Professional Documents
Culture Documents
أهمية الترجمة وحوار الثقافات
أهمية الترجمة وحوار الثقافات
الدكتورة :لغرس سوهيلة.
كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية.
جامعة معسكر.
مقدمة:
تعتبر الترجمة من أهم جسور التواصل بين األمم ،فقد مارسها البشر منذ األزل بطرق مختلفة باإلماء والكالم والكتابة
فتبادلوا املعارف وانتقلت الثقافات من محيط جغرافي إلى آخر مما أدى إلى قيام حضارات إنسانية وقد اكتسبت الترجمة
مدلوال عامليا كما أنها أدت دورا بالغ األهمية في إثراء التراث الثقافي العاملي ،وهي فن عسير تكمن مهمتها النبيلة في فتح طرق
التقارب املؤدية إلى السالم وبالتالي إقامة التفاهم بين الشعوب واألمم وقد غدت كقناة تنتقل بواسطتها األفكار بين الثقافات،
فاإلشكال املطروح هو كالتالي:
إلى أي مدى تساهم الترجمة في بناء حوار بين الثقافات؟
هل تسعى الدول لتعزيز هذا الحوار الثقافي؟ كيف ذلك؟
-1تحديد املفاهيم:
1-1مفهوم الثقافة :يعرف تايلور الثقافة" :بأنها ذلك الكل املركب الذي يشمل املعرفة واملعتقدات والفن واألخالق والقانون
والعادات وكل القدرات والعادات األخرى التي يكتسبها اإلنسان بوصفه عضوا في املجتمع"(.)1
تمثل الثقافة روح املجتمع وحقيقته فمن خاللها يكتسب اإلنسان جانبا هاما من شخصيته ومن خاللها أيضا نميز بين
املجتمعات وهذا يعني أن لكل مجتمع ثقافة خاصة به ،ولكي نتعرف على هذه الثقافات املختلفة وأن ننقلها إلى ثقافتنا يكون
عن طريق الترجمة بنوعيها الشفوي والكتابي.
2-1مفهوم الترجمة :يقول سيجل" :إن الترجمة تنشأ من الحاجة إلى ربط مصلحة أحدهم بمصالح اآلخرين والتعبير عنها
بصورة مناسبة ،وما تشتمل عليه الترجمة في هذه الحالة ال يقتصر على قدرة املرء أن يتكلم لغة أخرى غير لغته ،بل يتعداه
إلى القدرة على إعادة صياغة أفكاره وأفعاله على نحو يتسق مع األشكال املقبولة .وبالتالي الترجمة هي مسألة تبين الفروق بين
السنن االجتماعية وداخلها ثم استكشاف إمكانية إيضاحها وإلقاء الضوء عليها"2
إن أي ترجمة تقتض ي وجود أربعة شروط أساسية ومتكاملة مع بعضها البعض وهي:
-1النص األصلي:
بداية نشير إلى أن كلمة نص في الترجمة تعني أي منتوج لغوي وفكري سواء كان شعرا أو نثرا ،فقرة أو جملة.
فكل نص مكتوب بلغة أجنبية على املترجم أن يمثل نقطة االنطالق بالنسبة إليه حيث يعبر عن انفعاالت الكاتب وتفاعالته
تجاه موضوع معين إضافة إلى انه يحمل رسالة الكاتب إلى القارئ.
-2النص املترجم:
هو اإلنتاج اللغوي والفكري للنص األصلي بناءا على أفكار الكاتب ورسالته املوجهة إلى القارئ ونقطة الوصول بالنسبة إلى
املترجم زيادة على ذلك يعتبر النص األول للنص املترجم.
-3القارئ:
يقصد هنا بقارئ النص املترجم واملتلقي الثاني لرسالة كاتب النص األصلي وهدف املترجم.
1
-4املترجم:
"هو كاتب أي أن عمله هو صوغ األفكار في كلمات موجهة إلى قارئ ،والفارق بينه وبين الكاتب األصلي هو أن األفكار التي
يصوغها ليست أفكاره ،بل أفكار سواه"3
وبالتالي فاملترجم هو همزة الوصل بين الكاتب والقارئ وبهذا يجب عليه أن يتصف باألمانة
واملوضوعية حيال ما يترجمه.
ومن شروط املترجم هي:
"-أن يكون املترجم عارفا باملوضوع الذي يترجمه.
-أن يكون متقنا للغتين :املنقول عنها واملنقول إليها.
-أن يكون عارفا بأسلوب املؤلف وعباراته وألفاظه وتأويالته.
-أن يكون بيانه في الترجمة في وزن علمه باملوضوع الذي يترجمه" . 4
-كما يجب على املترجم أيضا أن يجيد فهم النصوص التي يترجمها وكذلك أن يلم بعلوم العصر.
-أن يكون املترجم من أهل االختصاص مثال ترجمته لنصوص قانونية تتطلب منه أن يكون دارس للقانون أو ملم ملختلف
جوانبه بكل عمق.
-أنواع الترجمة:
يجري التفريق بين نوعين متميزين من الترجمة وهما:
-الترجمة الشفوية الفورية":هي الترجمة التي تتم شفويا تلبية الحتياجات التفاهم بين متكلمين بلغات مختلفة ،وهي قديمة
النشأة احتاج إليها الناس منذ القديم ،وصارت في العصر الحالي صناعة أو اختصاصا قائما بذاته ،وله معاهده وبرامجه
وأصوله وأساليبه.
-الترجمة الكتابية :التي تتم بنقل املكتوب إلى مكتوب ،ويفترض أن تكون هذه الترجمة أكثر دقة وأفضل أداء من الترجمة
الفورية الشفوية ألن أداتها القلم والورق و تفسح املجال للتأني
والتجويد في حين أن تلك الترجمة أداتها الصوت واللسان وال تفسح املجال لتأن أو تجويد إال بحدود.
وتتفرع الترجمة الكتابية إلى فرعين:
أ-الترجمة اإلدارية واإلعالمية :وهي التي تدخل في عمل بعض اإلدارات والدوائر
واملؤسسات والتي تعنى بنقل األخبار واملقاالت لوسائل اإلعالم ،وتماثلها الترجمة السياسية
والصحفية والتجارية...،الخ.
ب-الترجمة الثقافية :وهي "ترجمة اآلثار واملؤلفات الفكرية والعلمية واألدبية والفنية من لغة إلى لغة ،وهذا اللون من
الترجمة عظيم األهمية وبليغ األثر ألنه طريق التبادل الثقافي بين األمم والشعوب والسبيل إلى الرقي العلمي وغناء املعرفة
وبالتالي هو إحدى دعائم التنمية االقتصادية واالجتماعية وبناء الحضارة وازدهارها ". 5
وتتم هذه الترجمة الثقافية من اللغات األجنبية إلى اللغة العربية أو من اللغة العربية إلى اللغات األجنبية ،ففي الحالة األولى
تسمى تعريبا وفي الحالة الثانية تسمى تعجيما.
تنقسم الترجمة إلى ترجمة مباشرة أي الترجمة الحرفية وترجمة -طرائق الترجمة:
غير مباشرة أي الترجمة املعنوية:
2
أ-الترجمة الحرفية :برز هذا النوع من الترجمة على يد يوحنا ابن البطريق ،الذي عاصر املأمون ،وكان هذا النوع مقبوال في
ترجمة العلوم الطبيعية والطب والرياضيات...،حيث ال تتأثر قيمة العمل املترجم كثيرا ،في حين كانت ترجمة األعمال
الفلسفية مليئة باألخطاء ،حيث تختص كل لغة في تزويد أبنائها بنمط للتفكير يختلف عن غيرهم من أبناء األمم الذين لهم
لغات مختلفة مثال على ذلك نقل التراث اليوناني إلى اللغة العربية لم يكن نقال مباشرا من اللغة اليونانية إلى العربية بل هو
نقل من اليونانية إلى السريانية ومن ثم ترجمة ما نقل إلى السريانية للعربية". 6
ويعود هذا إلى عدم إملام العرب باللغة اليونانية املاما يؤهلهم لفهم ما يقرؤون ليستعيضوا عنه بمفردات عربية.
و"مبدأ الترجمة الحرفية هو ترجمة كلمة بكلمة أو جملة بجملة" . 7
ب-الترجمة املعنوية :ويرجع الفضل لهذا النمط من الترجمة إلى حنين ابن إسحاق فهو صاحب الفكرة والتي مفادها أن نقرأ
الجملة من اللغة األجنبية ونفهمها وبعد ذلك نعبر عنها باللغة املنقول إليها ،وال يشترط هنا أن تكون عدد الكلمات في الجملتين
متطابقا ،فقد تكون الجملة املنقول منها باللغة األصلية أكثر بعدد الكلمات وقد تكون أقل.
وقد ظهر في هذا النوع من الترجمات بعض املساوئ:
أ"-عدم قدرة املترجمين على اإلحاطة الكاملة في مادة املوضوع املنقول.
ب-تدخل أهواء املترجم وخصوصا منها الدينية أو القومية ،فيحرف ما قرأ وفق هواه الديني مثال كما حدث في ترجمات
الفرس.
ج-طمع املترجمين في املال ،أي تصبح الترجمة كرواح من اجل بيع منتوجه املترجم مقابل املال"8
-2أهمية الترجمة:
إن األهمية التي تكسبها الترجمة وعظمة املسؤولية امللقاة على عاتق املترجم في أداء رسالته الخالدة خدمة لإلنسانية جمعاء،
وقد اهتمت األمم بالترجمة في وقت السلم ووقت الحرب على حد سواء إذ كانت وال تزال تشكل حجر الزاوية لكل نهضة علمية
قديما وحديثا في الغرب والشرق.
تعتبر الترجمة وسيلة االطالع على ما أبدعه اآلخرون"سواء العرب أو الغرب" في ميدان العلم واألدب والفن .وتجمع آراء أهل
الفكر ودعاة النهضة والتقدم وبالتالي تعتبر خطوة نحو التقدم حيث إن الدول املتقدمة علميا وتقنيا يترجم بعضها اعن
بعض ،ولذلك أوسع حركة ترجمة هي بين اللغات االنجليزية والفرنسية والروسية واألملانية نذكر على سبيل املثال "إن عدد
الترجمات عام 1973من اللغة االنجليزية إلى غيرها من اللغات كان()18350كتابا ومن اللغة الفرنسية()5993كتابا ومن
الروسية( )5113كتابا ومن األملانية ( )4277كتابا ومن االسبانية()1368كتابا ومن االيطالية()1136كتابا"9
في حين نجد هذه الحركة ضيقه في البلدان العربية ففي سنة 1976نجد( )2294عنوانا لكتب مترجمة،فقد طالب رجال الفكر
والعلم واألدب بنقل ثمرات الفكر الغربي من اجل التقدم االقتصادي والثقافي واالجتماعي وفي هذا الصدد كتب األستاذ
صالح هاشم" :ينبغي تكثيف الجهود وتركيزها في نقل العلوم الحديثة إلى لغتنا العربية".
لقد كتب األستاذ البشير بن سالمة يقول" :إن الترجمة بوجودها حية في مجتمع عنوان لليقظة والنهضة والتقدم،وانعدامها
يعد نذيرا بالتدهور واالنحطاط".10
-تعتبر الترجمة الجسر الذي يصل الثقافات املختلفة بعضها ببعض وبالتالي غناء الثقافات بروائع الفكر املتنوع سواء في
األدب أو العلم أو الفن عن طريق األخذ والعطاء.
-تعتبر الترجمة وسيلة لتعريف الهوية الثقافية ملجتمع ما.
3
-3اثرالترجمة الثقافي:
.1-3داخل الوطن العربي:
وعلى أساس ما قدمته الترجمة،سار العرب قدما ،وتفتحت عبقريتهم عن كشوف وإبداعات في كل فن ،فحفظوا علوم من
سبقهم وصححوا ما احتاج إلى تصحيح ،وأضافوا الكثير إليها مما اكتشفوه وخبروه،ولم يكونوا نقلة فحسب ،كما زعم بعض
املفكرين بل اجتهدوا وأبدعوا فدخلوا ما نسميه عصر االزدهار العربي ،وهو عصر كان فيه للتفتح العقلي والبحث العلمي
والتأليف الواسع.
ففي مجال الرياضيات أخذ العرب نظام الترقيم عن الهنود فجعلوا منه سلسلتي:
"األولى تعرف باألرقام الهندية حيث يتمثل الصفر فيها بنقطة ،والثانية تعرف باألرقام العبرية
ويتمثل الصفر فيها بدائرة حيث شاع استعمالها في املغرب العربي ثم انتقلت إلى أوربا.
و من ابرز علماء العرب في الرياضيات محمد بن موس ى الخوارزمي صاحب كتاب "الجبر
واملقابلة" وواضع علم الجبر ،وغيث الدين جمشيد الكاس ي واضع أسس الكسر العشري في كتابه "مفتاح الحساب" وآخرون.
وكان للعرب في علم الفلك إسهام كبير ومن بين علمائه أبو إسحاق إبراهيم بن سليمان الذي ألف كتابا في الفلك و اخترع
اإلسطرالب في صورة جديدة تفيد في عمليات الرصد كتعيين ارتفاع األجرام السماوية عن األفق وحساب الوقت و ابن أبي
الرحال القيرواني صاحب كتاب
"البارع في أحكام النجوم" املترجم إلى الالتينية.
أما في مجال املوسيقى نجد زرياب الفنان األندلس الذي وضع أسس التعليم املوسيقي وابتكر طرق قياس إمكانيات الصوت
عند املتعلم.
و في مجال علم الطبيعة برز علماء كثيرون منهم الحسن بن الهيثم صاحب كتاب " املناظر" الذي صحح فيه أخطاء إقليدس
وبطليموس وسلك املنهج التجريبي وقد ترجم كتابه إلى الالتينية خمس مرات حتى صار أساس تطور علوم الطبيعة في الغرب
وفي العلوم الطبية استوعب األطباء العرب ما ترجم من اليونانية والهندية ولكنهم بعد ذلك صححوا وأضافوا اعتمادا على
املالحظة والتجربة العلمية ،فكان لهم اكتشافاتهم ومصنفاتهم التي نقلت إلى اللغات الالتينية فكانت املنطلق في تقدم علم
الطب في العصر الحديث ومن أشهر أطبائهم :أبو بكر الرازي صاحب املوسوعة الطبية "الحاوي" التي ترجمت إلى اللغات
الالتينية.
وفي مجال الجغرافيا نجد أبو الفداء في كتابه"تقويم البلدان" الذي ترجم إلى الالتينية في القرن الثامن عشر".11
إن هذه اليقظة الفكرية التي عرفها العرب قد أعطت ثمراتها في كل باب من أبواب املعرفة التي يصعب تعدادها كلها وقد
اكتفيت بذكر القليل ليدل على الكثير.
فقد أثارت جهود العرب العلمية إعجاب املؤرخين والعلماء الغربيين حيث قال سارتون" :انه لعمل عظيم أن ينقل إلينا
العرب علوم اليونان وفلسفتها وأن يزيدوا عليها حتى أوصلوها إلى درجة مرموقة من النمو واالرتقاء".
وقال سيديو أيضا" :إن العرب كانوا أساتذة أوربا كلها في جميع فروع املعرفة" .12
وبالتالي شهدت اليقظة الفكرية مراكز اإلشعاع في الشرق وفي الغرب ،وشارك فيها أبناء األقطار العربية واإلسالمية وكان
ناظمها وواسطة العقد فيها اللغة العربية التي أفسحت صدرها للمعارف كلها والتي إليها ترجمت الثقافات وبها دون العلماء
4
العرب تصنيفهم ومؤلفاتهم ،وما كانت الترجمة في كل ذلك إال نقطة البداية واملفتاح الذي جعل العقل العربي يقتحم أبواب
املعارف.
2-3خارج الوطن العربي:
لقد ترافق زمن ازدهار العلوم واملعارف عند العرب بزمن انتشار الجهل في أوربا فيما نسميه بالعصور الوسطى و يقول
جيبون" :إن عصر العلم العربي يتوافق مع أكلح عصر من حلويات أوربا و أكثرها جهال"13
ولكن هذا االزدهار لم يدم طويال حيث مع بدء االنحسار العربي أخذ األوربيون يأخذون من الثقافة العربية واعتمدوا على
الترجمة في اقتباس علوم العرب فكان ما نقلوه إلى لغاتهم هي األساس في نهضتهم العلمية الحديثة وما تزال مستمرة حتى يومنا
هذا.
ففي مجال الرياضيات نجد جان غورتز"الذي أرسل في بعثة سياسية إلى األندلس عام 953م فمكث فيها ثالث سنوات وعاد
يحمل الكثير من الكتب العربية مما جعل االهتمام بالرياضيات يظهر في اللورين وحوض الراين في القرن الحادي عشر".
ونجد كذلك جيرارد الكريموني نقل كتاب "املجسطي" وأكثر من ثمانين مخطوطة أما في الكيمياء ترجمت رسائل جابر بن
حيان إلى األملانية على يد هول مبارد ( )1678ثم ترجمتها إلى االنجليزية ريتشارد راسل (.")1928
أما في مجال الطب فقد ترجم كتاب "الحاوي" ألبو بكر الرازي فقد ترجمته إلى الالتينية جيرارد الكريموني عام ،1486
ورسالته في الجدري والحصبة ترجمها فاال إلى الالتينية عام 1498م ،وجوبيل إلى اليونانية عام 1548وبوله إلى الفرنسية
.1866وقد اهتم حاكمان كبيران من أوربا في القرن الثالث عشر برعاية حركة الترجمة وهما فريديك الثاني وألفنسوا
العاشر ،حيث ترجم كتب الفيلسوف الطبيب ابن سينا" .14
كتاب "القانون" البن سينا وكتاب "املعادن" ألفرد دي سويشال وغيرها من الكتب وهكذا تمكنت أوربا خالل قرنين أن
تنقل وتتمثل أربع ثقافات :اليونانية ،الهيلينية ،البيزنطية ،العربية عن طريق الترجمة التي لعبت دورا فاعال في إثراء وتبادل
الثقافات فيما بينها ،وهذا األخذ
والعطاء تأكيد "للهوية الثقافية".
-4أهداف الحوارالثقافي:
يرى غادامير أن اللغة ليست مجرد أداة يتوسل بها اإلنسان في التعبير عن أغراض خارجية ،وإنما هي أساسا حقيقة حوارية
يتواجه فيها عاملان لغويان مختلفان يصيران تدريجيا إلى التداخل فيما بينهما ،فتنبثق عن هذا التداخل لغة متجددة تحمل
معاني غير مسبوقة ،وبهذا يكون الفهم في نهاية املطاف عبارة عن تفاهم.
فاللغة" :هي أداة إنتاج كسائر األدوات املستعملة في الزراعة والصناعة والتجارة والثقافة" . 15
إن تنوع اللغات الذي يؤدي إلى تنوع الثقافات وبما أن الثقافة تتصف بقدرتها على االنتشار ،أي االنتقال من مجتمع إلى آخر
أو من وسط ثقافي إلى آخر وهذا االنتقال يكون عن طريق الترجمة باعتبارها وصال بين اللغات.
وملا كانت الترجمة فهما يجمع بين حفظ حقوق تراث خاص هو اللغة الناقلة وبين ما يقوله الغير في األصل املنقول ،فإنها هي
األخرى ممارسة حوارية ،تدور على "ش يء" ال ينفك عن لغة األصل ،بحيث ال يكون املترجم مترجما حقا حتى يظفر بلغة ال
تحمل خصوصية تراثية فقط ،بل تكون قادرة على حمل هذا الش يء املالزم للنص األصلي ،وتمتاز املمارسة الحوارية في عمل
الترجمة بكونها في الحقيقة مناظرة مزدوجة" :فهناك مناظرة املترجم للجانب اآلخر الذي يترجم عنه وهناك مناظرتنا نحن
5
للترجمة ،باعتبارنا نتلقى ما ينقله املترجم عن هذا الجانب ،كما يتجلى ذلك في ممارسة الترجمة الشفوية ،وال طريق إلى تحقيق
يء الذي يدور عليه النص ينفذ اللغة ويلبس لباسها "16 التفاهم املطلوب في هذين املستويين من التناظر إال بجعل الش
فالترجمة مجال خصب جدا يجلب املعارف عن طريق الحوار مع اآلخرين ،فهي نافذة مهمة للتطلع على الثقافات املختلفة و
بالتالي هي وسيلة من وسائل التفاهم والتعارف بين الثقافات والشعوب.
وتتجلى أهداف هذا الحوارالثقافي فيما يلي:
"-يجعلنا نقبل الصواب ،ونعتذر عن االختالف واالنفتاح على آراء اآلخرين ومناقشتها مناقشة علمية في ظل القيم الحضارية
للشعوب الذي يوفر لنا الحوار الهادئ.
-نترجم أسس التسامح الديني بناءا ملفاهيمه التي تجعلنا إن تعلمنا لغة الحوار أن نقبل ثقافة اآلخر وبالتالي تخطي التفكير
املبني على العصبية والتطرف".17
-يسمح لنا هذا الحوار الثقافي باالحتكاك الذي يوصلنا إلى معرفة عالم جديد وثقافة جديدة.
وال يمكن تحقيق الحوار الثقافي في غياب املترجمين ،وذلك ألن املترجم قادر على مد الجسور بين الداخل والخارج ،وإيجاد
الحوار بين الثقافات أخذا وعطاء.
-5الدعوة لتعزيزالحواربين الثقافات:
تشجيع الدول العربية واألجنبية باالهتمام بالترجمة باعتبارها وسيلة ممتازة للحوار بين الثقافات ،وملا كان الحوار مناقضا
للتطرف والصراع والعنف تزداد الحاجة إلى نشر ثقافة الحوار والتفاهم وهو دور الترجمة في انتقال األفكار واملعارف
والخبرات وفي انتشارها عبر اللغات والثقافات.
كما أن التنوع الثقافي ثروة تعمل اليونسكو على صونها باعتبارها ملكا للبشرية جمعاء ،والحوار عبر الترجمة وسيلة فعالة في
سبيل صون ثقافات البلدان الضعيفة من الناحيتين املادية واالقتصادية ثم إن عملية الترجمة تسهم في عملية االعتراف
بحق اآلخر في الوجود والحد من انتشار حاالت سوء التفاهم بين الثقافات ،ومن املمكن توظيف الحوار ال للتفاهم مع اآلخر
فحسب بل إلفهامه أيضا أن التطرف واالتكال على القوة ال يضمنان ضمانا دائما الغلبة
والسيادة وأن السبيل خالص البشرية جمعاء هو الحوار واحترام التعددية الثقافية.
وقد دعا املثقفين بإعطاء األولوية للترجمة باعتبارها مشروع من املشاريع التنموية للوطن وفي هذا الصدد يقول الدكتور
حنفي بن عيس ى" :إن تعلم اللغات ال ينبغي أن يؤدي باملرء إلى تصنيع قوميته ...فلتكن الشبابيك مفتوحة على الداخل قبل
كل ش يء ...وعندما نفتحها على الخارج ،لنتأمل في كل ما نراه ونسمعه ونقرأه ونترجمه ولنتفحص بالبصر والبصيرة ...إعطاء
األولوية للترجمة للنقل إلى اللغة األم أي التعريب ،ألن للتعريب وسيلة فعالة من وسائل دعم الثقافة العربية التي أصبحت
اليوم في أشد الحاجة إلى روافد الثقافات األجنبية"18
وبناءا على هذا قد ساهمت الدول العربية بإنشاء جمعيات ومدارس لتعزيز الحوار بين الثقافات من خالل الترجمة وفي هذا
الصدد نذكر نموذجين:
1-5املدرسة العليا للمترجمين الفوريين واملترجمين "أيزيت"
أ-تعريفها :هي مدرسة دولية تم إنشائها عام 1957وهي الرمز الحي للعالقات املتميزة املوجودة بين فرنسا والدول العربية "
لبنان ،الجزائر ،سوريا ،"...وهي تضم قسم لغة عربية-فرنسية ،وهي توفر فرصا عظيمة للتفاعل اللغوي والثقافي.
6
ب-أهدافها:
")1إعداد متخصصين من الدرجة األولى القادرين على التكيف السريع مع كل املجاالت املعرفة.
)2السماح بإقامة اتصاالت مختلفة املستويات القائمة على االتصال بين لغتين.
)3تحقيق انفتاح على األنشطة املختلفة للعالم". 19
وقد كان لهذه املدرسة دور كبير في تحقيق عربي فرانكفوني ،حيث أصبح من السهل أن يتم التعامل مع التبادالت مباشرة
باللغة الفرنسية واللغة دون املرور باللغة االنجليزية ،كما تم إثبات إمكانية وجود حوار يومي حقيقي بين الشعوب والثقافات
باإلضافة إلى االستماع إلى اللغات األخرى وتقبل االختالفات.
2-5جمعية الترجمة العربية وحوارالثقافات:
أ-تعريفها":تأسست في 2006-09-30مقرها جنيف بسويسرا ،وهي جمعية مهنية متخصصة في تسخير الترجمة في خدمة
الحوار بين الثقافات وهي كيان غير حكومي مستقل تماما وليس لديه أي توجه سياس ي أو ديني أو مذهب معين.
ب-أهم األسس التي انبنت عليها الجمعية :تتلخص رؤية الجمعية في تحقيق التعارف بين الشعوب ،ورسالتها في تعزيز حوار
الثقافات بواسطة الترجمة من العربية إلى لغات أخرى ،وقيمها تتمثل في االستقاللية واالنفتاح والتسامح واألمانة املهنية
والجودة.
ج-أهدافها:
)1التعريف باللغة والثقافة العربيتين وغيرها من الثقافات ونشرها على أوسع نطاق ممكن
والعمل على أن تساهم الحضارة العربية بنصيبها في مسيرة الحضارة اإلنسانية.
)2استنهاض طاقات الناطقين باللغة العربية املشتغلين في حقل الترجمة واللغات وحوار الثقافات في مختلف بقاع املعمورة
وتوعيتهم بدور الترجمة في تعزيز الحوار الثقافات وفي قيام نهضة فكرية شاملة.
)3إيجاد فضاء حر للنقاش بين املترجمين واللغويين واملهتمين بحوار الثقافات ولنشر إبداعاتهم ومقاالتهم و لتبادل
املعلومات.
)4املساهمة في تنشيط حركة الترجمة والنشر بتشكيله الورقي وااللكتروني.
)5تطوير قدرات املترجمين وتعزيز دورهم في مواقع عملهم.
وانسجاما مع هذه الرؤية والرسالة والقيم واألهداف ،أصدرت الجمعية حتى اآلن أربعة مواقع إلى جانب املوقع العربي:
االنجليزي ،االندونيس ي ،والفارس ي ،الصيني ". 20
ومن بين اهتمامات املشرفون هو حرصهم على روائع األدب العاملي ومثال على ذلك:
" )1ترجمة الشعر القديم والحديث من رومانيا وايطاليا.
)2ترجمة أدب الرحاالت :رحلة ابن بطوطة ،رحلة كاداموست ...،
)3ترجمة قصص وحكايات من ألبانيا واملكسيك واليونان.21 "...،
باإلضافة إلى ترجمة الكتب العلمية في مختلف امليادين كترجمة كتب الفلسفة وكتب مختصة في مجال الطب والرياضيات
وغيرها من العلوم.
7
إال أن "نسبة الكتب املترجمة في العالم العربي اآلن ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بأوروبا أو اليابان رغم تأسيس مشروعات
جادة منذ سنوات مثل املشروع القومي للترجمة الذي يشرف عليه املجلس األعلى للثقافة والذي احتفل مؤخرا بصدور
الكتاب رقم 250في سلسلة ترجماته".22
الخاتمة:
إن لكل مجتمع ثقافة خاصة به بمعنى "النسبية الثقافية" حيث ال توجد ثقافة متكاملة أو متعالية ،وبما أن اللغات تقترض
من بعضها البعض مفردات ال توجد في قواميسها ،وهذا يعني أن الثقافات تأخذ من بعضها وتتكامل نتيجة االحتكاك وهذا
األخير يكون عن طريق الترجمة التي ينجر عنها حوار ثقافي الذي يؤدي إلى تفهم الشعوب بعضها البعض للوصول إلى التطور
والتكافؤ والتبادل فيما بينها.
الهوامش:
Edward Burnet Taylor. Primitive culture researches: into the development of mythology, philosophy -1
,religion ,art and custom .London. 2em vol .j.murray. 1871. P : 1 .
2-robinson Douglas . decolonizing translation and literature . university press . London . p : 210 .
-3د محمد عناني .فن الترجمة .القاهرة .الشركة املصرية العاملية للنشر .لونجمان .الطبعة الخامسة .2000 .ص. 6-5 :
-4شحادة الخوري .الترجمة قديما وحديثا .تونس .دار املعارف .سوسة .الطبعة األولى .1988 .ص.54 :
-5شحادة الخوري .نفس املرجع .ص. 90 -89 :
-6عبد الغفور الخطيب .حركة الترجمة وأثرها في الفكر العربي .على املوقع التالي:
www .wataontine.net.
consulte le : 14-03-2008.
-7ايف ميشو .ما اإلنساني .املجلس األعلى للثقافة .جامعة كل املعارف .الجزء الثاني .2005 .ص.136 :
-8عبد الغفور الخطيب .نفس املرجع السابق.
-9شحادة الخوري .نفس املرجع .ص. 104 -102 :
-10البشير سالمة .دور الترجمة في تدعيم النهضة العربية .املجلة العربية للثقافة .العدد األول .سبتمبر . 1979
-11شحادة الخوري .نفس املرجع .ص.61 -59 -58 -56-55 :
-12شحادة الخوري .نفس املرجع .ص .61 :
-13شحادة الخوري .نفس املرجع .ص. 63 :
-14شحادة الخوري .نفس املرجع .ص. 66-65-64-63 :
-15مجموعة باحثين .الثقافة واإلبداع .تونس .املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .1992 .ص.77:
-16طه عبد الرحمن .فقه الفلسفة -الفلسفة والترجمة .بيروت .الطبعة الثانية .2000 .ص.111:
-17http://attarjama.googlepage.com.
Consulte le :16-04-2008.
-18مجموعة باحثين .الثقافة واإلبداع .نفس املرجع .76 :
-19جيهان عيسوي .الفرانكفونية العربية -دراسات و شهادات .القاهرة .املجلس االعلى للثقافة .الجزيرة .2005 .ص.242 :
8
20-www .atida.org
Consulte le :05-08-2008.
21-www.alarabiyak.ws/showpost.php ?
Consulté le :05-08-2008.
:مساهمة اليونسكو في حوار الثقافات عبر برنامج روائع األدب على املوقع التالي-22 -
www.atida.org/makal.php=
Consulté le :05-08-2008.