4112 469 10127 1 10 20170714 PDF

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

‫عبقرية اإلمام الشافعي يف االستدالل والتأصيل‬

‫والتجديد‬

‫من ‪:‬‬
‫د‪ .‬عمار عبداهلل ناصح علوان*‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪This study refers to the contemporary calls pertaining to the‬‬
‫‪renewal and modernization of the methods adopted by the‬‬
‫‪founders of usul al-fiqh. It discusses three ideas; considering‬‬
‫‪the Qur’an and Sound Sunnah initiative references to other‬‬
‫‪evidences, omitting any general evidence that does not fulfill‬‬
‫‪the conditions of certainty and utilizing only the maxims‬‬
‫‪and roles that affect and benefit the actual life of the man.‬‬

‫امللخص‬
‫بمناسبة ندوة احلكم اإلسالمي املعارص أسوف استعرض عبقرية علمية‬
‫كربى هلا دورها يف تأصيل علوم الرشيعة بخاصة علم أصول الفقه فاإلمام‬
‫الشافعي قد مجع اهلل له من املواهب واملنح مل جتتمع ألئمة املذاهب الثالثة‬
‫ال عن باقي األئمة ويتلخص موضوع البحث عن إبراز العبقرية العلمية‬ ‫فض ً‬
‫التي ميزت الشافعي عن باقي األئمة‪:‬إن اإلمام الشافعي هو مؤصل لعلم‬
‫األصول وصاحب مذهب فقهي ومدون له بخالف سائر األئمة‪.‬‬
‫ويتلخص البحث يف عبقرية اإلمام الشافعي يف تأصيل علم أصول الفقه‬
‫*حماضر زائر‪ ،‬قسم الفقه وأصوله‪ ،‬أكادميية الدراسات اإلسالمية ‪،‬جامعة ماليا‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫أن الشافعي –رمحه اهلل‪ -‬حني أصل علم األصول كان هو املؤصل لعلم‬
‫األصول مل يشاركه أحد من العلامء أو من تالمذته وتتجىل عبقرية التأصيل‬
‫لدى الشافعي أن الزيادات التي أتت بعد تأصيله كانت زيادات تكميلية‬
‫فهي شارحة ما أصله الشافعي وليست أصال بذات املوضوع أو زيادات‬
‫خارجة عن علم األصول كعلم املنطق الذي أدرج إىل علم األصول وليس‬
‫علم األصول بحاجة هلا كعمل اإلمام الشاطبي املتوىف يف القرن السابع‬
‫الذي نقى علم األصول من علم املنطق وأوجد البديل عنه يف علوم‬
‫الرشيعة واللغة العربية‪.‬‬

‫أما عبقرية االستدالل فخري متثيل هلا استدالل اإلمام الشافعي من القرآن‬
‫عىل العمل باإلمجاع بعد طول بحث من علامء عرصه لذلك االستدالل‬
‫‪..‬بالرغم من هذه العقلية االستداللية لإلمام الشافعي مل يعمل اإلمام‬
‫الشافعي عمل ابن حزم يف إنكار القياس بل أقول أن اإلمام الشافعي له‬
‫فضل عىل أصحاب الرأي يف تأصيل القياس‪.‬‬

‫أما التجديد ‪ :‬وخري دليل أن صاحب املذهب يريد له االستمرارية‬


‫والتجديد مع األيام أن صاحب املذهب قد جدد اجتهاده خالل مكثه بني‬
‫قطرين من العامل اإلسالمي وهو ما غفل عنه متأخرو املذهب‪.‬‬

‫فضل اإلمام الشافعي عىل باقي األئمة‬


‫إذا أردنا عقد املقارنة ليظهر فضل اإلمام الشافعي فإننا سوف نقارنه بأئمة‬
‫املذاهب الثالثة تبعا عىل مذهب القائل ‪ :‬إن القرين باملقارن يظهر‪.‬‬

‫مزايا اإلمام الشافعي عىل باقي األئمة ‪:‬‬

‫‪-1‬إن اإلمام الشافعي مؤسس علم االجتهاد “ علم األصول” ‪.‬‬


‫ انفرد اإلمام الشافعي بتأسيس علم االجتهاد “ علم األصول ” ومل ينازع‬
‫أحد يف مجلة تأسيس علم األصول إليه إال بعض املتأخرين الشيعة‬
‫وبعض احلنفية ومجلة ما استدلوا به أن هناك شذرات من القواعد‬

‫‪260‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫األصولية ذكرها أئمتهم‪ . 1‬واجلواب ‪:‬‬

‫ إن علم األصول هو علم فكر األمة فال يمنع من وجود بعض القواعد‬
‫األصولية كان يستخدمها بعض األئمة املجتهدين وهذا ال يعني أهنم‬
‫أسسوا علم األصول لكن يشتد العتب و اللوم عىل أكاديمي حيمل‬
‫شهادة الدكتوراه‪ 2‬يقرص دور اإلمام الشافعي يف علم األصول عىل‬
‫اجلمع ‪ .‬والرد عليه أن علم األصول عند اإلمام الشافعي مل يك جمرد‬
‫مجع بل كان علام مؤسسا له قواعد ورشوط وضوابط ضم معظم أبواب‬
‫األصول التي حيتاجها املجتهد بل كان للشافعي منهجا علميا يف وضع‬
‫نظريات متكاملة مثل وضع نظرية البيان التي سوف تأيت يف املقارنة مع‬
‫ابن حزم‪.‬‬

‫‪-2‬اإلمام الشافعي استكمل أدوات االجتهاد بذاته‪:‬‬


‫ من مزايا اإلمام الشافعي قد استكمل أدوات االجتهاد بذاته بل وأبدع‬
‫فيها فهو املؤسس لعلم األصول وهو املحدث املجتهد يف علوم احلديث‬
‫‪ .‬أما يف اللغة العربية فهو الفطحل حتى أن أئمة اللغة كانوا يؤخذون‬
‫اللغة العربية منه‪-‬كام يف أشعار اهلذليني‪ -‬وكتب الشافعي تعد آية يف‬
‫البيان العريب اخلالص الذي مل خيالطه العجمة ‪ .‬فتلك علوم االجتهاد‬
‫توفرت يف ذات اإلمام الشافعي يف أعىل مراتبها فاإلمام أيب حنيفة عىل‬
‫جاللة قدره كان يف علم احلديث والعربية يعتمد يف حلقته عىل تالمذته‬
‫مثل حممد بن احلسن وزفر وأيب يوسف‪.‬قد يستدرك مستدرك أن اإلمام‬
‫مالك قد استكمل أدوات االجتهاد بنفسه لكنه مل يؤسس علم االجتهاد‬
‫« علم األصول »‪.‬‬

‫عبقرية االستدالل‬
‫يرى اإلمام الشافعي –رمحه اهلل ورىض اهلل عنه‪ -‬أن طالب العلم ال بد له‬

‫‪ 1‬أبو زهرة ‪ ،‬أصول الفقه‪، .‬القاهرة ‪ :‬دار الفكر العريب‪ ،‬ص‪12‬‬


‫‪ 2‬بدران أبو العينني بدران (‪ ،)1965‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ،‬ط‪ .2‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪،‬‬
‫ص‪.14‬‬
‫‪261‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫من الصرب واجللد حتى يدرك أحكام اهلل تعاىل يف كتابه نصا واستنباط و‬
‫أن بلوغ طالب العلم هذه املنزلة يفوز بالفضيلة يف الدنيا واآلخرة قال «‬
‫وكان مما أنزل يف كتابه جل ثناؤه رمحة وحجة علمه من علمه وجهله من‬
‫جهله قال والناس يف العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاهتم يف‬
‫العلم به فحق عىل طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم يف االستكثار من علمه‬
‫والصرب عىل كل عارض دون طلبه وإخالص النية هلل يف استدراك علمه‬
‫نصا واستنباطا والرغبة إىل اهلل يف العون عليه فإنه ال يدرك خري إال بعونه‬
‫فإن من أدرك علم أحكام اهلل يف كتابه نصا واستدالال ووفقه اهلل للقول‬
‫والعمل ملا علم منه فاز بالفضيلة يف دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت‬
‫يف قلبه احلكمة واستوجب يف الدين موضع اإلمامة فنسأل اهلل املبتدئ لنا‬
‫بنعمه قبل استحقاقها املديم هبا علينا مع تقصرينا يف اإلتيان عىل ما أوجب‬
‫من شكره هلا‪”..‬‬

‫القرآن فيه بيان كل شئ‪:‬‬


‫قال اإلمام الشافعي ‪ “:‬فليست تنزل بأحد من أهل دين اهلل نازلة إال ويف‬
‫الدليل عىل سبيل اهلدى فيها قال اهلل تبارك وتعاىل ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كتاب اهلل‬

‫(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلامت إىل النور بإذن رهبم‬
‫إىل رصاط العزيز احلميد ) [ إبراهيم‪]1-‬‬

‫وقال ‪( :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبينِّ للناس ما نُزِّ ل إليهم ولعلهم‬


‫يتفكرون ) [ النحل ‪]44 -‬‬

‫وقال ‪( :‬ونزلنا عليك الكتاب تبيان ًا لكل يشء وهدى ورمح ًة وبرشى‬
‫للمسلمني) [ النحل‪]89 -‬‬

‫كنت تدري ما‬


‫وقال ‪ ( :‬وكذلك أوحينا إليك روح ًا من أمرنا ما َ‬
‫الكتاب وال اإليامنُ ولكن جعلناه نور ًا نهَ دي به من نشاء من عبادنا‬
‫ُ‬
‫وإنك لتهدي إىل رصاط مستقيم) [ الشورى ‪]52-‬‬

‫‪262‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫من خالل النص السابق ندرك أن اإلمام الشافعي –رمحه اهلل يرى أن‬
‫القرآن قد جاء بالبيان املجمل يف الترشيع اإلسالمي يف كل شئ علمه‬
‫من علمه وجهله من جهله وطلب من طلبة العلم أن جينهدوا يف طلب‬
‫النصوص واستنباطها والصرب عىل ذلك فطريق االستنباط ليس سهال‬
‫مثل حفظ املادة العلمية فاالستنباط حيتاج إىل حتريك العقل وإعادة قراءة‬
‫النصوص مرات كثرية حتى يتضح وجه االستنباط فمن فضل العلم يف‬
‫الدنيا واآلخرة ال يؤتى ملن حفظ ومل حيرك ملكة االستنباط‪.‬‬

‫إمتحان صعب لإلمام الشافعي يف قدرته عىل االستدالل‬


‫كان اإلمام الشافعي يرى أن القرآن قد بني كل شئ ‪ ،‬قال الشافعي ‪ :‬فليست‬
‫الدليل عىل سبيل اهلدى‬
‫ُ‬ ‫تنزل بأحد من أهل دين اهلل نازلة إال ويف كتاب اهلل‬
‫فيها قال اهلل تبارك وتعاىل‪: 3‬‬

‫( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلامت إىل النور بإذن رهبم‬
‫إىل رصاط العزيز احلميد ) إبراهيم ‪1‬لتبينِّ للناس ما نُزِّ ل وأنزلنا‬
‫إليك الذكر إليهم ولعلهم يتفكرون ) [النحل‪]44 -‬‬

‫وقال‪(:‬ونزلنا عليك الكتاب تبيان ًا لكل يشء وهدى ورمح ًة وبرشى‬


‫للمسلمني) [ النحل ‪]89 -‬‬

‫كنت تدري ما‬‫وقال‪(:‬وكذلك أوحينا إليك روح ًا من أمرنا ما َ‬


‫الكتاب وال اإليامنُ ولكن جعلناه نور ًا نهَ دي به من نشاء من عبادنا‬
‫ُ‬
‫وإنك لتهدي إىل رصاط مستقيم ) [ الشورى ‪. ] 52-‬‬

‫فتعرض اإلمام الشافعي –رمحه اهلل‪ -‬المتحان صعب للمنهج الذي رسمه‬
‫لنفسه أن القرآن قد جاء فيه املجمل يف ترشيعاته ‪.‬جاء شيخ إىل اإلمام‬
‫الشافعي‪ -‬ويظهر يل أن الشيخ كان حمتمال للشافعي وليس سائال‪ -‬جاء‬

‫‪ 3‬الشافعي‪ ,‬حممد ادريس (‪4991‬م) الرسالة ‪ ،‬حتقيق أمحد شاكر‪ .‬القاهرة ‪ :‬دار التراث ‪, ،‬‬
‫ص ‪ 91‬ج‪.1‬‬
‫‪263‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫يف أحكام القرآن للشافعي وتاريخ دمشق البن عساكركنا عند الشافعي‬
‫بني الظهر والعرص عند الصحن يف الصفة والشافعي قد استندإىل اصطوانة‬
‫وأما قال إىل غريها إذ جاء شيخ عليه جبة صوف وعاممة صوف وإزار‬
‫صوف ويف يده عكازة قال فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه واستوى‬
‫جالسا إيل سلم الشيخ وجلس وأخذ الشافعي ينظر إىل الشيخ هيبة له إذ‬
‫قال الشيخ أسأل فقال سل قال أيش احلجة يف دين اهلل فقال الشافعي‬
‫كتاب اهلل قال وماذا قال وسنة رسول اهلل ( صىل اهلل عليه وسلم ) قال‬
‫وماذا قال اتفاق األمة قال من أين قلت اتفاق األمة من كتاب اهلل زاد نرص‬
‫اهلل أمن سنة رسول اهلل ( صىل اهلل عليه وسلم ) قال فقال من كتاب اهلل‬
‫قال فتدبر الشافعي ساعة فقال الشافعي وقال نرص اهلل فقال يا شيخ قد‬
‫أجلتك ثالثة أيام ولياليها فإذا جئت باحلجة من كتاب اهلل وقال الفاريس‬
‫من كتاب يف االتفاق وإال تب إىل اهلل عز وجل قال فتغري لون الشافعي ثم‬
‫إنه ذهب فلم خيرج ثالثة أيام ولياليهن قال فخرج إلينا اليوم وقال نرص‬
‫اهلل يف اليوم الثالث يف ذلك الوقت يعني بني الظهر والعرص وقد انتفخ‬
‫وجهه ويداه ورجالن وهو مسقام فجلس فلم يكن بأرسع أن جاء الشيخ‬
‫فسلم وجلس فقال حاجتي فقال الشافعي أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم قال اهلل عز وجل “ ومن يشاقق الرسول من بعد‬
‫ما تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما توىل ونصله جهنم “ ال‬
‫يصليه عىل عىل خالف املؤمنني إال وهو مريض قال فقال صدقت وقال‬
‫فذهب قال الفريايب قال املزين أو الربيع قال الشافعي فلام ذهب الرجل‬
‫قرأت القرآن يف كل يوم وليلة ثالث مرات حتى وقفت عليه ‪.‬‬

‫انظر‪-‬رمحك اهلل‪ -‬كيف إن اإلمام الشافعي عىل قدره وضلوعه يف اللغة‬


‫العربية قد قرأ القرآن ثالث مرات حتى وفق عىل استنباط اآلية ‪ .‬فكيف‬
‫بحال طلبة العلم اليوم ! بل عندما أراد‪-‬رمحه اهلل ورىض اهلل عنه‪-‬أن يمىل‬
‫كتاب أحكام القرآن قرأ القرآن مائة مرة قبل إماليه عىل تلميذه الربيع‬
‫ذلك ما رواه الربيع بن سليامن الذي دون أحكام القرآن ‪ .‬فتلميذه الربيع‬
‫بن سليامن –رمحه اهلل‪ -‬أراد أن يقدم روائع استنباط الشافعي –رمحه اهلل‬
‫ورىض اهلل عنه‪ -‬للعلامء وطلبة العلم لتكون هلم منهجا يف االستنباط يقول‬
‫الربيع يف مقدمة كتاب أحكام القرآن “ قد صنف غري واحد من املتقدمني‬
‫‪264‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫واملتأخرين يف تفسري القرآن ومعانيه إعرابه ومبانيه وذكر كل واحد منهم‬
‫يف أحكامه ما بلغه علمه وربام يوافق قوله قولنا وربام خيالفه فرأيت من‬
‫دلت الداللة عىل صحة قوله أبا عبداهلل حممد بن إدريس الشافعي املطلبي‬
‫ابن عم حممد رسول اهلل وعىل آله قد أتى عىل بيان ما جيب علينا معرفته‬
‫من أحكام القرآن وكان ذلك مفرقا يف كتبه املصنفة يف األصول واألحكام‬
‫فميزته ومجعته يف هذه األجزاء عىل ترتيب املخترص ليكون طلب ذلك‬
‫منه عىل من أراد أيرس واقترصت يف حكاية كالمه عىل ما يتبني منه املراد‬
‫دون اإلطناب ونقلت من كالمه يف أصول الفقه واستشهاده باآليات التي‬
‫‪4‬‬
‫احتاج إليها من الكتاب عىل غاية االختصار ما يليق هبذا الكتاب‪”..‬‬

‫نظرة حتليلية يف استنباط الشافعي يف دليل اإلمجاع‬

‫املؤيدون الستنباط الشافعي (وهم األعظمية)‬

‫درج العلامء عامة و األصوليون بوجه خاص عىل االستدالل عىل حجية‬
‫اإلمجاع من الكتاب عىل ما استدل به اإلمام الشافعي حتى مدرسة‬
‫الفقهاء املدرسة احلنفية املنافسة ملدرسة املتكلمني الشافعية يستدل اإلمام‬
‫الرسخيس‪ 5‬واإلمام اجلصاص‪ 6‬عىل حجية اإلمجاع بام استدل به اإلمام‬
‫الشافعي بل حتى املعتزلة فصاحب الكشاف الزخمرشي وتد من أوتاد‬
‫اللغة العربية يف البيان والبالغة استدل ما استدل الشافعي‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عىل‬
‫حجية اإلمجاع قال « ويتبع غري سبيل املؤمنني « وهو السبيل الذي هم عليه‬
‫من الدين احلنيفي القيم وهو دليل عىل أن اإلمجاع حجة ال جتوز خمالفتها‬
‫كام ال جتوز خمالفة الكتاب والسنة ألن اهلل عز وعال مجع بني اتباع سبيل‬
‫غري املؤمنني وبني مشاقة الرسول يف الرشط وجعل جزاءه الوعيد الشديد‬

‫‪ 4‬القرطيب (‪ ،)2003‬اجلامع ألحكام القرآن ‪،‬حتقيق هشام البخاري‪ .‬الرياض‪ :‬دار عامل‬
‫الكتب‪20:1 ،‬‬
‫‪ 5‬انظر أصول السرخسي ‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ، 292:1‬حتقيق ‪ :‬أبو الوفا األفغاين ‪،‬الناشر‪ :‬جلنة‬
‫جلنة إحياء املعارف النعمانية‪-‬حيدر آباد الدكن‪-‬اهلند‪.‬‬
‫‪ 6‬انظر القرطيب أحكام القرآن‪219:5‬‬
‫‪265‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫فكان اتباعهم واجبا كمواالة الرسول عليه الصالة والسالم «‪ . 7‬واإلمام‬


‫ابن كثري عرب عن استباط اإلمام الشافعي بقوله « عول عليه الشافعي رمحه‬
‫اهلل يف االحتجاج عىل كون اإلمجاع حجة حترم خمالفته هذه االية الكريمة‬
‫‪8‬‬
‫بعد الرتوي والفكر الطويل وهو من أحسن االستنباطات وأقواها ‪»...‬‬

‫الناقدين الستدالل الشافعي‬


‫رأت قلة أن استباط اإلمام الشافعي لقوله تعاىل « ومن يشاقق اهلل ورسوله‬
‫من بعد ما تبني له الدى ويتبع سبيل غري املؤمنني نوله ما توىل‪ »..‬فيه‬
‫نظرمنهم الشوكاين فقال بعد ما أورد اآلية وال حجة يف ذلك عندي ألن‬
‫املراد بغري سبيل املؤمنني هنا هو اخلروج من دين اإلسالم إىل غريه كام يفيده‬
‫اللفظ ويشهد به السبب فال تصدق عىل عامل من علامء هذه امللة اإلسالمية‬
‫اجتهد يف بعض مسائل دين اإلسالم فأداه اجتهاده إىل خمالفة من بعرصه‬
‫من املجتهدين فإنه إنام رام السلوك يف سبيل املؤمنني وهو الدين القويم‬
‫‪9‬‬
‫وامللة احلنيفية ومل يتبع غري سبيله‬

‫فهل ما قاله الشوكاين صحيح؟ بادئ ذي بدء جيب حترير موضع النزاع ما‬
‫املراد باإلستدالل هل يراد به عىل إن إتباع املؤمنني له حجيته عند اهلل تعاىل‬
‫واعتباره ومن يفارقها يضل كضالل من يشاقق اهلل ورسوله ‪ .‬وأما املراد به‬
‫كفرية خمالف اإلمجاع؟‬

‫أراد اإلمام الشافعي باستدالله عىل أن إمجاع له حجيته واعتباره عند‬


‫اهلل كحجية السنة وكتاب اهلل تعاىل ودليل عىل ذلك –كام قال إمام اللغة‬
‫الزخمرشي‪ -‬أن اهلل عز ووجل مجع بني اتباع سبيل غري املؤمنني وبني مشاقة‬

‫‪ 7‬الزخمشري ‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل ‪ ،‬حتقيق عبدالرزاق مهدي‪ ،‬بريوت‪:‬دار إحياء‬


‫التراث اإلسالمي ‪282:1 ،‬‬
‫‪ 8‬ابن كثري (‪ ،)1999‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬سامي سالمة‪ ،‬ط‪. 2‬الرياض‪ :‬دار طيبة‪،‬‬
‫‪736:1‬‬
‫‪ 9‬الشوكاين ‪ ،‬فتح القدير اجلامع بني فين الرواية والدرايةمن علم التفسري‪ .‬بريوت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪776:1‬‬
‫‪266‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫الرسول يف الرشط وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجبا‬
‫كمواالة الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫أما كفرية املخالف لإلمجاع للرضوري من الدين فقد جا ء للتكذيب‬


‫للمعلوم من الدين بالرضورة فام يكذب بفرضية يكذب النصوص القرآنية‬
‫والنبوية املتواترة التي جاءت بفرضية الصالة‪.‬‬

‫وهناك من األصوليني كاإلمام الغزايل من نقد استنباط الشافعي للداللة‬


‫اآلية عىل اإلمجاع فقال‪ -‬فإن ذلك يوجب اتباع سبيل املؤمنني وهذا ما‬
‫متسك به الشافعي وقد أطنبنا يف كتاب هتذيب األصول يف توجيه األسئلة‬
‫عىل اآلية ودفعها والذي نراه أن اآلية ليست نصا يف الغرض بل الظاهر أن‬
‫املراد هبا أن من يقاتل الرسول ويشاقه ويتبع غري سبيل املؤمنني يف مشايعته‬
‫ونرصته ودفع األعداء عنه نوله ما توىل فكأنه مل يكتف برتك املشاقة حتى‬
‫تنضم إليه متابعة سبيل املؤمنني يف نرصته والذب عنه واالنقياد له فيام يأمر‬
‫وينهي وهذا هو الظاهر السابق إىل الفهم فإن مل يكن ظاهرا فهو حمتمل ولو‬
‫فرس رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم اآلية بذلك لقبل ومل جيعل ذلك رفعا‬
‫للنص كام لو فرس املشاقة باملوافقة واتباع سبيل املؤمنني بالعدول عن سبيله‬
‫املسلك الثاين وهو األقوى التمسك بقوله صىل اهلل عليه وسلم ال جتتمع‬
‫‪10‬‬
‫أمتي عىل اخلطأ وهذا من حيث اللفظ أقوى وأدل عىل املقصود ‪.‬‬

‫فاملسلك الذي سلكه اإلمام الغزايل وغريه من األصوليني جاء من منهجهم‬


‫املنطقي يف االعرتاضات العرشة عىل األدلة والرد عىل اإلمام الغزايل ما قاله‬
‫الزخمرشي يف رشطية حيث جعل‬

‫‪ 10‬الغزايل (‪ ،)1993‬املستصفى من علم األصول‪،‬تصحيح ‪ :‬حممدعبدالشايف‪ ،‬ط‪ .1‬بريوت‪:‬‬


‫دار الكتب العلمية ‪138،‬‬
‫‪267‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫منظومة مكانة املؤمنني يف اخلطاب القرآين والنبوي تؤكد عىل‬


‫صحة استدالل اإلمام الشافعي‬
‫واحلق ما ذهب إليه اإلمام الشافعي يف استدالله باآلية عىل صحة العمل‬
‫باإلمجاع‪ .‬فإن من يستقرأ اخلطاب القرآين جيد يف اخلطاب القرآين واخلطاب‬
‫النبوي منظومة متكاملة جتعل ملكانة جمموع املؤمنني مكانة يف الدين ويف‬
‫الترشيع تكريام هلذه األمة ولنبيها حممد صىل اهلل عليه وسلم ومنها قوله‬
‫تعاىل «وما كان املؤمنون لينفروا كافة فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة‬
‫ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم حيذرون»‪ .‬فاملراد‬
‫باملؤمنني هنا مجاعة املؤمنني الذين يعتد هبم يف الترشيع اإلسالمي فتفريغ‬
‫تلك اجلامعة يف الغزو واجلهاد يؤدي إىل خلل علمي يف املجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫وقوله تعاىل « واملؤمنون واملؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون باملعروف‬
‫وينهون عن املنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله‬
‫أولئك سريمحهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم» [التوبة ‪]71-‬‬

‫ذكر اهلل تعاىل صفات مجاعة املؤمنني الذين يقوم هبم املجتمع االسالمي‬
‫بعد ما ذكر مجاعة املناففقني الذين يريدون اخللل يف املجتمع اإلسالمي‬
‫فأهم صفاهتا صفاهتا األمر باملعروف والنهي عن املنكر التي يقوم هبا عامد‬
‫الترشيع اإلسالمي –الحظ رمحك اهلل‪ -‬أن اهلل تعاىل قدم فرضية األمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر عىل فرضية إقامة الصالة والزكاة وما ذلك‬
‫إال أن كلمة املؤمنني يف اخلطاب متثل اجلامعة املناطة هبا إقامة الترشيع‬
‫اإلسالمي يف املجتمع املسلم‪.‬‬

‫أما املنظومة النبوية منها قوله النبي صىل اهلل عليه وسلم « ويأبى اهلل‬
‫واملؤمنون إال أبا بكر» ‪ 11‬فالنبي صىل اهلل قرن إرادة اهلل يف تويل أيب بكر‬

‫‪ 11‬عائشة قالت ‪ :‬دخل علي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من اليوم الذي بدىء به فقلت‬
‫وارأساه فقال وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك فقلت غرية كأين بك ذلك اليوم‬
‫عروسا ببعض نسائك قال وارأساه أدعي يل أباك وأخاك حىت أكتب أليب بكر كتابا فإين‬
‫أخاف أن يقول قائل ويتمىن أنا أوىل ويأىب اهلل واملؤمنون إال أبا بكر» احلديث يف سنن البيقهي‬
‫الكربى‪.254:4-‬‬
‫‪268‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫مع إراداة املؤمنني املناط هبم احلل والعقد وإمجاع األمة يف تويل أيب بكر‬
‫الصديق‪-‬رىض اهلل عنه‪ -‬اخلالفة من بعد النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وملا‬
‫كان املراد من اإلمجاع هو إتفاق علامء األمة ‪ .‬فإنا نجد منظومة نبوية تعطي‬
‫‪12‬‬
‫ملجوع علامء األمة منزلة األنبياء ففي احلديث» العلامء ورثة األنبياء‬
‫علامء أمتي كعلامء بني ارسائيل‪ .‬ألن اإلمجاع املعتد هبم هم علامء األمة‪.‬‬

‫ويؤكد عىل صحة استدالل اإلمام الشافعي إن استدالل الشافعي ليس‬


‫بعيدا عن معنى اآلية فهناك استدالل مقارب لإلمام الشافعي وهو‬
‫استدالل عبداهلل بن عمر –رىض اهلل عنهام‪ -‬حني طلب منه معاوية بن‬
‫أيب سفيان مبايعة ابنه اخرج ابن أيب حاتم عن ابن عمر قال ‪ :‬دعاين معاوية‬
‫فقال ‪ :‬بايع البن أخيك فقلت ‪ :‬يا معاوية ومن يشاقق الرسول من بعد ما‬
‫تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما توىل ونصله جهنم وساءت‬
‫‪13‬‬
‫مصريا فأسكته عنه»‬
‫فأراد عبداهلل بن عمر‪-‬رىض اهلل عنهام‪ -‬مبايعته ليزيد خمالف لطريق املؤمنني‬
‫يف ترشيح اخلالفة عن طريق تنصيب أبناءهم من بعدهم ألودالهم فهذه‬
‫كرسوية وقيرصية ليست من شأن طريق املؤمنني ‪.‬‬

‫عبقرية التأصيل‬
‫أورد د‪ .‬رواس قلعه جي يف بحثه القيم « تأسيس الشافعي علم أصول‬
‫الفقه املوضوعات األصولية التي تطرقها اإلمام الشافعي يف كتاب الرسالة‬
‫فقال‪ -‬لقد طرق اإلمام الشافعي موصوعات أصولية متعددة يف الرسالة ‪،‬‬
‫ونحن نوردها لك مرتبة ترتيبا ألفبائيا فيام ييل ‪:‬‬
‫‪ .1‬االجتهاد والتقليد‬

‫‪ 12‬نص احلديث « من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك اهلل له طريقا إىل اجلنة وإن املالئكة‬
‫لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العامل ليستغفر له من يف السموات ومن يف األرض حىت‬
‫احليتان يف املاء وفضل العامل على العابد كفضل القمر على سائر الكواب إن العلماء ورثة األنبياء‬
‫إن األنبياء مل يورثوا دينارا وال درمها إمنا ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ حبظ وافر» احلديث ورد‬
‫يف سنن الترمذي ‪.48:5‬‬
‫‪ 13‬النص موجود يف الدر املنثور للسيوطي ‪.685:2‬‬
‫‪269‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫‪ .2‬اإلمجاع‬
‫‪ .3‬االختالف‬
‫‪ .4‬االستحسان‬
‫‪ .5‬البيان‬
‫‪ .6‬التعارض والرتجيح‬
‫‪ .7‬اخلاص والعام‬
‫‪ .8‬السنة‬
‫‪ .9‬قول الصحايب‬
‫‪.10‬القرآن‬
‫‪ .11‬القياس‬
‫‪ .12‬املجمل واملفرس‬
‫‪ .13‬النهي‬
‫‪14‬‬
‫‪ .14‬الواجب « الفرض»‪.‬‬
‫رأينا يف النص السابق كيف إن اإلمام الشافعي‪-‬رمحه اهلل ورىض عنه‪-‬‬
‫كيف استكمل بنية علم أصول الفقه فهذه املباحث هي البنية األساسية‬
‫لعلم األصول املتعلق مبارشة بأصول االستنباط وطرقه‪.‬‬

‫ملاذا مل يدرج اإلمام الشافعي املقدمة املنطقية يف علم األصول‬


‫من املتعارف عليه يف كتب األصول أن املقدمة املنطقية تأيت يف مقدمة املنهج‬
‫األصويل‪.‬قد يتساءل متسائل ملاذا مل يدرج اإلمام الشافعي املقدمة املنطقية‬
‫يف الرسالة مع أن املنطق واجلدل كان يف أوجله حني تبنى املأمون املنهج‬
‫املعتزيل وفرضه عىل علامء األمة بالقيد والسوط‪.‬‬

‫بادئ ذي بدء هل املقدمة املنطقية هلا فائدة عملية يف علم األصول ؟‬

‫غفر اهلل لإلمام الغزايل حني ربط علم األصول باملقدمة املنطقية بل غال يف‬

‫‪ 14‬صفحة ‪ 239‬البحث منشور يف االحتفاء بذكرى مرور اثين عشر قرنا على وفاة اإلمام‬
‫الشافعي اليت أقامته املنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة(إيسيكو) بكواالملبور‪-‬ماليزيا عام‬
‫‪1990.-1411‬‬
‫‪270‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫تعظيم املنطق فجعل من مل حيط باملنطق ال يثق بعلومه اصال ‪ .15‬فإدخال‬
‫املقدمة املنطقية هو إدخال علم يف علم وهذا يشوش عىل طالب العلم‬
‫حتصيله لعلم األصول – كام قال ابن خلدون‪ 16-‬بل أقول ‪ :‬إن علم املنطق‬
‫ال حتتاج إليه اللغة العربية لدقتها يف األلفاظ بل املنطق إليها‪.‬‬

‫إمام خرج إماما‬


‫أكاد أن أجزم أن فضل اإلمام الشافعي عىل اإلمام أمحد بن حنبل كان فضال‬
‫عظيام فقد جعلت تلمذته عىل اإلمام الشافعي من جمرد حافظ لألحاديث‬
‫النبوية إىل إماما من أئمة املذاهب املتبوعة فقد كانت لإلمام أمحد بن حنبل‬
‫عقلية احلافظ اجلامع لألحاديث النبوية واألثر املروي عن الصحابة فهو‬
‫مل يكن له اصول أجتهادية –كام‪ -‬لإلمام أيب حنيفة ومالك حتى أن كتب‬
‫أصول احلنابلة ال تكاد تفارق كتب أصول الشافعية فمن صحبته الطويلة‬
‫لإلمام الشافعي حولت الثروة احلديثية لإلمام أمحد إىل منهج فقهي متبع‪.‬‬

‫فضل اإلمام الشافعي عىل علوم الرشيعة‬


‫وصف اإلمام أمحد اإلمام الشافعي بتشبيه بليغ يعرف بفضائل الشافعي‬
‫عىل علوم الرشيعة فقد شبه بفضل الشافعي بالشمس عىل الدنيا وبالعافية‬
‫عىل البدن فهل هناك فضل يف استمرارية الدنيا وتوازهنا مثل الشمس‬
‫وهناك فضل عىل استمرارية البدن وتوازنه مثل العافية وهكذا كان أثر‬
‫اإلمام الشافعي عىل علوم الرشيعة فمن فضل الشافعي أنه أسس علوم‬
‫أصول الفقه ليضع اإلستمراية يف استنباط األحكام الرشعية إذ النصوص‬
‫متناهية بخالف القياس الذي أستنبطه اإلمام الشافعي من النصوص‬
‫ووضع له الضوابط ليكون مقبوال بني مدرسة احلديث ومدرسة الرأي‪.‬‬

‫‪ 15‬انظر املستصفىصفحة ‪10‬‬


‫‪ 16‬انظر حبث «صعوبة اختيار املوضوع وضعف التأهيل العلمي» الذي قدمته يف الندوة العاملية‬
‫للدراسات العليا (صعوبات البحث العلمي وحتدياته) جامعة ماليا ‪-‬كواملبور سنة ‪-8241‬‬
‫‪7002‬‬
‫‪271‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫عبقرية النظرة الكلية والتوازن بني مصادر الترشيع‬

‫مقارنة بني منهج اإلمام الشافعي وابن حزم يف نظرية البيان‬

‫مل يكن مبالغا اإلمام أمحد بن حنبل حني وصف فضل اإلمام الشافيعة مثل‬
‫فضل الشمس عىل الدنيا وفضل العافية عىل البدن فقد وفق اهلل اإلمام‬
‫الشافعي ليضع األصل الثالث من أصول الترشيع “ القياس “ ليكون‬
‫مقبوال بني أهل احلديث وأهل الرأي ‪ .‬رغم عبقرية اإلمام الشافعي عىل‬
‫االستدالل من القرآن والسنة النبوية مل تطغي عليه هذه العبقرية لينفي دور‬
‫القياس يف الترشيع اإلسالمي ‪ .‬فنظرة اإلمام الشافعي‪-‬رمحه اهلل ورىض‬
‫اهلل عنه –للبيان القرآين جاءت بالنظرة الكلية التي يتميز هبا املجتهدون‬
‫واملؤصلون لعلوم الرشيعة فلم يك البيان لديه متصور يف الكتاب والسنة‬
‫فقط قال –رمحه اهلل‪ -‬مقولته الشهرية “ ‪ :‬فليست تنزل بأحد من أهل دين‬
‫الدليل عىل سبيل اهلدى فيها‪ »..‬ثم أتبع‪-‬رمحه‬ ‫ُ‬ ‫اهلل نازلة إال ويف كتاب اهلل‬
‫اهلل أدوات البيان لكيال يسئ عنه الفهم فأول ما بدأبه –رمحه اهلل‪ -‬أن عرف‬
‫البيان بتعريف كيل متعدداملصادر منه الكتاب والسنة ومنه اجتهاد املجتهد‬
‫فقال « والبيان اسم جامع ملعاين جمتمع ِة األصول متشعب ِة الفروع‪ :‬أهنا بيانٌ‬
‫ملن خوطب هبا ممن نزل القُ رَ آن بلسانه متقاربة االستواء عنده وإن كان‬
‫بعضها أشدَّ تأكيدَ بيانٍ من بعض ‪ .‬وخمتلفةٌ عند من جيهل لسان العرب‬
‫قال الشافعي ‪ :‬فجِ ماَ ع ما أبان اهلل خللقه يف كتابه مما تَعَ بَّدَ هم به ملا مىض من‬
‫حكمه جل ثناؤه ‪ :‬من وجوه‪.‬‬

‫مثل مجُل فرائضه يف أن عليهم صال ًة وزكا ًة‬ ‫فمنها ما أبانه خللقه نص ًا ‪ُ .‬‬
‫ونص الزنا‬
‫ِّ‬ ‫وحج ًا وصوم ًا وأنه حرَّ م الفواحش ما ظهر منها وما بطن‬
‫ض الوضوء مع‬ ‫واخلمر وأكل امليتة والدم وحلم اخلنزير وبينَّ هلم كيف فَرْ ُ‬
‫غري ذلك مما بني نص ًا ومنه ‪ :‬ما أَحكم فرضه بكتابه وبينَّ كيف هو عىل‬
‫لسان نبيه ؟ مثل عدد الصالة والزكاة ووقتها وغري ذلك من فرائضه التي‬
‫أنزل من كتابه‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫نص حكم‬ ‫ومنه ‪ :‬ما َس َّن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم مما ليس هلل فيه ُّ‬
‫وقد فرض اهلل يف كتابه طاعة رسوله صىل اهلل عليه وسلم واالنتهاء إىل‬
‫ض اهلل َقبِل ومنه ‪ :‬ما فرض اهلل عىل‬
‫حكمه فمَ ن قبل عن رسول اهلل فبِفَرْ ِ‬
‫خلقه االجتها َد يف طلبه وابتىل طاعتهم يف االجتهاد كام ابتىل طاعتهم يف‬
‫غريه مما فرض عليهم‬

‫فإنه يقول تبارك وتعاىل ‪( :‬ولنبلونكم حتى نعلم املجاهدين منكم‬


‫والصابرين ونبلوَ أخباركم ) [ حممد‪ ] 31-‬وقال ‪( :‬ول َي ْبتَليِ َ اهلل ما يف‬
‫وليمحص ما يف قلوبكم) [ آل عمران‪ ]154-‬وقال ‪( :‬عسى‬ ‫ِّ‬ ‫صدوركم‬
‫هيلك عدوكم ويستخلفَكم يف األرض فينظرَ كيف تعملون)‬ ‫َ‬ ‫ربكم أن‬
‫[األعراف‪] 129-‬‬
‫‪17‬‬

‫ويؤكد اإلمام الشافعي يف موضع آخر أن مراده باالجتهاد هو القياس وأن‬


‫القياس من نوع بيان الذي مل جيئ احلكم بعينه وإنام جاء فيه عىل سبيل‬
‫طلب احلق ‪ .‬قال‪-‬رمحه اهلل‪ : “ -‬كل ما نزل بمسلم فقيه حكم الزم أو عىل‬
‫سبيل احلقِّ فيه داللةٌ موجودة وعليه إذا كان فيه بعينه حكمٌ ‪ :‬اتباعُ ه وإذا‬
‫مل يكن فيه بعينه طُ لِب الداللة عىل سبيل احلق فيه باالجتهاد ‪ .‬واالجتهادُ‬
‫القياس ‪.18‬‬
‫ُ‬

‫وعىل مغايرة من ذلك نجد منهج ابن حزم فرى أن بيان يف الرشيعة هو‬
‫ما كان من نص القرآن الكريم أو السنة النبوية وما عداه فضالل فقال‬
‫«فنص اهلل تعاىل عىل أنه مل يكل بيان الرشيعة إىل أحد من الناس وال إىل‬
‫رأي وال إىل قياس لكن إىل نص القرآن وإىل رسوله صىل اهلل عليه وسلم‬
‫فقط وما عدامها فضالل وباطل وحمال وقال تعاىل ( ومن إلبل ثنني ومن‬
‫لبقر ثنني قل ءآلذكرين حرم أم ألنثيني أما شتملت عليه أرحام ألنثيني أم‬
‫كنتم شهدآء إذ وصاكم هلل هبذا فمن أظلم ممن فرتى عىل هلل كذبا ليضل‬
‫لناس بغري علم إن هلل ال هيدي لقوم لظاملني)‪.‬‬

‫‪ 17‬الرسالة ‪19:1‬‬
‫‪ 18‬الرسالة ‪476:1:‬‬
‫‪273‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫قال أبو حممد فصح أن كل ما مل يأتنا به وصية من عند اهلل عز وجل فهو‬
‫افرتاء عىل اهلل كذب وناسبه إىل اهلل تعاىل ظامل ومل تأتنا وصية قط من قبله‬
‫تعاىل باحلكم بالقياس فهو افرتاء وباطل وكذب بل جاءتنا وصاياه عز‬
‫وجل بأال نتعدى كالمه وكالم رسوله صىل اهلل عليه وسلم وأال نحرم وال‬
‫نوجب إال ما أوجبا وحرما وهنيا فقط فبطل كل ما عدا ذلك والقياس مما‬
‫عدا ذلك فهو باطل‬

‫وقال تعاىل ( أومل يكفهم أنآ أنزلنا عليك لكتاب يتىل عليهم إن يف ذلك‬
‫لرمحة وذكرى لقوم يؤمنون ) فأوجب تعاىل أن يكتفى بتالوة الكتاب‬
‫وهذا هو األخذ بظاهره وإبطال كل تأويل مل يأت به نص أو إمجاع وأال‬
‫نطلب غري ما يقتضيه لفظ القرآن فقط وقال تعاىل ( وما ختلفتم فيه من‬
‫يشء فحكمه إىل هلل ذلكم هلل ريب عليه توكلت وإليه أنيب ) وقال تعاىل ( يا‬
‫أهيا لذين آمنوا أطيعوا هلل وأطيعوا لرسول وأويل ألمر منكم فإن تنازعتم‬
‫يف يشء فردوه إىل هلل ولرسول إن كنتم تؤمنون بلله وليوم آلخر ذلك خري‬
‫وأحسن تأويال ) فلم يبح اهلل تعاىل عند التنازع واالختالف أن يتحاكم أو‬
‫يرد إال إىل القرآن وكالم الرسول صىل اهلل عليه وسلم فقط ال إىل أحد دون‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم وال إىل رأي وال قياس فبطل كل هذا بطالنا‬
‫متيقنا‪ .‬انظر –رمحك اهلل‪-‬الفرق بني املنهجني فاإلمام الشافعي يرى‬
‫البيان يف رشيعة بعقلية املؤسس املؤصل بينام ابن حزم رأى نظر إىل البيان‬
‫يف الرشيعة بعقلية السطحي‪ .‬وانظر‪-‬أيضا‪ -‬كيف وظف اإلمام الشافعي‬
‫فعل املجتهد يف القياس أنه من ابتالء اهلل للمكلفني بينام نظ ابن حزم أن‬
‫فعل القياس باطل وافرتاء عىل اهلل‪ .‬قد يقول قائل ملاذا هنج ابن حزم هذا‬
‫املنهج –مع أنه‪ -‬قد جاء من علامء القرن الرابع‪ .‬الدافع الذي دفع ابن‬
‫إىل إنكار القياس جاء بناء عىل أخطاء من استعمل القياس قال ابن حزم‬
‫خالل رد للقياس « وأكثرهم قاس إباحة املسح عىل اجلبائر عىل املسح عىل‬
‫اخلفني ومل يقيسوا إباحة مسح العاممة عىل الرأس وعىل املسح عىل اخلفني‬
‫وبعضهم قاس ذلك وكلهم فيام نعلم مل يقس نزع اخلفني بعد املسح عىل‬
‫حلق الشعر وقطع األظفار بعد املسح والغسل وبعضهم مل يقس إباحة‬
‫الصالة الفريضة بتيمم النافلة عىل إباحة الصالة النافلة بتيمم الفريضة‬
‫‪274‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫وبعضهم قاس ذلك وتناقض األولون فقاسوا جواز صالة املتوضئني‬
‫خلف املتيمم عىل جواز صالة املتيممني خلف املتوىضء عىل أن اخلالف يف‬
‫تسوية كال األمرين مشهورومن طرائف قياس بعضهم إجيابه أن تستطهر‬
‫احلائض بثالث قياسا عىل انتظار ثمود صيحة العذاب ثالثا عىل املرصاة‬
‫أفال يراجع بصريته من يقيس هذا القياس السخيف «‪19‬وهذا املنهج قد‬
‫وقع فيه بعض الذين أرادوا الدفاع يف علوم الرشيعة مثل شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية وسوف أعد فيه –بإذن اهلل‪-‬مبحثا خاصا‪.‬‬

‫عبقرية جتديد املذهب‬


‫رحل اإلمام الشافعي من مرص إىل العراق سنة مائة وثامنية وتسعون هجرية‬
‫وتويف يف مرص سنة مائتان وأربعة مما يعنى أنه مكث يف مرص ستة سنوات‬
‫وخالل هذه السنوات القليلة كان لإلمام الشافعي قديم وهو يف العراق‬
‫وجديد وهو يف مرص‪.‬‬

‫نظرة حتليلية لقديم املذهب وجديده‬


‫أحىص البجريمي املسائل التي خالف اإلمام الشافعي قديم مذهبه وجديده‬
‫فكانت عىل نحو اثنتني وعرشين مسألة أحصاها « املسائل التي هبا عىل‬
‫القديم تبلغ اثنني وعرشين ‪ ،‬منها عدم وجوب التباعد عن النجاسة يف‬
‫املاء الراكد الكثري وعدم انتقاض الوضوء بمس املحارم ‪ ،‬وطهارة املاء‬
‫اجلاري مامل يتغري ‪ ،‬وعدم االكتفاء يف االستنجاء باحلجر إذا انترش البول ‪،‬‬
‫وتعجيل صالة العشاء ‪ ،‬وعدم ميض وقت املغرب بميض مخس ركعات ‪،‬‬
‫وعدم قراءة السورة ‪.‬‬

‫يف األخريتني ‪ ،‬وكراهية قلم أظافر امليت ‪ ،‬وعدم اعتبار النصاب يف الركاز‬
‫‪ ،‬ورشط التحليل يف احللق بعذر املرض ‪ ،‬وحتريم أكل جلد امليتة بعد‬
‫الدباغ ‪ ،‬ولزوم احلد بوطء املحرم بملك اليمني ‪ ،‬وقبول شهادة فرعني‬
‫عىل كل من األصلني ‪ ،‬وغرامة شهود املال إذا رجعوا‪ .‬وتساقط البينتني‬

‫‪ 19‬األحكام ‪.554:8‬‬
‫‪275‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫‪20‬‬
‫عند التعارض‪.»..‬‬

‫أجد معظم املسائل التي خالف فيها اإلمام الشافعي جديده قديمه كان‬
‫بعضها مرجعها إما تغيري الطبيعة اجلغرافية بني مرص والعراق كطهارة‬
‫املاء اجلاري مامل يتغري حيث أن هنر النيل بمرص غزيرة مياه بخالف أهنار‬
‫العراق ومنها‪-‬أيضاً‪ -‬عدم وجوب التباعد عن النجاسة يف املاء الراكد‬
‫الكثريلغزارة هنر النيل خالف أهنار العراق ويرجع اختالف الطبعية‬
‫اجلغرافية يف تغري رأي اإلمام الشافعي بعدم االكتفاء باالستنجاء باحلجر‬
‫إذا انترش البول إذا قد تكون األحجار يف بغداد صلبة بخالف مرص إذ من‬
‫املعروف أن أرض مرص زراعية رخوة‪.‬‬

‫ويمكن ‪-‬أن يلحق‪ -‬أيضا رأي اإلمام الشافعي بعدم اشرتاط النصاب‬
‫يف الركاز كثرة كنوز الفراعنة يف مرص وال زال يف عرصنا احلارض تعيش‬
‫عوائل عىل ما تكتشفه من كنوز يف مرص رغم خطر احلكومي هلا ‪ .‬فرأي‬
‫اإلمام الشافعي قد تغري يف مرص عن العراق ملا رأى من كثرة الكنوز واعتامد‬
‫كثري من الناس عليها كدخل فاشرتاط النصاب هلا قد يعطل الزكاة فيها‬
‫–خاصة‪ -‬إذا علمنا أن النص النبوي يف زكاة الكنوز قد جاء بدون حتديد‬
‫النصاب فعنأيب هريرة ريض اهلل عنه أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‬
‫‪21‬‬
‫العجامء جبار والبئر جبار واملعدن جبار ويف الركاز اخلمس‬
‫وهكذا يقال يف حتديد املغرب بخمس ركعات قد يكون اإلمام الشافعي‬
‫قد حددها يف وقت كان الوقت بني املغرب والعشاء قريب جدا يف العراق‬
‫ملا كان يف مرص وجد أن الوقت بني املغرب والعشاء قد يطول أكثر من‬
‫مخس ركعات فرتك التحديد‪ .‬ويؤكد ذلك رأي اإلمام الشافعي تعجيل‬
‫صالة العشاء ألن الفارق بني وقت املغرب والعشاء كبري يف مرص يف فصل‬
‫من الفصول ألن تأخري وقت العشاء يف مثل مرص معظم أهلها يعيشون‬
‫عىل الزراعة يؤدي هبم إىل املشقة ‪ .‬ألن الفالح يستقيظ مبكرا مع الطيور‬
‫‪ 20‬النص منقول من كتاب أيب زهرة (‪ )1996‬الشافعي حياته وعصره –آراؤه وفقه ‪،322‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار الفكر العريب ‪.‬‬
‫‪ 21‬البخاري (‪ ،)1987‬اجلامع الصحيح ‪ ،‬حتقيق مصطفى ديب البغا‪ ،‬ط‪ .7‬بريوت‪ :‬دار ابن‬
‫كثري ‪545:2،‬‬
‫‪276‬‬
‫عبقرية اإلمام الشافعي‬
‫ليحصد أرضه ويرجع يف املساء خائر القوى ‪.‬‬

‫أما تقليم أظافر امليت فقد استحبها احلنابلة‪ 22‬بالقياس عىل استحباهبا‬
‫للحي ‪ .‬فعدول اإلمام الشافعي عن استحباب تقليم أظافر امليت يف‬
‫مرص قد يرجع أن تقليم أظافر للميت قد يعود للمرصيني فكرة االعتناء‬
‫باجلسد املتمثلة بتحنيطه أو أن تقليم أظافر امليت قد تكون من طقوس‬
‫عادات املرصيني القدماء ‪.‬‬

‫أما غرامة الشهود إذا رجعوا فهذا من فقه اإلمام الشافعي‪-‬رمحه اهلل‪ -‬فرىض‬
‫اهلل عنه مل يك بعيدا عن أمراض املجتمع ‪ .‬فاملجتهد واملفتي – كالطبيب‬
‫ملجتمعه فإذا رأى الطبيب وباء ينترش يف املجتمع ينحو منحى الشدة يف‬
‫اختاذ االحتياطات ليمنع انتشار يف املجتمع –كذلك املفتي‪ -‬فإذا رأى‬
‫مرضا اجتامعا ينترش يف أفراد املجتمع اإلسالمي يتخذ االجتهاد األنسب‬
‫‪ .‬لعل اإلمام الشافعي رأى يف جمتمعه اجلديد كثرة شهادة الزور فرأى أن‬
‫الرادع يف شهود الزور يف املعامالت املالية أن يغرموا فمن مل يردعه رادع‬
‫اخلوف من اهلل تعاىل ردعته الغرامة املالية‪.‬‬

‫رأي الباحث األخذ باإلسفار يف وقت صالة الفجر يف عرصنا‬

‫رأينا كيف إن اإلمام الشافعي قد غري رأيه فرأى تعجيل بصالة العشاء مع‬
‫أن السنة هو تأخريها وأرجعت السبب يف ذلك إن يف مرص قد يكون هناك‬
‫يف فصل من الفصول فارق وقتي بني صالة املغرب والعشاء فيكون تأخري‬
‫العشاء فيه بعض املشقة عىل املجتمع املرصي الذي كان معظمه يعمل‬
‫بالزراعة‪ .‬والذي أراه يف عرصنا أن السهر بلوى قد عمت يف عرصنا ‪ .‬فمن‬
‫يالحظ املساجد وقت صالة الفجر تكاد ختلو من املصلني ‪ .‬فقلة قليلة من‬
‫تؤدي صالة مجاعة يف املسجد سواء يف رشق عامل اإلسالمي أو غربه حتى‬
‫الديار املقدسة ‪ .‬فالذي أراه يف املسألة أن توقيت صالة الفجر يؤخذ فيه‬

‫‪ 22‬انظر املقدسي احلنبلي (‪ ،)1994‬الكايف يف فقه ابن حنبل‪ .‬لبنان ‪ :‬املكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫‪353:1‬‬
‫‪277‬‬
‫‪Jurnal Fiqh: No. 4 (2007) 259-278‬‬

‫يف عرصنا برأي األحناف وهو وقت األسفار وليس وقت الغلس‪ .‬و هذا‬
‫التأخري له أمهيته إذ سوف يزاد مجاعة صالة الصبح إذ كثري من الناس إذا‬
‫صحت انتهت إىل أعامهلا ألنه ال يوجد بني اإلسفار وطلوع الشمس إال‬
‫وقت يسري‪.‬‬

‫نتائج البحث‬
‫‪ -1‬انفراد اإلمام الشافعي بخصائص علمية عن باقي األئمة الثالثة‪.‬‬
‫‪-2‬إن عبقرية اإلستدالل متوازنةعند اإلمام الشافعي بسبب النظرة الكلية‬
‫لنظرية البيان يف القرآن الكريم فلم تطغ عليه عبقرية االستدالل عىل‬
‫القول بالقياس‬
‫ كام وقع فيها ابن حزم‪.‬‬
‫‪ -3‬استدالل اإلمام الشافعي باآلية « ‪..‬ويتبع غري سبيل املؤمنني « يؤيده‬
‫منظومة لفظة املؤمنني يف الكتاب والسنة ويؤيده أيضا استدالل بعض‬
‫الصحابة باآلية‪.‬‬
‫‪ -4‬عبقرية التأصيل عند اإلمام الشافعي جتلت يف إيراد معظم مباحث‬
‫علم األصول املتعلقة بأصول األدلة وطرق االستنباط‪.‬‬
‫‪ -5‬عىل املجتهد أن يكون كالطبيب يف جمتمعه‪-‬كام كان اإلمام الشافعي‪. -‬‬
‫فإذا ظهر مرض انتشار شهادة الزور اجتهد يف تضعيف العقوبة وأيضا‬
‫خفف عىل الناس إذا كان اتباع سنةمن السنن فيها مشقة عىل الناس ‪.‬‬
‫‪-6‬أرى أن يؤخذ يف عرصنا برأي األحناف وقت صالة الفجر انظالقا من‬
‫منهج اإلمام الشافعي يف التجديد‪.‬‬

‫‪278‬‬

You might also like