو بطرٌقها إلى الزوال) فإن
النعرات القومٌة والعرقٌة والدٌنٌة ما زالت قائمة تطحن البشرٌة بحروبها التً تذكً نارها
وتحركها فً أكثر األحٌان القوى البرجوازٌة المتنفذة فً المجتمع المدنً.
المرحلة االشتراكية:
االنتقال من الرأسمالٌة إلى االشتراكٌة هو انتقال تدرٌجً خطوته األولى تحول السٌطرة
الطبقٌة سٌاسٌاً ،وأركز هنا على كلمة سٌاسٌاً ،إلى ٌد الطبقة العاملة بحٌث تستطٌع أن تستفٌد
"من سٌادتها السٌاسٌة لكً تنتزع بالتدرٌج من البورجوازٌة كامل رأس المال وتركز جمٌع
أدوات اإلنتاج فً ٌد الدولة [المتحولة] ،إي فً ٌد البرولٌتارٌا المنظمة بوصفها طبقة سائدة،
ولكً تزٌد القوى المنتجة بأسرع وقت ممكن" (اقتباس من البٌان الشٌوعً) .أي أن االنتقال كما
ٌراه ماركس هو انتقال تدرٌجً تكون خالله الطبقة العاملة هً الطبقة السائدة اجتماعٌا ً وبوجود
الطبقة البورجوازٌة التً ٌتم انتزاع رأس المال منها بالتدرٌج .والثورة هنا تكمن فً تحول
السلطة من سلطة البورجوازٌة إلى سلطة الطبقة العاملة.
فً البٌان الشٌوعً ارتأى ماركس أن ٌقترح برنامج النقاط العشرة التً ٌمكن أن تطبق
فقط فً الدول المتقدمة فً ذلك الوقت )1 :تأمٌم األرض والملكٌة العقارٌة وكل استئجار هدفه
المصلحة العامة )2فرض ضرٌبة دخل تصاعدٌة )3إلغاء حق التورٌث )4مصادرة أمالك
كل من هاجر أو ثار على الدولة العمالٌة )5تأمٌم البنوك )6تأمٌم وسائل المواصالت
واالتصاالت )7توسٌع ملكٌة الدولة للمصانع وأدوات اإلنتاج )9مساواة كل العمال )8توحٌد
الصناعة مع الزراعة لمحو الفوارق تدرٌجٌا ً بٌن المدٌنة والقرٌة )10التعلٌم المجانً لكل
األطفال .على الرغم من أن هذا البرنامج عمره اآلن أكثر من 150عاما ً إال أن النقاط التً لم
تطبق منه ما زالت تصلح ألن تكون ركائز لبرنامج معاصر.
من البرنامج المطروح أعاله نتلمس أن عملٌة تأمٌم الملكٌة الخاصة لوسائل اإلنتاج هً
عملٌة طولٌة المدى وتدرٌجٌة بالنسبة لماركس .بحٌث ٌتم مع استالم الطبقة العاملة للحكم تأمٌم
شبكات الموصالت ووسائل النقل العام وشبكات االتصاالت والكهرباء والبنٌة التحتٌة إضافة إلى
11
تأمٌم البنوك والملكٌة العقارٌة .أما تأمٌم الصناعة فال ٌتم بنفس الطرٌقة بل عن طرٌق خلق
منافسة حقٌقٌة وضمن آلٌات السوق ،أي ضمن آلٌات نمط اإلنتاج الرأسمالً ،بٌن المصانع
الرأسمالٌة التً ستستمر بالعمل وبٌن المصانع التً ستنشئها الدولة لمنافسة تلك المصانع .أي أن
تقوم الدولة العمالٌة بإنشاء مصانع حكومٌة منافسة للقطاع الخاص بحسب آلٌات السوق فً
العرض والطلب.
وهذه الخطوة ضرورٌة لنجاح االنتقال إلى نمط اإلنتاج االشتراكً والذي ٌحتاج إلى
عاملٌن مهمٌن هما )1عالمٌة النظام :أي أن تنتقل جمٌع دول العالم إلى هذا النظام الجدٌد أو أن
ٌكون هو النظام المهٌمن عالمٌا ً على األقل؛ و )2الوفرة :ولكً ٌتحقق عامل الوفرة ٌجب حسب
كلمات ماركس أن "تز ٌد القوى المنتجة بأسرع وقت ممكن" وهذا ٌستلزم بقاء شكل القوى
المنتجة المتطورة المتوفرة بالمجتمع إلى أن تتمكن القوى األكثر تطوراً والتً تنشئها الدولة
العمالٌة من توفٌر هذا العامل .أي ٌجب أن ٌصل اإلنتاج الصناعً إلى مرحلة متطورة جداً
تصبح معه إمكانٌة استغالل المصادر وتوزٌعها على آلٌات اإلنتاج سهلة وذات مردود اقتصادي
مرتفع ٌؤدي إلى وصول المجتمع المنتج إلى مرحلة من الرخاء االقتصادي المناسبة للتحول إلى
نمط اإلنتاج االشتراكً.
أما عن الطرٌقة التً ٌمكن خاللها معالجة االضطهاد واالستغالل للعمال من قبل
أصحاب المصانع الخاصة خالل المرحلة االنتقالٌة هذه فهذا ٌتم عن طرٌق التحوالت التً تقوم
بها الدولة العمالٌة على القوانٌن والتشرٌعات بحٌث تحولها من قوانٌن وتشرٌعات تخدم مصالح
الطبقة البورجوازٌة إلى قوانٌن وتشرٌعات تخدم مصالح الطبقة العاملة .وبالتالً ٌتم إرساء
أنظمة وقوانٌن تحافظ على حقوق العمال فً المصانع الخاصة لتتناسب مع حقوقهم فً المصانع
الحكومٌة .ثانٌا ً من خالل الضرٌبة التصاعدٌة على الدخول والتً ستضمن أن ال ٌتمكن صاحب
المصنع من مراكمة رأس مال ٌمكن أن ٌساعد على إعادة إنتاج المجتمع الرأسمالً مرة أخرى.
ولكن الدولة العمالٌة لكً تتمكن من المحافظة على نفسها ٌجب علٌها أن تتبنى المجتمع
اإلنسانً والذي ٌمكن لشرائح واسعة اجتماعٌا ً خالل المرحلة الحالٌة أن تدعم رفع هذا الشعار،
وعلى األخص فً ظل التعارض الذي بدأ ٌظهر بوضوح بٌن البورجوازٌة الصناعٌة ورأس
المال المالً .وتضم هذه الشرائح أٌضا ً مؤٌدي المحافظة على البٌئة واللٌبرالٌٌن الكالسٌكٌٌن،
والطبقات المتوسطة .وٌمكننا إذن أن نتخٌل عالما ً خالٌا ً من الصدام ،إذا ما تمكنت اإلنسانٌة من
التحول عن المجتمع المدنً إلى مجتمع أكثر إنسانٌة ٌتمٌز بتطبٌق النقاط العامة التالٌة:
أوالً :ضمان تطبيق الديمقراطية السياسية واالجتماعية واالقتصادية .وبالتالً التحقق
من إنجاز المهمة التً ادعت الدٌمقراطٌة اللٌبرالٌة أنها أنجزتها بتطبٌقها المجتمع المدنً.
ثانٌاً :السعي نحو إلغاء ثنائية "العامل – رب العمل" ،وذلك من خالل خلق آلٌات عمل
اجتماعٌة ٌشعر فٌها العامل بأنه لٌس جزءاً من أداة اإلنتاج بل جزءاً من المجتمع الذي ٌحرك
أدوات اإلنتاج ،وٌخلق بالتالً جواً من التنافس بٌن المؤسسات االجتماعٌة لإلنتاج والمؤسسات
الخاصة المملوكة ألرباب العمل ،إلى أن تفرض آلٌات التطور االقتصادي أسباب زوال
المؤسسات الخاصة.
ثالثاً :الوصول إلى عالقات فوق قومية ودينية بين المجموعات البشرية .بما أن اإلنسان
هو محور اهتمام المجتمع اإلنسانً فأن ٌكون هذا اإلنسان منتمٌا ً إلى دٌن معٌن أو قومٌة ما أو
عرق ما ،تصبح غٌر مهمة .ألن السٌطرة ال تتم هنا بٌن فرٌق قومً على آخر أو دٌن على آخر
بل تصبح العالقات فوق قومٌة وفوق دٌنٌة تربط الجنس البشري عبر المفاهٌم اإلنسانٌة األكثر
رقٌا ً والتً تشمل احترام التماٌزات الحضارٌة والثقافٌة بٌن الحضارات اإلنسانٌة المختلفة.
رابعاً :زوال أسباب الحروب والصراعات .بما أن هذه المفاهٌم اإلنسانٌة هً التً تحكم
تطور المجتمع اإلنسانً فمن البدٌهً زوال أسباب الحروب والصراعات.
خامساً :نهاية االغتراب .ضمن هذه اآللٌة الجدٌدة للعالقات االجتماعٌة داخل المجتمع
البشري ٌلغى االغتراب الذي كان ٌحكم حٌاة األفراد فً ظل المجتمع المدنً ،وٌقوم المجتمع
11
اإلنسانً بإتمام المرحلة التً لم ٌنجزها المجتمع المدنً من تحقٌق الحرٌة والعدالة والمساواة
بٌن أفراد المجتمع.
وفً حال انتقال المجتمع من حالته المدنٌة إلى حالته اإلنسانٌة تبدأ مالمح االلتقاء بٌن
ّ
التفوق لنقاط البشر بكل ثقافاتهم وحضاراتهم تسود فوق الصراعات الظاهرة وٌنتج عن هذا
االلتقاء تكوّ ن جسم حضاري ٌمكن تسمٌته "بالحضارة اإلنسانٌة" .وبما أن المجتمع اإلنسانً ال
ٌعطً األفضلٌة لحضارة ما فوق الحضارات األخرى – كما تحاول قوله اإلمبرٌالٌة وأبواقها
فإن الثقافات اإلنسانٌة واالهتمامات التراثٌة والتماٌزات بٌن الشعوب المختلفة تبقى قائمة ولكن
فً حالة حوار وانسجام ال حالة صدام وصراع.
المرحلة الشيوعية:
ٌختلف المجتمع الشٌوعً عن المجتمع الطبقً أٌا ً كان فً أن الثانً ٌحاول الفصل بٌن
العمل الفكري والعمل الجسدي ،بٌنما األول ٌمتاز بالقضاء على تقسٌم العمل ،ولذلك "ٌزول
التضاد بٌن العمل الفكري والعمل الجسدي ،وٌصبح العمل ،ال وسٌلة للعٌش وحسب ،بل الحاجة
األولى للحٌاة أٌضاً" 11.وعندها فقط ٌستطٌع اإلنسان أن ٌكون صٌاداً فً الصباح وعامالً فً
المساء.
بهذا الوصف ٌقدم لنا ماركس المجتمع الشٌوعً دون أن ٌحدد سماته االقتصادٌة أو
سماته الفعلٌة ،فهو ٌقول لنا أن هذا المجتمع لم ٌتحقق على أرض الواقع بعد ،وال ٌمكن تقدٌم
تصور تفصٌلً عن شًء لم تتضح معالمه .ولكن النقاط األساسٌة التً ٌقرها ماركس عن هذا
المجتمع تتمثل فً :اضمحالل الدولة وحلول مؤسسات التسٌٌر الذاتً االجتماعٌة مكانها .زوال
الطبقات وتحول المجتمع إلى طبقة اجتماعٌة عاملة واحدة .زوال االختالف بٌن العمل الذهنً
والعمل الجسدي .وٌمٌز بٌن الحالة االقتصادٌة فً المجتمع االشتراكً والحالة االقتصادٌة فً
المجتمع الشٌوعً على النحو التالً :فً االشتراكٌة تكون المعادلة" :من كل حسب طاقته ولكل
حسب عمله" بٌنما فً المجتمع الشٌوعً فتكون المعادلة" :من كل حسب طاقته ولكل حسب
حاجته" ،أي أن العمل ٌتحول لٌكون ضرورة للحٌاة ال وسٌلة عٌش.
11كارل ماركس وفردرٌك أنجلس ،المنتخبات ،مجلد ،3ج ،1دار التقدم ،موسكو ،1891 ،ص .16
12
فهً نقٌض للواقع .وبما أن للواقع تارٌخا ً فكان ضرورٌا ً لإلٌدٌولوجٌة ،كً تصل إلى هدفها فً
تعمٌة الواقع ،إما أن تفسر التارٌخ بشكل خاطئ وإما أن تغض النظر عن دراسته ،مما ٌؤدي
إلى القول بأن البشر اصطنعوا "باستمرار ،وحتى الوقت الحاضر ،تصورات خاطئة عن أنفسهم
نظموا عالقاتهم وفقا ً ألفكارهم .فلنحررهم ،إذن ،من وعن ماهٌتهم وعما ٌجب أن ٌكونوا .لقد ّ
12
األوهام واألفكار والعقائد والكائنات الخٌالٌة التً ٌرزحون تحتها" .
فهدف ماركس المعلن ،إذن ،تحرٌر البشر من األوهام واألفكار والعقائد والكائنات
الخٌالٌة .فإن كان ذلك هو الحال ،فكٌف ٌمكن له أن ٌقول بتبنً الطبقة العاملة نمطا ً جدٌداً من
التعمٌة والوعً الزائف؟
قد ٌقول بعضهم إن اإلٌدٌولوجٌة ما هً إال مجموعة األفكار التً تقوم على شكل نسق
ٌجمع خالله مفاهٌم حول األخالق ،الدٌن ،السٌاسة... ،الخ ،ضمن مفهوم تارٌخً معٌن (وأحٌانا ً
من دون هذا الفهم) .أقول إن هذا النسق حتى لو كان تارٌخٌا ً سٌكون أٌضا ً نوعا ً من الوعً
الزائف ،خصوصا ً إن كان النسق الفكري ٌتعاط بفهم هٌغلً مع البنى الفوقٌة من دون أن ٌنظر
إلى ما ٌؤثر فعالً على هذه البنى .فإن لم تكن هذه هً الحال ،فهل ٌمكن اعتبار نوع
اإلٌدٌولوجٌة التً تتعامل مع البنى الفوقٌة انطالقا ً مما ٌحدث فً العالم الموضوعً على أنها
لٌست وعٌا ً زائفاً؟
لإلجابة عن هذا السؤال علٌنا ابتدا ًء أن نسأل عن أي إٌدٌولوجٌة ٌجري الحدٌث،
وبالتالً أن نعاٌن طبٌعة هذه اإلٌدٌولوجٌة ،لرؤٌة ما إذا كانت تنظر إلى عالقة البُنى الفوقٌة
بالعالم الموضوعً فقط لكً تنتقً منه األغراض التً تخدم مصالحها اإلٌدٌولوجٌة .فإن كانت
فعالً تتعامل بموضوعٌة مع طبٌعة هذه العالقة ،فإننً أقول إن كان هناك أي احتمال لوجود مثل
هذه اإلٌدٌولوجٌة التً ال تحجب أجزاء من عالقة البنى الفوقٌة بالعالم الموضوعً ،وتتعامل مع
الحقائق باستخدام مقاربة علمٌة ،فإن مثل هذه اإلٌدٌولوجٌة ٌمكن أن ال تكون وعٌا ً زائفاً .ولكن
إذا افترضنا كل ذلك فإن النسق الذي نعاٌنه ال ٌعد نوعا ً من اإلٌدٌولوجٌة بل ٌشبه أن ٌكون نوعا ً
من العلم.
لم ٌصف ماركس أي نوع من اإلٌدٌولوجٌة على أنها "إٌدٌولوجٌة علمٌة" ،فهذا المفهوم
ٌحمل ،من وجهة نظره ،تناقضاً ،ألن اإلٌدٌولوجٌة ،كما ٌصفها ،تقلب الحقائق من أعلى إلى
أسفل ،بٌنما العلم ٌحمل معرفة حقٌقٌة عن العالم الموضوعً" ،حٌث ٌنقطع التخمٌن فً الحٌاة
الواقعٌةٌ ،بدأ ،إذن ،العلم الواقعً اإلٌجابًٌ ،بدأ تحلٌل النشاط العلمً ،تحلٌل عملٌة التطور
العملً للبشر .إن العبارات الجوفاء عن الوعً تنقطع ،وٌجب أن تح ّل معرفة واقعٌة مكانها".
فاإلٌدٌولوجٌة ،إذن ،بالنسبة إلى ماركس هً أٌضا ً نقٌض العلم" .وللعلم شقان" والتعامل
معهما ٌنطلق من فهم تارٌخهما وفهم جدلٌة العالقة بٌنهما .وبالتالً فالتارٌخ ٌدرس تارٌخ البشر
وتارٌخ العلوم الطبٌعٌة .فموضوعا العلم هما البشر والعلوم الطبٌعٌة .فإن كان تطور العلوم
الطبٌعٌة قد احتكم ،إلى حد كبٌر ،بموضوعٌة ،فإن دراسة تارٌخ وتطور المجتمع البشري لم
تلتزم بذات الموضوعٌة .فكما ٌقول ماركس فً "اإلٌدٌولوجٌة األلمانٌة" إن الفالسفة حتى ذلك
الوقت كانوا مهتمٌن بدراسة تارٌخ األفكار والمعتقدات ومهملٌن النشاط اإلنسانً ،والمهم فعالً
هو دراسة تارٌخ النشاط اإلنسانً والتطور االجتماعً" .فاألخالق ،والدٌن ،والمٌتافٌزٌقا ،وكل
البقٌة الباقٌة من اإلٌدٌولوجٌة ،وكذلك أشكال الوعً التً تقابلها ،تفقد فً الحال كل مظهر من
مظاهر االستقالل الذاتً .فهً ال تملك تارٌخاً ،ولٌس لها أي تطور ،لكن البشر الذٌن ٌطورون
إنتاجهم المادي وعالقاتهم المادٌة ،هم الذٌن ،إلى جانب وجودهم الفعلًٌ ،طوّ رون أفكارهم
ومنتجات فكرهم على السواء".
فإن كان العلم بشقه الذي ٌتعامل مع الطبٌعة قد تأسس ،فإنّ ماركس أراد أن ٌؤسس شق
العلم الذي ٌستطٌع أن ٌتعامل مع النشاطات اإلنسانٌة مثل التطورات االجتماعٌة والسٌاسٌة
13
واالقتصادٌة .وٌجب أن ٌتضمن هذا العلم آلٌات تطوره الذاتً ،بحٌث ٌكون قادراً ،تماماً ،كما
فً العلم الطبٌعً ،أن ٌعدل نظرٌاته عندما تلزم المعرفة المستقاة من العالم الحقٌقً هذا التعدٌل.
وٌصل ذلك إلى االستغناء التام ،وفً بعض الحاالت ،عن نظرٌة ما ،وحتى إن كانت هذه
النظرٌة هً "الماركسٌة التقلٌدٌة" بعٌنها .أستطٌع أن ا ّدعً أن ماركس ٌقبل هذه المجادلة ألنه
لم ٌفكر أبداً بنظرٌته على أنها خالدة ،كما فً الدٌن أو الدوغما.
فبعد أن نشر ماركس كتابه األول فً رأس المال بعث إلٌه أحد قادة الحركة العمالٌة فً
روسٌا القٌصرٌة برسالة ٌقول فٌها إن الكتاب كان ذا أهمٌة قصوى بالنسبة إلى حركته لكنه ال
ٌعتقد أن ما ورد فٌه من تحلٌل ٌنطبق على الوضع فً روسٌا .فأجابه ماركس أن مالحظته
صحٌحة تماماً ،فرأس المال ٌعالج التطور الرأسمالً فً صورته األكثر وضوحا ً فً برٌطانٌا.
وٌجب أن ٌعالج العمال الروس التطور االجتماعً عندهم بحسب ما ٌرونه من مقدمات فً
مجتمعهم .لذلك نجد أن ماركس قد شبّه عمله بعمل الفٌزٌائً فقال" :إن عالم الفٌزٌاء إما أن
ٌدرس الظاهرات الطبٌعٌة حٌثما تقع فً أكثر األشكال نموذجٌة وأكثرها خلوّ اً من المؤثرات
المشوشة ،أو أن ٌقوم ،حٌثما أمكن ،بإجراء التجارب فً شروط تؤمن حدوث الظاهرات
بصورة ال تشوبها شائبة .إن علىّ فً هذا المؤلف (رأس المال) دراسة نمط اإلنتاج الرأسمالً
وعالقات اإلنتاج والتبادل المطابقة له".
لكن على رغم التشابه فً عمل العالم بٌن عالم الطبٌعٌات وعالم التطور البشري ،فإن
ماركس ٌفرّ ق تماما ً بٌن طبٌعة كل من الموضوعٌن والتشابكات التً تبرز عند التعامل مع
العلوم اإلنسانٌة .ففً موقع آخر من رأس المال عندما ٌصف طبٌعة السلعة ٌقول" :بٌد أن
الضوء ،فً فعل الرؤٌةٌ ،سقط فعلٌا ً من شًء إلى شًء آخر ،من الجسم الخارجً إلى العٌن،
إنها عالقة فٌزٌائٌة بٌن شٌئٌن فٌزٌائٌٌن .أما مع السلع فاألمر ٌختلف .فوجود منتجات العمل
بشكل سلع ،وعالقة القٌمة بٌن هذه المنتجات التً تجعل منها سلعاً ،ال صلة لها الب ّتة
بالخصائص الطبٌعٌة للسلعة وال بالعالقات المادٌة الناشئة عن هذه الخصائص ،فهً ،هنا،
لٌست سوى عالقات اجتماعٌة محددة بٌن البشر تتخذ ،فً نظرهم ،شكالً خٌالٌا ً بصورة عالقة
بٌن األشٌاء".
إ ن علم تطور النشاط االجتماعً ٌعتمد على المقدمات المرتبطة بالمشاهدات والحقائق
الواردة فً المادة التارٌخٌة المتوفرة ،ومرتبطة بصورة أساسٌة باإلنسان كجزء من الطبٌعة
ونشاطاته المرتبطة باإلنتاج .لذلك ٌجب لهذا العلم أن ٌدرس البناء االجتماعً اإلنسانً الذي
ٌتبنى فً حلقة تطوره أنماطا ً معٌنة من اإلنتاج ،والتً تتغٌر تبعا ً لضرورات الطبٌعة اإلنسانٌة.
ولكل نمط من أنماط اإلنتاج مجموعة من القوانٌن المرافقة .والكتشاف هذه القوانٌن ٌجب أن
ندرس العالقات الداخلٌة للفاعلٌة اإلنسانٌة فً البناء االجتماعً داخل نمط اإلنتاج المنوي
دراسته.
ولذلك ،فإن الصعوبات تظهر عندما نحاول التعامل مع المقدمات التارٌخٌة أو كما
ٌضعها هو "وعلى العكس" فإن الصعوبة ال تبدأ إال حٌن ٌباشر فً دراسة هذه المادة
(التارٌخٌة) وتصنٌفها سواء كان المقصود عصر مضى وانقضى أم الزمان الحاضر ،وفً
تحلٌلها بصورة واقعٌة.
إذن لٌس هناك إطالق فً دراسة التارٌخ وفً دراسة العلوم اإلنسانٌة ،وبالتالً فإن
مفهوم "الحتمٌة التارٌخٌة" ٌصبح ذا معنى مختلف عن المعنى المتداول .فماركس عندما وضع
الشٌوعٌة لم ٌفكر بها على أنها نظام مٌتافٌزٌقً" :لٌست الشٌوعٌة بالنسبة إلٌنا أوضاعا ً ٌنبغً
إقامتها مثالً أعلى ٌنبغً للواقع أن ٌتطابق معه .إننا ندعو الشٌوعٌة الحركة الواقعٌة التً تلغً
األوضاع القائمة حالٌاً .وإن شروط هذه الحركةٌ ،جب أن تقرر هً نفسها وفقا ً للواقع المادي،
لتنتج عن المقدمات الموجودة فً الوقت الحاضر".
إذن إن لم تكن المقدمات ،وألي سبب من األسباب ،هً ذاتها التً عرفها ماركس فإن
النتٌجة التً استنبطها ماركس لن تكون نفسها .وقد أشارت إلى ذلك روزا لوكسومبورغ القائدة
14
العمالٌة لثورة 1818فً ألمانٌا (أي قبل سٌطرة المدرسة السوفٌتٌة على الفكر الماركسً) حٌن
قالت إن مصٌر البشرٌة أمام احتمالٌن :فإما االشتراكٌة وإما البربرٌة .وتدل مالحظتها هذه على
أن الفهم غٌر المدرسً للماركسٌة ٌضع التحول إلى المجتمع االشتراكً ،فالشٌوعً فً موضع
احتمالً ولٌس حتمٌاً ،بغض النظر إذا قبلنا االحتمالٌن اللذٌن اقترحتهما أو لم نقبل ،إذ أن صٌغة
االحتماالت تفٌد رفض "الحتم" كصٌغة دوغمائٌة تبتعد عن الفهم العلمً.
15