Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 68

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة المسيلة‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم التاريخ‬

‫مطبوعة بيداغوجية موجهة لطلبة السنة الثانية في مقياس‪:‬‬

‫تاريخ وحضارة المغرب‬


‫القديم‬
‫محاضرات السداسي األول‬
‫إعداد األستاذ‪:‬‬

‫د‪ .‬سرحان حليم‬

‫السنة الجامعية ‪1438-1437‬ه‪ 2017-2016 /‬م‪.‬‬


‫مقدمة‪:‬‬

‫قدمنا هذه المحاضرات في السنوات القليلة الماضية على مدرجات الجامعة أمام دفعات من‬
‫طلبة السنة الثانية نظام كالسيكي‪ ،‬ثم طلبة نظام ل‪ .‬م‪ .‬د‪ .‬حينما تم اعتماد هذا النموذج‬
‫التعليمي من قبل و ازرة التعليم العالي كخيار استراتيجي ال بديل عنه لمرحلة التدرج‪ .‬فعندما‬
‫تبين لنا أهمية المواضيع التاريخية التي تطرقنا إليها آنفا رأيت أنه من المفيد جمعها عبر هذه‬
‫الصفحات عساها تساهم في إماطة اللثام عن بعض نقاط الظل في تاريخ المغرب القديم من‬
‫جهة‪ ،‬وذلك بعين أستاذ كانت له تجربة متواضعة ال يدعي التطاول على أصحاب‬
‫التخصص الذين تشربوا المادة العلمية‪ ،‬أراد أن يدلي بدلوه في هذا البحر الزخار ويفيد‬
‫الطلبة‪ ،‬والقراء بالقدر الذي يبسط لهم تلك المحطات الغابرة في تاريخ المنطقة المغربية دون‬
‫التغلغل في الحادثة التاريخية حتى ال تصبح مبهمة ومملة في الوقت ذاته‪ ،‬كما نبهنا إلى‬
‫ضرورة دراسة التاريخ القديم الذي لم ينل حظه من الدرس لدى الباحثين المحليين العازفين‬
‫عنه تاركين المجال واسعا لألجانب السيما الفرنسيين منهم يخوضون‪ ،‬ويمرحون في مسارحه‬
‫حتى أصبح يشوبه نوع من الغموض نتيجة الدس اإليديولوجي الموجه لخدمة أغراض سياسية‬
‫بحتة من ناحية ثانية‪ .‬فما المانع إذن من إعادة قراءة المتاح من النصوص الموثقة على قلتها‬
‫وشحها‪ ،‬وصعوبة قراءتها‪ ،‬وتخطي ذلك ولو بنظرة محايدة‪ ،‬واستخالص ما يمكن استخالصه‬
‫بصورة جديدة‪ .‬فال نكتفي بترجمة ما توصلت إليه المدرسة الكولونيالية فقط‪ ،‬حتى يكون لنا‬
‫باع في هذا الميدان العلمي الخصيب الذي مازال يتطلب البحث‪ ،‬والتنقيب عن جوانب‬
‫ضائعة‪ ،‬أو غائبة في ماض عريق ساهم أبناء الوطن في صناعته‪.‬‬

‫اقتضت منا الضرورة المنهجية إذن ترتيب موضوعات هذه الصفحات تبعا لتقارب مضامينها‬
‫في شكل عناصر تضم معلومات تاريخية مرتبطة بعضها مع بعض وفق تتابعها‬
‫الكرونولوجي‪ .‬وهي لمحات موجزة عن المغرب القديم في الفترتين الفينيقية‪ ،‬والنوميدية حاولنا‬
‫فيها التطرق إلى الجانب الجغرافي‪ ،‬والتاريخي في الحقبتين المعنيتين بما فيهما من مخاض‪،‬‬
‫ومتاعب طوحت بالمنطقة في أتون الحرب وعصفت بها حتى كادت تخرج من التاريخ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫_ أوال‪ :‬الموقع الجغرافي والوسط الطبيعي لبالد المغرب‪:‬‬

‫إن الوثائق والنصوص التاريخية‪ ،‬والجغرافية التي أرخت لهذه المنطقة في الزمن القديم‪ ،‬أمدتنا‬
‫بمعلومات غير دقيقة عن الحدود اإلقليمية لها خال ما تعلق ببعض المدن المطلة على‬
‫شواطئ البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وهي معلومات بقدر ماهي شحيحة ومقتضبة ظلت‬
‫محصورة في حيز ضيق حتى في فترات ازدهار‪ ،‬ونمو تلك المدن حاضرة البحر‪ .1‬يقع‬
‫المغرب القديم بين خطي عرض ‪ 37-19‬شمال خط االستواء‪ .2‬وبين خطي طول ‪ 25‬درجة‬
‫شرقا و‪ 17‬درجة غرب خط غرينيتش‪ .‬وهناك من جعل حيثيات الموقع الجغرافي يرتكز بين‬
‫‪ 29‬درجة من الجهة الشمالية الغربية لجبال األطلس الصغير بالمغرب األقصى‪ ،‬و‪ 37‬درجة‬
‫في الشمال الشرقي من تونس وهو عبارة عن شكل رباعي يحده البحر في غربه‪ ،‬وشماله‪،‬‬
‫وشرقه‪ ،‬كما تحده الصحراء من الجهة الجنوبية‪ .‬ما يجعله في نهاية المطاف ينتمي إلى‬
‫مصاف األقاليم الحارة نوعا ما‪ .‬إذن فالقرب من البحر‪ ،‬أو االبتعاد عنه‪ ،‬مع تنوع االرتفاعات‬
‫يعطي االنطباع باختالف واضح في ارتفاع درجات الح اررة في أماكن بعينها‪ ،‬وانخفاضها في‬
‫أماكن أخرى‪.3‬‬

‫وكان لجبال الريف بالمغرب ومثيالتها في المنطقة محل الدراسة التي تمتد إلى غاية بنزرت‬
‫مرو ار بالجزائر‪ ،‬واحتوائها على سلسلة معتبرة من المرتفعات في جبال األطلس‪ ،‬المتوسط‪،‬‬
‫والكبير تأخذ االتجاه نفسه على امتداد محور خليج أكادير نحو ‪1000‬كيلومتر بعيدا عن‬
‫مضيق طنجة على المتوسط‪ ،‬إلى الشمال في تونس وربما كان لهذه الجبال أن تكون حاج از‬
‫طبيعيا بين السهول الواسعة‪ ،‬والبحر غير أنها رغم التواءاتها وصخورها تتخللها أودية عميقة‬
‫وانحدارات كانت طرق للساكنة تجاه السهول جنوبا‪ ،‬وتجاه البحر وسهوله الضيقة شماال‪،‬‬

‫‪1 _ P. Flatters : « L’Afrique septentrionale ancienne », Revue Africaine, volume 21, A.‬‬
‫‪Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1877. p, 153.‬‬
‫‪ _2‬محمد الصغير غانم‪ :‬مواقع وحضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪،.2003 ،‬‬
‫ص‪.12 ،‬‬
‫‪3 _ Stéphane Gsell : « Le Climat de L’Afrique du nord dans L’antiquité », Revue Africaine‬‬
‫‪volume 55, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1911., pp, 343-344.‬‬
‫‪2‬‬
‫وكانت رافدا قويا لتزويد السهول الغناء بالمياه الوفيرة‪ .1‬ويذكر أن الوسط الطبيعي لعب دور‬
‫العائق في وجه أي نشاط حضاري‪ ،‬ألن المنطقة كما مر بنا عبارة عن مرتفعات جبلية يبلغ‬
‫علوها ما بين ‪ 800‬م إلى ‪ 1200‬م‪ .2‬تكثر بينها سهول ضيقة نسبيا‪ ،‬حيث تشكل الجبال‬
‫فيها سلسلة شبه متوازية في اتجاه عرضي من الشرق إلى الغرب‪ ،‬تبعا لالتجاه العام لجبال‬
‫األلب في أوروبا التي تماثلها هذه الجبال في تكوينها الجيولوجي‪ .‬وقد انعكست هذه البنية‬
‫المرفولوجية القاسية دون ريب على تاريخ شمال إفريقيا عبر مسيرة التاريخ الطويل بدأ بالزمن‬
‫القديم بحيث عجزت الدول الناشئة هنالك من الوصول إلى بناء كيان سياسي تتالقح في‬
‫بوتقته الروابط االجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والدينية‪.‬‬

‫‪_1‬المناخ‪:‬‬

‫يشير الباحث الفرنسي ستيفان غزال إلى أن المناخ السائد في بالد المغرب لم يعرف تغيرات‬
‫ذات شأن منذ الزمن القديم‪ .3‬ولقد تميز بانتمائه إلى المناخ المتوسطي المعتدل‪ ،‬والرطب‪،‬‬
‫والممطر في الشتاء من جهة‪ ،‬والمناخ الصحراوي الجاف قليل التساقط في الصيف من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬وهو بذلك يدخل فيما يعرف بالمناخ االنتقالي الذي تكون منذ حقبتي البليوسين‪ ،‬والزمن‬
‫الجيولوجي الرابع التي عرف فيها تطو ار ملحوظا‪ .4‬ويذهب بعض الباحثين وعلى رأسهم بيشو‬
‫إلى أن الموقع الجغرافي لبالد المغرب بين البحر المتوسط في الشمال‪ ،‬والصحراء في‬
‫الجنوب‪ ،‬واالختالف البين في الوسط الطبيعي بينهما يؤثر بسهولة على الساكنة‪ ،‬وطبيعة‬
‫معيشتهم ‪ ،‬كما يالحظ كميات األمطار المتساقطة في هذين الحيزين إنها تتميز دون أدنى‬
‫شك بالتباين وسوء التوزيع الفصلي واإلقليمي الواضحين بينهما على أرض الواقع وبشكل‬

‫‪ _1‬عبد الكريم غالب‪ :‬قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي ‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،.2005 ،‬ص‬
‫ص‪.27-26 ،‬‬
‫‪ _2‬شارل أندري جوليان‪ :‬تاريخ إفريقيا الشمالية تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي ‪647‬م‪،‬‬
‫تعريب محمد مزالي والبشير بن سالمة‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،.1968 ،‬ص‪.8 ،‬‬
‫‪3 _ Stephane Gsell : « Chronique Africaine Archéologie et Histoire ancienne », Revue‬‬
‫‪Africaine , volume 38, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1894., p, 109.‬‬
‫‪4 _ Jean Dresch: «Les changements de climat et Les mouvements du sol en Afrique du nord‬‬
‫‪au cours du plio-quaternaire», in L’information géographique, volume 24, n°03, France,‬‬
‫‪1960., p, 107.‬‬
‫‪3‬‬
‫منطقي‪ .1‬وهي تتراوح ما بين ‪ 1641‬ملم بجبال خمير‪ ،‬و‪632‬ملم بقسنطينة‪ ،‬و‪ 766‬ملم‬
‫بسكيكدة‪ ،‬و‪ 399‬ملم‪ ،‬بباتنة‪ ،‬و‪ 344‬ملم بتبسة‪ .2‬هذا دون إغفال أمر اكتساح الجفاف معظم‬
‫المنطقة طوال أيام السنة‪ ،‬عدا الشريط الساحلي الضيق الذي انتشرت فيه أو بالقرب منه‬
‫بعض المجاري المائية مثل نهر الشلف‪ ،‬ووادي أم الربيع‪ ،‬والملوية‪ ،‬والوادي الكبير‪ ،‬وأبي‬
‫رقراق وما إليها من منابع المياه التي تبث الحياة في االنسان‪ ،‬والحيوان‪ ،3‬واألرض‪.‬‬

‫وهذا التنوع النسبي في المناخ انعكس على الغطاء النباتي الموجود بين الشمال والجنوب‬
‫بشكل الفت‪ ،‬وسوف يكون له تأثير أخر على ازدهار النشاطين الزراعي والرعوي‪ ،‬أو‬
‫انكماشهما عبر الزمن‪.‬‬

‫‪_2‬السكان‪:‬‬

‫عندما نلقي نظرة سريعة على تاريخ إفريقيا الشمالية نالحظ عوائق جمة في تحديد دقيق‬
‫للسكان األصليين‪ ،‬أي نسبهم األول نتيجة عدم وجود كتابات تجعل من الصعوبة بمكان‬
‫البث بصفة قطعية في هذا األمر‪ ،‬زيادة على غياب الحدود الفاصلة في مضارب القبائل‪،‬‬
‫والقوميات المستقرة هنالك مما أدى إلى التنوع الغالب على أسماء سكان المنطقة منذ القدم‪،‬‬
‫فلقد أطلق على سبيل المثال اسم األفارقة‪ ،‬واللوبيين من طرف اإلغريق‪ ،‬على قاطني غرب‬
‫وادي النيل‪ .4‬أما الرومان فأطلقوا عليهم اسم البرابرة‪ ،‬وهو يعني كل شخص غير مثقف‪ ،‬وال‬
‫يتقن اللغة الالتينية‪ ،‬وينتمي إلى جماعات متخلفة‪ ،‬وخارجة عن فلك اإلمبراطورية الرومانية‬
‫مثل ما هو عليه الحال بالنسبة للجرمان في شمال أوروبا‪ .‬ويذهب البعض األخر إلى القول‬
‫بوجود أربعة أصناف من السكان في المنطقة المشار إليها في موضوعنا هذا اثنان منها‬

‫‪1 _ L. Péchot : Histoire de L’Afrique du nord avant 1830, Gojosso imprimeur, Alger, 1914.,‬‬
‫‪pp,30-31.‬‬
‫‪ _2‬اصطيفان اكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا القديم ظروف النماء التاريخي‪-‬األزمنة البدائية االستعمار الفينيقي وامبراطورية‬
‫قرطاجة‪ ،‬ترجمة محمد التازي سعود‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،.2007 ،‬ص‪.63 ،‬‬
‫‪3 _ Gabriel Camps : « La Faune de L’Afrique du nord et du Sahara d’après Hérodote »,‬‬
‫‪Espacio, Tiempo y forma, série II, H, Antigua, T ° 1, 1988., pp, 209-221.‬‬
‫‪4 _ Mohamed Meouak: « Remarques sur la genèse du peuplement antique et médiéval du‬‬
‫‪Maghreb : L’apport de la toponymie et de la philologie », rocznik orientalistyczny, tome‬‬
‫‪LXVI, Z, 1, 2013., pp, 60-61.‬‬
‫‪4‬‬
‫أصيال الموطن ذاته يطلق عليها الليبيون لذوي السحن البيضاء‪ ،‬واألثيوبيون لذوي المالمح‬
‫السوداء‪ ،‬وأما الصنفان األخران فهما الفينيقيون‪ ،‬واإلغريق‪ ،‬فضال عن صنف ثالث يتألف‬
‫من قبائل الجيتول التي تنحدر من أصول مدية‪ ،‬وفارسية تعتبر شبه بدائية في نظر بعض‬
‫الباحثين وعلى رأسهم غبريال كامبس‪ ،1‬وزيادة على قبائل الغرامونت المتمركزة جنوبا‪ .2‬أما‬
‫الفراعنة فأطلقوا أسماء أخرى على ساكانة هذه المنطقة وصنفوهم حسب المجموعات البشرية‬
‫التي اتصلوا بها وتعاملوا معها منهم التمحو‪ ،‬والمشواش‪ ،‬ثم بعد ذلك أطلقوا اسم ريبو أو ليبو‬
‫على السكان الذين كانوا يقطنون األماكن الواقعة غرب وادي النيل إلى المحيط األطلسي‪،‬‬
‫دون تمييز عرقي‪ .3‬مما يؤكد وحدة النوع والجنس‪ ،‬والوحدة األثنية بينهم‪.‬‬

‫_ ثانيا‪ :‬الفينيقيون في بالد المغرب‪:‬‬

‫ينحدر الفينيقيون بإجماع ثلة من المؤرخين المتخصصين من أصول كنعانية‪ ،‬وهذه األخيرة‬
‫كلمة تعني األرض المنخفضة‪ ،4‬أو الصباغة األرجوانية التي كانت تستخرج من أصداف‬
‫الموريكس في سواحل بالد الشام‪ .5‬وبما أن النصوص القديمة الموثوق فيها شحيحة بشأن‬
‫وجود هؤالء في بالد المغرب وشمال إفريقيا فإنه يمكننا إزاء هذا النقص أن ندرج تحت هذا‬
‫الوجود تبعا لهذا األمر مرحلتين هامتين هما مرحلة الريادة واالستكشاف ومرحلة االستقرار‬
‫في المنطقة محل الدرس‪ 6،‬بحيث يصعب علينا أن نحدد بدقة متناهية الفصل التأريخي بين‬

‫‪1_ Lucien Golvin : « Gabriel Camps , Berbères aux marges de L’histoire », revue de‬‬
‫‪L’occident musulman et de La méditerranée, volume 32, n° 1, 1981, p, 163.‬‬
‫‪2 _ David Mattingly : « Nouveaux aperçus sur les Garamantes : un état saharien »,‬‬
‫‪antiquités Africaines, volume 37, n°1, France, 2001.,pp, 45-50.‬‬
‫‪ _3‬هيرودوت‪ :‬أحاديث هيرودوت (‪ 487-425/489‬قبل الميالد) عن الليبيين (األمازيغ)‪ ،‬ترجمة وتعليق وشرح‬
‫مصطفى أعشي‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪ ،.2009 ،‬ص‪.13 ،‬‬
‫‪ _4‬فليب حتي‪ :‬تاريخ سورية و لبنان و فلسطين‪ ،‬ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪،.1958 ،‬‬
‫ص‪.85 ،‬‬
‫‪ _5‬محمد الصغير غانم‪ :‬معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر‪ ،‬دار الهدى للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،.2003‬ص‪.58 ،‬‬
‫‪ _6‬محمد بيومي مهران‪ :‬المغرب القديم‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ .1990 ،‬ص‪ ،.161 ،‬للتوسع ينظر‪:‬‬
‫‪François Decret et Mhamed Fantar : L’Afrique du nord dans L’antiquité, des origines au‬‬
‫‪V° siècle, éditions Payot, Paris, France, 1981., p, 49.‬‬

‫‪5‬‬
‫المرحلتين‪ ،‬الشيء الذي يدفعنا إلى الترجيح أن المرحلة األولى تبدأ تقريبا من مطلع القرن‬
‫‪12‬ق‪.‬م وذلك عندما تأسست المراكز الفينيقية الباكرة في الضفة الجنوبية للبحر األبيض‬
‫المتوسط وهي‪ :‬ليكسوس في المغرب األقصى وكان تأسيسها سنة ‪1110‬ق‪.‬م‪ ،1‬وقادس في‬
‫السواحل الجنوبية إلسبانيا وراء أعمدة هيركوليس (وهما الرأسان الصخريان عند مضيق جبل‬
‫طارق) خالل السنة ذاتها‪ .2‬ثم مستوطنة أوتيكا الواقعة على البحر‪ 3‬شمال تونس سنة‬
‫‪1101‬ق‪.‬م‪ .4‬ومما هو جدير بالذكر أن المرحلة الباكرة تبدأ من مجيئ البحارة الفينيقيين‬
‫األوائل الستكشاف هذه النواحي حيث إن هذه الفترة اتسمت بالطابع السلمي للوافدين الجدد‬
‫كما يمكن لنا التأكد استنادا على بعض األقوال أن التجار منهم أقاموا صرح امبراطورية‬
‫تجارية‪ ،5‬فعظمت ثروتهم واجتهدوا في توسيعها بمبادالت ومقايضة السلع مقابل سلع أخرى‬
‫كالمنسوجات‪ ،‬واألواني الزجاجية والفخارية‪ ،‬أي نظير المنتجات الفالحية والصناعية كالعاج‬
‫والخشب والجلود‪ ،‬ونالحظ أن هذا النشاط الكبير دفع بالفينيقيين إلى تحويل هذه المراكز‬
‫التجارية المذكورة أعاله إلى مستوطنات جراء االزدهار الناتج عن االحتكاك بالساكنة‬
‫المحليين فاختيرت حينذاك نظ ار لموقعها االستراتيجي الممتاز واعتبرت على اثرها مواطن‬
‫دائمة‪ ،6‬وربما يعود هذا الخيار إلى الخبرة الطويلة التي اكتسبها الفينيقيون من ممارسة‬
‫التجارة مع شعوب المتوسط األمر الذي ساعدهم أيضا على بسط نفوذهم االقتصادي في‬
‫جزر صقلية و سردينيا و جنوب اسبانيا وانشاء محطات و موانئ جديدة في الحوض الغربي‬
‫للبحر األبيض المتوسط ‪ ،‬التي قيل عنها أنها بلغت قرابة الثالثمائة محطة‪ ،‬وهناك من أشار‬

‫‪ _1‬أحمد السليماني‪ " :‬تاريخ إفريقيا الشمالية القديم "‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬جامعة الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،.1992‬ص‪.19 ،‬‬
‫_ فليب حتي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪2.110 ،‬‬
‫‪3 _ Pline : Histoire Naturelle, traduction en français par M.E.Littré, tome 1, Firmin didot et‬‬
‫‪Cie, paris, France, MDCCCLXXVII. , p, 143.‬‬
‫‪4_ André Jodin : Carthage et Le Maroc phénicien, centre national de documentation, Rabat,‬‬
‫‪Maroc.,s.d., p, 67.‬‬
‫‪ _5‬عامر خير‪ " :‬طرق التجارة الفينيقية "‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السابع والعشرون‪ ،‬السداسي األول‪،‬‬
‫مؤسسة كنوز الحكمة للنشر و التوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،.2014 ،‬ص ص‪.55-54 ،‬‬
‫‪6_ Fethi Chelbi, Roland Paskoff, pol Trousset : « La baie D’Utique et son évolution depuis‬‬
‫‪L’antiquité », antiquités africaines, tome 31, France, 1995. Pp, 7- 20.‬‬
‫‪6‬‬
‫إلى خمسمائة في كامل سواحل هذا البحر‪ .‬فيا ترى من يكون هؤالء الفينيقيون ومن أي‬
‫موطن انطلقوا في رحلتهم إلى غاية وصولهم إلى بالد المغرب‪.1‬‬

‫ينبغي اإلشارة إل ى أن الفينيقيين هم ورثة الكنعانيين الذين استقروا منذ منتصف األلف الثانية‬
‫قبل الميالد في سواحل فلسطين على غرار اليبوسيين _شعوب عربية _ ثم وجدناهم على‬
‫الشريط الساحلي اللبناني‪ ،‬و السوري في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة‪ ،‬و لقد تعرض‬
‫الكنعانيون بمرور الزمن لهجمات قاتلة من طرف جيرانهم الفراعنة من الجهة الغربية‪،‬‬
‫و الجنوبية‪ ،‬والحثيين من الجهة الشمالية‪ ،‬واألشوريين من الجهة الشرقية األمر الذي دفع‬
‫فرعا منهم مرغما أياهم على االستيطان في غزة و جنوب القرم‪ ،‬وهم المعروفون بقبائل‬
‫الفلسطو لهذا السبب اندفعت فلول الكنعانيين إلى الهجرة تحت طائلة التهديد الخارجي‬
‫المحدق بهم من كل الجهات‪ ،‬إال أنهم اصطدموا بقبائل و شعوب أكثر قوة منهم وأشرس‬
‫منافسة لهم كانت تطمح هي األخرى في السيطرة وبسط نفوذها على كامل الساحل الفينيقي‬
‫خالل القرن‪13‬ق‪.‬م‪.2‬‬

‫والالفت لالنتباه أنه رغم المحن التي تعرض لها الكنعانيون عبر مراحل مختلفة من تاريخهم‬
‫الطويل جراء تكالب دول الجوار عليهم فإنهم تغلبوا على جميع الصعاب التي حاقت بهم‬
‫وتمكنوا من االستقرار في عدة مناطق في الساحل اللبناني السيما في مدن جبيل‪ ،‬وصور‪،3‬‬
‫وصيدا وبذلك استطاعوا من اإلفالت من تلك الهجمات التي تعرض لها المقيمون في المدن‬
‫األخرى األكثر عرضة للضربات الفرعونية المتوالية‪ ،‬والى غيرها طمعا في مركزها الحساس‬
‫الذي جذب أنظار العديد من تلك القوى التوسعية والمهيمنة آنذاك‪ ،4‬مثل ما مر بنا قبل‬
‫حين‪ .‬وقد نشاطر الباحث الفرنسي ستيفان غزال الرأي إلى حد ما عندما اعتبر بداية الوجود‬
‫الفينيقي واستيطانهم في الشمال اإلفريقي منطلقا حاسما لبداية ظهور العصور التاريخية‬

‫‪ _1‬محمد أبو المحاسن عصفور‪ :‬المدن الفينيقية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ .1981 ،‬ص ص‪.14-13 ،‬‬
‫‪ _2‬هنري س‪ ،‬عبودي‪ :‬معجم الحضارات السامية‪ ،‬ط‪ ،2‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪ .1991 ،‬ص ص‪.725-723 ،‬‬
‫_ محمد الصغير غانم‪ :‬معالم التواجد‪ ،‬ص‪3.9 ،‬‬
‫‪ _4‬محمد الصغير غانم‪ :‬التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط‪ ،‬ط‪ ،2‬ديوان المطبوعات الجامعية_ الجزائر_‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر_ لبنان_‪ .1982 ،‬ص‪.12،‬‬

‫‪7‬‬
‫بطريقة سرية في المنطقة المغربية‪ ،1‬فحسب الباحث ذاته واستنادا على بعض النصوص‬
‫القديمة فإن مجيء الفينيقيين سبق إنشاء المرافئ سالفة الذكر بوقت طويل نسبيا حسب‬
‫الشواهد األثرية التي عثر عليها علماء اآلثار في السواحل الجزائرية‪ ،‬والتونسية‪ ،‬والمغربية‪.2‬‬
‫ويبدو أن هؤالء الوافدين الجدد كانوا منذ البداية عونا إلخوانهم في فينيقيا األم بالسواحل‬
‫اللبنانية السورية لما يقدمونه من دعم مادي نتيجة لنجاحهم المستمر في ممارسة نشاطهم‬
‫التجاري في حوض المتوسط الذي جلب لهم ولذويهم هنالك رغد الحياة ورفاهيتها‪ .3‬ويذكر‬
‫محمد الهادي حارش في السياق ذاته أن هذه المبادالت التجارية كانت عبارة عن مقايضة‬
‫سلع‪ ،‬ومنتجات بلدان البحر األبيض المتوسط مثل األقمشة المزركشة‪ ،‬واألواني الزجاجية‪،‬‬
‫والفخارية‪ ،‬واألدوات المعدنية‪ ،‬مقابل ما تنتجه األرض من أخشاب‪ ،‬وما يستخلص من‬
‫الحيوان عبر صنوف الجلود‪ ،‬وضروب العاج وكان ذلك يتم في ظروف يكتنفها السلم بين‬
‫األطراف المتعاملة في هذا المجال الخصب‪.4‬‬

‫ومما ال شك فيه أن اختيار تلك المراكز الباكرة _ ليكسوس‪ ،‬أوتيكا‪ ،‬قادس_ لم يكن عشوائيا‬
‫بل كان منظما تنظيما محكما‪ ،5‬والغرض منه اقتصاديا بحتا كما سبق ذكره‪ ،‬زيادة على ذلك‬
‫اهتم هؤالء بالمالحة البحرية بشكل كبير ورسم أهداف على المدى البعيد‪ ،‬والسعي لتحقيقها‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬والتخطيط من أجل مراقبة المسالك في أعالي البحار جنوب شبه جزيرة‬
‫إبيريا من جهة حيث مراكز انتشار المعادن سيما الفضة والقصدير التي يتحصل عليها في‬

‫‪1 _ R. et M. Cornevin : Histoire de L’Afrique des origines à La 2° guerre mondiale, 4°‬‬


‫‪édition mise à jour, Payot, paris, 1974., p, 59.‬‬
‫‪2 _ Stéphane Gsell : Histoire ancienne de L’Afrique du nord, Librairie Hachette et Cie, paris,‬‬
‫‪1913.p, 359.‬‬
‫‪3 _ D’Avezac : Afrique Esquisse générale de L’Afrique et Afrique ancienne, Firmin Didot‬‬
‫‪frères, éditeurs, paris, France, MDCCCXLIV., p, 189.‬‬
‫‪ _4‬محمد الهادي حارش‪ :‬التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسالمي‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجزائرية للطباعة‪ ،‬الجزائر‪ .1992 ،‬ص‪.43 ،‬‬
‫‪5_ Michel Gras : « La mémoire de Lixus. De la fondation de Lixsus aux premiers rapports‬‬
‫‪entre Grecs et phéniciens en Afrique du nord », publications de L’école Française de Rome,‬‬
‫‪Rome, 1992. p, 27.‬‬
‫‪8‬‬
‫شمال أوروبا‪ ،‬واحكام السيطرة على الطرق المؤدية إلى غضار الذهب بالسودان من جهة‬
‫ثانية‪.1‬‬

‫‪_1‬ظروف ومالبسات تأسيس قرطاج‪:‬‬

‫يعتبر تأسيس مدينة قرطاج أهم حدث تاريخي في مسار التوسع الفينيقي في الحوض الغربي‬
‫للبحر األبيض المتوسط‪ ،‬بل حتى تاريخ المغرب يبدأ منذ هذه اللحظة الحاسمة بالذات‬
‫مسايرة لقول إميل فلكس غوتيي‪ .2‬وتكمن أهمية المدينة الجديدة التي أطلق عليها اإلغريق‬
‫اسم كارشيدون تحريفا لالسم الذي أطلقه عليها الفينيقيون _ قرطة حدشت_ بالتعبير القديم‪،‬‬
‫أو " قرة التاج " بالعربية باضطالعها بالدور الكبير إن على الصعيد اإلقليمي‪ ،3‬أو الدولي‬
‫بناء على المكانة الريادية التي حازتها في المجاالت السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،4‬والعسكرية‬
‫تجاه بقية المراكز‪ ،‬والمرافئ الفينيقية في هذه المنطقة إلى غاية سقوطها في أيدي الرومان‪.5‬‬

‫تجمع المصادر التاريخية التي رجعنا إليها على أن تأسيس مدينة قرطاجة كان شمال تونس‬
‫في القرن التاسع وبالتحديد في سنة ‪ 814‬ق‪.‬م‪ ،6‬من قبل األميرة عليسا ذات الجمال النادر‬
‫التي ذكرتها بعض النصوص الموثوق فيها باسم ديدون التي جاءت من مدينة صور على‬
‫الساحل الفينيقي فارة من شقيقها األمير بجماليون الذي سولت له نفسه ذبح خاله الكاهن‬
‫األعظم عشر باص‪ ،‬وصهره في الوقت ذاته‪ ،‬وقام بتنفيذ هذا الفعل الشنيع من أجل‬

‫‪ _1‬عبد العزيز بنعبد هللا‪ :‬تاريخ المغرب العصر القديم والعصر الوسيط‪ ،‬نشر وتوزيع مكتبة السالم الدار البيضاء‪ ،‬مكتبة‬
‫المعارف الرباط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.35 ،‬‬
‫‪2 _ Emile-Félix Gautier : Le passé de L’Afrique du nord Les siècles obscurs du Maghreb,‬‬
‫‪Algérie-Livres éditions, Alger, 2001., p,34.‬‬
‫‪ _3‬فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة الحضارة و التاريخ‪ ،‬ترجمة يسوف شلب الشام‪ ،‬دار طالس للدراسات و الترجمة و النشر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،.1994 ،‬ص‪.41 ،‬‬
‫‪4 _ René Cagnat : « Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de L’Afrique du nord,‬‬
‫‪Librairie Renouard, H. Laurens, éditeur, Paris, 1909., pp, 2-3.‬‬
‫_ الشاذلي بورونية و محمد طاهر‪ :‬قرطاجة البونية تاريخ حضارة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،.1999 ،‬ص‪5.87 ،‬‬
‫‪6 _ Petit Larousse de L’Histoire du monde en 7000 dates, Mame imprimeurs, Tours, France,‬‬
‫‪2007., p, 46.‬‬
‫‪9‬‬
‫االستحواذ على الكنوز التي تركها خلفه وورثتها عنه األميرة‪ .1‬غير أن المعلومات التي‬
‫أوردها المؤرخون في هذا الشأن ال سيما التي ذكرها المؤرخ الروماني جوستان تعد في نظرنا‬
‫من ضمن األساطير اكتتبها بعض المختصين في الشؤون الفينيقية إلبراز مكانة المدينة في‬
‫عالم انتشرت فيه الخرافات والمالحم األمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تحديد مالبسات‬
‫وظروف تأسيس هذه المدينة بطريقة دقيقة ال يرقى إليها الشك‪ .‬فيذكر هذا األخير على أن‬
‫ساكنة صور ينحدرون من الفينيقيين الذين نزحوا إلى سواحل البحر بعد زلزال أصاب‬
‫موطنهم األصلي وأسسوا مدينة جديدة على ساحل ذلك البحر أطلقوا عليها صيدون التي‬
‫تعني السمك هنالك‪.2‬‬

‫والالفت لالنتباه استنادا على رواية المؤرخ الروماني سالف الذكر فإن وراثة العرش أصبحت‬
‫من نصيب األميرين بعد وفاة "ماتان" "موتو" أو " تيرون" ملك مدينة صور‪ .‬حيث ارتبطت‬
‫عليسا بالكاهن الذي سارع إلى إخفاء كنوزه وابعادها عن األنظار وذلك بدفنها في التراب بدال‬
‫من قصره مخافة أن يستولي عليها ابن اخته وعدوه اللدود بجماليون‪ ،‬وبعدما حلت الكارثة‬
‫بمقتل الكاهن‪ ،‬أرغمت زوجته على ركوب البحر واالحتيال في االستيالء على تلك الكنوز‬
‫والهروب بها بعيدا‪ .‬حيث ركبت في السفينة بمعية ‪ 80‬من أتباعها‪ ،‬وخدمها‪ ،‬وقامت بشحن‬
‫تلك الثروة الطائلة محاولة بذلك االستقرار خارج فينيقيا األم‪ .‬وعندما رست السفينة في جزيرة‬
‫قبرص لبعض الوقت رأت أنه من الحكمة والضرورة القصوى العمل على إخفاء تلك الكنوز‬
‫عن أعين الخدم جميعا فاهتدت إلى حيلة مفادها إيهام هؤالء بإغراق الحمولة بعد وضعها في‬
‫أكياس حتى ال تصبهم لعنة الكاهن األعظم‪ ،‬وقد اقتنع أولئك الرفقة بهذه الخدعة‪ .‬كما أنظم‬
‫إلى هذه السفينة الكاهن جونو معلقا أماله على أن يصبح ذات شأن عظيم حينما تستقر‬
‫عليسا بمكان ما بإفريقيا أو بالمدينة الجديدة التي كانت تحلم بتأسيسها‪.3‬‬

‫_ عادل سالم‪ " :‬قرطاج"‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬العدد ‪ ،678‬منشورات و ازرة اإلعالم‪ ،‬الكويت‪ ،.2015 ،‬ص ص‪1.20-18 ،‬‬
‫‪2 _ Justin : Histoire universelle, traduction nouvelle par Jules Pierrot et E. Boitard, tome2,‬‬
‫‪Paris, M DCCC XXX III. , p, 9.‬‬
‫‪3 _ Justin : op.cit., pp, 10-17.‬‬
‫‪10‬‬
‫وقبل أن تنطلق السفينة متجهة نحو سواحل الشمال اإلفريقي‪ ،‬تم شحنها بنحو ‪ 80‬فتاة بعدد‬
‫الخدم المرافقين لها‪ ،‬ومن هنا تكونت النواة األولى للمجتمع القرطاجي‪ ،‬وعندما وصلت‬
‫السفينة إلى أحد المرافئ التي كانت تحوي تلك المواصفات المطلوبة لالستقرار مثل احتواء‬
‫الموقع االستراتيجي الممتاز على الهواء العليل‪ ،‬ووفرة المياه النميرة‪ ،‬واألرض الخصبة‪،‬‬
‫والمراعي الغناء‪ ،‬والغابات الكثيفة‪ .‬اشترت األميرة الفينيقية قطعة أرض تقع على هضبة من‬
‫أحد الملوك المغاربة ويدعى آبي حسب األساطير‪ ،‬أوهيرباس مسايرة لقول جوستان‪.1‬‬
‫وأحاطتها بخيط قد من جلد ثور لتحدد موضع المدينة الجديدة الموعودة‪ ،‬وكان لها في النهاية‬
‫ما أرادت‪ .‬ويجمل بنا القول أن تأسيس المدينة في مثل هذه الظروف يدفعنا إلى االعتقاد أن‬
‫هناك خالف قوي بين القصر الملكي و المعبد حسبما ذهب إليه جل المؤرخين في هذا‬
‫الموضوع غير أن الواقع يثبت بما ال يدع مجاال للشك أن معبد إله حامي مدينة صور القى‬
‫بظالله على معبد مدينة قرطاج حيث قدس فيه اإلله " بعل ملقرط وبعل حمون" وكل‬
‫المقدسات التي كانت شائعة آنذاك‪ ،‬مثلما أكدته اللقى األثرية‪ .2‬ومهما يكن من شيء فإن‬
‫تأسيس مدينة قرطاج ال يختلف كثي ار عما اكتنف نشأة المدن من أساطير‪ ،‬وخرافات في‬
‫شمال إفريقيا منذ العصور القديمة إلى مشارف العصور الوسطى‪.‬‬

‫تبعا لما تقدم يتضح أن بداية ظهور قرطاج على مسرح األحداث كانت مسالمة مع مجاييليها‬
‫من الدول في حوض المتوسط بحيث بقيت لفترة طويلة تدفع الضرائب للمغاربة على هيئة‬
‫جزية قرابة ثالثة قرون أي في الفترة الممتدة ما بين سنة ‪ 814‬ق‪.‬م و ‪ 480‬ق‪.‬م وهي فترة‬
‫معتبرة إن دلت على شيء فإنما تدل عن عجزها أو باألحرى اتباعها لسياسة المهادنة‬
‫والليونة غير أن األمور تغيرت وأصبحت قرطاج ذات سطوة قادرة على بسط نفوذها و فرض‬
‫منطقها بداية من القرن ‪ 5‬ق‪.‬م وتحولت إذ ذاك من مركز تجاري إلى قوة بحرية كان هدفها‬
‫العمل بكل السبل من أجل السيطرة على الحوض الغربي للبحر األبيض للمتوسط‪ ،‬لهذا‬

‫‪1 _ Justin : op.cit., pp, 10-17.‬‬


‫‪2_ Mhamed fantar : « stèles épigraphes du tophet de Sousse », in revue des études‬‬
‫‪phéniciennes- puniques et des antiquités libyques,n°09, Tunis, 1995. p, 26.‬‬

‫‪11‬‬
‫السبب اتسع نفوذها وشمل جزيرة صقلية وسردينيا ومالطا وجنوب اسبانيا ويبدو أن المؤرخين‬
‫لم يدركو سر تلك العالقة التي كانت بين هذه المستوطنات ومدينة قرطاج إال أن المتعارف‬
‫عليه أن قرطاجة باشرت بالمحافظة على استقرار وأمن تلك المستوطنات على الرغم من انها‬
‫تتمتع باستقالليتها داخليا ومرتبطة بقرطاج من الناحية الخارجية‪ .‬وعند نشوب الحرب ضد‬
‫قرطاج تقوم هذه المستوطنات بالعمل المشترك لفائدة الجميع وال ندري على وجه الدقة كيف‬
‫استساغت هذه األخيرة قبول نفوذ السلطة القرطاجية بسهولة تامة‪ ،1‬و الحقيقة أن الظروف و‬
‫المالبسات التي طرأت على مسرح األحداث في المتوسط بدخول اليونانيين في حدود سنة‬
‫‪ 431‬ق‪.‬م سارع في تأليب هذه المستوطنات بطريقة متسارعة ضد الوافد الجديد الذي‬
‫استولى في بداية األمر على جميع المناطق و األماكن التي لم تكن فيها مستوطنات فينيقية‬
‫مثل جنوب إيطاليا وبالد الغال وكان هذا بدأ من القرن ‪ 8‬ق‪.‬م‪ .‬والموقف القرطاجي إزاء‬
‫األمر إقامة مرافئ جديدة قصد الحد من المد االغريقي‪ .2‬وال بد من القول أن هؤالء‬
‫القرطاجيين تمكنوا من التغلب على اإلغريق في جنوب إيطاليا على األقل في المعارك‬
‫البحرية التي وقعت في سنة ‪ 550‬ق‪.‬م وبالضبط في صقلية التي أصبحت محل صراع بين‬
‫المتخ اصمين ويمكن أن نالحظ بعض التغيير الذي ط أر على سياسة قرطاج الخارجية حيث‬
‫انفصلت نهائيا عن الوطن األم صور في الساحل الفينيقي كما قامت قرطاج بالتوقف في‬
‫الفترة ما بين ‪ 475‬ق‪.‬م و ‪ 405‬ق‪.‬م عن دفع الضرائب للمغاربة من السكان المحليين فضال‬
‫عن ضمها ألراضي شاسعة من ملك المغاربة كما شجعت قرطاجة أبنائها على القيام‬
‫بالرحالت االستكشافية في البحار لالستفادة أكثر من األسواق الجديدة إذ اشتهرت حملة‬
‫خملكان بشواطئ أوروبا الغربية اسبانيا‪ ،‬ورحلة حنون في طول الساحل اإلفريقي األطلسي‬
‫ويمكننا مالحظة استم اررية النزاع المسلح بين القوتين العظمتين إلى غاية ‪ 289‬ق‪.‬م عندما‬
‫استغلت قرطاج بعض الحيل محاولة بذلك السيطرة على جزيرة صقلية إال أنها لم تستطع‬
‫احتاللها بالكامل واكتفت بجزء منها فقط‪ .‬وأصبحت الجزيرة متنازع عليها مناصفة بين‬

‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.53 ،‬‬


‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪2.53-47 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫القوتين حيث احتل االغريق الجهة الشرقية من الجزيرة‪ ،‬والفينيقيين القرطاجيين الجهة الغربية‬
‫منها‪.‬‬

‫‪ _2‬المؤسسات السياسية في قرطاج‪:‬‬

‫سارع المغاربة إلى الترحيب بالتجار الفينيقيين الذين دخلوا المنطقة بطريقة سلمية‪ ،‬وشرعوا‬
‫في انشاء محطات‪ ،‬ومراكز تجارية جديدة كان الغرض منها مقايضة السلع المحلية بسلع‬
‫مجلوبة من الحوض الشرقي للبحر المتوسط‪ ،‬دون إبداء الرغبة في االستقرار القسري األمر‬
‫الذي جعلهم يلجؤون إلى دفع مقدار معين من المال على األقل منذ القرن ‪ 6‬ق‪.‬م _ فترة‬
‫ظهور النقود واستعمالها في العالم القديم_ وهو ما جعل المغاربة يغضون الطرف عن هذا‬
‫االستيطان‪ ،‬وقد استمر تقديم تلك األموال إلى غاية القرن ‪ 5‬ق‪.‬م‪ .‬والجدير بالمالحظة أنه‬
‫ينبغي أن نميز بين المراكز الفينيقية و القرطاجية من ناحية وبين تلك التي اندمجت في‬
‫الحضارة الفينيقية‪ .‬ويبدو واضحا أن قرطاجة كانت مسؤولة دون غيرها عن توفير األمن‬
‫وأسبابه لتلك المستوطنات‪ ،‬والمراكز‪ ،‬ثم ضمانه بعد ذلك مما دفعها جميعها لالعتراف‬
‫بسلطتها من الناحيتين السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وفضلها الثقافي من جهة ثانية على‬
‫أن يكون لهذه المراكز الحرية المطلقة في تسيير شؤونها الداخلية بنفسها‪ .‬والالفت لالنتباه ان‬
‫العالقات مع المغاربة في الفترة السابقة للقرن ‪ 5‬ق‪.‬م اتسمت بتأثير الديانة الفينيقية على بالد‬
‫المغرب والشمال اإلفريقي برمته‪ ،1‬ال سيما طغيان عبادة اإلله " بعل حمون " اإلله األعلى‬
‫في العالم الفينيقي ببالد المغرب‪ ،2‬واإللهة " تانيت "‪ 3‬التي برزت عبادتها في القرن ‪ 5‬ق‪.‬م‬
‫كمعبودة شعبية ذاع صيتها مثل النار في الهشيم بتعبير محمد بيومي مهران‪ ،4‬فضال عن‬
‫تجذر مختلف الطقوس‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬و األعراف‪ ،‬والممارسات الجنائزية مثل حرق جثامين‬
‫الموتى‪ ،‬واالحتفاظ برمادهم الناجم عن ذلك ووضعه في األواني الفخارية التي عثر على‬

‫_ محمد بيومي مهران‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪1.2011-209 ،‬‬


‫_ محمد بيومي مهران‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪2.211-209 ،‬‬
‫‪3 _ Zeineb Doublon Ben Abdallah et Liliane Ennabli : « Caelestis et Carthage », Revue‬‬
‫‪Antiquités Africaines, 34, France, 1998. pp, 175-178‬‬
‫_ محمد بيومي مهران‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪4.212 ،‬‬

‫‪13‬‬
‫نماذج منها بمنطقة الخروب بضواحي مدينة قسنطينة _ سيرتا الحاضرة العتيدة_ كشاهد‬
‫مادي عن هذه السلوكيات‪ .‬وهذه الظاهرة الجنائزية كانت تعرف بمصطلح التوفات مسايرة‬
‫لقول فرانسوا دوكري‪.1‬‬

‫وقبل أن نشرع في الحديث عن الدور الحضاري القرطاجي وازدهاره‪ ،‬ثم امتداده على هذه‬
‫الربوع لزمنا إزاء ذلك أن نتناول بالدراسة والمعالجة ولو بإيجاز جملة من مظاهر المنظومة‬
‫السياسية القرطاجية التي ينبغي القول بأنه في أول األمر وخالل تأسيس المدينة الجديدة "‬
‫قرطة حدشت " كان النظام السياسي المتبع فيها صورة مطابقة لما كان سائدا بل ومعموال به‬
‫في فينيقيا األم _ مدينة صور _ في ذلك الزمن‪ ،‬تبعا للتقاليد المرعية المقتبسة من بالد‬
‫اإلغريق في تلك الفترة الزمنية‪ .2‬وهذا بطبيعة الحال قبل اندالع الحروب البونية بالسواحل‬
‫القريبة من جزيرة صقلية في الفترة ما بين سنوات ‪ 264‬و‪ 241‬ق‪.‬م بسب تعنت المرتزقة‬
‫الممارتيين الذين بادروا بتأزيم األوضاع واشعال فتيل النار في المنطقة المتنازع عليها‪ .‬والتي‬
‫سنتناول جانبا مهما من تلك المؤسسات السياسية التي كان يناط بها أمر تسيير شؤون‬
‫قرطاجة فيما يلي‪:‬‬

‫أ_ نظام السبطان‪:‬‬

‫انتشر نظام " السبطان " (‪ ،3)suffètes‬في مدن شمال إفريقيا تمشيا مع واقع البالد ذاتها‪،4‬‬
‫فلقد شهدت مدينتي قالمة‪ ،‬وسيرتا هذا النمط من السلطة‪ .5‬ويتولى الحكم في قرطاجة خاصة‬
‫الملكان اللذان يتم انتخابهما من أسرتين متباينتين في الحواضر النوميدية‪ ،‬والموريطانية لعهدة‬
‫واحدة تقدر بسنة كاملة‪ .‬وهذه الطريقة تشبه إلى حد بعيد نظام الملكين المعروف بمصطلح‬
‫(‪ )basileus‬اللذين كانا يحكمان مدينة " إسبرطة" اإلغريقية‪ ،‬ونظام القنصلين الذي ساد عند‬

‫‪1 _ François Decret et Mhamed Fantar : op.cit., P, 57.‬‬


‫‪2 _ Jacques Ellul : Histoire des institutions de L’antiquité, presses universitaires de France,‬‬
‫‪paris, 1963., p , 9.‬‬
‫‪3 _ Auguste Audollent : Carthage Romaine 146 avant Jésus-Christ – 698 après jésus- christ,‬‬
‫‪université de paris, éditions thorin et fils, Paris, 1901. p, 223.‬‬
‫‪4 _ François Decret et Mhamed Fantar : op.cit., p, 65.‬‬
‫‪5 _ Stéphane Gsell : L’Algérie dans L’antiquité, Adolphe Jourdan éditeur, Alger, 1903. p,30.‬‬
‫‪14‬‬
‫الرومان برهة من الزمن‪ .‬ومن مهامهما ذات الشأن الخطير أنهما كانا يستدعيان لترأس‬
‫اجتماعات مجلس الشيوخ في دوراته العادية‪ ،‬واالستثنائية‪ ،‬زيادة على تحضير وتنظيم رزنامة‬
‫األعمال المدرجة أثناء االجتماعات‪ ،‬وفي نهاية األمر يقوم أحد السبطين بقراءة الق اررات التي‬
‫سيصادق عليها المجلس‪ ،‬كما يقومان بقيادة الجيش خالل الحرب‪ ،‬ويسهران على استقرار‬
‫البالد عند تفشي الفتن‪ ،‬والقالقل‪ .‬ولقد توصل بعض الباحثين إلى االستنتاج من خالل تحليل‬
‫كتابة دستورية تم العثور عليها بمدينة دجة في تونس‪ ،‬إن نظام السبطان السائد هنا طبق‬
‫بصرامة تبعا لرغبة‪ ،‬وتقاليد السكان المحليين‪ .1‬ومن أشهر العائالت التي حظيت بهذا‬
‫المنصب الخطير عائلتي الماغونيين‪ ،‬والبرقيين اللتان استحوذتا على الحكم في قرطاجة من‬
‫أواسط القرن ‪ 6‬ق‪.‬م إلى مائة سنة بعد ذلك اعتمادا على االغراءات‪ ،‬والرشاوي‪ ،‬ومن البديهي‬
‫أن تتنافس كلتا العائلتين على السلطة والنفوذ فيما بينها باستعمال المكائد‪ ،‬والدسائس قصد‬
‫نيل المآرب‪.2‬‬

‫ب_ مجلس الشيوخ‪:‬‬

‫يتألف مجلس الشيوخ في مملكة قرطاجة من لجان دائمة تتولى دراسة مختلف المسائل‬
‫الراهنة التي تخص المجاالت االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية المطروحة على بساط‬
‫النقاش بإلحاح شديد‪ .‬ويبلغ عدد أعضاء هذا المجلس ثالث مائة عضو على األقل‪ ،‬يتم‬
‫انتخابهم من الطبقة األرستقراطية الميسورة مدى الحياة‪ .‬وللمجلس وحده صالحية الفصل في‬
‫إقرار السلم والحرب‪ ،‬واإلدارة العليا لجميع الشؤون العمومية زيادة على هذا نجد من بين‬
‫مهامه تولية‪ ،‬وعزل قادة الجيش‪ ،‬وأيضا استقبال السفراء‪ ،‬والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في‬
‫البالد والتابعة للدول المتعامل معها من جهة‪ ،‬وارسال البعثات الدبلوماسية نحو تلك الدول‬
‫من جهة ثانية‪ .‬كما بإمكانه إصدار األوامر والترخيص بتجنيد المرتزقة‪ ،‬والعبيد أثناء‬

‫‪1 _ François Decret et Mhamed Fantar : op.cit p, 66.‬‬


‫‪ _2‬عثمان الكعاك‪ :‬موجز التاريخ العام للجزائر من العصر الحجري إلى االحتالل الفرنسي‪ ،‬تقديم ومراجعة أبو القاسم سعد‬
‫هللا ‪،‬محمد البشير الشنيتي‪ ،‬ناصر الدين سعيدوني‪ ،‬إبراهيم بحاز‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،.2003 ،‬ص‪،‬‬
‫‪.41‬‬

‫‪15‬‬
‫الحروب‪ .‬وسن القوانين‪ ،‬والتشريعات‪ ،‬وفرض الرقابة المالية على الميزانية العامة‪ ،‬فضال عن‬
‫متابعة تنفيذها بحذافيرها على أرض الواقع‪.‬‬

‫وهذا المجلس يطلق عليه في بالد اإلغريق جيروسيا التي تعني الشيخ‪ ،‬ما يدل على أن‬
‫األعضاء المنخرطين كانوا طاعنين في السن‪ ،‬أو هم في فترة الكهولة‪ .‬ويجتمع المجلس في‬
‫قصر يقع في الساحة العامة للمدينة بين قلعة بيرسا‪ ،‬والمرفأين‪ ،‬كما تعقد بعض الجلسات‬
‫الخاصة في معبد أشمون‪ .‬وبقيت الشروط التي تؤهل المواطن ألن يكون ناخبا مجهولة‪،‬‬
‫وحق ممارسة االنتخاب واإلدالء باألصوات منع على الغرباء‪ ،‬والعبيد‪ ،‬والمعتقين سواء‬
‫بسواء‪.1‬‬

‫ت_ مجلس القضاء‪:‬‬

‫يشبه المحاكم اإلدارية اليوم‪ ،‬يطلق عليه محكمة المائة‪ ،‬ويأتي في الترتيب الثاني من حيث‬
‫األهمية بعد مجلس الشيوخ مباشرة‪ ،‬ويتألف من مائة وأربعة أعضاء‪ ،‬يتم انتخابهم وتعيينهم‬
‫مقابل ما قدموه من أعمال‪ ،‬وبذلوه من مجهودات في خدمة الصالح العام‪ ،‬شريطة أن توفر‬
‫لديهم الكفاءة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والتجربة‪ .‬ونستطيع أن نقارن هذا المجلس بالمحكمة العليا لمدينة‬
‫إسبرطة التي يطلق عليها االيفورة (‪ .2)ephorat‬وقد كان أعضاء هذا المجلس القضائي‬
‫يقومون بأعمالهم في الفصل بين الخصومات‪ ،‬وفض النزاعات بين المتقاضين مجانا‪ ،‬فال‬
‫يتقاضون أج ار عن ذلك مهما كثر أو قل‪ .3‬وكان منوطا بهم مراقبة السبطين‪ ،‬وقادة الجيش‪،‬‬
‫ومحاكمتهم عندما تتطلب الضرورة ذلك‪ ،‬عالوة على محاربة الفساد بواسطة تسليط سيف‬
‫ديمو كليس على مرتكبي المخالفات بتعبير ذلك الزمن‪.‬‬

‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬تاريخ قرطاج‪ ،‬ترجمة إبراهيم بالش‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،.1981 ،‬ص‪1.76 ،‬‬
‫_ أحمد صفر‪ :‬مدنية المغرب العربي في التاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬دار النشر بوسالمة‪ ،‬تونس‪ ،.1959 ،‬ص‪2.108 ،‬‬
‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪3.75 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫ث_ مجلس الشعب‪:‬‬

‫يالحظ منذ القرن السادس اهتمام الشعب بالشؤون العامة للبلد‪ ،‬ومشاركته الفعالة في جميع‬
‫المسائل التي لم يحصل بشأنها اتفاق في المجالس العليا‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن السبطين‬
‫أرادا ايهام المجتمع بأن هناك فئة من الجماهير الشعبية لها مكانتها في دواليب السلطة‬
‫ذر للرماد في العيون ليس إال‪.‬‬
‫العليا‪ ،‬وربما يكون هذا ا‬

‫إن أعضاء هذا المجلس هم في األساس المواطنون المنحدرون مباشرة من أصول فينيقية‬
‫قرطاجية‪ ،‬فال يترك العبيد‪ ،‬والغرباء األجانب ينضمون إليه‪ .‬وال يحضر الجلسات إال من‬
‫توفرت فيه جملة من الشروط مثل بلوغ السن القانونية والرشاد‪ ،‬والحرية‪ ،‬والجنسية القرطاجية‪،‬‬
‫زيادة على االنتماء إلى العائالت الغنية متمثلة في التجار‪ ،‬وكبار الموظفين التابعين للدولة‪،1‬‬
‫ويمكن أن تدرس فيه المسائل التي يتم معالجتها بين الملكين‪ ،‬ومجلس الشيوخ‪ ،‬وهناك بعض‬
‫المؤسسات‪ ،‬والهيئات السياسية األخرى مثل‪:‬‬

‫ج_ مجلس الثالثين‪:‬‬

‫يتألف هذا المجلس الحكومي‪ ،‬أو الهيئة اإلدارية المعروفة في النصوص التاريخية باسم‬
‫(‪ )triginta-viri‬كما هو ظاهر اسمه من ثالثين عضوا‪ ،‬إال أن علماء اآلثار عثروا على‬
‫نقيشة في مدينة مكثر بتونس‪ ،‬بها ما ال يقل عن إثنين وثالثين عضوا على اعتبار أن‬
‫اإلثنين األخرين هما رئيس المجلس ونائبه‪ .‬ومهامه _ المجلس _ الرئيسة المنوط بها‪،‬‬
‫والحريص على تنفيذها بصرامة تتجسد في فرض الضرائب المختلفة على من وجبت عليه‬
‫دفعها‪ ،‬وتحصيلها بموجب القوانين‪ ،‬والمراسيم السارية المفعول‪ ،‬والمصادق عليها من قبل‬
‫مجلس الشيوخ آنف الذكر‪ .‬وله على ما يبدو دور كبير في القيام ببعض المهام الخطيرة‬
‫ضمن مجلس المائة وأربعة مجسدة في رئاسة لجنة عليا‪.2‬‬

‫_ أحمد صفر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.109 ،‬‬


‫‪2 _ Charles Clermont Ganneau : « Le conseil des trente à Carthage », journal des savants, n°‬‬
‫‪05, 19° année, France, 1921., p , 227.‬‬
‫‪17‬‬
‫ح_ لجنة العشرة‪:‬‬

‫تتألف هذه اللجنة من عشر موظفين ومن مهامهم تسيير شؤون المعابد‪ ،‬والنظر في أمر‬
‫تقديم القرابين لآللهة‪ ،‬وتنظيم الطقوس الدينية المتنوعة المرافقة لها‪ ،‬وحاصل القول إن النظام‬
‫السياسي القرطاجي تطور وتغير بمرور الزمن غير أنه كان يعتمد على السلطة العليا ممثلة‬
‫في السبطين‪ ،‬ثم السلطة االرستقراطية ممثلة في مجلس الشيوخ ومجلس الشعب‪.1‬‬

‫ثالثا‪ :‬الرحالت القرطاجية في القرن الخامس قبل الميالد‪_:‬‬

‫ال شك أن ركوب البحر كان واليزال مهمة شاقة اهتدت إليه شعوب البحر األبيض المتوسط‬
‫منذ العصر القديم قصد اكتشاف مواطن جديدة‪ .‬فلقد عرفنا إن القبائل في شبه الجزيرة‬
‫العربية هاجرت وحطت الرحال في الساحل الفينيقي خالل األلفية الرابعة بحثا عن بالد‬
‫أرحب‪ ،‬وسماوات أكثر رحمة من تلك التي كانوا يعيشون تحتها‪ ،‬فضال عن الرخاء‬
‫االقتصادي المرجو‪ ،‬ووفرة المياه‪ ،‬وخصوبة األرض‪ ،‬وغنائها بالكأل‪ ،‬من أجل ذلك نجد‬
‫الشعوب في القديم وعلى رأسها الفينيقيون كانوا يسعون دائما إلى االستكشاف‪ ،‬ثم االستقرار‬
‫في األماكن الواسعة‪ ،‬والرحبة الغنية بالتبر _ غضار الذهب _ بحيث اتجهوا نحو السودان‬
‫جنوبا‪ ،‬وبحثا عن المعادن بمختلف أنواعها باتجاههم نحو اسبانيا‪ ،2‬وبريطانيا الصغرى وجزر‬
‫كرنواي‪.3‬‬

‫وربما كان لسابق معرفتهم بهذه المنطقة في الفترة ما بين القرنين الثامن والسابع قبل الميالد‬
‫دافع قوي للقيام بمثل هذه الرحالت االستكشافية كما يستنتج من الكتابات التي عثر عليها‬

‫_ أحمد صفر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.111 ،‬‬


‫‪2 _ Jehan Desanges : « Remarques critiques sur l’hypothèse d’une importation de l’or‬‬
‫‪africain dans le monde phénico-punique » , actes du deuxième congrès international‬‬
‫‪d’étude des cultures de la méditerranée occidentale, T°2, société nationale d’édition et de‬‬
‫‪diffusion, Alger, 1978. p, 52-55.‬‬
‫‪3 _ Sabatino Moscati : « L’expansion phénico-punique dans la méditerranée occidentale »,‬‬
‫‪actes du deuxième congrès international d’étude des cultures de la méditerranée‬‬
‫‪occidentale, T°2, société nationale d’édition et de diffusion, Alger, 1978. p,11.‬‬
‫‪18‬‬
‫علماء األثار في شبه الجزيرة اإلبرية‪ .1‬ولقد تأسست بعض المرافئ التي تحولت بمرور الزمن‬
‫إلى مستوطنات‪ ،‬بل ومدن منتشرة في ساحل الشمال اإلفريقي ومنها تلك التي جاءت تباعا‬
‫بعد تأسيس إمبراطورية قرطاج وأصبحت خاضعة لها فيما بعد‪ ،‬ومنها على سبيل الذكر‬
‫هيبوريجيوس (عنابة)‪ ،‬روسيكاد (سكيكدة)‪ ،‬وشولو (القل)‪ ،‬وايجيلجيلي (جيجل)‪ ،‬وسالداي‬
‫(بجاية)‪ ،‬وروسا زوس (أزفون)‪ ،‬وغيرها‪.2‬‬

‫فمادام الفينيقيون الذين أسسوا قرطاجة يطمحون إلى الثراء‪ ،‬والبحث عن آفاق أرحب مهما‬
‫كانت الظروف‪ ،‬والعوائق فإننا وجدناهم كأمة بحرية كثر فيها شداد األفاق‪ ،‬ومن أشهر‬
‫الرحاالت التي قام بها هؤالء القوم ما يلي‪:‬‬

‫‪ _1‬رحلة حنون‪:‬‬

‫قام أحد الملوك ويدعى حنون الماقوني برحلة انطالقا من ميناء قرطاجة خالل القرن الخامس‬
‫قبل الميالد أي حوالي سنة ‪ 480‬ق‪.‬م‪ ،‬بهدف تأسيس مراكز ومستوطنات جديدة وتعزيز‬
‫سوق الذهب كما مربنا‪ .3‬وقد أنظم إلى الركب البحري الليبيون‪ ،‬والمغاربة إلى جنب البحارة‬
‫القرطاجيين‪ .‬وكان يحبذ آنذاك أن يكون خط المسير خارج أعمدة هرقل _ مضيق جبل‬
‫طارق _ قصد انشاء محطات‪ ،‬ومراكز تجارية‪ ،‬ومدن جديدة بعيدا عن المجال الفينيقي‪،‬‬
‫حيث ركب البحر في أسطول ضخم قوامه ستون سفينة ذات الخمسين مجدافا‪.‬‬

‫ويقال حسب بعض المؤرخين إن هذه المراكب شحنت بحوالي ثالثين ألفا ما بين رجال ونساء‬
‫من التجار والمغامرين‪ ،‬زيادة على حموالت المؤن الضرورية‪ .‬كما أن هذه الرحلة جاءت بعد‬
‫معركة هميرة الشهيرة في سنة ‪ 480‬ق‪.‬م التي انكفأت فيها الجيوش القرطاجية أمام اإلغريق‬
‫قرب جزيرة صقلية‪ ،‬األمر الذي شجع القرطاجيين أكثر من أي وقت مضى على اتباع‬

‫‪1 _ Maria Giulia Amadasi : « Remarques sur la présence phénico-punique en Espagne‬‬


‫‪d’après la documentation épigraphique », actes du deuxième congrès international d’étude‬‬
‫‪des cultures de la méditerranée occidentale, T°2, société nationale d’édition et de diffusion,‬‬
‫‪Alger, 1978. p, 38.‬‬
‫_ فرانسوا دوكريه‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪2.98 ،‬‬
‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪3.86 ،‬‬

‫‪19‬‬
‫سياسة توسعية وكسب مواقع جديدة‪ .‬وتخبرنا بعض النصوص التاريخية أن رفقاء حنون‬
‫استطاعوا خالل هذه الرحلة تأسيس مدينة أطلق عليها اسم تيماتيريون وهي مدينة المهدية‬
‫المحاذية لمدينة الرباط _عاصمة المملكة المغربية_ بالقرب من مصب نهر سبو بمدينة‬
‫القنيطرة‪ .‬ثم قاموا بتأسيس مدينة أخرى هي صوليس التي يقال لها رأس كانتان حاليا _تقع‬
‫شمال مدينة آسفي _ على المحيط األطلسي‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك قاموا بإنشاء معبد خاص برب البحر بوصيدون‪ ،‬وحينما كان حنون يخطو‬
‫خطوات كبرى عبر الساحل اإلفريقي المطل على المحيط أسس العديد من المراكز منها‬
‫تجدار‪ ،‬كريان‪ ،‬جتة‪ ،‬مليتة‪ ،‬أرفيس‪ ،‬وهي تقع جميعها بين الصويرة وأكادير بالمغرب‬
‫األقصى‪ ،1‬وانتهى به األمر على ساحل الكاميرون جنوبا‪.‬‬

‫‪ _2‬رحلة خملكان‪:‬‬

‫انطلقت هذه الرحلة البحرية من ميناء قرطاج‪ ،‬باتجاه قادس الواقعة على مسافة قريبة من‬
‫مضيق جبل طارق‪ .‬حيث جاب البحار األوروبية حتى استوت سفنه على سواحل إيرلندا‬
‫وكان غرضه البحث عن القصدير‪ ،‬ويالحظ أن هذه الرحالت جميعها خدمة لالقتصاد‬
‫القرطاجي‪ .‬استغرقت هذه الرحلة قرابة أربعة أشهر تمكن خاللها من معرفة بالد تختلف تماما‬
‫عن قرطاج حيث كانت تظهر له أحيانا حيوانات بحرية ضخمة تمر من أمام سفنه البطيئة‬
‫إذ تعطل خملكان في سيره نظ ار لرسوه في مناطق ساحلية وأماكن مغايرة‪ ،‬أو نظ ار للعوائق‬
‫التي اعترضته قرب جزر البرتغال‪ .‬ويقال إن رحلة خملكان كانت في أبسط األحوال تقطع‬
‫في مدة وجيزة ال تتعدى األسبوعين‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن الركب وصل إلى منطقة موربهان‬
‫)‪ )Morbihan‬التي كان ساكنتها يصبون القصدير على شكل قوالب وسبائك تشحن عادة‬

‫في قوارب إلى المناطق البعيدة‪ ،‬كما أن مناجم القصدير أخذت تتقلص بالتدريج بدءا بسنة‬
‫‪ 500‬ق‪.‬م وكان ذلك في فرنسا‪ .‬أما في بريطانيا فبدأ االزدهار يرتقي إلى مناجمها الشيء‬

‫‪ _1‬محمد محي الدين المشرفي‪ :‬إفريقيا الشمالية في العصر القديم‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الكتب العربية‪ ،‬المملكة المغربية‪،.1969 ،‬‬
‫ص‪.54 ،‬‬

‫‪20‬‬
‫الذي دفع البحار القرطاجي للقيام بهذه المغامرة من أجل المعاينة الميدانية لهذه المناجم فلم‬
‫يمكث طويال في فرنسا‪ ،‬وعجل بالرحيل إلى بريطانيا‪.1‬‬

‫تبعا لما سبق يتضح أن رحلة حنون انطلقت من قرطاجة إلى سواحل الكاميرون بالمحيط‬
‫األطلسي بهدف تأسيس مستوطنات ومراكز تجارية جديدة من أجل الحصول على التبر عن‬
‫طريق البحر حيث تمكن هذا األخير من إنشاء ستة مراكز جديدة على سواحل موريطانيا‪.‬‬

‫أما رحلة خملكان فكانت من أجل اكتشاف القصدير‪ ،‬واإلفادة منه‪ ،‬وقد انطلقت من قادس‬
‫إلى بريطانيا الفرنسية " موربهان " وصوال إلى إيرالندا التي تتوفر على القصدير‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االقتصاد القرطاجي‪_:‬‬

‫اجمع ساكنة المعمورة في العصر القديم على أن الفينيقيين امتازوا بالدهاء‪ ،‬والنشاط‬
‫المتواصل الذي سهل لهم السيطرة على جميع شعوب البحر األبيض المتوسط ال سيما في‬
‫المجال التجاري‪ .‬كما عرف عنهم غشهم‪ ،‬وجشعهم‪ ،‬وحبهم للمال حبا جما‪ ،‬وجمعهم له بكل‬
‫األ ساليب‪ ،‬وأنهم مارسوا التجارة بشكل جيد حتى أصبحت من أهم النشاطات المزدهرة في‬
‫قرطاجة والمدن التابعة لها‪ .‬وقد باشروا بفتح األسواق وبيع سلعهم حتى باستعمال القوة‪ ،‬أو‬
‫بإبرام اتفاقيات‪ ،‬أو بتأسيس مراكز تجارية هذا باستعمالهم جميع الحيل‪ .‬فمنذ أول وهلة وطأت‬
‫فيها أقدا م الفينيقيين أرض قرطاج كان هدفهم الوحيد الحصول على المال‪ ،‬والسيطرة على‬
‫مجال حوض المتوسط من أجل تحقيق ذلك الغرض‪ .‬وأمكنهم تحقيق ذلك الهدف خالل‬
‫القرنين الخامس والرابع قبل الميالد‪ ،‬ببسط نفوذهم على روما بمعاهدة تم توقيعها في سنة‬
‫‪ 589‬ق‪.‬م‪ ،‬وبعدها بمعاهدة بفترة طويلة سنة ‪ 348‬ق‪.‬م جاء في محتواهما تضييق الخناق‬
‫على الرومان وعلى حلفائهم في المجال التجاري‪ ،‬في المدن اإلفريقية‪ ،‬واألوروبية‪ .‬بمعنى‬
‫أنهم كانوا يحتكرون التجارة في البحر المتوسط‪ .‬وفرض المنطق ذاته مع اليونانيين وبالحدة‬
‫ذاتها‪ .‬وبنت قرطاج ميناءين (واحد تجاري‪ ،‬واآلخر حربي) ولجأت إلى نظام سياسي‬

‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.85 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫واقتصادي يوافق تنظيمها التجاري الذي أصبح المفتاح السحري للحضارة القرطاجية بتعبير‬
‫مادلين هورس ميادان‪.1‬‬

‫ويبدو أن هذه السياسة المطبقة حيال تلك الدول‪ ،‬جعلت القرطاجيين أكثر صرامة في اتخاذ‬
‫المحارس البحرية على جميع السواحل المتمركزين بها لمراقبتها‪ ،‬ما يؤكد أن هؤالء كانوا‬
‫يسيطرون على الحوض الغربي للبحر المتوسط برمته بدءا بالقرن الخامس قبل الميالد بعدما‬
‫استقلت قرطاج بصفة نهائية عن مدينة صور‪.‬‬

‫ويحسن بنا القول إن هذا النشاط االقتصادي بدأ بمقايضة سلعة مقابل سلعة‪ ،‬واستمر على‬
‫هذه الوتيرة حتى ضربت النقود في أواخر القرن الخامس تبعا للطراز اإلغريقي الذي كان‬
‫سائدا وقتذاك‪ .‬ثم سكت العملة ذات الطابع الفينيقي وأصبحت قرطاجية خالصة في القرن‬
‫الرابع قبل الميالد‪ .‬وعالوة على هذا كانت قرطاج تستورد كل ما تحتاج إليه من مؤن ومواد‬
‫أولية فكان التبر‪ ،‬والذهب يأتي من الجنوب أي من الدول اإلفريقية المطلة على سواحل‬
‫األطلسي‪ ،‬والقصدير من إسبانيا‪ ،‬وفرنسا كما مر بنا في رحلة خملكان فضال على أنها كانت‬
‫تستورد كل ما ينقصها من أخشاب من سواحل البالد المغربية لصناعة السفن‪ ،‬وزيادة على‬
‫ذلك كان السمك يستورد من موريطانيا‪ .‬فقد عرف عن القرطاجيين شغفهم بأكل األسماك‬
‫المجففة‪ ،‬والمملحة حيث أنشئت بعض المستودعات لتخزين تلك األسماك في مناطق‬
‫خاضعة لرقابتهم سيما في خليج السيرت‪ ،‬وجربة‪ ،‬وسواحل إسبانيا‪ .‬وسرعان ما استعملوا‬
‫الصدف المعروف بالموركس في صنع صبغة األرجوان التي عرفت ازدها ار كبي ار في القديم‪.2‬‬

‫_‪ 1‬النشاط الصناعي‪:‬‬

‫اهتم القرطاجيون بالصناعة‪ ،‬فشيد كبار رجال الدولة بعض المصانع الخاصة بممارسة العبيد‬
‫واألحرار لها فالحرف‪ ،‬والصنائع الزجاجية‪ ،‬والعاجية‪ ،‬والفخارية‪ ،‬والخزفية‪ ،‬والمصابيح‪،3‬‬

‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.91 ،‬‬


‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪2.90،‬‬
‫‪ _3‬أشالف فطومة‪ " :‬عوامل ومظاهر تطور الصناعات الحرفية في فينيقيا"‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪ ،‬العدد‪ ،18:‬قسم‬
‫التاريخ‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2‬الجزائر‪ ،.2015 ،‬ص ص‪.12-11 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫والتماثيل‪ ،‬والحلي‪ ،‬واألثاث وما إليها التي عرفت رواجا لم يكن باإلتقان ذاته مع ما كان‬
‫يصنع عند اإلغريق في تلك الفترة‪.1‬‬

‫أما الصناعة الحربية فكانت مزدهرة‪ ،‬وتمارس لصالح الجيش الذي كان يتطلب تزويده بما ال‬
‫يقل عن ثالثين ألفا من السهام‪ ،‬والحراب‪ ،‬والتروس‪ ،‬والدروع وما يحتاجه المقاتل في ميدان‬
‫الحرب البرية‪ ،‬والبحرية‪ .‬وهذه اآلالت الحربية كانت تصنع داخل أفران‪ ،‬ومعامل خاصة‪،‬‬
‫وكان القرطاجيون يهتمون أكثر بصناعة السفن بنوعيها التجاري‪ ،‬والحربي‪ .‬فقد احتاج‬
‫األسطول خالل سنة ‪ 480‬ق‪.‬م إلى قرابة ‪ 3000‬سفينة لنقل العساكر والمؤن واألثاث حيث‬
‫صنعت السفن التجارية ذات الهيكل المستدير‪ .‬أما السفن القتالية فكانت هياكلها الخارجية‬
‫أكثر ضخامة‪ ،‬وصالبة األمر الذي يجعلها على أهبة لقطع أشواط واسعة في أعالي البحار‪.‬‬
‫وزيادة على هذا فقد استغلت الورش الخاصة بعمل الفؤوس‪ ،‬والمطارق اليدوية والصفائح‬
‫الحادة التي يستخرج منها السيوف القاطعة مقلدين بذلك ما كان سائدا عند اإلغريق‪.‬‬

‫وتبعا لكون الحضارة أخذ وعطاء وأنها ال يمكن أن تنصهر‪ ،‬وتأتي بنتائج ملموسة إال بوجود‬
‫قاعدة فنية‪ ،‬واستقرار تام‪ ،‬وفترة زمنية تستغل في االقتباس‪ ،‬والتقليد ثم االبتكار‪.‬‬

‫والجدير بالمالحظة أن هناك تنوع في المواد األولية كان يغطي حاجيات ومتطلبات البالد‬
‫الداخلية فقط‪ .‬ويشير بعض المؤرخين إلى أن اليد العاملة القرطاجية لم تكن مؤهلة بكيفية‬
‫جيدة مقارنة بنظيرتها اإلغريقية ذلك أن أولئك الصناع القرطاجيين ال يتقنون أعمالهم بشكل‬
‫كاف وال يحسنون القيام بها وفقا للمعايير السائدة في العالم القديم‪ ،‬بل كانوا يكتفون ببيع‬
‫منتجاتهم نصف مصنعة بحثا عن الربح السريع والثراء وجمع الثروة من أقصر الطرق‬
‫المتاحة‪.2‬‬

‫_ نفسه‪ ،‬ص ص‪1.120-106 ،‬‬


‫_ محمد أبو المحاسن عصفور‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪2.115-113‬‬

‫‪23‬‬
‫والالفت لالنتباه أن قرطاج بعد انفصالها النهائي عن مدينة صور أصبحت مرفأ هاما لرسو‬
‫السفن المشحونة بالبضائع من مختلف األماكن‪ ،‬وربما كان هذا من العوامل التي أدت‬
‫بالقرطاجيين إلى عدم االهتمام والعناية بالصنائع المتنوعة ومحاولة تطويرها‪ ،‬حتى أنهم‬

‫استعانوا ببعض الحرفيين‪ ،‬والصناع من مختلف المهن‪ ،‬الذين جاؤا رأسا من مدينة صور‬
‫بالذات قبل انقطاع وشائج القربى معها‪ .‬ورغم ما قيل حول الصناعة وتقهقرها في المجتمع‬
‫القرطاجي فإنه ال يمكننا إغماطهم حق المهارة والبراعة والتميز في صناعة السفن التي‬
‫اعتمدت غالبا على وفرة خشب أشجار األرز في فينيقيا في بداية األمر‪ ،‬وكانت تتوفر بشكل‬
‫كبير خالل تلك الفترة في قرطاجة وأرباضها مع استغالل أشجار السرو‪.‬‬

‫وان القرطاجيين أضافوا إلى هذه األخشاب‪ ،‬واألشرعة والحبالة على الرغم من أن هؤالء هم‬
‫من ابتكر الشراع الالتيني في الحوض الغربي للبحر المتوسط‪ ،‬كما برعوا في صناعة النسيج‬
‫والحياكة وطوروها ‪ ،‬وقد ساعدهم في ذلك وفرة المواد األولية أي األصواف‪ ،‬والجلود التي‬
‫توفرت بكثرة في المنطقة‪ .‬وراجت حينذاك صناعة الزرابي واأللبسة‪ .‬فضال عن ازدهار دباغة‬
‫الجلود‪.1‬‬

‫‪ _2‬النشاط الفالحي‪:‬‬

‫يبدو أن النشاط التجاري أخذ النصيب األوفر من اهتمام القرطاجيين في المجال االقتصادي‬
‫حتى أنهم عرفوا به من تأسيس مدينتهم في القرن التاسع قبل الميالد‪ .‬إال أن األمور تغيرت‬
‫كما تقدم‪ ،‬وذلك منذ القرن الخامس قبل الميالد فبعد استقالل قرطاجة عن الوالء لمدينة صور‬
‫أصبح من الضروري أن تلبى حاجيات ومتطلبات السكان من المحاصيل الزراعية كالقمح و‬
‫الشعير‪ ،‬والزيت و الخضر‪ ،‬والفواكه التي كانت في السابق تورد من فينيقيا األم‪ ،‬األمر الذي‬
‫دفع القرطاجيين إلى امتالك أراض زراعية واسعة مع ظهور ما يعرف بالمالك الكبار‪،‬‬
‫والمالك الصغار الذين شكلوا فئة اجتماعية من المزارعين‪ ،‬وجلهم من األعيان الجدد‪.‬‬

‫_ محمد أبو المحاسن عصفور‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪1.115-113 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫ولقد تركت لنا بعض النصوص التاريخية جملة من األخبار بشأن المنطقة مفادها إن‬
‫أغاتوكليس اإلغريقي عند قيامه برحلة إلى قرطاج خالل القرن الرابع قبل الميالد أي في سنة‬
‫‪ 310‬ق‪.‬م تعجب من البساتين‪ ،‬والحقول‪ ،‬والمزارع المغروسة بصنوف الكروم‪ ،‬وضروب‬
‫الزيتون ومختلف المنتجات الفالحية األخرى‪ .‬هذا زيادة على وجود ثروة حيوانية هائلة من‬
‫أبقار‪ ،‬وأغنام‪ ،‬والخيول كانت جميعها ترعى في المراعي الواسعة‪ ،‬ويقال إن ماغون القرطاجي‬
‫ألف موسوعة ضخمة في الفالحة أهلته كي يتبوأ مكانة رفيعة في المجتمع عالوة على‬
‫حصوله جراء ذلك على لقب أبو الفالحة‪ ،‬وسيستمر العمل بنصائحه وخبرته الطويلة‬
‫واالستفادة منها في هذا الميدان لقرون عديدة حتى أن الرومان واإلغريق استفادوا دون ريب‬
‫من مواهبه هذه‪.‬‬

‫وعند قراءتنا لبعض نصوص الموسوعة سالفة الذكر يظهر لنا بكل وضوح إن الفالحين‬
‫والمزارعين القرطاجيين كانوا يولون اهتماما كبي ار لمادتي القمح والشعير‪ ،‬فضال عن اعتنائهم‬
‫بإنتاج الخضر المختلفة‪ ،‬واألشجار المثمرة المتنوعة كما كان لهم عناية بتربية األبقار‪،‬‬
‫والخيول‪ ،‬والبغال‪ ،‬والحيوانات الداجنة‪ ،‬والنحل أيضا‪.‬‬

‫كما حفرت المطامير وجهزت لتخزين الشعير في المدينة لوقت المسغبة‪ ،‬وضمان التموين‬
‫وقت الحرب‪ .‬وقد انعكس هذا النشاط الفالحي وانطبع على عملة قرطاج مجسدا سنبلة القمح‬
‫المضروبة على ظهر القطع النقدية كشعار الدولة المعلن عنه بتطور النشاط الفالحي بعد‬
‫القرن الخامس قبل الميالد‪ .‬ويمكننا القول إن االهتمام المتزايد بالفالحة بهذه الكيفية غير‬
‫المعهودة في العالم القديم كان هدفا سياسيا محضا يرمي القرطاجيون من ورائه توفير األمن‬
‫الغذائي‪.1‬‬

‫كما أن االزدهار الذي عرفته قرطاجة في هذه الفترة التاريخية يرجع للفالحين من األهالي‬
‫الذين أصبحوا مزارعين‪ ،‬أو مجرد أجراء في ضيعات فالحية واسعة وهي نقطة تحول في‬

‫‪ _1‬محمد الهادي الشريف‪ :‬تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل‪ ،‬تعريب محمد الشاوش‪ ،‬ومحمد‬
‫عجينة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار سراس للنشر‪ ،‬تونس‪ ،.1993 ،‬ص‪.20 ،‬‬

‫‪25‬‬
‫تاريخ قرطاج‪ .‬حيث ادخلوا إلى المنطقة ألول مرة أنواع من أغراس الزيتون‪ ،‬وعنب الخمور‬
‫بفعل تجسيد نصائح المهندس الزراعي ماغون التي أخذت بعين االعتبار وتم تطبيقها في‬
‫أرض الواقع حيث أتبتت التجربة نجاعتها‪ .‬حتى أن الجيش أدلى بدلوه في هذا المضمار‬
‫الفالحي‪ ،‬وتدخل أثناء قيادة حنبعل له من أجل توسيع غراسة أشجار الزيتون في طول‬
‫البالد‪ ،‬وعرضها مرغما بذلك الجند والقادة على قدم المساواة للعمل من أجل الصالح العام‪،‬‬
‫كما غرس هؤالء إلى جنب أشجار الزيتون‪ ،‬والتين‪ ،‬والرمان‪.1‬‬

‫ومن النصائح التي ذكرها ماغون في موسوعته أنه أوصى المزارعين‪ ،‬والفالحين بأنه ينبغي‬
‫على كل من اشترى قطعة أرض أن يبيع منزله بالمدينة‪ ،‬ويستقر على أرضه أو بالقرب‬
‫منها‪ .‬أما إذا قام أحدهم باختيار السكن في المدينة فقد يكون آنذاك في استغناء تام عن‬
‫السكن في الريف والعمل في األرض‪.‬‬

‫على ضوء ما سبق يتبين أن القرطاجيين كانوا يهتمون بالفالحة نتيجة استقاللهم عن فينيقيا‬
‫األم بالرغم من اشتهارهم بممارسة التجارة‪ ،‬فلقد قاموا باستغالل بساتينهم‪ ،‬وحقولهم على أكمل‬
‫وجه‪ ،‬وهذا وفقا للنصائح التي جاء بها مهندسهم ماغون‪ .‬وقد نالوا جراء ذلك خي ار كثيرا‪.‬‬

‫حيث اشتمل نشاطهم على زراعة الحبوب بكل أنواعها إال أن حصة األسد في هذا المجال‬
‫كانت من نصيب القمح والشعير‪ ،‬كما أقدموا على غرس األشجار المثمرة مثل الزيتون‪،‬‬
‫والتين‪ ،‬والرمان‪ ،‬والعنب‪ .‬وفضال عن هذا أقبلوا على تربية الحيوانات الداجنة‪ ،‬وتربية النحل‬
‫في جميع األقاليم‪.‬‬

‫_ خامسا‪ :‬المعتقد الديني عند القرطاجيين‪:‬‬

‫يعتبر ال دين بالنسبة للقرطاجيين مجاال حيويا في حياتهم اليومية بحيث انعكس ذلك على‬
‫أسمائهم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ارتباطهم الوثيق بمعبوداتهم ومقدساتهم‬
‫المتنوعة _ أرباب متفرقون _ إذ نلمح جملة من األسماء لها بعد ديني مثل عبد أشمون‪،‬‬

‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪1.90-89 ،‬‬

‫‪26‬‬
‫وعبد ملقرط‪ ،‬هذا مرتبط بالذكور أما بعنصر اإلناث فنجد أسماء شكلت على النمط ذاته مثل‬
‫عريسة بعل‪ ،‬خطيبة بعل‪ .‬وال شك أن كلمة بعل تعني السيد والمالك وهو إله عظيم عند‬
‫الساميين‪ ،‬كان يعبده سكان الساحل السوري والفلسطيني في األلفيتين الثانية واألولى قبل‬
‫الميالد كما ذكر عند األجارتيين‪ ،‬ويعتبر إله الصاعقة والمطر‪ .1‬وقد كان قادة الجيش في‬
‫المناسبات واألعياد الدينية يقدمون القرابين في احتفالية كبيرة كما كانت السلطة المركزية في‬
‫قرطاج تبعث كل عام رسال _ سفراء _ يحملون األموال و الهدايا وبعض اإلتاوات والضرائب‬
‫إلى مدينة صور معربين بذلك عن خضوعهم التام ووالئهم األبدي إلى اإلله ملقرط حامي‬
‫مدينة صور كما قام الحكام بإبرام المعاهدات و االتفاقيات مع بعض الدول بمباركة اآللهة‬
‫وزيادة على ذلك فقد كان األحياء واألموات معا يحملون التمائم والتعاويذ تقربا من اآللهة‬
‫وتقديسا لها وجلبا للمنفعة ودفعا للمضرة كما نقش القرطاجيون تماثيل آلهتهم على توابيت‬
‫موتاهم‪.‬‬

‫‪ _1‬اآللهة القرطاجية‪:‬‬

‫من اآللهة التي كانت تعبد وتؤله وتقدس في قرطاج ولها مكانة هامة نجد" تانيت " التي‬
‫ستتحول إلى كايلستس‪ ،2‬و" بعل حمون " الذي ذكر على بعض النقائش في القرن التاسع‬
‫قبل الميالد في لبنان مع بعل صفون‪ ،‬ثم انتقلت عبادته إلى تدمر في القرن األول ق‪.‬م‪،‬‬
‫ويبدو أن هذا اإلله لم يلعب دو ار ذا شأن في الشرق الفينيقي‪ .3‬إن معاني أسماء هذه اآللهة‬
‫تدل على السيد وصاحب الشيء ومالكه‪ ،‬ويمكن أن يكون اإلله بعل حمون أو سيد المبخر‬
‫كما يدل عليه اسمه هو أمون نفسه الذي كان يعبد في مصر الفرعونية‪ ،‬وقد مثل على هيئة‬
‫كبش أقرن أطلق عليه اسم أمون المقدس وهناك العديد من اآللهة األخرى التي قدست من‬
‫طرف هؤالء ومنها‪:‬‬

‫‪ _1‬أحمد الفرجاوي‪ :‬بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة‪ ،‬المجمع التونسي للعلوم واآلداب والفنون _ بيت‬
‫الحكمة _ تونس‪ ،.1993 ،‬ص‪.163 ،‬‬
‫‪2 _ Marcel Leglay : Les Religions orientales dans l’Afrique ancienne, imprimerie officielle du‬‬
‫‪gouvernement général de l’Algérie, Alger, 1956., pp,8-9.‬‬
‫_ نفسه‪ .‬ص‪3.166 ،‬‬

‫‪27‬‬
‫أ_ ملقرط‪:‬‬

‫هو إله حامي مدينة صور ظهر اسمه على نقيشة في القرن التاسع قبل الميالد لقب بإله‬
‫الخصب‪ ،‬انتشرت عبادته في حوض البحر األبيض المتوسط حيث عبد في جزيرة قبرص إال‬
‫أنه لم يحظ بمكانة كبيرة هنالك‪ .‬كما عبد في طاروس بصقلية‪ ،‬وقادس بإسبانيا وسميت‬
‫مستوطنة بصقلية باسمه أطلق عليها رش ملقرط بمعنى رأس ملقرط‪ .‬وكان له معبد خاص‬
‫في قرطاج المدينة واألسماء التي كانت تدخل فيها كلمة ملقرط عديدة ومتنوعة ومنها عبد‬
‫ملقرط أو عميلقرط وهلما جرا‪ .‬ويمكننا اعتباره كبير اآللهة‪ ،‬عالوة على أنه إله البحر‪،‬‬
‫والشمس‪ ،‬والنباتات‪.1‬‬

‫ب_ أشمون‪:‬‬

‫من كبار اآللهة التي قدست في قرطاج وكان يعبد بمدينة صيدا بلبنان‪ ،‬وهو مثل سابقه إله‬
‫الخصب‪ ،‬وحامي المدينة‪ ،‬واله الشفاء قدس في جزيرة قبرص‪ ،‬واقترن اسمه بعشتروت‪ .‬هذه‬
‫نبذة وجيزة عن أهم اآللهة التي كانت تقدس عند القرطاجيين‪.‬‬

‫‪ _2‬القساوسة والرهبان‪:‬‬

‫كان للمعابد المنتشرة في قرطاجة وفي المدن التابعة لها عدد معتبر من رجال الدين يسيرهم‬
‫الكاهن األكبر _ األعظم_ الذي كان يطلق عليه اسم "رب كوهين"‪ ،‬وأغلب هؤالء القساوسة‬
‫ورجال الدين كانوا ينتمون إلى الطبقة الغنية الميسورة حيث كان منصب الكاهن األعظم‬
‫وراثيا وحك ار على عائالت دون غيرها وقد كان الكهنة والرهبان واألحبار يتزينون بالزي‬
‫األرجواني‪.‬‬

‫‪ _3‬العرافون‪:‬‬

‫كان القرطاجيون يستشرفون المستقبل ويحاولون االستطالع على الغيب باللجوء إلى العرافين‬
‫والكهنة الذين يقرؤون الكف‪ ،‬ويكشفون خبايا المستقبل والغيب حسب االعتقاد السائد بينهم‬

‫_ أحمد الفرجاوي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.163 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫وقتئذ‪ ،‬وقد نال هؤالء العرافون حظوة ومكانة مرموقة في المجتمع حيث اعتبروا من‬
‫الشخصيات الهامة يلجأ إليهم عند الحاجة حتى قادة الجيش يستشيرونهم في كل األمور حتى‬
‫أخطرها شأنا‪ .‬وهناك مالحظة مفادها أن سكان قرطاجة يعتقدون بوضع أقنعة على وجوههم‬
‫لد أر الجان واألرواح الشريرة وابعاد عين المعيان عنهم‪ ،‬وزيادة على ذلك يتبين بكل وضوح أن‬
‫القرطاجيين كانوا يقدمون لتلك اآللهة المقدسة قربات‪ ،‬حتى بلغ بهم األمر التضحية بأطفالهم‬
‫في أدنى العمر‪.‬‬

‫على ضوء ما سبق يبدو أن المستوطنين الفينيقيين والنازحين إلى قرطاجة منهم من عبد دون‬
‫شك آلهة فينيقية األصل كما حافظوا ولمدة طويلة على المعتقدات الدينية السائدة في موطنهم‬
‫األول غير أنهم سيتحولون إلى عبادة آلهة محلية وأصبحت تانيت " جونون كايلستيس"‪.‬‬

‫_سادسا‪ :‬الحروب البونية‪ 146-264 :‬ق‪.‬م‬

‫إن األحداث العسكرية المتسارعة التي عرفتها هذه المرحلة من التاريخ كانت من المحطات‬
‫التي سجلت فيها أكبر المآسي اإلنسانية بشاعة ووصمت بها جبين الزمن القديم‪ ،‬واستمر‬
‫النزاع المسلح بين القرطاجيين‪ ،‬والرومان قرابة ‪ 118‬سنة‪ ،‬أي في الفترة الممتدة ما بين‬
‫‪ 146-264‬ق‪.‬م‪ ،1‬ينظر (الشكل رقم‪ )1:‬وقد وصفه المؤرخون بالقسوة‪ ،‬والشدة‪ ،‬والغلظة‪.‬‬
‫وقد أطلق مصطلح الحروب البونية للتعبير على الصراع الروماني مع فئة الفينيقيين المقيمين‬
‫في الجهة الغربية لحوض البحر األبيض المتوسط أولئك الذين كانوا ينعتون في الكتب‬
‫الالتينية باسم (‪ ،)poeni‬كما أنهم أجمعوا على أن الحروب البونية هذه عرفت نشاطا كبي ار‬
‫لمس الجانبين العسكري‪ ،‬والديبلوماسي على حد سواء اتسع نطاقه العملياتي حتى وصل إلى‬
‫شبه جزيرة إبيرية‪ ،‬وجنوب بالد الغال‪ ،‬ثم وصل إلى البلقان شرقا وقد مر بثالث مراحل كبرى‬
‫سنذكرها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪1_ Yann Le Bohec : Histoire militaire des guerres puniques 264-146 av-j.-c, éditions‬‬
‫‪Tallandier, Paris, 2014., p,9.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ 1‬الحرب البونية األولى‪ 241-264 :‬ق‪.‬م‬

‫في البداية ينبغي أن نشير إلى أن الصراع كان على أشده بين القرطاجيين واإلغريق حول‬
‫جزيرة صقلية من أجل بسط السيطرة على مضيق مسينا األمر الذي دفع سكان مدينة مسينا‬
‫إلى مناوشة سكان سرقوسة مما أذكى نار الحرب بينهما حتى انتصر هيرون صاحب هذه‬
‫المدينة على أعدائه من مسينا فاستنجد المهزومون بالقرطاجيين‪ ،‬وقد وتتهم هذه الفرصة غير‬
‫المتوق عة فدخلوا مدينة مسينا األمر الذي عجل بتدخل الرومان إلى جنب المستغيثين الذين لم‬
‫يتقبلوا دخول القرطاجيين إلى المنطقة ومن هنا تعقدت األمور ال سيما عندما أسر القائد‬
‫القرطاجي‪ ،‬وقد وعده الرومان بطالق سراحه شريطة أن يغادر الجزيرة بمن معه من الجنود‪.1‬‬

‫إال أنه فر في نهاية المطاف‪ ،‬وتبعا لهذا القرار الفردي الذي اتخذ على عجل يكون هذا‬
‫األخير جنى على نفسه دون وعي منه‪.‬‬

‫األمر الذي جعل السلطات القرطاجية تسارع إلى إصدار أمر قضائي بإعدامه وصلبه نتيجة‬
‫خيانته وف ارره من الزحف ثم انسحابه دون الرجوع إلى أصحاب القرار بمدينة قرطاج‪.‬‬

‫وكرد فعل على هذه القضية سارعت السلطات القرطاجية إلى تدراك األمر حتى ال تخسر‬
‫هذه المنطقة االستراتجية وتخرج منها فحينذاك لجأت إلى التحالف مع الملك اإلغريقي‬
‫هيرون صاحب سرقوسة وكان ذلك خوفا من مغبة التحرش الروماني وسطوته‪ .‬وقد أدرك‬
‫الرومان خطر هذا التحالف فباشروا بالعمل من أجل استرجاع جزيرة صقلية ألن الوجود‬
‫القرطاجي هنالك كان يهدد الكيان الروماني الفتي ذي الطموحات واألطماع التوسعية مثلما‬
‫كانت عليه قرطاج في بداية أمرها‪ ،‬وهكذا بات واضحا أن تصادم هاتين القوتين الرومانية‬
‫والقرطاجية‪ ،‬وأصبحت الحرب واقعا ال مهرب منها‪.‬‬

‫فهذه المناوشات والتحرشات حول مضيق مسينا هي التي أدت إلى اندالع الحرب البونية‬
‫فالمرحلة األولى من هذا الصراع احتدمت حينما جهز الملك هيرون والقائد القرطاجي حنون‬

‫_ محمد أبو المحاسن عصفور‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.86 ،‬‬

‫‪30‬‬
‫حملة عسكرية كبرى قامت بمهاجمة مسينا فاستغاث أهلها بالرومان وهنا أرسل هؤالء حملة‬
‫عسكرية بقيادة القائد أبيوس كلوديوس الذي تمكن في فترة وجيزة من إلحاق هزيمة نكراء‬
‫بالحلفيين سالفي الذكر اللذان تراجعا إلى الوراء ففر الجيش القرطاجي واتبع الرومان فلول‬
‫جيش الملك هيرون في عقر مدينة سرقوسة وأرغموه على فض تحالفه مع القرطاجيين ثم‬
‫استمالوه إليهم فوافق على الفور فكيف له أن يقاوم هذه القوة الناشئة أما القائد القرطاجي‬
‫حنون فلقي حتفه كما تقدم صلبا‪.‬‬

‫وقد حاول القرطاجيون إعادة الكرة من جديد فقاموا بتجهيز جيش ضخم قرابة ‪ 56000‬بقيادة‬
‫أحد العساكر المحنكين يدعى حنبعل بن جسكون بحيث أقبلوا على مدينة جرجنتي وأقاموا‬
‫بها متخذين منها مرك از عسكريا للقيام بأعمالهم الهجومية وقد سارع الرومان إلى هناك تحسبا‬
‫ألي طارئ فشددوا عليها الخناق وضربوا عليها الحصار حتى أصاب القرطاجيين الجوع وتم‬
‫فك الحصار وانهزم المحاصرون والجدير قوله أن الحرب كانت إلى صف الرومان في أحيان‬
‫كثيرة مما جعل القرطاجيين يدركون أنه لم يعد هناك مجال للمقارنة وأال طريق للصلح إال‬
‫المفاوضات وقد فوض القرطاجيون حتى جنبهم القائد عملقار للتفاوض مع القنصل الروماني‬
‫كاتولوس الذي كان في نهاية مساره المهني وجرت المفاوضات بين الفريقين حتى اسفرت‬
‫عن اتفاقية كان من أهم بنودها االنسحاب التام للقرطاجيين من جميع أراضي صقلية بعدما‬
‫كانت تحت نفوذهم قرابة ‪ 274‬سنة وهنا كان ختام الحرب البونية األولى التي عرفت‬
‫مناوشات بحرية عديدة منها معركة مليس‪ ،‬ومعركة ميالي التي وقعت في حدود سنة ‪260‬‬
‫ق‪.‬م شمال جزيرة صقلية حيث انهزمت فيها األساطيل القرطاجية ولما رجع قائد األسطول‬
‫القرطاجي إلى بالده اسقبل استقباال شنيعا وقبض عليه ثم نفذ فيه حكم اإلعدام‪.1‬‬

‫أ_ أهم نتائج الحرب البونية األولى‪:‬‬

‫من أهم النتائج المترتبة عن هذا النزاع المسلح ما يلي‪:‬‬

‫_ أحمد صفر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.256 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫_ االنسحاب القرطاجي بصفة نهائية من صقلية‪.1‬‬

‫_إفالس خزينتة قرطاجة مما جعل من الصعوبة بمكان دفع رواتب الجند المأجور وأغلبهم‬
‫كانوا من األهالي _سكان شمال إفريقيا_ الذين قاموا بثورة عارمة في وجه قرطاجة مطالبين‬
‫بتسديد حقوقهم المالية‪ ،‬وحينما عجزت خزينة الدولة عن تسديد مستحقاتهم ازدادت ثورة‬
‫المأجورين تأزما حتى ظهر في هذه األجواء المشحونة الثائر المغربي ماتوس الذي كان‬
‫يذكي نار الحقد ويأججها ضد القرطاجيين حتى أنظم الى هذه الثورة جموع الفالحين‬
‫والصناع واألجراء من مختلف المهن زيادة على النساء‪.2‬‬

‫‪ _2‬الحرب البونية الثانية‪ 201-218 :‬ق‪.‬م‬

‫يجمع المؤرخون رأيهم على أن الدورالثاني من الصراع البوني الروماني يبدأ عندما جهز‬
‫حنبعل جيشا ضخما قوامه ‪ 60000‬من جنود المشاة‪ ،‬و‪ 10000‬من الفرسان ويبدو من‬
‫استعدادات الحرب ان قائد القرطاجيين استعمل الفيلة على نطاق واسع في هذه الحرب‬
‫كأسلحة ثقيلة لم تستعمل من قبل في الحروب على األقل الجنود النظامية في الجيش‬
‫الروماني على اثر هذه الحملة العسكرية الكبرى انطلقت من قرطاجنة في اسبانيا متجهة إلى‬
‫جبال البرانس _ الحروب االسبانية الفرنسية_ مغتنما بذلك الفرصة لإلفالت من الجيش‬
‫الروماني الرابض في الضفة الشرقية من نهر الرون وكانت هذه القوات تحت امرة القائد‬
‫بيبليوس سيون _ شيون_ وكان من البديهي أن يتجنب حنبعل االصطدام مع هذا القائد ربحا‬
‫للوقت تفاديا لخوض معارك قد تكون ضده‪ ،3‬وهذا طبعا خوفا من قدوم فصل الخريف الذي‬
‫أوشك وأنه ال يمكن العبور إلى جبال األلب أنداك لشدة البرودة وكميات الثلوج الكثيفة التي‬
‫قد تمنعه من المسير وبالرغم من مشقة الطريق والمخاطر التي القاها فضال عن الظروف‬
‫المناخية القاهرة فإنه استطاع عبور جبال األلب وكان قصده من وراء ذلك أن يعبر إى شبه‬

‫‪ _1‬أحمد صفر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26 ،‬‬


‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪2.61 ،‬‬
‫‪3 _ Tite Live : Histoire Romaine, traduction M. Nisard, T° premier, Firmin Didot, paris, DCCC‬‬
‫‪LXIX., p, 522.‬‬
‫‪32‬‬
‫الجزيرة اإليطالية لمحاصرتها وال شك أن الجيش القرطاجي تلقى خالل هذه الحملة متاعب‬
‫جمة ومن ضمنها أنهم لما وصلوا إلى منطقة ضيقة في جبال األلب وتدعى منطقة سان‬
‫برنار الصغير وجدوا بعض المقاومين والمقاتلين من سكان الجبال بالمرصاد هؤالء الذين‬
‫أذاقوهم الويل والثبور ونالوا منهم حتى هلك الكثير من الجنود والفرسان بخيولهم وفيلتهم‬
‫وتقلص عدد المشاة إلى أن بلغ ‪ 20000‬أي هالك قرابة ‪ 40000‬و‪ 6000‬فارس هلك منهم‬
‫خالل السير قرابة ‪ 4000‬فارس ولما أشرف حنبعل وجنوده على إيطاليا تبدأ الحرب البونية‬
‫الثانية حيث سار إلى سهل بو‪ ،‬وسارع إلى حصار القائد الروماني سالف الذكر الذي لجأ‬
‫إلى هذه المنطقة متوخيا الحذر ومحاوال الوقوف حائال دون حنبعل واتباعه ويظهر من‬
‫مجريات المعارك في ميدان القتال أن القائد القرطاجي أثخن في جيش عدوه وكبده خسائر‬
‫فادحة في األرواح والعتاد ولوال وصول المساعدات والفرق المدعمة من قبل هذا القائد‬
‫الروماني ويدعى كورنيليوس لهلك من فوره‪ .‬وحينما الحظ الغاليون بسالة حنبعل وقوة شكيمته‬
‫انضموا إليه قصد الحصول على الغنائم األمر الذي زاد في قوة الجيش البوني الذي كان يريد‬
‫منه منذ البداية أن يقضي على الدولة الرومانية في عقر دارها وتشتيتها كما دخل في صراع‬
‫دموي مع الجيوش الرومانية في مواقع عديدة السيما في معركة تريبيا إحدى الضفاف اليمنى‬
‫لنهر البو وقد تغلب على الرومان الذين كانوا تحت امرة القائد ستيربيوس وتمكن من هزيمته‬
‫هزيمة منكرة وتمكن حنبعل من الدخول في حرب ضروس مع القائد فالمينوس على إحدى‬
‫ضفاف بحيرة ت ارزيمان وكان مصير هذا القائد األخير مثل سابقه حيث مني بخسارة فادحة‬
‫ثم هلك في نهاية القتال وخالل هذه المعارك الحظ عقالء الرومان ما حل بهم من كوارث‬
‫وهزائم متوالية األمر الذي جعلهم يعمقون التشاور فيما بينهم حتى اهتدوا في نهاية المطاف‬
‫إلى حيلة ذكية مفادها ترك المقاومة‪ ،‬و إهام القرطاجيين بالتخلي عن الدفاع بصفة نهائية‪،‬‬
‫وتركيز كل أعمالهم في الدفاع عن مدينة روما فقط‪ .1‬وأسندت قيادة الجيوش في هذه المرحلة‬
‫إلى أحد العسكريين المحنكين كان يدعى كانتوس فابيوس ماكسيموس وقد اهتدى إلى عمل‬

‫‪ _1‬محمد الهادي حارش‪ " :‬حملة حنبعل على إيطاليا"‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬معهد التاريخ‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،.1992 ،‬ص ص‪.55-52 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫لم يسبقه إليه أحد من سابقيه تمثل ذلك العمل في إحراق جميع المزارع والمنازل في األرياف‬
‫والقرى لمنع المؤونة عن حنبعل وجيوشه‪ .1‬كما أنه كان يالزم هذا األخير في كل خطوة‬
‫يخطوها حتى يقضي عليه حينما تواتيه الفرصة‪ .‬إال أن مجلس الشيوخ رفض هذه السياسة‬
‫التي انتهجها فاب يوس فقد امتعضوا من ذلك فالموه على تلك األعمال فكيف يفوت الفرص‬
‫ويقوم بإحراق المزارع وهدم المنازل حتى اعتبروه خائنا يعمل لصالح القرطاجيين غير إن‬
‫براءته من الخيانة ظهرت آخر األمر وقد أدرك مجلس الشيوخ نوايا هذا القائد بعد معركة‬
‫وقعت بين الطرفين ويالحظ أن الجيش الروماني خسر في إحدى المعارك قرابة ‪ 70000‬من‬
‫أمهر المشاة‪ ،‬و‪ 6000‬من أشجع الفرسان‪ .‬أما جيوش حنبعل فخسرت من أفرادها في معركة‬
‫من هذه المعارك قرابة ‪ 5700‬جندي معظمهم كان من القبائل الغالية التي انضمت إليه‬
‫خالل انتصاراته األولى على الرومان‪.‬‬

‫‪_ 3‬الحرب البونية الثالثة وسقوط قرطاج‪ 146-149 :‬ق‪.‬م‬

‫عن دما كان ماسينيسا عاهل مملكة نوميديا الشرقية حليفا للرومان رأيناه يعطي لنفسه دور‬
‫الشرطي في المنطقة المغاربية بحيث أصبح يتمادى في االعتداءات المتكررة على قرطاجة‬
‫السيما في الفترة مابين الحرب البونية الثانية والحرب البونية الثالثة ‪ 149-201‬ق م كما‬
‫كان يعتدي على ممتلكاتهم ويضمها إليه شيئا فشيئا حتى اندلعت الحرب بينهما سنة ‪150‬ق‬
‫م وبهذا تكون قرطاجة قد خالفت بندا من بنود المعاهدة التي أبرمت بينهما وبين روما مما‬
‫جعل هذه األخيرة تستعد للحرب وحينما أدركت قرطاجة الخطر المحدق بها أصدر خبراؤها‬
‫مرسوما يقضي بتنفيذ حكم اإلعدام على أولئك الذين خاضوا الحرب ضد ماسينيسا وحينما‬
‫أرسلت قرطاجة مبعوثا إلى روما إلبالغهم براءة قرطاجة من تلك المناوشات مع الملك‬
‫النوميدي حليف روما أخبر المبعوثون أن هذه ذرائع ال صحة لها فكيف يعاقب المتسببون‬
‫في هذه الحرب وهم قد خرجوا منهم بالخسران المبين وفي سنة ‪ 149‬ق‪.‬م جهزت روما جيشا‬
‫ضخما قوامه ‪ 80000‬من المشاة و‪ 4000‬فارس و‪150‬سفينة حربية بحيث توجهت هذه‬

‫‪ _1‬محمد الهادي حارش‪ :‬حملة حنبعل‪ ،‬ص ص‪.55-52 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫الحملة العسكرية إلى شمال إفريقيا وقامت بعمليات انزال في شواطئي مدينة أوتيكا وكان ذلك‬
‫خالل سنة ‪ 149‬ق‪.‬م بقيادة القائد الروماني سيبيون إميليانوس _شبيون اإلميلي_‪ .1‬والالفت‬
‫لالنتباه أن المؤرخ بوليب كان يرافق هذه الحملة ويدون كل مالحظاته عنها وسرعان ما‬
‫أرسلت قرطاجة إلى روما حوالي ‪ 300‬رهينة من النبالء وفقا لشروط مجلس الشيوخ قصد‬
‫إيقاف الحرب التي أصبحت وشيكة دون خضوع واستسالم غير أن القائد الروماني سيبيون‬
‫لم يكتف بهذا حيث طلب الحصول على جميع األسلحة والذخائر الحربية فردت قرطاجة‬
‫بأنها قبلت جميع الشروط المفروضة مع التلميح إلى أن صدر بعل قائد الجيوش الزال يشكل‬
‫خط ار وكان بحوزته قوة عسكرية قوامها ‪ 20000‬مقاتل ويظهر في هذه المرحلة الحرجة‬
‫بالذات أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروماني وكان يدعى كاتو _كاتون_ يطالب وبإلحاح‬
‫شديد وفي جميع المجالس التي كانت تعقد بأنه أصبح لزاما على روما تدمير قرطاجة وفي‬
‫نهاية المطاف بعد مشاورات وتجاذبات في مجلس الشيوخ أصدرت السلطات الرومانية ق ار ار‬
‫حاسما يقضي بحكم اإلعدام على قرطاجة _ المدينة_ فهاج الشعب القرطاجي وماج متوعدا‬
‫أولئك الذين لم يقدموا أي شيء للدفاع عن المدينة السائرة نحو الهاوية فأغلقت جميع أبواب‬
‫المدينة وطالها الحصار ثالث سنوات وأثناء ذلك حاول القرطاجيون إعادة بعث الجيش من‬
‫جديد وتسليحه حتى يثبت في وجه الجيوش المحاصرة خارج االسوار فقد سارع الجميع نساء‬
‫ورجاال إلى المع ابد التي تحولت إلى مصانع تشتغل اناء الليل وأطراف النهار لعلها تدرك‬
‫بذلك ما فات من وقت حيث صنع في اليوم الواحد ما يقارب ‪ 100‬ترس‪ ،‬و‪ 300‬سيف‪،‬‬
‫و‪ 500‬حربة _ رمح_‪ ،‬و‪1000‬سهم كما ذكر المؤرخون أن هؤالء القرطاجيين تمكنوا أيضا‬
‫من صناعة بعض المجانيق ولما كانت الحبالة التي تصنع منها وسائل الرمي منعدمة آنذاك‬
‫لجأت بعض النسوة إلى تقطيع شعورهن والتبرع بها لهذه المعامل الحربية قصد استعمالها في‬
‫إنجاز المجانيق‪ ،‬واألقواس _القسي_‪ ،‬وزيادة على ذلك تبرعن بكل ما يملكن من أقراط‬
‫وسالسل من أجل تدعيم المجهود الحربي‪ .‬وفي خضم هذه األوضاع السياسية والعسكرية‬
‫الحرجة استسلمت العديد من المدن الى األمر الواقع وخضعت إلى سلطة روما ومن تلك‬

‫‪1 _ Christophe Burgeon : La troisième Guerre punnique et La destruction de Carthage Le‬‬


‫‪verbe de Caton et les armes de Scipion, éditions Academia, Belgique, 2015., pp, 1-20.‬‬
‫‪35‬‬
‫المدن على سبيل المثال أوتيكا وسوسة‪ ،‬وغيرها‪ .‬وعند حلول ربيع سنة ‪ 146‬ق‪.‬م أمر قائد‬
‫الحملة العسكرية سيبيون اإلميلي جنوده للقيام بهجومات كاسحة على ميناء قرطاجة ومن ثم‬
‫الدخول إلى ساحة المدينة وشوارعها حيث ظهرت مقاومة ضعيفة _حروب الشوارع_ استولي‬
‫عليها ثم أحرقت المدينة وبقيت تحترق قرابة عشرة أيام دون توقف وشرع جنود الرومان في‬
‫نهب المساكن وسرقة المحالت والمتاجر كما نهبت المكتبات المنتشرة في المدينة ثم أمر‬
‫بتهديمها وتقويض بناياتها كما هدمت جميع المدن التي آزرت قرطاج ويظهر أن الرومان‬
‫أبادوا جميع السكان في المدينة عن بكرة أبيهم أما البقايا من األحياء فأخذوا كعبيد وأسرى‬
‫إلى مدينة روما‪ .‬ومن خالل تتبعنا لمجريات األحداث يبدو جليا أن القائد صدر بعل وقف‬
‫موقفا مخزيا جراء االحتالل الروماني إذ استسلم بطريقة مقيتة حتى أن زوجته انتحرت ألنها‬
‫لم تستسغ خيانة زوجها وبالتالي يعتبر سقوط قرطاجة بهذه الطريقة الوحشية نقطة سوداء في‬
‫التاريخ القديم‪ .‬وفي آخر األمر حفر المنتصرون خندقا حول هذه المدينة البائدة وسميت‬
‫بالمدينة الملعونة ال يسمح ألي أحد باالقتراب منها أو الدخول إليها وهنا ينتهي الدور‬
‫الحضاري للقرطاجيين في المغرب القديم‪.‬‬

‫_سابعا‪ :‬الممالك النوميدية‪:‬‬

‫تذكر الباحثة فتيحة فرحاتي بأن المؤرخين الغربيين كانوا على خطأ كبير عندما اعتبروا بأن‬
‫النوميديين أخذوا كل ما لديهم من الحضارات الوافدة بحكم عزلتهم وأنهم بهذا يكونون غير‬
‫مؤهلين البتكار نموذج محلي من بنات أفكارهم بحيث يمكننا أن نعتبر تبعا لهذا األمر أن‬
‫تاريخهم ارتبط دون ريب بتاريخ قرطاجة‪ ،‬وروما‪.1‬‬

‫‪ _1‬فتيحة فرحاتي‪ :‬نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني ‪ 213‬ق‪.‬م‪ 46-‬ق‪.‬م‪ ،‬منشورات أبيك‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،.2007 ،‬ص‪.13 ،‬‬

‫‪36‬‬
‫أما المؤرخين القدامى فيطلقون على هؤالء القوم اسم نوماد (‪ ،)Nomade‬أو نوميد‬
‫(‪ ،)Numide‬األمر الذي يجعلهم من فئة البدو الرحل‪ .‬وهناك من أطلق عليهم اسم الليبو أو‬
‫الليبيون سكان منطقة لوبيا‪ ،‬وكانوا متفرعين إلى عدد هام من القبائل‪.1‬‬

‫ويظهر أنهم كشعب له مكانة في العالم القديم حينما ظهروا على مسرح األحداث في الشمال‬
‫اإلفريقي ال سيما خالل الحروب البونية وقد امتدت مضاربهم من حدود قرطاج من جهة‬
‫الشرق‪ ،‬ونهر الملوية في الجهة الغربية‪ ،‬وكانت حدود المنطقة التي استقر فيها هؤالء غير‬
‫محددة المعالم وذلك راجع لكثرة الحروب والفتن التي كانت بين شعوب المنطقة الذين كانوا‬
‫يعيشون حياة التنقل والترحال بمعنى أنهم مارسوا نشاط الرعي على نطاق واسع‪ ،‬ويأتي‬
‫بعدهم في الدرجة الثانية لدى المؤرخين من ناحية األهمية قبائل المور واللفظة تعني عند‬
‫اإلغريق إحدى القبائل المغربية التي تقع مضاربها على ضفاف نهل الملوية غير أن المور‬
‫هم سكان الغرب بالنسبة للنوميديين‪ .‬وتحول هذا االسم بمرور الزمن للداللة على السكان‬
‫الخاضعين للسلطة الرومانية فيما بعد خاصة أولئك الذين استقروا في موريطانية الطنجية‬
‫وموريطانية القيصرية وبقي المصطلح يطلق على سكان الشمال اإلفريقي برمته لقرون‬
‫عديدة‪ .‬ويجدر القول إن قبائل الجيتول كانت تقطن بل تستقر في المنطقة المحصورة بين‬
‫الصحراء والتل وتتسع أراضيها حسبما يفهم من أقوال المؤرخين على المحور الممتد من‬
‫المحيط األطلسي غربا إلى خليج السرت شرقا‪ ،‬وكانت حياتهم مثل حياة القبائل المجاورة لهم‬
‫قوامها الرعي والزراعة‪ .‬أما قبائل الجرامنت فيعدون من أكبر القبائل البدوية في بالد المغرب‬
‫القديم ويذكر في الباب ذاته أن هؤالء البدو استقروا في إقليم فزان بليبيا واستنادا على أقوال‬
‫المؤرخ هيرودوت فإن الجرامنت اشتهروا في ذلك الزمن باستخدام العربات التي تجرها أربعة‬
‫خيول مثلما كان سائدا عند الفراعنة وزيادة على ذلك فإن الرومان كانوا أشد قساوة على هذه‬
‫القبائل ألن هذه األخيرة لم تستسغ وتتقبل االحتالل الروماني‪ .‬ومهما يكن من شيء فإن‬
‫مصير بالد المغرب حدد خالل الحرب البونية الثانية ‪ 201-218‬ق‪.‬م حيث كانت البالد‬

‫‪ _1‬العربي عقون‪ :‬األمازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في األصول و الهوية‪ ،‬التنوخي للطباعة والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫‪ ،.2010‬ص‪ ،.7 ،‬ينظر‪ :‬عثمان سعدي‪ :‬األمازيغ البربر عرب عاربة‪ ،‬الجزائر‪ .1996 ،‬ص ص‪.26-15 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫مقسمة في تلك المرحلة من الزمن إلى مملكتين نوميديتين هما ماسيليا أي نوميديا الشرقية‬
‫وعاصمتها سيرتا قسنطينة‪ ،‬وكان يحكمها الملك جايا والد ماسينيسا ‪ 206-240‬ق‪.‬م‪.1‬‬
‫ومازيسيليا أي نوميديا الغربية الممتدة من نهر الملوية غربا إلى سرتا شرقا وكان يحكمها‬
‫الملك سيفاقس ‪ 203-220‬ق‪.‬م‪ ،‬الذي يعتبر أقدم ملوك هذه الرقعة الجغرافية‪ ،2‬وهي مملكة‬
‫واسعة وقوية في الوقت ذاته ويبدو أن الحديث عن نوميديا في مؤلفات المؤرخين الرومان‬
‫بدأت عندما طلب عملقار القائد القرطاجي ووالد حنبعل أن يرسل فرقة من الفرسان إلى شبه‬
‫الجزيرة اإلبرية وقد أجيب طلبه وأرسل ماسينيسا على أرس كوكبة من الفرسان النوميد وقد‬
‫كان الغرض من هذا الطلب أن القرطاجيين أراضوا حماية دولتهم التي كانت عرضة‬
‫لهجمات متوالية من طرف القبائل النوميدية زيادة على االستفادة من المجهود الحربي‬
‫النوميدي وكان ذلك بطبيعة الحال مقابل تقديم مساعدات متنوعة للمغاربة من طرف الدولة‬
‫القرطاجية ويمكن أن نرجع قليال إلى الوراء ففي حدود نهاية القرن الرابع قبل الميالد حيث‬
‫تبين لنا إن نوميديا الشرقية ماسيليا عندما أصبحت لها الشروط لتكوين الدولة حينذاك انتقلت‬
‫القبائل الماسيلية من جهة المدغاسن _ ضريح خاص بالملوك النوميدين_ باألوراس الى إقليم‬
‫سيرتا‪ ،‬حيث أنشأت نمطا سياسيا ملكيا عرفت به منذ القرن الثالث قبل الميالد سيما من‬
‫خالل األسرة التي ينتمي إليها االقليد ماسينيسا و كان جايا كما أشرنا اليه من قبل ملكا على‬
‫القبائل الماسيلية إال أن المؤرخين ال يعرفون على وجه الدقة متى جلس على عرش هذه‬
‫المملكة وهل ورث الحكم عن أبيه زيالسن‪ ،‬األمر الذي بقي طي المجهول‪ .3‬ويالحظ أن‬
‫العالقة في البداية بين ماسيليا وقرطاج كانت على غاية من التفاهم ذلك إن الملك جايا أرسل‬
‫ابنه ماسينيسا للتعلم في قرطاج وواضح أيضا أن العالقة العسكرية بينهما كانت هي أيضا‬
‫على أحسن ما يرام بدليل أن ماسينيسا أخذ فرسانه على إسبانيا للوقوف الى جنب الجيش‬
‫القرطاجي في صراعه المستميت ضد الرومان أما فيما يخص الكيان السياسي الذي اتبعه‬
‫النوميديون فال نستطيع الخوض فيه لوجود الصراع بين القبيلتين الماسيل والمازيسيل األمر‬

‫_ محمد الصغير غانم‪ :‬المملكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬دار األمة‪ ،‬الجزائر‪ ،.1998 ،‬ص‪1.69 ،‬‬
‫_ محمد البشير الشنيتي‪ :‬ص‪2.31 ،‬‬
‫‪3 _ Mahfoud Kaddache : L’Algérie dans L’antiquité,s.n.e.d., Alger, 1982., pp56-61.‬‬
‫‪38‬‬
‫الذي يصعب من تحديد وتحيين حدود كل منطقة بدقة متناهية وحتى نتمكن من إعطاء رؤية‬
‫واضحة لهذا الكيان السياسي الموجود في الشمال االفريقي القديم كان لزاما علينا أن نذكر‬
‫كل كيان على حدة فيما يلي‪:‬‬

‫‪ _1‬نوميديا الغربية‪:‬‬

‫إن معلومات المؤرخين عن مملكة المازيسيل ترجع إلى سنة ‪ 213‬ق‪.‬م وهي الفترة التي‬
‫أصبحت فيها قرطاجة على صلة وثيقة بالملك سيفاقس ذلك أن المازيسيل كانوا يشكلون فرقا‬
‫كبيرة ضمن وحدات الجيش القرطاجي وهناك من يشير إلى إن مملكة نوميديا الغربية كانت‬
‫تمتد من مضارب المور غربا أي من إحدى ضفاف نهر الملوية إلى أرس بوقرعون‬
‫_تريتون_ الموجود في القل بسكيكدة و كان غرض قرطاج من كل ذلك هو المحافظة على‬
‫استمرار اإلتصال بجيوشها في إسبانيا عن طريق سيفاقس صاحب القوة والبطش فضال عن‬
‫السير في أراضيه بأمان غير أن األمور لم تستمر على هذا المنوال لظهور جفاء في العالقة‬
‫بين القرطاجيين وسيفاقس حيث نشبت بينهما حروب نتيجة انحياز قرطاجة إلى جانب ملك‬
‫نوميديا الشرقية ولم يستمر النزاع طويال الن قرطاج الحظت بأنها أخطأت التقدير في‬
‫سياسته اتجاه الملك سيفاقس حينما شرع في االستمالة الى الى جهة الرومان فتراجعت عن‬
‫مواقفها في مساعدة الماسيل و اشرنا إلى تزويج هذا األخير من األميرة سفونيزبا الستمالته‬
‫عن طريق المصاهرة ويبدو أن سيفاقس بعد أن اصبح صه ار للقرطاجيين اخذ بتعديل معاملته‬
‫لقرطاج فارجع لها الممتلكات التي اقتطعها منها الملك جايا خالل صراعه معها سنة ‪220‬‬
‫ق‪.‬م ‪ .‬وكانت أسباب هذا االقتتال غامضة لدى المؤرخين‪ ،‬إذن ماهي الدوافع الحقيقية التي‬
‫أدت بالمل ك جايا إلى محاربة قرطاج على الرغم من العالقات الحسنة التي كانت بينهما كما‬
‫أشرنا من قبل؟ هذا ما سنجيب عنه فيما يلي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ _2‬دور الملك ماسينيسا في بالد المغرب‪ 148-238 :‬ق‪.‬م‬

‫‪1 _ Gabriel Camps : Aux origines de La Berberie Massinissa ou Les Débuts de L’histoire,‬‬
‫‪Libyca, Tome VIII, service des antiquités, Alger, 1960., p, 8.‬‬

‫‪39‬‬
‫من اشهر الملوك المغاربة الذين سطع نجمهم في التاريخ القديم نجد الملك ماسينيسا ابن‬
‫جايا‪ ،1‬ينظر (الصورة رقم‪ )1:‬وقد نال هذه الحظوة نظ ار لألعمال الجليلة التي قام بها بحيث‬
‫يعد من المؤسسين الفعليين لمملكة نوميديا الموحدة فال نجد مثال ان نوميديا توحدت اال في‬
‫عهده ثم في عهد يوسف بن تاشفين ثم في عهد عبد المؤمن بن علي الكومي ويتبين لنا من‬
‫خالل استقراء المصادر التاريخية أن هذا الملك نشأ وتربى في أسرة الملك جايا وأنه ولد فيها‬
‫سنة ‪ 238‬ق‪.‬م ويعرف أن هذه المرحلة لم تكن مستقرة على اعتبار ان الصراع القرطاجي‬
‫الروماني كان على أشده وال شك أنه تلقى مبادئ الحرية على يد والده وهي تربية تليق‬
‫بمقامه كونه ولي العهد ال شيء إال أنه كان كبير أفراد العائلة الحاكمة‪ .2‬ويقال بأنه غادر‬
‫نوميديا في بداية شبابه على أرس كوكبة من الفرسان من أجل الوقوف الى جنب الجيش‬
‫القرطاجي في إسبانيا ونعي إليه الملك جايا سنة ‪ 206‬ق‪.‬م وهو اليزال قائما في خدمة‬
‫حلفائه‪ .3‬ومن خالل تتبعنا مجريات األحداث يظهر ان ممثلين عن السلطة الرومانية تقربوا‬
‫منه وحاولوا استمالته بشتى الطرق واألساليب و الغرض من ذلك انهم أراضوا أن يكون لهم‬
‫عونا قويا وحليفا لهم في شمال إفريقيا يساعدهم على القضاء المبرم على اإلمبراطورية‬
‫القرطاجية والبد لنا أن نشير إلى أن غضبه على القرطاجيين تضاعف وامتد حينما قاموا‬
‫بفسخ الخطوبة التي كان عقدها على األميرة سفونيزبا الموعود بالزواج بها غير انهم منحوها‬
‫للملك سيفاقس األمر الذي أدى إلى تغير حلفائه فاصبح الصديق عدوا والعدو صديق فسارع‬
‫ماسينيسا إلى عقد تحالف مع القائد الروماني سيبيون في الفترة الممتدة ما بين ‪205- 206‬‬
‫ق‪.‬م وحينما رجع إ لى موطنه للدفاع عن حقه في استرجاع العرش النمودي كان مدفوعا الى‬
‫الدخول في صراع مسلح مع منافسيه على السلطة هؤالء كانوا مسنودين من طرف سيفاقس‬
‫وتشير االحداث إلى أن ماسينيسا أصيب بجروح متفاوتة الخطورة في المعارك التي خاضها‬
‫ضد خصومه على العرش فاضطر للفرار نحو طرابلس بليبيا إذ عمل على استجماع قواته‬

‫‪1 _ Gabriel Camps : op.cit, p, 8-9.‬‬


‫‪ _2‬قابريال كامبس‪ :‬في أصول بالد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ‪ ،‬تعريب وتحقيق العربي عقون‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪ ،.2012 ،‬ص‪.19،‬‬
‫‪3 _ Louis Lacroix : Histoire de La Numidie et des Maurétanies des origines jusqu’à l’invasion‬‬
‫‪vandale, Alger-Livres éditions, Alger, 2008., pp24-30.‬‬
‫‪40‬‬
‫وطلب المساعدة من الجيش الروماني الذي أنزل قواته في شمال افريقيا من أجل محاربة‬
‫قرطاجة وسيفاقس وكانت هناك معارك أجمع الكثير من المؤرخين انها في سنة ‪ 202‬ق‪.‬م‬
‫كانت الغلبة فيها لصالح ماسينيسا وحلفائه الرومان عندما انتهت الحرب تم القاء القبض‬
‫على سيفاقس إثر ذلك دخل ماسينيسا مدينة سيرتا أو قيرطا ذات األصول القرطاجية حسب‬
‫لويس لكروا‪ .‬واتخذها عاصمة له والجدير بالقول ان وفاة الملك جايا أحدثت فتنة في بيت‬
‫الحاكم حيث لم يرق ماسينيسا الى العرش كما تقتضيه التقاليد المرعية في هذا األمر إذ‬
‫استولى على الحكم أوزالغن عمه ثم جاء من بعده ابنه كبوسا غير أن مازوكيل أطاح بهذا‬
‫األخير واستولى على العرش النوميدي وبقيت األمور مضطربة حتى تمكن ماسينيسا من‬
‫استعادة حقه في حكم المملكة بعد صراعات ومناوشات عديدة تمكن خاللها من بسط نفوذه‬
‫على جميع البالد وهذا بطبيعة الحال بمساعدة الرومان ولقد توحدت نوميديا في عهد الذي‬
‫استمر على مدار ‪ 60‬سنة األمر الذي جعل المنطقة تتمتع باالستقرار النسبي مما جعله يقوم‬
‫بإجراء تحوالت اقتصادية وسياسية عديدة فقد اعطى للنشاط الفالحي مكانا هاما ضمن‬
‫اهتماماته السيما انه أولى زراعة القمح ثم الزيتون ومختلف األشجار ومختلف الغروس عناية‬
‫فائقة زيادة على اهتمامه بنشاط الرعي وتربية المواشي والخيول كما دفع الفائض من الناتج‬
‫الزراعي إلى تنشيط المبادالت التجارية خاصة ما تعلق بمادتي القمح والشعير التي عرفت‬
‫طريقها الى أسواق بعض الدول المجاورة بما في ذلك روما وبعض البلدان األوروبية مثل‬
‫فرنسا وبالد اإلغريق ويشار إلى أن هذه المنجزات الحضارية واالقتصادية في عهد ماسينيسا‬
‫تعتبر من أهم األعمال التي قام بها طيلة مسيرته كما قام بدوره بتشجيع السكان على ممارسة‬
‫الفالحة وهذا على حساب الرعي زيادة على دفع السكان واألهالي الى االستقرار في المدن‬
‫عوضا عن التنقل وحياة البدو‪ ،‬وقيل إن األراضي الزراعية في فترة حكمه كانت تنتج مرتين‬
‫ربيعا وخريفا‪.1‬‬

‫‪ _1‬عقون العربي‪ :‬االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،.2008 ،‬ص‬
‫ص‪.33-31 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ _3‬دور الملك مكيبسا ‪ 118-198‬ق‪.‬م‪:‬‬

‫لم ينل عهد هذا الملك حظا في الدراسات التاريخية القديمة لدى المؤرخين ال سيما اإلغريق‬
‫والرومان منهم ألن هؤالء لم يهتموا ببالد المغرب إال عندما يكن هناك تجاذب واحتكاك مع‬
‫الشعبين اإلغريقي والروماني وال شك ان هذا الوضع الذي ساد في فترة حكم مكيبسا جعل‬
‫المؤرخين يصورون هذا الملك على أنه ضعيف الشخصية وكان خاضعا خضوعا تاما لروما‬
‫إال أنه يمكننا القول إن صمت المؤرخين على هذه المرحلة كان نتاجا عن فترة من فترات‬
‫االستقرار النسبي إذ لم تكن هنالك ثورات داخلية وحروب خارجية األمر الذي جعله يميل إلى‬
‫التشييد والبناء‪ ،‬واتباع سيا سة ماسينيسا في هذا المجال حيث قام باالهتمام بعاصمته سيرتا‬
‫فضال عن اهتمامه بالعلوم‪ ،‬والمعارف الالتينية‪ ،‬واإلغريقية‪ ،‬وال ينبغي أن ننسى أنه عندما‬
‫حضرت ماسينيسا الوفاة قام القائد الروماني سيبيون إميليانوس بتوزيع تركة الملك الراحل‬
‫على أبنائه‪ ،‬حيث تحصل غلوسا على منصب قائد الجيش النوميدي‪ ،‬وكان القضاء من حظ‬
‫مصطنبعل‪ .1‬ويجمل بنا القول إنه بعد وفاة األخوين المذكورين آنفا خال الجو للعاهل مكيبسا‬
‫الذي انفرد بالحكم المطلق وهذ بمباركة السلطات الرومانية المتربصة الدوائر بالمنطقة‪ .‬ويقال‬
‫إن مكيبسا لو يشأ أن يعكر صفو شيخوخته مع روما التي كان يزودها بالمؤن خاصة القمح‬

‫كما كان يمدها بالعساكر‪ ،‬والفيلة‪.‬‬

‫ويالحظ بعض المؤرخين أن اهتمام مكيبسا بالجانب االقتصادي لم يعقه عن الجانب‬


‫العسكري‪ ،‬والعمراني فيقال إنه زيادة على تحصين العاصمة سيرتا وتزيينها وبناء القصور‬
‫بها‪ ،‬جعلها في وضع تسمح بتجنيد عشرة أالف فارس‪ ،‬وضعف ذلك من القوات البرية‬
‫ويظهر أن هذا األمر أثار مخاوف الرومان‪ .‬وال ريب أن مكيبسا كان متشبعا بالثقافة‬
‫الالتينية واإلغريقية فكلما قام بضرب عملة على طريقة والده‪ ،‬ومن األدلة المادية التي تشهد‬
‫على سلطة الملوك هي سك العملة فعندما يتوفى الملك تجمع النقود التي كانت في عصره‬
‫تأخذ إلى دار السك وتذاب من جديد وتصنع منها نقود الملك الجديد‪ .‬وكان متحمسا لتطوير‬

‫‪1 _ Messaoud djennas : La Saga des rois numides entre Carthage et Rome, casbah éditions,‬‬
‫‪Alger, 2010., pp, 162-166.‬‬
‫‪42‬‬
‫تنظيم المدن الخاضعة لحكمه‪ ،‬كما لجأ إلى أعوان ملكيين لمراقبة اإلدارة المدنية‪ .‬وحاول‬
‫اشراك ولديه لمساعدته وهما أذربعل‪ ،‬وهايمسال األول غير انه كان لديه ثالثة من أبناء‬
‫أخويه ماسيبا ابن غلوسا وكان طفل صغير أما ولدي مصطنبعل فاألول يدعى غودا وهو‬
‫ابن شرعي يقال انه كان ضعيف الشخصية وليس لديه طموح سياسي‪ ،‬واالبن الثاني هو‬
‫يوغرطة وهو ابن غير شرعي إال ان التاريخ سيظهره لنا كشخصية من الطراز األول ويقال‬
‫عن فترة حكم مكيبسا أنها أكبر الفترات نفعا لنوميديا توفي هذا األخير وهو طاعن في السن‬
‫تاركا وراءه مملكة قوية وواسعة ألوالده على الرغم من أنه أوقف السياسة التوسعية التي‬
‫انتهجها والده من قبل وأوصى أوالده بالوحدة واالتفاق والتعاون كما أوصاهم بأن التفرقة تؤدي‬
‫إلى انهيار الدول الكبرى‪ .‬وعندما تتسع الهوة بين اإلخوة الفرقاء سيتدخل الرومان حتما‬
‫لتنصيب الملك الذي سيحكم البالد باسمهم‪.1‬‬

‫‪ _4‬الملك يوغرطة‪:‬‬

‫لقد ذكرت لنا بعض النصوص التاريخية إشارات حول حياة الملك يوغرطة ابن مصطنبعل‬
‫‪ 104-160‬ق‪.‬م الذي ولد وترعرع في البيت الملكي النوميدي ويظهر من خالل التوصيفات‬
‫التي أوردها هؤالء أنه كان على شاكلة جده ماسينيسا فهو قوي البنية ووسيما‪ .‬ينظر (الصورة‬
‫رقم‪ )2:‬يقال أنه منذ الصبا الباكر كان يتمتع بنشاط كبير حيث عرف عنه حبه الشديد‬
‫لممارسة الرياضة وركوب الخيل على الطريقة النوميدية بدون سرج زيادة على تواضعه األمر‬
‫الذي جعله محبوبا لدى الشعب كما مارس الجندية وذلك من التشجيعات التي تلقاها من قبل‬
‫القائد الروماني سيبيون الذي كان يلمح فيه شخصية القائد والملك وربما هي الصفات التي‬
‫‪2‬‬
‫دفعت بالسلطة الرومانية إلى انتخابه لحكم المنطقة المغاربية‪.‬‬

‫‪ _1‬محمد الهادي حارش‪ :‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبلدان المغرب في العصور القديمة‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،.2001‬ص ص‪.244-237 ،‬‬
‫‪ _2‬محمد البشير الشنيتي‪ :‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا (‪146‬‬
‫ق‪.‬م_ ‪40‬م)‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،.1982 ،‬ص ص‪.37-34 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫أ_ ثورة يوغرطة‪:‬‬

‫لقد أشرنا سابقا أن الصراع بدأ بين يوغرطة وابن عمه أذربعل ابن مكيبسا واحتدم حتى هزم‬
‫هذا األخير وتمكن المنتصر من حصار مدينة سيرتا وأراد من وراء ذلك االستيالء على‬
‫جميع األراضي التي كانت بحوزت الملك ماسينيسا ومكيبسا حيث تمكن خالل هذه‬
‫المنازعات والمناوشات من الحصول على خيرات واسعة الشيء الذي دفع بمجلس الشيوخ من‬
‫ارسال سفراء ومبعوثين على جناح السرعة للمنطقة‪ ،‬اختيروا من كبار السن وأصحاب‬
‫الخبرات الطويلة وحينما نزل هؤالء بمدينة أوتيكا بتونس أرسلوا إلى يوغرطة للحضور إليهم‬
‫قصد التفاوض إال أنه تردد وأجمع امره على أخذ مدينة سيرتا بالقوة وأمر جنوده وكان‬
‫برفقته عدد قليل من الخيالة ثم إنه التقى سفراء روما الذين هددوه وانكروا عليه أفعاله المشينة‬
‫وبعد تجاذبات ديبلوماسية متكررة وفاشلة رحل المفاوضون دون رفع الحصار عن سيرتا‬
‫وحينما رأى الجنود الرومان ما سوف يؤول إليه أمر المنطقة نصحوا أذربعل ابن مكيسبا‬
‫بالتسليم ليوغرطة وجنوده لكن هيهات فقد سبق السيف العدل‪ ،‬واستطاع هذا المقاتل العنيد‬
‫من القضاء على جميع من كان في المدينة بما فيهم الرومان‪ ،1‬ولما وصلت انباء هذه‬
‫الوقائع إ لى روما غضب الشعب الروماني على العاهل النوميدي المتمرد‪ .2‬الشيء الذي دفع‬
‫بمجلس الشيوخ إلى إعداد العدة للكر على هذا الثائر إذ أوكلت مهمة قمع هذه الثورة إلى‬
‫القنصل كالبورنيوس بستيا ومحاولة ارجاع األمور إلى نصابها أرسل يوغرطة ابنه وأخذ‬
‫معاونيه إلى روما من أجل الصلح غير أنهما منيا بالرفض الذريع‪ .‬وكانت القوة التي أعدها‬
‫بستيا وصلت إلى جزيرة صقلية ومن تم أخذت طريقها إلى إفريقيا وشرع في القتال واستعرت‬
‫نار الحرب في نوميديا التي أتت على األخضر واليابس واستولى الجيش الروماني على‬
‫بعض المدن وأن القنصل الروماني كان جشعا ومن اجل ذلك أراد يوغرطة إغراءه بالذهب وال‬
‫شك أنها كانت خطة حكيمة من الطرف النوميدي لفك الخناق واطفاء نار الحرب التي كانت‬
‫غير متساوية القوة‪ .‬وأذعن القنصل كالبورنيوس شريطة أن يقدم الملك النوميدي ثالثون فيال‬

‫‪1 _ charles durosoir : œuvres complètes de Salluste, Librairie Garnier frères, paris, s.d. pp,‬‬
‫‪130-150.‬‬
‫‪ _ 2‬محمد الهادي حارش‪ :‬دراسات‪ ،‬ص ص‪.252-243 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫وقطعان من الغنم واألبقار وعدد كبير من الخيول ومبلغ معتبر من المال وسرعان ما عاد‬
‫القنصل الروماني لحضور انتخابات مجلس الشيوخ والعر يالحقه ألنه تحصل على رشوة من‬
‫أجل وقف القتال على التراب النوميدي وأراد الشعب الروماني النظر في هذه القضية‬
‫ومحاكمة القنصل في المحاكم لهذا السبب أرسل الرومان إلى الملك النوميدي قنصال يدعى‬
‫كاسيوس إلخباره بالحضور إلى العاصمة حيث منح جواز المرور ورخصة العبور إلى روما‬
‫دون خوف أو وجل قصد التحقيق معه في قضية الرشوة التي قبضها القنصل كالبورنيوس‬
‫من أجل وقف القتال وكان الشعب مغتاظا وأعضاء مجلس الشيوخ أسقط في أيديهم حيث‬
‫اختاروا القرار الصائب هل ينظرون في الخيانة وسوؤ التسيير الذي قام به كالبورنيوس أو‬
‫إبطال مضمون االتفاقية التي وقعها هذا األخير مع الملك النوميدي وزاد في حدة غضب‬
‫الشعب الروماني الخطب الحماسية التي كان يلقيها أحد أعضاء مجلس الشيوخ ويدعى‬
‫مميوس الذي كان يخاطب السلطات الرومانية باستفسار الملك النوميدي عن خيانة الوظيفة‬
‫بالنسبة للقنصل كالبورنيوس والقائد المعاون له هيكوروس‪ .‬وأجاب العاهل يوغرطة طلبهم‬
‫مستندا هذه المرة أيضا على الذهب واألموال وعندما حل بمجلس الشيوخ أحاطت به‬
‫التهديدات وا لشتائم من جميع الجهات وأراد أعضاء المجلس اإليقاع به إال أنه كان محميا‬
‫يحمل جواز السفر ورخصة العبور التي منحتها له السلطة الرومانية‪ ،‬وكان أحد أبناء غلوسا‬
‫موجودا في المدينة ويدعى ماسيبا وكان القنصل الجديد سكريوس الذي خلف القنصل السابق‬
‫على نوميديا أغرى ماسينيسا بأنه سيملكه بعض أجزاء البالد‪ ،‬وخرج يوغرطة من روما‬
‫مغضوبا عليه وحينما غادرها أدار ظهره إليها وقال‪ " :‬أيتها المدينة ستهلكين قريبا حينما‬
‫تجدين من يشتريك"‪ ،‬ويالحظ بعد هذه اإلخفاقات المتكررة أن السلطات الرومانية باتت‬
‫مصممة أكثر من أي وقت مضى على اخماد نار هذه الثورة بأي وسيلة كانت ومن أجل هذا‬
‫األمر قامت بإعادة إرسال حملة عسكرية كبرى بقيادة ميتيلوس‪ .1‬ويظهر من مجريات‬
‫األحداث أن هذه الحملة أخفقت في تحقيق الهدف الذي جاءت من أجله وبقي النصر حليفا‬
‫للعاهل النوميدي ردحا من الزمن وبقيت األمور لصالحه حتى عاودت روما بإرسال حملة‬

‫_ محمد البشير الشنيتي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.37 ،‬‬

‫‪45‬‬
‫عسكرية ثانية وفي هذه المرة اختير القنصل ماريوس الذي استعان دون شك بخبرة أحد القادة‬
‫العسكريين المحنكين ويدعى سيال غير أنه في هذه المرة استطاع الجيش الروماني أن‬
‫يضرب طوقا على نوميديا ويتمكن في آخر المطاف من إلقاء القبض على يوغرطة كما قيل‬
‫في أواخر سنة ‪ 106‬إلى ‪ 105‬ق‪.‬م وأخذ أسي ار إلى روما وقيل أنهم نكلوا به وصرمت أذنه‬
‫ونزع القرط والحلق الذي كان بها‪ ،‬وبقي على تلك الحالة حتى توفى في السجن سنة ‪104‬‬
‫ق‪.‬م‪ .‬وبالتالي انتهت ملحمة يوغرطة وحتى ال تتكر مثل هذه الثورة واالنتفاضة لجأ مجلس‬
‫الشيوخ إلى تعيين أخيه غودا ويظهر أنه تم تعيينه لعدة اعتبارات منها ضعف الشخصية وال‬
‫يحمل في قلبه أية حقد للرومان زيادة على أنه ليس لديه أي طموح سياسي وبالتالي عرفت‬
‫المنطقة نوعا من االستقرار النسبي‪.1‬‬

‫‪ _5‬يوبا األول‪ 46-60 :‬ق‪.‬م‬

‫استكماال لتاريخ ملوك النوميد الذي تطرقنا إليه سابقا فإننا سنحاول ان نلم ولو باستعجال‬
‫حياة يوبا األول الذي يعد االبن البكر لألقليد هيمسال الثاني‪ ،‬الذي تقلد سدة الحكم النوميدي‬
‫في حدود سنة ‪ 60‬ق‪.‬م‪ ،‬وكان خالل تلك الفترة شابا يافغا حيث تمكن من الحصول على‬
‫خبرة في الحياة نتيجة مشاركته في المجال السياسي باعتباره أمير وكلف حينذاك في بعض‬
‫المهام الديبلوماسية السيما في الفترة الممتدة مابين ‪ 63-64‬ق‪.‬م ولما حالفه الحض في حكم‬
‫نوميديا كان قد تمكن من اكتساب خبرة طويلة في شؤون الحكم وال شك أن المؤرخين ذكروا‬
‫لنا بأنه كان مقداما ومحبا للظهور في زي الفت وفضال عن ذلك فقد كان متمسكا بتقاليد‬
‫وسلوكيات أبائه وأجداده كما كان ينفر من تقليد اإلغريق والرومان وبحكم أنه نشأ في البيت‬
‫النوميدي فإنه كان مولعا بالعمل العسكري‪ ،‬أي أنه كان مياال للفروسية والجندية‪ ،‬ويتبين لنا‬
‫ذلك من خالل بعض األعمال التي أنجزها عندما اعتلى العرش‪ ،‬ومن ذلك تنظيمه لحمالت‬
‫عسكرية متوالية إلخضاع بعض القبائل المتمردة‪ ،2‬أو تلك التي كانت تقدم مساعدات‬
‫لالحتالل الروماني كما شرع في بناء القصور وتحصينها بأسوار تبلغ أحيانا الثالث وربما‬

‫_ محمد البشير الشنيتي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.37 ،‬‬


‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬دراسات‪ ،‬ص ص‪2.257-255 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫لهذا األمر لم يعد يوبا األول من أصدقاء وحلفاء الرومان ألنه كان يتحاشى التقرب منهم‬
‫والجدير بالقول إن الرومان في هذه المراحل األولى لالحتالل كانوا يحاولون التقرب من‬
‫المغاربة وتحاشي االصطدام معهم وهي سياسة حكيمة إلى حد ما حتى تمهد لهم الطريق‬
‫لالحتالل الكلي للمنطقة ومن خالل األحداث التاريخية يظهر أن الصراعات بين أفراد العائلة‬
‫الحاكمة النوميدية وحزب الشعب الدي يديره يوليوس قيصر كانت قديمة ومن هنا يمكننا ألن‬
‫نفهم لماذا لجأ هذا األخير للوقوف إلى جانب بونبيي ضد يوليوس قيصر أثناء الحرب التي‬
‫اندلعت بينهما سنة ‪ 47‬ق‪.‬م‪ .1‬وأثبتت األحداث في البداية أن بومبيي هذا كان مدعوما من‬
‫مجلس الشيوخ و الطبقات األرستوقراطية في روما وكان يعتقد آنذاك الغلبة ستكون حتما من‬
‫نصيب بومبيي غير أن الحرب خداع فطلب يوليوس الدعم والمساعدة من طرف سيتيوس‬
‫الذي كان موجودا في موريطانيا ولعله كإيطالي ذي أصول التينية أسرع إلى معاونة يوليوس‬
‫قيصر فضال على أنه وعد بالحصول على أراضي شاسعة في نوميديا إذا كان النصر حليفا‬
‫لقيصر وتجري الرياح بما التشتهي السفن وتكون الغلبة لصالح قيصر في معركة تابسوس‬
‫سنة ‪ 46‬ق‪.‬م وتنتهي هذه األحداث بانتحار يوبا األول‪ .‬هل يمكن اعتبار العمل الذي قام به‬
‫يوبا األول في الحرب األهلية الرومانيو ثورة مغاربية ضد الرومان أم ال؟‬

‫‪ _6‬يوبا الثاني ‪ 23-50‬ق‪.‬م‬

‫يظهر أن كرسي العرش النوميدي بقي خاويا فترة معتبرة من الزمن حتى جاءت سنة ‪33‬‬
‫ق‪.‬م قبل هذا البد من القول إن يوبا الثاني أخذ رضيعا إلى مقر اإلمبراطورية أو باألحرى أنه‬
‫تلقى مباديء التربية واألخالق في روما في بيت أكتافيا شقيقة أغسطس أكتافيوس‪ .‬وكان‬
‫مقربا من هذا األخير حتى أنه كان يالزمه في بعض الحمالت العسكرية ويتلقى الرعاية‬
‫التامة ولما بلغ ‪ 19‬سنة تزوج بكليوباترة سيليني ابنة كليوباترة المعروفة‪ .‬وتربت هي األخرى‬
‫في البيت ذاته والجدير قوله إنهما نهال من منبع واحد أي تشبعا بالثقافة الرومانية اإلغريقية‬
‫وال شك أنه كان مولعا بالفنون واآلداب وتأليف الكتب في مختلف المجاالت بما فيها المجال‬

‫‪ _1‬يوليوس قيصر‪ :‬الحرب اإلفريقية ‪ 46-47‬ق‪.‬م‪ ،‬ترجمة محمد الهادي حارش‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،.2014 ،‬ص‪.10،‬‬

‫‪47‬‬
‫الزراعي‪ .‬وهنا لوال وجود االستقرار لما تمكن أن يتعاطى مع اآلداب الفنون بمختلف أنواعها‬
‫كيف ال وهو سليل بيت نوميدي عريق‪.‬‬

‫‪ _7‬ثورة تاكفاريناس ‪24-17‬م‪:‬‬

‫كان تاكفاريناس مجندا في الجيش الروماني إال أنه فر من الجندية وبالضبط من الفرقة‬
‫المساعدة واألسباب الحقيقة النتفاضته لعدة أسباب من ضمنها الظلم واالضطهاد الذي‬
‫تعرض له المغاربة مصادرة لألراضي وطرد السكان إلى الجبل والمناطق الداخلية والمبالغة‬
‫في تحصيل الضرائب في جميع الوجوه زيادة على احتقار الرومان للمجندين المغاربة كل‬
‫هذه التراكمات جعلت تاكفاريناس ينقم على سلطة االحتالل حيث تمكن في فترة وجيزة من‬
‫جمع قطاع الطرق واللصوص والخارجين على القانون ونظم بهم فرقة عسكرية منضبطة‬
‫ومنتظمة على شاكلة الجيش الروماني باعتباره ملما بخفايا الجيش وتنظيماته‪ .‬واتخذت هذه‬
‫المجموعة الناشئة طابعا مال أكثر للمغامرة بمعنى أك كل العمليات التي قاموا بها تندرج في‬
‫إطار حروب العصابات‪ .‬ذلك أنه لم يكن بمقدورهم مجابهة الجيش الروماني المنظم والمجهز‬
‫ومن تم أصبح تاكفاريناس قائد للمتمردين الموسوالن تلك القبائل القوية التي أصبحت‬
‫مضاربها جنوبا ولم تستقر في المدن بعد كما استفادت هذه المجموعة المتمردة من جيرانها‬
‫المنضمين حيث يذكر أن هؤالء اتخذوا مازيبا زعيما لهم والالفت لالنتباه أن تاكفاريناس عمل‬
‫على ضم جنوده إلى المعسكرات وفرض نظاما صارما على أتباعه حتى أصبح شبيها‬
‫بالجيش الروماني المنضبط أما القائد الموريطاني مازيبا بمعية التشكيلة العسكرية خفيفة‬
‫التسليح إلى إشعال النيران وبث الخوف والرعب أينما حل وارتحل وسرعان ما بدأ بالحرب‬
‫على أعدائه الرومان‪ ،1‬وذلك بتوجيه ضربات خاطفة وسريعة إلى خصومه مما دفع به إلى‬
‫ضرب الحصار على بعض المراكز كما أنه قام بأخذ أموال طائلة من أحدى المناطق القريبة‬
‫من نهر بجيدا يقع على محور طريق سيرتا جيجل وهناك مالحظة مفادها أن منطقة الحرب‬

‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬دراسات‪ ،‬ص ص‪1.62-57 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫ضد تاكفيراناس كانت منحصرة في محور جرجرة سور الغزالن‪ .1‬وال شك أن الحرب كانت‬
‫سجاال حيث تمكن من التغلب على الفرقة الرومانية بقيادة ديكريوس الشجاع الذي وقف في‬
‫ميدان المعركة غاضبا على جنوده الفارين ووبخهم على جبنهم وتكاسلهم عن مجابهة شرذمة‬
‫قليلة من قطاع الطرق واستمات هذا القائد واستبسل في الدفاع عن مركزه حتى جرح وسملت‬
‫عيناه ومات مهمال متروكا من أصحابه‪ .‬إن ثورة تاكفاريناس اندلعت في سنة ‪19‬م واستمرت‬
‫ردحا من الزمن حتى تج أر هذا األخير وطلب من اإلمبراطور اقتطاعه أراضي واسعة من‬
‫نوميديا في الفترة الممتدة من ‪22-20‬م واهتدى الرومان إلى التريث للتعامل مع الثائر‬
‫المغربي فال بد إذن من انتهاج سياسة اإلستنزاف واضعاف العدو وعدم مجابهته ولو إلى‬
‫حين إال أن األمور تغيرت مع مجيء قائد آخر يدعى دوالبيال الذي عسكر في المنطقة‬
‫الواقعة بين سطيف وبجاية ويالحظ أن هذا األخير انتهج سياسة مغايرة لسابقه حيث أمر‬
‫جنوده المشاة بقطع الرؤس وخاصة أولئك الذي ينتمون إلى قبائل الماسيل أو الموسوالن‬
‫لترهيبهم واخافتهم حتى يتمكن من قطع المدد عن المتمردين وهي سياسة القت نجاحا على‬
‫أرض الواقع حتى أن الثوار لم يعد في مقدورهم الوقوف في وجه هذه الحملة المسعورة التي‬
‫قام بها هذا القائد وفي نهاية المطاف قتل تاكفاريناس بمنطقة سور الغزالن وبالتالي تم إخماذ‬
‫الثورة والقضاء على المتمردين وهنا انتهت انتفاضته إلى الفشل وكان ذلك في حدود سنة‬
‫‪ 24‬م‪ .‬وترتب عنها جملة من األشياء من بينها زيادة اضهاد الرومان للمغاربة ومصادرة‬
‫األراضي التي لم تنزع من قبل وطرد األهالي إلى الجبال خاصة الماسيل منهم وشردوا حتى‬
‫ال يتج أر أي أحد منهم مستقبال على مجابهة االحتالل الروماني‪ .‬وهنا البد من القول أن‬
‫السلطة الرومانية لجأت إلى بناء نظام دفاعي حتى ال يتمكن هؤالء المطرودون من أراضيهم‬
‫من العودة إليها ويتمثل هذا النظام في الليمس وهو عبارة عن أسوار دفاعية تتخللها أبراج‬
‫مراقبة ومعسكرات وقالع وحصون واستمر االهتمام بهذا النظام إلى غاية القرن الثالث‬
‫الميالدي وهذا النظام كانت به ثغرات لشساعة البالد‪.‬‬

‫‪1 _ Ouarda Himeur-Ensighaoui : ils ont défié L’empire Juba1er, Tacfarinas, Firmus et Gildon,‬‬
‫‪Casbat éditions, Alger, 2009., pp, 135-159.‬‬
‫‪49‬‬
‫_ثامنا‪ :‬أوضاع المغرب في الفترة ما بين ‪40-23‬م‬

‫قدم الملك بطليموس مساعدات كبيرة للسلطات العسكرية الروماني بالمنطقة المغاربية وذلك‬
‫من أجل القضاء على ثورة تاكفاريناس‪ .‬وال شك أن المحتل كان ينظر إلى هذا العاهل‬
‫المغاربي بعين الريبة ومن بين األشياء التي يمكن ذكرها ان اإلمبراطور كاليغوال استدعى‬
‫الملك بطليموس إلى العاصمة روما حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة وخلع عليه اللباس‬
‫األرجواني وبعض الهدايا المتمثلة في الحلي وطلب منه الحضور إلى المسرح ليعاين بعض‬
‫االحتفاالت السيما منها المخصصة للمبارزة ومصارعة الوحوش المفترسة إال أنه في النهاية‬
‫حيكت له مؤامرة وتم اغتياله من قبل االمبراطور كاليغوال وفي هذه األثناء تم ضم ممتلكات‬
‫إفريقيا الشمالية إلى اإلمبراطورية الرومانية وهنا ظهر إدمون أحد المقربين من بطليموس‬
‫على مسرح األحداث وشرع في الثورة على المحتل في موريطانيا ثأ ار وانتقاما لسيده وقائده‬
‫بطليموس وقد ارسل االمبراطور كلوديوس خليفة كاليغوال جيشا عرمرما لتفريق جيوش‬
‫المتمردين الموريطانيين بقيادة إدمون ونجح إلى حد ما في تحقيق بعض االنتصار كما جعل‬
‫القائد يولينوس على رأس حملة عسكرية لتنظيف المنطقة من الثوار وعاث في البالد خ اربا‬
‫وفسادا حتى بلغ منطقة األطلس المغربي إال أنه توغل في الجنوب محاوال اجتثاث الثورة من‬
‫جدورها ونجح في ذلك ألنه استعمل حرب العصابات وأصبحت موريطانيا سنة ‪42‬م مقاطعة‬
‫رومانية بكل المقاييس وقسمت المنطقة إداريا إلى موريطانية القيصرية وعاصمتها شرشال‬
‫الحالية وموريطانية الطنجية وعاصمتها طنجة الحالية ولما تمكن كلوديوس من نشر السلم‬
‫في المنطقة المحتلة ترك الحكم مناصفة بين قائدين رومانيين‪.‬‬

‫أما بالنسبة للملوك الموريطانيين من عائلة بوخوس‪ ،1‬وبوغود فكانوا دون شك يحكمون حكما‬
‫مطلقا في األراضي الخاضعة لهم مثل ملوك نوميديا السابقين‪ .‬عالوة على أن سلطتهم كانت‬
‫على القبائل التي كانت تسير في رحابهم إال أن هناك بعض القبائل كانت متمردة وال تخضع‬
‫ألي سلطان إال سلطة شيخ القبيلة وكان لهم حكم مستقل وأن هذه القبائل لم تكن ترضخ ال‬

‫‪ _1‬محمد البشير الشنتي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.41-39 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫لهؤالء الحكام المحليين وال للسلطة الرومانية حيث أصبحت مصدر قلق وتوتر دائمين األمر‬
‫الذي جعل السلطة الرومانية والملوك الموريطانيين يقومون بين الفينة واألخرى بتنظيم‬
‫حمالت عسكرية كبرى قصد تأديبها وردعها وقت اللزوم‪ ،‬ويبدو أنه لوقت طويل كانت‬
‫شرشال أو قيصرية تسمى بموريطانية بوخوس ألن حكم هذا األخير كان يمتد إليها‬
‫وموريطانيا الطنجية تسمى بمملكة بوغود‪ .‬والجدير قوله أن هؤالء الموريطانيين كانوا يعتقدون‬
‫بألوهية البحر حيث يقدسونه زيادة على تقديس نبتون وزوجته نبتيس والبحر عند الفراعنة كان‬
‫يسمى بهذا االسم األخر‪.‬‬

‫‪ _1‬الليمس النوميدي‪:‬‬

‫لما تمكن المحتل الروماني من بسط نفوذه على المنطقة المغاربية لجأ إلى مصادرة األراضي‬
‫وطرد السكان المحليين إلى الجبال والمناطق الداخلية‪ ،‬والقاحلة وحتى يستتب له األمر‬
‫واألمن قام بإنشاء نظام دفاعي _الليمس_‪ .‬ويالحظ أن منطلق هذا النظام الدفاعي كان من‬
‫تيفست إلى تازولت في إقليم األوراس ما ار بمدينتي تمقاد وخنشلة ولعل الرومان أدركوا خطر‬
‫الثورات المغربية التي كانت تشتعل بين الفينة واألخرى من أجل ذلك لجأوا إلى تعديل هذا‬
‫النظام الدفاعي الذي أصبح منحص ار في منطقة القنطرة إلى طبنة‪ .‬إن هؤالء القوم اعتمدوا‬
‫الليمس خالل القرن األول والثاني والثالث الميالدي ففي هذه المرحلة يالحظ أن الليمس‬
‫سيمتد إلى إقليم الحضنة ومسعد في القرن الثاني الميالدي أي في سنة ‪192‬م‪ ،‬ثم يصل إلى‬
‫الجلفة مرو ار باألغواط لينتهي في البيض والغرض من إنشائه تضييق الخناق على القبائل‬
‫المناوئة لالحتالل الروماني ومنعها من التوغل إلى المستعمرات والمستثمرات الفالحية الكبرى‬
‫التي ظهرت في بالد المغرب والتي عرفت باسم السالتوس‪ ،‬والالتيفونديا الخاصة بإنتاج‬
‫القمح والشعير الذي غطى القرن األول برمته‪ ،‬التي تحول أصحاب األرض الحقيقيين فيها‬
‫إلى عبيد‪ .1‬وأصبحت هذه المنطقة تعرف بخزان روما لما تقدمه من خيرات ومن غذاء‬
‫لإلمبراطورية لهذا األمر وجب على الرومان حماية هذا المخزون االقتصادي الهام‪ .‬كما‬

‫‪ _1‬عبد القادر صحراوي‪ :‬التحصينات العسكرية بنوميديا وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماني ‪ 46‬ق‪.‬م‪-‬‬
‫‪284‬م‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪ ،.2011 ،‬ص‪.21،‬‬

‫‪51‬‬
‫باشر المحتل خالل القرن األول الميالدي بإنشاء العديد من المدن السيما تيمقاد‪ ،‬وكويكول‪،‬‬
‫ستيفيس حيث بات من الواضح أن هذه المدن كان لها وظائف عسكرية‪ ،‬وفالحية‪ ،‬وتجارية‬
‫وقد أوصلها الجيش الروماني بشبكة من الطرق ففي بداية األمر كانت الشبكة الطرقية‬
‫الحديثة لألغراض العسكرية البحتة‪ ،1‬ولما تغيرت األمور وانتعش االقتصاد وازدهرت الفالحة‬
‫ونشطت التجارة تحولت هذه الشبكة الطرقية إلى األغراض االقتصادية وينبغي اإلشارة إلى‬
‫أن النظام الدفاعي الروماني بشقه المدعم بالتحصينات والقالع انه وقف حائال دون مرور‬
‫بعض البدو الرحل في إقليم طبنة‪ ،‬والدور ذاته في إقليم بسكرة وال شك أن هذا الليمس‬
‫النوميدي سيتخذ مع مثيله في الناحية الغربية أال وهو النظام الدفاعي الروماني في موريطانيا‬
‫بما يعرف عند المؤرخين بالليمس الموريطاني‪.‬‬

‫‪ _2‬الليمس الموريطاني‪:‬‬

‫البد من اإلشارة إلى أن موريطانيا القيصرية منذ تأسيسها في ‪42‬م شغلت حي از واسعا في‬
‫الشمال اإلفريقي فامتدت حدودها من نهر الملوية غربا إلى الوادي الكبير شرقان ومن سواحل‬
‫البحر األبيض المتوسط شماال إلى مضارب قبائل الجيتول جنوبا حتى أنها تصل بحدودها‬
‫إلى الضفة الشمالية الشرقية من شط الحضنة بالقرب من مسيف‪ .‬ورغم هذا فإنه يصعب‬
‫تحديد حدودها الجنوبية‪ .‬وموريطانية القيصرية أطول عم ار لم تتغير حدودها منذ إنشائها‬
‫لإلستقرار النسبي الذي عرفته في هذه المرحلة التاريخية‪ ،‬إلى أن فصل عنها الشطر الشرقي‬
‫سنة ‪288‬م وتكون ما يعرف بمقاطعة موريطانيا السطايفية‪ ،‬وال شك أن السلطة الرومانية‬
‫العسكرية قامت ببناء الليمس من أجل تثبيت أركان االستيطان‪ .‬والبد من القول أن الليمس‬
‫الي أنشئ في المناطق الساحلية في الفترة ما بين ‪42-40‬م كان يضم عدة مراكز منها‪:‬‬

‫جيجل‪ ،‬شوباي_زيامة منصورية_‪ ،‬صلداي‪ ،‬تيقزرت‪ ،‬أزفون‪ ،‬الجزائر‪ ،‬شرشال‪ ،‬سواحل‬


‫شلف‪ .‬كم قام اإلمبراطوران تراجان‪ ،‬ثم هادريان بإنجاز الخط الدفاعي يمر بمنطقة بشيلقة‬

‫‪1 _ pierre Salama : Les Voies Romaines de L’Afrique du nord, imprimerie officielle du‬‬
‫‪gouvernement General, Alger,1951., p, 13, 21.‬‬
‫‪52‬‬
‫وتارمونت‪ ،‬وسور الغزالن مرو ار بالبرواقية‪ ،‬والمدية‪ ،‬ثم مليانة‪ ،‬وعين الدفلى‪ ،‬والشلف‪،‬‬
‫وغليزان‪ ،‬والمحمدية والسيق‪ .‬أما فيما يتعلق بالنظام الدفاعي الذي أنشأ في القرن الثالث‬
‫الميالدي في عهد االمبراطور سيفيروس فيمتد إلى منطقة بومارية في تلمسان لينتهي في‬
‫نهاية المطاف بمغنية‪ .‬وهكذا ضربت السلطات الرومانية طوقا أمنيا ضيق الخناق على‬
‫مرتفعات التل والسهول‪ .‬وحاصل القول أن الليمس دعم بأنواع مختلفة من التحصينات مثل‬
‫المعسكرات‪ ،‬والقالع‪ ،‬والحصون‪ ،‬وأبراج المراقبة‪ ،‬والمحارس البحرية على طول الساحل‪،1‬‬

‫التي يذكر بروكوب بشأنها أنها ستبقى إلى غاية الحكم البيزنطي‪.2‬‬

‫_ عبد القادر صحراوي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪1.24 ،‬‬


‫‪2 _ procope : Histoire secrète de justinien géographie du VI siècle, traduit par M.isambert‬‬
‫‪Firmin didot frères , paris, 1856.,p, 37.‬‬
‫‪53‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫تمت هذه الصفحات بعون هللا وفضله‪ ،‬وهي كما يرى القارئ محاضرات موجهة بالخصوص‬
‫إلى طلبة الجامعة في مرحلة التدرج كما مر بنا في البداية‪ .‬كتبت بهذه الطريقة قصد معرفة‬
‫تاريخ بالد المغرب القديم بصورة سريعة‪ ،‬وأخذ فكرة موجزة عنه وذلك دون تعمق في الوصف‬
‫أو اإلسهاب في التفاصيل التي ليس من ورائها طائل‪ ،‬وتفاديا للملل‪ ،‬والضجر‪ .‬وقد دبجت‬
‫في لغة بسيطة مركزة بعيدة عن المحسنات البديعية حتى تكون في مستوى فهم الجميع‪ .‬وهذا‬
‫طبعا للوصول إلى الغاية في أسرع وقت‪ ،‬وأقرب طريق ويتمكن طلبتنا من إلقاء نظرة سريعة‬
‫على تاريخ بالدهم القديم في فترة قصيرة‪ ،‬واالطالع على جوانبه المختلفة من مظاهر‬
‫حضارية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وأحداث‪ ،‬وحروب‪ ،‬وانتفاضات يستخلصون منها العبر‪ ،‬والدروس‪،‬‬
‫ويروا ذلك الماضي العريق يمر أمامهم في هيئة نصوص بما تحمل في طياتها من صور‬
‫يرونها عن كثب كأنه شريط وثائقي بكل ما يحمل من رسوم أولئك القدامى في حياتهم‬
‫المتالطمة كموج البحر بنجاحاتها واخفاقاتها‪ .‬فلقد صدق من قال‪ " :‬من ال ماضي له‪ ،‬ال‬
‫حاضر له‪ ،‬وال مستقبل له"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫البيبليوغرافيا‬
‫أوال_ الكتب العربية‪:‬‬

‫‪ _1‬المصادر‪:‬‬

‫_ هيرودوت‪ :‬أحاديث هيرودوت (‪ 487-425/489‬قبل الميالد) عن الليبيين (األمازيغ)‪ ،‬ترجمة‬


‫وتعليق وشرح مصطفى أعشي‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‪.2009 ،‬‬

‫_ يوليوس قيصر‪ :‬الحرب اإلفريقية ‪ 46-47‬ق‪.‬م‪ ،‬ترجمة محمد الهادي حارش‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2014‬‬

‫‪ _2‬المراجع‪:‬‬

‫_ أحمد الفرجاوي‪ :‬بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة‪ ،‬المجمع التونسي للعلوم واآلداب‬
‫والفنون _ بيت الحكمة _ تونس‪.1993 ،‬‬

‫_ أحمد صفر‪ :‬مدنية المغرب العربي في التاريخ‪ ،‬ج‪ ،1‬دار النشر بوسالمة‪ ،‬تونس‪.1959 ،‬‬

‫_ اصطيفان اكصيل‪ :‬تاريخ شمال أفريقيا القديم ظروف النماء التاريخي‪-‬األزمنة البدائية االستعمار‬
‫الفينيقي وامبراطورية قرطاجة‪ ،‬ترجمة محمد التازي سعود‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‪،‬‬
‫الرباط‪.2007 ،‬‬

‫_ الشاذلي بورونية ومحمد طاهر‪ :‬قرطاجة البونية تاريخ حضارة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.1999 ،‬‬

‫_ العربي عقون‪ :‬األمازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في األصول و الهوية‪ ،‬التنوخي للطباعة والنشر‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬المغرب‪.2010 ،‬‬

‫_ االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2008 ،‬‬

‫_ شارل أندري جوليان‪ :‬تاريخ إفريقيا الشمالية تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المغرب األقصى من البدء إلى الفتح‬
‫اإلسالمي ‪647‬م‪ ،‬تعريب محمد مزالي والبشير بن سالمة‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪.1968 ،‬‬

‫_ عبد الكريم غالب‪ :‬قراءة جديدة في تاريخ المغرب العربي مغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.2005 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫_ عبد العزيز بنعبد هللا‪ :‬تاريخ المغرب العصر القديم والعصر الوسيط‪ ،‬نشر وتوزيع مكتبة السالم الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬مكتبة المعارف الرباط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫_ عبد القادر صحراوي‪ :‬التحصينات العسكرية بنوميديا وموريطانيا القيصرية أثناء االحتالل الروماني‬
‫‪ 46‬ق‪.‬م‪284-‬م‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪.2011 ،‬‬

‫_ عثمان الكعاك‪ :‬موجز التاريخ العام للجزائر من العصر الحجري إلى االحتالل الفرنسي‪ ،‬تقديم ومراجعة‬
‫أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬محمد البشير الشنيتي‪ ،‬ناصر الدين سعيدوني‪ ،‬إبراهيم بحاز‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.2003 ،‬‬

‫_ عثمان سعدي‪ :‬األمازيغ البربر عرب عاربة‪ ،‬الجزائر‪.1996 ،‬‬

‫_ فتيحة فرحاتي‪ :‬نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني ‪ 213‬ق‪.‬م‪ 46-‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫منشورات أبيك‪ ،‬الجزائر‪.2007 ،‬‬

‫_ فرانسوا دوكريه‪ :‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ ،‬ترجمة يسوف شلب الشام‪ ،‬دار طالس للدراسات والترجمة‬
‫والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪.1994 ،‬‬

‫_ فليب حتي‪ :‬تاريخ سورية و لبنان و فلسطين‪ ،‬ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫بيروت‪.1958 ،‬‬

‫_ قابريال كامبس‪ :‬في أصول بالد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ‪ ،‬تعريب وتحقيق العربي عقون‪،‬‬
‫المجلس األعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪.2012 ،‬‬

‫_ مادلين هورس ميادان‪ :‬تاريخ قرطاج‪ ،‬ترجمة إبراهيم بالش‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1981 ،‬‬

‫_ محمد أبو المحاسن عصفور‪ :‬المدن الفينيقية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1981 ،‬‬

‫_ محمد البشير الشنيتي‪ :‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط‬
‫موريطانيا (‪ 146‬ق‪.‬م_ ‪40‬م)‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.1982 ،‬‬

‫_ أضواء على تاريخ الجزائر القديم بحوث ودراسات‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬الجزائر‪.2003 ،‬‬

‫_ محمد الصغير غانم‪ :‬التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط‪ ،‬ط‪ ،2‬ديوان المطبوعات الجامعية_‬
‫الجزائر_‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر_ لبنان_‪.1982 ،‬‬

‫‪56‬‬
‫_ مواقع وحضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪.2003 ،‬‬

‫_ معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر‪ ،‬دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.2003 ،‬‬

‫_ المملكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬دار األمة‪ ،‬الجزائر‪،.1998 ،‬‬

‫_ محمد الهادي الشريف‪ :‬تاريخ تونس من عصور ما قبل التاريخ إلى االستقالل‪ ،‬تعريب محمد‬
‫الشاوش‪ ،‬ومحمد عجينة‪ ،‬ط‪ ،3‬دار سراس للنشر‪ ،‬تونس‪.1993 ،‬‬

‫_ محمد الهادي حارش‪ :‬التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح‬
‫اإلسالمي‪ ،‬المؤسسة الجزائرية للطباعة‪ ،‬الجزائر‪.1992 ،‬‬

‫_ دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبلدان المغرب في العصور القديمة‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2001‬‬

‫_ محمد بيومي مهران‪ :‬المغرب القديم‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1990 ،‬‬

‫_ محمد محي الدين المشرفي‪ :‬إفريقيا الشمالية في العصر القديم‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الكتب العربية‪ ،‬المملكة‬
‫المغربية‪.1969 ،‬‬

‫_ المجالت والدوريات‪:‬‬

‫_ أحمد السليماني‪ " :‬تاريخ إفريقيا الشمالية القديم "‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،.1992 ،‬ص ص‪.43-15 ،‬‬

‫_ أشالف فطومة‪ " :‬عوامل ومظاهر تطور الصناعات الحرفية في فينيقيا"‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪،‬‬
‫العدد‪ ،18:‬قسم التاريخ‪ ،‬جامعة الج ازئر‪ ،2‬الجزائر‪ ،.2015 ،‬ص ص‪.22-11 ،‬‬

‫_ عادل سالم‪ ":‬قرطاج"‪ ،‬مجلة العربي‪ ،‬العدد ‪ ،678‬و ازرة اإلعالم‪ ،‬الكويت‪ .2015 ،‬ص ص‪.20-18 ،‬‬

‫_ عامر خير‪ " :‬طرق التجارة الفينيقية "‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السابع والعشرون‪،‬‬
‫السداسي األول‪ ،‬مؤسسة كنوز الحكمة للنشر و التوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،.2014 ،‬ص ص‪.72-54 ،‬‬

‫_ محمد الهادي حارش‪ " :‬حملة حنبعل على إيطاليا"‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬معهد‬
‫التاريخ‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،.1992 ،‬ص ص‪.60-51 ،‬‬

‫‪57‬‬
:‫_ المعاجم والموسوعات باللغة العربية‬

.1991 ،‫ لبنان‬،‫ طرابلس‬،‫ جروس برس‬،2‫ ط‬،‫ معجم الحضارات السامية‬:‫ عبودي‬،‫_ هنري س‬

:‫ثانيا_ الكتب األجنبية‬

:‫_ المصادر‬1

_ charles durosoir : œuvres complètes de Salluste, Librairie Garnier frères,


paris, s.d.

_ Justin : Histoire universelle, traduction nouvelle par Jules Pierrot et E.


Boitard, tome2, Paris, M DCCC XXX III.
_ Pline : Histoire Naturelle, traduction en français par M.E.Littré, tome 1,
Firmin didot et Cie, paris, France, MDCCCLXXVII.
_ procope : Histoire secrète de justinien géographie du VI siècle, traduit par
M.isambert Firmin didot frères, paris, 1856.
_ Tite Live : Histoire Romaine, traduction M. Nisard, T° premier, Firmin Didot,
paris, DCCC LXIX.

:‫_ المراجع‬2

_ André Jodin : Carthage et Le Maroc phénicien, centre national de


documentation, Rabat, Maroc. S.d.
_ Auguste Audollent : Carthage Romaine 146 avant Jésus-Christ – 698 après
jésus- christ, université de paris, thorin et fils 1901.
_ Christophe Burgeon : La troisième Guerre punnique et La destruction de
Carthage Le verbe de Caton et les armes de Scipion, éditions Academia,
Belgique, 2015.
_ D’Avezac : Afrique Esquisse générale de L’Afrique et Afrique ancienne,
Firmin Didot frères, éditeurs, paris, France, MDCCCXLIV.
_ Emile-Félix Gautier : Le passé de L’Afrique du nord Les siècles obscurs du
Maghreb, Algérie-Livres éditions, Alger, 2011.
_ François Decret et Mhamed Fantar : L’Afrique du nord dans L’antiquité, des
origines au V° siècle, éditions Payot, Paris, France, 1981.

58
_ Gabriel Camps : Aux origines de La Berberie Massinissa ou Les Débuts de
L’histoire, Libyca, Tome VIII, service des antiquités, Alger, 1960.
_ Jacques Ellul : Histoire des institutions de L’antiquité, presses universitaires
de France, paris, 1963.
_ Louis Lacroix : Histoire de La Numidie et des Maurétanies des origines
jusqu’à l’invasion vandale, Alger-Livres éditions, Alger, 2008.
_ L. Péchot : Histoire de L’Afrique du nord avant 1830, Gojosso imprimeur,
Alger, 1914.
_ Mahfoud Kaddache : L’Algérie dans L’antiquité, s.n.e.d., Alger, 1982.
_ Marcel Leglay : Les Religions orientales dans l’Afrique ancienne, imprimerie
officielle du gouvernement général de l’Algérie, Alger, 1956.
_ Messaoud djennas : La Saga des rois numides entre Carthage et Rome,
casbah éditions, Alger, 2010.
_ Ouarda Himeur-Ensighaoui : ils ont défié L’empire Juba1er, Tacfarinas, Firmus
et Gildon, Casbat éditions, Alger, 2009.
_ pierre Salama : Les Voies Romaines de L’Afrique du nord, imprimerie
officielle du gouvernement General, Alger,1951.
_ R. et M. Cornevin : Histoire de L’Afrique des origines à La 2° guerre
mondiale, 4° édition mise à jour, Payot, paris, 1974.
_ René Cagnat : « Carthage, Timgad, Tébessa et les villes antiques de L’Afrique
du nord, Librairie Renouard, H. Laurens, éditeur, Paris, 1909.
_ Stéphane Gsell : Histoire ancienne de L’Afrique du nord, Librairie Hachette et
Cie, paris, 1913.
_ L’Algérie dans L’antiquité, Adolphe Jourdan éditeur, Alger, 1903.
_ Yann Le Bohec : Histoire militaire des guerres puniques 264-146 av-j.-c,
éditions Tallandier, Paris, 2014.

:‫_المجالت والدوريات‬
_Charles Clermont Ganneau: « Le conseil des trente à Carthage »,
journal des savants,n°5, 19° année, France, 1921., pp ,223-229.

59
_ David Mattingly : « Nouveaux aperçus sur les Garamantes : un état
saharien », antiquités Africaines, volume 37, n°1, France, 2001.,pp, 45-61.
_ Fethi Chelbi, Roland Paskoff, pol Trousset : « La baie D’Utique et son
évolution depuis L’antiquité », antiquités africaines, tome 31, France,1995.,
pp,7- 51.
_ Gabriel Camps : « La Faune de L’Afrique du nord et du Sahara d’après
Hérodote », Espacio, Tiempo y forma, série II, H, Antigua, Tome ° 1, 1988., pp,
209-221.
_ Jean Dresch: «Les changements de climat et Les mouvements du sol en
Afrique du nord au cours du plio-quaternaire», in L’information géographique,
volume 24, n°03, France, 1960., pp, 107-113.
_ Lucien Golvin : « Gabriel Camps, Berbères aux marges de L’histoire », revue
de L’occident musulman et de La méditerranée, volume 32, n° 1, 1981, pp,
163-166.
_ Michel Gras : « La mémoire de Lixus. De la fondation de Lixsus aux premiers
rapports entre Grecs et phéniciens en Afrique du nord », publications de
L’école Française de Rome, Rome, 1992. pp, 27-44.
_ Mhamed fantar : « stèles épigraphes du tophet de Sousse », in revue des
études phéniciennes- puniques et des antiquités libyques,n° 09, Tunis, 1995.
pp, 25-48.
_ Mohamed Meouak: « Remarques sur la genèse du peuplement antique et
médiéval du Maghreb : L’apport de la toponymie et de la philologie », rocznik
orientalistyczny, tome LXVI, Z, 1, 2013., pp, 58-73.
_ P. Flatters : « L’Afrique septentrionale ancienne », Revue Africaine, volume
21, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1877. Pp, 153,233, 345, 438.
_ Stéphane Gsell : « Le Climat de L’Afrique du nord dans L’antiquité », volume
55, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1911., pp, 343-410.
_ « Chronique Africaine Archéologie et Histoire ancienne », Revue Africaine,
volume 38, A. Jourdan éditeur, Constantine, Paris, 1894., pp, 109-233.
_ Zeineb Doublon Ben Abdallah et Liliane Ennabli : « Caelestis et Carthage »,
Revue Antiquités Africaines, 34, France, 1998. pp, 175-183.

60
:‫_ الندوات العلمية‬

_ Jehan Desanges : « Remarques critiques sur l’hypothèse d’une importation


de l’or africain dans le monde phénico-punique », actes du deuxième congrès
international d’étude des cultures de la méditerranée occidentale, T°2, société
nationale d’édition et de diffusion, Alger, 1978. Pp,52-58.
_ Maria Giulia Amadasi : « Remarques sur la présence phénico-punique en
Espagne d’après la documentation épigraphique », actes du deuxième congrès
international d’étude des cultures de la méditerranée occidentale, T°2, société
nationale d’édition et de diffusion, Alger, 1978. pp,33- 42.
_ Sabatino Moscati : « L’expansion phénico-punique dans la méditerranée
occidentale », actes du deuxième congrès international d’étude des cultures de
la méditerranée occidentale, T°2, société nationale d’édition et de diffusion,
Alger, 1978. p,11-12.

:‫_ المعاجم والموسوعات باللغة األجنبية‬

_Petit Larousse de L’Histoire du monde en 7000 dates, Mame imprimeurs,


Tours, France, 2007.

61
‫المالحق‬

‫‪62‬‬
‫الحرب البونية األولى‬

‫الحرب البونية الثانية‬

‫الحرب البونية الثالثة‬

‫الشكل رقم‪ _1:‬التسلسل التاريخي للحروب البونية‬

‫‪63‬‬
‫الصورة رقم‪ _1:‬وجه الملك ماسينيسا منقوشا على قطعة نقدية‬

‫الصورة رقم‪ _2:‬قطعة نقدية للعاهل النوميدي يوغرطة‬

‫‪64‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪01‬‬ ‫مقدمة ‪..............................................................................................‬‬

‫‪02‬‬ ‫أوال_ الموقع الجغرافي والوسط الطبيعي لبالد المغرب‪.................................................‬‬

‫‪03‬‬ ‫‪_ 1‬المناخ‪...........................................................................................‬‬

‫‪04‬‬ ‫‪_ 2‬السكان‪..........................................................................................‬‬

‫‪05‬‬ ‫ثانيا_ الفينيقيون في بالد المغرب‪....................................................................‬‬

‫‪09‬‬ ‫‪ _1‬ظروف ومالبسات تأسيس قرطاج‪................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪ _2‬المؤسسات السياسية في قرطاج‪..................................................................‬‬

‫‪14‬‬ ‫أ_ نظام السبطان‪...................................................................................‬‬

‫‪15‬‬ ‫ب_ مجلس الشيوخ‪.................................................................................‬‬

‫‪16‬‬ ‫ت_ مجلس القضاء‪.................................................................................‬‬

‫‪17‬‬ ‫ث_ مجلس الشعب‪.................................................................................‬‬

‫‪17‬‬ ‫ج_ مجلس الثالثين‪.................................................................................‬‬

‫‪18‬‬ ‫ح_ لجنة العشرة‪....................................................................................‬‬

‫‪18‬‬ ‫ثالثا_ الرحالت القرطاجية في القرن الخامس قبل الميالد‪.............................................‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪ _1‬رحلة حنون‪....................................................................................‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪ _ 2‬رحلة خملكان‪..................................................................................‬‬

‫‪21‬‬ ‫رابعا_ االقتصاد القرطاجي‪..........................................................................‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪ _ 1‬النشاط الصناعي‪...............................................................................‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪ _2‬النشاط الفالحي‪................................................................................‬‬

‫‪26‬‬ ‫خامسا_ المعتقد الديني عند القرطاجيين‪.............................................................‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪ _1‬اآللهة القرطاجية‪...............................................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫أ_ ملقرط‪...........................................................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫ب_ أشمون‪..................................................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪ _2‬القساوسة والرهبان‪.......................................................................‬‬

‫‪65‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪_3‬العرافون‪.................................................................................‬‬

‫‪29‬‬ ‫سادسا_ الحروب البونية ‪ 146-264‬ق‪.‬م‪...................................................‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪ _1‬الحرب البونية األولى ‪ 241-264‬ق‪.‬م‪.................................................‬‬

‫‪31‬‬ ‫أ_ أهم نتائج الحرب البونية األولى‪.........................................................‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪ _2‬الحرب البونية الثانية ‪ 201-218‬ق‪.‬م‪.................................................‬‬

‫‪34‬‬ ‫‪ _3‬الحرب البونية الثالثة وسقوط قرطاج ‪ 146-149‬ق‪.‬م‪..................................‬‬

‫‪36‬‬ ‫سابعا_ الممالك النوميدية‪..................................................................‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪ _ 1‬نوميديا الغربية‪........................................................................‬‬

‫‪39‬‬ ‫‪ _2‬دور الملك ماسينيسا في بالد المغرب ‪ 148-238‬ق‪.‬م‪.................................‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪ _3‬دور الملك مكيبسا ‪ 118-198‬ق‪.‬م‪...................................................‬‬

‫‪43‬‬ ‫‪ _ 4‬الملك يوغرطة‪........................................................................‬‬

‫‪44‬‬ ‫أ_ ثورة يوغرطة‪..........................................................................‬‬

‫‪46‬‬ ‫‪ _5‬يوبا األول ‪ 46-60‬ق‪.‬م‪.............................................................‬‬

‫‪47‬‬ ‫‪ _6‬يوبا الثاني ‪ 23-50‬ق‪.‬م‪.............................................................‬‬

‫‪48‬‬ ‫‪ _7‬ثورة تاكفاريناس ‪24-17‬م‪............................................................‬‬

‫‪50‬‬ ‫ثامنا_ أوضاع المغرب في الفترة ما بين ‪40-23‬م‪.........................................‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪ _ 1‬الليمس النوميدي‪.....................................................................‬‬

‫‪52‬‬ ‫‪ _2‬الليمس الموريطاني‪...................................................................‬‬

‫‪54‬‬ ‫خاتمة‪....................................................................................‬‬

‫‪55‬‬ ‫البيبليوغرافيا‪..............................................................................‬‬

‫‪62‬‬ ‫المالحق‪.................................................................................‬‬

‫‪65‬‬ ‫فهرس الموضوعات‪......................................................................‬‬

‫‪66‬‬

You might also like