Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫يتحدّد‪ ‬المعنى األول للمجتمع المدني ‪ ،‬في مقابل ما هو ديني ‪ .

‬ففي كثير من األدبيات ‪ ،‬تستعمل‬


‫‪ $‬كلفظتين متقابلتين ‪ .‬فنقول على سبيل المثال ‪ :‬السلطة المدنية ‪ ،‬السلطة‬ ‫لفظتا الديني والمدني‬
‫الدينية ؛ الدولة المدنية ‪ ،‬الدولة الدينية ‪ .‬في هذه الحالة يبدو أن معنى المدني يتطابق إلى حدّ ما‬
‫‪ $‬كليًا ‪.‬‬
‫مع معنى الدنيوي دون أن يكون هذا التطابق‬
‫‪ ‬‬
‫وكذلك يتميّز المدني ‪ ،‬وهذا وارد في كلّ األدبيات االجتماعية والسياسية ‪ ،‬عن العسكري ‪،‬‬
‫فالمدني يستعمل في كثير من الحاالت في مقابل العسكري ‪ ،‬فنقول على سبيل المثال ‪ :‬السِّلك‬
‫‪ ، $‬السلوك‬‫العسكري ‪ ،‬السِّلك المدني ؛ الثياب العسكرية ‪ ،‬الثياب المدنية ؛ السلوك العسكري‬
‫المدني ؛ حكومة عسكرية ‪ ،‬حكومة مدنية ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ،‬ما هو الهام والجوهري في هذا المجال ؟ إنه مكنون ومطروح ليس فقط في مجرّد التقابل‬
‫‪$‬‬
‫‪ ، $‬على صعيد آخر ‪ ،‬بل في المشترك‬ ‫بين المدني والديني ‪ ،‬على صعيد ‪ ،‬وبين المدني والعسكري‬
‫في ما بين هذين التمييزين ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬عن العسكري ؟ إنه يحاول أن يخرجه‬ ‫ماذا يفعل العقل عندما يميّز المدني عن الديني ‪ ،‬والمدني‬
‫من نظام سلطة محدّد وأن يضعه في مقابل سلطة معينة ‪ :‬النظام الديني والسلطة الدينية ‪ ،‬أو‬
‫النظام العسكري والسلطة العسكرية ‪.‬‬
‫‪ $‬بنظام سلطة محدّد ‪ ،‬ال بمعنى أنه ال يوجد سلطة في‬ ‫‪ $‬من دون ارتباط‬ ‫يظهر المدني وكأنه موجود‬
‫المجتمع المدني ‪ ،‬بل بمعنى أن المجتمع المدني في حدّ ذاته ال يقوم على نظام سلطة محدّد ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومن هنا نتدرّج إلى تمييزين آخرين ‪ ،‬وأعني بهما التمييز بين المدني والسياسي ‪ ،‬ثم بين المدني‬
‫‪ $‬المجتمع المدني ‪ ،‬يجب أن نقود عملية‬‫‪ $‬ماهية المدني ‪ ،‬وبالتالي‬
‫واألهلي ‪ .‬فإذا أردنا أن نحصر‬
‫‪ $‬عمّا يخالطه أو يداخله‬
‫‪ $‬مقوّمات المدني ونميزها‬‫التجريد إلى هذا المستوى حتى ندرك بشكل دقيق‬
‫أو يتفاعل معه ‪ ،‬من سياسي ‪ ،‬من جهة ‪ ،‬ومن أهلي ‪ ،‬من جهة أخرى ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫المجتمع المدني يتميز عن المجتمع السياسي وال يتطابق معه على اإلطالق ‪ ،‬والمجتمع األهلي‬
‫يتميّز عن المجتمع المدني وال يتطابق معه على اإلطالق ‪ .‬هذه هي نتيجة عملية التجريد في‬
‫‪ . $‬وهي ال تنفي إطالقًا أن يكون ثمة قطاعات مشتركة ناتجة من تفاعل هذه‬
‫حدّها األقصى‬
‫‪ $‬مع المجتمع األهلي ‪،‬‬
‫‪ ، $‬والمجتمع السياسي‬
‫المجتمعات ‪ ،‬المجتمع المدني مع المجتمع السياسي‬
‫والمجتمع المدني مع المجتمع األهلي ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬يدور على مجموعة من العالقات المنظّمة بين الحاكم‬
‫‪ ، $‬إن جوهر المجتمع السياسي‬‫باختصار‬
‫‪ ) $‬وذلك في إطار االنتماء‬
‫والمحكومين في إطار دولة معينة ‪ .‬إنه نظام حقوقي ( حقوق وواجبات‬
‫‪ $‬عالقات سياسية ‪ ،‬عالقات حاكم بمحكوم وعالقات‬ ‫إلى دولة معينة ‪ .‬فالعالقات هنا هي بالضبط‬
‫محكوم بحاكم ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وفي هذا اإلطار ‪ ،‬تنطرح مفاهيم كثيرة منها ما يتداخل في كثير من األذهان مع مفهوم الحياة‬
‫المدنية والتربية المدنية ‪ .‬فالمواطن – في نظر بعض الباحثين – مقولة سياسية خاصة تندرج في‬
‫‪ $‬متميّزة‬
‫‪ $‬وليست بالضرورة متطابقة مع عناصر المجتمع المدني كعناصر‬ ‫إطار الوجود السياسي‬
‫عن غيرها ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬إلى معنى األهل واالرتباطات المختلفة‬‫أما المجتمع األهلي ‪ ،‬فإنه يتحدّد ‪ ،‬عن طريق الرجوع‬
‫الناشئة على أساسه أو في سياقه ‪ ،‬بأنه المجتمع القائم على نظام عالقات القُربى بمعناها الواسع‬
‫الذي يمتدّ من العائلة الصغيرة حتى القبيلة ويستوعب في امتداده عنصر الجوار والجيران ‪ .‬إن‬
‫‪ $‬المجتمع باعتباره مجتمعًا‬‫نظام عالقات القُربى ‪ ،‬على اختالف تدرّجاته ودوائره ‪ ،‬يشكّل قوام‬
‫أهليًا ‪.‬‬
‫‪ $‬بنشوئه وتكوينه وتطوّره بظاهرة المدينة بمعناها‬‫أما المجتمع المدني ‪ ،‬فإنه مجتمع مرتبط‬
‫‪ ، $‬على هذا األساس وبهذا االعتبار ‪ ،‬على مجموعة من العالقات التعاملية‬ ‫الوضعي العام ‪ ،‬ويقوم‬
‫‪ ،‬االجتماعية واالقتصادية والثقافية ‪ ،‬المتولّدة من المبادرات والنشاطات الفردية في تنظيمات‬
‫مؤطَّرة لها في وضعية تاريخية معينة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذا هو جوهر المجتمع المدني ‪ :‬مجموعة من العالقات التعاملية التي تقوم بين أفراد المدينة ‪،‬‬
‫‪ . $‬هذه العالقات هي‬ ‫‪ $‬الجغرافي لتكوينها‬‫بالمعنى الواسع لكلمة مدينة ‪ ،‬انطالقًا من المستوى‬
‫‪$‬‬
‫اقتصادية ‪ ،‬ثقافية ‪ ،‬اجتماعية ‪ ..‬الخ مبنية على حرية المبادرات لدى الكيانات الفردية التي تنتظم‬
‫‪ $‬إطار مؤسّسات وتنظيمات‬ ‫بشكل أو بآخر في سلوكيات غير عنيفة ‪ ،‬أي سلمية ومهذبة ‪ ،‬وفي‬
‫تعبّر عن مصالحها وعن تطلّعاتها وتجعل للمجتمع المدني خصوصية وفاعلية قائمتين في‬
‫المجتمع الشامل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬العامة التي يمكن أن نلجأ إليها لتحديد معالم المجتمع المدني ؟‬
‫فما هي الرموز‬
‫‪ $‬في إطار مقوّمات جوهرية ‪ ،‬يمكننا أن نشير إلى ثالثة رموز أو‬ ‫بما أن القول هنا ينحصر‬
‫ظاهرات موجودة في كل المجتمعات المدنية ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬ليس‬
‫‪ $‬بنشوء المدينة هناك شارع ‪ .‬فالشارع‬ ‫أوالً ‪ ،‬ظاهرة الشارع ‪ .‬ففي كل مجتمع مدني مرتبط‬
‫المقصود به هنا المعنى السياسي ‪ ،‬إذ يمكن أن يحمل الشارع معنى سياسيًا ‪ .‬بل المقصود به‬
‫الرمز الموضوعي للعام وللتواصل ‪ ،‬للمرور والعبور ‪ ،‬لألخذ والعطاء ‪ ،‬للحركة القائمة بين‬
‫أفراد المدينة ‪ ،‬إنه رمز المجال المفتوح ‪ ،‬لسكّان المدينة ومن يأتي إليهم ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ، $‬والسوق هنا المقصود بها ليس فقط الوجود‬ ‫‪ . $‬كل مجتمع مدني يشتمل على سوق‬ ‫ثانيًا ‪ ،‬السوق‬
‫‪ $‬الرمزي االجتماعي ‪ ،‬السوق هو هنا رمز لإلنتاج وللتبادل‬ ‫الماديّ الضيق ‪ ،‬وإنما الوجود‬
‫واالستهالك ‪ ،‬لإلنتاج على اختالف أنواعه ‪ ،‬وللتبادل التجاري على اختالف أنواعه بالجملة‬
‫‪ $‬يلعب دورًا كبيرًا في تكوين المجتمع المدني ويضع األفراد مباشرة أمام‬‫والمفرق ‪ .‬السوق‬
‫‪ $‬عملية العَرض والطلب ‪ ،‬مع‬ ‫‪ ، $‬أمام ما يسمّى في االقتصاد الرأسمالي‬
‫نشاطهم ونتائج نشاطهم‬
‫اإلشارة إلى أن هذه العملية تتَّخذ أشكاالً مختلفة بحسب المجتمعات وظروفها التاريخية ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ . $‬ال يهم هنا االسم ‪ ،‬المهم – في تقديري – هو المعنى‬
‫ثالثًا ‪ ،‬الجمعية أو المؤسسة ‪ ،‬أو التنظيم‬
‫‪ ، $‬أي لتجاوز النشاط الفردي في اتجاه‬
‫العميق ‪ .‬الجمعية هنا هي رمز للتعاون ولالستمرار‬
‫‪$‬‬
‫‪ $‬مع اآلخرين لبلوغ أهداف معينة ‪ ،‬ولالنتقال من الوجود‬ ‫التعاطي المنظّم والمستمر والمسئول‬
‫"االنكفائي" الذي يوجد فيه اإلنسان في مدينة واسعة أو في مجتمع مدني كبير لكي يقيم عالقاته‬
‫‪ $‬هذه المصالح في اتجاه‬ ‫االجتماعية في إطار تنظيمات تدافع عن نشاطه أي عن مصالحه وتؤكّد‬
‫‪ $‬اتجاه المجتمع الشامل ‪.‬‬
‫اآلخرين وفي‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬أخرى يمكن ‪ ،‬بال ريب ‪ ،‬ذكرها وتوضيح أهميتها ‪ .‬ولكن ‪ ،‬في تقديري ‪ ،‬أن هذه‬ ‫هناك رموز‬
‫الرموز الثالثة ( الشارع ‪ ،‬السوق ‪ ،‬الجمعية‪/‬المؤسسة‪/‬التنظيم ) تكفي لكي ندرك ظاهرة المجتمع‬
‫‪ $‬ومن حيث خصائصها الذاتية ‪.‬‬ ‫المدني من حيث وجودها االجتماعي الموضوعي‬
‫‪ ‬‬
‫قد يالحظ القارئ أنني ال أستعمل كلمة المجتمع المدني كترجمة مباشرة لما يقال في اللغة‬
‫اإلنجليزية ‪ .Civil society‬حيث أن لمصطلح المجتمع المدني ‪ ،‬تاريخه الخاص في المجتمعات‬
‫األوروبية ‪ ،‬وحيث يميل استخدامه على العموم إلى الجمع بين المعنى الذي أرمي إليه وبين‬
‫المعنى السياسي أو المرتبط بالسياسة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫األصل في كلمة المدني اللغة الالتينية ‪ . Civitas‬ومن هذه الكلمة ‪ ،‬جاءت كلمة ‪ .City‬وكلمة‬
‫‪ ، Civitas‬تحمل معنى المدينة وتحمل معنى المدينة الدولة ؛ وعضو المدينة الدولة هو ‪Civis‬‬
‫أي المواطن ‪ .‬وشخصيًا أميل إلى عدم استعمال مصطلح المدني ‪ ،‬وكذلك مصطلح المجتمع‬
‫‪ ، $‬تمامًا كما يقع المعنى في عبارة الحقوق المدنية في مقابل الحقوق‬
‫المدني ‪ ،‬بالمعنى السياسي‬
‫السياسية ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬االجتماعي‪.‬‬‫من جانب آخر ‪ ،‬أميل أيضًا إلى عدم حصر مصطلح المدينة بالمستوى الجغرافي‬
‫ففي الالتينية أيضًا ‪ ،‬تعبّر عن هذا المعنى كلمة ‪ ، Urbs‬ومن هذه الكلمة ‪ ،‬أتت العبارة الفرنسية‬
‫‪ ، Societe urbaine‬أي المجتمع المديني ‪ ،‬قبالة العبارة الفرنسية ‪ ، Siciete rurale‬أي‬
‫المجتمع الريفي ‪.‬‬
‫وهذه األمثلة كلها تعني أن تميّز المجتمع المدني بدقّة أمر صعب ‪ ،‬وال بدّ من وقوع تشابك بين‬
‫معناه ومعاني المجتمع السياسي والمجتمع األهلي والمجتمع الريفي ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫المجتمع المدني كما يتصوّره جملة من الباحثين هو مجتمع نوعي ‪ .‬إذا كان قد ارتبط بنشوئه‬
‫‪ $‬بإطار مدينة معيّنة ‪.‬‬
‫بالمدينة وجودًا جغرافيًا وإلى حد ما سياسيًا ‪ ،‬فليس معنى ذلك أنه محصور‬
‫‪ $‬المدني والمجتمع المدني يمكن أن يكون متحقّقًا في أي بقعة من بقاع أي بلد من البلدان‬‫فالوجود‬
‫‪ $‬نوعي ‪.‬‬ ‫من حيث إنه وجود‬
‫وكذلك المجتمع األهلي ‪ ،‬يمكنه أن يكون موجودًا في المجتمع الذي نطلق عليه اسم المجتمع‬
‫الريفي ‪ ،‬ويمكن أيضًا أن يكون موجودًا في المدينة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬المدن ‪ .‬وهي تعني اجتياح مجتمع المدينة‬ ‫هناك ظاهرة تبرز في العالم العربي ‪ ،‬أعني بها تزييف‬
‫من جهة المجتمع الريفي والمجتمع األهلي ‪ .‬أحياء المدينة تتحوّل إلى تجمّعات قروية وعائلية‬
‫وعشائرية وقبائلية ‪ ،‬ال تعرف من قيم المجتمع المدني ومؤسساته سوى القشور ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إن الفلسفة االجتماعية المطروحة اليوم تؤكد مبدأ التمييز لماهية الظاهرة المعتبرة ‪ ،‬وفي الوقت‬
‫‪ $‬األخرى المحيطة بها ‪.‬‬ ‫نفسه على مبدأ تحليل عالقات التفاعل بين هذه الظاهرة والظواهر‬
‫‪ $‬الخاصة ‪ .‬إالّ أنه‬ ‫‪ $‬االجتماعية وجودها الخاص وفاعليتها‬ ‫فالتفاعل يحفظ لكل ظاهرة من الظواهر‬
‫‪ ،‬في بنيته ‪ ،‬مفتوح على التوازن وعدم التوازن ‪ .‬فإذا كان التفاعل غير متوازن بين المجتمع‬
‫األهلي ‪ ،‬مثالً ‪ ،‬والمجتمع المدني ‪ ،‬يكون المجتمع المدني ضعيفًا جدًا ‪ ،‬ويكون الفرد متحرِّرًا‬
‫‪ $‬في‬ ‫‪ $‬ضعيفة ‪ ،‬ويصبح الوجود‬ ‫تحرّرًا ضعيفًا ‪ ،‬تكون المؤسسّات التي تؤطّر نشاطات األفراد‬
‫المدينة ‪ ،‬وفي أرجاء المدينة في ما يحيط بها ‪ ،‬مجاالً لقيم القَرابة وعالقات القَرابة والعائالت‬
‫والنفوذ العائلي ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ولكن ‪ ،‬إذا كان المجتمع المدني بالعكس متغلبًا على المجتمع األهلي ونافيًا له ‪ ،‬وهذا ما يحصل‬
‫إلى حد معين في المجتمعات الغربية حيث قضت المجتمعات المدنية على ركائز المجتمع‬
‫‪ $‬إلى نظام‬
‫اإلقطاعي الذي كان يعكس إلى حدّ كبير المجتمعات األهلية ‪ ،‬فإن االختالل يتطرّق‬
‫‪ $‬مع الوقت إلى مجتمع‬ ‫المجتمع ‪ ،‬بمعنى أن المجتمع المدني يصبح وَحده مجتمع الفرد ‪ ،‬ويتحوّل‬
‫‪ $‬الحماية واألمان والعواطف التي‬ ‫‪ $‬عن توفير‬‫‪ ، $‬تحكمه األنانية ومشاعر الوحشة ‪ ،‬ويعجز‬ ‫"متذرّر"‬
‫يتحدّث عنها هيغل (‪1831 -1770‬م) عندما يميّز بين المجتمع على مستوى العائلة وبين‬
‫‪ $‬المجتمع المدني ‪ .‬فكل هذه الجوانب التي تؤمّنها المجتمعات األهلية‬
‫المجتمع على مستوى‬
‫بوصفها مجتمعات عائلية تختلّ ‪ ،‬وال أقول تزول كليًا ‪ ،‬ألننا لم نحصل حتى اآلن ‪ ،‬وال أعتقد أننا‬
‫سوف نحصل في المستقبل على حالة من هذا النوع ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫والخلل األكبر يحصل عندما يختلّ التوازن والتفاعل التوازني بين المجتمع المدني والمجتمع‬
‫السياسي ‪ ،‬أي عندما تصبح الدولة وأجهزة الدولة ( الحكومات وأجهزتها في كل ما تعنيه‬
‫الحكومة من قدرات ومن تنظيم ومن إمكان امتداد على مستوى المجتمع بكامله ) عندما تصبح‬
‫السلطة السياسية متحكّمة بقوى االجتماع المدني ‪ ،‬مسيّرة له ‪ ،‬نافية للمبادرات الفردية والنشاطات‬
‫‪ $‬يحصل التقدّم االقتصادي‬
‫االجتماعية الحرّة التي يمكن أن تنشأ عفويًا وعقالنيًا ‪ ،‬والتي بواسطتها‬
‫والثقافي أساسًا ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫النقطة األخيرة في هذه المقالة وهي تتعلّق بالمجتمع المدني كقيمة ‪ .‬قلنا في بداية الحديث إن‬
‫المجتمع المدني ظاهرة نحاول أن نحلّلها فلسفيًا على صعيد كوني ‪ .‬ولكنها ‪ ،‬كظاهرة كونية ‪،‬‬
‫‪ $‬كظاهرة تاريخية ‪ .‬وما معنى ذلك ؟‬ ‫تفرض علينا أن نتناولها‬
‫‪ ‬‬
‫‪ . $‬فال يوجد مجتمع مدني‬ ‫معناه أنها متكونة في التاريخ بوساطة تفاعل المجتمعات التي ذكرتها‬
‫واحد يختزل ذلك التفاعل في صورة واحدة وحيدة ‪ .‬هناك ‪ ،‬إذن مجتمعات مدنية متشكّلة على‬
‫‪ $‬والمجتمع‬‫سطح األرض نتيجة للتفاعالت التي حصلت ما بين المجتمع الديني والمجتمع العسكري‬
‫‪ $‬هذه المجتمعات ‪ ،‬وهي تفاعالت مختلفة بالضرورة من‬ ‫السياسي والمجتمع األهلي وتبعًا لظروف‬
‫منطقة إلى منطقة ‪ ،‬من تاريخ إلى تاريخ ‪ ،‬من شعب إلى شعب ‪ ،‬ومن حضارة إلى حضارة ‪.‬‬
‫وهذا يؤدي بنا بالضرورة إلى إستراتيجية تاريخية تأخذ في الحسبان التفارق الحاصل في‬
‫المسارات التاريخية بين الحضارات ‪ ،‬لجهة تكوين مجتمعاتها السياسية ‪ .‬وهنا ينفتح الباب‬
‫‪ $‬ما‬
‫‪ $‬العيني الذي يؤكد ‪ ،‬ضمن الماهية العامة لمفهوم المدني ‪ ،‬يؤكّد خصوصيات‬ ‫للتحليل التاريخي‬
‫هو قائم وما ينبغي أن نقوم به حتى نجعل من المجتمع المدني مجتمعًا مدنيًا فاعالً ‪ ،‬ناشطًا بحرية‬
‫في المجتمع الشامل ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫في هذا المجال ‪ ،‬أقترح التفكير في ثالث وسائل كبرى على األقل لتحقيق المجتمع المدني ‪ ،‬لقويته‬
‫حيث هو قائم إلى حدّ ما ‪ ،‬وتطويره حيث ينبغي تطويره ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هناك التربية المدنية ‪ ، ،‬وهي موضوع كبير في علوم التربية ال نهتمّ به كثيرًا ‪ .‬وإذا فعلنا ‪ ،‬فإننا‬
‫نهتمّ به في سياق اعتبارات مختلفة ‪ ،‬بعضها آت من الفلسفة الغربية التي تمزج ‪ ،‬وهذا غير‬
‫‪ $‬اآلخر مرتبط باألوضاع‬ ‫صحيح في تقديري ‪ ،‬بين التربية المواطنية والتربية المدنية ‪ ،‬وبعضها‬
‫‪ $‬منها االعتبارات األيديولوجية القُطرية أو‬ ‫والظروف المحلية التي تتالعب بالحكم عليها والموقف‬
‫القومية أو غيرها ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إننا هنا أمام باب واسع من البحث ‪ ،‬ينبغي أن نفتحه للعلوم التربوية لكي تشارك في عملية تنمية‬
‫البرامج الضرورية في التربية المدنية وتطويرها لتحقيق المجتمع المدني ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪$‬‬
‫ثم هناك وسيلة أخرى ينبغي أن نستعملها لكي نحقق المجتمع المدني ‪ ،‬أعني تفعيل المؤسسات‬
‫‪ $‬والجماعات المتفاعلة في إطار المجتمع الشامل ‪،‬‬
‫والتنظيمات الحرّة المدافعة عن مصالح األفراد‬
‫وذلك ‪ ،‬طبعًا ‪ ،‬في إطار القوانين التي تسنها الدولة ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬هذا التنظيم‪.‬‬
‫‪ $‬عام ‪ .‬والدولة هي المسئولة عن توفير‬
‫‪ $‬المجتمع المدني من تنظيم‬
‫ال بد لمؤسسات‬
‫فكيف تقوم بهذه المهمة ؟‬
‫‪ ‬‬
‫هنا يتضح لنا وجه من وجوه التفاعل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني ‪ .‬ذلك أن المجتمع‬
‫السياسي ينظر إلى المجتمع المدني نظرة خارجية بالنسبة إلى ماهيته ‪ ،‬ولكنه يتفاعل معه ‪ ،‬على‬
‫‪ $‬التشريعات الضرورية لتنظيم أعماله ونشاطاته ومبادراته ‪ ،‬التي تحتاج‬‫األقل ‪ ،‬في إطار توفير‬
‫على الدوام إلى مواكبة من لدن السلطة العامة في المجتمع ‪ .‬وتفعيل هذه المؤسسات ضروري‬
‫جدًا لكي يشعر المجتمع المدني باستقالليته النسبية في المجتمع الشامل وبدوره الخاص في هذا‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬من حيث مجال اإلنتاج واالستهالك والتبادل ‪.‬‬ ‫ثم هناك وسيلة أخرى ‪ ،‬وأعني بها تحرير السوق‬
‫السوق ينبغي أن يعود بكامله ‪ ،‬أو في مجمله ‪ ،‬إلى المجتمع المدني ‪ .‬هنا التحدِّي ‪ .‬هنا مجال‬
‫العطاء ‪ .‬هنا مجال التنافس والتقدم ‪ ،‬اقتصاديًا وثقافيًا ‪ ،‬إعالميًا وتربويًا ‪ ،‬إقليميًا ووطنيًا ‪..‬الخ ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ $‬وحقوق المجتمع‬‫‪ $‬حقوق المجتمع السياسي‬‫‪ $‬مدروسة ‪ ،‬تحترم‬
‫وينبغي أيضًا أن يتم ذلك بشروط‬
‫‪ $‬من كل ما يفرض عليها من الخارج من اعتبارات ومن قيم تشلّ‬
‫األهلي ‪ ،‬وتصون تحريرها‬
‫‪$‬‬
‫‪ $‬في الحياة االجتماعية على مختلف المستويات وفي‬
‫فاعليتها الخاصة وتؤدِّي إلى جمود وركود‬
‫مختلف القطاعات ‪.‬‬

You might also like