Professional Documents
Culture Documents
مشكلة تدوين الحديث الشريف في عصر النبي
مشكلة تدوين الحديث الشريف في عصر النبي
الصحيفة الصادقة
الصحيفة الصادقة هي التي كتبها (عبد هللا بن عمرو بن العاص) عن رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله) مباشرة وبإذن منه ،فقد
روى مجاهد ...( :رأيتُ عند عبد هللا بن عمرو صحيفة ،فسألته عنها ،فقال :هذه الصادقة ،فيها ما سمعتُ من رسول هللا (صلّى هللا
عليه وآله) ،ليس بيني وبينه أحد) ( ،)234وكما يبدو من مواصفاتها أنها كانت ذخراً ال ينضب في الفقه والعلم ،ولذلك أحتلت
مكانة عزيزة لدى صاحبها ،حتى إنه يقول( :ما يرغبني في الحياة إالَّ الصادقة والوهط ،فأ َّما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول
هللا (صلّ ى هللا عليه وآله) ،وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها) (.)235
وقد أخرج اإلمام أحمد هذه الصحيفة في مسنده بعنوان :مسند عبد هللا بن عمرو بن العاص ( .)236وتروي بعض المصادر أن
بني عبد هللا توارثوا هذه الصحيفة الثمينة حتى استقرت عند حفيده (عمر بن شعيب بن محمد بن عبد هللا بن عمرو) ()237
المتوفى سنة (120هـ) أو ( 118هـ) ،وكان يروي عنها قراءة أو حفظا ً من أصلها (.)238
ولكل ذلك يهتم علماء الجمهور بهذه الصحيفة اهتماما ً بارزاً ،فقد قال الخطيب( :لهذه الصحيفة أهم َّية عظيمة ،ألنها وثيقة علمية
تاريخية تثبت كتابة الحديث النبوي الشريف بين يدي رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله) وبإذنه) (.)239
لقد بلغ اهتمام علماء ومفكري الجمهور بهذه الصحيفة أن جعلها أحدهم رسالة لنيل شهادة الدكتوراه..
واآلن نحاول أن نخضع الصحيفة والقول بأنها أثر حقيقي يحمل هذه المواصفات لعملية النقد العلمي ،لنرى ما هي قيمتها؟ وسوف
نبدأ بتحليل أسانيدها التي جمعها الخطيب البغدادي في كتابه المعروف بـ(تقييد العلم) ،متطرقين بعد ذلك إلى فحص المتون
والمقارنة بينها.
-الرواية األولى:
(أخبرنا علي بن محمد بن عبد هللا المؤ َّمل ،أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ،حدثنا عباس بن محمد بن حاتم ،حدثنا محمد بن
الصلت ،حدثنا شريك عن ليث عن طاووس عن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال :الصادقة :صحيفة كتبتها عن رسول هللا (صلّى
الرواية الثانية:
( ...حدثنا عبد هللا بن جعفر بن أحمد بن فارض ،حدثنا إسماعيل بن عبد هللا العبدي ،حدثنا محمد بن سعيد ،حدثنا شريك عن ليث
عن مجاهد قال :قال عبد هللا بن عمرو :ما يرغبني في الحياة إالَّ خصلتان ،الصادقة والوهط ،فأ َّما الصادقة :فصحيفة كتبتها عن
رسول هللا (صلّ ى هللا عليه وآله) ،وأما الوهط ،فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقو ُم عليها) (.)241
-الرواية الثالثة:
(أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد هللا بن زياد القطان ،حدثنا الحسن بن عباس الرازي ،حدثنا محمد بن حميد ،حدثنا هارون بن
المغيرة عن عنبسة ،يعني ابن سعيد ،عن ليث عن مجاهد عن عبد هللا بن عمرو قال :ما آسي على شيء إالَّ على الصادقة والوهط،
وكانت الصادقة صحيفة إذا سمع من النبي شيئا ً كتبه فيها ،والوهط كان جعلها صدقة) (.)242
-الرواية الرابعة:
(حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ،حدثنا محمد بن علي الوراق ،حدثنا سعيد يعني ابن سليمان ،حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة
بن عبيد هللا ،حدثنا مجاهد :قال :أتيتُ عبد هللا بن عمرو ،فتناولت صحيفة من تحت مفرشه ،فمنعني ،قلتُ :ما كنت تمنعني شيئاً!
قال :هذه الصادقة ،هذه ما سمعتُ عن رسول هللا (صلى هللا عليه وآله) ،ليس بيني وبينه أحد ،إذا سلمت لي هذه ،وكتاب هللا تبارك
-الرواية الخامسة:
(أخبرنا أبو محمد عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد هللا بن مهدي الديباجي وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن
رزق الثاني وأبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ( )...قالوا :أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ،حدثنا
الحسن بن عرفة ،حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن محمد بن زياد األلهاني ،عن أبي راشد الميراثي قال :أتيتُ عبد هللا بن عمرو بن
العاص فقلت له :حدثنا ما سمعت من رسول هللا ،فألقى بين يدي صحيفة .فقال :هذا ما كتب لي رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)،
فنظرت فيها ،فإذا فيها :إن أبا بكر الصديق قال :يا رسول هللا علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ،فقال له رسول هللا :يا أبا
بكر قل :اللهم فاطر السماوات واألرض ،عالم الغيب والشهادة ،ال إله إالَّ أنت ،رب كل شيء ومليكه ،أعوذ بك من شر نفسي ،ومن
هذه هي الروايات التي تثبت وجود (الصحيفة الصادقة) التي يدعى أن عبد هللا بن عمرو بن العاص كتبها عن رسول هللا ،وليس
- 1الرواية األولى والثانية والثالثة تشترك في (ليث) ،فماذا يقول الرجاليون في هذه الرواية؟
قال عثمان بن أبي شيبة :سألت جريراً عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب .فقال :كان يزيد أحسنهم استقامة ...وكان
قال ابن أبي حاتم :سمعت أبي وأبا زرعة يقوالن :ليث ال ُيشتغل به ،وهو مضطرب الحديث.
قال ابن سعد :كان رجالً صالحاً ،عابداً ،وكان ضعيف الحديث.
قال الحاكم أبو عبد هللاُ :م َجم ٌع على سوء حفظه.
- 2وفي الرواية الرابعة (إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبد هللا التميمي ت 164هـ).
- 3وفي الرواية الخامسة (أبو راشد الميراثي) قال فيه الحاكم :اشتهر عنه النصب كحريز بن عثمان (.)247
- 4إن جميع الروايات في هذا المقام تنتهي سلسلتها إلى إدعاء عبد هللا بن عمرو بن العاص نفسه.
- 1الرواية الثانية والثالثة تب ّي نان صراحة أن أقصى ما يرغبه عبد هللا بن عمرو هو الصادقة والوهط ،فيما تزداد فقرات الرغبة
المذكورة أمراً جديداً في الرواية الرابعة ،أال وهو كتاب هللا تعالى ،رغم أن جميعها من طريق (مجاهد).
- 2إن الرواية األولى تصرح أن عبد هللا بن عمرو كان يكتب وليس بي َن ُه وبين رسول هللا (صلى هللا عليه وآله) أحد ،فيما تشير
بكل وضوح الرواية الخامسة إلى حضور أبي بكر واشتراكه في العملية .بشكل من األشكال .وحاول الشيخ صبحي الصالح تذليل
هذه العقبة بقوله أن لعبد هللا هذا كتبا ً كثيرة!! ودعاء أبي بكر ليس من الصادقة ،بل من صحيفة أخرى كان عبد هللا يحتفظ بها (
- 3الرواية الثالثة ال تشير إلى خلوة عبد هللا بالرسول أثناء الكتابة ،وإنما هو يكتب ما يسمع من رسول هللا وحسب ،رغم أنها من
طريق (مجاهد).
فهي مخدوشة سنداً ،ومتضاربة متناً ،ولكن األمر ال يقف عند هذه الحدود ،بل هناك طبائع األشياء التي ال تساعد أن يظفر عبد هللا
بن عمرو بهذا الشرف الرفيع على غيره .وفيما يلي توضيح هذه الحقيقة...
إن عبد هللا بن عمرو هذا أسلم وعمره خمسة عشر عاما ً ( )249وفي السنة الثامنة من الهجرة ( .)250أي قبل وفاة الرسول
(صلى هللا عليه وآله) بسنتين ،ولم يكن من ذوي السابقة في اإلسالم ،بل كان أبوه وجده من الذين كادوا لرسول هللا ودينه العظيم،
فهل (من المقبول -والحالة هذه -أن يؤثره الرسول ولوحده كما تنص الرواية ،بتلك المه َّمة الخطيرة التي تخص التشريع كله؟!
إنه ألمر بعيد ،ويدعو إلى أكثر من تساؤل ،حتى لو سلَّمنا بواقع قدرته على الكتابة الفائقة) (.)251
إنه تساؤل يفرض نفسه بقوة بلحاظ العديد من المفارقات التي يصعب تجاوزها بسهولة ،بل إنها لتدعو إلى الريب بصحة العملية.
والواقع :ليس السن وحده يدعو إلى مثل هذا الموقف أو التشكيك في أصل الصحيفة وصاحبها عبد هللا بن عمرو:
بتمرتين أو فلسين) ( ...)252ولم ينطلق هذا التضعيف من نقل عمرو بن شعيب وجادة كما يقول الخطيب ( ،)253ألن التقييم
صادر بحق الصحيفة ذاتها كما هو واضح.
- 2لم يرو البخاري عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أكثر من سبعة أحاديث (.)254
- 3لم يرو مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أكثر من عشرين حديثا ً (.)255
وله موقف سلبي عدائي حاد من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السالم).
كما أن سيرته على العموم تميزت بالسلب َّية من آل البيت ( ،)256وباإليجابية من األمويين ،بما فيهم يزيد بن معاوية قاتل الحسين،
ولكن على نحو خجول ،كما سنرى .وقد ورث ابناؤه هذه العالقة الطيبة مع أبناء األمويين من الحكام والزعماء.
على أن بعض الباحثين يدعي أن هذه الصحيفة ،قد استقرت أخيراً عند الحفيد عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد هللا بن عمرو بن
العاص.
إن وفاة هذا الحفيد عام (120هـ) أو (118هـ) أي في طليعة العام الذي بدأت فيه معالم التدوين والحرص على كتابة حديث رسول
أكثر من حقيقة ،وذلك فضالً عن أهم َّي ة الصحيفة الدينية والتشريعية ،هناك الظروف المالئمة والعوامل المشجعة على استنساخها
ونشرها واعتمادها في الوسط اإلسالمي الحديثي والفقهي والعلمي ما َّدة نبوية جاهزة .ومما ال ريب فيه أن الصحيفة لم تصلنا،
وهنا نقطة ضعف كبيرة يحاول أحد الكتاب معالجتها ،فيقول( :وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو بخطه ،فقد نقل
كتب السنن األخرى جانبا ً منها) ( )257ولكن فات هذا المعالج الذي أدرك جيداً موطن
إلينا أحمد محتواها في مسنده ،كما ض َّمت ُ
الضعف ،فاته أن أحمد بن حنبل (لم يشر إلى كونها مستقاة من تلك الصحيفة الصادقة) ( .)258وكذلك حال أصحاب السنن األربع
كما يبدو واضحا ً لمن يراجعها .ولم ي ّدع أحد أنه رآها إالَّ (مجاهد) ،وقد َّ
مرت بنا الروايات في هذا الصدد ،وتك َّ
شف لنا أنها مخدوشة
في سندها أو متنها ،على أن الغريب في األمر حقاً ،أن الصحيفة لم يرها أحد حتى في عهد (عمرو بن شعيب) ،وهو عهد البدء
على أن ما ُيلفت النظر حقا ً في هذه الصحيفة ،تباين اآلراء في حقيقة مضمونها إلى حدٍّ يدعو إلى االستفسار عن واقعها كحقيق ٍة
موجودة ،أو على أقل تقدير إلى االستفسار عن مدى االطمئنان إلى ما جاء فيها .وهناك ثالث آراء في المقام:
ض ّم ألف حديث ،وذلك باالعتماد على رواية عن عبد هللا نفسه ،فقد روي عنه( :حفظت عن النبي
األول :إنها موسوعة حديث َّية ت ُ
فيما يعتقد آخرون ،أن ما في الصحيفة ما آتانا برواية (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) ،ومجموعة مع المكرر في مسند أحمد
الثاني :إن الصحيفة رغم كل ما قيل فيها وعنها ،ال تعدو مجموعة أدعية وصلوات تل َّقاها عن رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله)،
ومما يعضد هذا الرأي أن الذي يطالع روايات عبد هللا ،بن عمرو سيجد أن األدعية واألذكار غالب عليها بشكل قاطع وملفت للنظر،
يونس في تاريخ مصر عن حياة ابن شريح ،قال :دخلت على حسين ُ
شفي بن مانع األصبحي ،وهو يقول :فعل هللا بفالن فقلتُ :ما
كذا وقال رسول هللا في كذا ،واآلخر :ما يكون من األحداث إلى يوم القيامة ،فأخذهما ،فرمى بهما بين الخولة والباب) (.)262
الرابع :ويرى آخرون أن هذه الصحيفة هي مجموعة كتب ظفر بها عبد هللا بن عمرو في معركة اليرموك تخص أهل الكتاب،
...( - 1أن عبد هللا كان قد ظفر في الشام يحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ،ويحدث منها ،فتجنب األخذ عنه لذلك
...( - 2أن عبد هللا بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما) (.)264
- 3وفي رد الدارمي على بشر المريسي( :إنه -عبد هللا بن عمرو -أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب ،وكان
- 4وقال ابن كثير عن حديث( :بعث هللا جبريل إلى آدم وحواء ،فأمرهما ببناء الكعبة ،فبناه آدم ،ثم أمر بالطواف به ،وقيل له :أنت
أول الناس ،وهذا أول بيت وضع للناس) ( ...)266قال ابن كثير( :إن األشبه أن يكون موقوفا ً على عبد هللا بن عمرو ،أيكون من
- 5قال الذهبي ...( :وكان صاحب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن فيها ،ورأى فيها العجائب) (.)268
- 6قال شارح مقدمة ابن الصالح( :والسبب في قلَّة حديث عبد هللا بن عمرو هو أنه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب ،وكان
ينظر فيها ،ويحدث منها ،فتج َّنب األخذ عنه كثير من التابعين) (.)269
- 7قال في عمدة القارئ ...( :والسبب في قلة حديث عبد هللا بن عمرو ،وهو أنه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب ،وكان
ينظر فيها ويحدث منها ،فتج َّنب األخذ عنه كثير من التابعين) (.)270
إن كل هذه المفارقات تجعلنا نشكك على أقل تقدير في ماه َّية هذه الصحيفة وحقيقة محتواها وكنه مسطورها.
ولكن الذي يستدعي البيان هنا أن ( ...ما البن عمرو من الحديث في كتب السنة قد جاء عن طريق الرواية ال من سبيل الكتابة) (
مر بيانه سنداً ومتناً ،ودعوى استقرارها لدى الحفيد (عمرو ت 120هـ) تثير كثيراً من التساؤالت
.)271وما قيل عن رؤيتها َّ
إن الذي يراجع ترجمة عمرو بن شعيب في الكتب الرجالية ال يقع على أي إشارة منه إلى هذه الصحيفة ،وكل اإلشارات التي تقرن
بينه وبين الصحيفة إنما من آخرين ،فيما من المنطقي جداً أن تكون محور حديثه وافتخاره وإشادته ،ولك أن تراجع (تهذيب
التهذيب :ج 8ص )55 - 48و(المعارف البن قتيبة :ص )125و(كتاب التاريخ الكبير للبخاري ح 8ص 342رقم )2578و(طبقات
ابن سعد :ج 5ص )243و(العبر في خبر من عبر :ج 1ص )148و(خالصة تهذيب الكمال ص )249و(شذرات الذهب في أخبار
من ذهب :ج 1ص )155و(مرآة الجنان :ج 1ص .)256وغيرها من المصادر األخرى ،ونرى نفس الحال مع (شعيب) أبي عمرو،
وللتوكيد راجع مصادر ترجمته ومنها( :طبقات ابن سعد :ج 5ص )243و(تاريخ البخاري :ج 4ص )218و(المعارف ص)287
و(الجرح والتعديل :ج 4ص )251و(تهذيب ابن عساكر :ج 6ص )326و(تاريخ اإلسالم للذهبي :ج 3ص )255و(سير أعالم
النبالء :ج 5ص )181و(تهذيب الكمال ص ..)587فهذان الرجالن لم نعهد لهما كال َم افتخار أو اعتزاز بالصحيفة كما يروى ذلك
يشيران إليها إبان الرواية ،أحدهما عن اآلخر حتى عبد هللا بن عمرو؟! ...هذه أسئلة يمكن أن تثار وتكون مدخل تشكيك بأصل
الصحيفة...
وما ذكر عنها نسبة إلى عمرو أو أبيه إنما جاء على لسان غيرهما ،وهذه هي أهم التصريحات الواردة في هذا الصدد:
أ -قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين :إذا حدَّ ث عمرو بن شعيب عن أبيه عن ج ّده فهو (كتاب).
ب -وقال أبو زرعة ...إنما تكلم فيه -أي في عمرو -بسبب (كتاب) عنده.
ج -وقال محمد بن عثمان عن ابن أبي شيبة ،سألتُ علي بن المديني عن عمرو بن شعيب فقال ...ما روي عن أبيه عن جده فهو
(كتاب) وحده.
د -وقال أبو بكر بن أبي خيثمة سمعتُ هارون بن معروف يقول :لم يسمع عمرو من أبيه شيئا ً إنما وجده في (كتاب) أبيه.
هـ ... -قال أيوب :حدثني عمرو ،فذكر أبا ً عن أب إلى جده ،قد سمع من أبيه ،ولكنهم قالوا حين مات :عمرو بن شعيب عن أبيه
ز -قال أبو زرعة ...وأخذ -أي عمرو ( -صحيفة) كانت عنده (.)272
كل هذه التصريحات لم نجد فيها بيانا ً على أن أحد أصحابها رأى الصحيفة -الكتاب ،وإالَّ لنقلوا لنا عنها شيئا ً ما ،إضافة إلى غياب
أي تصريح لعمرو وأبيه يشير إلى وجودها عندهما!! والبد أن نعلق على مجمل التصريحات المذكورة ،حيث نالحظ عليها ما يلي:
- 2نفس (عمرو بن شعيب) صدرت فيه تضعيفات مطلقة ،وهذه جملة سريعة منها:
وقال عمرو بن العالء :كان يعاب على قتادة وعمرو بن شعيب ،أنهما كانا ال يسمعان شيئاً ،إالَّ حدثا به.
حجة.
وقال اآلجري :قلت ألبي داود ،عمرو بن شعيب حجة؟ ،قال :ال ،وال تصف َّ
وقال معمر :كان أيوب إذا قعد إلى عمرو بن شعيب َّ
تمطى رأسه حياء من الناس (.)273
وقال األثرم :سئل أبو عبد هللا ،عن عمرو بن شعيب ،فقال :ربما احتججنا به ،وربما وجس في القلب منه شيء (.)274
وقال الترمذي عن البخاري :رأيتُ أحمد وعليا ً وإسحاق وأبا عبيدة وعامة أصحابنا يجتمعون بحديث عمرو شعيب عن أبيه عن
جده ما تركه أحد من المسلمين ،فمن الناس بعدهم ()275؟ إالَّ أن اإلمام الذهبي يستدل على ذلك فيقول( :استبع ُد صورة هذه
األلفاظ من البخاري ( )...فالبخاري ال يعرج على عمرو ،أفتراه يقول :فمن بعدهم ،ثم ال يحت ُّج به أصالً ،وال متابعة) (.)276
تركوه) ،ويعلق الذهبي( :هذا محمول على أنهم يترددون في االحتجاج به ،ال أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي) (.)277
()2
حارب عليا ً مع معاوية في صفين ،وقد كان على الميمنة يضرب بسيفين ،وأكمل دوره بحمل راية أبيه (
َ السالم) ،فعب ُد هللا هذا
مع العائلة األموية ،إذ كان من الذين يفدون على يزيد في حضرته ،فقد روي ( ...قال علي بن يزيد بن جدعان عن العريان بن
الهيثم قال :وفدت مع أبي إلى يزيد ،فجاء ،رجل طويل ،أحمر ،عظيم البطن ،فقلت من ذا؟! قيل عبد هللا بن عمرو) ( .)279ولم
يصدر عنه أي موقف حاد من يزيد على ممارساته المنافية لإلسالم ،وذلك حتى على صعيد قتله الحسين (عليه السالم) وبطشه
الحرة الشهيرة.
َّ بالمدينة إبان واقعة
وقد انتقل موقفه اإليجابي من األمويين إلى حفيده (شعيب) ،إذ يروي عن معاوية بن أبي سفيان ،وقد وفد على الوليد ،وفي ذلك
قص ة قد نفهم منها نوعية شعيب هذا( ،وفد المترجم (أي شعيب) على الوليد بن عبد الملك ،وكان األحوص نزل عليه وامتدحه،
َّ
فأنزله منزالً ،وأمر بمطبخه أن ُيحال عليه ،ثم أن األحوص جعل يراود ُو َ
صفاء للوليد ،خبازين ،عن أنفسهم ،وال يجسرون أن
ذلك وقال له :ادخل على أمير المؤمنين فاذكر أن شعيبا ً أرادك عن نفسك ،ففعل المولى ،فالتفت الوليد إلى شعيب فقال :ما تقول؟
فقال :إن لكالمه غوراً ،فاشدد به يصدقك أصلحك هللا .فش َّد به ،فقال :أمرني األحوص ،فقال قيم الخبازين :أصلحك هللا األحوص
يراود غلمانك عن أنفسهم ،فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة ،وأمره أن يجلده مائة جلدة) ( ...)280فشعيب من رواد قصور
الخلفاء الظالمين ،وممن ال يملك هيبة ووقار عدم التعريض به في مثل هذه المجاالت!! وتستقيم السلسلة على والءٍ كأنه معهود،
إذا علمنا أن عمرو بن سعد كان وزير معاوية وداهيته وسيفه ضد علي (عليه السالم) ،فيما يختتمها (عمرو بن شعيب) على
يرو عن اإلمام السجاد أو الباقر (عليه السالم) ،رغم انتشار حديثهما آنذاك ،خاصة فيما يتعلق بمحمد
الوتيرة ذاتها ...حيث لم ِ
الباقر .ورغم ما يذكر المؤرخون عن رحالت عمرو وتجواله وسعيه في طلب الحديث ونشره ،وقد كان نزيل الطائف ويتردد على
مكة (.)281
وإذا كان الفاصل بين علي وعمرو بن العاص السيف بإصرار من األخير وانحياز غير مشروع لمعاوية ،فكانت بين الحسين وعبد
سها ُغ َّ
صة تعمل ُ في نفسه وضميره ،فقد روى ( ...عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال :كنت في س ُ
هللا القطيعة ،وكان عبد هللا يتح ّ
أخبركم بأحب أهل األرض إلى أهل السماء؟! قالوا :بلى ،قال :هو هذا الماشي ،ما كلَّمني كلمة منذ ليالي صفين.)282( )...
أما على الصعيد الفكري ،فيكفي أن نعلم أن عبد هللا لم يرو في علي أبداً ،فيما روى في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من
عمار حديثا ً واحداً ،وفي صدق أبي ذر حديثا ً واحداً وإسناده ضعيف كما ذكر أحمد محمد شاكر (.)283
لحكمه ولو بصورة مه َّذ بة ،فقد روى ( ...حدثنا وكيع ،حدثنا األعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن
عبد هللا بن عمرو ،قال :من بايع إماما ً فأعطاه صفقة يده ،وثمرة قلبه ،فليطعه إن استطاع ،وقال َّ
مرة :ما استطاع ،فلما سمعتها
ودخلت رأسي بين رجلين وقلتُ (أي عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) :فإن ابن عمك معاوية ،يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل،
ونقتل أنفسنا وهللا يقول( :يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أال أن تكون تجارة عن تراض منكم وال تقتلوا أنفسكم
في معصية هللا .قلتُ له (عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة) :أنتَ سمعت هذا من رسول هللا (صلى هللا عليه وآله) .قال :نعم سمعته
الهوامش:
-250المصدر.
-253أصول الحدث.
-255المصدر السابق.
-261المصدر.
-271المصدر السابق.
-276المصدر السابق.
-279راجع :تاريخ اإلسالم ،الذهبي :ج 3ص ،37كذلك :سيرة أعالم النبالء :ج 2ص ،83ابن سعد :ج 4ص ،265مع اختالف
يسير في اللفظ.
-283المسند.