Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫الكلية اإلسالمية الجامعة‬

‫النجف االشرف‬

‫قسم العلوم السياسية والدولية‬

‫محاضرات السياسة الخارجية‬

‫المرحلة‪ :‬الرابعة‬

‫أعداد‬
‫منتصر عمران ناجي الرفاعي‬

‫‪6102-6102‬‬
‫المحاضرة األولى‪ :‬مفهوم السياسة الخارجية‬

‫أوالً‪ :‬تعريف السياسة الخارجية‪:‬‬

‫اليوجد هناك تعريف متفق عليه لمفهوم السياسة الخارجية عند علماء علم‬

‫السياسية بشكل عام‪ ،‬وعلم العالقات الدولية بشكل خاص‪ ،‬وعلية فقد تعدد تعريفات‬

‫الباحثين ازاءها‪ ،‬فهناك من يعرفها على أنها‪:‬‬

‫‪ -‬السياسة الخارجية هي تنظيم نشاط الدولة في عالقاتها مع غيرها من الدول‬

‫ومع المنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬وهناك من يعرفها بأنها السياسة الخارجية هي السلوك السياسي الخارجي‬

‫سواء على مستوى العالقات مع الدول أو مع األشخاص اآلخرين من غير‬

‫الدول‪ ،‬من أشخاص القانون الدولي‪.‬‬

‫‪ -‬لسياسة الخارجية هي العمل على إيجاد التوازن بين االلتزام الخارجي لدولة‬

‫ما والقوة الالزمة لتنفيذ هذا االلتزام‪.‬‬

‫‪ -‬السياسة الخارجية هي مجموعة األفعال وردود األفعال التي تقوم بها الدولة‬

‫في البيئة الخارجية بمستوياتها المختلفة‪ ،‬سعياً لتحقيق أهدافها والتكيف‬

‫مع متغيرات هذه البيئة‪ .‬وهذا التعريف يشتمل على أنماط السلوك الخارجي‬

‫المختلفة التي يمكن أن تمارسها الدولة من خالل سياستها الخارجية كما‬


‫أننا نفرق في هذا التعريف بين المستويات المختلفة للبيئة الدولية والتي‬

‫عادة ما تشتمل على كثير من المتغيرات التي يتعين على صناع السياسة‬

‫الخارجية أخذها في االعتبار عند وضع هذه السياسة‪ .‬إذاً‪ ،‬يمكننا أن نقول‬

‫أن مفهوم السياسة الخارجية هو خطة أو استراتيجية علنية تحكم عمل‬

‫الدولة مع العالم الخارجي بما تملكه من مبدأ السيادة واإلمكانيات المادية‬

‫والعسكرية ‪ .‬وهي ليست مقتصرة على الدول بل أن الشركات متعددة‬

‫الجنسيات و المنظمات اإلقليمية و المنظمات الدولية بما تملكه من‬

‫شخصية اعتبارية له سياستها الخارجية الخاصة التي قد تتفق أو تختلف‬

‫مع الدول التابعة لها ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬صنع السياسة الخارجية‪:‬‬

‫‪ -0‬صنع السياسة الخارجية هو نظام يشتمل على مجموعة من األنشطة‬

‫التي تطوره الدول لتغيير سلوكيات الدول األخرى وألقلمة أنشطتها طبقاً لمتغيرات‬

‫البيئة الخارجية‪.‬‬

‫‪ .6‬صنع السياسة الخارجية هو مجموعة القواعد الدستورية والقانونية التي تحدد‬

‫أسلوب تعامل الدولة مع األطراف الخارجية األخرى‪.‬‬


‫‪ .3‬أنها مجموعة القواعد المختارة للتعامل مع مشكلة أو حدث معين‪ ،‬حدث فعالً‪،‬‬

‫أو يحدث في الحاضر‪ ،‬أو يتوقع حدوثه في المستقبل‪ ،‬وهذا التعريف األخير يمكن‬

‫أن نشير بشأنه إلى ما يلي‪ :‬أ‪ .‬أن يجعل عملية صنع السياسة الخارجية تتم في‬

‫سياق زمني ممتد يشمل ما حدث وما يحدث وما سيحدث‪ .‬ب‪ .‬أنه يشتمل على‬

‫بعض مكونات التعريفات األخرى خاصة فيما يتعلق بالقواعد التي تنظم العمل في‬

‫نطاق السياسة الخارجية‪ .‬ج‪ .‬أنه يفتح مجا ًال واسعاً أمام االبتكار والمبادرة في‬

‫مجال صنع السياسة الخارجية حيث أنه يتيح الفرصة لوضع الخطط والتفضيالت‬

‫مقدماً بحيث تشكل مجموعة من القواعد المرشدة عند اتخاذ الق اررات‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أهداف السياسة الخارجية‪:‬‬

‫تهدف لسياسية الخارجية لحماية األمن القومي‪ .‬والحفاظ على بقاء الدولة‬

‫واستمرارها‪ .‬والتنمية االقتصادية كذلك تهدف الى تدعيم هيبة ومكانة الدولة في‬

‫المجتمع الدولي وبناء صورة إيجابية عنها لدة الدول واألشخاص اآلخرين من غير‬

‫الدول‪ .‬فضالً عن نشر الثقافة القومية وهذا هدف تسعى إليه الدول الكبرىوالنظم‬

‫السياسية الثورية "تصدير الثورة"‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬وسائل تحقيق أهداف السياسة الخارجية‪:‬‬


‫‪ .0‬الدبلوماسية بصورها المختلفة من ثنائية ودبلوماسية مؤتمرات ودبلوماسية‬

‫منظمات دولية وغيرها‪.‬‬

‫‪ .6‬الوسيلة االقتصادية وتتمثل في منح المساعدات أو فرض العقوبات‪.‬‬

‫‪ .3‬الوسيلة المعنوية وتتمثل في اإلعالم والحرب النفسية‪.‬‬

‫‪ .4‬الوسيلة االستخبارية وتوظيفها في جمع المعلومات االستراتيجية‪.‬‬

‫‪ .5‬استخدام أدوات العنف – ما دون العسكرية – كإثارة الفتن ودعم جماعات‬

‫المعارضة‪.‬‬

‫علية فأن للسياسة الخارجية مكانة غاية في األهمية لكل دولة‪ .‬فالعالقة بين‬

‫الدولة والسياسة الخارجية عالقة وطيده‪ ،‬وذلك إلثبات كيانها على الساحة الدولية‬

‫واستقالليتها الرسمية‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬مفاهيم قريبة عن السياسية الخارجية‬

‫اوالً‪ :‬العالقات الدولية‬

‫وهو مصطلح يشير إلى كافة أنواع التفاعل بين أعضاء المجتمع الدولي سواء‬

‫كان األعضاء دوال أو ال‪ ،‬وان أكثر تعريف يالئم العالقات الدولية وهو الذي يأخذ‬

‫مسألة عبور الحدود معيا ار للخصوصية ألن كل التدفقات التي تعبر الحدود أو‬
‫تتطلع نحو عبورها هي تدفقات يمكن وصفها بالعالقات الدولية‪ ،‬وتشتمل هذه‬

‫التدفقات على العالقات بين حكومات هذه الدول وبين األفراد والمجموعات العامة‬

‫أو الخاصة والتي تضع على جانبي الحدود‪ ،‬وفي هذا التطور فإن مفهوم الالعب‬

‫يضم الدولة وحكومتها ولكن ال يستبعد تدخل العبين آخريين محتملين من الذين‬

‫يصعب أن تحدد سلفا قائمة نهائية تضمهم جميعا‪ ،‬والعالقات الدولية التي تستند‬

‫إلى معيار الحدود الذي يعني (األنشطة التقلدية للحكومات الدبلوماسية‬

‫والمفاوضات والحرية وغيرها والذي يشمل في الوقت نفسه على إتفقات من طبقات‬

‫أخرى إقتصادية وأيديولوجية ورياضية وثقافية) تنسج شبكة من اإلتصاالت التي‬

‫تكبر أو تصغر حسب األحوال‪ ،‬وتؤدي إلى خلق مناطق من التعاون أو الصراع‬

‫تختلف عن تلك التي رسمها التصور التنفيذي للتقسيم الجغرافي للكون‪ ،‬ومن هنا‬

‫يبرز التعقيد الكبير في الظواهر الدولية ‪.‬‬

‫وتدرس العالقات الدولية على أنها العالقات الفعلية التي تجري عبر الحدود‬

‫ولكن هنا تظهر مشكلة ترتيب األولويات بين هذه العالقات ألنها ليست في مستوى‬

‫واحد واذا رتبناها على أساس أهميتها السياسية فهذا يجعلنا نقبل بالنظام السياسي‬

‫على أنه اإلطار المركزي المنظم لهذه العالقات الدولية‪ ،‬واذا قلنا إن العالقات‬

‫الدولية هي ما يتم منها عبر الحدود فهذا يعني عدم إشتمال التعريف على الوقائع‬

‫التي تجري في نطاق العالقات الدولية مثل العالقة بين السياسة الخارجية‬
‫والداخلية‪ ،‬واذا فكرنا بالدول والحكومات فقط‪ ،‬فإن العالقات الدولية سوف تكون‬

‫العالقات بين هذه الدول غير أن هذه الدول خضعت لتغيرات مستمرة من الناحية‬

‫التاريخية‪ ،‬كما أنه سوف تبرز أسئلة عن المستعمرات الخاضعة للوصايا والدول‬

‫المقسمة واألقاليم التي تعيش حالة إستثنائية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى المنظمات اإلقلمية‬

‫أو الدولية التي تجرى في داخلها عالقات دبلوماسية هامة‪ ،‬وهذا كله دفع بكوينسي‬

‫رايت إلى تحديد العالقات الدولية على أنها العالقة بين عدد وآخر من الكيانات ذات‬

‫السيادة غير المحدودة‪ ،‬على أن تكون غير مقصورة على التشكيلة النظامية‬

‫والقانونية التي تحدد بدقة ماهي الكيانات ذات السيادة والكيانات التي تفتقدها ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الدبلوماسية‪:‬‬

‫هي عملية إدارة وتنظيم العالقات الدولية عن طريق المفاوضة‪ ،‬وهي طريقة‬

‫تسوية وتنظيم هذه العالقات بواسطة السفراء والمبعوثين ‪،‬وهي أيضا عملية التمثيل‬

‫والتفاوض التي تجري بين الدول في غمار إدارتها الدولية‪ ،‬وقدعبر عنها ساتو‬

‫بأنها إستخدام الذكاء والكياسة في تعريف العالقات الرسمية بين حكومات دول‬

‫ذات سيادة‪.‬‬

‫والدبلوماسية الفعالة هي الدبلوماسية اإلقتصادية ألنه دون دعم تلك الوسائل‬

‫ستكون فعالية الدبلوماسية محدودة هذا إن لم تكن معدومة وقد عرفت خالل‬
‫المرحلة األولى من تطورها بالدبلوماسية (التقليدية) وكانت تجمع بين فن الممكن‬

‫وفن التوفيق وفن اإلكراه ‪،‬وكانت هذه الدبلوماسية أداة رئيسية من أدوات تنفيذ‬

‫سياسات الصراع على القوة وأيضا فإنها تجنبت اإلندفاع إلى إستخدام وسائل‬

‫اإلكراه المسلح ‪،‬وقد كانت تمر عبرها التهديدات الدولية المتبادلة بين القوى‬

‫واألطراف في الصراعات‪ ،‬كما أنه عن طريقها تم تفسير تلك التهديدات وتقييم‬

‫إمكانات القوة الحقيقية المساندة لها‪ ،‬ومن ثم جاءت الدبلوماسية (الحديثة) التي‬

‫إتسع نطاق تأثيرها حيث أصبح للنشاط الدبلوماسي تأثير إقليمي ودولي وهذا مازاد‬

‫من أهمية الدبلوماسية في السياسة الدولية‪ ،‬وساهمت فيها أجهزة كثيرة وأصبحت‬

‫السرية فيهاغير ممكنة بسبب وجود المؤسسات الديمقراطية واألحزاب السياسية‬

‫والبرلمانات وجماعات الضغط والصحافة التي أجبرت الحكومات على نبذ السرية‬

‫في سياساتها الخارجية واعالن أهدافها الوطنية‪ ،‬وقد زادت أهمية الدبلوماسية‬

‫بسبب تنوع أنماطها وتعدد أشكالها فهناك دبلوماسية القمة وهي التي تكون على‬

‫شكل مؤتمرات وقد عرفت قديما بالدبلوماسية الشخصية وهناك دبلوماسية األزمات‬

‫وتكون لحل أزمات دولية طارئة وهي بديل للحرب ومخرج للتوتر بين الدول‪.‬‬

‫وتكون البعثات الدبلوماسية في الغالب على مستوى سفارات ويرأسها‬

‫دبلوماسي بدرجة سفير أو أقل من ذلك كموفوضية ويرأسها دبلوماسي بدرجة‬


‫مبعوث فوق العادة أو وزير مفوض‪ ،‬وأما البعثة الدبلوماسية فيرأسها قائم‬

‫باألعمال ‪.‬‬

‫وأخي ار فإن الدبلوماسية وسيلة وليست غاية وهي التصنع أو تكون صورة‬

‫لألغراض الوطنية والقومية‪ ،‬فهي عكس السياسة الخارجية والعالقات الدولية وهي‬

‫تسهم في تحديد الخيارات التي تقرها السلطة السياسية‪،‬وتعمل أيضا على إنجاح‬

‫السياسة القومية بأقل الخسائر الممكنة‪ ،‬وتجنب الحروب وحماية المصلحة‬

‫القومية‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة‪ :‬العالقة بين السياسة الخارجية والداخلية‪:‬‬

‫إن السياسة الخارجية كبرنامج عمل تقع في مجال الفن إذ أنها تتمثل في‬

‫عملية اختيار أو مفاضلة بين األهداف والوسائل المختلفة أو عملية ابتداع هذه‬

‫الوسائل‪.‬‬

‫أما العالقات الدولية فهي علم تفسيري يهدف إلى الكشف عن حقيقة الظواهر‬

‫السياسية الدولية وتفسير هذه الظواهر تفسي ار علميا في معنى الكشف عن‬

‫خصائصها المشتركة‪.‬‬
‫ترى المدرسة األمريكية (مورجانتو) "إن علم العالقات الدولية من علوم‬

‫السياسات التي تستهدف الكشف عن حقائق البيئة الدولية أو عالم السياسة‬

‫الدولي"‪.‬‬

‫تعتبر العالقات الدولية علما تفسيريا يهدف إلى الكشف عن حقيقة ظواهر‬

‫السياسة الدولية من أجل الحقيقة ذاتها‪ ،‬والبعض يميز بين العالقات الدولية‬

‫والسياسة الخارجية للدول‪ ،‬وهو تباين موضوع االهتمام بين الحالتين فموضوع‬

‫دراسة العالقات الدولية ينصب على الظواهر السياسية الدولية التي تنشأ نتيجة‬

‫التفاعالت بين الوحدات السياسية في المجتمع الدولي‪ ،‬بينما اهتمام محللي‬

‫السياسات الخارجية للدول على السلوك الخارجي لهذه الدول أو المواقف التي‬

‫تواجهها في البيئة الدولية‪.‬‬

‫يعرف مارسيل ميرل ‪ :‬السياسة الخارجية (إنها ذلك الجزء من النشاط الحكومي‬

‫الموجه نحو الخارج الذي يعالج مشاكل تختلف عن مشاكل السياسة الداخلية)‬

‫والسياسة الخارجية هي محصلة لتأثير مجموعة من المتغيرات‪ ،‬المؤثرات الداخلية‬

‫والخارجية والتي تأخذ أشكاال مادية داخلية كالطبيعة الجغرافية والقوى العسكرية‬

‫والتركيبة السكانية واالقتصادية للدولة‪ ،‬وهناك عالقة بين السياسة الخارجية‬

‫والعالقات الدولية العتبار أن (الدولة) هي مجال نشاط كل منهما‪.‬‬


‫السياسة الدولية‪ :‬هي التي تهتم بعملية التفاعل بين دولتين أو أكثر‪ ،‬فالسياسة‬

‫الدولية كما عرفها سنيدر‪( :‬هي أفعال وردود أفعال وتفاعالت بين وحدات تعرف‬

‫بالدول القومية) وعملية التفاعل بين دولتين هي السياسة الدولية التي نجد في‬

‫محيطها المصالح المتشابكة تتمثل في الدول المستقلة‪ ،‬وتحل هذه المصالح‬

‫المتشابكة عن طريق معاهدات واتفاقيات اختيارية‪.‬‬

‫أما العالقات الدولية فهي التي تأخذ مسألة عبور الحدود ألن كل التدفقات التي‬

‫تعبر الحدود أو تتطلع نحو عبورها هي تدفقات يمكن وصفها بالعالقات الدولية‪،‬‬

‫وتشمل هذه التدفقات على العالقات بين مكونات هذه الدول‪ ،‬فالعالقات الدولية‬

‫الودية والتفاهم مع الدول يسهل هدف القانون الدولي‪ ،‬وليس دائما حيث يتم‬

‫اللجوء إلى القوة أم ار محتوما وعندها يتدخل القانون الدولي ليخفف من النتائج‬

‫الناجمة عن استعمال القوة‪.‬‬

‫إن نشوء العالقات الدولية بين الدول ال تتم إال بالتقاء إرادات الدول ثنائيا أو‬

‫أكثر تحت أوصاف مختلفة كالمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬وان التقاء هذه‬

‫اإلرادات هي التي تنظم تلك العالقات والتي تعتبر من مصادر القانون الدولي‪.‬‬

‫تمثل السياسة الخارجية للدولة السلوك الخارجي لها‪ ،‬وتتأثر بالحالة التي‬

‫عليها النسق الدولي الذي تتفاعل الدولة من خالله مع غيرها من الدول‪ ،‬وقد‬

‫شهدت العالقات الدولية صورتين تاريخيتين من صور األنساق الدولي‪ ،‬وهما‬


‫النسق الدولي متعدد األقطاب‪ ،‬وتمر العالقات الدولية في الوقت الراهن بمرحلة‬

‫تحول تاريخي في صورة النسق الدولي العالمي وذلك بعد تفكيك أحد قطبي النسق‬

‫الثاني االتحاد السوفيتي‪ ،‬وقد تحول النسق الراهن إلى نسق أحادي القطبية‪،‬‬

‫ويعتبر الوضع الراهن ال يملك سوى مرحلة انتقالية وسرعان ما تختفي مخلفة‬

‫ورائها صورة جديدة أكثر استق ار ار للنسق العالمي‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعة‪ :‬العوامل المؤثرة في صنع السياسة الخارجية( الموقع‬

‫أنموذجاً)‬

‫للموقع الجغرافي أثر كبير في صناعة القرار في السياسة الخارجية‪ ،‬ويمكن‬

‫تحديده باتجاهين‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬استعمال صانع السياسة الخارجية هذا الموقع كأداة تأثير في وحدات‬

‫دولية أخرى في إطار سعيه إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية‪.‬‬

‫‪ -‬اآلخر‪ :‬حرص صانع السياسة الخارجية على أالا يتحول هذا الموقع إلى أداة‬

‫تأثير في يد وحدة دولية أخرى بأي شكل من األشكال‪.‬‬


‫وتذهب معظم الدراسات إلى االعتراف بأن العوامل الجغرافية لها تأثير واضح‬

‫على المجتمع‪ ،‬إال أنها اختلفت في تحديد مدى هذا التأثير حيث ترجع إلى تطور‬

‫المجتمع واإلمكانات التي تستخدم في طبيعة التحكم بالمتغير الجغرافي‪.‬‬

‫ومما الشك فيه‪ ،‬أن هناك عالقة وثيقة بين المتغير الجغرافي وبين سياسة‬

‫الدولة وتطورها وقد حاول العلماء الربط بين المتغير الجغرافي وسياسة الدولة‬

‫فظهرت النظريات الجيوبولتكية التي أثرت في عدد كبير من الدول؛ ومنها ألمانيا‬

‫التي تبنت نظرية القوة البرية‪ ،‬أما بريطانيا فتأثرت بنظرية القوة البحرية نظ ارً‬

‫لموقعها الجغرافي المطل على البحار‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن المتغيرات الجغرافية لها أهمية كبيرة في سياسة الدولة‬

‫الخارجية إال أن هذه المتغيرات بدأت تفقد أهميتها‪ ،‬وذلك بسبب التطور الحاصل‬

‫في ميدان االتصاالت والتقدم التكنولوجي واألسلحة ووسائل االتصال وأصبح البعد‬

‫الجغرافي ال يحمي من االستهداف العسكري‪ ،‬إال أنه مازال له أهمية نسبية لدى‬

‫النخب الحاكمة‪ .‬وعليه فمن الخطأ‪ ،‬نكران الدور المستمر الذي تؤديه الجغرافية في‬

‫التفكير االستراتيجي لصناع القرار وذلك يرجع لسببين‪:‬‬

‫‪ .0‬إن الواقع الجغرافي للدولة يترتب علية أحياناً مجموعة أنماط سلوكية ثابتة‬

‫نسبياً‪ ،‬وذلك نتيجة للثبات الجغرافي النسبي‪.‬‬


‫‪ .6‬دور الجغرافية في تحديد الواقع االقتصادي والسكاني للدولة وانعكاس هذا‬

‫الواقع على عالقاتها مع الدول األخرى‪.‬‬

‫وكذلك فإن الجغرافية وما تحمله معها من ثروات وموارد طبيعية؛ وحجم الدولة‬

‫وحتى المناخ فإنه يؤثر في طبيعة السكان وكما أن التباين في توزيع هذه العوامل‬

‫كلها يؤثر في البناء السياسي للدولة وعلى قدرة نظامها السياسي على الفعل‪.‬‬

‫ويرى نابليون بونابرت‪ :‬أن السياسة الخارجية ألي دولة تكمن في موقعها‬

‫الجغرافي‪ .‬ويعد العامل الجيوستراتيجي من العوامل المهمة في سياسة الدولة‬

‫الخارجية‪ ،‬ألن تلك السياسة تكمن في أهميتها الجغرافية‪ ،‬ويرى المختصون في‬

‫مجال العالقات الدولية أن هناك عالقة وثيقة ومترابطة بين الجغرافية والسياسة‪،‬‬

‫لهذا أطلق على هذه العالقة الوثيقة تسمية علم الجغرافية السياسية‬

‫(الجيوبوليتكس) الذي يمكن تعريفه بأنه العلم الذي يهتم بالدولة؛ ال على أساس‬

‫أنها مفهوم جامد بل كائن حي‪ ،‬وأنه يبحث بالدرجة األولى عالقة الدولة ببيئتها‬

‫وحيزها والعمل على محاولة حل المشاكل جميعها الناتجة عن العالقات المكانية‪.‬‬

‫وعليه فإن قوة الدولة عبر العصور الماضية كانت نابعة من جغرافيتها بمعناها‬

‫الواسع‪ ،‬أي من مواردها وحجمها وموقعها وسكانها‪ ،‬وقد ساد دور المكان في بناء‬

‫عظمة الدولة وسعة هيمنتها على التفكير السياسي الجيوبوليتيكي القديم‪ ،‬غير أنه‬

‫لم يخضع إلى دراسة منظمة وهادفة‪.‬‬


‫فالدراسات الجغرافية واالستراتيجية نتاج القرن التاسع عشر‪ ،‬إذ انصرفت إلى‬

‫دراسة الدولة من زوايا متعددة‪ ،‬وطالما أن الدولة في حركة سريعة بسبب تعرضها‬

‫لضغوط خارجية وتغيرات داخلية‪ ،‬ومن ثم فإن تحليل الدولة من منظور الجغرافية‬

‫السياسية يعين على فهم ظاهرة التغيير واألبعاد المترتبة عليها‪ ،‬وهذا يعني أن‬

‫الحدود السياسية تؤثر في توزيع السكان‪ ،‬كما أن الموقع الجغرافي يتحكم إلى قدر‬

‫كبير في التطورات السياسية للدولة‪ .‬إن الدولة الحديثة تتحدد وفق مقومات‬

‫جغرافية وتاريخية وثقافية وسياسية‪ ،‬وغالباً ما تتداخل هذه العوامل لتصنع‬

‫السياسة الخارجية لبلد ما‪ .‬فالموقع الجيوستراتيجي لدولة ما يملي عليها نتائج‬

‫منها‪ :‬االعتبارات األمنية والخطط العسكرية والتنمية واألحالف‪ ...‬وغيرها‪ ،‬وال يخلو‬

‫الموقع الجغرافي للدولة من تأثير في الشعور بالوهن أمام واقع جغرافي آخر لدولة‬

‫مجاورة أو لتحالف دول‪ ،‬ويؤول هذا األمر إلى تبني سياسات داخلية وخارجية‬

‫تحول دون تمكين تلك الدول من التعرض إلى الدولة الواهنة‪.‬‬

‫وفي ضوء ذلك فإن الجغرافية السياسية يجب أن تتالقى مع الجغرافية‬

‫االستراتيجية‪ ،‬وهو ما يبدو اليوم غير متوافر على اإلطالق في معادلة السياسة في‬

‫المنطقة‪.‬‬

‫فاألمريكيون باتوا جزءاً من الجغرافية السياسية (أصبحوا جيراناً) دون أن تكون‬

‫هذه الجيرة أكثر من إخالل بالجغرافية السياسية‪ ،‬ذلك ألن األرض ليست أرضهم‬
‫والموارد ليست مواردهم وكل ما هناك أنهم يريدون األرض والموارد ويريدون أن‬

‫يكونوا جزءاً من الجغرافية االستراتيجية بالتدخل في شؤون الدول األخرى ورسم‬

‫سياستها ووسائلها عبر ما يسمى بـ "الشرق األوسط الجديد"‪.‬‬

‫فالمشكلة تتمثل بأن كل وافد على الجغرافية االستراتيجية‪ ،‬صحيح أنه يستطيع‬

‫أن يدير األرض والموارد مهما كانت الصعوبات‪ ،‬لكن البشر والتاريخ أمر ال يمكن‬

‫إدارته وهو جزء من الجغرافية االستراتيجية‪ ،‬بل هو الجزء األكثر أهمية في تلك‬

‫المعادلة كما يقول األميرال سيليريه وماكس سور عندما يصيغان معادلة أن‬

‫الجغرافية البشرية تغدو أكثر وأكثر كجغرافية اإلنسان‪ ،‬أي بمعنى التمييز بين‬

‫العوامل الثابتة والعوامل المتغيرة‪ .‬لذلك لم يكن األدميرال بيير سيليير مخطئا ًً في‬

‫أهمية (المدى) الذي يسكنه البشر‪ ،‬حينما قال‪ :‬فإذا كان ثقل تاريخ البشر (بما فيه‬

‫التاريخ اإليديولوجي للبشر) يفرض نفسه بشدة في المعادلة الجيوستراتيجية‪ ،‬فإن‬

‫ثقل المكان يفرض نفسه بالشدة نفسها في تلك المعادلة‪ ،‬ذلك أن تغيير الدول‬

‫ال ألن يكون مثم ارً لصالح دولة واحدة على حساب الدول‬
‫ليس ممكناً أو قاب ً‬

‫األخرى‪ .‬ومن ثم فإن الواليات المتحدة األمريكية تستطيع أن تكون جزءاً من‬

‫الجغرافية السياسية عبر النفوذ أو األنظمة الحليفة أو الموالية‪ ،‬لكنها ال تستطيع‬

‫أن تكون جزءاً من الجغرافية االستراتيجية‪ ،‬ألنها تفتقد إلى االمتداد مع األرض‬

‫واالحتكاك مع البشر والتاريخ‪.‬‬


‫أن الواليات المتحدة األمريكية في المنطقة العربية‬
‫وال يخفى علينا القول ا‬

‫ال في المعادلة الجيوستراتيجية‪ ،‬وأرادت أن تحل ثقلها كقوة كبرى في‬


‫أحدثت خل ً‬

‫المنطقة والغاء األطراف األخرى كلها‪ ،‬وكانت المحصلة النهائية هي ممارسة‬

‫جيوسياسة في صيغة جيوستراتيجية‪ .‬من خالل افتعالها األزمات تارة وبالقوة تارة‬

‫أخرى‪ ،‬وهذا ما يفسر التواجد العسكري األمريكي الكثيف في منطقة الشرق األوسط‬

‫الذي تسعى وتدعي من خالله تحقيق أمنها القومي‪ ،‬ولضمان تعاون أوثق بين‬

‫حلفاء الواليات المتحدة لتحقيق أهدافهم المشتركة‪.‬‬

‫االستنتاجات‪:‬‬

‫‪ -‬أن من اهم اسباب تعدد المفاهيم ازاء السياسة الخارجية‪ ،‬مرده غياب‬

‫نظرية اكاديمية عامة للسياسة الخارجية‪.‬‬

‫‪ -‬أن السياسة الخارجية كحقيقة فكرية هي نقطة التقاء بين النظرية‬

‫السياسية بوصفها كون هذه أداة التنبؤ واتخاذ القرار ونظرية العالقات‬

‫الدولية‪ ،‬اذ ان االخيرة تعد محصلة لمجموعة من السياسات الخارجية في‬

‫حقبة زمنية معينة أو بخصوص معضلة محددة‪.‬‬

‫‪ -‬وعلى الرغم من أن المتغيرات الجغرافية لها أهمية كبيرة في سياسة الدولة‬

‫الخارجية إال أن هذه المتغيرات بدأت تفقد أهميتها‪ ،‬وذلك بسبب التطور‬

‫الحاصل في ميدان االتصاالت والتقدم التكنولوجي واألسلحة ووسائل‬


‫االتصال وأصبح البعد الجغرافي ال يحمي من االستهداف العسكري‪ ،‬إال أنه‬

‫مازال له أهمية نسبية لدى النخب الحاكمة‪ .‬وعليه فمن الخطأ‪ ،‬نكران الدور‬

‫المستمر الذي تؤديه الجغرافية في التفكير االستراتيجي لصناع القرار‬

‫المصادر‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد نوري النعيمي‪ ،‬السياسية الخارجية‪ ،‬مكتبتة السنهوري‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪،‬‬

‫‪.6112‬‬

‫‪ -‬مازن إسماعيل الرمضاني‪ ،‬السياسة الخارجية دراسة نظرية‪ ،‬بغداد‪،‬‬

‫‪.0220‬‬

‫‪ -‬فواز جرجس‪ ،‬السياسة األمريكية تجاه العرب ومن يصنعها‪ ،‬مركز دراسات‬

‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.6111 ،‬‬

You might also like