فلسفة ابن باديس التربوية بين الخصوصية الثقافية وعالمية القيم الإنسانية

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫فلسفة ابن باديس التربوية بين الخصوصية الثقافية وعالمية القيم اإلنسانية‬

‫األستاذ محمد عجوط‬

‫إن أول ماينبغي أن نذكر هو الشئ الذي عنه بحثنا ههنا والغرض الذي إليه قص دنا‪ .‬فأما الشئ‬
‫ال ذي عنه بحثنا فهو الفكر ال تربوي الباديسي وبي ان أساسه الفلس في‪ ،‬وغرض نا الكشف عن‬
‫استبطان ذلك المشروع التربوي لرؤية فكرية للجدلية بين الخصوصي والع المي‪ .‬ذلك ألنه إذا‬
‫كانت العولمة أمرا واقعا اليوم‪ ،‬وكان لزاما على الكثير من المجتمع ات السياس ية إع ادة النظر‬
‫في مسلماتها التربوية والثقافية واألخالقية بقصد التكيف والمشاركة في إنتاج الثقافة اإلنسانية‪،‬‬
‫وكان من الواجب على رجال التربية اليوم مراعاة القيم الجدي دة ال تي فرض تها الحي اة الراهنة‬
‫من جهة‪.‬‬
‫وألنه من جهة ثانية إذ ك انت الش عوب تختلف بمقوماتها ومميزاتها‪ ،‬وال بق اء ألمة إال ببق اء‬
‫مقوماتها ومميزاتها‪ ،‬وكانت تلك المقومات ضاربة في تاريخ األمة وماضيها‪ .‬ومن جهة ثالثة‪،‬‬
‫إذا كان عبد الحميد بن باديس في مجال التربية ي برز مربيا م اهرا‪ ،‬وك ان من الث ابت أنه «هو‬
‫الذي غرس الب ذرة األولى في التربة الجزائرية قبل الح رب العالمية األولى في (…) االتج اه‬
‫ال ذي س ارت فيه الجزائر(…) ابت داء من الثالثين ات‪ ،‬ورعاها بجه ده وعمله المتواصل في‬
‫ميدان حركة التربية والتعليم »(‪ ،)1‬وك ان حل مش كالت الحاضر واستش راف المس تقبل إنما‬
‫يتأسس في ج انب منه على مُعطي ات الم وروث الثق افي للمجتمع ؛ اتضح إذن أنه المن اص لنا‬
‫اليوم من استنطاق اإلرث الباديسي واس تقراء فلس فته التربوية بغية إيج اد حل لمش كلة العولمة‬
‫بما تحمله من دالالت الوحدة والش مولية وطمس ح دود المجتمع ات السياس ية وخصوص ياتها‬
‫الثقافية‪ ،‬ومسألة التربية ذات الصلة الوثيقة برؤية المُنظر لها للحياة واختالف أهدافها باختالف‬
‫المجتمع ات اإلنس انية‪ ،‬إذ الواقع أن «التربية هي الج انب العملي لكل فلس فة‪ ،‬فهي الوس يلة‬
‫الفعالة لتحقيق المُثل العليا ال تي ي ؤمن بها الفيلس وف‪ ،‬ومن هنا ك انت العالقة بين الفلس فة‬
‫والتربية عالقة تالزم » (‪.)2‬‬
‫ال جرم تس تبطن ه ذه المداخلة فرض يات ال نريد لها أن تبقى رهينة المُض مر الالمنط وق‪ ،‬بل‬
‫يتعين منذ البداية االرتقاء بها إلى مستوى المنطوق الصريح وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن ابن ب اديس يمتلك مش روعا تربويا متك امال‪ ،‬له منابعه الفلس فية‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬ومناهجه‬
‫ووسائله‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الفكر التربوي الباديسي فكر أصيل صادر عن مفكر واع بمتطلب ات التغي ير يجمع بين‬
‫مقتضيات األصالة ومُتطلبات المعاص رة‪ -3 .‬إن ذلك الفكر ال تربوي يمنح األولوية للمح دود‬

‫‪1‬‬
‫على الالمحدود‪ ،‬ويجعل ما هو ع المي متوقفا على ما هو خصوصي دون انغالق على ال ذات‪.‬‬
‫تلك هي الفرضيات التي تريغ هذه المداخلة إلى تأييدها‪ ،‬والتي تحدد محاور الورقة التي سنتقدم‬
‫بها إلى هذا الملتقى‪.‬‬

‫أوال‪ /‬مشروع ابن باديس التربوي‪:‬‬


‫إن عالم مقال هذه المداخلة هو الفلس فة ؛ ل ذلك لن نس هب في الح ديث عن المش روع ال تربوي‬
‫الباديسي من الناحية التقنية‪ ،‬فذلك أمر كفانا إياه الدكتور عمار الطالبي في مقدمته الهامة لكتاب‬
‫(ابن باديس حياته وآثاره)‪ ،‬والمرحوم األستاذ عبد الرحمان شيبان في تقديمه آلث ار اإلم ام عبد‬
‫الحميد ابن ب اديس في أجزائها األربعة‪ ،‬وال دكتور رابح ت ركي في مؤلف ات كث يرة‪ ،‬وال دكتور‬
‫محم ود قاسم في كتابه (اإلم ام عبد الحميد بن ب اديس ال زعيم ال روحي لح رب التحرير‬
‫الجزائرية)(‪ ،)03‬إلى غير ذلك من المقاالت في مختلف الدوريات والمواقع لباحثين آخرين‪.‬‬
‫ولكن ال مندوحة لنا‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬من اإلشارة إلى ما من شأنه أن يخدم غرضنا المُعلن عنه سلفا‪،‬‬
‫خصوصا إذا علمنا أننا أوال إزاء دع وى مفادها أن الفكر الباديسي مج رد نجم في فلك التي ار‬
‫السلفي‪ ،‬بما تحمله اللفظة األخيرة من دالالت االنغالق والتقليد وتقييد الفكر‪ ،‬مثلما أش اعه ذوو‬
‫التعميم ات ال تي ال تع دو كونها نت اج اس تقراء ن اقص ألق وال اآلخر‪ ،‬وبتزكية من خ زعبالت‬
‫المنتس بين إلى الس لفية دون معرفة أص لية أو علم أص يل‪..‬وثانيا ألننا أم ام اع تراض يعت بر‬
‫تصريح ابن باديس الذي يرسم فيه من ابع وأه داف مش روعه ال تربوي عن دما أعلن بأنه يعيش‬
‫لإلسالم والجزائر ﺒ «أن هذا ضيق في النظر‪ ،‬وتعصب للنفس‪ ،‬وقص ور في العمل‪ ،‬وتقص ير‬
‫في النفع‪ ،‬فليس اإلسالم وحده دينا للبشرية‪ ،‬وال الجزائر وحدها وطن إلنسان»(‪.)04‬‬
‫وسنرى أن فيما يلي ما يفند ذينك الزعمين‪:‬‬
‫‪ /1‬منابع المشروع التربوي الباديسي الفلسفية‪:‬‬
‫إن القول بوجود منابع فلسفية لمشروع ابن باديس التربوي‪ ،‬يلزم عنه ال زعم ب أن البن ب اديس‬
‫فلسفة‪ ،‬وهذا الذي نعتقده للمبررات التالية‪:‬‬
‫أ‪ /‬وجود بنية تحتية حُبلى بالمشكالت التي تستدعي إعمال الفكر وإيج اد الحل ول؛ فبعد س نوات‬
‫من االحتالل الفرنسي أُلحقت الجزائر بفرنسا إثر صدور مرس وم ‪ 22‬جويلية ‪ ،1834‬وأُبعد‬
‫الشعب الجزائري عن المشاركة في حكم بالده‪ ،‬وعرف تعداد السكان الجزائ ريين نقصا فادحا‬
‫بفعل حروب اإلبادة واألوبئة والمجاعات‪ ،‬وتدهورت أوض اعهم االقتص ادية بس بب مص ادرة‬
‫األراضي‪ ،‬وتفشت البطالة وتفتت األس رة الجزائرية‪ ،‬واألدهى من ذلك تخطيط االس تعمار‬
‫الفرنسي لمحو الشخص ية الجزائرية بتجميد اس تعمال اللغة الوطنية وتش ويه الت اريخ الوط ني‬
‫‪2‬‬
‫ومحاولة اقتالع الجزائر من واقع االنتماء اإلسالمي العربي‪ .‬تأسيسا على ذلك إن الفلسفة التي‬
‫ننس بها إلى ابن ب اديس تمثل البنية الفوقية ال تي فرض ها ذلك الواقع‪ ،‬والمش روع ال تربوي‬
‫الباديسي المُؤسس عليه يستوحي أهدافه ومراميه من حاجات الناس الراهنة‪ ،‬وله ذا فهو يتطلع‬
‫إلى المحافظة على الشخص ية الجزائرية بأبعادها‪ :‬اإلس الم‪ ،‬العروبة‪ ،‬االمازيغية‪ .‬ومقاومة‬
‫حركات التبشير وسياسة التنصير‪ ،‬وتحرير الفكر من البدع والخراف ات‪ ،‬والنه وض ب الجزائر‬
‫إلى مص اف الش عوب الراقية‪ ،‬ومقاومة سياسة اإلدم اج والتج نيس‪ ،‬والمحافظة على الوح دة‬
‫القومية للشعب الجزائري كما يصرح صاحبه بوضوح‪.‬‬
‫ب‪ /‬نحن الي وم‪ ،‬خالفا للتص ور النس قي الكالس يكي للفلس فة‪ ،‬نعت بر أي خط اب ح ول مش كلة‬
‫جزئية من مش اكل الحي اة أو مس ألة متخصصة من أب واب المعرفة ق وال فلس فيا‪ ،‬ونعد توما‬
‫االكويني وديكارت واسبنوزا وليبنتس وكيركج ارد وغ يرهم فالس فة رغم األص ول الالهوتية‬
‫الواض حة ألفك ارهم‪ ،‬فح ري بنا اعتب ار الخط اب الباديسي ق وال فلس فيا ال ي رى ص احبه ثمة‬
‫تعارضا بين العقل والنقل‪ ،‬ويحدد لكليهما علم مقاله‪.‬‬
‫ج‪ /‬وبالفعل‪ ،‬فالقانون األساسي لجمعية العلماء المسلمين عندما يعت بر في مادته الثانية اإلس الم‬
‫هو دين البش رية ال تي ال تس عد إال ب ه‪ ،‬ي برر األخذ بتلك المرجعية ب القول أن اإلس الم «يمجد‬
‫العقل ويدعو إلى بناء الحياة كلها على التفكير»‪ .،‬وفي وصاياه إلى المسلم الجزائري يقول ابن‬
‫ب اديس‪« :‬حافظ على عقلك فهو الن ور اإللهي ال ذي مُنحته لتهت دي به إلى طريق الس عادة في‬
‫حياتك»(‪.)05‬‬
‫د‪ /‬وخالفا لألش اعرة حيث العق ُل ال ي وجب تحس ينا أو تقبيح ا‪ ،‬والحسن هو ما حس نه الش رع‬
‫والق بيح على قياسه‪ ،‬ي رى ابن ب اديس أن العقل هو الحكم الفصل في معرفة الحسن والقبح‪،‬‬
‫و«أن ما أمرهم هللا به هو الحسن المحبوب وأن ما نهاهم عنه هو القبيح المبغوض‪ ،‬فعلم وا من‬
‫ذلك أن أوامر الشرع ونواهيه هي على مقتضى العقل الصحيح والفط رة الس ليمة‪ ،‬وأنه تع الى‬
‫ال ي أمر بق بيح وال ينهى عن حسن»(‪ ،)06‬وه ذا موقف المعتزلة والق ائلين بموض وعية القيم‬
‫ومطلقيتها‪ ،‬ومن ثم عالميتها وثباتها ك أفالطون وكانط ولوس ين وم اكس ش يلر ونيك وال‬
‫هارتمان‪.‬‬
‫ﻫ‪ /‬وإذا ك ان ال ذين يتطلع ون الي وم إلى محاربة رواد الفض اء بالعصي والس يوف‪ ،‬ومجابهة‬
‫آليات العولمة باختالق قصص الخوارق‪ ،‬ومواجهة مد الشوملة بالتعاويذ كحال القب وريين أي ام‬
‫ابن باديس يرفضون االرتباط الض روري بين العلل والمعل والت ؛ ف إن ابن ب اديس يق ول عند‬
‫تفسيره قوله تع الى ﴿كال نمد ه ؤالء وه ؤالء من عط اء ربك وما ك ان عط اء ربك محظ ورا﴾‬
‫(اإلسراء ‪« :)20‬إن أسباب الحياة والعمران والتقدم فيهما مبذولة للخلق على السواء‪ ،‬وأن من‬
‫تمسك بسبب‪ ،‬بلغ بإذن هللا إلى مس ببه س واء أك ان ب را أم ف اجرا‪ ،‬مؤمنا أو ك افرا (…) وه ذا‬
‫مُشاهد في تاريخ المسلمين قديما وحديثا فقد تقدموا حتى سادوا العالم ورفعوا علم المدنية الحق‬
‫‪3‬‬
‫بالعلوم والص نائع لما أخ ذوا بأس بابها (…) وقد ت أخروا ح تى ك ادوا يكون ون دون األمم كلها‬
‫بإهمال تلك األسباب »‪)07(.‬‬
‫ذلك نزر قليل من فلسفة ابن باديس‪ ،‬مما يسمح المقام بذكره‪ ،‬وبين أن مج ال التفلسف الباديسي‬
‫هو عالم القيم حيث للرجل مواقف سياس ية وتحليالت تربوية وتنظ ير أخالقي ة‪ ،‬ولعله من نافلة‬
‫القول التذكير بأن رأي الفيلس وف في القيم إنما هو ت ابع لنظرته في الوج ود وطبيعة اإلنس ان‪،‬‬
‫والبن باديس ثمة آراء هي بحاجة إلى البحث من المختصين في الفلسفة‪ /2 .‬موضوع التربية‪،‬‬
‫وسائلها ومجالها‪:‬‬
‫يق ول ابن ب اديس في وص يته للمس لم الجزائ ري‪ «:‬كن عص ريا في فك رك وفي عملك وفي‬
‫تجارتك وفي صناعتك وفي فالحتك وفي تمدنك ورقيك»(‪ .)08‬ولنجعل نحن من هذا المقتبس‬
‫مبدءا نعود إليه عند الخالف في الحديث عن فكر ابن باديس ‪ ,‬ومقدمة نستنبط منها مايلي‪:‬‬
‫أ‪ /‬إن التربية عند ابن باديس ال تقتصر على المدرسة وحدها‪ ،‬نعم ي ولي الرجل للمدرسة والعلم‬
‫أهمية كبرى ويقرر أن «العلم قبل العمل ومن دخل في العمل بغ ير علم ال ي أمن على نفسه من‬
‫الضالل» (‪ ،)09‬ولكنه يؤكد من جانب آخر أن « للجمعية نيات أخرى تنوي أن تق وم بها في‬
‫المستقبل إن شاء هللا‪ ،‬تنوي أن تبعث البعثات العلمية إلى الخارج وتس عى جه دها في تحقيق ما‬
‫ينص عليه قانونها األساسي من تأس يس المص انع»(‪ ،)10‬ويص رح‪« :‬إننا نريد للمس لمين‬
‫(الجزائريين) أن يبلغوا في المع ارف‪ ،‬والفالحة‪ ،‬والتج ارة‪ ،‬والص ناعة إلى مس توى إخ وانهم‬
‫الفرنساويين»(‪.)11‬‬
‫ب‪ /‬يلزم عن ذلك أن مجال التربية عنده يتسع ليشمل شخصية الفرد ككل متكامل تبعا لرأيه في‬
‫طبيعة اإلنسان محور التربية‪ ،‬والعملية التربوية تس تغرق الطفل والمدرسة والمجتمع‪ .‬وبالفعل‬
‫فالتربية من حيث هي أداة لنهضة األمة ينبغي أن تعت ني ب الفكر «ه ذه الق وة ال تي ك ان بها‬
‫اإلنسان سيد العالم‪ ،‬وس يطر على عناصر الم ادة وأن واع األحي اء»(‪ ،)12‬والغرائز إذ «ليس‬
‫اإلنس ان مطبوعا على الخ ير فق ط‪ ،‬وال على الشر فقط (…) ونهضة ه ذه الغرائز بمقاومة ما‬
‫فيه من أصول الشر‪ ،‬وإنماء ما فيه من أصول الخ ير»(‪ ،)13‬والعقائد ال تي «كث يرا ما تك ون‬
‫متلقاة بطريق التسليم والتقليد‪ ،‬وكثيرا ما تنطوي حينئذ على باطل وفساد»(‪ ،)14‬واألعمال «‬
‫وهي مبنية على ماعن ده من فكر وغرائز وعقائ د‪ ،‬ف إذا ك انت ه ذه مس تقيمة ك انت أعماله‬
‫مستقيمة»(‪.)15‬‬
‫ج‪ /‬بناء على ما سلف‪ ،‬سلك ابن باديس كل وسيلة متاحة يومئذ لبل وغ مراميه ؛ أدرك خط ورة‬
‫وس ائل اإلعالم والص حافة باعتبارها وس يلة للتوعي ة‪ ،‬فأص در جري دة المنتقد‪ ،‬والش ريعة‪،‬‬
‫والس نة‪ ،‬والص راط‪ ،‬والبص ائر‪ ،‬والش هاب‪ .‬وأنشأ الم دارس والمعاهد كالج امع األخضر‪،‬‬
‫ومدرسة التربية والتعليم‪ ،‬ومعهد ابن ب اديس في قس نطينة‪ ،‬ودار الح ديث في تلمس ان‪ .‬وق ام‬

‫‪4‬‬
‫بالوعظ واإلرشاد بقصد االتصال مباشرة مع الجماهير‪ .‬د‪ /‬فيما يتعلق بالمضامين أو المحت وى‬
‫الذي يشكل مواد النشاط التعليمي كوجه من وجوه العملية التربوية‪ ،‬يرى ابن باديس أن الم واد‬
‫التي ينبغي إدراجها ضمن المنهاج التعليمي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة القرآن والحديث وما يتصل بهما من علوم‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة العقائد والعلوم الشرعية‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة المواد االجتماعية كاألخالق والتاريخ والجغرافيا‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة المواد التي تنمي القدرة على االستدالل كالمنطق والحس اب والهندسة والفلك وعل وم‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫وينبغي أن نالحظ هنا‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪ :‬إن إدراج المواد الثالث األولى نابع من موقف ابن باديس من مس ألة الهوية‬
‫الوطنية‪ ،‬ولنس مي ذلك من جهة أخ رى حتمية تربوية في مواجهة سياسة فرنسا ذات األربع‬
‫زوايا‪ :‬التفق ير‪ ،‬التجهيل‪ ،‬التنص ير‪ ،‬والفرنسة‪ .‬وألن النظ ام ال تربوي في كل مجتمع هو م رآة‬
‫ثقافة هذا المجتمع‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪ :2‬ال يع ني البتة ذلك الثبت للمحت وى التعليمي أن ص احبه يهمل اللغ ات‬
‫األجنبية‪ ،‬وال تعني مقاومته للفرنسة رفض الفرنسية كلغة صانعة للحضارة‪ ،‬فابن باديس بعدما‬
‫يعت بر اللغة العربية والفرنس ية لغت ان متآخيت ان في القطر الجزائ ري وض روريتان لس عادة‬
‫القطر‪ ،‬يقول في العدد ‪ 47‬من مجلة الشهاب الصادرة في ‪ 16‬أوت ‪« :1926‬إن الذي يحمل‬
‫علم المدنية العص رية الي وم هو أوروبا‪ ،‬فض روري لكل أمة تريد أن تس تثمر تلك العق ول‬
‫الناض جة وتكتنه دخائل األح وال الجارية‪ ،‬أن تك ون عالمة بلغ ات أوروبا‪ ،‬وكل أمة جهلت‬
‫جميع اللغ ات الغربية‪ ،‬فإنها تبقى في عزلة عن ه ذا الع الم‪ ،‬مطروحة في ص حراء الجهل‬
‫والنسيان من األمم المتقدمة التي تتقدم في هذه الحياة بسرعة لم يسبق لها مثيل»(‪.)16‬‬
‫المالحظة الثالثة‪ :‬وإذا اعتبرنا المواد الدراسية الثالث األولى من العلوم النقلية‪ ،‬والمواد الثانية‬
‫علوما عقلية؛ ثبت ماذكرناه سلفا عند الحديث عن فلسفة ابن باديس من جهة‪ ،‬ومن جهة أخ رى‬
‫تأكد أنه ال يحصر العلم فيما هو ش رعي‪ ،‬وليس أدل وأبلغ في التعب ير عن ه ذه الداللة من قوله‬
‫موص يا المس لم الجزائ ري‪ « :‬اح ذر كل متعيلم يزه دك في علم من العل وم‪ ،‬ف إن العل وم كلها‬
‫أثمرتها العقول لخدمة اإلنسانية ودعا إليها الق رآن باآلي ات الص ريحة‪ ،‬وخ دم علم اء اإلس الم‬

‫‪5‬‬
‫بالتحسين واالستنباط ما عُرف منها في عهد مدنيتهم الشرقية والغربية حتى اعترف بأستاذيتهم‬
‫علماء أوروبا اليوم»(‪.)17‬‬

‫ثانيا‪ /‬مشروع ابن باديس التربوي وأولوية الخصوصي‪ 2‬المحدود‪:‬‬


‫لم يكن القصد مما سلف عرضُ المش روع ال تربوي الباديسي كغاية في ذاته مثلما أومأنا‪ ،‬وإنما‬
‫استنباط رأي له من مسألة األصالة والمعاصرة يُعتب ُر في نظرنا تمهيدا ضروريا لولوج قض ية‬
‫الموقف من مشكلة العولمة‪.‬‬
‫‪/1‬التربية‪ 2‬والمحافظة على الشخصية القومية‪:2‬‬
‫يالحظ ابن باديس أن المجتمعات تتباين بمقوماتها‪ ،‬وبالتالي تتنوع ثقافاتها‪ ،‬بمعنى أنه ال وجود‬
‫لثقافة إنسانية‪ ،‬وإنما هناك ثقافات إنسانية على حد قول (كلود ليفي ستراوس)‪ ،‬وال جرم يُخ ول‬
‫لنا ذلك القول في المقابل بأنه ال وجود لمجتمع إلنساني واحد‪ ،‬وإنما هن اك مجتمع ات إنس انية‪،‬‬
‫إذ الشعوب تختلف «بمقوماتها ومميزاتها كما تختلف األفراد‪ ،‬وال بقاء لشعب إال ببقاء مقوماته‬
‫ومميزاته كالشأن في األف راد‪ ،‬فالجنس ية القومية هي مجم وع تلك المقوم ات وتلك المم يزات‪.‬‬
‫وه ذه المقوم ات والمم يزات هي اللغة (…) والعقي دة (…) وال ذكريات التاريخية (…)‬
‫والشعور المشترك بينه وبين من يشاركه في ه ذه المقوم ات والمم يزات»(‪ .)18‬مثلما يق رر‬
‫ابن باديس‪.‬‬
‫بن اء على ذلك وج دنا المش روع ال تربوي الباديسي ي ولي أهمية ك برى لدراسة العقي دة واللغة‬
‫والتاريخ‪ ،‬وكان عم ُل الرجل من أجل المحافظة على الشخصية القومية من أهم أه داف حركته‬
‫التربوية‪ ،‬ذلك ألنه ال يمكن للمجتمع أن يحافظ عل بقائه ال روحي المعن وي إال عن طريق‬
‫المحافظة على مقوماته وتراثه الثق افي‪ ،‬تماما مثلما يحافظ على بقائه ال بيولوجي الم ادي‬
‫بواسطة التناسل‪.‬‬
‫‪ /2‬التربية ومالئمة‪ 2‬روح العصر‪:‬‬
‫ولكن ال تع ني المحافظة على الشخص ية القومية التمسك ب التراث الق ديم بحس ناته وس يئاته‬
‫بدعوى أنه أساس األصالة‪ ،‬ولئن ك ان ابن ب اديس قد ق ام « بال دعوة إلى ما ك ان عليه الس لف‬
‫الص الح»(‪)19‬؛ فإنه يق رر أن الثقافة الجدي دة ال تن افي اإلس الم الص حيح‪ ،‬وال تتع ارض مع‬
‫مقومات الجنسية القومية كما يسميها‪ ،‬من هنا يخاطب المسلم الجزائري ب القول‪ « :‬حافظ على‬
‫حياتك‪ ،‬وال حي اة لك إال بحي اة قومك ووطنك ودينك ولغتك وجميل عاداتك‪ ،‬وإذا أردت الحي اة‬
‫لهذا كله‪ ،‬فكن ابن وقتك‪ ،‬تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناس به من أس باب الحي اة وط رق‬
‫المعاشرة والتعامل»(‪.)20‬‬
‫‪6‬‬
‫وهكذا يخلص إلى رأي يتجاوز دعاة األصالة دون االلتف ات إلى المعاص رة وأص حاب الرؤية‬
‫الحداثية على حس اب الماض ي‪ ،‬واض عا ش روط األخذ ب األمرين‪ ،‬مؤك دا « إنما ينفع المجتمع‬
‫اإلنس اني وي ؤثر في س يره من ك ان من الش عوب قد ش عر بنفسه فنظر إلى ماض يه وحاله‬
‫ومستقبله‪ ،‬فأخذ األصول الثابتة من الماضي‪ ،‬وأصلح شأنه في الحال‪ ،‬ومد يده لبناء المس تقبل‪،‬‬
‫يتن اول من زمنه وأمم عص ره ما يص لح لبنائه‪ ،‬مُعرضا عما ال حاجة له به‪ ،‬أو ما ال يناسب‬
‫شكل بنائه الذي وضعه على مُقتضى ذوقه ومصلحته»(‪)21‬‬
‫‪ /3‬من الخصوصية الثقافية إلى عالمية القيم اإلنسانية‪:2‬‬
‫ومثلما قضية القديم أو األصالة والحديث أو التقدمية والمُفاض لة بينهما ش غلت ب ال المفك رين‪،‬‬
‫يبدو أن قضية العولمة هي األخرى قد قس مت ال رأي منها إلى ش طرين‪ .‬وس واء أك انت هن اك‬
‫عولمة حسنة وأخ رى س يئة‪ ،‬أم ك انت كلها حس نة أو كلها س يئة ؛ فإننا ن ذهب إلى التمي يز بين‬
‫العولمة والعالمية‪ ،‬وذلك على أساس أن األولى ماهي إال شكل بلغه تطور االقتصاد الرأس مالي‬
‫بعد التطور المث ير للتقني ات الجدي دة لإلعالم واالتص ال‪ ،‬وعقب انهي ار االقتص اد االش تراكي‬
‫المُوجه وس قوط ج دار ب رلين‪ .‬والحقيقة ال تي ت تراءى لنا الي وم إثر ما ُي دعى ربيعا عربيا أن‬
‫العولمة إنما هي التقاء أفكار اقتصادية رأسمالية متوحشة وفوضوية سياسية ال تختلف عن تلك‬
‫ال تي ن ادى بها الروسي ميكائيل ب اكونين (‪ ،)1814/1876‬إذ أن مص ير الدولة في ظل‬
‫العولمة هو الزوال واالضمحالل أمام الس لطة المطلقة للس وق‪ ،‬وب األحرى أم ام جشع أقط اب‬
‫العولمة من البنك يين والص ناعيين ال ذين تتض من إي ديولوجيتهم الح رب كما يحمل الغيم‬
‫المطر‪.‬وكلتاهما – الراسماية المتوحشة والفوضوية – ال تعير القيم األخالقية أدنى اهتم ام‪ .‬أما‬
‫العالمية فهي على النقيض تجمع الناس في مس توى القيم والمثل اإلنس انية‪ ،‬كما تطلع إليه كانط‬
‫في مشروعه نحو سالم دائم‪ .‬هذا‪ ،‬ويبدو أن ابن باديس يأخذ بفكرة العالمية المُشار إليها‪ ،‬وليس‬
‫بفكرة العالمية كمذهب من يقدمون حب اإلنس انية على حب ال وطن ك الرواقيين ال ذين يس مون‬
‫أنفسهم مواطنين عالميين (‪ .)Citoyens du monde‬وبالفعل‪ ،‬فهو يعلن «أن خدمة اإلنس انية‬
‫في جميع ش عوبها والح دب عليها في جميع أوطانه ا‪ ،‬واحترامها في جميع مظ اهر تفكيرها‬
‫ونزعاتها‪ ،‬هو مانقصد ون رمي إليه‪ ،‬ونعمل على تربيتنا وتربية من إلينا عليه»(‪ ،)22‬وهو‬
‫به ذا يجعل من أه داف التربي ة‪ ،‬فضال عما تمت اإلش ارة إليه فيما يتعلق بما هو خصوصي‬
‫وطني‪ ،‬خدمة اإلنسانية ونشر محبتها بين مريديه‪ ،‬ويحث المس لم الجزائ ري على نبذ التعصب‬
‫الجنسي الممقوت‪ ،‬والحذر من التوحش‪ ،‬ويوصي باإلحسان واألخ وة مع كل جنس من أجن اس‬
‫البشر‪ ،‬وانته اج سياسة الص دق والص راحة القائمة واإلخالص القائمة على الحب والعمل‬
‫والتعاون(‪.)23‬‬
‫ولكن إذا كان ابن ب اديس يجعل خدمة اإلنس انية ومحبتها ه دفا‪ ،‬وفي المقابل يجعل من غاي ات‬
‫العملية التربوية إع داد الف رد الجزائ ري للحي اة عقليا واجتماعيا وأخالقيا واقتص اديا‪ ،‬وك ذا‬

‫‪7‬‬
‫النهوض بالوطن إلى مستوى التجمعات البشرية الراقي ة‪ ،‬والمحافظة على الشخص ية الوطنية‪،‬‬
‫وإعداد نشء يأخذ للحياة سالحها ويخوض الخطوب وال يهب ؛ فإنه في الحقيقة يجعل األولوية‬
‫واألولية للفئة الثانية من الم رامي‪ ،‬أي تلك األه داف ال تي تخ دم مجتمعة ال وطن‪ ،‬وه ذا دون‬
‫االنغالق على الذات أو إنكار الهدف اإلنس اني الع ام‪ ،‬إذ أن خدمة ال وطن ومحبته ُتعت بر خدمة‬
‫ومحبة لإلنسانية‪.‬‬
‫ذلك ألن تلك «الدائرة اإلنسانية الواس عة ليس من الس هل التوصل إلى خ دمتها مباش رة ونفعها‬
‫دون واسطة‪ ،‬فوجب التفكير في الوسائل المُوصلة إلى تحقيق هذه الخدمة وإيصال هذا النفع»(‬
‫‪ ،)24‬مثلما يعلل ابن باديس تقديم الخصوصي المحدود على الع المي الالمح دود‪ ،‬وب ذلك فهو‬
‫عندما قرر خدمة الوطن واإلسالم الذاتي‪ ،‬وليس اإلس الم ال وراثي ال ذي يؤخذ ب دون نظر وال‬
‫تفكير والمبني على الجمود والتقليد؛ فألن في خدمة اإلسالم ال ذي ي دعو إلى األخ وة اإلنس انية‬
‫بين جميع البشر كما ي دعو إلى األخ وة اإلس المية‪ ،‬ويس وي في الكرامة والحق وق بين جميع‬
‫األجناس واأللوان‪ ،‬خدمة غير مباشرة لإلنسانية‪ .‬وه ذا ال ذي ي ذهبُ إليه ابن ب اديس ذهب إليه‬
‫حكيم الص ين (كونفوش يوس )‪ ،‬ال ذي أعطى للتربية ال ُخلقية عن طريق التعليم مكانة رفيع ة‪،‬‬
‫وذلك لما قرر أ ّنه إذا أردنا نشر خير الفضائل بين البشر؛ وجب فعل ذلك على مس توى ال وطن‬
‫أوال(‪ .)25‬وكذلك الفيلسوف األلماني (كانط) الذي نادى بالعالمية في كتابه ( نحو س الم دائم‪،‬‬
‫محاولة فلس فية ) س نة ‪ ،1595‬وفيه ق رر أن كل أمة في الع الم لها الحق في تقرير المص ير‪،‬‬
‫وأنه ال يجوز أليّة دولة أن تتدخل في نظام أو حكم دولة أخرى‪.‬‬

‫النتائج‪:‬‬
‫إلى هنا يمكن أن نس تنتج أن ابن ب اديس يمتلك فعال مش روعا تربويا متك امال‪ ،‬وإذا ك ان من‬
‫العبث أن نعيب على الس مكة ع دم الق درة على العيش خ ارج الم اء؛ فال يُعق ُل أن نحكم على‬
‫األفكار خارج سياقها وإطارها التاريخي‪ ،‬إذ المفكر ال يخرج إلى الوجود كما تنبت الفطريات‪،‬‬
‫وإنما هو نت اج عص ره وعص ارة مجتمعه‪ .‬ورغم ذل ك‪ ،‬تؤكد لنا الق راءة الس الفة أن الفكر‬
‫التربوي الباديسي فكر أصيل صادر عن مفكر واع بمتطلبات التغي ير‪ ،‬م درك للتق دم الحاصل‬
‫في الحاضر بس رعة لم يس بق لها مثي ل‪ ،‬وعليه ف األمم ال تي ال ت واكب التط ورات الراهنة في‬
‫صياغة مشاريعها التربوية بها ال يتعارض ومقوماتها تبقى رهينة الجهل والنسيان‪.‬‬
‫وابن باديس فيلسوف يتجه وجهة عقالنية تؤمن باالرتب اط الض روري بين العلل والمعل والت‪،‬‬
‫وتعتقد أن للعقل الق درة على إدراك القيم الكامنة بص ورة موض وعية في األفع ال واألق وال‪،‬‬
‫وت رى أن اإلنس ان ليس خ ّي را بطبعه كما ي زعم (روسو)‪ ،‬وال ش ريرا بجبلّته كما ي ذهب إليه‬
‫(هوبز) و(ميكيافيلي)‪ ،‬وإنما هو يحمل االستعداد لفعل الخير والشر معا كما قرر (كانط)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وفلسفة ابن ب اديس ال تي يتأسس عليها مش روعُه ال تربوي تنطلق من الواقع ومتطلباته‪ ،‬ومثلما‬
‫صاغ صاحبها النظريات سعى جه ده في العمل لتط بيق المش روع وبل وغ الم رامي والغاي ات‬
‫المُتوخاة‪ ،‬بعيدا عن الحلول المُغرقة في التجريد‪ ،‬ولذلك أتت أُكلها وأينعت ثمارُها‪.‬‬
‫وموقف ابن باديس في مسألة الصلة بين الخصوصي والعالمي يستبطن منطقا يتج اوز ق وانين‬
‫التداخل مثلما نص عليها المنطق القديم‪ ،‬حيث مايصدق على الكل يص دق على جميع األج زاء‬
‫بالضرورة‪ ،‬ذلك ألن المنطق المعاصر يقرر فساد هذا القانون مادامت القض ية الكلية تف ترض‬
‫الوجود‪ ،‬بمعنى أنها تنص على أنه إذا افترضنا ك ذا س واء ك ان موج ودا أو غ ير موج ود فإنه‬
‫ك ذا‪ ،‬بينما الجزئية تق رر الوج ود‪ ،‬أي أنها تنص على أنه يوجد على األق ّل ك ذا وهو يتصف‬
‫بكذا‪ ،‬ومنه ال يجوز االنتقال من الفرض إلى التقرير الوجودي‪.‬‬
‫يتضح أن موقف ابن باديس الذي يمنح األولوية واألولية للمحدود‪ ،‬ويجعل ماهو ع المي متوقفا‬
‫على ماهو خصوصي صحيح من وجهة نظر المنطق المعاصر صوريا‪ ،‬بل وهو صادق ماديا‬
‫للمثال الباديسي الذي سنختم به م داخلتنا باللغة الطبيعية‪ ،‬وذلك ح ّتى وإن قُوبل ب رفض ه ؤالء‬
‫الذين ال يستطيعون تصور الجزء مُساويا للكل في مجال من مجاالت الرياضيات المعاصرة‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سلف كله‪ ،‬يتأكد لدينا أن ابن باديس س لفي على منواله الجزائ ري‪ ،‬فهو بع دما‬
‫يقدم خدمة الجزائر‪ ،‬ويؤكد أن وراء ذلك الوطن الخ اص أوطانا أخ رى عزي زة علين ا‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫«وأقرب ه ذه األوط ان إلينا هو المغ رب األدنى والمغ رب األقصى (…) ثم ال وطن الع ربي‬
‫واإلسالمي‪ ،‬ثم وطن اإلنسانية العام‪ .‬ولن نستطيع أن نؤدي خدمة مثمرة لشيء من ه ذا كله إال‬
‫إذا خ دمنا الجزائر‪ .‬وما مثلنا في وطننا الخ اص – وكل ذي وطن خ اص – إال كمثل جماعة‬
‫ذوي بي وت من قرية واح دة‪ ،‬فبخدمة كل واحد لبيته تتك ون من مجم وع ال بيوت قرية س عيدة‬
‫راقية‪ .‬ومن ضيّع بيته فهو لما سواه أضي ُع»(‪.)26‬‬
‫وبع ُد‪ ،‬ال نزعم البتة أننا أحطنا علما بفلسفة ابن باديس التربوية‪ ،‬وال أن هذه المداخلة استغرقت‬
‫الموضوع والغرض الل ذين أعلنا عنهما ب ادئ األمر‪ ،‬وجل ماطمحنا إليه أن تث ير ص دى ل دى‬
‫طلبتنا الباحثين في مج ال فلس فة التربية‪ ،‬بل وكل الب احثين في ع الم مق ال الفلس فة الستقص اء‬
‫مناحي الفكر الفلسفي عند ابن باديس وغيره من مفكري المغ رب الع ربي المغم ورين في ه ذا‬
‫المجال‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫* أستاذ مساعد للمنطق الصوري‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪ -‬جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف‬

‫‪9‬‬
‫(‪ :)1‬ت ركي رابح‪ ،‬الش يخ عبد الحميد بن ب اديس رائد اإلص الح والتربية في الجزائ ر‪ ،‬المؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪ ،1984 ،4‬ص‪.370 :‬‬

‫(‪ :)2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.245 :‬‬

‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬أ‪ -‬عبد الحميد بن باديس حياته وآث اره‪ ،‬إع داد د‪ /‬عم ار الط البي‪ ،‬دار اليقظة العربي ة‪ ،‬دمش ق‪،‬‬
‫‪ 4( ،1968‬أج زاء)‪ .‬ب‪ -‬عبد الحميد بن ب اديس‪ ،‬آث ار اإلم ام عبد الحميد بن ب اديس‪ ،‬مطبوع ات وزارة‬
‫الشؤون الديني ة‪ ،‬الجزائ ر‪4(،‬أج زاء)‪ .‬ج‪ -‬د‪ .‬ت ركي رابح‪ ،‬المرجع الس ابق ‪ /‬الش يخ عبد الحميد بن ب اديس‬
‫باعث النهضة اإلسالمية العربية في الجزائر‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الري اض‪ ،‬المملكة العربية الس عودية‪/ .1982 ،‬‬
‫الشيخ عبد الحميد بن باديس ش يخ الم ربين وش يخ المص لحين في الجزائ ر‪ ،‬سلس لة كتب الش باب‪ ،‬المؤسسة‬
‫الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ .1989 ،‬د‪ -‬د‪ .‬محمود قاسم‪ ،‬اإلمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب‬
‫التحرير الجزائرية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1968،‬‬

‫(‪ :)4‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬مطبوعات وزارة الشؤون الدينية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪ ،1985 ،1‬الجزء‬
‫الرابع‪ ،‬ص‪.110 :‬‬

‫(‪ :)5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42 :‬‬

‫(‪ :)6‬عبد الحميد بن ب اديس‪ ،‬مج الس الت ذكير من كالم الحكيم الخب ير‪،‬مطبوع ات وزارة الش ؤون الديني ة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ط ‪ ،1982 ،1‬ص‪.143 :‬‬

‫(‪ :)7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.76 :‬‬

‫(‪:)8‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.44 :‬‬

‫(‪ :)9‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.212 :‬‬

‫(‪ :)10‬نقال عن‪ :‬د‪ .‬ت ركي رابح‪ ،‬الش يخ عبد الحميد بن ب اديس رائد اإلص الح والتربية في الجزائ ر‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.242‬‬

‫(‪ :)11‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.252 :‬‬

‫(‪ :)12‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.47 :‬‬

‫(‪ :)13‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48:‬‬

‫(‪ :)14‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48:‬‬

‫(‪ :)15‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.49:‬‬

‫(‪ :)16‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.40:‬‬

‫(‪ :)17‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.42:‬‬

‫(‪ :)18‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17:‬‬

‫‪10‬‬
‫(‪ :)19‬آث ار اإلم ام عبد الحميد بن ب اديس‪ ،‬مطبوع ات وزارة الش ؤون الديني ة‪ ،‬الجزائ ر‪ ،‬ط ‪،1984 ،1‬‬
‫الجزء الثالث‪ ،‬ص‪.253 :‬‬

‫(‪ :)20‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.43 :‬‬

‫(‪ :)21‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.9 :‬‬

‫(‪ :)22‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.110 :‬‬

‫(‪ :)23‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.44 ،‬‬

‫(‪ :)24‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.110 :‬‬

‫(‪ )25‬أنظر‪ :‬محمد س ليمان حس ن‪ ،‬التي ارات الفلس فية الش رقية‪ ،‬منش ورات دار عالء ال دين‪ ،‬دمش ق‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.66‬‬

‫(‪ :)26‬آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.113 :‬‬

‫‪http://www.oulama.dz/?p=2040‬‬

‫‪11‬‬

You might also like