5810 11385 1 SM

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 37

‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر‬

‫العربي الحديث‪ :‬محمود درويش نموذجا‬


‫د‪ .‬خلود يسري فهيم‬
‫كلية اآلداب – جامعة حلوان‬

‫ملخص البحث‬
‫يهدف هذا البحث إلى تعريف تأثير الشاعر اليوناني "يانيس ريتسوس"(‪:9191‬‬
‫‪ )9119‬في الشعر العربي الحديث‪ .‬ونتخذ من الشاعر الفلسطيني "محمود‬
‫نموذجا لمقاربة ودراسة هذا التأثير‪ ،‬باعتباره من أبرز‬
‫ً‬ ‫درويش"(‪)8992 :9199‬‬
‫شعراء العرب الذين ظهر هذا التأثير في شعرهم على نحو واضح‪.‬‬
‫ثم يتناول هذا البحث في متنه أربع مباحث‪ ،‬المبحث األول‪ :‬نعرض فيه‬ ‫ومن َّ‬
‫حياة وأعمال ريتسوس وأبرز مالمح وسمات تجربته الشعرية‪ .‬والمبحث الثاني‪ :‬نتناول‬
‫فيه حياة وأعمال درويش والسمات الفنية لشعره‪ .‬أما المبحث الثالث‪ :‬فنذكر فيه‬
‫أخير المبحث الرابع‪ :‬نوضح فيه‬
‫السمات الحياتية واألدبية المشتركة بين الشاعرين‪ ،‬و ًا‬
‫تأثير أشعار ريتسوس في أشعار محمود درويش مع اإلشارة إلى نماذج متنوعة من‬
‫قصائد الشاعرين في األدب اليوناني واألدب العربي الحديث‪.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫العمل األدبي رسالة موجهة من المؤلف إلى المتلقي تستخدم فيها نفس الشفرة‬
‫اللغوية المشتركة بينهما‪ ،‬ويقتضي ذلك أن يكون كالهما على علم بمجموعة األنماط‬
‫كون نظام اللغة أي الشفرة‬ ‫والعالقات الصوتية والصرفية والنحوية والداللية التي تُ ِّ‬
‫المشتركة؛ وُيلبي هذا النظام متطلبات عملية االتصال بين أفراد الجماعة اللغوية‪،‬‬
‫وتتشكل عالقاته من خالل ممارستهم ألوان النشاط الفردي واالجتماعي كافة في‬
‫حياتهم‪ .‬ويرى بعض الباحثين أن اللغة المعينة عبارة عن قائمة هائلة من اإلمكانات‬
‫ثم فإن األسلوب يمكن تعريفه بأنه اختيار أو انتقاء يقوم به‬ ‫المتاحة للتعبير‪ .‬ومن َّ‬
‫الكاتب لسمات لغوية معينة بغرض التعبير عن موقف معين‪ .‬ويدل هذا االنتقاء على‬

‫أوراق كالسيكية ‪ ،‬العدد الثاني عشر ‪1025‬‬


‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫إيثار الكاتب وتفضيله لهذه السمات على سمات أخرى بديلة‪ .‬ومجموعة االختيارات‬
‫الخاصة بمؤلف معين هي التي تشكل أسلوبه الذي يمتاز به عن غيره من المؤلفين(‪.)9‬‬
‫ثم فإن كل اختيار يقوم به المؤلف أو الشاعر البد أن يكون أسلوبيًّا‪ ،‬إذ إن‬‫ومن َّ‬
‫هنالك نوعين مختلفين من االختيار‪ .‬وقد تميز أسلوب ريتسوس بنوعين‪ ،‬األول‪:‬‬
‫اختيار محكوم بسياق المقام‪ ،‬وهو انتقاء نفعي مقامي‪ .‬فهو ُيؤثِر كلمة أو عبارة على‬
‫أخرى ألنها أكثر مطابقة – في رأيه ‪ -‬للحقيقة‪ ،‬أو ألنه – على عكس ذلك – يريد‬
‫أن يراوغ سامعه‪ ،‬أو يتفادى االصطدام بحساسيته تجاه عبارة أو كلمة معينة‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫اختيار تتحكم فيه مقتضيات التعبير الخالصة‪ ،‬وهو انتقاء نحوي حيث أستخدم فيه‬
‫قواعد اللغة بمفهومها الشامل‪ :‬الصوتية والصرفية والداللية ونظم الجملة‪ .‬ومن خالل‬
‫تركيبا على تركيب‪ ،‬ألنه‬
‫ً‬ ‫هذا االنتقاء يستطيع الشاعر أن ُيفضل كلمة على كلمة أو‬
‫أصح أو أدق في ايصاله ما يريد من معنى وهو ما قام به من فصل ووصل‪ ،‬وتقديم‬
‫وتأخير‪ .‬كما أن أسلوبه الفني يقع فى منطقة وسطى بين لغة الحديث ولغة الكتابة‪:‬‬
‫فهو يكتب وال ينسى أنه يتحدث‪ ،‬ويتحدث وال ينسى أنه يكتب‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫كبير عند عدد من الشعراء العرب بعد‬‫احتفاء ًا‬
‫ً‬ ‫حساسيته ودقته‪ .‬وقد وجد شعر ريتسوس‬
‫أن تُرجمت الكثير من أشعاره إلى العربية‪ ،‬خاصة لدى شعراء القصيدة النثرية الذين‬
‫ربما وجدوا في قصيدته القائمة على متابعة التفاصيل اليومية‪ ،‬وخفوت النبرة الشعرية‪،‬‬
‫تسوغ لهم ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬استغناءهم عن‬ ‫وحضور السرد في القصيدة‪ ،‬مرجعية مقبولة ِّ‬
‫اضحا –‬
‫أساسيا في تحديد ماهية الشعر‪ .‬ويبدو هذا التأثير و ً‬ ‫ً‬ ‫عنصر‬
‫ًا‬ ‫الوزن بوصفه‬
‫الجراح‪ ،‬ووليد‬
‫علي سبيل المثال‪ -‬في أشعار "أمجد ناصر‪ ،‬وعباس بيضون‪ ،‬ونوري َّ‬
‫خازندار"‪ ،‬وغيرهم(‪.)8‬‬
‫‪ ‬يانيس ريتسوس‪ ،‬حياته‪ ،‬وأعماله‪:‬‬
‫ُيعد يانيس ريتسوس من أعظم شعراء األدب اليوناني الحديث ومن أكثرهم شهرة‬
‫عمودا أساسيًّا من نهضة الشعر‬
‫ً‬ ‫وذيوع صيت‪ .‬إذ ُيعد مع " كفافيس" و" كازاتزاكيس"‬
‫بدءا من ِعقد الثالثينيات‪ .‬وقد أسهم انتشار أعماله خارج اليونان‬
‫اليوناني المعاصر ً‬
‫في التقدير الذي نالته اآلداب الهيلينية الحديثة واالعتراف على مستوى عالمي في‬
‫مخلصا لغايات‬
‫ً‬ ‫دائما‬
‫آخر أربعة عقود‪ .‬وريتسوس هو شاعر األلم والتمرد‪ ،‬الذى ظل ً‬
‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫أيضا إلثراء اللغة اليونانية الحديثة‬


‫التنوير‪ ،‬الحرية واإلنسانية‪ ،‬إرث اليونان الخالدة‪ ،‬و ً‬
‫أيضا عن واقع اليونان المؤلم البائس دائم‬ ‫ً‬ ‫الجميلة التي على مدى‪ .‬ولكنه بحث‬
‫الحداد‪ ،‬واألرض الفقيرة ذات الحجارة الكثيرة التي تعرضت للغزوات والسيطرات‬
‫األجنبية المدمرة‪ .‬وترتبط حياة ريتسوس وأعماله بشكل وثيق بالظروف التراجيدية التي‬
‫تطور فيها التاريخ اليوناني خالل العصور المختلفة خاصة في القرن العشرين(‪.)3‬‬
‫بإقليم الكونيا في‬ ‫ولد يانيس ريتسوس في مدينة "مونيمڤاسيا"‬

‫جنوب شرقي شبه جزيرة "البيلوبونيسوس" اليونانية‪ ،‬في األول من شهر مايو‬
‫عام(‪ ،)9191‬وكان االبن األصغر ألسرة نبيلة من ُمالك األراضي‪ .‬كان أبوه‬
‫سيدا من أصحاب الضياع الكبيرة‪ ،‬يحيا‬ ‫ً‬ ‫"إليفثيريوس ريتسوس"‬
‫حياة أشبه بحياة أمراء اإلقطاع القدامى‪ .‬على أنه منذ مولد ريتسوس راحت ثروة األب‬
‫تتعرض ألخطار متالحقة؛ إذ أوقعه القمار فى ويالت كثيرة‪ ،‬وسرعان ما ُرهنت‬
‫األرض‪ ،‬ثم توالت األمراض لتقضي على البقية الباقية من كل ما يملكه‪ .‬ولذا فقد‬
‫عاصر ريتسوس خالل فترة شبابه تدمير أسرته من الناحية االقتصادية‪ ،‬كما ازدادت‬
‫اتساعا‪ .‬وبعد موت والدته المبكر وكذا أخيه األكبر‪ ،‬عانى‬
‫ً‬ ‫هوة الشقاق بينه وبين أبيه‬
‫ير من اضط ارب في العقل‪ .‬وقد أمضى ريتسوس سنوات دراسته‬ ‫عناء مر ًا‬
‫ً‬ ‫والده‬
‫االبتدائية بمدرسة بلدته مونيمڤاسيا‪ ،‬ثم رحل بعدها إلى عاصمة اإلقليم القريبة ليلتحق‬
‫بمدرستها الثانوية في أوائل عام (‪.)9189‬وفي شهر أغسطس من العام ذاته مات‬
‫الســل‪ ،‬وبعد ثالثة أشهر لحقت به أمه‪ ،‬ولم‬
‫بداء ُ‬ ‫شقيقه األكبر "ديميتريس"‬
‫وكمدا على مرض ابنها ثم وفاته (‪.)9‬‬
‫ً‬ ‫تزل فى الثانية واألربعين من عمرها‪ ،‬حزًنا‬
‫بدأ يانيس ريتسوس يكتب الشعر منذ سن الثامنة‪ .‬وجعل مالذه الشعر في حيزه‬
‫المكاني والزماني بوصفع سالحا ضد االحباط‪ ،‬ووجد في ذكرى قريب له هو نائب‬
‫القبطان "نيقوس ريتسوس"‪ ،‬الذي استشهد في معركة بحرية في نوفمبر عام (‪)9198‬‬
‫قرب جزيرة "خيوس"‪ ،‬ما يشد من أزره ويقوي من عزيمته إزاء كل المثبطات التي‬
‫أحاطت به فى صباه‪ .‬وعلى الرغم من تدهور أحوال آل ريتسوس المالية إلى حد‬
‫اإلفالس؛ فقد ظلت الخادمات في بيتهم يقرعن –من تلقاء أنفسهن‪ -‬المالعق في‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫األقداح الخزفية‪ ،‬كي يوهم الجيران بأن أوالد سادتهن ما زالوا يتناولون البيض المخفوق‬
‫بالسكر كل صباح‪ .‬وبعد أن انهى ريتسوس دروسه الثانوية انتقل إلى مدينة "أثينا"‬
‫التي عانى فيها من قلة موارده‪ ،‬مما أجبره على أن ينقطع عن التعليم وأن يعمل في‬
‫مغمور بإحدى الفرق‬
‫ًا‬ ‫اقصا‬
‫كاتبا ينسخ األوراق في نقابة المحامين ور ً‬ ‫سن صغيرة‪ً ،‬‬
‫مصححا وقارًئا لبروفات الطباعة لدى أحد الناشرين‪ ،‬حتى‬ ‫ً‬ ‫المهنية‪ ،‬وممثالً صامتًا‪ ،‬ثم‬
‫السل فعاد‬
‫حظي بوظيفة في "المصرف الوطني"عام (‪ )9181‬وأصيب بعدها بمرض ُ‬
‫إلى قريته التي نظم فيها ديوانه "منزلنا القديم"(‪.)5‬‬
‫قضى ريتسوس أربع سنوات (‪ )9139 -9181‬في مصحة للعالج من مرض‬
‫السل‪ .‬ومن ثم أثرت هذه األحداث التراجيدية فيه ودفعته إلى القراءة وانتاج األعمال‬ ‫ُ‬
‫شاعر ثورًّيا‪ .‬لقد عرف ريتسوس الذل‬ ‫ًا‬ ‫األدبية المختلفة ليقرر فيما بعد أن يصبح‬
‫واالستغالل‪ ،‬ووجد نفسه فجأة ذليالً في عالم عدائي عديم الرحمة‪ ،‬غريًبا عن نبالء‬
‫اإلقليم‪ .‬هذا هو عالم طفولته ومراهقته‪ .‬وقادته هاتان المحنتان إلى أعتاب الهاوية‪،‬‬
‫والجنون‪ ،‬واالنتحار‪ ،‬والموت الجسدي‪ .‬ولكنه وجد سندين سمحا له بمواصلة حياته‪:‬‬
‫الشعر‪ ،‬والمثل األعلى الثوري‪ .‬بدأ في الكتابة دون توقف وبإرادة صلبة‪ ،‬تلك اإلرادة‬
‫دائما الميزة األساسية لشخصيته‪ .‬وكانت الكتابة بالنسبة له أكثر من الحرية‬ ‫التى ظلت ً‬
‫أو مثل الفداء‪ ،‬إذ كانت الهدف الوحيد لوجوده‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬رأى في الحركة‬
‫التقدمية التي التصق بها األمل في سالم شخصي وعاطفي‪ .‬وفي عام (‪ )9139‬عاد‬
‫إلى أثينا وامتهن التمثيل في أحد مسارحها (‪ .)6‬ومنذ عام (‪ )9139‬أصبح ريتسوس‬
‫مقرًبا إلى الحزب الشيوعي ‪ Κ.Κ.Ε‬في اليونان‪ ،‬وتقيد بالعمل الجماعي‪ .‬وحدد األلم‬
‫والتمرد في وجه الظلم االجتماعى خطواته األولى في الشعر‪ ،‬وأنتج عمله "مزرعة‬
‫عام (‪ ،)9135‬وهما‬ ‫عام (‪ ،)9139‬ثم "األهرامات"‬ ‫تراكتر"‬
‫متأرجحا بين اإليمان والثقة بالمستقبل المرتبط بالفكر‬‫ً‬ ‫عمالن حققا توازًنا مازال‬
‫الشيوعي واإلحباط النفسي‪ .‬كما أنهما قصيدتان يائستان هجائيتان عن الحنين‪، ،‬‬
‫زاخرتان بالسخرية من الذات‪ ،‬بل هما تعويذتان شخصيتان تكشفان عن مكنونة‬
‫الشاعر اليوناني البرجوازي المتزمت‪ ،‬الذي انتحر وهو لم يزل بعد في الثانية والثالثين‬
‫(‪ .)9182-9211‬لقد‬ ‫من عمره‪" -‬كوستاس كاريوتاكيس"‬

‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫بذل ريتسوس جه ًدا ملحوظًا فى هذين العملين للخروج من الطريق الضيق المسدود‬
‫إلى وسطية الشعر الذي ألهمه بأبيات مليئة بالكبر والسخرية والتواضع فى آن‪ .‬لقد‬
‫اعتبر أن هذا هو انتقامه من الظلم‪ ،‬وارتداد كرامته ونفسه المجروحة الباحثة عن‬
‫إحيائها ثانيةً‪ ،‬والذهاب بها فوق البيئة العدائية‪.‬وفي مجال علم الجمال‪ ،‬يمكن مالحظة‬
‫آثار واضحة للمدرسة المستقبلية الروسية في شباب ريتسوس‪ ،‬حيث أنتج "القصيدة‬
‫عام (‪ .)9131‬كما أنها تُعد خطوة بطولية جسورة‬ ‫الجنائزية"الطويلة‬
‫للشكل الشعري التقليدي‪ ،‬إذ تُعبر بلغة واضحة وبسيطة عن رسالة متحركة للجماعة‬
‫يعا في‬
‫األخوية‪ .‬ويتغنى فيها ريتسوس بألم أم تبكي وسط الطريق ابنها الذي سقط صر ً‬
‫قمع إضراب ُعمال مصانع التبغ في "سالونيكي" تحت حكم الديكتاتور "ميتاكساس"‪،‬‬
‫زعيم حزب حرية ال أري ومؤسس الديكتاتورية الفاشية (‪ ،)9199 /9135‬التي حاربتها‬
‫حركات شعبية عديدة من بينها الحزب الشيوعي‪ ،‬الذي كان ريتسوس قد انضم إليه في‬
‫شبابه آنذاك‪ .‬لقد رأى ريتسوس في جريدة يومية صورة تلك المرأة منحنية فوق جثة‬
‫ابنها‪ .‬بعدها انفرد بهذه السيدة لمدة ثمان وأربعين ساعة ثم نظم قصيدته "الجنائزية"‪،‬‬
‫التي نالت شهرة عظيمة لدى الكنيسة األرثوذكسية‪.‬وهي عبارة عن رثاء إنساني‬
‫وجسدي مؤثر لدرجة كبيرة‪،‬حتى إن اليونانيين –بمن فيهم من غير المؤمنين‪ -‬أحبوا‬
‫سماعها وغناءها في ليلة الجمعة الحزينة السابقة علي عيد القيامة‪ .‬أما موسيقى‬
‫ثيودوراكيس لهذه القصيدة عام (‪ ،)9119‬فكانت بمثابة ُمفجر للثورة الشعرية في‬
‫اليونان‪ .‬ومنذ أغسطس (‪ )9131‬أجبر نظام الديكتاتور ميتاكساس ريتسوس على أن‬
‫علنا على رؤوس األشهاد من‬ ‫حكيما‪ ،‬خاصة أن قصيدته الجنائزية تم حرقها ً‬ ‫ً‬ ‫يصبح‬
‫ِقبل الحكومة‪ .‬بعدها اتجه الشاعر إلى استخدام بعض مداخل السريالية‪ ،‬بمعنى‪ :‬رسم‬
‫دهاليز األحالم‪ ،‬تداعي الخواطر المذهل‪ ،‬انفجار الرموز والصور‪ ،‬المذهب الغنائي‬
‫الحلوة والمريرة‪ .‬ومنها علي سبيل المثال‬
‫الذي ُيظهر األلم النفسي للشاعر‪ ،‬التذكارات ُ‬
‫التي ال تحدد‬ ‫"أغنية شقيقتي" عام (‪)9131‬‬
‫فحسب البحث عن طرق جديدة متعلقة بالشكل‪ -‬وهو ملمح شائع في الشعراء‬
‫أيضا عن آفاق أوسع في األفكار‪ ،‬ومثلها قصيدته‬
‫المعروفين فى جيل الثالثينيات‪ -‬بل ً‬
‫(‪)1‬‬
‫عام (‪. )9132‬‬ ‫"سيمفونية الربيع"‬
‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫مقاتال فحسب– على الرغم من أنه لم يكن عدو ًّ‬
‫انيا‪ -‬بل‬ ‫ً‬ ‫شاعر‬
‫ًا‬ ‫لم يكن ريتسوس‬
‫دائما عن رسم بالخطوط األولية لإلنسانية األصيلة العميقة التي تنطلق من‬
‫كان يبحث ً‬
‫الحقيقة الخالصة‪ ،‬المؤلمة والصعبة‪ ،‬للحياة في وطنه‪ .‬ففي أثناء حرب اليونان‬
‫األهلية‪ ،‬تورط "ريتسوس" في مشاجرة ضد الفاشيين‪ ،‬وصدر ضده حكم بقضاء أربع‬
‫سنوات في السجن في معسكرات اعتقال مختلفة‪ ،‬منها‪" :‬ليمنوس‪ ،‬وأغيوس‪،‬‬
‫نوعا من االصالح أو إعادة التأهيل(‪.)2‬‬
‫وافستراتيوس‪ ،‬وماكرونيسوس"‪ -‬بوصف ذلك ً‬
‫وفيما بين عامي (‪ 9111‬و ‪ )9119‬أجبر االنقالب السياسي الفاشي ريتسوس‬
‫على الرحيل من بلدته مونيمڤاسيا؛ إذ صدر ضده حكم باإلقامة الجبرية في جزيرتي‬
‫‪ .‬ولم يمنعه ذلك من إثراء عمله الضخم وم َّد خياله‬ ‫‪ ،‬و"ليروس"‬ ‫"ياروس"‬
‫صوب العالم اإلغريقي مرة أخرى‪ ،‬فنظم مونولوجاته الشعرية في هاتين الجزيرتين أثناء‬
‫فقد كتبه عام(‪ ،)9118‬وهو‬ ‫فترة المنفى‪.‬أما مؤلفه "البعد الرابع"‬
‫يضم مجموعات النصوص كلها التي تأخذ شكل المونولوجات المسرحية‪ ،‬والتي‬
‫غالبا ما يقعون تحت‬
‫استوحاها ريتسوس من األساطير القديمة‪ .‬فأبطال هذه األعمال ً‬
‫ضغوط أو يصبحون على شفا الموت‪ ،‬في اللحظة نفسها التي يكونون فيها على وشك‬
‫ضبط ميزان حياتهم‪ .‬فبينما يخاطبون بعض الشخصيات الصامتة‪ ،‬يطلقون ألنفسهم‬
‫العنان إللقاء خطبة استطرادية‪ ،‬واإلشارة إلى المفارقات التاريخية‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬إن‬
‫هذه القصائد كلها ما هي إال تأمل وتفكر في العمر وكبر السن‪ ،‬والموت‪ ،‬والزمن‪،‬‬
‫والدمار‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والعزلة‪ ،‬وأساليب الحياة التي تقع بين المتطلبات الشخصية‬
‫والضرورات االجتماعية وأزمة الحركات الثورية‪.‬‬
‫لم يقسم ريتسوس شعره إلى سياسي عبر السنوات األولى‪ ،‬وغير سياسي في‬
‫انتشارا‪ .‬ولكنه أكد أن عمله كفاح أساسي من أجل الحياة‪:‬‬
‫ً‬ ‫المرحلة اإلبداعية األكثر‬
‫"فمن الخطأ تقسيم الشعر إلى أنواع؛ حيث إن الشعر شاسع مثل الحياة‪ .‬فال توجد‬
‫حدود في فضائه وال محرمات‪ .‬فداخل كلمات الشاعر وخارجها تنطبع الذاكرة الثقافية‬
‫للقرون ويتراكم التاريخ العالمي‪ ،‬حيث تنشأ القصيدة من الحاجة إلى كسر الصمت‪،‬‬
‫ومن أمر يأتي قبل التاريخ‪ .‬فعند كتابة الشعر‪ ،‬يقوم الشاعر بمحاربة الموت وجهًا‬
‫لوجه دون أن يدري‪ ،‬وعندما نذكر الموت‪ ،‬ال ينبغي أن نفهم منه فحسب الموت‬

‫‪050‬‬
‫خلود يسري‬

‫الجسدي‪ ،‬بل أشكال الموت االجتماعي كله‪ ،‬ومن ث َّم فإنه حيثما يوجد الموت سيوجد‬
‫رد الفعل ضده‪ .‬إن الشعر السياسي هو أحد أشكال المواجهة مع هذا الموت فهو‬
‫حرب لتحقيق ما يسمى عنده "الفوضى الزرقاء"‪ ،‬كما كتب في قصيدته "إلى نيرودا"‪.‬‬
‫دائما بقيمة الحياة‪ ،‬ألنه لو اعتبرها تافهة لن يكون لديه الحق في‬
‫أجل‪ ،‬فالشاعر يؤمن ً‬
‫الكتابة‪.‬كان ريتسوس مثل أطلس يحمل كوكبه الشعري وهو ماض في صراعه‪ ،‬وعندما‬
‫تنفد منه الكلمات يغمض عينيه ويرقد رقدته األبدية يوم ‪ 99‬نوفمبر عام ‪.)1(9119‬‬
‫أواًل‪ :‬أبرز تجارب ريتسوس الشعرية ومالمحها‪:‬‬
‫يانيس ريتسوس شاعر يميل إلى الخيال غير أنه لم يتجاوز منطق الحياة‬
‫ووجوديتها‪ ،‬فلقد استخدم الخيال ليحاور من خالله التاريخ الضارب في أعماق‬
‫اإلنسانية‪ .‬ولقد طوف بنا هذا الشاعر المبدع فى عصور التاريخ وربط بين عراقة‬
‫اإلغريقي واألساطير القديمة التى تروى بشكل منطقي أو غير منطقي‪ ،‬بالمصدر‬
‫الوجودي لقوانين الحياة‪ .‬كما أوجد سلسلة تربط أشكال النضال الوطني بعد تحرره من‬
‫أنواع االحتالل بصنوفه‪ :‬اإلنجليزي‪ ،‬األلماني‪ ،‬األمريكي والعثماني‪ .‬ولقد وجدت‬
‫البساطة الموجودة في أعمال ريتسوس وانتاجاته الشعرية انطالقًا من حقيقة تمحور‬
‫األلم المتجذر في فكره اإلنسانى‪ .‬وهو أمر يدفعنا إلى التعامل مع هذه اإلنتاجات‬
‫المتعددة والجميلة بنوع من البساطة والرقة واأللفة‪ ،‬غير أن هذا ال ينفي عن شعره‬
‫صفة الرمزية‪ .‬فكلما ق أرها المرء أو تالها تظهر بها صور جديدة‪ ،‬وكلما م َّر الزمن‬
‫اكتشفنا بها مكنونات رائعة‪ ،‬كما أننا لو اتبعنا تجارب جديدة تستطيع إيصالنا إلى‬
‫الصبغة الحقيقية ألعمال ريتسوس نصل فى النهاية إلى اقتناع مفاده أن إبداعه يحوي‬
‫ضخما من معالم الكون الغامضة(‪.)99‬‬
‫ً‬ ‫قدر‬
‫ًا‬
‫إن ما يستوقفنا في ريتسوس ‪ -‬على األخص‪ -‬هو الرصانة في التعبير‪ ،‬إذ حفلت‬
‫قصائده بالعديد من الجمادات التى بث فيها شاعرنا الحياة مثل‪ :‬النوافذ واألبواب‬
‫والمرايا والثياب وشتى األدوات‪ .‬ولقد نفخ روح الشعر في هذه الماديات الصغيرة التي‬
‫ال تستغنى عنها حياة البشر العادية‪ ،‬جعلها ترقى إلى مستوى يجعل منها شريكة في‬
‫مأساة قد ال تعنيها‪.‬ولقد كانت السياسة‪-‬مثلها مثل الشعر‪ -‬نسيج حياة ريتسوس‬

‫‪055‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫أيضا‪،‬حيث إنه اكتوى بنارها مرًارا‪ ،‬ودخل السجون‪ ،‬وزج به في المعتقالت‪ ،‬وعانى من‬ ‫ً‬
‫تحديد اإلقامة بسبب آرائه السياسية‪ ،‬السيما في ظل النظام الديكتاتورى العسكرى‪ ،‬وهو‬
‫يقول لنا في هذا الصدد‪" :‬ال ينبع عالم الشاعر من اإليديولوجيا‪ ،‬وال يمكن أن تكون‬
‫أخير شاعر طليعي يصعب حصر‬ ‫المسألة في الشعر حدود االلتزام"‪.‬وريتسوس أوًال و ًا‬
‫عالمه الشعري في مالمح محددة‪ ،‬حيث إن له لغته الخاصة التى لم تكن مألوفة في‬
‫السابق‪ ،‬ال في مفرداتها‪ ،‬وال في تراكيبها النحوية‪ ،‬وال في دالالتها اإليحائية‪ .‬وحتى لو‬
‫نوعا من االقناع‬
‫سهال في بعض جوانبه فهو يخفي وراء سهولته ً‬ ‫بدا شعر ريتسوس ً‬
‫الشعري الذى ال يتاح أو يتوافر إال عند الشعراء األصالء؛ فهو يخبئ خلف بساطته‬
‫الظاهرة تجربة جوهرية عميقة(‪.)99‬‬
‫أما الشاعر السوري "على أحمد سعيد إسبر" المعروف باسم "أدونيس" فيصفه بأنه‬
‫يأت به التاريخ قبل ذلك‪ .‬كما يقول‪" :‬يواجهنا شعر الشاعر اليوناني يانيس‬ ‫مثقف لم ِ‬
‫اسما لنا‬
‫ريتسوس‪ ،‬للوهلة األولى‪ ،‬كما يواجهنا النثر‪ .‬فهو يعرض ويقص ويروي‪ ،‬ر ً‬
‫أشياء يلتقطها من الحياة اليومية األليفة‪ ،‬أو وقائع متناثرة ال معنى لها‪ ،‬ظاهرًّيا‪ .‬وهو‬
‫‪-‬في هذا‪ -‬يحاول أن يعيد النظر في موقف اإلنسان إزاء الموجودات العادية أو‬
‫المبتذلة إلى حد بعيد‪ ،‬فيضفي عليها قيمة جديدة‪ ،‬ويعترف بأهمية ما يبدو أنه بال‬
‫أهمية‪ .‬هكذا يتحول هذا العالم المتواضع‪ ،‬عالم األشياء الصامتة إلى الشعر‪ ،‬فنكاد أن‬
‫نسمع هذه األشياء تتكلم‪ ،‬ونكاد أن نراها تمشي‪ ،‬حين يرفعها الشعر إلى مستوي قامة‬
‫حلما‪.‬إن شعر ريتسوس احتفاء بما هو مألوف وتمجيد لما‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فتصبح صديقًا أو ً‬
‫هو عادى‪ ،‬والموجودات العادية المألوفة برهان على استمرار العالم وديمومته‪ .‬من هذه‬
‫المشاركة بين اإلنسان ومألوفاته‪ ،‬تنبعث الغرابة في شعر ريتسوس؛ فالغريب بل‬
‫المدهش بالنسبة إليه‪ ،‬ال يكمن فيما هو فارق أو استثنائي‪ ،‬بل في تكرر األشياء‬
‫ورتابتها‪ ،‬وتكرر األفعال والكلمات‪ .‬فالعادي بالنسبة له هو الخارق نفسه‪ ،‬والسحر هو‬
‫فيما يكون الحياة اليومية‪.‬‬
‫صور تذكرنا بالموروث‬
‫ًا‬ ‫كثير ما استخدم ريتسوس في أوائل حياته الشعرية‬ ‫و ًا‬
‫أحيانا يجدد فى‬
‫ً‬ ‫الشعبي اليوناني القديم‪ ،‬لكنه استخدمها بتقنيات حديثة‪ :‬فكان‬
‫شكال تقليديًّا‪ ،‬هو الشكل الغالب المفضل في‬
‫الموضوع‪ ،‬غير أنه يستخدم للتعبير عنه ً‬
‫‪055‬‬
‫خلود يسري‬

‫الشعر الشعبي‪.‬لكنه تخلى فيما بعد عن األشكال التقليدية‪ ،‬وأخذ خياله اإلبداعى يبني‬
‫مليئا بصور مفاجئة كأنها غمست في األلوان واألصوات‪ .‬ولقد ازداد شغفه‬ ‫عالما ً‬
‫ً‬
‫بالحرية عندما أحس أنها تتيح له كتابة شعر المستقبل دون أن يكون مشروطًا بأشكال‬
‫‪.‬وبدءا من عام ‪ 9151‬حيث نشر قصيدته "سوناتا ضوء القمر" التي نالت‬ ‫الماضي ً‬
‫تتر خلف ضمير الغائب‪ ،‬وخلف‬ ‫الجائزة الوطنية للشعر الهليني‪ ،‬أخذ يكتب الشعر مس ًا‬
‫نوع من السرد القصصي يبتعد فيه عن غنائية األنا‪ ،‬وضمير الغائب حيادى‪ ،‬وهو‬
‫عندما يحيد يعمم‪ ،‬وفضال عن ذلك يحرر التعبير‪ .‬إذ أن هذه التقنية تمكن الشاعر من‬
‫أن يتحدث عن نفسه‪،‬وعن اآلخرين فى آن‪ .‬كما أن الشاعر عند استخدام ضمير‬
‫تأثير أقل مباشرة‪،‬‬
‫الغائب يمكنه أن يحيط بالماضي‪ ،‬وأن يمارس بفضل الفارق الزمنى ًا‬
‫وبالتالي أكثر فعالية‪ .‬ومن هنا يبدو للقارئ أن قصيدة ريتسوس ال تخرج من بين‬
‫شفتيه هو‪ ،‬بل تخرج من بين شفتي شخص آخر سواه(‪.)98‬‬
‫وُيعد اإلبداع الفني استم اررية رئيسة الهتمام ريتسوس السابق باألحداث اليومية‬
‫لليونان‪ ،‬وبحاله‪ ،‬وبماضي أمته‪ ،‬وبالذكرى والحلم‪ ،‬وبالثورة االجتماعية واألخالقية‪ .‬كذا‬
‫نراه يلجأ إلى استخدام المونولوجات الدرامية بوصفها مرتبة‪ ،‬ألن هذا األسلوب يضيف‬
‫بنفسه كل من التأثير والموضوعية‪ .‬كما نراه يميل إلى استخدام األسطورة بمفردها أو‬
‫دمجها‪ ،‬أو يشوشها‪ -‬بشكل مدروس متأن‪ -‬بأحداث معاصرة‪ ،‬كنوع من التوحيد‬
‫والتشخيص لموضوعاته‪ .‬وهو عموما يفضل استخدام الضمائر الشخصية‪ ،‬مثل‪":‬هو‪،‬‬
‫شاعر يصنع‬
‫ًا‬ ‫وأنت" على استخدام الضمير "أنا"‪ .‬وقد جعل هذا األسلوب من ريتسوس‬
‫جنبا إلى جنب مع الغموض والتعقيد‪ .‬كما أن‬ ‫البساطة والوضوح اللذين يتعايشان ً‬
‫ريتسوس شاعر ال يقدم لنا نظرية بشكل طبيعي في كتابته النثرية عن قصيدته‪ ،‬غير‬
‫أنه مع ذلك لم ُينشر لما فيه من تعبيراته الحاسمة للمعنى(‪.)93‬‬
‫شاعر تجاوز المحلية إلى‬
‫ًا‬ ‫واذا كان ريتسوس قد اكتسب اليوم شهرته بوصفه‬
‫ير من أجل اإلنسان‪ .‬وكان‬
‫اعا مر ًا‬
‫العالمية؛ فإن ذلك يرجع إلى أنه خاض بشعره صر ً‬
‫أصبح‬
‫ي خصومي فسيكتمل بموتي عطائي‪ ،‬و ُ‬ ‫يقول فىهذا الصدد‪" :‬لو أجهز عل َّ‬
‫رمز يبث في قلوبهم العزاء من أجل النصر‪ .‬أما إذا تنكرت لشرف‬
‫لألجيال القادمة ًا‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫الكلمة فقد قضيت على المغزى الكبير لمسيرتي الشعرية كلها"‪ .‬ولهذا فقد واصل‬
‫وعدال وحقًا‪ .‬وألنه‬
‫خير ً‬‫ريتسوس شاعر اليونان الكبير التشبث بمثله العليا‪ ،‬وبما اعتبره ًا‬
‫كان قد بدأ مسيرته الشاقة وواصلها بال طمع في كسب أو نيل مديح‪ ،‬فقد نال بعد ذلك‬
‫الكثير من التقدير والجوائز‪ ،‬فقد طُبعت أعماله في بالده عشرات الطبعات كانت تنفد‬
‫مفروضا على األعمال األدبية الحرة‪ ،‬كانت كتبه‬
‫ً‬ ‫فور صدورها‪ .‬وعندما كان الحظر‬
‫تباع في سوق الممنوعات بأغلى األثمان‪ ،‬كما تُرجمت أعماله إلى كثير من اللغات‬
‫األوروبية وغيرهامنذ عام ‪ .9111‬وفي مقدمة هذه اللغات اللغة الفرنسية التي ترجم‬
‫إليها ماال يقل عن عشرين من دواوينه‪ .‬إضافة إلى ذلك فإن ريتسوس أثر في اللغة‬
‫اليونانية نفسها‪ ،‬ونسج تراكيب جديدة في تلك اللغة‪ .‬وفى هذا الصدد يقول الكاتب‬
‫البريطاني "إدوارد فورستر" ‪" : Edward Forster‬الترجمة الجيدة هي التي البد أن‬
‫المترجم لها‪ ،‬بمثل وفائها بالغرض األصلي في اللغة التي‬ ‫تفي بالغرض نفسه في اللغة ُ‬
‫ُدون بها"‪.‬‬
‫إن ريتسوس َك ْشف جديد ورؤية جديدة في الشعر الحديث‪ ،‬يرقى إلى مصاف‬
‫الشعراء السياسيين أمثال‪ :‬الشاعر التشيكي "بابلو نيرودا" ‪/9199( Pablo Neruda‬‬
‫‪ ،)9113‬والشاعر التركي "ناظم حكمت" ‪،)9113 /9198( Nâzim Hikmet‬‬
‫والشاعر "أوكتاڤيو باث" ‪ ،)9112 /9199( Octavio Paz‬لكن بأسلوب خاص به‬
‫تماما‪ ،‬هو إلى اإليحاء والهمس أقرب؛ وفي عطاء ريتسوس إثراء حقيقي للشعر‬ ‫ً‬
‫أيضا في كل مكان‪ .‬واذا كان "سولوموس" قد حرر‬ ‫ً‬ ‫للشعر‬ ‫بل‬ ‫الحديث‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األوروب‬
‫الشعر اليوناني الحديث من قيود البحور البيزنطية ومفراداتها‪ ،‬فإن ريتسوس قد حرر‬
‫الشعر اليوناني من الجمود والسكون‪ ،‬وأطلقه فيه روح الثورة والتمرد (‪.)99‬‬
‫إن يانيس ريتسوس حياة طويلة من التقلب الشخصي بسبب ايدولوجيته‪ ،‬وهى حياة‬
‫دائما بالروح‪ ،‬نجا من السجن‪ ،‬النفي‪ ،‬عدم الفهم‪،‬‬
‫حر ً‬ ‫حر بجسده كما كان ًا‬‫غدا خاللها ًا‬
‫الهجر‪ ،‬خيبة األمل والموت‪ .‬وهكذا انطلق ريتسوس من إص ارره النفسي إلى شعره‬
‫التجديدى إلى زيادة الموضوعية؛ الحيرة والتحفظ‪ ،‬وهو ما رأيناه في شعره مثلما رأينا‬
‫سيرته التى هى جليه للعيان‪ .‬إن شخصية ريتسوس الشعرية ‪ -‬في مجملها ‪ -‬وحدة‬
‫كلية متناسقة األجزاء‪ ،‬على الرغم من تشعبات التقنية؛ فسواء كانت وقفته انتها ًكا‬

‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫ًّ‬
‫تسامحيا‪ ،‬أو كانت طريقته األسلوبية متسمة بالفخامة أواإليجاز؛ فإن‬ ‫ًّ‬
‫أخالقيا أم قبوًال‬
‫أبدا‪ .‬وان د َّل هذا على شيىء‬
‫ذلك يعود إلى والئه األصلي للشعر الذي لم يتزعزع ً‬
‫فإنما يدل على ثالث نقاط مهمة‪:‬‬
‫‪ -‬إيمان يقيني في الكلمات‪ :‬فهناك متنفس فى كل كلمة يتيح له اللقاء بين القارئ‬
‫والشعور الداخلي أو الخارجي للشاعر‪ ،‬وان كان ذلك اللقاء مؤجل فى الغالب‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدراك‪ :‬فعلى الرغم من أن الشعر يتعامل جوهرًّيا مع طبقات الفكر العامة‬
‫والسامية‪ ،‬فعليه‪-‬أى على الشعر‪ -‬أن يفعل ذلك من خالل اإلحساس‪ ،‬ال العقل‪،‬‬
‫ومن ث َّم يجب التمسك بالفردية والخبرة المتأثرة بتعبيرات اللغة التي هي حيويًّا‬
‫مجازية‪ ،‬والتي فيها تؤسس العالقات بين ما هو فردي وما هوعام‪.‬‬
‫‪ -‬العرفان بالجميل تجاه الحياة في مجملها‪-‬شرها وخيرها–لتزويد مادة الشعر والوعي‬
‫اإلنساني بما ُيحيلها إلى فن‪ .‬وأن الخاصية التى نرى أنها لم تتغير عند ريتسوس‬
‫من بداية قرضه للشعر إلى نضوجه‪ ،‬هى عبارة عن اندفاع يتمثل فى ارهاصاته‬
‫ورؤيته للحياة وارتباطه بها‪.‬‬
‫محمود درويش‪ ،‬حياته‪ ،‬وأعماله‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫"محمود سليم درويش" واحد من الشعراء الذين يعد شعرهم مرآة لظروف حياتهم‬
‫ومجد شعبهم‪ ،‬فهو شاعر من أشهر شعراء المقاومة الفلسطينية‪ .‬ولد في ‪ 93‬مارس‬
‫عام ‪ 9199‬بقرية "البروة" بالقرب من "عكا" في "الجليل"‪ ،‬ونزح مع عائلته إلى لبنان‬
‫إبان نكبة عام ‪ ،9192‬ثم عاد إلى فلسطين متخفيًّا ليجد أن قريته قد دمرت‪ ،‬فاستقر‬
‫في قرية "الجديدة" شمالي غربي قريته البروة‪ .‬وأتم تعليمه االبتدائي في قرية "دير‬
‫األسد" بالجليل‪ ،‬وتلقى تعليمه الثانوي في قرية "كفر ياصيف"‪ .‬ولقد انضم درويش إلى‬
‫ومترجما في صحيفة "االتحاد"‪،‬‬
‫ً‬ ‫محرر‬
‫ًا‬ ‫الحزب الشيوعي اإلسرائيلي في فلسطين‪ ،‬وعمل‬
‫ومجلة "التجديد" التابعتين للحزب‪ .‬وأصبح فيما بعد مشرفًا على تحرير المجلة‪ ،‬كما‬
‫اشترك في تحرير جريدة "الفجر"‪.‬اعتُقل ثالث مرات من ِقبل السلطات اإلسرائيلية‪،‬‬
‫عام‪ 9119‬و ‪ 9115‬و‪، 9111‬بسبب نشاطاته وأقواله السياسية‪ .‬توجه إلى موسكو‪،‬‬
‫عام ‪ 9118‬ومنها إلى القاهرة‪ ،‬حيث كانت هذه بداية تحول في شعريته‪ ،‬إذ شكلت‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫القاهرة منعطفًا في حياته الشعرية‪ ،‬وانتقل بعدها إلى لبنان عام ‪ 9111‬حيث ترأس‬
‫مركز األبحاث الفلسطينية‪ ،‬وشغل منصب رئيس تحرير مجلة "شؤون فلسطينية"‪،‬‬
‫ورئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين‪ ،‬وأسس مجلة "الكرمل الثقافية" في‬
‫عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير‬
‫ً‬ ‫بيروت عام ‪ .9129‬ولقد انتُخب درويش‬
‫مستشار للرئيس الراحل "ياسر عرفات"‪ .‬واستقال‬
‫ًا‬ ‫الفلسطينية عام ‪ ،9122‬ثم‬
‫احتجاجا على توقيع اتفاق "أوسلو"‪ .‬بعدها عاد عام‬
‫ً‬ ‫عام‪ 9113‬من اللجنة التنفيذية‬
‫‪ 9111‬إلى فلسطين ليقيم في "رام اهلل"‪ ،‬بعد أن تنقل في عدة أماكن‪ ،‬هى‪" :‬بيروت‬
‫والقاهرة وتونس وباريس"(‪.)95‬‬
‫بدأ درويش كتابة الشعر في المرحلة االبتدائية‪ ،‬وله أكثر من ثالثين ديو ًانا من‬
‫الشعر والنثر‪ ،‬باإلضافة إلى ثمانية كتب‪ ،‬وترجم شعره إلى عدة لغات أجنبية‪ .‬من‬
‫أشهر دواوينه الشعرية (عصافير بال أجنحة‪ ،‬أوراق الزيتون‪ ،‬أصدقائي ًل تموتوا‪،‬‬
‫عاشق من فلسطين‪ ،‬العصافير تموت في الجليل‪ ،‬مديح الظل العالي‪ ،‬حالة حصار)‪.‬‬
‫أما قصيدته "عابرون في كالم عابر" فقد أثارت مناقشة حادة داخل الكنيست‬
‫صامدا‪ ،‬وعلى المستوى‬‫ً‬ ‫اإلسرائيلي‪ .‬وأثناء قصف بيروت كان درويش يعيش حياته‬
‫الشعري أسهم هذا القصف في تخليه عن بعض غموض شعره ليكون على مقربة من‬
‫معتبر إياها قصيدة تسجيلية ترسم‬‫ًا‬ ‫جميع قرائه؛ فنظم قصيدة "مديح الظل العالي"‪،‬‬
‫الواقع المرير‪ ،‬وتدين العالم العربي بل اإلنسانية كلها‪ .‬ولقد عاش درويش حبيس العالم‬
‫ويعد‬ ‫المفتوح‪ ،‬معزوًال عن فلسطين جنته الموعودة‪ ،‬وأَلف كتابه الشهير"ذاكرة للنسيان"‪ُ .‬‬
‫احدا من أفضل شعراء القرن العشرين‪ ،‬إذ يرمز تاريخه الشخصي إلى تاريخ‬ ‫درويش و ً‬
‫قومه‪ ،‬كما أنه استطاع تطوير هموم شعرية جميلة ومؤثرة احتل فيها وطنه فلسطين‬
‫دعائيا أو نضاليًّا‬
‫ً‬ ‫شعر‬
‫اما للكلمة الجوهرية الدقيقة‪ ،‬ال ًا‬‫موقعا مركزيًّا؛ فكان شعره التز ً‬
‫ً‬
‫فحسب‪ .‬لقد تمكن درويش من ابتكار واقع لفظي يترسخ في ذهن القارئ باستقالل تام‬
‫عن الموضوع أو الباعث الذي أحدثه‪ .‬فنجده يقول في االنتفاضة األخيرة‪":‬لم تكن لدي‬
‫طريقة مقاومة إال أن أكتب‪ ،‬وكلما كتبت أكثر كنت أشعر أن الحصار يبتعد‪ ،‬وكانت‬
‫اللغة وكأنها تبعد الجنود ألن قوتي الوحيدة هي قوة لغوية"‪ .‬ويضيف‪ ":‬كتبت عن قوة‬
‫الحياة واستمرارها‪ ،‬وأبدية العالقة باألشياء والطبيعة‪ .‬الطائرات تمر في السماء لدقائق‬

‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫ولكن الحمام دائم‪ ...‬كنت أتشبث بقوة الحياة في الطبيعة للرد على الحصار الذي‬
‫ائال‪ ،‬ألن وجود الدبابة في الطبيعة وجود ناشز وليس جزًءا من المشهد‬ ‫أعتبره ز ً‬
‫(‪)91‬‬
‫الطبيعي" ‪.‬‬
‫عاش درويش في بالد الغربة‪ ،‬وحمل أعباء القضية الفلسطينية وكان شعره أقرب‬
‫إلى صدق التجربة واألصالة في تصوير صراع اإلنسان الفلسطيني؛ فصوته يرتفع‬
‫ويصور كال من حبه ورفضه‪ .‬ورغم حصار الشعب الفلسطيني‪ ،‬ومحاوالت التصفية‬
‫الجسدية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬والحضارية‪ ،‬وهو صوت يتجلى في قصائده التى تذوب بين‬
‫سطورها كلمة فلسطين ومأساتها‪ ،‬كأنه صوت يخرج من بركان ال يهدأ إال ليثور‪ .‬غير‬
‫أن الحديث عن شعر النكبة لم يصرفه عن االهتمام بالشعر العربي؛ ذلك أن شعره‬
‫متفر عن حركة الشعر العربي في البالد العربية‪ ،‬غير أنه غير مبتور الصله بها‪ ،‬ألنه‬
‫قد تربى على أيدي الشعراء العرب القدامى والمعاصرين‪ .‬ولقد حصل درويش على‬
‫العديد من الجوائز العربية والعالمية‪ ،‬منها جائزة "لوتس" في األدب اآلسيوي اإلفريقي‬
‫عام ‪ ،9111‬وجائزة البحر المتوسط عام ‪ ،9129‬درع الثورة الفلسطينية عام ‪،9129‬‬
‫"ولوحة أوروبا للشعر" عام ‪ ،9129‬وجائزة "ابن سينا" في موسكو عام ‪ ،9128‬وجائزة‬
‫"األمير كالروس" عام ‪ ،8999‬وجائزة "العويس الثقافية" عام ‪ .8999‬وتُوفي درويش‬
‫عام ‪.)91( 8992‬‬
‫ثانيا‪ :‬السمات الفنية لشعر محمود درويش‪:‬‬
‫ا‬
‫وحيث أن درويش هو شاعر المقاومة فإن غالبية مضامين شعره تدور حول‬
‫فلسطين وحول االحتالل‪ ،‬وعند التطرق لدواوينه نجد مضامين قصائده تعتمد في‬
‫األساس على األفكار المتعلقة بالمقاومة‪ ،‬التحدي‪ ،‬البؤس والحرمان‪ ،‬التشريد واإلبعاد‪،‬‬
‫القتل واالغتيال‪ ،‬السجن‪ ،‬الصمود ورفض المساومة‪ ،‬األرض والتحرر من االستعمار‪،‬‬
‫واألمل والنظرة المستقبلية‪ .‬يقول درويش في أحد المقابالت الصحفية التي أجريت معه‬
‫في جريدة "البيان" الخليجية في عام ‪" :9121‬أنا أعتبر أن المصدر األول للشعر في‬
‫تجربتي الشخصية هو الواقع‪ ،‬وأخلق رموزي من هذا الواقع؛ فرموزى خاصة بي‪ ،‬حيث‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫ال يستطيع الناقد أو القارئ أن يحيل رموزي على مرجعية سابقة‪ .‬أي أنني أحول‬
‫(‪)92‬‬
‫اليومي إلى رمزي‪ ،‬فالواقع هو مصدر رئيسي لشعري‪".‬‬
‫وتُعد القصيدة الدرويشية قصيدة متعددة اإلشعاعات؛ وبناؤها الهيكلي قائم على‬
‫تعدد التقنيات الفنية‪ ،‬ذلك أن ثقافة الشاعر وعمق تجربته الشعرية جعلته يحور جملة‬
‫من التقنيات الفنية‪ :‬مثل الرمز‪،‬والحوار‪،‬والتناص‪،‬والسرد‪ ،‬إضافة إلى البيان والبديع‪،‬‬
‫لتشكيل صورة فنية متشابكة ذات عالئق متعددة‪ .‬فقد كان الحوار جزًءا أساسيًّا في‬
‫مستقال حمل‬
‫ً‬ ‫عمال‬
‫تركيبها الفني منذ البدايات‪ ،‬لكن البنية الحوارية في قصيدته لم تكن ً‬
‫وضوحا في بعض أعماله‬ ‫ً‬ ‫بصمات مرحلة من مراحله الشعرية‪ ،‬وان بدا ذلك أكثر‬
‫وحيدا؟‪ ،‬وحالة حصار‪ ،‬وكزهر اللوز‪ ،‬أو أبعد"‪ .‬ذلك‬ ‫ا‬ ‫األخيرة‪" :‬لماذا تركت الحصان‬
‫أحيانا‪ ،‬أو وقوفه‬
‫ً‬ ‫أن درويش كان في كل ما كتب يلتزم الغنائية في شعره‪ ،‬وهروبه منها‬
‫بين اإليقاع والنثر لم يكن وقوف المحايد؛ فهو ال يخرج من اإليقاع‪ ،‬وال يدخل في‬
‫النثر‪ ،‬وانما يقف في المنطقة التي تؤهله الستخراج كل ما فيهما من مثيرات تغري‬
‫بالمغامرة وبالبحث الدائم عن الجديد‪ .‬ولقد أدهش درويش القارئ بما لم يألفه من بنية‬
‫جديدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫جديدا للمألوف‪ ،‬ومذاقًا‬ ‫ً‬ ‫بعدا‬
‫العالقات اللغوية والصور الفنية التي تقدم له ً‬
‫متخ ًذا من تعدد األصوات وتداخلها وتعدد الشخوص وتعدد المراحل وتداخلها ما‬
‫يضمن تعميق الصوت الملحمي وتعميق الرمز‪ ،‬وتركيب بنية غنائية رائعة‪ .‬إن اإليقاع‬
‫ق بي‪ ،‬أنا َر ْجعُ‬ ‫"يختارنى اإليقاعُ‪َ ،‬ي ْش َر ُ‬
‫ُ‬ ‫هو الذى يختار درويش‪ ،‬وفى هذا فيقول‪:‬‬
‫(‪)91‬‬
‫ولست ِ‬
‫عازفَهُ‪".‬‬ ‫ُ‬ ‫الكمان‪،‬‬
‫‪ -‬االختراق للسياق اللغوي التقليدي‪ ،‬حيث يقوم درويش بتفجير الطاقات اإليحائية‬
‫للغة في مدلوالتها الالمتناهية‪ ،‬ويعيد برمجة اإليقاع في تجليات الغنائية وفق رؤية‬
‫حداثية تنأى بنفسها عن رتابة اإليقاع المتشكل من النمط التقليدي القائم على‬
‫االنفعالية أو التقريرية والمباشرة‪.‬‬
‫‪ -‬الحوار‪ :‬تنقسم القصيدة عنده إلى‪)9( :‬الحوار المباشر‪ :‬فهو يستعمل ضمير‬
‫المتكلم (أنا) للتعبير عن الذات‪ ،‬واستخدام صيغة الفعل المضارع للداللة على‬
‫كالم الشخصية في حاضر وقتها‪ .‬كما في قصيدة "جدارية" حيث يقول‪" :‬أنا وحيد‬
‫في البياض‪ ،‬أنا وحيد‪ ،‬أنا الغياب‪ ،‬أنا السماوي الطريد‪ ،‬أنا الرسالة والرسول‪ ،‬أنا‬

‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫العناوين الصغيرة والبريد‪ ،‬أنا البعيد‪ ،‬أنا لست لي"‪ .‬إن حوار الذات يأخذ بعده‬
‫األقصى من خالل تعانقه مع الصراع الداخلي في رحلة البحث عن الخلود‪،‬‬
‫فتغيب الذات في اآلخر‪ ،‬أى الذات التي تتنوع في ذوات متعددة‪ :‬اإلنسان‪ ،‬الجسد‪،‬‬
‫الطين‪،‬الشاعر‪،‬درويش الماضي والحاضر‪،‬ما بعد الموت‪)8( .‬الحوار غير‬
‫المباشر‪ :‬وهو حوار منقول‪ ،‬إذ يبني عليه وظيفة نقل الصوت المحاور بطريقته‬
‫الفنية‪ )3( .‬الحوار الداخلي أو(المونولوج)‪ :‬وهو أحادي اإلرسال تُعبر فيه شخصية‬
‫ق واحد أو متعدد‪ ،‬حقيقي أو‬ ‫واحدة عن حركة وعيها الداخلي‪ ،‬في حضور متل ِ‬
‫وهمي‪ ،‬صامت غير مشارك في اإلجابة‪ .‬مثل ديوان "كزهر اللوز أو أبعد" كما في‬
‫قصيدة "كما لو فرحت" حيث يوجد التداخل النوعي بين الشعر والنثر‪.‬‬
‫‪ -‬اإليقاعية التي ترسم معالم الغنائية في قصائد درويش ذات الملمح الرومانسي‪،‬‬
‫خصوصا عند الحديث عن حوار‬
‫ً‬ ‫مدخال مه ًّما من مداخل الحوار‪،‬‬
‫ً‬ ‫وهى ايقاع ُيعد‬
‫الذات‪ ،‬أى فى المونولوج‪ ،‬كما في ديوان "سرير الغريبة"‪ ،‬و"جدارية"‪ ،‬وكذلك فى‬
‫وحيدا؟"‪.‬‬
‫ا‬ ‫قصيدتى‪" :‬سجل أنا عربي"‪" ،‬لماذا تركت الحصان‬
‫عما فعلت"‪ ،‬حينما‬ ‫‪ -‬اًلحتفاء بالثقافة األدبية والكالسية‪ :‬كما في قصيدة"ًل تعتذر َّ‬
‫يورد في أبيات القصيدة أسماء الفيلسوفين اليونانين "سقراط وأفالطون"‪ ،‬ثم ينتقل‬
‫يعا من فالسفة اإلغريق الذين عاشوا إبان القرن الرابع ق‪.‬م إلى الكاتب‬ ‫انتقاال سر ً‬
‫ً‬
‫اإلنجليزي شكسبير(‪ )9519‬حيث يقول‪ ":‬الذباب ُة حول سقراط ‪ ،‬السحاب ُة فوق أفالطون‪،‬‬
‫ُم ْعج ُم البلدان ‪ ،‬شكسبير‪".‬‬
‫‪ -‬التكرار‪ :‬امتلك درويش الدوافع الموضوعية التي تدفعه إلى نظام التكرار نتيجة‬
‫إحساسه بتأزم الحياة الخارجية للواقع الحياتي‪ ،‬وبحثه عن صياغة المعادل اللغوي‬
‫لذلك‪ .‬وكذلك توفير المرتكزات البنائية التى تخلق القيمة اإلنشادية للقصيدة‪ .‬وذلك‬
‫كما جاء في قصيدة "تلك صورتها" من تكرار الكلمة‪ ،‬مثل‪ :‬الدروب‪ ،‬وطائرات‪،‬‬
‫وصمتي‪ .‬ثم تكرار الجملة‪ ،‬مثل‪ :‬أنت اآلن تتسعين‪ ،‬ومتى تأتين‪ .‬ويختمها بتكرار‬
‫كلمتي الدروب والريح‪" :‬إن الدروب إليك تختنق‪ ،‬الدروب إليك تحترق‪ ،‬الدروب‬
‫إليك تفترق‪ ،‬الدروب إليك حبل من دمي‪ ،‬ماذا تقول الريح؟ نحن الريح"(‪.)89‬‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫ثم يأتي تكرار الفعل؛ فالجملة تبدأ بالفعل أو تتركب حوله‪ ،‬وهو يستخدم الجملة‬
‫الفعلية في ثالثة أزمنة‪ :‬الماضي‪ ،‬المضارع‪ ،‬األمر‪ ،‬كما في قصيدة "سرحان يشرب‬
‫القهوة"‪ ،‬فيقول‪ ":‬يولد سرحان‪ ،‬يكبر سرحان‪ ،‬ويرتاح سرحان‪ :‬سرحان! هل أنت قاتل؟ ويكتب‬
‫شيئا على كم معطفه‪". ،‬‬
‫سرحان ا‬

‫كبير في قصائده‪ ،‬أما فعل األمر فال يبرز‬


‫دور ًا‬
‫وبالمثل يلعب لديه الفعل الماضي ًا‬
‫بشكل كبير إال ليكشف عن دالالت الزمن المضارع‪ .‬ويبرز في قصائده التكرار‬
‫االشتقاقي؛ حيث يعتمد على جذر تكرر من األلفاظ‪(:‬خيامك‪/‬خيمة‪ ،‬احترقت‪ /‬تحترق)‪.‬‬
‫كذلك يتميز بما يسمى تكرار البداية السم أو فعل أو حرف من حروف المعاني في‬
‫بداية كل بيت أو بعض األبيات الشعرية‪ ،‬ويكون تكرارها بشكل متتابع أو غير متتابع‬
‫وهو ما يؤدي إلى وجود نوع من الجناس اًلستهاللي الذي يهدف في المقام األول‬
‫إلى الضغط على حالة لغة واحدة وتوكيدها عدة مرات بصيغ متشابهة ومختلفة‪ ،‬من‬
‫أجل الوصول إلى وضع شعري معين قائم على مستويين رئيسيين‪ :‬إيقاعي وداللي‪.‬‬
‫كذلك يستخدم درويش تكرار النهاية وتكرار المجاورة وتكرار الضمائر وخصوصيتها‬
‫التعبيرية (ضمير المتكلم المفرد والجمع والغائب والمخاطب)‪ ،‬وتكرار الرموز مثل‪:‬‬
‫السفينة والخيمة‪ ،‬واسم سرحان بوصفه شخصية أسطورية‪ ،‬وتكرار التراكيب‪ ،‬وتكرار‬
‫أخير تكرار المقطع(‪.)89‬‬
‫العبارة‪ ،‬و ًا‬
‫ولقد خصص محمود درويش قصيدة كاملة في أحد أعماله الشعرية الحديثة‬
‫للشاعر يانيس ريتسوس‪ ،‬عنوانها "كحادثة غامضة"‪ ،‬يشير فيها إلى لقاء حميمي‬
‫مستبطنابشاعرية شفافة‪ ،‬بعض القواسم التي تقربه من ذلك الشاعر‬
‫ً‬ ‫جمعه بريتسوس‪،‬‬
‫اليوناني‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫في دار پابلو نيرودا‪ ،‬على شاطئ‬
‫ت يانيس ريتسوس‪.‬‬ ‫الــپـاسڤيك‪َّ ،‬‬
‫تذك ْر ُ‬
‫ب بالقادمين من البحر‪،‬‬
‫كانت أثينا ترح ُ‬
‫يم ٍ‬
‫ضاء بصرخة ريتسوس‪:‬‬ ‫رح دائر ٍّ ُ‬
‫س ٍ‬‫في م ْ‬
‫فلسطين‪))،‬‬
‫ُ‬ ‫((آه‬
‫‪050‬‬
‫خلود يسري‬

‫سم التراب‪،‬‬
‫يا ا ْ‬
‫سم السماء‪،‬‬‫ويا ا ْ‬
‫(‪)88‬‬
‫((ست ْنتصرين‪))...‬‬
‫في هذه القصيدة يدمج درويش الكثير من المفاهيم ويوحد العالقات التي اهتم‬
‫أيضا باظهارها بوضوح فى أشعاره كى يعبر عما بداخله من مكنونات‬ ‫ً‬ ‫ريتسوس‬
‫سياسية واجتماعية وأدبية؛ إذ يجعل درويش صوت ريتسوس الشعري صرخة أللم بلده‬
‫فلسطين ومعاناتها‪ .‬كما يدمج صورة الضوء في بريق الماس‪ ،‬كما يقرن مدينة "يبوس"‬
‫العربية الفلسطينية بمدينة "أثينا" اليونانية األوروبية‪ ،‬وينعت العدو حسرة وم اررة‪ ،‬ويوحد‬
‫الحقيقة والحق تحت لواء السماء والتراب كي ينتصران باسم فلسطين وأثينا‪ .‬كما يدمج‬
‫الواقع الحياتي بالخيال‪ ،‬إذ يجعل باعة السمك يلتقون بأبطال الميثولوجيا اإلغريقية‬
‫أمثال"إليكترا‪ ،‬وأوديسيوس"‪.‬كما ُيظهر درويش التناقضات واألضداد كما في‪":‬أنى‬
‫انتصرت وانى انكسرت‪ ،‬أمس والغد‪ ،‬إليكت ار الفتاة واليكت ار العجوز‪ ،‬ويجعل الشيء طيفًا‬
‫شيئا‪ ،‬الطفل والشيخ‪ ،‬خارجي وداخلي‪".‬ثم يعزف بصوره الشعرية في‬ ‫ويجعل الطيف ً‬
‫استعارات ومجاز ووصف يجعل القارئ يتأرجح على أوتارها‪ ،‬فينعت الغابة بالمعدنية‬
‫ويصف القصائد أنها مائية‪ ،‬والكتب بأنها حصى ُمنتقى‪.‬ثم يأتي بالسجن والداء ويجعل‬
‫منهما أخوين عانى م اررتهما ريتسوس ودرويش وناال الحظ العاثر نفسه‪ .‬ثم يختم‬
‫قصيدته بمناجاة الربات اإلغريقيات؛حيث يطلب منهن أن يمنحنه رحلة أبدية‪،‬داللة‬
‫على نهاية الحياة بمفهوم العالم اآلخر عند اإلغريق وعالم الخلود عند المصريين‬
‫القدماء‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬السمات الحياتية واألدبية المشتركة بين الشاعرين‪:‬‬
‫البد من القول إن ريتسوس َعمد إلى فن تقل فيه إن لم تنعدم النزعة العاطفية‬
‫التي استنفدت أغراضها من قَبل في شعر "المدرسة األثينية الجديدة‪،‬عند‬
‫تالميذ"باًلماس"(‪ )9193 /9251‬ومقتفي أثره‪ ،‬ذلك ألنه رفض االنجراف إلى شعر‬
‫فولكلوري سطحي‪،‬ولجأ فى الوقت نفسه‪-‬مثله مثل أبناء جيله‪ ،‬ومنهم سفيريس وجيل‬
‫الثالثينيات‪ -‬إلى استنباط روح األغنية الشعبية وجوهرها‪ ،‬فغدا النبض الشعبي على‬

‫‪055‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫كامنا في قصائده األولى دون أن تندرج في عداد التقليد الحرفي األعمى‬ ‫ً‬ ‫األخص‬
‫لألغاني الشعبية‪ ،‬أو تتصف بكل ما هو فولكلوري‪.‬ولقد احتفظ فن ريتسوس في النهاية‬
‫بنضارة كل ما هو حي‪ ،‬وبعمق كل ما هو تليد‪ ،‬وبغرابة كل ما هو مؤرق ومحير‪ ،‬فما‬
‫أشبه قصائده المجازية المقتضبة‪ ،‬التى تحتمل أكثر من معنى‪ ،‬والتي تصب فى أرواح‬
‫طوفانا من التأثير العميق‪ ،‬وتبث فيهم قدرة أقوى على الصمود‪ ،‬حيث أنها‬ ‫ً‬ ‫الناس‬
‫نظمت في أحلك ساعات حياته‪ ،‬وتحكي عن آليات الحكمة والحماقة بأسلوب حيادي‪،‬‬
‫دائما‬
‫ما أشبههم بمن يقفون عند حدود منطقة محظورة‪ .‬كان ريتسوس فى الواقع يبحث ً‬
‫عن الحرية في الشعر نفسه وفي الحياة نفسها ‪ ،‬سواء وجد الحرية أم لم يجدها‪ ،‬فإنه‬
‫لم يكن يتوانى في البحث عنها‪ ،‬عن صورتها المطلقة وحجمها األرقى‪ .‬والغرابة أن‬
‫تكون الكتابة عند ريتسوس موازية "البحث عن النهار" ومعبرة عن تجربة شاعر عانى‬
‫األمرين من ظلمة السجن وغربة المنفى لسنوات طويلة‪ .‬ولعل مقولة يانيس ريتسوس‬
‫السائدة‪" :‬أكتب ليشرق النهار"‪ ،‬تجسد حالة الحنين الصاخب إلى الضوء والحرية‪ ،‬إن‬
‫نهاره التي كان يحلم به تجسد الحرية المطلقة‪ ،‬ألنه نهار لإلنسانية كلها‪ ،‬نهار يحرر‬
‫اإلنسان من أسر التاريخ والواقع(‪.)83‬‬
‫‪ ‬أما عن أهم السمات الفنية المشتركة بين الشاعرين‪ ،‬فهى‪:‬‬
‫النضج الفني المبكر؛ فكالهما بدأ أولى خطواته الشعرية خالل المرحلة االبتدائية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الموهبة الفنية والثقافة الواسعة في مجال الشعر واالستفادة من الخبرات السابقة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحصول على جوائز عالمية في الشعر واألدب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المعاناة الحياتية من ويالت الحرب واالستعمار والتشريد‪ ،‬ومناقشة موضوع الحـرب‬ ‫‪-‬‬
‫والس ــالم بص ــورة فني ــة متق ــدة ال ــذهن صـ ـريحة ف ــي مواض ــع‪ ،‬ومجازي ــة ف ــي مواض ــع‬
‫أخرى‪.‬‬
‫اإلحساس باأللم واإلبعاد والنفي والسجن بسبب فكريهما السياسي وانتماء كل منهما‬ ‫‪-‬‬
‫إلى الحزب الشيوعي بحثًا عن الحرية‪.‬‬
‫التشبع بالفكر السياسي واسقاطه على األعمال الشعرية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫االهتم ــام ب ــالمرأة وجعله ــا أح ــد مح ــاور االرتك ــاز األساس ــية ف ــي الكثي ــر م ــن قص ــائد‬ ‫‪-‬‬
‫الشاعرين‪.‬‬

‫‪055‬‬
‫خلود يسري‬

‫المزاوجة بين الغنائية والدرامية في النسق التعبيري للبناء الشعري‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫اســتخدام عالمــات التـرقيم بشــكل متكــرر فـي األشــعار‪ ،‬خاصــة عالمتــى التنصــيص‬ ‫‪-‬‬
‫وشكلهما في العربية ( " " ) وفي اليونانيـة ( >><< )‪ ،‬حيـث يوضـع بينهمـا الـنص‬
‫بعــد جملــة مقــول القــول‪ ،‬وكــذلك للتفصــيل بعــد اإلجمــال‪ .‬كمــا فـي قصــيدة "جداريــة"‬
‫لــدرويش "كــأنى أنــا حبــة القمــح الت ـي ماتــت لك ـي تحضــر ثانيــة‪ .‬وف ـي مــوتي حي ـاة‬
‫مـ ـ ــا‪،"...‬وفي قصـ ـ ــيدة "هيلينــــــي" لريتسـ ـ ــوس‪":‬إنــ ــه فقـ ـ ــط حجـ ـ ــر كريم‪،‬حجـ ـ ــر ك ـ ـ ـريم‬
‫صغير‪،‬غالي الثمن"‪:‬‬
‫<< وكـذلك عالمـة‬ ‫>>‬

‫النقاط المتكررة في السطر( ‪ ،) ...‬ويمكـن أن تكـون هـذه النقـاط كثيـرة أو قليلـة‪ ،‬إذ‬
‫يضــعها الشــاعر حينم ــا يشــعر أن الكلم ــات وحــدها ال تســتطيع أن تعب ــر عمــا فـ ـي‬
‫نفســه؛ ألن مشــاعره وأحاسيســه أقــوى مــن المفــردات اللفظيــة‪ .‬كمــا ورد فـي القصــيدة‬
‫وعلــى المــدى‬ ‫ذاتهــا الســابق ذكرهــا لريتســوس‪ :‬وذلــك المشــهد‪" ،‬‬
‫الواسع في قصيدة "جدارية" لدرويش‪.‬‬
‫ـز للمعانـاة والوحـدة‪ ،‬فيـرمم‬ ‫الرمز‪ ،‬يجعل ريتسـوس مـن قصـيدته "خريسـوثيميس" رم ًا‬ ‫‪-‬‬
‫وي ـرأب صــدع الوحــدة األكثــر عمقًــا لحيــاة أعيــد خلقهــا بــذاكرة قــدر أســطوري‪ ،‬عبــر‬
‫استكشــاف هواجســها كافــة‪ ،‬والكشــف عــن استقصــائها الــدقيق للحيــاة اليوميــة‪ .‬بينمــا‬
‫بليغا‬
‫يشير درويش إلى البحر في صورة استعارية مركبة تلف بين جوانحها تشبيهًا ً‬
‫يرسم من خالله صورة تخيلية للبحر‪ ،‬يكفيها قليل مـن التجريـد لالنتقـال مـن معناهـا‬
‫المجــازي إلــى الحقيقــي‪ ،‬وهــو يرمــز بــه إلــى التقلبــات الحياتيــة واالحــتالل كمــا فــي‬
‫قصيدة "الخروج من ساحل المتوسط" فيقول‪" :‬أنا قشرت موج البحر زنبقة لغزة"‪.‬‬
‫اشــترك الشــاعران فــي عــرض تفاصــيل الحيــاة اليوميــة بصــورة فنيــة تجمــع مــا بــين‬ ‫‪-‬‬
‫الواقع والخيال‪.‬‬
‫اإلشـ ــارة إلـ ــى الموجـ ــودات متحركـ ــة وصـ ــامتة‪ ،‬وتبـ ــادل األدوار بينهمـ ــا فـ ــي الحيـ ــاة‬ ‫‪-‬‬
‫الواقعية‪.‬‬
‫الش ــاعرية الرومانس ــية الممزوج ــة بالواقعي ــة الت ــي تمثل ــت ف ــي موض ــوعات سياس ــية‬ ‫‪-‬‬
‫واجتماعية‪.‬‬
‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫تميــزت لغــة الشــاعرين مــن حيــث اختيارهــا بــالقوة والج ازلــة‪ ،‬حيــث األلفــاظ تجتــذب‬ ‫‪-‬‬
‫معجمــا‬
‫ً‬ ‫األذن وتمتعهــا‪ .‬كمــا أنهــا لغــة إيحائيــة تقــوم علــى انتهــاك المــألوف‪ ،‬وتُعــد‬
‫مرتبطًا بوجدان الشاعرين‪ ،‬حيث أنهما يتناوال مواضيع‪ :‬الحرب‪ ،‬والخوف‪ ،‬واليـأس‪،‬‬
‫والطبيعة‪ ،‬والحب والزمن‪ .‬فضالً من لغة بسيطة وسهلة‪ ،‬حيث إنها تقترب من لغـة‬
‫الح ــديث الم ــألوف‪ ،‬لكنه ــا تحم ــل إيح ــاءات ش ــتى وتـ ـرتبط بمع ــاني الحي ــاة والم ــوت‪،‬‬
‫والغرب ــة والض ــياع‪ ،‬والي ــأس واألم ــل‪ .‬ك ــذلك اس ــتطاع الش ــاعران أن يوظفـ ـان اللغ ــة‬
‫ويجعال منها رؤية للرموز واألساطير التي ترتبط بالمعاني المذكورة‪.‬‬
‫تمكــن الشــاعران مــن أن يعب ـ ار ف ـي لغــة بســيطة‪ ،‬تكــاد تقتــرب مــن لغــة الحــديث ف ـي‬ ‫‪-‬‬
‫الحيــاة اليوميــة‪ ،‬عمــا يجــول بخاطريهمــا ونفســيهما مــن حرمــان وبــؤس ومنفــى بعيـ ًـدا‬
‫عـن وطنهمــا‪ .‬واسـتعانا بــالمفردات والمرادفــات المتنوعـة‪ ،‬بــل كر ارهــا فـي الكثيــر مــن‬
‫المواضــع‪ ،‬س ـواء ف ـي البيــت الواحــد أو علــى الت ـوالي‪ ،‬لك ـي يؤكــدا للقــارئ المعنــى أو‬
‫يوضــحاه بصــور عديــدة واتجاهــات مختلفــة‪ ،‬قــد تتفــق مــع القــارئ وتتحــد معــه وقــد‬
‫تختلــف عــن رؤيتهمــا لتلــك الظــروف والمالبســات الت ـي عاشــها كــل منهمــا‪ .‬لكنهــا‬
‫تنتهـي بالقــارئ إلــى االتفــاق معــه‪ ،‬حيــث الــدالئل اللغويــة واإلشــارات الفنيــة المواكبــة‬
‫لعص ــر الش ــاعرين‪ ،‬م ــع مالحظ ــة أن ريتس ــوس يستحض ــر ه ــذه اللغ ــة م ــن بع ــض‬
‫األشعار من العصر الكالسي‪.‬‬
‫السرد‪ ،‬تميزت قصائد الشاعرين بعنصر السرد بما فيه من أحداث وشخوص‬ ‫‪-‬‬
‫وحوار لتقديم رؤيتهما الشعرية‪ ،‬وهي رؤية ربما تتمثل في الرغبة في المغامرة‬
‫وحب االستكشاف والتأمل‪ .‬فكثير من قصائدهما تعتمد على البنية الحكائية في‬
‫قدر من الموضوعية والحيادية‪،‬‬ ‫تقديم موضوعاتها األساسية‪ ،‬مما أعطى للقصائد ًا‬
‫حينما غاب حضور الذات عند الشاعرين في بعض األحيان‪ ،‬فضالً عن أنها‬
‫باعدت بينها وبين موضوع القصيدة بمسافة وان بقي الكثير من أشعارهما مع ذلك‬
‫ذاتي النبرة‪.‬‬
‫الخيال الواقعي‪ ،‬إن بساطة ريتسوس ودرويش الشعرية تساعدنا على اكتشاف‬ ‫‪-‬‬
‫التعقيد الكائن خلف أعمالهما‪ .‬فقصائدهما موجهة ألشياء إما داخلنا تم إخفائها‬
‫وراء أشياء خارجية‪ ،‬أو توجهنا نحو أشياء خارجية ُيص ِّدق عليها بطابع بصمة‬

‫‪054‬‬
‫خلود يسري‬

‫اقعيا‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬كما أن‬ ‫الشاعرين‪ .‬وأبطالهما تجعل األمر الخيالي يبدو و ًّ‬
‫مقدرة كل منهما مجازية ألنهما يوحدان ما بين الندين أيًّا كانا‪ :‬بين النفس واآلخر‪،‬‬
‫الروح والمادة‪ ،‬الشاعر والقارئ‪ ،‬الفاعل والمفعول‪ .‬ورغم كل هذه التعددية والتعقيد‬
‫فهما متوحدان في شخصية واحدة‪ ،‬ألن كل من ريتسوس ودرويش‪ًّ -‬أيا كانا‬
‫اتجاههما النفسي أم المجتمعي‪-‬يتجهان نحو شيء محدد في قضاياهما األخالقية‪،‬‬
‫أو تجاه شيء جوهري‪ ،‬لكنه غير محدد في مقابل تعقيدات الحياة والقضايا‬
‫السياسية‪ ،‬مما يؤدي إلى اندماج كل من الشاعرين فى حياته الشخصية‪ ،‬أو‬
‫اندماجه في حياة الشاعر السياسية في مدينته وما يحدث فيها إبان تلك الفترة‪.‬‬
‫خير التأمل الفلسفي والتفكر في الشيخوخة‪ ،‬والحياة والموت‪ ،‬الزمن‪ ،‬الخراب‪،‬‬
‫‪ -‬وأ ًا‬
‫المجد البطولي والتاريخ‪ ،‬العزلة السياسية‪ ،‬أساليب الحياة التي تحدث بين‬
‫المتطلبات الشخصية والضرورات االجتماعية‪ ،‬وأزمة الحركات الثورية‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬تأثير ريتسوس في أشعار محمود درويش‪:‬‬
‫ر ا‬
‫تحكما بشعره في الشخصية اليونانية ومحللها‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُي َّعد يانيس ريتسوس الشاعر األكثر‬
‫حيث يجعلها تتوزع على تفاصيل األحداث اليومية‪ ،‬ويعطي الشيء حقيقته‪ ،‬فيصبغ‬
‫باأللوان البيوت البيضاء‪ ،‬ويسبغ على البحر حنين اإلنسان وحبه للحياة‪ .‬ولقد استمد‬
‫شاعرنا الهادئ نظرته المتوسطية من الت ارث الهيلينين الذي جعله يرث فى وجدانه هذا‬
‫وبعد مداها‪،‬‬‫االمتداد لألماكن الجميلة في شواطىء لبنان وعذوبة مياه اإلسكندرية ُ‬
‫حيث آثار بصمات الشعراء والفالسفة‪ .‬ولعله من الواضح أن ريتسوس واحد من كبار‬
‫الشعراء المؤثرين في الشعر العالمي‪ ،‬بداية من وصول شعره المترجم إلى اللغة‬
‫أحيانا والسجن‬
‫ً‬ ‫الفرنسية‪ .‬ورغم تعرض شاعرنا لمواقف سياسية متعددة أدت إلى النفي‬
‫أحيانا أخرى‪،‬فقد تميز عن رفاقه بأن شعره لم يقتصر على األمور السياسية آنذاك‪،‬‬ ‫ً‬
‫ولم يتأثر بها بشكل غزير‪ ،‬بل ببقية متعددة النواحي متشعبة‪.‬ولو أننا نظرنا إلى‬
‫األمور من جانب آخر لريتسوس‪ ،‬نراه يعبر عن القضايا بلوحة جميلة يرسمها بشعره‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬وهى لوحة تؤلف حلقة غير منفصلة للزمن‪ ،‬تربط بين األشياء بإتقان‬
‫وامتياز‪ .‬فتراه يربط بين الشيء غير المتحرك والمصدر الذى نتج عن هذا الشيء‪،‬‬

‫‪054‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫ضمن الدورة الزمنية األبدية لهذا الشيء‪ .‬وهنا تتضح رؤية ريتسوس المتأثرة بأفكار‬
‫هيراقليطوس الذى عبر عن ضرورة األشياء بقوله" "إنك ال تعبر النهر نفسه مرتين"‪.‬‬
‫غير أن ريتسوس استطاع بقدرة فنية كانت داخل التقاط صورة واحدة للحياة‪ .‬وجمعها‬
‫مع صورة انسيابها في اللحظة نفسها‪ ،‬بحيث نحسب أننا ندركها وال ندركها‪ ،‬نحس بها‬
‫نفسها فيبقى إحساسنا ًّ‬
‫مثاليا لهذه الحركة من مطلقها‪.‬‬
‫جليا أن ريتسوس يملك قدرة هائلة على التالعب بالصور‬ ‫ومن هنا يبدو لنا ًّ‬
‫الشعرية؛فقد استطاع بهذه الحيلة الذكية الجمع بين الزمن والشيء والحركة‪ ،‬وهى قدرة‬
‫جديدا‬
‫ً‬ ‫لونا‬
‫ومؤثر فى قصائد الشعر العربي المعاصر‪ ،‬وخلقت به ً‬ ‫ًا‬ ‫دور مه ًّما‬
‫التي لعبت ًا‬
‫فضال عن أن ريتسوس كان أقرب شاعر‬ ‫ً‬ ‫انتهل منه كثير من الشعراء العرب عد ًدا‪.‬‬
‫شاعر متوسطًيا هيلينًيا‪ .‬والحق أن شعر العرب قد تأثر بشعره‬
‫ًا‬ ‫غربي للشرق‪ ،‬باعتباره‬
‫أيضا عند انتقال شعرائه بصورهم الشعرية من العام إلى الخاص‪ ،‬ومن الشيء المجرد‬ ‫ً‬
‫إلى الكيان الملموس‪ .‬وأما عن شعور ريتسوس تجاه العرب‪ ،‬فنلمس منه أنه كان‬
‫مساندا لقضية العرب‪ ،‬من خالل تأييده لحق الشعب الفلسطيني وبقائه بأرضه‪ ،‬وجاء‬ ‫ً‬
‫ترجما عن‬
‫جليا في شعره المنشور في مجال األدب والثقافة منذ السبعينيات م ً‬ ‫ذلك ًّ‬
‫الفرنسية فى حين كان قليل منه باليونانية‪ .‬كما ظهر هذا الرأى عبر المقابالت معه‬
‫وأثناء الحديث عن أعماله الكثيرة(‪.)89‬‬
‫وثمة دراسات كثيرة أشارت إلى تأثر محمود درويش بشعراء عرب وغير عرب‪،‬‬
‫منها تأثره في ديوانه األول"عصافير بال أجنحة" بالشاعر "نزار قباني"‪ ،‬وهو تأثر أقر‬
‫بوجوده في مقابالت عديدة‪ .‬كما تأثردرويش بالشعراء‪" :‬إليوت‪ ،‬ولوركا‪ ،‬وأراغون‪،‬‬
‫ونيرودا"‪ ،‬وهذا ما أقر به درويش نفسه في مجلة " الكرمل" عام ‪ ،8991‬حينما سأله‬
‫عبده وازن عن الشعراء الذين يقرأهم اآلن‪ ،‬فعدد له أبرزهم‪ :‬ريتسوس‪ ،‬ولوركا‪،‬‬
‫وأراغون‪ ،‬ونيرودا"(‪.)85‬‬
‫كذلك تأثر الشعر العربي الحديث والمعاصر بكثير من تقنيات الشعر العالمي‪،‬‬
‫واستطاع كثير من الشعراء العرب دخول عالم الحداثة الشعرية بوعي متقن‪ ،‬وقد مثل‬
‫بابا أساسيًّا في هذه‬
‫محمود درويش هذه الحداثة وربما تبناها‪ .‬كما مثل الحوار ً‬
‫الحداثة‪ ،‬حينما استطاع درويش أن ينتبه إلى أشكال ثالثة منها‪ ،‬هي‪ :‬الحوار المباشر‪،‬‬

‫‪044‬‬
‫خلود يسري‬

‫تعدد األصوات‪ ،‬والحوار الداخلي (المونولوج)‪ ،‬لبناء إيقاع فني منسجم مع رؤية‬
‫الشاعر؛ ويصدق األمر نفسه علي مقدرته على الكشف عن مكنونات الشخصية‬
‫الشعرية الداخلية‪ .‬وقد انتبه الشاعر إلى االختالف الرهيف بين المونولوج الداخلي‬
‫وتيار الوعي والمناجاة‪ ،‬األمر الذي ساعده علي ترجمة هذه التقنيات الفنية الحديثة إلى‬
‫واقع شعري متميز على صعيد الفن والرؤية(‪ .)81‬ونخلص من هذه الدراسة التي تناولت‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في شعر محمود درويش‪ ،‬إلى بعض النقاط المهمة التى‬
‫نوردها فيما يأتي‪:‬‬
‫* التحدي والعناد ومجابهة الزعماء السياسيين بالكتابة‪ ،‬والبد من القول إن الشعر‬
‫موضوعيا للحياة والعمل فحسب‪ ،‬بل حالة من الوجد‬ ‫ًّ‬ ‫معادال‬
‫ً‬ ‫بالنسبة لريتسوس لم يكن‬
‫والتبتل والعبادة‪ ،‬حيث يقول عن نفسه‪" :‬لم أعرف كيف أجنى ثروة من أشعاري‪ ،‬ولكن‬
‫أينتظر الكائن اإلنساني مكافأة عندما يتوصل إلى اهلل؟ وانى أكتب الشعر في الحقيقة‬
‫كما لوكنت أصلي‪ .‬واذا كنت أرفض استخدام اآللة الكاتبة في الكتابة فألنني ال أريد‬
‫شيئا وسيطًا بين أصابعي وصفحة الورق‪ ،‬إنني أحتاج إلى تحسس ملمسها كما‬ ‫ً‬
‫أتحسس مادة حية"‪ .‬بينما يقول درويش‪" :‬عندما نكتب نتحدى‪ ،‬وعندما نكون موجودين‬
‫على أرضنا نتحدى‪ ،‬وعندما نأكل من زادنا نتحدى‪ ،‬ألننا نقدم ترجمة الوطن كله إلى‬
‫وتقاليدا وز ًادا‪ ".‬وبذلك فإنه قد تأثر بريتسوس في‬
‫ً‬ ‫أرضا‬
‫العربية لغة‪ ،‬والى الصهيونية ً‬
‫جعل أشعاره وسيلة للحرب والنضال بالكلمات‪.‬‬
‫* إيثار تراكيب بعينها وتفضيل مجازات واستعارات معينة‪ :‬كان ألسلوب الكتابة‬
‫عند ريتسوس سمات مهمة استخدم فيها ما هو غريب من الصور والتشبيهات التي‬
‫اعتمدت في أساسها على عمق تفكيره الفلسفي واشاراته بعيدة المعنى ذات المغزى‬
‫األخالقي والفلسفي كما نجد في دواوينه "أحجار‪ ،‬تك اررات‪ ،‬قضبان وايماءات‪ ،‬والممر‬
‫الدرج‪ ،‬والبعد الرابع"‪ .‬وفي قصيدته "هيليني" نجد ريتسوس يصف األموات وهم‬ ‫وّ‬
‫يرتدون أحذية جميلة مصقولة ال يصدر عنها صوت‪ ،‬على الرغم من تناقض فكرة‬
‫الحركة مع األموات‪ ،‬فإن أحذيتهم ال تصدر صوتًا‪.‬كما فى األبيات[‪]891-895‬‬

‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬

‫"ويهيمون فى الغرف بمالبسهم الجميلة‪ ،‬وأحذيتهم الجميلة‬


‫أرضا‪".‬‬
‫الالمعة‪ ،‬الملساء‪ ،‬وبدون جلبة (صوت)‪ ،‬كما لو لم يدوسوا ً‬
‫ويتبع درويش ذلك النهج‪ ،‬ففي قصيدته "الصوت الضائع في األصوات" يجعل الحياة‬
‫تدب في حناجر الموتى‪ ،‬فيقول‪":‬فدعونا نتكلم‪ ،‬ودعوا حناجر األموات فينا تتكلم"‪ .‬أما‬
‫في قصيدة "عناوين للروح خارج هذا المكان"‪ ،‬فيقول‪":‬وأحب الشجر‪ ،‬علي سطح بيت‬
‫رآنا نعذب عصفورتين‪ ،‬رآنا نربي الحصي‪ ،‬أما كان في وسعنا أن نربي أيامنا"‪ .‬فهو‬
‫أسا على في مواضع‬ ‫أشياء قابلة للتعامل معها‪ ،‬ويقلب الصورة ر ً‬
‫ً‬ ‫يجعل من الصوامت‬
‫أخرى‪ ،‬فالمعتاد أن األيام هي التي تربي البشر‪ ،‬ولكنه يصور األوضاع مخالفة‬
‫للطبيعة نتيجة النقالب أوضاع المجتمع‪.‬‬
‫* استخدام مجاالت داللية معينة‪ ،‬مثل األخيلة اللونية‪ ،‬واألرقام والموجودات‪:‬‬
‫‪ -‬كان ريتسوس من الكتاب الواعين بتأثير األلوان‪ ،‬وقد استخدمها بطرق متنوعة‬
‫أيضا‬
‫يدا من المعنى‪ .‬كما اعتمد ً‬ ‫لزيادة القوة الشعورية ألشعاره بما يضفي عليها مز ً‬
‫على الوصف والتجريب من خالل االستخدام المتكرر للخيال اللوني‪ ،‬فكانت األلوان‬
‫كاألبيض واألسود‪ ،‬واألخضر‪ ،‬والبني‪ ،‬والفضي‪ ،‬واألحمر والبنفسجي تتخلل معظم‬
‫أشعاره‪ .‬ولقد ورد في قصيدته "فايد ار" تكرار لذكر اللون األزرق لريشة على قبعة‬
‫هيبوليتوس التى سيهديها للربة أرتميس‪ ،‬كما فى [أبيات ‪:]959-995‬‬

‫" أي شيىء قمت بإصطياده عن جد ؟ ربما‬


‫‪044‬‬
‫خلود يسري‬

‫تهب كل ما حصلت عليه للربة أرتميس؟ حتى لو رغبت فى ريشة زرقاء اللون داكنة‬
‫من أجل قبعتى‪ ،‬ربما‪-،‬‬
‫قد تستطيع‬
‫أن تهدينى بعض األشياء‪ ،‬زرقاء داكنة‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫مثل لون عيناي‪ ،‬وعينيك أنت اآلخر‪ ،‬أتتذكر؟"‬
‫كما ُيعدد األلوان فى الشعر الذهبى الطويل[بيت‪]81‬‬
‫والخيط األحمر[بيت‪]929‬‬ ‫‪،‬والسحاب الذهبى[بيت‪]928‬‬
‫‪،‬والغرفة التى يتحول لونها من األحمر إلى البنفسجى المذهب‬
‫[أبيات‪]39-39‬‬

‫‪،‬وبالمثل يتأثر درويش‬ ‫والصينية ذات اللون الفضي[بيت‪]925‬‬


‫بفكرة األلوان فيصف األشياء بلونها الحقيقي أو يقدم صورة تجسم التضاد فيما بينها‪،‬‬
‫كما في قصيدته "يحبونني ميتاا" فيقول‪":‬لماذا كتبت القصيدة بيضاء واألرض سوداء‬
‫جدا"‪ .‬وكذلك في قصيدته "القتيل رقم ‪ "21‬يقول‪":‬غابة الزيتون الخضراء‪ ،‬كانت مرة‬ ‫ً‬
‫خضراء والسماء غابة زرقاء"‪.‬‬
‫‪ -‬حظيت األرقام عند ريتسوس بنصيب كبير في القصيدة‪ ،‬وربما يكون لبعض األرقام‬
‫داللة نفسية عند ريتسوس‪ ،‬مثل رقم "ثالثة" إذ أنه رقم ربما يشير إلى مرضه ودخوله‬
‫أيضا‬
‫المصحة ثالث مرات‪ ،‬وكذلك نفيه خارج مدينته "مونيمڤاسيا" إلى جزر مختلفة ً‬
‫ثالث مرات‪ .‬فنجده في قصيدة "هيليني" يذكر المجاديف الثالثة‪ ،‬والوردة الثالثة‪،‬‬
‫والرابسوديا الثالثة‪ .‬وتظهر أول إشارة لهذا الرقم فى كما فى [بيت‪ ]939‬من القصيدة‬
‫نفسها حيث "المطارق الخشبية المثبتة بمجاديف ثالثية جديدة"‪.‬‬

‫وكذلك تشير هيلينى "أنها أبقت على الوردة الثالثة فى جسدها" كما فى [بيت ‪]581‬‬

‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫وتكرر الرقم نفسه مع الورود بأنها تركت الوردة الثالثة تسقط هذه المرة مـن شـفتيها‪،‬كما‬
‫فى [بيت‪]599‬‬

‫ثم تصف المشهد من أسوار مدينة طـروادة‪ ،‬حيـث تصـل إلـى الحقيقـة فترقـد فـى الفـراش‬
‫وتطــرح يــديها جانبــا باتســاع‪ ،‬وتمشــى علــى أخمــص قــدميها‪ ،‬تمشــى فــى اله ـواء وتلقــى‬
‫بالوردة الثالثة من شفتيها‪،‬كما فى [بيت‪]195‬‬

‫ويشير الشاعر إلى الوزن السداسى المكون من الرابسوديا الثالثة‪،‬كما فى[بيت‪] 513‬‬

‫بينما يستخدم درويش األرقام بوصفها إشارات صريحة في قصائده‪ ،‬ويذكر تارة رقم‬
‫خمسين الذى يشير إلى العمر‪ ،‬وتارة أخرى يذكر رقم يشير إلى عدد األطفال الذين‬
‫أنجبهم‪ .‬فيقول في قصيدته "بطاقة هوية"‪":‬ورقم بطاقتي خمسون ألف‪ ،‬وأطفالي ثمانية‬
‫وتاسعهم سيأتي بعد صيف‪ ".‬وكذلك في قصيدته "الحزن والغضب"‪ ،‬يقول‪":‬ورويت لي‬
‫للمرة الخمسين"‪ ،‬أما في قصيدته "ينقب عن دولة نائمة" ُيعدد الخسائر في الحرب‬
‫ويحصرها في أرقام بعينها فيقول‪" :‬من شهيدين حتى ثمانية كل يوم‪ ،‬وعشرة جرحى‪،‬‬
‫وعشرون بيتًا‪ ،‬وخمسون زيتونة‪".‬‬
‫‪ -‬الموجودات‪ ،‬مثل‪ :‬الطيور والحيوانات والنباتات‪ .‬يقوم البناء العام فى قصائد‬
‫ريتسوس على تقديم مشاهد بصرية يعتمد فيها على تجميع أشتات وأشياء من‬
‫موجودات وعناصر مختلفة‪ ،‬لتنتهي القصيدة بتقديم فكرة تتكون بإيحاء ورابط من‬
‫المشاهد السابقة‪ .‬فالقصيدة عنده تتشكل من اجتماع عناصر متفرقة‪ ،‬مثل‪ :‬األشجار‪،‬‬
‫األحجار‪ ،‬الغابات‪ ،‬النجوم‪ ،‬السماء‪ ،‬الغروب‪ ،‬الماء‪ ،‬الحيوانات والطيور‪ .‬فهو يذكر‬
‫غابة الصنوبر‪ ،‬والغنم‪ ،‬وأوراق العنب‪ ،‬وزهر البرتقال‪ ،‬وسرطان البحر‪ ،‬والمياه‪ ،‬ونور‬
‫الصباح األزرق‪ ،‬والنجوم‪ ،‬والسمكة والقمر‪ ،‬كما في قصيدته "سيدة الكروم"‪ .‬ويتأثر‬
‫درويش بتلك الموجودات في أشعاره داللة على سفراته العديدة ما بين مصر ولبنان‬
‫وباريس واليونان‪ ،‬باإلضافة إلى مسقط رأسه فلسطين التي تميزت بموقع جغرافي‬
‫متميز ومناظر طبيعية خالبة‪ ،‬ويبدو ذلك جليًّا في قصيدته "عاشق من فلسطين"‬

‫‪040‬‬
‫خلود يسري‬

‫فيقول‪":‬قشرة البرتقال لنا‪ .‬وخلفي كانت الصحراء! رأيتك في جبال الشوك‪ ،‬راعية بال‬
‫أغنام‪ .‬أنت كنخلة في البال ما انكسرت لعاصفة أو حطاب‪ ،‬وحوش البيد والغاب‪...‬‬
‫قصائد تطلق العقبان! وباسمك‪ ،‬صاحت األعداء‪ :‬كلي لحمي إذا نمت يا ديدان‪،‬‬
‫فبيض النمل ال يلد النسور‪ ...‬وبيضة األفعى‪ ...‬يخبئ قشرها ثعبان! خيول الروم‪...‬‬
‫أعرفها‪ ".‬كما يكرر ذكر زهر البرتقال كما في قصيدتي "لوركا‪ ،‬واألرض‪".‬‬
‫* َعمد ريتسوس في إطار نحو الجملة إلى استعمال اسم المفعول أكثر من استخدامه‬
‫السم الفاعل‪ ،‬وعمد كذلك إلى التقديم والتأخير‪ :‬تقديم الفعل على االسم والعكس‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬ال تتقيد بترتيب معين‪ ،‬ألن‬
‫ً‬ ‫فمن المعروف أن الجملة في اللغة اليونانية‬
‫لكل حالة من حاالت اإلعراب فى اللغة اليونانية‪-‬كما هو الحال فى اللغة‬
‫العربية‪ -‬نهاية معينة تضاف إلى جذع االسم أو الصفة للداللة عليه وعلى موقعه‬
‫من اإلعراب‪ ،‬وعليه يمكن للجملة أن تقال بأكثر من ترتيب‪ .‬فالكلمة التي في حالة‬
‫المفعول به تبقى كما هي مفعول به مهما تغير موقعها‪ ،‬ولكن التقديم والتأخير‬
‫يعتمد على قصد الكاتب في تأكيد أية كلمة‪ .‬فإذ أراد تأكيد كلمة ما وضعها في‬
‫مكان الصدارة فى الجملة‪ ،‬بهدف لفت انتباه القارئ إلى أهمية هذه الكلمة بالذات‬
‫وتأكيدها‪ .‬وقد أضفى ذلك األسلوب النحوي في لغة القصيدة وحدة متكاملة علي‬
‫مجمال في قراءة النص وتحليله‪ .‬ويظهر‬‫ً‬ ‫النص‪ ،‬كى يستطيع المتلقي أن يستوعبه‬
‫ذلك بوضوح في قصائده المونولوجية "النافذة‪ ،‬أوريستيس‪ ،‬البيت الميت‪ ،‬هيليني‪،‬‬
‫عندما يأتي الغريب" من ديوانه "البعد الرابع"‪ ،‬ومن ث َّم تأثرت القصيدة الدرويشية‬
‫ببعض المعايير الموضوعية الموجودة فى قصائد ريتسوس مثل‪ :‬القياس الكمي أو‬
‫(التحليل اإلحصائي) ‪ -‬وهو أحد مجاالت الدراسة اللغوية األسلوبية المعاصرة ‪-‬‬
‫للنص مما جعلها تتميز بسمات فنية لغوية معينة‪ ،‬من بينها على سبيل المثال ال‬
‫الحصر‪:‬‬
‫‪ -‬الزيادة (أو النقص) النسبي في استخدام صيغ معينة أو نوع معين من الكلمات‬
‫(صفات‪ ،‬أفعال‪ ،‬ظروف‪ ،‬حروف جر‪ ،‬اسم الفاعل والمفعول‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫‪ -‬طول الكلمات المستخدمة أو قصرها‪ ،‬وطول الجمل أو قصرها‪.‬‬

‫‪045‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫‪ -‬نوع الجملة (اسمية‪ ،‬فعلية‪ ،‬ذات ظرف واحد‪ ،‬بسيطة‪ ،‬مركبة‪ ،‬إنشائية‪ ،‬سردية‪...‬‬
‫إلخ)‪.‬‬
‫مدخال أسلوبيًّا من مداخل دراسة النص الشعري المعاصر‪،‬‬
‫ً‬ ‫*التكرار‪ ،‬الذى ُيعد التكرار‬
‫خاصة في الكشف عن العمق الفني والداللي للغة الشعر‪ .‬وللتكرار بشكل عام‬
‫داللتان‪ :‬إحداهما سلبية ربما ترجع إلى فقر المفردات اللغوية عند الشاعر‪ ،‬واألخرى‬
‫إيجابية حيث يدل التكرار في كل مرة على معنى أو داللة مختلفة‪ .‬والتكرار عند‬
‫ريتسوس في أشعاره للمفردات من أفعال وكلمات يحمل الداللة اإليجابية أكثر من‬
‫كثير بشكل ملحوظ‪ ،‬مثل‬
‫حمله الداللة السلبية‪.‬فهنالك بعض المفردات التي تم تكرارها ًا‬
‫ألفاظ‪" :‬المنزل‪ ،‬والفراش‪ ،‬والغرفة‪ ،‬والمالءة" كما في قصيدة "هيليني"‪ ،‬وهي داللة على‬
‫إحساس هيليني بالغربة والوحدة والحنين إلى وطنها وبيتها وغرفة نومها التي طالما‬
‫امتألت بذكرياتها‪ ،‬كما فى [أبيات‪.]511-519‬‬

‫"أحيانا الخادمات تنسى أننى هناك‪ .‬ال يأتين لكى يضعننى مرة أخرى فى الفراش‪.‬‬ ‫ً‬
‫وأمكث طوال الليل ألشاهد دراجة قديمة‪ ،‬متروكة(مركونة)‬
‫أمام نافذة مضاءة لمحل حلوانى جديد‪،‬‬
‫حتى يضيئوا األنوار‪ ،‬أو أننى أقع فى النوم على حافة النافذة‪".‬‬
‫أما عند درويش فالتكرار عنده عنصر فعال من عناصر تكوين القصيدة‪ ،‬ويشكل‬
‫تكز بنائيًّا يلجأ إليه الشاعر ألغراض فنية وداللية‪ ،‬وأغراض أخرى تمليها الحاجة‬ ‫مر ًا‬
‫النفسية‪ .‬ففي قصيدته "سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا"‪ ،‬يتكرر اسم سرحان اثنتي‬
‫حرسا‪ ،‬ونالحظ أن التكرار هنا‬‫ً‬ ‫وثالثين مرة‪ ،‬فضالً عن تكرر جملة يأتي الصدى‬
‫وسيلة للتخفيف من حدة الصراع الذي يعيشه الشاعر أو حدة التشريد الذي يواجهه في‬
‫عالمه المأزوم‪ )81(.‬وفي قصيدته "عاشق من فلسطين" يكرر لفظ فلسطينية في سبعة‬

‫‪045‬‬
‫خلود يسري‬

‫ثم حظيت هذه السمات‬ ‫تأكيدا منه للكيان الفلسطيني والوطن‪.‬ومن َّ‬
‫ً‬ ‫أبيات على التوالي‬
‫الفنية اللغوية بنسبة عالية من التكرار‪ ،‬كما ارتبطت بسياقات على نحو ذي دالالت‬
‫وخواص أسلوبية تظهر في القصيدة بنسب وكثافة وتوزيعات مختلفة‪ .‬وهذه التقنية‬
‫قادر على تشخيص النزعات‬ ‫ًّ‬
‫موضوعيا منضبطًا ًا‬ ‫معيار‬
‫ًا‬ ‫تجعل القياس الكمي للقصيدة‬
‫السائدة في النص وما لدى الشاعر من فكر‪ ،‬وكذلك على تحديد المميزات األسلوبية‬
‫في القصيدة وفي نتاج الشاعر‪.‬‬
‫* يظهر تأثير الموروث اإلغريقي على ريتسوس في المقام األول‪ ،‬إذ أن الجانب‬
‫كبير فى أسلوب الكتابة عنده‪ ،‬فهو يمزج األسطورة بالحياة‬‫تأثير ًا‬
‫األسطوري يؤثر ًا‬
‫اليومية‪ ،‬والتجربة الشخصية بالتاريخ‪ .‬من حيث القائم بين ذات الشاعر وذات البطل‬
‫في القصيدة من خالل الحوار الداخلي والمونولوجي‪ .‬ويعبر ريتسوس عن األسطورة‬
‫بقدر كبير من التكثيف والتركيز على قدر ما تعكس حالته النفسية وتقلبات مزاجه‪،‬‬
‫غير أن شحنتها االنفعالية وقوتها الوجدانية ساحرة ومؤثرة‪ .‬ويظهر ذلك ًّ‬
‫جليا في‬
‫قصائده المونولوجية الطويلة التي لم يستعرها فحسب من األسطورة اليونانية القديمة‪،‬‬
‫أيضا باألسماء األصلية ألبطال األساطير القدامى داللة على المصدر‬‫بل احتفظ فيها ً‬
‫الذى نهل منه‪ ،‬مثال ذلك‪:‬إبقاؤه على أسماء شخصيات "فايدرا‪ ،‬وافيجينيا‪ ،‬وأورستيس‪،‬‬
‫وهيليني‪ ،‬وأجاممنون‪ ،‬وبيرسيفوني واسميني"؛ وهى أسماء استوحاها من كتاب‬
‫مهما في‬
‫دور ً‬‫التراجيديا اإلغريقية مثل أيسخيلوس ويوريبيديس‪.‬ويلعب هذا الموروث ًا‬
‫التأثير فى شعر درويش من خالل ثقافته واطالعاته الواسعة األدبية وكثرة ترحاله‬
‫اضحا في حبه‬‫واقامته في باريس مدينة الفن والجمال‪ .‬كما يبدو هنا التأثير جليًّا و ً‬
‫لبالد اليونان وسحرها في قصيدته "ريتا أحبيني"‪ ،‬فيناجيها على امتداد أبيات‬
‫أيضا للموروث الكالسي اإلغريقي في العديد من‬ ‫ً‬ ‫القصيدة(‪ .)82‬ويظهر عشقه‬
‫قصائده‪ ،‬منها قصيدة "نشيـد" التي يأتي فيها ذكر بنات‪ ،‬ورجال وأبطال طروادة‪ ،‬التى‬
‫يهدف من ورائها إلى اإلشارة إلى الحرب واالحتالل لمدينته‪ .‬كذلك يتحدث في قصيدة‬
‫"ينقب عن دولة نائمة"‪ ،‬عن صدى أساطير هوميروس شاعر المالحم‪ ،‬وأنقاض‬
‫طروادة القادمة التي يشير من خاللها إلى فلسطين‪ .‬كما يذكر درويش شاعر‬
‫التراجيديا اإلغريقية أسخيلوس ومسرحياته في قصيدته "على هذه األرض"‪.‬‬
‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬
‫لقد تواصل عطاء ريتسوس من خالل القصائد المجازية المركزة منذ عام ‪،9111‬‬
‫إلماما بحقائق ومعارف في مجاالت أخرى غير‬ ‫ً‬ ‫وتطلبت هذه القصائد من القارئ‬
‫الشعر‪،‬وبعبارة أخرى فلقد أوصلت هذه القصائد الناس إلى نوعية أخرى من التذوق‬
‫الشعري‪.‬وربما كان هذا هو السبب فى أن القارئ التقليدي ألشعار ريتسوس يحس‬
‫بالغربة إزاء قصائده الحديثة‪ ،‬حيث إن مقومات تذوق هذه القصائد خارجة عن مجرد‬
‫نطاق النص الشعري‪ ،‬وتحتاج إلى إلمام عميق بمجريات أحداث اليونان المعاصرة‪.‬‬
‫وحتى لو ظلت هناك فجوة قائمة بين قصائد ريتسوس هذه وجماهير القراء العريضة‪،‬‬
‫فإن هذا يدل على السمة الطليعية المستقبلية في شعره‪ .‬إن قصائد ريتسوس تنطوي‬
‫على محاورات درامية في مسرح يتخذ لـه خشبة من عتبات الدنيا وتتالقى عليه أشد‬
‫تباينا‪ ،‬وتتبادل اإليماءات من قصيدة إلى أخرى‪ .‬ولنذكر في هذا المقام‬
‫الشخصيات ً‬
‫على سبيل المثال العجائز في قصيدة "البيت الميت"‪ ،‬و"الجناز"‪ ،‬والبناؤن والمهرجون‬
‫والنكرات من عابري السبيل وغيرهم من الشخصيات في قصائده النابضة بالحياة‪ .‬فكل‬
‫شخصية من هذه الشخصيات تتحدذ إلينا بإصرار ويقين عن اإلنسانية التي هي ملك‬
‫للناس أجمعين‪.‬وقد تطرق النقاد إلى تناول قصائد ريتسوس بشكل رائع‪ ،‬إذ أصدر‬
‫الناقد "بيتر بنيامين"‪ Peter Benjamin‬أكثر من دراسة حول شعره‪ .‬ولقد قال هذا‬
‫الناقد عن ريتسوس‪":‬اشترى السالم بالشعور‪ ،‬ودافع عن السالم بقصائده وأظافره‬
‫وعيونه‪ .‬إنه الشاعر الساحر الذي حول الكلمات اليومية عبر قلمه إلى أوصاف ترتقي‬
‫جبر" سلسلة مقاالت‬
‫بماهو عادي إلى مستوى غير متناه"‪ .‬وكتب الناقد الفلسطيني " ا‬
‫كثير‪ ،‬كما بحث العديد من القضايا في‬‫يتناول فيها عدة مواضيع شغلت ريتسوس ًا‬
‫(‪)81‬‬
‫شعره‪ ،‬مثل طول القصيدة أو قصرها‪ ،‬وكذلك موضوع السالم وفهم ريتسوس له ‪.‬‬
‫يقول ريتسوس‪":‬بالنسبة إل َّي ليست هناك قصيدة ملتزمة وأخرى غير ملتزمة‪ :‬فإما‬
‫أبدا‪ ".‬ويقول‪":‬ال ينبع عالم الشاعر من اإليديولوجيا‪ ،‬وال‬
‫أن توجد القصيدة أو التوجد ً‬
‫يمكن أن تكون المسألة في الشعر حدود االلتزام‪ ".‬أما عن مواقفه السياسية واإلنسانية‬
‫ار عن القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫فالبد أن نشير في هذا الشأن إلى أن ريتسوس قد دافع مرًا‬
‫عاما من المسيرة الشعرية نال ريتسوس جائزة لينين وجائزة‬ ‫وبعد ثالثة وأربعين ً‬
‫مرشحا لجائزة نوبل حتى وفاته(‪.)39‬‬
‫ً‬ ‫ديمتروف‪ ،‬وظل‬

‫‪044‬‬
‫خلود يسري‬

‫معا‪ .‬وكأن‬
‫الشعر إذن هو ماء اللغة‪ ،‬تغتسل من ذاكرتها وتصنع ذاكرتها في آن ً‬
‫الكلمات التي ينظمها الشعراء تأتي من مكان سري في أعماقنا‪ ،‬من تجربة تبحث عن‬
‫ثم فتجربة محمود درويش هي ابنة هذا‬ ‫لغتها‪ ،‬ومن كلمات تتجدد في ماء الشعر‪ .‬ومن َّ‬
‫الماء‪ ،‬به غسلت لغتها وحددتها‪ ،‬أقامت من المأساة الفلسطينية جدارية شعرية كبرى‬
‫تختزن في أعماقها هذا الغوص في ماء الشعر وماء الحياة‪ .‬وبوسعنا أن نق أر التجربة‬
‫الشعرية الدرويشية في مستويات متعددة ننسبها إلى أرضها‪ ،‬ونكتشف ملحمة مقاومة‬
‫شكال لتاريخ المأساة (‪.)39‬‬
‫الشعب الفلسطيني لالندثار والموت‪ ،‬فتصبح القصائد ً‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫)‪ )4‬مصلوح‪ ،‬سعد‪ ،)4444(،‬ص ص‪.44 -44‬‬


‫)‪ )4‬الحويطات‪ ،‬مفلح‪ ،)4444(،‬ص ‪.4544‬‬
‫‪(3) Miguel Castillo Didier. 1958: Yianis Ritsos, Antologia Poetica Prólogo, Facultad de‬‬
‫‪Filosofià y Humanidades, Universidad de Chile, p. 15.‬‬
‫)‪ )0‬عطية‪ ،‬نعيم‪ ،)4444(،‬ص ص ‪.4 -5‬‬
‫‪1981,p. 15.‬‬
‫)‪ )5‬عطية‪ ،‬نعيم‪،)4444(،‬ص ص ‪.4 -5‬‬
‫‪Prokopaki Chrysa, 1968, pp. 8- 9.‬‬ ‫)‪ )5‬جمال حيدر‪ ،)44444(،‬ص ‪، 5‬‬
‫‪7‬‬
‫‪( ) Miguel Castillo Didier, 1958 p. 15, Prokopaki Chrysa, 1968, pp. 9- 11, José Luis Díaz‬‬
‫‪Granados, 2007, pp. 1- 2.‬‬
‫‪(8) José Luis Díaz Granados, 2007 pp. 1: 2, Prokopaki, Chrysa, 1968 pp. 14-15.‬‬
‫‪(9) Prokopaki Chrysa, 1968, pp.15-17, Miguel Castillo Didier, 2007mpp.15-16; de l’acrita al‬‬
‫يانيس ريتسوس شاعر التمرد والحرية ورمز النضال‪patriota, 2003, CSIC,pp. 11-12 . ،‬‬
‫‪ http://www.su-‬سوبرس للصحافة والنشر‪ ،‬صحيفة الضفتان‪.4444/0/44 ،‬‬
‫‪press.net/new12‬‬
‫)‪ )44‬حسين‪ ،‬ناجى‪ ،)4444(،‬يانيس ريتسوس شاعر المقاومة والحياة‪ ،‬الحوار المتمدن‪ ،‬جريدة‬
‫التحفجية‪ ،‬العدد ‪/http://elto7fageyya.com4444/4/4 ،4500‬‬
‫)‪ )99‬القاسم‪ ،‬نضال‪ ،)8991(،‬ص ‪.3 -9‬‬
‫)‪ )44‬أدونيس‪ ،‬عشرون قصيدة ليانيس ريتسوس‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬أدونيس‪ ،‬الحوار المتمدن‪ -‬العدد‬
‫‪4 : 44 ،4444/5/4 ، 4544‬م‪.‬‬

‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬

‫‪(13) Peter, Bien,1983, p.119.‬‬


‫)‪ )40‬رؤوف‪ ،‬خالد‪ ،)4444(،‬ص ص ‪.45 -5‬‬
‫)‪ )45‬مجيدي‪،‬حسن‪ ،‬جان نثاري‪ ،‬فرشته(‪" ،)4444‬الخصائص الفنية لمضامين شعر محمود‬
‫درويش"‪ ،‬فصلية إضاءات نقدية‪ ،‬عدد ‪ ،0‬ص ص ‪.50 -54‬‬
‫)‪ )45‬محمود‪ ،‬عبدالحليم‪،) 4444(،‬ص ص ‪.44 -4‬‬
‫)‪ )91‬عبدالهادي‪ ،‬محمد‪ ،)8991(،‬ص ص ‪.8 -9‬العريضي‪ ،‬عصام‪ ،)9121(،‬ص ‪.991‬‬
‫)‪ )44‬عبدالهادي‪ ،‬محمد‪،)4444(،‬ص ‪ .4‬حمود‪ ،‬عبدالحليم‪ ،)4444(،‬ص ‪.44‬‬
‫)‪)44‬العبادي‪ ،‬عيسى قويدر‪" ،)4440(،‬أنماط الحوار في شعر محمود درويش‪ ،‬دراسات العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلد‪ ،04‬العدد ‪ ،4‬ص ‪ .44‬درويش‪ ،‬محمود‪ ،)4444(،‬قصيدة‬
‫"يختارني اإليقاع"‪.‬‬
‫)‪ )44‬درويش‪ ،‬محمود‪ ،)4444(،‬قصيدة "تللك صورتها"‪ ،‬ص ص ‪.045 -044‬‬
‫)‪ )44‬زروقى‪ ،‬عبدالقادر على‪ ،)4444(،‬ص ص ‪.444 -44‬‬
‫)‪ )44‬درويش‪ ،‬محمود‪ ،) 4440(،‬ديوان"ال تعتذر عما فعلت"‪ "،‬قصيدة كحادثة غامضة"‪ ،‬ص‬
‫‪.455‬‬
‫)‪ )44‬القاسم‪ ،‬نضال‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫)‪ )89‬حسين‪ ،‬ناجى‪ ،)8998(،‬يانيس ريتسوس شاعر المقاومة والحياة‪ ،‬الحوار المتمدن‪،‬جريدة‬
‫‪/http://elto7fageyya.com‬‬ ‫التحفجية‪،‬‬
‫)‪ )45‬حمود‪ ،‬عبدالحليم‪ ،)4444(،‬ص ‪ ،44‬مرشيليان‪ ،‬إيفانا‪ ،)4440(،‬ص ‪. 45‬‬
‫)‪ )45‬العبادي‪ ،‬عيسى قويدر‪ ،ْ) 4440(،‬ص ‪.44‬‬
‫)‪ )44‬زروقى‪ ،‬عبدالقادر على‪ ،)4444(،‬ص ‪. 44‬‬
‫)‪ )44‬مرشليان‪ ،‬إيفانا‪ ،)4440(،‬ص ‪.54‬‬
‫)‪ )44‬القاسم‪ ،‬نضال‪ ،)4444(،‬ص‪.4 -4‬‬
‫)‪ )44‬سعدي‪ ،‬يوسف‪ ،‬يانيس ريتسوس‪ ،‬إيماءات‪ ،‬جريدة الثورة‪ ،‬يومية سياسية‪ ،‬األربعاء‬
‫‪ .4444/4/44‬مرشيليان‪ ،‬إيفانا‪ ،)444.(،‬ص ص ‪. 44 - 44‬‬
‫)‪ )44‬خوري‪ ،‬إلياس‪" ،)4444 (،‬من كتاب أثر الفراشة في جريدة"‪.‬‬

‫‪044‬‬
‫خلود يسري‬

‫قائمة المصادر والمراجع العربية واألجنبية‬


‫أواًل‪ :‬المصادر العربية‪:‬‬
‫‪ .9‬درويش‪ ،‬محمود(‪ ،)8991‬األعمال الجديدة الكاملة‪ ،‬دار صفا للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .8‬درويش‪ ،‬محمود(‪ ،)8991‬في حضرة الغياب‪ ،‬يوميات رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .3‬درويش‪ ،‬محمود(‪ ،)8999‬ال تعتذر عما فعلت‪ ،‬يوميات رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المراجـع العربيــة‪:‬‬
‫ا‬
‫‪ .9‬إبراهيم‪ ،‬محمد حمدي(‪ ،)8999‬مختارات من الشعر اليوناني الحديث‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪،‬عدد ‪ ، 921‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .5‬بيين‪ ،‬بيتر(‪ ،)9125‬كافافي‪ ،‬كازنتزاكيس‪ ،‬ريتسوس‪ ،‬ترجمة‪:‬سعاد فركوح‪ ،‬دار منارات للنشر‪.‬‬
‫‪ .1‬حمادة‪ ،‬إبراهيم( ‪ ،)9128‬مقاالت في النقد األدبي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .1‬حمود‪،‬عبدالحليم(‪ ،)8991‬محمود درويش حناجر تلتقي لتكتمل الصرخة‪ ،‬دار البحار‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .2‬رؤوف‪ ،‬خالد(‪ ،)8999‬يانيس ريتسوس‪ ،‬جيران العالم‪ -‬مختارات شعرية‪ ،‬جدار للثقافة والنشر‪،‬‬
‫سوريا‪.‬‬
‫‪ .1‬زروقى‪،‬عبدالقادر على (‪،)8998‬أساليب التكرار فى ديوان "سرحان يشرب القهوة فى الكافيتريا"‬
‫لمحمود درويش‪،‬مقاربة أسلوبية‪،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة الحاج لخض‪،‬باتنة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .99‬سالم‪ ،‬رفعت(‪ ،)9128‬يانيس ريتسوس‪ ،‬اللذة األولى‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬رفعت سالم‪ ،‬الملحقية‬
‫الثقافية اليونانية بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ .99‬العريضي‪،‬عصام(‪ ،)9121‬على بساط الشعر‪ 85 ،‬قصيدة دراسة وتحليل‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .98‬عطية‪ ،‬نعيم(‪ ،)9118‬إطاللة على الشعر اليوناني الحديث‪ ،‬يانيس ريتسوس‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ .93‬عطية‪ ،‬نعيم(‪ ،)8999‬قصص مختارة من األدب اليوناني الحديث‪ :‬المجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫المشروع القومي للترجمة‪ ،‬عدد ‪ ،958‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .99‬علي‪ ،‬أحمد مختار(‪ ،)9128‬علم الداللة‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬

‫‪ .95‬علي‪ ،‬أحمد مختار(‪ ،)9111‬اللغة واللون‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ .91‬مرشليان‪ ،‬إيڤانا(‪ ،)8999‬أنا الموقع أدناه محمود درويش‪ ،‬بحضور إيڤانا مرشليان‪ ،‬دار‬
‫الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .91‬مصلوح‪ ،‬سعد(‪ ،)9118‬األسلوب‪ :‬دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .92‬وهبة‪ ،‬محمد حسن(‪ ،)9111‬الرواية اليونانية القديمة‪ ،‬لونجمان‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬المقاًلت والمجالت العربية‪:‬‬
‫‪ .91‬الحويطات‪ ،‬مفلح(‪ ،)8999‬تأثير يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‪ :‬سعدي يوسف‬
‫نموذجا‪ ،‬مجلة النجاح لألبحاث (العلوم اإلنسانية)‪ ،‬مجلد ‪ ،85‬رقم‪.1‬‬
‫ً‬
‫‪ .89‬العبادي‪ ،‬عيسى قويدر(‪ ،)8999‬أنماط الحوار في شعر محمود درويش‪ ،‬دراسات العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬المجلد ‪ ،99‬العدد ‪.9‬‬
‫‪ .89‬حيدر‪ ،‬جمال(‪ ،)8991‬الصيف األخير‪ ،‬كشوفات في شعرية ريتسوس‪ ،‬جريدة الصباح‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫سبتمبر‪.‬‬
‫‪ .88‬مجيدي‪،‬ح‪ ،.‬جان نثاري‪ ،‬ف(‪" ،)8999‬الخصائص الفنية لمضامين شعر محمود درويش"‪،‬‬
‫فصلية إضاءات نقدية‪ ،‬عدد ‪.9‬‬
‫ابعا‪ :‬المواقع اإللكترونية للمجالت العربية واألجنبية‪:‬‬
‫را‬
‫‪ .83‬أبولوز‪ ،‬يوسف(‪ ،)9112‬ريتسوس والشعر المعاصر‪،‬جريدة الدستور‪ ،‬صفحة فضاءات‪39،‬‬
‫آيار‪.‬‬
‫‪ .89‬أدونيس‪ ،‬عشرون قصيدة ليانيس ريتسوس‪ ،‬ترجمة وتقديم‪:‬أدونيس‪ ،‬الحوار المتمدن‪ -‬العدد‬
‫م‪/http://www.ahewar.org.‬‬ ‫‪99 : 3 - 8991/5/2 ،8139‬‬
‫‪ .85‬أغبال‪ ،‬رشيدة‪" ،‬الرمز الشعري لدى محمود درويش‪ ،‬الرمز الطبيعي"‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬عدد‬
‫‪(،81‬ب‪.‬ت) ‪/http://saidbengrad.free.fr‬‬
‫‪ .81‬حسين‪ ،‬ناجي‪ ،‬يانيس ريتسوس شاعر المقاومة والحياة‪ ،‬الحوار المتمدن‪،‬جريدة التحفجية‪ ،‬العدد‬
‫‪/http://elto7fageyya.com‬‬ ‫‪ ،8991/8/9 ،8599‬تم النشر في ‪ 93‬يناير ‪.8998‬‬
‫‪ .81‬خوري‪ ،‬إلياس(‪" ،)8999‬من كتاب أثر الفراشة في جريدة "‪ ،‬رقم ‪ 3 ،31‬كانون الثاني‪،‬‬

‫‪044‬‬
‫خلود يسري‬

‫‪http://www.mahmouddarwish.com/‬‬

‫‪ .82‬سعدي‪ ،‬يوسف‪ :‬يانيس ريتسوس‪ ،‬إيماءات‪ ،‬جريدة الثورة‪ ،‬يومية سياسية‪ ،‬األربعاء‬
‫‪.8999/9/91‬‬
‫‪ .81‬صالح‪ ،‬فخري‪ ،‬أثر ريتسوس في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬مجلة ديوان العرب‪.8991/1/39 ،‬‬
‫‪ .39‬صالح‪ ،‬فخرى‪ :‬شعرية التفاصيل ويانيس ريتسوس‪ ،‬روترس‪ ،‬الثالثاء ‪8991/99/89‬‬
‫‪/http://ara.reuters.com/article‬‬

‫‪ .39‬عبدالهادي‪ ،‬م(‪" ،)8991‬تجليات رمز المرأة في شعر محمود درويش"‪ ،‬مخبر وحدة التكوين‬
‫والبحث في نظريات القراءة ومناهجها‪ ،‬جامعة محمد خيذر بسكرة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪http://laberception.net‬‬

‫‪ .38‬القاسم‪ ،‬نضال‪ ،‬يانيس ريتسوس شاعر الحرية والتفاصيل‪ ،‬مجلة الحافة‪ - 8991/3/99 ،‬تم‬
‫اإللكتروني‬ ‫اإلمبراطور‬ ‫موقع‬ ‫ص‪،‬‬ ‫‪3:99:93‬‬ ‫‪،8999/9/93‬‬ ‫في‬ ‫النشر‬
‫‪www.alimbarature.com‬‬

‫‪ .33‬يانيس ريتسوس شاعر التمرد والحرية ورمز النضال‪ ،‬سوبرس للصحافة والنشر‪-‬اليونان‪،‬‬
‫صحيفة الضفتان‪/http://www.su-press.net.8999/9/98 ،‬‬

‫خامسا‪ :‬المواقع اإللكترونية‪:‬‬


‫ا‬
‫‪34. http://www.darwish.ps/‬‬
‫‪35. http://www.mahmouddarwish.com/ui/english/ShowContentA.aspx?ContentId=7‬‬
‫‪36. www.alimbarature.com‬‬
‫‪37. http://elto7fageyya.com‬‬
‫‪38. http://www.alhewar.org‬‬
‫‪39. http://www.diwanalarab.com‬‬
‫‪40. URL:http://www.jornada.unam.mx/2002/03/03/sem- dimitris.html-‬‬

‫‪044‬‬
‫تأثير أشعار يانيس ريتسوس في الشعر العربي الحديث‬

41. URL:http:// www.diariocolatino.com


42. URL:http://ar.wikipidia.org.-Date
43. http://www.su-press.net/new12
44. http://www.goodreads.com/author/quotes/
45. http://www.hekams.com/
46. http://www.adab.com/modules.php?
47. https://theenlightenedminds.wordpress.com/2012/10/02/
48. http://www.arabicnadwah.com/arabpoets/darwish.htm
49. http://anfasse.org/index.php/2010-12-30-15-14-57/mahmoud-darwiche
50. http://www.jammoul.net/forum/showthread.php?
‫المراجـع األجنبيـة‬
:‫ المصادر اليونانية‬:‫أواًل‬
) (:
:‫ الكتب األجنبية‬:‫نيا‬
‫ثا ا‬
52. Miguel Castillo Didier(1958), Yiannis Ritsos, Antologia Poetica Prólogo, Facultad de

Filosofià y Humanidades, Universidad de Chile.

53. Green, P. (1993), The Fourth Dimension, Great Britain.

54. Nikos, Stangos.( 1974), Yannis Ritsos: Selected Poems, Great Britain.

55. Peter, Bien. 1983: The Generations of Greek Writers: Introductions to Cavafy,

Kazantzakis, Ritsos, Athens.

56. Kaklamanake, R. (1999); Yiannis Ritsos: Athenai:

Ekdoseis Patake.

57 ) (

040
‫خلود يسري‬

:‫ المقاًلت والمجالت واألجنبية‬:‫ابعا‬


‫را‬
58.De l’acrita al patriota, (2003), Les Divuit cançons de la patria amarga de Iannis Ritsos,

CSIC Madrid.

59.José Luis Díaz Granados:Yiannis Ritsos, (2007), :“Obrero del Verbo”, SSL, San

Salvador Lunes, Febraio.

60.La Jornada Semanal, 3 de marzo del (2002)

61.Marjorie Chambers, (1992), ”Yánnis Rítsos and Greek Mythology”, Hermathena- Univ.

of Dublin no.CLIII.

62.Minas, S. (1993), "Remembering Yiannis Ritsos", Literary Review V.36, no.2.

63.Myrsiades, K. 1978:”The Classical Past in Yiannis Ritsos’ Dramatic

Monologues”,Paper on Language and Literature, V.14.

64.Prevelakis, P. (1980), “The Poetry of Yiannis Ritsos: Revealing the Face and Soul of

Greece”, Theater Review V.2, Jan.

65.Prokopaki, Chrysa, (1968), Yiannis Ritsos, Poètes d’Aujourdhui, 178 Seghers- Paris.

66.W.V.S, R.K. (1972), "A Biographical Note of Yiannis Ritsos", Boundery,2 V.1, no.1.

045

You might also like