Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 81

‫دراسة‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫اتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬ ‫إستر ّ‬
‫‪ -‬مناظرة التنافس على ّ‬
‫الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند ‪-‬‬

‫أنور الجمعاوي | مايو ‪1023‬‬


‫الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫السياسية‪ :‬مناظرة التنافس على ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجاج في المناظرة‬ ‫ّ‬

‫سلسلة‪ :‬دراسات‬

‫أنور الجمعاوي | مايو ‪1023‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة للمركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات © ‪1023‬‬

‫____________________________‬

‫االجتماعية‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية والعلوم‬
‫ّ‬ ‫بحثية عر ّبية للعلوم‬
‫مؤسسة ّ‬
‫السياسات ّ‬ ‫بي لألبحاث ودراسة ّ‬ ‫المركز العر ّ‬
‫اهتماما‬ ‫ٍ‬
‫أبحاث فهو يولي‬ ‫اإلقليمي والقضايا الجيوستراتيجية‪ .‬واضافة إلى كونه مركز‬ ‫التطبيقية والتّاريخ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دولية تجاه المنطقة‬
‫السياسات ونقدها وتقديم البدائل‪ ،‬سواء كانت سياسات عر ّبية أو سياسات ّ‬
‫لدراسة ّ‬
‫مؤسسات وأحزاب وهيئات‪.‬‬
‫حكومية‪ ،‬أو سياسات ّ‬
‫ّ‬ ‫العر ّبية‪ ،‬وسواء كانت سياسات‬

‫يخية‪،‬‬
‫االقتصادية والتار ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية و‬
‫ّ‬ ‫يعالج المركز قضايا المجتمعات والدول العر ّبية بأدوات العلوم‬
‫بي‪،‬‬
‫نساني عر ّ‬
‫ّ‬ ‫قومي وا‬
‫ّ‬ ‫تكاملية عابرة للتّخصصات‪ .‬وينطلق من افتراض وجود أمن‬‫ّ‬ ‫ومنهجيات‬
‫ّ‬ ‫وبمقاربات‬
‫بي‪ ،‬ويعمل على صوغ هذه الخطط‬ ‫ٍ‬
‫مكانية تطوير اقتصاد عر ّ‬‫ومن وجود سمات ومصالح مشتركة‪ ،‬وا ّ‬
‫البحثي ومجمل إنتاجه‪.‬‬ ‫وخطط من خالل عمله‬‫ٍ‬ ‫وتحقيقها‪ ،‬كما يطرحها كبرامج‬
‫ّ‬

‫________________‬
‫السياسات‬
‫بي لألبحاث ودراسة ّ‬
‫المركز العر ّ‬
‫شارع رقم‪ - 618 :‬منطقة ‪88‬‬
‫الدفنة‬
‫ص‪ .‬ب‪20111 :‬‬
‫الدوحــة‪ ،‬قطــر‬
‫ّ‬
‫هاتف‪ | +917 77299111 :‬فاكس‪+917 77632842 :‬‬
‫‪www.dohainstitute.org‬‬
‫ملخص‬
‫ّ‬
‫وفعال اجتماعيًّا حضاريًّا‪،‬‬
‫ً‬ ‫اصلية‪،‬‬
‫السياسية واقعة تو ّ‬
‫ّ‬ ‫فرضية اعتبار المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ننطلق في هذه الورقة من‬
‫تبادلي للمواقف‬ ‫المتقبل في إطار‬ ‫الباث على‬ ‫يتأسس على انفتاح‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعمال لغويًّا حجاجيًّا تفاعليًّا بامتياز‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫جاجية‪ ،‬ووسائل‬ ‫ِ‬
‫بيانية‪ ،‬وتقنيات ح ّ‬ ‫واالنطباعات‪ ،‬وينبني على استحضار الطّرفين المتناظرين ألدوات ّ‬
‫تصور لإلنسان واألشياء والظّواهر‬ ‫طابية توظّف إلقرار المتكلّم أو مناظره أطروحة أو فكرة أو مشروع‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫خ ّ‬
‫ونقض أطروحة أخرى‪ .‬ويواكب ذلك وعي من الجانبين بمعطيات الواقع بتعقيداته المختلفة‪ ،‬واقتضاءات‬
‫المتعددة‪ ،‬وعمل منه على إيقاع التأثير في المتلقّي‪ /‬الهدف قصد الخروج به من موقف‬
‫ّ‬ ‫بمكوناته‬
‫المقام ّ‬
‫اصلي إلى آخر؛ أعني الخروج به من الحياد إلى االنحياز أو من المعارضة إلى المناصرة‪.‬‬
‫تو ّ‬

‫بالعيني‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫لمجرد‬
‫اسخا في التجريد‪ ،‬فقد رأينا أن نصل ا ّ‬
‫موغال في التنظير‪ ،‬ر ً‬
‫ً‬ ‫وحتّى ال يكون خطابنا‬
‫يخية التي وضعت نيكوال ساركوزي‬ ‫ِ‬
‫وآلياته في المناظرة التار ّ‬
‫اتيجيات الحجاج ّ‬‫بأن نشتغل على إستر ّ‬
‫الرجلين‬
‫‪ Nicolas Sarkozy‬وجهًا لوجه مع فرانسوا هوالند ‪ ،François Hollande‬في إطار تنافس ّ‬
‫على الفوز برئاسة فرنسا لسنوات خمس؛ وذلك يوم الثاني من أيار ‪ /‬مايو ‪.2102‬‬

‫وقد حاولنا تبين كيفيات انتظام الفعل ِ‬


‫الحجاجي عند المتناظرين‪ ،‬ومهّدنا لذلك بضبط اإلطار المفهومي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتيجيات إيراد األفكار ودحض اآلراء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النظر في إستر ّ‬ ‫ثم تراقينا إلى إمعان ّ‬
‫السياسية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫للحجاج والمناظرة‬
‫وتقنيات البرهنة عند المتنافسين؛ ففصلنا القول في أنواع الحجج‪ ،‬وفي وظائف ِ‬
‫الحجاج عند ك ّل منهما‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الداللية‪ ،‬والبحث في‬
‫ّ‬ ‫السياسية‪ ،‬وتحليل أبعادها‬
‫ّ‬ ‫وتجاوزنا ذلك إلى توصيف خصائص اللّغة في المناظرة‬
‫قصدية العمل ِ‬
‫الحجاجي والتناظر السياسي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫آليات اشتغاله‪ ،‬وفي الجمع بين مطلب‬


‫وتبين ّ‬
‫الفن من فنون الكالم‪ّ ،‬‬
‫وقد استأنسنا في تجلية خصائص هذا ّ‬
‫التنظير ومطلب التطبيق بمبدأ تظافر المناهج‪ ،‬فأخذنا في مقاربة موضوع إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في‬ ‫ّ‬
‫اللية للملفوظ من‬
‫الد ّ‬‫بآليات تحليل الخطاب من ناحية‪ ،‬وبتقنيات القراءة المجهرّية ّ‬
‫السياسية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫المناظرة‬
‫النتائج‪ ،‬وقصد تمثّل خطاب المناظرة وتفكيكه‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬وانتهجنا نهج الوصف والتّحليل قصد اجتناء ّ‬
‫ومؤس ًسا‬
‫ّ‬ ‫خطابية‬
‫ّ‬ ‫وقصدية‬
‫ّ‬ ‫أيديولوجية‬
‫ّ‬ ‫لخلفية‬
‫ّ‬ ‫اال‬
‫حم ً‬
‫منجز لغويًّا دالليًّا ّ‬
‫ًا‬ ‫وتجلية خصائصه ودالالته‪ ،‬باعتباره‬
‫على بناء ِحجاجي مخصوص‪.‬‬

‫ولكنها محاولة للفهم ولإلفهام‪.‬‬


‫نظرا‪ّ ،‬‬
‫ندعي ّأننا قد استوفينا المسألة ً‬
‫وال ّ‬

‫سياسية – ِحجاج ‪ -‬نيكوال ساركوزي ‪ -‬فرانسوا هوالند – المتلقّي – اإلقناع ‪-‬‬


‫ّ‬ ‫الكلمات المفتاحية‪ :‬مناظرة‬
‫الناخب‪.‬‬
‫ّ‬
‫المحتويات‬
‫‪1‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪4‬‬ ‫‪ .0‬دواعي البحث‬

‫‪5‬‬ ‫‪ .2‬أهداف البحث‬

‫‪6‬‬ ‫منهجية البحث‬


‫ّ‬ ‫‪.3‬‬

‫‪8‬‬ ‫أوًال‪ :‬في مفهوم ِ‬


‫الحجاج‬

‫‪11‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬في مفهوم المناظرة‬
‫ً‬
‫‪11‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬أطروحة ِ‬
‫الحجاج في مناظرة هوالند‪ /‬ساركوزي‬

‫السياسية‬ ‫رابعا‪ :‬إستراتيجيات الخطاب ِ‬


‫الحجاجي في المناظرة‬
‫‪11‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪06‬‬ ‫‪ .0‬تنويع الحجج‬
‫‪11‬‬ ‫الحج‌ة‌الواقعية‬ ‫‌أ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫الحجة‌القيمية‬ ‫‌ب‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫حجة‌السلطة‬ ‫‌ج‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪ .2‬تعديد األسئلة‬

‫‪22‬‬ ‫بالسؤال‬
‫‪ .3‬االستدراج ّ‬
‫‪30‬‬ ‫‪ .4‬تبئير الخطاب‬

‫‪33‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫خامسا‪ :‬لغة الخطاب في المناظرة‬
‫ً‬
‫‪34‬‬ ‫‪ .0‬في اصطفاء العبارة وبالغة الخطاب ال ّشفوي‬

‫‪32‬‬ ‫‪ .2‬التّكرار‬

‫‪41‬‬ ‫‪ .3‬األسلوب المباشر‬

‫‪40‬‬ ‫‪ .4‬في لغة النفي واإلثبات‬


‫‪44‬‬ ‫‪ .5‬لغة التخويف والطّمأنة‬

‫‪24‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫سادسا‪ :‬في بالغة المقام واألداء في المناظرة‬
‫ً‬
‫‪44‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫المقامية للمناظرة‬
‫ّ‬ ‫‪ .0‬في الظّروف‬

‫‪51‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬بالغة األداء في المناظرة‬
‫‪11‬‬ ‫في‌بالغة‌األداء‌الركحي‬ ‫‌أ‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫في‌بالغة‌األداء‌الحركي‬ ‫‌ب‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫في‌بالغة‌األداء‌الصوتي‬ ‫‌ج‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫سابعا‪ :‬وظائف المناظرة‬
‫ً‬
‫‪52‬‬ ‫‪ .0‬الوظيفة التعريفّية‪ /‬التعبيرّية‬

‫‪61‬‬ ‫‪ .2‬الوظيفة التأثيرّية‬

‫‪60‬‬ ‫اإلقناعية‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬الوظيفة‬

‫السياسية‬ ‫ثامنا‪ :‬قصدية ِ‬


‫الحجاج في المناظرة‬ ‫ً‬
‫‪13‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪63‬‬ ‫‪ .0‬إحداث التفاعل‬

‫‪64‬‬ ‫المتقبل‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬االستجابة ألفق انتظار‬

‫‪65‬‬ ‫‪ .3‬االستقطاب‬

‫‪11‬‬ ‫استنتاجات‬

‫‪41‬‬ ‫المصادر والمراجع‬


‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مقدمة‬

‫المؤسس على الجدل‪ ،‬فهي مناسبة للقول تجمع بين‬


‫ّ‬ ‫السياسية ًّ‬
‫فنا من فنون الكالم‬ ‫ّ‬ ‫عد المناظرة‬
‫ت ّ‬

‫طرفين فأكثر يتنافسان في تمثّل األشياء وتحليل الظّواهر المتعلّقة بالفرد أو الجماعة على نحو‬

‫ليبين سداد رأيه‪،‬‬ ‫ِ‬


‫مخصوص‪ ،‬فيستدعي ك ّل طرف ما استطاع من أقطار الكالم وأساليب البيان والحجاج ّ‬

‫حجة خصمه‪ .‬والمراد ليس ترجيح رأي على آخر فحسب‪ ،‬بل‬
‫وسالمة موقفه‪ ،‬ويبرز تهافت غيره وفساد ّ‬

‫العامة؛ لذلك‬
‫الخاصة و ّ‬
‫ّ‬ ‫حسنا من قلوب‬
‫ً‬ ‫موقعا‬
‫ً‬ ‫المتقبل واستتباع اآلخر والوقوع‬
‫ّ‬ ‫النهائي استمالة‬
‫المراد ّ‬

‫ومستقبال‪،‬‬
‫ً‬ ‫وماضيا‬
‫ً‬ ‫حاضر‬
‫ًا‬ ‫فالتّباري في ميادين السياسة شكل من أشكال التّدافع الحضاري في قراءة الواقع‬

‫أن غاية التناظر هي إفحام الخصوم من‬


‫الناس باعتبار ّ‬
‫السلمي على كسب ثقة ّ‬
‫أيضا مجال للتّنازع ّ‬
‫وهو ً‬

‫ناحية‪ ،‬واقناع المتلقّي المتابع للمناظرة بوجهة نظر ما‪ ،‬في شأن عمراني ما‪ ،‬من ناحية أخرى‪.‬‬

‫اطيات الحديثة‪ ،‬فقد اتّسعت‬


‫الديمقر ّ‬
‫النظير مع صعود ّ‬
‫فن المناظرة على نحو منقطع ّ‬
‫وقد ازدهر ّ‬

‫الدولة‬
‫تسمت ّ‬
‫الرأي ومنتديات الحوار في مجتمعات ّ‬
‫وتعددت مجاالت التفكير ومنابر ّ‬
‫فضاءات التّعبير‪ّ ،‬‬

‫الناس في فرنسا وخارجها‬


‫يتهيأ ماليين ّ‬
‫العامة‪ .‬لذلك ال عجب أن ّ‬
‫ّ‬ ‫الحريات‬
‫فيها بدولة حقوق اإلنسان و ّ‬

‫الرئاسة فرانسوا‬
‫كرسي ّ‬
‫ّ‬ ‫سياسية مباشرة جمعت بين نيكوال ساركوزي ومنافسه على‬
‫ّ‬ ‫لمتابعة مناظرة تلفزّية‬

‫هوالند‪ ،‬وذلك مساء الثاني من أيار ‪ /‬مايو ‪.1021‬‬

‫شخصيتان ناشطتان داخل االجتماع‬


‫ّ‬ ‫األهمية أل ّن فاعلي الحدث هما‬
‫ّ‬ ‫والحدث على غاية من‬

‫سياسيين مختلفين ومتنافسين على مدى‬


‫ّ‬ ‫المدني الفرنسي من ناحية‪ ،‬ومعروفتان بانتمائهما إلى فصيلين‬

‫‪0‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫عدة‪ ،‬فساركوزي محسوب على اليمين اللّيبرالي الفرنسي‪ ،‬وهوالند هو ممثّل اليسار االشتراكي ببالد‬
‫عقود ّ‬

‫العام في فرنسا‬
‫ّ‬ ‫محدد لل ّشأن‬
‫تصور ّ‬
‫ّ‬ ‫يديولوجية مخصوصة‪ ،‬وعن‬
‫ّ‬ ‫خلفية أ‬
‫األنوار‪ ،‬وكالهما يصدر عن ّ‬

‫االقتصادية‪ .‬كما لك ّل منهما‬


‫ّ‬ ‫االجتماعية و‬
‫ّ‬ ‫الناس وترتيب أحوالهم في تسيير المجاالت‬
‫وآلليات تنظيم شؤون ّ‬

‫الدولية‪.‬‬
‫اإلقليمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫رؤية لعالقات فرنسا‬

‫بالنسبة‬
‫مهمة ّ‬
‫فإن المناظرة ّ‬
‫رجحت‪ ،‬سلفًا‪ ،‬كفّة هوالند‪ّ ،‬‬
‫الرأي قد ّ‬
‫أن استطالعات ّ‬
‫وعلى الرغم من ّ‬

‫الموجه إلى ماليين‬


‫ّ‬ ‫أن ًّ‬
‫كال منهما أراد كسب معركة ذلك اللّقاء التلفزي المباشر‬ ‫إلى الطّرفين‪ ،‬باعتبار ّ‬

‫االنتخابية وحسم لنتيجة المنافسة ال محالة‪ .‬لذلك كان‬


‫ّ‬ ‫المشاهدين‪ ،‬فكسب اللّقاء هو كسب للمعركة‬

‫تقدمه على‬
‫مسكونا بهاجس المحافظة على ّ‬
‫ً‬ ‫اال إلى قلب الموازين لصالحه‪ ،‬وكان هوالند‬
‫مي ً‬
‫ساركوزي ّ‬

‫السياسية‪ ،‬في شغف‬


‫ّ‬ ‫هوياتهم‬
‫الناس‪ ،‬على اختالف ّ‬
‫تواقًا إلى الترّبع على عرش اإلليزيه‪ .‬وكان ّ‬
‫خصمه‪ّ ،‬‬

‫بالحجة‪ ،‬وكشف للمستور‪ ،‬واحراج للمخالف‪،‬‬


‫ّ‬ ‫للحجة‬
‫ّ‬ ‫ورد‬
‫شد وجذب‪ّ ،‬‬
‫لمتابعة وقائع المناظرة لما فيها من ّ‬

‫الناخب الفرنسي إذ يتابع ما يتابع من أحداث‬


‫ولما فيها من نقد للماضي والحاضر واستشراف للمستقبل‪ .‬و ّ‬

‫ويقرر تأييد هذا الطّرف على ذاك‪ ،‬وهو في‬


‫االنتخابية من عدمها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫العملية‬
‫ّ‬ ‫يقرر المشاركة في‬
‫المناظرة ّ‬

‫نهاية المطاف يرى الحدث تار ًّ‬


‫يخيا باعتباره سيم ّكنه من اختيار مصيره؛ أعني مصير البلد كافّة‪ .‬من هنا‪،‬‬

‫النفوس‪ ،‬وتهفو له‬


‫تهتز له ّ‬
‫جلال ّ‬
‫الرئيس وبين منافسه حدثًا ً‬
‫العام بين ّ‬
‫ّ‬ ‫كان التناظر السياسي في الشأن‬

‫المتمدنة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫شد إليه األنظار‪ ،‬وترسم به المصائر‪ .‬ويعد هذا األمر عادة درجت عليها المجتمعات‬
‫القلوب‪ ،‬وتُ ّ‬

‫الريبة والخوف والتّخويف في البالد العر ّبية‪ ،‬حتّى إّننا لم‬


‫مستهجنا يدعو إلى ّ‬
‫ً‬ ‫فعال‬
‫لكنه يعتبر بدعة‪ ،‬بل ً‬

‫عدة‪ ،‬يضيق بتفصيلها المقام‪.‬‬


‫بي وخلفه‪ ،‬وأسباب ذلك ّ‬
‫حد اللّحظة مناظرة بين رئيس عر ّ‬
‫نشهد إلى ّ‬

‫اإلعالميين‬
‫ّ‬ ‫عموما‪ ،‬تجعله محطّ اهتمام‬
‫ً‬ ‫خصوصا‪ ،‬والغربي‬
‫ً‬ ‫أهمية الحدث في االجتماع الفرنسي‬
‫و ّ‬

‫أهميته تقتضي من المتنافسين االستعداد له وحسن‬


‫والمشتغلين بالشأن السياسي في باريس وخارجها‪ ،‬و ّ‬

‫‪2‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اتيجية‬
‫التميز في إنجازه‪ .‬من هنا‪ ،‬كان ك ّل من ساركوزي وهوالند يعتمد إستر ّ‬
‫إدارته والحرص على اغتنامه و ّ‬

‫محد ًدا‪ ،‬والمراد إفحام اآلخر واستمالة المتابعين للمناظرة‬


‫ومنهجا في الحوار ّ‬
‫ً‬ ‫في الخطاب مخصوصة‪،‬‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬

‫الرجلين أثناء المناظرة‪ ،‬والبحث في‬


‫النظر في تقنيات اإلخراج اللّغوي عند ّ‬
‫لذلك سنرّكز هنا على ّ‬

‫النهائية لخطاب المناظرة‬ ‫المتقبل باعتباره الغاية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬


‫الحجاج عند ك ّل منهما‪ ،‬ومدى وقع ذلك في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬

‫السجال حول‬
‫امتد الحوار بين الطّرفين المتناظرين على مدى ساعتين وخمسين دقيقة‪ ،‬ودار ّ‬
‫وقد ّ‬

‫االجتماعية‪ ،‬فقد شمل الجدال قضايا‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬ ‫حيوية شتّى تتعلّق بانتظام الحياة‬
‫ّ‬ ‫مسائل‬

‫التنمية‪ ،‬ومشاكل الهجرة ومعضلة البطالة‪ ،‬كما تعلّق بواقع التربية والتكوين داخل االجتماع الفرنسي‪،‬‬

‫وآليات الشراكة مع حلفاء فرنسا في االتّحاد‬


‫الرئاسة‪ّ ،‬‬
‫النووية‪ ،‬ونمط ّ‬
‫ّ‬ ‫فضال عن الطاقة‬
‫ً‬ ‫والعالقات بالخارج‪،‬‬

‫الرصانة ولزوم االعتدال‪ ،‬ولم ترتفع وتيرته‬


‫عموما‪ ،‬في كنف الهدوء و ّ‬
‫ً‬ ‫األوروبي وخارجه‪ .‬وقد جرى الحوار‪،‬‬

‫وكيفيات‬
‫ّ‬ ‫الرئيس‬
‫بشدة في شأن طبيعة سلطات ّ‬
‫لما تدافع المتحاوران ّ‬
‫إالّ عند إشرافه على النهاية‪ ،‬وذلك ّ‬

‫التشنج الزائد عن اللّزوم أو إلى درجة العنف‬


‫ّ‬ ‫أن ذلك لم يرق إلى درجة‬
‫العام‪ .‬غير ّ‬
‫ّ‬ ‫تعاطيه مع ال ّشأن‬

‫السلوك الجدالي‬
‫محكوما بآداب الحوار ومقتضيات ّ‬
‫ً‬ ‫حدته‪،‬‬
‫الرمزي‪ ،‬فقد ظ ّل التناظر‪ ،‬على ّ‬
‫اللّفظي أو ّ‬

‫بالنقض أو اإلبرام مع تقديم‬


‫الرد ّ‬
‫تأسس على اإلنصات المتبادل‪ ،‬و ّ‬
‫السجال ّ‬
‫المتحضر‪ ،‬حتّى إ ّن مسار ّ‬
‫ّ‬
‫البديل المناسب في رأي ك ّل متكلّم من المتناظرين‪ ،‬وكان ك ّل طرف يؤسس قوله على نظام في ِ‬
‫الحجاج‬ ‫ّ‬

‫محدد‪.‬‬
‫مخصوص‪ ،‬وعلى نهج في االستقطاب ّ‬

‫السياسية؟‬ ‫‪ ‬فما المراد ِ‬


‫بالحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬
‫‪ ‬ما هي إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج التي اتّبعها المتنافسان عند المناظرة؟‬ ‫ّ‬

‫‪3‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السياسية؟ وما هي مقاصده؟‬ ‫‪ ‬ما هي وظائف ِ‬


‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬

‫هذه األسئلة وغيرها ستكون مدار نقاشنا في هذا البحث‪.‬‬

‫‪ .1‬دواعي البحث‬
‫أهمها‪:‬‬
‫اع‪ ،‬لع ّل ّ‬
‫عدة دو ٍ‬
‫دفعتنا إلى البحث في هذا الموضوع ّ‬

‫عموما‪،‬‬
‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫السياسي العربي المعاصر من ندرة المناظرات‬
‫ما ُيالحظه المتابع للشأن ّ‬

‫العام بين قيادات األحزاب أو بين أنصار الحكم وجمهور‬


‫ّ‬ ‫ومحدودية فضاءات الجدل في ال ّشأن‬
‫ّ‬

‫الدولة القامعة في البالد العر ّبية‪،‬‬


‫للسلطان والمعارض له‪ .‬وذلك راجع القتضاءات ّ‬
‫المؤيد ّ‬
‫ّ‬ ‫المحكومين‪ ،‬وبين‬

‫الرئاسة أو بين رئيس متخل وخلفه‪ ،‬لذلك عنينا‬


‫حد اليوم وجود مناظرة بين متسابقين على ّ‬
‫بل ّإننا نعدم إلى ّ‬

‫السباق على الرئاسة‪.‬‬ ‫ِ‬


‫اتيجيات الحجاج في المناظرة التي جمعت ساركوزي بهوالند في أثناء ّ‬
‫بالنظر في إستر ّ‬
‫ّ‬

‫شكال من أشكال‬
‫السياسية في االجتماع العربي باعتبارها ً‬
‫ّ‬ ‫الداعي إلى ذلك رغبتنا في إرساخ المناظرة‬
‫وّ‬

‫المتقدمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدول‬
‫دمقرطة التعبير في ّ‬

‫السياق‬
‫السياسية في ّ‬
‫ّ‬ ‫لفن المناظرة‬
‫المعنية بالتنظير ّ‬
‫ّ‬ ‫المصنفات‬
‫ّ‬ ‫وحفّزتنا إلى هذا البحث ندرة‬

‫المعرفي العربي المعاصر‪ ،‬فالبحث في آداب المناظرة وأدواتها ومناهجها وجهازها اللّغوي واعتباراتها‬

‫بالنظر العلمي من جانب العرب‪.‬‬


‫بعد ّ‬‫المقامية مطلب لم يحظ ُ‬
‫ّ‬ ‫اللية و‬
‫الد ّ‬‫ّ‬

‫اإلعالمية والتّعليق‬
‫ّ‬ ‫عددا من الحوارات العابرة في البالد العر ّبية قد حظيت بالتّغطية‬
‫أن ً‬‫ومع ّ‬

‫بعد حظّها من‬


‫طا في التّعبير‪ ،‬لم تجد ُ‬
‫جنسا في القول ونم ً‬
‫السياسية‪ ،‬باعتبارها ً‬
‫ّ‬ ‫فإن المناظرة‬
‫الصحفي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫وتتأسس على جملة من‬


‫ّ‬ ‫التدبر‬
‫اعلية تقتضي البحث و ّ‬
‫لغوية تف ّ‬
‫المعمقة‪ ،‬باعتبارها رسالة ّ‬
‫المتأنية و ّ‬
‫ّ‬ ‫الدراسة‬
‫ّ‬

‫نهتم في هذه الورقة بجانب من‬


‫النفسية‪ ،‬لذلك آلينا على أنفسنا أن ّ‬
‫الداللية و ّ‬
‫المنهجية و ّ‬
‫ّ‬ ‫اآلليات والمنظومات‬
‫ّ‬

‫‪4‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫النمط من أنماط‬ ‫جوانب صوغ المناظرة السياسية؛ نعني إستراتيجيات ِ‬


‫الحجاج وتقنياته ووظائفه في هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التّعبير‪.‬‬

‫صحة‬ ‫ِ‬
‫والحقيقة ّأننا لن ُنعنى بتفاصيل محتوى الخطاب الحجاجي لدى المتناظرين‪ ،‬ولن نبحث في ّ‬

‫ئاسية‪،‬‬
‫الساخنة داخل االجتماع الفرنسي من قبيل‪ :‬الخطّة الر ّ‬
‫ما ذهبا إليه في تقويم عدد من القضايا ّ‬

‫الخارجية‪ ،‬فتلك مسائل‬


‫ّ‬ ‫النووية‪ ،‬والسياسة‬
‫ّ‬ ‫الدولة‪ ،‬والطاقة‬
‫وهوية ّ‬
‫والهجرة‪ ،‬والقتصاد‪ ،‬والضمان االجتماعي‪ّ ،‬‬

‫يضيق بتفصيلها المقام من ناحية‪ ،‬وال تندرج في مجال دراستنا من ناحية أخرى‪ ،‬باعتبار ّأننا ُنعنى في‬

‫فإننا إذ نستحضر‬
‫السياسية وأدواره وخصائصه؛ لذلك ّ‬ ‫هذه الورقة بالبحث في تقنيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬

‫اتيجيات‬
‫فإننا ال نستدعيها لذاتها‪ ،‬بل باعتبار تناول جوانب منها‪ ،‬يسهم في تجلية إستر ّ‬
‫تلك القضايا ّ‬

‫السياسية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬

‫‪ .2‬أهداف البحث‬
‫نروم من خالل هذا البحث تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫السياسية ووظائفه وغاياته‪.‬‬ ‫قادر على إدراك مسارات ِ‬


‫الحجاج في المناظرة‬ ‫‪ ‬جعل المتلقّي ًا‬
‫ّ‬

‫جاجية بامتياز‬ ‫ِ‬


‫الطبيعية في الخطاب السياسي لتصبح لغة ح ّ‬
‫ّ‬ ‫بكيفيات توجيه اللّغة‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬الوعي‬

‫غايتها التأثير‪ ،‬والتحويل‪ ،‬واإلقناع‪ ،‬ال اإلعالم واإلخبار فحسب‪.‬‬

‫الفنية التي تساهم في تش ّكل الخطاب ِ‬


‫الحجاجي في‬ ‫المقامية‪ ،‬والخصائص ّ‬ ‫تبين الظروف‬
‫ّ‬ ‫‪ّ ‬‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المناظرة‬

‫عموما والفرنسي‬
‫ً‬ ‫فن التناظر في السياق الحضاري األوروبي‬
‫تطور ّ‬
‫‪ ‬بيان الوصل بين ّ‬

‫المتقدمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الدول‬
‫الحرية في التفكير والتعبير في ّ‬
‫خصوصا‪ ،‬وبين توافر شرط ّ‬
‫ً‬

‫‪5‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السلطة الحاكمة‪ ،1‬وقدرته على الفعل فيها وتوجيه خياراتها وفق‬


‫‪ ‬الوعي بامتياز المواطن عن ّ‬

‫تبين‬
‫حاجاته وتطلّعاته‪ ،‬لتكون خادمة له‪ ،‬حاضنة لمكتسباته ومحقّقة لطموحاته‪ ،‬وذلك عبر ّ‬

‫كيفيات إعالء فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي من قيمة المواطن باعتباره أصل المناظرة‬
‫ّ‬

‫ومحورها‪ ،‬وغايتها األبرز‪.‬‬

‫منهجية البحث‬
‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫‪2‬‬
‫النسخة المصورة بالفيديو‬
‫معا‪ ،‬وتتمثّل في ّ‬
‫شفوية مكتوبة في آن ً‬
‫ّ‬ ‫مدونة‬
‫انطلقنا في تناولنا لهذا البحث من ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرئاسة بين هوالند وساركوزي‪ ،‬وحاولنا أن نستجلي في متن‬
‫النسخة المرقونة من مناظرة التنافس على ّ‬
‫وّ‬

‫اطيات الحديثة‪ ،‬راجع‪ :‬عزمي‬


‫النظام في الديمقر ّ‬
‫المدني عن ّ‬
‫ّ‬ ‫السلطة الحاكمة وامتياز المجتمع‬ ‫في خصوص امتياز المواطن عن ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدول العر ّبية"‪ ،‬الدوحة‪ ،‬ملتقى النهضة الشبابي الثاني‪ ،‬نيسان ‪ /‬أبريل ‪ ،1022‬انظر‪:‬‬
‫المدنية في ّ‬
‫ّ‬ ‫"فاعلية المجتمعات‬
‫ّ‬ ‫بشارة‪،‬‬

‫‪http://www.youtube.com/watch?v=mal4N8MCtCw‬‬

‫العلمانيــة"‪ ،‬تــونس‪ ،‬قصــر قرطــاج‪ 29 ،‬أيــار ‪ /‬مــايو ‪ ،1021‬انظــر نســختها‬


‫ّ‬ ‫يخيــة لنشــوء‬
‫وكــذلك‪ :‬محاضـرة عزمــي بشــارة‪" ،‬الســياقات التار ّ‬
‫المصورة بالفيديو على‪:‬‬

‫‪http://www.dohainstitute.org/valbum/6ec10e79-51a4-494f-9a83-2a17ceacb934‬‬

‫الروابط التّالية‪:‬‬
‫الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند على ّ‬
‫النسخة المصورة بالفيديو لمناظرة التنافس على ّ‬
‫راجع ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪http://www.dailymotion.com/video/xqjsal_debat-hollande-sarkozy-integral_news‬‬

‫‪http://www.dailymotion.com/video/xqjtba_debat-hollande-sarkozy-integral-2_news‬‬

‫‪http://www.dailymotion.com/video/xqjuce_debat-hollande-sarkozy-integral-3_news‬‬

‫النســخة المرقونــة لمنــاظرة التنــافس علــى ا ّلرئاســة بــين نيك ـوال ســاركوزي وفرانس ـوا هوالنــد علــى الـ ّـروابط التّاليــة فــي موقــع صــحيفة‬
‫ارجــع ّ‬
‫‪3‬‬

‫نسية‪:‬‬
‫لوموند ‪ Le Monde‬الفر ّ‬

‫‪“Le compte rendu intégral du débat Sarkozy-Hollande,” Le Monde.fr | 3/5/2012,‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/sarkozy-hollande-le-‬‬
‫‪compte-rendu-integral-du-debat-theme-par-theme_1694802_1471069.html‬‬

‫‪6‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السياسية‪،‬‬ ‫المحاجة في المناظرة‬ ‫اتيجيات‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جاجية‪ ،‬واستر ّ‬
‫الرسالة الح ّ‬
‫الرجلين مالمح ّ‬
‫خطاب التناظر بين ّ‬

‫اللغوية ومقاصده‪ ،‬وجمعنا في‬ ‫وآليات اشتغاله‪ ،‬وخضنا في خصائصه‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫النظر في وظائف الحجاج ّ‬
‫ودقّقنا ّ‬

‫المحاجة وفعل التناظر‪ ،‬وبين مطلب القراءة لفعل‬


‫ّ‬ ‫تناولنا للمسألة بين مطلب التأطير المفهومي لفعل‬

‫ألهميته‬
‫ّ‬ ‫محدد اصطفيناه في هذا اإلطار‬
‫العينية لخطاب ّ‬
‫ّ‬ ‫المحاجة وفعل التناظر‪ ،‬وكذلك مطلب القراءة‬
‫ّ‬

‫تدبر‬
‫تأسس ّ‬
‫يخية؛ أعني خطاب التناظر بين هوالند وساركوزي للفوز برئاسة فرنسا‪ .‬وقد ّ‬
‫الحضارّية والتار ّ‬

‫النص فتبحث في دالالتها واحاالتها‬


‫ّ‬ ‫ثقافية‪ ،‬تنطلق من لغة‬
‫لسانية‪ ،‬سوسيو ّ‬
‫ّ‬ ‫موضوع البحث على مقاربة‬

‫آليات التناظر‬
‫يخية على نحو يسهم في فهم ّ‬
‫السياسية والتار ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية و‬
‫ّ‬ ‫خلفياتها‬
‫الثقافية‪ ،‬وتحفر في ّ‬
‫ّ‬

‫الثقافية والحضارّية‪.‬‬
‫النصية و ّ‬
‫ّ‬ ‫والوعي بسياقاته‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/02/le-compte-rendu-‬‬
‫‪integral-du-debat-propos-liminaires-et-chomage_1694431_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-‬‬
‫‪integral-deficits_1694444_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/le-compte-rendu-‬‬
‫‪integral-du-debat-depenses-publiques-education-europe-partie-3_1694458_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-‬‬
‫‪integral-du-debat-immigration-partie-4_1694472_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-‬‬
‫‪integral-du-debat-nucleaire-institutions-politique-etrangere-partie-5_1694483_1471069.html‬‬

‫‪4‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬
‫أواال‪ :‬في مفهوم ِ‬
‫الحجاج‬

‫اتيجيات‬ ‫ًّ‬ ‫تُعتبر مفهمة ِ‬


‫يتعين تمثّله قصد الوعي بإستر ّ‬
‫مهما‪ّ ،‬‬
‫منهجيا ًّ‬ ‫وخيار‬
‫ًا‬ ‫الحجاج مسألة ضرورّية‬

‫جاجي بامتياز باعتبارها‬


‫ّ‬ ‫السياسية هي خطاب ِح‬
‫ّ‬ ‫أن المناظرة‬
‫السياسية‪ ،‬ذلك ّأننا نزعم ّ‬
‫ّ‬ ‫الخطاب في المناظرة‬

‫لغوية تتراوح بين التعارض‬ ‫ولقاء تفاعليًّا بين األنا واآلخر‪ّ ،‬‬
‫يتأسس على تبادل رسائل ّ‬ ‫ً‬ ‫موقفًا تو ًّ‬
‫اصليا‪،‬‬

‫تصور لألشياء والكائنات والظواهر‬


‫ّ‬ ‫النقض واإلبرام قصد البيان عن موقف‪ ،‬واإلخبار عن‬
‫والتوافق وبين ّ‬

‫المتقبل‬
‫ّ‬ ‫موجه‪ ،‬يروم إيقاع التأثير في‬
‫السياسية خطاب قصدي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫في مجاالت العمران البشري؛ فالمناظرة‬

‫الحجة ورفد البيان بالبرهان‬


‫ّ‬ ‫ودفعه إلى ترجيح رأي على آخر‪ ،‬وهو أمر يقتضي من المتناظرين وصف‬

‫الحجة ما دافع به الخصم‪ ...‬وهي والوجه الذي يكون‬


‫ّ‬ ‫الحجة في البرهان‪ ...‬وقيل‪:‬‬
‫قصد إقناع المتلقّي‪" .‬و ّ‬

‫حجته"‪ .4‬وبذلك‬ ‫ِ‬


‫حجا أي غلبه على ّ‬
‫يحجه ّ‬
‫وحجه ّ‬
‫به الظفر عند الخصومة‪ ،‬وهو رجل محجاج أي جدل‪ّ ،‬‬

‫ويتقصد إفحام الخصم‬ ‫يتنزل ضمن سياق جدالي يجمع بين طرفين فأكثر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فالحجاج في اللّغة فعل قول ّ‬
‫ّ‬

‫لغوي برهاني يندرج ضمن فضاءات التعبير عن الذات والحوار مع الغير‪،‬‬ ‫واقناع المتلقي‪ِ ،‬‬
‫فالحجاج عمل‬
‫ّ‬

‫ويتيح المجال للتباري باألفكار واآلراء‪ ،‬ويقتضي من المتكلّم لزوم نهج في اإلجابة ونظام في التفكير‪،‬‬

‫ورصف الحجج‪ ،‬على نحو يضمن الفهم‪ ،‬ويحقّق اإلفهام‪ ،‬ويستميل القلوب والعقول على السواء‪ِ ،‬‬
‫"فالحجاج‬ ‫ّ‬

‫معينة‪ ،6‬وذلك باالعتماد على‬


‫المؤدية إلى نتيجة ّ‬
‫ّ‬ ‫يتأسس على تقديم الحجج واألدلّة‬ ‫‪5‬‬
‫فن اإلقناع" ‪ ،‬الذي ّ‬
‫هو ّ‬

‫مادة "حجج" (بيروت‪ :‬دار صادر‪ ،)2991 ،‬ص‪.410‬‬


‫ابن منظور (جمال الدين)‪ ،‬لسان العرب‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪Karine Darbellay, “L’argumentation est un art” in La psychopédagogie de l’argumentation‬‬


‫‪(Neuchâtel: Institut de psychologie, Université de Neuchâtel, Mai 2005), p. 4.‬‬

‫‪2‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اللغوية وعلى تسلسلها واشتغالها داخل الخطاب على نحو مخصوص ينبني على "استخدام العلل‬
‫ّ‬ ‫األقوال‬

‫‪7‬‬
‫الموجهة إلى إثارة المخاطب‬
‫ّ‬ ‫اصلية‬
‫قصد تأييد وجهة نظر ما" ‪ ،‬فيجري استحضار عدد من التقنيات التو ّ‬

‫العملية التي من خاللها‬ ‫الزيادة في تأييده ألطروحة ما"‪ .8‬وبناء عليه‪ِ ،‬‬
‫فالحجاج في نهاية المطاف‪ ،‬هو‬ ‫وّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬

‫اللغوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التصورات لدى مخاطبه بواسطة الوسائل‬
‫يسعى المتكلّم لتغيير نظام المعتقدات‪ ،‬و ّ‬

‫قولية‪ ،‬وحجج‬ ‫ومن ثم‪ ،‬يتبين لنا أن ِ‬


‫يتكون من متواليات ّ‬
‫اصلي‪ّ ،‬‬
‫لغوي تو ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجاج هو فعل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫معينة‪،‬‬
‫يصطفيها المتكلّم‪ ،‬ويرتّبها على نحو مخصوص‪ ،‬ويريد بها التأثير في المتلقّي واقناعه بأطروحة ّ‬

‫المحاجة"‪ ،9‬الذي‬
‫ّ‬ ‫سمى بـ "عمل‬
‫معين في إطار ما ُي ّ‬
‫وذلك على سبيل حمل المخاطب على القبول برأي ّ‬

‫يتطلب حسن تصريف العبارة‪ ،‬والدقّة في اختيار الحجج وعرضها‪ ،‬والبراعة في التمكين لألطروحة المدافع‬

‫المتقبل وتأييده في‬


‫ّ‬ ‫اصلية في كسب ثقة‬
‫اتيجيات التو ّ‬
‫اللغوية واإلستر ّ‬
‫ّ‬ ‫التفنن في توظيف التقنيات‬
‫عنها‪ ،‬و ّ‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دحض األطروحة النقيضة‪ .‬وهذه المعطيات جميعها معدودة من لوازم المناظرة‬

‫(الدار البيضاء‪ :‬العمدة في الطبع‪ ،)1008 ،‬ص‪.28‬‬ ‫العزاوي‪ ،‬اللّغة و ِ‬


‫الحجاج ّ‬ ‫أبو بكر ّ‬
‫‪6‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪7‬‬

‫مادة ‪Argumentation‬في‪:‬‬
‫المحاور أو دعم تأييده لألطروحات المعروضة"‪ ،‬انظر ّ‬
‫الموجهة إلثارة ُ‬
‫ّ‬ ‫"الحجاج مجموعة التّقنيات‬ ‫‪8‬‬

‫‪Le Petit Larousse illustré (Paris, édition Larousse, 2008), p. 63.‬‬

‫حجة ّما لتأييد وجهة نظر ّما"‪ ،‬انظر‪:‬‬


‫وكذلك هو "استخدام ّ‬

‫‪Hella Cortell, Critical Thinking Skills: Developing Efection, Analysing and Argument (New York,‬‬
‫‪NY: Palgrave Macmilan, 2005), p. IXX..‬‬

‫نظريمات ِ‬
‫الحجماج‬ ‫أهمم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫صمود (مشرف)‪ ،‬فريق البحث في البالغة والحجـاج‪ّ ،‬‬
‫حمادي ّ‬
‫شكري المبخوت‪" ،‬نظرّية الحجاج في اللّغة"‪ ،‬في ّ‬
‫‪9‬‬

‫ـانية تــونس ‪ ،2‬ك ّليــة اآلداب بمنوبــة‪ ،‬د‪.‬ت‪،).‬‬


‫الغربيممة مممن أرسمموو إلممى اليمموم (تــونس‪ :‬جامعــة اآلداب والفنــون والعلــوم اإلنسـ ّ‬
‫ّ‬ ‫فممي التقاليممد‬
‫ص‪.380‬‬

‫‪2‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬في مفهوم المناظرة‬
‫ا‬

‫‪10‬‬
‫في‬ ‫النظر واستحضار ما يراه ك ّل طرف ببصيرته"‬
‫تحمل المناظرة معنى "المباحثة والمباراة في ّ‬

‫معا كيف تأتيانه‪...‬‬


‫شأن ما‪ ،‬وجاء في لسان العرب "المناظرة أن تناظر أخاك في أمر إذ نظرتما فيه ً‬

‫فالنا‬
‫والتناظر‪ :‬التراوض في األمر‪ .‬ونظيرك‪ :‬الذي يراوضك وتناظره‪ ...‬وناظره من المناظرة‪ ...‬ناظرت ً‬

‫نظير له في المخاطبة"‪.11‬‬
‫أي صرت ًا‬

‫للنقاش حول مشكلة ما‬


‫تفاعلي‪ ،‬منظّم‪ ،‬يتيح المجال ّ‬
‫ّ‬ ‫لغوي‬
‫ّ‬ ‫أن المناظرة هي حدث‬
‫وبذلك يتجلّى لنا ّ‬

‫كيفيات تمثّلها‪ ،‬وطرائق فهمها ومعالجتها‪ ،‬فهي مناسبة لعرض وجهات نظر متباينة حول مسألة‬
‫وتشخيص ّ‬
‫‪13‬‬
‫بين طرفين‬ ‫السياسية في االصطالح اللّغوي الحديث إلى إدارة "حوار رسمي"‬
‫ّ‬ ‫ما‪ .12‬وتشير المناظرة‬

‫غالبا مقترنة بحدث‬


‫زمنية ّما‪ ،‬وتكون ً‬
‫العام لمجتمع ّما في فترة ّ‬
‫ّ‬ ‫تهم ال ّشأن‬
‫حيوية ّ‬
‫ّ‬ ‫فأكثر حول مسائل‬

‫المدنية‪.‬‬ ‫معينة في مجال من مجاالت الحياة‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫االنتخاب أو التّصويت على قرار خالفي أو على سياسات ّ‬

‫الطحـاوي‪ ،‬المجلـد ‪( 27‬الكويـت‪ :‬مطبعـة‬


‫ّ‬ ‫الزبيـدي‪ ،‬تماج العمروس ممن جمواهر القماموس‪ ،‬تحقيـق عبـد الحلـيم‬
‫محمد مرتضى الحسيني ّ‬
‫ّ‬
‫‪10‬‬

‫الكويت‪ ،)2917 ،‬ص‪.147‬‬

‫مادة "نظر"‪ ،‬ص‪.129-121‬‬


‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مجلد ‪ّ ،4‬‬
‫‪11‬‬

‫ومادة "ناظر" ‪ Débattre‬في‪:‬‬


‫مادة "مناظرة" ‪ّ Débat‬‬
‫انظر ّ‬
‫‪12‬‬

‫‪Le Petit Larousse illustré, p. 286.‬‬

‫مادة "ناظر" ‪ Debate‬في‪:‬‬


‫راجع ّ‬
‫‪13‬‬

‫‪Raty Mc Adam, Heather Botman, and Emma Harris, Dictionary of politics and government, Third‬‬
‫‪edition (London: Bloomsbury publishing PLC, 2004).‬‬

‫‪01‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫خصوصا‪ ،‬هي فرصة للتعبير‬


‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫عموما‪ ،‬والمناظرة‬
‫ً‬ ‫أن المناظرة‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يتّضح لنا ّ‬
‫ً‬

‫الكالمية‪ ،‬وينتمي‬
‫ّ‬ ‫وللتّفكير وتكريس ثقافة االختالف‪ ،‬وذلك لقيامها على "خطابين متباينين يتبادالن األدوار‬

‫الكالمية بين الطّرفين‬


‫ّ‬ ‫النص‪ ،‬ويتوالد بفعل تبادل األدوار‬
‫ّ‬ ‫ك ّل منهما إلى أحد الطّرفين المتناظرين‪ ،‬وينمو‬

‫‪14‬‬
‫اسعا لتبادل‬
‫ورد الفعل" ‪ .‬فالمناظرة مقام يسمح بالتفاعل بين الذوات‪ ،‬ويفتح المجال و ً‬
‫حسب قانون الفعل ّ‬
‫‪15‬‬
‫والمنازعة ومناقشة‬ ‫بالحجة‪ ،‬فيجري إنشاء الخطاب بغرض الخصومة‬
‫ّ‬ ‫الحجة‬
‫ّ‬ ‫األفكار ومقارعة‬

‫يضطر الخصوم‬
‫ّ‬ ‫ويفترض في المتكلّم أن يعرف سياسة البالغة‪ ،17‬وأن يعرف كيف‬ ‫‪16‬‬
‫الخصوم ‪ُ ،‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪18‬‬
‫الناس‪ ،‬فتكون األعناق‬
‫عظيما من التأثير في ّ‬
‫ً‬ ‫مبلغا‬
‫ويطبقهم بها ‪ ،‬والمراد من ذلك أن يبلغ ً‬
‫بالحجة ‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪21‬‬ ‫‪20‬‬
‫أضمن‪.‬‬
‫ْ‬ ‫العلو على الخصم‬
‫النفوس إليه أسرع‪ ،‬والعقول عنه أفهم ‪ ،‬و ّ‬
‫إليه أميل‪ ،‬و ّ‬

‫وزو‪ ،‬المدينة الجديدة‪ :‬دار األمل للطباعة والنشر‬


‫(تيزي ّ‬
‫عبد اهلل العشي‪ ،‬زحام الخوابات‪ ،‬مدخل توبيقي ألشكال الخوابات بواسوة ّ‬
‫‪14‬‬

‫والتوزيع‪ ،)1004 ،‬ص‪.38‬‬

‫الجــاحظ (أبــو عثمــان عمــرو بــن بحــر)‪ ،‬البيممان والتبيممين‪ ،‬تحقيــق عبــد الســالم هــارون‪ ،‬المجلــد‪( 2‬القــاهرة‪ :‬مكتبــة الخــانجي‪ ،‬د‪.‬ت‪،).‬‬ ‫‪15‬‬

‫ص‪.6‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 24‬و‪.94‬‬ ‫‪16‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.291‬‬ ‫‪17‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫‪18‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.291‬‬ ‫‪19‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.1‬‬ ‫‪20‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.218‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪00‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫وخطابا بيانيًّا ِح ًّ‬


‫جاجيا‪ ،‬تُستدعى بمقتضاه‬ ‫ً‬ ‫فعال تواصليًّا وحدثًا تفاعليًّا‬
‫من هنا كانت المناظرة ً‬

‫الدعوى‪ .22‬ويجري الوصل بين األطروحة ومستنداتها‪ ،‬وبين الفكر ومتعلّقاته‪،‬‬


‫صحة ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجة لتد ّل على‬
‫ّ‬

‫معب ًرا‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫موجهًا‪ ،‬ومنج ًاز ًّ‬


‫لغويا داال‪ّ ،‬‬ ‫خطابا ّ‬
‫ً‬ ‫المقدمات الناظمة له على نحو يصبح الكالم فيه‬
‫وبين الحكم و ّ‬

‫السياسية عن هذا اإلطار باعتبارها‬


‫ّ‬ ‫يتقصد اإلقناع‪ ،‬ويروم إيقاع التّأثير في المتلقّي‪ .‬وال تخرج المناظرة‬
‫ّ‬

‫الناس وتدبير شؤونهم‪ ،‬وترتيب أحوالهم‪،‬‬


‫فضاء لالختالف بين طرفين فأكثر حول مسائل تتّصل بسياسة ّ‬

‫ومستقبال‪ ،‬فيجري‬
‫ً‬ ‫وماضيا‬
‫ً‬ ‫حاضر‬
‫ًا‬ ‫االجتماعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬و‬
‫االقتصادية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫وادارة عمرانهم في شتّى المجاالت‬

‫ئاسية والمقترحات الو ازرّية‪ .‬ويجري الحوار‬


‫السياسية والخيارات الحز ّبية والمشاريع الر ّ‬
‫ّ‬ ‫فيها عرض البرامج‬

‫اإلصالحية‪ ،‬وغير ذلك كثير‪ .‬ويعمد المتناظران إلى‬


‫ّ‬ ‫اإلعالمية و‬
‫ّ‬ ‫المالية و‬
‫بوية و ّ‬
‫التنموية والتر ّ‬
‫ّ‬ ‫حول السياسات‬

‫صحة أطروحة ودحض أطروحة أخرى‪.‬‬


‫رفد اآلراء والمواقف بالحجج قصد البرهنة على ّ‬

‫منطقية‪ ،‬حتّى إ ّن ك ّل مناظرة هي‬


‫ّ‬ ‫المحاجة عالقة ضرورّية‬
‫ّ‬ ‫وفن‬
‫فن التناظر ّ‬
‫ثم‪ ،‬فالعالقة بين ّ‬
‫ومن ّ‬

‫مكوًنا‬ ‫ِحجاج بالضرورة‪ ،‬لذلك رأينا أن نف ّكك آليات انتظام ِ‬


‫السياسية المعاصرة باعتباره ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجاج في المناظرة‬ ‫ّ‬

‫مكوناتها‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫أساسيا من ّ‬

‫ثالثاا‪ :‬أوروحة ِ‬
‫الحجاج في مناظرة هوالند‪ /‬ساركوزي‬

‫السنوات‬ ‫فرضية ّ ًّ‬


‫أن كال منهما يرى نفسه األجدر بها على مدى ّ‬ ‫ّ‬ ‫انطلق المتسابقان إلى الرئاسة من‬

‫أسس كل طرف موقفه على جملة من المعطيات‪ ،‬وباالستناد إلى عدد من الحجج‬
‫الخمس القادمة‪ ،‬و ّ‬

‫الشريف الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري (بيروت‪ :‬دار اللّسان العربي‪ ،)1992 ،‬ص‪.761‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪02‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪23‬‬
‫نسيين‪،‬‬
‫لك ّل الفر ّ‬ ‫الرئيس الجامع‬
‫قدم هوالند نفسه في فاتحة خطابه نفسه في صورة ّ‬
‫واالعتبارت؛ فقد ّ‬

‫ألن فرنسا في‬


‫الثقافية‪ّ ،‬‬
‫السياسية و ّ‬
‫ّ‬ ‫قية و‬
‫الطبقية والعر ّ‬
‫ّ‬ ‫جميعا على اختالف انتماءاتهم‬
‫ً‬ ‫المستعد للتعامل معهم‬
‫ّ‬ ‫و‬

‫وقدم ساركوزي شخصه على ّأنه رئيس خبِر دروب السياسة‪ ،‬وتعلّم أصول ّ‬
‫الرئاسة‬ ‫حاجة إلى ك ّل أبنائها‪ّ .‬‬
‫‪24‬‬
‫ألنه عليم بك ّل‬
‫أولويته بتولّي شؤون البلد؛ ّ‬
‫األهم في ترجيح ّ‬
‫ّ‬ ‫الركن‬
‫على مدى أعوام خلت ‪ ،‬فاعتبر تجربته ّ‬

‫بالتحديات واألزمات التي‬


‫ّ‬ ‫الدولية الحافّة باالجتماع الفرنسي‪ ،‬عارف‬
‫اإلقليمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫القضايا المحلّية والظروف‬

‫الراهن وفي المستقبل‪.‬‬


‫يواجهها البلد في ّ‬

‫مؤداها ا ّدعاء األحقّية بحكم فرنسا في الفترة‬


‫أرضية واحدة ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن الطّرفين ينطلقان من‬
‫وبناء عليه‪ّ ،‬‬

‫أهمية هذه اللّحظة‬


‫ئاسية القادمة‪ ،‬كما يلتقيان عند االلتزام بقيم الجمهورّية وعند الوعي بخطورة المرحلة و ّ‬
‫الر ّ‬

‫يخية فارقة‪ ،25‬واعتبر المناظرة فرصة للصدع‬


‫عد ساركوزي االنتخابات لحظة تار ّ‬
‫في تاريخ فرنسا‪ ،‬فقد ّ‬

‫جلال بامتياز‪.27‬‬
‫الرئيس حدثًا ً‬
‫‪26‬‬
‫بالحقيقة ‪ ،‬كما اعتبر هوالند حدث اختيار ّ‬

‫السياسية التي جمعت‬


‫ّ‬ ‫عموما‪ ،‬وفي المناظرة‬
‫ً‬ ‫الرجلين يختلفان منذ بداية المسار االنتخابي‬
‫لكن ّ‬
‫ّ‬

‫وآليات إجرائه‪ ،‬بل‬


‫خصوصا في مستوى البرنامج السياسي واالجتماعي االقتصادي لك ّل منهما ّ‬
‫ً‬ ‫بينهما‬

‫تأسست‬
‫الرئاسة‪ .‬فقد ّ‬
‫توجه سعي ك ّل منهما لتسلّم مقاليد ّ‬
‫األساسية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫أصال في األطروحة‬
‫ً‬ ‫يختلفان‬

‫التجمع"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجمعي في خطابه خالل المناظرة بقوله‪" :‬أريد أن أكون‪ ...‬رئيس‬
‫ّ‬ ‫التوجه‬
‫ّ‬ ‫عبر هوالند عن هذا‬
‫ّ‬
‫‪23‬‬

‫أن رئــيس الجمهورّيــة إنســان تتش ـ ّكل‬


‫ولمــح لــذلك بقولــه‪" :‬أظـ ّـن ّ‬
‫ـر مثلــه‪ّ ،‬‬
‫الرئاســة تحتــاج رجـ ًـال خبيـ ًا‬
‫أن ّ‬
‫بـ ّـين ســاركوزي خــالل المنــاظرة ّ‬
‫‪24‬‬

‫تمرسه باألزمات التي واجهها"‪.‬‬


‫شخصيته بفضل ّ‬
‫ّ‬

‫يخي"‪.‬‬
‫"إنه خيار تار ّ‬
‫يخي‪ّ :‬‬
‫ئاسية حدث تار ّ‬
‫إن حدث االنتخابات الر ّ‬
‫يقول ساركوزي ّ‬
‫‪25‬‬

‫اطية "‪.‬‬
‫الديمقر ّ‬
‫"إنها لحظة فريدة‪ ...‬لحظة ّ‬
‫اطية‪ّ :‬‬
‫بأنها لحظة الحقيقة ولحظة الديمقر ّ‬
‫نعت ساركوزي المناظرة ّ‬
‫‪26‬‬

‫مهم وخطير"‪.‬‬
‫قائال‪" :‬اختيار رئيس الجمهورّية المقبل قرار ّ‬
‫ئاسية ً‬
‫أهمية حدث االنتخابات الر ّ‬
‫يصف هوالند ّ‬
‫‪27‬‬

‫‪03‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫أن معنى التّغيير هو مقترحه األساسي‪،28‬‬


‫معتبر ّ‬
‫ًا‬ ‫أطروحة هوالند في هذا ال ّشأن على ضرورة التّغيير‬

‫عموما‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬ ‫الرئيس وتغيير واقع البالد‬
‫السلطة وتوابعه‪ ،‬فالمراد تغيير ّ‬
‫والتّغيير هنا متعلّق بأعلى هرم ّ‬

‫نسيين‬
‫المحسوبية ومظاهر الفساد اإلداري والمالي‪ ،‬وأسباب الفرقة بين الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫بالقطع مع سياسات المحاباة و‬

‫وتعم فيه العدالة في شتّى المجاالت‪ ،29‬وتتاح فيه الفرص لك ّل‬


‫الناس ّ‬
‫تأسيسا لمجتمع جديد يتساوى فيه ّ‬
‫ً‬

‫نسيين للمساهمة في بناء بلدهم‪ ،‬وتفعيل دوره في االتّحاد األوروبي وفي المشهد الدولي‪ ،‬والتّغيير‬
‫الفر ّ‬

‫الناس‪ ،30‬وغير متعال على‬


‫اضعا بل قر ًيبا من ّ‬
‫عادال‪ ،‬متو ً‬
‫ً‬ ‫كائنا ًّ‬
‫عاديا‪،‬‬ ‫الرئيس ً‬
‫المنشود بحيث يصبح معه ّ‬

‫وتواق‬
‫نسيين ومعني بك ّل مشاغلهم‪ّ ،‬‬
‫مقرب من فئة دون أخرى‪ ،‬بل هو مسكون بهموم ك ّل الفر ّ‬
‫الناس‪ ،‬وغير ّ‬
‫ّ‬

‫الحرية والعدالة والكرامة والعيش الكريم‪ .‬من هنا‪ ،‬كان التّغيير باعتباره‬
‫إلى تحقيق ك ّل طموحاتهم في ّ‬

‫انية‪ ،‬حضارّية‪ ،‬األطروحة المركزّية‬


‫وجودية‪ ،‬عمر ّ‬
‫ّ‬ ‫اقتصادية‪ ،‬وباعتباره حاجة‬
‫ّ‬ ‫اجتماعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سياسية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ضرورة‬

‫في خطاب هوالند‪.‬‬

‫مؤسسة على ضرورة االستم اررّية‪ ،‬وهي ضرورة‬


‫ّ‬ ‫النقيض منه كانت أطروحة ساركوزي‬
‫وعلى ّ‬

‫مهمة‬
‫السلم االجتماعي في عهده‪ ،‬وضمن مكانة ّ‬
‫الرجل على اعتبار أن بلده قد حقّق حالة من ّ‬
‫أسسها ّ‬
‫ّ‬

‫عدة مجاالت‪ ،‬فجرى احتواء أسباب االحتقان‬


‫إصالحية شملت ّ‬
‫ّ‬ ‫داخل االتّحاد األوروبي‪ ،‬ودخل في مسيرة‬

‫وتحسن دخل المواطن‬


‫ّ‬ ‫استتب األمن‪،‬‬
‫الحد من أشكال العنف‪ ،‬و ّ‬
‫الحريات‪ ،‬و ّ‬
‫االجتماعي‪ ،‬وتوسيع مجال ّ‬

‫"إن التّغيير هو ما أصبو إليه"‪.‬‬


‫األساسي وأطروحته المركزّية خالل المناظرة‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫يجعل فرانسوا هوالند التّغيير شعاره‬ ‫‪28‬‬

‫الرئيس العادل‪ ...‬وسـتكون العدالـة فـي صـدارة القـ اررات‬


‫األساسية‪" :‬سأكون ّ‬
‫ّ‬ ‫أولويته‬
‫اعتبر هوالند إقامة العدالة في شتّى المجاالت من ّ‬
‫‪29‬‬

‫وجهة لك ّل ما أفعله"‪.‬‬
‫اإلقليمية ُم ّ‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والعدالة‬
‫ّ‬ ‫الجبائية‪ ،‬والعدالة‬
‫ّ‬ ‫الحكومية‪ ...‬ستكون العدالة‬
‫ّ‬

‫ـائال‪" :‬يجـب أن يكـون ال ّـرئيس قر ًيبـا‬


‫النـاس الـذي يريـد أن يكونـه‪ ،‬ق ً‬
‫ـادي القريـب مـن ّ‬
‫دافع هوالند خالل المناظرة عن نمـوذج ال ّـرئيس الع ّ‬
‫‪30‬‬

‫من ال ّشعب"‪.‬‬

‫‪04‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العلمانية‪ ،‬وساهمت مع‬


‫ّ‬ ‫هويتها‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتراجع نسق انتشار البطالة‪ ،‬وحافظت فرنسا على ّ‬
‫ّ‬ ‫والضمانات‬

‫فالرجل يرى في نفسه رجل‬


‫وبناء عليه‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ولية‪.‬‬
‫اإلقليمية والد ّ‬
‫ّ‬ ‫فض المشاكل المحلّية و‬
‫األوروبيين في ّ‬
‫ّ‬ ‫شركائها‬

‫خاصة ّأنه األدرى بالتفاصيل في الملفّات‬


‫ّ‬ ‫يستمر في إتمام مشروعه اإلصالحي‬
‫ّ‬ ‫إصالح‪ ،‬ومن حقّه أن‬

‫أسس‬
‫ثم‪ ،‬فقد ّ‬
‫االجتماعية‪ .‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫المفتوحة من قبيل الهجرة‪ ،‬والبطالة‪ ،‬واصالح منظومة التقاعد‪ ،‬والحيطة‬

‫السابق في خدمة‬
‫أهمية رصيده السياسي ّ‬
‫ئاسية جديدة في بلده على ّ‬
‫ساركوزي حقّه في تولّي أمور والية ر ّ‬

‫وضمانا لالستقرار‬
‫ً‬ ‫الداخل والخارج‪،‬‬
‫فرنسا‪ ،‬وعلى ضرورة االستم اررّية حفاظًا على مصالح البلد في ّ‬

‫الجيد لبالده من وجهة نظره‪.‬‬


‫وتحسينا لألداء االقتصادي والسياسي ّ‬
‫ً‬

‫للدفاع عن‬ ‫ٍ‬


‫طرف ّ‬ ‫وكانت المناظرة في الحقيقة بمنزلة المتن ِ‬
‫الحجاجي الذي استعرضه ك ّل‬

‫مسكونا بهاجس البرهنة على ضرورة‬


‫ً‬ ‫أطروحته‪ ،‬ودحض أطروحة الطّرف المقابل‪ ،‬فبقدر ما كان هوالند‬

‫يصا على ضرورة االستم اررّية‬


‫نسيين‪ ،‬كان ساركوزي حر ً‬
‫ضمانا لغد أفضل لك ّل الفر ّ‬
‫ً‬ ‫وحتميته‬
‫ّ‬ ‫التّغيير‬

‫باعتبارها الضامن األساسي لبناء مجتمع جمهوري‪ ،‬فاعل في أوروبا وفي العالم‪.‬‬

‫السياسية‬ ‫اتيجيات الخواب ِ‬


‫الحجاجي في المناظرة‬ ‫ابعا‪ :‬إستر ّ‬
‫ّ‬ ‫ر ا‬

‫تعدد تقنيات ِ‬
‫الحجاج وتم ّكن‬ ‫السياسية بين فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي ّ‬ ‫يتبين المتابع للمناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الصانعة للخطاب السياسي المساجل‪ .‬ويمكن أن ُنجمل‬


‫البيانية واألدوات االستدال ّلية ّ‬
‫ّ‬ ‫الطّرفين من األساليب‬

‫جاجية في المناظرة بين الطّرفين في‪ :‬تنويع الحجج‪ ،‬وتعديد األسئلة‪ ،‬وتبئير الخطاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أهم التقنيات الح ّ‬
‫ّ‬

‫يقاعية مخصوصة‪ .‬وتفصيل القول في تلك التّقنيات فيما‬


‫بيانية وا ّ‬
‫إيحائية ّ‬
‫ّ‬ ‫واصطفاء عبارات ذات طاقة‬

‫يلي‪:‬‬

‫‪05‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫‪ .1‬تنويع الحجج‬
‫اقعية‬
‫الحجة الو ّ‬
‫ّ‬ ‫أ‪.‬‬

‫العملية‪ ،‬والمعلومات الموثوقة التي‬


‫ّ‬ ‫اقعية على استحضار جملة من المعطيات‬
‫الحجة الو ّ‬
‫ّ‬ ‫تتأسس‬
‫ّ‬

‫صحة رأيه من ناحية‪ ،‬وليحقّق‬


‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬ويستند إليها المحاجج ليبرهن على‬
‫تكون مح ّل اعتراف أغلب ّ‬

‫مطلب إيقاع التّصديق في ذهن المتقبل من ناحية أخرى‪ِ ،‬‬


‫فالحجاج في جانب من جوانبه هو محاولة‬ ‫ّ‬

‫ك إلى برد اليقين في شأن موقفه من بعض القضايا‪.‬‬


‫حيز الش ّ‬
‫للخروج بالمتلقّي من ّ‬

‫تصور ك ّل منهما‬
‫اقعية لتبرير ّ‬
‫بأنها و ّ‬
‫التوسل بحجج توصف ّ‬
‫ّ‬ ‫جد ك ّل من ساركوزي وهوالند في‬
‫وقد ّ‬

‫لعدد من المسائل‪ ،‬ففي خصوص معضلة البطالة في فرنسا شهدنا يوم الثاني من أيار ‪ /‬مايو ‪ 1021‬ما‬

‫سمى بـ "معركة األرقام" ‪ La bataille des chiffres‬بين المتنافسين‪ ،‬فقد ذهب المر ّشح االشتراكي إلى‬
‫ُي ّ‬

‫المسجلين‬
‫ّ‬ ‫أن عدد العاطلين عن العمل قد تزايد بشكل كبير على امتداد سنوات والية خصمه‪ ،‬وبلغ عدد‬
‫ّ‬

‫الجدد غير العاملين مليون شخص باعتبار العاطلين المفترضين‪ ،‬وهو رقم قياسي يخبر بفشل ذريع في‬

‫الحد من مشكلة البطالة في عهد الرئيس المنتهية واليته‪.31‬‬


‫ّ‬

‫معدل العاطلين عن العمل في بلده‬


‫أن ّ‬‫أن األمر خالف ذلك‪ ،‬واعتبر ّ‬
‫في حين ذهب ساركوزي إلى ّ‬

‫معتبر‬
‫ًا‬ ‫قدمها هوالند‬
‫اإلحصائيات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ببقية دول االتّحاد األوروبي‪ ،‬وش ّكك صراحة في‬
‫هو األق ّل مقارنة ّ‬

‫ئاسية المنقضية لم يتجاوز الـ ‪711‬‬


‫الج ُدد عن العمل خالل واليته الر ّ‬
‫قائال إ ّن عدد العاطلين ُ‬
‫ّأنها خاطئة‪ً ،‬‬

‫ألف شخص‪.‬‬

‫ـي‪ ...‬وذلـك‬
‫"إنها نسـبة عاليـة‪ ،‬ضـخمة‪ ،‬بـل رقـم قياس ّ‬
‫متحدثًا عن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خالل والية ساركوزي‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 31‬يقول هوالند‬
‫فشال"‪.‬‬
‫عد ً‬‫ُي ّ‬

‫‪06‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫اإلحصائيات‪ ،‬واختلف المرجع وتعارض القصد‪ ،‬فقد استند هوالند في تقديره‬


‫ّ‬ ‫وبذلك فقد تباينت‬

‫المسجلين في وكالة "قطب التّشغيل" ‪.Pôle d’emploi‬‬


‫ّ‬ ‫لعدد غير المباشرين للعمل إلى عدد العاطلين‬

‫الصادرة عن‬
‫حيز البطالة على المقاييس ّ‬
‫في حين اعتمد ساركوزي في ضبطه لعدد المندرجين في ّ‬

‫الدولي لل ّشغل ‪ Bureau international du travail‬في تحديد مفهوم العاطل عن العمل‪.‬‬


‫المكتب ّ‬

‫ميال إلى استحضار‬


‫وبذلك فاختيار األرقام لم يكن بر ًيئا‪ ،‬بل جرى وفق نهج انتقائي قصدي‪ ،‬فهوالند ّ‬

‫التنموية لخصمه وعجزها‬


‫ّ‬ ‫اقعية دامغة‪ ،‬يروم من خاللها اإلخبار بفشل المخطّطات‬
‫حجة و ّ‬
‫األرقام باعتبارها ّ‬

‫الحد من البطالة‪ .‬والقصد من ذلك التنبيه إلى قصور خصمه في‬


‫عن إحداث مواطن شغل جديدة‪ ،‬وعن ّ‬

‫يقدر عددهم بأربعة ماليين مواطن‪.‬‬


‫نسيين ّ‬
‫مهم من الفر ّ‬
‫مواجهة معضلة البطالة التي يعانيها قطاع ّ‬

‫قدمها‬
‫اإلحصائيات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫فإنه قد قدح في‬
‫اقعية‪ّ ،‬‬
‫بأن البطالة مشكلة و ّ‬
‫أما ساركوزي‪ ،‬فمع إق ارره ّ‬
‫ّ‬

‫مؤسسة على التّضليل والتهويل‪ ،32‬وقد ذهب إلى تقويم واقع المشكلة في بلده عبر‬
‫مبيًنا ّأنها ّ‬
‫مناظره‪ّ ،‬‬

‫أن الوضع في بلده أفضل‬


‫مبرز ّ‬
‫الدول المجاورة داخل االتّحاد األوروبي‪ً ،‬ا‬
‫نسيين بغيرهم في ّ‬
‫مقارنة حال الفر ّ‬

‫مسبقًا‬
‫مدروسا ّ‬
‫ً‬ ‫فعال ِحجاجيًّا‬
‫اإلحصائيات كان ً‬
‫ّ‬ ‫األوروبية‪ ،‬وبذلك فانتفاء‬
‫ّ‬ ‫الدول‬
‫من واقع الحال في باقي ّ‬

‫الغاية منه في اعتبار هوالند ضرورة التّعجيل بالتّغيير‪ ،‬والقصد منه في اعتبار ساركوزي التأكيد على‬

‫سعيا إلى تحقيق المنشود‪.‬‬


‫إيجابية االستمرار في اإلصالح ً‬
‫ّ‬

‫قدمتها خاطئة"‪.‬‬
‫إن األرقام التي ّ‬
‫"السيد هوالند‪ّ ،‬‬
‫قدمها هوالند‪ّ :‬‬
‫اإلحصائيات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫يقول ساركوزي مش ّك ًكا في‬ ‫‪32‬‬

‫‪04‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬
‫‪33‬‬
‫مطية إلثبات‬
‫والتباين في اختيار المراجع في هذا الشأن ّ‬ ‫وبذلك فقد كان التدافع على األرقام‬

‫أطروحة ونقض أخرى‪.‬‬

‫الدارس أن هذه المناظرة قد قوضت ما يقال إن اإلحصائيات هي أكثر عناصر ِ‬


‫الحجاج‬ ‫ويالحظ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫للم ْنجز‬
‫صدقية األرقام مدار نزاع بين المتجادلين‪ ،‬وتباينت تقديرات الطّرفين ُ‬
‫ّ‬ ‫موضوعية‪ ،‬فقد كانت‬
‫ّ‬

‫االقتصادي واالجتماعي والتّربوي للحقبة الساركوزّية على هذا األساس‪ .‬وأحال المتجادالن على المؤ ّشرات‬

‫مرة من‬
‫الرئيس المنتهية واليته‪ ،‬و‪ّ 74‬‬
‫مرة من جانب ّ‬
‫بمعدل ‪ّ 91‬‬
‫مرة خالل الحوار وذلك ّ‬
‫اإلحصائية ‪ّ 231‬‬
‫ّ‬

‫جانب مر ّشح الحزب االشتراكي‪ .‬وكثافة االستدالل باألرقام عند ساركوزي دالّة على رغبة أكيدة في البحث‬

‫العالمية على عهده‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫قمية تدعم مذهبه في القول بنجاح فرنسا في تجاوز األزمة‬
‫مؤيدات ر ّ‬
‫عن ّ‬

‫حد‬
‫الرجل إلى ّ‬
‫مستقبال‪ .‬وذهب ّ‬
‫ً‬ ‫وقدرتها على المساهمة الفاعلة في المشهد االقتصادي األوروبي والعالمي‬

‫نمو بين دول منظّمة التعاون االقتصادي والتّنمية‬


‫القول إ ّن فرنسا قد حقّقت أفضل نسبة ّ‬

‫‪ Organisation de coopération et de développement économiques, OCDE‬منذ عام‬

‫النمو في فرنسا قد قُ ّدرت في‬


‫أن نسبة ّ‬
‫الزعم ينطوي على مغالطة كبرى باعتبار ّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫‪ .1009‬والحقيقة ّ‬

‫أهمية‬
‫وتحسنت بمقدار ‪ %2.7‬عام ‪ ،1020‬وبمقدار ‪ %2.8‬عام ‪ .1022‬ومع ّ‬
‫ّ‬ ‫السنة نفسها بـ ‪%1.8‬‬
‫ّ‬

‫فإن الواقع يقول إ ّنها لم تكن أفضل من شركائها في هذا‬


‫التقدم المنشود في فرنسا في هذا الخصوص‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫قدر بـ ‪،%3‬‬
‫نمو تُ ّ‬
‫النمو؛ فقد شهدت الواليات المتّحدة خالل الفترة نفسها نسبة ّ‬
‫تحسن نسبة ّ‬
‫المستوى من ّ‬

‫أيضا بالتباين في‬


‫لم تكن معركة األرقام بين ساركوزي وهوالند قاصرة على االختالف في تحديد عدد العاطلين عن العمل‪ ،‬بل تعلّقت ً‬
‫‪33‬‬

‫النمو‪ ،‬وعجز الميزان التّجاري‪ ،‬وعدد المهاجرين‪...‬إلخ‪ .‬راجع متن المناظرة في هذا الخصوص‪.‬‬
‫ومعدل ّ‬
‫ّ‬ ‫المديونية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تحديد نسبة‬

‫‪02‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫سجلت تركيا من عام ‪ 1009‬إلى عام‬


‫النمو في ألمانيا (‪ ،%3.8 )1022 -1009‬في حين ّ‬
‫وبلغت نسبة ّ‬

‫قدر بـ ‪ %9 +‬و‪ %1.7 +‬على التوالي‪.34‬‬


‫نمو في المنطقة تُ ّ‬
‫‪ 1022‬أفضل نسبة ّ‬

‫االقتصادية على نحو فيه‬


‫ّ‬ ‫فإن ساركوزي ينتقي األرقام على طريقته‪ ،‬ويتناول المؤ ّشرات‬
‫وبذلك ّ‬

‫شيء من التّمويه عن الحقيقة‪ ،‬والمراد إبراز بلده في موقع المتألّق اقتصاديًّا في المنطقة‪ ،‬وذلك بفضل‬

‫الرشيدة للمر ّشح اليميني وأعضاء حكومته‪ ،‬وفي ذلك توظيف للمعطى اإلحصائي‬
‫االقتصادية ّ‬
‫ّ‬ ‫السياسة‬

‫لخدمة مطلب انتخابي‪ /‬تعبوي باألساس‪.‬‬

‫الم ْنجز االقتصادي للخصم‪ ،‬والبرهنة على‬


‫وفي سياق منهج التالعب باألرقام قصد التّهوين من ُ‬

‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫اإلحصائيات المتعلّقة بالحصيلة‬
‫ّ‬ ‫اال إلى تضخيم‬
‫مي ً‬
‫فشل منواله التّنموي كان فرانسوا هوالند ّ‬

‫أن حجم َّ‬


‫الد ْين الفرنسي قد ارتفع بمقدار ‪ 800‬مليار يورو منذ بداية عهد‬ ‫لحكومة ساركوزي‪ ،‬فقد ذهب إلى ّ‬

‫أن حجم َّ‬


‫الد ْين الفرنسي قد قُ ّدر عام ‪ 1001‬بـ ‪ 2122.8‬مليار‬ ‫ساركوزي‪ .‬هذه المعلومة غير دقيقة باعتبار ّ‬

‫فإن نسبة َّ‬


‫الد ْين أبعد‬ ‫‪35‬‬
‫يورو‪ ،‬وبلغ في الثلث األخير من عام ‪ 1022‬نحو ‪ 2121.3‬مليار يورو ‪ ،‬وبذلك ّ‬

‫من أن تكون قد ارتفعت بمقدار ‪ 800‬مليار يورو كما زعم هوالند‪.‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪Mathieu Bruckmüller et Bernard de Volontat, “Débat Hollande -Sarkozy: Qui a gagné la bataille des‬‬
‫‪chiffres?” Publié le 3 mai 2012: http://www.20minutes.fr/economie/927837-debat-hollande-sarkozy-‬‬
‫‪gagne-bataille-chiffres‬‬

‫‪35‬‬
‫‪Ibid..‬‬

‫‪02‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫فعال سلبيًّا‬
‫اإلحصائيات‪ ،‬مادام ذلك ً‬
‫ّ‬ ‫حرجا في تضخيم‬
‫فإن المر ّشح االشتراكي ال يرى ً‬
‫ثم‪ّ ،‬‬
‫ومن ّ‬

‫الرئاسي‬
‫األساسية متمثّلة في إثبات فشل مشروع ساركوزي ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن غايته‬
‫لصورة األداء االقتصادي لمنافسه؛ ّ‬

‫بديال منه‪.‬‬
‫اكية ً‬
‫الناس على تغييره واحالل االشتر ّ‬
‫وحث ّ‬
‫ّ‬ ‫والحكومي‪،‬‬

‫فإن هوالند وساركوزي يقفان هنا على مسافة واحدة من المتلقّي‪ ،‬ويستخدمان أساليب‬
‫وبناء عليه‪ّ ،‬‬
‫ً‬

‫سعيا إلى استتباع‬


‫الناعمة والتّمويه المقصود‪ ،‬ويجازفان بتغيير األرقام ً‬
‫التّعتيم المعلوماتي ومناهج المغالطة ّ‬

‫عدة أسئلة حول مدى‬


‫االنتخابية‪ .‬وهو ما يطرح ّ‬
‫ّ‬ ‫الديماغوجيا‬
‫المتقبل‪ ،‬ولو كان ذلك عبر انتهاج نهج ّ‬
‫ّ‬

‫اطيات الحديثة‪.‬‬
‫الديمقر ّ‬
‫أخالقية فعل التنافس السياسي في ّ‬
‫ّ‬

‫اإلحصائيات فحسب‪ ،‬بل‬


‫ّ‬ ‫اقعية في مناظرة المتسابقين قاصرة على مراجعة‬
‫الحجة الو ّ‬
‫ّ‬ ‫ولم تكن‬

‫الرجلين والتي‬
‫أيضا من خالل اإلحالة على عدد من األحداث والوقائع التي عرفها تاريخ ّ‬
‫كانت حاضرة ً‬

‫تسهم إثارتها من جديد في إنارة الناخب الفرنسي وتوجيه اختياره‪.‬‬

‫وحسبنا أن نأخذ في هذا اإلطار واقعتين كانتا مدار جدل المتناظرين؛ أعني واقعة لقاء ساركوزي‬

‫التبرعات لصالح حزبه‪ ،‬والحال ّأنه‬


‫بعدد من رجال األعمال في نزل البريستول‪ ،‬وذلك قصد جمع األموال و ّ‬

‫نسيين خلف رجل األعمال‬


‫اكيين الفر ّ‬
‫نسية‪ .‬والثانية واقعة اصطفاف االشتر ّ‬
‫في موقع رئاسة الجمهورّية الفر ّ‬

‫ورط في قضايا فساد مالي وأخالقي‪.‬‬


‫دومينيك تروتسكان‪ ،‬والحال ّأنه مت ّ‬

‫فقد استحضر الطّرفان‪ ،‬ك ّل على حدة‪ ،‬الواقعة التي يريد‪ ،‬وعمد إلى تقديمها على نحو يفيد المتلقّي‬

‫السياسيين المشاركين فيها‪.‬‬


‫ّ‬ ‫بخطورة الواقعة نفسها‪ ،‬وفساد الفاعلين‬

‫رد هوالند األنظار إلى حادثة استمالة ساركوزي لرجال األعمال وسعيه إلى‬
‫وفي هذا اإلطار‪ّ ،‬‬

‫يكف ساركوزي عن كونه رئيس ك ّل‬


‫الرئيس‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫كسب دعمهم المالي لحزبه‪ ،‬والحال ّأنه في موقع ّ‬

‫جبة االنتماء السياسي على الرغم من ّأنه‬


‫المتحزب الذي لم يخلع عنه ّ‬
‫ّ‬ ‫الرئيس‬
‫نسيين ليبدو في صورة ّ‬
‫الفر ّ‬
‫‪21‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الضيقة‪ ،‬وهي صورة‬


‫ّ‬ ‫الرئاسي ليخدم مصالحه الحز ّبية‬
‫سيد اإلليزيه‪ ،‬وليبدو في موقع من يستغ ّل نفوذه ّ‬
‫ّ‬

‫نسيين‪،‬‬
‫أحسن هوالند صوغها وتقديمها‪ ،‬وأتقن إخراجها في الوقت المناسب‪ ،‬وفي لقاء تابعه ماليين الفر ّ‬

‫فكان القصد من استدعاء هذا الحدث الواقعي االحتجاج على عدم جدارة ساركوزي برئاسة عموم‬

‫ألنه مشغول بالتّفكير في مصالح حزبه‬


‫جميعا؛ ّ‬
‫ً‬ ‫نسيين‪ ،‬فهو أبعد ما يكون عن التّفكير في مصلحتهم‬
‫الفر ّ‬

‫الطبقية‬
‫السياسية والحز ّبية و ّ‬
‫ّ‬ ‫قدم نفسه على ّأنه رئيس فوق االنتماءات‬
‫وآخرا‪ ،‬على خالف هوالند الذي ّ‬
‫ّأوًال ً‬

‫قائال إّنه رئيس الجميع بامتياز‪.‬‬


‫يديولوجية للمواطنين‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫واأل‬

‫اكيين حول دومينيك تروتسكان‬


‫ورّكز ساركوزي‪ ،‬في المقابل‪ ،‬على استقدام مشهد التفاف االشتر ّ‬

‫قمة الحزب ونحو تمثيلهم في سباق‬


‫الدفع به نحو ّ‬
‫الدولي وسعيهم إلى ّ‬
‫رجل األعمال الشهير ومدير البنك ّ‬

‫يتقصد بذلك الحطّ‬


‫ّ‬ ‫رئاسة الجمهورّية‪ ،‬متغاضين عن ماضيه اإلداري واألخالقي المشبوه‪ .‬وكان ساركوزي‬

‫خصوصا‪ ،‬وتقديمهم في صورة االنتهازّيين‪ ،‬وتُّبع المصلحة الحز ّبية‬


‫ً‬ ‫عموما وخصمه‬
‫ً‬ ‫اكيين‬
‫من صورة االشتر ّ‬

‫الضيقة‪.‬‬
‫ّ‬

‫وبذلك فاالنفتاح على الواقع ومحاورة الماضي فعل يندرج ضمن إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج‪ ،‬وضمن‬ ‫ّ‬

‫الزمن‪،‬‬
‫اقعية تخترق ّ‬
‫فالحجة الو ّ‬
‫ّ‬ ‫ومستقبال؛‬
‫ً‬ ‫وحاضر‬
‫ًا‬ ‫ماضيا‬
‫ً‬ ‫الزمانية المختلفة‬
‫ّ‬ ‫مسار تقويم المنافس في أبعاده‬

‫الرئاسة‪.‬‬
‫عامال فارقًا في تزكية مر ّشح أو الحؤول دونه ومنصب ّ‬
‫ً‬ ‫ويمكن أن تكون‬

‫‪20‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬
‫القيمية‬
‫ّ‬ ‫الحجة‬
‫ّ‬ ‫ب‪.‬‬

‫نظاما رمزًّيا‪ ،‬وسلو ًكا معيارًّيا تعيشه الجماعة وتتعاقد حوله‪ ،36‬معطى حاضر‬
‫ً‬ ‫القيمة باعتبارها‬

‫الرصيد القيمي الحديث‬


‫يخية التي جمعت هوالند بساركوزي‪ ،‬فقد استلهم كالهما ّ‬
‫بامتياز في المناظرة التار ّ‬

‫وعب ار عن انخراطهما في مسار التنوير الذي عرفه‬


‫عموما ّ‬
‫ً‬ ‫األوروبية‬
‫ّ‬ ‫خصوصا و‬
‫ً‬ ‫نسية‬
‫للتّجربة الحضارّية الفر ّ‬

‫اطية‬
‫الديمقر ّ‬
‫الحرية والعدالة و ّ‬
‫مقدمتها ّ‬
‫للدفاع عن قيم الجمهورّية وفي ّ‬
‫البلد منذ قرون‪ ،‬ور ّشح ك ّل منهما نفسه ّ‬

‫العلمانية‬
‫ّ‬ ‫المدنية‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫السلم االجتماعي‪ .‬وتنافسا في تقديم الضمانات في خصوص المحافظة على‬
‫و ّ‬

‫العلمانية خالل‬
‫ّ‬ ‫ألي قاعدة من قواعد‬
‫للدولة‪ .‬وفي ذلك يقول المر ّشح االشتراكي إ ّنه "لن يكون هناك خرق ّ‬
‫ّ‬

‫ئاسية"‪ ،37‬وهو ما أ ّكده ساركوزي في أكثر من موضع‪.38‬‬


‫واليته الر ّ‬

‫الدولة يندرج في إطار الجدل الذي عرفه االجتماع‬


‫علمانية ّ‬
‫ّ‬ ‫أن هذا الحرص على تأكيد‬
‫والحقيقة ّ‬

‫وكيفيات التعامل‬
‫ّ‬ ‫األجنبية في فرنسا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السنوات القليلة الماضية حول تنامي حضور الجاليات‬
‫الفرنسي خالل ّ‬

‫يحد من ظهور نماذج حضارّية‬


‫النسيج المجتمعي القيمي للبلد‪ ،‬على نحو ّ‬
‫معها‪ ،‬وطرق إدماجها داخل ّ‬

‫األول‬
‫النموذج الحداثي الجمهوري‪ ،‬فقد برز خالل واليتي ساركوزي صعود ّتيارين على األق ّل‪ّ :‬‬
‫بديلة عن ّ‬

‫يدعو إلى التّمكين للجاليات الوافدة في فرنسا والسماح ألفرادها بممارسة طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم‬

‫التوسع في مفهوم القيمة‪ ،‬راجع‪:‬‬


‫ّ‬ ‫لمزيد من‬ ‫‪36‬‬

‫‪Steve Bruce and Steven Yearlay, The Sage Dictionary of Sociology (California and New Delhi: Sage‬‬
‫‪Publications LTD., 2006), p. 314.‬‬

‫أي خــرق للقــوانين المتعلّقــة‬


‫للدولــة‪" :‬فــي ظ ـ ّل رئاســتي لــن يكــون هنــاك ّ‬
‫العلمانيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫الهويــة‬
‫يقــول هوالنــد فــي المنــاظرة‪ ،‬متعهّـ ًـدا بحمايــة ّ‬
‫‪37‬‬

‫بالعلمانية"‪.‬‬
‫ّ‬

‫نسية‪ ،‬مذ ّك ًار ّأنـه قـد‬


‫للعلمانية‪ ،‬وعمله على إرساء إسالم على الطريقة الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتد ساركوزي في أكثر من مناسبة خالل المناظرة بحمايته‬
‫ّ‬
‫‪38‬‬

‫سية‪.‬‬
‫العمومية ومنع لباس البرقع على األراضي الفرن ّ‬
‫ّ‬ ‫المؤسسات‬
‫ّ‬ ‫أشرف على إصدار قوانين لمنع ارتداء الحجاب في‬

‫‪22‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الدولة‪،‬‬
‫علمانية ّ‬
‫ّ‬ ‫مقدمة ذلك الجالية المسلمة التي دخل بعض المنتمين لها في مواجهة مع‬
‫الدينية وفي ّ‬
‫ّ‬

‫النقاب‪ ،‬والحجاب‪ ،‬واللّحم الحالل‪ ...‬وغير ذلك‪ .‬وهو ما ّأدى إلى نزاعات‬
‫خاصة فيما يتعلّق بقضايا ّ‬
‫ّ‬

‫نسية يميل إلى استيعاب‬


‫توجه لدى القيادة الفر ّ‬
‫أسس لظهور ّ‬
‫الدولة والمواطنين المسلمين وما ّ‬
‫قانونية بين ّ‬
‫ّ‬

‫سمى باإلسالم على الطّريقة‬


‫التكيف مع قيم الجمهورّية والترويج لما ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫المسلمين وجعلهم قادرين على‬

‫الرحيل‬
‫أن قدر األجانب ّ‬
‫نسيين و ّ‬
‫المتطرف القائل إ ّن فرنسا للفر ّ‬
‫ّ‬ ‫التيار ّتيار اليمين‬
‫نسية‪ .‬وقد قابل هذا ّ‬
‫الفر ّ‬

‫األصلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من بالد األنوار نحو مواطنهم‬

‫اعيا بخطورة التّساهل مع األجانب في‬


‫التنوع في بنية االجتماع الفرنسي‪ ،‬بدا ساركوزي و ً‬
‫إزاء هذا ّ‬

‫تهدد وحدة المجتمع الفرنسي‪،‬‬


‫قية قد ّ‬
‫دينية أو عر ّ‬
‫طائفية أو ّ‬
‫ّ‬ ‫السماح بانتظامهم داخل جماعات‬
‫مستوى ّ‬

‫للدولة وقيمها الجمهورّية‪.‬‬


‫العلمانية ّ‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫مؤ ّك ًدا استم ارره في مواجهة ك ّل سلوك يتعارض مع‬

‫يصا على‬
‫وعلوية قيمها الجمهورّية‪ ،‬حر ً‬
‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫مدنية ّ‬
‫وفي المقابل بدا هوالند‪ ،‬مع تسليمه بمبدأ ّ‬

‫نسيين على اختالف‬


‫داعيا إلى التأسيس إلى إطار للتعايش بين جميع الفر ّ‬
‫الثقافية‪ً ،‬‬
‫ّ‬ ‫التعددية‬
‫ّ‬ ‫التّسليم بقيمة‬

‫مقر بضرورة مشاركة المهاجرين إلى فرنسا‬


‫الطبقية‪ًّ ،‬ا‬
‫يديولوجية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ينية واأل‬
‫الد ّ‬
‫اإلثنية و ّ‬
‫قية و ّ‬‫انتماءاتهم العر ّ‬

‫والمقيمين بها في صوغ مالمح المشهد السياسي والعمراني في البلد‪ ،‬وذلك بإشراكهم في االنتخابات‬

‫الثقافية في البلد على‬


‫ّ‬ ‫التعددية‬
‫ّ‬ ‫تفهمية وفاقية لواقع‬
‫يقدم مقاربة ّ‬
‫الرجل في موقع من ّ‬
‫البلدية‪ .‬وبدا ّ‬
‫يعية و ّ‬
‫التشر ّ‬

‫الناخبين‪.‬‬
‫نحو يم ّكنه من استيعاب أكبر عدد ممكن من ّ‬

‫اإليجابية و ّادعاء تمثّلها فحسب‪ ،‬بل‬


‫ّ‬ ‫النظر لم يكن بتثبيت القيم‬
‫واستحضار القيم في المناظرة مدار ّ‬

‫الصدقية عن‬
‫ّ‬ ‫جد نيكوال ساركوزي في نفي‬
‫أيضا بمحاولة تجريد الطّرف المقابل من تلك القيم‪ ،‬فقد ّ‬
‫كان ً‬

‫‪23‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫الصغير"‪ .39‬وفي ذلك إمعان في التهوين ومبالغة‬


‫مرة بـ "الكاذب والمحتال والمخاتل ّ‬
‫هوالند ونعته أكثر من ّ‬

‫حجية الخصم وضرب‬


‫ي يروم الطّعن في ّ‬
‫في التّصغير الذي ُيراد به التّحقير‪ ،‬فتسفيه المخالف فعل معيار ّ‬

‫جردا من ذلك كله‪.‬‬ ‫فيكف عن كونه صادقًا‪ ،‬شفّافًا‪ًّ ،‬‬


‫وفيا لعهده ووعده ليصبح م ً‬ ‫ّ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫مصداقيته عند ّ‬
‫ّ‬

‫الصفات ال ّشنيعة عن نفسه والحاقها بخصمه الذي نعته‬


‫جد هوالند في نفي تلك ّ‬
‫وبالمقابل‪ ،‬فقد ّ‬

‫ومدعي امتالك الحقيقة‪ ،‬وبالمحاباة‪ ،‬وتراقى به األمر إلى اعتباره سبب الفرقة داخل المجتمع‬
‫بالمماطل‪ّ ،‬‬

‫الفرنسي‪.‬‬

‫السلوة‬
‫حجة ّ‬
‫ّ‬ ‫ج‪.‬‬

‫السلطة باعتبارها حالة نفوذ ولحظة هيمنة‪ ،40‬ومجال تعبير عن ال ّذات‪ ،‬وتأثير في اآلخر هي‬
‫ّ‬

‫للنظر في مناظرة ساركوزي‪ /‬هوالند وذلك من خالل ثالثة مظاهر على األق ّل‪:‬‬
‫معطى حاضر بشكل الفت ّ‬

‫للرجلين فرصة الكالم أمام ماليين المشاهدين في فرنسا‬


‫األول سلطة القول؛ فالمناظرة مناسبة وفّرت ّ‬
‫ّ‬

‫المتقبل‪ ،‬ومحاولة‬
‫ّ‬ ‫اتيجيات البرهان للفعل في‬
‫وخارجها‪ .‬وأتاحت لك ّل طرف استخدام تقنيات البيان واستر ّ‬

‫الركحي‬
‫الحجة وسطوة العبارة‪ .‬فكان ك ّل طرف يوظّف حضوره ّ‬
‫ّ‬ ‫امتالكه‪ ،‬وتوجيهه باالعتماد على سلطة‬

‫السبيل‬
‫تخصه‪ ،‬وبما يراه ّ‬
‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬وليب ّشر بالحقيقة التي‬
‫واإلعالمي وبروزه المشهدي ليفعل في اللّغة وفي ّ‬

‫إلى الخالص من أزمات شتّى‪ .‬وفي ك ّل ذلك تمكين للذات وتركيز لسلطة األنا‪" ،‬فقد ارتبط خطاب‬

‫"إنه افتراء وسخافة‪ّ ،‬إنك سخيف صغير"‪.‬‬


‫قائال‪ّ :‬‬
‫مرة ً‬‫نعت ساركوزي مناظره هوالند بأبشع ا ّلنعوت أكثر من ّ‬
‫‪39‬‬

‫السلطة" ‪ Pouvoir‬في‪:‬‬
‫مادة " ّ‬
‫انظر ّ‬
‫‪40‬‬

‫‪Le Petit Larousse illustré (Paris: Editions Larousse, 2008), p. 812.‬‬

‫‪24‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪41‬‬
‫"الرغبة في السيطرة وبسط‬
‫السلطة بسلطة الكلمات" ‪ ،‬على سبيل ّ‬
‫السلطة‪ ...‬بسلطة الخطاب وكلمات ّ‬
‫ّ‬

‫عية التي تضمن لسلطانها االستقرار‬


‫السلطة ّإنما يتمثّل في تحصيل الشر ّ‬
‫أن هاجس ّ‬
‫النفوذ‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ّ‬

‫واالستمرار"‪.42‬‬

‫بالقوة أو‬
‫مستقبال ّ‬
‫ً‬ ‫للرئاسة‬
‫الصريح عن مركزّية األنا وترشيحها ّ‬
‫للسلطة هو التّعبير ّ‬
‫والمظهر الثاني ّ‬
‫‪43‬‬
‫قدم هوالند نفسه‬
‫ّ‬ ‫للرئاسة ستعتمدون؟‬
‫أي نظام ّ‬
‫بالفعل؛ ففي إجابة عن سؤال كيف تعتزمون حكم فرنسا؟ و ّ‬

‫مرة على‬
‫وكرر عبارة "أنا باعتباري رئيس فرنسا‪ "...‬خمس عشرة ّ‬
‫"سيد اإلليزيه في المرحلة القادمة"‪ّ ،‬‬
‫ّأنه ّ‬

‫جميعا على نقض سياسات‬


‫ً‬ ‫موجهة تكاد تترّكز‬
‫قصدية ّ‬
‫ّ‬ ‫التّوالي في ظرف ثالث دقائق‪ ،‬وأردفها بتعبيرات‬

‫الناس؛ فهو القائل على سبيل الذكر ال الحصر‪" :‬أريد‬


‫الدولة وتسيير شؤون ّ‬
‫توجهاته في إدارة ّ‬
‫سلفه‪ ،‬ونقد ّ‬

‫نسيين‪ ،‬ويضعهم في االعتبار‪ ،‬ال أريد أن أكون رئيس ك ّل شيء‪ ،‬قائد ك ّل شيء‪،‬‬
‫ئيسا يحترم الفر ّ‬
‫أن أكون ر ً‬

‫أي شيء"‪.44‬‬
‫وغير مسؤول عن ّ‬

‫يتحدث من موقع الواثق بالظّفر برئاسة فرنسا من ناحية‪ ،‬باعتباره‬


‫الرجل ّ‬
‫أن ّ‬
‫وفي ذلك داللة على ّ‬

‫أن اإلطناب في التّكرار دا ّل على‬


‫صالحياته ومالمح رئاسته‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫وفصل‬
‫ّ‬ ‫الرئيس المقبل‬
‫تقمص دور ّ‬
‫قد ّ‬

‫محمد سبيال‪" ،‬األيديولوجيا والبالغة"‪ ،‬مجلّة المناظرة‪ ،‬العدد ‪ ،)2992( 7‬ص‪.11‬‬


‫ّ‬
‫‪41‬‬

‫األيديولوجيــة"‪ ،‬مجلّممة الفكممر‬


‫ّ‬ ‫البالغيــة والمعرفــة‬
‫ّ‬ ‫مصــطفى الغ ارفــي‪" ،‬البالغــة واأليــديولوجيا‪ :‬بحــث فــي العالقــة الملتبســة بــين المعرفــة‬ ‫‪42‬‬

‫العربي المعاصر‪ ،‬العدد ‪( 241 -248‬خريف ‪ ،)1022‬ص‪.239‬‬

‫الرئيس الذي تريد أن تكون؟"‪.‬‬


‫نص السؤال‪" :‬كيف تعتزمون الحكم؟ ما هو نموذج ّ‬
‫‪43‬‬

‫ويخبــر بعزمــه‬
‫الرئاســة‪ُ ،‬‬
‫اغتــنم فرانسـوا هوالنــد السـؤال عــن نمــط الرئاســة ليجعــل منــه نـواة تعبيرّيــة يكشــف مــن خاللهــا تصـ ّـوره لمنصــب ّ‬
‫‪44‬‬

‫قائال‪" :‬رئيس يحترم الفرنس ّـيين ّأوًال‪ ،‬ويضـعهم فـي االعتبـار‪ .‬رئـيس ال يريـد أن يكـون س ّـي ًدا‬
‫القطع مع النموذج الساركوزي في هذا المجال ً‬
‫أي شيء"‪.‬‬
‫النهاية عن ّ‬
‫على ك ّل شيء‪ ،‬مشرفًا على ك ّل شيء‪ ،‬وغير مسؤول في ّ‬

‫‪25‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫الناس والوعيهم‪ ،‬وهي سلطة تروم تغيير‬


‫الرئيس في وعي ّ‬
‫حضور مكثّف للذات‪ ،‬وعلى تركيز لسلطة األنا ّ‬

‫الرئاسة‪.‬‬
‫الواقع المجتمعي وتبديل نمط ّ‬

‫بديال منه‪ ،،‬فهو‬


‫السابق وتقوم ً‬
‫تقوض ّ‬
‫يؤسس لسلطة جديدة ّ‬
‫فهوالند بهذا المنحى في التّعبير ّ‬

‫الناس بالقطع مع‬


‫هجوما عنيفًا على سياسات خصمه‪ ،‬وليعد ّ‬
‫ً‬ ‫ليشن‬
‫ّ‬ ‫السؤال‬
‫يوظّف لحظة اإلجابة عن ّ‬
‫‪45‬‬
‫والفرقة قصد تأسيس مجتمع جمهوري تتوافر فيه العدالة والمساواة وينفتح‬ ‫المحسوبية والمحاباة‬
‫ّ‬ ‫الفساد و‬

‫المستقبلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اليومية وأحالمهم‬
‫ّ‬ ‫الناس وهمومهم‬
‫الرئيس العادي المتواضع على مشاغل ّ‬
‫فيه ّ‬

‫جلال‬
‫فعال ً‬
‫الرئاسة ً‬
‫تبناه ساركوزي ويتمثّل في اعتبار ّ‬
‫تصور آخر ّ‬
‫ّ‬ ‫التصور لل ّسلطة‪ ،‬يقابله‬
‫ّ‬ ‫وهذا‬

‫للتصدي لعدد من المشكالت‬


‫ّ‬ ‫يؤهل المضطلع به‬
‫منصبا ّ‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫عاديا باعتبارها‬ ‫أمر‬
‫ومسؤولية كبرى‪ ،‬وليست ًا‬
‫ّ‬

‫التحديات التي ال يواجهها اإلنسان العادي‪ ،‬فيطلب من‬


‫ّ‬ ‫ولح ّل عدد من المعضالت ولمواجهة الكثير من‬

‫شخصية‬
‫ّ‬ ‫بالضرورة‪ ،46‬فهي‬
‫ّ‬ ‫العادية‬
‫ّ‬ ‫الشخصية غير‬
‫ّ‬ ‫وي ْرتقى به إلى مقام‬
‫الرئيس ما ال ُيطلب من غيره‪ُ ،‬‬
‫ّ‬

‫جميعا وتستوعب ماضيهم وحاضرهم‪،‬‬


‫ً‬ ‫الناس‪ ،‬وتتمثّل مشاغلهم‬
‫حد ما‪ ،‬باعتبارها تسوس ّ‬
‫خارقة إلى ّ‬

‫الوضعيات الممكنة للتّحديث والتّطوير‪ .‬وسلطة‬


‫ّ‬ ‫وتتحدى الظّروف القاهرة‪ ،‬وتحدث‬
‫ّ‬ ‫وتستشرف مستقبلهم‪،‬‬

‫ويؤسس لكسب‬
‫ّ‬ ‫التحديات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرئيس هي سلطة فارضة لمنهج ما ولخيار ما في التّسيير يستجيب لطبيعة‬
‫ّ‬

‫التقدم في مختلف المجاالت‪.‬‬


‫معركة ّ‬

‫الرئاسـة فـي فرنســا‪" :‬أنــا‬


‫بأنـه لــن يقـدم علــى ذلـك إذا تـولّى مقاليــد ّ‬
‫ملم ًحـا لجمـع سـاركوزي األمـوال لصـالح حزبــه‪ ،‬ويخبـر ّ‬
‫يقـول هوالنـد ّ‬
‫‪45‬‬

‫قائال‪:‬‬
‫يسي"‪ .‬ويعد هوالند بإرساء قواعد عدالة مستقلّة ً‬
‫ئيسا للجمهورّية‪ ،‬لن أشارك في جمع ت ّبرعات لصالح حزبي في نزل بار ّ‬‫باعتباري ر ً‬
‫ئيسا‪ ،‬سأُف ّعل العدالة على نحو مستق ّل"‪.‬‬
‫"أنا باعتباري ر ً‬

‫عادية"‪.‬‬
‫يقول ساركوزي في توصيف منصب رئاسة الجمهورّية خالل المناظرة‪" :‬خطّة رئيس الجمهورّية ليست خطّة ّ‬
‫‪46‬‬

‫‪26‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الرمز‪ ،‬فقد استحضر ك ّل‬


‫الرجلين في اعتماد سلطة ّ‬
‫للسلطة في مناظرة ّ‬
‫ويتمثّل المظهر الثالث ّ‬

‫العام في فرنسا من قبيل شارل ديغول وفرانسوا ميتران‬


‫ّ‬ ‫السياسة وقادة ال ّشأن‬
‫عددا من أعالم ّ‬
‫منهما ً‬

‫الرئاسة والبحث عن نسب بينه وبين من نجحوا في‬


‫سنة ّ‬
‫وجيسكار ديستان‪ ،‬وحاول ك ّل طرف االنخراط في ّ‬

‫السابقين البناء الحضاري واالنتظام السياسي للمجتمع‬


‫قيادة البلد والبرهنة على ّأنه يراكم على جهود ّ‬

‫الجمهوري‪.‬‬

‫السلطة هنا على استخدام أعمال شخص أو مجموعة من األشخاص وأحكامهم‬


‫حجة ّ‬
‫وتأسست ّ‬
‫ّ‬
‫‪47‬‬
‫الرمز إلى ما يرمز إليه‬
‫تأسس التّرميز هنا على "االنتقال من ّ‬
‫صحة أطروحة ما ‪ .‬وبذلك ّ‬
‫حجة على ّ‬
‫ّ‬
‫‪48‬‬
‫الرمزي‬
‫المسيحية" ‪ ،‬وهذا الضرب من االنتقال ّ‬
‫ّ‬ ‫الصليب إلى‬
‫مثلما ينتقل من العلم إلى الوطن ومن ّ‬

‫الرمز‬
‫أن ّ‬‫الرئاسة‪ .‬غير ّ‬
‫عية وعن استمرار أحقّية في تولّي شؤون ّ‬
‫اإليجابي اعتمده المتنافسان بحثًا عن شر ّ‬

‫الرمز ذات بعد‬


‫خاصة إذا كانت رمزّية ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجة على الخصم‬
‫ّ‬ ‫سبيال إلى إقامة‬
‫قد يكون في بعض المواضع ً‬

‫تهرب فرانسوا هوالند من أن‬


‫سلبي ال يرده المناظر في الطّرف المقابل‪ ،‬من ذلك في مناظرة الحال ّ‬
‫ّ‬ ‫إيحائي‬
‫ّ‬
‫وتهرب هذا األخير من أن يكون حليفًا لرئيس الوزراء اإليطالي‬
‫للستالينية كما ّادعاه ساركوزي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يكون وريثًا‬

‫السياسي والمالي‪.‬‬
‫السابق سيلفيو برلسكوني‪ ،‬لما لحق به من شبه الفساد اإلداري و ّ‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪Chaîm Perelerman et Lucie Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation- la nouvelle rhétorique, pré‬‬


‫‪face de Michel Mayer, 5ème édition (Bruxelles: éditions de l’université de Bruxelles, 1992), p. 411.‬‬

‫حمـادي‬ ‫ِ‬ ‫‪ 48‬عبد اهلل صولة‪ِ ،‬‬


‫مصنف في الحجاج‪ -‬الخطابة الجديدة لبرلمان وتيتيكان"‪ ،‬في‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫"الحجاج‪ :‬أطره‪ ،‬منطلقاته وتقنياته من خالل‬
‫الغربية‪ ،‬ص ‪.338‬‬ ‫نظريات ِ‬
‫الحجاج في التقاليد‬ ‫أهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صمود (مشرف)‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫‪24‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫‪ .2‬تعديد األسئلة‬
‫الداخلي الفرنسي‪ ،‬واجتهد ك ّل من‬
‫تعددت األسئلة المطروحة في المناظرة‪ ،‬وتعلّق أغلبها بال ّشأن ّ‬
‫ّ‬

‫النقاش‪.‬‬
‫الدفاع عن موقفه من القضايا مدار ّ‬
‫المتناظرين في ّ‬

‫استفهامية‬
‫ّ‬ ‫الرجلين فحسب‪ ،‬بل كان أداة‬
‫صادر عن من ّشطي اللّقاء بين ّ‬
‫ًا‬ ‫السؤال لم يكن‬
‫لكن ّ‬
‫ّ‬

‫كل‬
‫اصلية الجامعة بينهما‪ ،‬فقد استحضر ّ‬ ‫ِ‬
‫جاجية استخدمها المتناظران أثناء الواقعة التو ّ‬
‫حوارّية‪ ،‬وآلة ح ّ‬

‫السؤال ال بغاية طلب شيء غير حاصل وقت الطّلب‪ ،‬أو بغاية االستفسار عن أمر غير مفهوم‪،‬‬
‫طرف ّ‬

‫المحاجة التي تريد تبكيت المخالف واعالن الغلبة‬


‫ّ‬ ‫السؤال على الطّرف المقابل على سبيل‬
‫بل كان طرح ّ‬

‫احدا؛ أعني تعجيز الخصم‬


‫اإلفحامية وكان القصد و ً‬
‫ّ‬ ‫تنوعت مداخل األسئلة‬
‫الناس كافّة‪ ،‬لذلك ّ‬
‫عليه أمام ّ‬

‫السؤال االستفزازي‬
‫والتّشويش على تواصله مع المتلقّين‪ .‬ويمكن أن نثبت على سبيل ال ّذكر حضور ّ‬

‫السخرية الالّذعة‬
‫اإلنكاري في المناظرة من قبيل مساءلة ساركوزي لهوالند بلهجة ال تخلو من اإلثارة و ّ‬

‫الرئاسة]‪.‬‬
‫الصغيرة" [لتولّي مقاليد ّ‬
‫"أتظن ّأنه يكفي المجيء بهذه البدلة ّ‬
‫ّ‬ ‫قائال‪:‬‬
‫ً‬

‫السؤال محاولة لتصغير المنافس واثارة انفعاله رغبة في إرباكه والتهوين من قدره أمام‬
‫ففي هذا ّ‬

‫السائل على خالف المسؤول عليم بشؤون‬


‫أن ّ‬‫الرئاسة‪ ،‬وفي ذلك إعالم ّ‬
‫الجمهور وبيان لقلّة خبرته بأمور ّ‬

‫السؤال المباغت غائبة عن نهج هوالند في‬


‫اتيجية طرح ّ‬
‫الناس وادارة شؤونهم‪ .‬ولم تكن إستر ّ‬
‫سياسة ّ‬

‫بالسؤال عن تفاصيل تتعلّق بماضيه السياسي وانحيازه إلى حزبه والى رجال‬
‫المحاجة‪ ،‬فقد باغت ساركوزي ّ‬
‫ّ‬

‫أبدا إلى نزل البريستول مع‬


‫قائال‪" :‬ألم تذهب ً‬
‫بالسؤال ً‬
‫الرئاسة؛ فقد باغته ّ‬
‫األعمال على حساب اقتضاءات ّ‬

‫الدهشة على وجهه‬


‫الرجل وترك عالمات ّ‬
‫السيد وورث ‪ Worth‬لجمع األموال [لحزبك]؟"‪ ،‬وهو سؤال فاجأ ّ‬
‫ّ‬

‫مصداقيته أمام‬
‫ّ‬ ‫يسترد أنفاسه ويسرع في تقديم الجواب عن سؤال كان يريد به إرباكه وضرب‬
‫ّ‬ ‫قبل أن‬

‫ألح‬
‫بالسؤال من هذا الطّرف أو ذاك في أكثر من موضع‪ ،‬و ّ‬
‫وتكررت تقنية المحاصرة ّ‬
‫المتابعين للمناظرة‪ّ .‬‬

‫أحس بوطأة األمر‬


‫قائال‪" :‬أجبني اآلن"‪ ،‬فما كان من ساركوزي وقد ّ‬
‫هوالند في طلب الجواب من خصمه ً‬
‫‪22‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫قائال‪" :‬لست تلمي ًذا لك يا هذا" وذلك حتّى ال يعلو عليه خصمه فيخت ّل التوازن‪،‬‬
‫رد ً‬ ‫السؤال أن ّ‬
‫وخطورة ّ‬

‫ركنا‬
‫السؤال ً‬
‫جراء سؤال يأتيه من حيث يدري ومن حيث ال يدري‪ .‬من هنا كانت صناعة ّ‬
‫ويخسر المناظرة ّ‬

‫السياسية‪.‬‬ ‫مهما من أركان صناعة ِ‬


‫الحجاج في المناظرة‬ ‫ًّ‬
‫ّ‬

‫بالسؤال‬
‫‪ .3‬االستدراج ّ‬
‫السؤال هو طلب العلم بشيء غير حاصل وفق الطلب‪ ،‬فهو ملفوظ دا ّل ُينجز بغاية‬
‫أن ّ‬‫معلوم ّ‬
‫‪49‬‬
‫الصنف من األسئلة قد كان عماد‬
‫أن هذا ّ‬
‫صحتها ‪ ،‬والحقيقة ّ‬
‫الحصول على معلومة ما أو التأ ّكد من ّ‬

‫الرجلين‬
‫المتعدد حول برنامجي ّ‬
‫ّ‬ ‫السؤال‬
‫جميعا يلتقون عند طرح ّ‬
‫ً‬ ‫المناظرة‪ ،‬فالمن ّشطان والمتناظران والجمهور‬

‫وحاضر‬
‫ًا‬ ‫ماضيا‬
‫ً‬ ‫تصورهما لواقع فرنسا في مختلف المجاالت‬
‫ّ‬ ‫المتسابقين على رئاسة فرنسا وحول تفاصيل‬

‫ومستقبال‪.‬‬
‫ً‬

‫مهما من‬
‫عددا ًّ‬
‫أن ً‬‫لكن المالحظ ّ‬
‫ولك ّل نهجه في اإلجابة‪ ،‬في طريقته في البيان والتّحليل واإلقناع‪ّ ،‬‬

‫بالسؤال‬
‫سمى ّ‬‫األسئلة‪ ،‬التي طرحها المتنافسان أحدهما على اآلخر أثناء المجادلة‪ ،‬لم تكن تنتمي إلى ما ُي ّ‬
‫االستخباري‪ ،‬بل كانت تندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بالسؤال ِ‬
‫المحجاج الذي يهدف إلى إحراج الطّرف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السياق المشكلي والمقامي المناسب ليثير‬


‫فالسائل يختار الوقت المناسب و ّ‬
‫الحجة عليه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫المسؤول‪ ،‬واقامة‬

‫فور وعلى موجات األثير‪ ،‬وال يترك لخصمه الفرصة للمناورة‬


‫السؤال وليطلب اإلجابة من الطّرف المقابل ًا‬
‫ّ‬

‫السؤال‪ ،‬والمراد إرباك المنافس‪ ،‬واستنطاقه على جهة‬


‫أو للهروب إلى األمام أو للخروج عن موضوع ّ‬

‫النحو التالي‪" :‬السؤال‪ :‬طلب منجز بغرض الحصول على معلومات أو التحقّـق مـن‬
‫ورد في معجم الروس تحديد مفهوم السؤال على ّ‬
‫‪49‬‬

‫معارف"‪ ،‬انظر‪.Le Petit Larousse, p. 842 :‬‬

‫‪22‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السؤال‬
‫النهج في ّ‬
‫السرعة في مسائل دقيقة‪ ،‬والغاية هي إحراجه أو مفاجأته بما يعلم وبما ال يعلم‪ .‬وهذا ّ‬
‫ّ‬

‫السؤال المفاجئ وتوليد‬


‫االستفهامية التي تقوم على طرح ّ‬
‫ّ‬ ‫نسميه المحاججة‬
‫يندرج ضمن ما يمكن أن ّ‬

‫تردد أو‬
‫الحجة على نفسه‪ ،‬وان هو ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلجابة عنه من ردود الطرف المنافس‪ ،‬فإن هو أجاب أقنع أو أقام‬

‫المتقبل للمناظرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تهرب من الجواب عن جهة التّصريح كان موصوفًا بالعاجز في رأي الجمهور‬
‫ّ‬

‫اصلية‪ ،‬فعلى سبيل‬


‫عدة مواقف تو ّ‬
‫السؤال ك ّل من ساركوزي وهوالند في ّ‬
‫النهج في ّ‬
‫وقد نهج هذا ّ‬

‫الذكر ال الحصر‪ ،‬يمكن أن نشير إلى استهجان ساركوزي مقارنة بعضهم بينه والدكتاتور اإلسباني‬

‫علنا‪ ،‬فقد ساءله ساركوزي أكثر من‬


‫فرانسيسكو فرانكو‪ ،‬وتشويههم له مقابل سكوت هوالند وعدم إدانته لذلك ً‬

‫تتحدثون عنها؟ هل أدنتم هذا الخطاب الباعث على ال ّشعور‬


‫الروح الجامعة التي ّ‬
‫قائال‪" :‬هل هذه هي ّ‬
‫مرة ً‬‫ّ‬

‫الروح الجامعة أن يدعو رئيس‬


‫مستفسر على سبيل التوبيخ واإلنكار‪" :‬هل تقتضي ّ‬
‫ًا‬ ‫بالصدمة"‪ .‬كما يسترسل‬
‫ّ‬

‫للعمال" إلى دعم المر ّشح االشتراكي في خرق واضح لك ّل‬


‫الية في فرنسا "المجلس العام ّ‬
‫ّأول نقابة عم ّ‬

‫النقابية؟"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التقاليد‬

‫السؤال المحجاج‪ ،‬نذكر محاصرة هوالند لخصمه بعدد من األسئلة‬


‫وفي سياق التّمثيل على ّ‬

‫مقدمتها عالقته ببرلسكوني‪ ،‬وانضواؤه معه تحت راية الفصيل‬


‫المحرجة التي لم يجد منها مهرًبا‪ ،‬وفي ّ‬

‫قائال‪" :‬أليس‬
‫مرة ً‬‫الصعيد األوروبي‪ ،‬فقد ساءله هوالند في هذا ال ّشأن أكثر من ّ‬
‫الحزبي نفسه على ّ‬

‫ألح في طلب‬
‫الشعبية ألوروبا ‪PPE‬؟‪ ،‬ألست معهم في الحزب نفسه؟" و ّ‬
‫ّ‬ ‫منتميا إلى حزب الجبهة‬
‫ً‬ ‫برلسكوني‬

‫فرد على‬
‫جاجية‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫االستفهامية الح ّ‬
‫ّ‬ ‫ضج ساركوزي بتلك المالحقة‬
‫قائال‪" :‬أجبني عن سؤالي"‪ .‬وقد ّ‬
‫الجواب ً‬

‫قائال‪" :‬لست تلميذك‪ .‬سأجيبك الحقًا"‪ ،‬وفي ذلك إحساس‬


‫سائله في لهجة قلقة‪ ،‬ساخرة‪ ،‬مضحكة في آن ً‬

‫السؤال ومحاولة للهروب من اإلجابة لخشية ساركوزي من اإلقرار بعالقته برجل معروف بفساده‬
‫بوطأة ّ‬

‫السياسي واسمه برلسكوني‪.‬‬


‫اإلداري و ّ‬

‫‪31‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫يتعدى ذلك‬
‫السياسية‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫السؤال ال يقف عند مطلب االستخبار في المناظرة‬
‫أن ّ‬‫نتبين ّ‬
‫من هنا ّ‬

‫الحجة على خصمه ويدفعه نحو مجاهل‬


‫ّ‬ ‫السائل ليقيم‬
‫مهمة يعتمدها ّ‬
‫فعالة وتقنية إستراتيجية ّ‬
‫ليستقيم أداة ّ‬

‫الصمت أو الهروب إلى األمام‪.‬‬


‫الرد أو ّ‬
‫ّ‬

‫‪ .4‬تبئير الخواب‬
‫معينة‪ ،‬ومركزة الجدل حول‬
‫السياسية توجيه الحوار نحو مشاغل ّ‬
‫ّ‬ ‫نعني بتبئير الخطاب في المناظرة‬

‫دوائر اهتمام مخصوصة دون غيرها على نحو يسهم في توجيه انتباه المتلقّي إلى أمور دون أخرى‪،‬‬

‫جدت بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند ّأنها قد رّكزت أسا ًسا على‬
‫والمالحظ من متابعة المناظرة التي ّ‬

‫نسيين‪ ،‬وهو أمر ينسجم مع طبيعة الفضاء التاريخي‪ ،‬والمجال االجتماعي الذي‬
‫الداخلي للفر ّ‬
‫قضايا ال ّشأن ّ‬

‫تمت فيه وقائع المناظرة بين الطّرفين‪ ،‬فطبيعة الحدث ساهمت في تشكيل محتوى الجدل وبنيته وفق‬
‫ّ‬

‫حين كليهما‬
‫ئاسية جعل المر ّش ْ‬
‫الزمان ومعطيات المكان‪ ،‬فصدور التناظر بمناسبة االنتخابات الر ّ‬
‫اقتضاءات ّ‬

‫االقتصادية‪ ،‬ومشكلة‬
‫ّ‬ ‫آنية محلّية ذات عالقة بالواقع اليومي للمواطن من قبيل األزمة‬
‫يهتمان بطرح قضايا ّ‬
‫ّ‬

‫السجال االنتخابي‪ ،‬وان حضرت فهي‬


‫الخارجية عن ّ‬
‫ّ‬ ‫البطالة ومتعلّقات الهجرة "فيما غابت قضايا السياسة‬

‫‪50‬‬
‫دولية‬
‫وكأنها قضايا محلّية" ‪ .‬وبذلك "جاءت مكانة العالم ضئيلة [في المناظرة] على الرغم من ّ‬
‫تقارب ّ‬

‫الدوحـة‪ ،‬مركـز الجزيـرة للد ارسـات‪ 1 ،‬أيـار ‪ /‬مـايو‪،‬‬


‫عبدالنور بن عنتر‪" ،‬سياسـة فرنسـا فـي عهـد هوالنـد‪ ...‬بـين االسـتم اررّية والتّغييـر"‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪50‬‬

‫‪ ،1021‬ص ‪ ،1‬انظر‪:‬‬

‫‪http://studies.aljazeera.net/reports/2012/05/201257132039483995.htm‬‬

‫وفي السياق نفسه راجع‪" :‬بعد فوز االشتراكيين‪ ،‬هل تتغير سياسة فرنسا العر ّبية؟"‪ ،‬الدوحة‪ ،‬المركز العربـي لألبحـاث ود ارسـة السياسـات‪،‬‬
‫‪ 3‬تموز ‪ /‬يوليو ‪ ،1021‬انظر‪:‬‬

‫‪http://www.dohainstitute.org/release/16102c1c-9b55-4a96-988a-0fe24f3e1c54‬‬

‫‪30‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬
‫‪51‬‬
‫أن‬
‫األول ّ‬
‫الخارجية" ‪ .‬ويمكن تفسير ذلك بسببين على األق ّل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الداخل الفرنسي وامتداداته‬
‫أبعاد هموم ّ‬

‫مما يجعل المبادرة بتناولها‬


‫الرجلين‪ ،‬فلك ّل مقاربته في حلّها ّ‬
‫خالفية بين ّ‬
‫ّ‬ ‫الداخلية هي قضايا‬
‫ّ‬ ‫القضايا‬

‫الناخب‬
‫التقرب من ّ‬
‫مساهما في تمييز مر ّشح عن آخر‪ ،‬محقّقًا لمطلب ّ‬
‫ً‬ ‫وجعلها في مح ّل بؤرة االهتمام‬

‫الدولية هي خيارات‬
‫ّ‬ ‫أن خيارات السياسة‬
‫السبب الثاني متمثّل في ّ‬
‫الفرنسي قصد استمالته ولكسب نصرته‪ ،‬و ّ‬

‫الداخلي‪،‬‬
‫بمعية شركائها في االتّحاد األوروبي والحلف األطلسي‪ ،‬وال ترتبط بالضرورة بال ّشأن ّ‬
‫تنجزها فرنسا ّ‬

‫اإلقليمية‬
‫ّ‬ ‫النظر بين الطرفين تتقارب في مستوى التعاطي مع عدد من القضايا‬
‫أن وجهات ّ‬
‫ُيضاف إلى ذلك ّ‬

‫الربيع‬
‫االقتصادية في اليونان‪ ،‬ومفاوضات السالم في ال ّشرق األوسط وأحداث ّ‬
‫ّ‬ ‫الدولية‪ ،‬من ذلك األزمة‬
‫و ّ‬

‫مصر على رحيل بشار األسد عن حكم سورية‪ ،‬وعلى ضرورة مكافحة اإلرهاب‬
‫ّ‬ ‫أن ك ًّال منهما‬
‫العربي‪ ،‬كما ّ‬

‫التدبر‬
‫الدولي‪ ،‬وبذلك فالتّماثل في هذه المقامات جعلها من قبيل المفروغ منه‪ ،‬لذلك لم تجد حظّها من ّ‬
‫ّ‬

‫النقاش على نحو مسهب في مناظرة التسابق على الرئاسة‪.‬‬


‫والتّدافع و ّ‬

‫أهمها حرص هوالند على إبراز الحصيلة‬


‫لعل ّ‬
‫وهناك مستويات أخرى لتبئير الخطاب في المناظرة ّ‬

‫فكثير ما رّكز الحوار على مساءلة ساركوزي عن اإلجراءات التي‬


‫ًا‬ ‫ئاسية؛‬
‫الر ّ‬‫السلبية لمنافسه أثناء واليته ّ‬
‫ّ‬

‫خاصة ما تعلّق بسياساته الغر ّبية ومواقفه من المهاجرين‪،‬‬


‫ّ‬ ‫اتّخذها في مجاالت شتّى أثناء حكمه فرنسا‬

‫النمو‪ ،‬وعدم تحقيقه لتلك الوعود‪ ،‬وغاية هوالند من هذا التّبئير‬


‫ووعوده بح ّل مشكلة البطالة وزيادة نسبة ّ‬

‫نسيين‪ ،‬وقصوره عن‬


‫الحجة عليه والكشف عن عجزه عن االستجابة لمطالب الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫لحكم مناظره هي إقامة‬

‫مرة إلى‬
‫اال أكثر من ّ‬
‫مي ً‬
‫النمو‪ .‬وفي اإلطار نفسه‪ ،‬كان ساركوزي ّ‬
‫الرفاه واالستقرار و ّ‬
‫تحقيق آمالهم في ّ‬

‫عنتر‪" ،‬سياسة فرنسا في عهد هوالند"‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪32‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫وكيفيات إدارتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدولية‪ ،‬وغير العليم بواقع فرنسا‬
‫ّ‬ ‫إظهار هوالند في موقع غير الخبير بشؤون السياسة‬

‫والمراد بيان خطورة تسليمه مقاليد قيادة البالد‪.‬‬

‫جاجية إستراتيجية اعتمدها الطّرفان‪ ،‬قصد توجيه الّناخب الفرنسي نحو‬ ‫ِ‬
‫وبذلك فالتّبئير تقنية ح ّ‬

‫مسائل دون أخرى‪ ،‬وقصد التح ّكم في سلوكه االنتخابي وكسب صوته وتحويله من محايد إلى مناصر‪.‬‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫خامسا‪ :‬لغة الخواب في المناظرة‬
‫ا‬

‫التصورات‬
‫المعبرة عن المفاهيم و ّ‬
‫ّ‬ ‫الدالة‬
‫يتكون من الوحدات ّ‬
‫ّ‬ ‫اللّغة‪ ،‬باعتبارها نظام تواصل‪،‬‬

‫السياسية‪ ،‬فاللّغة في هذا الجنس‬


‫ّ‬ ‫تعبيري غير محايد في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫المسمية لألشياء والظواهر‪ ،‬هي جهاز‬
‫و ّ‬

‫خالفية‪ .‬لذلك كانت المناظرة‬


‫ّ‬ ‫ومخبرة بموقف األنا واآلخر من مسائل‬
‫يديولوجية‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫لخلفية أ‬
‫ّ‬ ‫حمالة‬
‫من الكالم ّ‬

‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫ألنها ّبينت حجم االختالفات على مستوى السياسات‬
‫حد تعبير فرانسوا هوالند ّ‬
‫مفيدة على ّ‬
‫‪52‬‬
‫الذاتية في تقويم الواقع واستشراف‬
‫ّ‬ ‫وآلياته‬
‫المخصوص ّ‬ ‫االجتماعية للطّرفين‪ ،‬فلك ّل متناظر مشروعه‬
‫ّ‬ ‫و‬

‫الناخبين به‪ .‬والمالحظ من خالل‬


‫المميزة في تقديم مشروعه واقناع ّ‬
‫ّ‬ ‫اللغوية‬
‫ّ‬ ‫المستقبل‪ .‬ولك ّل متناظر أدواته‬

‫الرئاسة بين هوالند وساركوزي وجود نقاط اختالف‬


‫قراءتنا لبنية الخطاب اللّغوي في مناظرة التّسابق على ّ‬
‫ونقاط تماثل بين الطّرفين في مستوى التعبير ِ‬
‫الحجاجي‪ ،‬ففي مستوى نقاط التماثل‪ ،‬يمكن أن نذكر التقاء‬

‫الرجلين عند حسن اصطفاء العبارة واعتماد التكرار ولزوم األسلوب المباشر والميل إلى المشافهة البليغة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الجبائية‪ ،‬فليس لنا المشروع نفسه"‪.‬‬


‫ّ‬ ‫االجتماعية و‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫السياسات‬
‫"هذه المناظرة كانت مفيدة‪ ،‬فقد ّبينت اختالفات في مستوى ّ‬
‫‪52‬‬

‫‪33‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫شفوي‬
‫‪ .1‬في اصوفاء العبارة وبالغة الخواب ال ّ‬
‫يتبين في هذه المناظرة سالسة العبارة لدى الطّرفين وطالوة الكالم‬
‫من اليسير على الباحث أن ّ‬

‫فالرجالن متم ّكنان من لغة شارل بودلير (الشاعر والناقد الفني الفرنسي) ّأيما تم ّكن‪ ،‬وال‬
‫عند ك ّل منهما‪ّ ،‬‬

‫تبعثرا‪ ،‬أو لعثمةً‪ ،‬فاللّغة أسلمت لهما قيادها‪ ،‬والكلمات يأخذ‬


‫ً‬ ‫نجد في التعبير عند ك ّل منهما ترّد ًدا‪ ،‬أو‬

‫معبرة عن القصد في غير تكلّف‪ .‬وفي ذلك دليل على‬


‫سيالة‪ّ ،‬‬
‫بعضها برقاب بعض‪ ،‬فترد الجمل مسترسلة ّ‬

‫السياسية من عبارات‪ ،‬فقد‬


‫ّ‬ ‫الخطابية‬
‫ّ‬ ‫كال منهما يعي ما يقول‪ ،‬ويحسن ترجمة أفكاره بما توفّره له اللّغة‬
‫أن ً‬
‫ّ‬

‫المعجمية للجدل بين الطّرفين‪ ،‬فمنها ما اتّصل بالهجرة واالقتصاد‪ ،‬ومنها ما تعلّق‬
‫ّ‬ ‫تعددت السجالّت‬
‫ّ‬

‫الحد من البطالة‪ ،‬ومنها ما كان عن‬


‫الخارجية‪ ،‬ومنها ما دار حول التنمية و ّ‬
‫ّ‬ ‫النووية والسياسة‬
‫ّ‬ ‫بالمفاعالت‬

‫الرجلين على ك ّل قضايا ال ّشأن‬


‫أوروبية‪ .‬وتعد ُد المعاجم دا ّل على سعة اطّالع ّ‬
‫ّ‬ ‫التربية والشراكة الفرنكو‪-‬‬

‫الراهن اللّغوي والمجتمعي في البلد‪ .‬وهو ما ساهم في إحداث‬


‫بمستجدات ّ‬
‫ّ‬ ‫الداخلي الفرنسي وعلى وعيهما‬
‫ّ‬

‫لتتحدث عن مشكالته وأحالمه‪ ،‬ولتمارس‬


‫ّ‬ ‫المتقبل‬
‫ّ‬ ‫المتقبل الفرنسي باعتبارهما يوظّفان لغة‬
‫ّ‬ ‫إلف بينها وبين‬

‫عليه سلطة اإلغواء واالستقطاب‪ ،53‬فحسن اصطفاء العبارة ورصف الكلمات على نحو مخصوص يساهم‬

‫في تعزيز الحضور البياني والبالغي للمتكلّم من ناحية‪ ،‬وفي تعزيز مطلب التأثير في المتلقّي من ناحية‬

‫الحجة واالرتقاء بها من كونها واهية مملّة لتصبح مقنعة آسرة"‪.54‬‬


‫أخرى‪ " ،‬فتستدعى الكلمات قصد تعزيز ّ‬

‫السحر‪ ،‬فيستطيع بما يصطنع من إفصاح‬


‫والمتكلّم البليغ‪ ،‬إذ يتمهّر في فنون القول‪ ،‬يفعل في المتلقّي فعل ّ‬

‫الداللة‪ ،‬بلوغ أعلى مراتب التأثير العقلي والعاطفي في متلقّيه‪ ،‬بما يكفل‬
‫بالحجة‪ ،‬ومبالغة في وضوح ّ‬
‫ّ‬

‫الغرافي‪" ،‬البالغة واأليديولوجيا"‪ ،‬ص‪.272-270‬‬ ‫‪53‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪Robert Mayer, How to Win any Argument (New Jersey: Career press, Franklin Lakes, 2005), p. 107.‬‬

‫‪34‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السامع وتعديل اعتقاده على نحو يستجيب لمقاصده‬


‫تحصيل المتكلّم لمطلوبه في تكييف عاطفة ّ‬

‫ومراميه‪.55‬‬

‫يتوسل تقنيات اإلخراج‬


‫ّ‬ ‫بياني‬ ‫خطابيا ِح ًّ‬
‫جاجيا‪ ،‬هي فعل‬ ‫ًّ‬ ‫السياسية باعتبارها حدثًا‬
‫ّ‬ ‫والمناظرة‬
‫ّ‬
‫المتقبل‪ .‬والمتابعُ لمناظرة المتسابقين إلى قصر اإلليزيه‬
‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬وايقاع التّأثير في‬
‫البالغي قصد لفت انتباه ّ‬

‫الناس مباشرة‪،‬‬
‫فالرجالن يتواجهان مباشرة ويخاطبان ّ‬
‫يتبين غلبة بالغة التّصريح على بالغة التّلميح‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫األلفية الثالثة‪ ،‬فيتعاطيان مع‬


‫ّ‬ ‫ويتّجهان مباشرة إلى صلب أزمات االجتماع الفرنسي في العشرّية الثانية من‬

‫مرسال‪ ،‬إذ ق ّل‬


‫ً‬ ‫مباشرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يحا‪ ،‬شفّافًا‪،‬‬
‫النقض واإلبرام‪ ،‬لذلك كان الجدل صر ً‬
‫السجال و ّ‬
‫بالنظر واالقتراح و ّ‬
‫الواقع ّ‬

‫البديعية والتراكيب االستعارّية‬


‫ّ‬ ‫المحسنات‬
‫ّ‬ ‫التقليدية من قبيل‬
‫ّ‬ ‫البالغية‬
‫ّ‬ ‫المدونة‬
‫ّ‬ ‫فيه استحضار أساليب‬

‫اإليحائية مثل التّشبيه والتّورية والكناية وغير ذلك‪ ...‬فمقام المشافهة ال ُيتيح رصف الكالم على‬
‫ّ‬ ‫والتّعابير‬

‫حي‬
‫تفاعلي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أن المقام هو مقام تواصل‬
‫ويتقصد التّغميض أو اإللغاز‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫السجع والجناس‪،‬‬
‫نحو يلتزم ّ‬

‫كالميا ًّ‬
‫ثنائيا‪ ،‬بل ُم ْنج ًاز‬ ‫ً‬ ‫شأنا‬
‫بين األنا واآلخر‪ ،‬في صيغة اإلفراد وصيغة الجمع‪ ،‬باعتبار المناظرة ليست ً‬

‫ألنها سبب التّناظر وغايته‪.‬‬


‫بالضرورة الجماعة ّ‬
‫ّ‬ ‫تعبيرًّيا يستدعي‬

‫الناس لزوم الوضوح‪ ،‬وسلوك مسالك الفهم ال اإلبهام‪ ،‬تحقيقًا لقرب‬


‫لمهم في مخاطبة ّ‬
‫ومن ا ّ‬

‫النسق البالغي التّقليدي ال تمنع من‬


‫أن مجافاة ّ‬
‫الفعال مع الجماعة‪ .‬غير ّ‬
‫وتأمينا لمطلب التّواصل ّ‬
‫ً‬ ‫المأخذ‪،‬‬

‫‪56‬‬
‫أسس عليها ك ّل طرف‬
‫كبرى ّ‬ ‫مفهومية‬
‫ّ‬ ‫الرجلين‪ ،‬في جملتها‪ ،‬على استعارة‬
‫التّنبيه إلى قيام المناظرة بين ّ‬

‫الغرافي‪" ،‬البالغة واأليديولوجيا"‪ ،‬ص‪.272‬‬ ‫‪55‬‬

‫المفهومية‪ ،‬كتاب نـزوى‪ ،‬اإلصـدار الثالـث (مسـقط‪:‬‬


‫ّ‬ ‫الحراصي‪ ،‬دراسات في االستعارة‬
‫المفهومية‪ ،‬راجع‪ :‬عبد اهلل ّ‬
‫ّ‬ ‫ماهية االستعارة‬
‫في ّ‬
‫‪56‬‬

‫للصحافة واألنباء والنشر واإلعالم‪ ،‬نيسان‪ /‬أبريل ‪.)1001‬‬


‫مؤسسة ُعمان ّ‬

‫‪35‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫وعدد‬
‫رصف األلفاظ‪ّ ،‬‬
‫ُغير إذن أنا موجود"‪ ،‬فقد ّ‬
‫مؤداها "أنا أ ّ‬
‫خطابه‪ ،‬فهوالند محكوم باستعارة تصورّية ّ‬

‫النفي واإلثبات ليؤ ّكد اعتبار التّغيير في‬


‫ونوع األسئلة‪ ،‬ونظم الكالم‪ ،‬واعتمد التّكرار‪ ،‬وراوح بين ّ‬
‫الحجج‪ّ ،‬‬

‫الرجل يستعير هنا‬


‫وجودية بامتياز‪ .‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫وثقافيا و ًّ‬
‫أخالقيا ضرورة‬ ‫ًّ‬ ‫اجتماعيا‬
‫ً‬ ‫سياسيا واقتص ًّ‬
‫اديا و‬ ‫ًّ‬ ‫أبعاده المختلفة‬

‫العام‪ ،‬وهو إكسير‬


‫الديكارتي "أنا أف ّكر إذن أنا موجود"‪ ،‬فالتّغيير هو نتاج التّفكير في ال ّشأن ّ‬
‫روح الكوجيتو ّ‬

‫الضامن للوجود الفاعل في دولة األنوار من منظور فرانسوا هوالند‪.‬‬


‫الحياة‪ ،‬و ّ‬

‫نسيين‬
‫الديكار ّتية نفسها يستعيرها نيكوال ساركوزي ليف ّكر بدوره في واقع الفر ّ‬
‫الروح التفكيرّية ّ‬
‫وتلك ّ‬
‫مؤداها "أنا أُر ِ‬
‫اك ُم‬ ‫جاجي ّ‬ ‫يتبناها ويدافع عنها في خطابه ِ‬
‫الح‬ ‫مفهومية مركزّية‪ّ ،‬‬ ‫ومستقبلهم بناء على استعارة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ي‬
‫تصور يعتبر البناء الحضار ّ‬
‫ّ‬ ‫أستمر إذن أنا موجود"‪ ،‬فكينونة الفرد والجماعة هنا تُبنى وفق‬
‫جهدي و ّ‬

‫الراهن بدل تغييره جذرًّيا‪ ،‬فساركوزي يف ّكر في ال ّشأن الفرنسي‬


‫الجمعي رهين تركيم الجهد‪ ،‬وتطوير ّ‬
‫ّ‬ ‫التقدم‬
‫و ّ‬

‫العام من منظور تقديم االستم اررّية على القطيعة‪ ،‬وترجيح الوصل على الفصل في مستوى اإلصالح‬
‫ّ‬

‫الرئاسة‬
‫مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫السلطة من ناحية‪ ،‬والوعي بمقتضيات‬
‫الرغبة في ّ‬
‫واعادة البناء‪ .‬والجميع محكوم بهاجس ّ‬

‫يقدمان نهجين متباينين في استصالح الواقع المجتمعي‬


‫من ناحية أخرى‪ ،‬فالطّرفان‪ ،‬على اختالفهما‪ّ ،‬‬

‫الدرب إلجراء‬
‫الناس بصواب الطّرح الذاتي للمتكلّم وتهيئة ّ‬
‫الفرنسي المأزوم‪ ،‬والغاية واحدة‪ ،‬وهي إقناع ّ‬

‫مشروع األنا في اإلصالح التّغييري أو اإلصالح التّراكمي‪.‬‬

‫مفهومية‬
‫ّ‬ ‫تأسست على بالغة‬
‫العام وفي استبطان اإلرث التّنويري‪ّ ،‬‬
‫الصالح ّ‬
‫الرغبة في خدمة ّ‬
‫وهذه ّ‬

‫العلمانية‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫تمثّلت في انخراط الطّرفين كليهما في مسار الفكر الجمهوري‪ ،‬ودفاع ك ّل منهما عن‬

‫العامة‬
‫ّ‬ ‫بالحريات‬
‫ّ‬ ‫الديمقراطي بما يوجب من إقرار‬
‫الرجلين في ال ّذود عن قيم االجتماع ّ‬
‫ل ّلدولة‪ ،‬وتنافس ّ‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التعددية‬
‫ّ‬ ‫السلمي‪ ،‬وتكريس‬
‫الخاصة‪ ،‬وترسيخ مبادئ المساواة والمواطنة والتّعايش ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬

‫‪36‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السياسية بين المتنافسين من الفضاء الحداثي قيمها‪ ،‬وجعلته‬


‫ّ‬ ‫ثم‪ ،‬فقد استعارت المناظرة‬
‫ومن ّ‬

‫الموجه المنظّم لحركة االختالف بين المتجادلين‪ .‬وعلى الرغم مما اعترى المناظرة بين‬
‫محضن روحها‪ ،‬و ّ‬

‫مية المنفتحة على الطّرف‬


‫الروح التفهّ ّ‬
‫فإن ّ‬
‫قضية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫للود‬
‫حدة في بعض األحيان لم تفسد ّ‬
‫الجانبين من ّ‬

‫الهوياتي على أساس‬


‫ّ‬ ‫يصين على التّمايز‬
‫المقابل قد ظلّت غالبة على نسق الحوار‪ ،‬وبدا المتناظران حر ْ‬

‫برامجي‪ ،‬فك ّل طرف ي ِجد في التّسويق اإلعالمي لمشروعه ّ‬


‫السياسي‪ /‬العمراني‪ ،‬ويغتنم المناظرة المتلفزة‬

‫للفعل في الجمهور كما يشاء‪.‬‬

‫ومن المفيد هنا التّنبيه إلى حضور بالغة التّسفيه في بعض ردهات المناظرة‪ ،‬فقد سعى األخير‬

‫ذم ُيراد به التّحقير والطّعن في‬


‫في أكثر من موضع التّهام مخاطبه باالفتراء ونعته بـ "الكاذب"‪ ،‬وذلك ّ‬

‫العام نحو‬
‫الرأي ّ‬
‫أهميته في إرباك الطّرف المقابل‪ ،‬وتوجيه ّ‬
‫البالغي على ّ‬
‫ّ‬ ‫مصداقية المنافس‪ .‬وهذا األسلوب‬
‫ّ‬
‫النقد ِ‬
‫الحجاجي‪ /‬العقالني لآلخر‪ ،‬بل‬ ‫فعال لغويًّا‪ /‬معيارًّيا ال يرقى إلى مقام ّ‬
‫ك في كفاءته ونزاهته‪ ،‬يبقى ً‬
‫الش ّ‬
‫‪57‬‬
‫ويحولها إلى منبر للتّنابز باأللقاب‪ ،‬والتّقاذف باألحكام‬
‫ّ‬ ‫المحاجة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لحدث‬ ‫الداللي‬
‫يسهم في تفقير المحتوى ّ‬

‫التقدم في فهم البعد التفاكري لواقعة التّناظر‪.‬‬


‫القبلية الجاهزة التي تحول دون ّ‬
‫ّ‬

‫السياسية إلى عمل‬


‫ّ‬ ‫فعال ًّ‬
‫بيانيا‪ ،‬يروم اإلفادة وتحويل المناظرة‬ ‫والتّسفيه‪ ،‬على بالغته‪ ،‬ليس إالّ ً‬

‫رد فعل انفعالي‪ /‬وجداني من المنافس‪ ،‬ويثير الجمهور‪ /‬المتلقّي‪،‬‬


‫اضي‪ /‬استفزازي‪ ،‬يستهدف توليد ّ‬
‫استعر ّ‬

‫ويدفعه إلى الخروج من الحياد إلى التّفاعل مع مجريات المناظرة‪ ،‬وذلك بتأييد الته ّكم من اآلخر‪ ،‬وتقزيمه‪،‬‬

‫المسفَّه‪.‬‬
‫أو باستهجان ذلك والتّعاطف مع ال ّشخص ُ‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪Christian Le Bart, Le discours politique, Que sais-je? no. 3397 (Paris: PUF, 1988), p. 3.‬‬

‫‪34‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫اتيجية التّفاعل مع خطاب التّسفيه‪ ،‬فرفض أكثر من‬


‫اعيا بإستر ّ‬
‫أن فرانسوا هوالند قد بدا و ً‬
‫والمالحظ ّ‬

‫تجالية خصمه‪،‬‬
‫الناس على ار ّ‬
‫وجهها له ساركوزي‪ ،‬وحاول إشهاد ّ‬
‫الرد على نعوت التّهوين التي ّ‬
‫مرة ّ‬‫ّ‬

‫المؤسسة على االحتفال بال ّذات وشيطنة اآلخر‪.‬‬


‫ّ‬ ‫االنفعالية‬
‫ّ‬ ‫وانخراطه في المقاربة‬

‫‪ .2‬التّكرار‬
‫غالبا‬
‫قصدا ال اعتباطًا‪ ،‬ويراد بها ً‬
‫ً‬ ‫بيانية تتكرر‬
‫داللية في الملفوظ‪ ،‬فهو الزمة ّ‬
‫لغوية ّ‬
‫التّكرار ظاهرة ّ‬

‫المتقبل إلى أمر ما‪ .‬وبدا حضور ضمير المتكلّم مكثّفًا في‬
‫ّ‬ ‫النفي‪ ،‬وتوظّف لإلبراز ولفت انتباه‬
‫التأكيد أو ّ‬

‫مرات‪ ،‬وكان المراد ْمركزة القول والفعل حول الذات‬


‫الرجلين‪ ،‬فقد تكرر في صيغة "أنا" عدة ّ‬
‫خطاب ّ‬

‫الرئاسة وتبعاتها‪ .‬كما د ّل على ذلك كالم ساركوزي في أكثر من‬


‫مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫تحمل‬
‫باعتبارها قادرة على ّ‬

‫مرات عديدة في أثناء الحوار وفي‬


‫موضع‪ ،‬وباعتبار الذات قادرة على "التّغيير" كما أنشأ ذلك هوالند ّ‬

‫الرئاسة وما تقتضيه من واجبات‪ .‬وقد اقترن‬


‫تحمل وزر ّ‬
‫ختامه‪ .‬فالتّكرار هنا يراد به اإلخبار بالقدرة على ّ‬

‫تمحض للتعبير عن‬


‫خاصة فعل "أريد" الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫ضمير المتكلّم في أكثر من موضع بذكر أفعال مسندة لألنا‬

‫بالرغبة في‬
‫الرجلين‪ .‬وقد تعلّق فعل اإلرادة عند هوالند ّ‬
‫السعي في طلب المراد عند ّ‬
‫وشدة العزم و ّ‬
‫قوة اإلرادة ّ‬
‫ّ‬

‫نسيين ال اليسارّيين فحسب‪ ،‬بل ك ّل المتعلّمين بقيم‬


‫الرغبة في تجميع ك ّل الفر ّ‬
‫"تغيير السياسة والمنهج"‪ ،‬و ّ‬

‫الجمهورّية تحت يافطة الوطن‪.58‬‬

‫مرات في الجملة الواحدة‪ ،‬وبذلك فنحن إزاء‬


‫أغير" وفعل "أجمع" لثالث ّ‬
‫والمالحظ هنا تكرار فعل " ّ‬

‫مقدمتها التأليف بين‬


‫الرئاسي لهوالند‪ ،‬وفي ّ‬
‫يتقصد لفت االنتباه إلى األهداف الكبرى للمشروع ّ‬
‫ّ‬ ‫موجه‬
‫تكرار ّ‬

‫اكيين واليســارّيين‬
‫أجمــع ال االشــتر ّ‬
‫أجمــع‪ّ .‬‬
‫الرغبــة فــي تجميــع كـ ّل الفرنسـّـيين تحــت يافطــة الــوطن‪ ،‬ارجــع قــول هوالنــد‪ّ :‬إنــي أريـد أن ّ‬
‫فــي ّ‬
‫‪58‬‬

‫أجمع ك ّل المتعلّقين بقيم الجمهورّية"‪.‬‬


‫فحسب كما قلتم‪ .‬بل ّ‬

‫‪32‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫عبر هوالند عن تفاصيل ذلك‬


‫نسيين وتغيير واقعهم الحضاري وواقعهم المجتمعي نحو األفضل‪ .‬وقد ّ‬
‫الفر ّ‬

‫اطية‪ ،‬والممارسات اإلدارّية غير المشروعة التي شهدها‬


‫وبين عزمه القطع مع السياسات البيروقر ّ‬
‫التغيير ّ‬

‫مرة على التوالي في‬


‫كرر عبارة "أنا باعتباري رئيس فرنسا‪ "...‬لخمس عشرة ّ‬
‫لما ّ‬
‫عصر ساركوزي‪ ،‬وذلك ّ‬

‫عبر من خاللها عن رغبته في تأسيس نظام‬


‫امجية ّ‬
‫يديولوجية بر ّ‬
‫ّ‬ ‫ظرف دقيقتين‪ ،‬وألحق تلك العبارة بحمولة أ‬

‫عوضا‬
‫ً‬ ‫الشفافية‬
‫ّ‬ ‫بديال من المحاباة‪ ،‬و‬
‫بديال من الحيف االجتماعي‪ ،‬والمساواة ً‬
‫ئاسي جديد‪ُ ،‬يح ّل العدالة ً‬
‫ر ّ‬

‫أن التّكرار هنا هو تكرار قصدي‪ِ /‬حجاجي يروم كشف‬


‫بديال من الفرقة‪ .‬ومعلوم ّ‬
‫المحسوبية‪ ،‬والتأليف ً‬
‫ّ‬ ‫عن‬

‫الحجة عليه‪ ،‬والتأسيس للذات عبر تقويض اآلخر‪.‬‬


‫هنات الخصم واقامة ّ‬

‫آلية التّكرار في أكثر من موضع‪ ،‬وبدا في موقع المريد‬


‫فإن ساركوزي قد وظّف ّ‬
‫السياق نفسه‪ّ ،‬‬
‫وفي ّ‬

‫تدخل‬
‫مرات في ّ‬
‫كرر عبارة "أريد" في خاتمة اللّقاء ألربع ّ‬
‫خاصة عندما ّ‬
‫ّ‬ ‫وتبين ذلك‬
‫في أكثر من مقام‪ّ .‬‬

‫ئاسية‪،59‬‬
‫األول لالنتخابات الر ّ‬
‫الدور ّ‬
‫يصوتوا له في ّ‬
‫ّ‬ ‫واحد‪ ،‬وموضوع اإلرادة عنده التواصل مع الذين لم‬

‫القومية‬
‫ّ‬ ‫صوتوا لفائدة مارين لوبان ‪ ،Marine Lepen‬ووعدهم بأخذ مطالبهم‬
‫والحديث إلى الذين ّ‬
‫‪60‬‬
‫حق في‬
‫الحدودية في االعتبار ‪ ،‬ومخاطبة أنصار فرانسوا بايرو ‪ François Bayron‬واعتبارهم على ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬

‫المديونية‪ ،‬ووعدهم بالتجاوب مع طلبهم‪ .61‬كما تعلّق تكرار فعل "أريد" بتوجيه‬
‫ّ‬ ‫المطالبة بالتّخفيض من‬

‫يصوتوا‪ ،‬وحثّهم على ممارسة حقّهم في االقتراع حتّى ال يسمحوا آلخرين بالتصويت‬
‫الخطاب إلى الذين لم ّ‬

‫بدال منهم‪.‬‬
‫ً‬

‫نسيين الذين لم ينتخبوني في الجولة األولى"‪.‬‬


‫أتوجه إلى ك ّل الفر ّ‬
‫يقول ساركوزي‪" :‬أريد أن ّ‬
‫‪59‬‬

‫صوتوا لصالح ماري لوبان"‪.‬‬


‫"أريد أن أخاطب الذين ّ‬
‫‪60‬‬

‫أيضا"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫"كما أخاطب منتخبي فرانسوا بايرو ً‬
‫‪61‬‬

‫‪32‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫أن المراد استيعاب أكبر‬


‫تمحض التكرار هنا لخدمة غرض انتخابي‪ /‬تعبوي باعتبار ّ‬
‫وبذلك فقد ّ‬

‫المتطرف ويسار الوسط‪ ،‬وتحفيز غير‬


‫ّ‬ ‫الشعبية لليمين‬
‫ّ‬ ‫عدد ممكن من المناصرين‪ ،‬ومغازلة القاعدة‬

‫الرئاسي لساركوزي القائم على ضرورة‬


‫طمعا في استمالتهم لتأييد المشروع ّ‬
‫ً‬ ‫المقترعين على التّصويت‬

‫للتقدم المنشود‪.‬‬
‫االستمرار وتحقيقًا ّ‬

‫‪ .3‬األسلوب المباشر‬
‫يتقصد الموضوع‪ /‬الهدف أو‬
‫ّ‬ ‫اضحا‪،‬‬
‫يحا‪ ،‬و ً‬
‫السياسية صر ً‬
‫ّ‬ ‫نعني به صدور الخطاب في المناظرة‬

‫الخطابية المباشرة‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫المتلقّي الهدف مباشرة وفي غير تمويه أو تورية أو استعارة أو تلميح‪ .‬والمالحظ ّ‬

‫غالبة على المنجز اللّغوي في اللّقاء الجدالي بين ساركوزي وهوالند‪ ،‬فقد سعى ك ّل منهما لتفصيل القول في‬

‫ئاسية القادمة‪ ،‬وسعى ك ّل منهما لتعرية أخطاء‬


‫برنامجه السياسي واالجتماعي واالقتصادي في الوالية الر ّ‬

‫عما آل إليه واقع الحال‬


‫بالمسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫يحا في إدانة ساركوزي‪ ،‬واتّهامه‬
‫اآلخر وتعداد زالّته‪ .‬وكان هوالند صر ً‬
‫‪62‬‬
‫النمو‬
‫معدل ّ‬‫تدني ّ‬
‫مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫حمله‬
‫(‪)1021 -1001‬؛ فقد ّ‬ ‫الرئاسة‬
‫في بلده بعد خمس سنوات من تولّيه ّ‬

‫نسيين بين‬
‫المديونية‪ ،‬وتزايد عدد العاطلين عن العمل‪ ،‬وافتراق الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫وتضخم نسبة‬
‫ّ‬ ‫وعجز الميزان التجاري‪،‬‬

‫ومتطرف‪ ،‬وبين يميني ويساري‪.‬‬


‫ّ‬ ‫غني وفقير‪ ،‬وبين مهاجر ومقيم‪ ،‬وبين معتدل‬
‫ّ‬

‫يتردد في اعتباره‬ ‫يحا في نعت كالم هوالند بالكالسيكي ًّ‬


‫جدا‪ ،‬كما لم ّ‬ ‫وبالمقابل كان ساركوزي صر ً‬

‫حد نعت خصمه بالمفتري‬


‫الدقيق‪ ،‬بل بلغ به األمر إلى ّ‬
‫الرئاسة‪ ،‬ونعت كالمه بغير ّ‬
‫غير خبير بشؤون ّ‬

‫مرات على األق ّل في أثناء المناظرة‪ ،‬واعتبار ّادعاءاته "محض كذب"‪ ،‬وك ّل ذلك يندرج في سياق ما‬
‫خمس ّ‬

‫ـؤولية مـا تعلّـق بفتـرة‬


‫أحملكـم مس ّ‬
‫مسؤولية التراجع المشهود في فرنسا فـي مجـاالت شـتى‪ ،‬ارجـع قـول هوالنـد‪" :‬أنـا ّ‬
‫ّ‬ ‫في تحميل ساركوزي‬ ‫‪62‬‬

‫خماسية كانت فيها فرنسـا مقسـمة"‪ .‬وفـي اإللقـاء بالالّئمـة علـى سـاركوزي فـي خصـوص عجـز الميـزان التجـاري‬
‫ّ‬ ‫رئاستكم‪ ،‬نحن نخرج من‬
‫النحو قطّ"‪.‬‬
‫يقول هوالند‪" :‬لم يكن عجزنا التّجاري غير متوازن على هذا ّ‬

‫‪41‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مصداقية المخاطب لدى جمهور المتابعين‬


‫ّ‬ ‫يسمى بالنقد المقذع‪ ،‬والتحقير المباشر‪ ،‬وذلك قصد ضرب‬
‫ّ‬

‫المتطرف‪ ،‬ودعوتهم للتّصويت له‪ ،‬وكذا‬


‫ّ‬ ‫ود أنصار اليمين‬
‫يحا في طلب ّ‬
‫للمناظرة‪ .‬كما كان ساركوزي صر ً‬

‫األول‪ .‬وفي اإلطار نفسه‪ ،‬كان هوالند‬


‫الدور ّ‬
‫فعل مع أنصار بايرو‪ ،‬ومع الذين قاطعوا التّصويت في ّ‬

‫اطية‬
‫نسيين بين استبقاء نيكوال ساركوزي‪ ،‬وهو ما يعني استمرار عصر البيروقر ّ‬
‫يحا في تخيير الفر ّ‬
‫صر ً‬

‫طلبا لبناء مجتمعي أفضل وأداء اقتصادي أحسن‪.63‬‬


‫والفساد كما وصفه‪ ،‬وبين التصويت للتّغيير‪ً ،‬‬

‫ورد‬
‫تعبير عن االنحياز لموقف‪ّ ،‬‬
‫ًا‬ ‫وبذلك فاألسلوب المباشر هو أقصى درجات الخطاب السياسي‬

‫ويعلي من قيمة األنا‪ ،‬ويسعى لتوجيه إرادة‬ ‫ِ‬


‫يعري الخصم‪ُ ،‬‬
‫موقف آخر‪ ،‬وهو نهج في التعبير الحجاجي‪ّ ،‬‬

‫المتلقّي نحو االصطفاف خلف متناظر دون آخر‪ ،‬وخلف مشروع رئاسي دون سواه‪.‬‬

‫والتقاء ساركوزي وهوالند عند حسن اصطفاء العبارة واعتماد التّكرار واألسلوب المباشر في‬

‫التواصل مع المتلقّي النهائي‪ ،‬ال يحول دون التنبيه إلى مدى التباين بينهما في مستوى استحضار بعض‬

‫اللية الفارقة‬
‫الد ّ‬‫اللسانية ّ‬
‫ّ‬ ‫أهم تلك الخصائص‬
‫الخصائص الواسمة للغة الخطاب السياسي لك ّل منهما‪ ،‬ولع ّل ّ‬

‫النفي واإلثبات‪ ،‬وبين نبرة الطمأنة وهاجس التخويف وبين‬


‫الرجلين بين ّ‬
‫تتمثّل في تراوح اللّغة في خطاب ّ‬

‫مطلب الجمع وخيار االستثناء‪.‬‬

‫‪ .4‬في لغة النفي واإلثبات‬


‫حد التقابل في بعض األحيان‪،‬‬
‫أساسا على أطروحتين مختلفتين إلى ّ‬
‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫تتأسس المناظرة‬
‫ّ‬

‫ويحتج‬
‫ّ‬ ‫يتبناها ويدافع عنها‪ ،‬ودحض أطروحة يرفضها‬
‫ويسعى المتناظران ك ّل من جانبه إلقرار أطروحة ّ‬

‫الناس] يوم األحد‪ .‬المواصلة معكم نيكوال ساركوزي أو التّغيير"‪.‬‬


‫يقول هوالند‪" :‬هذا هو الخيار المعروض [على ّ‬
‫‪63‬‬

‫‪40‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫على بيان تهافتها‪ ،‬وبذلك فالموقف التواصلي يقتضي نفي رأي واثبات آخر‪ .‬والمالحظ في مناظرة‬

‫ساركوزي‪ /‬هوالند انصراف ك ّل منهما إلى إثبات أحقّيته بالرئاسة‪ ،‬ونفي جدارة اآلخر بها‪.‬‬

‫األول أطروحته على ضرورة االستمرار‪ ،‬وبنى الثاني أطروحته على معارضته‬
‫أسس ّ‬‫وقد ّ‬

‫الدعوة إلى التغيير‪ ،‬وتعلّل ك ّل طرف في مقامات النفي واإلثبات بحجج شتّى تراوحت بين‬
‫االستمرار و ّ‬

‫ي‬
‫ي‪ ،‬وواكب اإلثبات نهج تقرير ّ‬
‫النفي نحو تبرير ّ‬
‫السلطوية كما ّبيناه سلفًا‪ ،‬فقد عضد ّ‬
‫ّ‬ ‫العلمية و‬
‫اقعية و ّ‬
‫الو ّ‬

‫الرجلين في ملفّات شتّى تشغل بال الفرنس ّيين‪.‬‬ ‫ِ‬


‫حجاجي‪ ،‬تخلّل جدل ّ‬

‫أن نيكوال ساركوزي قد استأثر في غير‬


‫ويتبدى للدارس‪ ،‬من خالل متابعة نسق الجدل في المناظرة ّ‬
‫ّ‬

‫المصداقية‪ ،‬وينفي عن نفسه وزر‬


‫ّ‬ ‫الصدق و‬
‫النافي بامتياز‪ ،‬فهو ينفي عن خصمه صفة ّ‬
‫اختيار منه بموقع ّ‬

‫ئاسية‪ ،‬وظهر ساركوزي هنا في‬


‫المسؤولية في ما آل إليه وضع البالد بعد خمس سنوات من واليته الر ّ‬
‫ّ‬

‫ويبرر ذلك بفشل المنوال التشغيلي الذي‬


‫مسؤولية تزايد عدد العاطلين عن العمل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫موقع من ينفي عن نفسه‬

‫النمو وتفاقم‬
‫ّ‬ ‫معدل‬
‫ارتآه سابقوه‪ ،‬وينفي عن نفسه العجز الحاصل في الميزان التجاري وفي تراجع ّ‬

‫العالمية‪ ،‬كما نفى عن نفسه شبهة أن يكون رئيس‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫المديونية‪ ،‬معلّ ًال ذلك بوطأة األزمة‬
‫ّ‬
‫‪64‬‬
‫الغني‬
‫ّ‬ ‫المتوسطة‪ ،‬وتزيد‬
‫ّ‬ ‫العمال والمنتمين إلى الطّبقة‬
‫األغنياء ‪ ،‬وتهمة تكريسه سياسة ضريبة ترهق كاهل ّ‬

‫فقرا‪ .‬كما نفى عن نفسه تهمة التحريض الطائفي على المسلمين‪ ،‬وعلّل ذلك برغبته في صوغ‬
‫غنى والفقير ً‬

‫في نعت ساركوزي برئيس األغنياء واتّهامه باالنحياز إلى األثرياء‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪Michel Pinçon, Monique Pinçon-Charlot, Le président des riches: Enquête sur l’oligarchie dans la‬‬
‫‪France de Nicolas Sarkosy (Paris: 2010); Demonpion Denis et Léger Laurent, Tapie- Sarkozy, Les‬‬
‫‪chefs du scandale (Paris: Pygmalion, 2009); Rély Renaud et Gassons Didier, Sarkozy et l’argent roi‬‬
‫‪(Paris: Fayard, 2008).‬‬

‫‪42‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مشرًعا لتكييف اإلسالم وفق‬


‫نسية‪ ،‬ورفضه التمكين لإلسالم في فرنسا بشكل مطلق ّ‬
‫إسالم على الطريقة الفر ّ‬

‫نسية‪.‬‬
‫اقتضاءات الجغرافيا الحضارّية الفر ّ‬

‫كما نفى عن نفسه تهمة االنحياز لليمين‪ ،‬وتهمة الخلط بين انتمائه الحزبي ووظيفته باعتباره‬

‫رئيس دولة‪ ،‬واستغالله نفوذه الستمالة رجال األعمال قصد جمع األموال لصالح الفصيل السياسي الذي‬

‫ينتمي إليه‪.‬‬

‫اصلية التي ظهر فيها ساركوزي في موقع المتّهم الذي يبذل جهده‬
‫تعددت المواقف التو ّ‬
‫وبذلك ّ‬

‫ئاسية‬
‫وليرد ما علق به من تهم وشبهات هي نتاج الفترة الر ّ‬
‫ّ‬ ‫وليلمع ماضيه السياسي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ليدافع عن نفسه‪،‬‬

‫حد تعبير هوالند‪ ،65‬وبدت المناظرة‬


‫الرجل ثقيلة على ّ‬
‫التي قضاها في قصر اإلليزيه‪ ،‬فقد بدت حصيلة ّ‬

‫الديبلوماسية‪ ،‬وجهوده‬
‫ّ‬ ‫ئاسية الماضية في إبراز مهاراته‬
‫ساعة للحساب عسيرة‪ ،‬فبدل استثمار تجربته الر ّ‬

‫اتيجيات تجاوز ذلك إلى تقديم البناء المستقبلي‪ ،‬بدا‬


‫للنقد الذاتي واستر ّ‬
‫االقتصادية ورؤاه ّ‬
‫ّ‬ ‫السياسية وبرامجه‬
‫ّ‬

‫الدولي‪.‬‬
‫ساركوزي مشغوًال بتبرير أخطائه السابقة وشرعنة نهجه القديم في التعاطي مع الشأن المحلّي و ّ‬

‫وبالمقابل بدا هوالند في موقع من ي ِ‬


‫حاكم خصمه من ناحية‪ ،‬وفي موقع من يمسك بزمام المبادرة‬ ‫ُ‬

‫قدمها‬
‫ويضع اآلخر في موضع المساءلة‪ ،‬فقد أثبت بلغة األرقام نكوص ساركوزي عن وعوده التي ّ‬

‫بأنها ثقيلة بامتياز"‪.‬‬


‫عبر هوالند عن ذلك‪"ُ :‬وصفت حصيلة نيكوال ساركوزي ّ‬
‫‪65‬‬

‫‪43‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫ئاسية عام ‪ ،1001‬وفشله في إرساء منوال تنموي نافع للبالد والعباد‪ ،66‬وعجزه عن‬
‫نسيين في حملته الر ّ‬
‫للفر ّ‬

‫المديونية‪ ،‬والهجرة‪ ،‬وتوليد الطاقة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ملحة من قبيل البطالة‪ ،‬و‬
‫استعجالية لمشكالت ّ‬
‫ّ‬ ‫عملية‬
‫تقديم حلول ّ‬

‫كف هوالند عن نقد منافسه في شخصه ورّكز على نقد سياساته وكان ينفي عن نفسه تهمة‬
‫كما ّ‬

‫عدة مرات في أثناء المناظرة‪ ،‬وترفّع عن نعته بتلك العبارة على جهة‬
‫الكذب التي الحقه بها ساركوزي ّ‬

‫يرد التهمة عن نفسه سوى في مواضع معدودة لع ّل‬


‫التصريح‪ ،‬يضاف إلى ذلك ّأنه لم يبرز في موقع من ّ‬

‫مؤي ًدا لدومينيك‬


‫ضا على اإلقصاء أو ّ‬
‫محر ً‬
‫ّ‬ ‫للستالينية‪ ،‬ونفيه أن يكون‬
‫ّ‬ ‫نصير‬
‫ًا‬ ‫أهمها نفيه أن يكون‬
‫ّ‬

‫ضر لقاء إغالق المفاعل النووي والتّضحية بمصير العاملين‬


‫الخ ْ‬
‫تروتسكان‪ ،‬ونفيه أن يكون قد تحالف مع ُ‬

‫النووية في ذلك المفاعل بقدم تجهيزاته التي‬


‫ّ‬ ‫وبرر رغبته في إيقاف إنتاج الطاقة‬
‫فند تلك التهمة‪ّ ،‬‬
‫فيه‪ .‬فقد ّ‬
‫‪67‬‬
‫وتفاديا‬
‫ً‬ ‫تأمينا للسالمة‬
‫ً‬ ‫يشجع على غلقه‬
‫مما ّ‬
‫الية ؛ ّ‬
‫تعود إلى ثالثين سنة خلت‪ ،‬وبوقوعه في منطقة زلز ّ‬

‫مهنية أخرى أو تعويضهم‪ .‬وبذلك كان النفي‬


‫ّ‬ ‫اعدا بتشغيل العاملين فيه في مواطن‬
‫ألسباب الكارثة‪ ،‬و ً‬

‫اقعية البديل‪.‬‬
‫الحجة وو ّ‬
‫معقولية ّ‬
‫ّ‬ ‫مؤس ًسا على‬
‫واإلثبات في خطاب هوالند ّ‬

‫‪ .5‬لغة التخويف والوّمأنة‬


‫مهم منه على تصوير الواقع المشهود في العالم اليوم على أّنه‬
‫أسس ساركوزي خطابه في جانب ّ‬
‫ّ‬

‫مرة في المناظرة‪ ،‬واعتبر المرحلة المعيشة على غاية من الدقّة‬


‫كرر عبارة "خطير" ألكثر من ّ‬
‫خطير‪ ،‬فقد ّ‬

‫المديونيــة (‪ 10‬مليــار يــورو)‪ ،‬وعجــز المي ـزان التجــاري‪ ،‬وضــعف معـ ّـدل النمـ ّـو‬
‫ّ‬ ‫ـائيات تتعلّــق بتفــاقم‬
‫ارجــع مــا أورده هوالنــد مــن إحصـ ّ‬
‫‪66‬‬

‫(‪ %0.1‬عام ‪ ،)1021‬وارتفـاع عـدد العـاطلين عـن العمـل (مليـون عاطـل)‪ ،‬والمهـاجرين (‪ 100‬ألـف مهـاجر) فـي عهـد سـاركوزي‪ .‬انظـر‬
‫الرجلين‪.‬‬
‫متن المناظرة بين ّ‬

‫اليـة‪ ،‬وهـو‬
‫"إنهـا قريبـة مـن منطقـة زلز ّ‬
‫النوويـة فيشـنايم ‪ Fessenheim‬وضـرورة إغالقهـا‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫طة‬
‫متحدثًا عن قدم المح ّ‬
‫ّ‬ ‫يقول فرانسوا هوالند‬ ‫‪67‬‬

‫خطرا"‪.‬‬
‫حد ذاته ً‬
‫عد في ّ‬
‫ما ُي ّ‬

‫‪44‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العالمية من ناحية أخرى‪ ،‬حتّى وصلت آثارها إلى‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫النزاعات من ناحية‪ ،‬واستفحال األزمة‬
‫لتزايد ّ‬

‫فضال عن استمرار‬
‫ً‬ ‫الصديقة لفرنسا من قبيل اليونان وايطاليا واسبانيا والواليات المتّحدة‪،‬‬
‫الدول ّ‬
‫عدد من ّ‬

‫السلم االجتماعي في بالدهم‪ ،‬وذلك في ظ ّل استمرار احتجاز‬


‫نسيين‪ ،‬و ّ‬
‫شبح اإلرهاب في تهديد هدأة الفر ّ‬

‫الرهائن في يد تنظيم القاعدة في المغرب اإلسالمي‪.‬‬


‫الصحفيين ّ‬
‫ّ‬

‫وتوخي الحذر‪ ،‬فبعض الظواهر‬


‫ّ‬ ‫الرجل الوضع ّأنه يقتضي لزوم اليقظة‬
‫فصور ّ‬
‫ّ‬ ‫الداخل‬
‫أما في ّ‬
‫ّ‬

‫أيضا‪ ،‬فتزايد عدد المهاجرين واتّساع‬


‫حد توصيفه ً‬
‫حيز الخطر على ّ‬
‫داخل االجتماع الفرنسي تندرج في ّ‬

‫الطائفية ينذر بتهديد‬


‫ّ‬ ‫الهوياتية و‬
‫ّ‬ ‫قاعدة المسلمين القادمين من دول شمال أفريقيا‪ ،‬وتنامي صعود الجماعات‬

‫متدينين‪.‬‬
‫متدينين وغير ّ‬
‫الناس إلى ّ‬
‫للدولة وبتقسيم ّ‬
‫العلمانية ّ‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫ويهدد بضرب‬
‫البناء المجتمعي الفرنسي‪ّ ،‬‬

‫التحديات عظيمة والمستقبل مخيف من وجهة نظره‪.‬‬


‫وبذلك فالوضع خطير و ّ‬

‫جاجي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بياني‪ِ ،‬ح‬
‫ّ‬ ‫الرجل عبثًا‪ ،‬بل هي خيار‬
‫ولغة الترهيب الناعم هذه‪ ،‬ال ترد في خطاب ّ‬

‫لكنه أحسن بحكم خبرته‬


‫بأن الوضع اآلني مشكلي‪ّ ،‬‬
‫نسيين ّ‬
‫إستراتيجي‪ ،‬استحضره ساركوزي ليوهم الفر ّ‬

‫ئاسية المنقضية (‪،)1021 -1001‬‬


‫الحد من خطورته المحتملة وذلك أثناء واليته الر ّ‬
‫إدارته والتح ّكم فيه‪ ،‬و ّ‬

‫تحدى صعوبات المرحلة على خطورتها‪ ،‬وحمى‬ ‫ًّ‬


‫ضمنيا على ّأنه قائد خارق‪ّ ،‬‬ ‫الرجل نفسه‬
‫قدم ّ‬
‫فقد ّ‬

‫صمام‬
‫تلميحا من خطابه ّأنه قد كان ّ‬
‫ً‬ ‫يحا أو‬
‫مطباتها وانعكاساتها‪ .‬فالمفهوم تصر ً‬
‫االجتماع الفرنسي من ّ‬

‫بأخف األضرار‬
‫ّ‬ ‫العالمية وخرج منها‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫جنب فرنسا ويالت األزمة‬
‫األمان في مرحلة عصيبة‪ ،‬فقد ّ‬

‫الرشيدة‪ .‬كما يعتبر نفسه قد أحسن توجيه الحراك االجتماعي‪ ،‬فتح ّكم في سيل‬
‫التنموية ّ‬
‫ّ‬ ‫بفضل سياساته‬

‫سمى‬
‫مؤس ًسا لما ُي ّ‬
‫وحد من مخاطر التمثّل الراديكالي لإلسالم‪ّ ،‬‬
‫االقتصادية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ائية‪ ،‬ونظّم الهجرة‬
‫الهجرة العشو ّ‬

‫النظام الجمهوري لدولة األنوار‪.‬‬


‫بـ "اإلسالم الفرنسي" ‪ ،L’Islam de la France‬فحافظ بذلك على تقاليد ّ‬

‫يتعين استمرارها باعتبارها‬


‫يخية ّ‬
‫وحتمية تار ّ‬
‫ّ‬ ‫وجودية‬
‫ّ‬ ‫التصور ضرورة‬
‫ّ‬ ‫وبذلك تصبح الساركوزّية وفق هذا‬

‫‪45‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫الداهم‪ .‬فيبرز ساركوزي بذلك اإلخراج اللّغوي المفعم بالترهيب‬


‫للسالم والواقي من الخطر ّ‬
‫الضامن ّ‬

‫يستمر‬
‫ّ‬ ‫يتعين استم ارره واستبقاؤه حتّى‬
‫الرئيس المنقذ‪ ،‬أو المسيح المخلّص الذي ّ‬
‫والتخويف في موقع ّ‬

‫خطر آخر اسمه تسليم مقاليد القيادة إلى رجل غير‬


‫ًا‬ ‫نسيون‬
‫االستقرار واألمان والتوازن‪ .‬وحتّى يتفادى الفر ّ‬

‫يحتج ساركوزي على ضرورة استم ارره بخطورة المرحلة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫بالرئاسة ودواليبها خبرة ساركوزي بها‪ .‬وبذلك‬
‫خبير ّ‬

‫تصيد‬
‫ّ‬ ‫الترصد في‬
‫أيضا‪ ،‬بل سابقة لإلضمار و ّ‬
‫وبأنه رجل المرحلة‪ ،‬وبذلك كانت اللّغة هنا غير بريئة ً‬
‫ّ‬

‫الراهن والمستقبل الستدراجهم إلى تأييد بقائه‪ ،‬وذلك على سبيل‬


‫الناس واستثمار خوفهم من ّ‬
‫ضعف ّ‬

‫الرضى بالمكتوب القائم‪.‬‬


‫الداهم‪ ،‬و ّ‬
‫خلفية اتّقاء المكروه ّ‬
‫العفوية‪ ،‬أو على ّ‬
‫ّ‬

‫النعرات‬
‫أن هوالند قد قلّل من خطورة تنامي ّ‬
‫الدارس ّ‬
‫وعلى خالف ذلك النهج في التعبير‪ ،‬يالحظ ّ‬

‫للدولة‪ ،‬فطمأن بذلك‬


‫المتطرفة في بلده‪ ،‬ووعد بالمحافظة على قيم الجمهورّية والطّابع العلماني ّ‬
‫ّ‬ ‫الدينية‬
‫ّ‬

‫تقر بضرورة‬
‫مؤس ًسا لمقاربة ّ‬
‫اليين واستقطبهم من ناحية‪ ،‬واستتبع المسلمين وآمنهم من ناحية أخرى‪ّ ،‬‬
‫الليبر ّ‬

‫اال إلى التأليف أكثر منه‬


‫مي ً‬
‫تعايش ك ّل المواطنين في كنف التسامح وفي ظ ّل احترام سلطة القانون‪ ،‬فبدا ّ‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تقصينا لمالمح الجمع واالستثناء في لغة المناظرة‬
‫إلى الفرقة‪ ،‬وهو ما تجلّى على نحو أبين عند ّ‬

‫ًّ‬
‫وسياسيا على عهد‬ ‫ًّ‬
‫اجتماعيا‬ ‫ًّ‬
‫اقتصاديا و‬ ‫على الرغم من وعيه بخطورة ما آل إليه وضع فرنسا‬

‫بث موجات التفاؤل في صفوف المتابعين للمناظرة‪ ،‬محاوًال مقاربة‬


‫يصا على ّ‬
‫ساركوزي‪ ،‬بدا هوالند حر ً‬

‫وبحتمية التغيير قصد‬


‫ّ‬ ‫إيجابية‪ ،‬تؤمن بضرورة الفعل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫موضوعية وأخرى‬
‫ّ‬ ‫الواقع واستشراف المستقبل بعين‬

‫األيام‪ .‬وذاك ال يكون إالّ بإعادة االعتبار‬


‫التحديات الراهنة‪ ،‬وفي القادم من ّ‬
‫ّ‬ ‫كسب معركة التنمية‪ ،‬ورفع‬

‫نسيين من دون استثناء‪ ،‬لدعم‬


‫الدولة ورجاالتها‪ ،‬واالستماع لك ّل الفر ّ‬
‫مؤسسات ّ‬
‫للمواطن واسترجاع ثقته في ّ‬

‫السنية في المشهد الحضاري الكوني‪ .‬لذلك كانت‬


‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫وسياسيا‪ ،‬ولتأكيد مكانتها‬ ‫ًّ‬
‫وعلميا‬ ‫ًّ‬
‫اقتصاديا‬ ‫إشعاع فرنسا‬

‫‪46‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪68‬‬
‫ك إلى برد اليقين‪،‬‬
‫الناس من الخوف إلى الطمأنينة ‪ ،‬ومن الش ّ‬
‫حويلية‪ ،‬تأخذ ّ‬
‫لغة هوالند لغة ذات طاقة ت ّ‬

‫السعي إلى الفعل‪ ،‬ومن التشاؤم إلى األمل‪69‬؛ أي األمل‬


‫الكد و ّ‬
‫التردد واإلحساس بالعجز إلى اإلقبال و ّ‬
‫ومن ّ‬

‫الناس‪ ،‬وتدغدغ‬
‫أيضا‪ ،‬فهي تخاطب نفوس ّ‬
‫أن اللّغة هنا غير محايدة ً‬
‫في التغيير نحو األفضل‪ .‬ومعلوم ّ‬

‫تؤسس للجديد وتقطع مع القديم‪ ،‬وتفتح‬


‫انفعاالتهم وتستعطف قلوبهم نحو مشروع التغيير‪ ،‬باعتباره أطروحة ّ‬

‫بأنه سيكون أفضل من راهنهم على عهد ساركوزي‪.‬‬


‫الناس‪ ،‬أو يؤمنون ّ‬
‫يتخيله ّ‬
‫الباب الستقبال غد ّ‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫سادسا‪ :‬في بالغة المقام واألداء في المناظرة‬
‫ا‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫المقامية للمناظرة‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬في الظّروف‬
‫الموضوعية‬
‫ّ‬ ‫بالمكونات‬
‫ّ‬ ‫أساسا‬
‫ً‬ ‫اللغوية‪ ،‬والمتعلّقة‬
‫ّ‬ ‫الرسالة‬
‫نعني بالمقام المعطيات الحافّة بإنتاج ّ‬

‫بالباث ّإبان أدائه لفعل التّواصل‪ ،‬فقد جرت مناظرة ساركوزي‪ /‬هوالند في فضاء‬
‫ّ‬ ‫المعنوية المحيطة‬
‫ّ‬ ‫المادية و‬
‫ّ‬

‫نسيين المحترفين هما‬


‫اإلعالميين الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫ي مباشر وداخل ستوديو إخباري أشرف على تنشيطه اثنان من‬
‫تلفز ّ‬

‫فراري ‪ Laurence Ferrari‬ودفيد بوجداس ‪ David Pujadas‬اللّذين أحسنا توزيع الكلمة بين‬
‫لورانس ّ‬

‫خالفية أثارت تفاعل المتناظرين‪ ،‬ولفتت اهتمام حوالي ‪26‬‬


‫ّ‬ ‫الطّرفين المتنافسين‪ ،‬وأسهما في طرح أسئلة‬

‫مليون مشاهد تابعوا وقائع المناظرة داخل فرنسا‪ ،‬وذلك عبر سبع قنوات تلفزّية تولّت نقل وقائع تلك‬

‫استمرت زهاء الساعتين و‪ 48‬دقيقة‪ .‬وقد بدا ساركوزي وهوالند على علم‬
‫ّ‬ ‫يخية التي‬
‫المناظرة التار ّ‬

‫طمــأن هوالنــد الفرنسـّـيين فــي أكثــر مــن موضــع‪ ،‬وبـّـين أن ال حاجــة لبعــث الخــوف فــي نفوســهم‪ ،‬مــن ذلــك قولــه خــالل المنــاظرة‪" :‬لــيس‬ ‫‪68‬‬

‫بث الخوف"‪.‬‬
‫هناك ما يدعو إلى التّخويف"‪ ،‬و"ال حاجة لزرع الخوف"‪ ،‬و"أنا ال أريد ّ‬

‫نسيون الثّقة واألمل"‪.‬‬


‫أتمناه هو أن يستعيد الفر ّ‬
‫نسيين‪" :‬ما ّ‬
‫يقول هوالند باعثًا األمل في صفوف الفر ّ‬
‫‪69‬‬

‫‪44‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السوداء األنيقة المحالّة بربطة عنق‬


‫حاضر ببدلته ّ‬
‫ًا‬ ‫باقتضاءات المقام المكاني والزماني‪ ،‬فكان ك ّل منهما‬

‫ومنسجما مع هيبة‬
‫ً‬ ‫موحيا بالقدر الجليل للمناظرة‬
‫ً‬ ‫الرسمية‬
‫ّ‬ ‫على قميص أبيض‪ ،‬فكان اختيار للّباس في حلّته‬

‫‪70‬‬
‫مميز‪ ،‬يستهدف االنسجام‬
‫ي ّ‬ ‫الرئيس وما يقتضيه التر ّشح للمنصب من أناقة ووقار ‪ .‬وذلك سلوك مظهر ّ‬
‫ّ‬

‫الناس‪ ،‬ويروم استمالة العيون باعتبارها الطريق‬


‫الرئيس في أذهان أغلب ّ‬
‫النموذجية لشخص ّ‬
‫ّ‬ ‫الصورة‬
‫مع ّ‬

‫الناظر بالمتابعة ال محالة‪.‬‬


‫الناخبين‪ ،‬فالظّهور في مظهر حسن يغري ّ‬
‫إلى قلوب ّ‬

‫بتعدد األسئلة‪،‬‬
‫حيا ّ‬ ‫كما أن ورود الخطاب على جهة المشافهة ساهم في جعل المشهد ِ‬
‫الحجاجي ًّ‬ ‫ّ‬

‫الحجة‪ ،‬وتوظيف مالمح الوجه وحركات اليد واشارات‬


‫الردود‪ ،‬والتّنافس في تقديم ّ‬
‫وتواتر االعتراض‪ ،‬وتباين ّ‬

‫محددة‪ .‬وبذلك عضد التّعبير اإلشاري‬


‫جاجية ّ‬ ‫ِ‬
‫معينة وعن مواقف ح ّ‬
‫اصلية ّ‬
‫العين في التّعبير عن مواقف تو ّ‬

‫التّعبير البياني‪ /‬البرهاني في البوح وطلب اإلقناع‪.‬‬

‫عموما في كنف الهدوء واالحترام المتبادل وان‬


‫ً‬ ‫علو شأنها قد دارت‬
‫أن المجادلة على ّ‬
‫والمالحظ ّ‬

‫فإنها لم تبلغ درجة‬


‫خاصة تبادل التّهم بالكذب والتّزييف‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ارتفعت وتيرتها في مواضع محدودة تخلّلها‬

‫الزائد عن اللّزوم‪ .‬فدقّة الموقف اقتضت رصانة من الطّرفين‪ ،‬وطبيعة المقام استدعت "موافقة أفعال‬
‫التشنج ّ‬
‫ّ‬
‫‪71‬‬
‫اطية التّفكير‬
‫القول لمقتضى الحال" ‪ .‬وذاك أمر غير مستغرب في دولة درج مواطنوها على ديمقر ّ‬

‫المسؤولية‪ ،‬فالعالقة بين‬


‫ّ‬ ‫بالحرية و‬
‫ّ‬ ‫عام موسوم‬
‫إعالمي ّ‬
‫ّ‬ ‫مدني‬
‫ّ‬ ‫يتحركان ضمن فضاء‬
‫فالرجالن ّ‬
‫والتعبير‪ّ ،‬‬

‫للرئيس‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫أهمية الحضور المظهري ّ‬
‫في ّ‬
‫‪70‬‬

‫‪Glenn O’Brien, “Les candidats français sous toutes les coutures,” Courrier international, hors-série:‬‬
‫‪Tendances, Style et politique (Mars, Avril, Mai 2012), p. 4-6.‬‬

‫"آليــات تشـ ّكل الخطــاب ِ‬


‫الحجــاجي بــين نظرّيــة البيــان ونظرّيــة البرهــان"‪ ،‬مجلممة األثممر‪ ،‬مجلّــة اآلداب واللّغــات‪ ،‬العــدد ‪4‬‬ ‫هــاجر مــدقن‪ّ ،‬‬
‫‪71‬‬

‫(ورقلة‪ :‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬آذار ‪ /‬مارس ‪ ،)1008‬ص‪.291‬‬

‫‪42‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫يؤمنان إمكان‬
‫الحرية باعتبارهما شرطين ضرورّيين ّ‬
‫النظامية و ّ‬
‫ّ‬ ‫شرطي‬
‫ْ‬ ‫تتضمن‬
‫ّ‬ ‫"المشافه وبين المستمع إليه‬

‫حد قول فيليب بروتون‪.72‬‬


‫اإلقناع" على ّ‬

‫الحاف بواقعة التّناظر‪ ،‬باعتبارها حدثًا تواصليًّا‪ ،‬هو محيط‬


‫ّ‬ ‫السياسي‬
‫وبذلك فالمحيط االجتماعي و ّ‬
‫يشجع على التّفاعل‪ ،‬ويشرع للتثاقف‪ ،‬ويفتح المجال وسيعا لإلبالغ و ِ‬
‫الحجاج واإلقناع‪ ،‬وتلك مطالب عليها‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التطور‬
‫ّ‬ ‫اصلي على غاية من‬
‫ياسية‪ ،‬وسعى لتحقيقها المتناظران في ظ ّل مناخ تو ّ‬
‫تأسست المناظرة الس ّ‬
‫ّ‬

‫االتصالية الحديثة في التّعريف ببرامج ك ّل‬


‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫وتكنولوجيا‪ .‬فقد استغ ّل الطّرفان المتقابالن التّقنيات‬ ‫سياسيًّا‬

‫المتعددة من‬
‫ّ‬ ‫الرقمي‬
‫السعي الستقطاب أكبر عدد ممكن من المناصرين‪ ،‬فوسائط االتّصال ّ‬
‫منهما وفي ّ‬

‫التقنية المساهمة في نشر‬


‫ّ‬ ‫المقامية‬
‫ّ‬ ‫جميعا من المعطيات‬
‫ً‬ ‫جوال‪ ،‬وشبكة كانت‬
‫تلفزيون‪ ،‬وحاسوب‪ ،‬وهاتف ّ‬

‫الناس‪،‬‬
‫الرجلين من ّ‬
‫الصورة الناطقة كانت فاعلة في تقريب ّ‬
‫السياسية على أوسع نطاق‪ ،‬فسلطة ّ‬
‫ّ‬ ‫المناظرة‬

‫فهما بفضل األنظمة اإلعالمية المتعددة "الملتيمديا" يدخالن جيوب المشاهدين‪ ،‬ومنازلهم ومكاتبهم‬

‫السمعية البصرّية مساهمة في تفعيل التّناظر السياسي وتوسيع أثره‬


‫ّ‬ ‫التقنية‬
‫ّ‬ ‫وسياراتهم دون استئذان‪ ،‬فاآللة‬
‫ّ‬

‫في الجمهور‪.‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪Philippe Breton, “L’argumentation dans la communication,” Contribution presentée dans le cadre de la‬‬
‫‪Journée des études “Usage et réception des médias,” 26 mai 1998, école normale supérieure de‬‬
‫‪Fontenay- Saint Cloud, p. 5.‬‬

‫‪42‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬بالغة األداء في المناظرة‬
‫سيميولوجية مكثّفة‪ ،‬تتعاضد فيها بالغة الملفوظ مع تعبيرّية الحركة‬
‫ّ‬ ‫للخطاب التّلفزي المباشر طاقة‬

‫الباث إيصالها إلى المتلقّي‪ ،‬وتحتمل‬


‫ّ‬ ‫الركحي في البوح بمحامل رسالة ما يروم‬
‫يحائية الفضاء ّ‬
‫الصوت‪ ،‬وا ّ‬
‫و ّ‬

‫الموضوعية في القراءة والتّحليل والتّفكيك‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الذاتية و‬
‫ّ‬ ‫مرجعياته وأدواته‬
‫ّ‬ ‫المتقبل بحسب‬
‫ّ‬ ‫يتأولها‬
‫دالالت شتّى ّ‬

‫مكوناته‬
‫تعددت ّ‬
‫معبر‪ّ ،‬‬
‫عالمي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مشهدي‬
‫ّ‬ ‫والمناظرة‪ ،‬التي نحن بصددها‪ ،‬انتظمت ضمن سياق‬

‫األدائية وتنوعت‪ ،‬خادمة لمقام المشافهة من ناحية‪ ،‬ولمطلب اإلقناع ِ‬


‫الحجاجي‪ /‬المسيَّس من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الركحي‪ ،‬ومستوى األداء‬


‫نميز في مستوى بالغة األداء بين ثالثة مستويات هي مستوى األداء ّ‬
‫ويمكن أن ّ‬

‫الصوتي‪.‬‬
‫الحركي‪ ،‬ومستوى األداء ّ‬

‫الركحي‬
‫أ‪ .‬في بالغة األداء ّ‬

‫ًّ‬
‫عالميا مشترًكا انتمى إليه المتناظران‪ ،‬وتطارحا األفكار والمقترحات ضمنه‪،‬‬ ‫الركح فضاء إ‬
‫عد ّ‬‫ُي ّ‬

‫الصورة‪ ،‬وقلّة حركة الكامي ار في أغلب‬


‫حيا على الرغم من ثبات ّ‬
‫وبدا ستوديو العرض التّلفزي للمناظرة ّ‬

‫األحيان باعتبارها تواكب انتقال الجدال بين الطّرفين‪ ،‬وتفاعل ك ّل منهما مع أسئلة المن ّشطين المشرفين‬

‫على اللّقاء‪.‬‬

‫بطلي اللّقاء بال منازع‬


‫ْ‬ ‫ففي مستوى الفاعلين في المشهد التّلفزي‪ ،‬بدا ساركوزي وهوالند في موقع‬

‫الرد ال ّشفوي‬
‫التقيد بالمكتوب‪ ،‬واعتمدا ّ‬
‫وتحر ار من سلطة ّ‬
‫ّ‬ ‫باعتبارهما استأث ار بأكبر مساحة من الكالم‪،‬‬

‫السياسي من ناحية‪،‬‬
‫المباشر على أسئلة المن ّشطين على نحو أخبر بتم ّكن الطّرفين من تقنيات التّعبير ّ‬

‫الرأي‬
‫اهنية داخل المجتمع الفرنسي من ناحية أخرى‪ ،‬وتقديم ّ‬
‫الر ّ‬
‫الخالفية ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلشكاليات‬
‫ّ‬ ‫وبقدرة على تمثّل‬

‫الملحة‬ ‫فراري ودفيد بوجداس على طرح األسئلة الجوهرّية‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫الحجاجي في شأنها‪ ،‬وقصر دور لورانس ّ‬

‫الناس‪ ،‬وقدرتهما على إثارة الجدال‬


‫طين لواقع ّ‬
‫مهم دا ّل‪ ،‬على انتماء المن ّش ْ‬
‫نسيين‪ ،‬وهو دور ّ‬
‫وال ّشاغلة للفر ّ‬

‫‪51‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫وية وغير ذلك‬


‫التعاقدية والطّاقة النو ّ‬
‫ّ‬ ‫التعددية‬
‫ّ‬ ‫المديونية و‬
‫ّ‬ ‫بين المتناظرين في مسائل مصيرّية تتعلّق بالبطالة و‬

‫السياسي‬
‫شخصي ْتين فاعلتين في المشهد ّ‬
‫ّ‬ ‫نسية اليوم‪ .‬وحضور‬
‫المهمة في المدينة الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫الخالفية‬
‫ّ‬ ‫من المسائل‬

‫مهمة من تاريخها الجمهوري حدث جلل‪ ،‬ساهم في‬


‫الفرنسي قصد التّسابق على قيادة البالد في فترة ّ‬

‫فعال في‬
‫مما أسهم على نحو ّ‬
‫الناس‪ّ ،‬‬
‫صناعة الفرجة‪ ،‬وفي تأثيث المكان بوجهين مآل ال ّشاشة وشغال ّ‬

‫نسيين‬
‫طين من الجنسين فيه تمثيل لجموع الفر ّ‬
‫توجيه الجمهور نحو مشاهدة المناظرة التلفزّية‪ .‬وحضور من ّش ْ‬

‫السواء باعتبار‬
‫الرجل والمرأة على ّ‬
‫للرئاسة من جانب ّ‬
‫من ال ّذكور واإلناث‪ ،‬وطرح لواجب مساءلة المر ّشح ّ‬

‫نسيين‪.‬‬
‫الرئيس المرتقب ُيفترض أن يكون رئيس جميع المواطنين الفر ّ‬
‫أن ّ‬‫ّ‬

‫فعال‬
‫فعال بر ًيئا‪ ،‬بل كان ً‬
‫أن بناء هذا المشهد لم يكن ً‬
‫يتبين ّ‬
‫الناظر في اإلخراج التّلفزي للمناظرة ّ‬
‫وّ‬

‫السياسي‪ ،‬فقد ارتدى الحاضرون بدالت كان‬ ‫ِ‬


‫مقصودا‪ ،‬ينسجم مع اقتضاءات المقام الحجاجي والحدث ّ‬
‫ً‬

‫اللّون األسود اللّون الغالب عليها‪ ،‬فلبس ك ّل من ساركوزي وهوالند والمن ّشط دفيد بوجداس بدلة سوداء‬

‫السواد على‬
‫فستانا أسود‪ .‬وطغيان ّ‬
‫ً‬ ‫فراري‬
‫توسطها قميص أبيض وربطة عنق زرقاء‪ ،‬ولبست لورانس ّ‬
‫ّ‬

‫فكثير ما‬
‫ًا‬ ‫الناس وال وعيهم‪،‬‬
‫المشهد الملبسي للجماعة راجع إلى ما يحمله هذا اللّون من رمزّية في وعي ّ‬

‫الضرورة‪...‬‬
‫تداولي ضمني عفوي بين المشاهدين إلى "عوالم الواجب و ّ‬
‫ّ‬ ‫يشير األسود‪ ،‬بموجب عقد‬

‫بالمسؤوليات الكبيرة ومواراة االنفعال"‪ ،73‬وتلك كلّها دالالت يستقطبها منصب‬


‫ّ‬ ‫الجد واالضطالع‬
‫الرصانة و ّ‬
‫وّ‬

‫أما‬
‫الجد في طلبه لما يقتضيه من هيبة ووقار ودقّة في اختيار الكالم واتّخاذ القرار‪ّ .‬‬
‫الرئاسة ومسعى ّ‬
‫ّ‬

‫بعدة دالالت من بينها اعتباره "عنوان البساطة والحكمة ورمز‬


‫الضمير الجمعي ّ‬
‫األبيض فلون اقترن في ّ‬

‫للنشر والتّوزيع‪ ،)1008 ،‬ص‪.87-83‬‬


‫ذقية‪ :‬دار الحوار ّ‬
‫سعيد بنكراد‪ ،‬مسالك المعنى (الالّ ّ‬
‫‪73‬‬

‫‪50‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫أي معنى‪ ،‬أو‬


‫العناية‪ ...‬وصوت االمتالك والتح ّكم والتّعالي‪ ...‬وهو البداية األولى‪ ،‬البداية الخالية من ّ‬

‫تتأسس منها ك ّل المعاني"‪.74‬‬


‫لحظة ّ‬

‫تلونت به ربطة العنق عند ساركوزي وهوالند على‬


‫وفي سيمياء األلوان يد ّل اللّون األزرق الذي ّ‬

‫ًّ‬
‫إقليميا‬ ‫الريادي في صناعة القرار‬ ‫الحر في العالم‪ ،‬فعال ًّ‬
‫بنائيا يعيد لفرنسا دورها ّ‬ ‫رغبة في االنطالق والفعل ّ‬

‫أبدي للواقع الموجود‪ ،‬المأزوم‪ ،‬وحلم هارب في عيون الحالمين بحياة ال تحكمها‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫ودوليا؛ فاألزرق رفض‬

‫‪75‬‬
‫األنطولوجية‪ ،‬ودا ّل على‬
‫ّ‬ ‫الذاتية و‬
‫ّ‬ ‫الصدر والتّعالي عن العوائق‬
‫القيود ‪ ،‬واألزرق دا ّل على االمتداد ورحابة ّ‬

‫االتّساع الذي جالّه اتّساع فضاء االستوديو موضع الحوار وتنافذ األشكال المرّبعة في جدرانه‪ ،‬وامتداد‬

‫الركح الجدالي‪ ،‬وتسويره بصورتين كبيرتين لقصر اإلليزيه الذي بدا مطالًّ على المناظرة من الخلف‪،‬‬
‫ّ‬

‫كأنه ُيخبر ّأنه مكان جامع للخالف‪ ،‬مفتوح على الحوار‬


‫امية من فوق‪ ،‬حتّى ّ‬
‫يحتضنها في رؤية بانور ّ‬

‫الناس‪ ،‬بل تترك لهم‬


‫اطية ال تؤمن بالوصاية على ّ‬
‫والتّسابق‪ ،‬وال نعرف من سيفوز بمفاتيحه في دولة ديمقر ّ‬

‫حرية اختيار من يحكمهم‪.‬‬


‫ّ‬

‫الهوية البصرّية عنده‪،‬‬


‫ّ‬ ‫مكونات‬
‫مكون من ّ‬
‫وما وضع فرانسوا هوالند نظّارته الشفّافة القانية‪ ،‬إالّ ّ‬

‫نسيين إ ّنه يرى الواقع والمستقبل بدقّة‪ ،‬و ّأنه قادر على إجراء التّغيير المنشود‪.‬‬
‫الرجل يريد أن يقول للفر ّ‬
‫فكأن ّ‬
‫ّ‬

‫المادي ُمخبرة بامتياز بافتراق هوالند عن خصمه ومجافاته له‪ ،‬فهو يريد أن‬
‫الحسي ّ‬
‫ّ‬ ‫والنظّارات في بعدها‬

‫للهوية‬
‫ّ‬ ‫سندا‬
‫الهوية البصرّية ً‬
‫ّ‬ ‫بأنه يرى ما ال يرى اآلخرون‪ ،‬فتستحيل‬
‫حصر ّ‬
‫ًا‬ ‫يقول لآلخر مطلقًا وللخصم‬

‫وحجةً رافدةً لمطلب التّغيير‪.‬‬


‫السياسية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪74‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪52‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫في بالغة األداء الحركي‬ ‫ب‪.‬‬

‫الرأس‪،‬‬
‫النظرات‪ ،‬وطأطأة ّ‬
‫وهز الكتف‪ ،‬وتوزيع ّ‬
‫حركات الجسد من قبيل اإلشارة واإليماءة وااللتفاتة ّ‬

‫لكنها غير منطوقة‪ ،‬يستحضرها المتكلّم‬


‫لغوية دالّة ّ‬
‫واستقامة الهيئة وغير ذلك من تعبيرات هي عالمات ّ‬

‫الباث متى أراد تأييد المنطوق‬


‫ّ‬ ‫عزت عليه اللّغة بمفرداتها‪ ،‬ولم تسعفه بتوصيف المراد‪ ،‬ويستدعيها‬
‫متى ّ‬

‫خاصة في مقامات التّناظر السياسي‪،‬‬


‫ّ‬ ‫الجسدية‪ .‬ويتجلّى ذلك‬
‫ّ‬ ‫الحركية‪ ،‬وتعزيز الكالم باإلشارة‬
‫ّ‬ ‫بالعالمة‬

‫الدالة من حين إلى آخر‪.‬‬


‫الركحي بمهاراته اإلشارّية ّ‬
‫فك ّل خطيب يحاول أن ُيغني فضاءه ّ‬

‫ولكننا‬
‫ندعي اإلحاطة بك ّل متعلّقات سيميولوجيا األداء الحركي ودالالته‪ّ ،‬‬
‫وفي مناظرة الحال‪ ،‬ال ّ‬

‫نحاول صوغ استنتاجات إجمالية تتعلّق أساسا بالوصل بين التّعبير اإلشاري وبين الفعل ِ‬
‫الحجاجي في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬

‫يحدق بنظرات‬
‫المحيا‪ ،‬منبسط الوجه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫السياسية‪ ،‬فقد بدا هوالند على امتداد ساعات الحوار منشرح‬
‫ّ‬ ‫المناظرة‬

‫تتحركان بسرعة نحو المن ّشطين ونحو خصمه ونحو الكامي ار في‬
‫عيني منافسه‪ ،‬وكانت عيناه ّ‬
‫ْ‬ ‫واثقة في‬

‫خاصة‬
‫ّ‬ ‫اال إلى توظيف حركة اليدين‬
‫مي ً‬
‫انسجام مع مقتضيات لحظة التّواصل ال ّشفوي مع اآلخر‪ ،‬وكان ّ‬

‫قصد التّفسير والتّفصيل‪ ،‬وكانت حركة جسده رصينة‪ ،‬وغير مرتجلة‪ ،‬متوافقة مع تمثّله ال ّذهني للواقع‬

‫وتصوره للمستقبل‪ ،‬حتّى إ ّن حضوره المشهدي لم يغلب عليه االنفعال‪ .‬فعلى الرغم مما لقيه من جانب‬
‫ّ‬

‫فإن ذلك لم يفقد هوالند هدوءه ورصانته‪ ،‬ولم‬


‫بالكالسيكية‪ ،‬وتقديم معلومات خاطئة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ساركوزي من اتّهام‬

‫الرجل قد حافظ على‬


‫أن ّ‬‫السياسي اللّفظي أو اإلشاري‪ .‬ويالحظ المشاهد ّ‬
‫يدفعه إلى الوقوع في شرك العنف ّ‬

‫التردد أو التف ّكر أو على سبيل الهروب‬


‫الرأس على جهة ّ‬
‫كرسي المناورة‪ ،‬ولم يطأطئ ّ‬
‫ّ‬ ‫استقامة جلسته على‬

‫السؤال والمبادرة إلحراج الخصم واستدراجه نحو‬


‫ممتلئا بقناعاته‪ ،‬ممس ًكا بزمام ّ‬
‫ً‬ ‫من أسئلة المنافس‪ ،‬بل بدا‬

‫المسؤولية في خصوص ما آل إليه واقع المجتمع الفرنسي من تدهور شمل الحياة‬


‫ّ‬ ‫بتحمل‬
‫ّ‬ ‫اإلقرار‬

‫خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬

‫‪53‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫وبالمقابل بدت على وجه ساركوزي أثناء المناظرة عالمات اإلرهاق والخوف المبطّن من الهزيمة‪،‬‬

‫الصادرة عنه مشتّتة بين المخاطب وبين‬


‫النظرات ّ‬
‫طويال في عيني مناظره‪ ،‬بل بدت ّ‬
‫ً‬ ‫ولم يكن يدقّق‬

‫مرة‪ .‬وكان ساركوزي‬


‫الرأس أكثر من ّ‬
‫النقاش‪ ،‬على نحو تزامنت معه حركة طأطأة ّ‬
‫االنكسار نحو طاولة ّ‬

‫لكنه ال يكتفي بالتّعبير عن المراد باللّفظ‪ ،‬بل يتجاوز ذلك إلى‬


‫عند مبادرته بالكالم يسترسل في الخطاب ّ‬

‫يمينا‬
‫هز الكتفين‪ ،‬وتحريك الحاجبين‪ ،‬واإلشارة باليد ً‬
‫الجسدية من قبيل ّ‬
‫ّ‬ ‫استحضار ما أمكن من الحركات‬

‫صحة‬ ‫وشماال‪ ،‬فكان دينامي الحضور على الركح‪ ،‬يتوسل ك ّل أساليب التّعبير الجسدي ِ‬
‫للحجاج على‬ ‫ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرئيس‬
‫نسيين بأن يكون ّ‬
‫رده على وعد هوالند الفر ّ‬
‫(خاصة في البداية عند ّ‬
‫ّ‬ ‫تصوره ولنقض أطروحة خصمه‬
‫ّ‬

‫الموحد لهم بعد الفرقة)‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الجامع‬

‫بأن ساركوزي قد وضع نفسه من حيث‬


‫فإن كثافته توحي ّ‬
‫أهمية هذا الجهد الحركي التّعبيري‪ّ ،‬‬
‫ومع ّ‬

‫يدري أو من حيث ال يدري في موقع المتّهم الذي ظ ّل يسعى طوال المناظرة إلى البرهنة على براءته من‬

‫التنموية‪ ،‬وفساد منواله االقتصادي وخيا ارت حكومته‬


‫ّ‬ ‫وجهها إلى خصمه من قبيل فشل سياسته‬
‫تهم شتّى ّ‬

‫الدور‬
‫الضمني بهذا ّ‬
‫الرجل في زاوية المتّهم وقبوله ّ‬
‫في اإلصالح االجتماعي واإلداري والتّربوي‪ .‬وانحسار ّ‬

‫اال إلى مهاجمة خصمه‬


‫مي ً‬
‫محكوما باالنفعال من حين إلى آخر‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫جعله مرتب ًكا في مستوى األداء الحركي‪،‬‬

‫بالحجة‪ .‬وقد انعكس االرتباك‬


‫ّ‬ ‫الحجة‬
‫ّ‬ ‫بطريقة تميل إلى إصدار األحكام المعيارّية الجاهزة بدي ًال من مقارعة‬

‫بأنه سيقف‬
‫نظن ّ‬
‫كرسيه حتّى نكاد ّ‬
‫ّ‬ ‫الحركي في مستوى انحناء ساركوزي أثناء الكالم‪ ،‬وعدم استق ارره فوق‬

‫خبر بحالة من‬


‫سيفر من مواجهة خصمه فكان في كثرة حركاته اإلشارّية‪ُ ،‬م ًا‬
‫من حين إلى آخر‪ ،‬أو ّأنه ّ‬

‫التوتّر وعدم القدرة على تفادي أخطاء المرحلة السابقة من حكمه واقناع الجمهور بتجديد العهد له في والية‬

‫كرسيه‬
‫ّ‬ ‫تعددت حركات اليد وايماءات الجسد وملفوظات اللّسان عنده‪ ،‬وبدا إذ يتكلّم من فوق‬
‫أخرى‪ .‬لذلك ّ‬

‫يقر لها قرار‪.‬‬


‫متحركة ال يكاد ّ‬
‫ّ‬ ‫ئبقية‬
‫في بعض األحيان كمن يقف على ربوة ز ّ‬

‫‪54‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الصوتي‬
‫في بالغة األداء ّ‬ ‫ج‪.‬‬

‫مهما في التّواصل اللّغوي مع المتلقّي‪ ،‬فطريقة‬


‫عالميا ًّ‬
‫ّ‬ ‫ركنا إ‬
‫الصوتي للخطاب ً‬
‫ّ‬ ‫عد األداء‬
‫ُي ّ‬

‫العلو واالنخفاض‪،‬‬
‫الصوت بين ّ‬
‫النطق‪ ،‬بها ونسق التلفّظ بالعبارة‪ ،‬وتراوح ّ‬
‫وكيفية إيراد الكلمات و ّ‬
‫ّ‬ ‫التّصويت‪،‬‬

‫انطباعا ّأو ًليا‬


‫ً‬ ‫وتقدم‬
‫الصوتية التي تواكب التّعبير اللّفظي عن الغرض‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حيز المؤثّرات‬
‫ك ّل ذلك معدود في ّ‬

‫المتقبل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معين من جانب‬
‫رد فعل ّ‬
‫للباث‪ ،‬وتساهم في إنتاج ّ‬
‫ّ‬ ‫النفسية والفكرّية‬
‫ّ‬ ‫عن الحالة‬

‫الم ْنجز‬
‫الصوتي قد واكب ُ‬
‫أن األداء ّ‬
‫والمالحظ في مناظرة فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي ّ‬
‫ِ‬
‫الحجاجي في اللّقاء‪ ،‬وعكست طريقة التّصويت لدى الطّرفين مدى قدرة ك ّل منهما على إدارة الحوار‪ ،‬وعلى‬

‫ندعي هنا تفصيل القول في هذه المسألة من ك ّل جوانبها‬


‫المتفرج بوجهة نظره‪ .‬وال ّ‬
‫ّ‬ ‫النفس‪ ،‬واقناع‬
‫ضبط ّ‬

‫مستقال بنفسه يقتضي‬


‫ً‬ ‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫الصوتي للمناظرة ومتعلّقاته يمكن أن تكون‬
‫عالمي ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن دراسة األداء اإل‬
‫ّ‬

‫الكثير من التّدقيق‪ ،‬ومراجعة خطاب التّناظر من ّأوله حتّى منتهاه على امتداد ما يقرب من ثالث‬

‫الصوت ودالالتها عند المتناظرين‪ ،‬ومدى تعبيرها عن ذات المتكلّم وفعلها‬


‫ساعات‪ ،‬فيجري تحليل نبرات ّ‬

‫الصوتي‬
‫أساسا على األداء ّ‬
‫ً‬ ‫الدراسة باعتبارنا نرّكز‬
‫في المتلقّي المفترض‪ .‬وهو أمر يضيق به مقام هذه ّ‬

‫بوصفه خادما لمطلب ِ‬


‫الحجاج‪ ،‬وال نريد دراسته في أبعاده األخرى على جهة اإلطالق‪.‬‬ ‫ً‬

‫أن صوت فرانسوا هوالند على امتداد لحظات‬


‫مؤداه ّ‬
‫عام ّ‬
‫يمكن أن يخرج المتابع للمناظرة بانطباع ّ‬

‫مما‬
‫صادر عن شخص واثق بنفسه وعلى يقين ّ‬
‫ًا‬ ‫الرصانة‪ ،‬وبدا‬
‫المواجهة قد كان صوتًا يغلب عليه الهدوء و ّ‬

‫يتعجل في الحكم‪ ،‬وال يأبه باالستفزاز‪ ،‬بل يتعامل معه بهدوء‬


‫الرئيس بامتياز‪ ،‬تراه ال ّ‬
‫يتقمص دور ّ‬
‫يقول‪ ،‬و ّ‬

‫بالحجة‪ ،‬فحتّى في لحظات تعلّق التّهمة بشخصه مباشرة‬


‫ّ‬ ‫الحجة‬
‫ّ‬ ‫رد‬
‫م ْن يترفّع عن اإلساءة أو من يحاول ّ‬

‫الموجهة‬
‫ّ‬ ‫بالسكوت عن خطابات اإلساءة والتّخوين‬
‫بأنه االبن المدلّل لفرانسوا ميتران‪ ،‬واتّهامه ّ‬
‫(مثل اتّهامه ّ‬

‫بالنفي‬
‫الرد ّ‬
‫اال إلى ّ‬
‫مي ً‬
‫غضبا‪ ،‬بل بدا ّ‬
‫ً‬ ‫لساركوزي‪ ،‬ونعته بالكذب‪ )...‬لم يكن هوالند في موقع من يستشيط‬

‫‪55‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫ؤيدها المتكلّم‬
‫يوجهه له من تهم‪ ،‬تبقى متهافتة في نظره ما لم ُي ّ‬
‫الدليل على ما ّ‬
‫ومطالبا منافسه بتقديم ّ‬
‫ً‬

‫بالحجة‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن‬
‫رد الفعل على الطّرف المقابل ال يمنع من اإلشارة إلى ّ‬
‫وهذا الهدوء في التّعبير عن المراد وفي ّ‬
‫‪76‬‬
‫إلبراز‬ ‫النبر‬
‫خاصة عندما يعمد إلى توظيف تقنية ّ‬
‫ّ‬ ‫الرجل يرتفع في بعض األحيان‪ ،‬ويتّضح ذلك‬
‫صوت ّ‬

‫الضمائر على نحو مخصوص‪ ،‬فنغمة‬


‫أمر ما أو إلظهار طرف ما‪ ،‬فيكفي أن نشير هنا إلى توظيفه ّ‬

‫الرئاسة‪ ،‬فقد كان ترديد هذه‬


‫مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫تحمل‬
‫صوته ترتفع عندما يع ّـبر عـن األنـا الفاعـل والقـادر علـى ّ‬

‫وتستعد‬
‫ّ‬ ‫تتأهب للفعل‪،‬‬
‫قيادية ّ‬
‫بشخصية ّ‬
‫ّ‬ ‫خبر‬
‫مرات ُم ًا‬
‫عدة ّ‬
‫النبرة ّ‬
‫ئيسا"‪ ،‬بلهجة عالية ّ‬
‫العبارة "أنا باعتباري ر ً‬

‫بالنفس‪ ،‬وعن إشهاد‬


‫ي‪ ،‬مسموع‪ ،‬فيه تعبير عن الثّقة ّ‬
‫الرئاسة‪ ،‬وتنطق بذلك بصوت جهور ّ‬
‫مسؤولية ّ‬
‫ّ‬ ‫لتحمل‬
‫ّ‬

‫الصوت وتتالي الجمل على نحو سريع ومرتّب‪ ،‬ال يعتريه التوتّر واالرتباك‬
‫للعالم على الذات‪ .‬وفي ارتفاع ّ‬

‫السامع إلى محتوى الالّزمة‬


‫شد ّ‬‫اللغوية من ناحية‪ ،‬وسعيه ل ّ‬
‫ّ‬ ‫بيان لقدرة المتكلّم على تمثّل محمول رسالته‬

‫ئيسا للجمهورّية‪ ،"...‬من ناحية أخرى‪ ،‬وهو ما أضفى على الخطاب في بدايته‬
‫الصوتية "أنا باعتباري ر ً‬
‫ّ‬

‫الرجل‪.‬‬
‫مخصوصا‪ ،‬يغري بمتابعة ملفوظ ّ‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫موسيقيا‬ ‫إيقاعا‬
‫ً‬ ‫وفي نهايته‬

‫يوجه التّهمة مباشرة إلى ساركوزي‪ ،‬فيبرزه في موقع المسؤول‬


‫أيضا عندما ّ‬
‫وترتفع لهجة هوالند ً‬

‫وعما آل إليه واقع االجتماع الفرنسي من تشتّت وانقسام‪،‬‬


‫عما آل إليه وضع البالد من تدهور‪ّ ،‬‬
‫الرئيس ّ‬
‫ّ‬

‫الدولة‬
‫أساسا رئيس ّ‬
‫ً‬ ‫تردي األوضاع هو‬
‫حصر عن ّ‬
‫ًا‬ ‫أن المسؤول‬
‫مستعمال ضمير المخاطب "أنتم" ليؤ ّكد ّ‬
‫ً‬

‫علو"‪ .‬ابن منظور (جمـال الـدين)‪ ،‬لسمان العمرب‪ ،‬مراجعـة‬


‫الرجل نبرةً إذا تكلّم بكلمة فيها ّ‬
‫الصوت‪ .‬يقال نبر ّ‬
‫"النبر عند العرب ارتفاع ّ‬
‫ّ‬
‫‪76‬‬

‫مؤسســة األعلمــي للمطبوعــات‪،)1004 ،‬‬


‫وتــدقيق يوســف البقــاعي‪ ،‬إب ـراهيم شــمس الـ ّـدين‪ ،‬نضــال علــي‪ ،‬المجلّــد ‪( 7‬بيــروت‪ :‬منشــورات ّ‬
‫ص ‪.3614‬‬

‫‪56‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫محاجته‬
‫ّ‬ ‫أسس عليه هوالند‬
‫"نيكوال ساركوزي"‪ ،‬وهو ما يقتضي تبديله وذلك خدمة لمطلب التّغيير الذي ّ‬

‫الرئيس سبيل إلى تغيير واقع البالد نحو األفضل من وجهة نظره‪.‬‬
‫لآلخر‪ ،‬فتغيير ّ‬

‫بشخصية‬
‫ّ‬ ‫الرئيس المنتهية واليته قد كان في العموم صوتًا متوتًّرا‪ُ ،‬يخبر‬
‫فإن صوت ّ‬
‫وفي المقابل‪ّ ،‬‬

‫االجتماعية لفترة تولّيه‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬ ‫الدفاع عن الحصيلة‬
‫الموجهة إليها‪ ،‬والى ّ‬
‫ّ‬ ‫تسعى لنفي التّهم‬

‫وبالصوت‬ ‫حينا‪،‬‬
‫بالصوت العالي ً‬ ‫الدفاع ِ‬
‫الحجاجي عند ساركوزي كان يستأنس‬ ‫رئاسة فرنسا‪ ،‬فخطاب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أهمية ُم ْنج ِزه‬


‫بأن الخصم يروم إنكار ّ‬
‫بالضيم واالقتناع ّ‬
‫ّ‬ ‫الخافت حينا آخر‪ .‬ففي مواضع اإلحساس‬

‫مثال على ذلك قوله إ ّن فرنسا‬


‫الصرامة؛ خذ ً‬
‫القوة و ّ‬
‫السياسي‪ ،‬بدا ساركوزي ينطق بصوت فيه الكثير من ّ‬
‫ّ‬

‫أي عمل‬
‫سلمية‪ ،‬ولم ُيقمع ّ‬
‫ّ‬ ‫للصراع واالنقسام‪ ،‬بل كانت ك ّل المظاهرات‬
‫خالل واليته لم تكن ساحة ّ‬

‫بالقوة‪ ،‬وكذا اعتراضه على القول إ ّن فترة واليته قد شهدت أكبر نسبة بطالة في تاريخ‬
‫احتجاجي جماعي ّ‬

‫مما هي عليه في عدد من بلدان االتّحاد األوروبي‪.‬‬


‫أن نسبة البطالة في البالد أق ّل ّ‬
‫معتبر ّ‬
‫ًا‬ ‫فرنسا‪،‬‬

‫عمدا‪ ،‬وذلك قصد‬


‫الصوت ً‬
‫النفي "هذا خطأ"‪ ،‬إذ ُيعلي من نبرة ّ‬
‫وترتفع لهجة ساركوزي في حاالت ّ‬

‫تسفيه المنافس من ناحية‪ ،‬واشهاد العالم على خطئه من ناحية أخرى‪ ،‬والمراد الطّعن في كالم الخصم‪،‬‬

‫مسؤولية األنا عن التدهور المشهود‪،‬‬


‫ّ‬ ‫الصدقية على أقواله‪ ،‬فترى ساركوزي ًّ‬
‫جادا في نفي‬ ‫ّ‬ ‫حجة‬
‫ودفع ّ‬

‫بالزيف وعدم القدرة على تشخيص الواقع وتمثّله‬


‫يصا في الوقت نفسه على اتّهام اآلخر‪ /‬المقابل ّ‬
‫حر ً‬

‫أساسية وهي أن يربك منافسه من ناحية‪ ،‬وأن يطعن‬ ‫جاجية‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫وقراءته وتحليله بطريقة سليمة‪ ،‬وذلك لغاية ح ّ‬

‫مشرًعا لمطلب‬
‫أن الخبرة هي الفيصل في كسب المعترك االنتخابي‪ّ ،‬‬
‫في كفاءته من ناحية أخرى‪ ،‬ويبرز ّ‬
‫ٍ‬
‫خلف ال يحسن تقدير الواقع وفهمه‪ ،‬وبذلك علت‬ ‫ئاسية‪ ،‬وذلك حتّى ال يقع البلد في أيدي‬
‫االستم اررّية الر ّ‬

‫الصوت خدمة لمطلب تسفيه المنافس‪.‬‬


‫النبرة في مواضع شعر فيها ساركوزي بضرورة إعالء ّ‬
‫ّ‬

‫‪54‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫خاصة عندما يتعلّق األمر‬


‫ّ‬ ‫الرجل يميل إلى الخفوت في مواضع أخرى‪ ،‬ويبرز ذلك‬
‫لكن صوت ّ‬
‫ّ‬

‫عدة مواضع من‬


‫الضحية أو "كبش الفداء"‪ ،‬وتجلّى ذلك في ّ‬
‫ّ‬ ‫برغبة ساركوزي في الظّهور في موقع‬

‫انتخابية شعواء‬
‫ّ‬ ‫إعالمية‪/‬‬
‫ّ‬ ‫ضحية حملة‬
‫ّ‬ ‫قدم نفسه في بداية المناظرة على ّأنه‬
‫لما ّ‬
‫أهمها‪ّ ،‬‬
‫المناظرة‪ ،‬لع ّل ّ‬

‫القضائية‪ ،‬وتهدف إلى تشويهه وتقزيم جهوده‬


‫ّ‬ ‫المؤسسة‬
‫النقابية و ّ‬
‫ّ‬ ‫المؤسسة‬
‫ّ‬ ‫يقودها رموز اليسار الفرنسي في‬

‫الديكتاتورّية في العالم من‬


‫الناس عليه عبر تشبيهه بأعالم ّ‬
‫في بناء فرنسا‪ ،‬بهدف إقصائه‪ ،‬بل وتحريض ّ‬

‫وتقصد ساركوزي بلهجة الخفوت والتّراخي الغالبة على صوته في مثل هذه المقامات‬
‫ّ‬ ‫قبيل فرانكو وهتلر‪.‬‬

‫التعبيرّية استعطاف القلوب ولفت النّاس إليه‪ ،‬واستنهاضهم للتّضامن معه في وجه من يتآمرون عليه‬

‫النبرة في‬
‫وما بتقسيمهم‪ ،‬وتأليب بعضهم على بعض‪ .‬والقصد من تلك ّ‬
‫نسيين عم ً‬
‫ويرومون الكيد للفر ّ‬

‫سبيال إلى مخاطبة وجدان‬


‫المظلومية ً‬
‫ّ‬ ‫الرئاسة‪ ،‬فتصبح‬
‫النصرة في معركة ّ‬
‫الناس وطلب ّ‬
‫التصويت استتباع ّ‬

‫ضمنية إلى التّكفير عن‬


‫ّ‬ ‫أيضا دعوة‬
‫المظلومية ً‬
‫ّ‬ ‫ودهم واغرائهم بتأييد استمراره‪ ،‬وتصبح‬
‫الناس‪ ،‬ولكسب ّ‬
‫ّ‬

‫وضمانا الستمرار العدالة كما يراها‬


‫ً‬ ‫السلم األهلي‬
‫ظا على ّ‬
‫ال ّذنب بنصر المظلوم وابعاد الظّالم حفا ً‬

‫ساركوزي‪.‬‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫سابعا‪ :‬وظائف المناظرة‬
‫ا‬

‫تتكون من ملفوظ‬
‫اصلية‪ ،‬ومناسبة حوارّية ّ‬
‫خطابا معزوًال‪ ،‬بل هي واقعة تو ّ‬
‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫ليست المناظرة‬

‫تفاعلية‪ ،‬وصدور الكالم في‬


‫ّ‬ ‫المكونات عالقة ضرورّية‬
‫ّ‬ ‫ومتلق‪ ،‬ومقام تلفّظ‪ ،‬والعالقة بين هذه‬
‫ّ‬ ‫باث‬
‫ومن ّ‬

‫أهمها‪:‬‬ ‫المساجالت السياسية على جهة ِ‬


‫بعدة وظائف لع ّل ّ‬
‫منهجي دا ّل‪ ،‬ويضطلع ّ‬
‫ّ‬ ‫الحجاج خيار‬ ‫ّ‬

‫‪52‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫التعبيرية‬
‫ّ‬ ‫التعريفية‪/‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬الوظيفة‬

‫يفية‬
‫السياسية في اللّقاء الختامي الذي جمع هوالند بساركوزي بوظيفة تعر ّ‬
‫ّ‬ ‫لقد اضطلعت المناظرة‬

‫جالّها سعي ك ّل منهما إلى التعريف بشخصه من ناحية‪ ،‬والتّعريف ببرنامجه من ناحية ثانية‪ ،‬ففي مستوى‬

‫الرجل المناسب في المكان المناسب‪ ،‬وقد‬


‫اال إلى إبراز ذاته في موقع ّ‬
‫مي ً‬
‫التعريف بال ّشخص بدا ك ّل طرف ّ‬

‫السياسي‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫معتدا برصيده ّ‬ ‫السياسي وتاريخه في خدمة البلد‪ ،‬فبدا‬
‫زّكى ساركوزي نفسه باستحضار مجده ّ‬

‫وبين ّأنه قد فتح فرنسا على محيطها‬


‫الرئاسة‪ّ ،‬‬
‫السياسة وعلمه بفنون ّ‬
‫ومرّك ًاز على إبراز خبرته بشؤون ّ‬

‫نسيين وفي الحفاظ على مصالح بلده‬


‫األوروبي‪ ،‬وأسهم في توحيد الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫ودعم شراكتها في االتّحاد‬
‫الخارجي‪ّ ،‬‬

‫العالمية‪ ،‬وفي ذلك إمعان‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية‬
‫ّ‬ ‫الداخل والخارج‪ ،‬وأ ّكد مساهمته في تجنيب بالده مخاطر األزمة‬
‫في ّ‬

‫بالرئاسة من خصمه‪ .‬وقد رفد‬


‫في التعريف بال ّذات‪ ،‬واظهار مزايا ال ّشخص وتقديم نفسه على ّأنه األجدر ّ‬

‫الدخل الفردي للمواطنين‬


‫سيحسن ّ‬
‫ّ‬ ‫ذلك بالتعريف بالخطوط العريضة لبرنامجه المستقبلي‪ُ ،‬م ْخبًِار ّ‬
‫بأنه‬

‫وسيحد من البطالة والهجرة‪.‬‬


‫ّ‬

‫يصا على تقديم نفسه في‬


‫للرئاسة‪ ،‬فكان هو اآلخر حر ً‬
‫أما فرانسوا هوالند‪ ،‬المر ّشح االشتراكي ّ‬
‫ّ‬

‫المستعدة‬
‫ّ‬ ‫السواء‪ ،‬و‬
‫الغني والفقير على ّ‬
‫ّ‬ ‫نسيين‪ ،77‬القادرة على األخذ بيد‬
‫الشخصية المؤلّفة لجموع الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫صورة‬

‫يديولوجية لجمع ك ّل المحكومين على اختالف أفكارهم وآرائهم‬


‫ّ‬ ‫السياسية واالنتماءات األ‬
‫ّ‬ ‫لتجاوز الخالفات‬

‫وأعراقهم تحت راية الجمهورّية‪.‬‬

‫ئاسية القادمة‪،‬‬
‫الدورة الر ّ‬
‫ليعرف ماليين المشاهدين بمعالم برنامجه في ّ‬
‫السياسية ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد اغتنم المناظرة‬

‫المستقبلية تقطع مع ك ّل أشكال الفساد اإلداري والسياسي والمالي‬


‫ّ‬ ‫أن خطّته‬
‫أسس خطابه على بيان ّ‬
‫وّ‬

‫قوة فرنسا"‪.‬‬
‫التقدم‪" :‬نحتاج إلى ك ّل ّ‬
‫نسيين لكسب معركة ّ‬
‫إن فرنسا في حاجة لجهود ك ّل الفر ّ‬
‫يقول هوالند ّ‬
‫‪77‬‬

‫‪52‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬
‫المشهود في عهد منافسه‪ ،‬وبذلك فقد تقاطع الخطاب اإلعالمي اإلبالغي مع الخطاب ِ‬
‫الحجاجي في‬

‫فعال إخبارًّيا معزوًال‪ ،‬بل كان‬


‫السياسية بين الطّرفين‪ ،‬فالتّعبير عن الذات وطرح البرامج لم يكن ً‬
‫ّ‬ ‫المناظرة‬

‫الناس إلى قبولها‬ ‫اصليا عضده ِ‬


‫الحجاج وأسنده االستدالل بغاية توضيح أجندة ك ّل طرف ودفع ّ‬ ‫فعال تو ًّ‬
‫ً‬

‫سياسية‬
‫ّ‬ ‫يتقصدان الكشف عن تفاصيل أطروحة‬
‫ّ‬ ‫والعمل على ترويجها‪ ،‬فالتّعبير والتأثير فعالن متوازيان‬

‫رد أطروحة أخرى مخالفة أو هي معارضة على نحو ما‪.‬‬


‫ما‪ ،‬ويرومان ّ‬

‫التأثيرية‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬الوظيفة‬

‫السياسية بين فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي بعدين‬


‫ّ‬ ‫اتّخذ فعل التّأثير في اآلخر في المناظرة‬

‫األول طلب التأثير في الخصم نفسه والثاني طلب إيقاع التأثير في المتلقّي‪.‬‬
‫اثنين على األق ّل‪ّ :‬‬

‫الرغبة في إرباك المنافس‪ ،‬والتأثير فيه بطريقة أو‬


‫مسكونا بهاجس ّ‬
‫ً‬ ‫األول بدا ك ّل طرف‬
‫ففي البعد ّ‬

‫همته وبعثرة‬
‫حجته أو بمباغتته بأسئلة محرجة أو الته ّكم منه قصد إحباط ّ‬
‫بأخرى وذلك ببيان تهافت ّ‬

‫صرح ساركوزي قبل بداية المناظرة ّأنها‬


‫أفكاره‪ ،‬ودفعه إلى االضطراب أو الوقوع في شرك التناقض‪ .‬وقد ّ‬

‫"سيفجر خصمه"‪ .‬وفي ذلك إخبار ّأنه سيوظّف حدث‬


‫ّ‬ ‫"ستكون لحظة الحقيقة"‪ ،78‬ووعد أنصاره بأنّه‬

‫لرد هجومات‬ ‫ًّ‬


‫مستعدا ّأيما استعداد ّ‬ ‫ًّ‬
‫سياسيا‪ .‬وقد بدا هوالند‬ ‫ِ‬
‫مناظره‪ ،‬بل وللفتك به‬ ‫المناظرة للتّأثير في‬

‫إمكانياته باعتباره حديث العهد بالتّنافس على‬


‫ّ‬ ‫ساركوزي ومحاوالته المتتالية لالستخفاف به والتّهوين من‬

‫مما أضفى على المناظرة‬


‫الند ّ‬
‫الزعيم وواجه خصمه في موقع ّ‬
‫شخصية ّ‬
‫ّ‬ ‫الرئاسة‪ ،‬فكان أن تق ّمص مسبقًا‬
‫ّ‬

‫شد انتباه المتلقّي لمتابعة الحوار واستشراف مآالته‪.‬‬


‫لون التّوازن‪ ،‬وأسهم ذلك في ّ‬

‫يقدم فيها ك ّل شخص حقيقته"‪.‬‬


‫اء لحظة فريدة ّ‬
‫أهمية حدث المناظرة بقوله‪" :‬أريد أن يكون هذا المس ُ‬
‫عبر ساركوزي عن ّ‬
‫ّ‬
‫‪78‬‬

‫‪61‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫المتقبل وتحويله من حال إلى حال‪ ،‬فالمراد إخراجه من‬


‫ّ‬ ‫موجه نحو استمالة‬
‫والتّأثير في بعده الثاني ّ‬

‫دائرة الحياد نحو دائرة االنحياز إلى أحد الطّرفين المتقابلين‪ ،‬أو استتباعه وأخذه من االصطفاف خلف رمز‬

‫السياسية بل‬
‫ّ‬ ‫معين نحو االصطفاف خلف أحد المتناظرين‪ ،‬وبذلك فالكالم غير بريء في المناظرة‬
‫سياسي ّ‬
‫ّ‬
‫النهائي‪ ،‬والفعل فيه على‬
‫المتقبل ّ‬
‫ّ‬ ‫موجه بامتياز‪ ،‬ومقصود لغير ذاته باعتبار القصد هو استقطاب‬
‫هو كالم ّ‬

‫معا"‪79‬؛ فالمتكلّم‬ ‫نحو ما‪ِ ،‬‬


‫متلق ما من أجل تعديل رأيه أو سلوكه أو هما ً‬
‫"فالحجاج هو توجيه خطاب إلى ّ‬

‫السياسي‬
‫يستحضر أقطار الكالم‪ ،‬وأسباب البيان‪ ،‬وتقنيات المجادلة‪ ،‬وفحوى الخطاب‪ ،‬وثراء البرنامج ّ‬

‫ليضمن تبكيت الخصم من ناحية‪ ،‬وعطف القلوب على رسالته من ناحية أخرى‪ ،‬فهو يدغدغ وجدان‬

‫ويحرك انفعاالتهم‪ ،‬ويثير أسئلة في أذهانهم‪ ،‬عسى أن يلفت انتباههم إليه من ناحية فيخرجهم‬
‫ّ‬ ‫الناخبين‪،‬‬
‫ّ‬

‫ويؤيدوا تولّيه شؤون‬


‫يردهم إليه فيناصروه ّ‬
‫المسؤولية‪ ،‬وعسى أن يثيرهم أو ّ‬
‫ّ‬ ‫حيز‬
‫حيز الالّمباالة إلى ّ‬
‫من ّ‬

‫النظر‬
‫الباث في طلب إقناع المتلقّي وهو ما يخبر به ّ‬
‫ّ‬ ‫يكد‬
‫أمورهم ومقاليد سياستهم‪ ،‬وشرف رئاستهم‪ ،‬لذلك ّ‬

‫اإلقناعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في الوظيفة‬

‫اإلقناعية‬
‫ّ‬ ‫‪ .3‬الوظيفة‬

‫السياسية وهدفها المركزي‪ ،‬وهو هدف يجري التمهيد له باستجماع‬


‫ّ‬ ‫عد اإلقناع غاية المناظرة‬
‫ُي ّ‬

‫يتم بلوغ‬
‫الحجج‪ ،‬ورصف األدلّة‪ ،‬والوصل المنطقي بين البراهين حتّى يأخذ بعضها برقاب بعض‪ ،‬كما ّ‬

‫نقلية مخصوصة‬
‫عقلية أو ّ‬
‫اقعية محسوسة‪ ،‬وشواهد ّ‬
‫للمتقبل واستحضار معطيات و ّ‬
‫ّ‬ ‫الصورة‬
‫اإلقناع بتقريب ّ‬

‫بصحتها وغير ذلك من األدلّة كثير‪.‬‬


‫ّ‬ ‫إحصائيات مشهود‬
‫ّ‬ ‫واعتماد‬

‫‪ 79‬محمد الولي‪" ،‬مدخل إلى ِ‬


‫الحجاج أفالطـون وأرسـطو وشـايم بيرلمـان"‪ ،‬مجلمة عمالم الفكمر‪ ،‬المجلّـد ‪( 70‬تشـرين األول‪/‬أكتـوبر‪ -‬كـانون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األول‪ /‬ديسمبر ‪ ،(1022‬ص‪.22‬‬

‫‪60‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫الفنية‬
‫اإلشكالية مدار الجدل واإلحاطة بها من ك ّل جوانبها ّ‬
‫ّ‬ ‫ويقتضي اإلقناع القدرة على تمثّل‬

‫الخاصة بها‪ ،‬والعلم بممكنات حلّها‪ ،‬ومناهج دراستها‪،‬‬


‫ّ‬ ‫يخية‬
‫الثقافية والتار ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللية‪ ،‬وبك ّل المعطيات‬
‫و ّ‬

‫كيفيات انتظام‬
‫ومداخل فهمها‪ .‬كما يتطلب اإلقناع االستعداد إلى سماع الخصم‪ ،‬واألخذ عنه‪ ،‬وادراك ّ‬

‫القوة والضعف في أطروحته قصد كشفها وبيان تهافتها‪ ،‬وقد بدا ك ّل من هوالند وساركوزي‬
‫خطابه ومواضع ّ‬

‫بالحيز‬
‫ّ‬ ‫التأدب في مستوى استعداد ك ّل منهما إلى اإلنصات إلى وجهة نظر اآلخر‪ ،‬وااللتزام‬
‫على غاية من ّ‬

‫السماع‪ ،‬فالمبادرة‬
‫وتأسست إستراتيجية ساركوزي على ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمني بين الطّرفين المتنافسين بطريقة عادلة‪،‬‬
‫ّ‬

‫ثم التراقي تدريجيًّا الستجماع الحجج‪،‬‬


‫مصداقيته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫بالنقض‪ ،‬وتسفيه المنافس بإصدار أحكام تطعن في‬
‫ّ‬

‫المؤيدة له‪.‬‬
‫الرافدة للحكم و ّ‬
‫والبراهين ّ‬

‫مدة رئاسته ليكشف فداحة‬


‫اال إلى االنطالق من حصيلة حكم ساركوزي خالل ّ‬
‫مي ً‬
‫أما هوالند‪ ،‬فكان ّ‬
‫ّ‬

‫أن خصمه محجوج بتركته‬ ‫ًّ‬


‫وقيميا‪ ،‬وليبرز ّ‬ ‫اقتصاديا واجتماعيًّا‬
‫ًّ‬ ‫ما آلت إليه سياساته من واقع مأزوم‬

‫المديونية وكثرة‬
‫ّ‬ ‫وتضخم‬
‫ّ‬ ‫الدولة‪ ،‬فتزايد نسب العجز في الميزان التّجاري‪،‬‬
‫اإلدارّية الثقيلة في مستوى رئاسة ّ‬

‫دليال على فساد النموذج الساركوزي في قيادة البلد‪ ،‬ويقنع‬


‫المهاجرين والعاطلين عن العمل‪ ،‬ك ّل ذلك يقوم ً‬

‫أن إقناع‬
‫الدعوة إلى التغيير والتّطوير في شتّى المجاالت‪ .‬فمعلوم ّ‬
‫المتلقّي بمساندة أطروحة هوالند في ّ‬

‫فالغ ْنم المراد من "حرب‬


‫المتقبل هو الغاية التي يسير إليها التناظر‪ ،‬وهو الهدف الذي ينشده الحوار‪ُ ،‬‬
‫ّ‬

‫الدفاع عن‬
‫بصحتها و ّ‬
‫ّ‬ ‫معينة‪ ،‬واستدراجه إلى التّسليم‬
‫الكلمات" هو تهيئة المتلقّي للقبول بوجهة نظر ّ‬

‫عدة ُيراد بها إثارة المتابع للمناظرة‬


‫تتنوع الحجج وتتش ّكل اللّغة وتُصاغ األسئلة على أنحاء ّ‬
‫عيتها‪ .‬ولذلك ّ‬
‫شر ّ‬

‫ًّ‬
‫وجدانيا مع طرح دون آخر‪.‬‬ ‫وضمان استتباعه الذي ال يكون إالّ عبر إقناعه ذهنيًّا وكسب تعاطفه‬

‫‪62‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫قصدية ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬ ‫ّ‬ ‫ثام انا‪:‬‬

‫عدة لع ّل‬
‫لغوية ذات مقاصد ّ‬
‫اصلية‪ ،‬ورسالة ّ‬
‫خطابا بر ًيئا‪ ،‬بل هي واقعة تو ّ‬
‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫ليست المناظرة‬

‫النحو‬
‫المتقبل‪ ،‬وتفصيل القول في ذلك على ّ‬
‫ّ‬ ‫أهمها إحداث التفاعل واالستقطاب واالستجابة ألفق انتظار‬
‫ّ‬

‫التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬إحداث التفاعل‬

‫اصلي يجمع بين‬ ‫وفعال ِح ًّ‬


‫عمال لغويًّا ً‬
‫مقصودا لذاته‪ ،‬فهي مقام تو ّ‬
‫ً‬ ‫جاجيا‬ ‫السياسية ً‬
‫ّ‬ ‫ليست المناظرة‬

‫خالفية شتّى‪ ،‬فإثارة الطرف المقابل‬


‫ّ‬ ‫طرفين فأكثر يتنازعان األفكار‪ ،‬ويتدافعان األقوال والمواقف في مسائل‬

‫الحجة عليه واشهاد الناس على تهافت أفكاره‬


‫واستدراجه للوقوع في الخطأ‪ ،‬هنا‪ ،‬أمر مقصود ُيراد به إقامة ّ‬

‫تتقصد إثارة‬
‫ّ‬ ‫المجادلين فحسب‪ ،‬بل‬
‫ْ‬ ‫المتنافسين‬
‫ْ‬ ‫تؤسس للتفاعل بين‬
‫واختالل أحكامه‪ .‬وبذلك فالمناظرة ال ّ‬

‫فشد المشاهد ودغدغة أحاسيسه ومداعبة خياله‬


‫ردود فعل متباينة بين جمهور المتابعين لحدث التناظر‪ّ ،‬‬

‫النفس اللّغوي‬
‫المتقبل‪ ،‬وتأخذ من علم ّ‬
‫ّ‬ ‫نفسية‬
‫خطابية تستبطن ّ‬
‫ّ‬ ‫جيات‬
‫واإليهام بتحقيق أحالمه هي إستراتي ّ‬

‫الحجة‬
‫ّ‬ ‫أن اختيار اللّغة‪ ،‬ونظم العبارة‪ ،‬ورصف‬
‫النفس االجتماعي بطرف آخر‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫بطرف‪ ،‬ومن علم ّ‬

‫الناخبين‬
‫استباقية لرغبات الجماعة‪ /‬الهدف وحاجياتها‪ ،‬ولمشاغل ّ‬
‫ّ‬ ‫واصطفاء المحتوى يقوم على قراءة‬

‫جد هوالند وساركوزي في استجماع أقطار الكالم‪ ،‬وفي تعديد البراهين‪،‬‬


‫وانتظاراتهم في مقام الحال‪ ،‬فقد ّ‬

‫الناخبين على نحو‬


‫منسجما مع حاجيات ّ‬
‫ً‬ ‫السامعين‪،‬‬
‫مالئما ألشواق ّ‬
‫ً‬ ‫سعيا إلى جعل الكالم‬
‫وتكثير الوعود ً‬

‫ويعمق التفاعل اإليجابي مع طرف دون آخر من ناحية أخرى‪ ،‬وذلك‬


‫يغري بمتابعة المناظرة من ناحية‪ّ ،‬‬

‫بحسب ما يراه المتلقّي من فضل لمر ّشح على آخر‪ ،‬وما يبدو له من توفيق لهذا في الع ْرض والبسط‬

‫‪63‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫واالستدالل واإلقناع وما يبدو له من فشل لذاك في الوصف والتّحليل والبرهنة واالستجابة آلفاق انتظار‬

‫السياسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المتقبل‪ .‬وبذلك فإحداث التفاعل سلبًيا أو إيجابًيا مطلب تبتغيه المناظرة‬
‫ّ‬

‫المتقبل‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬االستجابة ألفق انتظار‬

‫المتقبل‪ ،‬والمراد بأفق االنتظار في‬ ‫السياسية االستجابة ألفق انتظار‬ ‫يتقصد ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الرغبات والطّلبات والطموحات والهواجس والحاجيات التي تسكن ذهن المخاطب وتشغل‬
‫مقامنا هذا مجموع ّ‬

‫بأهميتها‪ ،‬واستعداده للتفاعل معها‪ ،‬والعمل‬


‫باله ويروم السياسي تمثّلها‪ ،‬والوعد بتلبيتها والتعبير عن علمه ّ‬

‫حد عبارة "غرامشي"؛ المثقّف‬


‫على تحقيقها‪ .‬فرجل السياسة هنا يصبح في موقع المثقّف العضوي على ّ‬

‫بمستجداته‬
‫ّ‬ ‫المنفتح على هموم الناس وعلى أحالمهم‪ ،‬والواعي بطاقاتهم‪ ،‬وقدراتهم‪ ،‬والمنتمي إلى عصرهم‬

‫جاجي في‬ ‫المتعددة‪" ،‬فاالستجابة ألفق انتظار المتقبل تتجاوز مجرد إحداث التّأثير ِ‬
‫الح‬ ‫ّ‬ ‫وتحدياته‬
‫ّ‬ ‫المختلفة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ووجدانا"‪.80‬‬
‫ً‬ ‫فكر‬
‫الجمهور إلى االتّحاد مع هذا الجمهور ًا‬

‫نسيين‪،‬‬
‫لذلك حرص ك ّل من ساركوزي وهوالند على الظهور في موقع الشخص القريب من الفر ّ‬

‫المسكون بمشاغلهم‪ ،‬والعليم بماضيهم وحاضرهم‪ ،‬والمستشرف مستقبلهم‪ .‬فقد داعب المتر ّشحان في‬

‫اقتصادية أفضل‪ ،‬والتطلع إلى دخل فردي أحسن‪ ،‬والحلم ببلد جمهوري‬
‫ّ‬ ‫الرغبة في تنمية‬
‫المتقبلين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫جمهور‬

‫عملية لمشكالت البطالة‬


‫ّ‬ ‫عبر ك ّل منهما عن تقديم حلول‬
‫الرفاه‪ ،‬كما ّ‬
‫الشفافية و ّ‬
‫ّ‬ ‫يسوده األمن واالستقرار و‬

‫العلمانية‬
‫ّ‬ ‫الهوية‬
‫ّ‬ ‫التنافسية والمحافظة على‬
‫ّ‬ ‫والتفاوت الطبقي بين األغنياء والفقراء‪ ،‬ومشكالت الهجرة و‬

‫نسية‪ ،‬ويستبطنان الوعي الفردي‬


‫االجتماعية الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن المر ّشحين ينغرسان عميقًا في التربة‬
‫للدولة‪ .‬من هنا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫النفوس‬
‫إيجابية ألنصارهما وغير أنصارهما قصد بعث الطمأنينة في ّ‬
‫ّ‬ ‫للناس‪ ،‬ويرسالن رسائل‬
‫والجمعي ّ‬

‫عبد اهلل صولة‪ِ ،‬‬


‫"الحجاج"‪ ،‬ص‪.311‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪64‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الناس على المشاركة في الفعل االنتخابي من ناحية وفي‬


‫الدولة‪ ،‬وقصد تحفيز ّ‬
‫واعادة الثقة في رجاالت ّ‬

‫النفسي في‬ ‫الدولة المنشودة من ناحية أخرى‪ ،‬وبذلك ِ‬


‫فالحجاج السياسي هنا يداعب البعد ّ‬ ‫مشروع بناء ّ‬

‫ويكد في تمثّل حاجياته ورغباته وأحالمه ليكون في مستوى آمال المواطنين وفي مستوى آفاق‬
‫ّ‬ ‫المتلقّي‬

‫انتظاراتهم‪.‬‬

‫‪ .3‬االستقواب‬

‫يستمد‬
‫ّ‬ ‫بدا من خالل متابعتنا لمناظرة هوالند وساركوزي ّأننا إزاء مشروعين مختلفين‪ :‬مشروع‬

‫سياسية سابقة والعمل على تطويرها‪،‬‬


‫ّ‬ ‫عيته من الماضي‪ ،‬ويرى ضرورة االستمرار في نحت تجربة‬
‫شر ّ‬

‫التقدم على الصعد كافّة في‬


‫ّ‬ ‫ومشروع يعد بالقطع مع الماضي والتّشريع للتغيير قصد كسب معركة‬

‫المستقبل‪ ،‬فبذلك فنحن إزاء قطبين متناظرين متعارضين‪ .‬وك ّل قطب يروم اصطفاف الجمهور حوله‬

‫قوة‬
‫آليات البيان والبرهان قصد استتباع أكبر عدد ممكن من المناصرين المحتملين الذين يعتبرون ّ‬
‫ويوظّف ّ‬

‫حيز اإلمكان إلى فضاء اإلنجاز‪ .‬لذلك‪ ،‬راهن الطّرفان كالهما‬


‫الرئيس لتحويله من ّ‬
‫السند ّ‬
‫الدفع لمشروعه و ّ‬
‫ّ‬

‫الداخل بدل الخارج‪،‬‬ ‫على تنويع أدوات ِ‬


‫الحجاج ووسائل والتأثير في المتلقّي‪ ،‬فجرى التركيز على مشاغل ّ‬

‫وجرى فتح األزمنة بعضها على بعض من الماضي فالحاضر فاستشراف المستقبل‪ ،‬واستدعيت الحجج‬

‫الشخصيات الرمزّية والعبارات المجازّية قصد التأثير في المتلقّي‪ ،‬والخروج به من‬


‫ّ‬ ‫األخالقية و‬
‫ّ‬ ‫اقعية والقيم‬
‫الو ّ‬

‫تحويلية بامتياز‬
‫ّ‬ ‫ك إلى اليقين ومن الحياد إلى االنحياز‪ .‬وبهذا‪ ،‬فللّغة في المناظرة السياسّية وظيفة‬
‫الش ّ‬

‫باعتبارها تروم استدراج المتلقّي من موقف إلى آخر‪ ،‬فهي تسعى لتبديل قناعاته المسبقة وأحكامه الجاهزة‬

‫األحادية للواقع‪ ،‬وتفتح ذهنه على معطيات وجوانب جديدة من صورة الموجود والمنشود‪ .‬والغاية‬
‫ّ‬ ‫وتصوراته‬
‫ّ‬

‫نصير ألحد‬
‫ًا‬ ‫منحاز للطّرف المقابل‪ ،‬فيصبح‬
‫ًا‬ ‫محايدا أو‬
‫ً‬ ‫ليكف عن كونه‬
‫ّ‬ ‫استمالة المتلقّي واستقطابه‬

‫ب‪ /‬الهدف إلى منافح عن‬ ‫المتنافسين‪ ،‬مقتنعا ببرنامجه السياسي ومساره ِ‬
‫يتحول المستقط ُ‬
‫ّ‬ ‫الحجاجي‪ ،‬بل‬ ‫ً‬

‫وتبنيه وااللتحاق‬
‫داعيا اآلخرين إلى تمثّله ّ‬
‫ناشر محامل مشروعه‪ً ،‬‬
‫معين‪ً ،‬ا‬
‫فكرة ما ومدافع عن ّتيار سياسي ّ‬

‫‪65‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫سياسي دون آخر‪ .‬لذلك كان‬ ‫معرفًا بمشروع‬ ‫ًّ‬


‫إعالميا‪ّ ،‬‬ ‫عنصر إشهارًّيا‬
‫ًا‬ ‫بصف مناصريه‪ ،‬فيغدو المتلقّي‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫السياسية األبرز‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االستقطاب غاية المناظرة‬

‫استنتاجات‬

‫النظر في إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في مناظرة فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي إلى‬ ‫نخلص من خالل ّ‬
‫ّ‬

‫النتائج التّالية‪:‬‬
‫إثبات ّ‬

‫يدعيان االنتماء العضوي‬


‫الناخبين هم أصل الجدال وهم غايته‪ ،‬فالمر ّشحان ّ‬
‫أن جمهور ّ‬
‫‪ ‬بدا في المناظرة ّ‬

‫االجتماعية وفق تطلّعات‬


‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬ ‫إلى الشعب‪ ،‬وكالهما يطمحان إلى صوغ برامجهما‬

‫االجتماعيين له‪ ،‬أعني جمهور‬


‫ّ‬ ‫عية إالّ بتفويض الفاعلين‬
‫شخصا ال يملك الشر ّ‬
‫ً‬ ‫الرئيس القادم‬
‫الناس‪ .‬فبدا ّ‬

‫األغلبية يختار من يحكمه‪ ،‬والحاكم ال يحكم بأمره أو على هواه‪ ،‬وال يمارس‬
‫ّ‬ ‫المواطنين؛ فال ّشعب ممثّ ًال في‬

‫المدنية (البرلمان‪ -‬المجلس األعلى‬


‫ّ‬ ‫الدولة‬
‫مؤسسات ّ‬
‫صالحياته كما يشتهي‪ ،‬بل يحكم وفق ما تقتضيه ّ‬
‫ّ‬

‫للقضاء‪ -‬األحزاب‪ -‬المعارضة) ووفق ما يتطلبه السلوك السياسي الديمقراطي في الدولة الجمهورّية‪ ،‬وبذلك‬

‫عمال سحرًّيا أنجزه ّ‬


‫الرئيس‪ ،‬بل هي كيان ُيبنى بالتوافق والتآلف‪ ،‬وبمساهمة ك ّل األطراف‪،‬‬ ‫فالدولة ليست ً‬
‫ّ‬

‫الرئيس إالّ خادم من خدم الشعب ومواطن من مواطني الدولة الفاعلين‪.‬‬


‫وما ّ‬

‫الخارجية‬
‫ّ‬ ‫نسيين‪ ،‬وبدا االهتمام بالسياسة‬
‫‪ ‬تعلّقت المناظرة في أغلب ردهاتها بالشأن الداخلي لعموم الفر ّ‬

‫ًّ‬
‫عرضي ا‪ ،‬وكان استحضارها على سبيل االهتمام بواقع المواطن الفرنسي ومستقبله‪ ،‬فالحديث عن موقع‬

‫نسيين في أفغانستان‪ ،‬أو عن مصير الرهائن‬


‫فرنسا من االتحاد األوروبي أو عن جدولة سحب الجنود الفر ّ‬

‫نسيين المحتجزين لدى تنظيم القاعدة في المغرب اإلسالمي‪ ،‬كلّها مسائل تتعلّق بالشأن الوطني‬
‫الفر ّ‬

‫‪66‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫االنتخابية وفي التجربة‬


‫ّ‬ ‫العملية‬
‫ّ‬ ‫الرحى في‬
‫الفرنسي‪ ،‬وتتمركز حول اعتبار المواطن الفرنسي قطب ّ‬

‫اطية‬
‫مقدمتها الديمقر ّ‬
‫اطيات الحديثة‪ ،‬وفي ّ‬
‫الديمقر ّ‬
‫األول في ّ‬
‫ئاسية‪ ،‬فاإلنسان كائن ُيولى له االعتبار ّ‬
‫الر ّ‬

‫مهمتهم‬
‫وتبع‪ّ ،‬‬
‫الدول العر ّبية التي ال تازل تعامل مواطنيها على ّأنهم رعايا ّ‬
‫نسية على خالف الكثير من ّ‬
‫الفر ّ‬

‫تزكية الحاكم أو مبايعته أو التصفيق له وتأبيد حكمه‪.‬‬

‫البراقة والعبارات‬
‫‪ ‬لم تكن المناظرة لحظة استعراض مجاني للقدرة على صوغ الكالم الجميل واالستعارات ّ‬

‫مفصل حول عدد من‬


‫ّ‬ ‫جاد‪ ،‬وكانت فضاء حوار‬
‫الخيالية‪ ،‬بل كانت لحظة جدل ّ‬
‫ّ‬ ‫الفضفاضة وال ّشعارات‬

‫اتيجيات دقيقة في تقديم‬


‫اال إلى اعتماد إستر ّ‬
‫مي ً‬
‫المهمة داخل االجتماع الفرنسي‪ ،‬وبدا ك ّل طرف ّ‬
‫ّ‬ ‫القضايا‬

‫وتصوراته وبيان مدى تهافتها مع‬ ‫صحتها‪ ،‬ونقد سياسات خصمه‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫مقترحاته وطرح برامجه والحجاج على ّ‬

‫وتباينا في زوايا النظر‬


‫ً‬ ‫الحجة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مما أضفى على التناظر ثراء في المستوى ودقّة في‬
‫تقديم البديل منها‪ّ ،‬‬

‫للتدبر واالختيار‪.‬‬
‫العام‪ ،‬وهو ما يتيح للمواطن الفرصة ّ‬
‫حول قضايا الشأن ّ‬

‫السياسية في المناظرة مشروع بحث‪ ،‬ومدار تف ّكر‪ ،‬فهي أبعد ما تكون عن المنجز المعرفي‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬بدت الخيارات‬

‫الجاهز‪ ،‬أو الخطاب المتعالي المغلق على نفسه‪.‬‬

‫يصا على الظهور في مظهر الرئيس المسؤول‪ ،‬وفي صورة رجل فرنسا‬
‫‪ ‬كان ساركوزي خالل المناظرة حر ً‬

‫وتمرسه بشؤون‬
‫القوي القادر على تمثّل مشاكل البلد‪ ،‬وتحقيق طموحات مواطنيه بحكم خبرته بالرئاسة ّ‬
‫ّ‬

‫مفصل إلمكانات التجديد وتجلّياته في‬


‫ّ‬ ‫اال إلى االستمرار في نسق الحكم القديم غير‬
‫مي ً‬
‫لكنه بدا ّ‬
‫الحكم‪ّ ،‬‬

‫الحجة‪ ،‬حتّى وان وهنت‪ ،‬ليبرهن‬


‫ّ‬ ‫ملتمسا‬
‫ً‬ ‫السابقة‪،‬‬
‫مصر على صواب خياراته ّ‬
‫ًّا‬ ‫المرحلة القادمة‪ .‬كما بدا‬

‫النفس‬
‫الدفاع عن ّ‬
‫على نهجه في معالجة القضايا الشائكة في بالده‪ .‬كما غلبت على خطابه لهجة ّ‬

‫يهتم بصناعة المبادرة أو‬


‫يرد التهمة عن نفسه وال ّ‬
‫والهروب إلى األمام‪ ،‬فكان في أكثر من موضع كمن ّ‬

‫وتأسيسا للمستقبل‪ .‬ولع ّل ذلك ما أثّر في نتائج االنتخابات الحقًا‬


‫ً‬ ‫نقدا للذات‬
‫بتقديم البديل‪ ،‬واإلقرار بالخطأ ً‬

‫الناس عنه‪.‬‬
‫وصرف ّ‬

‫‪64‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫مؤسسا مشروعه في السياسة وادارة شؤون البالد‬


‫ً‬ ‫ناقدا خصمه‪،‬‬
‫‪ ‬بدا هوالند واثقًا من نفسه في غير غرور‪ً ،‬‬

‫السابقة لمنافسه والوعد بالتغيير وتقديم البديل في شتّى المجاالت‪،‬‬


‫بالعزم على القطع مع السياسات الفاسدة ّ‬

‫معب ًار عن تواضعه وانفتاحه على مشاغل ك ّل المواطنين واستعداده لتحويل‬


‫نسيين‪ّ ،‬‬
‫منفتحا على ك ّل الفر ّ‬
‫ً‬
‫الوعد إلى إنجاز والحلم إلى حقيقة وذلك في حدود الممكن‪ .‬فكان أن استثمر قدراته على ِ‬
‫الحجاج والبيان‬

‫بأن استمرار الساركوزّية هو استمرار‬


‫ئاسية لساركوزي‪ ،‬واقناع الناخبين ّ‬
‫في إبراز هنات الوالية الر ّ‬

‫الشفافية وتكافؤ الفرص التي‬


‫ّ‬ ‫الرفاه و‬
‫المحسوبية والفرقة‪ ،‬وتأخير لقيام دولة العدالة و ّ‬
‫ّ‬ ‫اطية والمحاباة و‬
‫للبيروقر ّ‬

‫اقعية الحالمة‪ ،‬وانبنى على المحاججة الناقدة‬


‫الرجل طابع الو ّ‬
‫نسيين‪ ،‬فاكتسى خطاب ّ‬
‫يطمح إليها عموم الفر ّ‬

‫شيئا من‬
‫الناس بمناصرته‪ ،‬وأضفى عليه ً‬
‫حد ما‪ ،‬وهو ما أغرى ّ‬
‫مع تقديم البرامج البديلة الواضحة إلى ّ‬

‫اتيجيات البيان والبرهان‬


‫الرجل إلستر ّ‬
‫األغلبية حوله‪ ،‬فكان في إتقان ّ‬
‫ّ‬ ‫الكاريزما التي زادت في التفاف‬

‫كرسي اإلليزيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مهم في اعتالئه‬
‫والحضور دور ّ‬

‫لخلفية‬
‫ّ‬ ‫حمال‬
‫ثقافي جدال ّي مرّكب ّ‬ ‫خطابا استعر ًّ‬
‫اضيا أو بر ًيئا‪ ،‬بل هي نتاج‬ ‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬ليست المناظرة‬
‫ّ‬

‫وقصدية بامتياز‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يديولوجية‬
‫ّ‬ ‫أ‬

‫السياسية على تعداد الحجج وبسط البرامج واستدعاء أقطار الكالم وأسباب‬
‫ّ‬ ‫يتأسس الخطاب في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫البيان قصد التّعبير عن األنا والتأثير في اآلخر‪.‬‬

‫لسياسية يروم التأسيس للذات عبر‬ ‫تبدى من خالل مناظرة ساركوزي وهوالند أن ِ‬
‫الحجاج في المناظرة ا‬ ‫‪ّ ‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الناس‪ ،‬وترجيح رأي في األشياء والظواهر على رأي غيره‪.‬‬


‫تقويض اآلخر‪ ،‬ويبتغي استمالة ّ‬

‫فنا من فنون البيان يجري صوغها وفق إستراتيجيات في ِ‬


‫الحجاج والتّعبير‬ ‫السياسية ًّ‬ ‫عد المناظرة‬
‫‪ ‬تُ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫المتقبل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مخصوصة يتوقّف على انتظامها ووضوحها مدى التأثير المتوقّع في‬

‫الحداثية باعتبارها فرصة للتّعبير والتّباري في‬


‫ّ‬ ‫الدول‬
‫التقدم في ّ‬
‫شاهدا من شواهد ّ‬
‫ً‬ ‫السياسية‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬تبقى المناظرة‬

‫العام‪.‬‬
‫تشرع لسلوك االختالف في تقويم قضايا ال ّشأن ّ‬
‫مجال األفكار‪ ،‬فهي ّ‬

‫‪62‬‬
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫للتعدد الفكري والثّقافي ولتنسيب الظّواهر والمواقف والبرامج‪ ،‬وتسهم في‬


‫ّ‬ ‫السياسية المجال‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬تفتح المناظرة‬

‫السياسة‪.‬‬
‫السياسة ورجاالت ّ‬
‫بالتعددية‪ ،‬ويرفع القداسة عن ّ‬
‫ّ‬ ‫وبناء يؤمن‬
‫جمعي ناقد ّ‬
‫ّ‬ ‫صوغ عقل‬

‫السياسية في المشهد العمراني والعربي المعاصر؛ وذلك‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬ثمة حاجة أكيدة إلى ترسيخ تقاليد المناظرة‬

‫‪81‬‬
‫الدولة‬
‫الفاعل في بناء ّ‬ ‫اطية التّفكير والتّعبير‪ ،‬ولضمان إرساء معالم "المجتمع المواطني"‬
‫لتكريس ديمقر ّ‬

‫المستنيرة المنشودة‪.‬‬

‫الدولة بين رئيس حاكم ومنافس له في البالد العر ّبية؟‬


‫سياسية مدارها التّنافس على رئاسة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬هل نشهد مناظرة‬

‫السنوات القادمة‪.‬‬
‫هذا سؤال آخر تجيب عنه ّ‬

‫الدول العر ّبية"‪.‬‬


‫المدنية في ّ‬
‫ّ‬ ‫"فاعلية المجتمعات‬
‫ّ‬ ‫عزمي بشارة‪،‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪62‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
ّ ‫المركز العر‬

‫المصادر والمراجع‬
‫ مصادر المناظرة‬:‫أوالا‬

‫الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند على‬


ّ ‫النسخة المصورة بالفيديو لمناظرة التنافس على‬
ّ 

:‫الروابط التّالية‬
ّ

http://www.dailymotion.com/video/xqjsal_debat-hollande-sarkozy-
integral_news

http://www.dailymotion.com/video/xqjtba_debat-hollande-sarkozy-
integral-2_news

http://www.dailymotion.com/video/xqjuce_debat-hollande-sarkozy-
integral-3_news

‫الروابط‬
ّ ‫الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند على‬
ّ ‫النسخة المرقونة لمناظرة التنافس على‬
ّ

:‫نسية‬
ّ ‫ الفر‬Le Monde ‫التّالية في موقع صحيفة لوموند‬

“Le compte rendu intégral du débat Sarkozy-Hollande,” Le


Monde.fr (3/5/2012):

http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/sarkozy-hollande-le-compte-rendu-integral-du-
debat-theme-par-theme_1694802_1471069.html

http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/02/le-
compte-rendu-integral-du-debat-propos-liminaires-et-
chomage_1694431_1471069.html

http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-
deficits_1694444_1471069.html

41
‫السياسية‬ ‫إستراتيجيات ِ‬
‫الحجاج في المناظرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/le-‬‬
‫‪compte-rendu-integral-du-debat-depenses-publiques-education-europe-‬‬
‫‪partie-3_1694458_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-‬‬
‫‪2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-du-debat-immigration-‬‬
‫‪partie-4_1694472_1471069.html‬‬

‫‪http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-‬‬
‫‪2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-du-debat-nucleaire-‬‬
‫‪institutions-politique-etrangere-partie-5_1694483_1471069.html‬‬

‫العربية‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬المصادر والمراجع‬

‫ابن منظور‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬لسان العرب (بيروت‪ :‬دار صادر‪.)2991 ،‬‬

‫الدين‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مراجعة وتدقيق يوسف البقاعي‪ ،‬إبراهيم شمس ّ‬
‫ابن منظور‪ ،‬جمال ّ‬

‫مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪.)1004 ،‬‬


‫نضال علي‪ ،‬المجلّد ‪( 7‬بيروت‪ :‬منشورات ّ‬

‫الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون (القاهرة‪ :‬مكتبة‬

‫الخانجي‪ ،‬د‪.‬ت‪.).‬‬

‫الجرجاني‪ ،‬الشريف‪ ،‬التعريفات‪ ،‬تحقيق إبراهيم األبياري (بيروت‪ :‬دار اللّسان العربي‪.)2991 ،‬‬

‫المفهومية‪ ،‬كتاب نزوى‪ ،‬اإلصدار الثالث (مسقط‪:‬‬


‫ّ‬ ‫الحراصي‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬دراسات في االستعارة‬
‫ّ‬

‫للصحافة واألنباء والنشر واإلعالم‪ ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.)1001‬‬


‫مؤسسة ُعمان ّ‬

‫محمد مرتضى الحسيني‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق عبد الحليم‬
‫ّ‬ ‫الزبيدي‪،‬‬
‫ّ‬

‫الطحاوي‪ ،‬المجلد ‪( 27‬الكويت‪ :‬مطبعة الكويت‪.)2917 ،‬‬


‫ّ‬

‫‪40‬‬
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
‫المركز العر ّ‬

‫محمد‪" ،‬األيديولوجيا والبالغة"‪ ،‬مجلّة المناظرة‪ ،‬العدد ‪.)2992( 7‬‬


‫سبيال‪ّ ،‬‬

‫مصنف في ِ‬
‫الحجاج‪ -‬الخطابة‬ ‫ّ‬ ‫صولة‪ ،‬عبد اهلل‪ِ ،‬‬
‫"الحجاج‪ :‬أطره‪ ،‬منطلقاته وتقنياته من خالل‬

‫أهم‬ ‫ِ‬
‫صمود (مشرف)‪ ،‬فريق البحث في البالغة والحجاج‪ّ ،‬‬
‫حمادي ّ‬
‫الجديدة لبرلمان وتيتيكان"‪ ،‬في‪ّ :‬‬

‫الغربية من أرسوو إلى اليوم (تونس‪ :‬جامعة اآلداب والفنون‬ ‫نظريات ِ‬


‫الحجاج في التقاليد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫كلية اآلداب بمنوبة‪ ،‬د‪.‬ت‪.).‬‬


‫والعلوم اإلنسان ّية تونس ‪ّ ،2‬‬

‫(الدار البيضاء‪ :‬العمدة في الطبع‪.)1008 ،‬‬ ‫العزاوي‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬اللّغة و ِ‬


‫الحجاج ّ‬ ‫ّ‬

‫وزو‪ ،‬المدينة‬
‫(تيزي ّ‬
‫العشي‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬زحام الخوابات‪ ،‬مدخل توبيقي ألشكال الخوابات بواسوة ّ‬

‫الجديدة‪ :‬دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع‪.)1004 ،‬‬

‫البالغية‬
‫ّ‬ ‫الغرافي‪ ،‬مصطفى‪" ،‬البالغة واأليديولوجيا‪ :‬بحث في العالقة الملتبسة بين المعرفة‬

‫اإليديولوجية"‪ ،‬مجلّة الفكر العربي المعاصر‪ ،‬العدد ‪( 241 -248‬خريف ‪.)1022‬‬


‫ّ‬ ‫والمطالب‬

‫صمود (مشرف)‪ ،‬فريق البحث في‬ ‫ِ‬


‫حمادي ّ‬
‫المبخوت‪ ،‬شكري‪" ،‬نظرّية الحجاج في اللّغة"‪ ،‬في‪ّ :‬‬

‫الغربية من أرسوو إلى اليوم (تونس‪ :‬جامعة‬ ‫الحجاج‪ ،‬أهم نظريات ِ‬


‫الحجاج في التقاليد‬ ‫البالغة و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫كلية اآلداب بمنوبة‪ ،‬د‪.‬ت‪.).‬‬


‫اإلنسانية تونس ‪ّ ،2‬‬
‫ّ‬ ‫اآلداب والفنون والعلوم‬

‫متقن‪ ،‬هاجر‪" ،‬آليات تش ّكل الخطاب ِ‬


‫الحجاجي بين نظرّية البيان ونظرّية البرهان"‪ ،‬مجلة األثر‪،‬‬ ‫ّ‬

‫مجلّة اآلداب واللّغات‪ ،‬العدد ‪( 4‬ورقلة‪ :‬جامعة قاصدي مرباح‪ ،‬آذار‪ /‬مارس ‪.)1008‬‬

‫اكيين‪ ،‬هل‬
‫وحدة تحليل السياسات‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪" ،‬بعد فوز االشتر ّ‬

‫الدوحة‪ 3 ،‬تموز‪ /‬يوليو ‪.1021‬‬


‫تتغير سياسة فرنسا العر ّبية؟" ّ‬
‫ّ‬

‫‪42‬‬
‫السياسية‬ ِ ‫إستراتيجيات‬
‫الحجاج في المناظرة‬
ّ ّ

ِ ‫ "مدخل إلى‬،‫ محمد‬،‫الولي‬


‫ المجلّد‬،‫ مجلة عالم الفكر‬،"‫الحجاج أفالطون وأرسطو وشايم بيرلمان‬ ّ ّ

.(1022 ‫ ديسمبر‬/‫ كانون األول‬-‫ أكتوبر‬/‫ (تشرين األول‬70

‫األجنبية‬
ّ ‫ المراجع‬:‫ ثالثاا‬

Bruce, Steve, and Steven Yearlay, The Sage Dictionary of Sociology


(California and New Delhi: Sage Publications LTD., 2006).

Christian Le Bart, Le discours politique, Que sais-je?, n° 3397 (Paris:


PUF, 1988).

Cortell, Hella, Critical Thinking Skills: Developping Efection, Analysing


and Argument (New York: Palgrave Macmilan, 2005).

Darbellay, Karine, La psychopédagogie de l’argumentation (Neuchâte:


Institut de psychologie, Université de Neuchâte, Mai 2005).

Demonpion, Denis et Laurent Léger, Tapie- Sarkozy, Les chefs du


scandale (Paris: Pygmalion, 2009).

Glenn O’Brien, “Les candidats français sous toutes les coutures,”


Courrier international, hors-série: Tendances, Style et politique (Mars,
Avril, Mai 2012),

Larousse illustré (Paris: Edition Larousse, 2009).

Le Petit Larousse illustré (Paris: Editions Larousse, 2008).

Mayer, Robert, How to win any argument (New Jersey: Career press,
Franklin Lakes, 2005).

43
‫بي لألبحاث ودراسة السياسات‬
ّ ‫المركز العر‬
Perelerman, Chaîm et Lucie Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation-
la nouvelle rhétorique, pré face de Michel Mayer, 5ème édition (Bruxelles:
éditions de l’université de Bruxelles, 1992).

Philippe Breton, “L’argumentation dans la communication,” Contribution


presentée dans le cadre de la Journée des études “Usage et réception des
médias,” 26 mai 1998, école normale supérieure de Fontenay- Saint
Cloud

Pinçon, Michel, Monique Pinçon-Charlot, Le président des riches:


Enquête sur l’oligarchie dans la France de Nicolas Sarkozy, Paris, 2010.

Raty, Mc Adam, Heather Botman and Emma Harris, Dictionary of


Politics and Government, 3ed edition (London: Bloomsbury publishing,
PLC, 2004).

Renaud, Rély et Didier Gassons, Sarkozy et l’argent roi (Paris: Fayard,


2008).

‫اإللكترونية‬
ّ ‫ المراجع‬:‫ابعا‬
‫ را‬

‫ مركز‬،‫الدوحة‬
ّ ،"‫ بين االستم اررّية والتّغيير‬...‫ "سياسة فرنسا في عهد هوالند‬،‫عبد النور بن عنتر‬

:‫ انظر‬،1 ‫ ص‬،1021 ،‫ مايو‬/ ‫ أيار‬1 ،‫الجزيرة للدراسات‬

http://studies.aljazeera.net/reports/2012/05/201257132039483995.htm

‫ مايو‬/ ‫ أيار‬29 ،‫ قصر قرطاج‬،‫ تونس‬،"‫العلمانية‬


ّ ‫يخية لنشوء‬
ّ ‫ "السياقات التار‬،‫عزمي بشارة‬

:‫ انظر النسخة المصورة بالفيديو من المحاضرة على‬،1021

http://www.dohainstitute.org/Gallery/1/0

44
‫السياسية‬ ِ ‫إستراتيجيات‬
‫الحجاج في المناظرة‬
ّ ّ

‫ ملتقى النهضة الشبابي‬،‫ الدوحة‬،"‫الدول العر ّبية‬


ّ ‫المدنية في‬
ّ ‫فاعلية المجتمعات‬
ّ " ،‫عزمي بشارة‬

:‫ انظر‬،1022 ‫ أبريل‬/ ‫ نيسان‬،‫الثاني‬

http://www.youtube.com/watch?v=mal4N8MCtCw

‫ هل‬،‫ "بعد فوز االشتراكيين‬،‫ المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‬،‫وحدة تحليل السياسات‬

:1021 ‫ يوليو‬/‫ تموز‬3 "‫تتغير "سياسة فرنسا العر ّبية"؟‬

http://www.dohainstitute.org/release/16102c1c-9b55-4a96-988a-
0fe24f3e1c54

Mathieu Bruckmüller et Bernard de Volontat, Débat Hollande -Sarkozy:


Qui a gagné la bataille des chiffres? Publié le 3 mai 2012:
http://www.20minutes.fr/economie/927837-debat-hollande-sarkozy-
gagne-bataille-chiffres

http://www.elysee.fr/

http://www.gouvernement.fr/

http://www.france.fr/

http://www.legifrance.gouv.fr

45

You might also like