Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 10

‫مشكلة تدوين الحديث الشريف في عصر النبي‬

‫الفصل الثالث عشر‬

‫الصحيفة الصادقة‬

‫صحيفة عبد هللا بن عمرو بن العاص‬

‫الصحيفة الصادقة هي التي كتبها (عبد هللا بن عمرو بن العاص) عن رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله) مباشرة وبإذن منه‪ ،‬فقد‬

‫روى مجاهد‪ ...( :‬رأيتُ عند عبد هللا بن عمرو صحيفة‪ ،‬فسألته عنها‪ ،‬فقال‪ :‬هذه الصادقة‪ ،‬فيها ما سمعتُ من رسول هللا (صلّى هللا‬

‫عليه وآله)‪ ،‬ليس بيني وبينه أحد) (‪ ،)234‬وكما يبدو من مواصفاتها أنها كانت ذخراً ال ينضب في الفقه والعلم‪ ،‬ولذلك أحتلت‬

‫مكانة عزيزة لدى صاحبها‪ ،‬حتى إنه يقول‪( :‬ما يرغبني في الحياة إالَّ الصادقة والوهط‪ ،‬فأ َّما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول‬

‫هللا (صلّ ى هللا عليه وآله)‪ ،‬وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها) (‪.)235‬‬

‫وقد أخرج اإلمام أحمد هذه الصحيفة في مسنده بعنوان‪ :‬مسند عبد هللا بن عمرو بن العاص (‪ .)236‬وتروي بعض المصادر أن‬

‫بني عبد هللا توارثوا هذه الصحيفة الثمينة حتى استقرت عند حفيده (عمر بن شعيب بن محمد بن عبد هللا بن عمرو) (‪)237‬‬

‫المتوفى سنة (‪120‬هـ) أو (‪ 118‬هـ)‪ ،‬وكان يروي عنها قراءة أو حفظا ً من أصلها (‪.)238‬‬

‫ولكل ذلك يهتم علماء الجمهور بهذه الصحيفة اهتماما ً بارزاً‪ ،‬فقد قال الخطيب‪( :‬لهذه الصحيفة أهم َّية عظيمة‪ ،‬ألنها وثيقة علمية‬

‫تاريخية تثبت كتابة الحديث النبوي الشريف بين يدي رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله) وبإذنه) (‪.)239‬‬

‫لقد بلغ اهتمام علماء ومفكري الجمهور بهذه الصحيفة أن جعلها أحدهم رسالة لنيل شهادة الدكتوراه‪..‬‬

‫واآلن نحاول أن نخضع الصحيفة والقول بأنها أثر حقيقي يحمل هذه المواصفات لعملية النقد العلمي‪ ،‬لنرى ما هي قيمتها؟ وسوف‬

‫نبدأ بتحليل أسانيدها التي جمعها الخطيب البغدادي في كتابه المعروف بـ(تقييد العلم)‪ ،‬متطرقين بعد ذلك إلى فحص المتون‬

‫والمقارنة بينها‪.‬‬

‫‪ -‬الرواية األولى‪:‬‬

‫(أخبرنا علي بن محمد بن عبد هللا المؤ َّمل‪ ،‬أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار‪ ،‬حدثنا عباس بن محمد بن حاتم‪ ،‬حدثنا محمد بن‬

‫الصلت‪ ،‬حدثنا شريك عن ليث عن طاووس عن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال‪ :‬الصادقة‪ :‬صحيفة كتبتها عن رسول هللا (صلّى‬

‫هللا عليه وآله)) (‪.)240‬‬

‫الرواية الثانية‪:‬‬

‫(‪ ...‬حدثنا عبد هللا بن جعفر بن أحمد بن فارض‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عبد هللا العبدي‪ ،‬حدثنا محمد بن سعيد‪ ،‬حدثنا شريك عن ليث‬

‫عن مجاهد قال‪ :‬قال عبد هللا بن عمرو‪ :‬ما يرغبني في الحياة إالَّ خصلتان‪ ،‬الصادقة والوهط‪ ،‬فأ َّما الصادقة‪ :‬فصحيفة كتبتها عن‬

‫رسول هللا (صلّ ى هللا عليه وآله)‪ ،‬وأما الوهط‪ ،‬فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقو ُم عليها) (‪.)241‬‬

‫‪ -‬الرواية الثالثة‪:‬‬

‫(أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد هللا بن زياد القطان‪ ،‬حدثنا الحسن بن عباس الرازي‪ ،‬حدثنا محمد بن حميد‪ ،‬حدثنا هارون بن‬

‫المغيرة عن عنبسة‪ ،‬يعني ابن سعيد‪ ،‬عن ليث عن مجاهد عن عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬ما آسي على شيء إالَّ على الصادقة والوهط‪،‬‬
‫وكانت الصادقة صحيفة إذا سمع من النبي شيئا ً كتبه فيها‪ ،‬والوهط كان جعلها صدقة) (‪.)242‬‬

‫‪ -‬الرواية الرابعة‪:‬‬

‫(حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب‪ ،‬حدثنا محمد بن علي الوراق‪ ،‬حدثنا سعيد يعني ابن سليمان‪ ،‬حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة‬

‫بن عبيد هللا‪ ،‬حدثنا مجاهد‪ :‬قال‪ :‬أتيتُ عبد هللا بن عمرو‪ ،‬فتناولت صحيفة من تحت مفرشه‪ ،‬فمنعني‪ ،‬قلتُ ‪ :‬ما كنت تمنعني شيئاً!‬

‫قال‪ :‬هذه الصادقة‪ ،‬هذه ما سمعتُ عن رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬ليس بيني وبينه أحد‪ ،‬إذا سلمت لي هذه‪ ،‬وكتاب هللا تبارك‬

‫وتعالى والوهط‪ ،‬فما أبالي ما كانت عليه الدنيا) (‪.)243‬‬

‫‪ -‬الرواية الخامسة‪:‬‬

‫(أخبرنا أبو محمد عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد هللا بن مهدي الديباجي وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن‬

‫رزق الثاني وأبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان (‪ )...‬قالوا‪ :‬أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار‪ ،‬حدثنا‬

‫الحسن بن عرفة‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش‪ ،‬عن محمد بن زياد األلهاني‪ ،‬عن أبي راشد الميراثي قال‪ :‬أتيتُ عبد هللا بن عمرو بن‬

‫العاص فقلت له‪ :‬حدثنا ما سمعت من رسول هللا‪ ،‬فألقى بين يدي صحيفة‪ .‬فقال‪ :‬هذا ما كتب لي رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪،‬‬

‫فنظرت فيها‪ ،‬فإذا فيها‪ :‬إن أبا بكر الصديق قال‪ :‬يا رسول هللا علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ ،‬فقال له رسول هللا‪ :‬يا أبا‬

‫بكر قل‪ :‬اللهم فاطر السماوات واألرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ ،‬ال إله إالَّ أنت‪ ،‬رب كل شيء ومليكه‪ ،‬أعوذ بك من شر نفسي‪ ،‬ومن‬

‫سوء أو أجره على مسلم) (‪.)244‬‬


‫ً‬ ‫شر الشيطان وشركه‪ ،‬وأن اقترف على نفسي‬

‫هذه هي الروايات التي تثبت وجود (الصحيفة الصادقة) التي يدعى أن عبد هللا بن عمرو بن العاص كتبها عن رسول هللا‪ ،‬وليس‬

‫بينه وبين الرسول أحد‪.‬‬

‫ونحن إذا نظرنا إلى أسانيدها لوجدناها مخدوشة‪ ،‬وهذه هي المؤشرات‪:‬‬

‫‪ - 1‬الرواية األولى والثانية والثالثة تشترك في (ليث)‪ ،‬فماذا يقول الرجاليون في هذه الرواية؟‬

‫قال عبد هللا عن أحمد عن أبيه‪ :‬مضطرب الحديث‪.‬‬

‫قال عثمان بن أبي شيبة‪ :‬سألت جريراً عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب‪ .‬فقال‪ :‬كان يزيد أحسنهم استقامة‪ ...‬وكان‬

‫ليث أكثر تمليكاً‪.‬‬

‫قال معاوية بن صالح عن ابن معين‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫قال أبو مع َّمر القطيعي كان ابن عيينة يقول‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫قال ابن أبي حاتم‪ :‬سمعت أبي وأبا زرعة يقوالن‪ :‬ليث ال ُيشتغل به‪ ،‬وهو مضطرب الحديث‪.‬‬

‫قال ابن سعد‪ :‬كان رجالً صالحاً‪ ،‬عابداً‪ ،‬وكان ضعيف الحديث‪.‬‬

‫قال الحاكم أبو عبد هللا‪ُ :‬م َجم ٌع على سوء حفظه‪.‬‬

‫وقال الجوزجاني بضعف حديثه (‪.)245‬‬

‫‪ - 2‬وفي الرواية الرابعة (إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبد هللا التميمي ت ‪ 164‬هـ)‪.‬‬

‫قال علي‪ :‬نحن ال نروي عنه شيئاً‪.‬‬


‫قال صالح بن أحمد عن أبيه‪ :‬منكر الحديث‪ ،‬وليس بشيء‪.‬‬

‫قال عبد هللا بن أحمد عن أبيه‪ :‬متروك الحديث‪.‬‬

‫قال معاوية بن صالح عن ابن معين‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫قال البخاري‪ :‬يتكلمون في حفظه‪.‬‬

‫قال النسائي‪ :‬ليس بثقة‪.‬‬

‫قال أبو زرعة‪ :‬واهي الحديث‪.‬‬

‫قال أبو حاتم‪ :‬ضعيف الحديث (‪.)246‬‬

‫‪ - 3‬وفي الرواية الخامسة (أبو راشد الميراثي) قال فيه الحاكم‪ :‬اشتهر عنه النصب كحريز بن عثمان (‪.)247‬‬

‫‪ - 4‬إن جميع الروايات في هذا المقام تنتهي سلسلتها إلى إدعاء عبد هللا بن عمرو بن العاص نفسه‪.‬‬

‫تكتنف المتون‪ ،‬نشير إلى بعضها‪.‬‬


‫ُ‬ ‫على أن هناك مفارقات واضحة‬

‫‪ - 1‬الرواية الثانية والثالثة تب ّي نان صراحة أن أقصى ما يرغبه عبد هللا بن عمرو هو الصادقة والوهط‪ ،‬فيما تزداد فقرات الرغبة‬

‫المذكورة أمراً جديداً في الرواية الرابعة‪ ،‬أال وهو كتاب هللا تعالى‪ ،‬رغم أن جميعها من طريق (مجاهد)‪.‬‬

‫‪ - 2‬إن الرواية األولى تصرح أن عبد هللا بن عمرو كان يكتب وليس بي َن ُه وبين رسول هللا (صلى هللا عليه وآله) أحد‪ ،‬فيما تشير‬

‫بكل وضوح الرواية الخامسة إلى حضور أبي بكر واشتراكه في العملية‪ .‬بشكل من األشكال‪ .‬وحاول الشيخ صبحي الصالح تذليل‬

‫هذه العقبة بقوله أن لعبد هللا هذا كتبا ً كثيرة!! ودعاء أبي بكر ليس من الصادقة‪ ،‬بل من صحيفة أخرى كان عبد هللا يحتفظ بها (‬

‫‪ ،)248‬وهو تأويل يحتاج إلى دليل من خارجه‪.‬‬

‫‪ - 3‬الرواية الثالثة ال تشير إلى خلوة عبد هللا بالرسول أثناء الكتابة‪ ،‬وإنما هو يكتب ما يسمع من رسول هللا وحسب‪ ،‬رغم أنها من‬

‫طريق (مجاهد)‪.‬‬

‫هذه هي الروايات التي يستند عليها القوم لتأصيل الصحيفة الصادقة‪...‬‬

‫فهي مخدوشة سنداً‪ ،‬ومتضاربة متناً‪ ،‬ولكن األمر ال يقف عند هذه الحدود‪ ،‬بل هناك طبائع األشياء التي ال تساعد أن يظفر عبد هللا‬

‫بن عمرو بهذا الشرف الرفيع على غيره‪ .‬وفيما يلي توضيح هذه الحقيقة‪...‬‬

‫إن عبد هللا بن عمرو هذا أسلم وعمره خمسة عشر عاما ً (‪ )249‬وفي السنة الثامنة من الهجرة (‪ .)250‬أي قبل وفاة الرسول‬

‫(صلى هللا عليه وآله) بسنتين‪ ،‬ولم يكن من ذوي السابقة في اإلسالم‪ ،‬بل كان أبوه وجده من الذين كادوا لرسول هللا ودينه العظيم‪،‬‬

‫فهل (من المقبول ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬أن يؤثره الرسول ولوحده كما تنص الرواية‪ ،‬بتلك المه َّمة الخطيرة التي تخص التشريع كله؟!‬

‫إنه ألمر بعيد‪ ،‬ويدعو إلى أكثر من تساؤل‪ ،‬حتى لو سلَّمنا بواقع قدرته على الكتابة الفائقة) (‪.)251‬‬

‫إنه تساؤل يفرض نفسه بقوة بلحاظ العديد من المفارقات التي يصعب تجاوزها بسهولة‪ ،‬بل إنها لتدعو إلى الريب بصحة العملية‪.‬‬

‫والواقع‪ :‬ليس السن وحده يدعو إلى مثل هذا الموقف أو التشكيك في أصل الصحيفة وصاحبها عبد هللا بن عمرو‪:‬‬

‫يسرني أن صحيفة عبد هللا بن عمرو عندي‬


‫‪ - 1‬قال جرير‪ :‬كان المغيرة ال يعبأ بصحيفة عبد هللا بن عمرو‪ ،‬وكان يقول‪( :‬ما ّ‬

‫بتمرتين أو فلسين) (‪ ...)252‬ولم ينطلق هذا التضعيف من نقل عمرو بن شعيب وجادة كما يقول الخطيب (‪ ،)253‬ألن التقييم‬
‫صادر بحق الصحيفة ذاتها كما هو واضح‪.‬‬

‫‪ - 2‬لم يرو البخاري عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أكثر من سبعة أحاديث (‪.)254‬‬

‫‪ - 3‬لم يرو مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أكثر من عشرين حديثا ً (‪.)255‬‬

‫وله موقف سلبي عدائي حاد من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السالم)‪.‬‬

‫كما أن سيرته على العموم تميزت بالسلب َّية من آل البيت (‪ ،)256‬وباإليجابية من األمويين‪ ،‬بما فيهم يزيد بن معاوية قاتل الحسين‪،‬‬

‫ولكن على نحو خجول‪ ،‬كما سنرى‪ .‬وقد ورث ابناؤه هذه العالقة الطيبة مع أبناء األمويين من الحكام والزعماء‪.‬‬

‫على أن بعض الباحثين يدعي أن هذه الصحيفة‪ ،‬قد استقرت أخيراً عند الحفيد عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد هللا بن عمرو بن‬

‫العاص‪.‬‬

‫وهنا يطرح سؤال مهم‪:‬‬

‫إن وفاة هذا الحفيد عام (‪120‬هـ) أو (‪118‬هـ) أي في طليعة العام الذي بدأت فيه معالم التدوين والحرص على كتابة حديث رسول‬

‫مسوغه الطبيعي في ضوء‬


‫ّ‬ ‫هللا‪ ،‬فلماذا وهذه هي الحال لم يعمد المسلمون إلى نسخها ونشرها وتدارسها؟ فإن مثل هذا اإلجراء له‬

‫أكثر من حقيقة‪ ،‬وذلك فضالً عن أهم َّي ة الصحيفة الدينية والتشريعية‪ ،‬هناك الظروف المالئمة والعوامل المشجعة على استنساخها‬

‫ونشرها واعتمادها في الوسط اإلسالمي الحديثي والفقهي والعلمي ما َّدة نبوية جاهزة‪ .‬ومما ال ريب فيه أن الصحيفة لم تصلنا‪،‬‬

‫وهنا نقطة ضعف كبيرة يحاول أحد الكتاب معالجتها‪ ،‬فيقول‪( :‬وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو بخطه‪ ،‬فقد نقل‬

‫كتب السنن األخرى جانبا ً منها) (‪ )257‬ولكن فات هذا المعالج الذي أدرك جيداً موطن‬
‫إلينا أحمد محتواها في مسنده‪ ،‬كما ض َّمت ُ‬

‫الضعف‪ ،‬فاته أن أحمد بن حنبل (لم يشر إلى كونها مستقاة من تلك الصحيفة الصادقة) (‪ .)258‬وكذلك حال أصحاب السنن األربع‬

‫كما يبدو واضحا ً لمن يراجعها‪ .‬ولم ي ّدع أحد أنه رآها إالَّ (مجاهد)‪ ،‬وقد َّ‬
‫مرت بنا الروايات في هذا الصدد‪ ،‬وتك َّ‬
‫شف لنا أنها مخدوشة‬

‫في سندها أو متنها‪ ،‬على أن الغريب في األمر حقاً‪ ،‬أن الصحيفة لم يرها أحد حتى في عهد (عمرو بن شعيب)‪ ،‬وهو عهد البدء‬

‫بكتابة الحديث وانتشار أوراقه!!‬

‫على أن ما ُيلفت النظر حقا ً في هذه الصحيفة‪ ،‬تباين اآلراء في حقيقة مضمونها إلى حدٍّ يدعو إلى االستفسار عن واقعها كحقيق ٍة‬

‫موجودة‪ ،‬أو على أقل تقدير إلى االستفسار عن مدى االطمئنان إلى ما جاء فيها‪ .‬وهناك ثالث آراء في المقام‪:‬‬

‫ض ّم ألف حديث‪ ،‬وذلك باالعتماد على رواية عن عبد هللا نفسه‪ ،‬فقد روي عنه‪( :‬حفظت عن النبي‬
‫األول‪ :‬إنها موسوعة حديث َّية ت ُ‬

‫وي عن عبد هللا‪ ،‬إنما هو من الصحيفة‪،‬‬


‫ويوجه بعض ُهم هذا األمر على اعتبار كل حديث ُر َ‬
‫ِّ‬ ‫(صلى هللا عليه وآله) ألف مثل) (‪.)259‬‬

‫فيما يعتقد آخرون‪ ،‬أن ما في الصحيفة ما آتانا برواية (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)‪ ،‬ومجموعة مع المكرر في مسند أحمد‬

‫والسنن األربع (‪ )436‬حديثا ً فقط (‪.)260‬‬

‫الثاني‪ :‬إن الصحيفة رغم كل ما قيل فيها وعنها‪ ،‬ال تعدو مجموعة أدعية وصلوات تل َّقاها عن رسول هللا (صلّى هللا عليه وآله)‪،‬‬

‫وليس لها عالقة باألحاديث النبوية والفقه والتشريع (‪.)261‬‬

‫ومما يعضد هذا الرأي أن الذي يطالع روايات عبد هللا‪ ،‬بن عمرو سيجد أن األدعية واألذكار غالب عليها بشكل قاطع وملفت للنظر‪،‬‬

‫كذلك تضم جملة من التنبؤات الكونية والسياسية‪.‬‬


‫الثالث‪ :‬وهناك إشارة تفي ُد أن الصحيفة عبارة عن كتابين‪ ،‬أحدهما حديثي تشريعي‪ ،‬والثاني غيبي تكويني‪ ،‬فقد (قال أبو سعيد بن‬

‫يونس في تاريخ مصر عن حياة ابن شريح‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على حسين ُ‬
‫شفي بن مانع األصبحي‪ ،‬وهو يقول‪ :‬فعل هللا بفالن فقلتُ ‪ :‬ما‬

‫له؟ فقال‪ :‬عمد إلى كتابين كان ُ‬


‫ش في سمعها من عبد هللا بن عمرو بن العاص‪ ،‬أحدهما‪ :‬قضى رسول هللا (صلى هللا عليه وآله) في‬

‫كذا وقال رسول هللا في كذا‪ ،‬واآلخر‪ :‬ما يكون من األحداث إلى يوم القيامة‪ ،‬فأخذهما‪ ،‬فرمى بهما بين الخولة والباب) (‪.)262‬‬

‫الرابع‪ :‬ويرى آخرون أن هذه الصحيفة هي مجموعة كتب ظفر بها عبد هللا بن عمرو في معركة اليرموك تخص أهل الكتاب‪،‬‬

‫ويستند أهل هذا الرأي إلى أخبار تفي ُد ذلك منها‪:‬‬

‫‪ ...( - 1‬أن عبد هللا كان قد ظفر في الشام يحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها‪ ،‬ويحدث منها‪ ،‬فتجنب األخذ عنه لذلك‬

‫كثير من أئمة التابعين) (‪.)263‬‬

‫‪ ...( - 2‬أن عبد هللا بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما) (‪.)264‬‬

‫‪ - 3‬وفي رد الدارمي على بشر المريسي‪( :‬إنه ‪ -‬عبد هللا بن عمرو ‪ -‬أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب‪ ،‬وكان‬

‫يرويها للناس (‪ )...‬وكان يقال له‪ :‬ال تحدثنا عن الزاملتين) (‪.)265‬‬

‫‪ - 4‬وقال ابن كثير عن حديث‪( :‬بعث هللا جبريل إلى آدم وحواء‪ ،‬فأمرهما ببناء الكعبة‪ ،‬فبناه آدم‪ ،‬ثم أمر بالطواف به‪ ،‬وقيل له‪ :‬أنت‬

‫أول الناس‪ ،‬وهذا أول بيت وضع للناس) (‪ ...)266‬قال ابن كثير‪( :‬إن األشبه أن يكون موقوفا ً على عبد هللا بن عمرو‪ ،‬أيكون من‬

‫الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من أهل الكتاب) (‪.)267‬‬

‫‪ - 5‬قال الذهبي‪ ...( :‬وكان صاحب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن فيها‪ ،‬ورأى فيها العجائب) (‪.)268‬‬

‫‪ - 6‬قال شارح مقدمة ابن الصالح‪( :‬والسبب في قلَّة حديث عبد هللا بن عمرو هو أنه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب‪ ،‬وكان‬

‫ينظر فيها‪ ،‬ويحدث منها‪ ،‬فتج َّنب األخذ عنه كثير من التابعين) (‪.)269‬‬

‫‪ - 7‬قال في عمدة القارئ‪ ...( :‬والسبب في قلة حديث عبد هللا بن عمرو‪ ،‬وهو أنه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب‪ ،‬وكان‬

‫ينظر فيها ويحدث منها‪ ،‬فتج َّنب األخذ عنه كثير من التابعين) (‪.)270‬‬

‫إن كل هذه المفارقات تجعلنا نشكك على أقل تقدير في ماه َّية هذه الصحيفة وحقيقة محتواها وكنه مسطورها‪.‬‬

‫ولكن الذي يستدعي البيان هنا أن (‪ ...‬ما البن عمرو من الحديث في كتب السنة قد جاء عن طريق الرواية ال من سبيل الكتابة) (‬

‫مر بيانه سنداً ومتناً‪ ،‬ودعوى استقرارها لدى الحفيد (عمرو ت ‪120‬هـ) تثير كثيراً من التساؤالت‬
‫‪ .)271‬وما قيل عن رؤيتها َّ‬

‫التي ثبتنا بعضها‪ ،‬وللمزيد من الفائدة في هذا الصدد‪ ،‬نذكر ما يلي‪:‬‬

‫إن الذي يراجع ترجمة عمرو بن شعيب في الكتب الرجالية ال يقع على أي إشارة منه إلى هذه الصحيفة‪ ،‬وكل اإلشارات التي تقرن‬

‫بينه وبين الصحيفة إنما من آخرين‪ ،‬فيما من المنطقي جداً أن تكون محور حديثه وافتخاره وإشادته‪ ،‬ولك أن تراجع (تهذيب‬

‫التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪ )55 - 48‬و(المعارف البن قتيبة‪ :‬ص‪ )125‬و(كتاب التاريخ الكبير للبخاري ح‪ 8‬ص‪ 342‬رقم‪ )2578‬و(طبقات‬

‫ابن سعد‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ )243‬و(العبر في خبر من عبر‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ )148‬و(خالصة تهذيب الكمال ص‪ )249‬و(شذرات الذهب في أخبار‬

‫من ذهب‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ )155‬و(مرآة الجنان‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ .)256‬وغيرها من المصادر األخرى‪ ،‬ونرى نفس الحال مع (شعيب) أبي عمرو‪،‬‬

‫وللتوكيد راجع مصادر ترجمته ومنها‪( :‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ )243‬و(تاريخ البخاري‪ :‬ج‪ 4‬ص‪ )218‬و(المعارف ص‪)287‬‬
‫و(الجرح والتعديل‪ :‬ج‪ 4‬ص‪ )251‬و(تهذيب ابن عساكر‪ :‬ج‪ 6‬ص‪ )326‬و(تاريخ اإلسالم للذهبي‪ :‬ج‪ 3‬ص‪ )255‬و(سير أعالم‬

‫النبالء‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ )181‬و(تهذيب الكمال ص‪ ..)587‬فهذان الرجالن لم نعهد لهما كال َم افتخار أو اعتزاز بالصحيفة كما يروى ذلك‬

‫مر علينا سلفاً‪.‬‬


‫عن عبد هللا بن عمرو بن العاص بالشكل الذي َّ‬

‫المفصلة إلى هذه الصحيفة المزعومة؟! ولماذا ال‬


‫َّ‬ ‫فما الذي كان يمنع عمرو بن شعيب وأباه شعيب بن محمد من اإلشارة الشخصية‬

‫يشيران إليها إبان الرواية‪ ،‬أحدهما عن اآلخر حتى عبد هللا بن عمرو؟!‪ ...‬هذه أسئلة يمكن أن تثار وتكون مدخل تشكيك بأصل‬

‫الصحيفة‪...‬‬

‫وما ذكر عنها نسبة إلى عمرو أو أبيه إنما جاء على لسان غيرهما‪ ،‬وهذه هي أهم التصريحات الواردة في هذا الصدد‪:‬‬

‫أ ‪ -‬قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين‪ :‬إذا حدَّ ث عمرو بن شعيب عن أبيه عن ج ّده فهو (كتاب)‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وقال أبو زرعة‪ ...‬إنما تكلم فيه ‪ -‬أي في عمرو ‪ -‬بسبب (كتاب) عنده‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وقال محمد بن عثمان عن ابن أبي شيبة‪ ،‬سألتُ علي بن المديني عن عمرو بن شعيب فقال‪ ...‬ما روي عن أبيه عن جده فهو‬

‫(كتاب) وحده‪.‬‬

‫د ‪ -‬وقال أبو بكر بن أبي خيثمة سمعتُ هارون بن معروف يقول‪ :‬لم يسمع عمرو من أبيه شيئا ً إنما وجده في (كتاب) أبيه‪.‬‬

‫هـ ‪ ... -‬قال أيوب‪ :‬حدثني عمرو‪ ،‬فذكر أبا ً عن أب إلى جده‪ ،‬قد سمع من أبيه‪ ،‬ولكنهم قالوا حين مات‪ :‬عمرو بن شعيب عن أبيه‬

‫عن جده‪ ،‬إنما هذا (كتاب)‪.‬‬

‫و ‪ -‬قال ابن معين‪ ...‬وجد شعيب (كتب) عبد هللا بن عمرو‪.‬‬

‫ز ‪ -‬قال أبو زرعة‪ ...‬وأخذ ‪ -‬أي عمرو ‪( -‬صحيفة) كانت عنده (‪.)272‬‬

‫كل هذه التصريحات لم نجد فيها بيانا ً على أن أحد أصحابها رأى الصحيفة ‪ -‬الكتاب‪ ،‬وإالَّ لنقلوا لنا عنها شيئا ً ما‪ ،‬إضافة إلى غياب‬

‫أي تصريح لعمرو وأبيه يشير إلى وجودها عندهما!! والبد أن نعلق على مجمل التصريحات المذكورة‪ ،‬حيث نالحظ عليها ما يلي‪:‬‬

‫قصة ما أصاب ُه‬


‫‪ - 1‬إن لفظ (الكتاب) هُو الغالب على تسمية ما عند عمرو على لسان أكثر الرجاليين‪ ،‬األمر الذي َيعي ُد إلى ذاكرتنا َّ‬

‫نص على ذلك أكثر من مؤرخ ورجالي‪.‬‬


‫َع ْبد هللا من كتب أهل الكتاب في معركة اليرموك‪ ،‬حيث َّ‬

‫‪ - 2‬نفس (عمرو بن شعيب) صدرت فيه تضعيفات مطلقة‪ ،‬وهذه جملة سريعة منها‪:‬‬

‫قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد‪ :‬حديثه عندنا واهي‪.‬‬

‫وقال علي عن ابن عيينة‪ :‬حديثه عند الناس فيه شيء‪.‬‬

‫وقال عمرو بن العالء‪ :‬كان يعاب على قتادة وعمرو بن شعيب‪ ،‬أنهما كانا ال يسمعان شيئاً‪ ،‬إالَّ حدثا به‪.‬‬

‫وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين‪ :‬ليس بذاك‪.‬‬

‫حجة‪.‬‬
‫وقال اآلجري‪ :‬قلت ألبي داود‪ ،‬عمرو بن شعيب حجة؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬وال تصف َّ‬

‫نكتب حديثه لنعتبر به‪ ،‬فأما أن‬


‫ُ‬ ‫وقال عبد الملك الميموني‪ :‬سمعتُ أحمد بن حنبل يقول‪ :‬عمرو بن شعيب له أشياء مناكير‪ ،‬إنما‬

‫يكون حجة فال‪.‬‬

‫وقال معمر‪ :‬كان أيوب إذا قعد إلى عمرو بن شعيب َّ‬
‫تمطى رأسه حياء من الناس (‪.)273‬‬
‫وقال األثرم‪ :‬سئل أبو عبد هللا‪ ،‬عن عمرو بن شعيب‪ ،‬فقال‪ :‬ربما احتججنا به‪ ،‬وربما وجس في القلب منه شيء (‪.)274‬‬

‫وقال الترمذي عن البخاري‪ :‬رأيتُ أحمد وعليا ً وإسحاق وأبا عبيدة وعامة أصحابنا يجتمعون بحديث عمرو شعيب عن أبيه عن‬

‫جده ما تركه أحد من المسلمين‪ ،‬فمن الناس بعدهم (‪)275‬؟ إالَّ أن اإلمام الذهبي يستدل على ذلك فيقول‪( :‬استبع ُد صورة هذه‬

‫األلفاظ من البخاري (‪ )...‬فالبخاري ال يعرج على عمرو‪ ،‬أفتراه يقول‪ :‬فمن بعدهم‪ ،‬ثم ال يحت ُّج به أصالً‪ ،‬وال متابعة) (‪.)276‬‬

‫احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ .‬وإذا شاءوا‬


‫ُّ‬ ‫(وروى أبو داود عن أحمد‪ ،‬قال‪ :‬أصحاب الحديث إذا شاءوا‬

‫تركوه)‪ ،‬ويعلق الذهبي‪( :‬هذا محمول على أنهم يترددون في االحتجاج به‪ ،‬ال أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي) (‪.)277‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ساسة في سلوكه السياسي والعلمي إزاء أهل البيت (عليهم‬


‫إن استعراض حياة عبد هللا بن عمرو بن العاص يكشف عن مفاصل ح َّ‬

‫حارب عليا ً مع معاوية في صفين‪ ،‬وقد كان على الميمنة يضرب بسيفين‪ ،‬وأكمل دوره بحمل راية أبيه (‬
‫َ‬ ‫السالم)‪ ،‬فعب ُد هللا هذا‬

‫استمر في عالقته الطيبة‬


‫َّ‬ ‫لردح من الزمن‪ ،‬ووجد في كنف ِه حياة رغيدة‪ ،‬وقد‬
‫ٍ‬ ‫ووالَّه معاوية الكوفة‬
‫‪ )278‬في هذه الحرب الظالمة‪َ .‬‬

‫مع العائلة األموية‪ ،‬إذ كان من الذين يفدون على يزيد في حضرته‪ ،‬فقد روي (‪ ...‬قال علي بن يزيد بن جدعان عن العريان بن‬

‫الهيثم قال‪ :‬وفدت مع أبي إلى يزيد‪ ،‬فجاء‪ ،‬رجل طويل‪ ،‬أحمر‪ ،‬عظيم البطن‪ ،‬فقلت من ذا؟! قيل عبد هللا بن عمرو) (‪ .)279‬ولم‬

‫يصدر عنه أي موقف حاد من يزيد على ممارساته المنافية لإلسالم‪ ،‬وذلك حتى على صعيد قتله الحسين (عليه السالم) وبطشه‬

‫الحرة الشهيرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بالمدينة إبان واقعة‬

‫وقد انتقل موقفه اإليجابي من األمويين إلى حفيده (شعيب)‪ ،‬إذ يروي عن معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وقد وفد على الوليد‪ ،‬وفي ذلك‬

‫قص ة قد نفهم منها نوعية شعيب هذا‪( ،‬وفد المترجم (أي شعيب) على الوليد بن عبد الملك‪ ،‬وكان األحوص نزل عليه وامتدحه‪،‬‬
‫َّ‬

‫فأنزله منزالً‪ ،‬وأمر بمطبخه أن ُيحال عليه‪ ،‬ثم أن األحوص جعل يراود ُو َ‬
‫صفاء للوليد‪ ،‬خبازين‪ ،‬عن أنفسهم‪ ،‬وال يجسرون أن‬

‫دس لمولى شعيب‬


‫ونحاه‪ ،‬فلما خاف األحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان َّ‬
‫يذكروه للوليد‪ ،‬وكان شعيب قد غضب على مولى له‪َّ ،‬‬

‫ذلك وقال له‪ :‬ادخل على أمير المؤمنين فاذكر أن شعيبا ً أرادك عن نفسك‪ ،‬ففعل المولى‪ ،‬فالتفت الوليد إلى شعيب فقال‪ :‬ما تقول؟‬

‫فقال‪ :‬إن لكالمه غوراً‪ ،‬فاشدد به يصدقك أصلحك هللا‪ .‬فش َّد به‪ ،‬فقال‪ :‬أمرني األحوص‪ ،‬فقال قيم الخبازين‪ :‬أصلحك هللا األحوص‬

‫يراود غلمانك عن أنفسهم‪ ،‬فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة‪ ،‬وأمره أن يجلده مائة جلدة) (‪ ...)280‬فشعيب من رواد قصور‬

‫الخلفاء الظالمين‪ ،‬وممن ال يملك هيبة ووقار عدم التعريض به في مثل هذه المجاالت!! وتستقيم السلسلة على والءٍ كأنه معهود‪،‬‬

‫إذا علمنا أن عمرو بن سعد كان وزير معاوية وداهيته وسيفه ضد علي (عليه السالم)‪ ،‬فيما يختتمها (عمرو بن شعيب) على‬

‫يرو عن اإلمام السجاد أو الباقر (عليه السالم)‪ ،‬رغم انتشار حديثهما آنذاك‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بمحمد‬
‫الوتيرة ذاتها‪ ...‬حيث لم ِ‬

‫الباقر‪ .‬ورغم ما يذكر المؤرخون عن رحالت عمرو وتجواله وسعيه في طلب الحديث ونشره‪ ،‬وقد كان نزيل الطائف ويتردد على‬

‫مكة (‪.)281‬‬

‫وإذا كان الفاصل بين علي وعمرو بن العاص السيف بإصرار من األخير وانحياز غير مشروع لمعاوية‪ ،‬فكانت بين الحسين وعبد‬

‫سها ُغ َّ‬
‫صة تعمل ُ في نفسه وضميره‪ ،‬فقد روى (‪ ...‬عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال‪ :‬كنت في‬ ‫س ُ‬
‫هللا القطيعة‪ ،‬وكان عبد هللا يتح ّ‬

‫فمر بنا حسين بن علي‪ ،‬فسلّم‪ ،‬فرد‬


‫مسجد الرسول (صلى هللا عليه وآله) في حلقة‪ ،‬فيها أبو سعيد الخدري وعبد هللا بن عمرو‪َّ ،‬‬
‫القوم السالم‪ ،‬فسكت عبد هللا حتى فرغوا‪ ،‬رفع صوته وقال‪ :‬وعليك السالم ورحمة هللا وبركاته‪ ،‬ثم أقبل على القوم‪ .‬فقال‪ :‬أال‬

‫أخبركم بأحب أهل األرض إلى أهل السماء؟! قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬هو هذا الماشي‪ ،‬ما كلَّمني كلمة منذ ليالي صفين‪.)282( )...‬‬

‫أما على الصعيد الفكري‪ ،‬فيكفي أن نعلم أن عبد هللا لم يرو في علي أبداً‪ ،‬فيما روى في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من‬

‫يرو في الرموز التي تمحورت حول علي‪ ،‬اللَّهم إالَّ في ذم قاتل‬


‫صدفة أو جهالً؟! بل لم ِ‬
‫سر هذا الموقف ُ‬
‫صحابة النبي آنذاك فهل ُيف َّ‬

‫عمار حديثا ً واحداً‪ ،‬وفي صدق أبي ذر حديثا ً واحداً وإسناده ضعيف كما ذكر أحمد محمد شاكر (‪.)283‬‬

‫يشجع على طاعة معاوية والخضوع‬


‫َّ‬ ‫ولم تعد الصورة في حاجة إلى رتوش أو زيادة إذا علمنا أن هذا الرجل يروي من األحاديث ما‬

‫لحكمه ولو بصورة مه َّذ بة‪ ،‬فقد روى (‪ ...‬حدثنا وكيع‪ ،‬حدثنا األعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن‬

‫عبد هللا بن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬من بايع إماما ً فأعطاه صفقة يده‪ ،‬وثمرة قلبه‪ ،‬فليطعه إن استطاع‪ ،‬وقال َّ‬
‫مرة‪ :‬ما استطاع‪ ،‬فلما سمعتها‬

‫ودخلت رأسي بين رجلين وقلتُ (أي عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة)‪ :‬فإن ابن عمك معاوية‪ ،‬يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل‪،‬‬

‫ونقتل أنفسنا وهللا يقول‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أال أن تكون تجارة عن تراض منكم وال تقتلوا أنفسكم‬

‫إن هللا كان بكم رحيماً) (‪ ،)284‬فوضع (عبد هللا) ُج َ‬


‫مع ُه على جبهته‪ .‬ثم نكس‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬فقال‪ :‬أطعه في طاعة هللا‪ ،‬واعصه‬

‫في معصية هللا‪ .‬قلتُ له (عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة)‪ :‬أنتَ سمعت هذا من رسول هللا (صلى هللا عليه وآله)‪ .‬قال‪ :‬نعم سمعته‬

‫أذناي ووعاه قلبي) (‪.)285‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -234‬طبقات ابن سعد‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.262‬‬

‫‪ -235‬سنن الدارمي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.127‬‬

‫‪ -236‬المسند‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.226 - 158‬‬

‫‪ -237‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.55 - 48‬‬

‫‪ -238‬أصول الحديث‪ :‬ص‪.194‬‬

‫‪ -239‬أصول الحديث‪ ،‬علوم الحديث ومصطلحه‪ :‬ص‪.27‬‬

‫‪ -240‬تقييد العلم‪ :‬ص‪.84‬‬

‫‪ -241‬تقييد العلم‪ :‬ص‪.85‬‬

‫‪ -242‬تقييد العلم‪ :‬ص‪.85‬‬

‫‪ -243‬تقييد العلم‪ :‬ص‪.84‬‬

‫‪ -244‬تقييد العلم‪ :‬ص‪.85‬‬

‫‪ -245‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.833‬‬

‫‪ -246‬المصدر السابق‪ :‬ج‪ 1‬ص‪ 254‬رقم (‪.)479‬‬

‫‪ -247‬المصدر السابق‪ :‬ج‪ 9‬ص‪ 170‬رقم (‪.)250‬‬

‫‪ -248‬علوم الحديث ومصطلحه‪.‬‬


‫‪ -249‬المعارف البن قتيبة ترجمة عبد هللا بن عمرو نفسه‪.‬‬

‫‪ -250‬المصدر‪.‬‬

‫‪ -251‬مجلة كلية الثقة‪ :‬ص‪ 1‬ع ‪ 1‬ص‪ 111‬بشيء من التصرف‪.‬‬

‫‪ -252‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.50‬‬

‫‪ -253‬أصول الحدث‪.‬‬

‫‪ -254‬سيرة أعالم النبالء‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.79‬‬

‫‪ -255‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ -256‬في الصفحات التالية‪.‬‬

‫‪ -257‬أصول الحديث‪ :‬ص‪.195‬‬

‫‪ -258‬مجلة كلية الفقه‪ ،‬مصدر سابق‪ :‬ص‪.122‬‬

‫‪ -259‬أسد الغابة‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.233‬‬

‫‪ -260‬أصول الحديث‪ :‬ص‪ ،195‬الحاشية‪.‬‬

‫‪ -261‬المصدر‪.‬‬

‫‪ -262‬خطط المقريزي‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.332‬‬

‫‪ -263‬فتح الباري بشرح البخاري‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.217‬‬

‫‪ -264‬أبو هريرة‪ /‬أبو ريه‪ ،‬نقالً عن تفسير الحافظ أبي الفداء‪.‬‬

‫‪ -265‬المصدر السابق‪ ،‬نقالً عن رد الدارمي على بشر المريسي‪ :‬ص‪.136‬‬

‫‪ -266‬البداية والنهاية‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.277‬‬

‫‪ -267‬أبو هريرة‪ /‬أبو ريه‪ ،‬نقالً عن ابن كثير‪ ،‬هامش ص‪.125‬‬

‫‪ -268‬تذكرة الحفاظ‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.42‬‬

‫‪ -269‬المصباح ُجلى مقدمة ابن الصالح‪ :‬ص‪ .170‬المطبعة العلمية بحلب‪.‬‬

‫‪ -270‬عمدة القارئ‪ :‬ج‪ 1‬ص‪.574‬‬

‫‪ -271‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ -272‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.49‬‬

‫‪ -273‬تهذيب التهذيب‪ :‬ج‪ 8‬ص‪.55 - 48‬‬

‫‪ -274‬سير أعالم النبالء‪ :‬ج‪ 5‬ص‪.167‬‬

‫‪ -275‬المصدر السابق‪ :‬ص‪.166‬‬

‫‪ -276‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪ -277‬المصدر السابق‪ :‬ص‪.168‬‬


‫‪ -278‬راجع‪( :‬أ) أسد الغابة في معرفة الصحابة‪ :‬ج‪ 3‬ص‪( .234‬ب) المعارف البن قتيبة‪ :‬ترجمة عبد هللا بن عمرو‪.‬‬

‫‪ -279‬راجع‪ :‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬الذهبي‪ :‬ج‪ 3‬ص‪ ،37‬كذلك‪ :‬سيرة أعالم النبالء‪ :‬ج‪ 2‬ص‪ ،83‬ابن سعد‪ :‬ج‪ 4‬ص‪ ،265‬مع اختالف‬

‫يسير في اللفظ‪.‬‬

‫‪ -280‬تهذيب ابن عساكر ك ج‪ 6‬ص‪.325 - 304‬‬

‫‪ -281‬سير أعالم النبالء‪ :‬ج‪ 5‬ص‪.167‬‬

‫‪ -282‬أسد الغابة‪ :‬ج‪ 3‬ص‪.234‬‬

‫‪ -283‬المسند‪.‬‬

‫‪ -284‬سورة النساء‪.29 :‬‬

‫‪ -285‬المسند‪ :‬ح ‪ 6051‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪.‬‬

You might also like