‫كلية أصول الدين الجامعة‬

‫الدراسات االسالميه‬
‫فقه الجنايات‬
‫)د‪.‬عبد الرحمن(‬

‫الجريمة والعقاب في اإلسالم‬

‫رائدة عبد االمير محمود حسين‬

‫المرحلة الرابعة مسائي‬
‫إن األمن واالستقرار مطلب إنساني ضروري ال يقل أهمية عن المطالب األخرى‬
‫كالغذاء والكساء‪ ،‬وبدونه ال يستطيع اإلنسان أن يقوم بممارسة حياته اليومية‬
‫‪.‬على الوجه األمثل‪ ،‬فضال ً عن أن يبدع فكرة خال َّقه أو يقيم حضارة راقية‬
‫‪ ‬‬
‫وقد انتبه اإلنسان‪ N‬إلى ضرورة األمن منذ بداية حياته وظل يعبر عن هذا الشعور‬
‫أو هذه الحاجة بشتى الوسائل‪ ،‬ومع تعقد حياته االجتماعية وتطورها عبر عن‬
‫تلك الحاجة ‪-‬وغيرها من الحاجات‪ -‬بالدولة وبالقوانين لتوفّر األمن العام وتحسم‬
‫ما ينشأ من خصومات وصراعات تهدد أمن المجتمع وتواجه ما يهدده من أخطار‬
‫‪.‬خارجية من طرف مجتمعات أخرى‬
‫‪ ‬‬
‫ولئن كان تطور هذه القوانين الموضوعة من طرف اإلنسان لم يكتمل إال في‬
‫القرون األخيرة عبر تجارب طويلة من الخطأ والصواب‪ ،‬فإن شريعة اإلسالم‬
‫المنزلة في رسالة هللا األخيرة للبشر على محمد صلى هللا عليه وسلم قد‬
‫اهتمت بهذا الجانب وجاءت بنظم متكاملة واضعة في االعتبار تطور المجتمعات‬
‫واختالف ظروفها وثبات الطبيعة العامة‪ N‬لإلنسان‪ ،‬ومن هنا تضمنت أصواًل كلية‬
‫وقواعد عامة تصلح لمواجهة كل أوضاع الحياة وظروفها زمانا ومكانا كما نصت‬
‫على عقوبات جرائم محدودة ال تتأثر باختالف األوضاع والظروف‪ ،‬وبذلك جمعت‬
‫‪.‬بين الثبات والمرونة واألصالة‬
‫‪ ‬‬
‫فما هو منطلق اإلسالم في مواجهة الجريمة؟‪ ‬وما هي المبادئ التي يقوم‬
‫عليها النظام العقابي في اإلسالم؟ وما هي مميزات هذا النظام؟ وما هي‬
‫التدابير التي يقوم بها في مواجهة الجريمة؟ وما هي أنواع العقوبات في‬
‫اإلسالم؟ وما هي األهداف المرسومة والمقصودة من تشريعاته؟ هذا ما سيتم‬
‫‪.‬الحديث عنه في الصفحات التالية‬
‫‪ ‬‬
‫‪:‬منطلق اإلسالم في مواجهة الجريمة‬
‫إن الغاية النهائية لكل نظم‪ ‬الشريعة اإلسالمية‪ N‬هي تحقيق مصالح الخلق في‬
‫الدنيا واآلخرة وذلك بإقامة مجتمع صالح يعبد هللا ويعمر األرض ويسخر طاقات‬
‫الكون في بناء حضارة إنسانية يعيش في ظلها اإلنسان ‪-‬كل إنسان‪ -‬في جو‬
‫من العدل واألمن والسالم مع تلبية كاملة لمطالبه الروحية والمادية وعدم‬
‫‪.‬إغفال أي عنصر من عناصر شخصيته روحاً وعقال ً وجسداً‬
‫‪ ‬‬
‫وهذا الهدف النهائي عبرت عنه عدة آيات من القرآن كما دل عليه استقراء‬
‫‪.‬مجمل نصوص الشريعة وأحكامها‪N‬‬
 ‫سلَ َنا بِا ْلبَ ِي ّ َناتِ َوأَ ْن َز ْل َنا‬ ‫س ْل َنا ُر ُ‬ ‫فمن اآليات الدالة على ذلك قوله سبحانه‪ ﴿ :‬لَق َْد أَ ْر َ‬
‫ش ِدي ٌد‬ ‫س َ‬ ‫ه بَ ْأ ٌ‬ ‫ح ِدي َد فِي ِ‬ ‫ط َوأَ ْن َز ْل َنا ا ْل َ‬ ‫س ِ‬ ‫اس بِا ْل ِق ْ‬ ‫م ال َّن ُ‬ ‫مي َزانَ لِيَ ُقو َ‬ ‫اب َوا ْل ِ‬ ‫م ا ْلكِ َت َ‬ ‫َم َع ُه ُ‬
‫س َر‪﴾ ‬‬ ‫ُم ا ْل ُع ْ‬ ‫يد بِك ُ‬ ‫س َر َواَل ُي ِر ُ‬ ‫ُم ا ْل ُي ْ‬ ‫يد اللَّ ُه بِك ُ‬ ‫اس‪[ ﴾ ‬الحديد‪ُ  ﴿ ]25 :‬ي ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫َو َم َنافِ ُع لِل َّن‬
‫وب‬‫ُم َويَ ُت َ‬ ‫ن َق ْبلِك ْ‬ ‫ين ِم ْ‬ ‫ن الَّ ِذ َ‬ ‫س َن َ‬ ‫ُم ُ‬ ‫ُم َويَ ْه ِديَك ْ‬ ‫ن لَك ْ‬ ‫يد اللَّ ُه لِ ُيبَ ِي ّ َ‬ ‫[البقرة‪ُ  ﴿ ]185 :‬ي ِر ُ‬
‫ين يَ َّت ِب ُعونَ‬‫يد الَّ ِذ َ‬ ‫ُم َو ُي ِر ُ‬ ‫وب َعلَ ْيك ْ‬ ‫َ‬
‫يد أنْ يَ ُت َ‬ ‫م‪َ  * ‬واللَّ ُه ُي ِر ُ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ُم َواللَّ ُه َع ِلي ٌ‬ ‫َعلَ ْيك ْ‬
‫ان‬ ‫س ُ‪N‬‬ ‫ق اإْل ِ ْن َ‬ ‫خلِ َ‬ ‫ُم َو ُ‬ ‫ف َع ْنك ْ‬ ‫خ ِ ّف َ‬ ‫يد اللَّ ُه أَنْ ُي َ‬ ‫ما‪ُ  * ‬ي ِر ُ‬ ‫ظي ً‬ ‫ميلُوا َم ْياًل َع ِ‬ ‫الش َه َواتِ أَنْ تَ ِ‬ ‫َّ‬
‫ض ِعيفًا‪[ ﴾ ‬النساء‪]28 ،26 :‬‬ ‫‪َ .‬‬
‫‪ ‬‬
‫م‪﴿ ‬‬ ‫ُم َواللَّ ُه َع ِلي ٌ‬ ‫وب َعلَ ْيك ْ‬ ‫ُم َويَ ُت َ‬ ‫ن َق ْب ِلك ْ‬ ‫ين ِم ْ‬‫ن الَّ ِذ َ‬ ‫س َن َ‬ ‫ُم ُ‬ ‫ُم َويَ ْه ِديَك ْ‬ ‫ن لَك ْ‬ ‫يد اللَّ ُه لِ ُيبَ ِي ّ َ‬ ‫ُي ِر ُ‬
‫ميلُوا َم ْياًل‬ ‫الش َه َواتِ أَنْ تَ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ين يَ َّت ِب ُعونَ‬ ‫يد الَّ ِذ َ‬‫ُم َو ُي ِر ُ‬ ‫وب َعلَ ْيك ْ‬ ‫يد أَنْ يَ ُت َ‬ ‫م‪َ  * ‬واللَّ ُه ُي ِر ُ‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫َ‬
‫ض ِعيفًا‪[ ﴾ ‬النساء‪]28 ،26 :‬‬ ‫ان َ‬ ‫س ُ‪N‬‬ ‫ق اإْل ِ ْن َ‬ ‫خلِ َ‬ ‫ُم َو ُ‬ ‫ف َع ْنك ْ‬ ‫خ ِ ّف َ‬‫يد اللَّ ُه أَنْ ُي َ‬ ‫ما‪ُ  * ‬ي ِر ُ‬ ‫ظي ً‬ ‫َع ِ‬
‫م ْن َ‬
‫ك ِر‬ ‫شا ِء َوا ْل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ا ْل َف ْ‬‫ان َوإِي َتا ِء ِذي ا ْل ُق ْربَى َويَ ْن َهى َع ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َواإْل ِ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن اللَّ َه يَأ ُم ُر بِا ْل َع ْد ِ‬ ‫﴿‪ ‬إِ َّ‬
‫‪َ .‬وا ْلبَغْيِ‪[ ﴾ ‬النحل‪]90 :‬‬
‫‪ ‬‬
‫أما االستقراء والتتبع ألحكام الشريعة فإنه يفيد أنها استهدفت مصالح الخلق‬
‫والتي ترجع في مجملها إلى كليات تندرج ضمنها سائر‪ ‬المصالح‪ ‬اإلنسانية‬
‫‪:‬وهي‬
‫‪.‬حفظ النفس‪1- ‬‬
‫‪.‬حفظ الدين‪2- ‬‬
‫‪.‬حفظ العقل‪3- ‬‬
‫‪.‬حفظ النسل‪4- ‬‬
‫‪.‬حفظ المال‪5- ‬‬
‫‪ ‬‬
‫والنظام العقابي في اإلسالم استهدف حفظ هذه الكليات الخمس‪ ،‬فلحفظ‬
‫النفس شرع‪ ‬القصاص ‪ ،‬ولحفظ الدين شرع حد الردة‪ ،‬ولحفظ العقل شرع حد‬
‫الخمر‪ ،‬ولحفظ النسل شرع حد الزنا‪ ،‬وللحفاظ على المال شرع حد السرقة‪،‬‬
‫‪.‬ولحماية هذه كلها شرع حد الحرابة‬
‫‪ ‬‬
‫‪:‬وبهذا يتبين أن الجرائم التي حددت لها الشريعة عقوبات ثابتة هي‬
‫‪.‬االعتداء على النفس بالقتل أو الجرح‪1- ‬‬
‫‪.‬االعتداء على المال (السرقة )‪2- ‬‬
‫‪.‬االعتداء على النسل أو األسرة (الزنا والقذف)‪3- ‬‬
‫‪.‬االعتداء على العقل( تناول المسكرات )‪4- ‬‬
‫‪.‬االعتداء على الدين (الردة )‪5- ‬‬
‫‪.‬االعتداء المنظم على الكليات مجتمعة (الحرابة )‪6- ‬‬