Professional Documents
Culture Documents
دروس المغرب
دروس المغرب
جامعة المسيلة
قسم التاريخ
قدمنا هذه المحاضرات في السنوات القليلة الماضية على مدرجات الجامعة أمام دفعات من
طلبة السنة الثانية نظام كالسيكي ،ثم طلبة نظام ل .م .د .حينما تم اعتماد هذا النموذج
التعليمي من قبل و ازرة التعليم العالي كخيار استراتيجي ال بديل عنه لمرحلة التدرج .فعندما
تبين لنا أهمية المواضيع التاريخية التي تطرقنا إليها آنفا رأيت أنه من المفيد جمعها عبر هذه
الصفحات عساها تساهم في إماطة اللثام عن بعض نقاط الظل في تاريخ المغرب القديم من
جهة ،وذلك بعين أستاذ كانت له تجربة متواضعة ال يدعي التطاول على أصحاب
التخصص الذين تشربوا المادة العلمية ،أراد أن يدلي بدلوه في هذا البحر الزخار ويفيد
الطلبة ،والقراء بالقدر الذي يبسط لهم تلك المحطات الغابرة في تاريخ المنطقة المغربية دون
التغلغل في الحادثة التاريخية حتى ال تصبح مبهمة ومملة في الوقت ذاته ،كما نبهنا إلى
ضرورة دراسة التاريخ القديم الذي لم ينل حظه من الدرس لدى الباحثين المحليين العازفين
عنه تاركين المجال واسعا لألجانب السيما الفرنسيين منهم يخوضون ،ويمرحون في مسارحه
حتى أصبح يشوبه نوع من الغموض نتيجة الدس اإليديولوجي الموجه لخدمة أغراض سياسية
بحتة من ناحية ثانية .فما المانع إذن من إعادة قراءة المتاح من النصوص الموثقة على قلتها
وشحها ،وصعوبة قراءتها ،وتخطي ذلك ولو بنظرة محايدة ،واستخالص ما يمكن استخالصه
بصورة جديدة .فال نكتفي بترجمة ما توصلت إليه المدرسة الكولونيالية فقط ،حتى يكون لنا
باع في هذا الميدان العلمي الخصيب الذي مازال يتطلب البحث ،والتنقيب عن جوانب
ضائعة ،أو غائبة في ماض عريق ساهم أبناء الوطن في صناعته.
اقتضت منا الضرورة المنهجية إذن ترتيب موضوعات هذه الصفحات تبعا لتقارب مضامينها
في شكل عناصر تضم معلومات تاريخية مرتبطة بعضها مع بعض وفق تتابعها
الكرونولوجي .وهي لمحات موجزة عن المغرب القديم في الفترتين الفينيقية ،والنوميدية حاولنا
فيها التطرق إلى الجانب الجغرافي ،والتاريخي في الحقبتين المعنيتين بما فيهما من مخاض،
ومتاعب طوحت بالمنطقة في أتون الحرب وعصفت بها حتى كادت تخرج من التاريخ.
1
_ أوال :الموقع الجغرافي والوسط الطبيعي لبالد المغرب:
إن الوثائق والنصوص التاريخية ،والجغرافية التي أرخت لهذه المنطقة في الزمن القديم ،أمدتنا
بمعلومات غير دقيقة عن الحدود اإلقليمية لها خال ما تعلق ببعض المدن المطلة على
شواطئ البحر األبيض المتوسط ،وهي معلومات بقدر ماهي شحيحة ومقتضبة ظلت
محصورة في حيز ضيق حتى في فترات ازدهار ،ونمو تلك المدن حاضرة البحر .1يقع
المغرب القديم بين خطي عرض 37-19شمال خط االستواء .2وبين خطي طول 25درجة
شرقا و 17درجة غرب خط غرينيتش .وهناك من جعل حيثيات الموقع الجغرافي يرتكز بين
29درجة من الجهة الشمالية الغربية لجبال األطلس الصغير بالمغرب األقصى ،و 37درجة
في الشمال الشرقي من تونس وهو عبارة عن شكل رباعي يحده البحر في غربه ،وشماله،
وشرقه ،كما تحده الصحراء من الجهة الجنوبية .ما يجعله في نهاية المطاف ينتمي إلى
مصاف األقاليم الحارة نوعا ما .إذن فالقرب من البحر ،أو االبتعاد عنه ،مع تنوع االرتفاعات
يعطي االنطباع باختالف واضح في ارتفاع درجات الح اررة في أماكن بعينها ،وانخفاضها في
أماكن أخرى.3
وكان لجبال الريف بالمغرب ومثيالتها في المنطقة محل الدراسة التي تمتد إلى غاية بنزرت
مرو ار بالجزائر ،واحتوائها على سلسلة معتبرة من المرتفعات في جبال األطلس ،المتوسط،
والكبير تأخذ االتجاه نفسه على امتداد محور خليج أكادير نحو 1000كيلومتر بعيدا عن
مضيق طنجة على المتوسط ،إلى الشمال في تونس وربما كان لهذه الجبال أن تكون حاج از
طبيعيا بين السهول الواسعة ،والبحر غير أنها رغم التواءاتها وصخورها تتخللها أودية عميقة
وانحدارات كانت طرق للساكنة تجاه السهول جنوبا ،وتجاه البحر وسهوله الضيقة شماال،
1 _ P. Flatters : « L’Afrique septentrionale ancienne », Revue Africaine, volume 21, A.
Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1877. p, 153.
_2محمد الصغير غانم :مواقع وحضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ،دار الهدى ،الجزائر،.2003 ،
ص.12 ،
3 _ Stéphane Gsell : « Le Climat de L’Afrique du nord dans L’antiquité », Revue Africaine
volume 55, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1911., pp, 343-344.
2
وكانت رافدا قويا لتزويد السهول الغناء بالمياه الوفيرة .1ويذكر أن الوسط الطبيعي لعب دور
العائق في وجه أي نشاط حضاري ،ألن المنطقة كما مر بنا عبارة عن مرتفعات جبلية يبلغ
علوها ما بين 800م إلى 1200م .2تكثر بينها سهول ضيقة نسبيا ،حيث تشكل الجبال
فيها سلسلة شبه متوازية في اتجاه عرضي من الشرق إلى الغرب ،تبعا لالتجاه العام لجبال
األلب في أوروبا التي تماثلها هذه الجبال في تكوينها الجيولوجي .وقد انعكست هذه البنية
المرفولوجية القاسية دون ريب على تاريخ شمال إفريقيا عبر مسيرة التاريخ الطويل بدأ بالزمن
القديم بحيث عجزت الدول الناشئة هنالك من الوصول إلى بناء كيان سياسي تتالقح في
بوتقته الروابط االجتماعية ،والثقافية ،والدينية.
_1المناخ:
يشير الباحث الفرنسي ستيفان غزال إلى أن المناخ السائد في بالد المغرب لم يعرف تغيرات
ذات شأن منذ الزمن القديم .3ولقد تميز بانتمائه إلى المناخ المتوسطي المعتدل ،والرطب،
والممطر في الشتاء من جهة ،والمناخ الصحراوي الجاف قليل التساقط في الصيف من جهة
ثانية ،وهو بذلك يدخل فيما يعرف بالمناخ االنتقالي الذي تكون منذ حقبتي البليوسين ،والزمن
الجيولوجي الرابع التي عرف فيها تطو ار ملحوظا .4ويذهب بعض الباحثين وعلى رأسهم بيشو
إلى أن الموقع الجغرافي لبالد المغرب بين البحر المتوسط في الشمال ،والصحراء في
الجنوب ،واالختالف البين في الوسط الطبيعي بينهما يؤثر بسهولة على الساكنة ،وطبيعة
معيشتهم ،كما يالحظ كميات األمطار المتساقطة في هذين الحيزين إنها تتميز دون أدنى
شك بالتباين وسوء التوزيع الفصلي واإلقليمي الواضحين بينهما على أرض الواقع وبشكل
_1عبد الكريم غالب :قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي ،ج ،1دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،لبنان ،.2005 ،ص
ص.27-26 ،
_2شارل أندري جوليان :تاريخ إفريقيا الشمالية تونس ،الجزائر ،المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي 647م،
تعريب محمد مزالي والبشير بن سالمة ،الدار التونسية للنشر ،تونس ،.1968 ،ص.8 ،
3 _ Stephane Gsell : « Chronique Africaine Archéologie et Histoire ancienne », Revue
Africaine , volume 38, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1894., p, 109.
4 _ Jean Dresch: «Les changements de climat et Les mouvements du sol en Afrique du nord
au cours du plio-quaternaire», in L’information géographique, volume 24, n°03, France,
1960., p, 107.
3
منطقي .1وهي تتراوح ما بين 1641ملم بجبال خمير ،و632ملم بقسنطينة ،و 766ملم
بسكيكدة ،و 399ملم ،بباتنة ،و 344ملم بتبسة .2هذا دون إغفال أمر اكتساح الجفاف معظم
المنطقة طوال أيام السنة ،عدا الشريط الساحلي الضيق الذي انتشرت فيه أو بالقرب منه
بعض المجاري المائية مثل نهر الشلف ،ووادي أم الربيع ،والملوية ،والوادي الكبير ،وأبي
رقراق وما إليها من منابع المياه التي تبث الحياة في االنسان ،والحيوان ،3واألرض.
وهذا التنوع النسبي في المناخ انعكس على الغطاء النباتي الموجود بين الشمال والجنوب
بشكل الفت ،وسوف يكون له تأثير أخر على ازدهار النشاطين الزراعي والرعوي ،أو
انكماشهما عبر الزمن.
_2السكان:
عندما نلقي نظرة سريعة على تاريخ إفريقيا الشمالية نالحظ عوائق جمة في تحديد دقيق
للسكان األصليين ،أي نسبهم األول نتيجة عدم وجود كتابات تجعل من الصعوبة بمكان
البث بصفة قطعية في هذا األمر ،زيادة على غياب الحدود الفاصلة في مضارب القبائل،
والقوميات المستقرة هنالك مما أدى إلى التنوع الغالب على أسماء سكان المنطقة منذ القدم،
فلقد أطلق على سبيل المثال اسم األفارقة ،واللوبيين من طرف اإلغريق ،على قاطني غرب
وادي النيل .4أما الرومان فأطلقوا عليهم اسم البرابرة ،وهو يعني كل شخص غير مثقف ،وال
يتقن اللغة الالتينية ،وينتمي إلى جماعات متخلفة ،وخارجة عن فلك اإلمبراطورية الرومانية
مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للجرمان في شمال أوروبا .ويذهب البعض األخر إلى القول
بوجود أربعة أصناف من السكان في المنطقة المشار إليها في موضوعنا هذا اثنان منها
1 _ L. Péchot : Histoire de L’Afrique du nord avant 1830, Gojosso imprimeur, Alger, 1914.,
pp,30-31.
_2اصطيفان اكصيل :تاريخ شمال أفريقيا القديم ظروف النماء التاريخي-األزمنة البدائية االستعمار الفينيقي وامبراطورية
قرطاجة ،ترجمة محمد التازي سعود ،ج ،1مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ،الرباط ،.2007 ،ص.63 ،
3 _ Gabriel Camps : « La Faune de L’Afrique du nord et du Sahara d’après Hérodote »,
Espacio, Tiempo y forma, série II, H, Antigua, T ° 1, 1988., pp, 209-221.
4 _ Mohamed Meouak: « Remarques sur la genèse du peuplement antique et médiéval du
Maghreb : L’apport de la toponymie et de la philologie », rocznik orientalistyczny, tome
LXVI, Z, 1, 2013., pp, 60-61.
4
أصيال الموطن ذاته يطلق عليها الليبيون لذوي السحن البيضاء ،واألثيوبيون لذوي المالمح
السوداء ،وأما الصنفان األخران فهما الفينيقيون ،واإلغريق ،فضال عن صنف ثالث يتألف
من قبائل الجيتول التي تنحدر من أصول مدية ،وفارسية تعتبر شبه بدائية في نظر بعض
الباحثين وعلى رأسهم غبريال كامبس ،1وزيادة على قبائل الغرامونت المتمركزة جنوبا .2أما
الفراعنة فأطلقوا أسماء أخرى على ساكانة هذه المنطقة وصنفوهم حسب المجموعات البشرية
التي اتصلوا بها وتعاملوا معها منهم التمحو ،والمشواش ،ثم بعد ذلك أطلقوا اسم ريبو أو ليبو
على السكان الذين كانوا يقطنون األماكن الواقعة غرب وادي النيل إلى المحيط األطلسي،
دون تمييز عرقي .3مما يؤكد وحدة النوع والجنس ،والوحدة األثنية بينهم.
ينحدر الفينيقيون بإجماع ثلة من المؤرخين المتخصصين من أصول كنعانية ،وهذه األخيرة
كلمة تعني األرض المنخفضة ،4أو الصباغة األرجوانية التي كانت تستخرج من أصداف
الموريكس في سواحل بالد الشام .5وبما أن النصوص القديمة الموثوق فيها شحيحة بشأن
وجود هؤالء في بالد المغرب وشمال إفريقيا فإنه يمكننا إزاء هذا النقص أن ندرج تحت هذا
الوجود تبعا لهذا األمر مرحلتين هامتين هما مرحلة الريادة واالستكشاف ومرحلة االستقرار
في المنطقة محل الدرس 6،بحيث يصعب علينا أن نحدد بدقة متناهية الفصل التأريخي بين
1_ Lucien Golvin : « Gabriel Camps , Berbères aux marges de L’histoire », revue de
L’occident musulman et de La méditerranée, volume 32, n° 1, 1981, p, 163.
2 _ David Mattingly : « Nouveaux aperçus sur les Garamantes : un état saharien »,
antiquités Africaines, volume 37, n°1, France, 2001.,pp, 45-50.
_3هيرودوت :أحاديث هيرودوت ( 487-425/489قبل الميالد) عن الليبيين (األمازيغ) ،ترجمة وتعليق وشرح
مصطفى أعشي ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،.2009 ،ص.13 ،
_4فليب حتي :تاريخ سورية و لبنان و فلسطين ،ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق ،دار الثقافة ،بيروت،.1958 ،
ص.85 ،
_5محمد الصغير غانم :معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر ،دار الهدى للطباعة و النشر و التوزيع ،الجزائر،
،.2003ص.58 ،
_6محمد بيومي مهران :المغرب القديم ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية .1990 ،ص ،.161 ،للتوسع ينظر:
François Decret et Mhamed Fantar : L’Afrique du nord dans L’antiquité, des origines au
V° siècle, éditions Payot, Paris, France, 1981., p, 49.
5
المرحلتين ،الشيء الذي يدفعنا إلى الترجيح أن المرحلة األولى تبدأ تقريبا من مطلع القرن
12ق.م وذلك عندما تأسست المراكز الفينيقية الباكرة في الضفة الجنوبية للبحر األبيض
المتوسط وهي :ليكسوس في المغرب األقصى وكان تأسيسها سنة 1110ق.م ،1وقادس في
السواحل الجنوبية إلسبانيا وراء أعمدة هيركوليس (وهما الرأسان الصخريان عند مضيق جبل
طارق) خالل السنة ذاتها .2ثم مستوطنة أوتيكا الواقعة على البحر 3شمال تونس سنة
1101ق.م .4ومما هو جدير بالذكر أن المرحلة الباكرة تبدأ من مجيئ البحارة الفينيقيين
األوائل الستكشاف هذه النواحي حيث إن هذه الفترة اتسمت بالطابع السلمي للوافدين الجدد
كما يمكن لنا التأكد استنادا على بعض األقوال أن التجار منهم أقاموا صرح امبراطورية
تجارية ،5فعظمت ثروتهم واجتهدوا في توسيعها بمبادالت ومقايضة السلع مقابل سلع أخرى
كالمنسوجات ،واألواني الزجاجية والفخارية ،أي نظير المنتجات الفالحية والصناعية كالعاج
والخشب والجلود ،ونالحظ أن هذا النشاط الكبير دفع بالفينيقيين إلى تحويل هذه المراكز
التجارية المذكورة أعاله إلى مستوطنات جراء االزدهار الناتج عن االحتكاك بالساكنة
المحليين فاختيرت حينذاك نظ ار لموقعها االستراتيجي الممتاز واعتبرت على اثرها مواطن
دائمة ،6وربما يعود هذا الخيار إلى الخبرة الطويلة التي اكتسبها الفينيقيون من ممارسة
التجارة مع شعوب المتوسط األمر الذي ساعدهم أيضا على بسط نفوذهم االقتصادي في
جزر صقلية و سردينيا و جنوب اسبانيا وانشاء محطات و موانئ جديدة في الحوض الغربي
للبحر األبيض المتوسط ،التي قيل عنها أنها بلغت قرابة الثالثمائة محطة ،وهناك من أشار
_1أحمد السليماني " :تاريخ إفريقيا الشمالية القديم " ،مجلة الدراسات التاريخية ،العدد السادس ،جامعة الجزائر،
،.1992ص.19 ،
_ فليب حتي :المرجع السابق ،ص2.110 ،
3 _ Pline : Histoire Naturelle, traduction en français par M.E.Littré, tome 1, Firmin didot et
Cie, paris, France, MDCCCLXXVII. , p, 143.
4_ André Jodin : Carthage et Le Maroc phénicien, centre national de documentation, Rabat,
Maroc.,s.d., p, 67.
_5عامر خير " :طرق التجارة الفينيقية " ،مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ،العدد السابع والعشرون ،السداسي األول،
مؤسسة كنوز الحكمة للنشر و التوزيع ،الجزائر ،.2014 ،ص ص.55-54 ،
6_ Fethi Chelbi, Roland Paskoff, pol Trousset : « La baie D’Utique et son évolution depuis
L’antiquité », antiquités africaines, tome 31, France, 1995. Pp, 7- 20.
6
إلى خمسمائة في كامل سواحل هذا البحر .فيا ترى من يكون هؤالء الفينيقيون ومن أي
موطن انطلقوا في رحلتهم إلى غاية وصولهم إلى بالد المغرب.1
ينبغي اإلشارة إل ى أن الفينيقيين هم ورثة الكنعانيين الذين استقروا منذ منتصف األلف الثانية
قبل الميالد في سواحل فلسطين على غرار اليبوسيين _شعوب عربية _ ثم وجدناهم على
الشريط الساحلي اللبناني ،و السوري في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة ،و لقد تعرض
الكنعانيون بمرور الزمن لهجمات قاتلة من طرف جيرانهم الفراعنة من الجهة الغربية،
و الجنوبية ،والحثيين من الجهة الشمالية ،واألشوريين من الجهة الشرقية األمر الذي دفع
فرعا منهم مرغما أياهم على االستيطان في غزة و جنوب القرم ،وهم المعروفون بقبائل
الفلسطو لهذا السبب اندفعت فلول الكنعانيين إلى الهجرة تحت طائلة التهديد الخارجي
المحدق بهم من كل الجهات ،إال أنهم اصطدموا بقبائل و شعوب أكثر قوة منهم وأشرس
منافسة لهم كانت تطمح هي األخرى في السيطرة وبسط نفوذها على كامل الساحل الفينيقي
خالل القرن13ق.م.2
والالفت لالنتباه أنه رغم المحن التي تعرض لها الكنعانيون عبر مراحل مختلفة من تاريخهم
الطويل جراء تكالب دول الجوار عليهم فإنهم تغلبوا على جميع الصعاب التي حاقت بهم
وتمكنوا من االستقرار في عدة مناطق في الساحل اللبناني السيما في مدن جبيل ،وصور،3
وصيدا وبذلك استطاعوا من اإلفالت من تلك الهجمات التي تعرض لها المقيمون في المدن
األخرى األكثر عرضة للضربات الفرعونية المتوالية ،والى غيرها طمعا في مركزها الحساس
الذي جذب أنظار العديد من تلك القوى التوسعية والمهيمنة آنذاك ،4مثل ما مر بنا قبل
حين .وقد نشاطر الباحث الفرنسي ستيفان غزال الرأي إلى حد ما عندما اعتبر بداية الوجود
الفينيقي واستيطانهم في الشمال اإلفريقي منطلقا حاسما لبداية ظهور العصور التاريخية
_1محمد أبو المحاسن عصفور :المدن الفينيقية ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان .1981 ،ص ص.14-13 ،
_2هنري س ،عبودي :معجم الحضارات السامية ،ط ،2جروس برس ،طرابلس ،لبنان .1991 ،ص ص.725-723 ،
_ محمد الصغير غانم :معالم التواجد ،ص3.9 ،
_4محمد الصغير غانم :التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط ،ط ،2ديوان المطبوعات الجامعية_ الجزائر_،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر_ لبنان_ .1982 ،ص.12،
7
بطريقة سرية في المنطقة المغربية ،1فحسب الباحث ذاته واستنادا على بعض النصوص
القديمة فإن مجيء الفينيقيين سبق إنشاء المرافئ سالفة الذكر بوقت طويل نسبيا حسب
الشواهد األثرية التي عثر عليها علماء اآلثار في السواحل الجزائرية ،والتونسية ،والمغربية.2
ويبدو أن هؤالء الوافدين الجدد كانوا منذ البداية عونا إلخوانهم في فينيقيا األم بالسواحل
اللبنانية السورية لما يقدمونه من دعم مادي نتيجة لنجاحهم المستمر في ممارسة نشاطهم
التجاري في حوض المتوسط الذي جلب لهم ولذويهم هنالك رغد الحياة ورفاهيتها .3ويذكر
محمد الهادي حارش في السياق ذاته أن هذه المبادالت التجارية كانت عبارة عن مقايضة
سلع ،ومنتجات بلدان البحر األبيض المتوسط مثل األقمشة المزركشة ،واألواني الزجاجية،
والفخارية ،واألدوات المعدنية ،مقابل ما تنتجه األرض من أخشاب ،وما يستخلص من
الحيوان عبر صنوف الجلود ،وضروب العاج وكان ذلك يتم في ظروف يكتنفها السلم بين
األطراف المتعاملة في هذا المجال الخصب.4
ومما ال شك فيه أن اختيار تلك المراكز الباكرة _ ليكسوس ،أوتيكا ،قادس_ لم يكن عشوائيا
بل كان منظما تنظيما محكما ،5والغرض منه اقتصاديا بحتا كما سبق ذكره ،زيادة على ذلك
اهتم هؤالء بالمالحة البحرية بشكل كبير ورسم أهداف على المدى البعيد ،والسعي لتحقيقها
على أرض الواقع ،والتخطيط من أجل مراقبة المسالك في أعالي البحار جنوب شبه جزيرة
إبيريا من جهة حيث مراكز انتشار المعادن سيما الفضة والقصدير التي يتحصل عليها في
يعتبر تأسيس مدينة قرطاج أهم حدث تاريخي في مسار التوسع الفينيقي في الحوض الغربي
للبحر األبيض المتوسط ،بل حتى تاريخ المغرب يبدأ منذ هذه اللحظة الحاسمة بالذات
مسايرة لقول إميل فلكس غوتيي .2وتكمن أهمية المدينة الجديدة التي أطلق عليها اإلغريق
اسم كارشيدون تحريفا لالسم الذي أطلقه عليها الفينيقيون _ قرطة حدشت_ بالتعبير القديم،
أو " قرة التاج " بالعربية باضطالعها بالدور الكبير إن على الصعيد اإلقليمي ،3أو الدولي
بناء على المكانة الريادية التي حازتها في المجاالت السياسية ،واالقتصادية ،4والعسكرية
تجاه بقية المراكز ،والمرافئ الفينيقية في هذه المنطقة إلى غاية سقوطها في أيدي الرومان.5
تجمع المصادر التاريخية التي رجعنا إليها على أن تأسيس مدينة قرطاجة كان شمال تونس
في القرن التاسع وبالتحديد في سنة 814ق.م ،6من قبل األميرة عليسا ذات الجمال النادر
التي ذكرتها بعض النصوص الموثوق فيها باسم ديدون التي جاءت من مدينة صور على
الساحل الفينيقي فارة من شقيقها األمير بجماليون الذي سولت له نفسه ذبح خاله الكاهن
األعظم عشر باص ،وصهره في الوقت ذاته ،وقام بتنفيذ هذا الفعل الشنيع من أجل
_1عبد العزيز بنعبد هللا :تاريخ المغرب العصر القديم والعصر الوسيط ،نشر وتوزيع مكتبة السالم الدار البيضاء ،مكتبة
المعارف الرباط ،د.ت ،ص.35 ،
2 _ Emile-Félix Gautier : Le passé de L’Afrique du nord Les siècles obscurs du Maghreb,
Algérie-Livres éditions, Alger, 2001., p,34.
_3فرانسوا دوكريه :قرطاجة الحضارة و التاريخ ،ترجمة يسوف شلب الشام ،دار طالس للدراسات و الترجمة و النشر،
دمشق ،سوريا ،.1994 ،ص.41 ،
4 _ René Cagnat : « Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de L’Afrique du nord,
Librairie Renouard, H. Laurens, éditeur, Paris, 1909., pp, 2-3.
_ الشاذلي بورونية و محمد طاهر :قرطاجة البونية تاريخ حضارة ،مركز النشر الجامعي ،.1999 ،ص5.87 ،
6 _ Petit Larousse de L’Histoire du monde en 7000 dates, Mame imprimeurs, Tours, France,
2007., p, 46.
9
االستحواذ على الكنوز التي تركها خلفه وورثتها عنه األميرة .1غير أن المعلومات التي
أوردها المؤرخون في هذا الشأن ال سيما التي ذكرها المؤرخ الروماني جوستان تعد في نظرنا
من ضمن األساطير اكتتبها بعض المختصين في الشؤون الفينيقية إلبراز مكانة المدينة في
عالم انتشرت فيه الخرافات والمالحم األمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تحديد مالبسات
وظروف تأسيس هذه المدينة بطريقة دقيقة ال يرقى إليها الشك .فيذكر هذا األخير على أن
ساكنة صور ينحدرون من الفينيقيين الذين نزحوا إلى سواحل البحر بعد زلزال أصاب
موطنهم األصلي وأسسوا مدينة جديدة على ساحل ذلك البحر أطلقوا عليها صيدون التي
تعني السمك هنالك.2
والالفت لالنتباه استنادا على رواية المؤرخ الروماني سالف الذكر فإن وراثة العرش أصبحت
من نصيب األميرين بعد وفاة "ماتان" "موتو" أو " تيرون" ملك مدينة صور .حيث ارتبطت
عليسا بالكاهن الذي سارع إلى إخفاء كنوزه وابعادها عن األنظار وذلك بدفنها في التراب بدال
من قصره مخافة أن يستولي عليها ابن اخته وعدوه اللدود بجماليون ،وبعدما حلت الكارثة
بمقتل الكاهن ،أرغمت زوجته على ركوب البحر واالحتيال في االستيالء على تلك الكنوز
والهروب بها بعيدا .حيث ركبت في السفينة بمعية 80من أتباعها ،وخدمها ،وقامت بشحن
تلك الثروة الطائلة محاولة بذلك االستقرار خارج فينيقيا األم .وعندما رست السفينة في جزيرة
قبرص لبعض الوقت رأت أنه من الحكمة والضرورة القصوى العمل على إخفاء تلك الكنوز
عن أعين الخدم جميعا فاهتدت إلى حيلة مفادها إيهام هؤالء بإغراق الحمولة بعد وضعها في
أكياس حتى ال تصبهم لعنة الكاهن األعظم ،وقد اقتنع أولئك الرفقة بهذه الخدعة .كما أنظم
إلى هذه السفينة الكاهن جونو معلقا أماله على أن يصبح ذات شأن عظيم حينما تستقر
عليسا بمكان ما بإفريقيا أو بالمدينة الجديدة التي كانت تحلم بتأسيسها.3
_ عادل سالم " :قرطاج" ،مجلة العربي ،العدد ،678منشورات و ازرة اإلعالم ،الكويت ،.2015 ،ص ص1.20-18 ،
2 _ Justin : Histoire universelle, traduction nouvelle par Jules Pierrot et E. Boitard, tome2,
Paris, M DCCC XXX III. , p, 9.
3 _ Justin : op.cit., pp, 10-17.
10
وقبل أن تنطلق السفينة متجهة نحو سواحل الشمال اإلفريقي ،تم شحنها بنحو 80فتاة بعدد
الخدم المرافقين لها ،ومن هنا تكونت النواة األولى للمجتمع القرطاجي ،وعندما وصلت
السفينة إلى أحد المرافئ التي كانت تحوي تلك المواصفات المطلوبة لالستقرار مثل احتواء
الموقع االستراتيجي الممتاز على الهواء العليل ،ووفرة المياه النميرة ،واألرض الخصبة،
والمراعي الغناء ،والغابات الكثيفة .اشترت األميرة الفينيقية قطعة أرض تقع على هضبة من
أحد الملوك المغاربة ويدعى آبي حسب األساطير ،أوهيرباس مسايرة لقول جوستان.1
وأحاطتها بخيط قد من جلد ثور لتحدد موضع المدينة الجديدة الموعودة ،وكان لها في النهاية
ما أرادت .ويجمل بنا القول أن تأسيس المدينة في مثل هذه الظروف يدفعنا إلى االعتقاد أن
هناك خالف قوي بين القصر الملكي و المعبد حسبما ذهب إليه جل المؤرخين في هذا
الموضوع غير أن الواقع يثبت بما ال يدع مجاال للشك أن معبد إله حامي مدينة صور القى
بظالله على معبد مدينة قرطاج حيث قدس فيه اإلله " بعل ملقرط وبعل حمون" وكل
المقدسات التي كانت شائعة آنذاك ،مثلما أكدته اللقى األثرية .2ومهما يكن من شيء فإن
تأسيس مدينة قرطاج ال يختلف كثي ار عما اكتنف نشأة المدن من أساطير ،وخرافات في
شمال إفريقيا منذ العصور القديمة إلى مشارف العصور الوسطى.
تبعا لما تقدم يتضح أن بداية ظهور قرطاج على مسرح األحداث كانت مسالمة مع مجاييليها
من الدول في حوض المتوسط بحيث بقيت لفترة طويلة تدفع الضرائب للمغاربة على هيئة
جزية قرابة ثالثة قرون أي في الفترة الممتدة ما بين سنة 814ق.م و 480ق.م وهي فترة
معتبرة إن دلت على شيء فإنما تدل عن عجزها أو باألحرى اتباعها لسياسة المهادنة
والليونة غير أن األمور تغيرت وأصبحت قرطاج ذات سطوة قادرة على بسط نفوذها و فرض
منطقها بداية من القرن 5ق.م وتحولت إذ ذاك من مركز تجاري إلى قوة بحرية كان هدفها
العمل بكل السبل من أجل السيطرة على الحوض الغربي للبحر األبيض للمتوسط ،لهذا
11
السبب اتسع نفوذها وشمل جزيرة صقلية وسردينيا ومالطا وجنوب اسبانيا ويبدو أن المؤرخين
لم يدركو سر تلك العالقة التي كانت بين هذه المستوطنات ومدينة قرطاج إال أن المتعارف
عليه أن قرطاجة باشرت بالمحافظة على استقرار وأمن تلك المستوطنات على الرغم من انها
تتمتع باستقالليتها داخليا ومرتبطة بقرطاج من الناحية الخارجية .وعند نشوب الحرب ضد
قرطاج تقوم هذه المستوطنات بالعمل المشترك لفائدة الجميع وال ندري على وجه الدقة كيف
استساغت هذه األخيرة قبول نفوذ السلطة القرطاجية بسهولة تامة ،1و الحقيقة أن الظروف و
المالبسات التي طرأت على مسرح األحداث في المتوسط بدخول اليونانيين في حدود سنة
431ق.م سارع في تأليب هذه المستوطنات بطريقة متسارعة ضد الوافد الجديد الذي
استولى في بداية األمر على جميع المناطق و األماكن التي لم تكن فيها مستوطنات فينيقية
مثل جنوب إيطاليا وبالد الغال وكان هذا بدأ من القرن 8ق.م .والموقف القرطاجي إزاء
األمر إقامة مرافئ جديدة قصد الحد من المد االغريقي .2وال بد من القول أن هؤالء
القرطاجيين تمكنوا من التغلب على اإلغريق في جنوب إيطاليا على األقل في المعارك
البحرية التي وقعت في سنة 550ق.م وبالضبط في صقلية التي أصبحت محل صراع بين
المتخ اصمين ويمكن أن نالحظ بعض التغيير الذي ط أر على سياسة قرطاج الخارجية حيث
انفصلت نهائيا عن الوطن األم صور في الساحل الفينيقي كما قامت قرطاج بالتوقف في
الفترة ما بين 475ق.م و 405ق.م عن دفع الضرائب للمغاربة من السكان المحليين فضال
عن ضمها ألراضي شاسعة من ملك المغاربة كما شجعت قرطاجة أبنائها على القيام
بالرحالت االستكشافية في البحار لالستفادة أكثر من األسواق الجديدة إذ اشتهرت حملة
خملكان بشواطئ أوروبا الغربية اسبانيا ،ورحلة حنون في طول الساحل اإلفريقي األطلسي
ويمكننا مالحظة استم اررية النزاع المسلح بين القوتين العظمتين إلى غاية 289ق.م عندما
استغلت قرطاج بعض الحيل محاولة بذلك السيطرة على جزيرة صقلية إال أنها لم تستطع
احتاللها بالكامل واكتفت بجزء منها فقط .وأصبحت الجزيرة متنازع عليها مناصفة بين
12
القوتين حيث احتل االغريق الجهة الشرقية من الجزيرة ،والفينيقيين القرطاجيين الجهة الغربية
منها.
سارع المغاربة إلى الترحيب بالتجار الفينيقيين الذين دخلوا المنطقة بطريقة سلمية ،وشرعوا
في انشاء محطات ،ومراكز تجارية جديدة كان الغرض منها مقايضة السلع المحلية بسلع
مجلوبة من الحوض الشرقي للبحر المتوسط ،دون إبداء الرغبة في االستقرار القسري األمر
الذي جعلهم يلجؤون إلى دفع مقدار معين من المال على األقل منذ القرن 6ق.م _ فترة
ظهور النقود واستعمالها في العالم القديم_ وهو ما جعل المغاربة يغضون الطرف عن هذا
االستيطان ،وقد استمر تقديم تلك األموال إلى غاية القرن 5ق.م .والجدير بالمالحظة أنه
ينبغي أن نميز بين المراكز الفينيقية و القرطاجية من ناحية وبين تلك التي اندمجت في
الحضارة الفينيقية .ويبدو واضحا أن قرطاجة كانت مسؤولة دون غيرها عن توفير األمن
وأسبابه لتلك المستوطنات ،والمراكز ،ثم ضمانه بعد ذلك مما دفعها جميعها لالعتراف
بسلطتها من الناحيتين السياسية ،واالقتصادية ،من جهة ،وفضلها الثقافي من جهة ثانية على
أن يكون لهذه المراكز الحرية المطلقة في تسيير شؤونها الداخلية بنفسها .والالفت لالنتباه ان
العالقات مع المغاربة في الفترة السابقة للقرن 5ق.م اتسمت بتأثير الديانة الفينيقية على بالد
المغرب والشمال اإلفريقي برمته ،1ال سيما طغيان عبادة اإلله " بعل حمون " اإلله األعلى
في العالم الفينيقي ببالد المغرب ،2واإللهة " تانيت " 3التي برزت عبادتها في القرن 5ق.م
كمعبودة شعبية ذاع صيتها مثل النار في الهشيم بتعبير محمد بيومي مهران ،4فضال عن
تجذر مختلف الطقوس ،والتقاليد ،و األعراف ،والممارسات الجنائزية مثل حرق جثامين
الموتى ،واالحتفاظ برمادهم الناجم عن ذلك ووضعه في األواني الفخارية التي عثر على
13
نماذج منها بمنطقة الخروب بضواحي مدينة قسنطينة _ سيرتا الحاضرة العتيدة_ كشاهد
مادي عن هذه السلوكيات .وهذه الظاهرة الجنائزية كانت تعرف بمصطلح التوفات مسايرة
لقول فرانسوا دوكري.1
وقبل أن نشرع في الحديث عن الدور الحضاري القرطاجي وازدهاره ،ثم امتداده على هذه
الربوع لزمنا إزاء ذلك أن نتناول بالدراسة والمعالجة ولو بإيجاز جملة من مظاهر المنظومة
السياسية القرطاجية التي ينبغي القول بأنه في أول األمر وخالل تأسيس المدينة الجديدة "
قرطة حدشت " كان النظام السياسي المتبع فيها صورة مطابقة لما كان سائدا بل ومعموال به
في فينيقيا األم _ مدينة صور _ في ذلك الزمن ،تبعا للتقاليد المرعية المقتبسة من بالد
اإلغريق في تلك الفترة الزمنية .2وهذا بطبيعة الحال قبل اندالع الحروب البونية بالسواحل
القريبة من جزيرة صقلية في الفترة ما بين سنوات 264و 241ق.م بسب تعنت المرتزقة
الممارتيين الذين بادروا بتأزيم األوضاع واشعال فتيل النار في المنطقة المتنازع عليها .والتي
سنتناول جانبا مهما من تلك المؤسسات السياسية التي كان يناط بها أمر تسيير شؤون
قرطاجة فيما يلي:
انتشر نظام " السبطان " ( ،3)suffètesفي مدن شمال إفريقيا تمشيا مع واقع البالد ذاتها،4
فلقد شهدت مدينتي قالمة ،وسيرتا هذا النمط من السلطة .5ويتولى الحكم في قرطاجة خاصة
الملكان اللذان يتم انتخابهما من أسرتين متباينتين في الحواضر النوميدية ،والموريطانية لعهدة
واحدة تقدر بسنة كاملة .وهذه الطريقة تشبه إلى حد بعيد نظام الملكين المعروف بمصطلح
( )basileusاللذين كانا يحكمان مدينة " إسبرطة" اإلغريقية ،ونظام القنصلين الذي ساد عند
يتألف مجلس الشيوخ في مملكة قرطاجة من لجان دائمة تتولى دراسة مختلف المسائل
الراهنة التي تخص المجاالت االقتصادية ،واالجتماعية ،والسياسية المطروحة على بساط
النقاش بإلحاح شديد .ويبلغ عدد أعضاء هذا المجلس ثالث مائة عضو على األقل ،يتم
انتخابهم من الطبقة األرستقراطية الميسورة مدى الحياة .وللمجلس وحده صالحية الفصل في
إقرار السلم والحرب ،واإلدارة العليا لجميع الشؤون العمومية زيادة على هذا نجد من بين
مهامه تولية ،وعزل قادة الجيش ،وأيضا استقبال السفراء ،والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في
البالد والتابعة للدول المتعامل معها من جهة ،وارسال البعثات الدبلوماسية نحو تلك الدول
من جهة ثانية .كما بإمكانه إصدار األوامر والترخيص بتجنيد المرتزقة ،والعبيد أثناء
15
الحروب .وسن القوانين ،والتشريعات ،وفرض الرقابة المالية على الميزانية العامة ،فضال عن
متابعة تنفيذها بحذافيرها على أرض الواقع.
وهذا المجلس يطلق عليه في بالد اإلغريق جيروسيا التي تعني الشيخ ،ما يدل على أن
األعضاء المنخرطين كانوا طاعنين في السن ،أو هم في فترة الكهولة .ويجتمع المجلس في
قصر يقع في الساحة العامة للمدينة بين قلعة بيرسا ،والمرفأين ،كما تعقد بعض الجلسات
الخاصة في معبد أشمون .وبقيت الشروط التي تؤهل المواطن ألن يكون ناخبا مجهولة،
وحق ممارسة االنتخاب واإلدالء باألصوات منع على الغرباء ،والعبيد ،والمعتقين سواء
بسواء.1
يشبه المحاكم اإلدارية اليوم ،يطلق عليه محكمة المائة ،ويأتي في الترتيب الثاني من حيث
األهمية بعد مجلس الشيوخ مباشرة ،ويتألف من مائة وأربعة أعضاء ،يتم انتخابهم وتعيينهم
مقابل ما قدموه من أعمال ،وبذلوه من مجهودات في خدمة الصالح العام ،شريطة أن توفر
لديهم الكفاءة ،والعلم ،والتجربة .ونستطيع أن نقارن هذا المجلس بالمحكمة العليا لمدينة
إسبرطة التي يطلق عليها االيفورة ( .2)ephoratوقد كان أعضاء هذا المجلس القضائي
يقومون بأعمالهم في الفصل بين الخصومات ،وفض النزاعات بين المتقاضين مجانا ،فال
يتقاضون أج ار عن ذلك مهما كثر أو قل .3وكان منوطا بهم مراقبة السبطين ،وقادة الجيش،
ومحاكمتهم عندما تتطلب الضرورة ذلك ،عالوة على محاربة الفساد بواسطة تسليط سيف
ديمو كليس على مرتكبي المخالفات بتعبير ذلك الزمن.
_ مادلين هورس ميادان :تاريخ قرطاج ،ترجمة إبراهيم بالش ،منشورات عويدات ،بيروت ،لبنان ،.1981 ،ص1.76 ،
_ أحمد صفر :مدنية المغرب العربي في التاريخ ،ج ،1دار النشر بوسالمة ،تونس ،.1959 ،ص2.108 ،
_ محمد الهادي حارش :المرجع السابق ،ص3.75 ،
16
ث_ مجلس الشعب:
يالحظ منذ القرن السادس اهتمام الشعب بالشؤون العامة للبلد ،ومشاركته الفعالة في جميع
المسائل التي لم يحصل بشأنها اتفاق في المجالس العليا .وتجدر اإلشارة إلى أن السبطين
أرادا ايهام المجتمع بأن هناك فئة من الجماهير الشعبية لها مكانتها في دواليب السلطة
ذر للرماد في العيون ليس إال.
العليا ،وربما يكون هذا ا
إن أعضاء هذا المجلس هم في األساس المواطنون المنحدرون مباشرة من أصول فينيقية
قرطاجية ،فال يترك العبيد ،والغرباء األجانب ينضمون إليه .وال يحضر الجلسات إال من
توفرت فيه جملة من الشروط مثل بلوغ السن القانونية والرشاد ،والحرية ،والجنسية القرطاجية،
زيادة على االنتماء إلى العائالت الغنية متمثلة في التجار ،وكبار الموظفين التابعين للدولة،1
ويمكن أن تدرس فيه المسائل التي يتم معالجتها بين الملكين ،ومجلس الشيوخ ،وهناك بعض
المؤسسات ،والهيئات السياسية األخرى مثل:
يتألف هذا المجلس الحكومي ،أو الهيئة اإلدارية المعروفة في النصوص التاريخية باسم
( )triginta-viriكما هو ظاهر اسمه من ثالثين عضوا ،إال أن علماء اآلثار عثروا على
نقيشة في مدينة مكثر بتونس ،بها ما ال يقل عن إثنين وثالثين عضوا على اعتبار أن
اإلثنين األخرين هما رئيس المجلس ونائبه .ومهامه _ المجلس _ الرئيسة المنوط بها،
والحريص على تنفيذها بصرامة تتجسد في فرض الضرائب المختلفة على من وجبت عليه
دفعها ،وتحصيلها بموجب القوانين ،والمراسيم السارية المفعول ،والمصادق عليها من قبل
مجلس الشيوخ آنف الذكر .وله على ما يبدو دور كبير في القيام ببعض المهام الخطيرة
ضمن مجلس المائة وأربعة مجسدة في رئاسة لجنة عليا.2
تتألف هذه اللجنة من عشر موظفين ومن مهامهم تسيير شؤون المعابد ،والنظر في أمر
تقديم القرابين لآللهة ،وتنظيم الطقوس الدينية المتنوعة المرافقة لها ،وحاصل القول إن النظام
السياسي القرطاجي تطور وتغير بمرور الزمن غير أنه كان يعتمد على السلطة العليا ممثلة
في السبطين ،ثم السلطة االرستقراطية ممثلة في مجلس الشيوخ ومجلس الشعب.1
ال شك أن ركوب البحر كان واليزال مهمة شاقة اهتدت إليه شعوب البحر األبيض المتوسط
منذ العصر القديم قصد اكتشاف مواطن جديدة .فلقد عرفنا إن القبائل في شبه الجزيرة
العربية هاجرت وحطت الرحال في الساحل الفينيقي خالل األلفية الرابعة بحثا عن بالد
أرحب ،وسماوات أكثر رحمة من تلك التي كانوا يعيشون تحتها ،فضال عن الرخاء
االقتصادي المرجو ،ووفرة المياه ،وخصوبة األرض ،وغنائها بالكأل ،من أجل ذلك نجد
الشعوب في القديم وعلى رأسها الفينيقيون كانوا يسعون دائما إلى االستكشاف ،ثم االستقرار
في األماكن الواسعة ،والرحبة الغنية بالتبر _ غضار الذهب _ بحيث اتجهوا نحو السودان
جنوبا ،وبحثا عن المعادن بمختلف أنواعها باتجاههم نحو اسبانيا ،2وبريطانيا الصغرى وجزر
كرنواي.3
وربما كان لسابق معرفتهم بهذه المنطقة في الفترة ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميالد
دافع قوي للقيام بمثل هذه الرحالت االستكشافية كما يستنتج من الكتابات التي عثر عليها
فمادام الفينيقيون الذين أسسوا قرطاجة يطمحون إلى الثراء ،والبحث عن آفاق أرحب مهما
كانت الظروف ،والعوائق فإننا وجدناهم كأمة بحرية كثر فيها شداد األفاق ،ومن أشهر
الرحاالت التي قام بها هؤالء القوم ما يلي:
_1رحلة حنون:
قام أحد الملوك ويدعى حنون الماقوني برحلة انطالقا من ميناء قرطاجة خالل القرن الخامس
قبل الميالد أي حوالي سنة 480ق.م ،بهدف تأسيس مراكز ومستوطنات جديدة وتعزيز
سوق الذهب كما مربنا .3وقد أنظم إلى الركب البحري الليبيون ،والمغاربة إلى جنب البحارة
القرطاجيين .وكان يحبذ آنذاك أن يكون خط المسير خارج أعمدة هرقل _ مضيق جبل
طارق _ قصد انشاء محطات ،ومراكز تجارية ،ومدن جديدة بعيدا عن المجال الفينيقي،
حيث ركب البحر في أسطول ضخم قوامه ستون سفينة ذات الخمسين مجدافا.
ويقال حسب بعض المؤرخين إن هذه المراكب شحنت بحوالي ثالثين ألفا ما بين رجال ونساء
من التجار والمغامرين ،زيادة على حموالت المؤن الضرورية .كما أن هذه الرحلة جاءت بعد
معركة هميرة الشهيرة في سنة 480ق.م التي انكفأت فيها الجيوش القرطاجية أمام اإلغريق
قرب جزيرة صقلية ،األمر الذي شجع القرطاجيين أكثر من أي وقت مضى على اتباع
19
سياسة توسعية وكسب مواقع جديدة .وتخبرنا بعض النصوص التاريخية أن رفقاء حنون
استطاعوا خالل هذه الرحلة تأسيس مدينة أطلق عليها اسم تيماتيريون وهي مدينة المهدية
المحاذية لمدينة الرباط _عاصمة المملكة المغربية_ بالقرب من مصب نهر سبو بمدينة
القنيطرة .ثم قاموا بتأسيس مدينة أخرى هي صوليس التي يقال لها رأس كانتان حاليا _تقع
شمال مدينة آسفي _ على المحيط األطلسي.
وعالوة على ذلك قاموا بإنشاء معبد خاص برب البحر بوصيدون ،وحينما كان حنون يخطو
خطوات كبرى عبر الساحل اإلفريقي المطل على المحيط أسس العديد من المراكز منها
تجدار ،كريان ،جتة ،مليتة ،أرفيس ،وهي تقع جميعها بين الصويرة وأكادير بالمغرب
األقصى ،1وانتهى به األمر على ساحل الكاميرون جنوبا.
_2رحلة خملكان:
انطلقت هذه الرحلة البحرية من ميناء قرطاج ،باتجاه قادس الواقعة على مسافة قريبة من
مضيق جبل طارق .حيث جاب البحار األوروبية حتى استوت سفنه على سواحل إيرلندا
وكان غرضه البحث عن القصدير ،ويالحظ أن هذه الرحالت جميعها خدمة لالقتصاد
القرطاجي .استغرقت هذه الرحلة قرابة أربعة أشهر تمكن خاللها من معرفة بالد تختلف تماما
عن قرطاج حيث كانت تظهر له أحيانا حيوانات بحرية ضخمة تمر من أمام سفنه البطيئة
إذ تعطل خملكان في سيره نظ ار لرسوه في مناطق ساحلية وأماكن مغايرة ،أو نظ ار للعوائق
التي اعترضته قرب جزر البرتغال .ويقال إن رحلة خملكان كانت في أبسط األحوال تقطع
في مدة وجيزة ال تتعدى األسبوعين .وتجدر اإلشارة إلى أن الركب وصل إلى منطقة موربهان
) )Morbihanالتي كان ساكنتها يصبون القصدير على شكل قوالب وسبائك تشحن عادة
في قوارب إلى المناطق البعيدة ،كما أن مناجم القصدير أخذت تتقلص بالتدريج بدءا بسنة
500ق.م وكان ذلك في فرنسا .أما في بريطانيا فبدأ االزدهار يرتقي إلى مناجمها الشيء
_1محمد محي الدين المشرفي :إفريقيا الشمالية في العصر القديم ،ط ،4دار الكتب العربية ،المملكة المغربية،.1969 ،
ص.54 ،
20
الذي دفع البحار القرطاجي للقيام بهذه المغامرة من أجل المعاينة الميدانية لهذه المناجم فلم
يمكث طويال في فرنسا ،وعجل بالرحيل إلى بريطانيا.1
تبعا لما سبق يتضح أن رحلة حنون انطلقت من قرطاجة إلى سواحل الكاميرون بالمحيط
األطلسي بهدف تأسيس مستوطنات ومراكز تجارية جديدة من أجل الحصول على التبر عن
طريق البحر حيث تمكن هذا األخير من إنشاء ستة مراكز جديدة على سواحل موريطانيا.
أما رحلة خملكان فكانت من أجل اكتشاف القصدير ،واإلفادة منه ،وقد انطلقت من قادس
إلى بريطانيا الفرنسية " موربهان " وصوال إلى إيرالندا التي تتوفر على القصدير.
اجمع ساكنة المعمورة في العصر القديم على أن الفينيقيين امتازوا بالدهاء ،والنشاط
المتواصل الذي سهل لهم السيطرة على جميع شعوب البحر األبيض المتوسط ال سيما في
المجال التجاري .كما عرف عنهم غشهم ،وجشعهم ،وحبهم للمال حبا جما ،وجمعهم له بكل
األ ساليب ،وأنهم مارسوا التجارة بشكل جيد حتى أصبحت من أهم النشاطات المزدهرة في
قرطاجة والمدن التابعة لها .وقد باشروا بفتح األسواق وبيع سلعهم حتى باستعمال القوة ،أو
بإبرام اتفاقيات ،أو بتأسيس مراكز تجارية هذا باستعمالهم جميع الحيل .فمنذ أول وهلة وطأت
فيها أقدا م الفينيقيين أرض قرطاج كان هدفهم الوحيد الحصول على المال ،والسيطرة على
مجال حوض المتوسط من أجل تحقيق ذلك الغرض .وأمكنهم تحقيق ذلك الهدف خالل
القرنين الخامس والرابع قبل الميالد ،ببسط نفوذهم على روما بمعاهدة تم توقيعها في سنة
589ق.م ،وبعدها بمعاهدة بفترة طويلة سنة 348ق.م جاء في محتواهما تضييق الخناق
على الرومان وعلى حلفائهم في المجال التجاري ،في المدن اإلفريقية ،واألوروبية .بمعنى
أنهم كانوا يحتكرون التجارة في البحر المتوسط .وفرض المنطق ذاته مع اليونانيين وبالحدة
ذاتها .وبنت قرطاج ميناءين (واحد تجاري ،واآلخر حربي) ولجأت إلى نظام سياسي
21
واقتصادي يوافق تنظيمها التجاري الذي أصبح المفتاح السحري للحضارة القرطاجية بتعبير
مادلين هورس ميادان.1
ويبدو أن هذه السياسة المطبقة حيال تلك الدول ،جعلت القرطاجيين أكثر صرامة في اتخاذ
المحارس البحرية على جميع السواحل المتمركزين بها لمراقبتها ،ما يؤكد أن هؤالء كانوا
يسيطرون على الحوض الغربي للبحر المتوسط برمته بدءا بالقرن الخامس قبل الميالد بعدما
استقلت قرطاج بصفة نهائية عن مدينة صور.
ويحسن بنا القول إن هذا النشاط االقتصادي بدأ بمقايضة سلعة مقابل سلعة ،واستمر على
هذه الوتيرة حتى ضربت النقود في أواخر القرن الخامس تبعا للطراز اإلغريقي الذي كان
سائدا وقتذاك .ثم سكت العملة ذات الطابع الفينيقي وأصبحت قرطاجية خالصة في القرن
الرابع قبل الميالد .وعالوة على هذا كانت قرطاج تستورد كل ما تحتاج إليه من مؤن ومواد
أولية فكان التبر ،والذهب يأتي من الجنوب أي من الدول اإلفريقية المطلة على سواحل
األطلسي ،والقصدير من إسبانيا ،وفرنسا كما مر بنا في رحلة خملكان فضال على أنها كانت
تستورد كل ما ينقصها من أخشاب من سواحل البالد المغربية لصناعة السفن ،وزيادة على
ذلك كان السمك يستورد من موريطانيا .فقد عرف عن القرطاجيين شغفهم بأكل األسماك
المجففة ،والمملحة حيث أنشئت بعض المستودعات لتخزين تلك األسماك في مناطق
خاضعة لرقابتهم سيما في خليج السيرت ،وجربة ،وسواحل إسبانيا .وسرعان ما استعملوا
الصدف المعروف بالموركس في صنع صبغة األرجوان التي عرفت ازدها ار كبي ار في القديم.2
اهتم القرطاجيون بالصناعة ،فشيد كبار رجال الدولة بعض المصانع الخاصة بممارسة العبيد
واألحرار لها فالحرف ،والصنائع الزجاجية ،والعاجية ،والفخارية ،والخزفية ،والمصابيح،3
22
والتماثيل ،والحلي ،واألثاث وما إليها التي عرفت رواجا لم يكن باإلتقان ذاته مع ما كان
يصنع عند اإلغريق في تلك الفترة.1
أما الصناعة الحربية فكانت مزدهرة ،وتمارس لصالح الجيش الذي كان يتطلب تزويده بما ال
يقل عن ثالثين ألفا من السهام ،والحراب ،والتروس ،والدروع وما يحتاجه المقاتل في ميدان
الحرب البرية ،والبحرية .وهذه اآلالت الحربية كانت تصنع داخل أفران ،ومعامل خاصة،
وكان القرطاجيون يهتمون أكثر بصناعة السفن بنوعيها التجاري ،والحربي .فقد احتاج
األسطول خالل سنة 480ق.م إلى قرابة 3000سفينة لنقل العساكر والمؤن واألثاث حيث
صنعت السفن التجارية ذات الهيكل المستدير .أما السفن القتالية فكانت هياكلها الخارجية
أكثر ضخامة ،وصالبة األمر الذي يجعلها على أهبة لقطع أشواط واسعة في أعالي البحار.
وزيادة على هذا فقد استغلت الورش الخاصة بعمل الفؤوس ،والمطارق اليدوية والصفائح
الحادة التي يستخرج منها السيوف القاطعة مقلدين بذلك ما كان سائدا عند اإلغريق.
وتبعا لكون الحضارة أخذ وعطاء وأنها ال يمكن أن تنصهر ،وتأتي بنتائج ملموسة إال بوجود
قاعدة فنية ،واستقرار تام ،وفترة زمنية تستغل في االقتباس ،والتقليد ثم االبتكار.
والجدير بالمالحظة أن هناك تنوع في المواد األولية كان يغطي حاجيات ومتطلبات البالد
الداخلية فقط .ويشير بعض المؤرخين إلى أن اليد العاملة القرطاجية لم تكن مؤهلة بكيفية
جيدة مقارنة بنظيرتها اإلغريقية ذلك أن أولئك الصناع القرطاجيين ال يتقنون أعمالهم بشكل
كاف وال يحسنون القيام بها وفقا للمعايير السائدة في العالم القديم ،بل كانوا يكتفون ببيع
منتجاتهم نصف مصنعة بحثا عن الربح السريع والثراء وجمع الثروة من أقصر الطرق
المتاحة.2
23
والالفت لالنتباه أن قرطاج بعد انفصالها النهائي عن مدينة صور أصبحت مرفأ هاما لرسو
السفن المشحونة بالبضائع من مختلف األماكن ،وربما كان هذا من العوامل التي أدت
بالقرطاجيين إلى عدم االهتمام والعناية بالصنائع المتنوعة ومحاولة تطويرها ،حتى أنهم
استعانوا ببعض الحرفيين ،والصناع من مختلف المهن ،الذين جاؤا رأسا من مدينة صور
بالذات قبل انقطاع وشائج القربى معها .ورغم ما قيل حول الصناعة وتقهقرها في المجتمع
القرطاجي فإنه ال يمكننا إغماطهم حق المهارة والبراعة والتميز في صناعة السفن التي
اعتمدت غالبا على وفرة خشب أشجار األرز في فينيقيا في بداية األمر ،وكانت تتوفر بشكل
كبير خالل تلك الفترة في قرطاجة وأرباضها مع استغالل أشجار السرو.
وان القرطاجيين أضافوا إلى هذه األخشاب ،واألشرعة والحبالة على الرغم من أن هؤالء هم
من ابتكر الشراع الالتيني في الحوض الغربي للبحر المتوسط ،كما برعوا في صناعة النسيج
والحياكة وطوروها ،وقد ساعدهم في ذلك وفرة المواد األولية أي األصواف ،والجلود التي
توفرت بكثرة في المنطقة .وراجت حينذاك صناعة الزرابي واأللبسة .فضال عن ازدهار دباغة
الجلود.1
_2النشاط الفالحي:
يبدو أن النشاط التجاري أخذ النصيب األوفر من اهتمام القرطاجيين في المجال االقتصادي
حتى أنهم عرفوا به من تأسيس مدينتهم في القرن التاسع قبل الميالد .إال أن األمور تغيرت
كما تقدم ،وذلك منذ القرن الخامس قبل الميالد فبعد استقالل قرطاجة عن الوالء لمدينة صور
أصبح من الضروري أن تلبى حاجيات ومتطلبات السكان من المحاصيل الزراعية كالقمح و
الشعير ،والزيت و الخضر ،والفواكه التي كانت في السابق تورد من فينيقيا األم ،األمر الذي
دفع القرطاجيين إلى امتالك أراض زراعية واسعة مع ظهور ما يعرف بالمالك الكبار،
والمالك الصغار الذين شكلوا فئة اجتماعية من المزارعين ،وجلهم من األعيان الجدد.
24
ولقد تركت لنا بعض النصوص التاريخية جملة من األخبار بشأن المنطقة مفادها إن
أغاتوكليس اإلغريقي عند قيامه برحلة إلى قرطاج خالل القرن الرابع قبل الميالد أي في سنة
310ق.م تعجب من البساتين ،والحقول ،والمزارع المغروسة بصنوف الكروم ،وضروب
الزيتون ومختلف المنتجات الفالحية األخرى .هذا زيادة على وجود ثروة حيوانية هائلة من
أبقار ،وأغنام ،والخيول كانت جميعها ترعى في المراعي الواسعة ،ويقال إن ماغون القرطاجي
ألف موسوعة ضخمة في الفالحة أهلته كي يتبوأ مكانة رفيعة في المجتمع عالوة على
حصوله جراء ذلك على لقب أبو الفالحة ،وسيستمر العمل بنصائحه وخبرته الطويلة
واالستفادة منها في هذا الميدان لقرون عديدة حتى أن الرومان واإلغريق استفادوا دون ريب
من مواهبه هذه.
وعند قراءتنا لبعض نصوص الموسوعة سالفة الذكر يظهر لنا بكل وضوح إن الفالحين
والمزارعين القرطاجيين كانوا يولون اهتماما كبي ار لمادتي القمح والشعير ،فضال عن اعتنائهم
بإنتاج الخضر المختلفة ،واألشجار المثمرة المتنوعة كما كان لهم عناية بتربية األبقار،
والخيول ،والبغال ،والحيوانات الداجنة ،والنحل أيضا.
كما حفرت المطامير وجهزت لتخزين الشعير في المدينة لوقت المسغبة ،وضمان التموين
وقت الحرب .وقد انعكس هذا النشاط الفالحي وانطبع على عملة قرطاج مجسدا سنبلة القمح
المضروبة على ظهر القطع النقدية كشعار الدولة المعلن عنه بتطور النشاط الفالحي بعد
القرن الخامس قبل الميالد .ويمكننا القول إن االهتمام المتزايد بالفالحة بهذه الكيفية غير
المعهودة في العالم القديم كان هدفا سياسيا محضا يرمي القرطاجيون من ورائه توفير األمن
الغذائي.1
كما أن االزدهار الذي عرفته قرطاجة في هذه الفترة التاريخية يرجع للفالحين من األهالي
الذين أصبحوا مزارعين ،أو مجرد أجراء في ضيعات فالحية واسعة وهي نقطة تحول في
_1محمد الهادي الشريف :تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل ،تعريب محمد الشاوش ،ومحمد
عجينة ،ط ،3دار سراس للنشر ،تونس ،.1993 ،ص.20 ،
25
تاريخ قرطاج .حيث ادخلوا إلى المنطقة ألول مرة أنواع من أغراس الزيتون ،وعنب الخمور
بفعل تجسيد نصائح المهندس الزراعي ماغون التي أخذت بعين االعتبار وتم تطبيقها في
أرض الواقع حيث أتبتت التجربة نجاعتها .حتى أن الجيش أدلى بدلوه في هذا المضمار
الفالحي ،وتدخل أثناء قيادة حنبعل له من أجل توسيع غراسة أشجار الزيتون في طول
البالد ،وعرضها مرغما بذلك الجند والقادة على قدم المساواة للعمل من أجل الصالح العام،
كما غرس هؤالء إلى جنب أشجار الزيتون ،والتين ،والرمان.1
ومن النصائح التي ذكرها ماغون في موسوعته أنه أوصى المزارعين ،والفالحين بأنه ينبغي
على كل من اشترى قطعة أرض أن يبيع منزله بالمدينة ،ويستقر على أرضه أو بالقرب
منها .أما إذا قام أحدهم باختيار السكن في المدينة فقد يكون آنذاك في استغناء تام عن
السكن في الريف والعمل في األرض.
على ضوء ما سبق يتبين أن القرطاجيين كانوا يهتمون بالفالحة نتيجة استقاللهم عن فينيقيا
األم بالرغم من اشتهارهم بممارسة التجارة ،فلقد قاموا باستغالل بساتينهم ،وحقولهم على أكمل
وجه ،وهذا وفقا للنصائح التي جاء بها مهندسهم ماغون .وقد نالوا جراء ذلك خي ار كثيرا.
حيث اشتمل نشاطهم على زراعة الحبوب بكل أنواعها إال أن حصة األسد في هذا المجال
كانت من نصيب القمح والشعير ،كما أقدموا على غرس األشجار المثمرة مثل الزيتون،
والتين ،والرمان ،والعنب .وفضال عن هذا أقبلوا على تربية الحيوانات الداجنة ،وتربية النحل
في جميع األقاليم.
يعتبر ال دين بالنسبة للقرطاجيين مجاال حيويا في حياتهم اليومية بحيث انعكس ذلك على
أسمائهم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ارتباطهم الوثيق بمعبوداتهم ومقدساتهم
المتنوعة _ أرباب متفرقون _ إذ نلمح جملة من األسماء لها بعد ديني مثل عبد أشمون،
26
وعبد ملقرط ،هذا مرتبط بالذكور أما بعنصر اإلناث فنجد أسماء شكلت على النمط ذاته مثل
عريسة بعل ،خطيبة بعل .وال شك أن كلمة بعل تعني السيد والمالك وهو إله عظيم عند
الساميين ،كان يعبده سكان الساحل السوري والفلسطيني في األلفيتين الثانية واألولى قبل
الميالد كما ذكر عند األجارتيين ،ويعتبر إله الصاعقة والمطر .1وقد كان قادة الجيش في
المناسبات واألعياد الدينية يقدمون القرابين في احتفالية كبيرة كما كانت السلطة المركزية في
قرطاج تبعث كل عام رسال _ سفراء _ يحملون األموال و الهدايا وبعض اإلتاوات والضرائب
إلى مدينة صور معربين بذلك عن خضوعهم التام ووالئهم األبدي إلى اإلله ملقرط حامي
مدينة صور كما قام الحكام بإبرام المعاهدات و االتفاقيات مع بعض الدول بمباركة اآللهة
وزيادة على ذلك فقد كان األحياء واألموات معا يحملون التمائم والتعاويذ تقربا من اآللهة
وتقديسا لها وجلبا للمنفعة ودفعا للمضرة كما نقش القرطاجيون تماثيل آلهتهم على توابيت
موتاهم.
_1اآللهة القرطاجية:
من اآللهة التي كانت تعبد وتؤله وتقدس في قرطاج ولها مكانة هامة نجد" تانيت " التي
ستتحول إلى كايلستس ،2و" بعل حمون " الذي ذكر على بعض النقائش في القرن التاسع
قبل الميالد في لبنان مع بعل صفون ،ثم انتقلت عبادته إلى تدمر في القرن األول ق.م،
ويبدو أن هذا اإلله لم يلعب دو ار ذا شأن في الشرق الفينيقي .3إن معاني أسماء هذه اآللهة
تدل على السيد وصاحب الشيء ومالكه ،ويمكن أن يكون اإلله بعل حمون أو سيد المبخر
كما يدل عليه اسمه هو أمون نفسه الذي كان يعبد في مصر الفرعونية ،وقد مثل على هيئة
كبش أقرن أطلق عليه اسم أمون المقدس وهناك العديد من اآللهة األخرى التي قدست من
طرف هؤالء ومنها:
_1أحمد الفرجاوي :بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة ،المجمع التونسي للعلوم واآلداب والفنون _ بيت
الحكمة _ تونس ،.1993 ،ص.163 ،
2 _ Marcel Leglay : Les Religions orientales dans l’Afrique ancienne, imprimerie officielle du
gouvernement général de l’Algérie, Alger, 1956., pp,8-9.
_ نفسه .ص3.166 ،
27
أ_ ملقرط:
هو إله حامي مدينة صور ظهر اسمه على نقيشة في القرن التاسع قبل الميالد لقب بإله
الخصب ،انتشرت عبادته في حوض البحر األبيض المتوسط حيث عبد في جزيرة قبرص إال
أنه لم يحظ بمكانة كبيرة هنالك .كما عبد في طاروس بصقلية ،وقادس بإسبانيا وسميت
مستوطنة بصقلية باسمه أطلق عليها رش ملقرط بمعنى رأس ملقرط .وكان له معبد خاص
في قرطاج المدينة واألسماء التي كانت تدخل فيها كلمة ملقرط عديدة ومتنوعة ومنها عبد
ملقرط أو عميلقرط وهلما جرا .ويمكننا اعتباره كبير اآللهة ،عالوة على أنه إله البحر،
والشمس ،والنباتات.1
ب_ أشمون:
من كبار اآللهة التي قدست في قرطاج وكان يعبد بمدينة صيدا بلبنان ،وهو مثل سابقه إله
الخصب ،وحامي المدينة ،واله الشفاء قدس في جزيرة قبرص ،واقترن اسمه بعشتروت .هذه
نبذة وجيزة عن أهم اآللهة التي كانت تقدس عند القرطاجيين.
_2القساوسة والرهبان:
كان للمعابد المنتشرة في قرطاجة وفي المدن التابعة لها عدد معتبر من رجال الدين يسيرهم
الكاهن األكبر _ األعظم_ الذي كان يطلق عليه اسم "رب كوهين" ،وأغلب هؤالء القساوسة
ورجال الدين كانوا ينتمون إلى الطبقة الغنية الميسورة حيث كان منصب الكاهن األعظم
وراثيا وحك ار على عائالت دون غيرها وقد كان الكهنة والرهبان واألحبار يتزينون بالزي
األرجواني.
_3العرافون:
كان القرطاجيون يستشرفون المستقبل ويحاولون االستطالع على الغيب باللجوء إلى العرافين
والكهنة الذين يقرؤون الكف ،ويكشفون خبايا المستقبل والغيب حسب االعتقاد السائد بينهم
28
وقتئذ ،وقد نال هؤالء العرافون حظوة ومكانة مرموقة في المجتمع حيث اعتبروا من
الشخصيات الهامة يلجأ إليهم عند الحاجة حتى قادة الجيش يستشيرونهم في كل األمور حتى
أخطرها شأنا .وهناك مالحظة مفادها أن سكان قرطاجة يعتقدون بوضع أقنعة على وجوههم
لد أر الجان واألرواح الشريرة وابعاد عين المعيان عنهم ،وزيادة على ذلك يتبين بكل وضوح أن
القرطاجيين كانوا يقدمون لتلك اآللهة المقدسة قربات ،حتى بلغ بهم األمر التضحية بأطفالهم
في أدنى العمر.
على ضوء ما سبق يبدو أن المستوطنين الفينيقيين والنازحين إلى قرطاجة منهم من عبد دون
شك آلهة فينيقية األصل كما حافظوا ولمدة طويلة على المعتقدات الدينية السائدة في موطنهم
األول غير أنهم سيتحولون إلى عبادة آلهة محلية وأصبحت تانيت " جونون كايلستيس".
إن األحداث العسكرية المتسارعة التي عرفتها هذه المرحلة من التاريخ كانت من المحطات
التي سجلت فيها أكبر المآسي اإلنسانية بشاعة ووصمت بها جبين الزمن القديم ،واستمر
النزاع المسلح بين القرطاجيين ،والرومان قرابة 118سنة ،أي في الفترة الممتدة ما بين
146-264ق.م ،1ينظر (الشكل رقم )1:وقد وصفه المؤرخون بالقسوة ،والشدة ،والغلظة.
وقد أطلق مصطلح الحروب البونية للتعبير على الصراع الروماني مع فئة الفينيقيين المقيمين
في الجهة الغربية لحوض البحر األبيض المتوسط أولئك الذين كانوا ينعتون في الكتب
الالتينية باسم ( ،)poeniكما أنهم أجمعوا على أن الحروب البونية هذه عرفت نشاطا كبي ار
لمس الجانبين العسكري ،والديبلوماسي على حد سواء اتسع نطاقه العملياتي حتى وصل إلى
شبه جزيرة إبيرية ،وجنوب بالد الغال ،ثم وصل إلى البلقان شرقا وقد مر بثالث مراحل كبرى
سنذكرها على النحو التالي:
1_ Yann Le Bohec : Histoire militaire des guerres puniques 264-146 av-j.-c, éditions
Tallandier, Paris, 2014., p,9.
29
1الحرب البونية األولى 241-264 :ق.م
في البداية ينبغي أن نشير إلى أن الصراع كان على أشده بين القرطاجيين واإلغريق حول
جزيرة صقلية من أجل بسط السيطرة على مضيق مسينا األمر الذي دفع سكان مدينة مسينا
إلى مناوشة سكان سرقوسة مما أذكى نار الحرب بينهما حتى انتصر هيرون صاحب هذه
المدينة على أعدائه من مسينا فاستنجد المهزومون بالقرطاجيين ،وقد وتتهم هذه الفرصة غير
المتوق عة فدخلوا مدينة مسينا األمر الذي عجل بتدخل الرومان إلى جنب المستغيثين الذين لم
يتقبلوا دخول القرطاجيين إلى المنطقة ومن هنا تعقدت األمور ال سيما عندما أسر القائد
القرطاجي ،وقد وعده الرومان بطالق سراحه شريطة أن يغادر الجزيرة بمن معه من الجنود.1
إال أنه فر في نهاية المطاف ،وتبعا لهذا القرار الفردي الذي اتخذ على عجل يكون هذا
األخير جنى على نفسه دون وعي منه.
األمر الذي جعل السلطات القرطاجية تسارع إلى إصدار أمر قضائي بإعدامه وصلبه نتيجة
خيانته وف ارره من الزحف ثم انسحابه دون الرجوع إلى أصحاب القرار بمدينة قرطاج.
وكرد فعل على هذه القضية سارعت السلطات القرطاجية إلى تدراك األمر حتى ال تخسر
هذه المنطقة االستراتجية وتخرج منها فحينذاك لجأت إلى التحالف مع الملك اإلغريقي
هيرون صاحب سرقوسة وكان ذلك خوفا من مغبة التحرش الروماني وسطوته .وقد أدرك
الرومان خطر هذا التحالف فباشروا بالعمل من أجل استرجاع جزيرة صقلية ألن الوجود
القرطاجي هنالك كان يهدد الكيان الروماني الفتي ذي الطموحات واألطماع التوسعية مثلما
كانت عليه قرطاج في بداية أمرها ،وهكذا بات واضحا أن تصادم هاتين القوتين الرومانية
والقرطاجية ،وأصبحت الحرب واقعا ال مهرب منها.
فهذه المناوشات والتحرشات حول مضيق مسينا هي التي أدت إلى اندالع الحرب البونية
فالمرحلة األولى من هذا الصراع احتدمت حينما جهز الملك هيرون والقائد القرطاجي حنون
30
حملة عسكرية كبرى قامت بمهاجمة مسينا فاستغاث أهلها بالرومان وهنا أرسل هؤالء حملة
عسكرية بقيادة القائد أبيوس كلوديوس الذي تمكن في فترة وجيزة من إلحاق هزيمة نكراء
بالحلفيين سالفي الذكر اللذان تراجعا إلى الوراء ففر الجيش القرطاجي واتبع الرومان فلول
جيش الملك هيرون في عقر مدينة سرقوسة وأرغموه على فض تحالفه مع القرطاجيين ثم
استمالوه إليهم فوافق على الفور فكيف له أن يقاوم هذه القوة الناشئة أما القائد القرطاجي
حنون فلقي حتفه كما تقدم صلبا.
وقد حاول القرطاجيون إعادة الكرة من جديد فقاموا بتجهيز جيش ضخم قرابة 56000بقيادة
أحد العساكر المحنكين يدعى حنبعل بن جسكون بحيث أقبلوا على مدينة جرجنتي وأقاموا
بها متخذين منها مرك از عسكريا للقيام بأعمالهم الهجومية وقد سارع الرومان إلى هناك تحسبا
ألي طارئ فشددوا عليها الخناق وضربوا عليها الحصار حتى أصاب القرطاجيين الجوع وتم
فك الحصار وانهزم المحاصرون والجدير قوله أن الحرب كانت إلى صف الرومان في أحيان
كثيرة مما جعل القرطاجيين يدركون أنه لم يعد هناك مجال للمقارنة وأال طريق للصلح إال
المفاوضات وقد فوض القرطاجيون حتى جنبهم القائد عملقار للتفاوض مع القنصل الروماني
كاتولوس الذي كان في نهاية مساره المهني وجرت المفاوضات بين الفريقين حتى اسفرت
عن اتفاقية كان من أهم بنودها االنسحاب التام للقرطاجيين من جميع أراضي صقلية بعدما
كانت تحت نفوذهم قرابة 274سنة وهنا كان ختام الحرب البونية األولى التي عرفت
مناوشات بحرية عديدة منها معركة مليس ،ومعركة ميالي التي وقعت في حدود سنة 260
ق.م شمال جزيرة صقلية حيث انهزمت فيها األساطيل القرطاجية ولما رجع قائد األسطول
القرطاجي إلى بالده اسقبل استقباال شنيعا وقبض عليه ثم نفذ فيه حكم اإلعدام.1
31
_ االنسحاب القرطاجي بصفة نهائية من صقلية.1
_إفالس خزينتة قرطاجة مما جعل من الصعوبة بمكان دفع رواتب الجند المأجور وأغلبهم
كانوا من األهالي _سكان شمال إفريقيا_ الذين قاموا بثورة عارمة في وجه قرطاجة مطالبين
بتسديد حقوقهم المالية ،وحينما عجزت خزينة الدولة عن تسديد مستحقاتهم ازدادت ثورة
المأجورين تأزما حتى ظهر في هذه األجواء المشحونة الثائر المغربي ماتوس الذي كان
يذكي نار الحقد ويأججها ضد القرطاجيين حتى أنظم الى هذه الثورة جموع الفالحين
والصناع واألجراء من مختلف المهن زيادة على النساء.2
يجمع المؤرخون رأيهم على أن الدورالثاني من الصراع البوني الروماني يبدأ عندما جهز
حنبعل جيشا ضخما قوامه 60000من جنود المشاة ،و 10000من الفرسان ويبدو من
استعدادات الحرب ان قائد القرطاجيين استعمل الفيلة على نطاق واسع في هذه الحرب
كأسلحة ثقيلة لم تستعمل من قبل في الحروب على األقل الجنود النظامية في الجيش
الروماني على اثر هذه الحملة العسكرية الكبرى انطلقت من قرطاجنة في اسبانيا متجهة إلى
جبال البرانس _ الحروب االسبانية الفرنسية_ مغتنما بذلك الفرصة لإلفالت من الجيش
الروماني الرابض في الضفة الشرقية من نهر الرون وكانت هذه القوات تحت امرة القائد
بيبليوس سيون _ شيون_ وكان من البديهي أن يتجنب حنبعل االصطدام مع هذا القائد ربحا
للوقت تفاديا لخوض معارك قد تكون ضده ،3وهذا طبعا خوفا من قدوم فصل الخريف الذي
أوشك وأنه ال يمكن العبور إلى جبال األلب أنداك لشدة البرودة وكميات الثلوج الكثيفة التي
قد تمنعه من المسير وبالرغم من مشقة الطريق والمخاطر التي القاها فضال عن الظروف
المناخية القاهرة فإنه استطاع عبور جبال األلب وكان قصده من وراء ذلك أن يعبر إى شبه
_1محمد الهادي حارش " :حملة حنبعل على إيطاليا" ،مجلة الدراسات التاريخية ،العدد السادس ،معهد التاريخ ،جامعة
الجزائر ،.1992 ،ص ص.55-52 ،
33
لم يسبقه إليه أحد من سابقيه تمثل ذلك العمل في إحراق جميع المزارع والمنازل في األرياف
والقرى لمنع المؤونة عن حنبعل وجيوشه .1كما أنه كان يالزم هذا األخير في كل خطوة
يخطوها حتى يقضي عليه حينما تواتيه الفرصة .إال أن مجلس الشيوخ رفض هذه السياسة
التي انتهجها فاب يوس فقد امتعضوا من ذلك فالموه على تلك األعمال فكيف يفوت الفرص
ويقوم بإحراق المزارع وهدم المنازل حتى اعتبروه خائنا يعمل لصالح القرطاجيين غير إن
براءته من الخيانة ظهرت آخر األمر وقد أدرك مجلس الشيوخ نوايا هذا القائد بعد معركة
وقعت بين الطرفين ويالحظ أن الجيش الروماني خسر في إحدى المعارك قرابة 70000من
أمهر المشاة ،و 6000من أشجع الفرسان .أما جيوش حنبعل فخسرت من أفرادها في معركة
من هذه المعارك قرابة 5700جندي معظمهم كان من القبائل الغالية التي انضمت إليه
خالل انتصاراته األولى على الرومان.
عن دما كان ماسينيسا عاهل مملكة نوميديا الشرقية حليفا للرومان رأيناه يعطي لنفسه دور
الشرطي في المنطقة المغاربية بحيث أصبح يتمادى في االعتداءات المتكررة على قرطاجة
السيما في الفترة مابين الحرب البونية الثانية والحرب البونية الثالثة 149-201ق م كما
كان يعتدي على ممتلكاتهم ويضمها إليه شيئا فشيئا حتى اندلعت الحرب بينهما سنة 150ق
م وبهذا تكون قرطاجة قد خالفت بندا من بنود المعاهدة التي أبرمت بينهما وبين روما مما
جعل هذه األخيرة تستعد للحرب وحينما أدركت قرطاجة الخطر المحدق بها أصدر خبراؤها
مرسوما يقضي بتنفيذ حكم اإلعدام على أولئك الذين خاضوا الحرب ضد ماسينيسا وحينما
أرسلت قرطاجة مبعوثا إلى روما إلبالغهم براءة قرطاجة من تلك المناوشات مع الملك
النوميدي حليف روما أخبر المبعوثون أن هذه ذرائع ال صحة لها فكيف يعاقب المتسببون
في هذه الحرب وهم قد خرجوا منهم بالخسران المبين وفي سنة 149ق.م جهزت روما جيشا
ضخما قوامه 80000من المشاة و 4000فارس و150سفينة حربية بحيث توجهت هذه
34
الحملة العسكرية إلى شمال إفريقيا وقامت بعمليات انزال في شواطئي مدينة أوتيكا وكان ذلك
خالل سنة 149ق.م بقيادة القائد الروماني سيبيون إميليانوس _شبيون اإلميلي_ .1والالفت
لالنتباه أن المؤرخ بوليب كان يرافق هذه الحملة ويدون كل مالحظاته عنها وسرعان ما
أرسلت قرطاجة إلى روما حوالي 300رهينة من النبالء وفقا لشروط مجلس الشيوخ قصد
إيقاف الحرب التي أصبحت وشيكة دون خضوع واستسالم غير أن القائد الروماني سيبيون
لم يكتف بهذا حيث طلب الحصول على جميع األسلحة والذخائر الحربية فردت قرطاجة
بأنها قبلت جميع الشروط المفروضة مع التلميح إلى أن صدر بعل قائد الجيوش الزال يشكل
خط ار وكان بحوزته قوة عسكرية قوامها 20000مقاتل ويظهر في هذه المرحلة الحرجة
بالذات أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروماني وكان يدعى كاتو _كاتون_ يطالب وبإلحاح
شديد وفي جميع المجالس التي كانت تعقد بأنه أصبح لزاما على روما تدمير قرطاجة وفي
نهاية المطاف بعد مشاورات وتجاذبات في مجلس الشيوخ أصدرت السلطات الرومانية ق ار ار
حاسما يقضي بحكم اإلعدام على قرطاجة _ المدينة_ فهاج الشعب القرطاجي وماج متوعدا
أولئك الذين لم يقدموا أي شيء للدفاع عن المدينة السائرة نحو الهاوية فأغلقت جميع أبواب
المدينة وطالها الحصار ثالث سنوات وأثناء ذلك حاول القرطاجيون إعادة بعث الجيش من
جديد وتسليحه حتى يثبت في وجه الجيوش المحاصرة خارج االسوار فقد سارع الجميع نساء
ورجاال إلى المع ابد التي تحولت إلى مصانع تشتغل اناء الليل وأطراف النهار لعلها تدرك
بذلك ما فات من وقت حيث صنع في اليوم الواحد ما يقارب 100ترس ،و 300سيف،
و 500حربة _ رمح_ ،و1000سهم كما ذكر المؤرخون أن هؤالء القرطاجيين تمكنوا أيضا
من صناعة بعض المجانيق ولما كانت الحبالة التي تصنع منها وسائل الرمي منعدمة آنذاك
لجأت بعض النسوة إلى تقطيع شعورهن والتبرع بها لهذه المعامل الحربية قصد استعمالها في
إنجاز المجانيق ،واألقواس _القسي_ ،وزيادة على ذلك تبرعن بكل ما يملكن من أقراط
وسالسل من أجل تدعيم المجهود الحربي .وفي خضم هذه األوضاع السياسية والعسكرية
الحرجة استسلمت العديد من المدن الى األمر الواقع وخضعت إلى سلطة روما ومن تلك
تذكر الباحثة فتيحة فرحاتي بأن المؤرخين الغربيين كانوا على خطأ كبير عندما اعتبروا بأن
النوميديين أخذوا كل ما لديهم من الحضارات الوافدة بحكم عزلتهم وأنهم بهذا يكونون غير
مؤهلين البتكار نموذج محلي من بنات أفكارهم بحيث يمكننا أن نعتبر تبعا لهذا األمر أن
تاريخهم ارتبط دون ريب بتاريخ قرطاجة ،وروما.1
_1فتيحة فرحاتي :نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني 213ق.م 46-ق.م ،منشورات أبيك،
الجزائر ،.2007 ،ص.13 ،
36
أما المؤرخين القدامى فيطلقون على هؤالء القوم اسم نوماد ( ،)Nomadeأو نوميد
( ،)Numideاألمر الذي يجعلهم من فئة البدو الرحل .وهناك من أطلق عليهم اسم الليبو أو
الليبيون سكان منطقة لوبيا ،وكانوا متفرعين إلى عدد هام من القبائل.1
ويظهر أنهم كشعب له مكانة في العالم القديم حينما ظهروا على مسرح األحداث في الشمال
اإلفريقي ال سيما خالل الحروب البونية وقد امتدت مضاربهم من حدود قرطاج من جهة
الشرق ،ونهر الملوية في الجهة الغربية ،وكانت حدود المنطقة التي استقر فيها هؤالء غير
محددة المعالم وذلك راجع لكثرة الحروب والفتن التي كانت بين شعوب المنطقة الذين كانوا
يعيشون حياة التنقل والترحال بمعنى أنهم مارسوا نشاط الرعي على نطاق واسع ،ويأتي
بعدهم في الدرجة الثانية لدى المؤرخين من ناحية األهمية قبائل المور واللفظة تعني عند
اإلغريق إحدى القبائل المغربية التي تقع مضاربها على ضفاف نهل الملوية غير أن المور
هم سكان الغرب بالنسبة للنوميديين .وتحول هذا االسم بمرور الزمن للداللة على السكان
الخاضعين للسلطة الرومانية فيما بعد خاصة أولئك الذين استقروا في موريطانية الطنجية
وموريطانية القيصرية وبقي المصطلح يطلق على سكان الشمال اإلفريقي برمته لقرون
عديدة .ويجدر القول إن قبائل الجيتول كانت تقطن بل تستقر في المنطقة المحصورة بين
الصحراء والتل وتتسع أراضيها حسبما يفهم من أقوال المؤرخين على المحور الممتد من
المحيط األطلسي غربا إلى خليج السرت شرقا ،وكانت حياتهم مثل حياة القبائل المجاورة لهم
قوامها الرعي والزراعة .أما قبائل الجرامنت فيعدون من أكبر القبائل البدوية في بالد المغرب
القديم ويذكر في الباب ذاته أن هؤالء البدو استقروا في إقليم فزان بليبيا واستنادا على أقوال
المؤرخ هيرودوت فإن الجرامنت اشتهروا في ذلك الزمن باستخدام العربات التي تجرها أربعة
خيول مثلما كان سائدا عند الفراعنة وزيادة على ذلك فإن الرومان كانوا أشد قساوة على هذه
القبائل ألن هذه األخيرة لم تستسغ وتتقبل االحتالل الروماني .ومهما يكن من شيء فإن
مصير بالد المغرب حدد خالل الحرب البونية الثانية 201-218ق.م حيث كانت البالد
_1العربي عقون :األمازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في األصول و الهوية ،التنوخي للطباعة والنشر ،الرباط ،المغرب،
،.2010ص ،.7 ،ينظر :عثمان سعدي :األمازيغ البربر عرب عاربة ،الجزائر .1996 ،ص ص.26-15 ،
37
مقسمة في تلك المرحلة من الزمن إلى مملكتين نوميديتين هما ماسيليا أي نوميديا الشرقية
وعاصمتها سيرتا قسنطينة ،وكان يحكمها الملك جايا والد ماسينيسا 206-240ق.م.1
ومازيسيليا أي نوميديا الغربية الممتدة من نهر الملوية غربا إلى سرتا شرقا وكان يحكمها
الملك سيفاقس 203-220ق.م ،الذي يعتبر أقدم ملوك هذه الرقعة الجغرافية ،2وهي مملكة
واسعة وقوية في الوقت ذاته ويبدو أن الحديث عن نوميديا في مؤلفات المؤرخين الرومان
بدأت عندما طلب عملقار القائد القرطاجي ووالد حنبعل أن يرسل فرقة من الفرسان إلى شبه
الجزيرة اإلبرية وقد أجيب طلبه وأرسل ماسينيسا على أرس كوكبة من الفرسان النوميد وقد
كان الغرض من هذا الطلب أن القرطاجيين أراضوا حماية دولتهم التي كانت عرضة
لهجمات متوالية من طرف القبائل النوميدية زيادة على االستفادة من المجهود الحربي
النوميدي وكان ذلك بطبيعة الحال مقابل تقديم مساعدات متنوعة للمغاربة من طرف الدولة
القرطاجية ويمكن أن نرجع قليال إلى الوراء ففي حدود نهاية القرن الرابع قبل الميالد حيث
تبين لنا إن نوميديا الشرقية ماسيليا عندما أصبحت لها الشروط لتكوين الدولة حينذاك انتقلت
القبائل الماسيلية من جهة المدغاسن _ ضريح خاص بالملوك النوميدين_ باألوراس الى إقليم
سيرتا ،حيث أنشأت نمطا سياسيا ملكيا عرفت به منذ القرن الثالث قبل الميالد سيما من
خالل األسرة التي ينتمي إليها االقليد ماسينيسا و كان جايا كما أشرنا اليه من قبل ملكا على
القبائل الماسيلية إال أن المؤرخين ال يعرفون على وجه الدقة متى جلس على عرش هذه
المملكة وهل ورث الحكم عن أبيه زيالسن ،األمر الذي بقي طي المجهول .3ويالحظ أن
العالقة في البداية بين ماسيليا وقرطاج كانت على غاية من التفاهم ذلك إن الملك جايا أرسل
ابنه ماسينيسا للتعلم في قرطاج وواضح أيضا أن العالقة العسكرية بينهما كانت هي أيضا
على أحسن ما يرام بدليل أن ماسينيسا أخذ فرسانه على إسبانيا للوقوف الى جنب الجيش
القرطاجي في صراعه المستميت ضد الرومان أما فيما يخص الكيان السياسي الذي اتبعه
النوميديون فال نستطيع الخوض فيه لوجود الصراع بين القبيلتين الماسيل والمازيسيل األمر
_ محمد الصغير غانم :المملكة النوميدية والحضارة البونية ،دار األمة ،الجزائر ،.1998 ،ص1.69 ،
_ محمد البشير الشنيتي :ص2.31 ،
3 _ Mahfoud Kaddache : L’Algérie dans L’antiquité,s.n.e.d., Alger, 1982., pp56-61.
38
الذي يصعب من تحديد وتحيين حدود كل منطقة بدقة متناهية وحتى نتمكن من إعطاء رؤية
واضحة لهذا الكيان السياسي الموجود في الشمال االفريقي القديم كان لزاما علينا أن نذكر
كل كيان على حدة فيما يلي:
_1نوميديا الغربية:
إن معلومات المؤرخين عن مملكة المازيسيل ترجع إلى سنة 213ق.م وهي الفترة التي
أصبحت فيها قرطاجة على صلة وثيقة بالملك سيفاقس ذلك أن المازيسيل كانوا يشكلون فرقا
كبيرة ضمن وحدات الجيش القرطاجي وهناك من يشير إلى إن مملكة نوميديا الغربية كانت
تمتد من مضارب المور غربا أي من إحدى ضفاف نهر الملوية إلى أرس بوقرعون
_تريتون_ الموجود في القل بسكيكدة و كان غرض قرطاج من كل ذلك هو المحافظة على
استمرار اإلتصال بجيوشها في إسبانيا عن طريق سيفاقس صاحب القوة والبطش فضال عن
السير في أراضيه بأمان غير أن األمور لم تستمر على هذا المنوال لظهور جفاء في العالقة
بين القرطاجيين وسيفاقس حيث نشبت بينهما حروب نتيجة انحياز قرطاجة إلى جانب ملك
نوميديا الشرقية ولم يستمر النزاع طويال الن قرطاج الحظت بأنها أخطأت التقدير في
سياسته اتجاه الملك سيفاقس حينما شرع في االستمالة الى الى جهة الرومان فتراجعت عن
مواقفها في مساعدة الماسيل و اشرنا إلى تزويج هذا األخير من األميرة سفونيزبا الستمالته
عن طريق المصاهرة ويبدو أن سيفاقس بعد أن اصبح صه ار للقرطاجيين اخذ بتعديل معاملته
لقرطاج فارجع لها الممتلكات التي اقتطعها منها الملك جايا خالل صراعه معها سنة 220
ق.م .وكانت أسباب هذا االقتتال غامضة لدى المؤرخين ،إذن ماهي الدوافع الحقيقية التي
أدت بالمل ك جايا إلى محاربة قرطاج على الرغم من العالقات الحسنة التي كانت بينهما كما
أشرنا من قبل؟ هذا ما سنجيب عنه فيما يلي:
1
_2دور الملك ماسينيسا في بالد المغرب 148-238 :ق.م
1 _ Gabriel Camps : Aux origines de La Berberie Massinissa ou Les Débuts de L’histoire,
Libyca, Tome VIII, service des antiquités, Alger, 1960., p, 8.
39
من اشهر الملوك المغاربة الذين سطع نجمهم في التاريخ القديم نجد الملك ماسينيسا ابن
جايا ،1ينظر (الصورة رقم )1:وقد نال هذه الحظوة نظ ار لألعمال الجليلة التي قام بها بحيث
يعد من المؤسسين الفعليين لمملكة نوميديا الموحدة فال نجد مثال ان نوميديا توحدت اال في
عهده ثم في عهد يوسف بن تاشفين ثم في عهد عبد المؤمن بن علي الكومي ويتبين لنا من
خالل استقراء المصادر التاريخية أن هذا الملك نشأ وتربى في أسرة الملك جايا وأنه ولد فيها
سنة 238ق.م ويعرف أن هذه المرحلة لم تكن مستقرة على اعتبار ان الصراع القرطاجي
الروماني كان على أشده وال شك أنه تلقى مبادئ الحرية على يد والده وهي تربية تليق
بمقامه كونه ولي العهد ال شيء إال أنه كان كبير أفراد العائلة الحاكمة .2ويقال بأنه غادر
نوميديا في بداية شبابه على أرس كوكبة من الفرسان من أجل الوقوف الى جنب الجيش
القرطاجي في إسبانيا ونعي إليه الملك جايا سنة 206ق.م وهو اليزال قائما في خدمة
حلفائه .3ومن خالل تتبعنا مجريات األحداث يظهر ان ممثلين عن السلطة الرومانية تقربوا
منه وحاولوا استمالته بشتى الطرق واألساليب و الغرض من ذلك انهم أراضوا أن يكون لهم
عونا قويا وحليفا لهم في شمال إفريقيا يساعدهم على القضاء المبرم على اإلمبراطورية
القرطاجية والبد لنا أن نشير إلى أن غضبه على القرطاجيين تضاعف وامتد حينما قاموا
بفسخ الخطوبة التي كان عقدها على األميرة سفونيزبا الموعود بالزواج بها غير انهم منحوها
للملك سيفاقس األمر الذي أدى إلى تغير حلفائه فاصبح الصديق عدوا والعدو صديق فسارع
ماسينيسا إلى عقد تحالف مع القائد الروماني سيبيون في الفترة الممتدة ما بين 205- 206
ق.م وحينما رجع إ لى موطنه للدفاع عن حقه في استرجاع العرش النمودي كان مدفوعا الى
الدخول في صراع مسلح مع منافسيه على السلطة هؤالء كانوا مسنودين من طرف سيفاقس
وتشير االحداث إلى أن ماسينيسا أصيب بجروح متفاوتة الخطورة في المعارك التي خاضها
ضد خصومه على العرش فاضطر للفرار نحو طرابلس بليبيا إذ عمل على استجماع قواته
_1عقون العربي :االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،.2008 ،ص
ص.33-31 ،
41
_3دور الملك مكيبسا 118-198ق.م:
لم ينل عهد هذا الملك حظا في الدراسات التاريخية القديمة لدى المؤرخين ال سيما اإلغريق
والرومان منهم ألن هؤالء لم يهتموا ببالد المغرب إال عندما يكن هناك تجاذب واحتكاك مع
الشعبين اإلغريقي والروماني وال شك ان هذا الوضع الذي ساد في فترة حكم مكيبسا جعل
المؤرخين يصورون هذا الملك على أنه ضعيف الشخصية وكان خاضعا خضوعا تاما لروما
إال أنه يمكننا القول إن صمت المؤرخين على هذه المرحلة كان نتاجا عن فترة من فترات
االستقرار النسبي إذ لم تكن هنالك ثورات داخلية وحروب خارجية األمر الذي جعله يميل إلى
التشييد والبناء ،واتباع سيا سة ماسينيسا في هذا المجال حيث قام باالهتمام بعاصمته سيرتا
فضال عن اهتمامه بالعلوم ،والمعارف الالتينية ،واإلغريقية ،وال ينبغي أن ننسى أنه عندما
حضرت ماسينيسا الوفاة قام القائد الروماني سيبيون إميليانوس بتوزيع تركة الملك الراحل
على أبنائه ،حيث تحصل غلوسا على منصب قائد الجيش النوميدي ،وكان القضاء من حظ
مصطنبعل .1ويجمل بنا القول إنه بعد وفاة األخوين المذكورين آنفا خال الجو للعاهل مكيبسا
الذي انفرد بالحكم المطلق وهذ بمباركة السلطات الرومانية المتربصة الدوائر بالمنطقة .ويقال
إن مكيبسا لو يشأ أن يعكر صفو شيخوخته مع روما التي كان يزودها بالمؤن خاصة القمح
1 _ Messaoud djennas : La Saga des rois numides entre Carthage et Rome, casbah éditions,
Alger, 2010., pp, 162-166.
42
تنظيم المدن الخاضعة لحكمه ،كما لجأ إلى أعوان ملكيين لمراقبة اإلدارة المدنية .وحاول
اشراك ولديه لمساعدته وهما أذربعل ،وهايمسال األول غير انه كان لديه ثالثة من أبناء
أخويه ماسيبا ابن غلوسا وكان طفل صغير أما ولدي مصطنبعل فاألول يدعى غودا وهو
ابن شرعي يقال انه كان ضعيف الشخصية وليس لديه طموح سياسي ،واالبن الثاني هو
يوغرطة وهو ابن غير شرعي إال ان التاريخ سيظهره لنا كشخصية من الطراز األول ويقال
عن فترة حكم مكيبسا أنها أكبر الفترات نفعا لنوميديا توفي هذا األخير وهو طاعن في السن
تاركا وراءه مملكة قوية وواسعة ألوالده على الرغم من أنه أوقف السياسة التوسعية التي
انتهجها والده من قبل وأوصى أوالده بالوحدة واالتفاق والتعاون كما أوصاهم بأن التفرقة تؤدي
إلى انهيار الدول الكبرى .وعندما تتسع الهوة بين اإلخوة الفرقاء سيتدخل الرومان حتما
لتنصيب الملك الذي سيحكم البالد باسمهم.1
_4الملك يوغرطة:
لقد ذكرت لنا بعض النصوص التاريخية إشارات حول حياة الملك يوغرطة ابن مصطنبعل
104-160ق.م الذي ولد وترعرع في البيت الملكي النوميدي ويظهر من خالل التوصيفات
التي أوردها هؤالء أنه كان على شاكلة جده ماسينيسا فهو قوي البنية ووسيما .ينظر (الصورة
رقم )2:يقال أنه منذ الصبا الباكر كان يتمتع بنشاط كبير حيث عرف عنه حبه الشديد
لممارسة الرياضة وركوب الخيل على الطريقة النوميدية بدون سرج زيادة على تواضعه األمر
الذي جعله محبوبا لدى الشعب كما مارس الجندية وذلك من التشجيعات التي تلقاها من قبل
القائد الروماني سيبيون الذي كان يلمح فيه شخصية القائد والملك وربما هي الصفات التي
2
دفعت بالسلطة الرومانية إلى انتخابه لحكم المنطقة المغاربية.
_1محمد الهادي حارش :دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبلدان المغرب في العصور القديمة ،دار هومة ،الجزائر،
،.2001ص ص.244-237 ،
_2محمد البشير الشنيتي :سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا (146
ق.م_ 40م) ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،.1982 ،ص ص.37-34 ،
43
أ_ ثورة يوغرطة:
لقد أشرنا سابقا أن الصراع بدأ بين يوغرطة وابن عمه أذربعل ابن مكيبسا واحتدم حتى هزم
هذا األخير وتمكن المنتصر من حصار مدينة سيرتا وأراد من وراء ذلك االستيالء على
جميع األراضي التي كانت بحوزت الملك ماسينيسا ومكيبسا حيث تمكن خالل هذه
المنازعات والمناوشات من الحصول على خيرات واسعة الشيء الذي دفع بمجلس الشيوخ من
ارسال سفراء ومبعوثين على جناح السرعة للمنطقة ،اختيروا من كبار السن وأصحاب
الخبرات الطويلة وحينما نزل هؤالء بمدينة أوتيكا بتونس أرسلوا إلى يوغرطة للحضور إليهم
قصد التفاوض إال أنه تردد وأجمع امره على أخذ مدينة سيرتا بالقوة وأمر جنوده وكان
برفقته عدد قليل من الخيالة ثم إنه التقى سفراء روما الذين هددوه وانكروا عليه أفعاله المشينة
وبعد تجاذبات ديبلوماسية متكررة وفاشلة رحل المفاوضون دون رفع الحصار عن سيرتا
وحينما رأى الجنود الرومان ما سوف يؤول إليه أمر المنطقة نصحوا أذربعل ابن مكيسبا
بالتسليم ليوغرطة وجنوده لكن هيهات فقد سبق السيف العدل ،واستطاع هذا المقاتل العنيد
من القضاء على جميع من كان في المدينة بما فيهم الرومان ،1ولما وصلت انباء هذه
الوقائع إ لى روما غضب الشعب الروماني على العاهل النوميدي المتمرد .2الشيء الذي دفع
بمجلس الشيوخ إلى إعداد العدة للكر على هذا الثائر إذ أوكلت مهمة قمع هذه الثورة إلى
القنصل كالبورنيوس بستيا ومحاولة ارجاع األمور إلى نصابها أرسل يوغرطة ابنه وأخذ
معاونيه إلى روما من أجل الصلح غير أنهما منيا بالرفض الذريع .وكانت القوة التي أعدها
بستيا وصلت إلى جزيرة صقلية ومن تم أخذت طريقها إلى إفريقيا وشرع في القتال واستعرت
نار الحرب في نوميديا التي أتت على األخضر واليابس واستولى الجيش الروماني على
بعض المدن وأن القنصل الروماني كان جشعا ومن اجل ذلك أراد يوغرطة إغراءه بالذهب وال
شك أنها كانت خطة حكيمة من الطرف النوميدي لفك الخناق واطفاء نار الحرب التي كانت
غير متساوية القوة .وأذعن القنصل كالبورنيوس شريطة أن يقدم الملك النوميدي ثالثون فيال
1 _ charles durosoir : œuvres complètes de Salluste, Librairie Garnier frères, paris, s.d. pp,
130-150.
_ 2محمد الهادي حارش :دراسات ،ص ص.252-243 ،
44
وقطعان من الغنم واألبقار وعدد كبير من الخيول ومبلغ معتبر من المال وسرعان ما عاد
القنصل الروماني لحضور انتخابات مجلس الشيوخ والعر يالحقه ألنه تحصل على رشوة من
أجل وقف القتال على التراب النوميدي وأراد الشعب الروماني النظر في هذه القضية
ومحاكمة القنصل في المحاكم لهذا السبب أرسل الرومان إلى الملك النوميدي قنصال يدعى
كاسيوس إلخباره بالحضور إلى العاصمة حيث منح جواز المرور ورخصة العبور إلى روما
دون خوف أو وجل قصد التحقيق معه في قضية الرشوة التي قبضها القنصل كالبورنيوس
من أجل وقف القتال وكان الشعب مغتاظا وأعضاء مجلس الشيوخ أسقط في أيديهم حيث
اختاروا القرار الصائب هل ينظرون في الخيانة وسوؤ التسيير الذي قام به كالبورنيوس أو
إبطال مضمون االتفاقية التي وقعها هذا األخير مع الملك النوميدي وزاد في حدة غضب
الشعب الروماني الخطب الحماسية التي كان يلقيها أحد أعضاء مجلس الشيوخ ويدعى
مميوس الذي كان يخاطب السلطات الرومانية باستفسار الملك النوميدي عن خيانة الوظيفة
بالنسبة للقنصل كالبورنيوس والقائد المعاون له هيكوروس .وأجاب العاهل يوغرطة طلبهم
مستندا هذه المرة أيضا على الذهب واألموال وعندما حل بمجلس الشيوخ أحاطت به
التهديدات وا لشتائم من جميع الجهات وأراد أعضاء المجلس اإليقاع به إال أنه كان محميا
يحمل جواز السفر ورخصة العبور التي منحتها له السلطة الرومانية ،وكان أحد أبناء غلوسا
موجودا في المدينة ويدعى ماسيبا وكان القنصل الجديد سكريوس الذي خلف القنصل السابق
على نوميديا أغرى ماسينيسا بأنه سيملكه بعض أجزاء البالد ،وخرج يوغرطة من روما
مغضوبا عليه وحينما غادرها أدار ظهره إليها وقال " :أيتها المدينة ستهلكين قريبا حينما
تجدين من يشتريك" ،ويالحظ بعد هذه اإلخفاقات المتكررة أن السلطات الرومانية باتت
مصممة أكثر من أي وقت مضى على اخماد نار هذه الثورة بأي وسيلة كانت ومن أجل هذا
األمر قامت بإعادة إرسال حملة عسكرية كبرى بقيادة ميتيلوس .1ويظهر من مجريات
األحداث أن هذه الحملة أخفقت في تحقيق الهدف الذي جاءت من أجله وبقي النصر حليفا
للعاهل النوميدي ردحا من الزمن وبقيت األمور لصالحه حتى عاودت روما بإرسال حملة
45
عسكرية ثانية وفي هذه المرة اختير القنصل ماريوس الذي استعان دون شك بخبرة أحد القادة
العسكريين المحنكين ويدعى سيال غير أنه في هذه المرة استطاع الجيش الروماني أن
يضرب طوقا على نوميديا ويتمكن في آخر المطاف من إلقاء القبض على يوغرطة كما قيل
في أواخر سنة 106إلى 105ق.م وأخذ أسي ار إلى روما وقيل أنهم نكلوا به وصرمت أذنه
ونزع القرط والحلق الذي كان بها ،وبقي على تلك الحالة حتى توفى في السجن سنة 104
ق.م .وبالتالي انتهت ملحمة يوغرطة وحتى ال تتكر مثل هذه الثورة واالنتفاضة لجأ مجلس
الشيوخ إلى تعيين أخيه غودا ويظهر أنه تم تعيينه لعدة اعتبارات منها ضعف الشخصية وال
يحمل في قلبه أية حقد للرومان زيادة على أنه ليس لديه أي طموح سياسي وبالتالي عرفت
المنطقة نوعا من االستقرار النسبي.1
استكماال لتاريخ ملوك النوميد الذي تطرقنا إليه سابقا فإننا سنحاول ان نلم ولو باستعجال
حياة يوبا األول الذي يعد االبن البكر لألقليد هيمسال الثاني ،الذي تقلد سدة الحكم النوميدي
في حدود سنة 60ق.م ،وكان خالل تلك الفترة شابا يافغا حيث تمكن من الحصول على
خبرة في الحياة نتيجة مشاركته في المجال السياسي باعتباره أمير وكلف حينذاك في بعض
المهام الديبلوماسية السيما في الفترة الممتدة مابين 63-64ق.م ولما حالفه الحض في حكم
نوميديا كان قد تمكن من اكتساب خبرة طويلة في شؤون الحكم وال شك أن المؤرخين ذكروا
لنا بأنه كان مقداما ومحبا للظهور في زي الفت وفضال عن ذلك فقد كان متمسكا بتقاليد
وسلوكيات أبائه وأجداده كما كان ينفر من تقليد اإلغريق والرومان وبحكم أنه نشأ في البيت
النوميدي فإنه كان مولعا بالعمل العسكري ،أي أنه كان مياال للفروسية والجندية ،ويتبين لنا
ذلك من خالل بعض األعمال التي أنجزها عندما اعتلى العرش ،ومن ذلك تنظيمه لحمالت
عسكرية متوالية إلخضاع بعض القبائل المتمردة ،2أو تلك التي كانت تقدم مساعدات
لالحتالل الروماني كما شرع في بناء القصور وتحصينها بأسوار تبلغ أحيانا الثالث وربما
46
لهذا األمر لم يعد يوبا األول من أصدقاء وحلفاء الرومان ألنه كان يتحاشى التقرب منهم
والجدير بالقول إن الرومان في هذه المراحل األولى لالحتالل كانوا يحاولون التقرب من
المغاربة وتحاشي االصطدام معهم وهي سياسة حكيمة إلى حد ما حتى تمهد لهم الطريق
لالحتالل الكلي للمنطقة ومن خالل األحداث التاريخية يظهر أن الصراعات بين أفراد العائلة
الحاكمة النوميدية وحزب الشعب الدي يديره يوليوس قيصر كانت قديمة ومن هنا يمكننا ألن
نفهم لماذا لجأ هذا األخير للوقوف إلى جانب بونبيي ضد يوليوس قيصر أثناء الحرب التي
اندلعت بينهما سنة 47ق.م .1وأثبتت األحداث في البداية أن بومبيي هذا كان مدعوما من
مجلس الشيوخ و الطبقات األرستوقراطية في روما وكان يعتقد آنذاك الغلبة ستكون حتما من
نصيب بومبيي غير أن الحرب خداع فطلب يوليوس الدعم والمساعدة من طرف سيتيوس
الذي كان موجودا في موريطانيا ولعله كإيطالي ذي أصول التينية أسرع إلى معاونة يوليوس
قيصر فضال على أنه وعد بالحصول على أراضي شاسعة في نوميديا إذا كان النصر حليفا
لقيصر وتجري الرياح بما التشتهي السفن وتكون الغلبة لصالح قيصر في معركة تابسوس
سنة 46ق.م وتنتهي هذه األحداث بانتحار يوبا األول .هل يمكن اعتبار العمل الذي قام به
يوبا األول في الحرب األهلية الرومانيو ثورة مغاربية ضد الرومان أم ال؟
يظهر أن كرسي العرش النوميدي بقي خاويا فترة معتبرة من الزمن حتى جاءت سنة 33
ق.م قبل هذا البد من القول إن يوبا الثاني أخذ رضيعا إلى مقر اإلمبراطورية أو باألحرى أنه
تلقى مباديء التربية واألخالق في روما في بيت أكتافيا شقيقة أغسطس أكتافيوس .وكان
مقربا من هذا األخير حتى أنه كان يالزمه في بعض الحمالت العسكرية ويتلقى الرعاية
التامة ولما بلغ 19سنة تزوج بكليوباترة سيليني ابنة كليوباترة المعروفة .وتربت هي األخرى
في البيت ذاته والجدير قوله إنهما نهال من منبع واحد أي تشبعا بالثقافة الرومانية اإلغريقية
وال شك أنه كان مولعا بالفنون واآلداب وتأليف الكتب في مختلف المجاالت بما فيها المجال
_1يوليوس قيصر :الحرب اإلفريقية 46-47ق.م ،ترجمة محمد الهادي حارش ،دار هومة ،الجزائر ،.2014 ،ص.10،
47
الزراعي .وهنا لوال وجود االستقرار لما تمكن أن يتعاطى مع اآلداب الفنون بمختلف أنواعها
كيف ال وهو سليل بيت نوميدي عريق.
كان تاكفاريناس مجندا في الجيش الروماني إال أنه فر من الجندية وبالضبط من الفرقة
المساعدة واألسباب الحقيقة النتفاضته لعدة أسباب من ضمنها الظلم واالضطهاد الذي
تعرض له المغاربة مصادرة لألراضي وطرد السكان إلى الجبل والمناطق الداخلية والمبالغة
في تحصيل الضرائب في جميع الوجوه زيادة على احتقار الرومان للمجندين المغاربة كل
هذه التراكمات جعلت تاكفاريناس ينقم على سلطة االحتالل حيث تمكن في فترة وجيزة من
جمع قطاع الطرق واللصوص والخارجين على القانون ونظم بهم فرقة عسكرية منضبطة
ومنتظمة على شاكلة الجيش الروماني باعتباره ملما بخفايا الجيش وتنظيماته .واتخذت هذه
المجموعة الناشئة طابعا مال أكثر للمغامرة بمعنى أك كل العمليات التي قاموا بها تندرج في
إطار حروب العصابات .ذلك أنه لم يكن بمقدورهم مجابهة الجيش الروماني المنظم والمجهز
ومن تم أصبح تاكفاريناس قائد للمتمردين الموسوالن تلك القبائل القوية التي أصبحت
مضاربها جنوبا ولم تستقر في المدن بعد كما استفادت هذه المجموعة المتمردة من جيرانها
المنضمين حيث يذكر أن هؤالء اتخذوا مازيبا زعيما لهم والالفت لالنتباه أن تاكفاريناس عمل
على ضم جنوده إلى المعسكرات وفرض نظاما صارما على أتباعه حتى أصبح شبيها
بالجيش الروماني المنضبط أما القائد الموريطاني مازيبا بمعية التشكيلة العسكرية خفيفة
التسليح إلى إشعال النيران وبث الخوف والرعب أينما حل وارتحل وسرعان ما بدأ بالحرب
على أعدائه الرومان ،1وذلك بتوجيه ضربات خاطفة وسريعة إلى خصومه مما دفع به إلى
ضرب الحصار على بعض المراكز كما أنه قام بأخذ أموال طائلة من أحدى المناطق القريبة
من نهر بجيدا يقع على محور طريق سيرتا جيجل وهناك مالحظة مفادها أن منطقة الحرب
48
ضد تاكفيراناس كانت منحصرة في محور جرجرة سور الغزالن .1وال شك أن الحرب كانت
سجاال حيث تمكن من التغلب على الفرقة الرومانية بقيادة ديكريوس الشجاع الذي وقف في
ميدان المعركة غاضبا على جنوده الفارين ووبخهم على جبنهم وتكاسلهم عن مجابهة شرذمة
قليلة من قطاع الطرق واستمات هذا القائد واستبسل في الدفاع عن مركزه حتى جرح وسملت
عيناه ومات مهمال متروكا من أصحابه .إن ثورة تاكفاريناس اندلعت في سنة 19م واستمرت
ردحا من الزمن حتى تج أر هذا األخير وطلب من اإلمبراطور اقتطاعه أراضي واسعة من
نوميديا في الفترة الممتدة من 22-20م واهتدى الرومان إلى التريث للتعامل مع الثائر
المغربي فال بد إذن من انتهاج سياسة اإلستنزاف واضعاف العدو وعدم مجابهته ولو إلى
حين إال أن األمور تغيرت مع مجيء قائد آخر يدعى دوالبيال الذي عسكر في المنطقة
الواقعة بين سطيف وبجاية ويالحظ أن هذا األخير انتهج سياسة مغايرة لسابقه حيث أمر
جنوده المشاة بقطع الرؤس وخاصة أولئك الذي ينتمون إلى قبائل الماسيل أو الموسوالن
لترهيبهم واخافتهم حتى يتمكن من قطع المدد عن المتمردين وهي سياسة القت نجاحا على
أرض الواقع حتى أن الثوار لم يعد في مقدورهم الوقوف في وجه هذه الحملة المسعورة التي
قام بها هذا القائد وفي نهاية المطاف قتل تاكفاريناس بمنطقة سور الغزالن وبالتالي تم إخماذ
الثورة والقضاء على المتمردين وهنا انتهت انتفاضته إلى الفشل وكان ذلك في حدود سنة
24م .وترتب عنها جملة من األشياء من بينها زيادة اضهاد الرومان للمغاربة ومصادرة
األراضي التي لم تنزع من قبل وطرد األهالي إلى الجبال خاصة الماسيل منهم وشردوا حتى
ال يتج أر أي أحد منهم مستقبال على مجابهة االحتالل الروماني .وهنا البد من القول أن
السلطة الرومانية لجأت إلى بناء نظام دفاعي حتى ال يتمكن هؤالء المطرودون من أراضيهم
من العودة إليها ويتمثل هذا النظام في الليمس وهو عبارة عن أسوار دفاعية تتخللها أبراج
مراقبة ومعسكرات وقالع وحصون واستمر االهتمام بهذا النظام إلى غاية القرن الثالث
الميالدي وهذا النظام كانت به ثغرات لشساعة البالد.
1 _ Ouarda Himeur-Ensighaoui : ils ont défié L’empire Juba1er, Tacfarinas, Firmus et Gildon,
Casbat éditions, Alger, 2009., pp, 135-159.
49
_ثامنا :أوضاع المغرب في الفترة ما بين 40-23م
قدم الملك بطليموس مساعدات كبيرة للسلطات العسكرية الروماني بالمنطقة المغاربية وذلك
من أجل القضاء على ثورة تاكفاريناس .وال شك أن المحتل كان ينظر إلى هذا العاهل
المغاربي بعين الريبة ومن بين األشياء التي يمكن ذكرها ان اإلمبراطور كاليغوال استدعى
الملك بطليموس إلى العاصمة روما حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة وخلع عليه اللباس
األرجواني وبعض الهدايا المتمثلة في الحلي وطلب منه الحضور إلى المسرح ليعاين بعض
االحتفاالت السيما منها المخصصة للمبارزة ومصارعة الوحوش المفترسة إال أنه في النهاية
حيكت له مؤامرة وتم اغتياله من قبل االمبراطور كاليغوال وفي هذه األثناء تم ضم ممتلكات
إفريقيا الشمالية إلى اإلمبراطورية الرومانية وهنا ظهر إدمون أحد المقربين من بطليموس
على مسرح األحداث وشرع في الثورة على المحتل في موريطانيا ثأ ار وانتقاما لسيده وقائده
بطليموس وقد ارسل االمبراطور كلوديوس خليفة كاليغوال جيشا عرمرما لتفريق جيوش
المتمردين الموريطانيين بقيادة إدمون ونجح إلى حد ما في تحقيق بعض االنتصار كما جعل
القائد يولينوس على رأس حملة عسكرية لتنظيف المنطقة من الثوار وعاث في البالد خ اربا
وفسادا حتى بلغ منطقة األطلس المغربي إال أنه توغل في الجنوب محاوال اجتثاث الثورة من
جدورها ونجح في ذلك ألنه استعمل حرب العصابات وأصبحت موريطانيا سنة 42م مقاطعة
رومانية بكل المقاييس وقسمت المنطقة إداريا إلى موريطانية القيصرية وعاصمتها شرشال
الحالية وموريطانية الطنجية وعاصمتها طنجة الحالية ولما تمكن كلوديوس من نشر السلم
في المنطقة المحتلة ترك الحكم مناصفة بين قائدين رومانيين.
أما بالنسبة للملوك الموريطانيين من عائلة بوخوس ،1وبوغود فكانوا دون شك يحكمون حكما
مطلقا في األراضي الخاضعة لهم مثل ملوك نوميديا السابقين .عالوة على أن سلطتهم كانت
على القبائل التي كانت تسير في رحابهم إال أن هناك بعض القبائل كانت متمردة وال تخضع
ألي سلطان إال سلطة شيخ القبيلة وكان لهم حكم مستقل وأن هذه القبائل لم تكن ترضخ ال
50
لهؤالء الحكام المحليين وال للسلطة الرومانية حيث أصبحت مصدر قلق وتوتر دائمين األمر
الذي جعل السلطة الرومانية والملوك الموريطانيين يقومون بين الفينة واألخرى بتنظيم
حمالت عسكرية كبرى قصد تأديبها وردعها وقت اللزوم ،ويبدو أنه لوقت طويل كانت
شرشال أو قيصرية تسمى بموريطانية بوخوس ألن حكم هذا األخير كان يمتد إليها
وموريطانيا الطنجية تسمى بمملكة بوغود .والجدير قوله أن هؤالء الموريطانيين كانوا يعتقدون
بألوهية البحر حيث يقدسونه زيادة على تقديس نبتون وزوجته نبتيس والبحر عند الفراعنة كان
يسمى بهذا االسم األخر.
_1الليمس النوميدي:
لما تمكن المحتل الروماني من بسط نفوذه على المنطقة المغاربية لجأ إلى مصادرة األراضي
وطرد السكان المحليين إلى الجبال والمناطق الداخلية ،والقاحلة وحتى يستتب له األمر
واألمن قام بإنشاء نظام دفاعي _الليمس_ .ويالحظ أن منطلق هذا النظام الدفاعي كان من
تيفست إلى تازولت في إقليم األوراس ما ار بمدينتي تمقاد وخنشلة ولعل الرومان أدركوا خطر
الثورات المغربية التي كانت تشتعل بين الفينة واألخرى من أجل ذلك لجأوا إلى تعديل هذا
النظام الدفاعي الذي أصبح منحص ار في منطقة القنطرة إلى طبنة .إن هؤالء القوم اعتمدوا
الليمس خالل القرن األول والثاني والثالث الميالدي ففي هذه المرحلة يالحظ أن الليمس
سيمتد إلى إقليم الحضنة ومسعد في القرن الثاني الميالدي أي في سنة 192م ،ثم يصل إلى
الجلفة مرو ار باألغواط لينتهي في البيض والغرض من إنشائه تضييق الخناق على القبائل
المناوئة لالحتالل الروماني ومنعها من التوغل إلى المستعمرات والمستثمرات الفالحية الكبرى
التي ظهرت في بالد المغرب والتي عرفت باسم السالتوس ،والالتيفونديا الخاصة بإنتاج
القمح والشعير الذي غطى القرن األول برمته ،التي تحول أصحاب األرض الحقيقيين فيها
إلى عبيد .1وأصبحت هذه المنطقة تعرف بخزان روما لما تقدمه من خيرات ومن غذاء
لإلمبراطورية لهذا األمر وجب على الرومان حماية هذا المخزون االقتصادي الهام .كما
_1عبد القادر صحراوي :التحصينات العسكرية بنوميديا وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماني 46ق.م-
284م ،دار الهدى ،عين مليلة ،الجزائر ،.2011 ،ص.21،
51
باشر المحتل خالل القرن األول الميالدي بإنشاء العديد من المدن السيما تيمقاد ،وكويكول،
ستيفيس حيث بات من الواضح أن هذه المدن كان لها وظائف عسكرية ،وفالحية ،وتجارية
وقد أوصلها الجيش الروماني بشبكة من الطرق ففي بداية األمر كانت الشبكة الطرقية
الحديثة لألغراض العسكرية البحتة ،1ولما تغيرت األمور وانتعش االقتصاد وازدهرت الفالحة
ونشطت التجارة تحولت هذه الشبكة الطرقية إلى األغراض االقتصادية وينبغي اإلشارة إلى
أن النظام الدفاعي الروماني بشقه المدعم بالتحصينات والقالع انه وقف حائال دون مرور
بعض البدو الرحل في إقليم طبنة ،والدور ذاته في إقليم بسكرة وال شك أن هذا الليمس
النوميدي سيتخذ مع مثيله في الناحية الغربية أال وهو النظام الدفاعي الروماني في موريطانيا
بما يعرف عند المؤرخين بالليمس الموريطاني.
_2الليمس الموريطاني:
البد من اإلشارة إلى أن موريطانيا القيصرية منذ تأسيسها في 42م شغلت حي از واسعا في
الشمال اإلفريقي فامتدت حدودها من نهر الملوية غربا إلى الوادي الكبير شرقان ومن سواحل
البحر األبيض المتوسط شماال إلى مضارب قبائل الجيتول جنوبا حتى أنها تصل بحدودها
إلى الضفة الشمالية الشرقية من شط الحضنة بالقرب من مسيف .ورغم هذا فإنه يصعب
تحديد حدودها الجنوبية .وموريطانية القيصرية أطول عم ار لم تتغير حدودها منذ إنشائها
لإلستقرار النسبي الذي عرفته في هذه المرحلة التاريخية ،إلى أن فصل عنها الشطر الشرقي
سنة 288م وتكون ما يعرف بمقاطعة موريطانيا السطايفية ،وال شك أن السلطة الرومانية
العسكرية قامت ببناء الليمس من أجل تثبيت أركان االستيطان .والبد من القول أن الليمس
الي أنشئ في المناطق الساحلية في الفترة ما بين 42-40م كان يضم عدة مراكز منها:
1 _ pierre Salama : Les Voies Romaines de L’Afrique du nord, imprimerie officielle du
gouvernement General, Alger,1951., p, 13, 21.
52
وتارمونت ،وسور الغزالن مرو ار بالبرواقية ،والمدية ،ثم مليانة ،وعين الدفلى ،والشلف،
وغليزان ،والمحمدية والسيق .أما فيما يتعلق بالنظام الدفاعي الذي أنشأ في القرن الثالث
الميالدي في عهد االمبراطور سيفيروس فيمتد إلى منطقة بومارية في تلمسان لينتهي في
نهاية المطاف بمغنية .وهكذا ضربت السلطات الرومانية طوقا أمنيا ضيق الخناق على
مرتفعات التل والسهول .وحاصل القول أن الليمس دعم بأنواع مختلفة من التحصينات مثل
المعسكرات ،والقالع ،والحصون ،وأبراج المراقبة ،والمحارس البحرية على طول الساحل،1
التي يذكر بروكوب بشأنها أنها ستبقى إلى غاية الحكم البيزنطي.2
تمت هذه الصفحات بعون هللا وفضله ،وهي كما يرى القارئ محاضرات موجهة بالخصوص
إلى طلبة الجامعة في مرحلة التدرج كما مر بنا في البداية .كتبت بهذه الطريقة قصد معرفة
تاريخ بالد المغرب القديم بصورة سريعة ،وأخذ فكرة موجزة عنه وذلك دون تعمق في الوصف
أو اإلسهاب في التفاصيل التي ليس من ورائها طائل ،وتفاديا للملل ،والضجر .وقد دبجت
في لغة بسيطة مركزة بعيدة عن المحسنات البديعية حتى تكون في مستوى فهم الجميع .وهذا
طبعا للوصول إلى الغاية في أسرع وقت ،وأقرب طريق ويتمكن طلبتنا من إلقاء نظرة سريعة
على تاريخ بالدهم القديم في فترة قصيرة ،واالطالع على جوانبه المختلفة من مظاهر
حضارية ،واجتماعية ،وأحداث ،وحروب ،وانتفاضات يستخلصون منها العبر ،والدروس،
ويروا ذلك الماضي العريق يمر أمامهم في هيئة نصوص بما تحمل في طياتها من صور
يرونها عن كثب كأنه شريط وثائقي بكل ما يحمل من رسوم أولئك القدامى في حياتهم
المتالطمة كموج البحر بنجاحاتها واخفاقاتها .فلقد صدق من قال " :من ال ماضي له ،ال
حاضر له ،وال مستقبل له".
54
البيبليوغرافيا
أوال_ الكتب العربية:
_1المصادر:
_ يوليوس قيصر :الحرب اإلفريقية 46-47ق.م ،ترجمة محمد الهادي حارش ،دار هومة ،الجزائر،
.2014
_2المراجع:
_ أحمد الفرجاوي :بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة ،المجمع التونسي للعلوم واآلداب
والفنون _ بيت الحكمة _ تونس.1993 ،
_ أحمد صفر :مدنية المغرب العربي في التاريخ ،ج ،1دار النشر بوسالمة ،تونس.1959 ،
_ اصطيفان اكصيل :تاريخ شمال أفريقيا القديم ظروف النماء التاريخي-األزمنة البدائية االستعمار
الفينيقي وامبراطورية قرطاجة ،ترجمة محمد التازي سعود ،ج ،1مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية،
الرباط.2007 ،
_ الشاذلي بورونية ومحمد طاهر :قرطاجة البونية تاريخ حضارة ،مركز النشر الجامعي ،تونس.1999 ،
_ العربي عقون :األمازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في األصول و الهوية ،التنوخي للطباعة والنشر،
الرباط ،المغرب.2010 ،
_ االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2008 ،
_ شارل أندري جوليان :تاريخ إفريقيا الشمالية تونس ،الجزائر ،المغرب األقصى من البدء إلى الفتح
اإلسالمي 647م ،تعريب محمد مزالي والبشير بن سالمة ،الدار التونسية للنشر ،تونس.1968 ،
_ عبد الكريم غالب :قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي مغرب ،ج ،1دار الغرب اإلسالمي ،بيروت،
لبنان.2005 ،
55
_ عبد العزيز بنعبد هللا :تاريخ المغرب العصر القديم والعصر الوسيط ،نشر وتوزيع مكتبة السالم الدار
البيضاء ،مكتبة المعارف الرباط ،د.ت.
_ عبد القادر صحراوي :التحصينات العسكرية بنوميديا وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماني
46ق.م284-م ،دار الهدى ،عين مليلة ،الجزائر.2011 ،
_ عثمان الكعاك :موجز التاريخ العام للجزائر من العصر الحجري إلى االحتالل الفرنسي ،تقديم ومراجعة
أبو القاسم سعد هللا ،محمد البشير الشنيتي ،ناصر الدين سعيدوني ،إبراهيم بحاز ،دار الغرب اإلسالمي،
بيروت ،لبنان.2003 ،
_ فتيحة فرحاتي :نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني 213ق.م 46-ق.م،
منشورات أبيك ،الجزائر.2007 ،
_ فرانسوا دوكريه :قرطاجة الحضارة والتاريخ ،ترجمة يسوف شلب الشام ،دار طالس للدراسات والترجمة
والنشر ،دمشق ،سوريا.1994 ،
_ فليب حتي :تاريخ سورية و لبنان و فلسطين ،ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق ،دار الثقافة،
بيروت.1958 ،
_ قابريال كامبس :في أصول بالد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ ،تعريب وتحقيق العربي عقون،
المجلس األعلى للغة العربية ،الجزائر.2012 ،
_ مادلين هورس ميادان :تاريخ قرطاج ،ترجمة إبراهيم بالش ،منشورات عويدات ،بيروت ،لبنان.1981 ،
_ محمد أبو المحاسن عصفور :المدن الفينيقية ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان.1981 ،
_ محمد البشير الشنيتي :سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط
موريطانيا ( 146ق.م_ 40م) ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر.1982 ،
_ أضواء على تاريخ الجزائر القديم بحوث ودراسات ،دار الحكمة ،الجزائر.2003 ،
_ محمد الصغير غانم :التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط ،ط ،2ديوان المطبوعات الجامعية_
الجزائر_ ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر_ لبنان_.1982 ،
56
_ مواقع وحضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ،دار الهدى ،الجزائر.2003 ،
_ معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر ،دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر.2003 ،
_ محمد الهادي الشريف :تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل ،تعريب محمد
الشاوش ،ومحمد عجينة ،ط ،3دار سراس للنشر ،تونس.1993 ،
_ محمد الهادي حارش :التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح
اإلسالمي ،المؤسسة الجزائرية للطباعة ،الجزائر.1992 ،
_ دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبلدان المغرب في العصور القديمة ،دار هومة ،الجزائر،
.2001
_ محمد بيومي مهران :المغرب القديم ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية.1990 ،
_ محمد محي الدين المشرفي :إفريقيا الشمالية في العصر القديم ،ط ،4دار الكتب العربية ،المملكة
المغربية.1969 ،
_ المجالت والدوريات:
_ أحمد السليماني " :تاريخ إفريقيا الشمالية القديم " ،مجلة الدراسات التاريخية ،العدد السادس ،جامعة
الجزائر ،.1992 ،ص ص.43-15 ،
_ أشالف فطومة " :عوامل ومظاهر تطور الصناعات الحرفية في فينيقيا" ،مجلة الدراسات التاريخية،
العدد ،18:قسم التاريخ ،جامعة الج ازئر ،2الجزائر ،.2015 ،ص ص.22-11 ،
_ عادل سالم ":قرطاج" ،مجلة العربي ،العدد ،678و ازرة اإلعالم ،الكويت .2015 ،ص ص.20-18 ،
_ عامر خير " :طرق التجارة الفينيقية " ،مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ،العدد السابع والعشرون،
السداسي األول ،مؤسسة كنوز الحكمة للنشر و التوزيع ،الجزائر ،.2014 ،ص ص.72-54 ،
_ محمد الهادي حارش " :حملة حنبعل على إيطاليا" ،مجلة الدراسات التاريخية ،العدد السادس ،معهد
التاريخ ،جامعة الجزائر ،.1992 ،ص ص.60-51 ،
57
:_ المعاجم والموسوعات باللغة العربية
.1991 ، لبنان، طرابلس، جروس برس،2 ط، معجم الحضارات السامية: عبودي،_ هنري س
:_ المصادر1
:_ المراجع2
58
_ Gabriel Camps : Aux origines de La Berberie Massinissa ou Les Débuts de
L’histoire, Libyca, Tome VIII, service des antiquités, Alger, 1960.
_ Jacques Ellul : Histoire des institutions de L’antiquité, presses universitaires
de France, paris, 1963.
_ Louis Lacroix : Histoire de La Numidie et des Maurétanies des origines
jusqu’à l’invasion vandale, Alger-Livres éditions, Alger, 2008.
_ L. Péchot : Histoire de L’Afrique du nord avant 1830, Gojosso imprimeur,
Alger, 1914.
_ Mahfoud Kaddache : L’Algérie dans L’antiquité, s.n.e.d., Alger, 1982.
_ Marcel Leglay : Les Religions orientales dans l’Afrique ancienne, imprimerie
officielle du gouvernement général de l’Algérie, Alger, 1956.
_ Messaoud djennas : La Saga des rois numides entre Carthage et Rome,
casbah éditions, Alger, 2010.
_ Ouarda Himeur-Ensighaoui : ils ont défié L’empire Juba1er, Tacfarinas, Firmus
et Gildon, Casbat éditions, Alger, 2009.
_ pierre Salama : Les Voies Romaines de L’Afrique du nord, imprimerie
officielle du gouvernement General, Alger,1951.
_ R. et M. Cornevin : Histoire de L’Afrique des origines à La 2° guerre
mondiale, 4° édition mise à jour, Payot, paris, 1974.
_ René Cagnat : « Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de L’Afrique
du nord, Librairie Renouard, H. Laurens, éditeur, Paris, 1909.
_ Stéphane Gsell : Histoire ancienne de L’Afrique du nord, Librairie Hachette et
Cie, paris, 1913.
_ L’Algérie dans L’antiquité, Adolphe Jourdan éditeur, Alger, 1903.
_ Yann Le Bohec : Histoire militaire des guerres puniques 264-146 av-j.-c,
éditions Tallandier, Paris, 2014.
:_المجالت والدوريات
_Charles Clermont Ganneau: « Le conseil des trente à Carthage »,
journal des savants,n°5, 19° année, France, 1921., pp ,223-229.
59
_ David Mattingly : « Nouveaux aperçus sur les Garamantes : un état
saharien », antiquités Africaines, volume 37, n°1, France, 2001.,pp, 45-61.
_ Fethi Chelbi, Roland Paskoff, pol Trousset : « La baie D’Utique et son
évolution depuis L’antiquité », antiquités africaines, tome 31, France,1995.,
pp,7- 51.
_ Gabriel Camps : « La Faune de L’Afrique du nord et du Sahara d’après
Hérodote », Espacio, Tiempo y forma, série II, H, Antigua, Tome ° 1, 1988., pp,
209-221.
_ Jean Dresch: «Les changements de climat et Les mouvements du sol en
Afrique du nord au cours du plio-quaternaire», in L’information géographique,
volume 24, n°03, France, 1960., pp, 107-113.
_ Lucien Golvin : « Gabriel Camps, Berbères aux marges de L’histoire », revue
de L’occident musulman et de La méditerranée, volume 32, n° 1, 1981, pp,
163-166.
_ Michel Gras : « La mémoire de Lixus. De la fondation de Lixsus aux premiers
rapports entre Grecs et phéniciens en Afrique du nord », publications de
L’école Française de Rome, Rome, 1992. pp, 27-44.
_ Mhamed fantar : « stèles épigraphes du tophet de Sousse », in revue des
études phéniciennes- puniques et des antiquités libyques,n° 09, Tunis, 1995.
pp, 25-48.
_ Mohamed Meouak: « Remarques sur la genèse du peuplement antique et
médiéval du Maghreb : L’apport de la toponymie et de la philologie », rocznik
orientalistyczny, tome LXVI, Z, 1, 2013., pp, 58-73.
_ P. Flatters : « L’Afrique septentrionale ancienne », Revue Africaine, volume
21, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1877. Pp, 153,233, 345, 438.
_ Stéphane Gsell : « Le Climat de L’Afrique du nord dans L’antiquité », volume
55, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1911., pp, 343-410.
_ « Chronique Africaine Archéologie et Histoire ancienne », Revue Africaine,
volume 38, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1894., pp, 109-233.
_ Zeineb Doublon Ben Abdallah et Liliane Ennabli : « Caelestis et Carthage »,
Revue Antiquités Africaines, 34, France, 1998. pp, 175-183.
60
:_ الندوات العلمية
61
المالحق
62
الحرب البونية األولى
63
الصورة رقم _1:وجه الملك ماسينيسا منقوشا على قطعة نقدية
64
فهرس الموضوعات
65
28 _3العرافون.................................................................................
54 خاتمة....................................................................................
55 البيبليوغرافيا..............................................................................
62 المالحق.................................................................................
66