Professional Documents
Culture Documents
فعّالية التلقي في نظر عبد القاهر الجرجاني
فعّالية التلقي في نظر عبد القاهر الجرجاني
strength of the text’s relationship with its context and the recipient’s
experience and its aesthetic taste, so the news will not be delivered to
him confirming that he is free of mind, or without confirmation if he
denies what he hears, and on His denial position is the degree of
assertion and his strength by means Used in the Arabic style,
Key words Receive - Receiver - Abdul Qahir Al - Jarjani -
Creativity - The aesthetic - Affected Technical and creative texts.
*** *** ***
مقدمة :
ُ ّ
تعد نظرية التلقي من النظريات األدبية املعاصرة التي تعنى بالتداول للنصوص
األدبيةّ ،
وتقبلها وتبيان املشاركة الفعالة بين النص الذي أنشأه املبدع والقارئ املتلقي،
وتركز ّّ
جل اهتمامها على ما يتركه العمل األدبي من آثار شعورية ووقع جمالي في نفس
ّ
املتلقي ،فالعمل األدبي ال تكتمل حياته وحركته اإلبداعية إال عن طريق القراءة وإعادة
ّ ّ اإلنتاج من جديدّ ،
استمر األدب في ألن املؤلف ما هو إال قارئ ألعمال سبقته فلوال ذلك ملا
التطور.
ّ
وإذا ما نظرنا في تراثنا العربي نجد أن التلقي ظاهر من خالل قاعدة بالغية معروفة
ّ
وهي مطابقة الكالم ملقتض ى الحال ،وهذا يعكس توطد عالقة النص بخبرة املتلقي وذوقه
الجمالي ،فقد كان النقد العربي بكل مصادره ومعارفه ووسائله املتعددة في التعامل مع
ضروب الكالم أكثر التزاما بطبيعة العالقة بين النص وأحوال املتلقي ،وعبد القاهر
الجرجاني واحد من اللذين كان لهم اهتمام واسع باملتلقي ،ويظهر ذلك في كتابيه " أسرار
البالغة" و" دالئل اإلعجاز" ،وبحثه البالغي " ّإنما كان بحثا في خبايا النفس اإلنسانية وما
تأنس إليه وما تنفر منه ،وما يبعث فيها األريحية ،وما يثير فيها الوحشة واالضطراب ".1
لذلك سيحاول هذا املقال التعريف بنظرة عبد القاهر الجرجاني إلى التلقي وما يحيط
به معتمدا على املنهج الوصفي التحليلي ،فكيف نظر عبد القاهر الجرجاني إلى التلقي ؟
وما املفاهيم التي أعطاها لذلك؟
لقد كان النقد العربي بكل مصادره ومعارفه ووسائله املتعددة في التعامل مع ضروب
ّ
الكالم أكثر التزاما بطبيعة العالقة بين النص وأحوال املتلقي ،فال ُيلقى إليه الخبر مؤكدا
68
فعالية التلقي في نظرعبد القاهر الجرجاني
إن كان خالي الذهن ،وال خاليا من التأكيد ْ
إن كان ُمنكرا ملا يسمع ،وعلى موقفه اإلنكاري ْ
تكون درجة التأكيد وقوته بالوسائل املستخدمة في األسلوب العربي ،ولذلك ّ
اهتم الفكر
العربي بمنازل املخاطبين وأقدارهم االجتماعية في النص الخطابي وكذا باألحوال النفسية
للمتلقي .
ّ
هذا وغيره يؤكد ّ
أن علماء العرب وعبد القاهر الجرجاني واحد منهم كان لهم اهتمام
بقضايا التلقي فبلغوا في بحث مشكالته وقضاياه ما لم يبلغه علماء اللغات األخرى في
ّ
العصور املتعاقبة ،فكان لهم آراء وأفكار ومناهج تؤكد اجتهاداتهم الواضحة وخصوصيتهم
املنفردة رغم ما لقيته من إجحاف من لدن الدراسات الغربية .
فاملتأمل في كتابي الجرجاني يرى ما يلي :
_ 1يعتمد في كتابيه أسلوبا خاصا به فهو يحاور ويخاطب ويسائل ويناقش ويحاجج ّ
وكأنه
متلق حاذق يود منه أن يصل معه إلى أعماق نصوصه فيسبر كنهها ويذوق يتحدث مع ٍ
حالوتها ،ويظهر ذلك من خالل توظيفه لكاف الخطاب وتكراره للعبارات اآلتية ( :اعلم ّأن
أن تتكلف هذا في كل موضع ( ،)... أن ال وجه ههنا ( ،)...وليس من حقك ْ ( ،)...فأنت تعلم ْ
كأنك تقول ْ ( ،)...إن قال قائل... :حتى ّ ْ
فإن قلت ...قيل ( ،)...فإن قلت...:فالجواب ( ،)...
وينبغي أن تعلم ( ،)...وإذ قد تبين لك املنهاج في الفرق...فاعلم ّأنه ( ،)...فإن قلت ...:فأنا
أقول .)... :
ومن األمثلة على ذلك قوله في " أسرارالبالغة " " :واعلم أن غرض ي في هذا الكالم الذي
أتوصل إلى بيان أمر املعاني كيف تختلف وتتفق ،ومن ابتدأته ،واألساس الذي وضعته ،أن ّ
اعها ،وأبين أحوالها في وم َش َ وأتتبع ّ
خاصها ُ وأنواعهاّ ، أين تجتمع وتفترق ،وأفصل أجناسها ْ
ُ ُّ
صابه ،وق ْرب َر ِح ِمها منه ،أو ُبعدها حين ُتنسب عنه، وتمك َنها في ِن َ كرم َم ْنصبها من العقل،
امللصق بالقوم ال يقبلونه ،وال يمتعضون َ الن َس َب ،أو َّ
الزنيم
ي ى َّ
الجار مجر َوك ْونها َ
كالح ِليف
ِ ِ
ْ َ َّ َ ْ ُ
َ ُّ
أمر "النظم" له وال يذبون دونه" ،وفي "دالئل اإلعجاز " يقول ِ " :وإذ قد عرفت أن مدار ِ
2
َ َ ْ َ الوجوه ُ
الفروق أنفاعلم َّ
ْ والفروق التي من شأنها أ ْن تكون فيه، ِ
على َمعاني النحو ،وعلى ُ
َْ ً ُ ٌ ٌ
اعل ْم ْأن ليس لها غاية تقف عندها ،ونهاية ال تجد لهال ازديادا َب ْعدها ثم كثيرة َ َ
والوجوه
حيث هي على اإلطالقْ ، ُ ُْ ُ
بسبب املعاني
ِ
ُ
تعرض ولكن ِ وم ْن
بواجبة لها في أنف ِسهاِ ،
ٍ ليست املزية
ِ
70
فعالية التلقي في نظرعبد القاهر الجرجاني
ُ َ ُّ َ ْ َ َ ْ َ
ليانها ...وبات على النار الندى واملحلق صط ِ تشب ِملقرورين ي
ُ َ
النفس ،ثم ال يكون ذاكُ وأنكرْته
َ معلوم أن لو قيل" :إلى ضوء نار ُم َت َح ّرقة" ،ل َنبا عنه ْ
الطب ُع ِ ٍ
َ ُ ْ ُ
جهة أنه ال يشبه َ َ ْ ُ ُ ُّ
الغرض وال ِ اإلنكار من أجل القافية وأنها تفسد به ،بل من ِ النبو وذاك
يليق بالحال.8 ".ُ
ص َر اللفظ على وفي موضع آخر يقول عن نصرة اللفظ على حساب املعنى " :فمن َن َ
مظنة االستكراه ،وفيه املعنى كان كمن أزال الش يء عن ج َهته ،وأحاله عن طبيعته ،وذلك ّ
ِ
للش ْين" . 9 ض َّ عر ُ َف ْتح أبواب العيبَّ ،
والت ُّ
– 1مفاهيم التلقي في نظرعبد القاهرالجرجاني :
ّ
ويتمعن في مضامينهما من يقرأ كتابيه " أسرار البالغة" و" دالئل اإلعجاز" ّ
ويتأمل فيهما
يجد ّأنه أعطى للتلقي مفاهيم أهمها :
1 – 1التلقي عبارة عن إبداع ،إذ نجده في أحيان كثيرة يجعل للمتلقي مواصفات تكاد
تتعادل مع املواصفات اإلبداعية ويمنحه حقوقا ال يقل ّ
عما منحه للمبدع ،فقد جعل
اإلبداع الفني وصفا مشتركا بين منتج النص ومستقبله ، 10لذلك كان الوصول إلى املتعة
الجمالية والفنية التي تصيب نفس املتلقي ثمرة الجهد املبذول والفكر الدقيق وهذا واضح
في قوله " :وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله ،فهل ّ
تشك في
ّ
املشقة الشديدة ،وقطع إليه أن الشاعر الذي ّأداه إليك ،ونشر َب َّزه لديك ،قد ّ
تحمل فيه
الشقة البعيدة ،وأنه لم يصل إلى ُد ّره حتى غاص ،ولم ينل املطلوب حتى َ ُّ
كابد منه االمتناع ِ
واالعتياص " .11
أضف إلى ذلك فقد أعطى للمتلقي شرعية التدخل الصياغي كتقدير املحذوف
والكشف عن األصل الذي عدل عنه التركيب في صورته الجديدة ،ومن ثمة ُيتاح للمتلقي
مشاركة املبدع في تجربته واالندماج فيها ،فيصبح املتلقي في حالة لذة وشوق حينما يتسائل
عن املحذوف وأسرار بالغته ،وفي هذا متعة يصعب تصورها ، 12يقول عبد القاهر
بالس ْحرَ ، األمرٌ ،
شبيه ّ ُ َ ُ ُ َ
فإنك ترى ِ دقيق امل ْسلك ،لطيف املأخذ ،عجيب الجرجاني " :هو ٌ
باب
َ ُ َ َ َ َْ َ ْ الذ ْكرَ ،أ ْف َ َ َ
جد َك أ ْنط َق مالإلفادة ،وت
اإلفادة ،أزيد ِ
ِ
َ
والصمت عن ص َح من الذك ِر، به ت ْرك ِ
ُ ً تكو ُن إذا لم َت ْن ِط ْقَ ،وأ َّ
تم ما تكون بيانا إذا لم تبن " . 13 ِ
2 – 1التلقي هو اجتهاد ،و هذا ظاهر من خالل حرص عبد القاهر الجرجاني على أن
يكون قارؤه منفعال مع النص ومتأثرا به ،لذلك ّ
فإنه يحثه على الطلب واالجتهاد في تحصيل
واجتهاد في انبعاث منك في طلبه، يحصل لك إال بعد ُ املعنى املراد فيقول َّ " :
وبأن املعنى ال
ٍ ٍ
تشك فينيله ،هذا وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله ،فهل ّ
ّ
املشقة الشديدة ،وقطع إليه أن الشاعر الذي ّأداه إليك ،ونشر َب َّزه لديك ،قد ّ
تحمل فيه
الشقة البعيدة ،وأنه لم يصل إلى ُد ّره حتى غاص ،ولم ينل املطلوب حتى َ ُّ
كابد منه االمتناع ِ
درك إال ومعلوم أن الش يء إذا ُعلم أنه لم ُي َنل في أصله إال بعد َّ
التعب ،ولم ُي َ ٌ واالعتياص؛
ْ باحتمال َّ
الن َ
صب ،كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه ،وأخ ِذ الناس بتفخيمه،
َ
ومالقاة الكرب دونه " .14
ِ ما يكون ملباشرة الجهد فيه،
وبهذا يكون القارئ " أمام عالم من الحرية الفكرية في فهم النص املتدفق بالحياة
والعطاء ،وبذلك قد تتقارب القراءات في سبر أبعاد النصوص لكنها ال يمكن أن تتطابق أو
تتوحد ،وهذه سمة النص الجيد الذي يتجدد عطاؤه بتجدد متلقيه ٌّ
كل على قدر ما يحوي
من خبرات فنية وجمالية في تلقي النصوص " . 15
3 – 1التلقي ليس بالعمل اليسير بل يقتض ي النظر بالقلب واالستعانة بالفكر وإعمال
متلق
الروية ومراجعة العقل واالستنجاد بالفهم ،16فتلقي النصوص البيانية مختلف من ٍ
إلى متلق ،فالناس ليسوا على قدر واحد في فهمها وتلقيها ّ
ألن العالية منها فيها " دقائق ٍ
ُ
معان ينفرد بها َ ُ َ ْ ُ
وأسرار طريق العلم بها الروية والفكر ،لطائف مستقاها العقل ،وخصائص ٍ
َ الح ُجب َ
وكشف لهم عنهاُ ،ورفعت ُ ُ ُ ُّ ُ ُ ٌ
بين ُهم وبينها ،3وأنها ِ قوم قد هدوا إليها ،ودلوا عليهاِ ،
ُ بعضا ،وأن َُ يفض َل ُ
ووجب أن ُ َ َّ ُ بب في ْ َّ
الس ُ
الشأو في يبعد بعضه الكالم،
ِ املزية في عرضت
ِ أن
ُ رتقىَّ ، يعلو املُ َ ُ
الغايةَ ،و َ َّ
املطلب " .17 ويعز وتمتد ذلك،
– 2اآلليات الجرجانية في التلقي الفعال:
مما سبق ذكره ُيفهم ّ
أن سبر أغوار النصوص الفنية والوصول إلى املتعة الجمالية التي
ّ
تثيرها يقتض ي أدوات وآليات وجب توفرها في املتلقي وهذا ما أكد عليه عبد القاهر
الجرجاني مرارا في مضامين نصوص كتابيه ،أشهرها ما يلي :
72
فعالية التلقي في نظرعبد القاهر الجرجاني
1 – 2الذوق :
ُيعد الذوق عند الج رجاني أداة مهمة في تقدير العمل الفني واستكناه األبعاد الجمالية
للنصوص ،ومن ثمة يكون املتلقي قادرا على االنفعال معها والتأثر بها ،وقد " يقترن في
خطاب عبد القاهر الجرجاني النقدي بالطبع ،وقد يرادف هذا األخير في الخطاب ذاته
فيفهم من هذا تداخل املصطلحي ن ،وتناوب أحدهما مناب اآلخر ،األمر الذي يعني – األول ُ
ّ
بداهة -تالقي الداللة لكل منهما ،ويعني – ببداهة أشدّ -أن الحديث عن الذوق ال ُيفهم إال
ّ
أن الحديث عن الطبع ال ُيفهم هو اآلخر إال على ّأنه
على ّأنه حديث عن الطبع تماما كما ّ
حديث عن الذوق " . 18
فبالذوق أو الطبع يتمكن املتلقي من التعايش مع النص والحصول على املتعة
ّ
الجمالية والبيانية التي يثيرها في النفس ،فمن البيان ما يخفى موضعه فال يبين إال " إذا
س،
َْ َّ َ ْ َْ َّ ً ّ
املتصفح للكالم حساسا ،يعرف وحي طبع الشعر ،وخفي حركته التي هي كالخل ِ ِ كان
َ
الن ْفس ،19 ".وفي أحيان كثيرة يطوي في أعماقه على خفايا ودقائق " ال
الن ْفس في ّ
ِ
وك َم ْس َرى ّ
يبصرها إال ذوو األذهان الصافية ،والعقول النافذة ،والطباع السليمة ،والنفوس
صل الخطاب ".20الحكمة ،وتعرف َف ْ
َ َ َّ
املستعدة ألن ت ِع َي
ومن ثمة فالذوق هو أول شروط التلقي وبدونه لن يتأثر املتلقي بالنص ولن تتجاوب
نفسه مع الرؤى الجمالية التي يفيض بها .
2– 2اإلطارالثقافي :
من الضروري أن يكون املتلقي مالكا إلطار ثقافي معين ،وقد أواله الجرجاني أهمية
ّ
ملحوظة باعتباره أداة الزمة للتلقي إال ّأنه لم يستخدم " مصطلح الثقافة ال في أسرار
البالغة وال في دالئل اإلعجاز ،ولكن يستخدم ما يكون بديال لها .بعبارة أخرى ّ
فإنه
يستخدم من املصطلحات ما يتصل بنحو ما بمصطلح الثقافة كاملدارسة والعلم وغيرهما ،
بل ّ
إن ما يطويه الرجل تحت هذه شبيه بما ينطوي تحت مصطلح الثقافة 21 ".
لذلك نرى الجرجاني في مواضع كثيرة يذكر الذوق واملعرفة بشكل متالزم فيقول " :
َ ً ً
موقعا من السامع ،وال َي ُ َ ُ ْ
جد لديه قبوال ،حتى ِِ يصادف القول في هذا ِ
الباب ِ واعلم أنه ال
فالذوق إذن عند الجرجاني غير كاف " لتلق النصوص البيانية ما لم يضف إلى ذلك
ألن هناك معرفة وثقافة تمكنه من سبر األفاق الجمالية التي تفيض بها النصوص الفنية ّ ،
أبعادا غامضة ودقيقة ال يكشفها الذوق السليم بمفرده ما لم يكن مزودا بهذه املعرفة التي
تجعله قادرا على اإلحساس باملتعة الجمالية التي تثيرها تلك النصوص ،وعندها تشعر
النفس املتلقية باللذة التي تعقب هذه الرحلة املضنية واملمتعة في التلقي ،لذلك البد أن
يكون املتذوق صاحب ثقافة لغوية راسخة تقف على أسرار الكالم وتسبر أغواره حتى ال
يكون صاحبه عاملا في ظاهر مقلد " .24
3 – 2الدربة :
حرص عبد القاهر في كتابيه على " الرياضة " و" إدمان قرع العلم " وضرورة توفرهما
عند املتلقي وأهميتهما في نقل املعرفة والثقافة بقوانينها وقواعدها من إطارها النظري إلى
إطارها التطبيقي ،ونجد ذلك عند توقف الجرجاني عند فعل " الرياضة ط وما يحدثه
ً اال تياض على الشاعر والناقد فيقول ّ " :
وإنك ال تكاد تجد شاعرا يعطيك في املعاني ر
ُ ّ
الدقيقة من التسهيل والتقريب ،ورد البعيد إلى املألوف القريب ،ما ي ْعطي البحتر ُّي ،ويبلغ في
َ َ ُْ َ َ َ
إعناق األرن رياضة املاهر ،حتى ُي ْع ِنق من تحتكهذا الباب مبلغه ،فإنه ليروض لك املهر ِ
َّ َّ
وينز َع من ِش َماس الصعب الجامح ،حتى يلين لك ِل َين املنقاد الطيع ". 25
القارح املذللِ ،ِ
وفي موضع آخر ينقل عن الجاحظ ما له عالقة بإدمان قرع العلم وإعادة الفكر والنظر
الدربة فيقول " :وقال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في ،وكل ذلك تأكيد على أهمية ُّ
وأكل َّ ُ َ ْ َّ ّ َُ ُّ
الفكر والنظر من الفضيلة :وأين تقع لذة البهيمة بالعلوفة ،ولذة السبع بلطع الدم ِ
اللحم ،من سرور الظفر باألعداء ،ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعهَ ،وب ْع ُد ،فإذا
والس َداد،
الرماة في اإلبعاد ّ بات لجري الجيادُ ،ون ِصبت األهداف لتعرف فضل ُّ الح َل ُ
ُم ّدت َ
ُ َ ُ
الفكر وال ّروية تمتحن قواها في تعاطيه ،هو ِ فرهان العقول التي تستبق ،و ِنضالها الذي ِ
والقياس واالستنباط" ، 26فهذان النصان يؤكدان على فاعلية الدربة واملمارسة ،فبدونهما
ّ
لن يتمكن املتلقي من التمرس مع دقائق النصوص وما تنطوي عليها من أسرار .
74
فعالية التلقي في نظرعبد القاهر الجرجاني
4 – 2التأمل :
يلح عبد القاهر في مواضع عديدة على التأمل ،فهو أحد سمات االستجابة الجمالية
عنده ويدخل في وظائف الفكر بل هو فعل التفكير في حد ذاته ،يقصد به " التفكير
الجديد في نص أو فكرة شعرية انتهى الفكر من تشكيلها ،وهو إذ يتناولها بعد ذلك فمن
حيث عالقات أجزائها بعضها ببعض ،ثم عالقتها بالذات نفسها ،بعد ذلك يروق لنا النص
،ونرى من " الظرف" و " االستحسان " و " األريحية " ،و " األنس " ،ويتولد االنفعال
الجمالي ،ونحس باملتعة واألريحية التي يولدها تأمل القدرة الفنية لهذا الش يء املصنوع في
صورته التي يبدو فيها كمال صتعنه الحية " . 27
ويظهر ذلك على سبيل التمثيل عند حديثه عن شواهد الجمع بين املتباعدات فيقول " :
وتأم ْل كيف حصل االئتالف ،وكيف جاء من جمع أحدهما إلى اآلخر ،ما كرر النظر َّ
ثم ّ ِ ِ
ْ ْ َ
اجع فكرتك ،واش َحذ
ويحمده الطبع؟ " ، 28وفي موضع آخر يقول " :ثم ر ْ ْيأ َنس إليه العقل َ
التجوز في الرأي ،ثم انظر هل ُ
ُّ وأحسن ُّ َ
تجد الستحسانهم التأمل ،ودع عنك ِ ِ بصيرتك،
َ َ ُْ َ ً ّ وح ْمدهم َوثنائهم َ َ
موقعها ،وأصابت غ َرضها ،أو استعارة وقعت
ٍ ص َرفا ،إال إلى ومدحهم من
وصل املعنى إلى القلب مع وصول اللفظ إلى السمع، َ ُ
البيان حتى َ
تكامل معه ُحسن ترتيب
واستقر في الفهم مع وقوع العبارة في األذن ،وإال إلى سالمة الكالم من الحشو غير املفيد، َّ
َ َ َ
ّ
الطفيلي املقصودة مداخلة والفضل الذي هو كالزيادة في التحديد ،وش ٍيء داخ َل املعاني
وسالمته من التقصير الذي َي ْف َت ِقر معه
ِ واألجنبي الذي ُيكره ُحضوره،
ّ ُ
مكانه، الذي يستثقل
ُّ َ َ
زيادة بقيت في نفس املتكلم " ،29فمراجعة الفكر والتأمل والبصيرة كلها السام ُع إلى تطلب ٍِ
تعين املتلقي في تقييمه الجمالي لألشياء .
5 –2املتلقي وموضوعية الجمال :
ّ
تجد عبد القاهر في مواطن كثيرة من كتابيه ال يكتفي فقط بالتأثر بالنصوص الفنية
ومعرفة مكان الجمال فيها بل يكون موضوعيا فيها وذلك بالبحث عن أسبابه وعلله ،
فالتأثر واالنفعال مع النصوص أمر تتطلبه عملية التلقي ،لكنه ال يكتفي بذلك فقط ّ
وإنما
البد من التفاعل مع جوهر النصوص ومعرفة عاملها الداخلي وأسراره والبحث عن أسباب
ذلك جماليتها .
76
فعالية التلقي في نظرعبد القاهر الجرجاني
✓ التلقي في نظره إبداع واجتهاد وليس بالعمل اليسير ّ
ألنه يقتض ي النظر بالقلب
الروية ومراجعة العقل واالستنجاد بالفهم .واالستعانة بالفكر وإعمال ّ
ضمن عبد القاهر نصوص كتابيه " أسرار البالغة " و " دالئل اإلعجاز " مجموعة✓ ّ
من األدوات واملقومات الواجب توفرها في املتلقي حتى يكون قادرا على التجاوب
مع النصوص الفنية واإلبداعية والتفاعل معها والحصول على ما يثيره من متعة
ولذة وجمالية ،وهذه اآلليات أشهرها :
* الذوق
* اإلطار الثقافي
* ّ
الدربة
* التأمل
* موضوعية الجمال
الهوامش :
1عبد هللا عبد الرحمن أحمد بانقيب :البالغة واألثرالنفس ي دراسة في تراث عبد القاهرالجرجاني ( رسالة
لنيل شهادة املاجستير) ،كلية اللغة العربية ،جامعة أم القرى ، 2002 ،ص14
2عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،داراملدني ،جدة ،ط1991 ، 1م ،ص26
3
عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز ،ص87
4
ينظر :عبد القاهر الجرجاني :أسرا ر البالغة ،ص 19و121و128و ، 129و عبد القاهر الجرجاني :دالئل
اإلعجاز ،ص 46و47و85و132و286
5
عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص90و91
6
عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز ،ص84و85
7
ينظر :عبد القاهر الجرجاني :أسرا ر البالغة ،ص8و ، 14وأيضا عبد القاهر الجرجاني :دالئل اإلعجاز
،ص47و151
8عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز،ص176
9عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص8
10ينظر :محمد عبد املطلب :قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني ،مكتبة لبنان ،بيروت ،ط1999 ،1م،
ص249
11
عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص145
12
ينظر :عبد هللا عبد الرحمن أحمد بانقيب :البالغة واألثر النفس ي دراسة في تراث عبد القاهر الجرجاني ،
ص198و199
13
عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز ،ص146
14
عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص145
15
عبد هللا عبد الرحمن أحمد بانقيب :البالغة واألثرالنفس ي دراسة في تراث عبد القاهرالجرجاني ،ص201
16
ينظر :عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز ،ص64
17
املصدرنفسه ،ص7
18
قاسم املومني " :أداة الناقد :دراسة في املوروث النقدي" ،مجلة جامعة امللك سعود ،الرياض ،الجلد
الخامس1993 ،م ،ص52
19
عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص306
20
املصدر نفسه ،ص 66
21
قاسم املومني " :أداة الناقد :دراسة في املوروث النقدي ،ص67
22
عبد القاهرالجرجاني :دالئل اإلعجاز ،ص291
23
املصدرنفسه ،ص 303
24
عبد هللا عبد الرحمن أحمد بانقيب :البالغة واألثرالنفس ي دراسة في تراث عبد القاهرالجرجاني ،ص 213
25عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص146
26املصدر نفسه ،ص 147و148
27عبد هللا عبد الرحمن أحمد بانقيب :البالغة واألثرالنفس ي دراسة في تراث عبد القاهرالجرجاني ،ص217
28
عبد القاهرالجرجاني :أسرا رالبالغة ،ص134
29
املصدر نفسه ،ص 64
30
سالم عباس خدادة ":النص وتجليات التلقي " ،حوليات اآلداب والعلم االجتماعية ،الكويت ،العدد، 20
1999و ، 2000ص 45
ليلى عبد الرحمن الحاج :الذوق األدبي في النقد القديم ( ،رسالة لنيل شهادة املاجستير) ،جامعة أم القرى 31
78