Professional Documents
Culture Documents
القانون الدستوري
القانون الدستوري
قسم القانون
المرحلة االولى
الدراسة المسائية
عنوان التقرير
2020
مقدمة عن العرف الدستوري
التفرقة بين ما يسمى بالدستور العرفي والعرف الدستوري
6
مقدمة عن العرف الدستوري
يعتبر العرف المصدر األول بل وأقدم مصدر للقواعد القانونية بصفة عامة ولقواعد القانون الدستوري بصفة
خاصة.وقد كان للعرف دور كبير فيما مضى قبل أن تنتشر ظاهرة الدساتير المدونة أو المكتوبة حاليا ،إال انه ال زالت
الدساتير الغير مكتوبة موجودة وعلى رأسها دستور المملكة المتحدة ويسمى دستورها بالدستور العرفي ،بل وحتى في
الدول ذات الدساتير المكتوبة أو المدونة فإن للعرف دو ًرا ال يستهان به في مجال القانون الدستوري إلى جانب
التشريع والدستور المكتوب.
وعليه فيتفرع من ذلك تقسيم الدول إلى دول ذات دساتير عرفية ودول ذات دساتير مكتوبة ،فإذا كانت القواعد العرفية
تمثل الجانب األكبر من الدستور فإنه يدعى دستورا عرفيا ،وإذا كان العكس أي أن القواعد المدونة أو المكتوبة هي
التي تمثل الجانب األكبر كالدستور مكتوبا أو مدونا.
وم;ن هنا; ي;جب; ا;لت;فر;قة; ب;ين; م;ا يس;مى با;لد;ست;ور ال;عر;في; و;ال;عر;ف; ا;لد;ست;ور;ي;.
;-١ال;دس;تو;ر; ال;عر;في; ;:حتى قيام الثورتين األمريكية والفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر كانت القواعد الخاصة
بنظام الحكم في مجموعها تقريبا قواعد عرفية ،أي قواعد غير مدونة أو غير مكتوبة في وثيقة رسيمة بواسطة جهة
أو سلطة مختصة.فقد كانت هذه القواعد تستمد من مجموعة العادات والتقاليد والسوابق التي كانت تتبعها السطات
المختصة في المجتمع بشكل متكرر حتى نشأ اإلعتقاد بإلزاميتها كقواعد دستورية.وقد كان من الطبيعي أن تنشأ
القواعد الدستورية في الدولة عن طريق العرف حيث كان ذلك هو ما يتالءم مع النمو التدريجي والبطئ لعناصر قيام
الدولة في المجتمعات القديمة.ويعد دستور المملكة المتحدة النموذج المثالي بل وقد يكون النموذج األوحد لهذا النوع
من الدساتير في عالمنا المعاصر.وإذا كان العرف يعد المصدر األساسي أو الرئيسي لدستور المملكة المتحدة ،إال انه
ليس المصدر الوحيد لهذا الدستور ،حيث توجد إلى جواره بعض الوثائق الدستورية المكتوبة ومن أمثلتها الوثيقة
العظمى Magna Carta -الصادر عام 1215والذي تضمن بعض التنازالت من جانب الملك للشعب اإلنجليزي،
وكذلك وثيقة الحقوق The Bill of Rights -التي انتزعها الشعب اإلنجليزي عام 1688من وليام الثالث.وكذلك
قانون Habeas Corpus Actالصادر في عام 1679إلقرار الضمانات الالزمة لحماية الحريات الفردية.وعلى
الرغم من أهمية تلك الوثائق الدستورية المدونة إال أنها ال تشكل في حقيقة األمر سوى مصدرا ثانويا للدستور
اإلنجليزي الذي يعتمد بصفة أساسية على العرف الدستوري ،حيث تنظم قواعد العرف الدستوري كيفية قيام البرلمان،
واختصاصات مجلس البرلمان ،وتحدد سلطات الملك والقيود المفروضة عليه.وكما هو واضح فإن قواعد العرف
الدستوري هي التي تلعب دورا أساسيا في بناء الدستوري اإلنجليزي حتى وإن كانت هناك وثائق مدونة أو مكتوبة
إلى جوارها ،إذ ال تشكل هذه الوثائق سوى استثناء يرد على هذه القواعد ،األمر الذي يوضح وصف الدستور
اإلنجليزي بالدستور العرفي.
;-٢ال;عر;ف ا;لد;ست;ور;ي ;:أما فيما يتعلق ببيان موضوع العرف الدستوري فهو يتكون من عدة نقاط كالتالي:
ينشأ حين تجري الهيئات الحاكمة على عادة معينة ،في موضوع من موضوعات القانون الدستوري ،ويقوم في
ضمير الجماعة بوجوب احترام هذه العادة ويستقر في ذهن أفرادها أنها أصبحت قاعدة قانونية ملزمة.
6
;-١ال;رك;ن; ا;لم;اد;ي; لل;عر;ف ;:يتمثل في اعتياد سلطة من السلطات العامة على سلوك معين ،وهذا الركن يتمثل في العادة
التي تنشأ من اتجاه السلطة الحاكمة نحو سلوك بعينه تجاه مشكلة دستورية معينة ويجب أن تستقر في اتجاهه ناحية
هذا السلوك لمدة زمنية معقولة.
وعلى ذلك يجب أن يتوافر في هذه العادة أي الركن المادي للعرف عدة شروط تتمثل في عمومية السلوك ،وقدمه،
واطراده ،ومشروعيته.
-عمومية السلوك تعني ضرورة درج أغلب السلطات الحاكمة على هذا السلوك وعدم مخالفته ،ومن ثم إذا كانت هذه
العادة من صنع أقلية فإنها ال تكون الركن المادي للعرف الدستوري.
-وبالنسبة للقدم .فيجب أن تتبع السلطات الحاكمة هذه العادة لمدة معقولة يتحقق من خاللها الشعور بإلزامية هذه
العادة.
-أما عن االطراد فهو يعني التعدد .ذلك أن واقعة واحدة ال يمكن أن تشكل الركن المادي للعرف .فإطراد واستمرارية
الفعل يكون الركن المادي.
-أما بالنسبة لمشروعية العادة فذاك أمر ال خالف عليه فالعادة التي تتشكل بطريق المخالفة للدستور المكتوب أمر ال
يمكن أن يتحقق به الركن المادى للعرف.
;-٢ال;رك;ن; ا;لم;عن;وي; لل;عر;ف ;:ال يكفي لقيام العرف الدستوري أن تعتاد سلطات الحاكم على سلوك معين ،أو أن تحقق
الركن المادي فقط .بل يلزم عالوة على ذلك ،تحقق العنصر المعنوي وهو الشعور بضرورة وجود هذه القاعدة
وإلزامها .فذاك العنصر هو ما يحول السلوك من مجرد كونه عادة إلى عرف أي قاعدة قانونية مكتملة األركان .ومن
مقتضيات توافر هذ الركن للعرف هو تطبيق الجزاء عند مخالفة هذا السلوك.والركن المعنوي للعرف هو الذي يميز
بينه وبين العادات والتقاليد .ذلك أن العادات والتقاليد ال يكون لها ثمة إلزام من الناحية القانونية .أما القاعدة العرفية إذا
ما اكتملت أركانها على الوجه المتقدم أصبحت قاعدة قانونية ملزمة.
في الدول التي ال يكون لها دستور مكتوب أو مدون وهي الدول صاحبة الدساتير العرفية وأبرز مثال عليها المملكة
المتحدة ،تعتمد في تحديد القواعد المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة على العادات واألعراف والتقاليد والسوابق
التاريخية التي اكتسبت مع الزمن القوة الدستورية الملزمة .وعليه فيتضح جليا بدون أي شك أهمية العرف في هذه
الدول بإعتباره هو المصدر الرئيسي للقواعد الدستورية .أما حيث يكون للدولة دستور مكتوب أو مدون فإن أهمية
العرف تتضاءل إذا ما قورنت بالدور الذي يلعبه العرف في الدول ذات الدساتير غير المدونة ،غير أن ذلك ال يعني
بتاتا غياب دور وأهمية العرف في مثل هذه الدول ذات الدساتير المكتوبة.وتعليل ذلك أنه مهما بلغت درجة العناية
بصياغة الدستور المكتوب فإنه ال يكون شامال لجميع القواعد المتعلقة بنظام الحكم وسير السلطات العامة في الدولة
والبد أن ينكشف في العمل قصور الدستور عن استيعاب الحلول المالئمة لجميع المشاكل ،فالحياة السياسية الواقعية
للدولة تظهر ما في الدستور من ثغرات.وعليه فالعرف ال يعد مصدرا من مصادر النظام الدستوري في بالد الدساتير
العرفية فقط بل وفي بالد الدساتير المكتوبة أيضا .فالنظام الدستوري ال يستمد مصادره من القواعد المكتوبة فقط بل
ومن القواعد العرفية أيضا.وقد اتفق رجال الفقه الدستوري على تقسيم العرف الدستوري إلى ثالثة أنواع رئيسية
وهي:
;-١ال;عر;ف ا;لم;فس;ر; :Interpretative Customفي هذه الصورة يقوم العرف بدوره المفسر لغموض النص
الدستوري .ولكي ينهض بهذا الدور يفترض بداية وجود نص دستوري غامض .ومن ثم وضوح النص الدستوري
يعتمد على العرف ليفسره .والعرف المفسر يبين طريقة تطبيق النصوص وشروطها إن هي لم تستطع تبيان ذلك .كأن
يعمم نطاق تطبيقها أو يخصصه .ولكن يتم استخدام العرف المفسر داخل المعنى األساسي للنص الدستوري وال يجوز
الخروج عليه.ومن أمثلة العرف المفسر ما جرى عليه العمل في ظل دستور 1875من اإلعتراف لرئيس الدولة
بسلطة وضع اللوائح التكميلية على الرغم من خلو الدستور من نص صريح بذلك .حيث أنه كان تفسي ًرا لنص الدستور
6
الذي أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تنفيذ القوانين ،وهو ما ال يكون إال بإصدار مثل هذه اللوائح.والعرف الدستوري
المفسر ال يثير مشكلة في الفقه إذ اإلجماع مستقر على قبوله واالعتراف به كمصدر للقاعدة الدستورية .إذ أنه في
حقيقته يلتمس وجوده من وجود النص الدستوري ذاته.
;-٢ال;عر;ف ا;لم;كم;ل :La Coutume Complementareإذا كان العرف المفسر يقتصر دوره على تفسير غموض
النص الدستوري فإن العرف المكمل يتعدى ذلك ليلعب دو ًرا مؤث ًرا بجوار هذا النص المكتوب يتمثل في إنشاء حكم
جديد .وكما يتضح من تسميته فالعرف المكمل ينشأ لكي يعالج مشكلة قصور النص الدستوري المكتوب .فهو يفترض
-بداية -أن الدستور أغفل تنظيم مسألة معينة .فهنا يأتي العرف المكمل بالقاعدة القانونية التي تكمل هذا
النقص.فالعرف المكمل على خالف العرف المفسر يتميز بأنه ال يستند إلى نص دستوري موجود كما أنه ينشئ قاعدة
دستورية جديدة.ومن أمثلة العرف المكمل:في ظل دستور 1875في فرنسا نص على أن يكون االنتخاب باالقتراع
العام ،وكمل العرف هذا النص بأن حعل االنتخاب مباش ًرا وعلى درجة واحدة .كما أن هذا الدستور لم ينص على
منصب رئيس مجلس الوزراء وكمل العرف ذلك.كما جرى العرف في ظل دستور 1923في مصر على منح السلطة
التنفيذية صالحية إصدار لوائح الضبط .كما أجاز أن يرأس الملك الحكومة .وهو أمر لم ينص عليه الدستور
صراحة.والرأي الراجح في الفقه يرى أن العرف المكمل يعد مصدرا للقواعد الدستورية وال شك أن هذا النوع من
العرف إنما يتعاظم دوره في ظل الدساتير الموجزة التي تقتصر في تنظيمها للمسائل الدستورية على المسائل العامة
والمبادئ األساسية .ومن ذلك مثل الدساتير المؤقتة أو تلك التي تصدر بعد ثورات أو تغييرات سياسية جذرية في
ضا
المجتمع.على أن هذا ال ينفي نشوء العرف المكمل في ظل الدساتير المطولة أي ً
;-٣ال;عر;ف ا;لم;عدل; :La Coutume Modificativeيتضمن العرف المعدل مخالفة لنصوص الدستور .حيث أنه
كما يتضح من تسميته يعمل على تعديل النص الدستوري .فهو ال يقتصر على تفسير غموضه كالعرف المفسر .أو
إكمال ما يعتريه من نقص مثل العرف المكمل وإنما يهدف إلى تعديل النص الدستوري وإلغاء حكمه .وإضافة حكم
جديد أو حذف حكم النص القائم.ويميز الفقه بين نوعين من العرف المعدل :التعديل باإلضافة والتعديل بالحذف.
;-فا;لع;رف; ال;مع;دل ب;اإل;ض;ا;فة; ;:يهدف إلى إضافة أحكام جديدة قد تتضمن إضافة سلطات واختصاصات جديدة إلى هيئة
من الهيئات الحاكمة .لم تقرها نصوص الدستور .ويجب أن تكون االختصاصات التي أضافها العرف المعدل جديدة
تماما حتى ال تكون مثل العرف المفسر.ويفرق بعض الفقه بين العرف المعدل باإلضافة والعرف المكمل ففي حين أن
كاًل منهما يتضمن في حقيقة األمر إضافة حكم جديد إلى نصوص الدستور.إال أن العرف المكمل يفترض سكوت
المشرع الدستوري عن تنظيم المسألة التي تدخل فيها .أما العرف المعدل باإلضافة فيفترض إضافة أحكام جديدة إلى
جوار األحكام التي حددها النص الدستوري.على أن الرأي الغالب في الفقه يلحق هذا النوع من العرف المعدل
بالعرف المكمل ومن ثم يأخذ حكمه.
;-أم;ا; ال;عر;ف ا;لم;عد;ل ب;ال;حذ;ف ;:يعني أن يجري العرف على إسقاط اختصاص من اختصاصات هيئة معينة نص عليها
الدستور ،أو اسقاط العمل بنص من نصوص الدستور نتيجة لعدم استعماله.ومن ذلك ما نص عليه الدستور الفرنسي
سنة 1875 على حق رئيس الجمهورية في حل مجلس النواب ولم يتم استخدام هذا الحق إال في سنة 1877وسبب
أزمة سياسية وترتب عليها عدم استخدامه فيما بعد حتى صدور دستور 1958المعمول به في فرنسا حتى االن.ومثل
اخر في ظل دستور 1875في فرنسا ،يتعلق بعدم استعمال رئيس الجمهورية لسلطته في االعتراض على إصدار
القوانين .مما أدى إلى القول بسقوط هذا الحق وعدم استعماله.وإذا كان الرأي الراجح في الفقه يسلم بالعرف باإلضافة
بحسبانه قريب الشبه بالعرف المكمل ،فإن هذا االتجاه يذهب إلى عدم التسليم بالعرف المعدل بالحذف.فالنصوص
الدستورية ال يمكن أن تسقط بعدم االستعمال فترة من الزمن وإن طالت .فمثل هذا العرف يصعب التسليم بوجوده في
دستور مكتوب جامد ينص على إجراءات معينة لتعديله .ومن ثم ال يجوز تعديله أو إلغاء أحكامه إال عن طريق هذه
اإلجراءات .وعدم تطبيق النص ال يعد دليال على إلغاء حكمه فليس من المبادئ القانونية أو من المنطق القانوني ما
يقضي بذلك.
اختلف الفقة في تحديد القيمة القانونية للعرف .هل يأخذ مرتبة النصوص الدستورية أم يعولها في البناء القانوني في
الدولة .أم أنه مساو للقانون العادي في القيمة القانونية .ذهب البعض إلى أن العرف الدستوري له قيمة تعلو على قيمة
النصوص الدستورية Supra- Constitutionnelleويستوي ذلك أن ينشأ في ظل دستور مرن أو دستور
جامد .واألخذ بهذا الرأي يترتب عليه نتائج شاذة منها :أن القواعد العرفية تستطيع تعديل النصوص الدستورية
6
المكتوبة والعكس غير صحيح .إذ أن السلطة التاسيسية ال تستطيع تعديل القواعد العرفية .كما أنه يؤدي من الناحية
السياسية إلى تحجير األوضاع السياسية والدستورية للجماعة ألنها تغل يد أي سلطة في الدولة عن مراجعة وتعديل
العرف الدستوري .مادامت له قوة قانونية أعلى من قوة كل ما يصدر عن السلطة التأسيسية من نصوص .وعلى
خالف الرأي السابق ،يذهب البعض إلى أن العرف الدستوري المفسر يأخذ مرتبة النص الدستوري المكتوب الذي نشأ
في ظله .أما أنواع العرف األخرى فتأخذ مرتبة القانون العادي .وسبب هذه التفرقة أن العرف الدستوري المفسر ال
ينشئ قاعدة دستورية جديدة على خالف األنواع األخرى.
المصادر والمراجع
د.رمضان محمد بطيخ ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،الدار المحمدية للطباعة ،مصر.2015 ،
د .طعيمة الجرف ،نظرية الدولة والمبادئ العامة لألنظمة السياسية ونظم الحكم ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية،
.1987
د .رمزي طه الشاعر ،النظرية العامة للقانون الدستوري ،دار النهضة العريبية ،مصر .1983 ،د .ثروت بدوي،
القانون الدستوري وتطور األنظمة الدستورية في مصر،دار النهضة العربية ،القاهرة.1969 ،
د.جابر جاد نصار ،الوسيط في القانون الدستوري ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع.1998 ،
6