Professional Documents
Culture Documents
52936032
52936032
السياسية
ّ اتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة إستر ّ
-مناظرة التنافس على ّ
الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند -
سلسلة :دراسات
____________________________
االجتماعية
ّ االجتماعية والعلوم
ّ بحثية عر ّبية للعلوم
مؤسسة ّ
السياسات ّ بي لألبحاث ودراسة ّ المركز العر ّ
اهتماما ٍ
أبحاث فهو يولي اإلقليمي والقضايا الجيوستراتيجية .واضافة إلى كونه مركز التطبيقية والتّاريخ
ً ّ ّ
دولية تجاه المنطقة
السياسات ونقدها وتقديم البدائل ،سواء كانت سياسات عر ّبية أو سياسات ّ
لدراسة ّ
مؤسسات وأحزاب وهيئات.
حكومية ،أو سياسات ّ
ّ العر ّبية ،وسواء كانت سياسات
يخية،
االقتصادية والتار ّ
ّ االجتماعية و
ّ يعالج المركز قضايا المجتمعات والدول العر ّبية بأدوات العلوم
بي،
نساني عر ّ
ّ قومي وا
ّ تكاملية عابرة للتّخصصات .وينطلق من افتراض وجود أمنّ ومنهجيات
ّ وبمقاربات
بي ،ويعمل على صوغ هذه الخطط ٍ
مكانية تطوير اقتصاد عر ّومن وجود سمات ومصالح مشتركة ،وا ّ
البحثي ومجمل إنتاجه. وخطط من خالل عملهٍ وتحقيقها ،كما يطرحها كبرامج
ّ
________________
السياسات
بي لألبحاث ودراسة ّ
المركز العر ّ
شارع رقم - 618 :منطقة 88
الدفنة
ص .ب20111 :
الدوحــة ،قطــر
ّ
هاتف | +917 77299111 :فاكس+917 77632842 :
www.dohainstitute.org
ملخص
ّ
وفعال اجتماعيًّا حضاريًّا،
ً اصلية،
السياسية واقعة تو ّ
ّ فرضية اعتبار المناظرة
ّ ننطلق في هذه الورقة من
تبادلي للمواقف المتقبل في إطار الباث على يتأسس على انفتاح ِ
ّ ّ ّ وعمال لغويًّا حجاجيًّا تفاعليًّا بامتيازّ ،
ً
جاجية ،ووسائل ِ
بيانية ،وتقنيات ح ّ واالنطباعات ،وينبني على استحضار الطّرفين المتناظرين ألدوات ّ
تصور لإلنسان واألشياء والظّواهر طابية توظّف إلقرار المتكلّم أو مناظره أطروحة أو فكرة أو مشروع ِ
ّ خ ّ
ونقض أطروحة أخرى .ويواكب ذلك وعي من الجانبين بمعطيات الواقع بتعقيداته المختلفة ،واقتضاءات
المتعددة ،وعمل منه على إيقاع التأثير في المتلقّي /الهدف قصد الخروج به من موقف
ّ بمكوناته
المقام ّ
اصلي إلى آخر؛ أعني الخروج به من الحياد إلى االنحياز أو من المعارضة إلى المناصرة.
تو ّ
بالعيني ،وذلك
ّ لمجرد
اسخا في التجريد ،فقد رأينا أن نصل ا ّ
موغال في التنظير ،ر ً
ً وحتّى ال يكون خطابنا
يخية التي وضعت نيكوال ساركوزي ِ
وآلياته في المناظرة التار ّ
اتيجيات الحجاج ّبأن نشتغل على إستر ّ
الرجلين
Nicolas Sarkozyوجهًا لوجه مع فرانسوا هوالند ،François Hollandeفي إطار تنافس ّ
على الفوز برئاسة فرنسا لسنوات خمس؛ وذلك يوم الثاني من أيار /مايو .2102
11 السياسية
ّ ثانيا :في مفهوم المناظرة
ً
11 ثالثًا :أطروحة ِ
الحجاج في مناظرة هوالند /ساركوزي
22 بالسؤال
.3االستدراج ّ
30 .4تبئير الخطاب
33 السياسية
ّ خامسا :لغة الخطاب في المناظرة
ً
34 .0في اصطفاء العبارة وبالغة الخطاب ال ّشفوي
32 .2التّكرار
24 السياسية
ّ سادسا :في بالغة المقام واألداء في المناظرة
ً
44 السياسية
ّ المقامية للمناظرة
ّ .0في الظّروف
51 السياسية
ّ .2بالغة األداء في المناظرة
11 فيبالغةاألداءالركحي أ.
13 فيبالغةاألداءالحركي ب.
11 فيبالغةاألداءالصوتي ج.
18 السياسية
ّ سابعا :وظائف المناظرة
ً
52 .0الوظيفة التعريفّية /التعبيرّية
60 اإلقناعية
ّ .3الوظيفة
64 المتقبل
ّ .2االستجابة ألفق انتظار
65 .3االستقطاب
11 استنتاجات
مقدمة
طرفين فأكثر يتنافسان في تمثّل األشياء وتحليل الظّواهر المتعلّقة بالفرد أو الجماعة على نحو
حجة خصمه .والمراد ليس ترجيح رأي على آخر فحسب ،بل
وسالمة موقفه ،ويبرز تهافت غيره وفساد ّ
العامة؛ لذلك
الخاصة و ّ
ّ حسنا من قلوب
ً موقعا
ً المتقبل واستتباع اآلخر والوقوع
ّ النهائي استمالة
المراد ّ
ومستقبال،
ً وماضيا
ً حاضر
ًا فالتّباري في ميادين السياسة شكل من أشكال التّدافع الحضاري في قراءة الواقع
ناحية ،واقناع المتلقّي المتابع للمناظرة بوجهة نظر ما ،في شأن عمراني ما ،من ناحية أخرى.
الدولة
تسمت ّ
الرأي ومنتديات الحوار في مجتمعات ّ
وتعددت مجاالت التفكير ومنابر ّ
فضاءات التّعبيرّ ،
الرئاسة فرانسوا
كرسي ّ
ّ سياسية مباشرة جمعت بين نيكوال ساركوزي ومنافسه على
ّ لمتابعة مناظرة تلفزّية
0
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
عدة ،فساركوزي محسوب على اليمين اللّيبرالي الفرنسي ،وهوالند هو ممثّل اليسار االشتراكي ببالد
عقود ّ
العام في فرنسا
ّ محدد لل ّشأن
تصور ّ
ّ يديولوجية مخصوصة ،وعن
ّ خلفية أ
األنوار ،وكالهما يصدر عن ّ
الدولية.
اإلقليمية و ّ
ّ رؤية لعالقات فرنسا
بالنسبة
مهمة ّ
فإن المناظرة ّ
رجحت ،سلفًا ،كفّة هوالندّ ،
الرأي قد ّ
أن استطالعات ّ
وعلى الرغم من ّ
تقدمه على
مسكونا بهاجس المحافظة على ّ
ً اال إلى قلب الموازين لصالحه ،وكان هوالند
مي ً
ساركوزي ّ
المتمدنة،
ّ شد إليه األنظار ،وترسم به المصائر .ويعد هذا األمر عادة درجت عليها المجتمعات
القلوب ،وتُ ّ
اإلعالميين
ّ عموما ،تجعله محطّ اهتمام
ً خصوصا ،والغربي
ً أهمية الحدث في االجتماع الفرنسي
و ّ
2
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
اتيجية
التميز في إنجازه .من هنا ،كان ك ّل من ساركوزي وهوالند يعتمد إستر ّ
إدارته والحرص على اغتنامه و ّ
السياسية.
ّ
السياسية.
ّ
السجال حول
امتد الحوار بين الطّرفين المتناظرين على مدى ساعتين وخمسين دقيقة ،ودار ّ
وقد ّ
التنمية ،ومشاكل الهجرة ومعضلة البطالة ،كما تعلّق بواقع التربية والتكوين داخل االجتماع الفرنسي،
وكيفيات
ّ الرئيس
بشدة في شأن طبيعة سلطات ّ
لما تدافع المتحاوران ّ
إالّ عند إشرافه على النهاية ،وذلك ّ
السلوك الجدالي
محكوما بآداب الحوار ومقتضيات ّ
ً حدته،
الرمزي ،فقد ظ ّل التناظر ،على ّ
اللّفظي أو ّ
محدد.
مخصوص ،وعلى نهج في االستقطاب ّ
3
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
.1دواعي البحث
أهمها:
اع ،لع ّل ّ
عدة دو ٍ
دفعتنا إلى البحث في هذا الموضوع ّ
عموما،
ً السياسية
ّ السياسي العربي المعاصر من ندرة المناظرات
ما ُيالحظه المتابع للشأن ّ
شكال من أشكال
السياسية في االجتماع العربي باعتبارها ً
ّ الداعي إلى ذلك رغبتنا في إرساخ المناظرة
وّ
المتقدمة.
ّ الدول
دمقرطة التعبير في ّ
السياق
السياسية في ّ
ّ لفن المناظرة
المعنية بالتنظير ّ
ّ المصنفات
ّ وحفّزتنا إلى هذا البحث ندرة
المعرفي العربي المعاصر ،فالبحث في آداب المناظرة وأدواتها ومناهجها وجهازها اللّغوي واعتباراتها
اإلعالمية والتّعليق
ّ عددا من الحوارات العابرة في البالد العر ّبية قد حظيت بالتّغطية
أن ًومع ّ
4
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
التّعبير.
صحة ِ
والحقيقة ّأننا لن ُنعنى بتفاصيل محتوى الخطاب الحجاجي لدى المتناظرين ،ولن نبحث في ّ
ئاسية،
الساخنة داخل االجتماع الفرنسي من قبيل :الخطّة الر ّ
ما ذهبا إليه في تقويم عدد من القضايا ّ
يضيق بتفصيلها المقام من ناحية ،وال تندرج في مجال دراستنا من ناحية أخرى ،باعتبار ّأننا ُنعنى في
فإننا إذ نستحضر
السياسية وأدواره وخصائصه؛ لذلك ّ هذه الورقة بالبحث في تقنيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ
اتيجيات
فإننا ال نستدعيها لذاتها ،بل باعتبار تناول جوانب منها ،يسهم في تجلية إستر ّ
تلك القضايا ّ
السياسية. ِ
الحجاج في المناظرة
ّ
.2أهداف البحث
نروم من خالل هذا البحث تحقيق األهداف التالية:
السياسية.
ّ المناظرة
عموما والفرنسي
ً فن التناظر في السياق الحضاري األوروبي
تطور ّ
بيان الوصل بين ّ
المتقدمة.
ّ الدول
الحرية في التفكير والتعبير في ّ
خصوصا ،وبين توافر شرط ّ
ً
5
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
تبين
حاجاته وتطلّعاته ،لتكون خادمة له ،حاضنة لمكتسباته ومحقّقة لطموحاته ،وذلك عبر ّ
كيفيات إعالء فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي من قيمة المواطن باعتباره أصل المناظرة
ّ
منهجية البحث
ّ .3
2
النسخة المصورة بالفيديو
معا ،وتتمثّل في ّ
شفوية مكتوبة في آن ً
ّ مدونة
انطلقنا في تناولنا لهذا البحث من ّ
3
الرئاسة بين هوالند وساركوزي ،وحاولنا أن نستجلي في متن
النسخة المرقونة من مناظرة التنافس على ّ
وّ
الدول العر ّبية" ،الدوحة ،ملتقى النهضة الشبابي الثاني ،نيسان /أبريل ،1022انظر:
المدنية في ّ
ّ "فاعلية المجتمعات
ّ بشارة،
http://www.youtube.com/watch?v=mal4N8MCtCw
http://www.dohainstitute.org/valbum/6ec10e79-51a4-494f-9a83-2a17ceacb934
الروابط التّالية:
الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند على ّ
النسخة المصورة بالفيديو لمناظرة التنافس على ّ
راجع ّ
2
http://www.dailymotion.com/video/xqjsal_debat-hollande-sarkozy-integral_news
http://www.dailymotion.com/video/xqjtba_debat-hollande-sarkozy-integral-2_news
http://www.dailymotion.com/video/xqjuce_debat-hollande-sarkozy-integral-3_news
النســخة المرقونــة لمنــاظرة التنــافس علــى ا ّلرئاســة بــين نيك ـوال ســاركوزي وفرانس ـوا هوالنــد علــى الـ ّـروابط التّاليــة فــي موقــع صــحيفة
ارجــع ّ
3
نسية:
لوموند Le Mondeالفر ّ
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/sarkozy-hollande-le-
compte-rendu-integral-du-debat-theme-par-theme_1694802_1471069.html
6
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
ألهميته
ّ محدد اصطفيناه في هذا اإلطار
العينية لخطاب ّ
ّ المحاجة وفعل التناظر ،وكذلك مطلب القراءة
ّ
تدبر
تأسس ّ
يخية؛ أعني خطاب التناظر بين هوالند وساركوزي للفوز برئاسة فرنسا .وقد ّ
الحضارّية والتار ّ
آليات التناظر
يخية على نحو يسهم في فهم ّ
السياسية والتار ّ
ّ االجتماعية و
ّ خلفياتها
الثقافية ،وتحفر في ّ
ّ
الثقافية والحضارّية.
النصية و ّ
ّ والوعي بسياقاته
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/02/le-compte-rendu-
integral-du-debat-propos-liminaires-et-chomage_1694431_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-
integral-deficits_1694444_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/le-compte-rendu-
integral-du-debat-depenses-publiques-education-europe-partie-3_1694458_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-
integral-du-debat-immigration-partie-4_1694472_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/compte-rendu-
integral-du-debat-nucleaire-institutions-politique-etrangere-partie-5_1694483_1471069.html
4
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
أواال :في مفهوم ِ
الحجاج
لغوية تتراوح بين التعارض ولقاء تفاعليًّا بين األنا واآلخرّ ،
يتأسس على تبادل رسائل ّ ً موقفًا تو ًّ
اصليا،
المتقبل
ّ موجه ،يروم إيقاع التأثير في
السياسية خطاب قصديّ ،
ّ في مجاالت العمران البشري؛ فالمناظرة
ويتقصد إفحام الخصم يتنزل ضمن سياق جدالي يجمع بين طرفين فأكثر، ِ
فالحجاج في اللّغة فعل قول ّ
ّ
لغوي برهاني يندرج ضمن فضاءات التعبير عن الذات والحوار مع الغير، واقناع المتلقيِ ،
فالحجاج عمل
ّ
ويتيح المجال للتباري باألفكار واآلراء ،ويقتضي من المتكلّم لزوم نهج في اإلجابة ونظام في التفكير،
ورصف الحجج ،على نحو يضمن الفهم ،ويحقّق اإلفهام ،ويستميل القلوب والعقول على السواءِ ،
"فالحجاج ّ
انظر: 5
2
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
اللغوية وعلى تسلسلها واشتغالها داخل الخطاب على نحو مخصوص ينبني على "استخدام العلل
ّ األقوال
7
الموجهة إلى إثارة المخاطب
ّ اصلية
قصد تأييد وجهة نظر ما" ،فيجري استحضار عدد من التقنيات التو ّ
العملية التي من خاللها الزيادة في تأييده ألطروحة ما" .8وبناء عليهِ ،
فالحجاج في نهاية المطاف ،هو وّ
ّ ً
اللغوية.
ّ التصورات لدى مخاطبه بواسطة الوسائل
يسعى المتكلّم لتغيير نظام المعتقدات ،و ّ
معينة،
يصطفيها المتكلّم ،ويرتّبها على نحو مخصوص ،ويريد بها التأثير في المتلقّي واقناعه بأطروحة ّ
المحاجة" ،9الذي
ّ سمى بـ "عمل
معين في إطار ما ُي ّ
وذلك على سبيل حمل المخاطب على القبول برأي ّ
يتطلب حسن تصريف العبارة ،والدقّة في اختيار الحجج وعرضها ،والبراعة في التمكين لألطروحة المدافع
السياسية.
ّ دحض األطروحة النقيضة .وهذه المعطيات جميعها معدودة من لوازم المناظرة
مادة Argumentationفي:
المحاور أو دعم تأييده لألطروحات المعروضة" ،انظر ّ
الموجهة إلثارة ُ
ّ "الحجاج مجموعة التّقنيات 8
Hella Cortell, Critical Thinking Skills: Developing Efection, Analysing and Argument (New York,
NY: Palgrave Macmilan, 2005), p. IXX..
نظريمات ِ
الحجماج أهمم ِ ِ
ّ صمود (مشرف) ،فريق البحث في البالغة والحجـاجّ ،
حمادي ّ
شكري المبخوت" ،نظرّية الحجاج في اللّغة" ،في ّ
9
2
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
السياسية
ّ ثانيا :في مفهوم المناظرة
ا
10
في النظر واستحضار ما يراه ك ّل طرف ببصيرته"
تحمل المناظرة معنى "المباحثة والمباراة في ّ
فالنا
والتناظر :التراوض في األمر .ونظيرك :الذي يراوضك وتناظره ...وناظره من المناظرة ...ناظرت ً
نظير له في المخاطبة".11
أي صرت ًا
كيفيات تمثّلها ،وطرائق فهمها ومعالجتها ،فهي مناسبة لعرض وجهات نظر متباينة حول مسألة
وتشخيص ّ
13
بين طرفين السياسية في االصطالح اللّغوي الحديث إلى إدارة "حوار رسمي"
ّ ما .12وتشير المناظرة
Raty Mc Adam, Heather Botman, and Emma Harris, Dictionary of politics and government, Third
edition (London: Bloomsbury publishing PLC, 2004).
01
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الكالمية ،وينتمي
ّ وللتّفكير وتكريس ثقافة االختالف ،وذلك لقيامها على "خطابين متباينين يتبادالن األدوار
14
اسعا لتبادل
ورد الفعل" .فالمناظرة مقام يسمح بالتفاعل بين الذوات ،ويفتح المجال و ً
حسب قانون الفعل ّ
15
والمنازعة ومناقشة بالحجة ،فيجري إنشاء الخطاب بغرض الخصومة
ّ الحجة
ّ األفكار ومقارعة
يضطر الخصوم
ّ ويفترض في المتكلّم أن يعرف سياسة البالغة ،17وأن يعرف كيف 16
الخصوم ُ ،
19 18
الناس ،فتكون األعناق
عظيما من التأثير في ّ
ً مبلغا
ويطبقهم بها ،والمراد من ذلك أن يبلغ ً
بالحجة ُ ،
ّ
21 20
أضمن.
ْ العلو على الخصم
النفوس إليه أسرع ،والعقول عنه أفهم ،و ّ
إليه أميل ،و ّ
الجــاحظ (أبــو عثمــان عمــرو بــن بحــر) ،البيممان والتبيممين ،تحقيــق عبــد الســالم هــارون ،المجلــد( 2القــاهرة :مكتبــة الخــانجي ،د.ت،). 15
ص.6
00
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ومستقبال ،فيجري
ً وماضيا
ً حاضر
ًا االجتماعية،
ّ الثقافية ،و
االقتصادية ،و ّ
ّ وادارة عمرانهم في شتّى المجاالت
مكوناتها. ًّ
أساسيا من ّ
ثالثاا :أوروحة ِ
الحجاج في مناظرة هوالند /ساركوزي
أسس كل طرف موقفه على جملة من المعطيات ،وباالستناد إلى عدد من الحجج
الخمس القادمة ،و ّ
الشريف الجرجاني ،التعريفات ،تحقيق إبراهيم األبياري (بيروت :دار اللّسان العربي ،)1992 ،ص.761 22
02
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
23
نسيين،
لك ّل الفر ّ الرئيس الجامع
قدم هوالند نفسه في فاتحة خطابه نفسه في صورة ّ
واالعتبارت؛ فقد ّ
وقدم ساركوزي شخصه على ّأنه رئيس خبِر دروب السياسة ،وتعلّم أصول ّ
الرئاسة حاجة إلى ك ّل أبنائهاّ .
24
ألنه عليم بك ّل
أولويته بتولّي شؤون البلد؛ ّ
األهم في ترجيح ّ
ّ الركن
على مدى أعوام خلت ،فاعتبر تجربته ّ
جلال بامتياز.27
الرئيس حدثًا ً
26
بالحقيقة ،كما اعتبر هوالند حدث اختيار ّ
تأسست
الرئاسة .فقد ّ
توجه سعي ك ّل منهما لتسلّم مقاليد ّ
األساسية التي ّ
ّ أصال في األطروحة
ً يختلفان
التجمع".
ّ الجمعي في خطابه خالل المناظرة بقوله" :أريد أن أكون ...رئيس
ّ التوجه
ّ عبر هوالند عن هذا
ّ
23
يخي".
"إنه خيار تار ّ
يخيّ :
ئاسية حدث تار ّ
إن حدث االنتخابات الر ّ
يقول ساركوزي ّ
25
اطية ".
الديمقر ّ
"إنها لحظة فريدة ...لحظة ّ
اطيةّ :
بأنها لحظة الحقيقة ولحظة الديمقر ّ
نعت ساركوزي المناظرة ّ
26
مهم وخطير".
قائال" :اختيار رئيس الجمهورّية المقبل قرار ّ
ئاسية ً
أهمية حدث االنتخابات الر ّ
يصف هوالند ّ
27
03
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
عموما ،وذلك
ً الرئيس وتغيير واقع البالد
السلطة وتوابعه ،فالمراد تغيير ّ
والتّغيير هنا متعلّق بأعلى هرم ّ
نسيين
المحسوبية ومظاهر الفساد اإلداري والمالي ،وأسباب الفرقة بين الفر ّ
ّ بالقطع مع سياسات المحاباة و
نسيين للمساهمة في بناء بلدهم ،وتفعيل دوره في االتّحاد األوروبي وفي المشهد الدولي ،والتّغيير
الفر ّ
وتواق
نسيين ومعني بك ّل مشاغلهمّ ،
مقرب من فئة دون أخرى ،بل هو مسكون بهموم ك ّل الفر ّ
الناس ،وغير ّ
ّ
الحرية والعدالة والكرامة والعيش الكريم .من هنا ،كان التّغيير باعتباره
إلى تحقيق ك ّل طموحاتهم في ّ
مهمة
السلم االجتماعي في عهده ،وضمن مكانة ّ
الرجل على اعتبار أن بلده قد حقّق حالة من ّ
أسسها ّ
ّ
وجهة لك ّل ما أفعله".
اإلقليمية ُم ّ
ّ االجتماعية ،والعدالة
ّ الجبائية ،والعدالة
ّ الحكومية ...ستكون العدالة
ّ
من ال ّشعب".
04
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
أسس
ثم ،فقد ّ
االجتماعية .ومن ّ
ّ المفتوحة من قبيل الهجرة ،والبطالة ،واصالح منظومة التقاعد ،والحيطة
السابق في خدمة
أهمية رصيده السياسي ّ
ئاسية جديدة في بلده على ّ
ساركوزي حقّه في تولّي أمور والية ر ّ
وضمانا لالستقرار
ً الداخل والخارج،
فرنسا ،وعلى ضرورة االستم اررّية حفاظًا على مصالح البلد في ّ
باعتبارها الضامن األساسي لبناء مجتمع جمهوري ،فاعل في أوروبا وفي العالم.
تعدد تقنيات ِ
الحجاج وتم ّكن السياسية بين فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي ّ يتبين المتابع للمناظرة
ّ ّ
جاجية في المناظرة بين الطّرفين في :تنويع الحجج ،وتعديد األسئلة ،وتبئير الخطاب، ِ
أهم التقنيات الح ّ
ّ
يلي:
05
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
.1تنويع الحجج
اقعية
الحجة الو ّ
ّ أ.
تصور ك ّل منهما
اقعية لتبرير ّ
بأنها و ّ
التوسل بحجج توصف ّ
ّ جد ك ّل من ساركوزي وهوالند في
وقد ّ
لعدد من المسائل ،ففي خصوص معضلة البطالة في فرنسا شهدنا يوم الثاني من أيار /مايو 1021ما
سمى بـ "معركة األرقام" La bataille des chiffresبين المتنافسين ،فقد ذهب المر ّشح االشتراكي إلى
ُي ّ
المسجلين
ّ أن عدد العاطلين عن العمل قد تزايد بشكل كبير على امتداد سنوات والية خصمه ،وبلغ عدد
ّ
الجدد غير العاملين مليون شخص باعتبار العاطلين المفترضين ،وهو رقم قياسي يخبر بفشل ذريع في
معتبر
ًا قدمها هوالند
اإلحصائيات التي ّ
ّ ببقية دول االتّحاد األوروبي ،وش ّكك صراحة في
هو األق ّل مقارنة ّ
ألف شخص.
ـي ...وذلـك
"إنها نسـبة عاليـة ،ضـخمة ،بـل رقـم قياس ّ
متحدثًا عن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خالل والية ساركوزيّ :
ّ 31يقول هوالند
فشال".
عد ًُي ّ
06
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الصادرة عن
حيز البطالة على المقاييس ّ
في حين اعتمد ساركوزي في ضبطه لعدد المندرجين في ّ
قدمها
اإلحصائيات التي ّ
ّ فإنه قد قدح في
اقعيةّ ،
بأن البطالة مشكلة و ّ
أما ساركوزي ،فمع إق ارره ّ
ّ
مؤسسة على التّضليل والتهويل ،32وقد ذهب إلى تقويم واقع المشكلة في بلده عبر
مبيًنا ّأنها ّ
مناظرهّ ،
مسبقًا
مدروسا ّ
ً فعال ِحجاجيًّا
اإلحصائيات كان ً
ّ األوروبية ،وبذلك فانتفاء
ّ الدول
من واقع الحال في باقي ّ
الغاية منه في اعتبار هوالند ضرورة التّعجيل بالتّغيير ،والقصد منه في اعتبار ساركوزي التأكيد على
قدمتها خاطئة".
إن األرقام التي ّ
"السيد هوالندّ ،
قدمها هوالندّ :
اإلحصائيات التي ّ
ّ يقول ساركوزي مش ّك ًكا في 32
04
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
33
مطية إلثبات
والتباين في اختيار المراجع في هذا الشأن ّ وبذلك فقد كان التدافع على األرقام
للم ْنجز
صدقية األرقام مدار نزاع بين المتجادلين ،وتباينت تقديرات الطّرفين ُ
ّ موضوعية ،فقد كانت
ّ
االقتصادي واالجتماعي والتّربوي للحقبة الساركوزّية على هذا األساس .وأحال المتجادالن على المؤ ّشرات
مرة من
الرئيس المنتهية واليته ،وّ 74
مرة من جانب ّ
بمعدل ّ 91
مرة خالل الحوار وذلك ّ
اإلحصائية ّ 231
ّ
جانب مر ّشح الحزب االشتراكي .وكثافة االستدالل باألرقام عند ساركوزي دالّة على رغبة أكيدة في البحث
حد
الرجل إلى ّ
مستقبال .وذهب ّ
ً وقدرتها على المساهمة الفاعلة في المشهد االقتصادي األوروبي والعالمي
أهمية
وتحسنت بمقدار %2.7عام ،1020وبمقدار %2.8عام .1022ومع ّ
ّ السنة نفسها بـ %1.8
ّ
قدر بـ ،%3
نمو تُ ّ
النمو؛ فقد شهدت الواليات المتّحدة خالل الفترة نفسها نسبة ّ
تحسن نسبة ّ
المستوى من ّ
النمو ،وعجز الميزان التّجاري ،وعدد المهاجرين...إلخ .راجع متن المناظرة في هذا الخصوص.
ومعدل ّ
ّ المديونية،
ّ تحديد نسبة
02
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
شيء من التّمويه عن الحقيقة ،والمراد إبراز بلده في موقع المتألّق اقتصاديًّا في المنطقة ،وذلك بفضل
الرشيدة للمر ّشح اليميني وأعضاء حكومته ،وفي ذلك توظيف للمعطى اإلحصائي
االقتصادية ّ
ّ السياسة
االقتصادية
ّ اإلحصائيات المتعلّقة بالحصيلة
ّ اال إلى تضخيم
مي ً
فشل منواله التّنموي كان فرانسوا هوالند ّ
انظر: 34
Mathieu Bruckmüller et Bernard de Volontat, “Débat Hollande -Sarkozy: Qui a gagné la bataille des
chiffres?” Publié le 3 mai 2012: http://www.20minutes.fr/economie/927837-debat-hollande-sarkozy-
gagne-bataille-chiffres
35
Ibid..
02
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
فعال سلبيًّا
اإلحصائيات ،مادام ذلك ً
ّ حرجا في تضخيم
فإن المر ّشح االشتراكي ال يرى ً
ثمّ ،
ومن ّ
الرئاسي
األساسية متمثّلة في إثبات فشل مشروع ساركوزي ّ
ّ ألن غايته
لصورة األداء االقتصادي لمنافسه؛ ّ
بديال منه.
اكية ً
الناس على تغييره واحالل االشتر ّ
وحث ّ
ّ والحكومي،
فإن هوالند وساركوزي يقفان هنا على مسافة واحدة من المتلقّي ،ويستخدمان أساليب
وبناء عليهّ ،
ً
اطيات الحديثة.
الديمقر ّ
أخالقية فعل التنافس السياسي في ّ
ّ
الرجلين والتي
أيضا من خالل اإلحالة على عدد من األحداث والوقائع التي عرفها تاريخ ّ
كانت حاضرة ً
وحسبنا أن نأخذ في هذا اإلطار واقعتين كانتا مدار جدل المتناظرين؛ أعني واقعة لقاء ساركوزي
فقد استحضر الطّرفان ،ك ّل على حدة ،الواقعة التي يريد ،وعمد إلى تقديمها على نحو يفيد المتلقّي
رد هوالند األنظار إلى حادثة استمالة ساركوزي لرجال األعمال وسعيه إلى
وفي هذا اإلطارّ ،
نسيين،
أحسن هوالند صوغها وتقديمها ،وأتقن إخراجها في الوقت المناسب ،وفي لقاء تابعه ماليين الفر ّ
فكان القصد من استدعاء هذا الحدث الواقعي االحتجاج على عدم جدارة ساركوزي برئاسة عموم
الطبقية
السياسية والحز ّبية و ّ
ّ قدم نفسه على ّأنه رئيس فوق االنتماءات
وآخرا ،على خالف هوالند الذي ّ
ّأوًال ً
الضيقة.
ّ
وبذلك فاالنفتاح على الواقع ومحاورة الماضي فعل يندرج ضمن إستراتيجيات ِ
الحجاج ،وضمن ّ
الزمن،
اقعية تخترق ّ
فالحجة الو ّ
ّ ومستقبال؛
ً وحاضر
ًا ماضيا
ً الزمانية المختلفة
ّ مسار تقويم المنافس في أبعاده
الرئاسة.
عامال فارقًا في تزكية مر ّشح أو الحؤول دونه ومنصب ّ
ً ويمكن أن تكون
20
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
القيمية
ّ الحجة
ّ ب.
نظاما رمزًّيا ،وسلو ًكا معيارًّيا تعيشه الجماعة وتتعاقد حوله ،36معطى حاضر
ً القيمة باعتبارها
اطية
الديمقر ّ
الحرية والعدالة و ّ
مقدمتها ّ
للدفاع عن قيم الجمهورّية وفي ّ
البلد منذ قرون ،ور ّشح ك ّل منهما نفسه ّ
العلمانية
ّ المدنية
ّ الهوية
ّ السلم االجتماعي .وتنافسا في تقديم الضمانات في خصوص المحافظة على
و ّ
العلمانية خالل
ّ ألي قاعدة من قواعد
للدولة .وفي ذلك يقول المر ّشح االشتراكي إ ّنه "لن يكون هناك خرق ّ
ّ
وكيفيات التعامل
ّ األجنبية في فرنسا،
ّ السنوات القليلة الماضية حول تنامي حضور الجاليات
الفرنسي خالل ّ
األول
النموذج الحداثي الجمهوري ،فقد برز خالل واليتي ساركوزي صعود ّتيارين على األق ّلّ :
بديلة عن ّ
يدعو إلى التّمكين للجاليات الوافدة في فرنسا والسماح ألفرادها بممارسة طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم
Steve Bruce and Steven Yearlay, The Sage Dictionary of Sociology (California and New Delhi: Sage
Publications LTD., 2006), p. 314.
بالعلمانية".
ّ
سية.
العمومية ومنع لباس البرقع على األراضي الفرن ّ
ّ المؤسسات
ّ أشرف على إصدار قوانين لمنع ارتداء الحجاب في
22
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الدولة،
علمانية ّ
ّ مقدمة ذلك الجالية المسلمة التي دخل بعض المنتمين لها في مواجهة مع
الدينية وفي ّ
ّ
النقاب ،والحجاب ،واللّحم الحالل ...وغير ذلك .وهو ما ّأدى إلى نزاعات
خاصة فيما يتعلّق بقضايا ّ
ّ
الرحيل
أن قدر األجانب ّ
نسيين و ّ
المتطرف القائل إ ّن فرنسا للفر ّ
ّ التيار ّتيار اليمين
نسية .وقد قابل هذا ّ
الفر ّ
األصلية.
ّ من بالد األنوار نحو مواطنهم
يصا على
وعلوية قيمها الجمهورّية ،حر ً
ّ الدولة
مدنية ّ
وفي المقابل بدا هوالند ،مع تسليمه بمبدأ ّ
والمقيمين بها في صوغ مالمح المشهد السياسي والعمراني في البلد ،وذلك بإشراكهم في االنتخابات
الناخبين.
نحو يم ّكنه من استيعاب أكبر عدد ممكن من ّ
الصدقية عن
ّ جد نيكوال ساركوزي في نفي
أيضا بمحاولة تجريد الطّرف المقابل من تلك القيم ،فقد ّ
كان ً
23
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ومدعي امتالك الحقيقة ،وبالمحاباة ،وتراقى به األمر إلى اعتباره سبب الفرقة داخل المجتمع
بالمماطلّ ،
الفرنسي.
السلوة
حجة ّ
ّ ج.
السلطة باعتبارها حالة نفوذ ولحظة هيمنة ،40ومجال تعبير عن ال ّذات ،وتأثير في اآلخر هي
ّ
للنظر في مناظرة ساركوزي /هوالند وذلك من خالل ثالثة مظاهر على األق ّل:
معطى حاضر بشكل الفت ّ
المتقبل ،ومحاولة
ّ اتيجيات البرهان للفعل في
وخارجها .وأتاحت لك ّل طرف استخدام تقنيات البيان واستر ّ
الركحي
الحجة وسطوة العبارة .فكان ك ّل طرف يوظّف حضوره ّ
ّ امتالكه ،وتوجيهه باالعتماد على سلطة
السبيل
تخصه ،وبما يراه ّ
ّ الناس ،وليب ّشر بالحقيقة التي
واإلعالمي وبروزه المشهدي ليفعل في اللّغة وفي ّ
إلى الخالص من أزمات شتّى .وفي ك ّل ذلك تمكين للذات وتركيز لسلطة األنا" ،فقد ارتبط خطاب
السلطة" Pouvoirفي:
مادة " ّ
انظر ّ
40
24
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
41
"الرغبة في السيطرة وبسط
السلطة بسلطة الكلمات" ،على سبيل ّ
السلطة ...بسلطة الخطاب وكلمات ّ
ّ
واالستمرار".42
بالقوة أو
مستقبال ّ
ً للرئاسة
الصريح عن مركزّية األنا وترشيحها ّ
للسلطة هو التّعبير ّ
والمظهر الثاني ّ
43
قدم هوالند نفسه
ّ للرئاسة ستعتمدون؟
أي نظام ّ
بالفعل؛ ففي إجابة عن سؤال كيف تعتزمون حكم فرنسا؟ و ّ
مرة على
وكرر عبارة "أنا باعتباري رئيس فرنسا "...خمس عشرة ّ
"سيد اإلليزيه في المرحلة القادمة"ّ ،
ّأنه ّ
نسيين ،ويضعهم في االعتبار ،ال أريد أن أكون رئيس ك ّل شيء ،قائد ك ّل شيء،
ئيسا يحترم الفر ّ
أن أكون ر ً
أي شيء".44
وغير مسؤول عن ّ
ويخبــر بعزمــه
الرئاســةُ ،
اغتــنم فرانسـوا هوالنــد السـؤال عــن نمــط الرئاســة ليجعــل منــه نـواة تعبيرّيــة يكشــف مــن خاللهــا تصـ ّـوره لمنصــب ّ
44
قائال" :رئيس يحترم الفرنس ّـيين ّأوًال ،ويضـعهم فـي االعتبـار .رئـيس ال يريـد أن يكـون س ّـي ًدا
القطع مع النموذج الساركوزي في هذا المجال ً
أي شيء".
النهاية عن ّ
على ك ّل شيء ،مشرفًا على ك ّل شيء ،وغير مسؤول في ّ
25
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
الرئاسة.
الواقع المجتمعي وتبديل نمط ّ
المستقبلية.
ّ اليومية وأحالمهم
ّ الناس وهمومهم
الرئيس العادي المتواضع على مشاغل ّ
فيه ّ
جلال
فعال ً
الرئاسة ً
تبناه ساركوزي ويتمثّل في اعتبار ّ
تصور آخر ّ
ّ التصور لل ّسلطة ،يقابله
ّ وهذا
شخصية
ّ بالضرورة ،46فهي
ّ العادية
ّ الشخصية غير
ّ وي ْرتقى به إلى مقام
الرئيس ما ال ُيطلب من غيرهُ ،
ّ
ويؤسس لكسب
ّ التحديات،
ّ الرئيس هي سلطة فارضة لمنهج ما ولخيار ما في التّسيير يستجيب لطبيعة
ّ
قائال:
يسي" .ويعد هوالند بإرساء قواعد عدالة مستقلّة ً
ئيسا للجمهورّية ،لن أشارك في جمع ت ّبرعات لصالح حزبي في نزل بار ّباعتباري ر ً
ئيسا ،سأُف ّعل العدالة على نحو مستق ّل".
"أنا باعتباري ر ً
عادية".
يقول ساركوزي في توصيف منصب رئاسة الجمهورّية خالل المناظرة" :خطّة رئيس الجمهورّية ليست خطّة ّ
46
26
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الجمهوري.
الرمز
أن ّالرئاسة .غير ّ
عية وعن استمرار أحقّية في تولّي شؤون ّ
اإليجابي اعتمده المتنافسان بحثًا عن شر ّ
السياسي والمالي.
السابق سيلفيو برلسكوني ،لما لحق به من شبه الفساد اإلداري و ّ
انظر: 47
24
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
.2تعديد األسئلة
الداخلي الفرنسي ،واجتهد ك ّل من
تعددت األسئلة المطروحة في المناظرة ،وتعلّق أغلبها بال ّشأن ّ
ّ
النقاش.
الدفاع عن موقفه من القضايا مدار ّ
المتناظرين في ّ
استفهامية
ّ الرجلين فحسب ،بل كان أداة
صادر عن من ّشطي اللّقاء بين ّ
ًا السؤال لم يكن
لكن ّ
ّ
كل
اصلية الجامعة بينهما ،فقد استحضر ّ ِ
جاجية استخدمها المتناظران أثناء الواقعة التو ّ
حوارّية ،وآلة ح ّ
السؤال ال بغاية طلب شيء غير حاصل وقت الطّلب ،أو بغاية االستفسار عن أمر غير مفهوم،
طرف ّ
السؤال االستفزازي
والتّشويش على تواصله مع المتلقّين .ويمكن أن نثبت على سبيل ال ّذكر حضور ّ
السخرية الالّذعة
اإلنكاري في المناظرة من قبيل مساءلة ساركوزي لهوالند بلهجة ال تخلو من اإلثارة و ّ
الرئاسة].
الصغيرة" [لتولّي مقاليد ّ
"أتظن ّأنه يكفي المجيء بهذه البدلة ّ
ّ قائال:
ً
السؤال محاولة لتصغير المنافس واثارة انفعاله رغبة في إرباكه والتهوين من قدره أمام
ففي هذا ّ
بالسؤال عن تفاصيل تتعلّق بماضيه السياسي وانحيازه إلى حزبه والى رجال
المحاجة ،فقد باغت ساركوزي ّ
ّ
مصداقيته أمام
ّ يسترد أنفاسه ويسرع في تقديم الجواب عن سؤال كان يريد به إرباكه وضرب
ّ قبل أن
ألح
بالسؤال من هذا الطّرف أو ذاك في أكثر من موضع ،و ّ
وتكررت تقنية المحاصرة ّ
المتابعين للمناظرةّ .
قائال" :لست تلمي ًذا لك يا هذا" وذلك حتّى ال يعلو عليه خصمه فيخت ّل التوازن،
رد ً السؤال أن ّ
وخطورة ّ
ركنا
السؤال ً
جراء سؤال يأتيه من حيث يدري ومن حيث ال يدري .من هنا كانت صناعة ّ
ويخسر المناظرة ّ
بالسؤال
.3االستدراج ّ
السؤال هو طلب العلم بشيء غير حاصل وفق الطلب ،فهو ملفوظ دا ّل ُينجز بغاية
أن ّمعلوم ّ
49
الصنف من األسئلة قد كان عماد
أن هذا ّ
صحتها ،والحقيقة ّ
الحصول على معلومة ما أو التأ ّكد من ّ
الرجلين
المتعدد حول برنامجي ّ
ّ السؤال
جميعا يلتقون عند طرح ّ
ً المناظرة ،فالمن ّشطان والمتناظران والجمهور
وحاضر
ًا ماضيا
ً تصورهما لواقع فرنسا في مختلف المجاالت
ّ المتسابقين على رئاسة فرنسا وحول تفاصيل
ومستقبال.
ً
مهما من
عددا ًّ
أن ًلكن المالحظ ّ
ولك ّل نهجه في اإلجابة ،في طريقته في البيان والتّحليل واإلقناعّ ،
بالسؤال
سمى ّاألسئلة ،التي طرحها المتنافسان أحدهما على اآلخر أثناء المجادلة ،لم تكن تنتمي إلى ما ُي ّ
االستخباري ،بل كانت تندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بالسؤال ِ
المحجاج الذي يهدف إلى إحراج الطّرف ّ ّ
النحو التالي" :السؤال :طلب منجز بغرض الحصول على معلومات أو التحقّـق مـن
ورد في معجم الروس تحديد مفهوم السؤال على ّ
49
22
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
السؤال
النهج في ّ
السرعة في مسائل دقيقة ،والغاية هي إحراجه أو مفاجأته بما يعلم وبما ال يعلم .وهذا ّ
ّ
تردد أو
الحجة على نفسه ،وان هو ّ
ّ اإلجابة عنه من ردود الطرف المنافس ،فإن هو أجاب أقنع أو أقام
المتقبل للمناظرة.
ّ تهرب من الجواب عن جهة التّصريح كان موصوفًا بالعاجز في رأي الجمهور
ّ
الذكر ال الحصر ،يمكن أن نشير إلى استهجان ساركوزي مقارنة بعضهم بينه والدكتاتور اإلسباني
النقابية؟".
ّ التقاليد
قائال" :أليس
مرة ًالصعيد األوروبي ،فقد ساءله هوالند في هذا ال ّشأن أكثر من ّ
الحزبي نفسه على ّ
ألح في طلب
الشعبية ألوروبا PPE؟ ،ألست معهم في الحزب نفسه؟" و ّ
ّ منتميا إلى حزب الجبهة
ً برلسكوني
فرد على
جاجيةّ ، ِ
االستفهامية الح ّ
ّ ضج ساركوزي بتلك المالحقة
قائال" :أجبني عن سؤالي" .وقد ّ
الجواب ً
السؤال ومحاولة للهروب من اإلجابة لخشية ساركوزي من اإلقرار بعالقته برجل معروف بفساده
بوطأة ّ
31
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
يتعدى ذلك
السياسية ،بل ّ
ّ السؤال ال يقف عند مطلب االستخبار في المناظرة
أن ّنتبين ّ
من هنا ّ
.4تبئير الخواب
معينة ،ومركزة الجدل حول
السياسية توجيه الحوار نحو مشاغل ّ
ّ نعني بتبئير الخطاب في المناظرة
دوائر اهتمام مخصوصة دون غيرها على نحو يسهم في توجيه انتباه المتلقّي إلى أمور دون أخرى،
جدت بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند ّأنها قد رّكزت أسا ًسا على
والمالحظ من متابعة المناظرة التي ّ
نسيين ،وهو أمر ينسجم مع طبيعة الفضاء التاريخي ،والمجال االجتماعي الذي
الداخلي للفر ّ
قضايا ال ّشأن ّ
تمت فيه وقائع المناظرة بين الطّرفين ،فطبيعة الحدث ساهمت في تشكيل محتوى الجدل وبنيته وفق
ّ
حين كليهما
ئاسية جعل المر ّش ْ
الزمان ومعطيات المكان ،فصدور التناظر بمناسبة االنتخابات الر ّ
اقتضاءات ّ
االقتصادية ،ومشكلة
ّ آنية محلّية ذات عالقة بالواقع اليومي للمواطن من قبيل األزمة
يهتمان بطرح قضايا ّ
ّ
50
دولية
وكأنها قضايا محلّية" .وبذلك "جاءت مكانة العالم ضئيلة [في المناظرة] على الرغم من ّ
تقارب ّ
،1021ص ،1انظر:
http://studies.aljazeera.net/reports/2012/05/201257132039483995.htm
وفي السياق نفسه راجع" :بعد فوز االشتراكيين ،هل تتغير سياسة فرنسا العر ّبية؟" ،الدوحة ،المركز العربـي لألبحـاث ود ارسـة السياسـات،
3تموز /يوليو ،1021انظر:
http://www.dohainstitute.org/release/16102c1c-9b55-4a96-988a-0fe24f3e1c54
30
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
51
أن
األول ّ
الخارجية" .ويمكن تفسير ذلك بسببين على األق ّلّ ،
ّ الداخل الفرنسي وامتداداته
أبعاد هموم ّ
الناخب
التقرب من ّ
مساهما في تمييز مر ّشح عن آخر ،محقّقًا لمطلب ّ
ً وجعلها في مح ّل بؤرة االهتمام
الدولية هي خيارات
ّ أن خيارات السياسة
السبب الثاني متمثّل في ّ
الفرنسي قصد استمالته ولكسب نصرته ،و ّ
الداخلي،
بمعية شركائها في االتّحاد األوروبي والحلف األطلسي ،وال ترتبط بالضرورة بال ّشأن ّ
تنجزها فرنسا ّ
اإلقليمية
ّ النظر بين الطرفين تتقارب في مستوى التعاطي مع عدد من القضايا
أن وجهات ّ
ُيضاف إلى ذلك ّ
الربيع
االقتصادية في اليونان ،ومفاوضات السالم في ال ّشرق األوسط وأحداث ّ
ّ الدولية ،من ذلك األزمة
و ّ
مصر على رحيل بشار األسد عن حكم سورية ،وعلى ضرورة مكافحة اإلرهاب
ّ أن ك ًّال منهما
العربي ،كما ّ
التدبر
الدولي ،وبذلك فالتّماثل في هذه المقامات جعلها من قبيل المفروغ منه ،لذلك لم تجد حظّها من ّ
ّ
مرة إلى
اال أكثر من ّ
مي ً
النمو .وفي اإلطار نفسه ،كان ساركوزي ّ
الرفاه واالستقرار و ّ
تحقيق آمالهم في ّ
32
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
وكيفيات إدارتها،
ّ الدولية ،وغير العليم بواقع فرنسا
ّ إظهار هوالند في موقع غير الخبير بشؤون السياسة
جاجية إستراتيجية اعتمدها الطّرفان ،قصد توجيه الّناخب الفرنسي نحو ِ
وبذلك فالتّبئير تقنية ح ّ
مسائل دون أخرى ،وقصد التح ّكم في سلوكه االنتخابي وكسب صوته وتحويله من محايد إلى مناصر.
السياسية
ّ خامسا :لغة الخواب في المناظرة
ا
التصورات
المعبرة عن المفاهيم و ّ
ّ الدالة
يتكون من الوحدات ّ
ّ اللّغة ،باعتبارها نظام تواصل،
االقتصادية
ّ ألنها ّبينت حجم االختالفات على مستوى السياسات
حد تعبير فرانسوا هوالند ّ
مفيدة على ّ
52
الذاتية في تقويم الواقع واستشراف
ّ وآلياته
المخصوص ّ االجتماعية للطّرفين ،فلك ّل متناظر مشروعه
ّ و
الرجلين عند حسن اصطفاء العبارة واعتماد التكرار ولزوم األسلوب المباشر والميل إلى المشافهة البليغة.
ّ
33
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
شفوي
.1في اصوفاء العبارة وبالغة الخواب ال ّ
يتبين في هذه المناظرة سالسة العبارة لدى الطّرفين وطالوة الكالم
من اليسير على الباحث أن ّ
فالرجالن متم ّكنان من لغة شارل بودلير (الشاعر والناقد الفني الفرنسي) ّأيما تم ّكن ،وال
عند ك ّل منهماّ ،
المعجمية للجدل بين الطّرفين ،فمنها ما اتّصل بالهجرة واالقتصاد ،ومنها ما تعلّق
ّ تعددت السجالّت
ّ
عليه سلطة اإلغواء واالستقطاب ،53فحسن اصطفاء العبارة ورصف الكلمات على نحو مخصوص يساهم
في تعزيز الحضور البياني والبالغي للمتكلّم من ناحية ،وفي تعزيز مطلب التأثير في المتلقّي من ناحية
الداللة ،بلوغ أعلى مراتب التأثير العقلي والعاطفي في متلقّيه ،بما يكفل
بالحجة ،ومبالغة في وضوح ّ
ّ
انظر: 54
Robert Mayer, How to Win any Argument (New Jersey: Career press, Franklin Lakes, 2005), p. 107.
34
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
ومراميه.55
الناس مباشرة،
فالرجالن يتواجهان مباشرة ويخاطبان ّ
يتبين غلبة بالغة التّصريح على بالغة التّلميحّ ،
ّ
اإليحائية مثل التّشبيه والتّورية والكناية وغير ذلك ...فمقام المشافهة ال ُيتيح رصف الكالم على
ّ والتّعابير
حي
تفاعليّ ،
ّ أن المقام هو مقام تواصل
ويتقصد التّغميض أو اإللغاز ،ذلك ّ
ّ السجع والجناس،
نحو يلتزم ّ
كالميا ًّ
ثنائيا ،بل ُم ْنج ًاز ً شأنا
بين األنا واآلخر ،في صيغة اإلفراد وصيغة الجمع ،باعتبار المناظرة ليست ً
56
أسس عليها ك ّل طرف
كبرى ّ مفهومية
ّ الرجلين ،في جملتها ،على استعارة
التّنبيه إلى قيام المناظرة بين ّ
35
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
وعدد
رصف األلفاظّ ،
ُغير إذن أنا موجود" ،فقد ّ
مؤداها "أنا أ ّ
خطابه ،فهوالند محكوم باستعارة تصورّية ّ
نسيين
الديكار ّتية نفسها يستعيرها نيكوال ساركوزي ليف ّكر بدوره في واقع الفر ّ
الروح التفكيرّية ّ
وتلك ّ
مؤداها "أنا أُر ِ
اك ُم جاجي ّ يتبناها ويدافع عنها في خطابه ِ
الح مفهومية مركزّيةّ ، ومستقبلهم بناء على استعارة
ّ ّ
ي
تصور يعتبر البناء الحضار ّ
ّ أستمر إذن أنا موجود" ،فكينونة الفرد والجماعة هنا تُبنى وفق
جهدي و ّ
العام من منظور تقديم االستم اررّية على القطيعة ،وترجيح الوصل على الفصل في مستوى اإلصالح
ّ
الرئاسة
مسؤولية ّ
ّ السلطة من ناحية ،والوعي بمقتضيات
الرغبة في ّ
واعادة البناء .والجميع محكوم بهاجس ّ
الدرب إلجراء
الناس بصواب الطّرح الذاتي للمتكلّم وتهيئة ّ
الفرنسي المأزوم ،والغاية واحدة ،وهي إقناع ّ
مفهومية
ّ تأسست على بالغة
العام وفي استبطان اإلرث التّنويريّ ،
الصالح ّ
الرغبة في خدمة ّ
وهذه ّ
العلمانية
ّ الهوية
ّ تمثّلت في انخراط الطّرفين كليهما في مسار الفكر الجمهوري ،ودفاع ك ّل منهما عن
العامة
ّ بالحريات
ّ الديمقراطي بما يوجب من إقرار
الرجلين في ال ّذود عن قيم االجتماع ّ
ل ّلدولة ،وتنافس ّ
السياسية.
ّ التعددية
ّ السلمي ،وتكريس
الخاصة ،وترسيخ مبادئ المساواة والمواطنة والتّعايش ّ
ّ و
36
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الموجه المنظّم لحركة االختالف بين المتجادلين .وعلى الرغم مما اعترى المناظرة بين
محضن روحها ،و ّ
ومن المفيد هنا التّنبيه إلى حضور بالغة التّسفيه في بعض ردهات المناظرة ،فقد سعى األخير
العام نحو
الرأي ّ
أهميته في إرباك الطّرف المقابل ،وتوجيه ّ
البالغي على ّ
ّ مصداقية المنافس .وهذا األسلوب
ّ
النقد ِ
الحجاجي /العقالني لآلخر ،بل فعال لغويًّا /معيارًّيا ال يرقى إلى مقام ّ
ك في كفاءته ونزاهته ،يبقى ً
الش ّ
57
ويحولها إلى منبر للتّنابز باأللقاب ،والتّقاذف باألحكام
ّ المحاجة،
ّ لحدث الداللي
يسهم في تفقير المحتوى ّ
ويدفعه إلى الخروج من الحياد إلى التّفاعل مع مجريات المناظرة ،وذلك بتأييد الته ّكم من اآلخر ،وتقزيمه،
المسفَّه.
أو باستهجان ذلك والتّعاطف مع ال ّشخص ُ
انظر: 57
Christian Le Bart, Le discours politique, Que sais-je? no. 3397 (Paris: PUF, 1988), p. 3.
34
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
تجالية خصمه،
الناس على ار ّ
وجهها له ساركوزي ،وحاول إشهاد ّ
الرد على نعوت التّهوين التي ّ
مرة ّّ
.2التّكرار
غالبا
قصدا ال اعتباطًا ،ويراد بها ً
ً بيانية تتكرر
داللية في الملفوظ ،فهو الزمة ّ
لغوية ّ
التّكرار ظاهرة ّ
المتقبل إلى أمر ما .وبدا حضور ضمير المتكلّم مكثّفًا في
ّ النفي ،وتوظّف لإلبراز ولفت انتباه
التأكيد أو ّ
بالرغبة في
الرجلين .وقد تعلّق فعل اإلرادة عند هوالند ّ
السعي في طلب المراد عند ّ
وشدة العزم و ّ
قوة اإلرادة ّ
ّ
اكيين واليســارّيين
أجمــع ال االشــتر ّ
أجمــعّ .
الرغبــة فــي تجميــع كـ ّل الفرنسـّـيين تحــت يافطــة الــوطن ،ارجــع قــول هوالنــدّ :إنــي أريـد أن ّ
فــي ّ
58
32
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
عوضا
ً الشفافية
ّ بديال من المحاباة ،و
بديال من الحيف االجتماعي ،والمساواة ً
ئاسي جديدُ ،يح ّل العدالة ً
ر ّ
تدخل
مرات في ّ
كرر عبارة "أريد" في خاتمة اللّقاء ألربع ّ
خاصة عندما ّ
ّ وتبين ذلك
في أكثر من مقامّ .
ئاسية،59
األول لالنتخابات الر ّ
الدور ّ
يصوتوا له في ّ
ّ واحد ،وموضوع اإلرادة عنده التواصل مع الذين لم
القومية
ّ صوتوا لفائدة مارين لوبان ،Marine Lepenووعدهم بأخذ مطالبهم
والحديث إلى الذين ّ
60
حق في
الحدودية في االعتبار ،ومخاطبة أنصار فرانسوا بايرو François Bayronواعتبارهم على ّ
ّ و
المديونية ،ووعدهم بالتجاوب مع طلبهم .61كما تعلّق تكرار فعل "أريد" بتوجيه
ّ المطالبة بالتّخفيض من
يصوتوا ،وحثّهم على ممارسة حقّهم في االقتراع حتّى ال يسمحوا آلخرين بالتصويت
الخطاب إلى الذين لم ّ
بدال منهم.
ً
أيضا". ِ
"كما أخاطب منتخبي فرانسوا بايرو ً
61
32
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
للتقدم المنشود.
االستمرار وتحقيقًا ّ
.3األسلوب المباشر
يتقصد الموضوع /الهدف أو
ّ اضحا،
يحا ،و ً
السياسية صر ً
ّ نعني به صدور الخطاب في المناظرة
الخطابية المباشرة
ّ أن
المتلقّي الهدف مباشرة وفي غير تمويه أو تورية أو استعارة أو تلميح .والمالحظ ّ
غالبة على المنجز اللّغوي في اللّقاء الجدالي بين ساركوزي وهوالند ،فقد سعى ك ّل منهما لتفصيل القول في
نسيين بين
المديونية ،وتزايد عدد العاطلين عن العمل ،وافتراق الفر ّ
ّ وتضخم نسبة
ّ وعجز الميزان التجاري،
مرات على األق ّل في أثناء المناظرة ،واعتبار ّادعاءاته "محض كذب" ،وك ّل ذلك يندرج في سياق ما
خمس ّ
خماسية كانت فيها فرنسـا مقسـمة" .وفـي اإللقـاء بالالّئمـة علـى سـاركوزي فـي خصـوص عجـز الميـزان التجـاري
ّ رئاستكم ،نحن نخرج من
النحو قطّ".
يقول هوالند" :لم يكن عجزنا التّجاري غير متوازن على هذا ّ
41
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
اطية
نسيين بين استبقاء نيكوال ساركوزي ،وهو ما يعني استمرار عصر البيروقر ّ
يحا في تخيير الفر ّ
صر ً
ورد
تعبير عن االنحياز لموقفّ ،
ًا وبذلك فاألسلوب المباشر هو أقصى درجات الخطاب السياسي
المتلقّي نحو االصطفاف خلف متناظر دون آخر ،وخلف مشروع رئاسي دون سواه.
والتقاء ساركوزي وهوالند عند حسن اصطفاء العبارة واعتماد التّكرار واألسلوب المباشر في
التواصل مع المتلقّي النهائي ،ال يحول دون التنبيه إلى مدى التباين بينهما في مستوى استحضار بعض
اللية الفارقة
الد ّاللسانية ّ
ّ أهم تلك الخصائص
الخصائص الواسمة للغة الخطاب السياسي لك ّل منهما ،ولع ّل ّ
ويحتج
ّ يتبناها ويدافع عنها ،ودحض أطروحة يرفضها
ويسعى المتناظران ك ّل من جانبه إلقرار أطروحة ّ
40
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
على بيان تهافتها ،وبذلك فالموقف التواصلي يقتضي نفي رأي واثبات آخر .والمالحظ في مناظرة
ساركوزي /هوالند انصراف ك ّل منهما إلى إثبات أحقّيته بالرئاسة ،ونفي جدارة اآلخر بها.
األول أطروحته على ضرورة االستمرار ،وبنى الثاني أطروحته على معارضته
أسس ّوقد ّ
الدعوة إلى التغيير ،وتعلّل ك ّل طرف في مقامات النفي واإلثبات بحجج شتّى تراوحت بين
االستمرار و ّ
ي
ي ،وواكب اإلثبات نهج تقرير ّ
النفي نحو تبرير ّ
السلطوية كما ّبيناه سلفًا ،فقد عضد ّ
ّ العلمية و
اقعية و ّ
الو ّ
النمو وتفاقم
ّ معدل
ارتآه سابقوه ،وينفي عن نفسه العجز الحاصل في الميزان التجاري وفي تراجع ّ
فقرا .كما نفى عن نفسه تهمة التحريض الطائفي على المسلمين ،وعلّل ذلك برغبته في صوغ
غنى والفقير ً
في نعت ساركوزي برئيس األغنياء واتّهامه باالنحياز إلى األثرياء ،راجع: 64
Michel Pinçon, Monique Pinçon-Charlot, Le président des riches: Enquête sur l’oligarchie dans la
France de Nicolas Sarkosy (Paris: 2010); Demonpion Denis et Léger Laurent, Tapie- Sarkozy, Les
chefs du scandale (Paris: Pygmalion, 2009); Rély Renaud et Gassons Didier, Sarkozy et l’argent roi
(Paris: Fayard, 2008).
42
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
نسية.
اقتضاءات الجغرافيا الحضارّية الفر ّ
كما نفى عن نفسه تهمة االنحياز لليمين ،وتهمة الخلط بين انتمائه الحزبي ووظيفته باعتباره
رئيس دولة ،واستغالله نفوذه الستمالة رجال األعمال قصد جمع األموال لصالح الفصيل السياسي الذي
ينتمي إليه.
اصلية التي ظهر فيها ساركوزي في موقع المتّهم الذي يبذل جهده
تعددت المواقف التو ّ
وبذلك ّ
ئاسية
وليرد ما علق به من تهم وشبهات هي نتاج الفترة الر ّ
ّ وليلمع ماضيه السياسي،
ّ ليدافع عن نفسه،
الديبلوماسية ،وجهوده
ّ ئاسية الماضية في إبراز مهاراته
ساعة للحساب عسيرة ،فبدل استثمار تجربته الر ّ
الدولي.
ساركوزي مشغوًال بتبرير أخطائه السابقة وشرعنة نهجه القديم في التعاطي مع الشأن المحلّي و ّ
قدمها
ويضع اآلخر في موضع المساءلة ،فقد أثبت بلغة األرقام نكوص ساركوزي عن وعوده التي ّ
43
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ئاسية عام ،1001وفشله في إرساء منوال تنموي نافع للبالد والعباد ،66وعجزه عن
نسيين في حملته الر ّ
للفر ّ
كف هوالند عن نقد منافسه في شخصه ورّكز على نقد سياساته وكان ينفي عن نفسه تهمة
كما ّ
عدة مرات في أثناء المناظرة ،وترفّع عن نعته بتلك العبارة على جهة
الكذب التي الحقه بها ساركوزي ّ
اقعية البديل.
الحجة وو ّ
معقولية ّ
ّ مؤس ًسا على
واإلثبات في خطاب هوالند ّ
المديونيــة ( 10مليــار يــورو) ،وعجــز المي ـزان التجــاري ،وضــعف معـ ّـدل النمـ ّـو
ّ ـائيات تتعلّــق بتفــاقم
ارجــع مــا أورده هوالنــد مــن إحصـ ّ
66
( %0.1عام ،)1021وارتفـاع عـدد العـاطلين عـن العمـل (مليـون عاطـل) ،والمهـاجرين ( 100ألـف مهـاجر) فـي عهـد سـاركوزي .انظـر
الرجلين.
متن المناظرة بين ّ
اليـة ،وهـو
"إنهـا قريبـة مـن منطقـة زلز ّ
النوويـة فيشـنايم Fessenheimوضـرورة إغالقهـاّ :
ّ طة
متحدثًا عن قدم المح ّ
ّ يقول فرانسوا هوالند 67
خطرا".
حد ذاته ً
عد في ّ
ما ُي ّ
44
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
فضال عن استمرار
ً الصديقة لفرنسا من قبيل اليونان وايطاليا واسبانيا والواليات المتّحدة،
الدول ّ
عدد من ّ
متدينين.
متدينين وغير ّ
الناس إلى ّ
للدولة وبتقسيم ّ
العلمانية ّ
ّ الهوية
ّ ويهدد بضرب
البناء المجتمعي الفرنسيّ ،
جاجي،
ّ بيانيِ ،ح
ّ الرجل عبثًا ،بل هي خيار
ولغة الترهيب الناعم هذه ،ال ترد في خطاب ّ
صمام
تلميحا من خطابه ّأنه قد كان ّ
ً يحا أو
مطباتها وانعكاساتها .فالمفهوم تصر ً
االجتماع الفرنسي من ّ
بأخف األضرار
ّ العالمية وخرج منها
ّ االقتصادية
ّ جنب فرنسا ويالت األزمة
األمان في مرحلة عصيبة ،فقد ّ
الرشيدة .كما يعتبر نفسه قد أحسن توجيه الحراك االجتماعي ،فتح ّكم في سيل
التنموية ّ
ّ بفضل سياساته
سمى
مؤس ًسا لما ُي ّ
وحد من مخاطر التمثّل الراديكالي لإلسالمّ ،
االقتصاديةّ ،
ّ ائية ،ونظّم الهجرة
الهجرة العشو ّ
45
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
يستمر
ّ يتعين استم ارره واستبقاؤه حتّى
الرئيس المنقذ ،أو المسيح المخلّص الذي ّ
والتخويف في موقع ّ
تصيد
ّ الترصد في
أيضا ،بل سابقة لإلضمار و ّ
وبأنه رجل المرحلة ،وبذلك كانت اللّغة هنا غير بريئة ً
ّ
النعرات
أن هوالند قد قلّل من خطورة تنامي ّ
الدارس ّ
وعلى خالف ذلك النهج في التعبير ،يالحظ ّ
تقر بضرورة
مؤس ًسا لمقاربة ّ
اليين واستقطبهم من ناحية ،واستتبع المسلمين وآمنهم من ناحية أخرىّ ،
الليبر ّ
السياسية.
ّ تقصينا لمالمح الجمع واالستثناء في لغة المناظرة
إلى الفرقة ،وهو ما تجلّى على نحو أبين عند ّ
ًّ
وسياسيا على عهد ًّ
اجتماعيا ًّ
اقتصاديا و على الرغم من وعيه بخطورة ما آل إليه وضع فرنسا
46
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
68
ك إلى برد اليقين،
الناس من الخوف إلى الطمأنينة ،ومن الش ّ
حويلية ،تأخذ ّ
لغة هوالند لغة ذات طاقة ت ّ
الناس ،وتدغدغ
أيضا ،فهي تخاطب نفوس ّ
أن اللّغة هنا غير محايدة ً
في التغيير نحو األفضل .ومعلوم ّ
السياسية
ّ سادسا :في بالغة المقام واألداء في المناظرة
ا
السياسية
ّ المقامية للمناظرة
ّ .1في الظّروف
الموضوعية
ّ بالمكونات
ّ أساسا
ً اللغوية ،والمتعلّقة
ّ الرسالة
نعني بالمقام المعطيات الحافّة بإنتاج ّ
بالباث ّإبان أدائه لفعل التّواصل ،فقد جرت مناظرة ساركوزي /هوالند في فضاء
ّ المعنوية المحيطة
ّ المادية و
ّ
فراري Laurence Ferrariودفيد بوجداس David Pujadasاللّذين أحسنا توزيع الكلمة بين
لورانس ّ
مليون مشاهد تابعوا وقائع المناظرة داخل فرنسا ،وذلك عبر سبع قنوات تلفزّية تولّت نقل وقائع تلك
استمرت زهاء الساعتين و 48دقيقة .وقد بدا ساركوزي وهوالند على علم
ّ يخية التي
المناظرة التار ّ
طمــأن هوالنــد الفرنسـّـيين فــي أكثــر مــن موضــع ،وبـّـين أن ال حاجــة لبعــث الخــوف فــي نفوســهم ،مــن ذلــك قولــه خــالل المنــاظرة" :لــيس 68
بث الخوف".
هناك ما يدعو إلى التّخويف" ،و"ال حاجة لزرع الخوف" ،و"أنا ال أريد ّ
44
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ومنسجما مع هيبة
ً موحيا بالقدر الجليل للمناظرة
ً الرسمية
ّ على قميص أبيض ،فكان اختيار للّباس في حلّته
70
مميز ،يستهدف االنسجام
ي ّ الرئيس وما يقتضيه التر ّشح للمنصب من أناقة ووقار .وذلك سلوك مظهر ّ
ّ
بتعدد األسئلة،
حيا ّ كما أن ورود الخطاب على جهة المشافهة ساهم في جعل المشهد ِ
الحجاجي ًّ ّ
الزائد عن اللّزوم .فدقّة الموقف اقتضت رصانة من الطّرفين ،وطبيعة المقام استدعت "موافقة أفعال
التشنج ّ
ّ
71
اطية التّفكير
القول لمقتضى الحال" .وذاك أمر غير مستغرب في دولة درج مواطنوها على ديمقر ّ
للرئيس ،راجع:
أهمية الحضور المظهري ّ
في ّ
70
Glenn O’Brien, “Les candidats français sous toutes les coutures,” Courrier international, hors-série:
Tendances, Style et politique (Mars, Avril, Mai 2012), p. 4-6.
42
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
يؤمنان إمكان
الحرية باعتبارهما شرطين ضرورّيين ّ
النظامية و ّ
ّ شرطي
ْ تتضمن
ّ "المشافه وبين المستمع إليه
التطور
ّ اصلي على غاية من
ياسية ،وسعى لتحقيقها المتناظران في ظ ّل مناخ تو ّ
تأسست المناظرة الس ّ
ّ
المتعددة من
ّ الرقمي
السعي الستقطاب أكبر عدد ممكن من المناصرين ،فوسائط االتّصال ّ
منهما وفي ّ
الناس،
الرجلين من ّ
الصورة الناطقة كانت فاعلة في تقريب ّ
السياسية على أوسع نطاق ،فسلطة ّ
ّ المناظرة
فهما بفضل األنظمة اإلعالمية المتعددة "الملتيمديا" يدخالن جيوب المشاهدين ،ومنازلهم ومكاتبهم
في الجمهور.
انظر: 72
Philippe Breton, “L’argumentation dans la communication,” Contribution presentée dans le cadre de la
Journée des études “Usage et réception des médias,” 26 mai 1998, école normale supérieure de
Fontenay- Saint Cloud, p. 5.
42
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
السياسية
ّ .2بالغة األداء في المناظرة
سيميولوجية مكثّفة ،تتعاضد فيها بالغة الملفوظ مع تعبيرّية الحركة
ّ للخطاب التّلفزي المباشر طاقة
مكوناته
تعددت ّ
معبرّ ،
عالميّ ،
ّ مشهدي
ّ والمناظرة ،التي نحن بصددها ،انتظمت ضمن سياق
الصوتي.
الحركي ،ومستوى األداء ّ
الركحي
أ .في بالغة األداء ّ
ًّ
عالميا مشترًكا انتمى إليه المتناظران ،وتطارحا األفكار والمقترحات ضمنه، الركح فضاء إ
عد ُّي ّ
األحيان باعتبارها تواكب انتقال الجدال بين الطّرفين ،وتفاعل ك ّل منهما مع أسئلة المن ّشطين المشرفين
على اللّقاء.
الرد ال ّشفوي
التقيد بالمكتوب ،واعتمدا ّ
وتحر ار من سلطة ّ
ّ باعتبارهما استأث ار بأكبر مساحة من الكالم،
السياسي من ناحية،
المباشر على أسئلة المن ّشطين على نحو أخبر بتم ّكن الطّرفين من تقنيات التّعبير ّ
الرأي
اهنية داخل المجتمع الفرنسي من ناحية أخرى ،وتقديم ّ
الر ّ
الخالفية ّ
ّ اإلشكاليات
ّ وبقدرة على تمثّل
51
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
السياسي
شخصي ْتين فاعلتين في المشهد ّ
ّ نسية اليوم .وحضور
المهمة في المدينة الفر ّ
ّ الخالفية
ّ من المسائل
فعال في
مما أسهم على نحو ّ
الناسّ ،
صناعة الفرجة ،وفي تأثيث المكان بوجهين مآل ال ّشاشة وشغال ّ
نسيين
طين من الجنسين فيه تمثيل لجموع الفر ّ
توجيه الجمهور نحو مشاهدة المناظرة التلفزّية .وحضور من ّش ْ
السواء باعتبار
الرجل والمرأة على ّ
للرئاسة من جانب ّ
من ال ّذكور واإلناث ،وطرح لواجب مساءلة المر ّشح ّ
نسيين.
الرئيس المرتقب ُيفترض أن يكون رئيس جميع المواطنين الفر ّ
أن ّّ
فعال
فعال بر ًيئا ،بل كان ً
أن بناء هذا المشهد لم يكن ً
يتبين ّ
الناظر في اإلخراج التّلفزي للمناظرة ّ
وّ
اللّون األسود اللّون الغالب عليها ،فلبس ك ّل من ساركوزي وهوالند والمن ّشط دفيد بوجداس بدلة سوداء
السواد على
فستانا أسود .وطغيان ّ
ً فراري
توسطها قميص أبيض وربطة عنق زرقاء ،ولبست لورانس ّ
ّ
فكثير ما
ًا الناس وال وعيهم،
المشهد الملبسي للجماعة راجع إلى ما يحمله هذا اللّون من رمزّية في وعي ّ
الضرورة...
تداولي ضمني عفوي بين المشاهدين إلى "عوالم الواجب و ّ
ّ يشير األسود ،بموجب عقد
أما
الجد في طلبه لما يقتضيه من هيبة ووقار ودقّة في اختيار الكالم واتّخاذ القرارّ .
الرئاسة ومسعى ّ
ّ
50
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ًّ
إقليميا الريادي في صناعة القرار الحر في العالم ،فعال ًّ
بنائيا يعيد لفرنسا دورها ّ رغبة في االنطالق والفعل ّ
أبدي للواقع الموجود ،المأزوم ،وحلم هارب في عيون الحالمين بحياة ال تحكمها
ّ ًّ
ودوليا؛ فاألزرق رفض
75
األنطولوجية ،ودا ّل على
ّ الذاتية و
ّ الصدر والتّعالي عن العوائق
القيود ،واألزرق دا ّل على االمتداد ورحابة ّ
االتّساع الذي جالّه اتّساع فضاء االستوديو موضع الحوار وتنافذ األشكال المرّبعة في جدرانه ،وامتداد
الركح الجدالي ،وتسويره بصورتين كبيرتين لقصر اإلليزيه الذي بدا مطالًّ على المناظرة من الخلف،
ّ
نسيين إ ّنه يرى الواقع والمستقبل بدقّة ،و ّأنه قادر على إجراء التّغيير المنشود.
الرجل يريد أن يقول للفر ّ
فكأن ّ
ّ
المادي ُمخبرة بامتياز بافتراق هوالند عن خصمه ومجافاته له ،فهو يريد أن
الحسي ّ
ّ والنظّارات في بعدها
للهوية
ّ سندا
الهوية البصرّية ً
ّ بأنه يرى ما ال يرى اآلخرون ،فتستحيل
حصر ّ
ًا يقول لآلخر مطلقًا وللخصم
52
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الرأس،
النظرات ،وطأطأة ّ
وهز الكتف ،وتوزيع ّ
حركات الجسد من قبيل اإلشارة واإليماءة وااللتفاتة ّ
ولكننا
ندعي اإلحاطة بك ّل متعلّقات سيميولوجيا األداء الحركي ودالالتهّ ،
وفي مناظرة الحال ،ال ّ
نحاول صوغ استنتاجات إجمالية تتعلّق أساسا بالوصل بين التّعبير اإلشاري وبين الفعل ِ
الحجاجي في ً ّ
يحدق بنظرات
المحيا ،منبسط الوجهّ ،
ّ السياسية ،فقد بدا هوالند على امتداد ساعات الحوار منشرح
ّ المناظرة
تتحركان بسرعة نحو المن ّشطين ونحو خصمه ونحو الكامي ار في
عيني منافسه ،وكانت عيناه ّ
ْ واثقة في
خاصة
ّ اال إلى توظيف حركة اليدين
مي ً
انسجام مع مقتضيات لحظة التّواصل ال ّشفوي مع اآلخر ،وكان ّ
قصد التّفسير والتّفصيل ،وكانت حركة جسده رصينة ،وغير مرتجلة ،متوافقة مع تمثّله ال ّذهني للواقع
وتصوره للمستقبل ،حتّى إ ّن حضوره المشهدي لم يغلب عليه االنفعال .فعلى الرغم مما لقيه من جانب
ّ
خاصة.
ّ االقتصادية
ّ
53
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
وبالمقابل بدت على وجه ساركوزي أثناء المناظرة عالمات اإلرهاق والخوف المبطّن من الهزيمة،
يمينا
هز الكتفين ،وتحريك الحاجبين ،واإلشارة باليد ً
الجسدية من قبيل ّ
ّ استحضار ما أمكن من الحركات
صحة وشماال ،فكان دينامي الحضور على الركح ،يتوسل ك ّل أساليب التّعبير الجسدي ِ
للحجاج على ً
ّ ّ ّ ّ
الرئيس
نسيين بأن يكون ّ
رده على وعد هوالند الفر ّ
(خاصة في البداية عند ّ
ّ تصوره ولنقض أطروحة خصمه
ّ
يدري أو من حيث ال يدري في موقع المتّهم الذي ظ ّل يسعى طوال المناظرة إلى البرهنة على براءته من
الدور
الضمني بهذا ّ
الرجل في زاوية المتّهم وقبوله ّ
في اإلصالح االجتماعي واإلداري والتّربوي .وانحسار ّ
بأنه سيقف
نظن ّ
كرسيه حتّى نكاد ّ
ّ الحركي في مستوى انحناء ساركوزي أثناء الكالم ،وعدم استق ارره فوق
التوتّر وعدم القدرة على تفادي أخطاء المرحلة السابقة من حكمه واقناع الجمهور بتجديد العهد له في والية
كرسيه
ّ تعددت حركات اليد وايماءات الجسد وملفوظات اللّسان عنده ،وبدا إذ يتكلّم من فوق
أخرى .لذلك ّ
54
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
الصوتي
في بالغة األداء ّ ج.
العلو واالنخفاض،
الصوت بين ّ
النطق ،بها ونسق التلفّظ بالعبارة ،وتراوح ّ
وكيفية إيراد الكلمات و ّ
ّ التّصويت،
المتقبل.
ّ معين من جانب
رد فعل ّ
للباث ،وتساهم في إنتاج ّ
ّ النفسية والفكرّية
ّ عن الحالة
الم ْنجز
الصوتي قد واكب ُ
أن األداء ّ
والمالحظ في مناظرة فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي ّ
ِ
الحجاجي في اللّقاء ،وعكست طريقة التّصويت لدى الطّرفين مدى قدرة ك ّل منهما على إدارة الحوار ،وعلى
الكثير من التّدقيق ،ومراجعة خطاب التّناظر من ّأوله حتّى منتهاه على امتداد ما يقرب من ثالث
الصوتي
أساسا على األداء ّ
ً الدراسة باعتبارنا نرّكز
في المتلقّي المفترض .وهو أمر يضيق به مقام هذه ّ
مما
صادر عن شخص واثق بنفسه وعلى يقين ّ
ًا الرصانة ،وبدا
المواجهة قد كان صوتًا يغلب عليه الهدوء و ّ
الموجهة
ّ بالسكوت عن خطابات اإلساءة والتّخوين
بأنه االبن المدلّل لفرانسوا ميتران ،واتّهامه ّ
(مثل اتّهامه ّ
بالنفي
الرد ّ
اال إلى ّ
مي ً
غضبا ،بل بدا ّ
ً لساركوزي ،ونعته بالكذب )...لم يكن هوالند في موقع من يستشيط
55
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
ؤيدها المتكلّم
يوجهه له من تهم ،تبقى متهافتة في نظره ما لم ُي ّ
الدليل على ما ّ
ومطالبا منافسه بتقديم ّ
ً
بالحجة.
ّ
أن
رد الفعل على الطّرف المقابل ال يمنع من اإلشارة إلى ّ
وهذا الهدوء في التّعبير عن المراد وفي ّ
76
إلبراز النبر
خاصة عندما يعمد إلى توظيف تقنية ّ
ّ الرجل يرتفع في بعض األحيان ،ويتّضح ذلك
صوت ّ
وتستعد
ّ تتأهب للفعل،
قيادية ّ
بشخصية ّ
ّ خبر
مرات ُم ًا
عدة ّ
النبرة ّ
ئيسا" ،بلهجة عالية ّ
العبارة "أنا باعتباري ر ً
الصوت وتتالي الجمل على نحو سريع ومرتّب ،ال يعتريه التوتّر واالرتباك
للعالم على الذات .وفي ارتفاع ّ
ئيسا للجمهورّية ،"...من ناحية أخرى ،وهو ما أضفى على الخطاب في بدايته
الصوتية "أنا باعتباري ر ً
ّ
الرجل.
مخصوصا ،يغري بمتابعة ملفوظ ّ
ً ًّ
موسيقيا إيقاعا
ً وفي نهايته
الدولة
أساسا رئيس ّ
ً تردي األوضاع هو
حصر عن ّ
ًا أن المسؤول
مستعمال ضمير المخاطب "أنتم" ليؤ ّكد ّ
ً
56
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
محاجته
ّ أسس عليه هوالند
"نيكوال ساركوزي" ،وهو ما يقتضي تبديله وذلك خدمة لمطلب التّغيير الذي ّ
الرئيس سبيل إلى تغيير واقع البالد نحو األفضل من وجهة نظره.
لآلخر ،فتغيير ّ
بشخصية
ّ الرئيس المنتهية واليته قد كان في العموم صوتًا متوتًّراُ ،يخبر
فإن صوت ّ
وفي المقابلّ ،
وبالصوت حينا،
بالصوت العالي ً الدفاع ِ
الحجاجي عند ساركوزي كان يستأنس رئاسة فرنسا ،فخطاب ّ
ّ ّ
أي عمل
سلمية ،ولم ُيقمع ّ
ّ للصراع واالنقسام ،بل كانت ك ّل المظاهرات
خالل واليته لم تكن ساحة ّ
بالقوة ،وكذا اعتراضه على القول إ ّن فترة واليته قد شهدت أكبر نسبة بطالة في تاريخ
احتجاجي جماعي ّ
تسفيه المنافس من ناحية ،واشهاد العالم على خطئه من ناحية أخرى ،والمراد الطّعن في كالم الخصم،
مشرًعا لمطلب
أن الخبرة هي الفيصل في كسب المعترك االنتخابيّ ،
في كفاءته من ناحية أخرى ،ويبرز ّ
ٍ
خلف ال يحسن تقدير الواقع وفهمه ،وبذلك علت ئاسية ،وذلك حتّى ال يقع البلد في أيدي
االستم اررّية الر ّ
54
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
انتخابية شعواء
ّ إعالمية/
ّ ضحية حملة
ّ قدم نفسه في بداية المناظرة على ّأنه
لما ّ
أهمهاّ ،
المناظرة ،لع ّل ّ
وتقصد ساركوزي بلهجة الخفوت والتّراخي الغالبة على صوته في مثل هذه المقامات
ّ قبيل فرانكو وهتلر.
التعبيرّية استعطاف القلوب ولفت النّاس إليه ،واستنهاضهم للتّضامن معه في وجه من يتآمرون عليه
النبرة في
وما بتقسيمهم ،وتأليب بعضهم على بعض .والقصد من تلك ّ
نسيين عم ً
ويرومون الكيد للفر ّ
ساركوزي.
السياسية
ّ سابعا :وظائف المناظرة
ا
تتكون من ملفوظ
اصلية ،ومناسبة حوارّية ّ
خطابا معزوًال ،بل هي واقعة تو ّ
ً السياسية
ّ ليست المناظرة
52
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
التعبيرية
ّ التعريفية/
ّ .1الوظيفة
يفية
السياسية في اللّقاء الختامي الذي جمع هوالند بساركوزي بوظيفة تعر ّ
ّ لقد اضطلعت المناظرة
جالّها سعي ك ّل منهما إلى التعريف بشخصه من ناحية ،والتّعريف ببرنامجه من ناحية ثانية ،ففي مستوى
السياسي، ًّ
معتدا برصيده ّ السياسي وتاريخه في خدمة البلد ،فبدا
زّكى ساركوزي نفسه باستحضار مجده ّ
المستعدة
ّ السواء ،و
الغني والفقير على ّ
ّ نسيين ،77القادرة على األخذ بيد
الشخصية المؤلّفة لجموع الفر ّ
ّ صورة
ئاسية القادمة،
الدورة الر ّ
ليعرف ماليين المشاهدين بمعالم برنامجه في ّ
السياسية ّ
ّ وقد اغتنم المناظرة
قوة فرنسا".
التقدم" :نحتاج إلى ك ّل ّ
نسيين لكسب معركة ّ
إن فرنسا في حاجة لجهود ك ّل الفر ّ
يقول هوالند ّ
77
52
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
المشهود في عهد منافسه ،وبذلك فقد تقاطع الخطاب اإلعالمي اإلبالغي مع الخطاب ِ
الحجاجي في
سياسية
ّ يتقصدان الكشف عن تفاصيل أطروحة
ّ والعمل على ترويجها ،فالتّعبير والتأثير فعالن متوازيان
التأثيرية
ّ .2الوظيفة
األول طلب التأثير في الخصم نفسه والثاني طلب إيقاع التأثير في المتلقّي.
اثنين على األق ّلّ :
همته وبعثرة
حجته أو بمباغتته بأسئلة محرجة أو الته ّكم منه قصد إحباط ّ
بأخرى وذلك ببيان تهافت ّ
61
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
دائرة الحياد نحو دائرة االنحياز إلى أحد الطّرفين المتقابلين ،أو استتباعه وأخذه من االصطفاف خلف رمز
السياسية بل
ّ معين نحو االصطفاف خلف أحد المتناظرين ،وبذلك فالكالم غير بريء في المناظرة
سياسي ّ
ّ
النهائي ،والفعل فيه على
المتقبل ّ
ّ موجه بامتياز ،ومقصود لغير ذاته باعتبار القصد هو استقطاب
هو كالم ّ
السياسي
يستحضر أقطار الكالم ،وأسباب البيان ،وتقنيات المجادلة ،وفحوى الخطاب ،وثراء البرنامج ّ
ليضمن تبكيت الخصم من ناحية ،وعطف القلوب على رسالته من ناحية أخرى ،فهو يدغدغ وجدان
ويحرك انفعاالتهم ،ويثير أسئلة في أذهانهم ،عسى أن يلفت انتباههم إليه من ناحية فيخرجهم
ّ الناخبين،
ّ
النظر
الباث في طلب إقناع المتلقّي وهو ما يخبر به ّ
ّ يكد
أمورهم ومقاليد سياستهم ،وشرف رئاستهم ،لذلك ّ
اإلقناعية.
ّ في الوظيفة
اإلقناعية
ّ .3الوظيفة
يتم بلوغ
الحجج ،ورصف األدلّة ،والوصل المنطقي بين البراهين حتّى يأخذ بعضها برقاب بعض ،كما ّ
نقلية مخصوصة
عقلية أو ّ
اقعية محسوسة ،وشواهد ّ
للمتقبل واستحضار معطيات و ّ
ّ الصورة
اإلقناع بتقريب ّ
60
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
الفنية
اإلشكالية مدار الجدل واإلحاطة بها من ك ّل جوانبها ّ
ّ ويقتضي اإلقناع القدرة على تمثّل
كيفيات انتظام
ومداخل فهمها .كما يتطلب اإلقناع االستعداد إلى سماع الخصم ،واألخذ عنه ،وادراك ّ
القوة والضعف في أطروحته قصد كشفها وبيان تهافتها ،وقد بدا ك ّل من هوالند وساركوزي
خطابه ومواضع ّ
بالحيز
ّ التأدب في مستوى استعداد ك ّل منهما إلى اإلنصات إلى وجهة نظر اآلخر ،وااللتزام
على غاية من ّ
السماع ،فالمبادرة
وتأسست إستراتيجية ساركوزي على ّ
ّ الزمني بين الطّرفين المتنافسين بطريقة عادلة،
ّ
المؤيدة له.
الرافدة للحكم و ّ
والبراهين ّ
المديونية وكثرة
ّ وتضخم
ّ الدولة ،فتزايد نسب العجز في الميزان التّجاري،
اإلدارّية الثقيلة في مستوى رئاسة ّ
أن إقناع
الدعوة إلى التغيير والتّطوير في شتّى المجاالت .فمعلوم ّ
المتلقّي بمساندة أطروحة هوالند في ّ
الدفاع عن
بصحتها و ّ
ّ معينة ،واستدراجه إلى التّسليم
الكلمات" هو تهيئة المتلقّي للقبول بوجهة نظر ّ
ًّ
وجدانيا مع طرح دون آخر. وضمان استتباعه الذي ال يكون إالّ عبر إقناعه ذهنيًّا وكسب تعاطفه
62
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
السياسية
ّ قصدية ِ
الحجاج في المناظرة ّ ثام انا:
عدة لع ّل
لغوية ذات مقاصد ّ
اصلية ،ورسالة ّ
خطابا بر ًيئا ،بل هي واقعة تو ّ
ً السياسية
ّ ليست المناظرة
النحو
المتقبل ،وتفصيل القول في ذلك على ّ
ّ أهمها إحداث التفاعل واالستقطاب واالستجابة ألفق انتظار
ّ
التالي:
.1إحداث التفاعل
تتقصد إثارة
ّ المجادلين فحسب ،بل
ْ المتنافسين
ْ تؤسس للتفاعل بين
واختالل أحكامه .وبذلك فالمناظرة ال ّ
النفس اللّغوي
المتقبل ،وتأخذ من علم ّ
ّ نفسية
خطابية تستبطن ّ
ّ جيات
واإليهام بتحقيق أحالمه هي إستراتي ّ
الحجة
ّ أن اختيار اللّغة ،ونظم العبارة ،ورصف
النفس االجتماعي بطرف آخر ،باعتبار ّ
بطرف ،ومن علم ّ
الناخبين
استباقية لرغبات الجماعة /الهدف وحاجياتها ،ولمشاغل ّ
ّ واصطفاء المحتوى يقوم على قراءة
بحسب ما يراه المتلقّي من فضل لمر ّشح على آخر ،وما يبدو له من توفيق لهذا في الع ْرض والبسط
63
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
واالستدالل واإلقناع وما يبدو له من فشل لذاك في الوصف والتّحليل والبرهنة واالستجابة آلفاق انتظار
السياسية.
ّ المتقبل .وبذلك فإحداث التفاعل سلبًيا أو إيجابًيا مطلب تبتغيه المناظرة
ّ
المتقبل
ّ .2االستجابة ألفق انتظار
المتقبل ،والمراد بأفق االنتظار في السياسية االستجابة ألفق انتظار يتقصد ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ ّ
الرغبات والطّلبات والطموحات والهواجس والحاجيات التي تسكن ذهن المخاطب وتشغل
مقامنا هذا مجموع ّ
بمستجداته
ّ المنفتح على هموم الناس وعلى أحالمهم ،والواعي بطاقاتهم ،وقدراتهم ،والمنتمي إلى عصرهم
جاجي في المتعددة" ،فاالستجابة ألفق انتظار المتقبل تتجاوز مجرد إحداث التّأثير ِ
الح ّ وتحدياته
ّ المختلفة
ّ ّ ّ
ووجدانا".80
ً فكر
الجمهور إلى االتّحاد مع هذا الجمهور ًا
نسيين،
لذلك حرص ك ّل من ساركوزي وهوالند على الظهور في موقع الشخص القريب من الفر ّ
المسكون بمشاغلهم ،والعليم بماضيهم وحاضرهم ،والمستشرف مستقبلهم .فقد داعب المتر ّشحان في
اقتصادية أفضل ،والتطلع إلى دخل فردي أحسن ،والحلم ببلد جمهوري
ّ الرغبة في تنمية
المتقبلينّ ،
ّ جمهور
العلمانية
ّ الهوية
ّ التنافسية والمحافظة على
ّ والتفاوت الطبقي بين األغنياء والفقراء ،ومشكالت الهجرة و
النفوس
إيجابية ألنصارهما وغير أنصارهما قصد بعث الطمأنينة في ّ
ّ للناس ،ويرسالن رسائل
والجمعي ّ
64
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
ويكد في تمثّل حاجياته ورغباته وأحالمه ليكون في مستوى آمال المواطنين وفي مستوى آفاق
ّ المتلقّي
انتظاراتهم.
.3االستقواب
يستمد
ّ بدا من خالل متابعتنا لمناظرة هوالند وساركوزي ّأننا إزاء مشروعين مختلفين :مشروع
المستقبل ،فبذلك فنحن إزاء قطبين متناظرين متعارضين .وك ّل قطب يروم اصطفاف الجمهور حوله
قوة
آليات البيان والبرهان قصد استتباع أكبر عدد ممكن من المناصرين المحتملين الذين يعتبرون ّ
ويوظّف ّ
وجرى فتح األزمنة بعضها على بعض من الماضي فالحاضر فاستشراف المستقبل ،واستدعيت الحجج
تحويلية بامتياز
ّ ك إلى اليقين ومن الحياد إلى االنحياز .وبهذا ،فللّغة في المناظرة السياسّية وظيفة
الش ّ
باعتبارها تروم استدراج المتلقّي من موقف إلى آخر ،فهي تسعى لتبديل قناعاته المسبقة وأحكامه الجاهزة
األحادية للواقع ،وتفتح ذهنه على معطيات وجوانب جديدة من صورة الموجود والمنشود .والغاية
ّ وتصوراته
ّ
نصير ألحد
ًا منحاز للطّرف المقابل ،فيصبح
ًا محايدا أو
ً ليكف عن كونه
ّ استمالة المتلقّي واستقطابه
ب /الهدف إلى منافح عن المتنافسين ،مقتنعا ببرنامجه السياسي ومساره ِ
يتحول المستقط ُ
ّ الحجاجي ،بل ً
وتبنيه وااللتحاق
داعيا اآلخرين إلى تمثّله ّ
ناشر محامل مشروعهً ،
معينً ،ا
فكرة ما ومدافع عن ّتيار سياسي ّ
65
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
السياسية األبرز.
ّ االستقطاب غاية المناظرة
استنتاجات
النظر في إستراتيجيات ِ
الحجاج في مناظرة فرانسوا هوالند ونيكوال ساركوزي إلى نخلص من خالل ّ
ّ
النتائج التّالية:
إثبات ّ
األغلبية يختار من يحكمه ،والحاكم ال يحكم بأمره أو على هواه ،وال يمارس
ّ المواطنين؛ فال ّشعب ممثّ ًال في
للقضاء -األحزاب -المعارضة) ووفق ما يتطلبه السلوك السياسي الديمقراطي في الدولة الجمهورّية ،وبذلك
الخارجية
ّ نسيين ،وبدا االهتمام بالسياسة
تعلّقت المناظرة في أغلب ردهاتها بالشأن الداخلي لعموم الفر ّ
ًّ
عرضي ا ،وكان استحضارها على سبيل االهتمام بواقع المواطن الفرنسي ومستقبله ،فالحديث عن موقع
نسيين المحتجزين لدى تنظيم القاعدة في المغرب اإلسالمي ،كلّها مسائل تتعلّق بالشأن الوطني
الفر ّ
66
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
اطية
مقدمتها الديمقر ّ
اطيات الحديثة ،وفي ّ
الديمقر ّ
األول في ّ
ئاسية ،فاإلنسان كائن ُيولى له االعتبار ّ
الر ّ
مهمتهم
وتبعّ ،
الدول العر ّبية التي ال تازل تعامل مواطنيها على ّأنهم رعايا ّ
نسية على خالف الكثير من ّ
الفر ّ
البراقة والعبارات
لم تكن المناظرة لحظة استعراض مجاني للقدرة على صوغ الكالم الجميل واالستعارات ّ
وتصوراته وبيان مدى تهافتها مع صحتها ،ونقد سياسات خصمه ِ
ّ مقترحاته وطرح برامجه والحجاج على ّ
للتدبر واالختيار.
العام ،وهو ما يتيح للمواطن الفرصة ّ
حول قضايا الشأن ّ
السياسية في المناظرة مشروع بحث ،ومدار تف ّكر ،فهي أبعد ما تكون عن المنجز المعرفي
ّ بدت الخيارات
يصا على الظهور في مظهر الرئيس المسؤول ،وفي صورة رجل فرنسا
كان ساركوزي خالل المناظرة حر ً
وتمرسه بشؤون
القوي القادر على تمثّل مشاكل البلد ،وتحقيق طموحات مواطنيه بحكم خبرته بالرئاسة ّ
ّ
النفس
الدفاع عن ّ
على نهجه في معالجة القضايا الشائكة في بالده .كما غلبت على خطابه لهجة ّ
الناس عنه.
وصرف ّ
64
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
شيئا من
الناس بمناصرته ،وأضفى عليه ً
حد ما ،وهو ما أغرى ّ
مع تقديم البرامج البديلة الواضحة إلى ّ
كرسي اإلليزيه.
ّ مهم في اعتالئه
والحضور دور ّ
لخلفية
ّ حمال
ثقافي جدال ّي مرّكب ّ خطابا استعر ًّ
اضيا أو بر ًيئا ،بل هي نتاج ً السياسية
ّ ليست المناظرة
ّ
وقصدية بامتياز.
ّ يديولوجية
ّ أ
السياسية على تعداد الحجج وبسط البرامج واستدعاء أقطار الكالم وأسباب
ّ يتأسس الخطاب في المناظرة
ّ
لسياسية يروم التأسيس للذات عبر تبدى من خالل مناظرة ساركوزي وهوالند أن ِ
الحجاج في المناظرة ا ّ
ّ ّ
المتقبل.
ّ مخصوصة يتوقّف على انتظامها ووضوحها مدى التأثير المتوقّع في
العام.
تشرع لسلوك االختالف في تقويم قضايا ال ّشأن ّ
مجال األفكار ،فهي ّ
62
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
السياسة.
السياسة ورجاالت ّ
بالتعددية ،ويرفع القداسة عن ّ
ّ وبناء يؤمن
جمعي ناقد ّ
ّ صوغ عقل
81
الدولة
الفاعل في بناء ّ اطية التّفكير والتّعبير ،ولضمان إرساء معالم "المجتمع المواطني"
لتكريس ديمقر ّ
المستنيرة المنشودة.
السنوات القادمة.
هذا سؤال آخر تجيب عنه ّ
62
بي لألبحاث ودراسة السياسات
ّ المركز العر
المصادر والمراجع
مصادر المناظرة:أوالا
:الروابط التّالية
ّ
http://www.dailymotion.com/video/xqjsal_debat-hollande-sarkozy-
integral_news
http://www.dailymotion.com/video/xqjtba_debat-hollande-sarkozy-
integral-2_news
http://www.dailymotion.com/video/xqjuce_debat-hollande-sarkozy-
integral-3_news
الروابط
ّ الرئاسة بين نيكوال ساركوزي وفرانسوا هوالند على
ّ النسخة المرقونة لمناظرة التنافس على
ّ
:نسية
ّ الفرLe Monde التّالية في موقع صحيفة لوموند
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/sarkozy-hollande-le-compte-rendu-integral-du-
debat-theme-par-theme_1694802_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/02/le-
compte-rendu-integral-du-debat-propos-liminaires-et-
chomage_1694431_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-
deficits_1694444_1471069.html
41
السياسية إستراتيجيات ِ
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-2012/article/2012/05/03/le-
compte-rendu-integral-du-debat-depenses-publiques-education-europe-
partie-3_1694458_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-du-debat-immigration-
partie-4_1694472_1471069.html
http://www.lemonde.fr/election-presidentielle-
2012/article/2012/05/03/compte-rendu-integral-du-debat-nucleaire-
institutions-politique-etrangere-partie-5_1694483_1471069.html
العربية
ّ ثانيا :المصادر والمراجع
ابن منظور ،جمال الدين ،لسان العرب (بيروت :دار صادر.)2991 ،
الدين،
الدين ،لسان العرب ،مراجعة وتدقيق يوسف البقاعي ،إبراهيم شمس ّ
ابن منظور ،جمال ّ
الجاحظ ،أبو عثمان عمرو بن بحر ،البيان والتبيين ،تحقيق عبد السالم هارون (القاهرة :مكتبة
الخانجي ،د.ت.).
الجرجاني ،الشريف ،التعريفات ،تحقيق إبراهيم األبياري (بيروت :دار اللّسان العربي.)2991 ،
محمد مرتضى الحسيني ،تاج العروس من جواهر القاموس ،تحقيق عبد الحليم
ّ الزبيدي،
ّ
40
بي لألبحاث ودراسة السياسات
المركز العر ّ
مصنف في ِ
الحجاج -الخطابة ّ صولة ،عبد اهللِ ،
"الحجاج :أطره ،منطلقاته وتقنياته من خالل
أهم ِ
صمود (مشرف) ،فريق البحث في البالغة والحجاجّ ،
حمادي ّ
الجديدة لبرلمان وتيتيكان" ،فيّ :
وزو ،المدينة
(تيزي ّ
العشي ،عبد اهلل ،زحام الخوابات ،مدخل توبيقي ألشكال الخوابات بواسوة ّ
البالغية
ّ الغرافي ،مصطفى" ،البالغة واأليديولوجيا :بحث في العالقة الملتبسة بين المعرفة
مجلّة اآلداب واللّغات ،العدد ( 4ورقلة :جامعة قاصدي مرباح ،آذار /مارس .)1008
اكيين ،هل
وحدة تحليل السياسات ،المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات" ،بعد فوز االشتر ّ
42
السياسية ِ إستراتيجيات
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
األجنبية
ّ المراجع: ثالثاا
Mayer, Robert, How to win any argument (New Jersey: Career press,
Franklin Lakes, 2005).
43
بي لألبحاث ودراسة السياسات
ّ المركز العر
Perelerman, Chaîm et Lucie Olbrechts-Tyteca, Traité de l’argumentation-
la nouvelle rhétorique, pré face de Michel Mayer, 5ème édition (Bruxelles:
éditions de l’université de Bruxelles, 1992).
اإللكترونية
ّ المراجع:ابعا
را
مركز،الدوحة
ّ ،" بين االستم اررّية والتّغيير... "سياسة فرنسا في عهد هوالند،عبد النور بن عنتر
http://studies.aljazeera.net/reports/2012/05/201257132039483995.htm
http://www.dohainstitute.org/Gallery/1/0
44
السياسية ِ إستراتيجيات
الحجاج في المناظرة
ّ ّ
http://www.youtube.com/watch?v=mal4N8MCtCw
هل، "بعد فوز االشتراكيين، المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،وحدة تحليل السياسات
http://www.dohainstitute.org/release/16102c1c-9b55-4a96-988a-
0fe24f3e1c54
http://www.elysee.fr/
http://www.gouvernement.fr/
http://www.france.fr/
http://www.legifrance.gouv.fr
45