Professional Documents
Culture Documents
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
ملخص
تعتبر إرتفاقات التعمير بمثابة األعب اء والقيود التي تفرض على عقار بسبب موقعه ليس لفائدة
وتهدف الدراسة الى البحث في أحكام هذه،عقار آخر وإنما خدمة للمصلحة العامة العمرانية
االرتفاقات وتحليلها باعتبارها وسيلة من وسائل التخطيط الحضري تتجسد في أحكام المخططات
حيث تتدخل بواسطتها اإلدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال، العمرانية
* سناء بن شرطيوة المناطق وتخصيص وظيفة لكل منها بهدف حسن تنظيمها سواء تعلق االمر بارتفاقات البناء
أو إرتفاقات عدم البناء التي تحدّ من، التي تضبط حدود إستعمال العقار أو تقلّص من إستعماله
"أستاذة محاضرة "ب وبذلك،االمتيازات التي يخولها حق الملكية للمالكين العقاريين بهدف تخطيط حضري محكم
كلية الجقوق جامعة االخوة منتوري تعتبر ارتفاقات التعمير من وسائل التحكم في المجال العقاري تستعملها اإلدارة لحماية الممتلكات
.الثقافية العقارية
) (الجزائر1 قسنطينة
ارتفاقات التعمير ؛ تخطيط عمراني ؛ أدوات التعمير ؛ ممتلكات:الكلمات المفتاحية
.ثقافية عقارية ؛ مخططات التعمير
Abstract Résumé
Urbanisme servitudes are considered as the Les servitudes d’urbanisme sont considérées comme les
burdens and restrictions imposed on a property charges et les restrictions imposées à un immeuble en
due to its location not for the benefit of another raison de son emplacement, non pour le bénéfice d'un
property, but in the public interest of the autre immeuble, mais pour l'intérêt urbain public, L’étude
urbanism, the study aims to research on and vise à étudier les dispositions de ces servitudes et à les
analysis of the provisions of this servitudes as a analyser en tant que moyen de planification urbaine
mean of urban planning, embodied in the incorporé dans les dispositions des plans urbains, dont
provisions of the urban schemes, which l’administration intervient avec des outils
interfere with tools reference documents méthodologiques et des documents de référence pour
management methodology to regulate the use réglementer l’utilisation des régions et l’affectation d’une
of the areas and the allocation of posts for each fonction pour chacune dans le but d'une bonne
of them to a good organized both in the organisation, qu'il s'agisse des servitudes de construction
building servitudes which adjusts the limits of qui contrôlent les limites d'utilisation d’immeuble ou en
the use of the property or reduce the use or réduisent l'utilisation, Ou des servitudes de non-
unbuilt limiting the privileges conferred by the construction qui limitent les privilèges accordés aux
right of the property ownership to urban propriétaires par le droit de propriété aux fins d’une
planning, thus the urbanism servitudes are planification urbaine solide, Ainsi, les servitudes de
means of control in the property domain used reconstruction sont considérés comme des outils de
by the administration to adjust and real estate contrôle du domaine immobilier utilisés par
cultural property l'administration pour protéger les biens immobiliers
culturels
Keywords: urbanism servitudes; urbanism Mots clés: Servitudes d’Urbanisme ; Planification
planning ; urbanism tools ; real estate cultural urbaine; Outils d’Urbanisme; Biens immobiliers culturels ;
property; urban plans. plans urbains.
* Corresponding author, e-mail: sanabencherC@yahoo.com
- Iمقدمة
تعتبر المواقع االثرية من المناطق الخاصة والمحمية ) (1وذلك لكونها من األقاليم
ذات الميزة الطبيعية والثقافية البارزة ) ،(2التي أوالها المشرع حماية من نوع خاص
في مجال التعمير ،وفرض على أصحاب العقارات المجاورة قيود عديدة على ملكيتهم
العقارية حفاظا على خصوصية هذه الممتلكات .
في هذا الصدد فرض المشرع الجزائري االرتفاقات العمرانية ضمن مخططات
التهيئة والتعمير كوسيلة لحماية المحيط العمراني عموما حفاظا على المصلحة العامة ،
تتنوع هذه االرتفاقات بتنوع القيود التي تفرضها على العقارات المجاورة للممتلكات
الثقافية العقارية ،و تتعلق في مجملها بضبط عملية البناء واستخدام األراضي
المجاورة لهذه الممتلكات بطريقة ال تؤثر على شكلها ومظهرها باعتبارها موروث
ثقافي وحضاري مهم.
واالشكالية التي تطرح نفسها في هذا الصدد كيف يمكن الرتفاقات التعمير
المساهمة في حماية الممتلكات الثقافية العقارية في اطار إقامة البنايات المجاورة لها ؟
الفرضية التي يمكن صياغتها تتمحور حول الدور الفعال لالرتفاقات العمرانية في
ضبط وحماية الممتلكات الثقافية و نطاق محيطها ،ومع قلة المراجع المتخصصة في
هذا الموضوع بمتغيريه سواء المتغير األول المتعلق بالممتلكات الثقافية العقارية أو
المتغير الثاني المتعلق بارتفاقات التعمير وجدنا صعوبة في البحث فيه.
ومن الدراسات السابقة القليلة التي تناولت الموضوع ذات العالقة المباشرة ببعض
جزئياته مقال د .خوادجية "دور مخططات التهيئة والتعمير في حماية المعالم األثرية"
مع اقتصار باقي المراجع على دراسة الموضوع في بعض جزئياته فقط.
ومن أهم اإلستنتاجات المتوصل إليها هو الدور الجوهري لالرتفاقات العمرانية في
حماية الممتلكات الثقافية العقارية باعتبارها الوسيلة المجسدة للقيود الواردة على
العقارات المجاورة لهذه الممتلكات بشرط توفر الرقابة في اطار تجسيدها عن طريق
الرخص والشهادات العمرانية ودور أجهزة الرقابة في هذا المجال.
وقد جاء تفصيل هذا البحث مرتبا في فقرتين نبين ما رتبه المشرع الجزائري من
إلزاميىة إلحترام إرتفاقات التعمير المفروضة لصالح الممتلكات الثقافية العقارية( فقرة
أولى) ،ثم نعرض جوانب حماية الممتلكات الثقافية تبعا لتنوع اإلرتفاقات العمرانية
المفروضة في إطارها( فقرة ثانية).
الفقرة األولى :الزامية احترام ارتفاقات التعمير المفروضة لصالح الممتلكات الثقافية
العقارية
تختلف ارتفاقات التعمير وتتنوع باختالف القيود التي توردها على عملية البناء لصالح
الممتلكات الثقافية العقارية حماية للمصلحة العامة ،مما يستوجب بيان مدلول الممتلكات
الثقافية العقارية (أوال) ،ثم بيان كون ارتفاقات التعمير ارتفاقات إدارية تفرضها
المخططات وتراقبها الرخص والشهادات (ثانيا) .
المتعلق بحماية التراث الثقافي) ،(3عرفه بموجب المادة 2منه " يعد تراثا ثقافيا لألمة
في مفهوم هذا القانون ،جميع الممتلكات الثقافية العقارية،و العقارات بالتخصيص ،و
المنقولة ،الموجودة على أرض عقارات األمالك الوطنية وفي داخلها ،المملوكة
ألشخاص طبعيي ن أو معنويين تابعين للقانون الخاص ،و الموجودة كذلك في الطبقات
الجوفية للمياه الداخلية و اإلقليمية الوطنية الموروثة عن مختلف الحضارات المتعاقبة
منذ عصر ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا.
و تعد جزءا من التراث الثقافي لألمة أيضا الممتلكات الثقافية غير المادية الناتجة عن
تفاعالت إجتماعية و إبداعات األفراد و الجماعات عبر العصور و التي ال تزال تعرب
عن نفسها منذ األزمنة الغابرة إلى يومنا هذا".
و حددت المادة 3من القانون أعاله الممتلكات الثقافية ب:
-الممتلكات الثقافية العقارية،
-الممتلكات الثقافية المنقولة،
-الممتلكات الثقافية غير المادية.
و خروجا عن القواعد العامة لحق الملكية و طبقا لالحكام المنظمة للتراث الثقافي
والتي نصت على أن ملكية األرض ال تكسب صاحبها حق التصرف في اآلثار
المكتشفة على سطحها أو في باطنها و ال تعطيه حق ملكيتها ،و حماية لهذه الممتلكات
خصها المشرع بجملة من اإلرتفاقات نخصها بالدراسة بالنسبة للممتلكات الثقافية
العقارية.
لم يضع المشرع الجزائري تعريفا قانونيا للممتلكات الثقافية العقارية إال أنه يمكن
تعريفها إستنادا لتعريف العقار طبقا للقواعد العامة حيث نصت المادة 683من القانون
المدني بأنه " كل شئ مستقر بحيزه و ثابت فيه و ال يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار
"...
كما عرفته من خالل أثره المادة 20من األمر رقم ،281/67المتعلق بالحفريات و
حماية األماكن و اآلثار التاريخية الطبيعية ) ،(4في فقرتها الثانية أنه " األثر التاريخي
هو عقار منعزل مبني أو غير مبني و معتبر في مجموعه أو جزء منه و كذا باطن
األرض التابع له أو عقار بالتخصيص في مجموعه أو في جزء منه ".
و تعد كذلك تلك األشياء أو المعالم أو المواقع المستقرة في حيز مكاني معين و ال تقبل
اإلنتقال بحكم طبيعتها فهي ثابتة و ملتصقة باألرض ،إال إذا زالت عنها هذه الصفة و
هي كل ما يدركه الشخص بحواسه كالقصبات القديمة و القصور و المساجد و المعابد
و القالع و المنشآت العسكرية القديمة و المنقوشات الحجرية و الحظائر الطبيعية).(5
و تشمل الممتلكات الثقافية العقارية طبقا للمادة 8فقرة أولى من القانون رقم 04-98
-المعالم التارخية).(6
-المواقع األثرية).(7
-المجموعات الحضرية أو الريفية).(8
و هي أنظمة قانونية تتماشى و طبيعة كل صنف من أصناف التراث الثقافي ،خصها
المشرع بإرتفاقات وفق مصادر تشريعية أساسها حماية التراث الثقافي العقاري.
383
سناء بن شرطيوة
385
سناء بن شرطيوة
المواقع و المناطق الواجب حمايتها منها المواقع األثرية ).(23
وبما ان المخططات أدوات إلزامية للجميع بما في ذلك اإلدارة التي أعدتها فان
هذايضمن تطبيق مضمونها خاصة في مجال االرتفاقات التي تفرضها ،بعد المصادقة
عليها) (24وفقا لإلجراءات القانونية ،وال يجوز ألي كان القيام بأي نشاط يتعارض مع
مضمون هذه األدوات) ،(25وكل مخالف يتعرض للعقوبات المنصوص قانونا) ،(26مع
اإلشارة الى ان مجال االرتفاقات العمرانية ينحصر في المناطق التي يشملها نطاق
المخططات العمرانية فقط).(27
نشير في هذا االطار الى كون االرتفاقات العمرانية تمثل األساس الذي تعتمده السلطة
اإلدارية عند منحها رخصة البناء ،حيث ال يرخص أي بناء أو أي هدم من شأنه أن
يمس بالتراث الطبيعي و الثقافي أو يشكل خطرا عليه ،اال بعد استشارة المصالح
المختصة) ،(28كأن تكون البنايات من شأنها االخالل بالمحافظة على األماكن الثقافية أو
االثار مما يؤدي الى رف ض منح رخصة البناء أو تقييد منحها بشروط تفرض احترام
االحكام الخاصة لهذه الممتلكات) ،(29خاصة اذا كانت البنايات والمنشآت المراد بناؤها
تمس بموقعها وحجمها او مظهرها الخارجي أو بأهمية األماكن المجاورة والمعالم
الثقافية وكذا بالمحافظة على آفاق المعالم االثرية).(30
و بالتالي فإن رخصة البناء هي اآللية التي تعتمدها السلطة العمومية في مراقبة
احترام الباني الرتفاقات التعمير ) ،(31وتليها بصورة مباشرة شهادة المطابقة التي تؤكد
مطابقة البناء لمضمون الرخصة خاصة وأن العقارات الواقعة في المناطق االثرية
تعتبر من العقارات المستثناة من مجال التسوية طبقا الحكام القانون رقم .(32)15-08
الفقرة الثانية :تنوع جوانب حماية الممتلكات الثقافية العقارية تبعا لتنوع االرتفاقات
العمرانية المفروضة في اطارها.
تتنوع االرتفاقات اإلدارية التي فرضها المشرع في مجال الممتلكات الثقافية (أوال)،
وذلك بهدف توفير عدة جوانب للحماية المقررة لها (ثانيا).
لقد فرضت عدة إرتفاقات على جوار الممتلكات الثقافية العقارية تأخد شكل إرتفاقات
سلبية تحرم مالك هذه العقارات من ممارسة الحقوق التي يخولها لهم حق الملكية على
ممتلكاتهم ،تتمثل في ارتفاقات الكثافة (أوال) ،وكذا ارتفاقات عدم البناء (ثانيا).
ترتبط عملية البناء بعملية ضبط أولي ومسبق للحق في البناء على األرض) ،(33يرتكز
هذا الضبط على فرض ارتفاقات عديدة تحدّ من إستعمال الجار لعقاره ،بعضها يتعلق
بإرتفاقات شغل األرض واستعمالها للبناء في بعض المناطق الخاصة ،يتضمن هذا
الصنف مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة شغل األراضي و استعمالها بشكل مادي
ضمن كل منطقة مشمولة بمخطط شغل األراضي) ،(34و تشمل بعض األجزاء من
التراب الوطني الخاضعة لنظام خاص ) ،(35ومن بينها المناطق األثرية .
تتضمن ارتفاقات الكثافة على وجه الخصوص نوعين من االرتفاقات العمرانية تتمثل
386
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
المقصود بالتراجع هو تأخير البناية مسافة معينة تحددها اإلدارة لتحقيق التباعد بين
البناء و الوحدات العمرانية المجاورة ،و ارتفاق التراجع يتعلق باألساس بتأخير البناية
إلى مسافة معينة مقارنة بالطرقات و األمالك العمومية من ناحية و مقارنة بالقطع
المجاورة من ناحية أخرى (36).وهو ما قد يصطلح عليه البعض إرتفاق الرؤية حيث
أوجبت المادة 17من القانون 04-98في فقرتها الخامسة توسيع مجال الرؤية الذي
التقل مسافته عن 200متر و ذلك لتفادي إتالف المنظورات المعلمية المشمولة على
الخصوص في تلك المنطقة).(37
حضر وضع الالفتات و اللوحات اإلشهارية أو إلصاقها على المعالم التاريخية إال
بترخيص مسبق) ،(38و توسيع هذا المجال متروك الوزير المكلف بالثقافة بناء على
إقتراح اللجنة الوطنية للممتلكات الثقافية و بذلك إمتداد قرار التصنيف يرتكز على
عاملين عامل فضائي و عامل هندسي ،إال أن المشرع لم يحدد المكان الذي يجب
الوقوف عنده من أجل تحديد عالمة الرؤية بين المعلم التاريخي و أرباضه ،و هو نفس
التوجه الذي سار عليه التشريع الفرنسي ألن هذه المسافة محددة حسب معايير
اليونسكو ،و قبل تقليص المسافة بين المعلم التاريخي و أرباضه إلى 200متر،
ضربت وزارة الثقافة عرض الحائط مجال الرؤية و ذلك بمنحها الموافقة إلنجاز
مركب سياحي في حدود قصر الباي بوهران دون مراعاة المسافة بين المعلم التاريخي
و أرباضه).(39
من جانب اخر فرض المشرع ارتفاق العلو على العقارات المجاورة للممتلكات الثقافية
العقارية ،حيث يتم ضبط العلّو األقصى للمباني بالنسبة للمناطق القابلة للبناء بموجب
نصوص قانونية ،يتم تجسيدها ضمن المخططات العمرانية بحسب خصوصيات كل
منطقة و بحسب االرتفاقات المتعلقة بحماية المعالم األثرية و الثقافية التي تستوجب
الحد من االرتفاع خدمة للمصلحة العامة وكذلك االرتفاقات المتعلقة بالمظهر الجمالي
التي تستوجب ارتفاعا معينا).(41
من جانب آخر فان إرتفاق الكثافة يقلّص كذلك من إستعمال الجار للعقار) ،(42و تعتبر
إرتفاقات الكثافة من االرتفاقات الهامة في قانون التعمير نظرا لدورها الهام في تحديد
المساحة المرخص ببنائها تفاديا للكثافة الشديدة للبناءات ،ويحدد مخطط شغل األراضي
الكمية الدنيا و القصوى من البناء المسموح به من حيث المساحة أو الحجم) ، (43حسب
سعة األراضي المعدة للبناء) ، (44وقد حددت المادة 14من المرسوم رقم 324-03
ارتفاع البنايات في المناطق االثرية ب مقاس 500/1وهو ما تم ادراجه ضمن
الوثائق المكتوبة .
387
سناء بن شرطيوة
على العموم يهدف هذا االرتفاق إلى تحديد المساحات القصوى أو الدنيا التي يمكن
البناء عليها و ذلك بالقياس لكامل مساحة قطعة األرضو عليه فإن في تحديد هذه
المساحات إنعكاس على المساحة التي يجب أن تبقى غير مبنية في القطعة المعنية،
ويتم ذلك بضبط معامل شغل األرض ومعامل ما يؤخذ من األرض).(45
و مما الشك فيه أن إرتفاق الكثافة يقلص من نطاق ملكية وبالتالي من سلطة إستعماله،
غير أن هذا التضييق الذي قد ينظر إليه على أنه إعتداء على الحق جاء نتيجة
لمتطلبات أكثر إلحاحا ،فنسبة الكثافة إضافة إلى دورها الف ّني الذي يهدف الى التحكم
فيها سواء بتشجيعها في بعض المناطق أو تجنب الكثافة المفرطة في البعض اآلخر،
)(46
فإنها تساهم في تحديد هيكل البنايات و إضفاء الطابع العمراني الخاص بكل منطقة
خاصة في اطار خصوصية المناطق االثرية.
ارتفاقات عدم البناء هي ارتفاقات التعمير التي تمثل وجود مانع قانوني يمنع بمقتضاه
انجاز أشغال في بعض المناطق نظرا للخطر الذي قد ينجر عن ذلك) (47أو نظرا
لخصوصية تلك المناطق باعتبارها مناطق مقيدة لحماية المعالم التاريخية و األثرية
)(49
والمواقع الثقافية) ،(48غالبا ما تكون ارتفاقات عدم البناء مرتبطة بمسافات أمنيّة
تحدد المجال الذي يمنع فيه البناء ،وهو مايعكس العالقة المباشرة بين إرتفاقات
التراجع وبين ارتفاقات عدم البناء.
في اطار فرض إرتفاق عدم البناء في المناطق األثرية باعتبارها مناطق محمية ،
نص القانون رقم ، 04-98على عدم شرعية البناء فوق المعالم أو المواقع األثرية
المصنفة بغرض حمايتها إال بترخيص مسبق )، (50حيث نصت المادة الرابعة من
القانون رقم 29-90في فقرتها الثالثة " ال تكون قابلة للبناء إال القطع األرضية :التي
تكون في الحدود المتالئمة مع ضرورة حماية المعالم األثرية و الثقافية ،".كما نصت
المادة 69من ذات القانون" ال يرخص بأي بناء أو هدم من شأنه أن يمس بالتراث
الطبيعي و التاريخي و الثقافي أو يشكل خطرا ،إال بعد إستشارة و موافقة المصالح
المختصة في هذا المجال"...
من جانب آخر أو جب المشرع من خالل أدوات التهيئة و التعمير تصنيف المواقع ذات
الطابع اإليكولوجي أو الطبيعي أو الثقافي أو السياحي في مخططات تهيئة الساحل
كمساحات مصنفة خاضعة إلرتفاقات منع البناء عليها ) ، (51يتمثل هذا المخطط في
مخطط تهيئة الشاطئ .
وجدير باإلشارة بالنسبة للجزاء المترتب عن مخالفة ارتفاقات البناء نصت المادة 870
من القانون المدني الجزائري على الجزاء المقرر لمخالفة قيود البناء .فإذا وقعت
مخالفة للقيود المفروضة على مالك العقار تحدّ من حقه في البناء عليه كيفما شاء ،كأن
يمنع من تجاوز حدّ معين في اإلرتفاق بالبناء أو في مساحة رقعته ،حيث تكون هذه
االرتفاقات الواردة على هذا العقار لفائدة العقارات المجاورة التي فرضت لمصلحتها
388
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
هذه القيود ،فانه تجوز ال مطالبة بتنفيذ االرتفاقات تنفيذا عينيا أي إزالة ما وقع مخالفا
لهذه القيود ،فإذا أقيم بناء على خالف ما تقرر في هذه االرتفاقات جازت المطالبة
بهدمه على نفقة من أقامه بالتعويض إن كان له مقتضىى ،ومع ذلك يجوز االقتصار
على الحكم بالتعويض إذا رأت المحكمة ما يبرر ذلك).(52
ثانيا :جوانب الحماية التي يحققها فرض االرتفاقات العمرانية لفائدة الممتلكات
الثقافية العقارية.
ان فرض االرتفاقات العمرانية في المناطق التي تتواجد بها ممتلكات ثقافية عقارية
غايته اما حماية المظهر الجمالي لهذه األمالك ( )1أو الحفاظ على متانتها.
اذا كان الغالب عند فرض ارتفاق التراجع أن يكون سببه تمكين البناءات من حّد أدنى
من نور الشمس والتهوية و كذلك توفير متطلبات حفظ الصحة للبناءات بصفة عامة،
هذا إلى جانب توفير شكل معماري الئق و متناسق للمباني) (53و ضمان األمن و
طمأنينة السكان المتجاورين و لحفظ الصحة) ،(54فان االمر يختلف نوعا ما بالنسبة
لالرتفاقات العمرانية في مجال الممتلكات الثقافية ،ذلك أن الهدف من فرض ارتفاق
التراجع هنا يتمثل في حماية المظهر الجمالي للممتلكات الثقافية العقارية وذلك بترك
مجال للرؤية بينها وبين العقارات المجاورة لها تسمح بالحفاظ على صورتها التاريخية
و المعلمية في المحيط الذي تتواجد فيه ،ويندرج ذلك في اطار توفير شكل معماري
الئق ومتناسق لمثل هذه المباني التي تشملها خصوصية مميزة مقارنة بباقي العقارات.
غير أن فرض ارتفاق التراجع لوحده يبقى غير كاف لتحقيق هذا الجانب من الحماية ،
أن تطبيق ارتفاق حيث يستوجب االمر ال محالة اقترانه بفرض ارتفاق العلو ،ذلك ّ
العلّو األقصى للمباني من شأنه كذلك أن يضمن شكال معماريا متناسقا للمباني ،يتدعم
خاصة بإحترام ارتفاق المظهر الخارجي للمباني .
يبرز هذا االرتفاق كقيد مفروض على كل من يعتزم البناء في منطقة تتميز ببعض
الخصائص الفنية والمعمارية ،وذلك قصد إضفاء تناسق على الطابع المعماري
خصوصا و أن هذا األخير يمثل ذاتية وخصوصية كل منطقة ) (55فما بالك بالمناطق
الخاصة كالمناطق االثرية والثقافية التي يكون لها ال محالة طابع معماري متميز.
فحماية للمظهر الجمالي للمعالم التاريخية واالثار المحيطة بها او مايصطلح عليه بآفاق
المعالم األثرية ،كان لزاما على المشرع فرض ارتفاقات التراجع او االبتعاد
وارتفاقات العلو على العقارات المجاورة للممتلكات الثقافية العقارية حتى يكون
باإلمكان المحافظة على مظهرها الجمالي دون حجب الصورة الكاملة للمعلم االثري ،
لما في ذلك ابراز لجمالها من جهة واهميتها التاريخية من جهة أخرى باعتبارها من
المناطق المصنفة و المحمية عالميا ،حيث يمكن تقييد رخصة البناء اذا كانت البنايات
والمنشآت المراد بناؤها تمس بموقعها وحجمها او مظهرها الخارجي بأهمية األماكن
المجاورة والمعالم الثقافية وكذا بالمحافظة على آفاق المعالم االثرية).(56
389
سناء بن شرطيوة
بناء عليه فان حماية المعالم األثرية و الثقافية تستوجب الحد من االرتفاع خدمة
للمصلحة العامة وكذلك االرتفاقات المتعلقة بالمظهر الجمالي والتي تستوجب ارتفاعا
معينا).(57
390
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
- IIIالخاتمة:
على اعتبار ارتفاقات التعمير ارتفاقات إدارية فان فرضها جاء حماية للمصلحة
العامة ،تفرض أحكامها ضمن أحكام المخططات العمرانية اإللزامية والتي تتنوع بتنوع
القيود التي تفرضها على العقارات المجاورة بأن تقيد الحق في استعمال العقار الذي
يقيده ارتفاق الكثافة ،أو بتقييد التصرف المادي في العقار بفرض ارتفاق البناء وذلك
على مسافات يفرضها المشرع حماية للممتلكات الثقافية.
ويتجسد جانب الحماية في اطار فرض هذه االرتفاقات من خالل الحفاظ على
المظهر الجمالي للممتلكات الثقافية من خالل ارتفاق الرؤية الذي يفرض التراجع و تقييد
العلو بمسافات معينة ،كما يتم الحفاظ على هذه الممتلكات من أي خطر يحدق بها
وبمتانتها بفرض ارتفاق عدم البناء على مسافات معينة ،وتتم الرقابة على تجسيد هذه
االرتفاقات من خالل أحكام الرخص والشهادات العمرانية.
االشكال الذي قد يؤثر على فعالية هذه االرتفاقات في حماية الممتلكات الثقافية
العقارية يتمثل ربما في محدودية فعالية الرقابة اإلدارية على عمليات البناء و التعمير،
وهو األمر الذي يعكسه واقع العمران في الجزائر .حيث يثبت الواقع العملي تجسيد ذلك
التنظيم القانوني لمحيط الجوار العمراني ،ومردّ ذلك عدم نجاعة أدوات التعمير في
تفعيل دور قانون التعمير على أرض الواقع الذي يرتبط بايديولوجية المجتمع الجزائري
مما يستدعي إعادة النظر في اإلطار التشريعي المنظم لقواعد التهيئة العمرانية بصفة
عامة و الممتلكات الثقافية العقارية خاصة ،نظرا لخصائصها المميزة من حيث التنوع
الحضري و المعماري و التاريخي.
غياب الردع في مخالفات الرخص والشهادات العمرانية ،يجعل منه مجاال أخر
للبحث في هذا الموضوع يتعلق بالرقابة اإلدارية على عمليات البناء في اطار تجسيد
االرتفاقات العمرانية في المناطق الثقافية .
المراجـع
) -(1المادة 22من القانون رقم 25-90المتعلق بالتوجيه العقاري ،ج ر عدد ،49المعدل والمتمم
بموجب األمر رقم ،26/95المؤرخ في 25سبتمبر ،1995ج ر عدد .55
) -(2القسم الرابع من القانون رقم 29-90المؤرخ في 1ديسمبر 1990المتعلق بالتهيئة و التعمير،
ج.ر عدد ،52المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 05-04المؤرخ في 14أوت 2004الذي يعدل ويتمم
القانون رقم 29-90المتعلق بالتهيئة والتعمير ،ج.ر عدد .51
) -(3القانون رقم ،04-98المؤرخ في 15يونيو ،1998يتعلق بحماية التراث الثقافي ،ج ر عدد.44
) -(5محمد مصطفى زرباني،اآلليات القانونية لحماية الممتلكات الثقافية ،مجلة الواحات للبحوث و
الدراسات ،عدد ،1المجلد ،2016 ،9الجزائر ،ص .298-297
)-(6عرفتها و حددت معالمها المادة 17من القانون رقم ،04-98سالف الذكر هي " أي إنشاء هندسي
معماري منفرد أو مجموع يقوم شاهدا على حضارة معينة أو على تطور هام أو حادثة تاريخية .
و المعالم المعينة بالخصوص هي المنجزات المعمارية الكبرى ،و الرسم ،و النقش ،و الفن الزخرفي ،و
الخط العربي ،و المباني أو المجمعات المعلمية الفخمة ذات الطابع الديني أو العسكري أو المدني أو
الزراعي أو الصناعي ،و هياكل عصر ما قبل التاريخ و المعالم الجنائزية أو المدافن ،و المغارات ،و
الكهوف و اللوحات و الرسوم الصخرية ،و النصب التذكارية ،و الهياكل أو العناصر المعزولة التي لها
صلة باألحداث الكبرى في التاريخ الوطني".
391
سناء بن شرطيوة
)-(7طبقا للمادة 28من القانون ،04-98سابق ذكره " تعرف المواقع األثرية بأنها مساحات مبنية أو
غير مبنية دونما وظيفة نشطة وتشهد بأعمال اإلنسان أو بتفاعله مع الطبيعة ،بما في ذلك باطن األرضي
المتصلة بها ،و لها قيمة من الوجهة التاريخية أو األثرية أو الدينية أو الفنية أو العلمية أو اإلثنولوجية أو
األنتربولوجية ،و المقصود بها على الخصوص المواقع األثرية بما فيها المحميات األثرية و الحضائر
الثقافية".
)-(8حددتها المادة 41من القانون رقم 04-98سالف الذكر ،و هي قطاعات محفوظة " تقام في شكل
مجموعات عقارية حضرية أو ريفية مثل القصبات و المدن و القصور و القرى و المجمعات السكنية
التقليدية المتميزة بغلبة المنطقة السكنية فيها و التي تكتسي بتجانسها ووحدتها المعمارية و الجمالية،
أهمية تاريخية أو معمارية أو فنية أو تقليدية ."...
)-(1راجع:
-نادية الموح ،المنازعات القضائية في مجال التعمير والبناء ،أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،اكدال ،الرباط ،2011-2010 ،ص .265
)-(14سميحة حنان خوادجية ،دور مخططات التهيئة و التعمير في حماية المعالم األثرية ،مجلة جامعة
األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية ،عدد ،02المجلد ،32ص 635و ما بعدها.
)-(16خالدي أحمد ،القيود الواردة على الملكية العقارية الخاصة و المقررة للمصلحة العامة في
التشريع الجزائري ،مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر ،2014-2013 ،1ص.83
) -(19المادة 04من القانون رقم ،02-02المؤرخ في 5فيفري ،2002المتعلق بحماية الساحل ،ج ر
عدد .10
392
دور ارتفاقات التعمير في حماية الممتلكات الثقافية
) -(25لتفصيل أكثر فيما يخص الطبيعة اإللزامية ألدوات التهيئة والتعمير راجع:
-الصادق بن عزة ،دور اإلدارة في مجال تطبيق أحكام العمران في التشريع الجزائري ،مذكرة
ماجستير ،كلية الحقوق ،جامعة الحاج لخضر باتنة ،2012-2011 ،ص 34ومابعدها .
)-(27هشام طالب ،اإلرتفاقات اإلدارية،أطروحة ،كلية الحقوق و العلوم اإلقتصادية و السياسية ،جامعة
سوسة ،2008-2007 ،ص .277
)-(32القانون رقم ،15-08المؤرخ في 20يوليو ،2008المعدل و المتمم ،يحدد قواعد مطابقة البنايات
و إتمام إنجازها.
)-(33إيمان العبيدي ؛ حق الملكية و إرتفاقات التراتيب العمرانية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة
،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2004/2003 ،ص .18
)-(35المواد 45و 47و 48من القانون رقم 29-90المعدل و المتمم السالف الذكر.
)-(36راجع:
-خالدي أحمد ،مرجع سابق ،ص .87
-نادية الموح ،مرجع سابق ،ص 269ومابعدها.
) -(40المادة 04من القانون رقم ،02-02المؤرخ في 5فيفري ،2002المتعلق بحماية الساحل ،ج ر
عدد .10
)-(41راجع:
-بن حبيلس أمينة ،مرجع سابق ،ص.200
-ايمان العبيدي ،مرجع سابق ،ص19و .20
)-(45معامل شغل األرض هو معامل يهدف من ورائه االستغالل الحسن والمنسجم للبناية من األبعاد
الثالثة طوال وعرضا وارتفاعا وتعد عملية تحديد معامل شغل األرضي عملية حسابية وتقنية .
ومعامل ما يؤخذ من األرض يقيد الجار بترك ٕوانشاء مناطق خضراء حول البناء المراد إنجازه ،
ويحسب معامل ما يؤخذ من األرض أو اإلستالء على األرض طبقا للمادة 18فقرة ب من
المرسوم 178/91المعدل و المتمم السابق الذكر:
معامل ما يؤخذ من األرض = مساحة قطعة األرض – مساحة األرضية للمبنى
لتفصيل أكثر راجع:
-بن حبيلس أمينة ،مرجع سابق ،ص.202
-لعويجي عبد هللا ،قرارات التهيئة و التعمير في التشريع الجزائري ،مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق،
جامعة الحاج لخضر باتنة ، ،2012-2011 ،ص47
)-(47نور الدين عسري ،منازعات التعمير والبناء محاولة في التأصيل ،أطروحة دكتوراه ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،اكدال ،الرباط ، 2011-2010 ،ص .130
)-(50حبيبة بوزار ،واقع و آفاق الحماية القانونية للتراث المادي األثري في الجزائر ،ماجستير ،كلية
اآلداب و العلوم اإلنسانية و العلوم اإلجتماعية ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،2008-2007 ،ص 14
و ما بعدها
)-(51المادة 04من القانون رقم ،02-02المؤرخ في 5فيفري ،2002المتعلق بحماية الساحل ،ج ر
عدد .10
)-(52بن حبيلس أمينة ،مرجع سابق ،ص .204
)-(54المادتين 10و 11من المرسوم التنفيذي رقم 175-91المعدل و المتمم السالف الذكر.
394