يتحدّد المعنى األول للمجتمع المدني ،في مقابل ما هو ديني .
ففي كثير من األدبيات ،تستعمل
$كلفظتين متقابلتين .فنقول على سبيل المثال :السلطة المدنية ،السلطة لفظتا الديني والمدني الدينية ؛ الدولة المدنية ،الدولة الدينية .في هذه الحالة يبدو أن معنى المدني يتطابق إلى حدّ ما $كليًا . مع معنى الدنيوي دون أن يكون هذا التطابق وكذلك يتميّز المدني ،وهذا وارد في كلّ األدبيات االجتماعية والسياسية ،عن العسكري ، فالمدني يستعمل في كثير من الحاالت في مقابل العسكري ،فنقول على سبيل المثال :السِّلك ، $السلوكالعسكري ،السِّلك المدني ؛ الثياب العسكرية ،الثياب المدنية ؛ السلوك العسكري المدني ؛ حكومة عسكرية ،حكومة مدنية . ولكن ،ما هو الهام والجوهري في هذا المجال ؟ إنه مكنون ومطروح ليس فقط في مجرّد التقابل $ ، $على صعيد آخر ،بل في المشترك بين المدني والديني ،على صعيد ،وبين المدني والعسكري في ما بين هذين التمييزين . $عن العسكري ؟ إنه يحاول أن يخرجه ماذا يفعل العقل عندما يميّز المدني عن الديني ،والمدني من نظام سلطة محدّد وأن يضعه في مقابل سلطة معينة :النظام الديني والسلطة الدينية ،أو النظام العسكري والسلطة العسكرية . $بنظام سلطة محدّد ،ال بمعنى أنه ال يوجد سلطة في $من دون ارتباط يظهر المدني وكأنه موجود المجتمع المدني ،بل بمعنى أن المجتمع المدني في حدّ ذاته ال يقوم على نظام سلطة محدّد . ومن هنا نتدرّج إلى تمييزين آخرين ،وأعني بهما التمييز بين المدني والسياسي ،ثم بين المدني $المجتمع المدني ،يجب أن نقود عملية $ماهية المدني ،وبالتالي واألهلي .فإذا أردنا أن نحصر $عمّا يخالطه أو يداخله $مقوّمات المدني ونميزهاالتجريد إلى هذا المستوى حتى ندرك بشكل دقيق أو يتفاعل معه ،من سياسي ،من جهة ،ومن أهلي ،من جهة أخرى . المجتمع المدني يتميز عن المجتمع السياسي وال يتطابق معه على اإلطالق ،والمجتمع األهلي يتميّز عن المجتمع المدني وال يتطابق معه على اإلطالق .هذه هي نتيجة عملية التجريد في . $وهي ال تنفي إطالقًا أن يكون ثمة قطاعات مشتركة ناتجة من تفاعل هذه حدّها األقصى $مع المجتمع األهلي ، ، $والمجتمع السياسي المجتمعات ،المجتمع المدني مع المجتمع السياسي والمجتمع المدني مع المجتمع األهلي . $يدور على مجموعة من العالقات المنظّمة بين الحاكم ، $إن جوهر المجتمع السياسيباختصار ) $وذلك في إطار االنتماء والمحكومين في إطار دولة معينة .إنه نظام حقوقي ( حقوق وواجبات $عالقات سياسية ،عالقات حاكم بمحكوم وعالقات إلى دولة معينة .فالعالقات هنا هي بالضبط محكوم بحاكم . وفي هذا اإلطار ،تنطرح مفاهيم كثيرة منها ما يتداخل في كثير من األذهان مع مفهوم الحياة المدنية والتربية المدنية .فالمواطن – في نظر بعض الباحثين – مقولة سياسية خاصة تندرج في $متميّزة $وليست بالضرورة متطابقة مع عناصر المجتمع المدني كعناصر إطار الوجود السياسي عن غيرها . $إلى معنى األهل واالرتباطات المختلفةأما المجتمع األهلي ،فإنه يتحدّد ،عن طريق الرجوع الناشئة على أساسه أو في سياقه ،بأنه المجتمع القائم على نظام عالقات القُربى بمعناها الواسع الذي يمتدّ من العائلة الصغيرة حتى القبيلة ويستوعب في امتداده عنصر الجوار والجيران .إن $المجتمع باعتباره مجتمعًانظام عالقات القُربى ،على اختالف تدرّجاته ودوائره ،يشكّل قوام أهليًا . $بنشوئه وتكوينه وتطوّره بظاهرة المدينة بمعناهاأما المجتمع المدني ،فإنه مجتمع مرتبط ، $على هذا األساس وبهذا االعتبار ،على مجموعة من العالقات التعاملية الوضعي العام ،ويقوم ،االجتماعية واالقتصادية والثقافية ،المتولّدة من المبادرات والنشاطات الفردية في تنظيمات مؤطَّرة لها في وضعية تاريخية معينة . هذا هو جوهر المجتمع المدني :مجموعة من العالقات التعاملية التي تقوم بين أفراد المدينة ، . $هذه العالقات هي $الجغرافي لتكوينهابالمعنى الواسع لكلمة مدينة ،انطالقًا من المستوى $ اقتصادية ،ثقافية ،اجتماعية ..الخ مبنية على حرية المبادرات لدى الكيانات الفردية التي تنتظم $إطار مؤسّسات وتنظيمات بشكل أو بآخر في سلوكيات غير عنيفة ،أي سلمية ومهذبة ،وفي تعبّر عن مصالحها وعن تطلّعاتها وتجعل للمجتمع المدني خصوصية وفاعلية قائمتين في المجتمع الشامل . $العامة التي يمكن أن نلجأ إليها لتحديد معالم المجتمع المدني ؟ فما هي الرموز $في إطار مقوّمات جوهرية ،يمكننا أن نشير إلى ثالثة رموز أو بما أن القول هنا ينحصر ظاهرات موجودة في كل المجتمعات المدنية . $ليس $بنشوء المدينة هناك شارع .فالشارع أوالً ،ظاهرة الشارع .ففي كل مجتمع مدني مرتبط المقصود به هنا المعنى السياسي ،إذ يمكن أن يحمل الشارع معنى سياسيًا .بل المقصود به الرمز الموضوعي للعام وللتواصل ،للمرور والعبور ،لألخذ والعطاء ،للحركة القائمة بين أفراد المدينة ،إنه رمز المجال المفتوح ،لسكّان المدينة ومن يأتي إليهم . ، $والسوق هنا المقصود بها ليس فقط الوجود . $كل مجتمع مدني يشتمل على سوق ثانيًا ،السوق $الرمزي االجتماعي ،السوق هو هنا رمز لإلنتاج وللتبادل الماديّ الضيق ،وإنما الوجود واالستهالك ،لإلنتاج على اختالف أنواعه ،وللتبادل التجاري على اختالف أنواعه بالجملة $يلعب دورًا كبيرًا في تكوين المجتمع المدني ويضع األفراد مباشرة أماموالمفرق .السوق $عملية العَرض والطلب ،مع ، $أمام ما يسمّى في االقتصاد الرأسمالي نشاطهم ونتائج نشاطهم اإلشارة إلى أن هذه العملية تتَّخذ أشكاالً مختلفة بحسب المجتمعات وظروفها التاريخية . . $ال يهم هنا االسم ،المهم – في تقديري – هو المعنى ثالثًا ،الجمعية أو المؤسسة ،أو التنظيم ، $أي لتجاوز النشاط الفردي في اتجاه العميق .الجمعية هنا هي رمز للتعاون ولالستمرار $ $مع اآلخرين لبلوغ أهداف معينة ،ولالنتقال من الوجود التعاطي المنظّم والمستمر والمسئول "االنكفائي" الذي يوجد فيه اإلنسان في مدينة واسعة أو في مجتمع مدني كبير لكي يقيم عالقاته $هذه المصالح في اتجاه االجتماعية في إطار تنظيمات تدافع عن نشاطه أي عن مصالحه وتؤكّد $اتجاه المجتمع الشامل . اآلخرين وفي $أخرى يمكن ،بال ريب ،ذكرها وتوضيح أهميتها .ولكن ،في تقديري ،أن هذه هناك رموز الرموز الثالثة ( الشارع ،السوق ،الجمعية/المؤسسة/التنظيم ) تكفي لكي ندرك ظاهرة المجتمع $ومن حيث خصائصها الذاتية . المدني من حيث وجودها االجتماعي الموضوعي قد يالحظ القارئ أنني ال أستعمل كلمة المجتمع المدني كترجمة مباشرة لما يقال في اللغة اإلنجليزية .Civil societyحيث أن لمصطلح المجتمع المدني ،تاريخه الخاص في المجتمعات األوروبية ،وحيث يميل استخدامه على العموم إلى الجمع بين المعنى الذي أرمي إليه وبين المعنى السياسي أو المرتبط بالسياسة . األصل في كلمة المدني اللغة الالتينية . Civitasومن هذه الكلمة ،جاءت كلمة .Cityوكلمة ، Civitasتحمل معنى المدينة وتحمل معنى المدينة الدولة ؛ وعضو المدينة الدولة هو Civis أي المواطن .وشخصيًا أميل إلى عدم استعمال مصطلح المدني ،وكذلك مصطلح المجتمع ، $تمامًا كما يقع المعنى في عبارة الحقوق المدنية في مقابل الحقوق المدني ،بالمعنى السياسي السياسية . $االجتماعي.من جانب آخر ،أميل أيضًا إلى عدم حصر مصطلح المدينة بالمستوى الجغرافي ففي الالتينية أيضًا ،تعبّر عن هذا المعنى كلمة ، Urbsومن هذه الكلمة ،أتت العبارة الفرنسية ، Societe urbaineأي المجتمع المديني ،قبالة العبارة الفرنسية ، Siciete ruraleأي المجتمع الريفي . وهذه األمثلة كلها تعني أن تميّز المجتمع المدني بدقّة أمر صعب ،وال بدّ من وقوع تشابك بين معناه ومعاني المجتمع السياسي والمجتمع األهلي والمجتمع الريفي . المجتمع المدني كما يتصوّره جملة من الباحثين هو مجتمع نوعي .إذا كان قد ارتبط بنشوئه $بإطار مدينة معيّنة . بالمدينة وجودًا جغرافيًا وإلى حد ما سياسيًا ،فليس معنى ذلك أنه محصور $المدني والمجتمع المدني يمكن أن يكون متحقّقًا في أي بقعة من بقاع أي بلد من البلدانفالوجود $نوعي . من حيث إنه وجود وكذلك المجتمع األهلي ،يمكنه أن يكون موجودًا في المجتمع الذي نطلق عليه اسم المجتمع الريفي ،ويمكن أيضًا أن يكون موجودًا في المدينة . $المدن .وهي تعني اجتياح مجتمع المدينة هناك ظاهرة تبرز في العالم العربي ،أعني بها تزييف من جهة المجتمع الريفي والمجتمع األهلي .أحياء المدينة تتحوّل إلى تجمّعات قروية وعائلية وعشائرية وقبائلية ،ال تعرف من قيم المجتمع المدني ومؤسساته سوى القشور . إن الفلسفة االجتماعية المطروحة اليوم تؤكد مبدأ التمييز لماهية الظاهرة المعتبرة ،وفي الوقت $األخرى المحيطة بها . نفسه على مبدأ تحليل عالقات التفاعل بين هذه الظاهرة والظواهر $الخاصة .إالّ أنه $االجتماعية وجودها الخاص وفاعليتها فالتفاعل يحفظ لكل ظاهرة من الظواهر ،في بنيته ،مفتوح على التوازن وعدم التوازن .فإذا كان التفاعل غير متوازن بين المجتمع األهلي ،مثالً ،والمجتمع المدني ،يكون المجتمع المدني ضعيفًا جدًا ،ويكون الفرد متحرِّرًا $في $ضعيفة ،ويصبح الوجود تحرّرًا ضعيفًا ،تكون المؤسسّات التي تؤطّر نشاطات األفراد المدينة ،وفي أرجاء المدينة في ما يحيط بها ،مجاالً لقيم القَرابة وعالقات القَرابة والعائالت والنفوذ العائلي . ولكن ،إذا كان المجتمع المدني بالعكس متغلبًا على المجتمع األهلي ونافيًا له ،وهذا ما يحصل إلى حد معين في المجتمعات الغربية حيث قضت المجتمعات المدنية على ركائز المجتمع $إلى نظام اإلقطاعي الذي كان يعكس إلى حدّ كبير المجتمعات األهلية ،فإن االختالل يتطرّق $مع الوقت إلى مجتمع المجتمع ،بمعنى أن المجتمع المدني يصبح وَحده مجتمع الفرد ،ويتحوّل $الحماية واألمان والعواطف التي $عن توفير ، $تحكمه األنانية ومشاعر الوحشة ،ويعجز "متذرّر" يتحدّث عنها هيغل (1831 -1770م) عندما يميّز بين المجتمع على مستوى العائلة وبين $المجتمع المدني .فكل هذه الجوانب التي تؤمّنها المجتمعات األهلية المجتمع على مستوى بوصفها مجتمعات عائلية تختلّ ،وال أقول تزول كليًا ،ألننا لم نحصل حتى اآلن ،وال أعتقد أننا سوف نحصل في المستقبل على حالة من هذا النوع . والخلل األكبر يحصل عندما يختلّ التوازن والتفاعل التوازني بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي ،أي عندما تصبح الدولة وأجهزة الدولة ( الحكومات وأجهزتها في كل ما تعنيه الحكومة من قدرات ومن تنظيم ومن إمكان امتداد على مستوى المجتمع بكامله ) عندما تصبح السلطة السياسية متحكّمة بقوى االجتماع المدني ،مسيّرة له ،نافية للمبادرات الفردية والنشاطات $يحصل التقدّم االقتصادي االجتماعية الحرّة التي يمكن أن تنشأ عفويًا وعقالنيًا ،والتي بواسطتها والثقافي أساسًا . النقطة األخيرة في هذه المقالة وهي تتعلّق بالمجتمع المدني كقيمة .قلنا في بداية الحديث إن المجتمع المدني ظاهرة نحاول أن نحلّلها فلسفيًا على صعيد كوني .ولكنها ،كظاهرة كونية ، $كظاهرة تاريخية .وما معنى ذلك ؟ تفرض علينا أن نتناولها . $فال يوجد مجتمع مدني معناه أنها متكونة في التاريخ بوساطة تفاعل المجتمعات التي ذكرتها واحد يختزل ذلك التفاعل في صورة واحدة وحيدة .هناك ،إذن مجتمعات مدنية متشكّلة على $والمجتمعسطح األرض نتيجة للتفاعالت التي حصلت ما بين المجتمع الديني والمجتمع العسكري $هذه المجتمعات ،وهي تفاعالت مختلفة بالضرورة من السياسي والمجتمع األهلي وتبعًا لظروف منطقة إلى منطقة ،من تاريخ إلى تاريخ ،من شعب إلى شعب ،ومن حضارة إلى حضارة . وهذا يؤدي بنا بالضرورة إلى إستراتيجية تاريخية تأخذ في الحسبان التفارق الحاصل في المسارات التاريخية بين الحضارات ،لجهة تكوين مجتمعاتها السياسية .وهنا ينفتح الباب $ما $العيني الذي يؤكد ،ضمن الماهية العامة لمفهوم المدني ،يؤكّد خصوصيات للتحليل التاريخي هو قائم وما ينبغي أن نقوم به حتى نجعل من المجتمع المدني مجتمعًا مدنيًا فاعالً ،ناشطًا بحرية في المجتمع الشامل . في هذا المجال ،أقترح التفكير في ثالث وسائل كبرى على األقل لتحقيق المجتمع المدني ،لقويته حيث هو قائم إلى حدّ ما ،وتطويره حيث ينبغي تطويره . هناك التربية المدنية ، ،وهي موضوع كبير في علوم التربية ال نهتمّ به كثيرًا .وإذا فعلنا ،فإننا نهتمّ به في سياق اعتبارات مختلفة ،بعضها آت من الفلسفة الغربية التي تمزج ،وهذا غير $اآلخر مرتبط باألوضاع صحيح في تقديري ،بين التربية المواطنية والتربية المدنية ،وبعضها $منها االعتبارات األيديولوجية القُطرية أو والظروف المحلية التي تتالعب بالحكم عليها والموقف القومية أو غيرها . إننا هنا أمام باب واسع من البحث ،ينبغي أن نفتحه للعلوم التربوية لكي تشارك في عملية تنمية البرامج الضرورية في التربية المدنية وتطويرها لتحقيق المجتمع المدني . $ ثم هناك وسيلة أخرى ينبغي أن نستعملها لكي نحقق المجتمع المدني ،أعني تفعيل المؤسسات $والجماعات المتفاعلة في إطار المجتمع الشامل ، والتنظيمات الحرّة المدافعة عن مصالح األفراد وذلك ،طبعًا ،في إطار القوانين التي تسنها الدولة . $هذا التنظيم. $عام .والدولة هي المسئولة عن توفير $المجتمع المدني من تنظيم ال بد لمؤسسات فكيف تقوم بهذه المهمة ؟ هنا يتضح لنا وجه من وجوه التفاعل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني .ذلك أن المجتمع السياسي ينظر إلى المجتمع المدني نظرة خارجية بالنسبة إلى ماهيته ،ولكنه يتفاعل معه ،على $التشريعات الضرورية لتنظيم أعماله ونشاطاته ومبادراته ،التي تحتاجاألقل ،في إطار توفير على الدوام إلى مواكبة من لدن السلطة العامة في المجتمع .وتفعيل هذه المؤسسات ضروري جدًا لكي يشعر المجتمع المدني باستقالليته النسبية في المجتمع الشامل وبدوره الخاص في هذا المجتمع . $من حيث مجال اإلنتاج واالستهالك والتبادل . ثم هناك وسيلة أخرى ،وأعني بها تحرير السوق السوق ينبغي أن يعود بكامله ،أو في مجمله ،إلى المجتمع المدني .هنا التحدِّي .هنا مجال العطاء .هنا مجال التنافس والتقدم ،اقتصاديًا وثقافيًا ،إعالميًا وتربويًا ،إقليميًا ووطنيًا ..الخ . $وحقوق المجتمع $حقوق المجتمع السياسي $مدروسة ،تحترم وينبغي أيضًا أن يتم ذلك بشروط $من كل ما يفرض عليها من الخارج من اعتبارات ومن قيم تشلّ األهلي ،وتصون تحريرها $ $في الحياة االجتماعية على مختلف المستويات وفي فاعليتها الخاصة وتؤدِّي إلى جمود وركود مختلف القطاعات .