Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫*إ ْدوارد لِينو*‬

‫*ج َد ُل ال ِعالقة بيْن َجنوب و َشمال الس ْ‬


‫ّودان*‬ ‫َ‬
‫ي (‪*)3-2‬‬ ‫*في َحيا ِة ُمثقّ ٍ‬
‫ف ثَوْ ر ٍّ‬

‫*يا ِسر عرْ مان*‬

‫*)‪*(1‬‬

‫كضيف وغريب؛ بل تفاعل مع تنظيماتها السّياسية‬ ‫ٍ‬ ‫ِمن ميزات إدوارد لينو؛ أنّه عاش في ال ّشمال والسيما ؛ في الخرطوم‪  ‬ليس‬
‫والثّقافية واإلجتماعية‪.‬‬
‫ّ‬
‫عبور نحو المستقبل‪ ،‬والتعرف بشك ٍل أفضل على الحاضر‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫وفي حديثنا عنه؛ النسعى لتمجيد الماضي؛ بقدر ما نتخذه تذكرة‬
‫بوعي بأن‬
‫ِ‬ ‫وعمل‬ ‫بالحياة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ّث‬ ‫ب‬‫متش‬ ‫ورحل‬ ‫الفرح‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫برجا‬ ‫الخاص؛‬ ‫زمانه‬ ‫والتزوّد بضو ٍء من تجارب الماضي‪ ،‬فقد عاش إدوارد في‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫ال تنتهي حياته كصرخة من صرخات اإلحتجاج وعنوا ٍن للتمرد؛ بل سعى ما استطاع الى ذلك سبيال‪ ،‬في محاولة‪  ‬لِحياكة البديل‬
‫اإلنساني ومثل هذه المساعي واجهت تحديات عميقة ‪ ،‬نشهدها اليوم في( انغوال وموزمبيق ونامبيبا واريتريا واثيوبيا والجزائر‬
‫ونيكارغوا وكوبا) وعلى مدار دائرة حركات التّ حرر الوطني‪ ،‬التي سعت إلى الفردوس ولم تصله وال يزال البحث مستمراً‪.‬‬
‫الفرق بين إدوارد لينو وعدد كبير من قادة الهامش؛ انه لم يكن صوتا من اصوات االحتجاج فحسب ‪ ،‬بل عكف بدأب على‬
‫صناعة وتقديم البديل‪ ،‬والتّحرك من خانة اإلحتجاج الى تقديم البديل هو ما تفتقده كثير من أصوات الهامش التي تكتفي‬
‫باإلحتجاج‪.‬‬

‫*)‪*(2‬‬

‫ضروب اإلبداع في الفن والرّياضة والموسيقى والفكر‪  ‬واإلعالم ‪ -‬وكان‬ ‫في الخرطوم تمتّع إدوارد بصداقة ال ُمبدعين في ك ّل ُ‬
‫صديقا ً لكبار المبدعين في تلك المجاالت‪ ،‬يكفي أن نذكر‪  ‬منهم (محمد وردي وشرحبيل أحمد وصديق عباس وكمال كيلة ووليام‬
‫أندريه والنور عثمان أبكر ود‪ .‬أمين مكي مدني ومحجوب شريف وعوض دكام) وإلى آخر القائمة ‪.‬‬
‫عند رحيله؛ هاتفني ال ُمبدع‪ w‬الكبير أبو عركي البخيت وقال " أن فرقة إدوارد ما بتنسد" وهذا وحده يكفي‪ ،‬وإدوارد كان صديقا ً‬
‫للكابتن أمين زكي وآخرين في مجال الرياضة‪ ،‬وال ُمالحظة المهمة أنه لم يكن ُمستلبا ً في تلك المجتمعات؛ فقد احتفظ بصالته‬
‫صلة قوية بأخواله من الفرتيت وكان ُمل ّما ً باألنساب ومعرفة واسعة بفُسيفساء‬ ‫القوية بجذور ثقافته وبلغة وثقافة الدينكا‪ ،‬وكان ذو ِ‬
‫المجتمع‪ ،‬وكان يتع ّرف بسهولة على األسر والقبائل ومكونات الُمدن المختلفة وأندية الرّياضة والمدارس الفنيّة وال ّشعراء‬
‫خرطومي المزاج‪ ،‬ويعرف الخرطوم بحكاويها وموظّفيها وح ّكامها وأطبّائها ومهندسيها ونهاراتها‬ ‫ُّ‬ ‫والكتّاب وكبار المثقّفين وكان‬
‫ولياليها معرفة واسعة‪ .‬أما السّياسة فهي حقله الفعلي الذي ال يُبارى فيه‪.‬‬
‫حينما أدرنا حواراً في إنتخابات ‪ 2010‬للتقدم والتر ّشح في منصب والي الخرطوم وجد إدوارد قبوال واسعا من فئات إجتماعية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كانت تعرفه منذ سنوات طويلة‪ ،‬وعادةً فإن المتق ّدمين للتر ّشح لمثل منصب حاكم العاصمة القومية من بنات وأبناء الهامش ؛‬
‫يواجهون هواجس من أحياء الخرطوم القديمة ‪ -‬وبإمكاني أن أقول بثقة أن إدوارد لينو كان معروفا ً لقوى مه ّمة إجتماعية‬
‫وسياسية في تلك األحياء ويُحظى بالقبول‪ ،‬وكان من ال ُممكن لشخص مثله أن يوحّد ضميري المدينة بأحيائها القديمة‪ w‬وإمتداداتها‬
‫الواسعة بحكم الحرب والتّهميش وإنتقال الماليين من الرّيف الى ال ُمدن؛ بعد أن فقد الرّيف وجهه المنتج‪.‬‬
‫إدوارد لينو كان على معرفة واتصال بمجموعات كبيرة من س ّكان الخرطوم‪  ‬الذين تعود جذورهم إلى جنوب السودان وجبال‬
‫النوبة ودارفور السيما؛ في أحياء مثل الموردة والعباسية وال ّديم والحاج يوسف وغيرها‪.‬‬
‫ُعيّن جيرفس ياك كومض ٍة وشهاب أضاء ثم أختفى محافظا ً للخرطوم‪ ،‬وهو الجنوب ّي الوحيد الذي تولى ذلك المنصب‪ ،‬وفي ندوة‬
‫حضرتها؛ ذكر األستاذ سيد أحمد خليفة‪ :‬أن جيرفس ياك أكثر شخص منصف وزع أراضي الخرطوم ل ُمستحقّيها وذكر أنه في‬
‫بدايات حياته لم يكن ليستطع ان يجد قطعة أرض لوال جيرفس ياك‪ ،‬وإدوارد لينو هو الحاكم الذي لم تُحظى به الخرطوم‪.‬‬

‫*)‪*(3‬‬

‫أدرك إدوارد لينو مأزق المحادثة بين مشور طون أروك وبيتر نيوت‪ ،‬والمسافة بين الثّقة التي يتح ّدث بها مشور عن عالقاتنا‬
‫ومعرفته بي ومخاوف بيتر نيوت المشروعة في عمل س ّري وخطير يقوم به مكتب الحركة الشعبية في ال ّداخل‪ ،‬وحينها تدخل‬
‫إدوارد لينو والذي أجاب باللغة العربية ُمرحّبا ً بي‪ ،‬وذكر أنه ليست لديهم صلة مباشرة بالحركة الشعبية ولكنهم يعرفون عدداً‬
‫كبيراً من قادتها ويمكن تسهيل اإلتصال بهم وطلب مني أن نلتقي بعد عودته من بورتسودان التي سيذهب اليها مع األب فليب‬
‫عباس غبوش لعقد ندوة سياسية واتفقنا على؛ أن نلتقي في معهد الموسيقى والمسرح وضربنا موعداً بذلك‪ w،‬وكانت تلك هي المرة‬
‫ُ‬
‫وأصبحت مثل المبدع الراحل خليل‬ ‫األولى التي رأيت فيها إدوارد وجها ً لوجه ولكنه لم يحضر أبداً ذلك الموعد المضروب‪،‬‬
‫اسماعيل في أغنية (ميعاد) لتاج السر عباس " أغالط نفسي في إصرار واقول يمكن انا الما جيت" ‪ .‬وسألتقي إدوارد لينو الحقا ً‬
‫مكان لم أعتقد أنه سيكون مكان لقاءنا بعد نحو عام من ذلك الموعد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫ً‬
‫وبعدها ذهب مشور طون اروك إلى حاليب التي كان يقود حاميتها العسكرية ولم ألتقي به مرة أخرى‪ ،‬ومؤخرا تحصّلت على‬
‫معلومات جديدة وهامة من شخص مطّلع‪  ‬والذي قدم إفادة ورواية جديدة حول الكيفية ألتي تم بها إعتقال مشور طون أروك‬
‫واعدامه على يد ابراهيم شمس الدين‪.‬‬
‫ّ‬
‫كانت عمارة عوض هللا آخر مكان؛ تصوّرت انه يضم مكتب الحركة الشعبية ‪ ،‬فقد ُ‬
‫كنت اسكن‪  ‬ذلك الوقت في مدينة‪ w‬امدرمان‬
‫وكان موقف الحافالت والتاكسي " طرحة" أمام هذه العمارة‪ ،‬والحقا ً التقيت موالنا يوهانس يور أكول أجاوين مراراً بهذه‬
‫العمارة وبنفس المكتب وهو من قام بتسهيل مهمة سفري الى أديس أبابا لإلنضمام للحركة الشعبية وهذه قصة أخرى‪.‬‬

‫*)‪*(4‬‬

‫المرة األولى التي سمعت فيها عن إدوارد لينو؛ كان ذلك من خالل األعداد السّرية لجريدة الميدان التي يصدرها الحزب‬
‫ال ّشيوعي السّوداني‪ ،‬ففي أكثر من عدد ض ّم ت قائمة المعتقلين في سجون نميري‪ ،‬إسم إدوارد لينو ودوك مشار وآخرين من‬
‫تابعت محاكمته فيما عُرف بـ(المؤامرة العنصرية) مع األب فيليب عباس غبوش ورأيته في ندوة في الفتيحاب بعد‬ ‫ُ‬ ‫الجنوبيين‪ -‬ثم‬
‫سقوط نظام نميري مع االب فيليب عباس وتوقفت عند ملكاته في الحديث وعند عبارة استخدمها في الندوة ‪.‬‬
‫إدوارد لينو كان وطنيا ً ديمقراطيا ً وقوميا ً جنوبيا ً في نفس الوقت؛ وذلك امتداداً لصيرورة ال ّزمان والمكان والوعي الذي ضم‬
‫بانوراما مكثّفة في حياته تتالقى وتتنافر ‪ ،‬تتداخل وتتباعد‪ ،‬في و ٍد وإشتباك جدل ّي بين توجّهين ولكل توجّه سحره؛ وجمهوره‬
‫فعند دفقة السّتينيات وفيضاناتها السّياسية دار إدوارد دورة لم تكتمل؛ نحو اليسار وقطع شوطا ً بعيداً تجاه "البرنامج الوطني‬
‫الديمقراطي" وضمت ذخيرته السيّاسية الطّبقة والحزب وإتحاد ال ّشباب وابادماك وهكذا رأينا بعد رحليه صورة له مع االستاذة‬
‫فاطمة أحمد ابراهيم واتحاد الشباب الديمقراطي العالمي‪ .‬وكاد يفلت من درج القوميين الجنوبيين‪ w‬ويدوّن نفسه‪  ‬في شارع‬
‫القومي‬
‫ُّ‬ ‫جوزيف قرنق ذو اإلتجاه الواحد؛ الذي أوصله للمشنقة بعزيمة وإختيار وهي اللّحظة التي وصفها (مدينق دي قرنق )‬
‫الجنوبي القاطع في إنتمائه لجنوب السودان ‪ ،‬والذي كان يصدر في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي مجلة " حزام الحشائش"‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬
‫الناطقة باسم االنيانيا األولى‪ ،‬فقد ذكر أنه بإعدام نميري لجوزيف قرنق؛ فقد الشمال أكبر ال ُمناصرين لوحدة السّودان وان الشمال‬
‫قد خسر أقوى االصوات المناصرة للوحدة‪.‬‬
‫حينما جفّت األرض؛ أحياها جون قرنق ديمبيور في ‪ 16‬مايو ‪ 1983‬لتتربع الحركة الشعبية على مسرح االحداث وفي نفس‬
‫العام أصدر قرنق منفستو الحركة الشعبية االول ودعا لوحدة السودان ولسودان جديد‪ ،‬ومن تمرد الكتيبة ( ‪ 104‬و ‪ )105‬في‬
‫مدينة بور صعد د‪ .‬جون قرنق إلى قمة المسرح السّياسي السّوداني بـ(رؤية السودان الجديد)‪ w‬وه ّز ساكن الحياة السّياسية وطنيا‬
‫سافر وتجاوز لكل األطروحات السّياسية للطّبقة الحاكمة التي ولدت ُمفلسة‬ ‫ٍ‬ ‫وافريقيا‪  -‬وقدم روشتة فكرية غير مسبوقة في تح ٍد‬
‫منذ يناير ‪ - 1956‬والتي فشلت في حل شفرة‪  ‬بلد يضم اكثر من ‪ 570‬قبيلة ومايزيد عن ‪ 7000‬عام‪  ‬من التاريخ و ‪ (130‬من‬
‫اللغات) ومليون ميل مربع وهيمنت أطروحة قرنق فكريا ً في وقت وجيز‪ ،‬وقدم قرنق نموذج المثقّف الثّوري‪  ‬ال ُملتزم سودانيا ً‬
‫وافريقيا ً وغيّر الجغرافيا السياسية لألبد‪ ،‬ولقد كان القرن الذي قبله قرنا ً ومئوية خالصة لالمام محمد احمد المهدي ولقد كان‬
‫القرن الماضي تأثيره األكبر في السّياسة السّودانية عند جون قرنق والتزال اطروحته ذات شأن ‪ ،‬وحركات الهامش جميعها بعد‪w‬‬
‫‪ 1983‬تأثرت بما طرحه قرنق في قضايا المواطنة والتّنوع التّاريخي والمعاصر والكفاح المسلح وخرجت كلها من معطف‬
‫جون قرنق الفكري والسياسي‪.‬‬

‫*)‪*(5‬‬

‫في ذلك الوقت كان إدوارد لينو عضواً مؤسّسا في حركة "نام" التي ض ّمت طيفا ً واسعا ً من المثقّفين الوطنيين واليسارين‬
‫الجنوبيين وكان معظمهم من اليسار القومي الجنوبي وكانت " منظمة العمل للوطنيين الجنوبيين" وهذه افضل ترجمة وجدتها‬
‫السمها؛ األقرب لرؤية قرنق‪ .‬وفي وقت ما من شهر مايو ‪ 1983‬التقى ادوارد لينو والرائد أروك طون اروك خريج الدفعة ‪24‬‬
‫من الكلية الحربية والمعلم بالكلية الحربية واحد المؤسسين للحركة الشعبية؛ إلتقيا سراً بالقائم باالعمال االثيوبي في الخرطوم‬
‫اسماعيل حسن‪ ،‬الذي يتحدث العربية بطالقة وامضى ‪ 13‬عاما ً في السودان والمطّلع على خبايا السّياسة السّودانية وطلبوا منه‬
‫طائرة اثيوبية لتقلُّ جون قرنق من داخل الحدود السودانية في أعالي النيل الى داخل إثيوبيا؛ بعد خروجه من مدينة‪ w‬بور في ‪16‬‬
‫مايو ‪ 1983‬وبالفعل جاءت الطائرة االثيوبية واقلّت قرنق ديمبيور من الحدود االثيوبية وكان ذلك إيذانا ً بتاريخ جديد في السّياسة‬
‫السّودانية وقد؛ ح ّدثني ادوارد مراراً عن اجتماعهما مع اسماعيل حسن‪ -‬والتقيت الحقا ً السفير اسماعيل حسن في اديس ابابا مع‪ ‬‬
‫الراحل د‪ .‬منصور خالد واالستاذ الراحل حسن النور وسألته أكثر من مرة عن هذه الواقعة الهامة والتي تضع ادوارد لينو في‬
‫قائمة المؤسسين للحركة الشعبية وبعدها عمل إدوارد في مكتب الحركة السّري في الخرطوم حتى خروجه وانضمامه للجناح‬
‫العسكري في عام ‪.1987‬‬

‫*)‪*(6‬‬

‫في عام ‪ 1987‬كنا في الدفعة السّادسة في المدرسة السّياسية للدراسات الثورية للحركة الشعبية‪ -‬في الحدود االثيوبية في منطقة‬
‫" ال ّز نك " وهي؛ منطقة عسكرية تابعة للسلطات االثيوبية بالقرب من مدينة " قمبيال "وعلى مسافة ليست بالبعيدة من مركز‬
‫التّ دريب األشهر الذي ضم مركز التدريب العام والكلية الحربية للدراسات الثورية التابعة للحركة الشعبية في منطقة " بنقو"‬
‫والتي تغني بها الجيش ال ّشعبي كثيراً‪ -‬وقد خ ّرجت اآلف المقاتلين وكان األساتذة االثيوبين يشرفون على المدرسة السياسية‬
‫والكلية العسكرية وفي المدرسة السياسية د ّر سنا اساتذة اثيوبين تخرجوا من االتحاد السوفيتي والمانيا الشرقية وكوبا ‪.‬وفي وقت‬
‫التخرج حضر القادة د‪ .‬جون قرنق وسلفاكير ميارديت واروك طون اروك وفي المساء دعاني د‪ .‬جون قرنق إلى منزله في‬
‫المدرسة السياسية وكانت تلك هي المرة االولى التي التقيه فيها‪ ،‬وكان منزله مبنيا ً من الطين والحشائش الجافة ( قطاطي)‪ .‬وقد‬
‫ذهبت للقائه بعد أن قدم لنا محاضرته الرئيسية حول المنفستو ورؤية السودان الجديد‪ w‬وقام بإجراء معاينات فردية وطلب مني‬
‫الحضور ذلك المساء وأبلغني انه قد ق ّر ر أن أذهب للعمل تحت قيادة القائد سلفاكير ميارديت وتحاورنا مطوال حول أهمية بناء‬
‫الجناح السياسية للحركة في المدن‪ .‬وبعد نهاية اللقاء طلب من أحد حراسه أن يدعوا أحد األشخاص للحضور؛ واذا بي وجها ً‬
‫لوجه مع إدوارد لينو بعد نحوعام من موعدنا المضروب في معهد ال ُموسيقى و المسرح ! وضحكت بعد‪ w‬أن تبادلنا التحايا‬
‫وحكيت للدكتور جون قرنق مالبسات لقاءنا السابق مع ادوارد لينو‪.‬‬

‫*)‪*(7‬‬

‫في ندوة الفتيحاب وصف إدوارد لينو المؤامرة العنصرية بانها؛في حد ذاتها مؤامرة عنصرية وهو تصويبٌ دقيق في مرمى‬
‫السّلطات الحاكمة مما جعلني؛ أرى الجانب اآلخر لوجه القضايا اإلثنية في السّودان وهذه العبارة السّديدة‪ w‬وال ّدقيقة الزالت في‬
‫بشغف ما تحمله مجلة " قضايا السّلم‬ ‫ٍ‬ ‫ذاكرتي‪ ،‬بعد مرور أكثر من ثالث‪  ‬عقود على تلك الندوة ‪ ،‬وكنت في الثّمانينيات أتابع‬
‫ّ‬
‫ضطهاد القومي ‪ ،‬واطلعت على مقاالت ( يوسف دادو )‬ ‫واإلشتراكيّة " من مقاالت حول جنوب أفريقيا في قضايا القوميات واال ّ‬
‫وتلخيص لمذكرات ( جون بيفر ماركس وكتابات موسس كوتاني ويوسف وعزيز باهات واوليفر تامبو من حزب المؤتمر‬
‫الوطني االفريقي) ومن تلك المقاالت ال ّزاهية تعلّمت الحوجة للنظر بعينين‪ w‬لقضيتي الطّبقة والقوميات والتّشابك بينهما‬
‫واإلستقاللية النسبية في حقل كال منهما وعدم االكتفاء بالتّحليل الطّبقي واغفال قضايا القوميات وتعلمت أيضا ً ان قضايا القوميات‬
‫دون جذرها االقتصادي والغاء كافة اشكال االستغالل‪  ‬تظل معلقة في السماء والصلة لها بأرض الواقع‪ ،‬وقادني ذلك لالهتمام‬
‫بقضايا التنوع والمواطنة واإلضطهاد القومي والثقافي وفي تلك الندوة ش ّدني التركيز الحاد والعبارات المدبّبة كالوخز باإلبر‬
‫والنّازفة والرّاعفة والتّ حريض القوي من ادوارد لينو واالب فيليب عباس غبوش لجمهور الندوة حول قضايا المواطنة والتّمييز‬
‫وعدم اإلعتراف بالحقوق المتساوية‪ ،‬لقد كان ذلك الجمهور المتعب والمهمش متحمسا ً بالكامل؛ ولم أرى هذا الجمهور من النوبة‬
‫والجنوبيين الواقفين على الرصيف في ندوات االحزاب االخرى يسارها ويمينها مما جعلني افكر اكثر حول؛ النقص في التحليل‬
‫الطبقي بمعزل عن قضايا القوميات واالضطهاد القومي والثقافي‪ ،‬والمست جانب مختلف من وجدان المدينة لم اآلمسه من قبل؛‬
‫على الرغم من أننا اطلعنا بعمق على أدب الحزب الشيوعي حول قضية الجنوب وهو الحزب االول الذي نظّر لخصوصية‬
‫مشكلة الجنوب‪ ،‬والحقا ً ش ّخ ص د‪ .‬جون قرنق على نحو مختلف وجديد وجاذب ومحفز للفكر والخيال بأن مايسمى بمشكلة‬
‫الجنوب ماهي اال مشكلة السودان‪ ،‬لقد رأيت في تلك الندوة جمهوراً ينشد التغيير وبرز السؤال الذي النزال نالحق اجابته حتى‬
‫اليوم‪  ،‬كيف نوحد بين مختلف الكتل الجماهيرية الراغبة في التغيير ذات األولويات المختلفة؟ هذا السؤال أخذ من ادوارد لينو‬
‫ومن آخرين خارج الحركة الشعبية أحياء وأموات سنوات عمرهم منهم من مضى ومن ينتظر‪ ،‬وحتى اليوم في السودان وبعد‬
‫ثورة ديسمبر المجيدة لم نعثر على إجابة شافية وحاسمة حول كيفية بناء حركة " للحقوق المدنية‪ w‬والسياسية‪  ‬واالقتصادية‬
‫والثقافية "‪  ‬متعددة الرايات والمنابر وفي وجهة واحدة تربط بين قضايا المواطنة بال تمييز والحريات والسالم والطعام والعدالة‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫في ميدان اإلعتصام عند القيادة العامة في نهاية مايو ‪  2019‬وعند جمهورية النفق والتي احتلت قلب ساحة االعتصام وبصوت‬
‫وخط جهير ُكتبت أجمل لوحة مضيئة عبّرت عن ماتحتاجه بالدنا " الشعب ‪"..........‬‬
‫*نواصل‪*.......‬‬

You might also like