الموضوع :هل الفرضية لها دخل في البحث التجريبي ؟
- Iالمقدمة(:طرح المشكلة) إن الحديث عن الفرضية هو حديث عن خطوات المنهج
التجريبي ،ألنها ارتبطت في الوجود بوجود النسق االستقرائي ،كونها خطوة يتم فيها اقتراح حلول مؤقتة للظاهرة ،أو هي نقل للحادثة الطبيعية من المجال الواقعي إلى المجال العقلي. لكن حتى وإن بدا نوع من التقارب بين الدارسين حول ضبط مفهومها ،إال أن اختالفهم قد سجل حول تحديد مكانتها كخطوة من خطوات المنهج التجريبي .خاصة وأن البعض منهم قد أكدوا أنها هي المرحلة األهم ،انطالقا من إيمانهم بأن المالحظة والتجربة ال تكفيان لبناء العلم .في حين أكد البعض اآلخر أنها تغرق الدارس في متاهات الخيال ومن ذلك فأنه من الضروري التخلي عن اعتمادها .لذا فهل من صواب بين الطرحين وهل يمكن أن يكون للفرضية دخل في البحث التجريبي ،أم أنها تعد عائقا يحول دون تحقيق الموضوعية العلمية ؟ - IIالتوسيع(:محاولة حل المشكلة) -القضية:الفرضية لها دخل في البحث التجريبي. شرح وتحليل :أكد أنصار النزعة العقلية أن الفرضية لها دور في الدراسات التجريبية، إنطالقا من أن كل بناء علمي يقتضي حضور العقل.أكدوا أنه ال يمكن التخلي عن الفرضية كون المالحظة والتجربة ال تكفيان لتأسيس العلم الحقيقي. البرهنة :أكد كلود بارنارد قيمة الفرضية في البحث التجريبي ،حيث أشار أنه من غير المعقول بناء العلم من دون اعتماء العقل ،وهو ما تجلى من خالل قوله" :الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع " أي ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب انطالقا من الفكرة المتكونة من قبل. أكد هنري بوانكاري أنه ال يمكن تأسيس أي مشروع علمي دون توظيف العقل ( الفرضية ) وفي ذلك يقول" :إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ،إنه سيجعل كل تجربة عقيمة ذلك ألن المالحظة الخالصة والتجربة الساذجة ال تكفيان لبناء العلم" .ويقول أيضا بوانكاري "كما أن كومة الحجارة ليست بيتا فكذلك تجميع الحوادث ليس علما". الواقع يؤكد أن المنهج التجريبي بوصفه منهجا علميا يقوم كله على التحقق التجريبي لفرض علمي وخير دليل على ذلك نجد فرانسوا هوبر ...كان أعمى ومع ذلك ترك تجارب كان يطبقها خادمه األمي.استنتاج جزئي :إذن للعقل دور في الدراسات التجريبية. النقد :لكن و على الرغم من أهمية طرح هؤالء إال أنه ال يمكن التصديق بما ذهبوا إليه،ألن اعتماد الباحث على عقله وخياله في تصور الحل المالئم للظاهرة قد يبعده عن الحقيقة ويوقعه في الخيال وهذا ما يشكل عائقا في وجه الباحث .كما أن الفرضية ال تعبر عن الصدق دائما بل يجب إخضاعها لشروط البحث الموضوعية. -نقيض القضية :الفرضية ال دخل لها في البحث التجريبي. شرح وتحليل :على خالف ما ذهب إليه رواد المدرسة العقلية يرى التجريبيون أن تفسير الظواهر الطبيعية والكشف عن أسبابها يتوقف على التجربة والمالحظة ال على العقل.كون العقل يغرق الدارس في متاهات الخيال .أكدوا أنه ينبغي التخلي عن الفرضية كون العلم يبحث عن التعامل الواقعي مع الظواهرو ليس التصور الخيالي . البرهنة :أكد جون ستيوارت مل أن القانون العلمي مجرد كشف تكون التجربة كافية لتحقيقه ،ألنه مادامت الطبيعة تخضع لنظام االطراد ،وكانت الظواهر في تتابعها تترجم 1 قوانين الطبيعة ،فإن التوصل إلى القوانين هو مجرد قراءة بارعة للطبيعة ،والمالحظة الحسية وحدها تكشف عن التتابع .لذا يقول " :أنا ال أتخيل فروضا" .كما يقول أيضا":إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ،ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من المالحظة إلى التجربة" .وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماها بقواعد االستقراء متمثلة في قاعدة التالزم في الحضور ،قاعدة التالزم في الغياب ،قاعدة التالزم في التغير وقاعدة البواقي .وهذه القواعد حسب جون ستيوارت مل تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية .ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق العتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج . يعبر ماجندي عن رفضه العتماد الفرضية في مقولته لتلميذه كلود بارنارد" :أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر" .فالقوانين موجودة في الطبيعة و نكشف عنها باالتصال الحسي . لذا فإن تفسير الظواهر الطبيعية يقوم على التجربة دون اعتماد الفرضية .إستنتاج جزئي : ليس للعقل دور في الدراسات التجريبية . النقد :لكن و على الرغم من أهمية طرح هؤالء إال أنه ال يمكن التصديق بما ذهبوا إليه ،ألن العلم يهدف إلى الكشف عن العالقات السببية العلية ،وهو ما ال يمكن أن يكون بالمشاهدة والت جربة ،بل يكون باعتماد العقل والنظر ،كما أن تفسير الظواهر الطبيعية يخترع وال يكشف عكس ما يعتقد جون ستيوارت مل ،يخترع ويقتضي توظيف القدرات الذهنية ،هذا ما يعني أنه للقضية تفسيرا آخر. -التركيب:وكتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أنه ال يمكن إلغاء الفرضية تماما ،كما ال يمكن اعتمادها كما هي ،بل ينبغي أن تخضع لشروط حتى ال تؤثر سلبا على البحث التجريبي .أي ينبغي أن تكون مطابقة للواقع وممتلكة للقابلية للتحقق حتى تخدم العلم .هذه الرؤية تتماشى مع طرح اسحاق نيوتن ألنه حدد شروط الفرض الناجح. - IIIخاتمة (حل المشكلة ) ختام القول يمكن التأكيد أن الفرضية لها دخل في البحث التجريبي ،لكن ينبغي أن تتوفر على جملة الشروط التي تسمح لها بتقديم قراءة موضوعية للظاهرة وال تؤثر سلبا على البحث التجريبي .ال يمكن تجاهل دور الفرضية ،ألن رفضها هو تجاهل أحد خطوات المنهج التجريبي ومكانة العقل الذي يعد الملكة التي سمحت بصنع الفارق بين اإلنسان وبقية الموجودات. لمزيد من مقاالت زر موقع راك رابح www.rakrabah.blogspot.com