Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 536

‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي‬

‫دراسة في فتاوى القطيعة‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي‬
‫دراسة في فتاوى القطيعة‬

‫المجلـد الثاني من الـكتـاب‬

‫الشيخ حسين الخشن‬


‫المحتويات‬

‫‪7......................‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬درا�سة تف�صيلية في فتاوى القطيعة‬


‫المحور األول‪ :‬الفتاوى التي تنتهك كرامة اآلخر وشخصيته المعنوية ‪11....................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬سب اآلخر المذهبي ‪13.....................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬غيبة المسلم اآلخر ‪72.......................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬لعن اآلخر‪119...............................................................‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬األهلية الدينية لآلخر المذهبي ‪181..........................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬شرط اإلمامية في إمام الجماعة‪183...........................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شرط اإلمامية في األذان‪235..................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬شرط اإلمامية في تغسيل الميت ‪245.........................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الصالة على غير اإلمامي ‪268.................................................‬‬
‫المحور الثالث‪317.........................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬شرط اإلمامية في الشاهد‪319.................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شرط اإلمامية في المفتي ‪349.................................................‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬شرط اإلمامية في مصرفي الزكاة والهدي‪375................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬شرط اإلمامية في مصرف الزكاة‪377..........................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬شرط اإلمامية في مصرف الهدي ‪403.........................................‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬اشتراط اإلمامية في الذابح ‪413...........................................‬‬
‫المحور السادس‪ :‬شرط اإلمامية في الزواج ‪433.............................................‬‬
‫‪453.............................................................‬‬ ‫المالحق‬
‫الملحق رقم (‪ :)1‬وقفة حول وثاقة النوفلي ‪455.............................................‬‬
‫الملحق رقم (‪ :)2‬ال ّثواب والعقاب‪ :‬ضوابط ومعايير‪ :‬دراسة نقدية في‬
‫المبالغات لروائية ‪458......................................................................‬‬
‫الملحق رقم (‪ :)3‬حديث «تخ ّلقوا بأخالق الله» ‪481........................................‬‬
‫الملحق رقم (‪ :)4‬حديث الصادق ‪« :‬ولدني أبو بكر مرتين» ‪484.........................‬‬
‫الملحق رقم (‪ :)5‬دراسة سند زيارة عاشوراء المروية في مصباح الشيخ ‪486.................‬‬
‫فوائد علمية‪503..........................................................‬‬
‫‪509.............................................‬‬ ‫فهر�س الم�صادر والمراجع‬
‫الباب الثالث‬

‫درا�سة تف�صيلية في فتاوى القطيعة‬


‫في هذا الباب ندخل منعطف ًا هام ًا للغاية‪ ،‬ونستطيع القول‪ :‬إننا ندخل في صلب‬
‫الموضوع الذي عقدت له هذه البحوث ألجله‪ ،‬عنيت بذلك الدخول في دراسة تفصيلية‬
‫لما يمكن تسميته فتاوى القطيعة‪ .‬وهي ‪ -‬في العموم ‪ -‬فتاوى تنتشر في الكثير من األبواب‬
‫الفقهية‪ ،‬وسنحاول أن نستعرضها جميع ًا‪ ،‬وربما زاغ بعضها عن البصر بيد ّ‬
‫أن ما سنذكره‬
‫في هذا الباب وبمالحظة ما تقدم في البابين السابقين سيوضح األمر في الفروع األخرى‪،‬‬
‫فإن األدلة في العديد من الفروع تبدو متشابهة‪ ،‬حيث يتم االعتماد على قواعد عامة‬ ‫ّ‬
‫ومطلقات معينة‪.‬‬
‫والمحاور التي سيتم تناولها بالدرس في هذا الباب هي التالية‪:‬‬
‫المحور األول‪ :‬ما يتصل بكرامة اآلخر وحرمته المعنوية‪ ،‬وتندرج هنا عدة عناوين‪:‬‬
‫سب اآلخر في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪--1‬حكم ّ‬
‫‪--2‬حكم غيبة اآلخر المذهبي‪.‬‬
‫‪--3‬حكم لعن اآلخر المذهبي‪.‬‬
‫‪--4‬حكم تغسيل اآلخر واحترام جسده ميت ًا‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬ما يتصل باألهلية الدينية لآلخر‪ ،‬ويندرج هنا‪:‬‬
‫‪--1‬حكم الصالة خلف اآلخر المذهبي‪.‬‬
‫‪--2‬حكم االكتفاء بأذانه‪.‬‬
‫‪--3‬حكم االكتفاء بصالته على أموات المسلمين من أتباع مدرسة أهل البيت ‪ ،‬ويلحق‬
‫به حكم الصالة عليه‪ ،‬أعني على الميت غير اإلمامي‪.‬‬
‫‪--4‬حكم توكيله أو استنابته في أداء فريضة الحج أو في الصالة الفائتة عن الميت الموالي‬
‫ألهل البيت ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪10‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬األهلية القانونية واإلدارية لآلخر‪ ،‬ونتناول هنا بالتحديد‪:‬‬
‫‪--1‬شرط اإليمان في الشاهد‪.‬‬
‫‪--2‬دراسة شرط اإليمان في كل من المفتي والقاضي‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬ما يتصل بالمسؤولية الملقاة على الحاكم أو مطلق المكلف اإلمامي‬
‫تجاه الفقراء من الطوائف اإلسالمية األخرى‪ ،‬وتوزيع الثروات المالية لألمة‪ ،‬ويندرج في‬
‫هذا المحور ما يذكر من شرط اإليمان في مستحق الزكاة وعدم إعطائها لآلخر‪.‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬ما يتصل بانتظام سوق المسلمين‪ ،‬ويندرج في هذا الباب الفتوى‬
‫التي تنص على شرط اإليمان في الذابح‪.‬‬
‫المحور السادس‪ :‬ما يتصل باألهلية أو الكفاءة في العالقة الزوجية حيث سندرس‬
‫شرط اإلمامية في الزواج‪.‬‬
‫المحور الأول‬

‫الفتاوى التي تنتهك كرامة الآخر و�شخ�صيته المعنوية‬

‫أن حرمة اآلخر في نفسه وماله هي من الثوابت الشرعية‬‫يكاد الفقه الشيعي يجمع على ّ‬
‫والدينية‪ ،‬فحرمة النفس والمال والفروج‪ ،‬هي من القضايا التي استقر عليها هذا الفقه‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬النقطة الوحيدة المستثناة من هذه القاعدة هي مسألة العرض‪ ،‬بمعنى الحق‬
‫المعنوي المانع من غيبة اآلخر وس ّبه ولعنه‪ ،‬وسوف نتناول ذلك من خالل الفصول الثالثة‬
‫التالية‪:‬‬
‫سب اآلخر‬
‫الفصل األول‪ّ :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬غيبة المسلم اآلخر‬
‫الفصل الثالث‪ :‬لعن اآلخر‬
‫الف�صل الأول‬

‫�سب الآخر المذهبي‬

‫المقام األول‪ :‬مفهوم السب‬


‫‪--1‬السب لغة واصطالح ًا‬
‫‪--2‬تحقيق الحال في مفهوم السب‬
‫‪--3‬النسبة بين السب والغيبة‬
‫المقام الثاني‪ :‬حكم السب‬
‫‪--1‬سب المؤمن الشيعي‬
‫سب المسلم أي ًا كان مذهبه‪.‬‬
‫‪ّ --2‬‬
‫سب اإلنسان غير المسلم‪.‬‬
‫‪ّ --3‬‬
‫‪--4‬سب األموات‬
‫‪--5‬سب مقدسات اآلخرين‪.‬‬
‫‪--6‬سب الحيوان والزمان والدنيا‬

‫تفشي ظاهرة السب!‬


‫السب هو من السلوك ّيات المستقبحة ورذائل األخالق‬ ‫أن ّ‬‫قد ال يختلف اثنان في ّ‬
‫يتنزه عنها ذوو المروءة وأولو األلباب‪ ،‬وإنّما يلجأ إليه ‪ -‬غالب ًا ‪ -‬أراذل الناس‪ ،‬ومع‬
‫التي ّ‬
‫السب هو حالة منتشرة في كثير من األوساط‪ ،‬حيث يلجأ البعض إلى تناول‬ ‫ذلك ّ‬
‫فإن ّ‬
‫اآلخرين بأقذع الشتائم‪ .‬والخطورة عندما يلجأ البعض إلى اعتماد لغة السب في نطاق‬
‫يسب أتباع أو رموز األديان أو المذاهب األخرى‪،‬‬
‫الصراعات الدينية والمذهبية‪ ،‬فيشتم أو ّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪14‬‬
‫تجر إلى فتن خطيرة‪ ،‬وهو ما قد تحول إلى ظاهرة‬
‫بما قد يتسبب بردات فعل كثيرة قد ّ‬
‫السب لبوس ًا شرعي ًا‪.‬‬
‫عامة‪ ،‬ومما يزيد األمر إثارة وحساسية محاولة البعض أن يضفي على ّ‬
‫وقد تناولت هذه الظاهرة بالدراسة في مجال آخر‪ ،‬وتحدثت هناك عن العوامل المساعدة‬
‫على تفشي هذه الظاهرة وسبل معالجتها والموقف اإلسالمي العام منها(((‪ .‬ولكننا في هذا‬
‫الكتاب رأينا أن من الضروري بحث المسألة بحث ًا فقهي ًا استداللي ًا يالحظ ويدرس ويق ّيم‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫سب الغير‪ .‬وسوف نتناول موضوع‬
‫الوجوه واألدلة التي يستند إليها القائلون بجواز ّ‬
‫‪ -‬كما ذكرنا أعاله ‪ -‬من خالل مقامين أساسيين‪:‬‬
‫السب وفي المقام الثاني نتعرض إلى بيان حكم‬
‫ّ‬ ‫في األول منهما نتطرق إلى بيان مفهوم‬
‫السب‪.‬‬

‫المقام الأول‪ :‬بيان مفهوم ال�سب‬


‫السب باعتباره موضوع ًا للحكم الشرعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وفي هذا المقام‪ ،‬نسعى إلى تحديد مفهوم‬
‫ونتعرف على القيود الداخلة في الموضوع والمقومة له‪ ،‬ونتعرف أيض ًا على الفرق بين السب‬
‫والغيبة‪.‬‬

‫‪1 -1‬ال�سب لغة وا�صطالح ًا‬


‫ٍ‬
‫معان‪ ،‬منها‪ :‬الشتم‪ ،‬ومنها القطع‪ ،‬ومنها الخمار‪ ،‬ومنها‬ ‫ب عدّ ة‬
‫للس ّ‬
‫يذكر اللغويون ّ‬
‫العقر‪ ،‬ومنها الحبل‪.‬‬
‫«السب‪ :‬الشتم‪ ،‬وقد س ّبه يسبه‪ .‬وس ّبه أيض ًا بمعنى قطعه‪ .‬وقولهم‪ :‬ما‬
‫يقول الجوهري‪ّ :‬‬
‫رأيته منذ سبة‪ ،‬أي منذ زمن من الدهر‪ ،‬كقولك‪ :‬منذ سنة‪ ،‬ومضت ُس ّبة من الدهر‪ ،‬والسبة‪:‬‬
‫األسب‪ ،‬وسبه يسبه إذا طعنه في السبة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫فسب‬
‫ّ‬ ‫ســـب منهم غالم‬
‫ّ‬ ‫بأن‬ ‫فمـــا كان ذنب بنـــي مالك‬
‫يعني معاقرة غالب وسحيم‪ ،‬فقوله سب‪ :‬شتم‪ ،‬وسب‪ :‬عقر‪ ،‬والتساب‪ :‬التشاتم‪،‬‬
‫والتساب التقاطع‪ ،‬ورجل مسب بكسر الميم كثير السباب‪ ،‬ويقال‪ :‬صار هذا األمر ُس ّبة عليه‬

‫(( ( العقل التكفيري ‪ -‬قراءة في المنهج اإلقصائي‪ ،‬ص ‪.175‬‬


‫‪15‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫والسب‬
‫ّ‬ ‫ب الناس‪...‬‬
‫وس َب َبة أي َي ُّس ُ‬
‫ب به‪ ،‬ورجل ُس َّبة‪ ،‬أي يس ّبه الناس‪ُ ،‬‬ ‫(بالضم) أي عار ًا ُي َس ُّ‬
‫أيض ًا الخمار وكذلك العمامة‪.(((»..‬‬
‫وينقل ابن فارس عن ابن دريد أن أصل السب هو «القطع ثم اشتق منه الشتم»‪ ،‬وأضاف‬
‫ابن فارس‪« :‬وهذا الذي قاله ‪ -‬يقصد ابن دريد ‪ -‬صحيح» ثم يوجه إرجاع بقية المعاني إلى‬
‫القطع‪ ،‬أما الخمار «ألنّه مقطوع من منسجه»‪ ،‬أما الشتم فألنّه «ال قطيعة أقطع من الشتم»‪،‬‬
‫وقولهم‪ :‬مضت سبة من الدهر «أي قطعة منه»‪ ،‬وأما الحبل «فممكن أن يكون شاذ ًا عن األصل‬
‫الذي ذكرناه‪ ،‬ويمكن أن يقال‪ :‬إنه أصل آخر يدل على طول وامتداد‪ ،‬ومن ذلك السبب‪.(((»..‬‬

‫السب والشتم‬
‫ّ‬ ‫الفرق بين‬
‫أن الفرق بين الشتم والسب هو‪ّ :‬‬
‫«أن الشتم‬ ‫ويذكر ابن هالل العسكري (ت‪395 :‬هـ) ّ‬
‫قبح الوجه‪ ،‬ورجل شتيم‪ :‬قبيح الوجه‪،‬‬‫تقبيح أمر المشتوم بالقول‪ ،‬وأصله من الشتامة وهو ُ‬
‫وس ِّمي األسد شتيم ًا لقبح منظره‪ّ ،‬‬
‫والسب هو اإلطناب في الشتم واإلطالة فيه‪ ،‬واشتقاقه من‬ ‫ُ‬
‫وسبيب الفرس شعر ذنبه سمي بذلك‬‫ُ‬ ‫سبيب أيض ًا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫السب وهي الشقة الطويلة‪ ،‬ويقال لها‬ ‫ّ‬
‫لطوله‪ ،‬خالف ال َع ْرف‪ ،‬والسب‪ :‬العمامة الطويلة‪ ،‬فهذا هو األصل فإن استعمل في غير ذلك‬
‫فهو توسع»(((‪.‬‬
‫السب أن يكون أصله من الطول‪ ،‬وهو األصل‬
‫ّ‬ ‫ويالحظ أن ابن هالل اختار في معنى‬
‫الثاني الذي أشار إليه ابن فارس في كالمه السابق‪.‬‬
‫ال واحد ًا وهو القطع‪ ،‬وعودة بقية المعاني‬ ‫السب أص ً‬
‫وما ذكره ابن فارس من اعتبار ّ‬
‫السب قطع ًا واضح‪ ،‬ألنّه يوجب القطيعة بين الناس ويخلق‬ ‫إليه قريب‪ ،‬والوجه في كون ّ‬
‫ويجر إلى التدابر والتناحر‪ .‬وبنا ًء على ما ذكره ابن هالل‬
‫ّ‬ ‫فجوة اجتماع ّية فيما بينهم‪،‬‬
‫السب هو الشتم المتواصل أو المتكرر‪،‬‬ ‫العسكري في التفرقة بين السب والشتم‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫وقد جرى العسكري في ذلك بناء على أصله من منع الترادف في اللغة‪ ،‬وألجله أ ّلف‬
‫كتاب الفروق‪ .‬والظاهر تساوي معنى اللفظين عرف ًا‪.‬‬

‫((( تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬الجوهري‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.144‬‬


‫((( معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 63‬و‪.64‬‬
‫ٍ‬
‫وجزء من كتاب السيد نور الدين‬ ‫العسكري‬ ‫(( ( معجم الفروق اللغوية (الحاوي لكتاب أبي الهالل‬
‫الجزائري)‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪16‬‬
‫السب في االصطالح‬
‫ّ‬
‫السب وتعريفه‪،‬‬ ‫الظاهر أنّه ليس للسب حقيقة شرع ّية‪ ،‬فلم يرد في ٍ‬
‫نص شرعي تفسير ّ‬
‫المشرع بما تحمله من معنى عرفي ولغوي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فيكون حاله حال سائر المفاهيم التي استخدمها‬
‫السب إلى العرف(((‪ .‬والظاهر ّ‬
‫أن أهل العرف يعتبرون في‬ ‫ولذا يكون المرجع في تحديد ّ‬
‫صدق المفهوم أن يستخدم الساب ألفاظ ًا تتضمن إزرا ًء باآلخر ونقص ًا فيه‪.‬‬
‫السب بأن تصف الشيء بما هو إزراء ونقص‪،‬‬
‫قال صاحب مفتاح الكرامة‪« :‬والشتم‪ّ :‬‬
‫السب كل ما يوجب األذى كالقذف والحقير والوضيع والكلب والكافر والمرتد‪،‬‬
‫فيدخل في ّ‬
‫والتعيير بشيء من بالء الله كاألجذم واألبرص»(((‪.‬‬
‫والسب لدى أهل العرف بمعنى واحد‪ ،‬كما يظهر من أهل‬
‫ّ‬ ‫والظاهر ‪ -‬أيض ًا ‪ّ -‬‬
‫أن الشتم‬
‫اللغة وغيرهم(((‪.‬‬
‫يقول السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪« :-‬الظاهر من العرف واللغة اعتبار اإلهانة والتعيير‬
‫السب وكونه تنقيص ًا وإزرا ًء على المسبوب‪ ،‬وأنه متحد مع الشتم‪ ،‬وعلى هذا‬
‫ّ‬ ‫في مفهوم‬
‫فيدخل فيه كل ما يوجب إهانة المسبوب وهتكه كالقذف والتوصيف بالوضيع والالشيء‬
‫والحمار والكلب والخنزير والكافر والمرتد واألبرص واألجذم واألعور وغير ذلك من‬
‫األلفاظ الموجبة للنقص واإلهانة»(((‪.‬‬

‫‪2 -2‬تحقيق الحال في مفهوم ال�سب‬


‫وتحقيق ًا للحال في مفهوم ّ‬
‫السب نقول‪:‬‬
‫السب إلى العرف‪ّ ،‬‬
‫وأن السب والشتم في العرف بمعنى واحد‪.‬‬ ‫‪--1‬قد عرفت ّ‬
‫أن المرجع في ّ‬
‫ٍ‬
‫نقص ومذمة وإهانة‪.‬‬ ‫سب‪ ،‬بل ال بدّ أن يشتمل على‬ ‫ٍ‬
‫‪--2‬ليس كل كالم مؤذ فهو ّ‬

‫راجع‪ :‬كتاب المكاسب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.254‬‬ ‫(( (‬


‫مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.222‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مختار الصحاح للرازي‪ ،‬ص ‪ .152‬وتبناه أيض ًا كثير من األعالم‪ ،‬انظر‪ :‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪،11‬‬ ‫(( (‬
‫عرف السب بالشتم الوجيع‪ ،‬انظر‪ :‬مفردات‬ ‫ص ‪ .21‬وشرح أصول الكافي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .15‬وبعضهم ّ‬
‫الراغب األصفهاني‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.436‬‬ ‫(( (‬
‫‪17‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--3‬أن يكون بقصد الهتك «فال يتحقق مفهومه إال بقصد الهتك»‪ ،‬كما يرى السيد الخوئي(((‪.‬‬
‫‪--4‬والظاهر أنّه ال فرق فيه بين لغة وأخرى‪ ،‬ففي كل لغة يوجد ألفاظ تستخدم للسب والشتم‪.‬‬
‫السب‪ ،‬وال يشترط مواجهة الساب للمسبوب فيتحقق‬ ‫‪--5‬ال يشترط أن يفهم المسبوب ّ‬
‫سب أهل لغة خاصة بلغة أخرى ال يفهمها المسبوب‪،‬‬
‫السب في غيبة المسبوب «حتى لو ّ‬
‫حرم ذلك»(((‪..‬‬
‫وتوضيح ًا للحال في هذه القيود نقول‪ّ :‬‬
‫إن ثالثة منها صحيحة وال غبار عليها‪ ،‬وهي‬
‫األول والثاني والرابع‪ ،‬بينما الثالث والخامس هما موضع بحث وتأمل‪:‬‬
‫السب ‪-‬كما‬ ‫أ ّما القيد األول‪ ،‬فاألمر فيه واضح‪ّ ،‬‬
‫فإن مرجع ّية العرف في معرفة مفهوم ّ‬
‫هو الحال في غيره من المفاهيم التي لم يحدد الشارع معناها‪ -‬تبدو طبيعية‪.‬‬
‫وأ ّما القيد الثاني‪ ،‬فهو سليم‪ ،‬فليس كل كالم يتأذى منه اآلخر فهو سب‪ ،‬فهو قد يتأذى‬
‫من كالم الحق كالنقد أو النصيحة أو النهي عن المنكر وما إلى ذلك‪.‬‬
‫وأ ّما القيد الرابع‪ ،‬فهو واضح‪ ،‬إذ ال وجه إطالق ًا لحصر السب بلغة من اللغات‪ ،‬ففي‬
‫سب بعضهم البعض‪ ،‬كما لهم ألفاظ في‬
‫كل لغة توجد ألفاظ خاصة يستخدمها أهل اللغة في ِّ‬
‫التعبير عن غير ذلك من المعاني‪.‬‬
‫هذا ما يتصل بالقيود المسلمة‪ ،‬ويبقى القيدان اللذان هما موضع بحث وإشكال‪ ،‬وإليك‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫أما القيد الخامس‪ ،‬وهو ما ذكره بعض الفقهاء من ّ‬
‫أن حرمة السب ال تتوقف على أن‬
‫يفهم المسبوب لغة الساب أو ما يقوله‪.‬‬
‫قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن المسبوب إذا لم يفهم لغة الساب فهو لن يتأذى بما يقوله فيه‪ ،‬وال وجه‬
‫حينها للتحريم‪.‬‬
‫ولكن يمكن التعليق على ذلك‪:‬‬
‫الساب فإنّه‬ ‫أوالً‪ :‬إنّه قد يقال بكفاية التأذي التقديري‪ّ ،‬‬
‫فإن المسبوب لو علم وفهم ما قاله ّ‬
‫دون شك سوف يتأذى من ذلك‪ ،‬ومحل الكالم ليس في حرمة اإليذاء ليقال بحمل العناوين‬
‫تقومه بحصول اإليذاء‪.‬‬‫السب‪ ،‬ولم يعلم ّ‬
‫ّ‬ ‫على معانيها الفعلية وليس التقديرية‪ ،‬وإنّما الكالم في‬

‫(( ( انظر‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ص‪.441‬‬


‫(( ( مهذب األحكام في بيان الحالل والحرام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪.97‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪18‬‬
‫السب‪ ،‬وال وجه‬
‫ّ‬ ‫السب على الكالم يجعله مشموالً ألدلة حرمة‬
‫ّ‬ ‫إن صدق مفهوم‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫أن المسبوب لم يفهم أو لم يسمع ما قاله الساب‪ ،‬وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫النصرافها عنه لمجر ّد ّ‬
‫بالسب حتى لو سمعه‪،‬‬
‫السب غير متقوم بتأذي المسبوب‪ ،‬فلو كان المسبوب ال يتأذى ّ‬ ‫مفهوم ّ‬
‫كما هو الحال في بعض الناس السوقيين الذين ال يبالون بما قيل فيهم‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك ال ينفي‬
‫صدق مفهوم السب‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قد يقال بارتفاع حكم السب في حال عدم تأذي المسبوب حتى مع سماعه للسب‪،‬‬
‫سب اآلخر‬ ‫أن المركوز في الذهن ّ‬
‫أن عدم ّ‬ ‫دل على حرمة السب ال يشمل ذلك‪ ،‬باعتبار ّ‬ ‫ألن ما ّ‬
‫ّ‬
‫هو حق من حقوقه‪ ،‬فإذا تنازل عن حقه لم يعد س ّبه حرام ًا‪ ،‬ففي صورة عدم تأذي المسبوب‬
‫فإن ذلك يوجب ارتفاع حكم السب ال موضوعه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اللهم ّإل أن يقال‪ :‬إنّه ليس لإلنسان أن يتنازل عما يتصل بكرامته وحرمته‪ ،‬وسيأتي‬
‫بحث ذلك الحق ًا‪.‬‬
‫إن أخذ هذا القيد‬ ‫تقوم مفهوم السب بقصد الهتك‪ ،‬فإنّه قد يقال‪ّ :‬‬ ‫وأما القيد الثالث‪ ،‬وهو ّ‬
‫إن منصرف‬ ‫ال وجه له‪ ،‬إال أن يجري فيه ما ذكرناه قبل قليل في تأذي المسبوب‪ ،‬بأن يقال‪ّ :‬‬
‫السب إلى صورة ما لو كان بقصد الهتك‪ ،‬ما يجعل قصد الهتك قيد ًا في الحكم‬ ‫ّ‬ ‫أدلة حرمة‬
‫فالسب متحقق وصادق سواء قصد الساب هتك حرمة اآلخر أو لم يقصد‬ ‫ال في الموضوع‪ّ ،‬‬
‫ذلك ولم يكن في هذا الصدد‪ ،‬كما لو كان بصدد توصيف الحال لغرض من األغراض‪.‬‬
‫السب موضوع ًا بقصد التنقيص غير بعيد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تقوم‬ ‫ولكن اإلنصاف ّ‬
‫أن ما ذكره السيد الخوئي من ّ‬
‫وهذا ما يشهد به العرف‪ ،‬فإنه لو قال أحدهم عن آخر فالن األعرج فال يكون ذلك س ّب ًا إال إذا‬
‫أراد التعيير والتنقيص أما لو أراد توصيف الحال فال يعدّ ذلك س ّب ًا‪.‬‬

‫‪3 -3‬الن�سبة بين ال�سبّ والغيبة‬


‫السب والغيبة يوجد رأيان‪:‬‬
‫في تحديد النسبة بين ّ‬
‫أن النسبة هي التباين‪ ،‬وهو ما اختاره المحقق األيرواني في حاشيته على‬ ‫الرأي األول‪ّ :‬‬
‫السب هو ما كان بقصد اإلنشاء‪ ،‬وأ ّما الغيبة فجملة‬ ‫المكاسب‪ ،‬قال‪« :‬النسبة هي التباين‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫خبرية‪ ،‬نعم من حيث المواجهة عام وال يعتبر في قصد اإلنشاء المواجهة»(((‪.‬‬

‫(( ( حاشية كتاب المكاسب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.167‬‬


‫‪19‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ور ّده السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ -‬قائالً‪« :‬إنه ال دليل على هذه التفرقة‪ّ ،‬‬
‫فإن ك ً‬
‫ال منهما‬
‫يتحقق بكل من اإلنشاء واإلخبار»(((‪.‬‬
‫السب باإلنشاء فواضح‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬يا وضيع‪ ،‬يا حقير ونظائر ذلك‪،‬‬‫أقول‪ :‬أ ّما تحقق ّ‬
‫وكذلك تحققه بالخبر كأن يقول‪« :‬فالن حقير‪ ،‬وضيع‪ ،»..‬أما الغيبة فتحققها باإلخبار واضح‪،‬‬
‫كما لو تحدّ ث في غيبة الشخص فقال‪ :‬فالن سارق أو كاذب‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫يتوجه إلى السيد الخوئي رحمه الله أنّه كيف تتحقق الغيبة باإلنشاء؟‬
‫ولكن السؤال الذي ّ‬
‫فإن معنى الغيبة هو أن يذكر اإلنسان في غيبته بعيب موجود فيه‪ ،‬فهي‬ ‫إنّه أمر غير مفهوم‪ّ ،‬‬
‫إن اإلنشاء هو إيجاد المعنى باللفظ وهو ال يقبل االتصاف‬ ‫حكاية وإخبار‪ .‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫يتم إيجاده باللفظ‪ ،‬كما‬
‫بالصدق أو الكذب‪ ،‬ومن الواضح أنّه بالغيبة ُيحكى عن العيب وال ّ‬
‫أن الغيبة يصح وصفها بالصدق أو الكذب‪.‬‬
‫ثم إنّه وبصرف النظر عن ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن كالم المحقق األيرواني غير تام‪ ،‬ألن السب كما‬ ‫ّ‬
‫يتحقق باإلنشاء‪ ،‬فإنه يتحقق بالخبر كما ذكرنا‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪ّ :‬‬
‫أن النسبة بينهما هي العموم من وجه‪ ،‬قال الشيخ األنصاري‪« :‬ثم الظاهر‬
‫السب مواجهة المسبوب‪ ،‬نعم يعتبر فيه قصد اإلهانة والنقص‪ ،‬فالنسبة‬
‫ّ‬ ‫أنّه ال يعتبر في صدق‬
‫بينه وبين الغيبة عموم من وجه»(((‪.‬‬
‫وهذا هو األرجح والذي يساعد عليه الدليل‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬إنّه قد يتحقق السب دون الغيبة‪،‬‬
‫المسبوب‬
‫َ‬ ‫كما لو خاطبه بذكر عيبه في مواجهته ال في غيبته‪ ،‬فهذا سب وليس غيبة‪ ،‬وكذا لو خاطب‬
‫فإن ذلك ليس إظهار ًا لما ستره الله تعالى ليكون غيبة ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ٍ‬
‫بصفة مشهورة بقصد اإلهانة واإلذالل‪ّ ،‬‬
‫السب‪ ،‬كما لو أظهر في غيبة اآلخر عيبه الذي ستره الله عليه من غير قصد‬
‫ّ‬ ‫وقد تتحقق الغيبة دون‬
‫التنقيص واإلهانة‪ ،‬وقد يجتمعان كما لو أظهر عيب اآلخر في غيبته قاصد ًا تنقيصه به‪.‬‬

‫تعدد العقاب‬
‫ثم إنّه في مورد االجتماع وتصادق العنوانين (عنوان السب والغيبة)‪ ،‬هل يتعدد العقاب‪،‬‬
‫أو يقال بالتداخل؟‬

‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.442 - 441‬‬


‫((( كتاب المكاسب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.255‬‬
‫(( ( راجع‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.441‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪20‬‬
‫ألن كل عنوان هو سبب مستقل للعقاب‪،‬‬ ‫الظاهر أنّه ال موجب أو ال وجه للتداخل‪ّ ،‬‬
‫والتداخل يحتاج إلى دليل‪ ،‬فإن وجد دليل ‪ -‬كما في تداخل األغسال مث ً‬
‫ال عندما يجتمع على‬
‫المكلف أكثر من غسل كالجنابة والحيض ‪ -‬فبها‪ّ ،‬‬
‫وإل فيلتزم بتعدد العقوبة أو تضاعفها‪،‬‬
‫وفي المقام ال نملك دلي ً‬
‫ال على التداخل‪.‬‬

‫المقام الثاني‪ :‬حكم ال�سبّ‬


‫وسوف نتناول المسألة عبر المراحل التالية‪ ،‬معتمدين مبدأ التدرج من الدائرة الصغرى‬
‫إلى الدوائر األكبر‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬بيان الحكم في ّ‬
‫سب المؤمن المعتقد بإمامة األئمة االثني عشر ‪.‬‬
‫سب المسلم أي ًا كان مذهبه‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬بيان الحكم في ّ‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬بيان الحكم في ّ‬
‫سب اإلنسان غير المسلم‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ّ :‬‬
‫سب األموات‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬في حكم ّ‬
‫سب مقدسات اآلخرين‪.‬‬
‫المرحلة السادسة‪ّ :‬‬
‫سب الحيوانات والزمان والدنيا‬
‫وقبل الدخول التفصيلي في بحث هذه المراحل‪ ،‬نرى لزام ًا علينا التنبيه على أمرين‬
‫هامين وأساسيين‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أصالة االحترام‬


‫السب أن نتعرض إلى بيان األصل التشريعي‬ ‫من المهم جد ًا في مستهل الكالم عن حكم ّ‬
‫األولي الذي يم ّثل القاعدة العامة التي تحكم النظرة إلى اإلنسان اآلخر وتحدد كيفية التعامل‬
‫إن األصل هو أن يكون المسلم محترم المال والعرض والدم‪ ،‬وكذا من يمنحه‬ ‫معه‪ ،‬فهل ّ‬
‫اإلسالم االحترام بعقد ذمة أو نحوه‪ ،‬وأ ّما من ال عقد بينه وبين المسلمين فال حرمة له ولو‬
‫أن األصل هو أن يكون اإلنسان ‪-‬بصرف النظر عن دينه ومذهبه‪ -‬محترم‬ ‫كان مسالم ًا؟ أو ّ‬
‫المال والعرض والدم إال من أخرجه الدليل كالمحارب مثالً؟‬
‫الذي رجحناه في مستهل الباب الثاني هو ثبوت أصالة احترام مطلق اإلنسان إال ما‬
‫أخرجه الدليل كالمحارب‪ ،‬وأصالة االحترام هذه تبقى محكمة إلى أن يثبت بالدليل وجود‬
‫استثناء لها هنا أو هناك‪ ،‬هذا هو حكم المسألة بمقتضى القاعدة العامة‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثاني ًا‪ :‬هل ترك ِّ‬
‫سب اآلخر حق أم حكم؟‬
‫السب هل تدخل في باب الحقوق‬
‫ّ‬ ‫ثمة سؤاالً يطرح نفسه في المقام‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن مسألة‬ ‫ّ‬
‫إن ّ‬
‫سب المؤمن هو حق من حقوقه فله إسقاطه؟ أم هو‬
‫إن ترك ّ‬ ‫أو األحكام؟ وبعبارة أخرى‪ :‬هل ّ‬
‫حكم فال يسقط بإسقاطه؟‬
‫للسب في حال إسقاط الحق والرضا بالسب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا كان ترك س ّبه حق ًا من حقوقه فال حرمة‬
‫بسب صديقه له أو أستاذه أو والده‪ ،‬وكثير ًا ما يحصل بين‬
‫أن الشخص ال يتأذى ّ‬ ‫كما لو فرض ّ‬
‫فيسب أحدهما‬
‫ّ‬ ‫األصدقاء شيء من ذلك بحيث تسقط الحدود والحواجز وترتفع الكلفة‬
‫اآلخر في سياق المداعبة والمزاح‪.‬‬

‫السب حكم ًا‬


‫ّ‬ ‫أ ) الوجه في كون ترك‬
‫السب حكم ًا شرعي ًا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ربما يستدل على كون ترك‬
‫سب‬
‫إن حرمة السب هو حكم شرعي تابع لدليله‪ ،‬واألدلة الدالة على حرمة ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫بالسب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المؤمن أو المسلم مطلقة وال موجب لتقييد إطالقها بما إذا كان اآلخر ال يتأذى‬
‫أن السب في ميزان األخالق عمل غير مناسب وال يليق بذوي المروءة والشرف‪،‬‬ ‫ويؤيد ذلك ّ‬
‫السب حتى في حاالت‬
‫ّ‬ ‫أن بعض الفقهاء اعتبره قبيح ًا عقالً‪ ،‬ومن الحكمة تحريم‬
‫وسيأتي ّ‬
‫عدم التأذي سد ًا لهذا الباب‪ ،‬وألنّه ال يعلم متى ينتهي السب إلى إثارة الضغائن وغضب‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إنّه لو كان األمر من قبيل الحق حصر ًا‪ ،‬فالزمه سقوط هذا الحق بخروج الشخص‬
‫وتحوله إلى محارب للسلطة الشرعية‪ ،‬إذ يجوز في هذه الحالة قتاله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على اإلمام العادل‬
‫وباألولى أن ال تبقى له حرمة تمنع من س ّبه‪ ،‬فكأنه بخروجه عليه أهدر حرمته وكرامته‪،‬‬
‫بالسب‪ ،‬ومعلوم أنّه إذا صار معادي ًا ومحارب ًا‬
‫ّ‬ ‫الحق أنّه ال يجوز إيذاؤه‬
‫إن معنى ّ‬ ‫وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫أن اإلمام عل ّي ًا ‪ ‬قد وقف في وجه أصحابه‬ ‫لإلمام العادل فيجوز إيذاؤه‪ ،‬هذا مع أننا نجد ّ‬
‫عندما سمعهم يسبون جماعة معاوية في حرب صفين‪ ،‬فقال لهم‪« :‬إني أكره لكم أن تكونوا‬
‫السب هو حكم شرعي‪ ،‬وإال لو كان حق ًا فال وجه لبقاء حرمة السب‬ ‫ّ‬ ‫س ّبابين»(((‪ .‬ما يعني ّ‬
‫أن‬
‫بعد الحرب أو لكراهته‪.‬‬

‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .185‬ورواها اإلسكافي في المعيار والموازنة‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪22‬‬
‫أن دعوى سقوط الحق في الحرب هو أول الكالم‪ ،‬فليست كل‬ ‫ولكن يرد على ذلك ّ‬
‫الحقوق تسقط في الحروب‪ ،‬ومن الحقوق التي ال تسقط ما يتصل بحفظ األمانات‪ ،‬وهكذا‬
‫ما يتصل بحرمة الجسد التي تمنع من التمثيل به‪ ،‬إلى غيرها‪ ،‬ولذا فليس ثمة ما يمنع من كون‬
‫السب من هذه الحقوق التي ال تسقط في حالة الحرب‪ ،‬وال سيما أن اجتنابه هو قيمة أخالقية‬
‫والقيم مطلقة وليست نسب ّية‪ .‬وكالم اإلمام ‪ ‬نفسه ‪-‬على فرض ثبوته بطريق معتبر ‪ -‬شاهد‬
‫أن السب عمل قبيح في ميزان األخالق الفاضلة‪ ،‬ولذا نهاهم ‪ ‬عن ذلك ودعاهم إلى‬ ‫على ّ‬
‫الرقي إلى أعلى الدرجات وذلك بالدعاء ألعدائهم بالهداية‪ ،‬وهذا ما يم ّيز حروبه ‪ ‬فقد‬
‫أراد لها أن تبقى بعيدة عن كل الشوائب والهنات ولو كانت صغيرة‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن‬
‫نهيه ‪ ‬ال يدل على أكثر من التنزه‪ّ ،‬‬
‫ألن الكراهية في كلماته وكلمات غيره من األئمة ‪ ‬وإن‬
‫لم تستخدم في المعنى المصطلح المقابل للمحرم إال أنه لم يثبت استخدامها في المحرم‬
‫أيض ًا‪ ،‬فهي أعم‪ ،‬على أن قرائن السياق ترجح أنه قد أراد منها معنى الكراهة المصطلحة‪.‬‬

‫ب) الوجه في كون تركه حق ًا‬


‫أن سب اآلخر ٍ‬
‫مؤذ‬ ‫إن المسألة هي من باب الحقوق على اعتبار ّ ّ‬‫وفي المقابل قد يقال‪ّ :‬‬
‫بالسب ويرضى به‪ ،‬أو فرض أنّه أسقط حقه تجاه بعض إخوانه فال يكون‬
‫ّ‬ ‫له‪ ،‬فإذا كان يقبل‬
‫السب محرم ًا‪ ،‬ويمكن أن يقال‪ :‬إن الغيبة كذلك‪ ،‬فلو كان اآلخر يرضى بغيبته فال تحرم‬‫ّ‬
‫سب اآلخر والمنع منه هو من باب الحقوق‬‫الغيبة‪ .‬وقد يستدل لذلك ‪ -‬أعني لكون ترك ّ‬
‫حصر ًا ‪ -‬بوجوه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أن أمير المؤمنين ‪ ‬قال‪ :‬إنّكم ستدعون إلى سبي‬ ‫الوجه األول‪ :‬ما جاء في األخبار ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َأ َّن‬
‫َّاس َي ْر ُو َ‬ ‫فسبوني‪ ،‬ففي معتبرة َم ْس َعدَ َة ْب ِن َصدَ َق َة((( َق َال‪ :‬ق َيل َألبِي َع ْبد ال َّله ‪ :‬إِ َّن الن َ‬
‫َّاس إِ َّنك ُْم َستُدْ َع ْو َن إِ َلى َس ِّبي َف ُس ُّبونِي‪ُ ،‬ث َّم تُدْ َع ْو َن إِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعل ّي ًا ‪َ ‬ق َال َع َلى منْ َب ِر ا ْلكُو َفة‪َ :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫َّاس َع َلى َع ِل ٍّي ‪ُ ‬ث َّم َق َال إِن ََّما َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َب َرا َءة منِّي َف َل َت َب َّر ُؤوا منِّي‪َ .‬ف َق َال‪َ :‬ما َأ ْك َث َر َما َيكْذ ُب الن ُ‬
‫ين ُم َح َّم ٍد و َل ْم َي ُق ْل‬
‫إِ َّنك ُْم َستُدْ َع ْو َن إِ َلى َس ِّبي َف ُس ُّبونِي ُث َّم َستُدْ َع ْو َن إِ َلى ا ْل َب َرا َء ِة ِمنِّي وإِنِّي َل َع َلى ِد ِ‬
‫السب ليس حكم ًا شرعي ًا بل هو‬ ‫ّ‬ ‫أن ترك‬ ‫بالسب هو دليل على ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن إذنه ‪‬‬ ‫َل َت َب َّر ُؤوا ِمنِّي»(((‪ّ ،‬‬
‫حق من حقوقه‪ ،‬فإذا أذن به فتسقط الحرمة‪ ،‬وهو قد أذن بسبه‪.‬‬
‫ّ‬

‫((( بنا ًء على وثاقة مسعدة بن صدقة‪ ،‬انظر‪ :‬الملحق رقم ‪.3‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .219‬وقرب اإلسناد‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪23‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫بأن الرواية المذكورة ال داللة لها على ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ولكن يمكن االعتراض على ذلك ّ‬
‫إجازته ‪ ‬وإذنه بس ّبه ليس ألنّه أراد إسقاط حقه‪ ،‬بل هو أراد اإلشارة إلى حكم شرعي في‬
‫ألن َم ْن س َي ْط ُل ُ‬
‫ب منهم س ّبه هو السلطان‬ ‫السب تسقط بسبب التقية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫المقام وهو ّ‬
‫أن حرمة‬
‫الظالم الذي سيعاقبهم على تركه‪.‬‬
‫السب في الحاالت التي ال يتأثر فيها المسبوب‬ ‫ّ‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬جريان السيرة على‬
‫بالسب‪ ،‬وهذا ما يستفاد من الشيخ األنصاري‪ ،‬فإنه وبعد أن نقل عن بعض الفقهاء‪ ،‬عدم‬ ‫ّ‬
‫ألن قول هذا القائل ال يوجب في حقه‬ ‫بالسب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫السب مع عدم تأثر المسبوب عرف ًا‬
‫ّ‬ ‫حرمة‬
‫ثم‬
‫سب األب البنه باستمرار السيرة بذلك‪ّ ،‬‬ ‫مذلة وال نقص ًا‪ ،‬أردف مستدالً على جواز ّ‬
‫اعترض على ذلك قائالً‪« :‬إن استمرار السيرة إنما هو مع عدم تأثر السامع وتأذيه بذلك‪.‬‬
‫فإن السيرة إنما نشأت‬ ‫ومن هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم‪ّ ،‬‬
‫في األزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعدّ نفسه أدون من عبده‪ ،‬بل ربما‬
‫بالسب‪ ،‬لداللته على كمال لطفه‪ .‬وأما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من‬ ‫ّ‬ ‫كان يفتخر‬
‫ح ُّل إيذائه يحتاج إلى‬‫المعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول والفعل‪َ ،‬ف ِ‬
‫بالسب‪ ،‬والدليل‬
‫ّ‬ ‫السب مع عدم تأثر المسبوب‬ ‫ّ‬ ‫الدليل»(((‪ ،‬فيكون حاصل كالمه جواز‬
‫على الجواز هو جريان السيرة على ذلك‪.‬‬
‫ولكن يمكن القول‪ :‬إنّه ال يحرز امتداد السيرة المتشرعية‪ ،‬أو انعقادها في زمن المعصوم‬
‫السب مع عدم تأثر المسبوب بذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫على‬
‫السب أو حرمته هو حكم شرعي‪ ،‬وليس حق ًا محض ًا لآلخر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ولهذا فاألقرب ّ‬
‫أن ترك‬
‫أن المسألة هي من حقوق الله حصر ًا بحيث ال دخل للعبد بها‪،‬‬
‫وطبيعي أننا ال نريد ادعاء ّ‬
‫دل على ضرورة استرضاء المغتاب وطلب المسامحة منه‪ ،‬فيكون‬ ‫كال فهذا أيض ًا مخالف لما ّ‬
‫المقام مما يجتمع فيه حق الله مع حق العبد‪.‬‬
‫على أنّه حتى لو كان ترك السب حق ًا من حقوق اآلخر‪ ،‬فقد يقال‪ :‬إنّه ال يسمح للشخص‬
‫بأن يسقط حقه هذا ونظائره‪ ،‬مما يتصل بكرامة اإلنسان‪ ،‬فهذا ال يسمح له بالتنازل عنه‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫هذا من إذالل النفس‪ ،‬والمؤمن ال يسمح له بإذالل نفسه‪ ،‬لما ورد في األخبار‪ ،‬ومنها موثق‬

‫((( المكاسب المحرمة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.256‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪24‬‬
‫َأبِي َب ِص ٍير َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َّن ال َّله َت َب َار َك و َت َعا َلى َف َّو َض إِ َلى ا ْل ُم ْؤ ِم ِن ك َُّل َش ْي ٍء إِ َّل‬
‫إِ ْذ َل َل َن ْف ِسه»(((‪.‬‬
‫أن السب مندرج في حقوق الناس حصر ًا أو من حقوق‬
‫ثم لو نوقش فيما قلناه ولم يحرز ّ‬ ‫ّ‬
‫مفر من التمسك بإطالق الروايات الدالة‬
‫الله تعالى وأحكامه‪ ،‬ولم يقم دليل على ذلك‪ ،‬فال ّ‬
‫على الحرمة‪ ،‬لتكون النتيجة أنّه ال ينفع إسقاط اآلخر لحقه‪.‬‬
‫السب شرع ًا‪ ،‬من خالل المراحل‬
‫ّ‬ ‫بعد التذكير باألمرين المشار إليهما نأتي إلى بيان حكم‬
‫التالية‪:‬‬

‫�سب الم�ؤمن الموالي لأهل البيت ‪‬‬


‫المرحلة الأولى‪ُّ :‬‬
‫سب المؤمن من حيث المبدأ‪ ،‬واستدل الشيخ األنصاري على حرمة‬ ‫شك في حرمة ّ‬ ‫ال َّ‬
‫س ّبه «باألدلة األربعة‪ ،‬ألنّه ظلم وإيذاء وإذالل»(((‪.‬‬
‫وإليك بيان هذه األدلة التي أشار إليها الشيخ‪:‬‬
‫سب المؤمن من غير‬ ‫الدليل األول‪ :‬اإلجماع‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلجماع اإلسالمي قائم على حرمة ّ‬
‫نكير‪.‬‬
‫ولكن يمكن اإلشكال على االستدالل باإلجماع‪ ،‬بأنّه في المقام إجماع مدركي أو‬
‫محتمل المدركية(((‪ ،‬ومنشؤه هو الوجوه اآلتية‪ ،‬فال يعتبر ً‬
‫دليال في مقابلها‪.‬‬
‫سب المؤمن‬ ‫ّ‬
‫يستقل بقبح ّ‬ ‫الدليل الثاني‪ :‬العقل‪ ،‬فألنّه ‪ -‬كما يقول السيد الخوئي ‪-‬‬
‫لكونه ظلم ًا وإيذا ًء(((‪.‬‬
‫ويمكن التأمل في االستدالل بحكم العقل‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن ما يستقل العقل بقبحه هو ظلم‬
‫والسب إنما يقبح فيما لو كان مصداق ًا لظلم اآلخر وإيذائه‪ ،‬وال يحكم بقبح ّ‬
‫السب‬ ‫ّ‬ ‫اآلخر‪،‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.63‬‬


‫((( كتاب المكاسب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.253‬‬
‫(( ( اإلجماع المدركي هو الذي يكون فيه للمجمعين مدرك ومستند معين نقلي ًا كان أو عقلي ًا‪ ،‬وإجماع‬
‫كهذا ال حجية له‪ ،‬فالفقيه في هذه الحالة ينظر في المستند المذكور فإن رأى كما رأوا واستظهر كما‬
‫استظهروا كان المستند المذكور هو الحجة بالنسبة إليه‪ ،‬وأ ّما إذا لم يوافقهم الرأي ولم يستظهر ما‬
‫استظهروه فال يكون قولهم حجة عليه‪.‬‬
‫((( مصباح الفقاهة‪ ،‬الجزء نفسه‪ ،‬ص ‪.438‬‬
‫‪25‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫فسب الغير‬
‫ُّ‬ ‫سب أو غيره‪ .‬وعليه‬ ‫بعنوانه‪ ،‬فالقبيح عق ً‬
‫ال إنّما هو ظلم الغير‪ ،‬سواء كان ذلك في ٍّ‬
‫إذا قطعنا النظر عما يترتب عليه من الظلم واإليذاء‪ ،‬فال يحكم العقل بقبحه‪ ،‬وتالي ًا ال يمكن‬
‫تمت المالزمة‬ ‫لنا الحكم بحرمته بقاعدة المالزمة بين حكم العقل وحكم الشرع‪ ،‬هذا لو ّ‬
‫المذكورة(((‪.‬‬
‫جوز‬‫إن أحكام العقل ال تقبل التخصيص‪ ،‬فكيف ّ‬ ‫وبهذا البيان يمكن دفع االعتراض القائل ّ‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫سب غير المؤمن! ووجه االندفاع هو ّ‬
‫أن العقل لم يحكم بقبح‬ ‫من استدل بحكم العقل ّ‬
‫السب للظلم تخضع لبعض العوامل التي‬
‫ّ‬ ‫ليتم ما قيل‪ ،‬وإنّما حكم بقبح الظلم‪ .‬ومصداق ّية‬
‫بعنوانه ّ‬
‫تجعلها واضحة في بعض الصور وغير واضحة في صور أخرى‪ ،‬ولذا ال تثبت المصداقية في سب‬
‫السب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫غير المؤمن إال مع الجزم أنه ال دخل لعنوان المؤمن في صدق الظلم على‬
‫وما نقوله هنا يأتي بعينه في االستدالل بحكم العقل على قبح اللعن والغيبة أيض ًا‪.‬‬
‫سب‬
‫فإن مصداقية ّ‬‫يضر باالستدالل في المقام‪ّ ،‬‬
‫ولكن التأمل المذكور في دليل العقل ال ّ‬
‫بالسب‬
‫ّ‬ ‫المؤمن للظلم واإليذاء واضحة وال يمكن إنكارها‪ .‬أ ّما حالة عدم تأذي المسبوب‬
‫‪-‬مما ينتفي معه الحكم بالقبح النتفاء موضوعه وهو الظلم والتأذي‪ -‬فهي حالة نادرة‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬القرآن‪ّ ،‬‬
‫ويدل على الحرمة منه عدة آيات‪:‬‬
‫سب المؤمن هو من أوضح مصاديق‬ ‫‪--1‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲽ ﲾ ﲿ ﴾((( باعتبار ّ‬
‫أن ّ‬
‫قول الزور(((‪.‬‬
‫‪--2‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﴾((((((‪.‬‬
‫‪--3‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪.‬‬
‫مناقشة االستدالل بالقرآن‬
‫أما اآلية األولى‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲽ ﲾ ﲿ ﴾ فقد أورد على االستدالل بها‪:‬‬

‫قد ناقش فيها السيد الشهيد‪ ،‬انظر‪ :‬دروس في علم األصول‪ ،‬الحلقة الثالثة‪ ،‬مبحث حكم العقل‪.‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫((( ‬
‫مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .438‬مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.96‬‬ ‫(( (‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫((( ‬
‫استدل بها السيد عبد األعلى السبزواري‪ .‬راجع‪ :‬مهذب األحكام‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.148‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪26‬‬
‫«إن الزور ظاهره الباطل‪ ،‬فيكون قول الزور هو الكالم الباطل‪ .‬واتصافه بالبطالن يكون باعتبار‬ ‫ّ‬
‫معناه ال محالة‪ ،‬فينطبق على الكذب وما هو متضمن له‪ .‬وأما اإلنشاءات التي ال تتضمن األخبار‬
‫الكاذبة فال يكون فيها بطالن‪ ،‬كما إذا قال بمسمع من الناس إلنسان غير حاذق‪ :‬يا حمار‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫سب‪ ،‬ولكن ال يكون من‬‫الكالم المزبور ‪ -‬باعتبار كونه هدر ًا لكرامة ذلك اإلنسان وتنقيص ًا له ‪ّ -‬‬
‫الباطل‪ ،‬نظير ما إذا قال للشجاع إنّه أسد‪ ،‬فإنّه مع فرض كونه شجاع ًا ال يكون من الباطل»(((‪.‬‬
‫ونالحظ عليه‪:‬‬
‫أن الزور هو الباطل والميل عن الحق(((‪ ،‬ولكن زورية الشيء أو بطالنه ال‬‫أوالً‪ :‬صحيح ّ‬
‫ينحصر بالمادة أو لنقل‪ :‬بالمضمون ومدى مطابقته للواقع‪ ،‬بل قد تكون من خالل الكيفية‪.‬‬
‫أن الغناء من حيث المضمون قد يكون‬ ‫أال ترى ّ‬
‫أن الروايات((( عدّ ت الغناء من قول الزور مع ّ‬
‫مطابق ًا للواقع وليس فيه كذب‪.‬‬
‫أن معيار الحق والبطالن ينحصر بمطابقة الكالم للواقع أو عدم مطابقته‪،‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫ألن انحصار السباب باإلنشاء ليس تام ًا‪ ،‬فربما قال‬‫لك ّن ذلك قد يصدق على السباب أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن السب يقع باإلخبار واإلنشاء‬ ‫لشخص ذكي وليس غبي ًا‪« :‬أنت حمار» على نحو اإلخبار‪ّ ،‬‬
‫إن البطالن في هذه الصورة‪ ،‬أعني‬ ‫كما سلف‪ ،‬فيكون كالمه من الباطل‪ .‬اللهم ّإل أن يقال‪ّ :‬‬
‫صورة ما لو قال للذكي يا حمار‪ ،‬ليس ّإل من جهة عدم المطابقة مع الواقع‪ ،‬وليس البطالن‬
‫السب باعتباره إنشا ًء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من جهة‬
‫وأما اآلية الثانية‪ ،‬فإن كان نظر المستدل بها إلى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳑ ﳒ ﳓ ﴾‬
‫(((‬

‫السب من النبز باللقب‪ ،‬فيمكن أن يالحظ على هذا االستدالل ّ‬


‫أن التنابز باأللقاب‬ ‫ّ‬ ‫باعتبار ّ‬
‫أن‬
‫يختلف عن السب من جهتين‪:‬‬

‫((( إرشاد الطالب للتبريزي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.159‬‬


‫(( ( قال الطريحي‪(« :‬زور) قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲽ ﲾ ﲿ ﴾ [الحج‪ ]30 :‬الزور‪ :‬الكذب والباطل والبهت‬
‫ألن صدق القول من أعظم الحرمات‪ .‬قوله‪:‬‬ ‫وروي أنه يدخل في الزور الغناء وسائر األقوال الملهية‪ّ ،‬‬
‫﴿ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﴾ [الفرقان‪ ]72 :‬قيل يعني الشرك‪ ،‬وقيل‪ :‬أعياد اليهود والنصارى‪ .‬قوله‪:‬‬
‫﴿ ﱚ ﱛ ﱜ ﴾ [الكهف‪ ]17 :‬أي تمايل عنه‪ ،‬ولذا قيل للكذوب زور ألنه يميل عن الحق‪ ،‬ويقال‬
‫تزاور عنه تزاور ًا‪ :‬عدل عنه وانحرف‪ ،‬وقرئ تزاور وهو مدغم تتزاور»‪ .‬انظر‪ :‬مجمع البحرين‪ ،‬ج ‪،3‬‬
‫ص ‪.319‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.431‬‬
‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬
‫‪27‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫يتقوم بقصد التنقيص‪ ،‬لصدق النبز عرف ًا ولو بدون قصده‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫أن النبز باللقب ال ّ‬
‫يتقوم بذلك كما سبق‪.‬‬
‫بخالف ما رجحناه في السب من أنّه ّ‬
‫‪--2‬أنّه قد ال يكون السب من النبز باللقب‪ ،‬وإنّما يسبه بما ليس لقب ًا له‪.‬‬
‫وأ ّما إذا كان نظره إلى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﴾(((‪ ،‬بتقريب أن المراد به أن ال‬
‫يطعن بعضكم بعض ًا كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﴾(((‪ ،‬تنزي ً‬
‫ال للمؤمنين منزلة‬
‫السب‪ّ ،‬‬
‫ألن اللمز‬ ‫ّ‬ ‫أعم من‬ ‫النفس الواحدة‪ ،‬والسب هو طع ٌن باآلخر‪ ،‬فيالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫أن اللمز ّ‬
‫بالسب وبغيره‪ ،‬قال الطبرسي‪« :‬واللمز‪ :‬العيب في المشهد‪ ،‬والهمز‪ :‬العيب‬
‫ّ‬ ‫والطعن قد يكون‬
‫في الغيب‪ ،‬وقيل‪ :‬اللمز يكون باللسان وبالعين واإلشارة‪ ،‬والهمز ال يكون ّإل باللسان»(((‪.‬‬
‫السب أحد أفراد اللمز والطعن في اآلخر‪ ،‬فيحرم بهذا العنوان ال‬
‫ّ‬ ‫وفي كل األحوال ّ‬
‫فإن‬
‫السب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعنوان‬
‫والسب هو من س ّيئ‬‫السيئ مبغوض لله تعالى‪ّ ،‬‬ ‫أما اآلية الثالثة فقد د ّلت على ّ‬
‫أن القول ّ‬
‫يحب الله» في الحرمة‪ ،‬وهو غير واضح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القول‪ ،‬هذا واالستدالل مبني على ظهور قوله‪« :‬ال‬
‫ولكن وبصرف النظر عن ذلك‪ ،‬فقد أورد على االستدالل بها‪ّ :‬‬
‫«أن الظاهر ‪ -‬وال أقل من‬
‫االحتمال ‪ -‬أن يكون قوله سبحانه ﴿ ﱨ ﱩ ﴾((( بيان ًا للجهر بالسوء ال للسوء‪ ،‬والمراد‬
‫أنّه عند ارتكاب إنسان سوء ًا يكون إظهاره جهر ًا بالسوء‪ ،‬سواء كان المظهر (بالكسر) هو‬
‫يحب هذا اإلظهار والجهر ّإل من المظلوم‪ ،‬فإنّه يجوز له‬ ‫ّ‬ ‫المرتكب أم غيره‪ّ ،‬‬
‫وأن الله ال‬
‫التظ ّلم وإظهار ما فعله الغير في حقه من السوء‪ ،‬وهذا ال يرتبط بالسب أصالً‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فارتكاب الشخص للحرام معصية‪ ،‬وإظهار ارتكابه للناس معصية أخرى»(((‪.‬‬
‫فإن الظاهر ّ‬
‫أن قوله‪« :‬من القول» بيان للسوء‬ ‫إن ما ذكره خالف الظاهر‪ّ ،‬‬
‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫نفسه ال للجهر‪ ،‬فيكون المعنى‪ّ :‬‬
‫أن الله ال يحب الجهر بقول السوء والتفوه به ‪ -‬أي بكالم‬
‫السوء ‪ّ -‬إل من المظلوم‪ّ ،‬‬
‫فإن للمظلوم مقالة‪.‬‬
‫ويؤيده ما رواه في تفسير العياشي ومجمع البيان عن أبي عبد الله ‪ ‬في قوله تعالى‪:‬‬

‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫((( ‬


‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫(( (‬
‫مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.226‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.148‬‬ ‫(( (‬
‫إرشاد الطالب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.160‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪28‬‬
‫﴿ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾((( قال‪« :‬من أضاف قوم ًا فأساء ضيافتهم فهو‬
‫ممن َظ َلم فال جناح عليهم فيما قالوا فيه»(((‪ّ .‬‬
‫فإن قوله تعالى‪« :‬فال جناح عليهم فيما قالوا فيه»‬
‫ناظر إلى كون القول هو قول سوء‪ ،‬ولكنه جاز باعتبار أنّه يصدر عن المظلوم‪.‬‬
‫المضيف حيث أساء‬ ‫ناظر إلى ّ‬
‫أن ُ‬ ‫وبغض الطرف عن ضعف الرواية ‪ٌ -‬‬ ‫ّ‬ ‫إال أن يقال‪ :‬إنّه ‪-‬‬
‫إلى الضيف في تعامله معه‪ ،‬فال جناح عليه بهذا اللحاظ أن يجهر بذلك ويعلن ّ‬
‫أن المضيف‬
‫قصر في حقه‪.‬‬ ‫قد ّ‬
‫تم منها ‪ -‬ال تدل على‬
‫وخالصة الكالم في االستدالل باآليات الكريمة أنّها ‪ -‬فيما ّ‬
‫حرمة السب بعنوانه‪ ،‬بل بعناوين أخرى تلتقي معه بشكل أو بآخر‪.‬‬
‫السب بعنوانه وهي قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲜ‬
‫ّ‬ ‫أجل‪ ،‬هناك آية كريمة جاء النهي فيها منصب ًا على‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﴾(((‪ ،‬لكن موضوعها ليس ّ‬
‫سب الناس‪،‬‬
‫السب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كما هو واضح‪ ،‬وسيأتي الحديث عنها في سياق البحوث حول‬
‫بالسنة‬
‫الدليل الرابع‪ :‬االستدالل ّ‬
‫السب مستفيضة من الطرفين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫السنة‪ ،‬فالروايات الواردة في حرمة‬
‫وأما من ّ‬
‫أ ّما من طرق الشيعة‪:‬‬
‫أ ) موثقة أبي بصير عن أبي جعفر ‪ :‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص) «سباب المؤمن فسوق‬
‫وقتاله كفر‪ ،‬وأكل لحمه معصية‪ ،‬وحرمة ماله كحرمة دمه»(((‪.‬‬
‫ب) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى ‪« :‬في رجلين يتسابان؟‬
‫قال‪ :‬البادي منهما أظلم‪ ،‬ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم»((( وفي‬
‫نقل آخر «ما لم يتعد المظلوم»(((‪.‬‬
‫سب‬
‫ج) وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال‪« :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن رجل َّ‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.148‬‬ ‫(( (‬


‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،289‬الباب ‪ 154‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪ 6‬و‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .268‬الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .300‬المحاسن‪ ،‬ص ‪ .102‬وهي موثقة بعبد الله بن بكير‪ ،‬فإنّه‬ ‫(( (‬
‫فطحي‪ّ ،‬إل أنه ثقة‪ ،‬كما يقول الشيخ الطوسي‪.‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،297‬الباب ‪ ،185‬من أبواب أحكام العشرة الحديث‪1‬و‪.4‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،30‬الباب ‪ ،70‬من أبواب جهاد النفس‪ ،‬الحديث‪.1‬‬
‫‪29‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫عرض به‪ ،‬هل ُيجلد؟ قال‪ :‬عليه تعزير»(((‪ ،‬إلى غير ذلك من الروايات‬ ‫رج ً‬
‫ال بغير قذف ُي ّ‬
‫اآلتية‪.‬‬
‫السنة‪:‬‬
‫وأ ّما من طرق أهل ُّ‬
‫«المس َت َّبان ما قاال فعلى البادي ما لم يتعدَّ‬
‫أ ) رواية أبي هريرة عن رسول الله(ص)‪ُ :‬‬
‫السب الصادر من شخصين يتبادالن السباب يقع على‬ ‫ّ‬ ‫المظلوم»(((‪ .‬ومعناه‪ّ :‬‬
‫أن وزر‬
‫أن المظلوم اقتصر في س ّبه على قدر االنتصار لنفسه ولم‬‫البادي منهما‪ّ ،‬إل إذا فرض ّ‬
‫يتعدَّ الحدود‪.‬‬
‫«المس َت َّبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان»(((‪.‬‬
‫ب) عياض بن حمار عن رسول الله(ص)‪ُ :‬‬
‫ج) وعنه (ص)‪« :‬سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر»(((‪.‬‬
‫السب في الجملة‪ ،‬وال َّ‬
‫شك في‬ ‫ّ‬ ‫إن هذه الروايات وغيرها واضحة الداللة على حرمة‬ ‫ّ‬
‫اندراج المؤمن المتبع لخط أهل البيت ‪ ‬تحت عمومها أو إطالقها‪ ،‬ولكن هل تختص به‬
‫وال تشمل غيره؟ وما الموجب لرفع اليد عن إطالقها؟ هذا ما سوف نتناوله بالبحث في‬
‫المرحلة الثانية اآلتية‪.‬‬

‫�سب الم�سلم‬
‫المرحلة الثانية‪ّ :‬‬
‫تختص بالموالي ألهل البيت ‪‬‬
‫ّ‬ ‫في هذه المرحلة يقع البحث فأن حرمة السب هل‬
‫وهو المشار إليه في المرحلة السابقة أم إنّها تشمل المسلمين عموم ًا؟‬
‫السب‪ ،‬ال نظر له لغير اإلمامي‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫أن ما ّ‬
‫دل على حرمة‬ ‫ذهب جمع من الفقهاء إلى ّ‬
‫رأي ‪-‬مع احترامنا لمن قال به‪ -‬ال نوافق عليه‪ .‬وتوضيح ًا للموقف كان من الضروري أن‬
‫نالحظ المستند الذي اعتمد عليه هؤالء الفقهاء في تخصيص الحرمة بالموالي لخط أهل‬
‫ثم نستعرض األدلة‬‫البيت ‪ ،‬لنرى إن كانت األدلة تنهض بإثبات ما يقولون أم ال؟ ومن ّ‬
‫التي نعتمد عليها في تعميم الحكم لكل مسلم؟ هذا على مستوى هذه المرحلة من البحث‪،‬‬
‫وسيأتي في مرحلة الحقة إمكان تعميم الحكم لكل إنسان‪.‬‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،28‬ص ‪ ،202‬الباب ‪ ،19‬من أبواب حد القذف‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬ ‫(( (‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص‪.21‬‬ ‫(( (‬
‫السنن الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.235‬‬ ‫((( ‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.17‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪30‬‬
‫وقبل ذلك ال بأس ّ‬
‫أن نستعرض كلمات بعض الفقهاء الذين أفتوا بالرأي المذكور‬
‫المض ّيق لدائرة التحريم بخصوص المؤمن بالمعنى األخص‪.‬‬
‫من كلمات الفقهاء‬
‫قال الشيخ محمد حسن النجفي (ت ‪1266‬هـ) في الجواهر‪« :‬فالظاهر إلحاق المخالفين‬
‫بالمشركين في ذلك (يقصد جواز هجوهم وس ّبهم ولعنهم وشتمهم ما لم يكن قذف ًا أو فحش ًا)‬
‫لعل هجاؤهم على رؤوس األشهاد من أفضل‬ ‫التحاد الكفر اإلسالمي واإليماني فيه‪ ،‬بل ّ‬
‫عبادة الع ّباد ما لم تمنع التق ّية»(((‪.‬‬
‫ويقول الشيخ األنصاري (‪1281‬هـ) في بحث الغيبة من مكاسبه‪« :‬ثم ّ‬
‫إن ظاهر األخبار‬
‫اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف‪ ،‬كما يجوز لعنه‪ ،‬وتوهم عموم‬
‫اآليات ‪ -‬كبعض الروايات ‪ -‬لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم‬
‫ال مما يتوقف استقامة نظم معاش‬‫احترامهم وعدم جريان أحكام اإلسالم عليهم ّإل قلي ً‬
‫المؤمن عليه‪.(((»...‬‬
‫وع ّلق السيد الخوئي على كالم الشيخ األنصاري المذكور حول ظهور األخبار في‬
‫اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن‪« :‬أقول‪ :‬المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله‬
‫وبالمعاد وباألئمة االثني عشر ‪ ‬أولهم علي بن أبي طالب ‪ ‬وآخرهم القائم الحجة‬
‫المنتظر ‪-‬عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره‪ ،-‬ومن أنكر واحد ًا منهم جازت غيبته‬
‫لوجوه‪ ،»..‬ومن هذه الوجوه ما ذكره بقوله‪« :‬أنّه ثبت في الروايات واألدعية والزيارات جواز‬
‫السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم‪ ،‬أي‬
‫ّ‬ ‫لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار‬
‫غيبتهم‪ ،‬ألنّهم من أهل البدع والريب‪ ،‬بل ال شبهة في كفرهم‪.(((»..‬‬
‫لسب اآلخر المذهبي‪ ،‬ونعرض لمناقشتها‪.‬‬
‫نفصل أدلة المجوزين ّ‬
‫وفيما يلي سوف ِّ‬
‫مستند القول بجواز السب‬
‫ال تام ًا ومقنع ًا يبرر الفتوى‬ ‫والذي نستقربه ونرجحه ّ‬
‫أن القول المذكور ال يمتلك دلي ً‬

‫(( ( جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.63‬‬


‫(( ( المكاسب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.319‬‬
‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.504‬‬
‫‪31‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫سب المسلم غير المعتقد بإمامة األئمة االثني عشر ‪ ،‬وتوضيح ذلك يحتّم علينا‬
‫بإباحة ّ‬
‫أن نذكر مستندات أصحاب القول المذكور ونالحظ ما تشتمل عليه من ثغرات ومناقشات‪:‬‬
‫المستند األول‪ :‬دعوى الضرورة‬
‫سب اآلخر دعوى مرفوضة‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬
‫إن دعوى قيام الضرورة المذهبية على جواز ّ‬
‫العتبارين‪:‬‬
‫إن دعوى ضرورة المذهب على مطلق نفي االحترام (كما جاء في كالم الشيخين‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫وكأن األصل‬ ‫األنصاري والنجفي((()‪ ،‬إال ما قام الدليل عليه‪ ،‬ال يمكن إثباتها‪ ،‬وهي توحي‬
‫عدم احترام المسلم اآلخر إال بلحاظ بعض األحكام الجزئية االستثنائية‪ ،‬مع ّ‬
‫أن األمر على‬
‫أن من المس ّلم به لدى جميع الفقهاء حرمة دماء المسلمين على اختالف‬ ‫العكس‪ ،‬وذلك ّ‬
‫مذاهبهم‪ ،‬وحرمة أموالهم‪ ،‬وحرمة أعراضهم في الجملة‪ ،‬كما أسلفنا في الباب الثاني‪ ،‬وهكذا‬
‫(((‬
‫فإن المسلم مطلق ًا هو الموضوع ألحكام التوارث((( والزواج((( والطهارة((( والديات‬
‫ّ‬
‫والقصاص((( والسوق((( واليد((( والوفاء بالشروط(((‪ ،‬واألمان(‪ ،((1‬إلى األحكام المتصلة‬

‫(( ( ادعى ذلك في الغيبة‪ ،‬قال‪« :‬بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات‪ ،‬فضالً عن القطعيات»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.62‬‬
‫(( ( فالسني يرث الشيعي وبالعكس‪.‬‬
‫(( ( فيجوز التزاوج بين الفريقين‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك في المحور السابع من هذا الكتاب‪.‬‬
‫السني وطهارة ما يساوره‪ ،‬إال أن يعلم بوجود نجاسة‪ ،‬وهذا رأي إجماعي وقال‬ ‫(( ( فيحكم بطهارة المسلم ُّ‬
‫به المشهور القائلون بنجاسة غير المسلم‪.‬‬
‫(( ( فالمسلمون يتساوون في الدية بال فرق بين سني وشيعي‪.‬‬
‫(( ( فالقاتل الشيعي ُيقتل بالسني وبالعكس‪.‬‬
‫مر الحديث عن‬ ‫(( ( فما يؤخذ من سوق المسلمين على اختالف مذاهبهم محكوم بالتذكية والحلية‪ ،‬كما ّ‬
‫ذلك في قاعدة السوق‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن يد المسلم ولو كان غير إمامي هي إمارة التذكية‪.‬‬ ‫((( ‬
‫(( ( فالوفاء بالشرط لكل مسلم وعلى كل مسلم أمر مس ّلم ومنصوص عليه‪ ،‬ففي صحيحة عبد الله بن‬
‫سنان عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬المسلمون عند شروطهم‪ ،‬إال كل شرط خالف كتاب الله عز وجل‬
‫فال يجوز»‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .202‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .22‬وفي موثقة‬
‫إن علي بن أبي طالب ‪ ‬كان يقول‪ :‬من شرط المرأته‬ ‫إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ‪ّ ‬‬
‫فإن المسلمين عند شروطهم إال شرط ًا حرم حالالً أو أحل حرام ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب‬ ‫شرط ًا فليف لها به‪ّ ،‬‬
‫األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.467‬‬
‫أن مسلم ًا أجار بعض الكفار أو أعطاه=‬‫(‪ ((1‬نص الفقهاء على أنه في حال قيام الحرب مع أهل الكفر فلو ّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪32‬‬
‫بحرمة أمواتهم ووجوب تغسيلهم ودفنهم في مقابر المسلمين((( وكذلك تولي أيتامهم‪..‬‬
‫فإنّها مشتركة بين جميع المذاهب اإلسالمية‪ ،‬والسؤال‪ :‬ما الذي بقي من أحكام المسلمين ال‬
‫تشمل المسلم اآلخر ويختص بالمؤمن الشيعي؟ لم يبق سوى القليل مما ادعي اختصاصه‬
‫بالمؤمن بالمعنى األخص‪ ،‬وهو ما يقع محل البحث والدرس في ثنايا الصفحات التالية‪.‬‬
‫وسوف نرى أنه مما لم ينهض عليه دليل تام وخال من اإلشكال‪ّ ،‬‬
‫وأن معظم هذه األحكام‬
‫ليست مس ّلمة وإنما هي حصيلة اجتهادات فقهية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬على فرض كون القض ّية ضرور ّية في زمن العلمين (األنصاري والنجفي) وفيما‬
‫قارب عهدهما‪ ،‬بيد أنّه ال يكفي تسالم بعض األجيال على فتوى معينة للقول بأنّها من‬
‫ضرورات المذهب‪ ،‬بل ال بدّ من إثبات امتداد هذا الوضوح في الحكم إلى زمن التشريع(((‪،‬‬
‫وهذا ما ال يمكن إثباته‪ ،‬بل يمكن إثبات خالفه‪ ،‬لما سيأتي في بعض الروايات المعتبرة ّ‬
‫أن‬
‫اإلسالم يمنح المسلم حرمة عامة‪ .‬وقد الحظنا وجود دعوى الضرورة في موارد اجتهادية‬
‫وخالفية أخرى‪ ،‬ما يبعث على أهمية التدقيق في هذه الدعاوى وعدم االغترار بها‪.‬‬
‫النص‬
‫تشكّل الضرورة خارج ّ‬
‫وإنّنا نؤكّد هنا على ضرورة وأهمية دراسة تاريخ العقائد واألديان والتشريعات‪،‬‬
‫تكون هذه األفكار‬ ‫وهذه الدراسة من األهم ّية بمكان بحيث إنها ال تسلط الضوء على كيف ّية ّ‬
‫أن بعض تلك األفكار والمعتقدات واآلراء‬ ‫وانتشارها ورواجها فحسب‪ ،‬بل إنّها قد تبرهن لنا ّ‬
‫قد تشكلت خارج فضاء النص الديني‪ ،‬بل قد تكون مصادمة للنص الديني مضمون ًا أو روح ًا‪،‬‬
‫ولكنّها مع ذلك اكتسبت قدس ّية دينية‪ ،‬لتبنيها من خالل بعض الشخصيات التي تملك تأثير ًا‬
‫(كاريزما) خاص ًا في أوساط المتدينين‪ ،‬والقت تجاوب ًا جماهيري ًا وشعبي ًا الرتباطها ببعض‬
‫االعتبارات العاطفية والوجدانية‪ ،‬ووجود أسباب وعوامل اجتماعية (مما أشرنا له في مقدمة‬

‫= األمان فيكون ذلك ماضي ًا‪ ،‬ويجب الوفاء له‪ ،‬ولم يفرقوا بين مسلم وآخر‪ ،‬وذلك استناد ًا إلى قوله (ص)‪:‬‬
‫السكُونِ ِّي‬ ‫َاه ْم»‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .403‬وفي رواية َّ‬
‫ِ ِ‬
‫اؤ ُه ْم و َي ْس َعى بِذ َّمت ِه ْم َأ ْدن ُ‬ ‫ون إِ ْخ َو ٌة َت َتكَا َف ُأ ِد َم ُ‬‫«ا ْل ُم ْس ِل ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت َله‪َ :‬ما َم ْعنَى َق ْو ِل النَّبِ ِّي (ص) َي ْس َعى بِذ َّمت ِه ْم َأ ْدن ُ‬
‫َاه ْم؟ َق َال‪َ :‬ل ْو َأ َّن َج ْيش ًا‬
‫ِ‬
‫ان َحتَّى َأ ْل َقى َصاح َبك ُْم‬ ‫ف َر ُج ٌل َف َق َال َأ ْع ُطونِي األَ َم َ‬ ‫اص ُروا َق ْوم ًا ِم َن ا ْل ُم ْش ِر ِكي َن َف َأ ْش َر َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫م َن ا ْل ُم ْسلمي َن َح َ‬
‫ب َع َلى َأ ْف َض ِل ِه ُم ا ْل َو َفا ُء بِه»‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.31‬‬ ‫َاه ُم األَ َم َ‬ ‫ِ‬
‫ان َو َج َ‬ ‫و ُأنَاظ َره َف َأ ْع َطاه َأ ْدن ُ‬
‫((( قال السيد اليزدي‪« :‬يجب كفاية تغسيل كل مسلم سواء كان اثني عشري ًا أو غيره»‪ ،‬انظر‪ :‬العروة الوثقى‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪.30‬‬
‫(( ( أوضحنا هذا األمر في كتاب‪ :‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪33‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السب واللعن والغيبة‪،‬‬‫ّ‬ ‫الكتاب) أعطتها شيئ ًا من االمتداد‪ ،‬وهذا ما نرجح أنّه حصل في قضية‬
‫فإن تاريخ ًا من الصراعات المذهبية والذي خلق حواجز نفسية بين الفريقين وربما سالت‬ ‫ّ‬
‫الدماء في بعض األحيان سيجعل كلمات السباب غير ذات أهمية‪ ،‬وعندما ينضم إلى ذلك‬
‫فإن هذا سيخلق‬ ‫وينص على أنّه ال دليل على الحرمة‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫فتوى فقيه ذي مكانة يفتي بالجواز‬
‫رواج ًا وانتشار ًا لهذه الفتوى وال سيما عندما تتبناها أجيال من الفقهاء‪ .‬ويصل الرواج في‬
‫مرحلة الحقة إلى مستوى توهم بداهة القضية‪ ،‬ويزيد المسألة وضوح ًا وركوز ًا جريان‬
‫السيرة المتشرع ّية عليها‪ ،‬وباالستناد إلى حالة االستصحاب القهقري المعتمدة على عناصر‬
‫نفسية وتربوية‪ ،‬سيخلص الفقيه إلى استنتاج امتداد هذا الوضوح أو هذه السيرة إلى زمان‬
‫األئمة ‪ ،‬ولست أقصد باالستصحاب القهقري المعنى المصطلح‪ ،‬مع إمكان تحققه‪ ،‬وإنما‬
‫إن حسن الظن بالمؤمنين والمتشرعة ممن جرت سيرتهم‬ ‫أقصد الجانب النفسي للمسألة‪ ،‬إذ ّ‬
‫السب‪ ،‬يدفع إلى استبعاد أن تكون هذه الفتوى التي هي بديهة في زماننا قد نشأت من‬ ‫ّ‬ ‫على‬
‫ال شيء‪ .‬وقد يرتقي األمر إلى أن يصبح شيوع العمل بالرأي بين المتدينين سبب ًا الفتاء الفقيه‬
‫السب وكونه عبادة‪ ،‬وإننا نعلق‬‫ّ‬ ‫باالستحباب كما فعل صاحب الجواهر‪ ،‬حيث ادعى استحباب‬
‫على دعواه هذه ‪ -‬باإلضافة إلى عدم اعتضادها بالدليل كما سنرى ‪ -‬بالقول‪ :‬أيباح للمؤمن‬
‫يتزوج بالمرأة السنية كما هو رأي مشهور الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر وهو في‬ ‫الشيعي أن ّ‬
‫الوقت عينه مدعو إلى س ّبها ولعنها صبح ًا ومسا ًء امتثاالً لألمر بذلك؟! وهل كان األئمة ‪‬‬
‫الذين تزوجوا من نساء غير شيعيات ‪ -‬كما سنذكر الحق ًا ‪ -‬يسبون نساءهم وزوجاتهم؟!‬
‫المستند الثاني‪ :‬السيرة‬
‫فقد ادعي قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة غير الموالي ألهل‬
‫البيت ‪ ،‬بل س ّبهم ولعنهم في جميع األعصار واألمصار(((‪.‬‬
‫إن هذه السيرة ال حج ّية لها في حدّ نفسها ّإل إذا أحرز استمرارها إلى‬‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫إن النصوص اآلتية تصلح رادع ًا‬
‫زمن األئمة ‪ ‬بحيث تكون متلقاة منهم وهذا غير ثابت‪ ،‬بل ّ‬
‫أن هذه السيرة قد نشأت‬‫عن السيرة المذكورة على فرض ثبوت استمرارها‪ ،‬ومن غير البعيد ّ‬
‫وانطلقت من فتاوى الفقهاء الذين جروا على هذه الفتوى ردح ًا من الزمن‪ .‬وما قلناه في‬
‫تفسير تشكل الضرورة يأتي بحذافيره هنا‪.‬‬

‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.505‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪34‬‬
‫المستند الثالث‪ :‬هو األخبار‪:‬‬
‫وإليك ما يمكن أن يستدل به لذلك‪:‬‬
‫جواز ِ‬
‫لعن‬ ‫ُ‬ ‫أوالً‪ :‬ما ذكره السيد الخوئي من «أنّه ثبت في الروايات واألدعية والزيارات‬
‫السب عليهم‪.»..‬‬
‫ّ‬ ‫المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار‬
‫بالسب‪ ،‬وال ترخص فيه‪ ،‬وليدلنا‬
‫ّ‬ ‫ويالحظ على ذلك ّ‬
‫أن الزيارات واألدعية ال تأمر‬
‫السب في الزيارات‪ .‬نعم‪ ،‬قض ّية اللعن أمر آخر وهي مذكورة في‬
‫ّ‬ ‫أحدٌ على مورد من موارد‬
‫بعض الزيارات‪ ،‬وسيأتي بحث ذلك الحق ًا‪ ،‬ولو ّ‬
‫تم دليل الحكم بجواز اللعن فهذا ال يثبت‬
‫إن دعوى اشتمال األدعية على‬ ‫السب‪ ،‬إذ ال مالزمة بين األمرين كما ال يخفى‪ ،‬بل ّ‬
‫ّ‬ ‫جواز‬
‫ثمة زيار ًة تشتمل على ذلك فال‬ ‫السب أمر غريب‪ ،‬ولو فرض (مع أنّه فرض غير واقعي) ّ‬
‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫والسب‬
‫ّ‬ ‫مجال لالعتماد عليها‪ ،‬لما سيأتي‪ .‬وربما كان مقصوده أن اللعن مستفاد من الزيارات‬
‫مستفاد من الروايات‪ ،‬ونظره إلى صحيحة داود بن سرحان اآلتية واآلمرة باإلكثار من سبهم‪،‬‬
‫وقد استخدم رحمه الله تعبير اإلكثار من س ّبهم‪.‬‬
‫سب بعض أصحابه‬ ‫أن اإلمام أمير المؤمنين ‪ ‬قد سمع ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ما ذكره البعض من ّ‬
‫لعائشة يوم الجمل وسكت عن ذلك‪ ،‬وذلك مما رواه الطبري نق ً‬
‫ال عن لوط بن يحيى‪ ،‬وجاء‬
‫في الخبر‪« :‬وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع‬
‫إليهم من أفناء ربيعة ثم وجهوا نحو دار الرزق وهو يقول لست بأخيه إن لم أنصره وجعل‬
‫يشتم عائشة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬فسمعته امرأة من قومه فقالت‪ :‬يا ابن الخبيثة أنت أولى بذلك‬
‫فطعنها فقتلها‪.(((»..‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫‪ّ --1‬‬
‫إن لوط بن يحيى على ما ذكر النجاشي «شيخ أصحاب األخبار بالكوفة ووجههم‬
‫وكان ُيسكن إلى ما يرويه»(((‪ ،‬واستفاد بعض الرجاليين كالسيد الخوئي (ره) من هذه‬
‫العبارة وثاقة الرجل(((‪ ،‬وهي استفادة في محلها‪ .‬نعم‪ ،‬الرجل وإن عدّ من أصحاب أمير‬

‫(( ( تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.487‬‬


‫((( رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.320‬‬
‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.142‬‬
‫‪35‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫المؤمنين ‪ (((‬ولك ّن الصحيح أنّه ليس من معاصريه ‪ ‬ولم يلقه وإنما الذي كان من‬
‫أصحابه ‪ ‬هو أبوه كما ذكر الشيخ(((‪ ،‬ولذا فهو ال يروي عنه مباشرة‪ ،‬ولم يثبت روايته‬
‫حتى عن اإلمامين الحسنين ‪ ،‬كما أكد ذلك السيد الخوئي في ترجمته(((‪ .‬ورجح‬
‫بعض الرجاليين كالمحقق التستري (ره)‪ ،‬أن يكون من أصحاب اإلمام الصادق ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإذا روى رواية عن أمير المؤمنين ‪ ‬أو ما جرى معه في حروبه ‪ ،‬ولم يذكر‬
‫سند ًا إليها‪ ،‬فتكون مرسلة‪ ،‬وإذا ذكر لها سند ًا‪ ،‬فال بد من وثاقة كافة رجال السند‪.‬‬
‫إن الخبر المذكور هو من مرويات سيف بن عمرو التميمي‪ ،‬فقد تحدّ ث الطبري في‬ ‫‪ّ --2‬‬
‫تاريخه عن أحداث معركة الجمل‪ ،‬وقال‪« :‬رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد‬
‫وطلحة‪ ...‬وأصبح حكيم بن جبلة في خيله‪ .(((»...‬وسيف هذا هو أحد الوضاعين‬
‫الذين ال يؤخذ برواياتهم كما هو معروف لدى الرجاليين(((‪.‬‬
‫إن حكيم بن جبلة‪ ،‬لو ثبت أنّه شتم عائشة‪ ،‬فهذا التصرف ليس مرضي ًا لإلمام علي ‪‬‬ ‫‪ّ --3‬‬
‫كما ا ُدعي‪ .‬فعلي ‪ ‬آنذاك لم يكن قد وصل إلى البصرة أصالً‪ ،‬وهذه األحداث حصلت‬
‫قبل أن تطأ رجاله أرض البصرة؛ لذا ال يمكن أن ننسب إليه وال إلى سائر أهل البيت ‪‬‬
‫السب أو رضوا به‪ ،‬كيف وقد ورد عن اإلمام علي ‪ ‬نفسه أنّه أمر‬
‫ّ‬ ‫أنّهم أمروا بالشتم أو‬
‫بجلد اثنين من أصحابه بعد أن سمعهما يشتمان عائشة‪ ،‬وذلك بعد الفراغ من معركة‬
‫أن اإلمام عل ّي ًا ‪ ‬نهى‬
‫البصرة‪ ،‬كما ذكرنا ذلك في محل آخر(((‪ ،‬كما أنّه قد ُروي عن ّ‬
‫أصحابه في معركة صفين أن يكونوا س ّبابين كما أسلفنا‪ ،‬وذلك بعد أن سمعهم يشتمون‬
‫بالسب والشتم‪ ،‬أو يرضوا به‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫جماعة معاوية‪ ،‬وكيف ُيعقل أن يأمر أهل البيت ‪‬‬
‫ُخ ُلق ذميم وتصرف قبيح‪ ،‬ومرفوض في ميزان مكارم األخالق‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وقد يستدل على جواز س ّبهم بما ورد في صحيحة داود بن سرحان عن أبي‬
‫عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا‬

‫انظر‪ :‬جامع الرواة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.33‬‬ ‫(( (‬


‫الفهرست‪ ،‬ص ‪.204‬‬ ‫((( ‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.142‬‬ ‫(( (‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.487‬‬ ‫(( (‬
‫قالوا فيه‪« :‬ضعيف الحديث» و«متروك الحديث»‪ ،‬وقال ابن حبان‪« :‬يروي الموضوعات عن األثبات‬ ‫(( (‬
‫قال‪ :‬وقالوا‪ :‬إنه كان يضع الحديث»‪ ،‬تهذيب التهذيب‪ ،‬العسقالني (ت ‪852‬هـ)‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.268‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬تنزيه زوجات األنبياء عن الفاحشة‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪36‬‬
‫البراءة منهم وأكثروا من س ّبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيال يطمعوا في الفساد في‬
‫اإلسالم ويحذرهم الناس وال يتعلمون من بدعهم‪ ،‬يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع‬
‫لكم به الدرجات في اآلخرة»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫إن الحديث وارد في المبتدع‪ ،‬وليس كل من ال يوالي أهل البيت ‪ ‬فهو مبتدع‪ ،‬بل‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫النسبة بينهما هي العموم من وجه‪ ،‬فربما كان الموالي ألهل البيت ‪ ‬مبتدع ًا‪ ،‬وربما‬
‫أن المبتدع هو مؤسس‬ ‫إن ظاهر الرواية ّ‬‫كان غير الموالي لهم ليس مبتدع ًا‪ ،‬باختصار‪ّ :‬‬
‫السب والبهتان والغيبة‬
‫ّ‬ ‫البدعة وليس المتابع له على بدعته جهالً‪ ،‬كما يشير إليه تعليل‬
‫بأن يحذرهم الناس وال يتبعونهم‪.‬‬
‫‪--2‬لو س ّلمنا أن المقصود بأهل البدع كل من لم يكن موالي ًا ألهل البيت عالم ًا كان أم‬
‫إن متن الحديث يصعب جد ًا التصديق‬ ‫ال قاصر ًا أم مقصر ًا‪ ،‬فهذا يدفعنا إلى القول‪ّ :‬‬
‫جاه ً‬
‫بصدوره عن النبي (ص) واألئمة من أهل البيت ‪ ،‬وذلك ألكثر من اعتبار‪:‬‬
‫والسب خلق ذميم وتأباه النفوس األب ّية‬
‫ّ‬ ‫أ ) تضمنه الدعوة إلى اإلكثار من ّ‬
‫سب اآلخرين‪،‬‬
‫والعقول السليمة فكيف يأمر النبي(ص) باإلكثار منه؟ وذلك في مواجهة اآلخرين‪ ،‬بل‬
‫فإن القرآن الكريم يدعو في مخاطبة‬ ‫إن هذا ٍ‬
‫مناف للقرآن الكريم في روحه ومفاهيمه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اآلخر إلى اعتماد القول الحسن‪ ،‬واختيار الكلمة الطيبة والمجادلة بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﴾(((‪ ،‬ودعا إلى اجتناب اللغو‪ ،‬قال سبحانه‪ ﴿ :‬ﱯ‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﴾(((‪،‬‬
‫بالسب؟! هذا ما ال يمكن لنا‬
‫ّ‬ ‫وعليه فكيف يأمر النبي (ص) واألئمة من أهل البيت ‪‬‬
‫قبوله وال التصديق به‪ ،‬كيف وعلي ‪ ‬في أشدّ األوقات صعوبة كان ينهى أصحابه ‪-‬‬
‫سب أهل الشام‪ ،‬قال ‪« :‬وقد سمع أصحابه يسبون أهل الشام‬ ‫فيما روي عنه ‪ -‬عن ّ‬
‫أيام حربهم بصفين‪ :‬إني أكره لكم أن تكونوا سبابين‪ ،‬ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم‬
‫حالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر‪ ،‬وقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن‬
‫دماءنا ودماءهم‪ ،‬وأصلح ذات بيننا وبينهم‪ ،‬واهدهم عن ضاللتهم حتى يعرف الحق من‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.173‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬
‫((( سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬
‫‪37‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫جهله‪ ،‬ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به»(((‪ .‬أجل‪ ،‬بنا ًء على كون المراد بأهل‬
‫البدع هم رؤوس الضالل وأعمدة االنحراف فقد يمكن تفهم األمر في سبهم الذي يراد‬
‫به بيان انحرافهم وفسادهم بالقول للشخص‪ :‬يا مبتدع يا منحرف يا فاسد‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫بيان خطورته أمام الرأي العام وتحذيرهم من خطره على عقائدهم‪.‬‬
‫ب) واألمر اآلخر الذي يبعث على الريبة في المضمون المذكور هو الدعوة إلى المباهتة‪،‬‬
‫بنا ًء على تفسير المباهتة بمعنى البهتان(((‪ ،‬وهو ذكر الشخص بما ليس فيه من المعايب‪،‬‬
‫أن الدعوة إلى الكذب على‬ ‫فإنها ذكره بما فيه‪ .‬ووجه التأمل في ذلك ّ‬‫بخالف الغيبة ّ‬
‫اآلخرين هو منهج يصادم المبادئ القرآنية الداعية إلى اعتماد الحق مضمون ًا وأسلوب ًا‬
‫في مواجهة اآلخر‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲭ ﱺ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﴾(((‪،‬‬
‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﴾(((‪،‬‬
‫قوة الحق‪ ،‬وليس الباطل‪.‬‬
‫فالمطلوب هو دحض الحق ولكن من خالل ّ‬
‫أجل‪ ،‬هناك احتمال آخر في تفسير المباهتة استظهره العالمة المجلسي في مرآة‬
‫أن المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة وجعلهم متحيرين ال‬ ‫العقول قال‪« :‬والظاهر ّ‬
‫يحيرون جواب ًا‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲁ ﲂ ﲃ ﴾ ‪ . »..‬فإذا استظهر هذا الوجه‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫يندفع اإلشكال‪ ،‬لك ّن ما قد يرجح االحتمال األول هو السياق‪ ،‬فإنّه يأمر بالوقيعة واإلكثار من‬
‫السب‪ ،‬على أنّه لو كان المراد االحتمال الثاني لقيل فابهتوهم وليس فباهتوهم‪ ،‬إال أن يكون‬
‫ّ‬
‫المراد مجادلتهم بما يؤدي إلى إبهاتهم وإفحامهم‪.‬‬
‫سب اآلخر المذهبي غير‬ ‫وهكذا اتضح ّ‬
‫أن كل ما سيق من أدلة ومستندات للقول بإباحة ّ‬
‫تامة وال يمكن التعويل عليها‪.‬‬

‫�سب ّ‬
‫كل م�سلم‬ ‫‪4 -4‬الأدلة على حرمة ّ‬
‫سب مطلق المسلم؟ ألنّه إذا لم يتوفر مثل هذا‬ ‫ويبقى ّ‬
‫أن يقال‪ :‬ما الدليل على حرمة ّ‬
‫الدليل‪ ،‬فقد يقال‪ّ :‬‬
‫إن األصل هو البراءة‪ ،‬وال نحتاج معها إلى دليل على مشروعية السب‪.‬‬

‫نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.186‬‬ ‫((( ‬


‫كما يظهر من السيد الخوئي‪ ،‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.701‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫((( ‬
‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬ ‫((( ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.258‬‬ ‫((( ‬
‫مرآة العقول‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.81‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪38‬‬
‫والجواب‪ :‬يمكن أن يذكر أكثر من دليل على الحرمة‪ ،‬كما ّ‬
‫أن ثمة مؤيدات لهذه األدلة‪،‬‬
‫وإليك البيان‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬دليل العقل‬
‫السب ‪ -‬باعتباره مصداق ًا للظلم واإليذاء ‪ -‬وهو‬
‫أن العقل يحكم بقبح ّ‬ ‫وذلك ببيان ّ‬
‫حكم ال يقبل التخصيص‪ ،‬ال بالمسلم وال بغيره‪.‬‬
‫أن دليل العقل ال يخلو من تأمل في المقام؛ ّ‬
‫ألن العقل إنما‬ ‫ولكنك قد عرفت سابق ًا‪ّ ،‬‬
‫يحكم بقبح الظلم‪ ،‬ال السب‪ ،‬فإذا كان سب اآلخر ظلم ًا له وإيذا ًء لقبح‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬السب فحش‬
‫إن السب هو من مصاديق الفحش‪ ،‬والفحش محرم‪.‬‬
‫وتمامية هذا الدليل تتوقف على تمامية صغراه وكبراه‪ ،‬وهذا ما سيأتي توضيحه في‬
‫سب غير المسلم‪.‬‬
‫المبحث الالحق حول ّ‬
‫الدليل الثالث‪ :‬الروايات‬
‫السب‪ ،‬وإليك‬
‫ّ‬ ‫وهذا الدليل يتم فيه التمسك بإطالق الروايات المعتبرة الواردة في حرمة‬
‫ما عثرنا عليه مما يصلح لالستدالل‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬موثقة أبي بصير عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص) «سباب‬
‫المؤمن فسوق‪ ،‬وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه»(((‪.‬‬
‫وقد أورد بعض الفقهاء((( رواية أبي بصير هذه بصيغة «سباب المسلم»‪ ،‬والظاهر‬
‫حصول الخلط عنده بينها وبين رواية أبي ذر اآلتية‪.‬‬
‫وأبعد منه ما ذكره ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬من احتمال ّ‬
‫أن «سباب» في الموثقة هو بصيغة المبالغة(((‪،‬‬
‫فإنه خالف الظاهر جد ًا فال ُيعتنى به‪.‬‬
‫مع اتضاح ذلك نقول في تقريب االستدالل بالرواية‪ّ :‬‬
‫إن لفظ «المؤمن» عندما يرد على‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،282‬الباب ‪ ،152‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪.12‬‬
‫((( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.292‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫لسان رسول الله (ص)‪ ،‬فال يراد منه ‪ -‬كما سلف ‪ -‬المؤمن بالمعنى األخص‪ ،‬وإنما يراد به‬
‫من آمن بالله ورسوله واليوم اآلخر‪.‬‬
‫ثم إنّه لو فرضنا جدالً ّ‬
‫أن هذه الرواية ونظائرها خاصة بالمؤمن االثني عشري‪ ،‬فإنّها ال‬ ‫ّ‬
‫تمنع من التمسك باإلطالق اآلتي الشامل لكل مسلم‪ّ ،‬‬
‫ألن رواية أبي بصير ال مفهوم لها‪ ،‬إال‬
‫على القول بحجية مفهوم اللقب‪ ،‬مع أنّه ليس بحجة بإجماع األصوليين‪ ،‬وال يخفى أيض ًا أنّه‬
‫ال تنافي بين مثبتين‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬خبر السكوني عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬س ّباب‬
‫المؤمن كالمشرف على الهلكة»(((‪.‬‬
‫أن سباب المؤمن يؤدي إلى الهلكة‪ ،‬فيكون‬‫أن الرواية د ّلت على ّ‬
‫وتقريب االستدالل‪ّ :‬‬
‫حرام ًا‪ ،‬والمؤمن الوارد على لسانه (ص) ‪ -‬كما عرفت ‪ُ -‬يراد به المسلم الذي آمن بالله‬
‫ورسوله واليوم اآلخر‪.‬‬
‫ويالحظ على االستدالل بهذه الرواية بمالحظتين‪ :‬إحداهما في السند‪ ،‬واألخرى في‬
‫الداللة‪:‬‬
‫أما السند‪ ،‬فالسكوني فهو وإن لم يكن إمامي ًا لكنه ثقة‪ ،‬وقد عملت الطائفة برواياته‪،‬‬
‫قال الشيخ في العدة‪ ..« :‬وألجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث‪ ،‬وغياث‬
‫بن كلوب ونوح بن دراج((( والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا فيما لم ينكروه ولم يكن‬
‫عندهم خالفه»((( فال يبقى إال توثيق النوفلي‪ ،‬وهو محل إشكال بينهم‪ ،‬وال يبعد الوثوق به(((‪.‬‬
‫ّأما داللة‪ ،‬فقد يعترض على داللة الرواية باعتراضين‪:‬‬
‫إن الرواية واردة في «الس ّباب» بصيغة المبالغة‪ ،‬وهو َم ْن يكون معتاد ًا على ّ‬
‫السب‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫السب مطلق ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومداوم ًا عليه‪ ،‬وتحريم كون المكلف س ّباب ًا ال يالزم حرمة‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.359‬‬ ‫((( ‬


‫السنة‪ ،‬مع أن العديد من الشواهد تدل‬
‫ُّ‬ ‫رواة‬ ‫عداد‬ ‫في‬ ‫دراج‬ ‫بن‬ ‫نوح‬ ‫عدّ‬ ‫استغربوا‬ ‫ولكن بعض الرجاليين‬ ‫(( (‬
‫على تش ُّيعه‪ ،‬وقد أكّد السيد الخوئي أنه شيعي صحيح االعتقاد‪ .‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪،20‬‬
‫ص ‪.198‬‬
‫عدة األصول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.380‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الملحق رقم (‪ ،)1‬ج ‪.2‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪40‬‬
‫‪ّ --2‬‬
‫إن قوله‪« :‬كالمشرف على الهلكة» ال ظهور له في الحرمة((( وإنّما غايته المبغوضية‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬ما ورد من طرق الفريقين‪ ،‬عن رسول الله (ص)‪« :‬يا أبا ذر سباب المسلم‬
‫فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله‪ ،‬وحرمة ماله كحرمة دمه»(((‪.‬‬
‫وتقريب االستدالل بها واضح‪ ،‬وقد سلف أنّه ال تنافي بينها وبين رواية «سباب المؤمن»‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬ما ورد في الحديث الشريف‪« :‬المسلم من سلم المسلمون من لسانه‬
‫السنة عن رسول الله (ص)(((‪،‬‬
‫ويده»‪ ،‬وهو حديث مروي من طرق الفريقين‪ ،‬فقد رواه ّ‬
‫ورواه الشيعة عن أبي جعفر الباقر ‪ ‬بسند صحيح(((‪ .‬وروته المصادر التاريخ ّية عن أمير‬
‫حرم ُحرم ًا‬
‫«إن الله ّ‬
‫المؤمنين ‪ ‬مما قاله ‪ ‬في أول خطبة خطبها حين استخلف وجاء فيها‪ّ :‬‬
‫الحرم ك ّلها‪ ،‬وشدّ باإلخالص والتوحيد المسلمين‪.‬‬
‫وفضل حرمة المسلم على ُ‬
‫غير مجهولة‪ّ ،‬‬
‫والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إال بالحق ال يحل أذى المسلم إال بما يجب»(((‪.‬‬
‫أن المسلم من سلم المسلمون من‬ ‫أن الرواية وبتنصيصها على ّ‬
‫وتقريب االستدالل‪ّ :‬‬
‫يده ولسانه‪ ،‬فقد د ّلت ‪ -‬وبعكس النقيض ‪ -‬على ّ‬
‫أن من لم يسلم المسلمون من لسانه أو يده‬
‫فهو ليس بمسلم‪ ،‬ومعلوم أنّه ليس المقصود بنفي إسالمه إخراجه حقيقة عن الدين والحكم‬
‫بكفره‪ ،‬فيحمل على أقرب المجازات‪ ،‬وهو إخراجه عن االستقامة الدينية‪ ،‬فيكون المراد ّ‬
‫أن‬
‫اإلسالم التام ال يكون ّإل بأن يسلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬فإن لم يسلموا منه فإسالمه‬
‫ناقص‪ ،‬فيدل ذلك على حرمة النيل باليد أو اللسان من المسلم اآلخر‪ ،‬أي ًا كان مذهبه‪ّ ،‬‬
‫والسب‬
‫سب مسلم ًا ال يصدق عرف ًا أنّه‬ ‫هو أحد أبرز مصاديق النيل من الناس‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن من ّ‬
‫قد سلم المسلمون من لسانه‪.‬‬

‫فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.293‬‬ ‫((( ‬


‫الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ ،9‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪ .‬والسند كما هو مذكور‬ ‫(( (‬
‫في الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪ ،143‬برقم ‪ ،9‬ال يصح‪ .‬وانظر من طرق السنة‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،17‬‬
‫وج‪ ،7‬ص ‪ .84‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.59‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،8‬وج‪ ،7‬ص ‪ .186‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .48‬وسنن أبي داود‪ ،‬ج ‪،1‬‬ ‫(( (‬
‫ص ‪.556‬‬
‫صرح بصحته في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.242‬‬
‫انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .234‬وقد ّ‬ ‫((( ‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.457‬‬ ‫(( (‬
‫‪41‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬وفي الخبر عن سهل بن سعد عن النبي (ص) أنه قال‪« :‬ال تسبوا ت ّبع ًا‬
‫فإنّه كان قد أسلم»(((‪.‬‬
‫فقد عللت النهي عن س ّبه بأنّه قد أسلم ما يعني ّ‬
‫أن كل مسلم ال يجوز س ّبه‪ ،‬وسيأتي في‬
‫مبحث اللعن أنّه قال (ص)‪« :‬ال تلعنوا تبع ًا‪.»..‬‬
‫الرواية السادسة‪ :‬صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم ‪ :‬في رجلين‬
‫يتسابان؟ قال‪« :‬البادي منهما أظلم‪ ،‬ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم»(((‪.‬‬
‫ظلم وفيه وزر وإثم‪ ،‬ولكن إثم البادئ أكثر‪ ،‬وهي مطلقة من خالل‬
‫السب ٌ‬
‫ّ‬ ‫فإنها د ّلت على ّ‬
‫أن‬
‫ترك االستفصال‪.‬‬
‫الرواية السابعة‪ :‬صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال‪« :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن‬
‫سب رج ً‬
‫ال بغير قذف يعرض به هل يجلد؟ قال‪ :‬عليه تعزير»(((‪.‬‬ ‫رجل ّ‬
‫الرواية الثامنة‪ :‬رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬إذا قال للرجل‪ :‬أنت‬
‫خبيث وأنت خنزير فليس فيه حد‪ ،‬ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة»(((‪.‬‬
‫إن هذه الروايات ليست بصدد بيان أصل حكم السب‪ ،‬وإنما بصدد بيان أمر‬ ‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫آخر فال يستفاد من إطالقها‪ ،‬ألنها ليست بصدد البيان من جهة أصل الحكم‪.‬‬
‫تم فإنما يتم في الرواية السابعة‪ ،‬أ ّما الروايتان الخامسة والسادسة‬
‫فالجواب‪ :‬إن هذا لو ّ‬
‫فحيث إنهما كانتا إجابتين على سؤال‪ ،‬فيكون ترك االستفصال فيهما دليل العموم‪.‬‬
‫إن هذه الروايات د ّلت بإطالقها على حرمة السب مطلق ًا‪ ،‬أي ًا كان‬
‫وخالصة الكالم‪ّ :‬‬
‫وبضم الباقي إليها يحصل الوثوق بصدور هذا المضمون‬ ‫ّ‬ ‫المسبوب‪ ،‬وبعضها صحيح السند‪،‬‬
‫عن المعصوم‪.‬‬
‫وسب اآلخر!‬
‫ّ‬ ‫مدرسة أهل البيت ‪‬‬
‫سب مطلق المسلم وغيره‪ ،‬هو ّ‬
‫أن مدرسة أهل البيت ‪‬‬ ‫ومما قد يعدّ مؤيد ًا لحرمة ّ‬
‫ّ‬

‫ج ‪ ،8‬ص ‪.76‬‬ ‫مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .111‬مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .340‬ومجمع الزوائد للهيثمي‪،‬‬ ‫((( ‬
‫والجامع الصغير للسيوطي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .736‬وكنز العمال‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.80‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.360‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.240‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.241‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪42‬‬
‫وهي المدرسة اإلسالمية األصيلة التي تقدم نفسها على أنّها حاملة مشروع الهداية والحقيقة‬
‫وأنّها تحتضن كل الناس من المسلمين وغيرهم‪ ،‬وتقدّ م نفسها باعتبارها الضامنة آلمالهم‬
‫إن مدرسة كهذه ال يعقل أن تتعامل مع اآلخر مسلم ًا أو غير مسلم بهذا‬ ‫وطموحاتهم‪ّ ،‬‬
‫السب هو عمل‬
‫ّ‬ ‫االحتقار‪ ،‬فتسمح أو تأمر بس ّبه أو لعنه أو غيبته‪ ،‬وتعلن أنه ال حرمة له‪ ،‬مع ّ‬
‫أن‬
‫قبيح في ميزان األخالق الفاضلة وفي منطق العقل والعقالء؟! فكيف يسمح األئمة ‪ ‬به أو‬
‫يأمرون به أو يعدونه عبادة‪ ،‬كما ذكر صاحب الجواهر؟!‬

‫المرحلة الثالثة‪� :‬سبّ غير الم�سلم‬


‫سب غير المسلم كأهل الكتاب أو المشركين والملحدين؟‬
‫يبقى أنّه ما هو حكم ّ‬
‫السب تارة يكون قذف ًا للمسبوب ورمي ًا له أو ألمه أو أبيه أو غيرهما‬
‫إن ّ‬‫والجواب‪ّ :‬‬
‫بارتكاب الفاحشة‪ ،‬وأخرى يكون بغير قذف‪ ،‬فالكالم في مقامين‪:‬‬
‫السب قذف ًا‬
‫ّ‬ ‫المقام األول‪:‬‬
‫محرم للمسلم ولغيره‪ ،‬واإلسالم اعترف بأنكحة وزواج غير‬ ‫السب قذف ًا‪ ،‬فهو ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا كان‬
‫ويدل على حرمة قذفهم‬‫ّ‬ ‫«أن لكل قوم نكاح ًا يعتصمون به عن الزنا»‪،‬‬
‫المسلمين‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫عما إذا استوجب ذلك حد ًا أو تعزير ًا‪:‬‬
‫العديد من الروايات‪ ،‬بصرف النظر ّ‬
‫‪--1‬خبر عمرو بن نعمان الجعفي قال‪« :‬كان ألبي عبد الله ‪ ‬صديق ال يكاد يفارقه إذا‬
‫ذهب مكان ًا‪ ،‬فبينما هو يمشي معه في الحذائين ومعه غالم له سندي يمشي خلفهما‪ ،‬إذ‬
‫التفت الرجل يريد غالمه ثالث مرات فلم يره فلما نظر في الرابعة‪ ،‬قال‪ :‬يا ابن الفاعلة‬
‫أين كنت؟ قال‪ :‬فرفع أبو عبد الله ‪ ‬يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال‪ :‬سبحان الله‬
‫إن أمه سندية‬ ‫تقذف أمه‪ ،‬قد كنت أرى لك ورع ًا فإذا ليس لك ورع! فقال‪ :‬جعلت فداك ّ‬
‫تنح عني»‪ ،‬قال‪ :‬فما رأيته يمشي معه حتى‬ ‫أن لكل أمة نكاح ًا‪َّ ،‬‬ ‫مشركة‪ ،‬فقال‪« :‬أما علمت ّ‬
‫«إن لكل أمة نكاح ًا يحتجزون به عن الزنا»(((‪.‬‬ ‫ّفرق الموت بينهما»‪ ،‬وفي رواية ّ‬
‫‪--2‬صحيحة َأبِي ا ْل َح َس ِن ا ْل َح َّذ ِاء َق َال‪ُ « :‬كن ُْت ِعنْدَ َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ف َس َأ َلنِي َر ُج ٌل‪َ :‬ما َف َع َل‬
‫اع َل ِة‪َ ،‬فنَ َظ َر إِ َل َّي َأ ُبو َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ن َظر ًا َش ِديد ًا! َق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت‪:‬‬
‫اك ابن ا ْل َف ِ‬
‫َغ ِر ُ‬
‫يم َك؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ذ َ ْ ُ‬

‫الحر العاملي في الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،36‬باب ‪ 36‬باب تحريم‬


‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .224‬وقد أورده ّ‬
‫القذف حتى للمشرك مع عدم االطالع‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وس ٌّي ُأ ُّمه ُأ ْختُه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬أو َل ْي َس َذلِ َك فِي ِدينِ ِه ْم نِكَاح ًا»(((‪ .‬ونظره ‪‬‬ ‫اك إِنَّه مج ِ‬
‫ُجع ْل ُت فدَ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشديد إليه إنما هو ‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬لتلفظه بما هو محرم‪ ،‬فهو نوع من إنكار المنكر‬
‫بسبب جرأته على رمي أم ذاك الرجل بالزنا‪ ،‬وأما لو كان مكروه ًا فال يستوجب مثل‬
‫هذا النظر‪.‬‬
‫وس ّي ًا ِعنْدَ َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ال مج ِ‬
‫ف َر ُج ٌل َر ُج ً َ ُ‬ ‫َان َق َال‪َ :‬ق َذ َ‬ ‫‪--3‬صحيحة َعب ِد ال َّله ب ِن ِسن ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاح في دين ِه ْم» ‪.‬‬
‫(((‬
‫الر ُج ُل‪ :‬إِنَّه َينْك ُح ُأ َّمه َأ ْو ُأ ْختَه! َف َق َال‪َ :‬ذل َك عنْدَ ُه ْم نك ٌ‬ ‫« َمه‪َ .‬ف َق َال َّ‬
‫ال ْفتِ َر ِاء َع َلى َأ ْه ِل‬
‫اع َيل ب ِن ا ْل َف ْض ِل (الفضيل) َق َال‪« :‬س َأ ْل ُت َأبا َعب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ِن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪--4‬خبر إِسم ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاب َه ْل ُي ْج َلدُ ا ْل ُم ْس ِل ُم ا ْل َحدَّ في ال ْفت َراء َع َل ْي ِه ْم؟ َق َال‪َ :‬ل و َلك ْن ُي َع َّز ُر»(((‪.‬‬ ‫الذ َّم ِة و َأ ْه ِل ا ْلكت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫ف َم ْن َل ْي َس َع َلى ِ‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫َان َعن َأبِي َعب ِد ال َّله ‪َ ‬أنَّه نَهى َعن َق ْذ ِ‬ ‫‪--5‬صحيح َعب ِد ال َّله ب ِن ِسن ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ُون َأ ْن َيك َ‬
‫ُون َقدْ ك ََذ َب»(((‪.‬‬ ‫إِ َّل َأ ْن َي َّط ِل َع َع َلى َذلِ َك ِمن ُْه ْم و َق َال‪َ « :‬أ ْي َس ُر َما َيك ُ‬
‫اإل ْس َل ِم إِ َّل‬
‫َان َع َلى َغ ْي ِر ِ‬
‫ف َم ْن ك َ‬ ‫‪--6‬صحيح ا ْلح َلبِي َعن َأبِي َعب ِد ال َّله ‪َ « :‬أنَّه نَهى َعن َق ْذ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ ْ‬
‫ُون َق ِد ا َّط َل ْع َت َع َلى َذل َك منْه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫ولك ّن هذين الخبرين يدالن على الجواز في صورة العلم بصدور الزنا من غير المسلم‪،‬‬
‫ومن الطبيعي أن المقصود بالنكاح هو النكاح بحسب دينه ومعتقده‪.‬‬
‫السب بدون قذف‬
‫ّ‬ ‫المقام الثاني‪:‬‬
‫السب بغير القذف‪ ،‬فهل يمكن الحكم بحرمته أيض ًا؟ وما هو المستند لذلك؟‬
‫ّ‬ ‫إذا كان‬
‫السب ولكن للحكم بالحرمة وجه ًا وجيه ًا‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن المشهور هو جواز‬
‫يستدعي بحث المسألة في نقطتين‪ ،‬نتطرق في األولى إلى الوجوه التي يمكن االستدالل بها‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .240‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .75‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.540‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .574‬وعنه تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.486‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .240‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .75‬وقد ع ّبر عنها كثيرون بالخبر أو الرواية‪.‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪ .439‬ومجمع الفائدة‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ .143‬بينما ع ّبر بعضهم عنها‬
‫بالموثقة كالصحيحة‪ ،‬انظر‪ :‬روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .105‬أو المعتبرة‪،‬‬
‫انظر‪ :‬مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،28‬ص ‪.18‬‬
‫الكافي ج ‪ 7‬ص ‪ ،240‬وتهذيب األحكام ج ‪ 10‬ص ‪.75‬‬ ‫((( ‬
‫(( ( المصدران نفسهما‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪44‬‬
‫ثم نعرض في النقطة الثانية ألدلة القول بعدم حرمة‬
‫سب اآلخر ولو كان غير مسلم‪ّ ،‬‬
‫لحرمة ّ‬
‫س ّبه‪:‬‬
‫سب غير المسلم‬
‫النقطة األولى‪ :‬أدلة حرمة ّ‬
‫يتم االستناد في هذا المجال إلثبات حرمة سب كل إنسان إلى حكم العقل المتقدم‪،‬‬ ‫قد ّ‬
‫أن السب ‪ -‬كما تقدم سابق ًا ‪ -‬عمل قبيح في ميزان األخالق الفاضلة وال يعقل أن‬
‫مضاف ًا إلى ّ‬
‫ال عن أن يأمروا به‪ ،‬ولو كان المسبوب غير مسلم‪.‬‬‫يبيحه أهل البيت ‪ ،‬فض ً‬
‫السب مع مدرسة أهل البيت ‪ ‬إن‬
‫ّ‬ ‫وهذان الوجهان‪ ،‬وهما حكم العقل‪ ،‬وعدم انسجام‬
‫لم يصلحا لالستدالل لما تقدم من إمكانية النقاش فيهما في المرحلة السابقة‪ ،‬فهما يصلحان‬
‫للتأييد‪ .‬ويبقى المستند األساس لتعميم الحرمة لكل إنسان هو الروايات‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫عدّ ة مجاميع‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما تقدم في المرحلة السابقة من األحاديث برقم (‪ )7 ،6 ،5‬حيث إن‬
‫ترك االستفصال فيها دليل العموم‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ّ‬
‫دل على ّ‬
‫أن المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده‪ ،‬أو نحو هذا‬
‫المضمون الذي يجعل فيه موضوع النهي هو الناس‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪--1‬ما رواه الصدوق عن أبيه عن عبد الله بن جعفر (الحميري) عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن‬
‫مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪ ..« :‬أال‬
‫أنبئكم من المسلم؟ من سلم الناس من يده ولسانه»(((‪.‬‬
‫والرواية من حيث السند معتبرة(((‪.‬‬

‫(( ( علل الشرائع للصدوق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .523‬وصفات الشيعة‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫والبترية فرقة من فرق الزيدية‪ ،‬وقد‬ ‫(( ( هارون بن مسلم ثقة وجيه‪ .‬مسعدة‪ ،‬قيل‪ :‬عامي‪ ،‬وقيل‪ :‬بتري‪،‬‬
‫و ّثقه السيد الخوئي على مبناه القديم‪ ،‬لكونه من رجال كامل الزيارات «وإن لم يوثق صريح ًا» على‬
‫حد قوله‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ .383‬أما الشهيد الصدر فضعف رواياته‪ ،‬لعدم‬
‫ثبوت وثاقته‪ ،‬انظر‪ :‬بحوث في شرح العروة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .90‬وقد وثقه بعض األعالم بطريقة أخرى وهي‬
‫مالحظة متانة رواياته وقوة مضمونها‪ ،‬يقول المجلسي األول‪« :‬والذي يظهر من أخباره أنه ثقة‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫جميع ما يرويه في غاية المتانة والموافقة لما يرويه الثقات‪ ،‬ولذا عملت الطائفة برواياته‪ ،‬كما عملت‬
‫بروايات غيره من العامة»‪ ،‬لكنه ليس من رجال العدة كما ظن في الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم‪،‬‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪.338‬‬
‫‪45‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--2‬وفي معاني األخبار روى عن أبيه عن سعد بن عبد الله‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد الله(((‪،‬‬
‫عن أبيه(((‪ ،‬عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫«المسلم من سلم الناس من يده ولسانه والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم‬
‫السنة باللفظ عينه(((‪.‬‬
‫وأنفسهم» ‪ ،‬والحديث مروي من طرق ُّ‬
‫(((‬

‫والغريب في المقام خلو المجاميع الحديثية المتأخرة ذات الطابع الفقهي(((‪ ،‬من قبيل‬
‫«وسائل الشيعة» أو «مستدرك الوسائل»‪ ،‬أو «جامع أحاديث الشيعة» من هذين الخبرين ‪-‬‬
‫بحسب التتبع ‪ ،-‬وهو أمر مستغرب‪.‬‬
‫عرفاه بأنّه من سلم الناس‬
‫وتقريب االستدالل بهما أنّهما‪ :‬في مقام بيان تعريف المسلم‪ ،‬وقد ّ‬
‫من يده ولسانه‪ ،‬ما يعني ‪ -‬كما أسلفنا ‪ّ -‬‬
‫أن من لم يسلم الناس من يده وبطشه أو من لسانه ‪ -‬سواء‬
‫بسب أو غيبة أو غيرها ‪ -‬فهو ليس بمسلم‪ .‬ونفي اإلسالم في المقام ظاهر في الحرمة‪ ،‬ويراد‬
‫كان ٍّ‬
‫إن إسالمه ناقص‪ ،‬وال يراد به نفي اإلسالم العقدي والحكم بكفره‬ ‫به نفي كمال اإلسالم‪ ،‬أي ّ‬
‫وإخراجه عن الدين كما ال يخفى‪ .‬وحمل هذا اللسان على الكراهة خالف الظاهر‪.‬‬
‫وكون الموضوع في هذه األخبار الناس ال ينافي ما تقدم في حديث آخر من جعل‬
‫الموضوع هو المسلم‪ ،‬فهذا ال يضر‪ ،‬وال يخلق مشكلة‪ ،‬ألنّه ال تنافي بين مثبتين‪.‬‬
‫«إن رج ً‬
‫ال من تميم أتى النبي(ص) وقال‪ :‬أوصني‪،‬‬ ‫‪--3‬صحيح أبي بصير عن الباقر ‪ ‬قال‪ّ :‬‬
‫فكان فيما أوصاه أن قال‪ :‬ال تسبوا الناس فتكسبوا العداوة لهم»(((‪.‬‬

‫هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي‪ ،‬قال النجاشي‪« :‬وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد‬ ‫(( (‬
‫المراسيل»‪ ،‬انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫قال النجاشي‪« :‬وكان محمد ضعيف ًا في الحديث»‪ .‬انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪ .335‬ووثقه الشيخ‪ ،‬أما‬ ‫(( (‬
‫ابن الغضائري فقال‪ :‬حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل‪.‬‬
‫معاني األخبار‪ ،‬ص ‪.239‬‬ ‫(( (‬
‫راجع‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .440‬وسنن النسائي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.105‬‬ ‫(( (‬
‫المجاميع الحديثية على صنفين‪ ،‬الصنف األول‪ :‬هو المجاميع ذات الطابع الفقهي وهي التي أراد‬ ‫(( (‬
‫مؤلفوها أن تشكل مصدر ًا للبحث الفقهي فرتبوها ترتيب األبواب الفقهية‪ ،‬ومن أبرزها كتاب‬
‫«التهذيب» و«االستبصار» للشيخ و«من ال يحضره الفقيه» للصدوق و«الوسائل» للحر العاملي وكتاب‬
‫«مستدرك الوسائل» للنوري‪ ،‬وكتاب «جامع أحاديث الشيعة» للبروجردي‪ .‬والصنف الثاني‪ :‬هو‬
‫المجاميع التي لم تؤلف لغاية فقهية صرفة‪ ،‬وهذه على أقسام فمنها المجاميع العامة والتي تضم شتى‬
‫األخبار أي ًا كان موضوعها‪ ،‬ومنها المجاميع الخاصة بجمع أخبار في نطاق محدد‪.‬‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص‪ ،297‬باب ‪ 158‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪.2‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪46‬‬
‫السب في الجملة(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقد استدل بها الشيخ األنصاري على حرمة‬
‫أن النهي عن السب إرشادي إلى ما يترتب عليه‬ ‫واعت ُِر َض على داللته‪ّ :‬‬
‫بأن «ظاهره ّ‬
‫من مفسدة العداوة التي ال تكون لزوم ّية‪ ،‬ال سيما من حيث إطالق العداوة من حيث عداوة‬
‫المؤمن وعداوة غيره»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على كالمه‪:‬‬
‫إن ظاهر النهي هو المولوية وال يحمل على اإلرشادية إال مع القرينة‪ ،‬وال قرينة‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫‪ -‬في المقام ‪ -‬موجبة لحمله على اإلرشادية‪ ،‬إال قوله‪« :‬فتكسبوا العداوة»‪ ،‬ولكن يمكن‬
‫السب‪ ،‬والحكمة‬
‫ّ‬ ‫التشكيك في قرينيته على اإلرشادية‪ّ ،‬‬
‫فإن اكتساب العداوة هو حكمة تحريم‬
‫إن قوله (ص)‪« :‬ال تسبوا الناس» ظاهر في الحرمة‪ ،‬وال‬ ‫ال تنافي المولوية‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫موجب لرفع اليد عن الحرمة ّإل بقرينة واضحة؛ والتعليل ال يصلح قرينة على ذلك‪ ،‬بل هو‬
‫ويحرمه ويسد بابه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السب‬
‫ّ‬ ‫إن لم يكن مؤكد ًا للحرمة فإنّه ال ينافيها‪ ،‬فالشارع الحكيم ينهى عن‬
‫ْ‬
‫ألنّه سبب للعداوة‪.‬‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬سلمنا بإرشادية النهي‪ ،‬ولك ْن لماذا ال تكون مفسدة العداوة المترتبة على‬
‫مفسدة لزوم ّية؟! وما القرينة أو الدليل على كونها غير لزومية؟! أليست العداوة سبب ًا للشحناء‬
‫ِ‬
‫ومثار ًا للفتن‪ ،‬فل َم ال تكون مفسدة لزوم ّية؟ وقد ّ‬
‫حرم الله تعالى الخمر والميسر ألنهما يتسببان‬
‫بالعداوة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪،‬‬
‫نعم إذا كان اآلخر حربي ًا فالمطلوب من المسلم عداوته بسبب حرابته‪ ،‬ال لعدم إسالمه‪ .‬وهل‬
‫أن عداوة كل الناس من غير المؤمنين والمسلمين مطلوبة؟!‬ ‫يمكن أن يزعم فقيه ّ‬
‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫إن تبرير حرمة السب فيها بلزوم العداوة يقتضي عدم الحرمة إذا كان السب ال‬
‫سب شخص ًا غائب ًا أو عابر سبيل دون أن يسمعه‪.‬‬
‫يلزم منه ذلك‪ ،‬كما لو ّ‬
‫أن قوله‪« :‬فتكسبوا‪ »..‬هو علة‪ ،‬والع ّلة تخصص‪ ،‬مع‬‫أن هذا يصح بنا ًء على ّ‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫وإل الطرد ذلك حتى في المؤمن‪ ،‬بمعنى أنّه إذا لم يلزم من‬ ‫أن الظاهر كونها ِحك َْم ًة ال علة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫س ّبه العداوة فال يكون ثمة مانع من س ّبه‪.‬‬

‫(( ( المكاسب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .254‬ولكن رواه هكذا‪« :‬ال تسبوا فتكسبوا العداوة»‪.‬‬
‫((( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.293‬‬
‫(( ( سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.91‬‬
‫‪47‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫سب المؤمن إن لم يترتب على‬‫إن قلت‪ :‬يمكن االلتزام بمفاد التعليل المقتضي لجواز ّ‬
‫س ّبه عداوة لوال قيام الدليل على المنع من انتهاك حرمة المؤمن أو س ّبه من دليل آخر‪.‬‬
‫أن هذا اللسان هو لسان بيان الحكمة وليس العلة‪ ،‬ولو كان ع ّلة فقد عرفت‬
‫قلت‪ :‬قد عرفت ّ‬
‫بأن الدليل قائم على حرمة كل مسلم وليس خصوص المؤمن‪.‬‬ ‫في المرحلة الثانية المتقدمة‪ّ ،‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬ما ورد بعنوان «ال تسبوا أهل الشرك»‪ ،‬وذلك من قبيل خبر إسحاق‬
‫بن عمار قال‪ :‬قال الصادق ‪« :‬مال الناصب وكل شيء يملكه حالل لك إال امرأته‪ ،‬فإن‬
‫نكاح أهل الشرك جائز‪ ،‬وذلك أن رسول الله(ص) قال‪ :‬ال تسبوا أهل الشرك‪ ،‬فإن لكل قوم‬
‫نكاح ًا‪ ،‬ولوال أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم والرجل منكم خير من ألف‬
‫رجل منهم ومائة ألف منهم ألمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى اإلمام»(((‪.‬‬
‫ولك ّن الرواية من حيث السند مرسلة‪ ،‬وال تنهض حجة‪.‬‬
‫بأن لكل قوم نكاح ًا‪،‬‬‫إن تعليل النهي عن سب المشركين ّ‬ ‫وأ ّما داللة‪ ،‬فال يبعد القول‪ّ :‬‬
‫بالسب هو رميه وقذفه بكونه ابن زنا‪ .‬وأ ّما مسألة حل ّية مال‬
‫ّ‬ ‫ال وجه له إال أن يكون المقصود‬
‫الناصب فقد تقدّ م بحثها في الباب السابق من هذا الكتاب‪.‬‬
‫السب داخل في الفحش‪ ،‬ما يشكل صغرى لكبرى‬ ‫ّ‬ ‫دل على ّ‬
‫أن‬ ‫المجموعة الرابعة‪ :‬ما ّ‬
‫حرمة الفحش‪ ،‬وما عثرنا عليه من األخبار مما يصلح نموذج ًا لهذه المجموعة هو ما جاء‬
‫ول ال َّله (ص) و َع ِائ َش ُة‬ ‫ود ٌّي َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫في صحيح ُزرار َة َعن َأبِي جع َف ٍر ‪َ ‬ق َال‪ :‬د َخ َل يه ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ُر‪َ ،‬ف َق َال م ْث َل َذل َك‪،‬‬ ‫ول ال َّله (ص)‪َ :‬ع َل ْيك ُْم‪ُ ،‬ث َّم َد َخ َل َ‬ ‫السا ُم َع َل ْيك ُْم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫عنْدَ ه َف َق َال‪َّ :‬‬
‫ول ال َّله (ص) ك ََما َر َّد‬ ‫آخ ُر َف َق َال ِم ْث َل َذلِ َك‪َ ،‬ف َر َّد َر ُس ُ‬‫احبِه‪ُ ،‬ث َّم َد َخ َل َ‬ ‫َفرد َع َليه كَما رد َع َلى ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َ َّ‬
‫ِ‬
‫ب وال َّل ْعنَ ُة َيا َم ْع َش َر ا ْل َي ُهود َيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السا ُم وا ْل َغ َض ُ‬ ‫َع َلى َصاح َب ْيه‪َ ،‬ف َغض َب ْت َعائ َش ُة! َف َقا َل ْت‪َ :‬ع َل ْيك ُُم َّ‬
‫َان‬‫ال َلك َ‬ ‫ول ال َّله (ص)‪َ :‬يا َع ِائ َش ُة إِ َّن ا ْل ُف ْح َش َل ْو ك َ‬
‫َان ُم َم َّث ً‬ ‫إِ ْخ َو َة ا ْل ِق َر َد ِة وا ْل َخن َِاز ِير‪َ ،‬ف َق َال َل َها َر ُس ُ‬
‫وض ْع َع َلى َش ْي ٍء َق ُّط إِ َّل َزانَه و َل ْم ُي ْر َف ْع َعنْه َق ُّط إِ َّل َشانَه‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬يا‬ ‫الر ْف َق َل ْم ُي َ‬
‫ٍ‬
‫م َث َال َس ْوء‪ ،‬إِ َّن ِّ‬
‫ِ‬
‫ت َما َر َد ْد ُت َع َل ْي ِه ْم‪ُ ،‬ق ْل ُت‪:‬‬ ‫ول ال َّله أما س ِمع َت إِ َلى َقولِ ِهم السام َع َليكُم‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ب َلى أما س ِمع ِ‬ ‫َر ُس َ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َّ ُ ْ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َع َل ْيك ُْم‪َ ،‬فإِ َذا َس َّل َم َع َل ْيك ُْم ُم ْس ِل ٌم َف ُقو ُلوا‪َ :‬س َل ٌم َع َل ْيك ُْم وإِ َذا َس َّل َم َع َل ْيك ُْم كَافِ ٌر َف ُقو ُلوا َع َل ْي َك»(((‪.‬‬

‫(( ( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .388‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪ ،80‬الحديث ‪ 2‬من الباب ‪ 26‬من‬
‫أبواب جهاد العدو‪.‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.648‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪48‬‬
‫أن ما قالته عائشة في مواجهة اليهود لم يكن فحش ًا بالمعنى الذي يستقبح‬
‫إن من الواضح ّ‬‫ّ‬
‫السب أو دونه‪ ،‬ومع ذلك عدّ ه النبي (ص) فحش ًا‬
‫ّ‬ ‫ذكره والتصريح به‪ ،‬وإنما هو من مصاديق‬
‫ولو من باب التوسع في المفهوم الذي يستدعي االشتراك في الحكم‪ .‬فإذا كان كالمها سب ًا‬
‫ال في الحكم باألولوية‪ .‬ويمكن‬ ‫فاألمر يكون واضح ًا‪ ،‬وإذا كان دون السب فيكون السب داخ ً‬
‫أن يدعى أن دخول السب في البذاء ال يحتاج إلى دليل خاص‪ ،‬فهذا ما يشهد به العرف‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫كلمات السباب تعد من البذاء بنظر العرف‪ ،‬لكنه ال يخلو من تأمل‪ ،‬وعلى فرضه فهو ليس‬
‫مطرد ًا في كل األلفاظ‪.‬‬
‫هذا كله في تحقيق الصغرى‪ ،‬وأما الكبرى أعني حرمة الفحش‪ ،‬فقد التزم بها غير‬
‫ولعل أقواها داللة هي صحيحة أبي‬ ‫واحد من الفقهاء(((‪ ،‬استناد ًا إلى العديد من األخبار‪ّ ،‬‬
‫عبيدة الحذاء‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬الحياء من االيمان‪ ،‬واإليمان في الجنة‪ ،‬والبذاء من‬
‫الجفاء‪ ،‬والجفاء في النار»(((‪ .‬والبذاء بمعنى الفحش‪ .‬وفي خبر ا ْل َح َس ِن َّ‬
‫الص ْي َق ِل َق َال‪َ :‬ق َال َأ ُبو‬
‫ِ (((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وثمة روايات أخرى ال يستفاد‬ ‫َع ْبد ال َّله ‪« :‬إِ َّن ا ْل ُف ْح َش وا ْل َب َذا َء َّ‬
‫والس َل َط َة م َن النِّ َفاق» ‪ّ ،‬‬
‫منها أكثر من حرمة اعتياد الفحش(((‪ ،‬بحيث يغدو سج ّية للشخص‪ ،‬وال تشمل من تل ّفظ‬
‫بكلمات الفحش في حاالت نادرة ومتفرقة‪.‬‬
‫وخالصة الكالم في روايات هذه المجموعة‪ :‬أنّه لو نهض لنا دليل تام على حرمة مطلق‬

‫انظر‪ :‬منهاج الصالحين‪ ،‬للسيد محسن الحكيم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .14‬ومنهاج الصالحين‪ ،‬للسيد الخوئي‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪ .9‬ومنهاج الصالحين‪ ،‬للسيد السيستاني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.14‬‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،36‬الحديث ‪ 5‬من الباب ‪ 73‬من أبواب بقية جهاد النفس‪ .‬نقله عن كتاب‬ ‫(( (‬
‫الزهد للحسين بن سعيد‪ .‬ورواه في الكافي بسند فيه سهل بن زياد‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.325‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .325‬وهذه الرواية بمقتضى العطف الظاهر في المغايرة‪ ،‬يستفاد منها أن البذاء مغاير‬ ‫(( (‬
‫للفحش‪ ،‬وهذا ما يظهر من الشيخ الحر حيث عقد بابين‪ ،‬أحدهما أورد فيه روايات البذاء وهو الباب ‪72‬‬
‫من أبواب جهاد النفس‪ ،‬واآلخر أورد فيه روايات الفحش‪ ،‬وهو الباب ‪ 71‬من أبواب جهاد النفس‪ .‬ويبدو‬
‫أن الفرق بينهما هو بالعموم والخصوص‪ ،‬فالفحش هو القبيح من القول أو الفعل‪ ،‬واستخدامه في الفعل‬ ‫ّ‬
‫الفاحش جاء في الذكر الحكيم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﴾ [النور ‪ ،]19‬وأما البذاء‬
‫بأن «البذاء هو السفه في القول‪،‬‬‫يفرق بينهما ّ‬
‫فيختص بالقول القبيح‪ ،‬فيقال فالن بذيء اللسان‪ ،‬وربما ّ‬
‫والبذيء الذي ال يبالي ما يقول‪ :‬صدق ًا أو كذب ًا‪ ،‬قبيح ًا أو حسن ًا‪ ،‬والفحش هو القبيح من القول والفعل‪،‬‬
‫فبينهما عموم من وجه»‪ ،‬هكذا ذكر الشيخ األحمدي في كتابه‪ :‬مكاتيب الرسول‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .581‬ولعل‬
‫هذا ما يرومه الشيخ الحر حيث أورد روايات البذاء تحت عنوان‪« :‬تحريم البذاء وعدم المباالة بالقول»‪.‬‬
‫ألنها استخدمت صيغة فحاش‪ ،‬كما في عدة أخبار‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬الحديث ‪ 2‬من باب ‪ 71‬من‬ ‫(( (‬
‫أبواب جهاد النفس‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السب بلحاظ اعتباره شرع ًا من الفحش‪ ،‬وربما عدّ كذلك عرف ًا‪ ،‬وأ ّما إذا شككنا‬
‫ّ‬ ‫الفحش فيحرم‬
‫في حرمة مطلق الفحش‪ ،‬والتزمنا فقط بحرمة أن يكون اإلنسان فحاش ًا‪ ،‬كما يظهر من بعض‬
‫حينئذ بحرمة أن يكون المؤمن سباب ًا‪ .‬وصحيحة زرارة ‪ -‬كما هو‬ ‫ٍ‬ ‫الفقهاء((( فيمكن االلتزام‬
‫واضح ‪ -‬واردة في قوم من اليهود المعادين الذين يحملون الضغينة على رسول الله (ص)‪،‬‬
‫ال في المرحلة السابق أيض ًا‪.‬‬
‫فيكون دخول المسلم فيها باألولوية ما يجعلها دلي ً‬
‫ماذا عن المحارب؟‬
‫ثمة سؤاالً يطرح نفسه‪ ،‬ماذا لو كان اآلخر محارب ًا ألهل الحق كالكافر الحربي أو‬
‫ولكن ّ‬
‫المسلم الباغي على اإلمام ‪ ‬أو الذي يشق عصا األمة فهل يحرم س ّبه؟‬
‫سب اآلخر هل هو حق من‬ ‫أن ترك ّ‬ ‫إن القضية تتصل بما تقدم سابق ًا من ّ‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫حقوقه أو أنّه حكم شرعي؟ فإذا كان حق ًا من حقوقه بمالك حفظ حرمته وعدم إيذائه فال‬
‫وجه للحرمة بلحاظ الحربي‪ ،‬ألنّه ليس له حرمة في نفسه وماله فض ً‬
‫ال عن كرامته‪ ،‬وأما إذا‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫كان حكم ًا شرعي ًا ولو بلحاظ أن الشارع الحكيم يبغض للناس أن يستخدموا ألفاظ‬
‫تمت أدلة الحرمة‪ ،‬وقد‬ ‫والشتم فيما بينهم‪ ،‬فيمكن االلتزام بالحرمة حتى في المحارب إذا ّ‬
‫السب يثبت الحرمة مطلق ًا حتى في صورة رضا اآلخر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أن ما ّ‬
‫دل على حرمة‬ ‫أشرنا سابق ًا إلى ّ‬
‫ما يجعلها حكم ًا شرعي ًا غير قابل لإلسقاط‪.‬‬
‫سب غير المسلم‬
‫النقطة الثانية‪ :‬أدلة جواز ّ‬
‫سب المشركين أو غير‬‫ثمة شواهد وأدلة على جواز ّ‬ ‫ولكن في المقابل قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن ّ‬
‫تم فيستفاد منه جواز مطلق الظالم والفاسق ولو‬
‫المسلمين‪ ،‬أو الظلمة الفسقة‪ ،‬واألخير إن ّ‬
‫سب مطلق المسلم أو الشيعي‪ .‬وهذه‬‫كان إمامي ًا‪ ،‬فيكون مقيد ًا لما تقدم مما دل على حرمة ّ‬
‫الشواهد هي عبارة عن ّ‬
‫أن القرآن الكريم والروايات عن النبي (ص) أو األئمة من أهل بيته ‪‬‬
‫سب لليهود أو المشركين أو بعض المنحرفين‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫قد اشتمال على كلمات فيها ّ‬
‫السب في القرآن‬
‫ّ‬ ‫أ )‬
‫السب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ونذكر صنفين من اآليات التي قد يدعى اشتمالها على‬

‫((( منهم‪ :‬السيد الشهيد حيث ع ّلق على قول السيد الحكيم «يحرم الفحش» قائ ً‬
‫ال‪« :‬بمعنى االعتياد عليه»‪،‬‬
‫منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.14‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪50‬‬
‫تضمن تشبيه بعض الناس بأحد الحيوانات‪ ،‬من قبيل قوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الصنف األول‪ :‬ما‬
‫﴿ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ *‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ‬
‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﲧ ﲨ ﲟ ﴾(((‪ .‬ونظيرها‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾(((‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬ما يكون لسانه لسان القذف واتهام اآلخر بالزنا‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ * ﲱ ﲲ ﲳ * ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ * ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن قوله تعالى‪« :‬زنيم» يعني دعي‪ ،‬فإذا جاز رمي الكافر بأنه ابن زنا‪ ،‬فباألولى أن يجوز س ّبه‬
‫بغير القذف‪.‬‬
‫يصرح بالقول‪:‬‬‫السب‪ ،‬وكاد البعض أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫فهذه اآليات وغيرها عدّ ها البعض دلي ً‬
‫ال على شرع ّية‬
‫سب وشتم‪ ،‬وعلينا أن نتخ ّلق بأخالقه! تعالى الله ّ‬
‫عما يقولون علو ًا كبير ًا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إن الله تعالى قد ّ‬
‫وتعليق ًا على هذا الكالم فإننا نسجل أوالً بعض المالحظات العامة التي ترد على‬
‫ثم نسجل بعض المالحظات الخاصة التي‬‫االستدالل بكال الصنفين المذكورين من اآليات‪ّ ،‬‬
‫ترد على االستدالل بكل واحد من الصنفين المذكورين‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬المالحظات العامة‬
‫أما المالحظات العامة الواردة على االستدالل بكال الصنفين من اآليات‪ ،‬فأهمها‬
‫مالحظتان‪:‬‬

‫(( ( سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬


‫((( سورة األعراف‪ ،‬اآليتان ‪.176 - 175‬‬
‫(( ( سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.179‬‬
‫((( سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫((( سورة القلم‪ ،‬اآليات ‪.13 - 10‬‬
‫‪51‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السب على ما يصدر عن الله تعالى إن لم يكن منتفي ًا‬ ‫إن صدق ّ‬ ‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫ألفاظ خاصة‬‫ٍ‬ ‫متقوم باستخدام‬ ‫حتم ًا فهو غير واضح‪ ،‬وذلك لسبب أساسي وهو ّ‬
‫السب ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫أن الله تعالى في‬ ‫يقصد قائلها االنتقاص من المسبوب واإلزراء به وتوهينه‪ ،‬ومن المعلوم ّ‬
‫هذه اآليات ليس بصدد التحقير أو التوهين أو اإلزراء بعباده‪ ،‬وإنّما هو بصدد توصيف حال‬
‫وإن كان أحيان ًا‬
‫العباد بهدف إصالحهم وتهذيب نفوسهم وإيقاظهم من سباتهم‪ .‬والتوصيف ْ‬
‫ال يخلو من إدانة وزجر وردع لهم‪ ،‬لكنّها إدانة تحتاج إليها عملية اإلصالح والهداية وتأتي‬
‫في سياقها‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬ثمة فارق كبير بين ما يصدر عن العبد تجاه أقرانه وبين ما يصدر‬
‫عن الخالق تجاه عبيده‪ ،‬والفارق هو في العلة الفاعلية وفي العلة الغائية‪ ،‬فالدوافع التي ينطلق‬
‫أن الغاية عند‬‫تنزه في نواياه مغايرة للدوافع التي ينطلق منها رب العباد‪ ،‬كما ّ‬
‫منها العبد مهما ّ‬
‫العبد ال تنفك عن الذاتيات وقصد التوهين والتحقير وشفاء الغيظ‪ ،‬وال تصل غاياتنا ‪ -‬مهما‬
‫َس َم ْت ‪ -‬في تنزهها إلى ما تصل إليه أفعال الله تعالى‪.‬‬
‫السب يجري بعينه في الغيبة‪ ،‬فمن شرائط صدق الغيبة صدورها من‬ ‫ّ‬ ‫وما قلناه في‬
‫بحق نظائره من بني اإلنسان‪ ،‬وربما يشهد له ما جاء في بعض األخبار في تعريف‬ ‫اإلنسان ّ‬
‫الغيبة‪« :‬ذكرك أخاك بما يكره»(((‪ .‬وهكذا فالكالم يجري بعينه في مفهوم القذف‪ ،‬فوصف‬
‫عز وجل أنه قذف‪ ،‬خالف ًا‬
‫ال ليس قذف ًا‪ ،‬أي ال يصدق على كالمه ّ‬ ‫الله تعالى لعبده بأنّه ٍ‬
‫زان مث ً‬
‫لقذف العباد بعضهم لبعض‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬فلو قذف المك ّلف غيره فعليه إقامة الحجة على قذفه‪،‬‬
‫علم الغيوب‪ ،‬وال‬ ‫أن الله تعالى ال يطالب بالشهود فهو الحق المطلق وهو ّ‬
‫وإال ُحدّ ‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫يقاس عباده به بحال من األحوال‪.‬‬
‫السب والغيبة والقذف إنّما تصدق على ما يقوله‬
‫ّ‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫إن مفاهيم مثل‪:‬‬
‫بحق بني جنسه‪ ،‬دون ما يصدر من اإلله بحق عبيده‪.‬‬
‫اإلنسان ّ‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه كما ال يصدق على ذكر الله لمعايب العباد أنه غيبة‪ ،‬فال يصدق‬
‫حق الله تعالى كالم ًا‬ ‫أيض ًا على ما يقوله العبد ّ‬
‫بحق الله تعالى أنه غيبة‪ ،‬فالعبد حتى لو قال في ّ‬
‫يخال أنه عيب ونقص‪ ،‬كأن يقول‪ :‬الله ظالم‪ ،‬أو ظلمني‪ ،‬أو ما إلى ذلك‪ ،‬فهو وإن أساء األدب‬
‫مع خالقه واجترأ على قدسه‪ ،‬لكنه لم يغتب‪ ،‬والسر في عدم كون كالمه غيبة‪ ،‬أنه يشترط في‬
‫صدق الغيبة أن يقول الكالم في ظهر الغيب‪ ،‬ومعلوم أنّه ال وجود للغيب بين الله وعبده‪،‬‬

‫(( ( ستأتي مصادره الحق ًا‪.‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪52‬‬
‫فالعبد بوجوده وكالمه وما يدور في خلده مكشوف لله تعالى الذي ال تخفى عليه خافية‪ ،‬بل‬
‫يعلم السر وأخفى‪.‬‬
‫السب على هذه الكلمات التي فيها ذكر لمعايب العبد‬ ‫ّ‬ ‫المالحظة الثانية‪ :‬سلمنا بصدق‬
‫أن ما علينا التنبيه عليه هنا‪ ،‬هو أنّه ليس من الصحيح دائم ًا‬
‫أو تشبيهه ببعض الحيوانات‪ ،‬إال ّ‬
‫اتخاذ ما يصدر عن الله تعالى بحق عباده ذريعة التخاذ العباد الموقف ذاته تجاه بعضهم‬
‫ال في كل الحاالت على جواز ذلك للعبد‪،‬‬ ‫البعض‪ ،‬فصدوره من رب األرباب ال يعدّ دلي ً‬
‫حق أو جاز للعبد فعله‪ ،‬فالله قد يبلي عبده‬
‫حق لله تعالى فعله تجاه عباده َّ‬ ‫ألنه ليس كل ما َّ‬
‫باألمراض ويصيبهم باآلالم والزالزل‪ ،‬لمصلحة معينة يراها في ذلك‪ ،‬فهل يحق لنا أن نسبب‬
‫ال عن موتهم؟! وهكذا ّ‬
‫فإن الله تعالى قد يتكلم‬ ‫األمراض لآلخرين أو نتسبب في هلعهم فض ً‬
‫ٍ‬
‫ألغراض تربوية أو رسالية‪ ،‬كما نالحظ‬ ‫عن بعض معايب العباد ويكشف ما في صدورهم‪،‬‬
‫ذلك في العديد من اآليات القرآنية التي فضحت بعض الناس‪ ،‬الرتكابهم أعماالً محرمة‪ ،‬من‬
‫قبيل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﴾(((‪ّ ،‬‬
‫ولعل منه ما نحن فيه‪ ،‬وكذا ما سيأتي في‬
‫مبحث اللعن‪ ،‬والفارق الذي يمنع من قياس العبد نفسه على الله تعالى‪ ،‬هو ّ‬
‫أن الله تعالى هو‬
‫مالكنا وخالقنا وله أن يفعل بنا ما يشاء‪ ،‬وله تعالى أن يصف عبده ببعض األوصاف من موقع‬
‫مالكيته له‪ ،‬ولكن ال يحق للعباد أن يصف بعضهم بعض ًا بمثل هذه األوصاف‪.‬‬
‫قد يقال‪ :‬إننا مدعوون إلى التخلق بأخالق الله تعالى‪ ،‬طبق ًا لما جاء في الحديث النبوي‬
‫الشريف‪.‬‬
‫ولكننا نقول‪ :‬إن جملة‪« :‬تخلقوا بأخالق الله تعالى»‪ ،‬وإن ترددت على كثير من األلسنة‬
‫نص معتبر‪ ،‬ولم يعثر عليها في‬ ‫وأسندها البعض إلى رسول الله (ص)((( ولكنها لم ترد في ّ‬
‫المصادر الحديثية األساسية للفريقين‪ ،‬فال يصح االستدالل بها واالعتماد عليها وكأنّها قاعدة‬
‫مسلمة وعامة ويتمسك بإطالقها‪ .‬على أنها لو صحت فالمراد بها ‪ -‬كما قيل ‪« :-‬اتصفوا‬
‫بصفاته»((( وهذا إنما يصح في بعض صفاته تعالى‪ ،‬من قبيل‪ :‬صفات الحلم والكرم والود‬
‫وأمثالها‪ ،‬وأ ّما صفات من قبيل القهار والجبار والمتكبر واألحد والصمد واألول واآلخر‬
‫يصح وصف العبد بها إال بضرب من التأويل المتك َّلف‪.‬‬‫والظاهر والباطن فال ّ‬

‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬


‫(( ( راجع الملحق‪ ،‬رقم (‪ ،)3‬ج ‪.2‬‬
‫(( ( جامع األسرار ومنبع األنوار‪ ،‬ص ‪.363‬‬
‫‪53‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثاني ًا‪ :‬المالحظات الخاصة‬
‫أما المالحظات الخاصة‪ ،‬فمنها ما يتصل بالصنف األول من اآليات‪ ،‬ومنها ما يتصل‬
‫بالصنف الثاني‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬
‫أن تلك اآليات وفي مقام باب‬ ‫ّأما الصنف األول من اآليات‪ ،‬فيرد على االستدالل به ّ‬
‫ضرب المثل شبهت حال بعض األشخاص بحال بعض الحيوانات‪ ،‬فقد ش ّبهت الشخص‬
‫الذي أنزل عليه الكتاب دون أن يستفيد منه شيئ ًا بحال الحمار الذي يحمل األسفار والكتب‪،‬‬
‫واآلية لم تقل لهؤالء‪ :‬أنتم حمير‪ ،‬وإنما وصفت حالهم هذه بحال الحمير وشتان بين‬
‫التعبيرين‪ ،‬واآلية الثانية شبهت حال الشخص الذي آتاه الله العلم فلم يعمل به بل انسلخ‬
‫منه متبع ًا هواه بحال الكلب الذي ال يزال الهث ًا في كل حال‪ ،‬ولم تقل عن هذا الشخص بأنّه‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫السب وبين ضرب المثل‪ ،‬والثاني ليس من‬ ‫ّ‬ ‫أن هناك فرق ًا شاسع ًا بين‬
‫كلب‪ ،‬وال يخفى ّ‬
‫في شيء‪ ،‬وهذا ما يشهد به العرف(((‪ .‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﴾(((‪ ،‬واألمثال القرآنية هي دروس وعبر‪ ،‬وعلينا التأمل فيها ملي ًا الستلهامها‬
‫واستكناه معانيها‪ ،‬وال نستغرب من بعض األمثال‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬
‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬
‫ﲓ ﴾(((‪.‬‬
‫توصيف اآلخر بأنّه كالحمار إذا كان غبي ًا ال يستفيد من ميراث العلم‬
‫ُ‬ ‫إن قلت‪ :‬هل يجوز‬
‫الذي بين يديه؟! أو نقول فالن كالكلب‪ ،‬ألنّه يلهث كما يلهث الكلب؟‬
‫قلت‪ :‬إذا لم يقصد قائله التنقيص واإلهانة واإلزراء باآلخر فهو ال يعدّ س ّب ًا‪ ،‬فال يحرم‬
‫من هذه الجهة‪ ،‬ولكنه قد يحرم من جهة ثانية‪ ،‬وهي أنّه قد يصدق عليه الغيبة‪ ،‬وقد يسبب‬
‫إيذا ًء لآلخرين‪ ،‬واإليذاء محرم إال إذا قام الدليل على جوازه في مورد معين‪ .‬وأ ّما صدوره‬
‫ال على الجواز بالنسبة إلينا كما أشرنا في‬ ‫من الله تعالى ‪ -‬مع كونه مؤذي ًا لآلخر ‪ -‬فال يعد دلي ً‬
‫المالحظات العامة‪.‬‬

‫(( ( وفي ثقافات الشعوب الكثير من األمثال والحكايات التي يمثلون فيها بالحيوانات ويرمزون بها لبني‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫(( ( سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.26‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪54‬‬
‫ّأما الصنف الثاني من اآليات‪ ،‬فيالحظ على االستدالل به‪:‬‬
‫فإن اآلية المذكورة ليس فيها إنشاء‪،‬‬ ‫يتقوم باإلنشاء‪ّ ،‬‬‫بأن السب ّ‬ ‫أوالً‪ :‬إنّه على القول ّ‬
‫وإنّما إخبار عن واقع بعض األشخاص الذين وقفوا في وجه حركة النبي (ص)‪ .‬وأ ّما‬
‫السب على اإلخبار‪ ،‬فاآلية إذا صرفنا النظر عن أسباب‬ ‫ّ‬ ‫على ما رجحناه سابق ًا من صدق‬
‫النزول‪ ،‬ال تشير إلى ٍ‬
‫أحد بعينه وتصفه بأنّه زنيم‪ ،‬وإنّما تب ّين حكم ًا شرعي ًا يتصل بالزنيم‪،‬‬
‫وهو النهي عن إطاعته‪ ،‬وهذا من قبيل قولك‪ :‬ال تقبل شهادة الزاني أو ابن الزنا مث ً‬
‫ال(((‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬فليست اآلية بصدد قذف شخص بعينه ورميه بأنّه ابن زنا‪ .‬نعم‪ ،‬مع أخذ أسباب‬
‫فإن اآلية تكون منطبقة وناظرة إلى بعض األشخاص‪ ،‬وهو الوليد بن‬ ‫النزول بعين االعتبار‪ّ ،‬‬
‫المغيرة(((‪ ،‬وقيل‪ :‬األخنس بن شريق الثقفي(((‪ ،‬لك ّن األمر يتوقف على إثبات صحة السند‬
‫في تلك الروايات‪ ،‬وهو مما لم يثبت‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وبصرف النظر عما تقدم‪ّ ،‬‬
‫فإن االستدالل بهذه اآلية إنّما يكون له وجه‪ ،‬إذا كان‬
‫المراد بالزنيم في اآلية الدعي‪ ،‬كما يرى البعض‪ ،‬قال الشيخ الطوسي «الزنيم‪ :‬الدعي‪ ،‬وهو‬
‫ثمة تفسير ًا آخر منصوص ًا للزنيم‪ ،‬وهو الشخص‬ ‫الملصق بالقوم‪ ،‬وليس منهم» ‪ ،‬لكن ّ‬
‫(((‬

‫المستهتر بكفره‪ ،‬وقد ورد ذلك فيما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح عن أبيه ‪ -‬رحمه‬
‫الله ‪ -‬قال‪ :‬حدثنا سعد بن عبد الله‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن العباس بن معروف‪،‬‬
‫عن صفوان بن يحيى‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪:‬‬
‫ّ‬
‫«العتل‪ :‬العظيم الكفر‪ ،‬والزنيم‪ :‬المستهتر بكفره»(((‪.‬‬ ‫﴿ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾((( قال‪:‬‬
‫السنة وردت رواية باإلسناد عن شهر بن حوشب قال‪ :‬حدثني عبد الرحمن‬ ‫وفي مصادر ُّ‬
‫أن رسول الله (ص) قال ال يدخل الجنة جواظ وال جعظري وال العتل الزنيم‪ ،‬فقال‬ ‫بن غنم ّ‬
‫له رجل من المسلمين‪ :‬ما الجواظ والجعظري والعتل الزنيم؟ فقال رسول الله (ص)‪ :‬أ ّما‬
‫الجواظ فالذي جمع ومنع تدعوه لظى نزاعة للشوى‪ ،‬وأما الجعظري فالفظ الغليظ قال الله‪:‬‬

‫لنا بحث نتأمل ونتحفظ فيه على الفتوى المشهورة بعدم قبول شهادة ابن الزنا‪.‬‬ ‫((( ‬
‫مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.89‬‬ ‫((( ‬
‫جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري‪ ،‬ج ‪ ،29‬ص ‪.32‬‬ ‫(( (‬
‫التبيان للشيخ الطوسي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.77‬‬ ‫(( (‬
‫سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫(( (‬
‫معاني األخبار‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(( (‬
‫‪55‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫﴿ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﴾(((‪ ،‬وأ ّما العتل الزنيم‬


‫فشديد الخلق رحيب الصدر والجوف شروب واجد للطعام والشراب ظلوم للناس»(((‪.‬‬
‫وقد أشار المفسرون إلى تعدد اآلراء في تفسير الزنيم‪ ،‬قال في مجمع البيان‪« :‬زنيم‪ :‬أي‬
‫دعي ملصق إلى قوم ليس منهم في النسب‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫ٌّ‬
‫كما زيد في عـــرض األديم األكارع‬ ‫زنيـــم تداعـــاه الرجـــال تداعيا‬
‫وقيل‪ :‬هو الذي له عالمة في الشر‪ ،‬وهو معروف بذلك‪ ،‬فإذا ذكر الشر‪ ،‬سبق القلب إليه‪،‬‬
‫أن العنز يعرف بين األغنام بالزنمة في عنقه‪ ،‬عن الشعبي‪ .‬وقيل‪ :‬هو الهجين المعروف‬‫كما ّ‬
‫بالشر‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي ال أصل له‪ ،‬عن علي ‪ .‬وقيل‪ :‬هو المعروف‬
‫بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها‪ ،‬عن عكرمة‪ .‬وروي أنه سأل النبي (ص) عن العتل الزنيم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬هو الشديد الخلق‪ ،‬الشحيح األكول الشروب‪ ،‬الواجد للطعام والشراب‪ ،‬الظلوم‬
‫للناس‪ ،‬الرحيب الجوف‪ .‬وعن شداد بن أوس قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬ال يدخل الجنة‬
‫جماع منّاع»‪ .‬قلت‪ :‬فما‬
‫جواظ وال جعظري‪ ،‬وال عتل زنيم»‪ ،‬قلت‪ :‬فما الجواظ؟ قال‪« :‬كل ّ‬
‫الجعظري؟ قال‪« :‬الفظ الغليظ» قلت‪ :‬فما العتل الزنيم؟ قال‪« :‬كل رحيب الجوف‪ ،‬سيئ‬
‫الخلق‪ ،‬أكول شروب‪ ،‬غشوم ظلوم زنيم»(((‪.‬‬
‫وقد يشهد لتفسير الزنيم بما ذكرته الروايات من أنه المستهتر بكفره أو الشديد الخلق‬
‫والظلوم للعباد‪ ،‬أنّه ال وجه للنهي عن إطاعة الدعي بقول مطلق‪ ،‬إذ ال دخل لذلك بعنوانه في‬
‫فإن النهي عن إطاعتهما وجيه جد ًا‪ ،‬وال سيما‬‫اإلطاعة‪ ،‬بخالف المستهتر بكفره أو الظلوم‪ّ ،‬‬
‫ال تقي ًا عادالً فكيف ينهى عن إطاعته بقول‬
‫أن الدعي الملصق بقوم وليس منهم قد يكون رج ً‬ ‫ّ‬
‫مطلق‪ ،‬اللهم إال إذا كان هو الذي ألصق نفسه بهم أو كان عالم ًا باألمر‪ ،‬فعليه الخروج من‬
‫ذلك وأن ال ينسب نفسه إليهم‪.‬‬

‫ب) السب في السنة‬


‫السب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السنة‪ ،‬فقد وردت بعض األخبار التي قد يدعى داللتها على شرعية‬ ‫وأ ّما في ُّ‬
‫لوروده على لسان النبي (ص) أو أهل بيته ‪ ،‬وهذه بعض الموارد التي عثرنا عليها‪:‬‬

‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬


‫((( رواه السيوطي في الدر المنثور‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .252‬قال‪« :‬وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم‬
‫وابن مردويه وابن عساكر عن شهر بن حوشب‪.»..‬‬
‫((( مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.89‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪56‬‬
‫المورد األول‪ :‬سب النبي (ص) لبعض أصحابه!‬
‫روي عن السيدة َع ِائ َش َة قالت‪ :‬دخل على رسول ال َّل ِه (ص) َر ُج َل ِن َف َك َّل َما ُه بِ َش ْي ٍء َل‬
‫اب من ا ْل َخ ْي ِر‬ ‫َأد ِري ما هو َف َأ ْغ َضباه َف َلعنَهما وسبهما فلما َخرجا قلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول ال َّله من َأ َص َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫اك؟ قالت‪ :‬قلت‪َ :‬لعنْتَهما وسببتَهما‪ .‬قال (ص)‪َ « :‬أوما َع ِلمتِ‬ ‫ان! قال‪ :‬وما َذ ِ‬
‫شيئ ًا ما َأصابه َه َذ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َْ ُ َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلت‪ :‬اللهم إنما أنا َب َش ٌر َف َأ ُّي ا ْل ُم ْسلمي َن َل َعنْ ُت ُه أو َس َب ْب ُت ُه َف ْ‬
‫اج َع ْل ُه له َزكَا ًة‬ ‫ما َش َار ْط ُت عليه َر ِّبي ُ‬
‫سب أشخاص ًا آخرين‪.‬‬ ‫أن النبي (ص) ّ‬ ‫َو َأ ْجر ًا»(((‪ .‬ولهذه الرواية نظائر يستفاد منها ّ‬
‫وفي الواقع فإننا نستغرب اشتمال تراث المسلمين على أمثال هذه األحاديث التي‬
‫يسب بعض المسلمين‪ ،‬ونعتقد اعتقاد ًا جازم ًا ّ‬
‫بأن هذه الرواية‬ ‫تنسب إلى النبي (ص) أنّه كان ّ‬
‫ونظائرها موضوعة على لسانه‪ ،‬وال بدّ من ردها‪ ،‬إذ ال يمكننا التصديق بما تضمنته من ّ‬
‫أن‬
‫يسب صحابته أو سواهم من الناس‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪:‬‬ ‫النبي (ص) كان ّ‬
‫نص عليه القرآن في العديد من‬‫أوالً‪ :‬منافاة ذلك لما هو معروف من خلقه الكريم‪ ،‬مما ّ‬
‫اآليات الشريفة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﴾(((‪ ،‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬ﱉ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﴾(((‪ ،‬وهو القائل‪« :‬إنما بعثت ألتمم‬
‫مكارم األخالق»(((‪ ،‬فكيف نصدّ ق أنّه يغضب ويضيق صدره ببعض المسلمين فيلجأ إلى‬
‫سبهم ولعنهم! والسيدة عائشة الراوية لهذا الخبر هي نفسها قد ع ّبرت عن حقيقة ُخ ُلقه في‬
‫قولها عندما سئلت عن ذلك‪ ،‬فأجابت‪« :‬كان خلقه القرآن»(((‪.‬‬
‫ثم إنّه قد روي عن الس ّيدة عائشة نفسها ّأنّها قالت‪« :‬ما لعن رسول الله (ص) مسلم ًا‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫من لعنة تذكر وال ضرب بيده شيئ ًا قط»(((‪ ،‬فأي الكالمين أو الروايتين نصدق؟! إننا دون‬
‫وسموها‪ ،‬والغريب‬
‫ّ‬ ‫أدنى تردد ملزمون بتصديق ما يصدقه القرآن الكريم‪ ،‬من مكارم أخالقه‬
‫أن قوم ًا من اليهود جاؤوا النبي (ص)‬
‫أنّه قد روي عن السيدة عائشة نفسها رواية تشير إلى ّ‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.24‬‬ ‫(( (‬


‫سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬ ‫(( (‬
‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬ ‫((( ‬
‫مكارم األخالق‪ ،‬ص ‪ .8‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .192‬ومجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج ‪،9‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.15‬‬
‫مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.91‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .130‬والمستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.613‬‬ ‫(( (‬
‫‪57‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وأساؤوا إليه في الكالم ولم ينفعل أو يشتم‪ ،‬وإنّما هي التي أغلظت لهم في القول‪ ،‬فقد‬
‫روى البخاري بإسناده عن عائشة‪ّ :‬‬
‫«أن اليهود أتوا النبي (ص) فقالوا‪ :‬السام عليك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وعليكم‪ ،‬فقالت‪ :‬عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم‪ ،‬فقال رسول الله (ص)‪:‬‬
‫مه ً‬
‫ال يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش‪ ،‬قالت‪ :‬أولم تسمع ما قالوا؟ قال‪ :‬أولم‬
‫تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم وال يستجاب لهم»(((‪ .‬أفيحلم (ص) مع‬
‫اليهود وينفعل في وجه المسلمين ويشتمهم؟!‬
‫السب‪ ،‬وق ّبح‬
‫ّ‬ ‫إن النبي (ص) نهى ‪ -‬في العديد من الروايات المروية عنه ‪ -‬عن‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫يسب اآلخرين أو يكون سباب ًا أو لعان ًا‪ ،‬وهو أولى الناس بالتزام هذا الخلق العظيم‪،‬‬
‫للمسلم أن ّ‬
‫حاشاه أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم‪ ﴿ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﴾(((‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ * ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﴾(((‪.‬‬
‫ال انفعالي ًا‪ ،‬يغضب بسرعة ويوقعه غضبه‬
‫تصور النبي (ص) أنّه كان رج ً‬ ‫رابع ًا‪ّ :‬‬
‫إن الرواية ّ‬
‫السب والشتم حتى ألصحابه‪ ،‬ومن هنا عمد (ص) وكي ال تصيب لعنته أحد ًا من أصحابه‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫إلى الطلب من الله تعالى أن يجعل س ّبه ولعنه لهم رحم ًة وزكا ًة لهم‪ ،‬وهذا أمر يخدش في‬
‫إن القائد المحنك ال يصدر منه ذلك فكيف‬ ‫عصمته‪ ،‬ومن كان كذلك ال تليق به النبوة‪ ،‬بل ّ‬
‫بالنبي الكريم (ص)!‬
‫خامس ًا‪ :‬وليس بعيد ًا أن تكون يدُ السياسة وراء وضع هذه األحاديث لتبييض صفحة‬
‫أن النبي (ص) لعنهم‪ ،‬ومنهم أبو سفيان ومعاوية كما سيأتي‬ ‫بعض األشخاص الذين نقل ّ‬
‫إن لعنه (ص) لهؤالء ال تشكّل طعن ًا فيهم أو ذ ّم ًا لهم‪ ،‬وإنّما‬
‫الحق ًا‪ ،‬وذلك في محاولة للقول‪ّ :‬‬
‫هو رحمة وزكاة لهم!‬
‫المورد الثاني‪ :‬س ّبه ولعنه (ص) لمروان بن الحكم وأبيه‬
‫ الر ْح َم ِن ْب ِن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َق َال َس ِم ْع ُت‬ ‫ِ‬
‫وذلك مما رواه الكليني بإسناده عن أ َبان َع ْن َع ْبد َّ‬
‫ان إِ َلى‬‫ان و َأبوه يست َِمع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫ول ال َّله (ص) م ْن ُح ْج َرته و َم ْر َو ُ ُ َ ْ َ‬ ‫ول‪َ :‬خ َر َج َر ُس ُ‬

‫(( ( صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.166‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫(( ( سورة الصف‪ ،‬اآليتان ‪.3 - 2‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪58‬‬
‫َح ِديثِه َف َق َال َله‪ :‬ا ْل َو َز ُغ ا ْب ُن ا ْل َو َزغِ‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬ف ِم ْن َي ْو ِم ِئ ٍذ َي َر ْو َن َأ َّن ا ْل َو َز َغ َي ْس َم ُع‬
‫ان َع َر ُضوا‬ ‫ول‪َ :‬ل َّما ُولِدَ َم ْر َو ُ‬ ‫يث»(((‪ .‬وعن َأ َبان َع ْن ُز َر َار َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫ا ْل َح ِد َ‬
‫ول ال َّله (ص) َأ ْن َيدْ ُع َو َله َف َأ ْر َس ُلوا بِه إِ َلى َع ِائ َش َة لِ َيدْ ُع َو َله َف َل َّما َق َّر َبتْه ِمنْه َق َال‪َ :‬أ ْخ ِر ُجوا‬ ‫بِه لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ول َأ ْع َل ُم إِ َّل َأنَّه َقال‪ َ:‬و َل َعنَه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫َعنِّي ا ْل َو َز َغ ا ْب َن ا ْل َو َزغِ! َق َال ُز َر َارةُ‪َ :‬‬
‫ونقل عن الحاكم النيسابوري في كتاب الفتن والمالحم من المستدرك‪ ،‬أنه روى عن‬
‫ٍ‬
‫ألحد مولو ٌد إال ُأتي به رسول ال َّله (ص)‪ ،‬فيدعو له‪،‬‬ ‫عبد الرحمن بن عوف قال‪« :‬كان ال يولد‬
‫ُفأدخل عليه مروان بن الحكم‪ ،‬فقال‪« :‬هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون»‪ .‬ثم قال‬
‫(الحاكم)‪ :‬صحيح اإلسناد»(((‪.‬‬
‫وتعليقنا على هذه األخبار‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنّها ضعيفة السند(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬مع التسليم بصحتها سند ًا‪ ،‬فيمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن ذلك ليس من السب بنا ًء على ما‬
‫السب بقصد التنقيص والتعيير واإلزراء بالمسبوب‪ّ ،‬‬
‫فإن النبي (ص) لم يرد‬ ‫ّ‬ ‫تقوم‬
‫تقدّ م من ّ‬
‫ذلك وإنما أراد فضح أمثال هؤالء األشخاص ألمته وبيان خطورتهم على مستقبل الرسالة‪.‬‬
‫السب بالقصد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولكن قد عرفت سابق ًا اإلشكال في ّ‬
‫تقوم‬
‫السب منافي ًا لمكارم األخالق ومعالي الصفات‪ ،‬ولذا فيبعد‬
‫ّ‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن من البديهي كون‬
‫أن يصدر ذلك عن النبي (ص) لما هو معلوم عن خلقه األبي والرفيع‪ ،‬ما يجعله (ص) ُّ‬
‫أجل‬
‫وأسمى من أن يقدم على ٍ‬
‫فعل ال يليق بأكارم الرجال‪ ،‬على أنّه قد تقدّ م أنه (ص) نهى عن‬
‫السب فال يعقل أن ينهى عن ٍ‬
‫خلق ويأتي بمثله!‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .238‬قال الكاشاني‪« :‬لعل المراد بالحديث أن سجية الوزغ وخلقه استماع حديث‬ ‫((( ‬
‫الناس واستراق السمع عند مكالمتهم‪ ،‬ولهذا سماهما رسول ال َّله (ص) بالوزغ حين استمعا إلى حديثه‬
‫الخلق من الوزغ قبل ذلك اليوم‪ ،‬فال يرون ذلك‬ ‫من خارج حجرته‪ ،‬إال ّ‬
‫أن الناس كانوا ال يعرفون هذا ُ‬
‫ٍ‬
‫منه إال من يومئذ أي بعد معرفتهم به»‪ ،‬انظر‪ :‬الوافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.220‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.238‬‬ ‫((( ‬
‫لم نعثر عليه في المستدرك‪ ،‬ولكن نقله عنه الدميري في حياة الحيوان الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .95‬وج ‪،2‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪ .545‬وابن حجر الهيثمي أيض ًا في الصواعق المحرقة‪ ،‬ص ‪ .181‬والمقريزي في إمتاع األسماع‪،‬‬
‫ص ‪ ،12‬ص ‪.275‬‬
‫ن ّبه على ضعفها في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،26‬ص ‪.194‬‬ ‫((( ‬
‫‪59‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫رابع ًا‪ :‬إنّه لو صح أنّه (ص) قال ذلك‪ ،‬فهذه قض ّية في واقعة‪ ،‬وال ُيقاس عليها‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫ال حين لعنه النبي (ص) ووصفه بالوزغ‪ ،‬والطفل ال يستحق اللعن كما هو‬ ‫مروان كان طف ً‬
‫معلوم‪ ،‬وسيأتي أنّه يقبح لعن من ال يستحق اللعن‪ ،‬فال وجه للعنه أو وصفه بالوزغ إال بلحاظ‬
‫علمه (ص) بمآله وما عليه في المستقبل‪ ،‬وأنّه مستحق للطرد من رحمة الله‪ ،‬فأراد (ص) من‬
‫خالل لعنه أو سبه تحذير األمة منه ومن مكائده‪ ،‬وإال فالنبي (ص) ال يلعن إال من يستحق‬
‫الطرد من رحمته تعالى‪.‬‬
‫المورد الثالث‪ :‬الحسين ‪ ‬وسب ابن زياد‬
‫ما روي عن أبي عبد الله الحسين ‪ ‬بشأن عبيد الله بن زياد‪ ،‬حيث قال‪« :‬أال ّ‬
‫وإن‬
‫الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين‪ :‬السلة والذلة‪ ،‬وهيهات منا الذلة»(((‪.‬‬
‫أن هذا على‬‫والتعليق على ما جاء في هذا المورد قد اتضح مما سبق‪ ،‬حيث عرفنا ّ‬
‫السب على‬
‫ّ‬ ‫أن في صدق‬ ‫السب في شيء‪ .‬على ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرض صدوره عن اإلمام ‪ ،(((‬فإنّه ليس من‬
‫مثل هذه األوصاف التي تب ّين حقيقة واقعية في األشخاص مع عدم كون الكالم في سياق‬
‫المذمة والتعيير إشكاالً‪ ،‬فلو قيل عن السارق إنه سارق ال تعيير ًا وإهانة‪ ،‬كما لو قالها في مقام‬
‫زان وكذلك لو قيل للدعي إنّه دعي‪ ،‬نعم‬ ‫الشهادة‪ ،‬لم يكن ذلك بسب‪ ،‬أو قيل عن الزاني إنه ٍ‬
‫ّ‬
‫قد يصدق على ذلك أنه غيبة فيما لو كان العيب مستور ًا وغير مفضوح‪.‬‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫محاولة توجيه‬
‫السب له وظيف ٌة مقبولة وعقالئية‪ ،‬وهي بيان‬ ‫ّ‬ ‫وربما يقول المدافعون عن السب‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫انحراف اآلخر وضالله وخطره على الدين‪ ،‬وذلك للحؤول دون تأثر القاعدة الشعبية الموالية‬
‫ألهل البيت ‪ ‬وغير المحصنة فكري ًا به‪ّ ،‬‬
‫ألن العا ّمة ال ينقادون لألدلة الفكر ّية وال تؤثر فيهم‬
‫الحجج العقل ّية‪ ،‬بقدر انقيادهم وتأثرهم بالوجوه الخطاب ّية التي تستثير فيهم البعد العاطفي‪،‬‬
‫األمر الذي يسوغ اللجوء إلى األساليب الخطابية الرامية إلى التنفير عن الفكر المنحرف‬
‫والتحذير من األشخاص الضالين‪ .‬وهذا ما يجعل للسب وظيفة دين ّية ويخرجه عن نطاق‬
‫الكراهة‪ ،‬وال نحتاج إلى دليل خاص على شرعيته‪ ،‬إذ ما دام يسهم في هدم الباطل فيخرج‬

‫(( ( مثير األحزان البن نما‪ ،‬ص ‪ .40‬االحتجاج‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .24‬ونقله ابن أبي الحديد عن زين العابدين ‪‬‬
‫عن أبيه الحسين ‪ ،‬انظر‪ :‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .249‬اللهوف على قتلى الطفوف‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫(( ( لم يبلغنا ذلك بسند صحيح‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪60‬‬
‫ال جائز ًا بل ومستحسن ًا شرع ًا‪ .‬ومنه نفهم تعبير الشيخ النجفي‬
‫عن كراهته وقبحه‪ ،‬ليغدو عم ً‬
‫أن س ّبهم هو من أفضل القربات والعبادات‪.‬‬ ‫في كالمه المتقدم ّ‬
‫ويالحظ عليهم‪:‬‬
‫إن المنهج القرآني في مواجهة الفكر اآلخر يدعو ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬إلى اعتماد‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أن للسب وظيفة دينية‪ ،‬وهي هدم الضالل‬ ‫الحق مضمون ًا وأسلوب ًا في المواجهة‪ ،‬فما يقال من ّ‬
‫قوة الهدى في‬ ‫ومواجهة االنحراف فهو كالم غير مقبول‪ّ ،‬‬
‫ألن الضالل إنّما ُيهدم من خالل ّ‬
‫المضمون واألسلوب‪ ،‬والباطل إنما يزهق من خالل قوة الحق مضمون ًا وأسلوب ًا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲭ ﱺ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﴾(((‪ ،‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﴾(((‪ ،‬فالمطلوب هو دحض الباطل ولكن من‬
‫إن اإلسالم يمتلك من الحجج‬ ‫قوة الحق وأساليبه‪ ،‬وليس من خالل الباطل وأساليبه‪ّ .‬‬ ‫خالل ّ‬
‫السب‪ ،‬حتى‬‫ّ‬ ‫حجة المبتدع دون حاجة إلى مواجهته بالكذب واالفتراء أو‬ ‫ما يكفي لدحض ّ‬
‫لو كان الهدف هو مواجهة الباطل‪ ،‬ويؤيده ما ورد في الخبر عن اإلمام الصادق ‪ ‬أنّه قال‬
‫اعتراض ًا على أسلوب بعض أصحابه في المحاججة مع رجل شامي‪« :‬تمزج الحق مع‬
‫الباطل‪ ،‬وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل»(((‪ .‬وعنه ‪« :‬ما ظفر من ظفر اإلثم به‪ ،‬والغالب‬
‫بالشر مغلوب»(((‪.‬‬
‫فإن الحديث عن تحصين الساحة اإليمانية من التأثر باآلخر ال يكون بسبه‬ ‫وهكذا‪ّ ،‬‬
‫ال عن الكذب أو االفتراء عليه‪ ،‬وإنّما يكون بمنطق الحجة والدليل‬‫وشيطنته وقذفه‪ ،‬فض ً‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫والبرهان الذي يدمغ حجة اآلخر‪ ،‬فإذا هي زاهقة وباطلة وسخيفة‪ّ .‬‬
‫إن اللجوء إلى‬
‫أن المشركين كانوا يستخدمون هذه‬ ‫والشتم هو دليل ضعف‪ ،‬والقرآن الكريم نقل لنا كيف ّ‬
‫األساليب للتشويش على دعوة الحق وصوت الهدى‪ .‬لقد كان المشركون يلجأون إلى‬
‫السب والشتم ورمي النبي (ص) بأنّه مفتر وساحر وكاهن وما إلى ذلك وقد ذمهم‬‫ّ‬ ‫أساليب‬
‫إن من ال يمتلك حجة قوية‬ ‫الله على ذلك معتبر ًا أن هذه أساليب من ال يمتلك البرهان‪ّ .‬‬

‫سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫((( ‬


‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .173‬ورواه المفيد في اإلرشاد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .194‬وفي موارد أخرى روي عن علي ‪‬‬ ‫(( (‬
‫ال بصيغة‪« :‬قليل الحق يدفع كثير الباطل»‪ ،‬عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص ‪.371‬‬ ‫مرس ً‬
‫نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.78‬‬ ‫((( ‬
‫‪61‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫يلجأ إلى رفع الصوت والشتم والتهويل‪ ،‬وأ ّما أصحاب الحق والبرهان الجلي وعلى رأسهم‬
‫السب في‬
‫ّ‬ ‫إن‬ ‫النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬فهم ّ‬
‫أجل من أن يعتمدوا هذا األسلوب أو يأمروا به‪ّ ،‬‬
‫نفسه خلق قبيح فكيف يأمر األئمة ‪ ‬به؟!‬
‫سب أهل الشام يوم صفين‪ ،‬حيث إنّه‬‫أن علي ًا ‪ - ‬فيما روي عنه ‪ -‬كره ّ‬ ‫مر سابق ًا ّ‬
‫وقد ّ‬
‫لما سمع بعض أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين أبلغهم بكراهته لذلك‪ ،‬وقدّ م‬
‫السب‪ ،‬فقال‪« :‬ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في‬ ‫ّ‬ ‫لهم بدي ً‬
‫ال عن‬
‫القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان س ّبكم إياهم اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا‬
‫وبينهم‪ ،‬واهدهم من ضاللتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي من لهج به»(((‪.‬‬
‫وفي حديث آخر عنه ‪ ،‬لما اتهمه بعض الخوارج بالكفر ّ‬
‫وهم أصحابه بقتل ذاك‬
‫الخارجي‪ ،‬قال لهم‪« :‬رويد ًا إنّما هو ّ‬
‫سب بسب أو عفو عن ذنب»(((‪.‬‬
‫الموجه إليه‪( :‬قاتله الله كافر ًا‬ ‫والالفت في هذا الحديث ّ‬
‫أن اإلمام ‪ ‬عدّ قول الخارجي ّ‬
‫السب حتى لغير األلفاظ المعروفة الظاهرة في‬
‫ّ‬ ‫ما أفقهه) س ّب ًا‪ ،‬األمر الذي يشهد لسعة مفهوم‬
‫أن في إطالق هذا اللفظ ‪ -‬أي الكفر ‪ -‬على المسلم إهان ًة وتحقير ًا له‬
‫السب(((‪ .‬وال ريب ّ‬ ‫ّ‬
‫فيعدّ سب ًا‪ ،‬وأ ّما إطالقه على غير المسلم فهو في بادئ األمر كان يشير إلى هويته الفكرية وأنه‬
‫ال يؤمن بالله أو برسله‪ ،‬لكنه غدا مع الوقت وبعد انتشار اإلسالم وهيمنته وعزته وامتداده‬
‫كلمة ذم لآلخر‪ ،‬فخرجت لفظة «الكافر» عن داللتها الفكرية المحايدة واختزنت داللة موحية‬
‫بالتوهين والذم‪.‬‬
‫دل على ضرورة إبطال الباطل ومواجهته ال إطالق له لصورة التوسل إلى‬ ‫إن ما ّ‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫هدم الباطل بوسيلة باطلة ولو بنحو من البطالن وهو أن تكون الوسيلة غير أخالقية‪ ،‬فإن ما‬
‫يدل على مواجهة الباطل باألساليب المشروعة‬ ‫دل على مواجهة االنحراف والضالل إنما ّ‬ ‫ّ‬
‫أو المألوفة عقالئي ًا‪ ،‬وهو منصرف عن األساليب المحرمة أو القبيحة عقالئي ًا والمستهجنة‬
‫دل على استحباب إدخال السرور على قلب المؤمن ال شمول له لحالة‬ ‫أن ما ّ‬
‫عرف ًا‪ .‬أال ترى ّ‬
‫إدخال السرور عليه من خالل عمل مستهجن عقالئي ًا‪ ،‬كما لو كان ُي ّسر بوضع جليسه يده في‬

‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪185‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.98‬‬
‫(( ( وسياتي كال ٌم عن ذلك في مبحث اللعن إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪62‬‬
‫أنفه‪ ،‬أو مشيه في الطرقات حافي ًا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن عدم شموله لحالة فعل الحرام‪ ،‬كغيبة اآلخرين‬
‫في محضره أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن القرآن الكريم قد أكّد ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬على أهم ّية الكلمة الطيبة في مواجهة اآلخر‪،‬‬
‫وأنّها األسلوب األمثل للتعامل مع الناس والجدال معهم‪ .‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫حث على استخدام الكلمة الطيبة والحسنة مع‬ ‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﴾(((‪ ،‬وهكذا فقد ّ‬
‫كل الناس‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﴾(((‪.‬‬
‫السب من القول الحسن والكلمة الطيبة والجدال بالتي هي أحسن؟!‬ ‫والسؤال‪ :‬أين ّ‬
‫بسب اآلخرين أو يمارسونه؟!‬
‫ّ‬ ‫أن النبي (ص) أو األئمة ‪ ‬يأمرون‬ ‫فكيف لنا أن نصدّ ق ّ‬
‫أن القول الحسن من‬‫وكيف يعقل أن يؤمر به‪ ،‬أو أن يعتبره البعض أمر ًا مستحسن ًا‪ ،‬والحال ّ‬
‫إن لسانها ٍ‬
‫آب عن التقييد‬ ‫مكارم األخالق‪ ،‬وهذه المكارم ال تقبل التجزئة والتخصيص‪ ،‬بل ّ‬
‫واالستثناء‪.‬‬
‫سب‬
‫السب على نوعين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومنه تعرف ضعف ما ذكره بعض شراح النهج من‪ّ :‬‬
‫«أن‬
‫وسب لهدم الضالل وتعريفه للناس كي ال يتبعوه‪ ،‬فإنه‬ ‫ّ‬ ‫للتشفي وهو أمر شخصي موقت‪،‬‬
‫واألول ‪ -‬بنظره ‪ -‬هو المنهي عنه دون الثاني‪ّ .‬‬
‫فإن تعريف‬ ‫ّ‬ ‫نوع من محاربة الباطل»(((‪،‬‬
‫الناس بانحراف اآلخر ومواجهة باطله ال يكون أو ال ينحصر باستخدام الوسائل المذمومة‬
‫والمستقبحة لدى العقالء‪ ،‬إذ يكفي توصيف حال اآلخر وأنّه يم ّثل الباطل‪ ،‬للتنفير عنه‪.‬‬
‫رابع ًا‪ّ :‬‬
‫إن من أفضل أساليب الدعوة إلى الله تعالى األسلوب الذي يفتح قلب اآلخر على‬
‫السب هو أسلوب منفر‪ ،‬ونستفيد‬
‫ّ‬ ‫الهدى‪ ،‬وليس األسلوب الذي يوجب نفرته‪ ،‬وال ريب أن‬
‫من بعض الروايات أهم ّية التفريق بين شخص الكافر أو الفاسق وبين عمله‪ ،‬بحيث نتوجه‬
‫إلى إدانة العمل السيئ وتقبيحه بدل أن ينصب جهدنا على إدانه الشخص الفاعل للقبيح‪ ،‬وقد‬
‫ورد عن أمير المؤمنين ‪« :‬وقد قال الرسول الصادق (ص)‪« :‬إن الله يحب العبد‪ ،‬ويبغض‬
‫عمله»(((‪ ،‬وفي المروي عن أمير المؤمنين ‪ ‬فيما قاله ألصحابه في صفين داللة على هذا‬
‫سب خصومهم‪ ،‬دعاهم إلى ذكر‬ ‫كره ألصحابه اعتماد أسلوب ّ‬ ‫األسلوب‪ ،‬حيث إنه وبعد أن ّ‬

‫(( ( سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬
‫(( ( توضيح نهج البالغة للسيد محمد الشيرازي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.122‬‬
‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.44‬‬
‫‪63‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أفعالهم وتوصيف أحوالهم‪ ،‬فقال‪« :‬ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب‬
‫في القول وأبلغ في العذر»(((‪.‬‬
‫إن العامة من الناس حيث إنّهم ينقادون لمزخرفات القول‬ ‫خامس ًا‪ :‬وأ ّما القول‪ّ :‬‬
‫وينخدعون بالكلمات المعسولة التي يلهج بها أهل االنحراف‪ ،‬فيحتاج أمر تحصينهم‬
‫وحمايتهم إلى اعتماد خطاب عاطفي يعمل على تزييف اآلخر وبيان خطورة السير معه‪،‬‬
‫والسنة‬
‫أن القرآن الكريم ُّ‬ ‫واالستماع إليه‪ ،‬فهو كالم صحيح من حيث المبدأ‪ ،‬وإننا نالحظ ّ‬
‫الشريفة قد استخدما أسلوب ًا تكثر فيه االعتبارات األدب ّية المقربة لفكرة هنا أو المبعدة ألمر‬
‫والسنة) أساليب المجاز والكناية واالستعارة‪ ،‬وضرب المثل‬ ‫هناك‪ ،‬لهذا تكثر فيهما (الكتاب ُّ‬
‫وغيره من األساليب التي تستهدف توجيه اإلنسان وإرشاده‪ .‬إال ّ‬
‫أن الغاية المذكورة ‪ -‬مع أنها‬
‫سب حاملها ‪ -‬ال تبرر اعتماد أساليب غير أخالقية في‬ ‫تتأدى بتوهين الفكرة بستخيفها بدل ّ‬
‫أن خطاب القرآن يوازن‬ ‫المواجهة‪ ،‬وإنما يجدر اعتماد خطاب مالئم لذهنية العامة‪ ،‬ويالحظ ّ‬
‫بين الفكر والعاطفة‪ ،‬ويعمل على بيان مفاسد الفكر اآلخر ويحذر من رموزه دون حاجة إلى‬
‫السب والقذف وأمثالهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أساليب‬
‫أجل‪ ،‬قد يغفر الله لإلنسان صدور كلمات منه في حاالت االنفعال الشديد‪ ،‬وال يؤاخذه‬
‫عليها‪ ،‬كما في النطق بالكالم السيئ في حالة ردة الفعل التي ينطلق فيها المظلوم لدفع الظلم‬
‫عنه‪ ،‬كما قال تعال‪ ﴿ :‬ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪ ،‬ولكن هذا شيء وأن‬
‫تصبح كلمات السباب سمة عامة للمؤمنين‪ ،‬أو منهج ًا يؤخذ به في مواجهة المنحرفين شيء‬
‫آخر‪.‬‬

‫�سب الأموات‬
‫المرحلة الرابعة‪ُّ :‬‬
‫إن من ثبتت حرمة س ّبه حي ًا يحرم سبه ميت ًا؟ وإذا‬
‫سب اإلنسان الميت؟ فهل ّ‬‫ما هو حكم ّ‬
‫السب إيذاء أحد أقربائه األحياء؟‬‫ّ‬ ‫ثبتت حلية س ّبه حي ًا فهل يجوز سبه ميت ًا إذا استوجب‬
‫سب الميت غير المسلم‪،‬‬
‫سب الميت المسلم‪ ،‬وأخرى عن ّ‬
‫أقول‪ :‬تارة نتحدث عن ّ‬
‫فالكالم في مقامين(((‪:‬‬

‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.186‬‬


‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.148‬‬
‫سب الميت المؤمن بالمعنى األخص فهي خارج دائرة التشكيك‪.‬‬‫(( ( أما حرمة ّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪64‬‬
‫المقام األول‪ :‬حكم سب الميت المسلم‪ ،‬ويمكن االستدالل على حرمة س ّبه‪ ،‬بأحد‬
‫وجوه‪:‬‬
‫أن حرمة المسلم ميت ًا كحرمته حي ًا(((‪ ،‬وحيث قد‬
‫أن الدليل قد نهض على ّ‬
‫الوجه األول‪ّ :‬‬
‫ثبتت له الحرمة حي ًا فال يجوز سبه‪ ،‬فكذلك ميت ًا‪ ،‬تمسك ًا بعموم التسوية‪ .‬ويبدو ّ‬
‫أن الفقهاء‬
‫يقبلون هنا بتعميم الحرمة لكل مسلم‪ ،‬فهم يلتزمون بأن لجثة المسلم ‪ -‬أي ًا كان مذهبه ‪-‬‬
‫احترام ًا بصرف النظر عن مذهبه‪ ،‬ولذا ال يجوز عندهم هتك جسد الميت المسلم أو تشويهه‬
‫والتمثيل به‪ ،‬بل يجب تغسيله وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين‪ ،‬أجل لم نجد تنصيص ًا منهم‬
‫على تعميم الحكم لحالة السب وأمثالها‪.‬‬
‫دل على حرمة سب المؤمن أو المسلم مطلق وشامل للحي‬ ‫إن ما ّ‬
‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫والميت‪ ،‬وال وجه لدعوى انصرافه إلى الحي‪ ،‬فعنوان المؤمن أو المسلم ينطبق عليه ميت ًا‬
‫كما ينطبق عليه حي ًا‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬استصحاب حرمة السب‪ .‬ووحدة الموضوع محرزة عرف ًا‪ ،‬وإن لم تكن‬
‫محرزة بحسب الدقة‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن ما يستدل به لحرمة سب الميت مطلق ًا ‪-‬مما يأتي‪ -‬يثبت‬
‫الحرمة للمسلم باألولوية‪ ،‬في حال نهوضه بإثبات الحرمة‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬حكم سب الميت من غير المسلمين‪ ،‬وهنا نقول‪:‬‬
‫سب الحي من غير المسلمين ‪-‬كما نرجح‪ ،-‬فيمكن االستدالل‬
‫إذا بنينا على حرمة ّ‬
‫سب الميت منهم باالستناد إلى أحد الوجوه التالية‪:‬‬
‫على حرمة ّ‬

‫((( في خبر العالء بن سيابة عن أبي عبد الله ‪ ..‬قال رسول الله (ص)‪« :‬حرمة المسلم ميت ًا كحرمته حي ًا‬
‫سوي ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .49‬ورواه أيضا في محل آخر‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪ .465‬وفي خبر الحسين بن خالد قال‪ :‬سألت أبا الحسن ‪ ‬فقلت‪ :‬إنّا روينا عن أبي عبد الله ‪‬‬
‫أحب أن أسمعه منك‪ ،‬فقال‪ :‬وما هو؟ فقلت‪ :‬بلغني أنه قال في رجل قطع رأس رجل ميت قال‪:‬‬ ‫حديث ًا ُّ‬
‫إن الله حرم من المسلم ميت ًا ما حرم منه حي ًا‪ ،‬فمن فعل بميت ما يكون في ذلك‬
‫قال رسول الله (ص)‪ّ :‬‬
‫اجتياح نفس الحي فعليه الدية‪ ،‬فقال‪ :‬صدق أبو عبد الله ‪ ،‬هكذا قال رسول الله (ص)‪ ،»..‬انظر‪:‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .274‬وفي صحيح مسمع كردين قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن رجل كسر‬
‫عظم ميت؟ فقال‪« :‬حرمته ميت ًا أعظم من حرمته وهو حي»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.272‬‬
‫‪65‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أوالً‪ :‬ما ورد في الحديث عن رسول الله (ص)‪« :‬ال تسبوا األموات فإنهم قد أفضوا إلى‬
‫ما قدموا»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬التمسك بإطالق األدلة المتقدمة التي اعتمدناها إلثبات حرمة ّ‬
‫سب غير المسلم‬
‫والتي ورد فيها عنوان «المشرك»‪ ،‬أو «الناس» أو غيرها‪ ،‬وذلك بدعوى ّ‬
‫أن هذا العنوان شامل‬
‫للحي والميت‪ ،‬وال ينصرف إلى خصوص الحي‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬إذا نوقش في اإلطالق المتقدم‪ ،‬فيمكن إثبات التحريم بطريق آخر‪ ،‬وهو إثبات ّ‬
‫أن‬
‫وأن الحرمة ثابتة له حي ًا وميت ًا‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫السب هي بمالك حرمة اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حرمة‬
‫رابع ًا‪ :‬التمسك باالستصحاب‪:‬‬
‫سب األحياء من غير المسلمين‪ ،‬فال ُيمكننا أن نحكم بحرمة‬ ‫وأ ّما إذا لم نبن على حرمة ّ‬
‫سب األموات منهم‪ .‬أجل‪ ،‬لو كان ذلك يؤذي بعض األحياء من المسلمين‪ ،‬فيمكن الحكم‬ ‫ّ‬
‫بالحرمة استناد ًا إلى النص الخاص‪ ،‬ففي الخبر عن رسول الله(ص)‪« :‬ال تسبوا األموات‬
‫فتؤذوا األحياء»(((‪ .‬وفي الخبر الذي رواه الحاكم النيسابوري‪ ،‬باإلسناد إلى عبد الله بن الزبير‬
‫عن رسول الله (ص) أنّه قال‪ :‬ألصحابه «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمن ًا مهاجر ًا فال تس ّبوا‬
‫سب الميت يؤذي الحي وال يبلغ الميت»(((‪.‬‬‫فإن ّ‬ ‫أباه‪ّ ،‬‬
‫نص خاص إلثبات الحرمة في هذه الصورة‪ ،‬فالمسألة‬ ‫ويمكن القول‪ :‬إننا ال نحتاج إلى ٍ‬
‫سب أحد أقربائه المشركين مؤذي ًا له‬
‫محرم‪ ،‬فإذا كان ّ‬ ‫هي على وفق القاعدة‪ّ ،‬‬
‫فإن إيذاء المسلم ّ‬
‫فال يجوز س ّبه والحال هذه‪ ،‬والسب ليس واجب ًا وال مستحب ًا في نفسه ليزاحم حرمة اإليذاء‪.‬‬
‫السب بالعنوان الثانوي‬
‫ّ‬ ‫حرمة‬
‫وقبل أن نغادر الحديث عن بيان الحكم الشرعي في سب اإلنسان‪ ،‬ال بدّ لنا أن نشير إلى‬
‫أن ما تقدم من أدلة حول حرمة سب المسلم أو غيره كان ناظر ًا إلى المسألة بالعنوان األولي‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن باإلمكان االستناد‬‫وعلى فرض أنّه نوقش في حرمة السب في بعض الصور المتقدمة‪ّ ،‬‬

‫السنة ألنه‬ ‫(( ( رواه الراوندي في الدعوات‪ ،‬ص ‪ ،278‬مرس ً‬


‫ال عنه (ص)‪ ،‬ويرجح أنه مأخوذ من مصادر ُّ‬
‫مروي فيها عن عائشة عن رسول الله (ص)‪ .‬انظر‪ :‬سنن الدارمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .239‬وصحيح البخاري‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪ .108‬وسنن النسائي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.53‬‬
‫((( الدعوات للقطب الراوندي‪ ،‬ص ‪ ،278‬ومصدر الرواية بحسب الظاهر هو كتب السنة‪ .‬انظر‪ :‬سنن‬
‫الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .238‬ومسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.252‬‬
‫(( ( المستدرك على الصحيحين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.204‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪66‬‬
‫في الحكم بحرمة سب المسلم أو غيره على بعض العناوين الثانوية المقتضية للتحريم‪،‬‬
‫السب يستلزم فتنة أو إثارة شحناء وبغضاء‪ ،‬أو انطبقت عليه بعض العناوين‬
‫وذلك كما لو كان ّ‬
‫اإللزامية المقتضية لذلك ومنها ‪ -‬كما يرى بعض الفقهاء ‪ -‬رعاية وحدة األمة وحفظها من‬
‫والتمزق(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التصدع‬
‫سب غير المسلم أو غير المؤمن بالعنوان األولي قد‬ ‫ومن الب ّين ّ‬
‫أن القائلين بعدم حرمة ّ‬
‫يقولون بالحرمة بالعنوان الثانوي‪.‬‬
‫السب على قاعدة الرد بالمثل‬
‫ّ‬
‫وقد تقول‪ :‬أال يجوز السب في حالة الرد بالمثل ويعد ذلك من مستثنيات حرمة السب‪،‬‬
‫كما جاز القول السوء في حالة تظلم المظلوم‪ ،‬وكما جازت مقابلة السخرية بمثلها‪ ،‬وفق ًا‬
‫﴿ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫لما حكاه القرآن الكريم عن نبي الله نوح ‪:‬‬
‫ﱔ ﴾(((؟‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن السخرية من اآلخر بمعنى االستهزاء به هي عمل مذموم وقبيح عق ً‬
‫ال‬
‫وتدل على سفه وخفة‪ ،‬وقد نهي عنها شرع ًا‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﴾(((‪ ،‬وعليه فسخرية نبي الله نوح ‪ ‬من قومه‬
‫ال يراد منها ‪ -‬كما ذكر غير واحد من المفسرين ‪ -‬السخرية بمعناها الحقيقي‪ ،‬بل أريد ر ّد‬
‫سخريتهم وذمهم عليها‪ ،‬وهذا األسلوب أعني أسلوب المشاكلة في التعبير معروف‪،‬‬
‫ومستعمل في كلمات البلغاء‪ ،‬ووارد في العديد من الموارد في القرآن الكريم‪ ،‬يقول الشيخ‬
‫في التبيان‪ :‬في تفسير قوله ﴿ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾‪« :‬جواب من نوح لهم بأنّا نسخر منكم‪ ،‬يعني‬
‫نذمكم على سخريتكم‪ ،‬وسماه سخرية‪ ،‬كما قال‪ ﴿ :‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﴾(((‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫﴿ ﱋ ﱌ ﱍ ﴾(((‪ ،‬وأطلق عليه اسم السخرية على وجه االزدواج»(((‪ .‬ومن هذا القبيل‬

‫راجع‪ :‬حدود الشريعة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.297‬‬ ‫(( (‬


‫سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬ ‫(( (‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬ ‫(( (‬
‫سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬ ‫((( ‬
‫التبيان‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.484‬‬ ‫((( ‬
‫‪67‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ما جاء في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲻ ﲼ ﲽ ﴾(((‪ّ ،‬‬
‫فإن المراد به مجازاتهم على استهزائهم‪ ،‬فإن‬
‫ما يصدر منه تعالى ليس استهزا ًء على الحقيقة وإنما أراد المشاكلة في التعبير وهي أسلوب‬
‫بياني معروف(((‪.‬‬
‫إن مقابلة السباب بمثله جائزة‪ ،‬قياس ًا على ر ّد‬
‫وفي ضوء ما تقدم‪ ،‬فال يصح القول ّ‬
‫فإن األمر في المقيس عليه‬‫صح القياس في نفسه‪ّ ،‬‬‫السخرية بمثلها أو االستهزاء بمثله‪ ،‬ألنه لو ّ‬
‫ليس من رد السخرية بمثلها‪ ،‬كما عرفت‪.‬‬
‫وأما االستدالل على جواز السب في هذه الحالة بما ورد عن علي ‪« :‬إنما هو سب‬
‫بأن الحديث ليس بصدد بيان شرعية السب والدعوة إلى‬ ‫بسب أو عفو عن ذنب»((( فيرده ّ‬ ‫ّ‬
‫السب‪ ،‬ألنهم إما‬
‫ّ‬ ‫مقابلة س ّبه بمثله‪ ،‬وإنما هو بصدد تشجيعهم على العفو وإرشادهم إلى التنزه عن‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬


‫(( ( يقول ابن شهرآشوب في تفسير اآلية‪« :‬االستهزاء إ ّما يقصد به إلى عيب المستهزئ به واإلزراء عليه‬
‫وإذا تضمنت التخطئة والتجهيل والتبكيت هذا المعنى جاز أن يجري عليه اسم االستهزاء ويشهد‬
‫بذلك قوله‪ ﴿ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﴾ [النساء‪ ]140 :‬واآليات‬
‫ال يصح عليها االستهزاء والسخرية‪ ،‬وإنما المعنى إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويزرأ عليها وقد يقام‬
‫الشيء مقام ما قاربه في معناه ليجري عليه اسمه‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ثـــم أبكاهـــم دمـــ ًا حيـــن نطـــق‬ ‫ســـكت الدهـــر زمانـــ ًا عنهـــم‬
‫وإنه تعالى يجازيهم على استهزائهم فسمى الجزاء على الذنب باسم الذنب كما قال ﴿ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞ ﲟ ﴾ [الشورى‪ ]40  :‬وقال‪ ﴿ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﴾ [البقرة‪]194  :‬‬
‫وقال‪ ﴿ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﴾ [النحل‪ ]126  :‬وقال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫فنجهل فـــوق جهـــل الجاهلينا‬ ‫أال ال يجهلـــن أحـــد علينـــا‬
‫والعرب تقول الجزاء بالجزاء‪ ،‬واألول ليس بجزاء وال شك أن ما وقع منه تعالى ليس باستهزاء على‬
‫الحقيقة‪ ،‬ولكنه سماه بذلك ليزدوج اللفظ ويخف على اللسان‪ ،‬وقيل‪ :‬استهزاؤهم لما رجع ضرره‬
‫عليهم جاز أن يقول عقيب ذلك ﴿ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾ والله تعالى هو الذي يرد استهزاءهم عليهم وإن‬
‫ضرر ما فعلوه لم يتعدهم‪ ،‬كما يقال‪ :‬أراد فالن أن يخدعني فخدعته‪ ،‬المعنى أن ضرر خداعه عاد‬
‫أن ذلك يكون‬ ‫إليه ولم يضررني‪ ،‬وقيل‪ :‬االستهزاء من الله هو اإلمالء الذي يظنونه إغفاالً‪ ،‬وروي ّ‬
‫في القيامة كما جاء في التفسير قوله‪ ﴿ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﴾ [الحج‪،]22 :‬‬
‫واستهزاء الله تعالى اإلهالك والتدمير واستهزاء الخلق السفه والعنف‪ ،‬وال خالف أن المبتدأ ليس‬
‫بعقوبة وال جزاء‪ ،‬ويجري هذه مجرى قوله‪ ﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﴾ [النساء‪ ﴿ ]142 :‬ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﴾ [األنفال‪ ﴿ ]30 :‬ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﴾ [هود‪ .»]38 :‬متشابه‬
‫القرآن ومختلفه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.188‬‬
‫((( نهج البالغة ج ‪ 4‬ص ‪.98‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪68‬‬
‫أن ينحدروا إلى مستواه فيقابلون سبه بسب مثله‪ ،‬وإما أن يتساموا إلى مستوى األدب الرفيع‬
‫وهو العفو عن ذنبه والصفح عن خطئه‪.‬‬

‫المرحلة الخام�سة‪� :‬سبّ مقد�سات الآخرين‬


‫سب مقدسات اآلخرين يمكن االستدالل على حرمته بأحد الوجوه التالية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إن ّ‬
‫﴿ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫الوجه األول‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﴾(((‪ ،‬فقد نهت اآلية‬
‫سب األصنام واآللهة التي يعبدها اآلخرون‪ ،‬معلل ًة ذلك ّ‬
‫بأن س ّبهم يستدعي جرأتهم‬ ‫عن ّ‬
‫سب الله تعالى باعتباره قدس األقداس لدى المؤمن‪ ،‬وقد ورد في الحديث عن اإلمام‬
‫على ّ‬
‫الصادق ‪ ‬تفسير ًا لهذه اآلية‪ ،‬قال‪« :‬كان المؤمنون يس ّبون ما يعبدُ المشركون‪ ،‬فنهى الله عن‬
‫سب الله تعالى‬ ‫يسب الك ّفار إله المؤمنين‪ ،(((»..‬وإذا استقربنا ّ‬
‫أن يكون ّ‬ ‫سب آلهتهم لكي ال ّ‬
‫ّ‬
‫بسب‬
‫ّ‬ ‫لسب كل مقدسات المؤمنين‪ ،‬كما ال يبعد‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫أن التسبب‬ ‫ّ‬ ‫من باب المثال‬
‫بسب الله تعالى(((‪ ،‬فنستطيع عندها أن نستفيد من اآلية قاعدة عامة في‬
‫أولياء الله كالتسبب ّ‬
‫سب مقدسات اآلخرين ورموزهم الدينية سواء كانت أصنام ًا‬
‫هذا المجال‪ ،‬وهي أنّه ال يجوز ّ‬
‫أو أشخاص ًا أو شعائر أو كتب ًا دينية أو غيرها‪ ،‬في حال كان ذلك يدفعهم إلى مقابلة السب‬
‫والسب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالسب‪ ،‬فيتعرضون للرموز الدينية الح ّقة بالنيل‬
‫ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي محمود‪ ،‬عن اإلمام الرضا ‪ ‬قال‪« :‬يا بن أبي محمود‬
‫إن مخالفينا وضعوا أخبار ًا في فضائلنا وجعلوها على ثالثة أقسام‪ :‬أحدها الغلو‪ ،‬وثانيها‪:‬‬
‫ّ‬
‫التقصير في أمرنا‪ ،‬وثالثها‪ :‬التصريح بمثالب أعدائنا‪ ،‬فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا‬
‫ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا‪ ،‬وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا‪ ،‬وإذا سمعوا مثالب أعدائنا‬
‫بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا‪ ،‬وقد قال الله عز وجل‪ ﴿ :‬ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫(( ( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬


‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،255‬الباب ‪ 36‬من أبواب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫ان لِي َولِ ّي ًا َف َقدْ َب َار َزنِي بِا ْل ُم َح َار َب ِة»‪ .‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .144‬وج ‪،2‬‬
‫(( ( ورد في الحديث القدسي‪َ « :‬م ْن َأ َه َ‬
‫ص ‪ .352‬والتوحيد للصدوق‪ ،‬ص ‪ .400‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.270‬‬
‫‪69‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﴾(((»(((‪ .‬فقد استشهد اإلمام ‪ ‬باآلية المباركة للنهي عن سب رموز أعدائهم‬


‫كيال يندفعوا إلى س ّبهم بأسمائهم‪.‬‬
‫وهذا المعنى ينسحب إلى داخل الدائرة اإلسالمية‪ ،‬فإذا كانت بعض المذاهب اإلسالم ّية‬
‫تقدّ س أو تحترم بعض الرموز والشخصيات من صحابة النبي (ص) ولم يكن لهذه الرموز‬
‫مكان ٌة عند المذهب اآلخر بل كان له رأي مغاير فيها‪ ،‬فهذا ال يبرر ألتباع هذا المذهب س ّبها‬
‫بالسب والجرأة‬
‫ّ‬ ‫السب‬
‫ّ‬ ‫أن ذلك قد يدفع أتباعها إلى مقابلة‬ ‫وشتمها واالنتقاص منها ما دام ّ‬
‫على النيل من رموز الحق والدين‪.‬‬
‫ولكن ربما اعترض على االستدالل المذكور‪:‬‬
‫السب في حال كان في معرض تناول اآلخرين‬ ‫ّ‬ ‫يدل على حرمة‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن هذا الوجه إنّما ّ‬
‫للرموز اإلسالمية مقابلة للسب بالسب‪ ،‬فهي إنما تدل على الحرمة في حال تحقق هذا‬
‫سب رموز الكافرين‬
‫ّب على ّ‬ ‫بسب الله تعالى‪ ،‬أو أوليائه‪ ،‬فلو لم يترت ْ‬
‫العنوان‪ ،‬وهو التسبب ّ‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬كما لو سبهم بعيد ًا عن أسماع اآلخرين فال داللة لآلية على الحرمة‪.‬‬
‫السب‪ ،‬وأ ّما قوله‪« :‬فيسبوا الله» فليس من قبيل‬
‫ّ‬ ‫وربما يجاب‪ :‬إن ظاهر اآلية النهي عن‬
‫العلة ليدور الحكم مدارها‪ ،‬ولتنتفي الحرمة في حال انتفائها‪ .‬وإنما هي من قبيل الحكمة التي‬
‫ال يدور الحكم مدارها‪ .‬فتأمل‪.‬‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫السب ليس نهي ًا تحريمي ًا وإنما هو لإلرشاد إلى ما يترتب على‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن النهي عن‬
‫من مفاسد‪ ،‬كما في نهي الطبيب عن أكلة مع ّينة الذي هو لإلرشاد إلى مفاسد تلك األكلة‪.‬‬
‫سب الله تعالى هو في نفسه مبغوض‬
‫أن التسبب في ّ‬ ‫إن ظاهر اآلية ّ‬
‫ويمكن الجواب‪ّ :‬‬
‫للمولى‪ ،‬وهذا األمر ُيستفاد من شواهد أخرى أيض ًا ستأتي‪.‬‬
‫سب رموز اآلخرين ربما أثار األحقاد في النفوس‪ ،‬وأشعل الفتن بين‬ ‫إن ّ‬‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫الناس وساهم في إراقة الدماء أو انتهاك األعراض إلى غير ذلك من النتائج السلبية المترتبة‬
‫والسب المضاد‪ ،‬فيحرم بهذا االعتبار‪ ،‬وهذا مر ّده إلى العنوان الثانوي‬
‫ّ‬ ‫السب‬
‫ّ‬ ‫على أسلوب‬
‫الذي تقدّ م الكالم عنه‪.‬‬

‫(( ( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬


‫ص ‪ .272‬والرواية ضعيفة السند لجهالة الحسين بن أحمد المالكي‬ ‫(( ( عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫وأبيه‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪70‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن يكون الرمز المسبوب من بني اإلنسان فينطبق عليه أحد العناوين‬
‫سب «المسلمين» أو «الناس» أو «المشركين»‪ ،‬وذلك بناء‬‫دل على حرمة ّ‬ ‫المتقدمة أي مما ّ‬
‫على شمول هذه العناوين لألموات كما هي شاملة لألحياء‪ ،‬وإن كان انطباق هذه العناوين‬
‫على الرمز الحي أكثر وضوح ًا‪.‬‬
‫أن السب عمل قبيح في ميزان األخالق الفاضلة‪ ،‬وليس هو األسلوب النافع في‬‫ويؤيده ّ‬
‫الحوار مع اآلخرين‪ ،‬بل إنّه سيغلق قلوبهم عن االستماع إلى دعوة الحق‪.‬‬

‫المرحلة ال�ساد�سة‪� :‬سبّ الحيوان والزمان والدنيا‬


‫أن األدب اإلسالمي يمتد في دعوته إلى صون اللسان‬ ‫وقد تحدثنا في مجال آخر((( عن ّ‬
‫وحفظه عن البذاءة إلى خارج الدائرة اإلنسانية‪ ،‬األمر الذي يؤشر على ما ذكرناه من ّ‬
‫أن القيم‬
‫سب‬
‫األخالقية تتم ّيز بالعموم والشمول وال تقبل التجزئة‪ ،‬وإليك بعض الروايات الواردة في ّ‬
‫ما عدا اإلنسان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬سب الحيوان‪ ،‬فقد ورد في الحديث المعروف بحديث المناهي‪« :‬ونهى (ص)‬
‫سب الديك وقال‪ :‬إنّه يوقظ للصالة»(((‪.‬‬
‫عن ّ‬
‫وعن اإلمام الصادق ‪« :‬أنه سمع رج ً‬
‫ال يلعن بعيره فقال‪ :‬ارجع‪ ،‬وال تصحبنا على‬
‫علي صلوات الله عليه يكره سب البهائم»(((‪.‬‬
‫بعير ملعون‪ ،‬وكان ٌّ‬
‫سب الناس هذه الدابة التي تكون في الطعام‪،‬‬
‫وفي الحديث عن األصبغ بن نباتة‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫فقال علي ‪« :‬ال تسبوها‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لوال هذه الدابة لخزنوها عندهم كما يخزنون‬
‫الذهب والفضة»(((‪.‬‬
‫سب الزمان واأليام‪ ،‬في خبر السكوني عن اإلمام الصادق ‪ ‬قال‪ :‬قال‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫رسول الله (ص) ال تسبوا الرياح فإنها مأمورة‪ ،‬وال تسبوا الجبال وال الساعات وال األيام وال‬
‫الليالي فتأثموا وترجع عليكم»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬كتاب العقل التكفيري ‪ -‬قراءة في المنهج اإلقصائي‪ ،‬ص ‪ ،294‬وما بعدها‪.‬‬ ‫((( ‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.5‬‬ ‫(( (‬
‫دعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .348‬ومجمع الزوائد‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.77‬‬ ‫((( ‬
‫المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.316‬‬ ‫((( ‬
‫علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .557‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.544‬‬ ‫((( ‬
‫‪71‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ال نكبت((( إصبعه وتلقاه راكب فصدم كتفه ودخل‬ ‫وعن أبي الحسن الهادي ‪ّ :‬‬
‫«أن رج ً‬
‫شر َك فما أشأمك من يوم‪ ،‬فقال أبو الحسن ‪ :‬هذا‬ ‫في زحمة فخرقوا ثيابه‪ ،‬فقال‪ :‬كفاني الله َّ‬
‫وأنت تغشانا ترمي بذنبك من ال ذنب له! ثم قال‪ :‬ما ذنب األيام حتى صرتم تتشاءمون بها‬
‫إذا جوزيتم بأعمالكم فيها‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أنا أستغفر الله‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما ينفعكم ولكن الله‬
‫أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي‬ ‫يعاقبكم بذمها على ما ال ذم (عليها) فيه‪ ،‬أما علمت ّ‬
‫باألعمال‪ ،‬فال تعدْ وال تجعل لأليام صنع ًا في حكم الله»(((‪.‬‬
‫سب الريح‪ ،‬فقد ورد النهي عنه في العديد من األخبار‪ ،‬ففي الحديث عن‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫رسول الله (ص)‪« :‬ال تسبوا الريح‪ ،‬فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا‪ :‬اللهم إنّا نسألك من خير‬
‫هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به‪ ،‬ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما‬
‫أمرت به»(((‪.‬‬
‫سب الدنيا‪ ،‬ففي الخبر عن رسول الله (ص)‪« :‬ال تسبوا الدنيا فنعم المطية الدنيا‬ ‫رابع ًا‪ّ :‬‬
‫للمؤمن‪ ،‬عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر‪ ،‬إنّه إذا قال العبد‪ :‬لعن الله الدنيا قالت الدنيا‪:‬‬
‫لعن الله أعصانا لربه»(((‪.‬‬

‫(( ( نكبت إصبعه‪ :‬أصابتها ونالتها الحجارة‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية البن األثير‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.113‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،508‬الحديث ‪ 3‬من الباب ‪ 16‬من أبواب صالة الكسوف واآليات‪.‬‬
‫((( سنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .355‬ونحوه ما في سنن ابن ماجة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1228‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬الحديث الرابع من الباب نفسه‪ ،‬نقله عن مجموعة ورام‪ ،‬ورواه الزمخشري مرسال‪ً،‬‬
‫انظر‪ :‬ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.51‬‬
‫الف�صل الثاني‬

‫غيبة الم�سلم الآخر‬

‫تُعدّ الغيبة واحدة من آفات اللسان البارزة‪ ،‬ومن األمراض السلوكية واألخالقية ذات‬
‫اآلثار والنتائج السلبية على الفرد والمجتمع‪ ،‬وقد تكفل علماء األخالق بالحديث عن أسباب‬
‫هذه اآلفة ودوافعها وآثارها وكيفية عالجها‪ .‬وما يهمنا التركيز عليه هنا‪ ،‬هو بحث القضية من‬
‫الزاوية الفقه ّية‪ ،‬لنرى إن كان الدليل يساعد على القول الذي ذهب إليه مشهور الفقهاء من‬
‫اختصاص الحرمة بالمسلم اإلمامي دون سواه‪.‬‬
‫وبحثنا لمسألة الغيبة سوف يتم من خالل مقامات ثالثة‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬في بيان مفهوم الغيبة‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬في بيان حكمها شرع ًا‪.‬‬
‫المقام الثالث‪ :‬في بيان حدود الغيبة‬

‫المقام الأول‪ :‬مفهوم الغيبة‬


‫وقع الخالف بين الفقهاء في تحديد مفهوم الغيبة وبيان حقيقتها(((‪ ،‬وحيث ّ‬
‫إن هذا‬
‫األمر خارج عن مقصدنا األساس في هذا البحث‪ ،‬فإنّا نكتفي بكلمة موجزة حول تعريف‬
‫السب شيء مما ينفع في المقام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الغيبة وبيان حقيقتها‪ ،‬مع التذكير بأنّه قد تقدم في مبحث‬
‫وإليك البيان‪:‬‬
‫قال الجوهري‪« :‬واغتابه اغتياب ًا‪ ،‬إذا وقع فيه‪ ،‬واالسم الغيبة‪ ،‬وهو أن يتكلم خلف إنسان‬
‫سمي بهتان ًا»(((‪.‬‬
‫سمي غيبة‪ ،‬وإن كان كذب ًا ّ‬
‫فإن كان صدق ًا ّ‬‫يغمه لو سمعه‪ْ .‬‬
‫مستور بما ّ‬

‫(( ( انظر حول ذلك‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.500‬‬


‫(( ( الصحاح للجوهري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.196‬‬
‫‪73‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ويستفاد من كالمه ّ‬
‫أن مفهوم الغيبة متقوم بأربعة قيود‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يتكلم خلف إنسان‪ ،‬أي في غيبته‪ ،‬فلو تكلم بكالم يسوء اآلخر في مواجهته‬
‫السب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لم يكن غيبة‪ ،‬سواء كان س ّب ًا أم ال‪ ،‬وقد تقدمت اإلشارة إلى ذلك في مبحث‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون العاصي مستور ًا بعمله‪ ،‬وهذا قيد أريد به االحتراز عن ذكر عيب‬
‫اإلنسان المعلن بالفسق والمتجاهر بارتكاب الذنب‪ ،‬فال يكون ذكره بالعيب الموجود فيه‬
‫غيبة‪.‬‬
‫يغمه ويسوؤه لو سمعه‪ ،‬بمعنى أنه يكره ذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫الثالث‪ :‬أن يكون ذكره في غيبته بما ّ‬
‫أيض ًا‪ ،‬لالحتراز عن ذكره بما ال يسوؤه‪ ،‬إ ّما لكونه ال يبالي بذكر معايبه‪ ،‬بل ال يراها عيوب ًا‬
‫أساس ًا‪ ،‬كمن يشرب الخمر ويصافح أو يق ِّبل النساء الالتي ال تربطه به ّن رابطة شرعية‪ ،‬معتبر ًا‬
‫ذلك عالمة تحضر ورقي ولو لم يعلن ذلك ويتجاهر به! وإ ّما لكون ما يقال عنه ليس عيب ًا‬
‫واقع ًا‪ ،‬سواء كان مما يوجب رفعته وتعظيمه بين الناس‪ ،‬كما لو قال‪ :‬فالن فقيه‪ ،‬أو تقي‪ ،‬أو‬
‫عابد لله‪ ،‬وصول للرحم أو ما إلى ذلك‪ ،‬أو كان ال يوجب نقص ًا وال مدح ًا‪ ،‬كما قال‪ :‬فالن‬
‫تاجر وكان كذلك‪ ،‬أو فالن عراقي أو سوري أو نحو ذلك من األمور العادية التي ال توجب‬
‫ذم ًا وال مدح ًا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون ما يسوؤه موجود ًا فيه‪ ،‬فلو ذكره بعيب ليس موجود ًا فيه فهذا ليس غيبة‪،‬‬
‫وإنّما هو البهتان‪ ،‬وهو أشدّ فحش ًا وقبح ًا من الغيبة‪ ،‬ألنه يجمع بين الكذب والغيبة‪.‬‬
‫ويبدو لي ّ‬
‫أن كالم الجوهري هذا في تعريف الغيبة قد تداخل فيه البعد الشرعي‬
‫االصطالحي للغيبة مع البعد اللغوي‪ ،‬فالقيد األول هو قيد داخل في المعنى اللغوي للغيبة‬
‫حتم ًا‪ ،‬إذ بدونه ال يصدق مفهوم الغيبة‪ ،‬وقد يكون القيد الرابع أيض ًا مأخوذ ًا في المعنى اللغوي‬
‫للغيبة‪ ،‬إذ به يمكن التفريق بين لفظ وآخر‪ ،‬أما القيدان الثاني والثالث فليس من الواضح أنهما‬
‫ويرجح أن يكون الجوهري قد ذكرهما من خالل ارتكازه الشرعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مقومان للمعنى اللغوي‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكثير ًا ما يحصل الخلط عند بعض اللغويين بين المعنى اللغوي للفظ والمعنى االصطالحي‬
‫والشرعي‪ ،‬وعليه فدخالة هذين القيدين في مفهوم الغيبة هي رهن أن يستفاد ذلك من الدليل‬
‫الشرعي‪ ،‬أو يساعد عليه الفهم العرفي‪.‬‬
‫والظاهر أنّه يوجد في األدلة ما يصلح إلثبات هذين القيدين‪ ،‬أ ّما القيد الثاني وهو‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪74‬‬
‫أن يكون المغتاب مستور ًا‪ ،‬بحيث إذا كان متجاهر ًا بالفسق فتجوز غيبته‪ ،‬فيدل عليه بعض‬
‫الروايات‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬ما جاء في الحديث النبوي‪« :‬من ألقى جلباب الحياء فال غيبة له»(((‪.‬‬
‫‪--2‬رواية هارون بن الجهم عن أبي عبد الله ‪« :‬إذا جاهر الفاسق بفسقه فال حرمة له وال‬
‫غيبة»(((‪.‬‬
‫‪--3‬رواية أبي البختري عن جعفر بن محمد ‪« :‬ثالثة ليس لهم حرمة‪ :‬صاحب هوى‬
‫مبتدع‪ ،‬واإلمام الجائر‪ ،‬والفاسق المعلن بالفسق»(((‪.‬‬
‫وهذه الروايات إن حصل الوثوق بها‪ ،‬فهو‪ ،‬وإال فيكفي في األمر قرب دعوى انصراف‬
‫أدلة حرمة الغيبة عما لو ُذكر المتجاهر بالفسق بعيبه‪.‬‬
‫فيدل عليه ‪ -‬باإلضافة إلى قرب دعوى انصراف األدلة عما إذا كان‬ ‫أما القيد الثالث ّ‬
‫ذكر الشخص بالعيب ال يسوؤه ‪ -‬بعض الروايات الواردة في تعريف الغيبة‪ ،‬فقد روى الشيخ‬
‫محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن أبي ذر عن النبي (ص) في وصية له قال‪« :‬يا أبا ذر‬
‫إياك والغيبة‪ ..‬قلت‪ :‬يا رسول الله وما الغيبة؟ قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول الله‬
‫فإن كان فيه الذي يذكر به‪ ،‬قال‪ :‬اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته‪ ،‬وإذا ذكرته بما ليس‬
‫فيه فقد بهتّه»(((‪.‬‬
‫السنة أيض ًا‪ ،‬ففي الحديث عن أبي هريرة ّ‬
‫أن‬ ‫وهذا المضمون مروي من طرق أهل ُّ‬
‫رسول الله (ص) قال‪ :‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ :‬ذكرك أخاك بما‬
‫يكره‪ .‬قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال‪ :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن‬
‫فيه فقد بهتّه»(((‪.‬‬

‫تحف العقول‪ ،‬ص ‪ .46‬والسنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .210‬وروي عن الرضا ‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫((( ‬
‫االختصاص للمفيد‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫أمالي الشيخ الصدوق‪ ،‬ص ‪ ،93‬وهي ضعيفة بأحمد بن هارون فهو لم يوثق‪.‬‬ ‫((( ‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،289‬الباب ‪ 145‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪ ،5‬وهي ضعيفة بأبي‬ ‫((( ‬
‫البختري‪.‬‬
‫األمالي للطوسي‪ ،‬ص ‪ .537‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ 9‬من الباب ‪ 152‬من‬ ‫((( ‬
‫أبواب أحكام العشرة‪ .‬ومكارم األخالق‪ ،‬ص ‪.470‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .21‬وسنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .450‬وسنن الدارمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .299‬ومسند‬ ‫(( (‬
‫أحمد ج ‪ 2‬ص ‪ .230‬والسنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.247‬‬
‫‪75‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫المقام الثاني‪ :‬حكم الغيبة‬
‫‪1 -1‬حرمة الغيبة من ال�ضروريات‬
‫كالمنا في بيان حكم الغيبة سيكون في النقاط التالية‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن حرمة الغيبة ‪ -‬في الجملة ‪ -‬هي من الضروريات الفقه ّية التي تسالم عليها عامة‬
‫ال عن فقهائهم على اختالف مذاهبهم ومشاربهم‪ ،‬وهو تسالم ممتد بدون شك‬ ‫المسلمين فض ً‬
‫إلى زمن صاحب النص‪ ،‬وقد استدل بعضهم على حرمتها باألدلة األربعة(((‪.‬‬
‫ولك ّن االستدالل بحكم العقل العملي ال يخلو من تأمل‪ّ ،‬‬
‫ألن ما يحكم العقل بقبحه هو‬
‫الظلم‪ ،‬وكون الغيبة ظلم ًا يخضع للكثير من االعتبارات التي تغ ّير الموقف من حالة ألخرى‪.‬‬
‫السب ‪ -‬على نحو المقتضي‬
‫ّ‬ ‫أجل لو كان المقصود أن العقل يحكم بالقبح ‪ -‬هنا وفي‬
‫الذي يؤثر في مقتضاه في حال عدم وجود المانع‪ ،‬فهذا صحيح‪.‬‬
‫وهذا ما يجعلنا نفهم استدالل جمع من الفقهاء بدليل العقل على حرمة الغيبة لكونها‬
‫ظلم ًا للمغتاب(((‪ .‬والتزامهم في الوقت نفسه بجواز الغيبة في العديد من الموارد كتظلم‬
‫المظلوم‪ ،‬أو غيبة من ليس شيعي ًا (بصرف النظر عن نقاشاتنا اآلتية)‪ ،‬أو غير ذلك ممن قام‬
‫أن أحكام العقل ال تقبل التخصيص‪ .‬فإنّه لو كان حكم‬‫الدليل على جواز غيبتهم شرع ًا‪ ،‬مع ّ‬
‫العقل ناجز ًا وغير مع ّلق على عدم ورود الترخيص الشرعي‪ ،‬لوقع التهافت في كالمهم‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫تم استثناؤهم ليسوا خارجين تخصص ًا وال معنى للتخصيص في حكم العقل!‬ ‫من ّ‬
‫وكيف كان‪ ،‬فال شك في حرمة الغيبة وكفاية األدلة النقلية في إثبات ذلك من حيث‬
‫المبدأ‪ ،‬ولهذا فاألجدى هو صرف النظر إلى ما هو المهم في المقام‪ ،‬وهو بيان حدود الحرمة‪،‬‬
‫تختص بالمؤمن الموالي ألهل البيت ‪ ‬أو تشمل كل مسلم بل ربما كل إنسان؟‬ ‫ّ‬ ‫وهل‬

‫‪2 -2‬حرمة الغيبة من الكبائر‬


‫لكن قبل ذلك‪ ،‬أرى من الضروري أن نب ّين ماهية الحرمة وهل أنّها من الصغائر أو‬
‫الكبائر؟‬

‫المحرمة للشيخ األنصاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.315‬‬


‫ّ‬ ‫(( ( المكاسب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫((( وقد حكم العقل بحرمتها أيضا «لكونها ظلما للمغتاب ‪ -‬بالفتح ‪ -‬وهتكا له»‪ .‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص ‪ .497‬ومنهم الشيخ األنصاري‪ ،‬انظر‪ :‬كتاب المكاسب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.315‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪76‬‬
‫معيار الكبيرة‬
‫التعرف في بادئ األمر على المعيار في كون المعصية كبيرة أو‬
‫وهذا األمر يتوقف على ّ‬
‫صغيرة؟‬
‫وما يمكن أن يذكر هنا هو عدّ ة معايير‪:‬‬
‫إن كل ما أوعد الله عليه النار فهو كبيرة‪ ،‬كما د ّلت عليه العديد من‬
‫المعيار األول‪ّ :‬‬
‫األخبار‪ ،‬منها صحيحة أبي بصير‪« :‬واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار»(((‪ ،‬وهكذا‬
‫صحيحة عبد الله بن أبي يعفور(((‪ ،‬ونحوهما صحيحة الحسن بن محبوب(((‪.‬‬
‫أن المعصية كبيرة‪ ،‬والتنصيص على ذلك وارد في العديد‬ ‫المعيار الثاني‪ :‬التنصيص على ّ‬
‫من األخبار‪ ،‬منها‪:‬‬
‫«ه َّن فِي كِت ِ‬
‫َاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيحة ُع َب ْيد ْب ِن ُز َر َار َة َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ِن ا ْل َك َبائ ِر؟ َف َق َال‪ُ :‬‬
‫ال ا ْل َيتِي ِم‬
‫وأك ُْل م ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َبا َب ْعدَ ا ْل َب ِّينَة َ َ‬
‫وأك ُْل ِّ‬‫وق ا ْل َوالِدَ ْي ِن َ‬
‫س و ُع ُق ُ‬ ‫َعلِ ٍّي ‪َ ‬س ْب ٌع‪ :‬ا ْل ُك ْف ُر بِال َّله و َقت ُْل النَّ ْف ِ‬
‫ف وال َّت َع ُّر ُب َب ْعدَ ا ْل ِه ْج َر ِة‪.(((»..‬‬‫ُظ ْلم ًا وا ْل ِفرار ِمن الزَّح ِ‬
‫َ ُ َ ْ‬
‫ول‪« :‬ا ْل َك َبائِ ُر َس ْب ٌع‬
‫ومنها‪ :‬صحيحة ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س ِم ْعتُه َي ُق ُ‬
‫وأك ُْل م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َقت ُْل ا ْل ُم ْؤ ِم ِن ُم َت َع ِّمد ًا و َق ْذ ُ‬
‫ال‬ ‫ف ا ْل ُم ْح َصنَة وا ْلف َر ُار م َن الز َّْحف وال َّت َع ُّر ُب َب ْعدَ ا ْل ِه ْج َرة َ َ‬
‫ِ‬ ‫ا ْل َيتِي ِم ُظ ْلم ًا َ‬
‫ب ال َّله َع َل ْيه الن ََّار»(((‪.‬‬‫الر َبا َب ْعدَ ا ْل َب ِّينَة وك ُُّل َما َأ ْو َج َ‬
‫وأك ُْل ِّ‬
‫إلى غيرها من األخبار((( التي ّ‬
‫نصت على كون بعض المعاصي كبائر‪.‬‬
‫المعيار الثالث‪ :‬أن يدل دليل على كون معصية معينة أشدّ قبح ًا عند الله تعالى أو أعظم‬
‫عقوبة من معصية أخرى ثبت أنها كبيرة بأحد المعيارين السابقين‪ّ ،‬‬
‫فإن ما هو أشد من الكبيرة‬
‫كبيرة قطع ًا‪ ،‬ومثال ذلك سيأتي فيما نحن فيه أي مبحث الغيبة‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫إن المعايير الثالثة متوفرة في الغيبة‪ ،‬وإليك توضيح ذلك‪:‬‬

‫انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.284‬‬ ‫((( ‬


‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ 391‬الباب‪ 41‬من أبواب كتاب الشهادات الحديث ‪.1‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪ ،318‬الباب ‪ ،46‬من أبواب جهاد النفس‪ ،‬الحديث‪.1‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.279 - 278‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.277‬‬ ‫(( (‬
‫راجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪ ،318‬وما بعدها‪ ،‬الباب ‪ 46‬من أبواب جهاد النفس وما يناسبه‪.‬‬ ‫(( (‬
‫‪77‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أما المعيار األول‪ :‬فلصحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬من قال في‬
‫مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل‪ ﴿ :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﴾((((((‪.‬‬
‫ونحوها رواية عبد الله بن سليمان النوفلي الطويلة (التي رواها الشهيد الثاني في‬
‫كشف الريبة) بإسناده عن الشيخ الطوسي‪ ،‬عن الصادق ‪ ‬قال‪« :‬وحدثني أبي عن آبائه عن‬
‫علي ‪ ‬أنّه «من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعت أذناه ما يشينه ويهدم مروته‪ ،‬فهو من‬
‫الذين قال الله عز وجل‪ ﴿ :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫أن صحيحة ابن حمران‪ ،‬وكذلك رواية النوفلي قد اعتبرتا ّ‬
‫أن من‬ ‫وتقريب االستدالل‪ّ :‬‬
‫قال في إنسان مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه من معايب فهو ممن أشاع الفاحشة‪ ،‬والغيبة‬
‫هي مصداق بارز لمن أشاع الفاحشة التي أوعد عليها النار‪.‬‬
‫قد تقول‪َ :‬‬
‫لم لم تستدل باآلية مباشرة‪ ،‬كما فعل الشيخ األنصاري(((‪ ،‬فإنّه قد استدل على‬
‫حرمة الغيبة باآلية المباركة‪ ،‬أعني قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬
‫إن اآلية قد أوعدت من يشيع الفاحشة بالنار فيدل ذلك على كونه‬ ‫ﳋ ﳌ ﳍ ﴾‪ ،‬وحيث ّ‬
‫مرتكب ًا للكبيرة‪.‬‬

‫(( ( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬


‫عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي‬ ‫(( ( رواه الصدوق في األمالي‬
‫عمير عن محمد بن حمران عن الصادق ‪ ‬مثله‪ .‬راجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،280‬الباب‬
‫‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪ .6‬ورواه الكليني في الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .357‬والرواية بسند‬
‫ألن ابن أبي عمير أرسلها عن‬‫الصدوق صحيحة‪ .‬أ ّما رواية الكليني فهي ال تخلو من إشكال سندي‪ّ ،‬‬
‫يضر على بعض المباني‪ ،‬ألنه من الثالثة الذين ال يروون وال‬
‫بعض أصحابنا‪ .‬وإرسال ابن أبي عمير ال ّ‬
‫يرسلون إال عن ثقة‪ ،‬ولكن هذا المبنى غير تام بنظرنا‪ ،‬ألنّه قد ثبت عندنا رواية محمد بن أبي عمير عن‬
‫بعض الضعفاء‪ ،‬فإذا أرسل رواية فيحتمل أن تكون الواسطة المحذوفة هي أحد هؤالء الضعفاء‪ ،‬وقد‬
‫حققنا ذلك في مورد آخر‪ ،‬نعم لو رواها مسندة عن شخص لم تثبت وثاقته بطريق آخر فمن القريب‬
‫االكتفاء بكبرى وثاقة من روى عنه أحد الثالثة ‪ -‬ومنهم ابن أبي عمير ‪ -‬في توثيق الراوي‪.‬‬
‫(( ( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫((( كشف الريبة‪ ،‬ص ‪ .94‬وسائل الشيعة‪ ،‬الباب ‪ 49‬من أبواب ما يكتسب به‪ ،‬الحديث‪ .1‬إلّ ّ‬
‫أن الرواية‬
‫محل إشكال من ناحية السند عند بعض الفقهاء‪ ،‬لجهالة النوفلي المذكور‪ .‬انظر‪ :‬الملحق رقم (‪،)1‬‬
‫ج ‪ ،2‬في آخر الكتاب‪.‬‬
‫المحرمة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.315‬‬
‫ّ‬ ‫(( ( المكاسب‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪78‬‬
‫إن اآلية بمفردها وبصرف النظر عن الحديث المتقدم ال تدل على حرمة‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫الغيبة فض ً‬
‫ال عن كونها كبيرة‪ ،‬ألن ذلك متوقف على إثبات أمرين‪ ،‬كالهما محل تأمل أو منع‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إحراز شمول مفهوم الفاحشة للغيبة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وأن يراد من إشاعة الفاحشة ذكرها ونشرها‪.‬‬
‫أن الفاحشة ال تصدق عرف ًا على الغيبة‪ ،‬إال‬
‫ألن الظاهر ّ‬
‫أما األمر األول‪ ،‬فهو محل تأمل‪ّ ،‬‬
‫بضرب من التجوز الذي يحتاج إلى دليل‪ ،‬وكذلك األمر الثاني‪ ،‬هو محل تأمل‪ّ ،‬‬
‫ألن الظاهر‬ ‫ٍ‬
‫أيض ًا ّ‬
‫أن المراد من إشاعة الفاحشة إشاعة األعمال المحرمة نفسها بين المؤمنين بأن يهيئ‬
‫لهم أسباب المعاصي من فتح حوانيت الخمور وأماكن الدعارة ونحو ذلك‪ ،‬فال داللة لها‬
‫وعممنا مفهوم الفاحشة لما يشمل الغيبة‪ ،‬فيكون نشر‬
‫على حرمة الغيبة ‪ .‬وعليه فلو تنزلنا ّ‬
‫(((‬

‫الغيبة بين الناس والترويج لها هو المنهي عنه‪ ،‬وليس مجرد أن يغتاب شخص ًا آخر‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا‬
‫ليس من إشاعة الفاحشة وإنما هو من فعل الفاحشة‪ ،‬وليس كل فعل للفاحشة هو إشاعة لها‪.‬‬
‫ال عن العملي ّ‬
‫فإن‬ ‫وعممنا مفهوم اإلشاعة للنشر الكالمي فض ً‬ ‫بل حتى لو تنزلنا أيض ًا ّ‬
‫مجرد االغتياب ليس نشر ًا أو ترويج ًا كالمي ًا ليكون إشاعة‪ ،‬اللهم إال أن يقال‪ :‬إن إشاعة كل‬
‫شيء بحسبه‪ ،‬فإشاعة الزنا يكون بالترويج له واستسهال الحديث عنه في المجالس‪ ،‬وإشاعة‬
‫الغيبة يكون باألخذ بها‪.‬‬
‫تم االستدالل بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾((( إلثبات حرمة الغيبة‪ ،‬كما‬ ‫ولو ّ‬
‫دليال على كون الغيبة كبيرة‪ّ ،‬‬
‫ألن الويل هو‬ ‫ال((( لكان ذلك ً‬
‫استدل به الشيخ األنصاري فع ً‬
‫وعيد بالعذاب‪ ،‬وهو وارد في القرآن الكريم‪ ،‬وهو مالك الكبيرة‪.‬‬
‫لكن قد استشكل في داللة اآلية على أصل حرمة الغيبة‪ّ ،‬‬
‫ألن الهمز واللمز يراد بهما‬
‫السخرية واالستهزاء وبينهما وبين الغيبة عموم من وجه(((‪.‬‬

‫محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.369‬‬ ‫(( (‬


‫سورة الهمزة‪ ،‬اآلية ‪.1‬‬ ‫(( (‬
‫المكاسب المحرمة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.315‬‬ ‫((( ‬
‫محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.369‬‬ ‫(( (‬
‫‪79‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن الغيبة ‪ -‬بعنوانها ‪ -‬من الكبائر‪ ،‬لكن ورد ّ‬
‫أن‬ ‫أما المعيار الثاني‪ :‬فألنه وإن لم يرد ّ‬
‫الخيانة من الكبائر(((‪ ،‬والغيبة خيانة‪.‬‬
‫يقول الشيخ األنصاري‪« :‬وعدّ في غير واحد من األخبار من الكبائر‪ :‬الخيانة‪ ،‬ويمكن‬
‫أعظم من التفكّه بلحم األخ على غفلة منه وعدم شعور»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خيانة‬ ‫إرجاع الغيبة إليها‪ ،‬فأي‬
‫ُ‬
‫بأن الخيانة ظاهرة في غير الغيبة(((‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬الخيانة هي ما‬‫وأورد على ذلك ّ‬
‫يقابل األمانة(((‪ .‬وعليه فال يحرز كون الغيبة مصداق ًا لها‪ ،‬ما يجعل التمسك بتلك الروايات‬
‫التي تنص على كون الخيانة من الكبائر إلثبات كون الغيبة كبيرة من التمسك بالعام في الشبهة‬
‫المصداق ّية‪ .‬أجل‪ ،‬قد يمكن أو يتم إدراج الغيبة تحت الخيانة بنحو من التوسع‪.‬‬
‫ّأما المعيار الثالث‪ :‬فلما ورد من ّ‬
‫أن الغيبة أشدّ من الزنا‪ ،‬وذلك من خالل الخبرين‬
‫التاليين‪:‬‬
‫الخبر األول‪ :‬ما رواه الشيخ محمد بن الحسن في المجالس واألخبار بإسناده عن أبي‬
‫فإن الغيبة أشد من الزنا‪،‬‬
‫ذر عن رسول الله (ص) من وصية له قال‪« :‬يا أبا ذر إياك والغيبة‪ّ ،‬‬
‫قلت‪ :‬ولم ذاك يا رسول الله؟ قال‪ :‬ألن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه والغيبة ال‬
‫تغفر حتى يغفرها صاحبها»(((‪ .‬والزنا كما هو معلوم من الكبائر‪.‬‬
‫صرح به في‬ ‫بأن «أشد ّية الغيبة هي ‪ -‬كما ّ‬ ‫وأورد عليه السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ّ -‬‬
‫حق الناس‪ ،‬ألنّه جهة العقاب(((‪ ،‬ولذا ُت َقدَّ ُم الغيبة‬
‫الحديث نفسه ‪ -‬من حيث اشتمالها على ّ‬
‫على الزنا عند التزاحم»(((‪.‬‬
‫أن األشدية ليس منصوص ًا على كونها كبيرة بعنوانها كي يتمسك‬ ‫وحاصل كالمه‪ّ :‬‬
‫بإطالقها‪ ،‬فال محالة ال بد من الرجوع إلى أحد المعيارين السابقين وأخذهما بعين االعتبار‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬الباب ‪ 46‬من أبواب جهاد النفس‪ ،‬الحديث ‪.36 - 33‬‬ ‫(( (‬
‫المكاسب المحرمة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.319‬‬ ‫((( ‬
‫مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.124‬‬ ‫(( (‬
‫حدود الشريعة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.77 - 76‬‬ ‫(( (‬
‫راجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ ،9‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬والحديث‬ ‫(( (‬
‫‪ 18‬أيض ًا من الباب نفسه‪.‬‬
‫(( ( هكذا وردت العبارة‪ّ ،‬‬
‫ولعل الصحيح‪« :‬ال من جهة العقاب»‪.‬‬
‫(( ( محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.273‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪80‬‬
‫في مقام االستفادة من األشدية‪ ،‬وذلك بأن يثبت بالدليل ّ‬
‫أن األشدية هي بلحاظ العقوبة‪ ،‬أو‬
‫أنها مطلقة بلحاظ كل اآلثار‪ ،‬أما لو كانت بلحاظ ال يتصل بكون الذنب كبيرة فهي ال تنفع‪،‬‬
‫أن األشدية ليست بلحاظ العقوبة‪ ،‬وإنما بلحاظ حقوق الناس‪.‬‬‫والظاهر من هذا الحديث ّ‬
‫ويمكن أن يناقش في ذلك ّ‬
‫بأن أشد ّية الغيبة من حيث حقوق الناس سيجعلها أشدّ من‬
‫حيث العقوبة األخروية ال محالة ما لم يغفرها له المغتاب (بالفتح)‪.‬‬
‫ّإل أن يدافع عن السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ّ -‬‬
‫بأن مقصوده هو ّ‬
‫أن األشد ّية إنّما تثبت‬
‫كون الغيبة كبيرة ‪ -‬كما الزنا ‪ -‬لو كانت ‪ -‬أي األشد ّية ‪ -‬بلحاظ الوزر ال بلحاظ التخلص من‬
‫الوزر‪ ،‬والحديث ناظر إلى الثاني كما هو ظاهر ذيله‪ّ ،‬‬
‫«ألن الرجل يزني فيتوب إلى الله‪.(((»...‬‬
‫فإن الذنب الذي يكون‬ ‫ولكن يمكن أن يعترض على هذا الدفاع بأنّه ال يجدي نفع ًا‪ّ ،‬‬
‫التخ ّلص من وزره أصعب وأعسر‪ ،‬هو أشدّ على المكلف يوم القيامة من الذنب الذي يكون‬
‫التخلص من وزره أسهل‪ .‬والغيبة ال يتخلص من وزرها بمجرد االستغفار في الدنيا أو العفو‬
‫اإللهي األخروي‪ ،‬بل ال بدّ من االستحالل من صاحبها‪ ،‬وأما الزنا فأمر التخلص من وزره‬
‫ينحصر بخصوص االستغفار الدنيوي من قبل الزاني أو العفو األخروي اإللهي‪ .‬فتأمل‪،‬‬
‫بأن صعوبة التخ ّلص ال تعني أشدّ ية الذنب‪ ،‬فربما يكون الذنب‬ ‫فلربما يالحظ على ذلك ّ‬
‫صغير ًا لكن يصعب التخلص من وزره بسهولة‪.‬‬
‫«إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة‬‫الخبر الثاني‪ :‬ما روي عنه (ص)‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫«وإن أربى‬ ‫وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم»(((‪ ،‬وذلك بتقريب ّ‬
‫أن قوله‪:‬‬ ‫وثالثين زنية‪ّ ،‬‬
‫الربا عرض الرجل المسلم» ظاهر في أشد ّية النيل من العرض المتحقق بالغيبة أو نحوهاعلى‬
‫الزنا‪ ،‬واألشد ّية هنا بقرينة ذكر العدد ناظرة إلى العقوبة ال إلى التخلص منها بلحاظ حق‬
‫الناس‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على االستدالل بالحديث األخير‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف السند‪ ،‬ألنّه مرسل‪.‬‬

‫(( ( راجع‪ :‬إرشاد الطالب للشيخ التبريزي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.187‬‬


‫((( كشف الريبة عن أحكام الغيبة‪ ،‬ص ‪ .7‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .119‬والحديث مروي في مصادر‬
‫السنة‪ ،‬انظر‪ :‬مستدرك الحاكم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.37‬‬
‫ُّ‬
‫‪81‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تعرض‬
‫أن الحديث «أجنبي عن الغيبة‪ ،‬لظهوره في ّ‬‫ثاني ًا‪ :‬ما أورده المحقق اإليرواني من ّ‬
‫عرض المؤمن وهتك عرضه خارج ًا ال التكلم بعيوبه»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه بأنّه ال وجه إلخراج الغيبة‪ ،‬فإنّها من أجلى مصاديق انتهاك عرض‬
‫اآلخر‪ ،‬فانتهاك عرضه شامل للنيل من عرضه خارج ًا أو من خالل الكالم بذكر عيوبه أيض ًا‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ما ذكره بعض الفقهاء اعتراض ًا على صدر الحديث‪ ،‬من أنّه «لو كان الحديث‬
‫بأن الغيبة ال تكون أشدّ‬‫المذكور صحيح ًا لكان الالزم تأويله لو لم يمكن طرحه‪ ،‬للجزم ّ‬
‫حرمة ووزر ًا من زنية واحدة فض ً‬
‫ال عن الثالثين‪ ،‬ولذا لو أكره على الزنا أو الغيبة تع ّين اختيار‬
‫أن درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها‬ ‫الثاني»‪ ،‬وأضاف قائالً‪« :‬وذكرنا نظير ذلك فيما ورد من ّ‬
‫مر في تعليقه على‬ ‫بذات محرم» ‪ .‬ونواة هذا االعتراض موجودة في كالم السيد الخوئي كما ّ‬
‫(((‬

‫الحديث السابق‪.‬‬
‫وهذا االعتراض ينطلق من قاعدة صحيحة كبروي ًا‪ ،‬وهي أنّه حيث كان العقاب مبني ًا‬
‫على منطق العدل‪ ،‬وال يكون جزاف ًا وال اعتباط ًا‪ ،‬وكذلك الحال في الثواب‪ ،‬فمن الطبيعي أن‬
‫ال يكون عقاب الذنب الصغير أشدّ من عقاب الذنب الكبير(((‪ ،‬ولك ْن قد يناقش في المسألة‬
‫من الناحية الصغرو ّية‪ ،‬على اعتبار أنّه ال وجه الستبعاد أن تكون الغيبة عند الله أشدّ من الزنا‬
‫ال للحم اآلخر ميت ًا‪،‬‬
‫من ناحية الوزر واإلثم‪ ،‬كيف وقد أغلظ الله أمر الغيبة وشدده واعتبره أك ً‬
‫وال تخفى خطورة نتائجها على االجتماع البشري‪ ،‬فهي تساهم في تفكك المجتمع وتوتير‬
‫العالقات وشحن النفوس وإذكاء نار العداوة وإيقاظ الفتن‪ ،‬وربما تؤدي إلى سفك الدماء‪،‬‬
‫ومعلوم أن الوزر األخروي يرتبط بالنتائج السلبية المترتبة على الفعل‪ .‬وأما قوله‪ :‬إنّه إذا‬
‫أكره على الغيبة أو على الزنا فيتع ّين عليه اختيار الغيبة‪ ،‬فهذا أول الكالم‪ ،‬والظاهر أنه لم‬
‫نص يثبت ذلك‪ ،‬وإنما انطلق من هذه الرؤية االجتهادية التي ترى أن‬ ‫يعتمد فيه على وجود ّ‬
‫عما قليل‪،‬‬ ‫أصر عليه السيد الخوئي كما سنرى في كالمه ّ‬ ‫الزنا أعظم عند الله من الغيبة‪ ،‬كما ّ‬
‫ويرجح أن تكون هذه الرؤية متأثرة بالنظرة االجتماع ّية المتشددة والمبالغة في أمر الزنا أكثر‬
‫من الغيبة‪ ،‬العتبارات قد يكون لها عالقة بقضية العار والشنار والعيب المترتبة على فعل الزنا‬
‫أن مقاييس الله تعالى قد تختلف عن مقاييسنا االجتماع ّية‬ ‫دون الغيبة‪ .‬ولك ْن من المعلوم ّ‬

‫(( ( الحاشية على المكاسب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.193‬‬


‫(( ( إرشاد الطالب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.188‬‬
‫(( ( هل الجنة للمسلمين وحدهم؟‪ ،‬ص ‪ .48 - 46‬وانظر‪ :‬الملحق رقم (‪ ،)2‬ج ‪.2‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪82‬‬
‫المعرة عينها التي يوجبه‬
‫ّ‬ ‫والعشائرية‪ ،‬أال ترى أنه في بعض مجتمعاتنا ال يرون أن القتل يسبب‬
‫أن القتل أشدّ حرمة ووزر ًا عند الله من الزنا‪ّ ،‬‬
‫ألن إزهاق النفوس ال يدانيه في اإلثم‬ ‫الزنا‪ ،‬مع ّ‬
‫معصية‪.‬‬
‫ولكن في المقابل‪ ،‬قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن الزنا من الفواحش‪ ،‬كما نص عليه القرآن الكريم‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﴾(((‪ ،‬وهو موجب للحد جلد ًا على‬
‫الزاني والزانية إن لم يكونا محصنين‪ ،‬ورجم ًا ‪ -‬كما هو الرأي المشهور ‪ -‬إذا كانا محصنين‪،‬‬
‫وعليه فكيف ُيقاس به أمر الغيبة؟! كما أنه يوجب اختالل األنساب وضياعها‪ ،‬وكل ذلك‬
‫يؤشر على عظيم خطره ووزره عند الله تعالى‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬ويمكن االعتراض أيض ًا بأن ذكر العدد ال يع ّين أن تكون األشدية بلحاظ العقوبة‪،‬‬
‫فلعلها بلحاظ النتائج السلبية المترتبة على الغيبة‪ ،‬وكذا الربا‪ّ ،‬‬
‫فإن آثارهما السلبية أخطر من‬
‫آثار الزنا‪ ،‬أ ّما الربا ّ‬
‫فإن القرآن تهدد بحرب على الذين ال ينتهون عنه(((‪ ،‬وأما الغيبة فألنّها قد‬
‫ٍ‬
‫وتفكك المجتمع من الداخل‪.‬‬ ‫تؤدي إلى فتنة‬
‫يتم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن الوزر األخروي ال ريب أنّه يتضاعف‬ ‫واإلنصاف ّ‬
‫أن هذا التبرير ال ّ‬
‫كلما تضاعفت النتائج والتأثيرات السلبية للذنب على العالقات االجتماعية أو على‬
‫األخالق العامة‪ ،‬فأشد ّية الغيبة على الزنا بلحاظ النتائج السلب ّية سيجعلها أشدّ من ناحية‬
‫العقوبة أيض ًا‪.‬‬
‫بأن ما تضمنه حول تقدير العدد بستة وثالثين‬ ‫خامس ًا‪ :‬وقد يعترض على الحديث أيض ًا ّ‬
‫زنية معارض بنصوص أخرى‪ ،‬منها ما يقدره بسبعين زنية‪ ،‬كما في صحيح ِه َشا ِم ْب ِن َسالِ ٍم َع ْن‬
‫«درهم ِرب ًا َأ َشدُّ ِمن سب ِعين َز ْني ًة ُك ُّلها بِ َذ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َم ْح َرمٍ»(((‪ .‬ومنها ما يقدره‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ‬ ‫َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ٌ َ ْ :‬‬
‫بعشرين زنية‪ ،‬كما في صحيح سعيد بن يسار قال‪ :‬قال أبو عبد الله ‪« :‬درهم واحد ربا‬

‫((( سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬


‫((( قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ  * ﲣ ﲤ ﲥ‪[ ﴾ ..‬البقرة‪:‬‬
‫‪.]279 - 278‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .144‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .274‬وجاء هذا المعنى في وصية الرسول (ص)‬
‫ ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .367‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .14‬ووسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪ ،118‬الباب ‪1‬‬ ‫لعلي‬
‫من أبواب تحريم الربا‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أعظم عند الله من عشرين زنية كلها بذات محرم»(((‪ .‬فيقع التنافي بين األخبار‪ ،‬وقد تطرح‬
‫بعض الوجوه حول الجمع بينها من أبرزها أن ذلك وارد على سبيل المبالغة في العقوبة‪،‬‬
‫واختالف العدد هو الشاهد على ذلك(((‪.‬‬
‫وطرح بعضهم احتمال أن يكون‪« :‬اختالف األخبار إنّما هو بالنسبة إلى اختالف األمكنة‬
‫واألوقات والحاالت واألشخاص والكيف ّيات»(((‪ .‬وهو خالف الظاهر‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلمام ‪ ‬كان‬
‫ٍ‬
‫واحد منها إشارة إلى كون الكالم في‬ ‫في األخبار الثالثة هو المبادر إلى البيان‪ ،‬ولم نجد في‬
‫حالة أو كيفية خاصة أو في أشخاص معينين‪.‬‬
‫إن هذا الخبر متهافت في حدّ نفسه‪ ،‬فيلزم رده‪ ،‬والتهافت هو بسبب أنّه فرض‬ ‫سادس ًا‪ّ :‬‬
‫كون العرض هو أربى الربا‪ ،‬ما يجعله أشدّ من الزنا‪ ،‬هذا مع ّ‬
‫أن الزنا بالمسلمة هو من أبرز‬
‫مصاديق النيل من عرض أخيه المسلم‪ ،‬فيكون الشيء أشدّ من نفسه‪.‬‬
‫العرض في هذا الحديث وفي غيره منصرف إلى‬ ‫بأن هتك ِ‬‫ولكن يالحظ على ذلك ّ‬
‫النيل من كرامة اآلخر وهتك حرمته بالغيبة أو نحوها وليس بالزنا ونظائره‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫‪3 -3‬وقفة مع القول‪� :‬إنّ الذنوب كلها كبائر‬


‫أن في المسألة رأي ًا‬
‫صح التقسيم المعروف للذنوب إلى صغائر وكبائر‪ ،‬إال ّ‬ ‫هذا كله لو ّ‬
‫(((‬ ‫آخر على خالف رأي المشهور‪ ،‬يرى ّ‬
‫أن الذنوب كلها كبائر‪ ،‬وقد اختاره ابن إدريس الحلي‬
‫أصر السيد الخوئي على تبنيه(((‪ ،‬يقول(((‪« :‬ومن هنا ذهب جمع‬ ‫مدعي ًا اإلجماع عليه‪ ،‬وقد ّ‬
‫فإن معصية الكبير (وهو الله) كبيرة على كل حال‪،‬‬ ‫أن المعاصي كلها كبيرة في نفسها ّ‬‫إلى ّ‬
‫وإنّما تقسم المعاصي إلى الصغائر والكبائر من جهة مقايستها بما هو أعظم منها‪ ،‬وذلك‬
‫أن معصية قتل النفس المحترمة‬ ‫أن معصية الزنا أكبر وأعظم من معصية الغيبة‪ ،‬كما ّ‬
‫لوضوح ّ‬
‫أعظم من معصية الزنا وهكذا‪ ..‬وعلى الجملة‪ :‬المعاصي منافية للعدالة بإطالقها»‪ ،‬وقد ورد‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.15‬‬


‫(( ( راجع‪ :‬الملحق رقم (‪ ،)2‬ج ‪.2‬‬
‫((( العروة الوثقى (ملحقات العروة)‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .8‬ونحوه ما ذكره في مهذب األحكام‪ :‬ج ‪ ،17‬ص ‪.296‬‬
‫((( السرائر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.69‬‬
‫(( ( راجع‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .501‬وموسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.227‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪84‬‬
‫في الحديث عن رسول الله (ص) من وصية ألبي ذر «ال تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر‬
‫إلى من عصيت»(((‪.‬‬
‫ومن الضروري كي يكون هذا النزاع في انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر وجيه ًا وذا‬
‫أثر عملي‪ ،‬وليس نزاع ًا لفظي ًا‪ ،‬أن نطرح سؤاالً عن الثمرة التي تترتب على كون الذنب صغيرة‬
‫أو كبيرة‪ ،‬فإن ُوجدت ثمرة عملية كان التقسيم صحيح ًا وحقيقي ًا وليس تقسيم ًا إضافي ًا‪ ،‬كما‬
‫يرى ذلك أصحاب االتجاه الثاني‪.‬‬
‫الذي يظهر من السيد الخوئي ّ‬
‫أن الثمرة في هذا التقسيم إنّما تظهر في عنوان العدالة على‬
‫المشهور‪ ،‬فالذي ُيعتبر في العدالة لديهم هو «اجتناب الكبائر دون الصغائر إال مع اإلصرار‬
‫لكونها معه كبيرة‪ ،‬ولذا قالوا‪ :‬ال صغيرة مع اإلصرار»(((‪.‬‬
‫تضر بالعدالة‪،‬‬ ‫ولكنه ‪-‬رحمه الله‪ -‬ر ّد هذه الثمرة معتبر ًا ّ‬
‫أن المعاصي صغيرها وكبيرها ّ‬
‫ألن العدالة هي االستقامة على جادة الشريعة‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫«أن ارتكاب المعصية على‬ ‫ّ‬
‫إطالقها انحراف عن الجادة وتعدٍّ وطغيان وخروج عن زي العبودية‪ ،‬ومانع عن كون مرتكبها‬
‫خ ّير ًا أو مأمون ًا أو عفيف ًا أو غير ذلك من العناوين المتقدمة»((( يقصد العناوين المأخوذة في‬
‫بيان مفهوم العدالة‪.‬‬
‫ويالحظ على كالمه‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن انكار كون التقسيم المذكور حقيقي ًا غير دقيق‪ّ ،‬‬
‫ألن اآليات والروايات التي‬
‫تعرفها بأنّها التي توجب دخول النار‪ ،‬أو‬
‫تتحدث عن أصل التقسيم وعن الكبائر وتعددها‪ ،‬أو ّ‬
‫التي تتحدث عن أنه ال صغيرة مع اإلصرار‪ّ ،‬‬
‫إن هذه النصوص تعكس وجود اهتمام وعناية‬
‫ثمة ثمرة مهمة تترتب على التقسيم‪ّ ،‬‬
‫وأن األئمة ‪ ‬ليسوا‬ ‫بذكر الكبائر‪ ،‬األمر الذي يؤكد ّ‬
‫أن ّ‬
‫بصدد بيان ّ‬
‫أن بعض الذنوب أكبر من بعض فقط‪ ،‬فهذا ال يحتاج إلى كل هذا الجهد وتلك‬
‫العناية وكل تلك التأكيدات الصادرة عنهم ‪.‬‬

‫(( ( األمالي للطوسي‪ ،‬ص ‪ .528‬ومكارم األخالق‪ ،‬ص ‪.460‬‬


‫(( ( محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.372‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.227‬‬
‫‪85‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن ثمة تقسيم ًا ثنائي ًا حقيقي ًا للذنوب‪،‬‬
‫والسنة الشريفة((( ّ‬ ‫وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن ظاهر القرآن ُّ‬
‫وليس التقسيم المذكور تقسيم ًا إضافي ًا بمقايسة بعضها إلى البعض اآلخر(((‪.‬‬
‫إن ما يظهر من حصر السيد الخوئي للثمرة التي تترتب على االنقسام المذكور‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ألن ثمة ثمرة أخرى تترتب على هذا‬ ‫بمسألة العدالة (وهي ثمرة غير تامة بنظره) غير دقيق‪ّ ،‬‬
‫ألن اجتناب الكبائر موجب لغفران‬ ‫التقسيم‪ ،‬وهي عدم وجوب التوبة من الصغائر‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الصغائر والعفو عنها‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﴾(((‪ ،‬ويقول تعالى‪ ﴿ :‬ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﴾(((‪ ،‬والظاهر ّ‬
‫أن السيد الخوئي معترف بهذا األثر وغير منكر له(((‪ ،‬ومعه‬
‫ال معنى إلنكاره صحة التقسيم ونفيه وجود األثر عليه‪ .‬وهذه الثمرة وإن كانت ثمرة أخروية‬
‫ولكن يترتب عليها أثر عملي‪ ،‬وهو سقوط وجوب التوبة عن الصغائر‪ ،‬ألنّها مك َّفرة في حق‬
‫من اجتنب الكبائر‪ ،‬فالصغيرة إذا كانت مكفرة فال موجب للتوبة منها‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن ما‬
‫دل على غفرانها يعني أنها كالعدم‪ ،‬وهذا يتالزم مع عدم وجوب التوبة منها‪.‬‬
‫أن وجوب التوبة‬ ‫أن بعض أساتذتنا اعترض على هذه الثمرة قائالً‪« :‬ولك ّن الصحيح ّ‬ ‫ّإل ّ‬
‫أن الصغيرة المعفو عنها فيمن ترك الكبائر ال تحتاج‬ ‫لم يكن ألجل الفرار من النار كي يفترض ّ‬
‫إلى التوبة بل هو‪ :‬إ ّما وجوب شرعي مستفاد من األوامر الواردة بالتوبة من الذنب‪ ،‬وإطالقها‬
‫يشمل التوبة عن الكبيرة والصغيرة‪ ،‬أو وجوب عقلي سنخ وجوب الطاعة‪ ،‬فكما ّ‬
‫أن العقل‬
‫بأن مقتضى‬‫حكم بأن مقتضى العبودية للمولى امتثال أوامره وترك نواهيه‪ ،‬كذلك حكم ّ‬
‫العبودية له الندم على معصيته‪ ،‬وهذا أيض ًا ال يفرق فيه بين أن يكون الذنب معفو ًا عنه أو ال‪،‬‬
‫ويحتمل كون أوامر التوبة إرشاد ًا إلى هذا الحكم العقلي»(((‪.‬‬
‫إن الزمه‬ ‫بأن ما ّ‬
‫دل على غفران الذنوب الصغائر حيث ّ‬ ‫ولكن يمكن أن يالحظ على كالمه‪ّ :‬‬
‫عدم وجوب التوبة منها فيكون أخص من مطلقات وجوب التوبة‪ ،‬ما يوجب حملها على ارتكاب‬

‫راجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬الباب ‪ 45‬و‪ 46‬و‪ 47‬من أبواب جهاد النفس‪.‬‬ ‫(( (‬
‫راجع حول الروايات‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬األبواب ‪ 45‬و‪ 46‬و‪ 47‬من أبواب جهاد النفس‪.‬‬ ‫(( (‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬ ‫(( (‬
‫سورة النجم‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬ ‫(( (‬
‫راجع‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.229‬‬ ‫(( (‬
‫القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.109 - 108‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪86‬‬
‫إن كان وجوبها عقلي ًا‪ ،‬فصحيح ّ‬
‫أن مثل هذا الوجوب ال‬ ‫الكبائر‪ ،‬هذا إذا كان الوجوب شرعي ًا‪ ،‬وأما ّ‬
‫إن الوجوب العقلي المذكور مع ّلق على عدم‬‫معنى لتخصيصه بحكم الشرع‪ ،‬لكن يمكن القول‪ّ :‬‬
‫ورود العفو والغفران والتكفير من الشارع‪ ،‬فإذا ثبت العفو يرتفع موضوع الوجوب المذكور‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما تقدّ م يمكن العودة إلى تصحيح الثمرة األولى‪ ،‬ألنّه إذا لم تجب التوبة‬
‫من الصغائر فال يكون ارتكابها خادش ًا في العدالة‪ ،‬فإن ما يخدش في العدالة هو ما يجب‬
‫التوبة منه‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر من الحديث حول التقسيم المذكور للذنوب‪ ،‬لننتقل إلى ما هو‬
‫المهم في بحثنا‪ ،‬وهو بيان دائرة التحريم في الغيبة‪.‬‬

‫المقام الثالث‪ :‬في بيان حدود الغيبة‬


‫هل حرمة الغيبة تختص باإلمامي؟ أو هي شاملة لمطلق المسلم؟ وربما لغير المسلم؟‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن األقوال والوجوه في المسألة ثالثة‪:‬‬
‫‪--1‬االختصاص بالمؤمن‪ ،‬أ ّما غيره فتجوز غيبته على كل حال‪ ،‬وهو ما يتبناه مشهور فقهاء‬
‫اإلمامية‪.‬‬
‫‪--2‬التعميم لكل مسلم‪ ،‬وقد تبنى هذا الرأي أو مال إليه بعض األعالم‪ ،‬ومنهم المحققان‬
‫األردبيلي والسبزواري(((‪ ،‬والسيد عبد األعلى السبزواري((( والسيد فضل الله‬
‫(((‬

‫والشيخ آصف محسني(((‪ .‬وقد ّفرق البعض بين المستضعف وغيره‪ ،‬قال الوحيد‬
‫البهبهاني‪« :‬نعم لو كان من المستضعفين الذين ال تقصير لهم أصالً‪ ،‬جاز الدعاء لهم‬
‫مطلق ًا وحرم غيبتهم‪ ،‬كذلك حرم أذ ّيتهم وإهانتهم ونحوهما»(((‪.‬‬

‫راجع‪ :‬جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.62‬‬ ‫(( (‬


‫مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.124‬‬ ‫(( (‬
‫المسائل الفقهية‪ /‬المعامالت‪ ،‬ص ‪.596‬‬ ‫(( (‬
‫حدود الشريعة ‪ /‬المحرمات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .77‬قال‪« :‬ظاهر اآلية هو العموم‪ ،‬فإن المؤمن في عصر نزول‬ ‫(( (‬
‫القرآن أعم من المصطلح عليه اليوم‪ ،‬واألخوة في ذيل اآلية غير مخصصة‪ ،‬لصدق األخ الديني على‬
‫المخالف أيض ًا»‪ ،‬إلى أن قال‪« :‬وعلى الجملة ال دليل لفظي يدل على جواز غيبة المخالف‪ ،‬نعم ال‬
‫ينبغي إنكار االرتكاز على جوازه بل جريان السيرة عليه‪ ،‬وإن كان األحوط هو المنع‪ ،‬كما اختاره‬
‫المحقق األردبيلي»‪.‬‬
‫((( مصابيح الظالم‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.32‬‬
‫‪87‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تعم وتشمل كل إنسان ولو لم يكن‬
‫أن الحرمة ّ‬‫وثمة وجه ثالث في أصل المسألة‪ ،‬وهو ّ‬
‫مسلم ًا‪ ،‬وسنرى الحق ًا ما يمكن االستدالل به لهذا الوجه‪.‬‬
‫وفيما يلي سوف نبحث هذه الوجوه من خالل المراحل الثالث التالية‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬اختصاص الحرمة باإلمامي‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫نقلنا بعض كلمات الفقهاء القائلين باختصاص الحرمة باإلمامي في بحث‬
‫فراجع‪.‬‬
‫ويهمنا اآلن استعراض أدلتهم على االختصاص‪ ،‬وما يظهر من كلماتهم أنّهم يستندون‬
‫إلى جملة من األدلة‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬دعوى الضرورة‬
‫ما ذكره الشيخ األنصاري دفع ًا لتوهم عموم بعض اآليات والروايات من أنه ُعلم‬
‫بضرورة المذهب عدم احترام غير المؤمن بالمعنى األخص (اإلمامي) وعدم جريان أحكام‬
‫اإلسالم عليه إال قلي ً‬
‫ال(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أن أحكام اإلسالم برمتها تجري عليهم‪ ،‬وهي‬‫السب من ّ‬
‫ّ‬ ‫أوالً‪ :‬ما ذكرناه سابق ًا في بحث‬
‫ليست قليلة‪ ،‬يقول بعض الفقهاء المعاصرين‪« :‬كل حكم ترتب في لسان األدلة على اإلسالم‬
‫أو عنوان المسلم يترتب عليهم كما يترتب على المؤمن وهذا ليس بقليل‪ ،‬فيثبت التوارث‬
‫بينهم وبين المؤمنين ويجب علينا تجهيز موتاهم وهكذا»(((‪.‬‬
‫إن دعوى ضرورة المذهب على عدم احترام كل من ليس مؤمن ًا اثني عشري ًا هي‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ثمة ما يبعث على الوثوق بها أو تأكيد امتدادها الزمني ووصولها إلى عصر‬ ‫دعوى ليس ّ‬
‫النص‪ ،‬لتكون ‪ -‬أعني الضرورة المذكورة ‪ -‬متلقاة من األئمة ‪ ‬الذين يشكّل قولهم الحجة‬
‫الشرعية‪ ،‬وال قيمة لتسالم أو ضرورة أو إجماع أو شهرة ال تكون مستمدة من مصدر الشرعية‬
‫أن هناك فتوى مشهورة بذلك‪ ،‬أعني باختصاص‬ ‫ثمة أمر ال ريب فيه وهو ّ‬
‫اإلسالم ّية ‪ .‬نعم‪ّ ،‬‬
‫(((‬

‫((( المكاسب المحرمة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.319‬‬


‫(( ( إرشاد الطالب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.189‬‬
‫(( ( تناولنا مسألة الضرورة وشيوع االستدالل بها في الفقه والعقيدة بالبحث التفصيلي في كتاب أصول‬
‫االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص ‪ 116‬وما بعدها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪88‬‬
‫حرمة الغيبة بخصوص دائرة اإلمامي‪ ،‬وهي فتوى قد َت َعا َق َ‬
‫ب على األخذ بها أجيال فقهية‪،‬‬
‫األمر الذي ربما أوحى لبعض الفقهاء المتأخرين بضرورة القضية وبداهتها‪ .‬وقد قدّ منا في‬
‫السب ما ينفع في هذا المقام فراجع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مبحث‬
‫ثالث ًا‪ :‬لو س ّلمنا عدم تمام ّية الدليل على عدم احترام من ليس إمامي ًا‪ّ ،‬إل ّ‬
‫أن ذلك ال‬
‫يقتضي جواز غيبته‪ ،‬وذلك ألنّه «لم يثبت كون تمام مناط حرمة الغيبة هو االحترام‪ ،‬فلعل‬
‫التعرض ألعراض الناس مطلوب‪ ،‬وفي التعرض خفة ومهانة وذهاب‬
‫نفس حفظ اللسان من ّ‬
‫بها وانحطاط قدر للمتعرض في أعين الناس كما هو المشاهد بالوجدان»(((‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬اختصاص األخبار بالمؤمن واألخ‬
‫ذكر الشيخ األنصاري ّ‬
‫«أن ظاهر األخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب‬
‫المخالف كما يجوز لعنه»(((‪.‬‬
‫ولعل نظره إلى األخبار التي ورد فيها عنوان «المؤمن» من قبيل ما روي عن النبي (ص)‪:‬‬ ‫ّ‬
‫«من اغتاب مؤمن ًا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبد ًا‪ ،(((»..‬أو األخبار التي ورد فيها‬
‫عنوان األخ من قبيل ما روي عنه(ص)‪« :‬من مشى في غيبة أخيه وكشف عورته كانت أول‬
‫خطوة خطاها وضعها في جهنم»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫إن لفظ المؤمن الوارد على لسان النبي(ص) ال يراد به ‪-‬كما أسلفنا سابق ًا‪-‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ولما يدخل‬‫المؤمن بالمعنى األخص‪ ،‬بل َم ْن دخل اإليمان في قلبه‪ ،‬مقابل من أسلم بلسانه ّ‬
‫اإليمان في قلبه‪ ،‬وهو تقسيم ليس مذهبي ًا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬سلمنا ّ‬
‫أن المراد بالمؤمن في تلك األخبار اإلمامي وكذلك في اآلية أيض ًا‪ ،‬بيد‬

‫الحاشية على المكاسب لإليرواني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.32‬‬ ‫((( ‬


‫المكاسب المحرمة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .319‬الحاج ميرزا علي اإليرواني الغروي (‪1354‬هـ)‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬ ‫(( (‬
‫‪ 1379‬طبع في طهران بمطبعة رشدية باألفست‪.‬‬
‫األمالي‪ ،‬للشيخ الصدوق‪ ،‬ص ‪ .164‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،285‬الحديث ‪ 20‬من الباب ‪152‬‬ ‫(( (‬
‫من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪ ،285‬الحديث‪ 21‬من الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫‪89‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن ذلك ال يمنع من األخذ بعموم أو إطالق بعضها اآلخر‪ ،‬لعدم التنافي بينهما كما ذكرنا‬ ‫ّ‬
‫سابق ًا(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬األخبار البيانية‬
‫المفسرة لها‬
‫ِّ‬ ‫قال المحقق اإليرواني‪« :‬فاألولى أن يستدل لجواز غيبة المخالف باألخبار‬
‫‪ -‬أي للغيبة ‪ -‬بذكر األخ‪ ،‬وفي اآلية أيض ًا إشارة إلى ذلك‪ ،‬والمخالف ليس أخ ًا‪ ،‬فتأمل»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولعل مقصود الشيخ األنصاري باألخبار هو هذه الطائفة‪.‬‬
‫والمحقق اإليراوني ال يستدل هنا بالروايات التي أخذت عنوان األخ موضوع ًا للحكم‬
‫بحرمة الغيبة‪ ،‬من قبيل ما ورد بلسان «من مشى في غيبة أخيه»‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن هذه الروايات ال‬
‫مفهوم لها وال تنافي المطلقات‪ ،‬كما أفاد ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬وإنّما يستدل بالروايات التي ورد‬
‫فيها لفظ األخ في مقام تفسير الغيبة وتعريفها‪ ،‬فتكون هذه الروايات في مقام التحديد‪ ،‬فيثبت‬
‫لها المفهوم‪ ،‬وذلك من قبيل‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما روي عنه (ص)‪« :‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ذكرك أخاك بما يكره‪.(((»..‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬وعنه (ص) وقد سأله أبو ذر عن الغيبة قال‪« :‬ذكرك أخاك بما يكره»(((‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬ما روي في تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان قال‪ :‬قال أبو عبد الله ‪:‬‬
‫«الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد ستره الله عليه‪.(((»..‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرواية الرابعة‪ :‬خبر َد ُاود ْب ِن ِس ْر َح َ‬
‫«ه َو‬ ‫ان َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ِن ا ْلغي َبة؟ َقال‪ُ :‬‬
‫ث َع َل ْيه َأ ْمر ًا َقدْ َست ََره ال َّله َع َل ْيه َل ْم ُي َق ْم َع َل ْيه فِيه َحدٌّ »(((‪.‬‬ ‫يك فِي ِدينِه َما َل ْم َي ْف َع ْل‪ ،‬و َت ُب َّ‬
‫ول ألَ ِخ َ‬‫َأ ْن َت ُق َ‬
‫ول‪« :‬ا ْل ِغي َب ُة‬ ‫ الر ْح َم ِن ْب ِن َس َيا َب َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬ما عن َع ْبد َّ‬
‫َان َأ ْن‬‫حدَّ ِة وا ْل َع َج َل ِة َف َل وا ْل ُب ْهت ُ‬
‫اهر فِيه ِم ْث ُل ا ْل ِ‬
‫ِ‬
‫وأ َّما األَ ْم ُر ال َّظ ُ‬‫يك َما َست ََره ال َّله َع َل ْيه َ‬ ‫ول فِي َأ ِخ َ‬
‫َأ ْن َت ُق َ‬

‫(( ( راجع‪ :‬الحاشية على المكاسب للمحقق اإليرواني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.32‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫ورام)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .126‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.21‬‬ ‫(( ( تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ّ‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ 9‬من الباب ‪ 152‬من أبواب العشرة‪.‬‬
‫(( ( تفسير العياشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.275‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.357‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪90‬‬
‫ول فِيه َما َل ْي َس فِيه»(((‪ .‬ورواها الصدوق في «األمالي» و«معاني األخبار»‪ ،‬وجاء فيهما‪ّ :‬‬
‫«إن‬ ‫َت ُق َ‬
‫من الغيبة أن تقول في أخيك»(((‪ .‬وبنا ًء على نقله هذا فال تصلح الرواية لالستدالل بسبب ّ‬
‫أن‬
‫حرف التبعيض يدل ‪ -‬كما ال يخفى ‪ -‬على ّ‬
‫أن هذا من الغيبة وليس هو التعريف التام للغيبة‪.‬‬
‫إن هذه الروايات بما أنّها في مقام بيان وتفسير الغيبة‪ ،‬وقد حددت الموضوع بشكل‬ ‫ّ‬
‫واضح وهو «األخ»‪ ،‬واألخ يراد به األخ في المعتقد المذهبي‪ ،‬وليس األخ في الدين وال في‬
‫اإلنسانية‪ ،‬هذا هو تقريب االستدالل بهذه الروايات‪.‬‬
‫ولنا مع هذا االستدالل وقفتان‪ :‬سندية وداللية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف األسانيد‬
‫إن الروايات المتقدمة ضعيفة السند‪ ،‬أ ّما الرواية األولى فهي مرسلة‪ ،‬ويرجح ّ‬
‫أن مستندها‬ ‫ّ‬
‫هو رواية أبي هريرة في صحيح مسلم‪ ،‬ومنه وصلت إلى «تنبيه الخواطر»‪.‬‬
‫والثانية رواها الشيخ في المجالس واألخبار «عن جماعة عن أبي المفضل عن رجاء بن‬
‫يحيى العبرتائي‪ ،‬عن محمد بن الحسن بن شمون‪ ،‬عن عبد الله بن عبد الرحمن األصم عن‬
‫الفضيل بن يسار عن وهب بن عبد الله الهمداني عن أبي حرب بن أبي األسود الدؤلي عن‬
‫أبيه عن أبي ذر»(((‪.‬‬
‫فإن محمد ًا بن الحسن بن شمون ضعيف‪ ،‬وعبد الله بن‬ ‫هذا السند واضح الضعف‪ّ ،‬‬
‫عبد الرحمن األصم أيض ًا ضعفه النجاشي‪ ،‬ورجاء بن يحيى العبرتائي وقع في طريق النجاشي‬
‫المفضل الشيباني‬
‫َّ‬ ‫إلى محمد بن الحسن بن شمون وقال عنه النجاشي إنه طريق مظلم‪ ،‬أما أبو‬
‫وهو محمد بن عبيد الله فيقول النجاشي عنه‪« :‬كان سافر في طلب الحديث عمره‪ ،‬أصله‬
‫ِ‬
‫ويضعفونه»(((‪.‬‬ ‫كوفي‪ ،‬وكان في أول عمره ثبت ًا ثم خلط‪ ،‬ورأيت جل أصحابنا يغمزونه‬
‫وأما الرواية الثالثة‪ ،‬فهي مرسلة‪ ،‬كغيرها من روايات العياشي‪ ،‬على ّ‬
‫أن الراوي عن ابن‬
‫سنان هو عبد الله بن حماد األنصاري‪ ،‬وهو مما لم يرد فيه توثيق واضح(((‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.358‬‬ ‫((( ‬


‫األمالي‪ ،‬ص ‪ .417‬ومعاني األخبار‪ ،‬ص ‪.184‬‬ ‫((( ‬
‫راجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪.142‬‬ ‫(( (‬
‫رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.396‬‬ ‫((( ‬
‫(( ( قال فيه النجاشي‪« :‬من شيوخ أصحابنا‪ ،‬له كتابان»‪ ،‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪ .218‬ونقل العالمة عن ابن‬
‫الغضائري قوله‪« :‬وحديثه نعرفه تارة وننكره أخرى‪ ،‬ويخرج شاهد ًا»‪ ،‬خالصة األقوال‪ ،‬ص ‪.201‬‬
‫‪91‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وأما الرواية الرابعة‪ ،‬فقد رواها الكليني عن الحسين بن محمد (هو األشعري من‬
‫أجالء مشايخ الكليني) عن معلى بن محمد‪ ،‬عن الحسن بن علي الوشاء‪ ،‬عن داود بن‬
‫سرحان‪ ،‬ونقطة الضعف في هذا السند هو «معلى بن محمد»‪ ،‬وقد قال فيه النجاشي‪:‬‬
‫«مضطرب الحديث والمذهب‪ ،‬وكتبه قريبة»‪ ،‬وأما الشيخ فلم يوثقه ولم يضعفه‪ ،‬وأ ّما ابن‬
‫الغضائري فقال‪« :‬يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهد ًا»‪،‬‬
‫أن الرجل ثقة ُيعتمد على رواياته»‪ ،‬وأضاف‪:‬‬ ‫وأما السيد الخوئي فقد قال‪« :‬الظاهر ّ‬
‫«وأما قول النجاشي من اضطرابه في الحديث والمذهب فال يكون مانع ًا من وثاقته‪،‬‬
‫أ ّما اضطرابه في المذهب فلم يثبت كما ذكره بعضهم‪ ،‬وعلى تقدير الثبوت فهو ال ينافي‬
‫الوثاقة‪ ،‬وأما اضطرابه في الحديث فمعناه أنّه قد يروي ما يعرف وقد يروي ما ينكر‪ ،‬وهذا‬
‫أيض ًا ال ينافي الوثاقة‪ ،‬ويؤيد ذلك قول النجاشي‪« :‬وكتبه قريبة»‪ ،‬وأما روايته عن الضعفاء‬
‫على ما ذكره ابن الغضائري فهي على تقدير ثبوتها ال تضر بالعمل مما يرويه عن الثقات‪،‬‬
‫فالظاهر ّ‬
‫أن الرجل معتمد عليه»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يبدو أنّه ال مستند عند السيد الخوئي في توثيقه للرجل سوى أنّه من رجال «كامل‬
‫الزيارات»(((‪ ،‬وهذا ال يفيد في التوثيق‪ ،‬وقد رجع السيد الخوئي نفسه عنه‪ .‬ولهذا ّ‬
‫فإن الرواية‬
‫ال يمكن الوثوق بسندها‪.‬‬
‫وأما الرواية الخامسة فقد رواها الكليني عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن موسى بن عبد الرحمن‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سيابة‪ .‬وعبد الرحمن بن سيابة‪ ،‬قد‬
‫ض ّعفه قوم من الرجاليين‪ ،‬وعدّ بعضهم رواياته حسنة(((‪ ،‬ولعل الوجه في ذلك وجود‬
‫ليقسم في عياالت من أصيب‬‫أن اإلمام الصادق ‪ ‬دفع إليه ماالً ّ‬ ‫روايتين تدالن على ّ‬
‫مع عمه زيد‪ ،‬فالروايتان «تدالن على أنّه كان مورد ثقة اإلمام ‪ ‬من جهة األمانة»(((‪،‬‬

‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.280‬‬ ‫(( (‬


‫َّ‬
‫قال ‪-‬رحمه الله‪ -‬في التعليق على سند بعض الروايات‪« :‬هذا كله مع قطع النظر عن وقوع معلى بن‬ ‫((( ‬
‫محمد والحسن بن علي الوشاء في أسانيد كامل الزيارات َّ‬
‫وإل فهما موثقان بتوثيق ابن قولويه»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫موسوعة السيد الخوئي الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.194‬‬
‫منهاج الفقاهة للروحاني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .17‬والغريب أنه في موضع آخر ع ّبر عنها بالصحيحة‪ .‬فقه الصادق‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ج ‪ ،26‬ص ‪.292‬‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.361‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪92‬‬
‫وفيما عدا ذلك فال نملك دلي ً‬
‫ال على وثاقة الرجل(((‪ ،‬ولكن السيد الخوئي ع ّبر عن الرواية‬
‫بالصحيحة(((‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬قد يقال إنّه وبعد تضافر الروايات واستفاضتها على المضمون المذكور‪ ،‬فإنّه‬
‫يحصل الوثوق بصدوره عن النبي (ص)‪.‬‬
‫لك ّن هذه الدعوى ال تخلو من تأمل وإشكال وال سيما بمالحظة ما ذكرناه بشأن الرواية‬
‫األخيرة من أنها بنا ًء على النسخة األخرى تخرج عن الحساب‪.‬‬
‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إنه ورغم ذلك فال يبعد حصول الوثوق بصدور المضمون‪ ،‬وذلك‬
‫بمالحظة تضافر الروايات وتعدد رواتها وتنوع مصادرها‪ ،‬فهي مروية من طرق الفريقين‪،‬‬
‫ناهيك عن كونها ذات مضمون أخالقي وهو مما تقل فيه دواعي الكذب‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬التأمل في الداللة‬
‫فإن المالحظة األهم هي المالحظة الداللية‪،‬‬ ‫ومع القبول أو التسليم بصحة السند‪ّ ،‬‬
‫أن لفظ األخ الوارد على لسان رسول الله (ص) ال ُيراد به خصوص األخ بالمعنى‬ ‫وخالصتها ّ‬
‫األخص‪ ،‬وإنّما األخ في الدين كما أوضحنا سابق ًا في مبحث «المؤمن في الكتاب ُّ‬
‫والسنة»‪.‬‬
‫فإن المراد به على األرجح‬ ‫وكذلك الحال في لفظ «األخ» الوارد على لسان األئمة ‪ّ ‬‬
‫في المقام األخ نفسه الوارد في لسانه (ص) ما لم تقم قرينة على الخالف‪ّ ،‬‬
‫فإن األئمة ‪‬‬
‫استخدموا في تعريف الغيبة التعريف نفسه الوارد عنه (ص)‪ ،‬ويالحظ هنا أنهم ‪ ‬رووا‬
‫وحدثوا بحديثه (ص)‪ ،‬مما يبعد أن يكون مقصودهم معنى أضيق‪ ،‬أو مغاير ًا لما هو مراد له‪،‬‬
‫أن معنى األخ الوارد في كالمهم ‪ ‬يحتمل أن يكون المراد‬ ‫أقل من ّ‬ ‫وإال لنبهوا على ذلك‪ ،‬ال ّ‬
‫أخص من ذلك أو مغاير ًا له‪ ،‬فكيف لنا أن نسلب األخوة‬‫ّ‬ ‫به ذلك‪ ،‬وهم ‪ ‬لم يعطوه تفسير ًا‬
‫بين مسلم وآخر بمجرد االحتمال‪ ،‬والحال أن ظاهر القرآن هو جعل األخوة بين المؤمنين‪:‬‬
‫﴿ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﴾(((‪ ،‬والمراد بالمؤمن في القرآن ما يقابل المسلم‬
‫أن اآلية قد ّفرعت على جعل‬ ‫الذي آمن بلسانه ولم يستقر اإليمان في قلبه‪ ،‬ويشهد لذلك ّ‬

‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.361‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬مباني تكملة المنهاج‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .168‬فقد ع ّبر عن روايته بالمعتبرة‪ ،‬وفي موضع آخر بالصحيحة‪.‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.313‬‬
‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪93‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫األخوة بين المؤمنين الدعوة إلى اإلصالح بين األخوة‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن اإلصالح ال بدّ أن‬
‫يقع بين كل المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وليس خصوص المؤمن بالمعنى األخص‪.‬‬
‫﴿ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫السب أن استشهدنا بقوله تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد سلف في بحث‬
‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‪.(((﴾ ..‬‬
‫ويشهد أيض ًا لشمول لفظ األخوة لكل أخوة الدين الواحد قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱯ ﱰ‬
‫كرستها هذه اآلية هي األخوة في الدين‬ ‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﴾(((‪ّ .‬‬
‫فإن األخوة التي ّ‬
‫وليس المذهب‪.‬‬
‫ومما يشهد لذلك أيض ًا ما جاء في عهد علي ‪ ‬لمالك األشتر عندما واله مصر‪:‬‬
‫«وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم وال تكونن عليهم سبع ًا ضاري ًا تغتنم‬
‫ْ‬
‫وإما نظير لك في الخلق» ‪ ،‬فقد قدّ م ‪ ‬تقسيم ًا‬
‫(((‬
‫أكلهم فإنهم صنفان‪ّ :‬إما أخ لك في الدين ّ‬
‫أن الناس‪ :‬إ ّما أخوة في الدين‪ ،‬وإ ّما نظراء في الخلق‪ ،‬وهو ظاهر في كون‬ ‫ثنائي ًا للرعية‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن المسلم ولو لم يؤمن بوالية أهل البيت ‪‬‬ ‫أخوة الدين شاملة لكل أهل الدين‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫هو من أهل الدين جزم ًا‪ ،‬فتأمل(((‪.‬‬
‫وجه آخر في معنى األخ‬
‫هذا وثمة احتمال قريب في معنى األخ الوارد في روايات الغيبة‪ ،‬التي استخدم فيها تعبير‬
‫«الغيبة ذكرك أخاك» ونظائره‪ ،‬وكذلك في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾(((‪،‬‬
‫تم استظهاره تعميم معنى «األخ» لكل إنسان‪ ،‬واالحتمال هو‬ ‫ويمكن في ضوء هذا االحتمال لو ّ‬
‫أن األخ ال يراد به خصوص المؤمن أو المسلم‪ ،‬وإنما مطلق المغتاب (بمعنى المفعول)‪ ،‬أي ًا كان‬‫ّ‬
‫مذهبه أو دينه‪ ،‬إذ استخدام لفظ األخ تكفي فيه أدنى مالبسة‪ ،‬ولو بأن يكون الطرف الثاني في‬
‫تناوله بالغيبة‪ ،‬فاألخوة مقولة نِ ْسب ّية ولها مستويات‪ ،‬فهناك األخ في الدين واألخ في المذهب‬
‫واألخ في النسب واألخ في الرضاعة واألخ في السفر‪ ،‬ومن هنا ورد في القر آن الكريم إطالق‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.178‬‬


‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.84‬‬
‫ً‬
‫شامال لكل منتسب إلى الدين على اختالف‬ ‫((( وجه التأمل واضح وهو ّ‬
‫أن األخ أضيف إلى الدين فيكون‬
‫مذهبه‪ ،‬وهذا ال ينطبق على األخ مطلق ًا‪.‬‬
‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪94‬‬
‫لفظ األخ على من ّ‬
‫كذب بدعوة نب ّيه المرسل إليهم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬

‫ﲰ ﲱ * ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﴾(((‪.‬‬
‫ونظيره قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲕ ﲖ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾(((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‪ .(((﴾ ..‬إلى غير ذلك من‬
‫اآليات المباركة((( التي أطلق فيها لفظ األخوة بين هؤالء األنبياء ‪ ‬وبين قومهم‪ ،‬مع أنّهم‬
‫ال إليهم وساعي ًا إلى هدايتهم ومهتم ًا‬
‫كانوا كافرين برسلهم‪ ،‬فكون النبي (ص) منهم ومرس ً‬
‫وصح إطالق لفظ األخ عليه‪ ،‬ما يعني أنّه ليس شرط ًا في صحة‬
‫ّ‬ ‫ألمرهم جعله قريب ًا منهم‬
‫أخوة حقيقية في اإليمان وال في النسب‪.‬‬
‫إطالق لفظ األخ أن يكون ثمة ّ‬
‫وما ندعيه أنه يمكن إطالق األخ على من يتناوله الشخص بالغيبة أي ًا كان‪ ،‬وال سيما مع‬
‫تكرر االغتياب‪ ،‬ولذا يضاف إليه بضمير المخاطب‪ ،‬فيقال‪« :‬هذا أخوك»‪ ،‬وهذا قريب مما‬
‫يقال في موضوع الصحبة‪ ،‬حيث يكفي فيها المرافقة أو االجتماع في مكان واحد‪ ،‬أو أدنى‬
‫علقة بين الطرفين‪ ،‬فيقال‪ :‬فالن صاحبك‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲡ ﲢ ﲣ ﴾(((‪ ،‬ونحو قوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﴾(((‪.‬‬

‫سورة ق‪ ،‬اآليتان ‪.13 - 12‬‬ ‫(( (‬


‫سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.124‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.142‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.161‬‬ ‫((( ‬
‫سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫(( (‬
‫والحظ اآليات ‪ 85 ،72 ،65‬من سورة األعراف‪ .‬و‪ 61 ،50‬و‪ 84‬من سورة هود‪ .‬واآلية ‪ 45‬من النمل‪.‬‬ ‫(( (‬
‫سورة التكوير‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫((( ‬
‫سورة سبأ‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫(( (‬
‫‪95‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وال ينافيه قوله‪ ﴿ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﴾((( ّ‬
‫ألن ثبوت األخوة بين المؤمنين بلحاظ الدين‬
‫ال يلغي ثبوته في الدوائر األخرى باعتبارات أخرى‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬موضوع الغيبة هو اإلسالم الواقعي‬
‫«إن فاسد العقيدة وإن كان مسلم ًا ظاهر ًا ّإل أنه ليس كذلك في الواقع‪ ،‬والمهم في‬
‫ّ‬
‫حرمة الغيبة هو اإلسالم الواقعي ال الظاهري‪ّ ،‬‬
‫ألن المتجاهر بالفسق وغيره ممن تجوز غيبته‬
‫له إسالم ظاهري بال إشكال‪ ،‬فالمدار ليس هو اإلسالم الظاهري بل الواقعي»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫أن موضوع حرمة الغيبة‬ ‫إن في هذا االستدالل مصادرة واضحة‪ ،‬فما الدليل على ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫هو اإلسالم الواقعي ال الظاهري؟! فهذا مجرد ادعاء‪ ،‬وهو ليس بأولى من ادعاء أن موضوع‬
‫األحكام الشرع ّية ومنها حرمة الغيبة هو اإلسالم الظاهري‪ ،‬ومما يشهد للثاني ّ‬
‫أن تعاليم‬
‫اإلسالم إنما جرت على أخذ الناس بالظاهر‪ ،‬ويكفي أن تستحضر في ذهنك القواعد الفقهية‬
‫أن األساس في‬ ‫التالية‪ :‬قاعدة السوق‪ ،‬أصالة الصحة‪ ،‬قاعدة درء الحدود بالشبهات‪ ،‬لتدرك ّ‬
‫التعامل مع اآلخر هو الظاهر‪ ،‬وهذه القواعد ال ينحصر تطبيقها بحالة اشتباه اإلسالم بالكفر‪،‬‬
‫بل يسري على حالة اختالف المذاهب‪ ،‬ومن هنا كان المعروف في مدرسة أهل البيت ‪‬‬
‫التعامل مع اآلخر المذهبي على أساس ظاهر اإلسالم‪ ،‬وهذا ما يتجلى بوضوح في األحكام‬
‫الشرع ّية المتصلة بتنظيم العالقات االجتماعية مع اآلخر‪ ،‬لجهة أحكام الطهارة والتذكية‬
‫وعصمة الدم وحرمة المال وغيرها من األحكام‪.‬‬
‫بأن من ال يوالي أهل البيت ‪ ‬مسلم في الظاهر وليس مسلم ًا في الواقع‪،‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬القول ّ‬
‫ال ينفع في المقام‪ ،‬ألنّه إذا أريد بكفرهم الواقعي أنّه يتعامل معهم معاملة الكفار يوم القيامة‬
‫أن كل من ال‬ ‫لجهة حرمانهم من الجنة وإدخالهم النار‪ ،‬فهذا محل منع‪ ،‬ألنّه ليس صحيح ًا ّ‬
‫يستحق ذلك هو من‬‫ّ‬ ‫يوالي أهل البيت ‪ ‬فإنّه يدخل النار أو لن ينال رحمة الله‪ ،‬وإنّما الذي‬
‫قامت عليه الحجة بذلك وأنكر وجحد‪ ،‬أو كان مقصر ًا في البحث والنظر‪ ،‬أ ّما القاصر وكل‬
‫قاطع بصحة معتقده ‪ -‬وهو غالبية من لم يوال أهل البيت ‪ - ‬فال يستحق دخول النار(((‪.‬‬

‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬


‫((( ما وراء الفقه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .128‬وقد ذكر هذا الكالم في مقام االستدالل على جواز غيبة غير الشيعي‪.‬‬
‫(( ( وقد أوضحنا هذا األمر بما ال مزيد عليه في كتاب‪ :‬هل الجنة للمسلمين وحدهم؟‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪96‬‬
‫وإن أريد به أنّهم حقيقة كفرة حتى بلحاظ الدنيا‪ ،‬ولكن يتعامل معهم معاملة المسلمين في‬
‫بعض األحكام التي يتوقف عليها نظم حياة الجماعة المؤمنة كما تقدم عن بعض الفقهاء في‬
‫أن كافة األحكام الشرعية التي‬ ‫السب‪ ،‬من ّ‬
‫ّ‬ ‫مبحث السب‪ ،‬فيالحظ عليه بما تقدّ م في مبحث‬
‫ورد فيها عنوان المسلم هي شاملة لهم‪ ،‬ومن النادر أن تجد أحكام ًا فقهية تُناط باإلسالم وال‬
‫تشملهم(((‪ .‬والغيبة لم يثبت استثناؤها من هذه األحكام بل ربما كان تجويزها ً‬
‫مخال بانتظام‬
‫أن موضوع حرمة الغيبة‬ ‫حياة الجماعة المؤمنة‪ ،‬وسيأتي مزيد بيان لهذا األمر‪ ،‬ولذا فدعوى ّ‬
‫هو المسلم الواقعي غير تام‪ ،‬وال دليل عليه‪ ،‬بلحاظ ما هو معروف من أن األحكام الشرعية‬
‫صحة‬
‫التي أخذت عنوان المسلم موضوعها هو المسلم بحسب الظاهر‪ ،‬هذا كله على فرض ّ‬
‫أن ذلك موضع تأمل‪.‬‬ ‫انقسام اإلسالم إلى ظاهري وواقعي استناد ًا إلى خلفية مذهبية‪ ،‬مع ّ‬
‫الدليل الخامس‪ :‬متجاهرون بالفسق‬
‫«إن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق‪ ،‬لبطالن عملهم رأس ًا‪ ،‬كما في الروايات‬
‫ّ‬
‫المتضافرة‪ ،‬بل التزموا بما هو أعظم من الفسق ‪ -‬كما عرفت ‪ -‬وسيجيء ّ‬
‫أن المتجاهر بالفسق‬
‫تجوز غيبته»(((‪.‬‬
‫ولك ّن االستدالل على جواز غيبة كل مسلم لم يوال أهل البيت ‪ ‬بأنّه متجاهر بالفسق‬
‫هو استدالل غير تام‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫إن عنوان المتجاهر بالفسق هو عنوان مستقل ويغاير عنوان «غير المؤمن» المذكور‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫في كلمات الفقهاء‪ ،‬باعتباره أحد مستثنيات الغيبة‪ ،‬وعليه فلو كان خروج «غير المؤمن» عن‬
‫الحكم بحرمة الغيبة بسبب كونه متجاهر ًا بالفسق لكان ذكر قيد اإليمان مستدرك ًا‪ .‬ولك ّن هذا‬
‫اإلشكال يبقى إشكاالً فني ًا أو شكلي ًا‪.‬‬
‫ال عن أن يكون متجاهر ًا بالفسق‪ّ ،‬‬
‫فإن الفاسق هو من‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ليس كل مخالف فاسق ًا‪ ،‬فض ً‬
‫أن المخالف عندما ال يوالي أهل‬ ‫يرتكب المعصية مع علمه بكونها معصية‪ ،‬ومن الواضح ّ‬
‫أن والءه هذا هو طاعة من طاعات الله فكيف يكون فاسق ًا‪،‬‬ ‫البيت ‪ ،‬ويوالي غيرهم معتقد ًا ّ‬
‫ال عن أن يكون متجاهر ًا بالفسق؟! نعم لو كان عالم ًا بالحق جاحد ًا به مصر ًا على جحوده‪،‬‬‫فض ً‬
‫لصدق عليه ‪ -‬مضاف ًا إلى كونه ضاالً ‪ -‬عنوان الفاسق بل المتجاهر بالفسق‪ ،‬وجازت غيبته‬

‫(( ( ما خال الفتاوى التي هي محل بحثنا في هذه الدراسة‪.‬‬


‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.505‬‬
‫‪97‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ال قاصر ًا أو‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ كما تجوز غيبة أي متجاهر‪ ،‬أما لو كان معتقد ًا بصحة مذهبه أكان جاه ً‬
‫عالم ًا قاطع ًا بصحة ما يؤمن به وملتزم ًا بكل ما جاءت به الشريعة بحسب فهمه واجتهاده‪،‬‬
‫فال يصدق عليه عنوان الفاسق حتى لو كان في األصل مقصر ًا في تحصيل هذا االعتقاد‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ينجز عليه استحقاق العقاب والمؤاخذة بسبب تقصيره االبتدائي لكنه‬
‫تقصيره في الفحص قد ّ‬
‫ال يبرر رميه بالفسق بعد كونه عام ً‬
‫ال بظاهر الشريعة بحسب اعتقاده(((‪ ،‬وقد تن ّبه إلى هذا األمر‬
‫الشهيد الثاني في المسالك في بحث الشهادة‪ ،‬حيث استدل بعضهم على عدم قبول شهادة‬
‫من ليس إمامي ًا بأنّه فاسق‪ ،‬فع ّلق الشهيد الثاني قائالً‪« :‬وفيه نظر‪ ،‬ألن الفسق إنما يتحقق بفعل‬
‫المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية‪ ،‬أما مع عدمه بل مع اعتقاده أنها طاعة بل من‬
‫أمهات الطاعات فال‪ ،‬واألمر في المخالف للحق في االعتقاد كذلك‪ ،‬ألنه ال يعتقد المعصية‬
‫بل يزعم أن اعتقاده من أهم الطاعات‪ ،‬سواء أكان اعتقاده صادر ًا عن نظر أم عن تقليد‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ال يتحقق الظلم أيض ًا‪ ،‬وإنّما يتفق ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به‪ ،‬وهذا ال يكاد يتفق‬
‫وإن توهمه من ال علم له بالحال‪ .(((»..‬ولنا عودة إلى كالم الشهيد في محور الحق‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫أن من لم يوال أهل البيت ‪ ‬هو فاسق‪ ،‬لكن ال نس ّلم أنّه متجاهر بالفسق‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن تجاهره إن كان بسبب ما يترتب على تركه لوالية أهل البيت ‪ ‬من بطالن العمل العبادي‬
‫كما يرى المشهور (وإن عرفت اإلشكال في ذلك)‪ ،‬فهذا ‪ -‬أي بطالن العمل ‪ -‬يوجب فسقه‪،‬‬
‫لكنه ال يجعله متجاهر ًا‪ ،‬وكيف يكون المصلي والصائم والحاج والمزكي ‪ -‬ولو سلمنا جدالً‬
‫ببطالن أعماله ‪ -‬متجاهر ًا بالفسق؟! وإن كان تجاهره بلحاظ علة بطالن العمل‪ ،‬وهي عدم‬
‫توليه ألهل البيت ‪ ‬وهو يجاهر بذلك‪ ،‬فهذا ال يجيز غيبته بقول مطلق‪ ،‬بل بخصوص ما‬
‫تجاهر فيه وهو عدم توليه ألهل البيت ‪ّ ،‬‬
‫ألن الدليل في مبحث الغيبة قائم على عدم جواز‬

‫((( يقول السيد كاظم الحائري رد ًا على دعوى فسق غير اإلمامي‪« :‬الوجه أيض ًا قابل للمناقشة‪ ،‬وذلك‬
‫بافتراض شهود من المسلمين غير الشيعة عدول في مذهبهم‪ ،‬مع افتراض اعتقادهم بصحة مذهبهم‪،‬‬
‫حتى ولو كانوا مقصرين في األصل في تحصيل هذا االعتقاد‪ ،‬باعتبار تقصيرهم في الفحص مث ً‬
‫ال فإن‬
‫هذا التقصير االبتدائي‪ ،‬وإن كان ينجز عليهم استحقاق العقاب على خطئهم الحالي رغم قطعهم بعدم‬
‫الخطأ‪ ،‬باعتبار أن االمتناع باالختيار ال ينافي االختيار مثالً‪ ،‬لكن هذا ال ينافي صدق عنوان العدل عليه‬
‫فعالً‪ ،‬باعتباره غير متلبس إال بما يقطع بصحته‪ ،‬وال معنى للردع عن القطع»‪ .‬انظر‪ :‬القضاء في الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪98‬‬
‫غيبة المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به‪ ،‬وهو المختار عند بعض الفقهاء‪ ،‬مع ّ‬
‫أن المدعى‬
‫في المقام هو جواز غيبة المخالف لوالية أهل البيت ‪ ‬مطلق ًا‪.‬‬
‫الدليل السادس‪ :‬كفر وابتداع وضالل‬
‫«إنّه قد ثبت في الروايات واألدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة‬
‫السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم أي غيبتهم‪ ،‬ألنهم من أهل البدع والريب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منهم وإكثار‬
‫بل ال شبهة في كفرهم‪ّ ،‬‬
‫ألن إنكار الوالية واألئمة ‪ ‬حتى الواحد منهم واالعتقاد بخالفة‬
‫غيرهم‪ ،‬وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة‪ ،‬وتدل عليه األخبار‬
‫المتواترة الظاهرة في كفر منكر الوالية وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من‬
‫الضالالت‪ ،‬ويدل عليه أيض ًا قوله ‪ ‬في الزيارة الجامعة‪« :‬ومن جحدكم كافر» وقوله ‪‬‬
‫أن من لم يقبل عنكم لم يوحده‬‫وحده قبل عنكم»‪ ،‬فإنّه ينتج بعكس النقيض ّ‬
‫فيها أيض ًا‪« :‬ومن ّ‬
‫بل هو مشرك بالله العظيم‪ ...‬ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من األمور المذكورة‪ ،‬بل‬
‫قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضالل والوقيعة هي الغيبة»(((‪.‬‬
‫إرجاع ما ذكره السيد الخوئي في كالمه هذا إلى عدة استدالالت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أقول‪ :‬يمكن‬
‫األول‪ :‬أنه ثبت جواز لعنهم وسبهم والبراءة منهم‪ ،‬والغيبة أهون من األمور المذكورة‪،‬‬
‫فكأنه استدالل باألولوية‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫إن ما ذكره من ثبوت جواز لعن «المخالفين» سندرسه الحق ًا‪ ،‬وسوف يتضح أنّه‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ال دليل على جواز لعن من ليس موالي ًا ألهل البيت ‪ ‬وال سيما إذا كان قاصر ًا‪ .‬وأ ّما إكثار‬
‫السب عدم جوازه‪ ،‬وأما البراءة‬‫ّ‬ ‫السب عليهم واتهامهم فهو أول الكالم‪ ،‬بل عرفت في مبحث‬
‫فال دليل على وجوبها في غير الظالم ألهل البيت ‪.‬‬
‫يدل ذلك على جواز‬ ‫جواز ِ‬
‫لعن شخص والبراءة منه وس ّبه فال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬على أنّه لو ّ‬
‫تم‬
‫الظن ال يغني عن الحق شيئ ًا‪ .‬باختصار‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫غيبته باألولوية القطعية‪ ،‬نعم قد يظن ذلك‬
‫إن األمور المذكورة لم تثبت‪ ،‬وعلى فرضها فال يعلم المناط في الحرمة لتدعى األولوية‬ ‫ّ‬
‫بالنسبة للغيبة‪.‬‬

‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.504‬‬


‫‪99‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الثاني‪ :‬ما دل على جواز الوقيعة وهي الغيبة(((‪ ،‬وهو ما روي عن رسول الله (ص)‪:‬‬
‫«إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من س ّبهم والقول فيهم‬
‫والوقيعة وباهتوهم كيال يطمعوا في الفساد في اإلسالم ويحذرهم الناس وال يتعلمون من‬
‫بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في اآلخرة»(((‪.‬‬
‫السب ضعف هذا االستدالل وذلك‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ولكن قد عرفت في مبحث‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن الرواية المذكورة خاصة بمؤسسي البدع ورؤوس الضالل وال تشمل كل من‬
‫لم يوال أهل البيت ‪.(((‬‬
‫السب والمباهتة يبعث ‪ -‬في الحد‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن اشتمال الرواية على الدعوة إلى اإلكثار من‬
‫خلق ذميم في ميزان‬
‫السب ٌ‬
‫ّ‬ ‫األدنى ‪ -‬على الريب والشك في صدور الحديث عنه (ص)‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫األخالق الفاضلة التي أمضاها الشرع‪ ،‬والنبي (ص) واألئمة من أهل بيته ‪ ‬ال يتوسلون إلى‬
‫هدم الباطل بالباطل‪..‬‬
‫الثالث‪ :‬هو روايات الكفر‪ ،‬وهذا االستدالل يرتكز على مقدمتين‪ :‬وهما‪:‬‬
‫‪--1‬كفر من ال يؤمن بإمامة األئمة من أهل البيت ‪‬‬
‫‪--2‬كل كافر تجوز غيبته‪.‬‬
‫وكلتا المقدمتين محل إشكال‪ ،‬بل األولى منهما محل منع‪:‬‬
‫ّأما المقدمة األولى‪ :‬فالحديث عن كفر من ال يؤمن بوالية أهل البيت ‪ ‬بمعنى إخراجهم‬
‫دل على كفرهم معارض‬ ‫ألن ما ّ‬
‫عن الدين هو رأي شاذ(((‪ ،‬وال يقول به السيد الخوئي نفسه‪ّ ،‬‬
‫باألدلة القطع ّية من الروايات والسيرة القطعية لألئمة ‪ ‬والدالة على الحكم بإسالمهم‪ ،‬كما‬
‫أوضحنا ذلك في الباب األول من هذا الكتاب‪ ،‬فليراجع‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن حديث السيد الخوئي عن وجود تواتر في األخبار الحاكمة‬

‫قال ابن فارس‪« :‬الغيبة‪ :‬الوقيعة بين الناس»‪ ،‬انظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .403‬ونحوه ما ذكره‬ ‫(( (‬
‫في الوافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،245‬تعليق ًا على الحديث‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.375‬‬ ‫((( ‬
‫وقد تبنى ذلك في فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.344‬‬ ‫(( (‬
‫وأصر عليه الشيخ البحراني‬
‫ّ‬ ‫نسب القول به إلى بعض الفقهاء‪ ،‬منهم الس ّيد المرتضى وبعض المتقدمين‪،‬‬ ‫(( (‬
‫صاحب الحدائق‪ ،‬ولذا بنى على نجاستهم‪ ،‬بل نجاسة الفرق الشيعية من غير اإلمامية‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪100‬‬
‫بكفرهم ‪ -‬ولو كان كفر ًا ال يخرج عن اإلسالم ‪ -‬ليس واضح ًا‪ ،‬أجل‪ ،‬ورد في ذلك أخبار‬
‫آحاد ال متواترة‪ ،‬ولذا ادعى السيد نفسه في كتاب الطهارة استفاضة «الروايات الدالة على‬
‫أن المخالف لهم ‪ ‬كافر»((( واالستفاضة ال تخرج الخبر عن كونه خبر آحاد كما ال يخفى‪.‬‬‫ّ‬
‫نعم‪ ،‬قد تؤدي االستفاضة أحيان ًا إلى حصول الوثوق بالصدور‪ ،‬ولك ْن ليس في مثل المقام‬
‫المبتلى بالمعارض والخاضع للكثير من النقاشات‪.‬‬
‫وأما المقدمة الثانية‪ :‬فتعليقنا عليها أنّه لو جازت غيبة الكافر فهي جائزة في الكافر‬‫ّ‬
‫األصلي‪ ،‬دون ما نحن فيه‪ ،‬فإن الكفر الممكن في المقام هو الكفر الواقعي دون الظاهري‬
‫كما رجح السيد الخوئي(((‪ ،‬أو الكفر في مقابل اإليمان كما رجحنا سابق ًا‪( ،‬راجع مبحث‬
‫دل على جواز غيبة‬ ‫كفر الناصب) وجواز غيبة الكافر بهذا المعنى محل تأمل وإشكال‪ ،‬فما ّ‬
‫الكافر األصلي ‪ -‬لو تم ‪ -‬ال يستفاد منه جواز غيبة المسلم المحكوم بالكفر بأحد المعنيين‬
‫إن جواز غيبة هذا أول الكالم‪ ،‬بل هي مصادرة كما قلنا تعليق ًا على الدليل الرابع‪.‬‬
‫المذكورين‪ّ .‬‬
‫إن مفاد استدالل السيد الخوئي ّ‬
‫أن َم ْن ال يؤمن بإمامة أهل البيت ‪ ‬كافر‬ ‫بعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫واقعي‪ ،‬والكافر تجوز غيبته‪ ،‬ولك ّن اإلشكال على ذلك هو أنّه على فرض التسليم بالكبرى‪،‬‬
‫فإن الذي تجوز غيبته هو الكافر األصلي‪ ،‬ومن ال يؤمن بالوالية ليس‬‫أي بجواز غيبة الكافر‪ّ ،‬‬
‫كافر ًا أصلي ًا‪ ،‬وإنما هو كافر إ ّما واقعي كما رجح السيد أو كافر إيماني كما رجحنا‪ .‬فعلى‬
‫وأن الكافر سواء كان أصلي ًا أو‬
‫أن موضوع حرمة الغيبة هو اإلمامي‪ّ ،‬‬ ‫السيد الخوئي أن يثبت ّ‬
‫غيره تجوز غيبته‪ ،‬وهذا ما ال دليل عليه‪ .‬بل إن مطلقات حرمة الغيبة شاملة للمسلم الواقعي‬
‫والظاهري كما هي شاملة للمسلم اإلمامي وغيره‪.‬‬
‫الدليل السابع‪ :‬قيام السيرة على الغيبة‬
‫«قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين بل س ّبهم‬
‫إن جواز ذلك من الضروريات»(((‪.‬‬‫ولعنهم في جميع األعصار واألمصار‪ ،‬بل في الجواهر‪ّ :‬‬
‫ويالحظ على هذا االستدالل‪ّ :‬‬
‫أن هذه السيرة ال يحرز اتصالها بزمن األئمة ‪ ‬وال‬
‫سب كل مسلم‬
‫تلقيها عنهم‪ ،‬كيف وسيأتي أنهم ‪ ‬نهوا عن غيبة مطلق المسلم‪ ،‬كما نهوا عن ّ‬

‫((( راجع‪ :‬موسوعة السيد الخوئي (شرح العروة ‪ -‬كتاب الطهارة)‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.77‬‬
‫(( ( وهو الذي رجحه السيد الخوئي‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.78‬‬
‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.505‬‬
‫‪101‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫جوزوا‬
‫كما تقدم‪ ،‬وال يبعد أن تكون السيرة المذكورة قد انطلقت من فتاوى الفقهاء الذين ّ‬
‫الغيبة وال س ّيما ّ‬
‫أن هذه الفتاوى مضت عليها قرون قبل أن تعاد قراءتها بطريقة نقدية ما رفعها‬
‫أن العصبيات المذهبية قد ساهمت في‬ ‫إلى مصاف الحقائق أو الضرورات الفقهية‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫ترسيخ األخذ بهذه الفتوى وتعميقها في النفوس‪.‬‬
‫ينهض ٌ‬
‫دليل يشهد للقول باختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن‬ ‫وخالصة القول‪ :‬إنّه لم ْ‬
‫االثني عشري‪ ،‬ويبقى أنّه هل من دليل على تعميم الحرمة لكل مسلم‪ ،‬وهذا ما نتناوله‬
‫فيما يلي‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬تعميم الحرمة لكل مسلم‬


‫القول بحرمة غيبة المسلم أي ًا كان مذهبه‪ ،‬قد تبناه ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬بعض األعالم ويمكن‬
‫إقامة الدليل عليه‪ ،‬وإليك البيان‪:‬‬

‫أ ) القائلون بتعميم الحرمة‬


‫أن الفقهاء مجمعون على جواز غيبة المسلم اآلخر‪ ،‬ولكنه توهم‬ ‫ربما تخيل البعض ّ‬
‫في غير محله‪ ،‬فثمة جمع من الفقهاء ذهبوا إلى تعميم حرمة الغيبة لكل مسلم‪ ،‬ومن هؤالء‬
‫أن عموم أدلة تحريم الغيبة‬‫المحقق األردبيلي (ت‪993 :‬هـ) قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬والظاهر ّ‬
‫(((‬
‫فإن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾‬ ‫والسنة يشمل المؤمنين وغيرهم‪ّ ،‬‬‫من الكتاب ُّ‬
‫إ ّما للمكلفين كلهم أو المسلمين فقط‪ ،‬لجواز غيبة الكافر‪ ،‬ولقوله تعالى بعده ﴿ ﱘ ﱙ‬
‫فإن أكثرها بلفظ الناس أو المسلم»‪ .‬وبعد أن ذكر جملة من الروايات‬‫ﱚ ﴾ وكذا األخبار‪ّ ،‬‬
‫قال‪« :‬وبالجملة عموم أدلة الغيبة وخصوص ذكر المسلم يدل على التحريم مطلق ًا‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫عرض المسلم كدمه وماله‪ ،‬فكما ال يجوز أخذ مال المخالف وقتله‪ ،‬ال يجوز تناول عرضه‬
‫الذي هو الغيبة‪ ،‬وذلك ال يدل على كونه مقبوالً عند الله كعدم جواز أخذ ماله وقتله كما في‬
‫بنص على جواز الغيبة مع تلك األدلة بأن تقول‪ :‬إنّه طويل أو‬‫جواز لعنه ٍّ‬
‫ُ‬ ‫الكافر‪ ،‬وال ّ‬
‫يدل‬
‫رأيت في قواعد الشهيد «أنّه‬
‫قصير وأعمى وأجذم وأبرص وغير ذلك وهو ظاهر‪ .‬أظ ّن أنّي ُ‬
‫يجوز غيبة المخالف من حيث مذهبه ودينه الباطل وكونه فاسق ًا من تلك الجهة ال غير‪ ،‬مثل‬
‫أن االجتناب أحوط»(((‪.‬‬‫أن يقال‪ :‬أعمى‪ ،‬ونحوه‪ ،‬الله يعلم‪ ،‬وال شك ّ‬

‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬


‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.76‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪102‬‬
‫وقد نقل المحقق السبزواري كالم األردبيلي دون تعليق عليه(((‪ ،‬األمر الذي دفع إلى‬
‫االعتقاد أنّه وافق األردبيلي أو مال إلى رأيه(((‪.‬‬
‫وقال السيد محمد الطبطبائي (ت ‪1241‬هـ)‪« :‬هل يجوز غيبة المسلم الغير [غير]‬
‫ممن حكم‬‫الشيعة كالزيدي أو من غيرهم كأهل الخالف‪ ،‬وسواء كان ّ‬ ‫اإلمامي سواء كان من ّ‬
‫بكفره كالناصبي أو ال يجوز غيبته مطلق ًا ولو كان ّ‬
‫ممن حكم بكفره؟‬
‫اختلف األصحاب فيه على القولين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنّه ال يجوز وهو ا َّلذى مال إليه األردبيلي في مجمع الفائدة ‪-‬إلى أن قال‪:-‬‬
‫ّ‬
‫ممن أطلق تحريم الغيبة كالعالمة في التحرير والمنتهى‪ّ ،‬‬
‫والشهيد‬ ‫«ويمكن استفادة هذا القول ّ‬
‫في اللمعة‪ ،‬وفى الكفاية نقل ما ذكره في مجمع الفائدة ولم ين ّبه على ضعفه‪ ،‬وهو ر ّبما كان‬
‫يصرح بترجيح أحد‬ ‫مشعر ًا بالميل إليه‪ّ ،‬‬
‫وأقل ما يستفاد من كالمه التوقف في المسألة إذ لم ّ‬
‫القولين»(((‪.‬‬
‫واختار هذا الرأي أيض ًا السيد عبد األعلى السبزواري‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬الغيبة من‬
‫الكبائر‪ ،‬وال فرق في حرمتها بين كون المغتاب (بالفتح) مؤمن ًا اثني عشري ًا أو من سائر فرق‬
‫المسلمين ما لم يحكم بكفره»(((‪ ،‬وذكر في الحاشية أدلته على هذا التعميم‪ ،‬وستأتي اإلشارة‬
‫إلى هذه األدلة وسواها‪.‬‬
‫ونسب بعضهم((( إلى صاحب الجواهر أنه فهم من كال ٍم للمحقق الثاني أنه يرى حرمة‬
‫غيبة غير الشيعي‪ ،‬فرد عليه‪ ،‬وما ذكره غير صحيح‪ ،‬فال عبارة الكركي((( تدل حرمة غيبة غير‬

‫كفاية األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.436‬‬ ‫((( ‬


‫مفتاح الكرامة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،214‬قال في الجواهر‪« :‬وظاهر الخراساني في الكفاية»‪ ،‬ثم نقل كالم‬ ‫(( (‬
‫األردبيلي‪ ،‬الجواهر‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪ .62‬وفي الحدائق‪« :‬وظاهره (أي السبزواري) الجمود عليه ‪ -‬أي‬
‫على كالم األردبيلي ‪ -‬وموافقته فيما ذكره حيث لم يتعرض لرده وال قدح فيه»‪ ،‬انظر‪ :‬الحدائق‪ ،‬ج ‪،18‬‬
‫ص ‪.148‬‬
‫المناهل‪ ،‬ص ‪.259‬‬ ‫(( (‬
‫متن مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.124‬‬ ‫(( (‬
‫التكفير في ضوء الفقه الشيعي‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫((( ‬
‫وكالم الكركي هو‪« :‬وحدها على ما في األخبار‪ :‬أن يقول المرء في أخيه ما يكرهه لو سمعه مما‬ ‫(( (‬
‫فيه»‪ ،‬انظر‪ :‬جامع المقاصد‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،24‬ويذكر في سياق كالمه وصف المؤمن وهو مصطلح يراد به‬
‫الشيعي اإلمامي‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الشيعي‪ ،‬وال صاحب الجواهر نسب ذلك إليه‪ ،‬أو ر ّد عليه‪ ،‬بل ظاهر كالم صاحب الجواهر‬
‫أنه استفاد من كالم الكركي حرمة غيبة األخ اإلمامي‪ ،‬فالحظ(((‪.‬‬

‫ب) أدلة تعميم الحرمة‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱌ ﱍ‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﴾(((‪ ،‬وذلك بتقريب‬
‫أن عنوان المؤمن وكذا األخ الواردين في اآلية وفي العديد من الروايات‪ ،‬من قبيل ما روي‬ ‫ّ‬
‫عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪ ..« :‬والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو‬
‫يخذله أو يغتابه‪ (((»..‬ال يراد به األخ اإليماني‪ ،‬وإنّما األخ اإلسالمي‪ .‬وربما يكون المقصود‬
‫به خصوص من آمن في مقابل من أسلم دون أن يدخل اإليمان في قلبه‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬النصوص الروائية التي ورد فيها عنوان المسلم‪ ،‬وهي شاملة لكل مسلم‬
‫ولو لم يكن من أتباع مدرسة أهل البيت ‪ ‬وال مخصص أو مقيد لها‪ ،‬وهي على عدة طوائف‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬ما ورد بعنوان‪« :‬المسلم‪ :‬من سلم المسلمون من لسانه ويده»(((‪ ،‬وهو‬
‫تدل ‪-‬بعكس النقيض‪-‬‬ ‫حديث صحيح تقدّ م نقله في مبحث السب‪ ،‬وهو يشتمل على قض ّية ّ‬
‫ّ‬
‫أن من لم َيسلم المسلمون من يده ولسانه فليس بمسلم‪ ،‬ونفي إسالمه ظاهر ‪-‬كما أسلفنا في‬
‫بحث السب‪ -‬في الحرمة‪.‬‬
‫أن كلمة المسلمين شاملة لكل من تشهد الشهادتين‪ّ ،‬‬
‫فإن في الرواية‬ ‫وبصرف النظر عن ّ‬
‫قرين ًة على ذلك أيض ًا‪ ،‬وهي ما تضمنته فقرة «من سلم المسلمون من يده» ّ‬
‫فإن السالمة من يده‬
‫ال تختص بالمسلم المتبع لخط أهل البيت ‪ ،‬إذ كما يحرم على المكلف أن يتناول ‪ -‬بغير‬
‫وجه حق ‪ -‬بيده من كان إمامي ًا‪ ،‬فإنّه يحرم عليه أن يتناول بيده كل فرد من أفراد المسلمين‬
‫على اختالف مذاهبهم‪ ،‬بل ويحرم عليه تناول كل إنسان غير محارب بيده‪ .‬وعليه فوحدة‬
‫السياق تفرض علينا تفسير «سالمة المسلمين من لسانه» بما يشمل ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬كل مسلم‪،‬‬
‫بصرف النظر عن مذهبه‪.‬‬

‫جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.62‬‬ ‫(( (‬


‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .235‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،278‬الحديث‪ 1‬الباب ‪ 152‬من أبواب العشرة‪.‬‬ ‫((( ‬
‫السنة في الصحاح ورواه الشيعة بسند صحيح إلى أبي جعفر ‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،234‬‬
‫رواه ُّ‬ ‫((( ‬
‫وصحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.9‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪104‬‬
‫الطائفة الثانية‪ :‬ما ورد بعنوان «المسلم أخو المسلم فال يغتابه»‪ ،‬وهي روايات عديدة‬
‫وإليك بعضها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان َع ْن‬ ‫ الر ْح َم ِن ْب ِن َأبِي ن َْج َر َ‬ ‫الكليني عن عدَّ ة م ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َس ْه ِل ْب ِن ِز َياد َع ْن َع ْبد َّ‬
‫ث ْب ِن ا ْل ُم ِغ َير ِة َق َال َق َال َأ ُبو َع ْب ِد ال َّله ‪« :‬ا ْل ُم ْسلِ ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْسلِ ِم ُه َو َع ْينُه‬‫ار ِ‬ ‫م َثنًّى ا ْلحن ِ‬
‫َّاط َع ِن ا ْل َح ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ول َي ْغتَا ُبه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫ول َيكْذ ُبه َ‬ ‫ِ‬
‫ول َي ْظل ُمه َ‬ ‫ول َيخْ دَ ُعه َ‬ ‫ِ‬
‫وم ْرآتُه و َدلي ُله َل َيخُ ونُه َ‬ ‫ِ‬
‫اهيم َعن َأبِيه ومحمد بن إِسم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع َيل َع ِن‬ ‫ُ َ َّ ْ ْ َ‬ ‫وروى الكليني في الصحيح عن َعل ّي ْبن إِ ْب َر َ ْ‬
‫ار َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬ ‫يسى َع ْن ِر ْب ِع ٍّي َع ْن ُف َض ْي ِل ْب ِن َي َس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َجميع ًا َع ْن َح َّماد ْب ِن ع َ‬
‫ا ْل َف ْض ِل ب ِن َشا َذ َ ِ‬
‫ْ‬
‫ول‬ ‫ول َي ُخونُه َ‬ ‫ول َي ْغتَا ُبه َ‬ ‫ول َي ْخ ُذ ُله َ‬ ‫ول‪« :‬ا ْل ُم ْس ِل ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْس ِل ِم َل َي ْظ ِل ُمه َ‬ ‫َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫ول َذلِ َك؟‬ ‫َي ْح ِر ُمه‪َ ،‬ق َال ِر ْب ِع ٌّي‪َ :‬ف َس َأ َلنِي َر ُج ٌل ِم ْن َأ ْص َحابِنَا بِا ْل َم ِدين َِة َف َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت((( ُف َض ْي ً‬
‫ال َي ُق ُ‬
‫َق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُت َله‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬فإِنِّي َس ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫ول‪ :‬ا ْل ُم ْس ِل ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْس ِل ِم َل َي ْظ ِل ُمه‬
‫ول َي ْح ِر ُمه»(((‪.‬‬ ‫ول َي ُخونُه َ‬ ‫ول َي ْغتَا ُبه َ‬ ‫ول َي ْخ ُذ ُله َ‬ ‫ول َي ُغ ُّشه َ‬ ‫َ‬
‫ال عن أبي عبد الله ‪‬‬‫وفي كتاب «المؤمن» للحسين بن سعيد األهوازي روى مرس ً‬
‫قال‪ :‬قال النبي(ص)‪« :‬المسلم أخو المسلم ال يخونه وال يخذله وال يعيبه وال يحرمه وال‬
‫يغتابه»(((‪.‬‬
‫السنة ‪« :-‬يا معشر من آمن بلسانه ولم‬
‫ويؤيده ما روي عنه (ص) ‪ -‬كما ورد في مصادر ُّ‬
‫يؤمن بقلبه ال تغتابوا المسلمين وال تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته‬
‫ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته»(((‪ .‬فبعد أن نهى عن غيبة المسلمين‪ ،‬عقب عليه‬
‫محذر ًا بأن من تتبع عورة أخيه تتبع الله تعالى عورته حتى يفضحه‪.‬‬
‫وتقريب االستدالل بهذه الطائفة من األخبار يحتاج إلى إثبات أمور ثالثة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ثبوت صدور المضمون عن النبي (ص) أو اإلمام ‪ ،‬وهذا األمر يمكن إحرازه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن بعض الروايات المتقدمة صحيحة السند ويؤيده الباقي‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .166‬والخبر ضعيف بـ«سهل»‪.‬‬ ‫((( ‬


‫يرجح قراءتها بصيغة المخاطب ويكون في مقام االستفهام‪ ،‬كما ذكر ذلك المجلسي في المرآة‪.‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.167‬‬ ‫((( ‬
‫كتاب المؤمن‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫((( ‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .451‬والسنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.247‬‬ ‫(( (‬
‫‪105‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن يراد بالمسلم فيها مطلق من أسلم‪ ،‬وليس خصوص اإلمامي‪ ،‬وهذا يمكن‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫وفرعت على ذلك حرمة العرض والدم‬ ‫األخوة بين المسلم والمسلم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫إثباته‪ ،‬ألنها عقدت‬
‫ٍ‬
‫مذهب بعينه‪ ،‬بل هي شامل ٌة لكل المذاهب‬ ‫والمال‪ ،‬وبديهي أنّه ال يراد بالمسلم هنا أبناء‬
‫اإلسالم ّية ممن يتشهد أهلها بالشهادتين‪ .‬ومما يؤكّد شمول لفظ المسلم في هذه األخبار‬
‫األخوة حرمة الظلم وحرمة الخيانة‪ ،‬ومعلوم‬
‫ّ‬ ‫أن الروايات اآلنفة ّفرعت على عقد‬ ‫لمن ذكرنا ّ‬
‫أن هاتين وسواهما ال يختصان باإلمامي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ثالث ًا‪ :‬إثبات ظهورها في الحرمة‪ ،‬وهذا يمكن إثباته من خالل ّ‬
‫أن هذه الروايات ‪-‬‬
‫باستثناء األخيرة ‪ -‬هي في مقام تحديد وتعريف المسلم أكّدت على أنّه هو الذي ال يغتاب‬
‫األخوة‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬ولك ْن‬
‫ّ‬ ‫أخاه وال يخونه‪ ..‬فإذا اغتابه لم يكن أخ ًا له‪ ،‬إي ّ‬
‫إن الغيبة تنافي‬
‫ٍ‬
‫مناف لإلسالم‬ ‫أن ارتكاب منافي األخوة‬‫هل تنافي اإلسالم؟ إذا كان المستفاد من الحديث ّ‬
‫أيض ًا فتكون الروايات دالة على الحرمة‪ ،‬ألنّها ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬في مقام تعريف المسلم‪ ،‬أضف‬
‫أن السياق هو سياق المحرمات‪.‬‬ ‫إلى ذلك ّ‬
‫أن الروايات ال يستفاد منها أكثر من كونها في مقام بيان مقتضيات‬‫ولكن اإلنصاف ّ‬
‫األخوة‪ ،‬وليست في مقام تحديد المسلم‪ ،‬وعليه فإذا لم يدل دليل من خارج على أن ارتكاب‬
‫منافيات األخوة محرم‪ ،‬ولو بلحاظ بعض الحاالت‪ ،‬فال تستفاد الحرمة من مجرد كون هذه‬
‫األمور من منافيات األخوة‪ ،‬فإن األخوة تترتب عليها حقوق أخالقية غير إلزامية كما تترتب‬
‫عليها حقوق إلزامية‪.‬‬
‫ضم مقدمة أخرى‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن‬ ‫الطائفة الثالثة‪ :‬ما ّ‬
‫دل على «النهي عن ظلم المسلم»‪ ،‬مع ّ‬
‫مركب من مقدمتين‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الغيبة ظلم له‪ ،‬فهذا االستدالل‬
‫األولى‪ :‬حرمة ظلم المسلم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن الغيبة داخلة في الظلم‪.‬‬
‫أما المقدمة األولى فيمكن إثباتها من خالل ما ورد في بعض األخبار‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬ما رواه الكليني في الصحيح عن عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن‬
‫ول‬ ‫الحكم‪َ ،‬ع ْن َأبِي ا ْل َم ْغ َر ِاء َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬ا ْل ُم ْسلِ ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْسلِ ِم َل َي ْظلِ ُمه َ‬
‫ح ُّق ع َلى ا ْلمسلِ ِمين ِالجتِهاد فِي التَّواص ِل وال َّتعاو ُن ع َلى ال َّتعا ُط ِ‬ ‫ول يخُ ونُه‪ ،‬وي ِ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َيخْ ُذ ُله َ َ‬
‫ض َحتَّى َتكُونُوا ك ََما َأ َم َرك ُُم ال َّله َع َّز‬ ‫ف َب ْع ِض ِه ْم َع َلى َب ْع ٍ‬ ‫اج ِة و َت َعا ُط ُ‬
‫وا ْل ُم َو َاسا ُة ألَ ْه ِل ا ْل َح َ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪106‬‬
‫َاب َعنْك ُْم ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم‪َ ،‬ع َلى َما َم َضى َع َل ْيه‬ ‫اح ِمين م ْغتَم ِ‬
‫ين ل َما غ َ‬ ‫َ ُ ِّ َ‬
‫وج َّل ﴿ ﱊ ﱋ ﴾((( متَر ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ول ال َّله (ص)»(((‪.‬‬ ‫ار َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫َم ْع َش ُر األَن َْص ِ‬
‫َ ُ‬
‫ان‬‫وروى الكليني في الصحيح أيض ًا عن عدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫ول وبِإِ ْخ َوانِ ِه ْم‬ ‫يسى َع ْن َس َما َع َة َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪ُ ‬ق ْل ُت‪َ :‬ق ْو ٌم ِعنْدَ ُه ْم ُف ُض ٌ‬ ‫ِ‬
‫ْب ِن ع َ‬
‫ان َش ِديدٌ ؟‬ ‫وع إِ ْخ َوان ُُه ْم َفإِ َّن َّ‬
‫الز َم َ‬ ‫الزكَا ُة أ َي َس ُع ُه ْم َأ ْن َي ْش َب ُعوا و َي ُج َ‬ ‫اج ٌة َش ِديدَ ٌة و َل ْي َس ت ََس ُع ُه ُم َّ‬ ‫َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َق َال‪« :‬ا ْل ُم ْسل ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْسل ِم َل َي ْظل ُمه َ‬
‫ين ال ْجت َها ُد‬ ‫ول َي ْح ِر ُمه‪َ ،‬ف َيح ُّق َع َلى ا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫ول َيخْ ُذ ُله َ‬
‫ُون َع َلى َما َأ َم َر‬ ‫ف ِمنْك ُْم َيكُون َ‬ ‫اج ِة وا ْل َع ْط ُ‬
‫اص ُل وال َّت َع ُاو ُن َع َل ْيه وا ْل ُم َو َاسا ُة ألَ ْه ِل ا ْل َح َ‬ ‫فيه والت ََّو ُ‬
‫ِ‬
‫ين»(((‪ .‬وورد التعبير نفسه في صحيح الفضيل بن يسار‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال َّله فِ ِ‬
‫يه ْم‪ ﴿ :‬ﱊ ﱋ ﴾‪ُ ،‬مت ََراحم َ‬
‫المتقدم(((‪ ،‬وفي روايات أخرى(((‪.‬‬
‫ولكن هذه األخبار مبتالة باإلشكال السابق‪ ،‬وهو أنّها في مقام عقد أواصر األخوة‬
‫بين المسلمين‪ ،‬وما يستتبع هذه األخوة من حقوق‪ ،‬ولسانها لسان الحقوق األخالقية غير‬
‫اإللزامية‪.‬‬
‫ألن الظلم ال ُيحتمل فيه سوى الحرمة‪ ،‬وعليه‬‫يضر‪ ،‬وذلك ّ‬‫لكن هذا اإلشكال ال ّ‬
‫فالمقدمة األولى ال يتوقف إثباتها على تمامية تلك الروايات‪ّ ،‬‬
‫ألن حرمة ظلم المسلم ال‬
‫ريب فيها‪ ،‬بل الظلم قبيح عق ً‬
‫ال بقطع النظر عن هوية المظلوم وانتمائه‪.‬‬
‫أن الغيبة ظلم‪ّ ،‬‬
‫فيدل عليها‪:‬‬ ‫وأ ّما المقدمة الثانية‪ ،‬وهي ّ‬
‫‪--1‬ما روي عن رسول الله (ص)‪« :‬رحم الله عبد ًا كانت ألخيه عنده مظلمة في عرض أو‬
‫دينار وال درهم»(((‪.‬‬
‫ثم ٌ‬ ‫مال فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ وليس َّ‬
‫‪--2‬ما ورد في دعاء اإلمام الصادق ‪ ‬عند حضور شهر رمضان‪« :‬فأيما عبد من عبادك‪ ،‬أو‬
‫أمة من إمائك‪ ،‬كانت له قبلي مظلمة ظلمته إياها‪ ،‬في ماله أو بدنه أو عرضه‪ ،‬ال أستطيع‬

‫سورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫(( (‬


‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.174‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.50‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.167‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫(( (‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،37‬ورواه الشهيد في كشف الريبة‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫((( ‬
‫‪107‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أداء ذلك إليه‪ ،‬وال أتحللها منه‪ ،‬فصل على محمد وآل محمد وارضه أنت عني بما‬
‫شئت‪ ،‬وكيف شئت‪ ،‬وهبها لي»(((‪.‬‬
‫وفي دعاء يوم االثنين المروي عن اإلمام زين العابدين ‪« :‬وأسألك في مظالم عبادك‬
‫عندي‪ ،‬فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو‬
‫في عرضه أو في ماله أو في أهله وولده‪ ،‬أو غيبة اغتبته بها‪ ،‬أو تحامل عليه بميل أو هوى‪..‬‬
‫فقصرت يدي وضاق وسعي عن ردها إليه والتحلل منه‪ ..‬فأسألك أن تصلي على محمد‬
‫وعلى آل محمد وأن ترضيه عني بما شئت»(((‪ .‬بنا ًء على ّ‬
‫أن الغيبة معطوفة على المظلمة‬
‫عطف الخاص على العام‪.‬‬
‫صحت هذه الروايات كانت كافية في إثبات المطلوب‪ ،‬بيد أن سندها ال يوثق به‪.‬‬
‫فلو ّ‬
‫ويمكن إثبات المقدمة الثانية ‪ -‬أعني كون الغيبة ظلم ًا ‪ -‬بوجهين آخرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬دعوى أن ذلك (كون الغيبة ظلم ًا) هو مما يشهد به العرف‪ ،‬ولك ّن هذا ليس‬
‫واضح ًا‪.‬‬
‫أن الظلم هو سلب اآلخر حقه‪ ،‬ومعلوم أن المستفاد من النصوص أن من حق‬ ‫الثاني‪ّ :‬‬
‫المؤمن على أخيه أن ال يغتابه‪.‬‬
‫الطائفة الرابعة‪ :‬ما ورد بعنوان «من اغتاب مسلم ًا‪ ،»..‬وهو عدة أخبار‪:‬‬
‫‪--1‬الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه ‪ - ‬في‬
‫حديث المناهي‪« :-‬من اغتاب ً‬
‫امرأ مسلم ًا بطل صومه ونقض وضوءه وجاء يوم القيامة‬
‫يفوح منه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف‪ ،‬فإن مات قبل أن يتوب مات‬
‫حرم الله»(((‪.‬‬ ‫مستح ً‬
‫ال لما ّ‬
‫‪--2‬وفي الحديث المرسل‪« :‬من اغتاب مسلم ًا أو مسلمة لم يقبل الله صالته وال صيامه‬
‫أربعين صباح ًا إال أن يغفر له صاحبه»(((‪.‬‬

‫إقبال األعمال‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬ ‫(( (‬


‫المصباح للكفعمي‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫(( (‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .15‬واألمالي له‪ ،‬ص ‪ .515‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪،282‬‬ ‫(( (‬
‫الحديث ‪ ،13‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،322‬الحديث ‪ ،2‬الباب ‪ 2‬من أبواب ما يمسك عنه الصائم‪ .‬نقله عن‬ ‫((( ‬
‫جامع األخبار‪ .‬ونقله أيض ًا في بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،72‬ص ‪.259‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪108‬‬
‫‪--3‬وفي عقاب األعمال بسند ينتهي إلى أبي هريرة وعبد الله بن عباس قاال‪« :‬خطبنا‬
‫رسول الله (ص) قبل وفاته وهي آخر خطبة خطبها بالمدينة‪ ،‬وكان مما قاله في هذه‬
‫الخطبة‪« :‬ومن اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وضوءه‪ ،‬فإن مات وهو كذلك‬
‫حرم الله»(((‪.‬‬ ‫مات مستح ً‬
‫ال لما ّ‬
‫وتقريب االستدالل بهذه الطائفة واضح‪ّ ،‬‬
‫فإن موضوعها هو المسلم‪ ،‬فيتمسك بإطالقها‪،‬‬
‫وهي وإن كانت ضعيفة السند‪ ،‬بيد أنّها تصلح لتأييد ما تقدم‪ .‬أجل‪ ،‬إن الجزء اآلخر هو ذو‬
‫مضمون ال يمكن األخذ به على ظاهره‪.‬‬
‫ومما قد يدرج في هذه الطائفة من األخبار صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ‪‬‬
‫والواردة في العدالة‪ ،‬وجاء فيها‪ ..« :‬والداللة على ذلك كله أن يكون ساتر ًا لجميع عيوبه حتى‬
‫يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك»(((‪ .‬فإنها ظاهرة‬
‫في أنه يحرم تتبع عيوب (والغيبة من تتبع العيوب) وعثرات كل من ُعرف «بالستر والعفاف‪،‬‬
‫وكف البطن والفرج واليد واللسان وعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها‬
‫النار من شرب الخمور‪ ،‬والزنا‪ ،‬والربا‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬والفرار من الزحف وغير ذلك»(((‪،‬‬
‫وهذا ال يختص بالمسلم الشيعي‪.‬‬
‫الطائفة الخامسة‪ :‬ما ورد بعنوان «المسلم على المسلم حرام»‪ .‬وأهم الروايات في ذلك‬
‫ما روي عن رسول الله (ص)‪« :‬كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه‪ ،‬حسب‬
‫الشر أن يح ِّقر أخاه المسلم»(((‪ ،‬والغيبة هي أبرز مصداق لتناول العرض‪.‬‬
‫امرئ من ّ‬
‫وهذه الطائفة إذا ما ُض ّمت إلى سائر الطوائف المتقدمة فإنّها تزيد هذا الحكم رسوخ ًا‬
‫ووضوح ًا‪ ،‬عنيت بذلك الحكم بحرمة غيبة كل مسلم‪ ،‬ولو لم يكن معتقد ًا بإمامة أهل‬
‫البيت ‪ .‬ويعضده أيض ًا ما تقدم في تعريف الغيبة ‪-‬وقد يأتي الحق ًا أيض ًا‪ -‬من شواهد دالة‬
‫على حرمة كل إنسان لم ينزع عنه جلباب الحياء‪ ،‬فإنه يشمل المسلم وغيره‪.‬‬
‫وقد أصاب المحقق األردبيلي كبد الحقيقة عندما قال‪ّ :‬‬
‫«إن عرض المسلم كدمه وماله‪،‬‬

‫عقاب األعمال‪ ،‬ص‪ .284‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ ،34‬الحديث ‪ ،5‬الباب ‪ 2‬من أبواب ما‬ ‫(( (‬
‫يمسك عنه الصائم‪.‬‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،38‬وسيأتي الكالم في سندها في مبحث الصالة خلف المسلم اآلخر‪.‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬ ‫(( (‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .11‬وقد استدل بهذه الروايات الشهيد الثاني في كشف الريبة‪ .‬ونقلها عنه‬ ‫(( (‬
‫أيض ًا المحقق األردبيلي‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.77‬‬
‫‪109‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫فكما ال يجوز أخذ مال المخالف وقتله ال يجوز تناول عرضه الذي هو الغيبة»(((‪ .‬فحرمة‬
‫غيبة كل مسلم ولو لم يكن معتقد ًا بوالية أهل البيت ‪ ‬هي قول يعضده الدليل‪ ،‬مما تقدّ م‬
‫ومما سيأتي أيض ًا في المرحلة الثالثة‪ّ ،‬‬
‫فإن ما يدل على حرمة غيبة كل إنسان يشمل المسلم‬
‫بطبيعة الحال‪.‬‬
‫والمقصر‬
‫ّ‬ ‫التفصيل بين القاصر‬
‫وإطالق هذه الروايات يقتضي شمول هذه الحرمة لكل مسلم باستثناء المتجاهر‬
‫بالفسق‪ ،‬فقد قام الدليل على أنّه ال غيبة له‪ ،‬فيما تجاهر به‪ ،‬وممن يعدّ متجاهر ًا بالفسق من‬
‫اتضح له وجه الحق في والية أهل البيت ‪ ‬ومع ذلك أنكرها جحود ًا وعناد ًا‪ ،‬قال الوحيد‬
‫البهبهاني‪« :‬نعم‪ ،‬لو كان من المستضعفين الذين ال تقصير لهم أصالً‪ ،‬جاز الدعاء لهم مطلق ًا‬
‫وحرم غيبتهم‪ ،‬كذلك حرم أذ ّيتهم وإهانتهم ونحوهما»(((‪ .‬وأ ّما الجاهل المقصر ففي صدق‬
‫ال عن صدق التجاهر بالفسق‪ ،‬كما أسلفنا‪.‬‬‫الفسق عليه إشكال ومنع‪ ،‬فض ً‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬تعميم الحرمة لكل إنسان‬


‫إن ثمة وجه ًا وجيه ًا يقتضي تعميم حرمة الغيبة لكل إنسان ولو لم يكن‬‫وقد قلنا سابق ًا‪ّ :‬‬
‫مسلم ًا‪ ،‬وذلك بذكره معايبه‪ ،‬مع كون ذلك عيب ًا في نظره‪ ،‬وهذا وإن لم نجد قائ ً‬
‫ال بها إال ما‬
‫يلوح من كالم الشهيد الثاني‪ ،‬بيد أنّه يمكن االستدالل له ببعض الوجوه‪ ،‬وفي المقابل قد‬
‫يدعى وجود ما يصلح لتخصيص الحرمة بالمسلم‪ ،‬ولهذا فالبحث في هذه المسألة يكون‬
‫في نقطتين‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬ما يمكن االستدالل به للحرمة بلحاظ كل إنسان‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬ما يصلح لتقييد المطلقات وحصر التحريم بخصوص المسلم‪.‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬أدلة التعميم‬
‫فما يمكن االستدالل به للحرمة هو الوجوه التالية‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬هو النصوص الروائية المطلقة وهي على مجموعتين‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما أخذ فيها عنوان «الناس»‪ ،‬وهي عدة روايات‪:‬‬

‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.78‬‬


‫((( مصابيح الظالم‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.32‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪110‬‬
‫‪--1‬ما ورد مرس ً‬
‫ال عنه (ص)‪« :‬كذب من زعم أنّه ولد من حالل وهو يأكل لحوم الناس‬
‫بالغيبة‪.(((»...‬‬
‫‪--2‬ما رواه الصدوق بإسناده إلى اإلمام الرضا ‪ ‬عن أبيه موسى بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه‬
‫«إن الله يبغض البيت اللحم واللحم السمين»‪ ،‬قال له‬ ‫جعفر بن محمد الصادق ‪ّ :‬‬
‫لنحب اللحم وما تخلو بيوتنا منه فكيف ذاك؟‬ ‫ّ‬ ‫بعض أصحابه‪ :‬يا ابن رسول الله‪ ،‬إنا‬
‫فقال‪« :‬ليس حيث تذهب‪ ،‬إنّما البيت اللحم الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة»(((‪.‬‬
‫‪--3‬وروى البرقي في المحاسن والكليني في الكافي في الموثق بإسنادهما عن مسمع‬
‫إن من قبلنا يروون‪ّ :‬‬
‫أن الله يبغض‬ ‫ال قال له‪ّ :‬‬ ‫البصري عن أبي عبد الله ‪ّ :‬‬
‫«أن رج ً‬
‫إن الله يبغض البيت الذي يؤكل فيه‬
‫البيت اللحم‪ .‬قال‪ :‬صدقوا وليس حيث ذهبوا‪ّ ،‬‬
‫لحوم الناس»(((‪.‬‬
‫‪--4‬وروى أيض ًا رواية أخرى بإسناده عن أديم ب ّياع الهروي‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬قلت‬
‫«إن الله يبغض البيت اللحم»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أن رسول الله (ص) كان يقول‪ّ :‬‬ ‫ألبي عبد الله بلغنا ّ‬
‫إنما ذلك البيت الذي يؤكل فيه لحوم الناس‪.(((»..‬‬
‫‪--5‬وروى أيض ًا رواية أخرى بإسناده عن عبد األعلى مولى آل سام‪ ،‬قال‪ :‬قلت ألبي‬
‫عبد الله ‪...‬إنما قال رسول الله(ص)‪« :‬البيت اللحم الذين يغتابون فيه الناس‬
‫ويأكلون لحومهم»(((‪.‬‬
‫‪--6‬ما رواه أنس عن رسول الله (ص)‪« :‬ما صام من ّ‬
‫ظل يأكل لحوم الناس»(((‪.‬‬

‫مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،121‬الحديث ‪ ،31‬من الباب ‪ 132‬من أبواب أحكام العشرة‪ .‬وهو مروي‬ ‫((( ‬
‫عن أمير المؤمنين ‪ ‬في خبر نوف البكالي‪ ،‬األمالي للصدوق‪ ،‬ص‪ ،278‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪،12‬‬
‫ص ‪ ،283‬الحديث ‪ ،16‬من الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .281‬ومعاني األخبار‪ ،‬ص ‪.388‬‬ ‫(( (‬
‫المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ .460‬وهي مروية في الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .309‬ومسمع البصري هو مسمع بن‬ ‫(( (‬
‫عبد الملك الملقب بكردين‪ ،‬وهو ثقة‪ ،‬وقد وصفها المجلسي بالموثقة‪ ،‬راجع‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪،22‬‬
‫ص ‪.128‬‬
‫المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪.461‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪ .‬وهي مروية في الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،308‬وقد روى الشيخ الحر هذه‬ ‫((( ‬
‫الروايات في الباب ‪ 11‬من أبواب بقية كتاب األطعمة واألشربة‪ ،‬انظر‪ :‬الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،25‬ص ‪.36‬‬
‫المصنف البن أبي شيبة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.423‬‬ ‫(( (‬
‫‪111‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--7‬وفي حديث أنس‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون‬
‫وجوههم بأظفارهم! فقلت‪ :‬يا جبرائيل من هؤالء؟ فقال‪ :‬هؤالء الذين يغتابون الناس‬
‫ويقعون في أعراضهم»(((‪.‬‬
‫‪--8‬ما رواه في جامع األخبار‪ :‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن النبي (ص)‪ ،‬قال‪« :‬يؤتى بأحد يوم‬
‫القيامة يوقف بين يدي الله‪ ،‬ويدفع إليه كتابه فال يرى حسناته‪ ،‬فيقول‪ :‬إلهي ليس هذا‬
‫إن ربك ال ّ‬
‫يضل وال ينسى‪ ،‬ذهب عملك باغتياب‬ ‫كتابي فإنّي ال أرى فيها طاعتي‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫الناس‪.(((»..‬‬
‫ّ‬
‫إن هذه الروايات ‪ -‬وفيها الموثق ‪ -‬في مقام بيان الغيبة‪ ،‬وقد أخذت عنوان «الناس»‬
‫ال على إطالق الحكم وشموله لكل الناس ولو من غير‬ ‫موضوع ًا لهذا الحكم‪ ،‬فتكون دلي ً‬
‫المسلمين‪ ،‬وإذا ضمت إلى روايات المجموعة الثانية اآلتية يحصل الوثوق بصدور مضمونها‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬ما لم يؤخذ فيه عنوان خاص موضوع ًا للتحريم‪ ،‬وهذا ما يجعل هذه‬
‫الروايات أوسع روايات الغيبة مدلوالً‪ ،‬وإن كانت نتيجتها ال تزيد على نتيجة سابقتها‪ ،‬وإليك‬
‫بعض روايات هذه المجموعة‪:‬‬
‫‪--1‬ما رواه الشيخ بإسناده إلى أبي ذر عن النبي (ص) في وصية له قال‪« :‬يا أبا ذر إياك‬
‫فإن الغيبة أشدّ من الزنا»‪ ،‬وهو مروي بعدة طرق عن رسول الله (ص)(((‪.‬‬
‫والغيبة ّ‬
‫‪--2‬وفي خبر نوف البكالي عن أمير المؤمنين ‪ ‬أنّه وعظه فقال‪ ..« :‬فاجتنب الغيبة‪ ،‬فإنها‬
‫إدام أهل النار‪.(((»..‬‬
‫فإن الغيبة أشدّ‬
‫‪--3‬وفي خبر جابر وأبي سعيد قاال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬إياكم والغيبة‪ّ .‬‬
‫وإن صاحب الغيبة ال يغفر له حتى‬‫إن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله عليه‪ّ ،‬‬‫من الزنا‪ّ ،‬‬
‫يغفر له صاحبه»(((‪.‬‬

‫تنبيه الخواطر ونزهة النواظر‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.123‬‬ ‫((( ‬


‫مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.121‬‬ ‫(( (‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ ،9‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص‪ ،284‬الحديث ‪ ،16‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪ .‬وروي أيض ًا عن‬ ‫(( (‬
‫رسول الله (ص)‪ ،‬انظر‪ :‬مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.121‬‬
‫تنبيه الخواطر ونزهة النواظر‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.123‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪112‬‬
‫وإن‬
‫‪--4‬ما في «مصباح الشريعة» عن اإلمام الصادق ‪« :‬الغيبة حرام على كل مسلم‪ّ ...‬‬
‫الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»(((‪.‬‬
‫‪--5‬ما رواه الحسين بن سعيد في «كتاب الزهد»‪ ،‬عن الحسين بن علوان‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫خالد‪ ،‬عن زيد بن علي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن النبي (ص)‪ ،‬قال‪« :‬تحرم الجنة على ثالثة‪ :‬على‬
‫المنان‪ ،‬وعلى المغتاب‪ ،‬وعلى مدمن خمر»(((‪ .‬واحتمال اختصاصها بالمسلم‪ ،‬ألن‬
‫حرمان غيره من الجنة هو بسبب كفره وليس ارتكابه المعاصي المذكورة‪ ،‬ضعيف‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن ما ذكر يتم في الكافر الجاحد دون غيره‪ ،‬فال مانع من شموله لغير الجاحد‪.‬‬
‫(((‬
‫‪--6‬في حديث المناهي «أن رسول الله (ص) نهى عن الغيبة واالستماع إليها‪»...‬‬
‫‪--7‬في موثقة سماعة عن الصادق ‪« :‬من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم‬
‫ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته وكملت مروته وظهر عدله ووجبت أخوته»(((‪.‬‬
‫وهذه الرواية األخيرة تعطي قاعدة في هذا المضمار‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من روايات الغيبة التي تبلغ حد ًا يحصل من استفاضتها وكثرتها (نقصد‬
‫ما جاء في المجموعتين األولى والثانية) االطمئنان بصدورها‪ ،‬ناهيك عن كون الرواية الثالثة‬
‫من المجموعة األولى والرواية األخيرة من المجموعة الثانية موثقتين‪.‬‬
‫ولك ْن ربما يعترض على داللة روايات المجموعتين المذكورتين أنّها ليست في مقام‬
‫البيان من جهة بيان من تحرم غيبته‪ ،‬وإنما في مقام البيان من جهات أخرى‪.‬‬
‫ولك ّن اإلنصاف ّ‬
‫أن بعضها ال يبعد تمامية اإلطالق فيه‪.‬‬
‫أن موثقة سماعة المذكورة أخير ًا ال يبعد تمامية داللتها‪ ،‬وذلك ببيان ّ‬
‫أن قوله‪« :‬من‬ ‫على ّ‬
‫عامل الناس فلم يظلمهم‪ ..‬كان ممن حرمت غيبته» مطلق ويدل على ّ‬
‫أن كل من عامل الناس فلم‬
‫أن الموجب لحرمة الغيبة هو كون الشخص مستجمع ًا‬ ‫يظلمهم‪ ..‬حرمت غيبته‪ ،‬فظاهر الرواية ّ‬
‫لهذه المواصفات‪( ،‬وهي أن يكون الشخص ممن يعامل الناس فال يظلمهم ويحدثهم فال‬

‫مصباح الشريعة‪ ،‬ص ‪ .204‬وعنه مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .117‬وبحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،72‬ص ‪.257‬‬ ‫(( (‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،281‬الحديث ‪ ،10‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص‪ ،282‬الحديث ‪ ،13‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،319‬الحديث ‪ ،9‬الباب ‪ 11‬من أبواب صالة الجماعة‪ .‬وفي ج ‪ ،12‬ص ‪،279‬‬ ‫(( (‬
‫الحديث ‪ 2‬من الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫يكذبهم ويعدهم فال يخلفهم)‪ ،‬فكل من كان كذلك فقد حرمت غيبته‪ ،‬ولم تذكر الرواية دخالة‬
‫قيد آخر‪ ،‬كإيمان الشخص أو إسالمه مثالً‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫أن ذلك ال دخل له في حرمة الغيبة‪.‬‬
‫وقد يعترض على ذلك ّ‬
‫بأن تتمة ما ّفرعه اإلمام ‪‬على كون الشخص ممن عامل الناس‬
‫فلم يظلمهم‪ ..‬يشهد بكون النظر إلى خصوص المسلمين‪ ،‬والتتمة هي قوله ‪« :‬وكملت‬
‫مروته وظهر عدله ووجبت أخوته»‪ .‬فاألخوة تقوم بين المسلمين‪.‬‬
‫إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫إن األخوة ‪ -‬كما سلف ‪ -‬لها مراتب‪ ،‬ومنها األخوة في اإلنسانية‪ .‬والعدالة‬
‫يمكن تصورها بلحاظ كل األديان من خالل التزام أهل كل دين بمقتضيات ذلك الدين‪ ،‬كما‬
‫سيأتي في كالم الشهيد الثاني‪.‬‬
‫وقبل أن ننتقل إلى سائر الوجوه التي قد يستدل بها لحرمة غيبة كل إنسان‪ ،‬ال بأس أن‬
‫أن النصوص التي أخذ فيها عنوان «أخيك» في‬ ‫ن َُذك َِّر بما تقدم في فقرة «األخبار البيانية» من ّ‬
‫ثمة احتمال قوي ّ‬
‫أن‬ ‫موضوع الغيبة‪ ،‬ومنها قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾ ‪ّ ،‬‬
‫(((‬

‫ال يراد باألخ فيها خصوص المؤمن أو المسلم‪ ،‬وإنما مطلق المغتاب أي ًا كان مذهبه أو دينه‪،‬‬
‫ويمكن في ضوء هذا الوجه تعميم حرمة الغيبة لكل إنسان‪.‬‬
‫شك أنّه يصلح لتأييدها‪،‬‬‫الوجه الثاني‪ :‬وهذا الوجه إن لم ينهض إلثبات الحرمة فال ّ‬
‫أن الغيبة بما تعنيه من تفكّه بأعراض الناس وفضح معايبهم وكشف مساوئهم أمام‬‫وخالصته‪ّ :‬‬
‫اآلخرين هي من السلوكيات القبيحة في ذاتها وتعدّ من رذائل األخالق التي يستقبحها الطبع‬
‫السوي والفطرة المستقيمة‪ ،‬األمر الذي يجعلها ‪ -‬فيما نرجح ‪ -‬من القضايا التي يصعب فيها‬
‫قبول هذا النوع من التضييق في دائرة القبح إلى الحد الذي يخرج معه معظم أبناء البشر عن‬
‫التحريم‪ ،‬وهذا المعنى تؤيده العديد من المؤشرات والشواهد الواردة في النصوص الدينية‪،‬‬
‫إن الغيبة قبيحة ذات ًا فانظر إلى لسان‬
‫ما يدفعنا إلى ترجيح تعميم الحرمة وتوسعة دائرتها‪ّ .‬‬
‫الروايات التالية لتكتشف مؤشريتها على القبح الذاتي للغيبة‪ ،‬بصرف النظر عن المغتاب‪:‬‬
‫«‪ ..‬كف عن الغيبة‪ ،‬فإنها إدام كالب النار»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪--1‬في الخبر عن أبي عبد الله الحسين ‪:‬‬
‫‪--2‬وفي الخبر عن أمير المؤمنين ‪« :‬الغيبة جهد العاجز»(((‪.‬‬

‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬


‫(( ( تحف العقول عن آل الرسول‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.196‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪114‬‬
‫‪--3‬وعن أمير المؤمنين ‪ ‬أيض ًا ‪ -‬وقد نظر إلى رجل يغتاب رج ً‬
‫ال عند ابنه الحسن ‪« :‬يا‬
‫بني ّنزه سمعك عن مثل هذا‪ ،‬فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫ودعوى ّ‬
‫أن غير المسلم ال حرمة له في نفسه‪ ،‬هو أول الكالم وعين المتنازع فيه‪ ،‬وتحتاج‬
‫إلى دليل يخصص األدلة المتقدمة‪.‬‬
‫نص‬ ‫الوجه الثالث‪ّ :‬‬
‫إن غيبة اإلنسان وهتك سره وفضح معايبه‪ ،‬تنافي تكريمه‪ ،‬الذي ّ‬
‫عليه الذكر الحكيم‪ ،‬في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﴾((( فأي تكريم يضمنه التشريع‬
‫لإلنسان وهو يبيح غيبته وسبه؟!‬
‫أجل‪ ،‬ال يمنع ذلك من وجود بعض االستثناءات من قبيل وجود عنوان يجعل للغيبة‬
‫مصلحة ترجح على مفسدتها‪ ،‬كما لو كان المغتاب (بمعنى المفعول) من رؤوس البدع‬
‫والضالل أو محارب ًا للمسلمين‪ ،‬أو كان ثمة مصلحة في فضح زيفه‪ ،‬كتحذير الناس من شره‬
‫وخبثه‪ ،‬وهكذا في كل مورد ينطبق عليه هذا المعيار‪ ،‬أعني كون مصلحة غيبته أهم من مفسدة‬
‫ذلك‪ ،‬طبق ًا لما يقتضيه باب التزاحم‪.‬‬
‫أن غيبة اآلخر إيذاء وظلم له‪ ،‬وظلم اآلخر ولو كان كافر ًا‬
‫الوجه الرابع‪ :‬وهو ما تقدم من ّ‬
‫دل على حرمة ظلم اآلخرين‪ ،‬إال ما قام الدليل على خروجه تخصص ًا‪،‬‬ ‫حرام‪ ،‬استناد ًا إلى ما ّ‬
‫كما في الكافر الحربي‪.‬‬
‫وقصارى القول‪ :‬إنه وباالستناد إلى هذه الوجوه يمكن القول بحرمة الغيبة مطلق ًا ولو‬
‫لغير المسلم‪ ،‬إال ما قام فيه الدليل على التخصيص أو التخصص‪ ،‬وما توصلنا إليه قد يؤيده‬
‫أن العدالة تتحقق في جميع‬ ‫ما تبناه الشهيد الثاني في موضوع الفسق حيث قال‪« :‬والحق ّ‬
‫أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم‪ ،‬ويحتاج في إخراج بعض األفراد إلى‬
‫الدليل»(((‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬أدلة التقييد‬
‫لكن في المقابل‪ ،‬فإنّه يقال ثمة أدلة على جواز غيبة غير المسلم‪ ،‬واألدلة هي‪:‬‬
‫الدليل األول‪ّ :‬‬
‫إن جواز غيبة غير المسلمين مفروغ عنه بالبداهة الفقهية‪.‬‬

‫(( ( االختصاص‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫((( سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬
‫‪115‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن ضرورة المسألة ليست واضحة وضوح ًا ممتد ًا إلى زمان النص بحيث‬‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫يكون ذلك متلقى من المعصوم‪ ،‬وكيف تكون واضحة مع وجود تلك النصوص والوجوه‬
‫التي يستفاد منها حرمة غيبة كل إنسان‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬اإلجماع على ّ‬
‫أن غير المسلمين ال حرمة لهم‪ ،‬فهم خارجون عن الغيبة‬
‫موضوع ًا‪.‬‬
‫والجواب على ذلك‪:‬‬
‫إن عدم االحترام‪ ،‬هو ّأول الكالم‪ ،‬وكيف نحكم بعدم احترام أعراض هؤالء مع ّ‬
‫أن الله‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫قد كرمهم من ضمن تكريم اإلنسان؟! ولو خرج من هذا التكريم المحارب أو العالم‬
‫الجاحد والمتعنت فال يخرج منه الجاهل وال سيما القاصر‪ .‬ووجود إجماع تعبدي‬
‫على عدم حرمة أعراضهم غير محرز‪ ،‬فربما كان مستند المجمعين منطلق ًا من رؤية‬
‫اجتهادية تعتمد على بعض الوجوه المتقدمة أو اآلتية‪.‬‬
‫‪--2‬س ّلمنا تمام ّية الدليل على عدم احترامهم‪ّ ،‬إل ّ‬
‫أن ذلك ال يقتضي جواز غيبتهم‪ ،‬وذلك‬
‫ألنّه «لم يثبت كون تمام مناط حرمة الغيبة هو االحترام‪ّ ،‬‬
‫فلعل نفس حفظ اللسان من‬
‫التعرض ألعراض الناس مطلوب‪ ،‬وفي التعرض خفة ومهانة وذهاب بها وانحطاط‬ ‫ّ‬
‫قدر للمتعرض في أعين الناس كما هو المشاهد بالوجدان» ‪.‬‬
‫(((‬

‫إن ما دل على جواز غيبة من ألقى جلباب الحياء(((‪ ،‬هو مؤشر على ّ‬
‫أن المناط‬ ‫قد يقال‪ّ :‬‬
‫في حرمة الغيبة هو منافاتها لالحترام‪ ،‬وهذا ما جعله خارج ًا عن دائرة التحريم‪ ،‬إ ّما تخصيص ًا‬
‫أو أشبه بالتخصص بسبب القصور في أدلة التحريم‪.‬‬
‫ولكنه يقال‪ :‬إنّه ال دليل على استثناء غيبة المتجاهر من حكم الغيبة‪ ،‬وإن كان ذكره بما‬

‫((( الحاشية على المكاسب لإليرواني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.194‬‬


‫((( روي عن رسول الله (ص)‪« :‬من ألقى جلباب الحياء ال غيبة له»‪ ،‬تحف العقول‪ ،‬ص ‪ .45‬وروي عن‬
‫السنة في مصادرهم‪،‬‬
‫الرضا ‪ ،‬انظر‪ :‬االختصاص‪ ،‬ص ‪ ،242‬ولكنه مرسل في المصدرين‪ .‬ورواه ُّ‬
‫انظر‪ :‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .210‬ومسند الشهاب البن سالمة القضاعي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.264‬‬
‫والجامع الصغير للسيوطي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ .581‬قال البيهقي‪« :‬هذا أيض ًا ليس بالقوي»‪ ،‬وضعفه الفتني في‬
‫تذكرة الموضوعات‪ ،‬ص ‪ .269‬فالحديث ليس تام ًا من ناحية السند عند الفريقين‪ ،‬لكنه مؤيد بروايات‬
‫أخرى‪ ،‬منها خبر هارون بن الجهم‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد ‪ ،‬قال‪ :‬إذا جاهر الفاسق بفسقه‬
‫فال حرمة له وال غيبة»‪ ،‬األمالي للصدوق‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪116‬‬
‫أن هذا خارج عن موضوع الغيبة تخصص ًا‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا‬ ‫تجاهر به جائز ًا من جهة أخرى‪ ،‬وهي ّ‬
‫ليس من كشف المعايب وهتك األستار‪ ،‬مما هو قبيح في نفسه(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ّ :‬‬
‫أن الروايات المتقدمة في المرحلتين األولى والثانية والتي أخذت عنوان‬
‫المؤمن أو المسلم موضوع ًا للحرمة‪ ،‬تصلح لتقييد األخبار التي أخذت «الناس» موضوع ًا‬
‫لحرمة الغيبة أو غيرها من المطلقات‪.‬‬
‫قال األردبيلي‪« :‬قوله‪ ﴿ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾((( إشارة إلى جواز غيبة الكافر‪،‬‬
‫والمعنى خصوا أيها المؤمنون أنفسكم باالنتهاء عن غيبتها والطعن فيها‪ ،‬وال عليكم أن تعيبوا‬
‫غيركم ممن ال يدين بدينكم وال يسير بسيرتكم‪ ،‬ففي الحديث عن رسول الله (ص)‪« :‬اذكروا‬
‫الفاجر بما فيه كي يحذره الناس»‪ ،‬فيه تأمل إال أن يقصد حذر الناس عنه فيذكر ما فيه لذلك‬
‫مع الحاجة فتأمل»(((‪.‬‬
‫دل على‬‫أن تلك األدلة ومنها اآلية الكريمة ليس لها مفهوم‪ ،‬لتنافي ما ّ‬ ‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫حرمة غيبة مطلق اإلنسان‪ ،‬فالطائفتان مثبتتان وال تنافي بين مثبتين‪ .‬واآلية المباركة هي نظير‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﲍ ﲎ ﲏ ﲷ ﲸ ﲹ ﱤ ﱥ ﱦ‬
‫ﱧﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﴾(((‪ ،‬فهي ال تبيح أكل مال غير‬
‫تختص بالمؤمنين‪ ،‬بنا ًء على إرادة قتل‬
‫ّ‬ ‫أن حرمة القتل‬ ‫المؤمنين بالباطل‪ ،‬كما ال يستفاد منها ّ‬
‫الغير من اآلية‪.‬‬
‫وأ ّما حديث‪« :‬اذكروا الفاجر بما فيه َي ْح َذ ْره الناس»(((‪ ،‬فهو حديث ضعيف(((‪.‬‬
‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫إن هناك روايات واردة في مقام تحديد الغيبة‪ ،‬وقد أخذت عنوان األخ‬

‫قال السيد الخوئي بعد استعراض الروايات التي استدل بها الستثناء غيبة المتجاهر مما دل على حرمة‬ ‫(( (‬
‫الغيبة‪« :‬لم يدل دليل معتبر على جواز غيبة المتجاهر بالفسق ليكون مقيد ًا لإلطالقات الدالة على‬
‫حرمة الغيبة مطلق ًا‪ .‬نعم قد ذكرنا في معنى الغيبة أنها عبارة عن كشف ما ستره الله على العباد‪ ،‬وأيدناه‬
‫ببعض الروايات‪ ،‬فيكون المتجاهر بالفسق خارج ًا عن حدود الغيبة تخصص ًا وموضوع ًا‪ ،‬ألنه قد كشف‬
‫ستره بنفسه قبل أن يكشفه المغتاب (بالكسر)»‪ ،‬انظر‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.529‬‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬ ‫((( ‬
‫زبدة البيان‪ ،‬ص ‪.418‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫(( (‬
‫الكامل البن عدي الجرجاني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.173‬‬ ‫((( ‬
‫كشف الخفاء‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.106‬‬ ‫(( (‬
‫‪117‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫والمؤمن موضوع ًا لحرمة الغيبة‪ ،‬من ذلك ما رواه الكليني عن ا ْل ُح َس ْين ْبن ُم َح َّم ٍد َع ْن ُم َع َّلى‬
‫ان َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ِن‬ ‫اء َع ْن َد ُاو َد ْب ِن ِس ْر َح َ‬ ‫ب ِن محم ٍد ع ِن ا ْلحس ِن ب ِن ع ِلي ا ْلو َّش ِ‬
‫َ َ ْ َ ٍّ َ‬ ‫ْ ُ َ َّ َ‬
‫يك فِي ِدينِه َما َل ْم َي ْف َع ْل و َت ُب َّث َع َل ْيه َأ ْمر ًا َقدْ َست ََره ال َّله َع َل ْيه َل ْم ُي َق ْم‬ ‫ول ألَ ِخ َ‬
‫ا ْل ِغي َب ِة؟ َق َال‪ُ :‬ه َو َأ ْن َت ُق َ‬
‫َع َل ْيه فِيه َحدٌّ »(((‪.‬‬
‫خصت الغيبة ‪ -‬وهي في مقام التحديد ‪ -‬بأن يذكر عيب‬ ‫وتقريب االستدالل ّ‬
‫أن الرواية ّ‬
‫أخيه‪ ،‬ومن الواضح أن غير المسلم ليس أخ ًا‪ ،‬وأ ّما قوله «في دينه»‪ ،‬فهي مرتبطة بالقول‪،‬‬
‫فالمعنى أن تقول فيه قوالً في دينه‪ ،‬بمعنى االنتقاص من دينه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يالحظ عليه ‪ -‬باإلضافة إلى ضعف السند‪ ،‬لعدم وثاقة معلى بن محمد‪ ،‬كما‬
‫أن الرواية حصرت الغيبة بكون العيب في دينه‪ ،‬وهذا ما لم يقل به أحد‬ ‫أسلفنا فيما مضى ‪ّ -‬‬
‫من الفقهاء وينافي سائر األدلة التي دلت على تحقق الغيبة بذكر عيب اآلخر سواء كان في‬
‫عرفت الغيبة‬ ‫تضمنت أمر ًا آخر ال قائل به وهو أنّها ّ‬ ‫دينه أو في ُخلقه أو في جسده‪ ،‬كما أنّها ّ‬
‫تعريف ًا ال يبقى معه فرق بينها وبين البهتان‪ ،‬فانظر إلى قوله ‪« :‬أن تقول ألخيك في دينه ما‬
‫لم يفعل»‪ ،‬وهذا هو البهتان‪.‬‬
‫ول‪« :‬ا ْل ِغي َب ُة َأ ْن‬
‫ الر ْح َم ِن ْب ِن َس َيا َب َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ونحوها رواية َع ْبد َّ‬
‫حدَّ ِة وا ْل َع َج َل ِة َف َل وا ْل ُب ْهت ُ‬
‫َان َأ ْن‬ ‫اهر فِيه ِم ْث ُل ا ْل ِ‬
‫ِ‬
‫وأ َّما األَ ْم ُر ال َّظ ُ‬ ‫ول فِي َأ ِخ َ‬
‫يك َما َست ََره ال َّله َع َل ْيه َ‬ ‫َت ُق َ‬
‫ول فِيه َما َل ْي َس فِيه»(((‪.‬‬‫َت ُق َ‬
‫عبد الرحمن بن س ّيابة ال توثيق له وإن عدّ السيد الخوئي رواياته‬ ‫ٰ‬ ‫وهذه ضعيفة السند‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫صحيحة في مبناه القديم القائم على وثاقة من روى عنه ابن قولويه في «كامل الزيارات»‪ ،‬إال‬
‫أنّه قد تراجع عن هذا المبنى في آخر عمره‪.‬‬
‫هذا وقد أسلفنا سابق ًا ّ‬
‫أن التعبير بـ«أخيك» ونظائرها‪ ،‬من المحتمل أن يكون المقصود‬
‫به هو المغتاب‪ ،‬الذي وقعت عليه الغيبة‪ ،‬كما يقال‪ :‬صاحبك‪.‬‬
‫ثمة وجه ًا لتعميم الحرمة إلى كل إنسان لم يثبت نزع‬ ‫وكيف كان فمما تقدّ م اتضح ّ‬
‫أن ّ‬
‫الحرمة عنه كالمحارب مثالً‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه بعض فقهاء المسلمين‪ ،‬فقد «سئل الغزالي‬
‫‪-‬ره‪ -‬عن غيبة الكافر‪ .‬فقال‪ :‬هي في حق المسلم محذورة لثالثة علل‪ :‬اإليذاء‪ ،‬وتنقيص ما‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.357‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪118‬‬
‫خلقه الله تعالى‪ ،‬وتضييع الوقت بما ال يعني‪ .‬واألولى تقتضي التحريم‪ ،‬والثانية الكراهة‪،‬‬
‫والثالثة خالف األولى‪ .‬وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من اإليذاء‪ّ ،‬‬
‫ألن الشرع‬
‫عصم دمه وعرضه وماله‪ ،‬وأما الحربي فليس بمحرم على األولى‪ ،‬ويكره على الثانية والثالثة‪.‬‬
‫وأ ّما المبتدع فإن كفر فكالحربي‪ ،‬وإال فكالمسلم»(((‪.‬‬

‫((( إعانة الطالبين للدمياطي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.325‬‬


‫الف�صل الثالث‬

‫لعن الآخر‬

‫‪--1‬مفهوم اللعن‬
‫‪--2‬القاعدة العامة األولية في حكم اللعن‪.‬‬
‫والسنة‪.‬‬
‫‪--3‬نظرة عامة حول اللعن الوارد في الكتاب ُّ‬
‫‪--4‬دراسة تفصيلية في العناوين التي ورد فيها اللعن‪.‬‬
‫‪--5‬حكم اللعن بالعنوان الثانوي‪.‬‬
‫‪--6‬ماذا عن عالقة اللعن بالعقيدة؟‬

‫منهجية البحث في م�س�ألة اللعن‬


‫تنتشر في أوساط بعض المسلمين ظاهرة لعن اآلخر الذي يختلف معهم في الدين‬
‫ليتحول إلى فعل طاعة‬
‫ّ‬ ‫أو المذهب‪ ،‬ويحاول البعض إلباس اللعن لبوس ًا شرعي ًا وعقدي ًا‪،‬‬
‫وإيمان وعبادة‪ .‬ومن الطبيعي أن يكون ل ّلعن وال سيما عندما يطال بعض الرموز التي يجلها‬
‫اآلخرون تداعيات خطيرة‪ ،‬وينتج عنه الكثير من ر ّدات الفعل‪ ،‬وربما يستدعي فتاوى التكفير‬
‫والتعرف على موقف‬
‫ّ‬ ‫وإباحة الدم‪ ،‬األمر الذي يضاعف من أهمية البحث في هذه المسألة‪،‬‬
‫اإلسالم منها‪ ،‬وتحديد ًا موقف أهل البيت ‪ ،‬وذلك في مساهمة لوضع المسألة في نصابها‬
‫الصحيح‪ .‬وهذه دراسة تفصيلية لهذه المسألة عبر المنهجية التالية‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬في بيان مفهوم اللعن‪ ،‬ونتعرف هنا على ما إذا كان اللعن أحيان ًا قد‬
‫السب أم ال؟‬
‫ّ‬ ‫يندرج في مفهوم‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬وفيها نتب ّين ونتحرى مدى إمكان تأسيس أصل لفظي مرجعي في‬
‫حرمة اللعن‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪120‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬وفيها نلقي نظرة عامة على أهم موارد اللعن الواردة في الكتاب ُّ‬
‫والسنة‪،‬‬
‫والتي تصلح لتكون معارضات أو مستثنيات من األصل المذكور في حال تماميته بحيث ال‬
‫تكتمل الصورة العامة بالنسبة للموقف الشرعي من اللعن إال بمعرفة هذه الموارد‪ ،‬ودراستها‬
‫دراسة تحقيقية نقدية‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬وفيها ندخل في دراسة تفصيلية نقارب فيها حكم اللعن من زاوية‬
‫الجماعات ‪ -‬دينية كانت أو غير دينية ‪ -‬أو األفراد الذين يطالهم اللعن‪ ،‬حيث نبحث في حكم‬
‫لعن العناوين التالية‪:‬‬
‫‪--1‬حكم لعن الكافر‪.‬‬
‫‪--2‬حكم لعن المسلم غير اإلمامي‪.‬‬
‫‪--3‬حكم لعن المؤمن الشيعي‪.‬‬
‫‪--4‬حكم لعن الفاسق‪.‬‬
‫‪--5‬ما ورد في لعن أشخاص بأعيانهم‪.‬‬
‫ونلفت نظر القارئ إلى أننا في هذه المرحلة قد تفرض علينا ضرورة البحث إلى إعادة‬
‫مرت اإلشارة إليها في سياق تأسيس األصل اللفظي‬
‫استحضار بعض الشواهد التي تكون قد ّ‬
‫في المرحلة األولى من البحث‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬وفي هذه المرحلة تتم دراسة حكم اللعن بالعنوان الثانوي‪ ،‬وهنا‬
‫فإننا نفترض جدالً أو مجاراة ألصحاب الرأي اآلخر بأنه جاز لعن بعض الجماعات بالعنوان‬
‫األولي‪ ،‬ولكن حيث إن اللعن قد تترتب عليه بعض المفاسد فإنه قد يحرم بهذا اللحاظ‪ ،‬فما‬
‫هي العناوين الثانوية الموجبة للتحريم؟‬
‫المرحلة السادسة‪ :‬وفي المرحلة األخيرة نتطرق إلى ما يذكره البعض من ّ‬
‫أن اللعن‬
‫ليس مجرد تكليف شرعي فرعي على المؤمنين امتثاله‪ ،‬بل إنه على عالقة وطيدة بالعقيدة‬
‫الصحيحة باعتباره مظهر ًا من مظاهر التبري من أعداء الله تعالى‪.‬‬
‫وهذا تفصيل الكالم في المراحل المذكورة‪:‬‬

‫المرحلة الأولى‪ :‬مفهوم اللعن‬


‫اللعن في اللغة هو الطرد واإلبعاد‪ ،‬وفي االصطالح هو الطرد من رحمة الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وإليك توضيح ذلك من خالل النقطتين التاليتين‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪�1 -1‬أقوال اللغويين في اللعن‬
‫يقول ابن فارس‪« :‬الالم والعين والنون أصل صحيح يدل على إبعاد وإطراد‪ ،‬ولعن الله‬
‫الشيطان‪ :‬أبعده عن الخير والجنة‪ ،‬ويقال للذئب لعين‪ ،‬والرجل الطريد لعين‪ ،‬ورجل ُل ْعنة‬
‫بالسكون‪ :‬يلعنه الناس‪ ،‬و ُل َعنة‪ :‬كثير اللعن‪.(((»..‬‬
‫وقال الجوهري في الصحاح(((‪« :‬اللعن‪ :‬الطرد واإلبعاد من الخير‪ ،‬واللعنة االسم‪،‬‬
‫والجمع لعان ولعنات‪ ،‬والرجل لعين وملعون والمرأة لعين أيض ًا‪ ،‬واللعين الممسوخ‪،‬‬
‫والرجل اللعين‪ :‬شيء ينصب وسط المزارع تستطرد به الوحوش‪ ،‬قال الشماخ‪ :‬ذعرت به‬
‫القطاء ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين‪ .‬والمالعنة واللعان‪ :‬المباهلة‪ .‬الملعنة‪ :‬قارعة‬
‫الطريق ومنـزل الناس‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬اتقوا المالعن‪ ،‬يعني عند الحدث‪ ،‬ورجل ُل َعنة‪ :‬يلعن‬
‫الناس كثير ًا و ُل ْعنة بالسكون‪ :‬يلعنه الناس»‪.‬‬
‫وفي تاج العروس للزبيدي‪« :‬لعنه كمنعه‪ ،‬لعن ًا‪ :‬طرده وأبعده عن الخير‪ ،‬هذا من الله‪..‬‬
‫السب والدعاء‪ ،‬فهو لعين‪ ...‬وحكى اللحياني‪ :‬ال تكن لعنة على أهل بيتك‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫ومن الخلق‬
‫ال ُي َس َّبن أهل بيتك بسببك‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫حـــق وال تـــك لعنة للنـُّـــزل‬ ‫فـــإن مبيته‬
‫ّ‬ ‫والضيـــف أكرمـــه‬
‫‪ ...‬واللعين‪ :‬الشيطان‪ ،‬صفة غالبة‪ ،‬ألنّه ُطرد من السماء‪ ،‬وقيل‪ :‬ألنه أبعد من رحمة الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫واللعين‪ :‬الممسوخ‪ ،‬من اللعن‪ ،‬وهو المسخ‪ ،‬عن الفراء‪ ،‬وبه فسر اآلية ﴿ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉ ﲊ ﲋ ﴾((( أي نمسخهم‪.‬‬
‫واللعين‪ :‬المشؤوم والمسيب‪.‬‬
‫واللعين ما يتخذ في المزارع كهيئة رجل أو الخيال تذعر به الطيور والسباع‪...‬‬
‫وأبيت اللعن‪ :‬كلمة كانت العرب تحيي بها ملوكها‪ ،‬وأول من قيل له ذلك قحطان‪...‬‬
‫أي أبيت أيها الملك أن تأتي ما تـُلعن به وعليه‪...‬‬

‫((( معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.252‬‬


‫(( ( الصحاح‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.196‬‬
‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.50‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪122‬‬
‫والتالعن التشاتم في اللفظ‪ ،‬غير أن التشاتم ُيستعمل في وقوع كل واحد منهما بصاحبه‪،‬‬
‫والتالعن ربما استعمل في فعل أحدهما‪.(((»..‬‬
‫والمتحصل من كلمات اللغويين‪:‬‬
‫إن اللعن في األساس بمعنى الطرد‪ ،‬واللعين هو الطريد‪ .‬واللعين هو الخيال‬‫أوالً‪ّ :‬‬
‫الذي يعمل على هيئة الرجل وينصب في المزارع تستطرد به الوحوش‪ ،‬والذئب لعين‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫أصحاب المواشي تستطرده‪ .‬والشيطان لعين لطرده من الجنة‪.‬‬
‫مر كالم‬
‫السب والشتم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫إن اللعن قد يستخدم ويستعمل بمعنى َّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ومر عن تاج‬ ‫اللحياني‪« :‬ال ُ‬
‫تك لعنة على أهل بيتك‪ ،‬أي ال ُيس َّبن أهل بيتك بسببك»‪ّ ،‬‬
‫العروس‪« :‬التالعن التشاتم في اللفظ»‪ ..‬وهذا األمر له داللته‪ ،‬وال بأس بتوضيحه‬
‫أكثر‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫‪2 -2‬االلتقاء بين ال�سب واللعن‬


‫فالسب‬
‫ّ‬ ‫أن السب واللعن أصالن لغويان‪ ،‬ولكل منهما معناه الخاص‪.‬‬ ‫ال شك ّ‬
‫فالسب‬
‫ّ‬ ‫بمعنى القطع‪ ،‬واللعن بمعنى الطرد‪ .‬كما أنهما مختلفان بحسب المعنى العرفي‪،‬‬
‫أو الشتم هو مفهوم عام تُستخدم فيه ألفاظ وتعبيرات كثيرة‪ ،‬وهي مؤذية لآلخر إذا‬
‫خوطب بها‪ .‬أ ّما اللعن فله لفظ واحد وهو لفظ اللعن ومشتقاته‪ّ .‬إل ّ‬
‫أن ثمة نقطة التقاء‬
‫أن اللعن في بعض صيغه ربما حمل معنى الطعن في الملعون‪ ،‬ما‬ ‫بين المفهومين‪ ،‬وهي‪ّ :‬‬
‫السب ومضمونه‪ ،‬والصيغة المقصودة‬ ‫ّ‬ ‫يجعله يقترب ويتالقى في الذهن العام مع معنى‬
‫هي ما لو استعمل اللعن على نحو اإلخبار‪ ،‬فقيل‪ :‬فالن لعين‪ ،‬أو على نحو النداء‬
‫والخطاب فقيل له‪ :‬يا ملعون‪ ،‬فهذا التعبير أو ذاك يحمالن في الذهن العرفي العام معنى‬
‫السب‪ ،‬وتشهد له كلمات اللغويين اآلنفة حيث قالوا‪ :‬التالعن التشاتم‪ ،‬وال تك لعنة‬
‫أن المعنى اللغوي‬‫السب‪ ،‬وتبناه بعض العلماء(((‪ ،‬ويؤيده ّ‬
‫ّ‬ ‫على أهلك‪ ،‬أي ال تجلب لهم‬
‫فإن اللعن من موجبات التقاطع كما ال يخفى‪،‬‬ ‫للسب وهو القطع‪ ،‬يتوفر في اللعن أيض ًا‪ّ ،‬‬

‫(( ( تاج العروس‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.512 - 510‬‬


‫(( ( قال الميرزا حبيب الله الخوئي وهو يتحدث عن اللعن‪« :‬ومعناه ال َّطرد واإلبعاد من رحمة ال َّله بل هو‬
‫السب»‪ ،‬انظر‪ :‬منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪،‬‬ ‫فيدل على حرمته ما ّ‬
‫دل على حرمة ّ‬ ‫السب ّ‬ ‫نوع من ّ‬
‫ج ‪ ،13‬ص ‪.84‬‬
‫‪123‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ويؤيده ما سيأتي في بعض األخبار أن أمير المؤمنين ‪ ‬نهى أصحابه في صفين عن‬
‫أن ما صدر عنهم هو الشتم‪ ،‬ولع ّله لهذا أورد الكليني‬
‫أن يكونوا «ل ّعانين شتامين»‪ ،‬مع ّ‬
‫السب‬
‫ّ‬ ‫السب»(((‪ .‬وفي ضوء ذلك يمكن التمسك بإطالقات‬ ‫ّ‬ ‫روايات اللعن تحت «باب‬
‫للمنع عن بعض أفراد اللعن‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬القاعدة العامة الأولية في اللعن‬


‫يقول النراقي في «جامع السعادات»‪« :‬وأما اللعن فال ريب في كونه مذموم ًا‪ ،‬ألنه عبارة‬
‫عن الطرد واإلبعاد من الله تعالى‪ ،‬وهذا غير جائز إال على من اتصف بصفة تبعده بنص‬
‫الشريعة وقد ورد عليه الذم الشديد في األخبار‪ ...‬ثم لما كان اللعن هو الحكم بالبعد أو طلب‬
‫اإلبعاد من الله‪ .‬واألول غيب ال يطلع عليه إال الله‪ .‬والثاني ال يجوز إال على من اتصف بصفة‬
‫تبعده منه‪ ،‬فينبغي أال يلعن أحد ًا إال من جوز صاحب الشرع لعنه‪ ،‬والمجوز من الشرع إنما‬
‫هو اللعن على الكافرين والظالمين والفاسقين‪ ،‬كما ورد في القرآن»(((‪.‬‬
‫أن األصل عدم جواز اللعن في الشريعة إال ما‬ ‫ولكن قد يسأل البعض‪ :‬ما الدليل على ّ‬
‫أخرجه النص؟ هل لدينا عمومات أو مطلقات تدل على حرمة اللعن على إطالقه‪ ،‬بحيث‬
‫ال لفظي ًا يرجع إليه عند الشك‪ ،‬وال يرفع اليد عنها ّإل إذا ثبت التخصيص‬
‫تشكّل مرجع ّية وأص ً‬
‫في مورد من الموارد؟ أم إنّه ليس لدينا ما يصلح لتأسيس أصل لفظي في حرمة اللعن‪ ،‬فيكون‬
‫المرجع عند الشك هو أصالة البراءة‪ ،‬ونرفع اليد عنها (أصالة البراءة) في الحاالت التي قام‬
‫فيها الدليل على حرمة لعن بعض األصناف من الناس؟ وإذا كان األمر كذلك فمن هم الذين‬
‫يحرم لعنهم؟‬
‫ربما يتصور أنّنا ال نمتلك أدلة نستطيع بموجبها تأسيس أصل لفظي أو قاعدة عامة‬
‫النص على تحريم بعض أقسام اللعن وأصنافه‬
‫دالة على حرمة اللعن‪ ،‬وإنّما غاية ما لدينا هو ّ‬
‫وبلحاظ بعض الناس‪ ،‬والجواز فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫وفيما يأتي سوف نستعرض بعض الوجوه التي تصلح لتأسيس قاعدة عامة تدل على ّ‬
‫أن‬
‫اللعن محرم شرع ًا ّإل ما خرج بالدليل‪ .‬واألصل اللفظي يمكن تصوره على عدّ ة مستويات‪:‬‬

‫((( راجع‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.360‬‬


‫(( ( جامع السعادات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.279‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪124‬‬
‫المستوى األول‪ :‬في لعن مطلق الناس‬
‫قد تذكر عدّ ة وجوه إلثبات حرمة اللعن بقول مطلق نذكرها تباع ًا‪ ،‬محاولين تقييمها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬اللعن وإيذاء الملعون‬
‫إن اللعن إيذاء للملعون‪ ،‬وإيذاء اآلخرين حرام‪ .‬أما أنّه إيذاء فواضح‪ .‬أجل‪ ،‬هو إيذاء‬ ‫ّ‬
‫معنوي وليس مادي ًا‪ ،‬وقد شبهت بعض الروايات اللعن بالقتل كما سيأتي في حديث «لعن المؤمن‬
‫عقال ً‬
‫ونقال‪.‬‬ ‫أن اإليذاء محرم‪ ،‬فلحكم العقل والنقل بذلك‪ ،‬فاإليذاء ظلم وهو قبيح ً‬
‫كقتله»(((‪ ،‬وأ ّما ّ‬
‫ولكن ربما يتأمل في هذا االستدالل‪:‬‬
‫أخص من المدعى‪ ،‬فليس كل لعن يوجب اإليذاء‪ ،‬فالبعض ‪ -‬ولو كان نادر ًا ‪ -‬ال‬ ‫ّ‬ ‫‪--1‬بأنّه‬
‫يبالي بذلك وال يهتم بما قيل له أو عنه‪ ،‬إما لدناءة نفسه‪ ،‬أو لجبروته واستكباره الذي‬
‫يجعله غير مبال بلعنه وسبه وشتمه‪ ،‬ومن جهة أخرى ّ‬
‫فإن اإليذاء قد يكون بغير اللعن‪،‬‬
‫ما يعني ّ‬
‫أن النسبة بينه وبين اللعن هي العموم من وجه‪.‬‬
‫أن اللعن إنما يكون موجب ًا لإليذاء فيما لو كان إنشا ًء واستنزاالً للعنة على اآلخر‪،‬‬‫‪--2‬على ّ‬
‫ممن يملك اإلخبار عن واقع اإلنسان كالنبي (ص) المتصل‬ ‫وأما لو كان اللعن إخبار ًا ّ‬
‫بالوحي حيث يصدر منه إخبار بلعن الناس المتلبسين ببعض األفعال المنحرفة فال‬
‫ُيعد ذلك إيذا ًء للملعون‪ ،‬وإنّما هو إخبار عن واقع الملعون عند الله تعالى وأنّه مطرود‬
‫عن رحمته تعالى‪ ،‬ولو عدّ ذلك إيذا ًء فال دليل على حرمته شرع ًا أو قبحه عقالً‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫النبي (ص) ال يقصد بإخباره الطعن أو اإليذاء‪ ،‬وإنّما أراد اإلخبار عن طرد من يحمل‬
‫فكر ًا خاطئ ًا أو يسلك سلوك ًا منحرف ًا من رحمته تعالى بهدف بيان الحكم الشرعي‪،‬‬
‫فيكون نظير ما لو أخبر أن الجاحد بالنبوة أو الظالم ال يدخل الجنة‪ ،‬أو أنه من أهل النار‪،‬‬
‫فال مجال لتحريم هذا النوع من اإليذاء‪ ،‬أو رد الروايات الواردة بشأنه‪ ،‬ألنّه ٍ‬
‫تأذ بقول‬ ‫ّ‬
‫الحق‪ ،‬وهذا ال دليل على حرمته بشكل مطلق‪ .‬وهكذا لو كان اللعن إنشا ًء وأريد منه‬
‫فضح بعض الخطوط المنحرفة والتحذير من خطرها‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬الروايات الناهية عن اللعن‬
‫ثمة أخبار ناهية عن اللعن‪ ،‬ونذكر في هذا المجال ثالث طوائف من األخبار‪:‬‬

‫(( ( صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .73‬وصحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.97‬‬


‫‪125‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الطائفة األولى‪ :‬ما ورد بلسان ّ‬
‫أن اللعنة إذا خرجت من فم قائلها ترددت بينه وبين‬
‫ال للعن ّ‬
‫وإل رجعت على قائلها‪ ،‬وإليك بعض أخبار هذه الطائفة‪:‬‬ ‫اآلخر‪ ،‬فإن كان اآلخر أه ً‬
‫الرواية األولى‪ :‬موثق عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي حمزة الثمالي قال‪ :‬سمعت أبا جعفر ‪‬‬
‫وإل رجعت‬ ‫«إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغ ًا ّ‬ ‫يقول‪ّ :‬‬
‫على صاحبها»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬خبر َع ِل ِّي ْب ِن َأبِي َح ْم َز َة َع ْن َأ َح ِد ِه َما ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س ِم ْعتُه َي ُق ُ‬
‫ول‪« :‬إِ َّن ال َّل ْعنَ َة إِ َذا‬
‫ت ع َلى ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخرج ْ ِ ِ‬
‫احبِ َها»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ت م ْن في َصاحبِ َها ت ََر َّد َد ْت َفإِ ْن َو َجدَ ْت َم َساغ ًا وإِ َّل َر َج َع ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫«إن‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬في سنن أبي داود بإسناده إلى أبي الدرداء‪ ،‬قال رسول الله (ص)‪ّ :‬‬
‫العبد إذا لعن شيئ ًا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها‪ ،‬ثم تهبط إلى األرض‬
‫فتغلق أبوابها دونها‪ ،‬ثم تأخذ يمين ًا وشماالً فإذا لم تجد مساغ ًا رجعت إلى الذي ُل ِعن‪ ،‬فإن كان‬
‫ال وإال رجعت إلى قائلها»(((‪.‬‬ ‫لذلك أه ً‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬ما روي عن ابن عباس قال‪« :‬لعن رجل الريح عند رسول الله (ص)‬
‫فقال‪ :‬ال تلعن الريح فإنها مأمورة‪ ،‬وإنّه َم ْن لعن شيئ ًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه»(((‪.‬‬
‫قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن هذه الرواية ناظرة إلى لعن األشياء وكالمنا في لعن بني اإلنسان‪.‬‬
‫أن كلمة شيء تشمل اإلنسان‪ ،‬واختصاصها بغيره استعمال متأخر‪،‬‬ ‫والجواب‪ :‬ال يبعد ّ‬
‫فإن فقرة «ليس له بأهل» تقتضي التعميم حيث يستفاد منها ّ‬
‫أن المدار‬ ‫وبصرف النظر عن ذلك ّ‬
‫على كون الملعون أه ً‬
‫ال أو ليس بأهل للعن‪ ،‬باإلضافة إلى أنّه ال يبعد داللتها على المطلوب‬
‫باألولوية‪ ،‬ألنّه إذا كان ال يجوز لعن األشياء فباألولى لعن الناس‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ‪ ‬وهي تحمل المضمون‬
‫نفسه‪ ،‬وستأتي‪.‬‬
‫أن ظاهر عود اللعنة على الالعن هو ّ‬
‫أن اللعنة‬ ‫وتقريب االستدالل بروايات هذه الطائفة‪ّ :‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .360‬قال في المجلسي في مرآة العقول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،11‬موثق كالصحيح‪.‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪ .‬وثواب األعمال للصدوق‪ ،‬ص ‪.270‬‬ ‫((( ‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .457‬والجامع الصغير للسيوطي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.316‬‬ ‫(( (‬
‫عوالي الآللي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪172‬؛ وراجع الرواية في مصادر السنة‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.457‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪126‬‬
‫مبغوضة عنده تعالى‪ّ ،‬‬
‫ألن اللعنة كجملة يتلفظ بها الالعن ال معنى لعودها على الالعن‪،‬‬
‫فيكون المراد عود أثرها ووزرها وهو البعد عن ساحة الله تعالى‪.‬‬
‫وقد يعترض على هذا االستدالل باعتراضين‪:‬‬
‫االعتراض األول‪ :‬أنّه ال داللة في هذه األخبار على حرمة اللعن أصالً‪ ،‬وإنّما تدل على‬
‫أن الملعون إن لم يكن مستحق ًا للعن ّ‬
‫فإن اللعنة ال تصله‬ ‫ترتب أثر وضعي على اللعن‪ ،‬وهو ّ‬
‫بل تعود على الالعن‪.‬‬
‫ألن عود اللعنة ‪-‬كما عرفت‪-‬‬ ‫ولكن هذه المالحظة قد اتضح عدم صحتها للتو‪ ،‬وذلك ّ‬
‫يكون بعود أثرها وهو البعد عن ساحته تعالى وهو يالزم الحرمة‪ ،‬ألنّه ال يجوز لإلنسان أن‬
‫يتسبب بما يجعله مطرود ًا من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫أن الرواية على عكس المدعى أدل‪ّ ،‬‬
‫فإن اللعنة لو كانت مبغوضة‬ ‫االعتراض الثاني‪ّ :‬‬
‫أن الروايات حددت عودها على الالعن في صورة‬ ‫لكان الالزم عودها دائم ًا على الالعن‪ ،‬مع ّ‬
‫ال للعنة‪ ،‬أي هناك من هو أهل للعن‪ ،‬وهناك من ليس أه ً‬
‫ال له‪،‬‬ ‫ما لو لم يكن الملعون أه ً‬
‫والرواية لم تحدد من هو أهل‪ ،‬فيرجع في تحديد ذلك إلى سائر الروايات واألدلة‪.‬‬
‫بأن الالعن حيث ال يحرز كون الملعون أه ً‬
‫ال فهو‬ ‫وهذه المالحظة يمكن دفعها أيض ًا ّ‬
‫ال يأمن من عود وزر اللعنة عليه‪ ،‬والعاقل ال يورد نفسه فيما هو مظنّة الوزر والمساءلة ّإل‬
‫أن هذا الشخص هو أهل للعنة‪ ،‬وهذا ينحصر بما يرد عن‬ ‫بمؤ ِّمن‪ ،‬كأن ينهض لديه دليل على ّ‬
‫َ‬
‫النبي األكرم (ص) أو األئمة المعصومين ‪.‬‬
‫المؤ ِّمن العام موجود وهو البراءة‪ .‬ومعه فلن يستفاد من هذه‬
‫إن َ‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫ال للعن وال مستحق ًا له‪.‬‬
‫الطائفة سوى حرمة اللعنة مع ثبوت كون الملعون ليس أه ً‬
‫الطائفة الثانية‪ :‬ما ورد في النهي عن اللعن بقول مطلق‪ ،‬وهذه الطائفة ‪-‬كسابقتها‪ -‬تدل‬
‫على حرمة اللعن مطلق ًا للمسلم وغير المسلم فتقييدها يحتاج إلى دليل‪ .‬ومما ورد في ذلك‪:‬‬
‫‪--1‬ما روي عن النبي األكرم (ص)‪« :‬ال تلعنوا بلعنة الله وال بغضبه وال بالنار»(((‪.‬‬
‫‪--2‬وفي الجعفريات بإسناده إلى أمير المؤمنين ‪ ‬أنه كان يقول‪« :‬إياكم وسقط الكالم‪...‬‬

‫(( ( كنز العمال‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.615‬‬


‫‪127‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫فإن الله عز وجل قد أحكم ذلك فقال عز وجل‪:‬‬
‫وإياكم والدعاء باللعن والخزي‪ّ ،‬‬
‫﴿ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫وهذه الطائفة ‪ -‬كما أشرنا ‪ -‬تشمل بإطالقها غير المسلم‪ ،‬لكنها ال تتضمن سند ًا‬
‫صحيح ًا‪ ،‬ولذا فهي تصلح للتأييد إن تم دليل على حرمة اللعن أو تضافرت النصوص‬
‫وحصل الوثوق بصدورها‪.‬‬
‫دل على أن المؤمن ال يكون لعان ًا‪ ،‬ومن رواياتها‪:‬‬ ‫الطائفة الثالثة‪ :‬ما ّ‬
‫‪--1‬خبر َس َما َع َة َق َال‪َ « :‬د َخ ْل ُت َع َلى َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ف َق َال لِي ُم ْبت َِدئ ًا‪َ :‬يا َس َما َع ُة َما َه َذا ا َّل ِذي‬
‫ُون َف َّحاش ًا َأ ْو َص َّخاب ًا َأ ْو َل َّعان ًا! َف ُق ْل ُت‪ :‬وال َّله َل َقدْ ك َ‬
‫َان‬ ‫اك َأ ْن َتك َ‬ ‫َان َب ْين ََك و َب ْي َن َج َّمالِ َك؟ إِ َّي َ‬
‫ك َ‬
‫َان َظ َل َم َك َل َقدْ َأ ْر َب ْي َت َع َل ْيه‪ ،‬إِ َّن َه َذا َل ْي َس ِم ْن فِ َعالِي َ‬
‫ول آ ُم ُر بِه‬ ‫َذلِ َك َأنَّه َظ َل َمنِي َف َق َال‪ :‬إِ ْن ك َ‬
‫ول َأ ُعو ُد»(((‪.‬‬ ‫ول َت ُعدْ ‪ُ .‬ق ْل ُت َأ ْس َت ْغ ِف ُر ال َّله َ‬ ‫اس َت ْغ ِف ْر َر َّب َك َ‬
‫شي َعتي‪ْ .‬‬
‫ِ ِ‬

‫بيان‪« :‬الصخاب»‪ :‬الشديد الصوت‪ ،‬و«أربيت عليه»‪ :‬أي زدت عليه‪.‬‬


‫َّاس َف َق َال‪َ :‬أل‬ ‫ول ال َّله (ص) الن َ‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫«خ َط َ‬ ‫‪--2‬معتبرة َأبِي َح ْم َز َة َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ق َال‪َ :‬‬
‫ول ال َّله‪َ .‬ق َال‪ :‬ا َّل ِذي َي ْمن َُع ِر ْفدَ ه و َي ْض ِر ُب َع ْبدَ ه‬ ‫ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ ِش َر ِارك ُْم؟ َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى َيا َر ُس َ‬
‫و َيت ََز َّو ُد َو ْحدَ ه‪َ ،‬ف َظنُّوا َأ َّن ال َّله َل ْم َي ْخ ُل ْق َخ ْلق ًا ُه َو َش ٌّر ِم ْن َه َذا‪ُ .‬ث َّم َق َال‪َ :‬أل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َم ْن‬
‫ول ُي ْؤ َم ُن َش ُّره‪،‬‬ ‫ول ال َّله‪َ .‬ق َال‪ :‬ا َّل ِذي َل ُي ْر َجى َخ ْي ُره َ‬ ‫ُه َو َش ٌّر ِم ْن َذلِ َك؟ َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى َيا َر ُس َ‬
‫َف َظنُّوا َأ َّن ال َّله َل ْم َي ْخ ُل ْق َخ ْلق ًا ُه َو َش ٌّر ِم ْن َه َذا‪ُ .‬ث َّم َق َال‪َ :‬أل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َم ْن ُه َو َش ٌّر ِم ْن َذلِ َك؟‬
‫ان ا َّل ِذي إِ َذا ُذ ِك َر ِعنْدَ ه ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ُون َل َعن َُه ْم وإِ َذا‬ ‫ول ال َّله‪َ .‬ق َال‪ :‬ا ْل ُم َت َف ِّح ُش ال َّل َّع ُ‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى َيا َر ُس َ‬
‫َذك َُروه َل َعنُوه»(((‪.‬‬
‫‪--3‬وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم‪ ،‬روى عن عمر بن سعد‪ ،‬عن عبد الرحمن‪ ،‬عن‬
‫الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك قال‪ :‬خرج حجر بن عدي‪ ،‬وعمرو بن‬
‫عما‬‫أن ُك ّفا ّ‬ ‫الحمق‪ ،‬يظهران البراءة واللعن من أهل الشام‪ ،‬فأرسل إليهما علي ‪ْ :‬‬

‫سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬ ‫(( (‬


‫مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.139‬‬ ‫(( (‬
‫وصرح العالمة‬
‫ّ‬ ‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .326‬والرواية ضعيفة السند‪ ،‬بالمعلى بن محمد‪ ،‬وأحمد بن غسان‪.‬‬ ‫((( ‬
‫المجلسي بضعف الخبر‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.279‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .290‬وعنه وسائل الشيعة‪ :‬ج ‪ ،15‬ص ‪ ،331‬الباب ‪ 49‬من أبواب جهاد النفس‪،‬‬ ‫((( ‬
‫الحديث ‪.7‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪128‬‬
‫يبلغني عنكما‪ ،‬فأتياه فقاال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ألسنا محقين؟ قال‪ :‬بلى‪[ .‬قاال‪ :‬أو ليسوا‬
‫مبطلين؟ قال‪ :‬بلى]‪ .‬قاال‪ :‬فلم منعتنا من شتمهم؟ قال‪« :‬كرهت لكم أن تكونوا لعانين‬
‫شتامين‪ ،‬تشتمون وتتبرؤون‪ .‬ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم‪ :‬من سيرتهم كذا‬
‫وكذا‪ ،‬ومن عملهم كذا وكذا‪ ،‬كان أصوب في القول‪ ،‬وأبلغ في العذر‪ .‬و[لو] قلتم مكان‬
‫لعنكم إياهم وبراءتكم منهم‪ :‬اللهم احقن دماءنا ودماءهم‪ ،‬وأصلح ذات بيننا وبينهم‪،‬‬
‫واهدهم من ضاللتهم‪ ،‬حتى يعرف الحق منهم من جهله‪ ،‬ويرعوي عن الغي والعدوان‬
‫إلي وخير ًا لكم»‪ .‬فقاال‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬نقبل عظتك‪،‬‬
‫أحب ّ‬ ‫ّ‬ ‫من لهج به‪ ،‬كان هذا‬
‫ونتأدب بأدبك»(((‪.‬‬
‫‪--4‬حديث ابن عمر قال‪ :‬قال النبي (ص)‪« :‬ال يكون المؤمن لعان ًا»(((‪ ،‬فإنها تدل على‬
‫المنافاة بين وصف اإليمان ووصف اللعان‪ ،‬فهما ال يجتمعان في شخص واحد‪،‬‬
‫ويستفاد من ذلك الحرمة‪.‬‬
‫‪--5‬وفي خبر آخر قال رسول الله (ص)‪« :‬ال يكون اللعانون شفعاء وال شهداء يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫‪--6‬عبد الله بن مسعود قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬ليس المؤمن بالطعان وال اللعان وال‬
‫الفاحش وال البذي»(((‪.‬‬
‫وهذه الطائفة حيث صح بعض أخبارها (الخبر الثاني) سند ًا فيكون الباقي مؤيد ًا له‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على االستدالل بها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنّها ال تدل ّإل على مبغوضية وحرمة أن يكون المؤمن لعان ًا‪ ،‬واللعان هي صيغة‬
‫مبالغة فال تدل على الحرمة بشكل مطلق‪ ،‬وإنما على حرمة التلبس بهذا العنوان‪ ،‬بسبب كثرة‬
‫اللعن‪ ،‬وصيرورة اللعن سجية للشخص‪ .‬وربما تستخدم صيغة ف ّعال بمجرد التلبس بالفعل‪،‬‬
‫لمرة‪ ،‬ولك ْن ال يحرز ظهورها في ذلك‪ ،‬فاالحتمال‬
‫فيقال‪« :‬كذاب» لمن سمعته يكذب ولو ّ‬
‫ُيبطل االستدالل‪.‬‬

‫وقعة صفين‪ ،‬ص ‪ .103‬ورواه ابن أعثم في الفتوح‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .543‬وابن أبي الحديد في شرح نهج‬ ‫((( ‬
‫البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.181‬‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.250‬‬ ‫((( ‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.24‬‬ ‫(( (‬
‫سنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .236‬ورواه الحاكم في المستدرك‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،12‬وصححه‪ .‬وراجع السنن‬ ‫(( (‬
‫الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .193‬وصحيح ابن حبان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.421‬‬
‫‪129‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن داللة بعضها على الحرمة غير واضحة‪ ،‬ومنها الرواية األخيرة‪.‬‬
‫إن الرواية الثالثة الواردة في نهي علي ‪ ‬أصحابه يوم صفين قد وردت‬ ‫وربما قيل‪ّ :‬‬
‫في «نهج البالغة» دون ذكر اللعن‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬ولهذا قال ابن أبي الحديد في شرح النهج‪:‬‬
‫«والذي كرهه ‪ ‬منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم‬
‫السالم «كما كان يكره منهم‬
‫والبراءة منهم» ‪ ،‬ولك ّن الذي يظهر من هذه الرواية أنه عليه ّ‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫الشتم كذلك يكره اللعن والبراءة»(((‪ ،‬وذلك طمع ًا في هدايتهم‪.‬‬


‫الوجه الثالث‪ :‬سؤال اللعنة لمن يستحقها غير جائز‬
‫إن اللعن هو الطلب إلى الله أن ينزل العقوبة والعذاب على شخص مع ّين أو جماعة‬ ‫ّ‬
‫معينة‪ ،‬وسؤال اللعنة لمن ال يستحقها غير جائز‪ ،‬وهذا ما أفتى به بعض الفقهاء‪ ،‬قال الشيخ‬
‫الطوسي‪« :‬ال يجوز لعن من ال يستحق العقوبة من األطفال والمجانين والبهائم‪ ،‬ألنّه تعالى‬
‫ال يبعد من رحمته من ال يستحق اإلبعاد عنها»(((‪ ،‬وقال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬واللعنة‪ :‬اإلبعاد‬
‫عن رحمة الله‪ ،‬عقاب ًا على معصيته‪ ،‬فلذلك ال يجوز لعن البهائم‪ ،‬وال من ليس بعاقل من‬
‫المجانين واألطفال‪ ،‬ألنّه سؤال العقوبة لمن ال يستحقها‪ ،‬فمن لعن حية أو عقرب ًا أو نحو ذلك‬
‫مما ال معصية له فقد أخطأ‪ ،‬ألنّه سأل الله ما ال يجوز في حكمته»(((‪.‬‬
‫لكن السؤال‪ :‬ما الدليل على عدم جواز سؤال اللعن لمن ال يستحقه؟ قد يكون ذلك‬
‫مذموم ًا وخالف صفة الرحمة التي ال بدّ أن يتحلى بها المسلم‪ ،‬ولك ّن هذا ال يستفاد منه‬
‫الحرمة‪.‬‬
‫إن الدليل هو الروايات المتقدّ مة والدالة على ّ‬
‫أن اللعنة ستعود إلى‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫دلت على حرمة لعن من ليس أهالً‪ ،‬وهي وإن لم‬ ‫الالعن إن لم يكن الملعون أهالً‪ ،‬فإنّها ّ‬
‫ال للعن‪ ،‬ولكن نستطيع تحديد ذلك من خارج‪ ،‬أعني باالستناد إلى الدليل‬ ‫تحدد من ليس أه ً‬
‫العقلي والنقلي القاضي بأن العالم الجاحد والجاهل المقصر يستحقان اللعن والطرد من‬
‫رحمته تعالى (بصرف النظر عن اختالفهما في درجات اللعن ومستوياته)‪ ،‬فيجوز لعنهما‪،‬‬

‫في شرح النهج وردت «البذاءة» وهو خطأ مطبعي أو نحوه‪ ،‬إذ يلزم التهافت في كالمه‪.‬‬ ‫(( (‬
‫شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.21‬‬ ‫(( (‬
‫كما ذكر الميرزا حبيب الله الخوئي‪ ،‬منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.94‬‬ ‫((( ‬
‫التبيان للطوسي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.609‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.225‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪130‬‬
‫وأما من ليس مكلف ًا فهو ليس مستحق ًا للطرد واإلبعاد عن رحمته تعالى‪ ،‬وكذلك الجاهل‬
‫القاصر والمجتهد القاطع بصحة ما هو عليه ولو كان من غير المؤمنين أو من غير المسلمين‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فهذا الوجه ال يصلح لتأسيس قاعدة عامة في حرمة اللعن‪ ،‬وإنما غاية ما‬
‫يثبته هو حرمة لعن من ال يستحق اللعن‪ ،‬ممن أشير إليهم‪.‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬في لعن المسلم‬
‫إذا لم يتم لنا أصل لفظي يقضي بحرمة لعن كل إنسان‪ ،‬فقد يتم أصل لفظي يقضي‬
‫بحرمة لعن كل مسلم‪ ،‬وهذا ما يمكن االستشهاد له بعدّ ة طوائف من األخبار‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬ما ورد حول لعن المسلم‪ ،‬وهو روايات‪:‬‬
‫‪--1‬ما روي عنه (ص)‪« :‬ومن لعن مسلم ًا كان كقتله‪ ،‬ومن سمى مسلم ًا كافر ًا فقد كفر»‪،‬‬
‫رواه الطبراني بإسناده إلى ثابت بن الضحاك(((‪ .‬وهي واضحة الداللة على حرمة لعن‬
‫كل مسلم‪.‬‬
‫‪--2‬وفي رواية سهل بن سعد الساعدي عن النبي (ص)‪« :‬ال تلعنوا ُت ُبع ًا(((‪ ،‬فإنّه كان قد‬

‫((( المعجم الكبير للطبراني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.75‬‬


‫أن ت ّبع ًا الحميري‪ ،‬هو أحد ملوك اليمن‪ ،‬قيل‪« :‬وسمي تبع ًا لكثرة أتباعه من الناس‪.‬‬
‫((( من هو ت ّبع؟ ذكر ّ‬
‫وقيل‪ :‬سمي تبع ًا ألنه تبع من قبله من ملوك اليمن‪ .‬والتبابعة‪ :‬اسم ملوك اليمن‪ .‬فتبع‪ ،‬لقب له‪ ،‬كما يقال‬
‫خاقان لملك الترك‪ ،‬وقيصر لملك الروم‪ ،‬واسمه أسعد أبو كرب»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.111‬‬
‫وجاء في الروايات أنّه كان مؤمن ًا وقومه كافرون‪ ،‬ولذا ذمهم الله ولم يذمه‪ ،‬قال الشيخ الصدوق‪:‬‬
‫«وكان تبع الملك أيض ًا ممن عرف النبي (ص) وانتظر خروجه ألنه قد وقع إليه خبره‪ ،‬فعرف أنه‬
‫سيخرج من مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب»‪ ،‬كمال الدين‪ ،‬ص ‪ .170‬وروى (أي الصدوق) عن أبي‬
‫عبد الله ‪« :‬قد َأ ْخ َبر (أي تبع) أنه سيخرج من هذه ‪ -‬يعني مكة ‪ -‬نبي يكون مهاجرته إلى يثرب‪،‬‬
‫فأخذ قوم ًا من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج‪ ،‬وفي ذلك يقول‪:‬‬
‫رســـول من اللـــه بارئ النســـم‬ ‫شـــهدت علـــى أحمـــد أنـــه‬
‫لكنـــت وزيـــر ًا لـــه وابـــن عم‬ ‫فلـــو مـــد عمـــري إلـــى عمره‬
‫أســـقيهم كأس حتـــف وغـــم»‬ ‫وكنـــت عذاب ًا على المشـــركين‬
‫«إن تبع ًا قال لألوس والخزرج‪:‬‬‫انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ .‬وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ّ :‬‬
‫كونوا ههنا حتى يخرج هذا النبي‪ ،‬أ ّما أنا فلو أدركته لخدمته ولخرجت معه»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى يسندها إلى عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ابن عباس يقول‪ :‬ال يشتبهن عليكم أمر ت ّبع فإنه‬
‫كان مسلم ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.171 - 170‬‬
‫‪131‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫أسلم»(((‪ ،‬ورد ذلك في تفسير قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ  *‬


‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ * ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﴾(((‪.‬‬
‫وهذه الرواية حيث إنّها عللت النهي عن لعن تبع بأنّه قد أسلم‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك يعطي قاعدة‬
‫عامة بحرمة لعن كل مسلم‪.‬‬
‫السب صيغة أخرى للرواية‪« :‬ال‬
‫ّ‬ ‫ولكن وبصرف النظر عن السند‪ ،‬فقد تقدّ م في مبحث‬
‫تسبوا تبع ًا‪ ،»..‬ما يجعلنا ‪ -‬على فرض صحة الرواية ‪ -‬ال نطمئن لصحة صيغة اللعن والبناء‬
‫عليها‪.‬‬
‫محب الله والرسول(ص)‬
‫ّ‬ ‫الطائفة الثانية‪ :‬ما ورد في لعن‬
‫ال على عهد رسول الله(ص) كان اسمه‬ ‫‪--1‬في الحديث عن عمر بن الخطاب‪ّ ،‬‬
‫أن رج ً‬
‫عبد الله‪ ،‬وكان يلقب حمار ًا‪ ،‬وكان ُيضحك رسول الله (ص)‪ ،‬وكان رسول الله (ص)‬
‫قد جلده في الشراب‪ ،‬فأتي به يوم ًا فأمر به فجلد‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬اللهم العنه‬
‫يحب الله‬
‫ّ‬ ‫ما أكثر ما يؤتى به‪ ،‬فقال رسول الله (ص)‪ :‬ال تلعنْه‪ ،‬فوالله ما علمت أنّه‬
‫ورسوله»(((‪.‬‬
‫بيان‪ :‬ذكر((( في توجيه الحديث وشرحه عدّ ة وجوه‪:‬‬
‫منها‪ّ :‬‬
‫أن «ما» موصولة‪ ،‬و«علمت» بمعنى عرفت‪ ،‬والتقدير‪ :‬فوالله الذي عرفت أنه‬
‫يحب الله ورسوله‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن «ما» نافية‪ ،‬والمفعول محذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬ما علمت عليه سوء ًا‪ ،‬ثم استأنف‬
‫ومنها‪ّ :‬‬
‫يحب الله ورسوله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكالم فقال‪ :‬إنّه‬
‫يحب الله ورسوله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومنها‪ّ :‬‬
‫أن «ما» زائدة للتأكيد‪ ،‬والتقدير‪ :‬لقد علمت أنّه‬
‫يحب‬
‫ّ‬ ‫أن «ما» نافية «وعلمت» هي بفتح التاء للمخاطب‪ ،‬والتقدير‪ :‬ما علمت أنّه‬ ‫ومنها‪ّ :‬‬
‫الله ورسوله‪ ،‬والجملة تتضمن استفهام ًا إنكاري ًا‪.‬‬

‫جامع البيان للطبري‪ ،‬ج ‪ ،26‬ص ‪ .200‬والتبيان للشيخ الطوسي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.362‬‬ ‫((( ‬
‫سورة ق‪ ،‬اآليات ‪.14 -12‬‬ ‫(( (‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .14‬والسنن الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.312‬‬ ‫(( (‬
‫انظر حول هذه الوجوه‪ :‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.68‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪132‬‬
‫ثم آخرها‪.‬‬
‫ولعل أقرب الوجوه هو أولها ّ‬
‫‪--2‬في رواية أخرى عن زيد بن أسلم قال‪« :‬أتي بابن النعمان إلى النبي (ص) مرار ًا أكثر من‬
‫أربع‪ ،‬فجلده في كل ذلك‪ ،‬فقال رجل عند النبي (ص)‪ :‬اللهم العنه ما أكثر ما يشرب!‬
‫يحب الله ورسوله»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وما أكثر ما يجلد! فقال النبي (ص)‪« :‬ال تلعنه‪ ،‬فإنّه‬
‫وتقريب االستدالل أنّه ومع كون الرجل عاصي ًا ومستوجب ًا للحد بسبب شرب الخمرة‪،‬‬
‫«يحب الله‬
‫ّ‬ ‫فإن النبي (ص) قد نهى عن لعنه‪ ،‬مبرر ًا نهيه ‪ -‬بما هو ظاهر في التعليل ‪ -‬بأنّه‬
‫ّ‬
‫إن كان مالزم ًا لإليمان به كما ال يبعد ‪ -‬باعتبار أن ح ّبه‬
‫وحب الرسول(ص) ْ‬ ‫ّ‬ ‫ورسوله(ص)»‪.‬‬
‫حب الله المالزم لإليمان به‬ ‫بعنوان كونه رسوالً ال ينفك عن اإليمان‪ ،‬فيكون ح ّبه (ص) نظير ّ‬
‫أن موضوع الحرمة هو كون اإلنسان مؤمن ًا بالله ورسوله‪ ،‬وهو يشمل كل‬ ‫‪ّ -‬‬
‫فتدل الرواية على ّ‬
‫مسلم‪ ،‬وإن كان ح ّبه (ص) غير مالزم لإليمان به ‪ -‬على اعتبار أنّه قد يحبه اإلنسان لعصبية أو‬
‫للحب إنما هو حيثية تعليلية‬
‫ّ‬ ‫لحسن عشرته معه‪ ،‬وعنوان الرسول المأخوذ في الخبر متعلق ًا‬
‫وليس تقييدية ‪ -‬فتكون الرواية دالة على حرمة لعن المسلم المؤمن بنبوته (ص) بطريق أولى‪.‬‬
‫ولك ّن المشكلة في هذه الطائفة وبغض الطرف عن سندها‪ ،‬أنّها معارضة بما ورد‬
‫عنه (ص) من لعن الخمرة وعاصرها ومعتصرها وشاربها(((‪.‬‬
‫اللهم إال أن يرد هذا اإلشكال‪:‬‬
‫أخص مما ورد في لعن شارب الخمرة‪ ،‬فتكون النتيجة هي جواز‬ ‫ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن هذه الطائفة‬
‫لعن شارب الخمرة إال إذا كان محب ًا لله ولرسوله‪.‬‬
‫إن اللعن في قوله‪« :‬لعن الله في الخمرة عشرة‪..‬وشاربها» وارد مورد اإلخبار‪،‬‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫وهو ال ينافي المنع من إنشاء اللعن كما هو ظاهر الطائفة المذكورة‪ .‬فما منع عنه النبي (ص)‬

‫((( المصنف‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.381‬‬


‫السنة رواه غير واحد من المحدثين‪ ،‬منهم ابن‬ ‫الفريقين‪ ،‬ففي مصادر ُّ‬ ‫(( ( الحديث مروي من طرق‬
‫ماجة بسنده إلى أنس بن مالك قال‪ :‬لعن رسول الله (ص) في الخمر عشرة‪ :‬عاصرها‪ ،‬ومعتصرها‪،‬‬
‫والمعصورة له‪ ،‬وحاملها‪ ،‬والمحمولة له‪ ،‬وبائعها‪ ،‬والمبيوعة له‪ ،‬وساقيها‪ ،‬والمستقاة له‪ .‬حتى عد‬
‫عشرة من هذا الضرب»‪ .‬سنن ابن ماجة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،.1122‬ومنهم ابن داود السجستاني‪ ،‬انظر‪ :‬سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .183‬والحظ سنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .380‬أما من طرق الشيعة‪ ،‬فرواه الكليني بسند‬
‫اص َر َها و ُم ْعت َِص َر َها و َب ِائ َع َها‬ ‫ينتهي إلى َز ْي ِد ْب ِن َع ِل ٍّي َع ْن آ َب ِائه ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ل َع َن َر ُس ُ‬
‫ول ال َّله (ص) ا ْل َخمر و َع ِ‬
‫َْ‬
‫ح ُمو َل َة إِ َل ْيه»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.398‬‬
‫ِ‬ ‫وآك َل َث َمنِ َها َ‬
‫وش ِ‬ ‫اقيها ِ‬ ‫ِ‬
‫وحام َل َها وا ْل َم ْ‬
‫ار َب َها َ‬ ‫وس َ َ‬ ‫و ُم ْشت َِر َي َها َ‬
‫ورواها الشيخ الطوسي في التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.104‬‬
‫‪133‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫في هذه الطائفة هو إنشاء اللعن على شارب الخمرة المحب لله ولرسوله وما تضمنته رواية‬
‫لعن شارب الخمر هو اإلخبار عن أنّه ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫المستوى الثالث‪ :‬ما ورد في لعن المؤمن‬
‫وثمة مجموعة من النصوص أخذت عنوان المؤمن موضوع ًا للحكم بالنهي عن اللعن‪،‬‬
‫من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬روى عبد الله بن جعفر الحميري في «قرب اإلسناد» عن هارون بن مسلم عن مسعد‬
‫بن صدقة قال‪ :‬قال أبو عبد الله ‪ّ :‬‬
‫«إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينه‬
‫وبين الذي يلعن‪ ،‬فإن وجدت مساغ ًا وإال رجعت (عادت) إلى صاحبها وكان أحق بها‪،‬‬
‫فاحذروا أن تلعنوا مؤمن ًا فيحل بكم»(((‪.‬‬
‫والمقطع األول من الرواية يجعلها مندرجة في الطائفة األولى من المستوى األول‪،‬‬
‫وأما المقطع الثاني‪ ،‬أعني قوله‪« :‬فاحذروا أن تلعنوا مؤمن ًا‪ »..‬فهو محل االستشهاد بها‬
‫هنا‪ ،‬وفي هذا المقطع نجد أنّه ‪ ‬قد أمر بالحذر‪ ،‬واألمر ظاهر في الوجوب‪ ،‬وال ينافيه‬
‫أن مغ ّبة لعنه هي أن ّ‬
‫تحل اللعنة على الالعن مجازاة له‪ ،‬ألنّه كما ال‬ ‫ما ّفرع عليه من ّ‬
‫يسمح للمكلف أن يلعن غيره فال يسمح له أن يلعن نفسه‪ ،‬أو يفعل ما يوجب لعنه‬
‫وطرده من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫إن الفقرة األخيرة‪« :‬فاحذروا أن تلعنوا مؤمن ًا» وردت مورد التعليل لما‬‫وببيان آخر‪ّ :‬‬
‫سبقها‪ ،‬فتدل على أن المؤمن ال يجوز لعنه‪ ،‬ألنّه ليس مستحق ًا للعن‪ ،‬وبالتالي فالعنه‬
‫ستعود اللعنة عليه‪.‬‬
‫أن رسول الله (ص) قال‪« :‬لعن المؤمن كقتله»(((‪ ،‬وربما كان‬ ‫‪--2‬عن ثابت بن الضحاك ّ‬
‫أن القتل هو إزهاق لروح المقتول‪ ،‬واللعن هو‬ ‫وجه تشبيه اللعن بالقتل‪ ،‬أو تنزيله منزلته ّ‬
‫حكم عليه بأنّه مطرود من رحمة الله‪ ،‬وهذا كأنّه قتل معنوي له‪.‬‬
‫أن «من لعن مسلم ًا كان كقتله»‪،‬‬
‫أن ثابت بن الضحاك تارة روى عنه (ص) ّ‬ ‫ويالحظ ّ‬
‫وأخرى ّ‬
‫أن «لعن المؤمن كقتله»‪ ،‬وال يبعد تعدد الرواية عنه (ص) بذلك‪ ،‬وال تنافي بين‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ ،301‬الحديث ‪ ،1‬الباب ‪ 160‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫((( سنن الدارمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.192‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪134‬‬
‫الروايتين‪ ،‬ألنه ال تنافي بين مثبتين‪ ،‬هذا لو لم نقل أن المراد بالمؤمن هنا هو المسلم‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وج َّل‪:‬‬ ‫«ول َي ْل َع ُن ال َّله ُم ْؤ ِمن ًا‪َ ،‬‬
‫قال ال َّله َع َّز َ‬ ‫‪--3‬في حديث محمد بن سالم عن أبي جعفر ‪َ :‬‬
‫﴿ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ * ﱛ ﱜ ﱝ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫وهذه الرواية حيث د ّلت على ّ‬
‫أن الله ال يلعن مؤمن ًا‪ ،‬فيستفاد منها أنه ال يجوز لعنه‪،‬‬
‫فمن ال يلعنه الله ال يحق لنا لعنه‪ ،‬فمن ال يطرده الله من رحمته ال يحق لنا أن نسأل الله‬
‫طرده من رحمته‪ ،‬والمؤمن في الرواية حيث استعمل في مقابل الكافر ‪ -‬كما يظهر من‬
‫استشهاده باآلية ‪ -‬فيكون المراد به مطلق من آمن بالله تعالى ورسوله (ص)‪.‬‬
‫ولكن ربما يتأمل في داللة الرواية على الحرمة‪ ،‬ألنّها تتحدث عن فعل الله وأنّه تعالى‬
‫ال يلعن مؤمن ًا‪ ،‬بينما كالمنا في لعن اإلنسان ألخيه اإلنسان‪ ،‬وال مالزمة بين األمرين‪،‬‬
‫يدل على أن من ال يلعنه الله أو يطرده من رحمته فال يجوز لنا سؤال‬ ‫ثمة ما ّ‬
‫أي ليس ّ‬
‫اللعنة له‪ .‬أجل‪ ،‬قد يكون سؤالنا اللعنة لمن ال يستحق اللعنة عند الله أمر ًا مذموم ًا وربما‬
‫يكشف عن خبث في سريرة الداعي بذلك‪ ،‬ولكن ليس ما يثبت حرمته‪ ،‬إال بالعودة إلى‬
‫ما تقدم في الخبر من أن اللعنة إذا خرجت من فم صاحبها فإن لم يكن الملعون لها أه ً‬
‫ال‬
‫عادت إلى الالعن‪.‬‬
‫وينبغي أن يعلم أنّه ال منافاة بين تحريم لعن المسلم (مما جاء في المستوى الثاني)‬
‫وتحريم لعن المؤمن (مما جاء في المستوى الثالث)‪ ،‬فال يدخل ذلك في باب التعارض‪،‬‬
‫إن المؤمن غير المسلم‪ ،‬ولكن عرفت سابق ًا‬ ‫ألنّهما مثبتان‪ ،‬وال تنافي بينهما‪ .‬هذا لو قيل‪ّ :‬‬
‫أن المؤمن في كالمه (ص) بل في كالم األئمة ‪ ‬على األرجح‪ ،‬ال ُيراد به المؤمن بالمعنى‬ ‫ّ‬
‫األخص‪ ،‬أي الموالي ألهل البيت ‪ ،‬بل هو مطلق من آمن بقلبه في مقابل من آمن بلسانه‪.‬‬
‫وهكذا قد يقال‪ :‬ال تنافي بين ما جاء في الروايات في المستوى األول وما جاء في‬
‫المستوى الثاني لالعتبار نفسه‪ ،‬أعني عدم المنافاة بينهما‪ ،‬فإنها بأجمعها روايات مثبتة‬
‫للحكم‪.‬‬
‫اللهم ّإل أن يقال‪ :‬ما جاء في الروايات من حرمة لعن المسلم جاء معلالً‪ ،‬والعلة كما‬

‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.65 - 64‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.31‬‬
‫‪135‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫هو معروف تعمم وتخصص‪ ،‬فهي كما تعمم الحرمة لكل مسلم وليس خصوص «ت َّبع»‪ ،‬فإنّها‬
‫تخصصها بالمسلم دون غيره‪.‬‬
‫وهذه النتيجة‪ ،‬أعني اختصاص حرمة اللعن بالمسلم‪ ،‬إن لم يمكن االعتماد فيها على‬
‫الروايات المذكورة لعدم ثبوت صحتها سند ًا‪ ،‬فإنّه يمكن االستناد فيها إلى نص القرآن الكريم‬
‫بجواز لعن الكافرين كما سيأتي‪.‬‬
‫ّإل ّ‬
‫أن يتحفظ على ذلك ّ‬
‫بأن اآليات في مقام اإلخبار وهو ال يالزم جواز اإلنشاء‪ ،‬كما‬
‫أن لعن الله ورسوله لشخص ال يدل على جواز اللعن مطلق ًا كما سنوضح ذلك الحق ًا‪.‬‬
‫ّ‬
‫تلخيص وتتميم‬
‫وفي المحصلة تب ّين ّ‬
‫أن الروايات الواردة في حرمة لعن المسلم أو مطلق اإلنسان‪ ،‬ال‬
‫أن اللعنة ستعود على صاحبها إن‬‫تخلو من تأمل وإشكال في سندها‪ ،‬باستثناء ما ورد من ّ‬
‫ال للعن‪ ،‬وهي دلت على حرمة لعن من ال يستحق اللعن‪ .‬فهذه الطائفة‬ ‫لم يكن الملعون أه ً‬
‫صحيحة ويمكن الوثوق بها‪ ،‬وهي وإن لم تحدد من ليس أه ً‬
‫ال للعن‪ ،‬ولكن يمكن االعتماد‬
‫عليها ولو استناد ًا إلى قرينة خارجية‪ .‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن المؤمن بالمعنى األخص ليس مستحق ًا للعن وال هو أهل له‪ ،‬إذا كان ملتزم ًا‬
‫جادة الشرع الحنيف‪.‬‬
‫إن المسلم غير الموالي ألهل البيت ‪ ‬ما دام غير مقصر وال جاحد فهو ليس‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ال وال مستحق ًا للعن‪ ،‬ويشهد لذلك ما تقدم في معتبرة مسعدة التي ذكرت أن اللعنة تعود‬ ‫أه ً‬
‫بأن ال تلعنوا مؤمن ًا‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫أن كل‬ ‫ثم فرعت على ذلك ْ‬ ‫إلى قائلها إن لم يكن الملعون أهالً‪ّ ،‬‬
‫يختص بالموالي ألهل البيت ‪ ،‬يؤيد ذلك إلى األخبار‬ ‫ّ‬ ‫مؤمن ال يجوز لعنه‪ ،‬والمؤمن ال‬
‫المتقدمة والتي أخذت عنوان المسلم أو المؤمن موضوع ًا لحرمة اللعن‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬إنّه ال يجوز لعن القاصر والقاطع بصحة معتقده من الكفار‪ ،‬ألنّه ليس أه ً‬
‫ال للعن‬
‫والطرد من رحمة الله أيض ًا‪.‬‬

‫وال�سنة‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬نظرة عامة حول اللعن الوارد في الكتاب ُّ‬
‫استكماالً للحديث في المرحلة الثانية‪ ،‬كان ال بدّ من دراسة عامة ألهم موارد اللعن‬
‫والسنة‪ .‬وطبيعي أنّه لو أمكن تجاوز التأمل والتحفظ الذي سجلناه في‬
‫الواردة في الكتاب ُّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪136‬‬
‫المرحلة السابقة‪ ،‬حول وجود أصل لفظي عام يحرم لعن كل مسلم أو كل إنسان‪ ،‬ولو لكون‬
‫األخبار متضافرة فيحصل الوثوق بالمضمون على األقل بالنسبة للمسلم‪ ،‬فإن البحث اآلتي‬
‫في هذه المرحلة سوف يكون بحث ًا في المستثنيات من تلك القاعدة‪ .‬وحتى لو فرض أنّه لم‬
‫يمكن تجاوز التحفظ المذكور‪ّ ،‬‬
‫فإن البحث في هذه المرحلة الثالثة يكتسب أهميته في أنه‬
‫سيكمل الصورة حول الرؤية الشرعية العامة حول اللعن‪ ،‬وبحثنا في هذه المرحلة سيكون‬
‫في أمرين أساسيين‪:‬‬
‫والسنة‬
‫األمر األول‪ :‬نظرة في أهم موارد اللعن في الكتاب ُّ‬
‫األمر الثاني‪ :‬دراسة تحقيقية ونقدية لتلك الموارد‬
‫ويجدر بنا هنا التنبيه إلى ّ‬
‫أن اللعن إذا صدر من الله فهو حكاية وإخبار عن طرد الملعون‬
‫بحق بعضهم فهو دعاء وطلب بالطرد‪ ،‬وإذا صدر عن‬ ‫عن رحمته‪ ،‬وإذا صدر من العباد ّ‬
‫النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬فهو قد يكون إخبار ًا وقد يكون إنشا ًء‪.‬‬
‫والسنة‬
‫األمر األول‪ :‬نظرة في أهم موارد اللعن في الكتاب ُّ‬
‫والسنة يجد أن اللعن وارد فيهما في العديد من الموارد‪ ،‬األمر‬
‫إن المتأمل في الكتاب ُّ‬
‫الذي يفرض درسه بدقة لتكوين صورة حول موقف اإلسالم من اللعن‪ ،‬وهذه إطاللة عامة‬
‫السنة‪:‬‬
‫على أهم العناوين التي طالها اللعن في الكتاب وفي ُّ‬
‫اللعن في القرآن‬
‫ّ‬
‫إن موارد اللعن والملعونين في القرآن الكريم تندرج ضمن العناوين التالية‪:‬‬
‫تم فيه‬ ‫‪--1‬لعن إبليس‪ ﴿ ،‬ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﴾ ‪ ،‬وليس ّ‬
‫ثمة مورد في القرآن الكريم قد ّ‬
‫(((‬

‫لعن مخلوق باسمه وشخصه سوى إبليس‪ ،‬فقد خاطبه الله تعالى‪ ﴿ :‬ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳐ ﳑ ﴾‪.‬‬
‫‪--2‬اللعن المرتبط بانحراف عقائدي كالكفر أو النفاق‪ ،‬فقد ورد في القرآن الكريم لعن‬
‫الكافرين‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾(((‪.‬‬

‫((( سورة ص‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬


‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.63‬‬
‫‪137‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫وفي آية أخرى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ‬


‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾(((‪.‬‬
‫وقال سبحانه‪ ﴿ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﴾(((‪.‬‬
‫﴿ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫وفي موضوع النفاق قال تعالى‪:‬‬
‫ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾(((‪.‬‬
‫أهم الموارد المندرجة تحت‬
‫‪--3‬اللعن المرتبط بانحراف سلوكي عن خط الشريعة‪ ،‬وإليك ّ‬
‫هذا العنوان‪:‬‬
‫أ ) لعن الظالمين‪ ﴿ :‬ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﴾(((‪.‬‬
‫﴿ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫ب) إيذاء الرسول‪:‬‬
‫ﱾ ﴾(((‪.‬‬
‫﴿ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬ ‫ج) القتل‪:‬‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﴾(((‪.‬‬
‫﴿ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫د) رمي المحصنات‪:‬‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ ﴾(((‪.‬‬
‫هـ) اإلفساد في األرض‪ ﴿ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ  *‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾(((‪.‬‬
‫إن المستفاد من هذه اآليات ّ‬
‫أن اللعن مشروع وجائز إذا كان المواجه به هو الكافر‬ ‫ّ‬
‫بنص اآليات المذكورة‪ ،‬وكذا لو استهدف به الفاسق ألنّه ال خصوصية‬
‫والمنافق‪ ،‬وهذا واضح ّ‬

‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬ ‫(( (‬


‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.88‬‬ ‫((( ‬
‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.68‬‬ ‫(( (‬
‫سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.93‬‬ ‫(( (‬
‫سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬ ‫(( (‬
‫سورة محمد‪ ،‬اآليتان ‪.23 - 22‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪138‬‬
‫لإلفساد في األرض وال لرمي المحصنات أو الظلم أو القتل ونحوها من المعاصي والذنوب‬
‫المذكورة‪ ،‬ومن هنا قيل يجوز لعن مرتكب الكبيرة‪.‬‬
‫لك ّن إلغاء الخصوصية عن الموارد المذكورة ال يخلو من تأمل كما ال يخفى‪ ،‬على‬
‫أنّه ستأتي المناقشة في داللة هذه اآليات على مشروعية اللعن‪ ،‬وهذا ما سوف نبينه بعد‬
‫استعراض الروايات الواردة في اللعن‪.‬‬
‫االستدالل بآيات المالعنة‬
‫وربما استدل لمشروع ّية اللعن ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بما ورد في القرآن الكريم بشأن المالعنة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬
‫ﲭ * ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﴾(((‪ ،‬فقد «رتب اللعن على الكذب وهو‬
‫إنما يقتضي الفسق»(((‪.‬‬
‫بأن المالعن إذا ُطلب منه أن يلعن نفسه إن كان كاذب ًا‪ ،‬فهذا‬
‫ولكن يالحظ على ذلك ّ‬
‫ال يستفاد منه جواز لعن كل كاذب‪ ،‬ألن هذا مورد استثنائي وال يمكن إلغاء خصوصيته‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫أمره بلعن نفسه في حال لم يكن صادق ًا‪ ،‬يراد منه تخويفه وردعه عن الكذب‪ ،‬لما يترتب عليه‬
‫من مفسدة كبيرة‪ ،‬وهي إ ّما رجم زوجته إن لم تالعن‪ ،‬أو الحرمة األبدية بينهما إن هي العنت‪.‬‬
‫ولو قلنا بإلغاء الخصوصية عن الزوج نفسه وإلحاق كل من يرمي محصنة‪ ،‬وذلك بقرينة ما‬
‫جاء في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﴾((( فإنّه يصلح شاهد ًا على إلغاء الخصوص ّية هنا‪ ،‬إال ّ‬
‫أن غاية ما يمك ُن ادعاؤه هو‬
‫تعميم جواز اللعن لكل من يرمي المحصنة‪ ،‬دون كل كاذب‪ ،‬ألن الكذب أو االتهام دون بينة‬
‫ورمي لها بالزنا وهذا له خصوصية بينة فال مجال إللغائها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قذف للمحصنة‬
‫ٌ‬
‫السنة‬
‫اللعن في ُّ‬
‫لقد ورد اللعن في العديد من األخبار المروية عن النبي (ص) واألئمة ‪ ‬بحق‬
‫فئات متعددة من الناس‪ ،‬وقد قدمنا سابق ًا جملة من المجاميع الروائية في محاولة‬
‫تأسيس أصل لفظي عام حول حرمة اللعن‪ ،‬وأما هنا فإننا سوف نستعرض جملة من‬
‫انصب إ ّما على بعض‬
‫ّ‬ ‫األخبار التي تدل على جواز لعن بعض العناوين‪ ،‬واللعن هنا قد‬

‫(( ( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.7 - 6‬‬


‫((( الفوائد الطوسية‪ ،‬ص ‪ ،516‬نقله عن الشيخ علي الكركي‪.‬‬
‫(( ( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬
‫‪139‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫َم ْن يمكن تصنيفهم تحت دائرة الكفرة‪ ،‬أو تحت دائرة الفسقة العصاة‪ .‬ويالحظ ّ‬
‫أن‬
‫اللعن الوارد في الروايات تارة يكون على نحو اإلخبار‪ ،‬وأخرى على نحو اإلنشاء‬
‫بمعنى الدعاء باللعن‪ ،‬وثالثة يحتمل اإلخبار واإلنشاء‪ ،‬وسأعتمد هذا كمعيار في‬
‫تصنيف األخبار‪ ،‬باعتبار دخالته في المالحظات النقدية التي سوف نتعرض لها في‬
‫األمر الثاني‪ ،‬وإليك التفصيل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اللعن إخبار ًا‬
‫أما اللعن الوارد في سياق اإلخبار فله موارد عديدة‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬ما روي عن الصادق ‪« :‬المنجم ملعون‪ ،‬والكاهن ملعون‪ ،‬والساحر ملعون‪ ،‬والمغنية‬
‫ملعونة‪ ،‬ومن آواها وأكل كسبها ملعون»(((‪.‬‬
‫ث‬ ‫ول ال َّله (ص)‪َ « :‬ث َل ٌ‬ ‫اد ا ْلك َْر ِخ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال‪َ :‬ر ُس ُ‬ ‫إبراهيم ب ِن ِزي ٍ‬
‫َ ْ َ‬
‫‪--2‬خبر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والسا ُّد‬
‫َاب‪َّ ،‬‬ ‫ون َم ْن َف َع َل ُه َّن‪ :‬ا ْل ُم َتغ َِّو ُط في ظ ِّل النُّزَّال‪ ،‬وا ْل َمان ُع ا ْل َم َ‬
‫اء ا ْل ُمنْت َ‬ ‫َات‪َ ،‬م ْل ُع ٌ‬ ‫َم ْل ُعون ٌ‬
‫ال َّط ِر َيق ا ْل ُم ْع َر َب َة»(((‪.‬‬

‫((( الخصال للشيخ الصدوق‪ ،‬ص ‪.279‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،291‬الحديث ‪ 11‬و‪ .12‬ورواه بسند آخر في ج ‪ ،3‬ص ‪ .16‬والتهذيب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.30‬‬
‫ورواه الصدوق مرسالً‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .25‬بيان‪« :‬والمانع الماء المنتاب»‬
‫الماء مفعول أول للمانع إما مجرور باإلضافة من باب الضارب الرجل‪ ،‬أو منصوب على المفعولية‪،‬‬
‫وجوز‬
‫والمنتاب اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة فهو مفعول ثان وهو من االنتياب افتعال من النوبة‪ّ ،‬‬
‫بعضهم أن يكون اسم مفعول صفة من انتاب فالن القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى‪ ،‬والماء المنتاب هو‬
‫الماء الذي يرد عليه الناس متناوبة ومتبادلة لعدم اختصاصه بأحدهم‪ ،‬كالماء المملوك المشترك بين‬
‫جماعة فلعن المانع ألحدهم في نوبته»‪ ،‬وأ ّما قوله (ص)‪« :‬والسا ّد الطريق المعربة» فهي الواضحة‪،‬‬
‫قال في مرآة العقول‪« :‬بالعين المهملة على بناء المفعول أي واضحة التي ظهر فيها أثر االستطراق‪،‬‬
‫في النهاية‪ :‬اإلعراب اإلبانة واإلفصاح‪ ،‬وفي أكثر النسخ المقربة بالقاف‪ ،‬فيمكن أن يكون بكسر الراء‬
‫المشددة أي الطريق المقربة إلى المطلوب بأن يكون هناك طريق آخر أبعد منه‪ ،‬فإن لم يكن طريق‬
‫آخر فبطريق أولى‪ ،‬وهذه النسخة موافقة لروايات العامة لكنهم فسروه على وجه آخر‪ ،‬قال في النهاية‬
‫فيه‪ :‬من غير المطربة والمقربة فعليه لعنة الله‪ ،‬المطربة واحدة المطارب وهي طرق صغار تنفذ إلى‬
‫الطرق الكبار‪ ،‬وقيل‪ :‬هي الطرق الضيقة المتفرقة يقال‪ :‬طربت عن الطريق أي عدلت عنه‪ ،‬والمقربة‬
‫طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير‪ ،‬وجمعها المقارب‪ ،‬وقيل هو من القرب وهو السير بالليل‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫السير إلى الماء‪ ،‬ومنه الحديث ثالث لعينات رجل عور طريق المقربة‪ ،‬وقال في القاموس‪ :‬المقرب‬
‫والمقربة الطريق المختصر‪ ،‬وقال‪ :‬القرب بالتحريك سير الليل لورد الغد‪ ،‬والبئر القريبة الماء‪ ،‬وطلب‬
‫الماء ليالً‪ ،‬وفي الفائق‪ :‬القربة المنزل وأصلها من القرب وهو السير إلى الماء‪ ،».‬انظر‪ :‬مرآة العقول=‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪140‬‬
‫ول ال َّله (ص)‪:‬‬ ‫َار َع ْن َر ُج ٍل َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫‪--3‬مرسل ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ِن ُم ْخت ٍ‬
‫ون‬ ‫ون َم ْن ك َِمه َأ ْع َمى َم ْل ُع ٌ‬
‫ون َم ْل ُع ٌ‬ ‫ون َم ْل ُع ٌ‬
‫ون َم ْن َع َبدَ الدِّ ين ََار والدِّ ْر َه َم‪َ ،‬م ْل ُع ٌ‬ ‫ون َم ْل ُع ٌ‬ ‫«م ْل ُع ٌ‬‫َ‬
‫ً (((‬
‫يمة» ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َنك ََح َبه َ‬
‫ِ‬ ‫اح َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫‪--4‬خبر ا ْب ِن ا ْل َقدَّ ِ‬
‫وق‬ ‫ب َم ْر ُز ٌ‬ ‫ول ال َّله (ص)‪« :‬ا ْل َجال ُ‬
‫ون»(((‪.‬‬‫َك ُر َم ْل ُع ٌ‬ ‫وا ْلمحت ِ‬
‫ُ ْ‬
‫الشدَّ ةِ‬ ‫ِ‬
‫ون َي ْوم ًا وفي ِّ‬ ‫ب َأ ْر َب ُع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السكُون ِّي َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ :‬ا ْل ُحك َْر ُة في ا ْلخ ْص ِ‬ ‫ِ‬
‫‪--5‬خبر َّ‬
‫ون و َما َزا َد َع َلى‬ ‫ِ‬
‫ب َف َصاح ُبه َم ْل ُع ٌ‬ ‫وا ْل َب َل ِء َث َل َث ُة َأ َّيا ٍم َف َما َزا َد َع َلى األَ ْر َبعي َن َي ْوم ًا في ا ْلخ ْص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون»(((‪.‬‬ ‫اح ُبه َم ْل ُع ٌ‬‫َث َل َث ِة َأيا ٍم فِي ا ْلعسر ِة َفص ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ون َم ْن‬‫ول ال َّله (ص)‪َ « :‬م ْل ُع ٌ‬ ‫ون ْب ِن ا ْل َج ْه ِم عن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ ‬قال‪َ « :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫‪--6‬خبر َه ُار َ‬
‫ون َم ْن َج َل َس‬ ‫ون َم ْل ُع ٌ‬‫َج َل َس َع َلى َم ِائدَ ٍة ُي ْش َر ُب َع َل ْي َها ا ْل َخ ْم ُر»‪ .‬وفِي ِر َوا َي ٍة ُأ ْخ َرى‪َ « :‬م ْل ُع ٌ‬
‫َط ِائع ًا َع َلى َم ِائدَ ٍة ُي ْش َر ُب َع َل ْي َها ا ْل َخ ْم ُر»(((‪.‬‬
‫إلى غيرها من الموارد التي يالحظها الباحث بالتتبع‪.‬‬
‫إنشاء‬
‫ً‬ ‫ثاني ًا‪ :‬اللعن‬
‫وأ ّما اإلنشاء فهو أيض ًا وارد في موارد شتى‪ ،‬وذلك من قبيل‪:‬‬

‫ج ‪ 10‬ص ‪ ،85‬وقال المازندراني‪« :‬المقربة بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء‪ ،‬ونظيره من طريق‬ ‫= ‬
‫عور طريق المقربة»‬‫العامة‪« :‬من غ ّير المقربة فعليه لعنة الله» ومن طريقهم أيض ًا‪« :‬ثالث لعينات رجل ّ‬
‫قال الزمخشري في الفائق‪ :‬المقربة المنزل وأصلها من القرب وهو السير إلى الماء‪ ،‬ونقل عن صاحب‬
‫األول‬
‫النهاية أن المقربة طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير‪ ،‬وجمعها المقارب وهو هنا أنسب من ّ‬
‫وتأنيث ضمير الطريق هنا وتذكيره في الخبر اآلتي باعتبار أن الطريق يؤنث ويذكر»‪ .‬انظر‪ :‬شرح أصول‬
‫الكافي للمازندراني‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .288‬ومرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.84‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .270‬بيان‪ :‬قال المازندراني‪« :‬كمه يكمه من باب علم‪ ،‬عمى‪ ،‬واألكمه الذي يولد‬ ‫((( ‬
‫أعمى‪ .‬وربما يقال للذي عمي بعد‪ ،‬وكمه أيض ًا حار حيرة‪ ،‬ومنه الكامه الذي يركب فرسه ال يدري أين‬
‫يتوجه وفالن يتكمه في األرض‪ ،‬وكمهه بالتشديد أعماه وحيره أيض ًا‪ ،‬ولعل المراد هنا من ح ّير األعمى‬
‫بأن يضله عن طريقه أو ال يهديه إليها»‪ ،‬انظر‪ :‬شرح أصول الكافي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .165‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .266‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.114‬‬ ‫(( (‬
‫وعنهم في‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،424‬الحديث ‪ ،3‬من الباب ‪ 27‬من أبواب آداب التجارة‪،‬‬
‫والجالب الذي يحمل حوائج الناس من بلد إلى آخر‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .165‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .267‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.159‬‬ ‫(( (‬
‫وعنهم في‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 27‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .268‬والرواية األولى رواها الشيخ في التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.97‬‬ ‫((( ‬
‫‪141‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--1‬ما ورد في دعاء اإلمام زين العابدين وهو يتحدث عن أولياء الله تعالى وأمنائه وخلفائه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذين قهروا وابتزوا و ُغلبوا‪ ،‬يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْل َع ْن َأ ْعدَ َاء ُه ْم م َن األَ َّول َ‬
‫ين واآلخ ِر َ‬
‫ين»(((‪.‬‬
‫‪--2‬ما روي عن أمير المؤمنين ‪ ‬في شأن الزناة من أن ريح ًا تهب يوم القيامة منتنة يتأذى‬
‫منها أهل الجمع‪ ...‬فيقال‪ :‬هذه ريح فروج الزناة‪...‬فالعنوهم لعنهم الله‪ ،‬قال‪ :‬فال يبقى‬
‫في الموقف أحد إال قال‪ :‬اللهم العن الزناة»(((‪.‬‬
‫‪--3‬عن أبي عبد الله ‪ ‬في زيارة أبي عبد الله الحسين ‪« :‬اللهم العن الذين بدّ لوا نعمتك‪،‬‬
‫وخالفوا ملتك‪ ،‬ورغبوا عن أمرك‪ ،‬واتهموا رسولك‪ ،‬وصدّ وا عن سبيلك‪.(((»..‬‬
‫‪--4‬في زيارة أمير المؤمنين ‪« :‬اللهم العن قتلة أنبيائك‪ ،‬وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك‪،‬‬
‫حر نارك‪ ،‬اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة‪ ...‬اللهم العن قتلة أمير‬ ‫وأص ْلهم ّ‬
‫المؤمنين ‪ -‬ثالث ًا ‪ -‬اللهم العن قتلة الحسن والحسين ‪ -‬ثالث ًا ‪.(((»-‬‬
‫‪--5‬ما ورد عن أبي جعفر ‪« :‬اللهم العن المرجئة»(((‪.‬‬
‫ويكثر الدعاء باللعن في الزيارات‪ ،‬ونكتفي بهذا القدر منها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬بين اإلخبار واإلنشاء‬
‫وثمة روايات في اللعن تحتمل اإلخبار واإلنشاء‪ ،‬كما في صيغة «لعنة الله عليه»‪ ،‬أو‬
‫صيغة « َل َع َن الله» الواردة مكرر ًا في الروايات‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬ما روي عنه (ص)‪« :‬لعن الله الراشي والمرتشي»(((‪.‬‬
‫‪--2‬عن أمير المؤمنين ‪ :‬سمعت رسول الله (ص) يقول‪« :‬لعن الله المتشبهين من الرجال‬
‫بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»(((‪.‬‬
‫«لعن رسول الله الواصلة والموصولة»(((‪.‬‬

‫الصحيفة السجادية‪ ،‬من دعائه ‪ ‬يوم األضحى ويوم الجمعة‪.‬‬ ‫((( ‬


‫المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.107‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.572‬‬ ‫((( ‬
‫كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪ .99‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.589‬‬ ‫(( (‬
‫المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .353‬والكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.276‬‬ ‫((( ‬
‫مسند أحمد ج ‪ 2‬ص‪ .387‬والمستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .103‬وعوالي الآللي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.266‬‬ ‫((( ‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،285‬الحديث ‪ ،2‬الباب ‪ 87‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪ ،132‬الحديث ‪ ،3‬الباب ‪ 19‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪142‬‬
‫«لعن رسول الله (ص) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها‪.(((»..‬‬
‫واألظهر يبدو ّ‬
‫أن عبارة «لعن رسول الله» هي إلى اإلنشاء أقرب‪ ،‬بينما التعبير عن الذي‬
‫يحكي «لعن الله» يراد به اإلخبار‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬دراسة تحقيقية ونقد ّية لتلك الموارد‬
‫بعد استعراض هذه النصوص‪ ،‬ننتقل إلى تسجيل جملة من الوقفات والتأمالت‬
‫التحقيقية في الموارد المذكورة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬لعن العناوين واألفراد‬
‫انصب في غالب‬
‫ّ‬ ‫وأول ما يالحظ في اللعن الوارد في هذه النصوص‪ ،‬كتاب ًا وسنة‪ ،‬أنّه قد‬
‫الموارد على العناوين‪ ،‬من قبيل لعن الراشي والمرتشي‪ ..‬أو لعن مبغض آل محمد (ص) أو‬
‫لعن المتشبهين من الرجال بالنساء أو بالعكس‪ ،‬ونحوه ما ورد من لعن القدرية أو الخوارج‬
‫أو المرجئة(((‪ ،‬إلى غير ذلك من العناوين العامة‪ ،‬وأ ّما لعن األفراد بأشخاصهم فلم يرد في‬
‫القرآن الكريم إال في خصوص لعن إبليس‪ .‬أجل‪ ،‬هو وارد في الروايات‪ ،‬وهو قليل‪ ،‬ومورده‬
‫‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬هم الرموز الذين يشكّلون خطر ًا على الدين‪ ،‬ولهم دور في إضالل العباد‪.‬‬
‫إن لعن العنوان الذي يتل ّبس باعتقاد خاطئ وسلوك منحرفهو أقرب إلى‬ ‫وباتضاح ذلك نقول‪ّ :‬‬
‫ذم ذاك االعتقاد أو السلوك‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اإلخبار عن اللعن ال يدل على جواز إنشائه‬
‫السنة تارة يكون إنشا ًء‪ ،‬وأخرى إخبار ًا‪:‬‬ ‫ّ‬
‫إن اللعن الوارد في الكتاب أو ُّ‬
‫‪--1‬فإن كان إخبار ًا فال يمكن أن يستفاد منه جواز إنشاء اللعن على طريقة الدعاء أو طريقة‬
‫النداء‪ ،‬ألنّه ال مالزمة بين األمرين‪ .‬فعندما يقال‪« :‬المحتكر ملعون»‪ ،‬فهذا يعني أنّه‬
‫أن عمله ‪-‬وهو االحتكار‪ -‬مبغوض عند‬ ‫مطرود من رحمة الله‪ ،‬ويستفاد من ذلك ّ‬
‫الله وموجب لطرد صاحبه من ساحة رحمته‪ ،‬أي إن عمله حرام‪ ،‬ولكن هذا ال يستفاد‬
‫منه جواز إنشاء لعنه والدعاء عليه‪ ،‬وكذا مناداته باللعين‪ ،‬الحتمال وجود الفارق بين‬
‫أن اللعن إنشا ًء يكون في الغالب مستلزم ًا للتشهير به‬
‫األمرين‪ ،‬ويكفي في االحتمال ّ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.38‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .49‬وج ‪ ،8‬ص ‪.276‬‬
‫‪143‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫للسب عرف ًا كما أشرنا في مبحث السب‪ .‬وقد ن ّبه السيد‬
‫ّ‬ ‫أو إيذائه‪ ،‬وربما كان مصداق ًا‬
‫الخوئي على هذا األمر في بعض الموارد(((‪.‬‬
‫وقد تسأل‪ :‬لماذا ال يجوز لعنه؟! إذ ما دام مطرود ًا من رحمة الله‪ ،‬فما الضير في طلب‬
‫تم االعتماد عليها في حرمة اللعن‪ ،‬هي ما دل‬‫اللعن له‪ ،‬وال سيما أن الروايات المتقدمة والتي ّ‬
‫على أن اللعنة تعود على الالعن إن لم يكن الملعون أهالً‪ ،‬ومعلو ٌم ّ‬
‫أن من يخبر الله أو رسوله‬
‫عن لعنه هو أهل للعن ومستحق له فيجوز لعنه‪ ،‬وأ ّما لزوم اإليذاء فقد يالحظ عليه ّ‬
‫بأن حرمة‬
‫إيذاء مثل هذا الشخص غير واضحة‪ ،‬أجل لو كان مصداق ًا للسب فيحرم‪.‬‬
‫ولكن قد يقال‪ :‬إن جواز اللعن إنشا ًء موقوف على كون اللعن الصادر من الله تعالى أو‬
‫رسوله هو لعن مطلق وليس لعن ًا نسبي ًا أو جهتي ًا‪ ،‬فلعن المغني أو المحتكر ليس لعن ًا أو طرد ًا‬
‫ألن اللعن الكلي إنما هو في المشرك أو الكافر ما لم يكن لهما‬ ‫كلي ًا من رحمة الله تعالى‪ّ ،‬‬
‫عذر‪ ،‬دون العاصي‪ ،‬فلعنه هو لع ٌن ظرفي أو نسبي‪ ،‬وعليه فال يصح لنا نحن العباد إطالق‬
‫لعنه‪ ،‬أجل يجوز لعنه معلق ًا على العنوان الذي ورد فيه لعنه على لسان النبي (ص)‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫اللهم العن المحتكر‪.‬‬
‫‪--2‬وإن كان إنشا ًء فهو على نحوين‪ :‬إذ تارة يكون بصيغة الخطاب والنداء‪ ،‬كأن يقول‬
‫ألحدهم‪ :‬يا ملعون‪ ،‬أو يا لعين‪ ،‬وأخرى يكون بصيغة الدعاء والطلب إلى الله تعالى‬
‫بلعنه‪ ،‬كما لو قال‪ :‬اللهم العن فالن ًا أو نظائره‪.‬‬
‫السب في الفهم العرفي العام‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫فإن كان بصيغة الخطاب‪ ،‬فإن هذا يندرج تحت عنوان‬ ‫أ ) ْ‬
‫أسلفنا في مبحث السب‪ ،‬فيكون محرم ًا‪ ،‬لكونه من مصاديق السب‪ ،‬ولذا يبعد صدوره‬
‫عن النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬ويؤيده ما روي عن رسول الله (ص)‪« :‬ال تسبوا الدنيا‪،‬‬
‫فنعم المط ّية الدنيا للمؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر‪ ،‬إنّه إذا قال العبد‪ :‬لعن‬
‫الله الدنيا قالت الدنيا‪ :‬لعن الله أعصانا لربه»(((‪.‬‬
‫ب) وأ ّما إذا كان بصيغة الدعاء‪ ،‬فهو أيض ًا على نحوين‪ :‬إذ تارة يكون لعن ًا لشخص بعينه أو‬
‫أشخاص بأعيانهم‪ ،‬وأخرى يكون لعن ًا لعنوان عام‪ ،‬كلعن الظالم أو الكافر‪:‬‬

‫(( ( راجع‪ :‬محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.291‬‬


‫((( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،509‬الباب ‪ 16‬من أبواب صالة الكسوف‪ ،‬والباب ‪ ،2‬الحديث ‪ ،4‬نقله عن‬
‫مجموعة ورام‪ ،‬ورواه الزمخشري مرسالً‪ ،‬انظر‪ :‬ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.51‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪144‬‬
‫لشخص أو ألشخاص‪ ،‬فهذا ال ينفعنا في البناء والقياس عليه بشيء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فإن كان لعن ًا‬
‫‪ْ --1‬‬
‫ألن المعصوم عندما يلعن شخص ًا‪ ،‬فحتم ًا هو مستحق للعن‪ ،‬أ ّما نحن فال نحرز‬ ‫ّ‬
‫إن لعن‬ ‫استحقاق الملعون للعن‪ ،‬ولو من جهة احتمال توبته بعد ذلك‪ .‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫رسوله (ص) لشخص بمعنى الدعاء عليه باللعن‪ ،‬يكشف عن سوء سريرته وعدم كونه‬
‫ال لرحمته تعالى واستحقاقه للعن والطرد من رحمته‪ ،‬ومن المستبعد جد ًا ‪ -‬إن لم‬ ‫أه ً‬
‫نقل من غير الممكن ‪ -‬أن يلعن النبي (ص) شخص ًا فيه قابلية الهداية ولديه استعداد‬
‫للتوبة ولو بعد حين‪ ،‬ألنه ال يكون مستحق ًا لذلك‪ ،‬وإنّما يستحق الطرد من رحمته تعالى‬
‫يتب من ذلك‪ .‬وقد أشارت إلى ذلك‬ ‫إذا مات على الكفر أو الضالل أو العصيان ولم ْ‬
‫اآلية القرآنية‪ ﴿ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬
‫ﲽ ﴾((( حيث إنّها فرعت اللعن ليس على كفرهم بل على موتهم على الكفر‪ ،‬ولم‬
‫يثبت ‪ -‬فيما ورد عنهم من لعن األشخاص ‪ -‬أنّهم لعنوا أشخاص ًا ثم تابوا بعد ذلك‪،‬‬
‫أن النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬لعن شخص ًا مغني ًا‬ ‫وتب ّين أنّهم غير مستحقين للعن‪ .‬فلو ّ‬
‫أو ساحر ًا بعينه‪ ،‬ال بعنوان كونه مغني ًا أو ساحر ًا‪ ،‬فال يمكننا نحن أن نلعن كل ساحر‬
‫بشخصه‪ ،‬لعدم إحرازنا الستحقاقه لذلك‪ ،‬وال يمكن إلغاء هذه الخصوصية الناشئة‬
‫من كون الملعون من قبله ‪ ‬مستحق ًا للعن جزم ًا وواقع ًا بخالف الملعون من قبلنا‪،‬‬
‫ويكفينا في المقام احتمال الخصوصية ليكون ذلك موجب ًا لعدم رفع اليد عن مطلقات‬
‫أو عمومات حرمة اللعن التي تمت ولو بخصوص القاصر‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬يمكننا أن نلعن الشخص عينه الذي لعنه النبي (ص) أو اإلمام ‪ ،‬اقتدا ًء به‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ اللعن تبع ًا‬ ‫وكذلك لو أحرزنا علة اللعن من قرائن المقام أو المقال‪ ،‬فيجوز‬
‫للمعصوم‪ ،‬كما لو تبين لنا أنّه لعنه لشركه أو لكفره أو لظلمه وفسقه‪.‬‬
‫‪--2‬وأ ّما إذا كان اللعن منص ّب ًا على العنوان‪ ،‬فحيث إنّه صادر عن المعصوم‪ ،‬فيجوز اتباعه‬
‫في ذلك‪ ،‬لكن غاية األمر أنّه يجوز لعن العنوان‪ ،‬فيقال‪ :‬اللهم العن الظالمين مثالً‪ ،‬وأ ّما‬
‫تطبيق العنوان على األفراد‪ ،‬ومن ثم لعنهم‪ ،‬لكونهم مصداق ًا لذلك العنوان‪ ،‬فهذا ال‬
‫أن لعن العنوان‬ ‫دليل على جوازه‪ .‬ويكفي مبرر ًا لهذا التفصيل بين العنوان والمصداق ّ‬
‫ال يثير حفيظة أحد‪ ،‬بخالف لعن الفرد ولو باعتباره مصداق ًا لذاك العنوان‪ ،‬على ّ‬
‫أن‬
‫مصداقيته له تكون في كثير من األحيان غير محققة وإنما تخضع الجتهاد المط ِّبق‪،‬‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.163‬‬


‫‪145‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ض‬ ‫ول ال َّله (ص) لِ َع ْر ِ‬ ‫«خ َر َج َر ُس ُ‬ ‫ويؤيده ما جاء في الخبر َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍر ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ب َه َذا ا ْل َق ْب ِر َف َوال َّله إِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬
‫َان‬ ‫ا ْل َخ ْي ِل‪َ ،‬ف َم َّر بِ َق ْب ِر َأبِي ُأ َح ْي َح َة َف َق َال َأ ُبو َبك ٍْر‪َ :‬ل َع َن ال َّله َصاح َ‬
‫ول ال َّله (ص)‪َ ،‬ف َق َال َخالِدٌ ا ْبنُه‪َ :‬ب ْل َل َع َن ال َّله َأ َبا ُق َحا َف َة‬ ‫َل َي ُصدُّ َع ْن َسبِ ِ‬
‫يل ال َّله و ُيك َِّذ ُب َر ُس َ‬
‫ول ُي َقاتِ ُل ا ْل َعدُ َّو َف َل َع َن ال َّله َأ ْه َون َُه َما َع َلى ا ْل َع ِش َير ِة َف ْقد ًا‪،‬‬
‫ف َ‬ ‫َان ُي ْق ِري َّ‬
‫الض ْي َ‬ ‫َف َوال َّله َما ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله (ص) خ َطا َم َراح َلته َع َلى َغ ِ‬
‫َاو ْلت ُُم ا ْل ُم ْش ِركي َن‬‫اربِ َها‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬إِ َذا َأ ْنت ُْم َتن َ‬ ‫َف َأ ْل َقى َر ُس ُ‬
‫إن مورد الحديث هو انطباق عنوان‬ ‫ب ُو ْلدُ ه‪ ،(((»..‬إال أن يقال ّ‬ ‫َخ ُّصوا َف َي ْغ َض َ‬ ‫ول ت ُ‬ ‫َف ُع ُّموا َ‬
‫ثانوي على اللعن وهو عنوان إيذاء المسلم المتصل بالملعون بنسب أو سبب‪.‬‬
‫ثمة احتماالً وجيه ًا في المقام‪ ،‬وهو أن يكون لعن النبي (ص) أو‬ ‫أضف إلى ذلك ّ‬
‫أن ّ‬
‫ٍ‬
‫لشخص بعينه أو لجماعة بعينها هو لبيان الحكم الشرعي‪ ،‬وهذا ال يستفاد منه‬ ‫اإلمام ‪‬‬
‫جواز اللعن بالنسبة لنا‪ ،‬ولذا سيأتي أنه ورد اللعن على المكروهات‪ ،‬والظاهر أن الوجه في‬
‫ذلك هو بيان الحكم الشرعي في المسألة‪ ،‬وإال فال يجوز لعن فاعل المكروه إجماع ًا‪.‬‬
‫لخط فكري محدد هو بهدف التحذير من‬ ‫وهكذا فقد يكون اللعن لشخص أو جماعة أو ٍ‬
‫هذا الشخص أو الجماعة‪ ،‬أو هذا الخط والتنبيه على انحرافه‪ ،‬ال أنّه يريد أن يس ّن سنّة لعنه‪،‬‬
‫وهذا معناه أنّه ال مبرر لآلخرين للعن هذا الشخص أو ذاك الخط‪ ،‬بعد تب ّين انحرافه وانكشافه‬
‫إن لعن اإلمام ‪ ‬هو سلوك عملي ال إطالق له‪ ،‬ألنّه ليس في صدد بيان جواز‬ ‫زيفه‪ ،‬وحيث ّ‬
‫اللعن وموارده‪ ،‬فال يمكن استفادة قاعدة عامة منه بجواز لعن من لعنه أو لعن نظائره‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬اللعن من الله ال يبرر اللعن من العبد‬
‫ّ‬
‫إن اللعن الصادر من الله تعالى غير مستلزم لجوازه لنا‪ ،‬بحسب ما يرى بعض الفقهاء(((‪،‬‬
‫والسر في ذلك هو أحد الوجهين‪:‬‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫إن لعنه تعالى لعبده ال يراد به صدور لعن منه على سبيل اإلنشاء والدعاء كما ال‬
‫يخفى‪ ،‬وإنّما لعنه هو فعله المتم ّثل بطرده للملعون من رحمته لعدم استحقاقه لها‪ ،‬بينما لعننا‬
‫هو إنشاء وطلب وال مالزمة بين األمرين كما سلف‪.‬‬
‫إن الله سبحانه عندما يلعن عبد ًا من عباده‪ ،‬فهو الخالق والمالك وبيده الجنة‬
‫الثاني‪ّ :‬‬
‫والنار‪ ،‬واألدرى بمن يستحق اللعن من عباده‪ ،‬وأما نحن فال نملك اآلخرين‪ ،‬وأمر الجنة‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.70‬‬


‫(( ( حدود الشريعة ‪ /‬المحرمات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.299‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪146‬‬
‫ليس بأيدينا‪ ،‬وال نستطيع أن نستفيد من لعنه تعالى للعبد حكم ًا بجواز اللعن اإلنشائي‪ ،‬كما‬
‫عرفت في المالحظة السابقة‪.‬‬
‫وهذه المالحظة سوف تخرج من دائرة البحث مجموعة كبيرة من الروايات التي‬
‫تتحدث عن لعن الله لبعض العناوين‪ ،‬فكل مورد ورد فيه «لعن الله» أو «لعنه الله» ال نستطيع‬
‫أن المالحظة األولى أخرجت عن دائرة البحث‬ ‫أن نستند إليه في تجويز إنشاء اللعن‪ ،‬كما ّ‬
‫مجموعة كبيرة من موارد اللعن‪ ،‬ألنّها واردة على سبيل اإلخبار ال اإلنشاء‪.‬‬
‫ولكن ربما ر ّدت هذه المالحظة بما ورد في الحديث عن أبي جعفر الثاني ‪« :‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله‪ :‬من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله»(((‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة‪ ،‬أعني دعوى وجود أدلة على ذلك‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬اللعن على المكروه ال يجيز اللعن‬
‫ويالحظ ّ‬
‫أن ثمة روايات ورد فيها اللعن على المكروه‪ ،‬وعليه‪ ،‬فقد يقال‪ :‬إنّه ال يجوز‬
‫لعن كل من لعنه رسول الله (ص) العتبار آخر غير ما ذكر في المالحظتين السابقتين‪ ،‬وهو‬
‫أنّه قد ورد اللعن على فعل المكروهات‪ ،‬وفاعل المكروه ال يجوز لنا لعنه‪ .‬وأ ّما ورود لعنه‬
‫صح ‪ -‬ألجل بيان مبغوضية عمله‪ ،‬ونقل هذا اإلشكال عن‬ ‫على لسان النبي (ص) فهو ‪ -‬لو ّ‬
‫السيد نعمة الله الجزائري والذي استنتج ‪ -‬بحسب الناقل ‪ -‬من ذلك أنه ال يجوز اللعن ّإل‬
‫مع ورود اإلذن من الشارع بلعنه(((‪.‬‬
‫وقبل تقييم هذا الكالم‪ ،‬ال بأس أن نذكر بعض األمثلة التي ورد فيها اللعن على‬
‫المكروهات‪:‬‬
‫منها‪ :‬ما ورد في حديث المناهي عن جعفر عن آبائه ‪ ‬قال‪« :‬نهى رسول الله(ص)‬
‫أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة وعلى ظهر طريق عامر‪ ،‬فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله‬
‫والمالئكة والناس أجمعين»(((‪.‬‬

‫(( ( اختيار معرفة الرجال للكشي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.811‬‬


‫(( ( راجع‪ :‬حاشية عوالي الآللي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.173‬‬
‫(( ( األمالي للصدوق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪147‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وقد حمله الشيخ يوسف البحراني في الحدائق على الكراهة قائالً‪« :‬كما وقع مثله في‬
‫األخبار كثير ًا»(((‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما روي عن أبي الحسن موسى الكاظم ‪ ‬قال‪« :‬لعن رسول الله(ص) ثالثة‪:‬‬
‫اآلكل زاده وحده‪ ،‬والنائم في بيت وحده‪ ،‬والراكب في الفالة وحده»(((‪.‬‬
‫أخر العشاء إلى أن تشتبك‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد في التوقيع الشريف‪« :‬ملعون ملعون من ّ‬
‫النجوم‪ ،‬ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم»(((‪.‬‬
‫محرم‪ّ ،‬‬
‫ألن هؤالء يؤخرونها إلى هذا‬ ‫إن التأخير المذكور ليس مكروه ًا‪ ،‬بل ّ‬ ‫ّإل أن يقال‪ّ :‬‬
‫الوقت ديانة وابتداع ًا ال استبطا ًء وتكاسالً‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد عن اإلمام الصادق ‪« :‬ملعون ملعون من وهب الله له ماالً فلم يتصدق‬
‫منه بشيء»(((‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما رواه الكليني بإسناده عن َم ْس َعدَ َة ْب ِن َصدَ َق َة َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال‬
‫ون ك ُُّل َج َس ٍد َل ُي َزكَّى و َل ْو‬ ‫ال َل ُي َزكَّى َم ْل ُع ٌ‬ ‫ون ك ُُّل م ٍ‬
‫َ‬ ‫ول ال َّله (ص) َي ْوم ًا ألَ ْص َحابِه‪َ :‬م ْل ُع ٌ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ال َف َقدْ َعر ْفنَاها َفما َزكَا ُة األَجس ِ‬ ‫ين َي ْوم ًا َم َّرةً‪َ .‬ف ِق َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول ال َّله َأما َزكَا ُة ا ْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد؟‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫في ك ُِّل َأ ْر َبع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫آه ْم َقدْ َت َغ َّي َر ْت‬‫اب بِآ َفة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َت َغ َّي َر ْت ُو ُجوه ا َّلذي َن َسم ُعوا َذل َك منْه‪َ ،‬ف َل َّما َر ُ‬ ‫َف َق َال َل ُه ْم َأ ْن ت َُص َ‬
‫الر ُج ُل ُيخْ دَ ُش‬ ‫ول ال َّله‪َ .‬ق َال‪َ :‬ب َلى‪َّ ،‬‬ ‫ت بِ َق ْولِي؟ َقا ُلوا‪َ :‬ل َيا َر ُس َ‬ ‫ون َما َعنَ ْي ُ‬ ‫َأ ْل َوان ُُه ْم َق َال َل ُه ْم‪ :‬أتَدْ ُر َ‬
‫وما َأ ْش َبه َه َذا‪َ ،‬حتَّى َذك ََر‬ ‫الش ْو َك َة َ‬‫اك َّ‬ ‫َب النَّ ْك َب َة و َي ْع ُث ُر ا ْل َع ْث َر َة و ُي ْم َر ُض ا ْل َم ْر َض َة و ُي َش ُ‬
‫ا ْلخَ دْ َش َة و ُينْك ُ‬
‫اختِ َل َج ا ْل َع ْي ِن»(((‪.‬‬ ‫فِي َح ِديثِه ْ‬
‫ول ال َّله (ص)‪:‬‬ ‫يم ا ْلك َْر ِخ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال‪َ :‬ر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬ما رواه إِ ْب َراه َ‬
‫والسا ُّد ال َّط ِر َيق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َاب َّ‬ ‫اء ا ْل ُمنْت َ‬ ‫ون َم ْن َف َع َل ُه َّن‪ :‬ا ْل ُم َتغ َِّو ُط في ظ ِّل النُّزَّال وا ْل َمان ُع ا ْل َم َ‬ ‫ث َم ْل ُع ٌ‬ ‫« َث َل ٌ‬
‫وك»(((‪.‬‬‫ا ْل َم ْس ُل َ‬

‫الحدائق‪ ،‬ج ‪ ،23‬ص ‪.134‬‬ ‫(( (‬


‫رواه الصدوق في الخصال‪ ،‬ص ‪ .93‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.277‬‬ ‫((( ‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،201‬الباب ‪ 21‬من أبواب المواقيت‪ ،‬الحديث ‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،280‬الباب ‪ 40‬من أبواب األمر والنهي وما يناسبها‪ ،‬الحديث ‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.258‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.292‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪148‬‬
‫وقد حمله بعض الفقهاء على الكراهة(((‪ ،‬ولك ّن الحمل على الحرمة له وجه وجيه‪ ،‬كما‬
‫ذكرنا في محل آخر(((‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من الموارد التي ورد فيها اللعن على فعل المكروهات‪.‬‬
‫باتضاح ذلك أقول تعليق ًا على المالحظة المذكورة‪ :‬لو صرفنا النظر عن إشكالنا السابق‬
‫يجوز لنا إنشاء اللعن‪ ،‬ولو صرفنا النظر أيض ًا عن اإلشكال‬ ‫القاضي ّ‬
‫بأن اإلخبار عن اللعن ال ّ‬
‫اآلخر القائل‪ :‬إن اللعن من الله ال يبرر اللعن للعباد‪ ،‬لو صرفنا النظر عن هذين اإلشكالين‪ ،‬فال‬
‫يكون صدور اللعن عن النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬على بعض المكروهات في نفسه مقتضي ًا‬
‫أن األمر الذي صدر‬‫مطلق‪ ،‬بل في خصوص الموارد التي ثبت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أو سبب ًا للمنع من اللعن بقول‬
‫ِ‬
‫فاعل المكروه ال يجوز‪ ،‬ألنّه‬ ‫اللعن على فعله مكروه‪ ،‬أو لم يثبت أنّه محرم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن لع َن‬
‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫ليس مستحق ًا للعن والطرد من رحمة الله تعالى‪ ،‬وأما فيما عدا ذلك فحيث ّ‬
‫إن اللعن‬
‫في الحرمة‪ ،‬فصدور اللعن عنهم ‪ ‬يسمح لنا باللعن‪ ،‬اقتدا ًء بهم‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬ثمة سؤال أو أكثر يطرح هنا‪ :‬كيف يصدر اللعن على فعل المكروه؟ وكيف نفهم‬
‫ذلك؟ وكيف يمكن حمله على المكروه؟‬
‫نص ًا في الحرمة حتى يمتنع حمله على الكراهة‪ ،‬وإنما هو دعاء‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن اللعن ليس ّ‬
‫باإلبعاد المطلق‪ ،‬الشامل للكراهة‪« ،‬نظير الرجحان المطلق الشامل للوجوب واالستحباب‬
‫كليهما‪ .(((»..‬فال بدّ ْ‬
‫أن يراد به اإلبعاد عن مرتبة من مراتب الرحمة االلهية وهي المرتبة‬
‫العالية‪ ،‬هذا هو تفسير اللعن الصادر من النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬بحق فاعل المكروه‪.‬‬
‫لك ّن هذا ال يبرر لنا نحن أن نلعنه‪ ،‬وما يظهر أو يلوح من السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ -‬من‬
‫جواز الدعاء باإلبعاد على فاعل المكروه مشكل‪ ،‬ال ألنّه لم يرد اللعن على نحو الدعاء في‬
‫الروايات على فعل المكروه فحسب‪ ،‬بل ألنّا ال نرى وجه ًا يبرر لعن فاعل المكروه‪ ،‬بمعنى‬
‫الدعاء والطلب إلى الله بإبعاده عن رحمة الله‪ ،‬ولو صدر لعنه من النبي (ص) أو اإلمام ‪‬‬
‫على نحو اإلخبار‪.‬‬

‫((( موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬شرح العروة الوثقى‪/‬الطهارة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.418‬‬


‫((( انظر‪ :‬كتاب اإلسالم والبيئة‪ ،‬ص ‪ 339‬وما بعدها‪.‬‬
‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.330‬‬
‫‪149‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫هذه مالحظات عامة سجلناه في المقام‪ ،‬ومع ذلك ّ‬
‫فإن األمر يحتاج إلى شيء من‬
‫البيان‪ ،‬وهو ما سوف يتضح في المرحلة الالحقة‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬درا�سة تف�صيلية في العناوين والأ�شخا�ص الذين طالهم اللعن‬


‫وفي هذه المرحلة ندخل في دراسة تفصيلية نتحرى ونتبين من خاللها حكم الشريعة‬
‫من سب الجماعات المختلفة‪ ،‬وكذلك حكم لعن األشخاص بأعيانهم‪ ،‬وهذا تفصيل الكالم‬
‫في ذلك‪:‬‬

‫‪1 -1‬لعن الكافر‬
‫باالستناد إلى ما تقدّ م من أنّه ال يجوز لعن من ال يستحق اللعن يمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن كون‬
‫الكافر ملعون ًا ومطرود ًا من رحمة الله ‪ -‬في ظرف كفره أو إذا مات على الكفر ‪ -‬أمر ال شك‬
‫فيه‪ ،‬لك ّن الكالم في جواز لعنه إنشا ًء مع كونه حي ًا ويرجى له الهداية‪ ،‬وال سيما إذا كان جاه ً‬
‫ال‬
‫قاصر ًا‪ .‬فإذا قام الدليل على ذلك وكان له إطالق‪ ،‬فنلتزم بجواز لعنه‪ ،‬وأ ّما إذا لم ينهض دليل‬
‫والمقصر‪ ،‬فيجوز لعنهما‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فصل بين الكافر الجاحد‬‫على جواز لعنه فيشكل األمر‪ ،‬لكن ربما ُي ّ‬
‫ألنّهما مطرودان من رحمة الله‪ ،‬وبين الكافر القاصر المعذور وهم غالبية الكفار‪ّ .‬‬
‫فإن مقتضى‬
‫القاعدة أنّه ال يجوز لعنهم‪ ،‬وكذا مقتضى اإلطالقات‪.‬‬
‫المقصر مطرود ًا من رحمة الله ال‬
‫ّ‬ ‫ال ّلهم ّإل أن ُيقال‪ّ :‬‬
‫إن هذا التفصيل ال وجه له‪ ،‬فكون‬
‫يبرر لعنه إنشا ًء ودعا ًء‪.‬‬
‫ولهذا فالمهم مالحظة الدليل‪ ،‬فهل من دليل على جواز لعن الكافر؟‬
‫ما يمكن أن يستدل به لذلك أمور‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنّه مطرود من رحمة الله تعالى فيجوز لعنه‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪ :‬أنّه ليس كل كافر مطرود من رحمة الله‪ ،‬فالقاصر غير مطرود‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬دعوى الضرورة على جواز لعن الكافر‪.‬‬
‫ولكن دعوى الضرورة هي محل تأمل وإشكال‪ ،‬إن لم نقل محل منع في بعض أصناف‬
‫الكافر وهو القاصر وغير المعاند‪ ،‬على أن الضرورة هنا إنما انطلقت من األدلة الواردة في‬
‫المقام وال سيما اآليات القرآنية‪ ،‬فتكون ضرورة مدركية‪ ،‬وقيمتها الداللية هي بتمامية داللة‬
‫المدرك على المدعى‪ ،‬وهذا ما سوف نراه عما قليل‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪150‬‬
‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن لعن الكافر مما ال دليل على حرمته‪ ،‬فيكون محكوم ًا بأصالة البراءة‪ ،‬وبعبارة‬
‫أخرى‪ :‬ال مقتضي للحرمة فيه‪.‬‬
‫ولكن يمكن التمسك ببعض األدلة إلثبات حرمة لعن القاصر ولو كان كافر ًا‪ ،‬وذلك من‬
‫ال وإال عادت‪،‬‬‫قبيل ما ورد من أن اللعنة إذا خرجت من فم الالعن‪ ،‬فإن وجدت الملعون أه ً‬
‫وال ريب أن القاصر ليس أه ً‬
‫ال لذلك‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فال يرد على ما ذكرناه ّ‬
‫بأن الحكم ال يثبت موضوعه وبالتالي ال يمكن التمسك‬
‫بالحديث المذكور في الكافر‪ ،‬بعد عدم وجود ما ينفي أهليته للعن‪ ،‬والوجه في عدم صحة‬
‫هذه اإليراد أنّه قد ثبت عدم أهلية القاصر للعن‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬مفهوم قوله (ص)‪« :‬ال تلعنوا تبع ًا فإنه قد أسلم»‪.‬‬
‫لكن عرفت سابق ًا أنّه ال يتسنى لنا االعتماد على هذه الرواية في إثبات الحكم الشرعي‪،‬‬
‫وذلك بسبب ضعفها سند ًا‪ ،‬فال يرفع اليد عن القاعدة والعمومات استناد ًا إلى خبر ضعيف‪،‬‬
‫ناهيك عن أنه قد ورد في نسخة أخرى‪« :‬ال تسبوا تبع ًا»‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬اآليات القرآنية الدالة على صدور لعن إلهي بحق الكافرين‪ ،‬وهذا هو العمدة‬
‫في المقام‪.‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫أن آيات لعن الكفار الواردة في القرآن هي على صنفين‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬ما كان وارد على سبيل اإلخبار عن فعل الله تعالى من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﴾(((‪.‬‬
‫‪--2‬قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾(((‪.‬‬
‫‪--3‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱐﱾﲬﲈﲵﱤﱥﱦﱧﱨ‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﴾(((‪.‬‬
‫‪--4‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.88‬‬


‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬
‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬
‫‪151‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ *‬
‫ﱋ ﱌ ﴾(((‪.‬‬
‫والمالحظة األساسية التي يمكن تسجيلها هنا هي ما تقدّ مت اإلشارة إليه من ّ‬
‫أن اإلخبار‬
‫هو حكاية عن فعل الله تعالى والمتمثل بطرد الملعون من رحمته‪ ،‬وال مالزمة بين ذلك وبين‬
‫جواز الدعاء عليه بالطرد من رحمة الله‪ ،‬أو إنشاء اللعن الذي يكون مصداق ًا للسب‪.‬‬
‫بأن هذا الشخص ما دام أنّه مستحق للعن والطرد من‬ ‫ولكننا ع ّلقنا سابق ًا على ذلك‪ّ ،‬‬
‫رحمة الله فال دليل على حرمة لعنه إنشا ًء‪ ،‬فجواز لعنه ليس منطلق ًا من دعوى المالزمة‬
‫ليشكك فيها‪ ،‬وإنما من افتقارنا للدليل على حرمة اللعن والحال هذه‪ ،‬بل قل‪ :‬لوجود دليل‬
‫على جواز اللعن‪ ،‬وهو ما دل من الروايات ّ‬
‫أن اللعنة إذا كان الملعون أه ً‬
‫ال للعن لحقته‪،‬‬
‫والكافر أهل للعن بحسب ما يستفاد من هذه اآليات‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬الدليل المذكور إنّما دل على جواز لعن من يستحق اللعن‪ ،‬واآليات وإن د ّلت‬
‫ال عن الدليل العقلي ‪ّ -‬‬
‫أن‬ ‫أن الكافر مستحق للعن‪ ،‬ولكن المستفاد من سياقها ‪ -‬فض ً‬ ‫على ّ‬
‫اللعن ناظر إلى الكافر غير المعذور في كفره‪ ،‬كالجاحد مثالً‪ ،‬دون المعذور‪ ،‬وبعبارة أخرى‪:‬‬
‫ال إطالق فيها لكل كافر‪ ،‬وليس كل كافر مستحق للعن‪ ،‬فالقاصر وغير البالغ ليسا مستحقين‬
‫للعن‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬ما كان وارد ًا على سبيل اإلنشاء والدعاء‪ ،‬وذلك من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﴾(((‪.‬‬
‫﴿ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫‪--2‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﴾(((‪ّ .‬‬
‫فإن لعن الله هو فعل من أفعاله‪ ،‬وأما لعن‬
‫الالعنين فيراد به الطلب إلى الله بطردهم من رحمته‪.‬‬
‫‪--3‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾(((‪ .‬وهذه اآلية ظاهرة في إنشاء اللعن‪ ،‬فالذين‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآليتان ‪.52 - 51‬‬ ‫(( (‬


‫سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.68‬‬ ‫((( ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬ ‫((( ‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪152‬‬
‫كفروا لعنوا على لسان األنبياء ‪ ،‬ويستفاد منها جواز لعن مطلق الكافرين‪ ،‬ألنّه ال‬
‫إن اآلية عللت لعن هؤالء الكفرة‬‫خصوصية للكفرة من بني إسرائيل‪ .‬بل ربما يقال‪ّ :‬‬
‫بقوله‪« :‬ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» والعلة تعمم الحكم كما هو معلوم‪ ،‬ما يعني أن‬
‫ٍ‬
‫ومعتد وإن‬ ‫المدار في جواز اللعن هو على العصيان واالعتداء‪ ،‬فيجوز لعن كل عاصي‬
‫كان مسلم ًا‪.‬‬
‫ولكن سيأتي االعتراض على هذا التعميم األخير عما قليل‪ ،‬وقد يالحظ هنا أيض ًا بما‬
‫ذكرناه سابق ًا من ّ‬
‫أن األنبياء ‪ ‬ال يلعنون إال من يستحق اللعن‪.‬‬
‫﴿ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬ ‫‪--4‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﴾(((‪.‬‬
‫وهذه اآلية قد يقال‪ :‬إنّها ظاهرة في جواز اللعن على نحو اإلنشاء‪ .‬اللهم إال أن يقال‪:‬‬
‫إن الله ال يسأل اللعن من أحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ألحد من الناس هو فعله‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬
‫إن لعن الله ‪ -‬كما تقدم ‪-‬‬
‫ولك ّن المالحظة األساسية التي نسجلها في المقام إزاء هذا الصنف الثاني من اآليات‬
‫هي أنّها ناظرة إلى العالم الجاحد‪ ،‬أو الجاهل المقصر‪ ،‬وال شمول لها للقاصر وذلك ّ‬
‫ألن‬
‫اآلية األولى واردة في العذاب األخروي‪ ،‬كما هو واضح من سياقها‪ ،‬ومعلوم أن العذاب‬
‫األخروي ال يطال سوى الجاحد أو المقصر‪ ،‬دون القاصر‪ .‬وأما اآلية الثانية‪ ،‬فالمستفاد‬
‫أن جمع ًا من أهل الكتاب قد كتموا ما جاء في كتبهم بشأن النبي‬ ‫منها ومن أسباب النزول((( ّ‬
‫محمد (ص) فنزلت فيهم اآلية‪ ،‬وعليه فاللعنة عليهم من قبل الله تعالى أو الالعنين إنما هي‬
‫لعنة عليهم بسبب إخفائهم ‪ -‬عن علم ‪ -‬أمر النبوة‪ .‬وأ ّما اآلية الثالثة‪ ،‬فهي واضحة أيض ًا ّ‬
‫أن‬
‫لعنهم كان بسبب عصيانهم وعدوانهم وهذا ال يكون إال عن تعمد أو تقصير‪ .‬وعليه يرجع في‬
‫لعن القاصر إلى ما ّ‬
‫دل على الحرمة‪.‬‬
‫وأ ّما اآلية الرابعة‪ ،‬فهي ‪ -‬حتى مع التسليم بأنّها واردة على سبيل اإلنشاء ‪ -‬قد ّفرعت‬
‫اللعن على كفرهم بما عرفوه من الحق‪ ﴿ ،‬ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱛ ﴾‪ ،‬فتكون واردة في الجحود حصر ًا وال شمول لها للقاصر أو لمن اعتقد أنه ما هو‬
‫عليه هو الحق والهدى‪.‬‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.89‬‬


‫(( ( راجع‪ :‬التبيان في تفسير القرآن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.46‬‬
‫‪153‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إن الدليل ناهض على جواز لعن الكافر‪ ،‬لك ّن هذا الدليل ال بدّ من‬ ‫وقصارى القول‪ّ :‬‬
‫تقييده بالكافر غير المعذور في كفره‪ّ ،‬‬
‫ألن المعذور ال يستحق اللعن فعالً‪ ،‬ألنه معذور‪ ،‬ولعنه‬
‫كذلك ظلم له‪ ،‬ومن ال يستحق اللعن ال يجوز إنشاء لعنه‪.‬‬
‫وهذه النتيجة التي توصلنا إليها يظهر من كالم الشيخ الطوسي المتقدم تبنيه لها‪.‬‬

‫‪2 -2‬لعن الم�سلم‬
‫ّ‬
‫إن الوجوه المحتملة في لعن المسلم غير الموالي ألهل البيت ‪ ‬ثالثة‪:‬‬
‫‪--1‬حرمة لعنه مطلق ًا‪ ،‬كما يحرم قذفه باإلجماع‪ ،‬أو كما يحرم س ّبه بنظرنا‪.‬‬
‫‪--2‬جواز لعنه مطلق ًا‪.‬‬
‫‪--3‬التفصيل بين القاصر والمقصر‪.‬‬
‫ودليل الوجه الثالث واضح وهو ما تقدّ م‪ ،‬والتفصيل إن التزم به في الكافر فباألولى أن‬
‫تم دليل في‬ ‫يلتزم به في المسلم‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون األخذ بهذا التفصيل متعين ًا إال إذا ّ‬
‫تمت فهذا‬ ‫مورد على جواز اللعن مطلق ًا‪ .‬ولهذا يتحتم علينا النظر في أدلة الوجه األول؟ فإن ّ‬
‫أن الالزم مالحظة أدلة الوجه الثاني‬ ‫سيقضي بتعميم الحرمة لكل مسلم ولو كان مقصر ًا‪ .‬كما ّ‬
‫تمت فهل يمكن األخذ بإطالقها أم يلزم تقييدها استناد ًا‬ ‫حول جواز لعنه مطلق ًا‪ ،‬فهل تتم وإذا ّ‬
‫إلى أدلة التفصيل؟‬
‫هذا ويظهر من النراقي في «جامع السعادات» أنه يحرم غيبة كل مسلم إال من قام الدليل‬
‫على جواز لعنه‪ ،‬قال‪« :‬اللعن على رؤساء الظلم والضالل والمجاهرين بالكفر والفسق جائز‪،‬‬
‫بل مستحب‪ ،‬وعلى غيرهم من المسلمين غير جائز‪ ،‬إال أن يتيقن باتصافه بإحدى الصفات‬
‫الموجبة له‪ .‬وينبغي أال يحكم باتصافه بشيء منها بمجرد الظن والتخمين‪ ،‬إذ ال يجوز أن‬
‫يرمى مسلم بكفر وفسق من غير تحقيق»(((‪ ،‬فهو يمنع من لعن كل مسلم باستثناء من ذكره‬
‫أن لمذهب الشخص دور ًا في جواز لعنه‪ ،‬فاستثناء‬ ‫في صدر كالمه‪ ،‬وال يظهر من كالمه ّ‬
‫المتجاهرين بالفسق ال يختص بمذهب دون آخر‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫أدلة حرمة اللعن مطلق ًا‬
‫تقدّ م أنّه توجد بعض األدلة والشواهد على عدم جواز لعن المسلم حتى لو لم يكن‬

‫(( ( جامع السعادات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.280‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪154‬‬

‫موالي ًا ألهل البيت ‪ ،‬وقد تقدمت هذه الشواهد فيما سلف‪ .‬وإذا ّ‬
‫تمت أدلة هذا الوجه فإنّه‬
‫يصلح إلثبات الحرمة بقول مطلق‪.‬‬
‫ولك ّن ما استدل به له ال يخلو من تأمل في السند‪ .‬ولك ّن اإلنصاف أنّه بمالحظة تلك‬
‫الروايات بضميمة الروايات التي أخذت عنوان المؤمن مع تفسير المؤمن بما يشمل مطلق‬
‫من آمن بالله ورسوله (ص) فقد يحصل الوثوق بالصدور‪ ،‬ومع ذلك فإن التفصيل المشار‬
‫إليه هو األقرب كما سيأتي‪.‬‬
‫أدلة جواز اللعن‬
‫ال لرفع اليد عن تلك المطلقات‪ ،‬ويجيز لعن كل من ال يعتقد‬‫وما يمكن أن يصلح دلي ً‬
‫بوالية أهل البيت ‪ ‬هو الوجوه التالية‪:‬‬
‫السب والغيبة من دعوى الضرورة على أنّه ال حرمة‬
‫ّ‬ ‫الوجه األول‪ :‬ما تقدم في مبحث‬
‫لهم وأنّهم كفار في الواقع‪.‬‬
‫وقد عرفت الجواب على ذلك‪.‬‬
‫دل على إعالن البراءة منهم‪ ،‬وهو ما ورد في الحديث عنه (ص)‪« :‬إذا‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬ما ّ‬
‫رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من س ّبهم والقول فيهم‬
‫والوقيعة وباهتوهم كيال يطمعوا في الفساد في اإلسالم‪.(((»...‬‬
‫وقد عرفت ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬ما في هذه الرواية أو غيرها من إشكاالت‪ ،‬ويضاف إليها ّ‬
‫أن‬
‫الرواية ال تتضمن اللعن أصالً‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ما ورد في لعن أبي حنيفة معل ً‬
‫ال ذلك بأنه كان يقول‪« :‬كان علي يقول‪،‬‬
‫وأقول أنا»‪ ،‬وستأتي الرواية الحق ًا‪.‬‬
‫ولكن قد يقال‪ :‬إنّه لو ثبت صدور اللعن عن اإلمام ‪ ،‬فغاية ما ّ‬
‫تدل عليه الرواية جواز‬
‫لعن من يضع نفسه في قبال علي ‪ ‬وير ّد قوله ‪ ،‬ومن غير البعيد أن تلغى خصوص ّية‬
‫أن هذا ال يشمل عامة‬ ‫اإلمام علي ‪ ‬ويتّم إلحاق سائر األئمة به ‪ ،‬لك ْن من الواضح ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬فليسوا بأجمعهم كذلك‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬ما ورد في لعن المرجئة‪ ،‬من قبيل‪:‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.375‬‬


‫‪155‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وه ْم َي ْعنِي ا ْل ُم ْر ِج َئ َة َل َعن َُه ُم‬
‫ُجال ُس ُ‬
‫«ل ت ِ‬
‫ار َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ َ :‬‬
‫ِ‬ ‫‪--1‬ما رواه ا ْل ُف َض ْي ِل ْبن َي َس ٍ‬
‫اء»(((‪.‬‬ ‫ون ال َّله ع َلى َشي ٍء ِمن األَ ْشي ِ‬ ‫ال َّله و َل َع َن ال َّله ِم َل َل ُه ُم ا ْل ُم ْش ِر َك َة ا َّل ِذي َن َل َي ْع ُبدُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ول‪َ :‬ق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪:‬‬ ‫اء َي ُق ُ‬ ‫اس ِم َأنَّه س ِمع عبدَ ال َّله بن ع َط ٍ‬ ‫‪--2‬خبر ا ْلح َك ِم ب ِن محم ِد ب ِن ا ْل َق ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ ْ ُ َ َّ ْ‬
‫واآلخ َر ِة»(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫«‪ ..‬ال َّل ُه َّم ا ْل َع ِن ا ْل ُم ْر ِج َئ َة َفإِن َُّه ْم َأعْدَ ُاؤنَا فِي الدُّ ْن َيا‬
‫‪--3‬و َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ل َع َن ال َّله ا ْل َقدَ ِر َّي َة َل َع َن ال َّله ا ْل َخ َو ِار َج َل َع َن ال َّله ا ْل ُم ْر ِج َئ َة َل َع َن‬
‫ال َّله ا ْل ُم ْر ِج َئ َة! َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ل َعن َْت َه ُؤ َل ِء َم َّر ًة َم َّر ًة و َل َعن َْت َه ُؤ َل ِء َم َّر َت ْي ِن! َقال‪ :‬إِ َّن َه ُؤ َل ِء‬
‫اؤنَا ُم َت َل ِّط َخ ٌة بِثِ َيابِ ِه ْم إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة»(((‪.‬‬
‫ُون‪َ ،‬ف ِد َم ُ‬
‫ون‪ :‬إِ َّن َق َت َل َتنَا ُم ْؤ ِمن َ‬‫َي ُقو ُل َ‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن لعن المرجئة لم يرد في خبر صحيح(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن لعنهم ‪ -‬لو ثبت بخبر صحيح ‪ -‬وكان وراد ًا على سبيل اإلنشاء(((‪ ،‬فربما كان‬
‫أسلوب ًا من أساليب بيان الخطوط المنحرفة والتحذير منها‪ ،‬وال سيما بمالحظة مخاطر أفكار‬
‫المرجئة على الجيل الشاب كما حذرت منه بعض الروايات(((‪ ،‬ال ّ‬
‫أن اإلمام ‪ ‬بصدد س ِّن‬
‫ٍ‬
‫سنة في لعنهم‪.‬‬
‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن الخبر الثاني ظاهر في تعليل اللعن بعداوة أهل البيت ‪ ،‬والعلة تعمم‬
‫فيستفاد منها جواز لعن كل أعدائهم‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.410‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .276‬والمحاسن للبرقي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.353‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.409‬‬
‫قال الشيخ محمد بن الحسن ابن‬ ‫(( ( أما الخبر األول فضعيف بالنضر بن شعيب‪ ،‬حيث إنّه مجهول‪،‬‬
‫أن النضر بن شعيب هو النضر بن سويد الثقة‪ ،‬فال‬ ‫الشهيد الثاني‪« :‬أ ّما ما تخ ّيله بعض (القهبائي) من ّ‬
‫أعلم وجهه»‪ .‬انظر‪ :‬استقصاء االعتبار في شرح االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .211‬وقد ض ّعف السيد الخوئي‬
‫رواياته‪« ،‬فإنه مع كثرة رواياته في الكتب األربعة لم يذكر في كتب الرجال»‪ .‬انظر‪ :‬موسوعة السيد‬
‫الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،29‬ص ‪ .387‬وأما الخبر الثاني وكذلك الثالث فضعفهما واضح باإلرسال والجهالة‪.‬‬
‫(( ( اإلنشاء هو المنساق من الخبر الثاني‪ ،‬وهو ظاهر الخبر الثالث‪ ،‬بقرينة فهم الراوي حيث خاطب‬
‫لعنت هؤالء مرة‪ ،»..‬وأما الخبر األول فهو يحتمل اإلخبار‪.‬‬ ‫اإلمام ‪َ »‬‬
‫(( ( ف َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ ‬قال‪َ « :‬باد ُروا أ ْول َدك ُْم بال َحديث ق ْبل أن َي ْسبقك ُْم إل ْيه ُم ال ُم ْرج َئة»‪ .‬انظر‪ :‬الكافي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ‪ ،6‬ص ‪ .47‬المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .605‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.111‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪156‬‬
‫أن التعليل هو بعداوة الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن المعلوم ّ‬
‫أن عداوة اآلخرة ال‬ ‫ولكن يالحظ ّ‬
‫تكون إال في الجاحدين دون القاصرين ونحوهم‪.‬‬
‫ولعل السبب في عداوة الدنيا هو ما جاء في الخبر الثالث من أنهم ‪-‬أي المرجئة‪-‬‬
‫يحكمون بإيمان قتلة أهل البيت ‪ ‬على قاعدتهم المعروفة والقائلة أنّه ال يضر مع اإليمان‬
‫معصية‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬ما ورد في لعن المخالفين‪:‬‬
‫الص َل َة َع َلى ُم َح َّم ٍد‬
‫ون َّ‬ ‫ار َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َج ْع َف ٍر ‪ :‬إِ َّن الن َ‬
‫َّاس َيك َْر ُه َ‬ ‫‪َ --1‬ع ِن ا ْل ُف َض ْي ِل ْب ِن َي َس ٍ‬
‫جماعِ‪َ ،‬ف َق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪:‬‬ ‫الذبِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يحة وعنْدَ ا ْل َ‬ ‫وآله في َث َل َثة َم َواط َن‪ :‬عنْدَ ا ْل َع ْط َسة وعنْدَ َّ َ‬
‫« َما َل ُه ْم َو ْي َل ُه ْم نَا َف ُقوا َل َعن َُه ُم ال َّله»(((‪.‬‬
‫والخبر مجهول(((‪ ،‬بإسماعيل البصري‪ ،‬إال ْ‬
‫أن يعتمد على توثيقه برواية ابن أبي عمير‬
‫عنه‪ ،‬وهو غير بعيد‪.‬‬
‫لكن السؤال‪ :‬لماذا رميهم بالويل والهالك واتهامهم بالنفاق؟! فما يذهب إليه هؤالء‬
‫من كراهة الصالة على النبي وآله في هذه الموارد هو رأي فقهي وير ّد عليه بأنّه ال أساس‬
‫وأن لهم الويل فال وجه له‪ ،‬إال إذا كانوا متعمدين‬ ‫ُ‬
‫حمل القائلين به على النفاق ّ‬ ‫له‪ ،‬وأ ّما‬
‫لذلك من موقع من اتضح له الحق ومع ذلك رفض متذرع ًا بحجة مع ّينة‪ ،‬وإال كيف يكون‬
‫منافق ًا‪ ،‬والمنافق ‪ -‬كما هو معلوم ‪ -‬هو من أبطن الكفر وأظهر اإليمان‪ ،‬وعليه‪ ،‬فيكون اللعن‬
‫مختص ًا بهؤالء الذين يفتون أو ير ّدون حديث النبي (ص) عن جحود‪ْ ،‬‬
‫وإن أظهروا اإليمان به‬
‫وااللتزام بقوله‪ّ .‬‬
‫ولعل األقرب إلى روح ّية أهل البيت ‪( ‬وهو مؤيد لما قلناه من حمله على‬
‫من أنكر ذلك جحود ًا وكفر ًا) هو ما جاء في رواية أبي مريم (عبد الغفار بن القاسم بن قيس‪،‬‬
‫عاطس عند أبي‬
‫ٌ‬ ‫المكنى بأبي مريم األنصاري‪ ،‬ثقة من أصحاب الصادقين ‪ )‬قال‪ :‬عطس‬
‫جعفر ‪ ،‬فقال أبو جعفر ‪ :‬نعم الشيء العطاس‪ ،‬فيه راحة للبدن و ُيذكر الله عنده و ُيصلى‬
‫إن محدثي العراق يحدثون أنه ال يص َّلى على النبي (ص) في ثالثة‬ ‫على النبي (ص)‪ ،‬فقلت‪ّ :‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.655‬‬


‫((( مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.555‬‬
‫‪157‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫مواضع‪ :‬عند العطاس وعند الذبيحة وعند الجماع‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم إن كانوا كذبوا فال تنلهم‬
‫شفاعة محمد (ص)»(((‪ .‬فقد علق الدعاء عليهم بما إذا كانوا كذبوا فيما قالوا‪.‬‬
‫ال عن كتاب أبان بن تغلب‪ ،‬عن علي بن الحكم بن الزبير‬ ‫‪--2‬وفي مستطرفات السرائر نق ً‬
‫قال‪ :‬حدّ ثني أبان بن عثمان عن هارون بن خارجة قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪ :‬إنّا نأتي‬
‫هؤالء المخالفين لنستمع منهم الحديث يكون حجة لنا عليهم‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪« :‬ال تأتهم‬
‫وال تستمع منهم‪ ،‬لعنهم الله ولعن مللهم المشركة»(((‪.‬‬
‫ويبدو أن السيد عبد الحسين شرف الدين مشكك في صحة الحديث أو في صدوره‪،‬‬
‫قال في ر ّده على صاحب الوشيعة‪« :‬ال طريق لموسى جار الله وغيره في إثبات هذا القول‬
‫عن أئمتنا أبد ًا»(((‪ .‬وكالمه غير بعيد عن الصواب‪ ،‬فثمة مشكلة حقيقية في سند الحديث‪ ،‬فإنّه‬
‫أن ابن إدريس استطرف هذا الخبر من كتاب»أبان بن تغلب»‬ ‫وبالرغم من وثاقة رجاله ّإل ّ‬
‫صاحب الباقر والصادق ‪ (((‬وأبان قد رواه عن علي بن الحكم بن الزبير‪ ،‬عن أبان بن‬
‫عثمان‪ ،‬عن هارون بن خارجة‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ،‬وعلي بن الحكم من أصحاب اإلمامين‬
‫الرضا والجواد ‪ ،‬وأبان بن عثمان هو ممن يروي عن أبان بن تغلب‪ ،‬فكيف يمكن أن ينقل‬
‫أن حصول الوثوق بالنسخة‬ ‫متأخر عنه بطبقتين؟! هذا مع ّ‬
‫أبان بن تغلب حديثه في كتابه‪ ،‬وهو ّ‬
‫التي وصلت إلى ابن إدريس من كتاب أبان بن تغلب غير متيسر‪.‬‬
‫أن‬‫ألن النهي عن إتيانهم مع فرض الراوي ّ‬ ‫وأ ّما داللة‪ ،‬فهو أيض ًا ال يخلو من إشكال ّ‬
‫إتيانهم هو لسماع ما هو حجة عليهم ليس مفهوم ًا‪ ،‬فلماذا الدعوة إلى هذه القطيعة المعرف ّية؟!‬
‫أن لمعرفة أحاديثهم الكثير من الفوائد‪ ،‬ومنها‪ :‬معرفة معاريض كالم األئمة ‪ ‬وإشاراتهم‪،‬‬ ‫مع ّ‬
‫ومنها‪ :‬معرفة ما صدر على وجه التقية لإلفادة منه في باب ترجيح األخبار المتعارضة كما‬
‫أوضحنا ذلك في بعض فقرات التمهيد في أول الكتاب‪ .‬إال أن يكون النهي في الخبر خاص ًا‬
‫بهارون وأمثاله‪ ،‬ومر ّد هذا النهي هو إلى االحتراز من التأ ّثر بهم أو إلى غيره من األسباب‪،‬‬
‫ويؤيده أن الجواب جاء بصيغة المخاطب الفرد مع أن السؤال كان بصيغة الجمع‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أنّه لم ينهض دليل إلثبات جواز لعن سائر المسلمين من أتباع المذاهب‬

‫(( ( مكارم األخالق‪ ،‬ص ‪.354‬‬


‫(( ( مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫(( ( أجوبة مسائل موسى جار الله‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(( ( مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪158‬‬
‫اإلسالمية األخرى فال مفر من الرجوع إلى مقتضى القاعدة‪ ،‬من عدم جواز لعن من ال يستحق‬
‫اللعن‪ ،‬لك ّن هذا الوجه ال يثبت صغراه‪ ،‬أعني عدم كون المسلم غير الموالي ألهل البيت ‪‬‬
‫مفر في تتميمه من الرجوع إلى القرينة العقلية وهي أن من لم تقم‬ ‫ٍ‬
‫مستحق للعن‪ ،‬فال ّ‬ ‫غير‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من التفصيل‬ ‫عليه الحجة ال يستحق اللعن والطرد من رحمة الله تعالى‪ ،‬ولذا ال مفر‬
‫بين المعذور في عدم توليهم (الجاهل القاصر والعالم القاطع بصحة ما هو عليه) وبين غير‬
‫فصل بين القاصر‬ ‫المعذور (الجاحد والمقصر) وهذا ما تبناه أحد الفقهاء ‪-‬رحمه الله‪ -‬فقد ّ‬
‫وجوز لعن المقصر(((‪.‬‬‫والمقصر‪ ،‬فمنع من لعن القاصر ّ‬
‫ٍ‬
‫عاص بتركه طلب المعرفة والنظر مع التفاته إلى‬ ‫فالمقصر‬
‫ِّ‬ ‫ولو قيل بجواز لعن العصاة‪،‬‬
‫ذلك‪ ،‬فيكون ذلك دلي ً‬
‫ال آخر على جواز لعنه وهذا ما سيأتي تحقيقه‪.‬‬

‫‪3 -3‬لعن الم�ؤمن الموالي لأهل البيت ‪‬‬


‫محرم‪،‬‬
‫ومما تقدم في لعن المسلم يتضح الوجه في لعن المؤمن بالمعنى األخص‪ ،‬فهو ّ‬
‫وذلك لوجهين‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن ذلك مقتضى القاعدة المتقدمة‪ ،‬فاللعن سؤال العذاب‪ ،‬وال يصح ذلك ّإل لمن‬
‫يستحقه‪ ،‬والمؤمن ليس مطرود ًا من رحمة الله ليسوغ لعنه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إن المطلقات المتقدمة بكل طوائفها تجري في المقام وهو القدر المتيقن منها‪،‬‬
‫وال سيما الروايات الواردة في لعن المؤمن‪.‬‬

‫‪4 -4‬لعن الفا�سق‬
‫ولكن ماذا لو كان الشخص فاسق ًا فهل يجوز لعنه أم يحرم؟‬
‫ذهب السيد الخوئي إلى حرمة لعن المؤمن حتى لو كان فاسق ًا‪ ،‬فقد سئل عن جواز لعن‬
‫الفاسق؟‬
‫فقال‪« :‬ال يجوز لعن المؤمن أو س ّبه أو الدعاء عليه»(((‪.‬‬
‫وسئل‪ :‬هل يجوز لعن شارب الخمر المتجاهر حتى الموالي؟‬

‫(( ( مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.126‬‬


‫((( صراط النجاة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.298‬‬
‫‪159‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫قال‪« :‬ال يجوز لعن من هو مؤمن»(((‪.‬‬
‫ولكن يمكن أن يقال بجواز لعن الفاسق‪ ،‬وذلك استناد ًا إلى‪:‬‬
‫المستند األول‪ :‬ما ورد في الكتاب‪ ،‬ونذكر عدة آيات‪:‬‬
‫اآلية األولى‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﴾((( فقد ذكرنا في الحديث عن لعن الكافر‬
‫أن اآلية عللت لعن الذين كفروا من بني إسرائيل بأنهم «عصوا وكانوا يعتدون»‪ ،‬والعدوان‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬ليس قيد ًا ثاني ًا مغاير ًا للعصيان‪ ،‬وإنما هو ذكر الخاص بعد العام‪ ،‬فالذي‬
‫ٍ‬
‫عاص‪.‬‬ ‫ص بالذكر ألهميته‪ ،‬فتدل اآلية على جواز لعن كل‬ ‫يمارس العدوان عاص‪ُ ،‬‬
‫وخ َّ‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ّ‬
‫فإن اآلية وإن نقلت صدور هذا اللعن على لسان عيسى‬
‫ٍ‬
‫متضمنة لحكم شرعي ‪-‬مع عدم اإلرشاد‬ ‫ٍ‬
‫قضية في القرآن الكريم‬ ‫أن ظاهر ِ‬
‫نقل‬ ‫وداود ‪ّ ‬إل ّ‬
‫السنة إلى نسخها في شريعتنا أو تخصيصها‪ -‬أنّها ممضية في شريعتنا‪.‬‬
‫في الكتاب وفي ُّ‬
‫نسجل على االستدالل باآلية المباركة مالحظتين‪:‬‬
‫أن لنا أن ّ‬‫ّإل ّ‬
‫إن ثمة وجه ًا في كون اآلية ناظرة إلى اللعن أو الطرد والعذاب‬ ‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫الدنيوي‪ ،‬ما يجعلها مختصة بتلك األمة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن األمم السابقة كان يتنزل عليها العذاب‬
‫الدنيوي‪ ،‬أو ما يعرف بعذاب االستئصال العام‪ ،‬بينما هذا العذاب قد رفع عن هذه األمة‪،‬‬
‫نص على ذلك قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬ ‫كما ّ‬
‫ﳄ ﳅ ﴾ ‪ ،‬والذي يشهد بكون اآلية ناظرة إلى هذا العذاب‪ّ ،‬‬
‫وأن اللعن هو الطرد‬ ‫(((‬

‫من الرحمة الدنيوية وإنزال العذاب هو ما ورد في بعض الروايات‪ :‬ومنها ما رواه مسعدة بن‬
‫ ‪ ‬هذه اآلية‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ‬ ‫صدقة قال‪« :‬سأل رجل أبا عبد الله ‪ ...‬ثم قرأ أبو عبد الله‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ إلى قوله ﴿ ﲀ ﲁ‬
‫ﲂ ﲃ ﴾((( قال ‪« :‬الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى‪،(((»...‬‬
‫والرواية موثقة بحسب السند مع أنها من روايات تفسير القمي‪.‬‬

‫صراط النجاة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.442‬‬ ‫((( ‬


‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫(( (‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآليات ‪.81 - 78‬‬ ‫(( (‬
‫تفسير القمي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .176‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،190‬الباب ‪ 45‬من أبواب ما يكتسب به‪،‬‬ ‫(( (‬
‫الحديث ‪.10‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪160‬‬
‫وب َع ِن ا ْب ِن ِرئ ٍ‬
‫َاب‬ ‫وفي الكافي عن ِعدَّ ٍة ِمن َأصحابِنَا َعن سه ِل ب ِن ِزي ٍ‬
‫اد َع ِن ا ْب ِن َم ْح ُب ٍ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج َّل‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬ ‫َع ْن َأبِي ُع َب ْيدَ َة ا ْل َح َّذاء َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪ ‬في َق ْول ال َّله َع َّز َ‬
‫ان َد ُاو َد وا ْل ِق َر َد ُة َع َلى‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ َق َال‪« :‬ا ْل َخن َِاز ُير َع َلى لِ َس َ‬
‫يسى ا ْب ِن َم ْر َي َم ‪.(((»‬‬ ‫لِس َ ِ‬
‫ان ع َ‬ ‫َ‬
‫ونقل الطبرسي هذا الرأي‪ ،‬عن الحسن ومجاهد وقتادة‪ ،‬وأضاف‪ ،‬وقال أبو جعفر‬
‫الباقر ‪« :‬أما داود فإنه لعن أهل أبلة لما اعتدوا في سبتهم‪ ،‬وكان اعتداؤهم في زمانه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين((( فمسخهم الله قردة‪ ،‬فأما‬
‫عيسى ‪ ‬فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك»(((‪.‬‬
‫هذا بصرف النظر عن ّ‬
‫أن قضية المسخ تحتاج إلى دراسة مستقلة‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪ :‬إنّه وبصرف النظر عن المالحظة السابقة‪ ،‬فإن الملعونين ليسوا مطلق‬
‫العصاة الذين يراد بهم الفاسقين ولو بارتكاب المعاصي العادية‪ ،‬وإنّما عللت اآلية لعنهم‬
‫بثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ ﴿--1‬ﱏ ﱐ ﴾‪ ،‬والعصيان في اآلية هو التمرد على الله تعالى وأنبيائه ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عاص معتدي ًا‪.‬‬ ‫‪ ﴿--2‬ﱑ ﱒ ﴾‪ ،‬والعدوان هو ذنب له خصوصية وليس كل‬
‫‪ ﴿--3‬ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‪ .﴾ ..‬وهذا ذنب ليس عادي ًا‪ ،‬وإنما هو مؤشر على‬
‫فإن النهي عن المنكر هو الحصن‬‫انهيار الحس الديني واألخالقي لدى تلك الجماعة‪ّ ،‬‬
‫المنيع لحماية المجتمع‪ ،‬وعليه فيصعب أن نلغي الخصوصية عن مثل هذه الذنوب‬
‫ونعتبرها مجرد عالمات على العصيان فيكون مناط اللعن‪ّ ،‬‬
‫إن هذا أمر مستبعد‪ ،‬ال‬
‫أن اآلية د ّلت على ّ‬
‫أن العدوان وعدم التناهي عن المعاصي كان خلق ًا‬ ‫سيما بمالحظة ّ‬
‫مستمر ًا لهم كما يدّ ل عليه فعل «كانوا» في قوله‪ ﴿ :‬ﱑ ﱒ ﴾ وقوله‪ ﴿ :‬ﱔ‬
‫ﱕ ﱖ ﴾‪ .‬أجل‪ ،‬لو تضافرت شواهد وقرائن أخرى على لعن الفاسق‪ ،‬فقد يمكن‬
‫إلغاء الخصوصية‪.‬‬
‫اآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .200‬وانظر‪ :‬تفسير العياشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.335‬‬


‫((( الحقو‪ :‬الحضر‪.‬‬
‫((( مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.396‬‬
‫‪161‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫نصت على لعن الذين يؤذون الله ورسوله‪ ،‬مع ّ‬
‫أن‬ ‫ﱽ ﱾ ﴾(((‪ .‬وذلك بتقريب ّ‬
‫أن اآلية ّ‬
‫اإليذاء المذكور هو عصيان يوجب فسق صاحبه‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن اإليذاء قد يصدر من‬
‫المسلم كما يصدر من الكافر ومع ذلك لعنته اآلية المباركة‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫إن اآلية ليست واردة في العاصي المسلم‪ ،‬وإنّما في المنافق أو الكافر‪ ،‬فهذا هو‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫من يمكن أن يصدر منه إيذاء الله تعالى وإيذاء النبي (ص)‪ ،‬قال الطبرسي في تفسير اآلية‪:‬‬
‫«قيل‪ :‬هم المنافقون والكافرون‪ ،‬والذين وصفوا الله بما ال يليق به‪ ،‬وكذبوا رسله‪ ،‬وكذبوا‬
‫عليه‪ .‬فعلى هذا يكون معنى يؤذون الله‪ :‬يخالفون أمره‪ ،‬ويصفونه بما هو منزه عنه‪ ،‬ويشبهونه‬
‫بغيره‪ ،‬فإن الله‪ ،‬عز اسمه‪ ،‬ال يلحقه أذى‪ ،‬ولكن لما كانت مخالفة األمر فيما بيننا تسمى إيذاء‪،‬‬
‫خوطبنا بما نتعارفه‪ .‬وقيل‪ :‬يؤذون الله‪ :‬يلحدون في أسمائه وصفاته‪ .‬وقيل‪ :‬معناه يؤذون‬
‫رسول الله‪ .‬فقدم ذكر الله على وجه التعظيم‪ ،‬إذ جعل أذى رسوله أذى له تشريف ًا له وتكريم ًا‪،‬‬
‫فكأنه يقول‪ :‬لو جاز أن يناله أذى من شيء‪ ،‬لكان ينالني من هذا‪ .‬واتصاله بما قبله أنه كأنه‬
‫يقول‪ :‬صلوا عليه‪ ،‬وال تؤذوه‪ ،‬فإن من آذاه فهو كافر‪ .‬ثم أوعد عليه بقوله‪ ﴿ :‬ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ويحل بهم وبال نقمته‪ ،‬بحرمان زيادات الهدى في‬ ‫ّ‬ ‫ﱺ ﴾ أي‪ :‬يبعدهم الله من رحمته‪،‬‬
‫الدنيا‪ ،‬والخلود في النار في اآلخرة ﴿ ﱻ ﱼ ﴾ في اآلخرة ﴿ ﱽ ﱾ ﴾ أي‪ :‬مذالً لهم»(((‪.‬‬
‫أن إيذاء الرسول (ص) قد يصدر ممن هو مسلم في الظاهر كما يصدر‬ ‫ولكن اإلنصاف ّ‬
‫من الكافر‪ ،‬وقد آذى بعض المسلمين رسول الله (ص) في نفسه أو في أهل بيته ‪ ،‬مع أنّهم‬
‫دل عليه قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫على ظاهر اإلسالم‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫ﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ‬
‫ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﴾(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬مع التسليم باجتماع إيذاء الله ورسوله مع اإلسالم‪ ،‬كما ال يبعد فيمكن القول‪:‬‬

‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬


‫(( ( مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .180‬وقال الشيخ الطوسي‪« :‬أذى الله يقال هو أذى أوليائه‪ ،‬وإنما أضافه إلى‬
‫نفسه تعظيما ألوليائه ومبالغة في عظم المعصية به»‪ .‬التبيان‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.360‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.53‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪162‬‬
‫إن لعن من آذى الله والرسول (ص)‪ ،‬ال ينتزع منه قاعدة في جواز لعن فاعل المعصية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ألنّه (ص) وإن كان يتأذى بارتكاب أصحابه وسائر المؤمنين لمعصية من المعاصي‪ ،‬بيد‬
‫أن ظاهر اآلية ومنصرفها هو إيذاؤه بشكل مباشر‪ ،‬ومن الصعوبة بمكان إلغاء الخصوصية‬ ‫ّ‬
‫عن إيذاء الرسول مباشرة‪ ،‬وإلحاق سائر المعاصي بإيذائه‪ ،‬بدعوى أن رسول الله يؤذيه‬
‫فعل كل معصية‪ .‬ومما يشهد لما نقول هو تأكيد اآلية على لعنهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أنه ليس كل معصية تستوجب لعن الدنيا واآلخرة والعذاب المهين‪ ،‬وال سيما إذا‬
‫إن المعصية التي يفعلها العبد ويؤذي بها‬ ‫كانت من المعاصي الصغيرة مثالً‪ .‬وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫نفسه إنما يتأذى بها النبي (ص) إيذاء شفقة على العبد‪ ،‬وليس إيذاء ضرر أو مضايقة أو ألم‬
‫يصيبه (ص) نتيجة ما قد يقدم عليه العبد من تصرف قبيح ينال فيه من شخص النبي (ص) أو‬
‫من بعض أهل بيته ‪ ‬الذين طهرهم الله تطهير ًا‪ ،‬واآلية ناظرة إلى ما يؤذيه إيذاء ضرر ال إيذاء‬
‫شفقة‪ .‬أجل‪ ،‬روى الحاكم في المستدرك بإسناده عن عبيد الله بن أبي مليكة عن أبيه قال‪:‬‬
‫فسب علي ًا عند ابن عباس فحصبه ابن عباس‪ .‬فقال‪ :‬يا عدو الله‬ ‫ّ‬ ‫«جاء رجل من أهل الشام‬
‫آذيت رسول الله (ص)‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬
‫ثم قال‪« :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم‬ ‫ﱾ ﴾ لو كان رسول الله (ص) حي ًا آلذيته»‪ّ ،‬‬
‫(((‬

‫يخرجاه»(((‪ ،‬ولكن حتى لو أخذنا بتفسير ابن عباس هذا‪ ،‬فال يمكن إلحاق كل المعاصي به‬
‫سب علي ‪.‬‬‫بل ما كان من قبيل ّ‬
‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن اللعن في هذه اآلية هو إخبار وليس إنشا ًء‪.‬‬
‫ثمة ما يمنع من‬ ‫اللهم ّإل يقال‪ّ :‬‬
‫إن اإلخبار عن لعنه وإن لم يالزم جواز لعنه لكن ليس ّ‬
‫لعنه في هذه الحال‪ ،‬إال عمومات حرمة اللعن ومقتضى القاعدة‪ ،‬ولكن ما جاء في اآلية أخص‬
‫من العمومات‪ ،‬والقاعدة ال تقتضي سوى حرمة لعن من ال يستحق اللعن‪ ،‬وهذا مستحق للعن‪.‬‬
‫﴿ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫اآلية الثالثة‪:‬‬
‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﴾(((‪ .‬فإن كتمان العلم معصية‪ ،‬ومع ذلك ّ‬
‫نصت اآلية‬
‫أن لعن‬ ‫لعن ِ‬
‫الله تعالى لمن يكتم العلم وكذا لعن الالعنين له‪ ،‬والسياق شاهد على ّ‬ ‫على ِ‬
‫الالعنين هو في مح ّله وممضي‪ ،‬فهو معطوف على لعن الله تعالى‪.‬‬

‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬


‫(( ( المستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.122‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬
‫‪163‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ولكن قد يالحظ على االستدالل بهذه اآلية‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪ :‬أن المقصود بالذين يكتمون العلم هم األحبار والرهبان‪ ،‬الذين‬
‫نبوة سيدنا محمد (ص)‪ .‬فالمقصود بالكتاب هو‬ ‫كتموا ما جاء في التوراة واإلنجيل حول ّ‬
‫التوراة واإلنجيل(((‪ .‬فال تشمل اآلية العصاة من المسلمين‪.‬‬
‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن نزولها في األحبار ‪ -‬لو ثبت ‪ -‬ال يمنع من التمسك بإطالقها‪،‬‬
‫فالمورد ال يخصص الوارد‪ ،‬وخصوص السبب ال يمنع من األخذ بعموم اللفظ‪.‬‬
‫رجح التعميم‪ ،‬والقوالن‪:‬‬ ‫وقد ذكر الشيخ الطوسي ّ‬
‫أن في تفسير اآلية قولين‪ ،‬ويبدو أنّه ّ‬
‫«أحدهما‪ :‬قال ابن عباس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬والربيع‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والسدي‪ ،‬واختاره‬
‫الجبائي‪ ،‬وأكثر أهل العلم‪ :‬أنهم اليهود‪ ،‬والنصارى‪ :‬مثل كعب بن األشرف وكعب بن أسيد‪،‬‬
‫وابن صوريا‪ ،‬وزيد بن تابوه‪ ،‬وغيرهم من علماء النصارى الذين كتموا أمر محمد (ص)‪،‬‬
‫ونبوته‪ :‬وهم يجدونه مكتوب ًا في التوراة واإلنجيل مبين ًا فيهما‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ذكر البلخي‪ :‬أنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله وهو أعم‪ ،‬ألنّه يدخل فيه‬
‫أن جماعة من األنصار سألوا نفر ًا من اليهود عما في‬
‫أولئك وغيرهم‪ ،‬ويروى عن ابن عباس ّ‬
‫التوراة‪ ،‬فكتموهم إياه‪ ،‬فأنزل الله عز وجل ﴿ ﲐ ﲑ ﲒ ﴾ اآلية‪ .‬وإنما نزل فيهم هذا‬
‫أن كل من كتم شيئ ًا من‬ ‫الوعيد‪ ،‬ألن الله تعالى علم منهم الكتمان‪ ،‬وعموم اآلية يدل على ّ‬
‫علوم الدين‪ ،‬وفعل مثل فعلهم في عظم الجرم أو أعظم منه‪ّ ،‬‬
‫فإن الوعيد يلزمه‪ ،‬وأ ّما ما كان‬
‫دون ذلك‪ ،‬فال يعلم باآلية بل بدليل آخر»(((‪.‬‬
‫والتعميم هو األقرب إلى لفظ اآلية‪ ،‬كما أنّه األقرب إلى كون هذا األمر ليس من‬
‫القضايا التعبدية‪ ،‬فلماذا يلعن أحبار اليهود الذين يكتمون العلم‪ ،‬وال يلعن علماء المسلمين‬
‫الذين يكتمون الحق المب ّين في القرآن؟!‬
‫المالحظة الثانية‪ :‬مع التسليم بالتعميم‪ ،‬ولكن اآلية واردة في كتمان ما جاء في الكتاب‬

‫((( جوامع الجامع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .169‬وقال الطبرسي أيض ًا‪« :‬النزول‪ :‬المعني باآلية اليهود والنصارى‪ ،‬مثل‬
‫كعب بن األشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وزيد بن التابوه‪ ،‬وغيرهم من علماء النصارى‪ ،‬الذين‬
‫كتموا أمر محمد ونبوته‪ ،‬وهم يجدونه مكتوب ًا في التوراة واإلنجيل مثبت ًا فيهما‪ ،‬عن ابن عباس ومجاهد‬
‫والحسن وقتادة وأكثر أهل العلم‪ .‬وقيل‪ :‬إنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله‪ ،‬وهو اختيار البلخي‪ ،‬وهو‬
‫األقوى‪ ،‬ألنه أعم فيدخل فيه أولئك‪ ،‬وغيرهم» انظر‪ :‬مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.446‬‬
‫((( التبيان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.46‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪164‬‬
‫شخص كهذا ال يمكن إلغاء الخصوصية عنه وإلحاق سائر المعاصي‬ ‫ٍ‬ ‫من العلم والهدى‪ .‬ولع ُن‬
‫فإن كتمان العلم سيؤدي إلى تغيير معالم‬‫به‪ ،‬وال سيما ما هو أصغر من معصية كتمان العلم‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫شخص كهذا‪ ،‬وذلك إسقاط ًا له ومنع ًا من تأثر‬ ‫الدين‪ ،‬فمن الوجيه أن يسمح الشرع بلعن‬
‫الناس بعمله وصنيعه‪ ،‬وهذا ما ال يقاس به ارتكاب سائر المعاصي‪.‬‬
‫المستند الثاني‪ :‬ما ورد في األخبار من لعن مرتكب بعض المعاصي‪ ،‬وقد تقدمت‬
‫العديد من األخبار الواردة في ذلك إخبار ًا أو إنشا ًء‪ ،‬وإليك بعضها‪:‬‬
‫‪--1‬ما روي عن الصادق ‪« :‬المنجم ملعون‪ ،‬والكاهن ملعون‪ ،‬والساحر ملعون‪ ،‬والمغنية‬
‫ملعونة‪ ،‬ومن آواها وأكل كسبها ملعون»(((‪.‬‬
‫‪--2‬وفي الحديث عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬ثالث ملعون ملعون من‬
‫فعلهن‪ :‬المتغوط في ّ‬
‫ظل النـزال‪ ،‬والمانع الماء المنتاب‪ ،‬والساد الطريق المسلوك»(((‪.‬‬
‫‪--3‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬ملعون ملعون من عبد الدينار‬
‫والدرهم‪ ،‬ملعون ملعون من كمه أعمى‪ ،‬ملعون ملعون من نكح بهيمة»(((‪ .‬بيان‪« :‬كمه‬
‫أعمى» لع ّله بمعنى تركه أكمه دون أن يد ّله على الطريق‪.‬‬
‫‪--4‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬قال رسول الله(ص)‪« :‬الجالب مرزوق والمحتكر ملعون»(((‪.‬‬
‫‪--5‬وعنه ‪« :‬الحكرة في الخصب أربعون يوم ًا وفي الشدة والبالء ثالثة أيام فما زاد على‬
‫األربعين يوم ًا في الخصب فصاحبه ملعون‪ ،‬وما زاد على ثالثة أيام في العسرة فصاحبه‬
‫ملعون»(((‪.‬‬
‫‪--6‬عن أبي عبد الله ‪ ‬عن رسول الله (ص)‪« :‬ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها‬
‫من جلس طائع ًا على مائدة يشرب عليها‬
‫الخمر»‪ ،‬وفي رواية أخرى‪« :‬ملعون ملعون ْ‬
‫الخمر»(((‪.‬‬

‫الخصال للشيخ الصدوق‪ ،‬ص ‪.298‬‬ ‫((( ‬


‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،291‬الحديث‪.12 - 11‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.12‬‬ ‫(( (‬
‫من الباب ‪ 27‬من أبواب آداب التجارة‪ ،‬والجالب الذي‬ ‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،424‬الحديث ‪3‬‬ ‫((( ‬
‫يحمل حوائج الناس من بلد إلى آخر‪.‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 27‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.268‬‬
‫‪165‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--7‬ما روي عنه (ص)‪« :‬لعن الله الراشي والمرتشي»(((‪.‬‬
‫‪--8‬عن أمير المؤمنين ‪ :‬سمعت رسول الله (ص) يقول‪« :‬لعن الله المتشبهين من الرجال‬
‫بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»(((‪.‬‬
‫‪«--9‬لعن رسول الله الواصلة والموصولة»(((‪.‬‬
‫‪«--10‬لعن رسول الله (ص) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وآكل‬
‫ثمنها‪.(((»..‬‬
‫فهذه الروايات المستفيضة د ّلت على صدور اللعن على فعل المعاصي‪ ،‬وما كان منها‬
‫بلسان اإلنشاء فداللته ال تحتاج إلى دعوى المالزمة‪ ،‬وأما ما كان على سبيل اإلخبار‪ ،‬فهو‬
‫وإن لم يالزم جواز اللعن ولكنه ال يمنع منه بعد ثبوت استحقاقه للعن‪ ،‬وعدم صالحية‬
‫الدليل العام((( للمنع‪ ،‬ألن الروايات الواردة في المقام أخص من الدليل العام‪ ،‬فتدل على‬
‫جواز اللعن وتخصص العمومات‪.‬‬
‫ثمة مالحظات نقدية تقدمت سابق ًا ونعيد التذكير بها هنا‪:‬‬
‫ولك ّن ّ‬
‫إن اللعن تارة يصدر من الله تعالى‪ ،‬وأخرى من رسوله (ص) أو أوليائه ‪ ،‬فإن‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫صدر من الله تعالى‪ ،‬فإنّه تعالى عندما يلعن عبد ًا من عباده‪ ،‬فهو الخالق والمالك وبيده الجنة‬
‫والنار‪ ،‬واألدرى بمن يستحق اللعن من عباده‪ ،‬وأما نحن فال نملك اآلخرين‪ ،‬وال ندري من‬
‫هو مستحق للعن‪ .‬وإذا صدر من رسوله (ص) أو أوليائه ‪ ،‬فهو إذا لم يكن بصدد بيان حكم‬
‫جواز اللعن أو لم يستفد منه ذلك بشكل ظاهر وب ّين‪ ،‬فيشكل استفادة جواز اللعن منه بالنسبة‬
‫إلينا‪ ،‬والوجه فيه أن اللعن على لسانه (ص) قد يكون لغرض بيان الحكم الشرعي وليس‬
‫لتأسيس قاعدة في اللعن‪.‬‬
‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إن لعن الله ورسوله وإن لم يدل على جواز اللعن بالنسبة إلينا لما‬
‫ذكر‪ ،‬لكنّه يثبت استحقاق الملعون للطرد من رحمة الله تعالى‪ ،‬ومن كان ملعون ًا ومطرود ًا من‬

‫مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .387‬والمستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .103‬وعوالي الآللي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.266‬‬ ‫(( (‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪ ،285‬الحديث ‪ ،2‬الباب ‪ 87‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،132‬الحديث ‪ ،3‬الباب ‪ 19‬من أبواب ما يكتسب به‪.‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.38‬‬ ‫((( ‬
‫من قبيل ما ورد في النهي عن لعن المسلم أو المؤمن‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪166‬‬
‫أن اللعنة تصيب الملعون إن كان‬ ‫إن ما ّ‬
‫دل على ّ‬ ‫رحمته ليس ثمة ما يمنع من جواز لعنه‪ ،‬بل ّ‬
‫أه ً‬
‫ال يستفاد منها عدم حرمة لعنه‪.‬‬
‫إن القاعدة المتقدمة المشار إليها غير مرة قد د ّلت على حرمة لعن من ال يستحق‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫اللعن‪ ،‬والعاصي ملعون لعن ًا نسبي ًا‪ ،‬وليس لعن ًا كلي ًا‪ ،‬فكيف لنا أن ننشئ لعنه بما هو ظاهر‬
‫بطلب طرده من رحمة الله طرد ًا كلي ًا‪ ،‬مع أنّه ليس مستحق ًا لذلك وترجى توبته قبل موته؟!‬
‫نعم لو قيد اللعن وخصص بما إذا كان متلبس ًا بالعنوان فال ضير فيه‪.‬‬
‫للسب عرف ًا‪ ،‬وإال فال يجوز بعنوان آخر‪ .‬فالحكم‬
‫ّ‬ ‫هذا كله إذا لم يكن اللعن مصداق ًا‬
‫سب العاصي مطلق ًا ال يخلو من إشكال‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫أن ثمة ما يدل على النهي عن لعن‬ ‫بجواز ّ‬
‫ال بأنّه يحب الله ورسوله‪ ،‬وورد النهي عن لعن المحدود معل ً‬
‫ال بالتعليل‬ ‫شارب الخمر معل ً‬
‫عينه‪.‬‬

‫‪5 -5‬ما ورد في لعن �أ�شخا�ص ب�أعيانهم‬


‫أن اللعن الصادر عن المعصوم إذا كان لعن ًا للعنوان فيجوز لعن العنوان‬
‫ذكرنا سابق ًا ّ‬
‫ثم لعنهم‪ ،‬وأما إذا كان لعن ًا لألفراد جاز لعن‬
‫فقط دون تطبيق العنوان على األشخاص ومن ّ‬
‫الفرد الذي لعنوه فقط‪ ،‬على تأمل وإشكال في ذلك‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬ولكن السؤال هل صدر عن‬
‫األئمة ‪ ‬لعن إنشائي بحق األشخاص؟‬
‫ٍ‬
‫أشخاص بأعيانهم من قبل النبي (ص) أو اإلمام ‪ ‬ما دام ال يستفاد‬ ‫ر ّبما يقال‪ّ :‬‬
‫إن لع َن‬
‫والتعرف عليه‪ .‬ولكن الصحيح إمكانية تحصل ثمرة‬ ‫ّ‬ ‫منه قاعدة عامة‪ ،‬فال ثمرة من درسه‬
‫ممن يقدسهم‬ ‫لذلك‪ ،‬وأبرز ثمرة لذلك‪ ،‬أنّه إذا ثبت أنّهم لعنوا أشخاص ًا لهم رمزيتهم كونهم ّ‬
‫أو يحترمهم بعض الناس أو جمهور المسلمين‪ ،‬فهذا سيكون له ثمرة وهي جواز لعنه بالنسبة‬
‫لنا‪ ،‬اقتدا ًء باإلمام ‪.‬‬
‫وما يمكن العثور عليه في هذا المجال هو الموارد التالية‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬روي عن رسول الله (ص) أنّه لعن أبا سفيان ومعاوية ويزيد‪ ،‬حيث‬
‫إنّه (ص) رأى أبا سفيان مقب ً‬
‫ال على حمار ومعاوية يقود ويزيد يسوقه‪ ،‬فقال (ص)‪« :‬لعن الله‬
‫الراكب والقائد والسائق»(((‪.‬‬

‫(( ( تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،185‬وجاء فيه‪« :‬ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به»‪ .‬وربيع األبرار‬
‫ونصوص األخيار‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .358‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪ .175‬والخصال للصدوق‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪167‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫صحت الرواية‪ ،‬فيزيد المذكور فيها ال يراد به يزيد بن معاوية(((‪ ،‬ألنّه لم يدرك‬
‫ولو ّ‬
‫رسول الله (ص) فإنّه ولد عام‪ 26‬أو‪ 25‬للهجرة‪ّ ،‬‬
‫فلعل المراد به يزيد بن أبي سفيان كما تشهد‬
‫صرحت ّ‬
‫أن الملعون هو معاوية وأخوه‪ ،‬دون أن تسمي األخ(((‪ ،‬وفي‬ ‫به بعض المصادر التي ّ‬
‫ُص على اسمه وهو يزيد أخو معاوية(((‪ .‬وفي معاني األخبار بسنده إلى‬
‫مصادر أخرى ن َّ‬
‫البراء بن عازب قال‪ :‬أقبل أبو سفيان ومعاوية يتبعه‪ ،‬فقال رسول الله(ص)‪« :‬اللهم العن‬
‫التابع والمتبوع‪.(((»...‬‬
‫ولكن يبقى أنّه ال يعلم ما إذا كان لعنه لهؤالء الثالثة بعد إسالمهم أم قبله‪ ،‬فيكون‬
‫السبب هو شركهم ومعاداتهم لإلسالم‪ ،‬ولعن أبي سفيان قبيل إسالمه ‪ -‬ظاهر ًا ‪ -‬قد صدر‬

‫مع أن جمع ًا من علماء المسلمين أجازوا لعنه‪ ،‬قال ابن حجر الهيثمي متحدث ًا عن يزيد‪« :‬وبعد اتفاقهم‬ ‫(( (‬
‫على فسقه اختلفوا في جواز لعنه بخصوص اسمه‪ ،‬فأجازه قوم منهم ابن الجوزي ونقله عن أحمد‬
‫وغيره‪ ،‬فإنه قال في كتابه المسمى بـ «الرد على المتعصب العنيد المانع من ذ ّم يزيد»‪ :‬سألني سائل‬
‫عن يزيد بن معاوية فقال له‪ :‬يكفي ما به‪ ،‬فقال‪ :‬أيجوز لعنه؟ فقلت‪ :‬قد أجازه العلماء الورعون منهم‬
‫أحمد بن حنبل‪ ،‬فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة‪ ،‬ثم روى ابن الجوزي عن القاضي أبي‬
‫يعلى الفراء أنه روى في كتابه «المعتمد في األصول» بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال‪ :‬قلت‬
‫ألبي‪ :‬إن قوم ًا ينسبوننا إلى تولي يزيد؟ فقال‪ :‬يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم ال يلعن من‬
‫لعنه الله في كتابه‪ ،‬فقلت وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال‪ :‬في قوله تعالى ﴿ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ * ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾ [محمد‪،]23 - 22 :‬‬
‫فهل يكون فساد أعظم من القتل‪ .‬وفي رواية فقال‪ :‬يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه فذكره‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي‪ :‬وصنف القاضي أبو يعلى كتاب ًا ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد‪ ،‬ثم‬
‫ذكر حديث «من أخاف أهل المدينة ظلم ًا أخافه الله وعليه لعنة الله والمالئكة والناس أجمعين»‪ ،‬وال‬
‫خالف أن يزيد غزا المدينة بجيش وأخاف أهلها»‪ .‬انظر‪ :‬الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع‬
‫والزندقة‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫هذا ما ورد في احتجاج اإلمام الحسن ‪ ‬على معاوية وجاء فيه‪« :‬إنك يا معاوية كنت تسوق‬ ‫((( ‬
‫بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد‪ ،‬وهذا‪ :‬يوم األحزاب‪ ،‬فلعن رسول الله القائد‬
‫والراكب والسائق‪ ،‬فكان‪ :‬أبوك الراكب‪ ،‬وأنت يا أزرق السائق‪ ،‬وأخوك هذا القاعد القائد»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫أن الملعون هو أبو سفيان وأخوه‪ ،‬فقد‬ ‫االحتجاج للطبرسي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .408‬وفي بعض المصادر ّ‬
‫فمر أبو سفيان على بعير ومعه أخ له‪ ،‬أحدهما يقود‬ ‫أن النبي (ص) كان جالس ًا ّ‬ ‫روى البالذري ّ‬
‫البعير واآلخر يسوقه‪ ،‬فقال رسول الله (ص)‪« :‬لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أنساب األشراف‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.129‬‬
‫المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.57‬‬ ‫(( (‬
‫معاني األخبار‪ ،‬ص ‪.345‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪168‬‬
‫عن النبي (ص) حسبما جاء في روايات أخرى‪ ،‬وهي التي ورد فيها ّ‬
‫أن النبي (ص) لعنه مع‬
‫ثالثة آخرين‪ ،‬وهما‪ :‬الحرث بن هشام‪ ،‬وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية(((‪.‬‬
‫أن النبي (ص) لعن المغيرة بن أبي العاص‪ ،‬ففي الخبر عن‬ ‫المورد الثاني‪ :‬ما روي ّ‬
‫أبي عبد الله الصادق ‪ ...« :‬قال رسول الله (ص)‪ :‬اللهم العن المغيرة بن أبي العاص‪،‬‬
‫عم عثمان بن عفان‪ ،‬وكان‬‫والعن من يؤويه والعن من يحمله‪ »...‬والمغيرة هذا هو ُّ‬
‫(((‬

‫رسول الله (ص) قد أهدر دمه(((‪ .‬ولكن الرواية ضعيفة السند(((‪.‬‬


‫المورد الثالث‪ :‬لعن أبي الخطاب‪ :‬فقد روي أن اإلمام الصادق ‪ ‬لعن أبا الخطاب‪،‬‬
‫ففي الخبر عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬خرج إلينا أبو عبد الله ‪ ‬وهو مغضب فقال‪« :‬إني‬
‫خرجت آنف ًا في حاجة‪ ،‬فتعرض لي بعض سودان المدينة‪ ،‬فهتف بي‪ :‬لبيك يا جعفر بن‬
‫محمد لبيك‪ ،‬فرجعت عودي على بدئي إلى منزلي خائف ًا ذعر ًا مما قال‪ ،‬حتى سجدت في‬
‫مسجدي لربي وع ّفرت له وجهي وذللت نفسي وبرئت إليه مما هتف بي‪ ...‬ثم قال‪ :‬لعن الله‬
‫أبا الخطاب‪ ،‬وقتله بالحديد»(((‪.‬‬
‫وروى الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن محمد بن الحسن‬
‫الصفار‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن بعض أصحابه عن أبي‬

‫قال السيوطي‪« :‬وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدالئل عن ابن‬ ‫(( (‬
‫عمر قال‪ :‬قال رسول الله (ص) يوم أحد‪« :‬اللهم العن أبا سفيان‪ ،‬اللهم العن الحرث [الحارث] بن‬
‫هشام‪ ،‬اللهم العن سهيل بن عمرو‪ ،‬اللهم العن صفوان بن أمية»‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ ﴿ :‬ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﴾ [آل عمران‪ ،]128 :‬فتيب عليهم كلهم»‪ .‬انظر‪ :‬سنن الترمذي‪،‬‬
‫ج ‪ ،4‬ص ‪ .295‬وجامع البيان عن تأويل أي القرآن للطبري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .118‬والدر المنثور في التفسير‬
‫بالمأثور‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .71‬ونقل الرواية أيض ًا مع التصريح بأسماء جميع الملعونين الصالحي الشامي‪،‬‬
‫في سبل الهدى والرشاد‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .246‬والحلبي في السيرة الحلبية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .514‬واآللوسي في‬
‫تفسيره‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .49‬والشوكاني في فتح القدير‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .380‬وتاريخ مدينة دمشق البن عساكر‪،‬‬
‫ج ‪ ،11‬ص ‪ ،494‬ولكن بعضهم حذف اسم أبي سفيان وجعل مكانه «فالن ًا»‪ ،‬كما في مسند أحمد‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫ص ‪ .93‬وعنه تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .411‬وهذا من العبث باألحاديث دونما‬
‫مبرر مقبول‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.252‬‬ ‫((( ‬
‫راجع قصته في المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪..251‬‬ ‫(( (‬
‫صرح بذلك المجلسي في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.242‬‬ ‫كما ّ‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .226‬والخبر مرسل‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪169‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬قيل له‪ّ :‬‬
‫«إن أبا الخطاب يذكر عنك أنّك قلت له‪ :‬إذا عرفت الحق فاعمل‬
‫ما شئت‪ ،‬فقال‪ :‬لعن الله أبا الخطاب‪ ،‬والله ما قلت له هكذا‪ ،‬ولكن قلت‪ :‬إذا عرفت الحق‬
‫إن الله عز وجل يقول‪ ﴿ :‬ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬ ‫فاعمل ما شئت من خير ُيقبل منك‪ّ ،‬‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫وروى الكشي بإسناد معتبر عن محمد بن عيسى بن عبيد‪ ،‬عن يونس بن عبد الرحمن‬
‫قال‪« :‬وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ‪ ‬ووجدت أصحاب أبي‬
‫عبد الله ‪ ‬متوافرين‪ ،‬فسمعت منهم وأخذت كتبهم‪ ،‬فعرضتها من بعد على أبي الحسن‬
‫الرضا ‪ ‬فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله ‪ .‬وقال لي‪ :‬إن أبا‬
‫الخطاب كذب على أبي عبد الله ‪ ‬لعن الله أبا الخطاب‪ ،‬وكذلك أصحاب أبي الخطاب‬
‫يدسون هذه األحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله ‪ ،‬فال تقبلوا علينا‬
‫السنة‪ .(((»..‬إلى غيرها من‬ ‫خالف القرآن فإنّا ْ‬
‫إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة ُّ‬
‫الروايات التي ورد فيها لعن أبي الخطاب وأصحابه(((‪.‬‬
‫ولعن أبي الخطاب وأتباعه ألنهم ‪ -‬كما يستفاد من الروايات الكثيرة ‪ -‬كانوا يعتقدون‬
‫بربوبية اإلمام ‪ ،‬بل تجاوز األمر ذلك‪ ،‬إلى أن ادعى أبو الخطاب األلوهية لنفسه‪ ،‬وكانوا‬
‫يستحلون المحرمات‪ ،‬ويوؤلون الشريعة‪ ،‬ووضعوا األحاديث بقصد تخريب الدين‬
‫وإفساد العباد(((‪.‬‬

‫(( ( سورة النساء ‪.124‬‬


‫(( ( معاني األخبار‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫((( اختيار معرفة الرجال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .489‬وراجع‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.584‬‬
‫(( ( قال الكشي‪« :‬حدثني محمد بن قولويه‪ ،‬والحسين بن الحسن بن بندار القمي‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا سعد بن‬
‫عبد الله‪ ،‬قال‪ :‬حدثني إبراهيم بن مهزيار‪ ،‬ومحمد بن عيسى بن عبيد‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سمعت أبا جعفر ‪ ‬يقول وقد ذكر عنده أبو الخطاب‪ :‬لعن الله أبا الخطاب‪ ،‬ولعن أصحابه‪ ،‬ولعن‬
‫الشاكين في لعنه‪ ،‬ولعن من قد وقف في ذلك وشك فيه‪ .‬ثم قال‪ :‬هذا أبو الغمر وجعفر بن واقد وهاشم‬
‫بن أبي هاشم استأكلوا بنا الناس‪ ،‬وصاروا دعاة يدعون الناس إلى ما دعى إليه أبو الخطاب‪ ،‬لعنه الله‬
‫ولعنهم معه‪ ،‬ولعن من قبل ذلك منهم‪ ،‬يا علي ال تتحرجن من لعنهم لعنهم الله فإن الله قد لعنهم‪،‬‬
‫ثم قال‪ ،‬قال رسول الله‪ :‬من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله»‪ .‬اختيار معرفة الرجال‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫ص ‪ ،810‬والسند صحيح على الظاهر‪.‬‬
‫((( راجع الروايات في المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 490‬وما بعدها‪ .‬ومعجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪256‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪170‬‬
‫المورد الرابع‪ :‬ما ورد في لعن اإلمام الصادق ‪ ‬المغيرة بن سعيد‪ ،‬فقد روى‬
‫الشيخ في التهذيب بسند ينتهي إلى أبي هالل‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬أينقض الرعاف‬
‫والقيء ونتف اإلبط الوضوء؟ فقال‪ :‬وما تصنع لهذا‪ ،‬فهذا قول المغيرة بن سعيد‪ ،‬لعن الله‬
‫المغيرة‪ ،‬ويجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله وال تعيد الوضوء»(((‪ ،‬والحديث ‪-‬كما ذكر‬
‫فإن الحديث يدل‬‫المجلسي‪ -‬مجهول((( والظاهر أنّه لجهالة أبي هالل وباإلضافة إلى ذلك‪ّ ،‬‬
‫على نجاسة القيء ولم يقل بذلك أحد‪ ،‬وإن حمله المجلسي على االستحباب(((‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه الكشي‪ ،‬بسنده إلى محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن‬
‫أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر‪ ،‬فقال يا أبا محمد ما أشدّ ك في الحديث‬ ‫عبد الرحمن ّ‬
‫وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا! فما الذي يحملك على ر ّد األحاديث‪ ،‬فقال حدثني هشام‬
‫ابن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله ‪ ‬يقول‪ :‬ال تقبلوا علينا حديث ًا ّإل ما وافق القرآن ُّ‬
‫والسنة‬
‫دس في كتب‬ ‫فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله ّ‬‫أو تجدون معه شاهد ًا من أحاديثنا المتقدمة‪ّ ،‬‬
‫أبي أحاديث لم يحدث بها‪ ،‬فاتقوا الله وال تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة‬
‫نبينا(ص)‪ .(((»...‬وروى الكشي أيض ًا بسنده عن ابن مسكان‪ ،‬عمن حدثه من أصحابنا‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬لعن الله المغيرة بن سعيد أنه كان يكذب على أبي فأذاقه‬
‫الله حر الحديد‪ ،‬لعن الله من قال فينا ما ال نقوله في أنفسنا ولعن الله من أزالنا عن العبودية‬
‫لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا»(((‪.‬‬
‫وللمغيرة مذهب فاسد‪ ،‬وآراء باطلة‪ ،‬وقد «ترقى األمر بالمغيرة إلى أن زعم أنّه رسول‬
‫نبي‪ّ ،‬‬
‫وأن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله‪ ،‬فأخذه خالد بن عبد الله القسري‪ ،‬فسأله عن‬
‫فأقر به‪ ،‬ودعى خالد إليه‪ ،‬فاستتابه خالد‪ ،‬فأبى أن يرجع عن قوله‪ ،‬فقتله وصلبه‪ ،‬وكان‬
‫ذلك‪ّ ،‬‬
‫يدعي أنّه يحيي الموتى‪ ،‬وقال بالتناسخ‪ ،‬وكذلك قول أصحابه إلى اليوم‪ ،‬انتهى»(((‪ .‬وقد‬
‫مر في الخبر‪.‬‬
‫عرف المغيرية (أتباغ المغيرة) بوضع األحاديث‪ ،‬كما ّ‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.349‬‬


‫(( ( كما اعترف به المجلسي في مالذ األخيار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.16‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫(( ( رجال الكشي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.491‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪ .489‬وعنه معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.299‬‬
‫(( ( فرق الشيعة‪ ،‬ص ‪ ،63 - 59‬وعنه خاتمة المستدرك للميرزا النوري‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.317 - 316‬‬
‫‪171‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫المورد الخامس‪ :‬لعن اإلمام الرضا ‪ ‬يونس بن ظبيان‪ ،‬وقد ورد ذلك في الخبر‬
‫الصحيح‪ ،‬وذلك بسبب ادعائه أمر ًا عظيم ًا(((‪.‬‬
‫المورد السادس‪ :‬لعن أحمد بن هالل العبرتائي‪ ،‬ورد التوقيع بلعنه والدعاء عليه والبراءة‬
‫منه(((‪.‬‬
‫المورد السابع‪ :‬ما ورد في خبر عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله ‪ ‬المتقدم عن‬
‫الكافي والذي تضمن لعنه (ص) للمغيرة فقد جاء فيه أيض ًا‪َ  ..« :‬ق َال إِ َّن ا ْل َف ِ‬
‫اس َق َع َل ْيه َل ْعنَ ُة ال َّله‬
‫ول ال َّله (ص) َد َمه»(((‪ .‬وقد تقدم أن‬ ‫َان ِم َّم ْن َهدَ َر َر ُس ُ‬ ‫َآوى َع َّمه ا ْل ُم ِغ َير َة ْب َن َأبِي ا ْل َع ِ‬
‫اص‪ ،‬وك َ‬
‫الخبر ضعيف السند‪.‬‬
‫وقد يعثر المتتبع في األخبار على حاالت أخرى ورد فيها لعن أشخاص بأعيانهم‪.‬‬
‫وما يمكن أن نذكره في هذا المقام تعليق ًا على الروايات اآلنفة‪ّ ،‬‬
‫أن هذا اللعن ال يستفاد‬
‫انصب على أفراد‬
‫ّ‬ ‫منه بطبيعة الحال قاعدة عامة في لعن أتباع المذاهب األخرى‪ ،‬فاللعن‬
‫معينين وهم يمثلون رموز ًا للضالل فقد نصبوا أنفسهم في مقابل الحجج ‪ ‬وسعى بعضهم‬
‫إلى محاربة أئمة الهدى وادعاء األلوهية فيهم‪ ،‬وأبدعوا في دين الله وهدفوا إلى تخريب‬
‫الدين وإضاعة معالمه من خالل وضع األحاديث‪ ،‬وسعوا إلى إفساد عقائد المؤمنين وبذلوا‬
‫الجهد في إضاللهم‪ ،‬وعليه فال يمكن إلغاء الخصوصية عن هذه العناوين‪ ،‬وتعميم القول‬
‫بجواز لعن كل من لم يكن موالي ًا ألهل البيت ‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬ور ّبما كان غرض األئمة ‪‬‬
‫من لعنهم هو تحذير الناس من انحرافهم العقدي حتى ال يقع أحد من المؤمنين في شركهم‪.‬‬
‫على أن بعض موارد اللعن المتقدمة هي محتملة لإلخبار‪ ،‬واللعن الخبري ال يجيز اللعن‬
‫اإلنشائي‪.‬‬
‫فإن من المحتمل ّ‬
‫أن األئمة ‪ ‬عندما لعنوا هؤالء الرموز إنما أرادوا‬ ‫ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫التحذير منهم والتنبيه إلى خطرهم حتى يحذرهم المؤمنون‪ ،‬ممن اغتروا بهم‪ ،‬ال أنّهم أرادوا‬
‫تأسيس ُسنّة في لعنهم‪.‬‬
‫هذا بصرف النظر عن العناوين الثانوية التي قد تنطبق في المقام والتي قد تمنع من‬

‫((( انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص ‪.205‬‬


‫((( انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.149‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.251‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪172‬‬
‫لعن بعضهم‪ ،‬ممن أصبحوا رموز ًا ولهم أتباع ويستوجب لعنهم إثارة الشحناء والضغينة بين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫المورد الثامن‪ :‬لعن الخلفاء‪ ،‬وقد ورد ذلك في بعض الزيارات‪ ،‬وهو ما ورد في زيارة‬
‫عاشوراء‪.‬‬
‫وهذه الزيارة بالخصوص (وليس أصل زيارته ‪ ‬في يوم عاشوراء أو غيره من األيام)‬
‫الواردة في مصباحي الشيخ والكفعمي(((‪ ،‬هي محل البحث والدرس‪ ،‬وقد وقع الكالم في‬
‫سندها كما وقع البحث في متنها‪ ،‬وذلك بخصوص فقرة اللعن المشار إليها(((‪.‬‬
‫المورد التاسع‪ :‬ورد في بعض األخبار لع ُن أبي حنيفة‪ ،‬فقد روى الكليني في الكافي‬
‫يم َع ْن َأبِيه َع ِن ا ْب ِن َأبِي ُع َم ْي ٍر َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن َح ِكي ٍم َق َال ُق ْل ُت ألَبِي ا ْل َح َس ِن‬ ‫ِ‬
‫عن َعل ّي ْبن إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬حتَّى إِ َّن ا ْل َج َما َع َة ِمنَّا‬
‫ين و َأ ْغنَانَا ال َّله بِك ُْم َع ِن الن ِ‬ ‫اك ُف ِّق ْهنَا فِي الدِّ ِ‬ ‫وسى ‪ُ ‬ج ِع ْل ُت فِدَ َ‬ ‫ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما َم َّن ال َّله‬ ‫َح ُض ُره ا ْل َم ْس َأ َل ُة و َي ْح ُض ُره َج َوا ُب َها ف َ‬ ‫س َما َي ْس َأ ُل َر ُج ٌل َصاح َبه ت ْ‬ ‫ُون في ا ْل َم ْجل ِ‬ ‫َل َتك ُ‬
‫ول َع ْن آ َب ِائ َك َش ْي ٌء‪َ ،‬فنَ َظ ْرنَا إِ َلى َأ ْح َس ِن َما‬ ‫الش ْي ُء َل ْم َي ْأتِنَا فِيه َعن َْك َ‬ ‫َع َل ْينَا بِك ُْم‪َ ،‬ف ُر َّب َما َو َر َد َع َل ْينَا َّ‬
‫ات فِي َذلِ َك‪ ،‬وال َّله َه َل َك‬ ‫ِ‬
‫َي ْح ُض ُرنَا و َأ ْو َف ِق األَ ْش َياء لِ َما َجا َءنَا َعنْك ُْم َفن َْأ ُخ ُذ بِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ْي َه َ‬
‫ات َه ْي َه َ‬
‫ول َق َال َع ِل ٌّي و ُق ْل ُت‪َ :‬ق َال ُم َح َّمدُ‬ ‫َم ْن َه َل َك َيا ا ْب َن َح ِكي ٍم‪َ ،‬ق َال‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬ل َع َن ال َّله َأ َبا َحنِي َف َة ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫ص لِي فِي ا ْل ِق َي ِ‬
‫اس(((‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْب ُن َحكي ٍم ل ِه َشا ِم ْب ِن ا ْل َح َك ِم‪ :‬وال َّله َما َأ َر ْد ُت إِ َّل َأ ْن ُي َر ِّخ َ‬
‫وال يخفى أن قوله ‪« ‬كان يقول» هو بمثابة التعليل‪ ،‬والتعليل يعمم الحكم إلى كل من‬
‫ف بمحمد‬ ‫نصب نفسه حج ًة في قبال علي ‪ّ .‬إل ّ‬
‫أن الرواية قد تُض َّع ُ‬ ‫قال مثل قوله‪ ،‬بحيث ّ‬
‫ابن حكيم فإنه لم يرد فيه توثيق وإن ورد فيه مدح من حيث المناظرة وعلم الكالم(((‪ .‬ولكن‬
‫ممن روى عنه ابن أبي عمير‪.‬‬‫قد يكتفى في توثيقه بأنّه ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وثمة رواية أخرى في المقام وهي موثقة‪ ،‬رواها في الكافي أيض ًا‪ ،‬عن َعل ّي ْبن إِ ْب َراه َ‬
‫يم‪،‬‬

‫((( مصباح الشيخ‪ ،‬ص ‪ .772‬ومصباح الكفعمي‪ ،‬ص ‪.269‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬الملحق رقم (‪ ،)5‬ج ‪.2‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .56‬والمحاسن للبرقي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.213‬‬
‫(( ( وقد جرى السيد الخوئي رحمه الله في فقهه على تضعيف رواياته‪ .‬انظر‪ :‬شرح العروة الوثقى ‪ /‬الصالة‬
‫‪ -‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ 87‬وص ‪ 152‬وص ‪226‬؛ وج ‪ ،29‬ص ‪ .219‬ولذا ع ّبر المجلسي‬
‫عن روايته بالحسنة‪ .‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،193‬ولعل توصيفها بالحسنة ألجل إبراهيم بن‬
‫هاشم‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ان َع ْن َأبِي‬ ‫ الر ْح َم ِن‪َ ،‬ع ْن َس َما َع َة ْب ِن ِم ْه َر َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يسى ْب ِن ُع َب ْيد َع ْن ُيون َُس ْب ِن َع ْبد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن ُم َح َّمد ْب ِن ع َ‬
‫وسى ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬أ ْص َل َح َك ال َّله إِنَّا ن َْجت َِم ُع َفنَت ََذاك َُر َما ِعنْدَ نَا َف َل َي ِر ُد َع َل ْينَا َش ْي ٌء‬ ‫ا ْل َح َس ِن ُم َ‬
‫الص ِغ ُير َل ْي َس‬ ‫الش ْي ُء َّ‬‫وعنْدَ نَا فِيه َش ْي ٌء ُم َس َّط ٌر و َذلِ َك ِم َّما َأ ْن َع َم ال َّله بِه َع َل ْينَا بِك ُْم‪ُ ،‬ث َّم َي ِر ُد َع َل ْينَا َّ‬
‫إِ َّل ِ‬
‫يس َع َلى َأ ْح َسنِه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬و َما َلك ُْم‬ ‫ِ‬
‫ض وعنْدَ نَا َما ُي ْشبِ ُهه َفنَق ُ‬
‫ِعنْدَ نَا فِيه َشيء َفينْ ُظر بع ُضنَا إِ َلى بع ٍ ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ ٌ َ ُ َْ‬
‫ِ‬
‫ون َف ُقو ُلوا به‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اس‪ُ .‬ث َّم َق َال‪ :‬إ َذا َجا َءك ُْم َما َت ْع َل ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪ ،‬إِن ََّما َه َل َك َم ْن َه َل َك م ْن َق ْبلك ُْم با ْلق َي ِ‬
‫ِ‬ ‫ولِ ْل ِق َي ِ‬
‫ول‪َ :‬ق َال‬ ‫َان َي ُق ُ‬‫ون َف َها و َأ ْه َوى بِ َي ِده إِ َلى فِيه‪ُ .‬ث َّم َق َال‪َ :‬ل َع َن ال َّله َأ َبا َحنِي َف َة ك َ‬ ‫وإِ ْن َجا َءك ُْم َما َل َت ْع َل ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َحا َب ُة و ُق ْل ُت‪.(((»..‬‬ ‫َعل ٌّي و ُق ْل ُت َأنَا‪ ،‬و َقا َلت َّ‬
‫ثمة ما يبعث على الريبة والشك في صدور اللعن بحق أبي حنيفة عن اإلمام‬ ‫إال ّ‬
‫أن ّ‬
‫أن أبا حنيفة كان من المحبين ألهل البيت ‪ ،‬ومن الذين يترددون عليهم‪،‬‬ ‫الكاظم ‪ ،‬وهو ّ‬
‫والذين تلمذوا على أبيه الصادق ‪ ،‬في الكوفة وفي المدينة(((‪ ،‬وقال على ما جاء في بعض‬
‫األخبار أنه «لم ير أفقه من جعفر بن محمد ‪ .(((»‬و ُيروى عنه ما يدل على أنه كان يو ِّقر ابنه‬
‫اإلمام الكاظم ‪ ‬أيض ًا(((‪ ،‬وعليه فكيف يلعنه؟! وهل يسع أبي حنيفة أن يجعل نفسه في قبال‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.57‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬إعالم الورى للطبرسي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .29‬وتحف العقول‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫(( ( وإليك الرواية بأكملها‪ :‬وسئل (يقصد أبا حنيفة)‪« :‬من أفقه من رأيت؟ قال‪ :‬ما رأيت أحد ًا أفقه من‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬لما أقدمه المنصور الحيرة‪ ،‬بعث إلي فقال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬إن الناس قد فتنوا بجعفر‬
‫ابن محمد‪ ،‬فهيئ له من مسائلك الصعاب‪ .‬فهيأت له أربعين مسألة‪ .‬ثم أتيت أبا جعفر‪ ،‬وجعفر جالس‬
‫عن يمينه‪ ،‬فلما بصرت بهما‪ ،‬دخلني لجعفر من الهيبة ما ال يدخلني ألبي جعفر‪ ،‬فسلمت وأذن لي‪،‬‬
‫فجلست‪ .‬ثم التفت إلى جعفر‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبد الله‪ ،‬تعرف هذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬هذا أبو حنيفة‪ .‬ثم أتبعها‪ :‬قد‬
‫أتانا‪ .‬ثم قال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله فابتدأت أسأله‪ .‬فكان يقول في المسألة‪:‬‬
‫أنتم تقولون فيها كذا وكذا‪ ،‬وأهل المدينة يقولون كذا وكذا‪ ،‬ونحن نقول كذا وكذا‪ ،‬فربما تابعنا وربما‬
‫تابع أهل المدينة‪ ،‬وربما خالفنا جميع ًا‪ ،‬حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة‪ .‬ثم قال أبو‬
‫حنيفة أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختالف الناس؟!»‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب الكمال للمزي‪ ،‬ج ‪،5‬‬
‫ص ‪ .79‬وسير أعالم النبالء للذهبي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.258‬‬
‫((( ففي المناقب البن شهر آشوب وقال أبو حنيفة‪ :‬رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز‬
‫ث الغريب منكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي ثم قال‪ :‬يتوارى خلف الجدار ويتوقى‬ ‫أبيه فقلت‪ :‬أين ُي ْح ِد ُ‬
‫شطوط األنهار ومساقط الثمار وأفنية الدور والطرق النافذة والمساجد وال‬ ‫َ‬ ‫أعين الجار ويتجنب‬
‫يستقبل القبلة وال يستدبرها ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء‪ .‬قال‪ :‬فلما سمعت هذا القول منه نبل في‬
‫إلي ثم قال‪ :‬اجلس حتى أخبرك‪،‬‬ ‫عيني وعظم في قلبي‪ ،‬فقلت له‪ :‬جعلت فداك ممن المعصية؟ فنظر ّ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫إن المعصية ال بد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا‪ ،‬فإن كانت من الله تعالى‬ ‫فجلست فقال‪ّ :‬‬
‫فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله‪ ،‬وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي=‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪174‬‬
‫علي وهو تلميذ حفيده؟! ولكن ربما يقال‪ :‬هذا ال يكفي لر ّد الرواية‪ ،‬وكيف كان‪ ،‬فالرواية‬
‫معللة وال يتعدى عن مورد التعليل لخصوصيته‪.‬‬

‫المرحلة الخام�سة‪ :‬حكم اللعن بالعنوان الثانوي‬


‫عما تقدّ م‪ّ ،‬‬
‫فإن باإلمكان الحكم‬ ‫هذا كله حكم اللعن بالعنوان األولي‪ ،‬وبصرف النظر ّ‬
‫بحرمته بالعنوان الثانوي‪ ،‬وهناك أكثر من عنوان ثانوي يمكن االستناد إليه إلثبات حرمة‬
‫اللعن حتى فيما ثبت جوازه بالعنوان األولي‪ ،‬وإليك توضيح ذلك‪:‬‬

‫‪1 -1‬اللعن الذي يجر اللعن‬


‫العنوان األول‪ :‬اللعن الذي يكون في معرض استدعاء لعن مضاد لمن ال يستحق اللعن‪،‬‬
‫بأن ذلك سوف يدفع اآلخر إلى لعن‬‫كما لو لعن الشخص أبا شخص آخر مع علمه أو ظنه ّ‬
‫بأن ذلك سوف يتسبب بلعن رموز‬‫والديه‪ ،‬أو أقدم على لعن بعض رموز الباطل‪ ،‬مع علمه ّ‬
‫الحق وقادته‪.‬‬
‫وما يمكن أن يستدل به على حرمة هذا النحو من اللعن‪:‬‬
‫أن التسبب إلى الحرام حرام‪ّ ،‬‬
‫فإن النهي إذا‬ ‫إن ذلك على مقتضى القاعدة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫يدل ‪ -‬بحسب االرتكاز ‪ -‬على كونه مبغوض ًا للشارع بالمباشرة أو التسبيب‪،‬‬ ‫تع ّلق بشيء فإنّه ّ‬
‫وما نحن فيه كذلك‪ ،‬فحرمة لعن أئمة الهدى وقادة الحق أو حرمة لعن اآلباء واألمهات أو‬
‫غيرهم تدل على حرمة لعنهم بالمباشرة أو بالتسبيب‪.‬‬
‫ولكن قد يقال‪ :‬هذا يصح لو نسب فعل الحرام إلى السبب‪ ،‬بحيث كان المباشر ضعيف ًا‬
‫وبمثابة اآللة للفاعل‪ ،‬وأما إذا كان السبب ذا اختيار وإرادة ّ‬
‫فإن الفعل حينها ينتسب إليه ال إلى‬
‫اآلمر المتسبب‪ ،‬واألمر هنا كذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن من يلعن اآلخرين أو آلهتهم فير ّدون عليه بلعن الله‬
‫تعالى أو بلعن النبي (ص) أو إمام ًا من أئمة الهدى أو لعن أبويه‪ ..‬فال ينتسب اللعن إليه وال‬
‫يقال عرف ًا إنّه لعن الله تعالى أو الرسول‪..‬‬
‫ولذا تحتاج القاعدة المذكورة إلى دليل ّ‬
‫يدل عليها‪ .‬وقد ذكر السيد الخوئي بعض األدلة‬

‫أولى بإنصاف الضعيف‪ ،‬وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع األمر واليه توجه النهي وله حق الثواب‬ ‫= ‬
‫والعقاب ووجبت الجنة والنار‪ ،‬فقلت‪ ﴿ :‬ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾ [آل عمران‪ .]34 :‬مناقب آل أبي‬
‫طالب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.329‬‬
‫‪175‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫عليها‪ ،‬فقال‪« :‬وقد أشير إلى حرمة التسبيب إلى الحرام في بعض اآليات والروايات»(((‪،‬‬
‫وذكر في الهامش أمرين‪:‬‬
‫﴿ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫األمر األول‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ال عن قتادة‪ ،‬قال‪« :‬كان المسلمون يسبون أصنام‬‫ﲧٍ ﴾((( وقد ورد في أسباب النـزول‪ :‬نق ً‬
‫الكفار فنهاهم الله عن ذلك‪ ،‬لئال يسبوا الله»(((‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬صحيحة ابن الحجاج البجلي عن أبي الحسن موسى ‪ ‬في رجلين‬
‫يتسابان؟ فقال ‪« :‬البادي منهما أظلم‪ ،‬ووزره ووزر صاحبه عليه‪ ،‬ما لم يعتذر إلى‬
‫المظلوم»(((‪ّ .‬‬
‫فإن حمل الساب لوزر س ّبه واضح‪ ،‬وأ ّما حمله لوزر صاحبه‪ ،‬فلكونه المتسبب‬
‫السب منه‪.‬‬
‫في صدور ذلك ّ‬
‫إن اآلية المباركة والصحيحة المذكورة إذا لم تدال على حرمة‬ ‫ويمكننا أن نقول‪ّ :‬‬
‫التسبيب إلى الحرام بشكل مطلق‪ ،‬فإنهما تدالل على حرمة ذلك في خصوص السب‪،‬‬
‫واللعن يلتقي مع السب في المالك‪ّ ،‬‬
‫ألن اآلية عللت حرمة سب من يعبد من دون الله بأنه‬
‫سب الله تعالى‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫أن هذا المالك موجود في اللعن‪ ،‬فلعن الرموز المقدسة‬ ‫يستدعي ّ‬
‫لآلخرين يستدعي لعن الله أو لعن أوليائه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬النص الخاص وهو ما ورد في األخبار الظاهرة في الحرمة‪ ،‬من قبيل ما روي‬
‫عن رسول الله(ص)‪« :‬لعن الله‪ ...‬والمتشبهين من الرجال بالنساء‪ ...‬ومن لعن أبويه‪ .‬فقال‬
‫رجل‪ :‬يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال‪ :‬نعم يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون‬
‫السنة‬
‫أن الحديث ضعيف السند وال مجال لتأييده بما روي في صحاح أهل ُّ‬
‫(((‬ ‫أبويه»(((‪ .‬إلّ ّ‬
‫عنه (ص)‪« :‬ولعن الله من لعن والديه»((( فهذا الحديث ال يصلح ال لالستدالل وال التأييد‪،‬‬
‫ألنّه ظاهر في لعن الوالدين من قبل ابنهما مباشرة‪ ،‬وليس التسبب في لعنهما من خالل لعن‬

‫(( ( مصباح الفقاهة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.203‬‬


‫(( ( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.108‬‬
‫(( ( جامع البيان عن تأويل أي القرآن للطبري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ .404‬وتفسير مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.132‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.322‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.70‬‬
‫((( اعترف به المجلسي في المرآة‪ ،‬ج ‪ ،25‬ص ‪ .162‬والحديث من أحاديث روضة الكافي‪.‬‬
‫(( ( صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .85‬والسنن الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .231‬وصحيح ابن حبان‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.570‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪176‬‬
‫يجر اللعن إليهما‪ ،‬خالف ًا لما نقله المناوي في «فيض القدير بشرح الجامع‬
‫آباء الناس بما ّ‬
‫ً‬
‫محتمال لكنه خالف الظاهر‪.‬‬ ‫فسره بالتس ْبيب(((‪ ،‬فإنّه وإن كان‬
‫الصغير» عن بعضهم أنّه ّ‬

‫‪2 -2‬اللعن و�إثارة ال�ضغائن‬


‫بث الفرقة أو الشحناء‬ ‫العنوان الثاني‪ :‬هو ما إذا كان اللعن يستوجب إثارة فتنة أو ّ‬
‫المؤمن سواء‬
‫َ‬ ‫عرض ‪-‬أي اللعن‪-‬‬ ‫بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم‪ ،‬وهكذا لو كان ُي ِّ‬
‫كان الالعن أو غيره لخطر الهالك أو لهتك حرمته أو نحو ذلك‪ ،‬كما قد يحصل عند‬
‫لعن بعض الرموز ممن يقدسهم جماعة من الناس‪ ،‬وتكون ردة فعلهم هي االعتداء على‬
‫الالعن أو النيل من عرضه أو أعراض المؤمنين‪ ،‬وقد ينجر األمر إلى إراقة دماء البعض‬
‫ممن يلعنون الصحابة((( أو يسبونهم أو غيرهم‪ .‬وهكذا في كل مورد يكون في اللعن‬
‫مفسدة‪ .‬وما قلناه في اللعن يجري بعينه في السب‪ ،‬والوجه في حرمة اللعن في هذه‬
‫الصورة واضح‪ ،‬وهو على طبق قاعدة التزاحم‪ ،‬فإن كل مباح أو مستحب ينطبق عليه‬
‫عنوان محرم فيحرم بالعنوان الثانوي‪ ،‬واللعن ‪-‬حسب الفرض‪ -‬مباح وجائز‪ .‬ودعوى‬
‫فإن على الذين‬‫عما قليل‪ .‬ولهذا ّ‬ ‫أن اللعن مطلوب في بعض الحاالت سيأتي ما فيه ّ‬ ‫ّ‬
‫ُيلقون الكالم على عواهنه ويس ّبون هذا الصحابي أو يلعنون ذاك أو يطعنون في نزاهة‬
‫إن عليهم أن يتقوا الله في دماء المؤمنين من إخوانهم‪ ،‬وأن ال‬ ‫بعض نساء النبي (ص) ّ‬
‫وإن احتمال أن تتسبب هذه الكلمات وال‬ ‫يكونوا سبب ًا في سفكها وشركاء في إراقتها‪ّ ،‬‬
‫سيما التي تبث عبر وسائل اإلعالم في سفك دماء المؤمنين ليس احتماالً موهون ًا بل هو‬
‫احتمال قوي‪ ،‬وهو منجز في مثل قضايا الدم المبنية على االحتياط‪.‬‬
‫والسب بحسب العادة وطبيعة األمور يستوجبان إثارة‬
‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن اللعن‬
‫الشحناء والبغضاء‪ ،‬وال ينفكان عن ذلك إال إذا مورسا في نطاق ض ّيق ومحدود‪ ،‬أو بيئة‬
‫إن المجتمعات‬ ‫ٍ‬
‫منضبط في زماننا‪ ،‬حيث ّ‬ ‫غير‬
‫منعزلة عن اآلخر الذي يراد لعنه وهو أمر أصبح َ‬
‫متداخلة وفي كثير من األحيان تضم فئات دينية ومذهبية مختلفة‪ ،‬والكلمات التي تطلق على‬
‫المنابر بل في المجالس الخاصة أصبحت تسجل وتنشر على نطاق واسع‪ ،‬وهل يمكن أن‬
‫تسمح الشريعة بما كان يؤدي إلى مثل هذه المحاذير؟!‪.‬‬

‫(( ( فيض القدير‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.351‬‬


‫(( ( راجع‪ :‬حول رؤيتنا للصحابة‪ ،‬الملحق رقم (‪ ،)4‬ج ‪.1‬‬
‫‪177‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪3 -3‬اللعن وت�شويه خط �أهل البيت ‪‬‬
‫ويدخل في هذا الباب أيض ًا ما لو أصبح اللعن سم ًة للخط الذي ينتمي إليه الالعن‪،‬‬
‫فإن المؤمن مسؤول عن أن يقدم‬ ‫بحيث يرمى هذا الخط بأنه يقوم على اللعن أو السب‪ّ ،‬‬
‫صورة طيبة عن مذهبه‪ ،‬ويحرم عليه أن يفعل ما يشوه الخط اإلسالمي الذي ينتمي إليه أو‬
‫يهتك حرمة نفسه أو صورة الجماعة المؤمنة‪.‬‬
‫أن أكبر شبهة أو دعاية تثار ضد أتباع مذهب أهل البيت ‪‬‬ ‫وفي زماننا هذا نالحظ ّ‬
‫وإن الشواهد تؤكد‬‫وتوجب نفرة سائر المسلمين عنهم هي أنهم يسبون أو يلعنون الصحابة‪ّ .‬‬
‫أن هذه الكلمات االنفعالية والالمسؤولة والتي تنال من بعض الرموز‬ ‫بما ال يدع مجاالً للشك ّ‬
‫المحترمة عند بعض المذاهب اإلسالمية تشكّل أكبر حاجز دون وصول فكر أهل البيت ‪‬‬
‫إلى سائر المسلمين وتحول دون انفتاح هؤالء على مدرسة أهل البيت ‪ ،‬وال سيما أنّه قد‬
‫بأن أئمة أهل البيت ‪ ‬هم من أمروا أتباعهم بذلك‪ ،‬ما يكدر قلوب اآلخرين‬ ‫يعطي انطباع ًا ّ‬
‫أن ارتكاب اإلنسان الشيعي لما يوجب صدّ الناس عن أهل البيت ‪‬‬ ‫اتجاههم ‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫هو من كبائر الذنوب ولو كان صاحبه يظ ّن أو يعتقد أنّه يحسن صنع ًا‪.‬‬
‫وربما ُي َؤ َّيدُ ذلك بما تقدّ م من النهي عن اإلكثار من اللعن‪ ،‬وأن يكون المؤمن لعان ًا‪.‬‬
‫إن تشويه صورة المذهب هو عنوان موجب للحرمة أي ًا كان سببه ومنشؤه‪ ،‬وأ ّما اإلكثار‬
‫ّ‬
‫تمت رواياته فهو عنوان آخر موجب للحرمة‪.‬‬
‫من اللعن فلو ّ‬
‫ِ‬
‫رموز المذاهب والطوائف األخرى لو كان جائز ًا بالعنوان‬ ‫وفي ضوء ذلك يتضح ّ‬
‫أن لعن‬
‫يجر ذلك إلى ِ‬
‫لعن‬ ‫األولي فهو محرم النطباق العناوين الثانوية المشار إليها عليه‪ ،‬وهي أن ّ‬
‫ِ‬
‫العدل والهدى‪ ،‬أو يؤدي إلى إثارة الشحناء والضغينة والفتنة‪ ،‬أو يوجب هتك صورة‬ ‫ِ‬
‫أئمة‬
‫المذهب‪.‬‬

‫المرحلة ال�ساد�سة‪ :‬ماذا عن عالقة اللعن بالعقيدة؟‬


‫ويبقى أخير ًا أن ندرس ما قد يقال‪ :‬من أن لعن األشخاص الذين واجهوا األنبياء أو‬
‫تكليف شرعي فرعي‪ ،‬وإنما هو مظهر‬ ‫ٍ‬ ‫األئمة ‪ ‬ووقفوا في وجههم وعادوهم‪ ،‬ليس مجرد‬
‫من مظاهر التبري‪ ،‬ما يجعله أمر ًا واجب ًا ويرقى إلى مستوى قضايا االعتقاد‪ ،‬وعليه فال يتقدم‬
‫عليه عنوان آخر‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪178‬‬
‫لك ّن هذا الربط (ربط اللعن بالعقيدة) غير موفق‪ ،‬وهذا ما نوضحه من خالل النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬ال شك في وجوب تولي الله تعالى ورسوله (ص) وأئمة الهدى ‪،‬‬
‫كما يحرم تولي أعداء الله تعالى وأعداء الرسول (ص) واألئمة ‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱩ ﱪ‬
‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﴾((( وقال تبارك وتعالى‪ ﴿ :‬ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﲗﲈﱷﱤﱯﱤﱥﱦﱧﱨ‬
‫ﱛﱜﱝ ِ‬
‫ﱩ ﴾(((‪ ،‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ‬
‫ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﴾(((‪ .‬ومما يدل بوضوح على مطلوبية‬
‫التبري من أعداء الله ما قاله تعالى بشأن إبراهيم والذين معه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﴾(((‪ ،‬والنصوص في هذا المجال كثيرة(((‪.‬‬
‫إن التبري واجب شرعي فرعي‪ ،‬أم إنّه واجب اعتقادي‪ ،‬بحيث‬‫ولكن السؤال‪ :‬هل ّ‬
‫يلزم عقد القلب على التبري من أعداء الله ورسوله (ص) واألئمة ‪ ‬كما يجب عقده على‬
‫ٍ‬
‫كشرط مقوم لصحة اإلسالم أو اإليمان؟‬ ‫اإليمان بأنبياء الله وأوليائه‪،‬‬
‫مقوم لصحة االعتقاد شطر ًا أو شرط ًا‬
‫ثمة ما يدل على أن التبري ّ‬
‫وفي الجواب نقول‪ :‬ليس ّ‬
‫دل تركه على خلل في اإليمان بأولياء الله تعالى من األنبياء واألئمة ‪ ‬وعقد القلب‬ ‫إال إذا ّ‬
‫على مودتهم‪ .‬وأ ّما إذا لم يستلزم ذلك ولم يتضمنه‪ ،‬كما لو آمن بالنبي (ص) واألئمة ‪ ‬ولم‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬فال يشكل ذلك خل ً‬
‫ال في عقيدته‪.‬‬ ‫يتول أعداءهم لكنه لم يتبرأ منهم‪ ،‬لكونه غاف ً‬
‫وربما يشهد لما قلناه‪ :‬أن بعض أصحاب األئمة ‪ ‬كانوا ال يتبرأون من أعدائهم ‪‬‬
‫ومع ذلك كان األئمة ‪ ‬حاكمين بصحة عقيدتهم‪ ،‬ولك ّن هذا الشاهد يحتاج إلى مؤونة‬

‫سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬‫((( ‬


‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬
‫(( (‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.57‬‬‫(( (‬
‫سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬‫((( ‬
‫يتبرأ من‬
‫يحب أمير المؤمنين‪ ،‬وال ّ‬
‫(( ( ومنها صحيحة إسماعيل الجعفي قال‪« :‬قلت ألبي جعفر ‪ :‬رجل ّ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫عدو‪ ،‬فال تصل خلفه وال كرامة إل أن‬
‫ممن خالفه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا مخلط‪ ،‬وهو ّ‬
‫إلي ّ‬
‫أحب ّ‬
‫عدوه ويقول‪ :‬هو ّ‬ ‫ّ‬
‫تتّقيه»‪ .‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .380‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.28‬‬
‫‪179‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تقوم اإليمان ‪-‬باإلضافة‬
‫إثبات ذلك‪ ،‬وهو أمر غير ميسور‪ ،‬فالعمدة هو عدم وجود دليل على ّ‬
‫إلى االعتقاد باإلمامة ‪ -‬بالتبري‪ ،‬بحيث يسلب اإليمان عن غير المتبري حتى مع جهله أو‬
‫عدم التفاته‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬لو سلمنا بدخالة التبري في صحة العقيدة‪ّ ،‬‬
‫فإن التبري ‪-‬كما التولي‪ -‬ال‬
‫يبعد أنّه يكفي فيه توطين النفس على رفض أئمة الباطل‪ ،‬مع عدم االنقياد لهم وال االعتراف‬
‫ِ‬
‫بألفاظ اللعن‬ ‫بمرجعيتهم وإمامتهم‪ ،‬وال يشترط فوق ذلك أن يع ّبر عن تبريه ويبرز ذلك‬
‫أو غيره من األلفاظ‪ .‬أجل‪ ،‬قد يجب إبراز التبري باللسان من باب آخر ال عالقة له بصحة‬
‫العقيدة‪ ،‬وهو إعالن انتمائه للدين ورموزه الحقة‪ ،‬وإظهار رفضه ألئمة الباطل وتحذير الناس‬
‫من مغبة اتباعهم والسير في ركابهم‪.‬‬
‫أن مؤمن آل فرعون‬ ‫تقوم اإليمان بإعالن التبري وإشهاره‪ّ :‬‬
‫ومما يؤيد ما نقوله من عدم ّ‬
‫لم يضره كتمانه إليمانه بأن يصفه الله بالمؤمن‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲲ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﴾(((‪ .‬صحيح أنّه كان مضطر ًا لكتمان إيمانه‪،‬‬
‫أن إظهار اإليمان هو حكم تكليفي‬ ‫لك ّن وصفه باإليمان مع عدم إظهاره إليمانه هو دليل على ّ‬
‫مقوم ًا لإليمان‪ .‬وما نقوله في إظهار اإليمان نقوله في إظهار البراءة من أعداء الله‪،‬‬
‫وليس ّ‬
‫فإن المؤمن لو لم يظهر ذلك فهذا قد يجعله عاصي ًا‪ ،‬ولكنه ال يخدش في صحة معتقده‪،‬‬ ‫ّ‬
‫باختصار‪ :‬لو وجب إظهار التبري وإشهاره فهو كسائر الواجبات الشرعية مشروط بالقدرة‬
‫وااللتفات‪.‬‬
‫ثم إنه ومع التسليم بضرورة إظهار التبري إما لكونه واجب ًا شرعي ًا كما هو‬
‫النقطة الثالثة‪ّ :‬‬
‫الصحيح أو ألنّه داخل في العقيدة‪ ،‬فهل ينحصر التبري باللعن؟‬
‫والجواب‪ :‬كال‪ ،‬فإنّه يكفي في ذلك إظهار انزعاجه ونفرته وإعالن براءته من أئمة‬
‫الباطل بقول أو فعل‪ ،‬ولو تم ّثل الفعل بإبداء النفور من خالل قسمات الوجه مثالً‪ ،‬وال يتوقف‬
‫األمر على اللعن وال ينحصر به‪ ،‬كما هو الحال في رفض االنحراف السلوكي (فعل المنكر)‬
‫فإنّه ال يتعين أن يكون عن طريق اللفظ‪ ،‬وإذا احتاج األمر إلى إظهار رفضه من باب النهي عن‬
‫فإن لذلك وسائله وطرقه وألفاظه‪ ،‬وليس منها اللعن‪ ،‬أو السب أو نحوها من األلفاظ‬ ‫المنكر‪ّ ،‬‬
‫وال سيما المسيئة لآلخر أو المحرمة شرع ًا‪.‬‬

‫((( سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬


‫المحور الثاني‬

‫الأهلية الدينية للآخر المذهبي‬

‫هذا المحور مخصص للبحث والدرس في عدة مسائل يجمعها عنوان واحد‪ ،‬وهو‬
‫األهلية الدينية للمسلم اآلخر‪ ،‬بما يخوله القيام بجملة من األعمال المشروطة بنية القربة‪،‬‬
‫ويندرج هنا عدة فتاوى‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪--1‬حكم الصالة خلف اآلخر المذهبي‪.‬‬
‫‪--2‬حكم االكتفاء بأذانه‪.‬‬
‫‪--3‬حكم االكتفاء بصالته على أموات المسلمين من أتباع مدرسة أهل البيت ‪ ،‬ويلحق به‬
‫حكم الصالة عليه‪ ،‬أعني على الميت غير اإلمامي‪.‬‬
‫‪--4‬حكم توكيله أو استنابته في أداء فريضة الحج أو في الصالة الفائتة عن الميت الموالي‬
‫ألهل البيت ‪.‬‬
‫وسوف نتناول هذه الفتاوى ضمن الفصول التالية‪:‬‬
‫الف�صل الأول‬

‫�شرط الإمامية في �إمام الجماعة‬

‫أوالً‪ :‬دراسة القض ّية بالعنوان األولي‪.‬‬


‫‪--1‬إطاللة على أقوال الفقهاء‪.‬‬
‫‪--2‬إطالقات صحة الصالة خلف كل مسلم‪.‬‬
‫‪--3‬أدلة اشتراط اإلمامية‪.‬‬
‫‪--4‬ما دل على جواز الصالة خلف المسلم اآلخر‪.‬‬
‫‪--5‬الموازنة بين األخبار‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬دراسة المسألة بالعنوان الثانوي‬
‫‪--1‬بيان الحكم التكليفي للصالة تقية‪.‬‬
‫‪--2‬بيان الحكم التكليفي للصالة مداراة‪.‬‬
‫‪--3‬بيان الحكم الوضعي (اإلجزاء) للصالة تقية أو مداراة‪.‬‬
‫أهم الفروع الفقه ّية االبتالئية فيما يتصل بالعالقة مع‬
‫أن من ّ‬‫ال يكاد يخفى ّ‬
‫المسلم اآلخر‪ ،‬مسألة االقتداء به في صالة الجماعة‪ .‬ومحل الكالم أنه هل يجوز‬
‫لإلمامي الصالة خلف غير اإلمامي‪ ،‬من السني أو الزيدي أوغيرهما من أتباع المذاهب‬
‫اإلسالمية األخرى؟‬
‫محاور البحث‪:‬‬
‫ودراسة هذه المسألة ستكون على مستويين‪:‬‬
‫األول‪ :‬دراستها على مستوى العنوان األولي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬دراستها على مستوى العنوان الثانوي‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪184‬‬
‫الم�ستوى الأول‪ :‬درا�سة الق�ض ّية بالعنوان الأولي‬
‫المشهور والمدعى عليه اإلجماع بين فقهائنا‪ ،‬هو عدم صحة الصالة جماع ًة خلف‬
‫اآلخر المذهبي غير اإلمامي‪ ،‬فما الدليل على ذلك؟ وهل يوجد أدلة معارضة تسمح بتبني‬
‫رأي آخر في المسألة؟‬
‫اإلجابة على هذه األسئلة سوف تتضح من خالل المراحل التالية‪:‬‬
‫‪--1‬إطاللة على أقوال الفقهاء‪.‬‬
‫‪--2‬إطالقات صحة الصالة خلف كل مسلم‪.‬‬
‫‪--3‬أدلة اشتراط اإلمامية‪.‬‬
‫‪--4‬ما دل على جواز الصالة خلف المسلم اآلخر‪.‬‬
‫‪--5‬الموازنة بين األخبار‪.‬‬

‫�أو ًال‪� :‬إطاللة على �أقوال الفقهاء‬


‫هذه المرحلة مخصصة لعرض أقوال جملة من الفقهاء في المسألة‪ ،‬قال السيد محمد‬
‫العاملي في بيان شرائط إمام الجماعة‪« :‬اإليمان‪ ،‬والمراد به هنا‪ :‬اإلقرار باألصول الخمسة‬
‫على وجه يعد إمامي ًا‪ .‬وال خالف في اعتبار ذلك‪ ،‬لعموم األدلة الدالة على بطالن عبادة‬
‫المخالف‪ ،‬وخصوص صحيحة أبي عبد الله البرقي‪ ،‬قال‪ :‬كتبت إلى أبي جعفر ‪ :‬أتجزي‬
‫‪ -‬جعلت فداك ‪ -‬الصالة خلف من وقف على أبيك وجدك صلوات الله عليهم؟ فأجاب‪:‬‬
‫ال تصل وراءه»(((‪.‬‬
‫وقال السيد جواد العاملي‪(« :‬واإليمان) هو شرط إجماع ًا كما في «الخالف والمعتبر‬
‫والمنتهى والتذكرة والذكرى والغرية وكشف االلتباس وكشف اللثام وفي الغنية والذخيرة‬
‫والمدارك والنجيبية ومصابيح الظالم نفي الخالف عنه»(((‪.‬‬
‫وقال المحقق السبزواري‪« :‬وااليمان والمراد به ههنا اإلقرار باألصول الخمسة على‬
‫وجه يعد إمامي ًا وال خالف في اعتبار ذلك بين األصحاب»(((‪.‬‬

‫(( ( مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.65‬‬


‫(( ( مفتاح الكرامة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.257‬‬
‫((( ذخيرة المعاد‪ ،‬طبعة حجرية‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪185‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وقال السيد الحكيم في المستمسك موضح ًا شرط اإليمان ومستدالً عليه‪« :‬الحاصل‬
‫باالعتراف بإمامة األئمة االثني عشر ‪ ،‬فإنه شرط إجماع ًا‪ ،‬حكاه جماعة‪ ،‬بل لع ّله من‬
‫الواضحات»(((‪.‬‬
‫وقال السيد الخوئي موضح ًا شرط اإليمان في إمام الجماعة‪« :‬أي االعتقاد باألئمة‬
‫االثني عشر ‪ ‬بال خالف وال إشكال»(((‪.‬‬
‫ولكن قد يظهر من ابن الجنيد الخالف في المسألة‪ ،‬قال العالمة الحلي‪:‬‬
‫«مسألة‪ :‬قال ابن الجنيد‪« :‬كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهر منه ما يزيلها»‪،‬‬
‫وهو يشعر بجواز إمامة المجهول حاله إذا علم إسالمه‪ .‬والمعتمد المنع إال بعد‬
‫العلم بالعدالة»(((‪.‬‬
‫مخالف في شرط اإلمامية‪ ،‬وإنّما هو بصدد إعطاء‬
‫ٌ‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن كالمه ال يظهر منه أنّه‬
‫أن األصل في المسلم هو العدالة‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫يدل‬ ‫تفسير معين للعدالة الشرعية‪ ،‬بما يظهر منه ّ‬
‫على نفي شرطية اإليمان‪ ،‬وهذا ما فهمه بعض الفقهاء((( من كالمه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬إطالقات �صحة ال�صالة خلف كل م�سلم‬


‫في المرحلة الثانية علينا أن نسأل‪ :‬هل توجد إطالقات ّ‬
‫تدل على صحة الصالة خلف‬
‫المسلم اآلخر يمكن الرجوع إليها؟‬
‫والجواب‪ :‬يمكن العثور على مطلقات تفي بالغرض المذكور‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬يمكن االستناد إلى القرآن الكريم‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﴾(((‪.‬‬
‫أن اآلية مطلقة في أمرها بحضور الجماعة عند النداء إلى صالة الجمعة‪،‬‬ ‫وذلك بتقريب ّ‬
‫أي ًا كان مذهب اإلمام‪ ،‬فتقييد ذلك باإلمام الموالي ألهل البيت ‪ ‬محتاج إلى دليل‪ ،‬وإذا‬
‫تم ذلك في صالة الجمعة فيتم في غيرها لعدم االعتداد باحتمال الخصوصية‪ ،‬مؤيد ًا‬ ‫ّ‬

‫مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.318‬‬ ‫((( ‬


‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.342‬‬ ‫((( ‬
‫مختلف الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.88‬‬ ‫((( ‬
‫ذكرى الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.392‬‬ ‫(( (‬
‫سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪186‬‬
‫أن اآلية الكريمة في مقام أصل التشريع وليست في‬ ‫ذلك بعدم القول بالفصل‪ .‬ودعوى ّ‬
‫مقام بيان الشرائط والحيثيات التفصيلية غير تامة‪ّ ،‬‬
‫ألن اآلية المذكورة واآلية التي تلتها‬
‫قد تضمنت بعض التفاصيل التشريعية‪ ،‬ومنها تحريم البيع وقت النداء وإباحة البيع‬
‫وطلب الرزق بعد الفراغ من الصالة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬
‫ﲐ ﲑ ﴾(((‪.‬‬
‫وهناك آية أخرى يمكن االستدالل بها لذلك‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫أن المراد بقوله‪ ﴿ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﴾‬ ‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﴾(((‪ ،‬بنا ًء على ّ‬
‫ّ‬
‫الحث على صالة الجماعة‪ ،‬كما ذهب إليه عدد من الفقهاء والمفسرين(((‪ ،‬ويؤيده ما‬ ‫هو‬
‫ذكره ابن شهر آشوب في المناقب‪ ،‬قال‪« :‬وروى أصحابنا عن الباقر ‪ ‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲏ ﲐ ﲑ ﴾ نزلت في رسول الله (ص) وعلي بن أبي طالب ‪ ‬وهما أول‬
‫من صلى وركع»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ويمكن االستدالل لذلك بالروايات‪ ،‬وهي على عدة مجاميع‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما ورد فيه عنوان «جماعة أمتي» أو «جماعة المسلمين»‪ ،‬وذلك في‬
‫ّ‬
‫الحث على الحضور في الجماعة أو النهي عن ترك الحضور فيها‪ ،‬ومما ورد في ذلك‪:‬‬ ‫مقام‬

‫(( ( سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫((( انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .375‬ومجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .190‬وتحرير األحكام للعالمة‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪ .311‬وزبدة البيان لألردبيلي‪ ،‬ص ‪ .126‬وروض الجنان للشهيد الثاني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .963‬وفي‬
‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪« :237‬وأما دليل االستحباب (استحباب صالة الجماعة) فهو قوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﴾‪ .‬ومدارك األحكام للعاملي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .310‬وروضة المتقين في شرح‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .481‬وذخيرة المعاد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،2‬ص ‪ .388‬والوافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.108‬‬
‫ومفاتيح الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .158‬ومسالك األفهام إلى آيات األحكام للكاظمي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .289‬وغنائم‬
‫تقرر في‬ ‫األيام للميزا القمي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .103‬وتفسير األمثل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .186‬قال الفاضل المقداد‪ّ :‬‬
‫«لما ّ‬
‫«وار َك ُعوا»‬
‫أن التأسيس أولى من التأكيد الشتماله على مزيد فائدة لم يجز حمل قوله‪ْ :‬‬ ‫أصول الفقه ّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫على الصالة أي صلوا مع المصلين تسمية للصالة باسم بعض أجزائها لكونه ّأول فعل يظهر منها كما‬
‫قيل في ذلك‪ ،‬سواء كان الخطاب لليهود لعدم الركوع في صالتهم أو لغيرهم‪ّ ،‬‬
‫فإن األمر بإقامة الصالة‬
‫بكل واحد من أجزائه ضرورة‪ ،‬وحينئذ فاألولى حمل اآلية‬ ‫بالكل أمر ّ‬‫ّ‬ ‫يستلزم األمر بأجزائها ّ‬
‫ألن األمر‬
‫على األمر بصالة الجماعة فيكون راجحة إ ّما وجوب ًا كما في الجمعة والعيدين أو استحباب ًا كما في باقي‬
‫الصلوات الواجبة»‪ .‬انظر‪ :‬كنز العرفان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.277‬‬
‫(( ( مناقب ابن شهرآشوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.296‬‬
‫‪187‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--1‬صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ‪ ‬الواردة في العدالة‪ ،‬وجاء فيها‪:‬‬
‫«‪..‬والداللة على ذلك كله أن يكون ساتر ًا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين‬
‫ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك‪ ،‬ويجب عليهم تزكيته وإظهار‬
‫عدالته في الناس‪ ،‬ويكون معه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن‪ ،‬وحفظ‬
‫مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين((( وأن ال يتخلف عن جماعتهم في مصالهم‬
‫إال من علة فإذا كان كذلك الزم ًا لمصاله عند حضور الصلوات الخمس‪ ،‬فإذا سئل‬
‫عنه في قبيلته ومحلته قالوا‪ :‬ما رأينا منه إال خير ًا‪ ،‬مواظب ًا على الصلوات‪ ،‬متعاهد ًا‬
‫أن الصالة‬‫فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫ألوقاتها في مصاله‪ّ ،‬‬
‫ستر‪ ،‬وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان ال يحضر‬
‫مصاله ويتعاهد جماعة المسلمين‪ ،‬وإنما جعل الجماعة واالجتماع إلى الصالة لكي‬
‫يعرف من يصلي ممن ال يصلي‪ ،‬ومن يحفظ مواقيت الصلوات ممن يضيع‪ ،‬ولوال‬
‫ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصالح‪ ،‬ألن من ال يصلي ال صالح له بين‬
‫هم بأن يحرق قوم ًا في منازلهم لتركهم الحضور‬ ‫فإن رسول الله (ص) ّ‬ ‫المسلمين‪ّ ،‬‬
‫لجماعة المسلمين‪ ،‬وقد كان منهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك‪ ،‬وكيف تقبل‬
‫شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله (ص)‬
‫فيه الحرق في جوف بيته بالنار‪ ،‬وقد كان يقول رسول الله (ص)‪ :‬ال صالة لمن ال‬
‫يصلي في المسجد مع المسلمين إال من علة»(((‪ .‬فقد تكرر فيها الحديث عن حضور‬
‫جماعة المسلمين ومساجدهم‪ ،‬كمؤشر على عدالة المسلم‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى‬
‫أن التهديد باإلحراق إنما هو إجراء تدبيري كان يهدف إلى منع مقاطعة جماعة‬ ‫ّ‬

‫(( ( في التهذيب‪« :‬إحضار جماعة المسلمين»‪.‬‬


‫((( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .38‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .241‬وترجيح صحة الخبر هو‬
‫بمالحظة طريق الصدوق‪ ،‬فطريق الشيخ الصدوق إلى ابن أبي يعفور كله ثقات‪ ،‬باستثناء شيخه أحمد‬
‫محمد بن يحيى العطار‪ ،‬فهو لم تثبت وثاقته‪ ،‬ولكننا نكتفي في ترجيح وثاقته استناد ًا إلى أنه من‬
‫ابن ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معاريف الرجال ومع ذلك لم يقدح فيه أحد‪ ،‬وقد صحح العالمة طرقا هو فيها‪ ،‬مؤيدا بأنه من مشايخ‬
‫محمد بن‬
‫محمد بن موسى وهو مشترك‪ ،‬والظاهر أنّه في المقام ّ‬ ‫اإلجازة‪ ،‬أما سند الشيخ فقد وقع فيه ّ‬
‫محمد بن أحمد بن يحيى عنه ‪ .‬وقد حكم جمع‬ ‫موسى بن عيسى الهمداني السمان الضعيف‪ ،‬لرواية ّ‬
‫من الفقهاء بصحتها‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .352‬ومدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.68‬‬
‫وموسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .221‬وتضعيفها من الشهيد الثاني لكونه ناظر ًا إلى سند الشيخ‬
‫الطوسي‪ ،‬انظر‪ :‬مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.339‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪188‬‬
‫المسلمين آنذاك والتي كانت توحي بالتمرد على الرسول (ص) وزرع بذور الفتنة‬
‫والشقاق في المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫‪--2‬حسنة زرارة بن أعين‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ - ‬في حديث ‪ -‬قال‪« :‬من ترك الجماعة رغب ًة‬
‫عنها وعن جماعة المسلمين من غير علة فال صالة له»(((‪.‬‬
‫‪--3‬خبر الحلبي‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة‬
‫اإليمان من عنقه»(((‪.‬‬
‫فإن في الخبر احتما ً‬
‫ال قوي ًا في أن يكون‬ ‫وهو ضعيف السند(((‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك‪ّ ،‬‬
‫شق جماعة المسلمين بالمعنى السياسي‪ ،‬ال جماعة الصالة‪ ،‬وهذا ما يشهد‬ ‫ناظر ًا إلى ّ‬
‫له قوله ‪« ‬قدر شبر»‪ ،‬فال معنى لذلك في صالة الجماعة‪ ،‬وتقتضيه أيض ًا مناسبات‬
‫فإن خلع ربقة((( اإليمان من العنق ال يكون بترك مستحب أو‬‫الحكم والموضوع‪ّ ،‬‬
‫فعل مكروه‪.‬‬
‫‪--4‬ما رواه الصدوق بسند غير تام((( إلى الحسن بن عبد الله‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده الحسن بن‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،292‬الباب ‪ 2‬من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪ .7‬صحيح بسند األمالي‪،‬‬ ‫(( (‬
‫لك ْن في السند ثغرة وإشكال‪ ،‬وهي عدم وجود دليل على وثاقة شيخ الصدوق الحسين بن إبراهيم بن‬
‫ناتانة (تاتانة)‪ ،‬ما خال ترضي الصدوق عليه‪ ،‬ولك ّن ذلك ال يكتفى به في إثبات الوثاقة‪ ،‬انظر‪ :‬معجم‬
‫رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.190‬‬
‫المحاسن للبرقي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .219‬وعنه الوسائل‪ ،‬الباب ‪ 2‬من صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.11‬‬ ‫(( (‬
‫رواه البرقي في موردين‪ :‬في باب من نام عن العشاء‪ ،‬الحديث ‪ ،21‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،84‬رواها عن الحلبي‬ ‫(( (‬
‫دون ذكر السند‪ .‬وفي باب فضيلة الجماعة ج ‪ ،1‬ص ‪ ،219‬رواها ٍ‬
‫بسند فيه أبو جميلة‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫قال ابن األثير‪« :‬ربقة في األصل‪ :‬عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها‪ ،‬فاستعارها‬ ‫(( (‬
‫لإلسالم‪ ،‬يعنى ما يشد به المسلم نفسه من عرى اإلسالم‪ :‬أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه‪.‬‬
‫وتجمع الربقة على ربق‪ ،‬مثل كسرة وكسر‪ .‬ويقال للحبل الذي تكون فيه الربقة‪ :‬ربق‪ ،‬وتجمع على‬
‫أرباق ورباق»‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.190‬‬
‫والسند هو «محمد بن علي ماجيلويه‪ ،‬عن عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي‪،‬‬ ‫((( ‬
‫عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي (في الفقيه بإضافة‪ :‬عن أبيه جده أحمد بن أبي عبد الله‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي‪ ،‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،)426‬عن عبد الله بن‬
‫جبلة‪ ،‬عن الحسن بن عبد الله‪ ،‬عن آبائه»‪ ،‬والوجه في ضعف السند هو اشتماله على بعض المجاهيل‪،‬‬
‫كعلي بن الحسين البرقي‪ ،‬قال المولى محمد تقي المجلسي ( ‪1070‬هـ) في شرح الفقيه‪« :‬الظاهر أن‬
‫علي وأحمد كانا ثقتين عند المصنف‪ ،‬العتماده في كثير من الروايات عليهما ال سيما االبن‪ ،‬لكن‬
‫على قانون المتأخرين مجهوالن‪ ،‬وكذا الباقي غير عبد الله ومعاوية‪ ،»..‬انظر‪ :‬روضة المتقين‪ ،‬ج ‪،18‬‬
‫ص ‪ ،83‬منشورات شركة دار المصطفى إلحياء التراث‪.‬‬
‫‪189‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ‬قال‪ :‬جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (ص) فسأله أعلمهم عن‬
‫فإن صفوف أمتي كصفوف المالئكة‪،‬‬ ‫مسائل فأجابه ‪ - ‬إلى أن قال ‪ -‬أما الجماعة ّ‬
‫أحب إلى الله عز وجل من عبادة‬
‫والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة‪ ،‬كل ركعة ّ‬
‫فإن إضافة الجماعة إلى أمته (ص) ال يتناسب مع كون المراد بأمته‬ ‫أربعين سنة‪ّ .(((»..‬‬
‫خصوص الشيعة‪ ،‬وسيأتي ما يؤ ّيد هذا المعنى في النصوص اآلتية‪.‬‬
‫دل على فضيلة الحضور في الجماعة بدون تقييد بجماعة اإلمامي‪،‬‬ ‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ّ‬
‫من قبيل‪:‬‬
‫‪--1‬صحيحة عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬الصالة في جماعة تفضل على‬
‫كل صالة الفرد بأربعة وعشرين درجة‪ ،‬تكون خمسة وعشرين صالة»(((‪.‬‬
‫‪--2‬وصحيحة زرارة والفضيل قاال‪ :‬قلنا له‪ :‬الصالة في جماعة فريضة هي؟ فقال‪« :‬الصالة‬
‫فريضة وليس االجتماع بمفروض في الصلوات ك ّلها‪ ،‬ولكنها سنة‪ ،‬من تركها رغبة عنها‬
‫أن المؤمن في مثل‬ ‫وعن جماعة المؤمنين من غير ع ّلة فال صالة له»(((‪ .‬ومن المرجح ّ‬
‫هذا الخبر ال يراد به خصوص اإلمامي‪ ،‬وذلك ألنّه ومع األخذ بعين االعتبار ما ذكرناه‬
‫أن المؤمن في روايات أهل البيت ‪ ‬لم يثبت أنّه أريد به معنى‬ ‫في الباب األول من ّ‬
‫مغاير ًا لما جاء في الكتاب وسنة النبي (ص)‪ ،‬أعني مطلق من آمن بالله ورسوله‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫السؤال والجواب هنا ليسا عن حكم افتراضي‪ ،‬بل هما ناظران إلى الواقع الخارجي‪،‬‬
‫ومعلوم أنّه في زمان اإلمام ‪ ‬لم يكن هناك جماعة خاصة بالمؤمنين الشيعة أو كانت‬
‫نادرة جد ًا فال يحمل الكالم عليها‪ .‬ونفي الصالة يراد به نفي الكمال‪ ،‬أو يحمل على‬
‫صورة تركها رغبة عن جماعة المسلمين‪.‬‬
‫‪--3‬ومنها‪ :‬ما ورد ‪ -‬في حديث المناهي ‪ -‬عن أبي عبد الله الصادق ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله (ص)‪« :‬ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون‬
‫ألف حسنة»(((‪.‬‬
‫‪--4‬ما عن أبي بصير عن الصادق عن آبائه ‪ ،‬قال‪« :‬قال رسول الله (ص)‪ :‬من صلى‬

‫األمالي‪ ،‬ص ‪ .254‬والخصال‪ ،‬ص ‪ .355‬وعنه الوسائل‪ ،‬الحديث ‪ ،10‬من الباب ‪.1‬‬ ‫((( ‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،25‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،286‬الباب ‪ 1‬من أبواب صالة الجمعة‪،‬‬ ‫(( (‬
‫الحديث ‪.1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 2‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 7‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪190‬‬
‫المغرب والعشاء اآلخرة وصالة الغداة في المسجد في جماعة‪ ،‬فكأنما أحيا الليل‬
‫كله»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫تحث على حضور الجماعة وتب ّين فضلها‪،‬‬ ‫إلى غير ذلك من األخبار المطلقة((( والتي‬
‫أن أئمة الجماعة في زمانهم ‪ ‬لم يكونوا في أغلبيتهم العظمى من الموالين ألهل‬ ‫ومعلوم ّ‬
‫البيت ‪ ،‬ما يجعل من حمل األخبار الكثيرة على الموالي لهم من الحمل على الفرد النادر‬
‫وهو مستهجن ومرفوض‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬ما ورد في بيان حكمة صالة الجماعة‪ ،‬من أنّها عبارة عن إظهار‬
‫عمن عداه‪ ،‬وإليك بعض‬ ‫االنتماء إلى الدين وإشهاره‪ ،‬وتمييز المسلم الملتزم بالشريعة ّ‬
‫األخبار الدالة على ذلك‪:‬‬
‫‪--1‬ما رواه الصدوق في «العلل وعيون األخبار» بإسناده((( عن الفضل بن شاذان‪ ،‬عن‬
‫الرضا ‪ ‬قال‪« :‬إنّما جعلت الجماعة لئال يكون اإلخالص والتوحيد واإلسالم‬
‫ألن في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب‬ ‫والعبادة لله إال ظاهر ًا مكشوف ًا مشهور ًا‪ّ ،‬‬
‫لله وحده‪ ،‬وليكون المنافق والمستخف مؤدي ًا لما ّ‬
‫أقر به يظهر اإلسالم والمراقبة‪،‬‬
‫وليكون شهادات الناس باإلسالم بعضهم لبعض جائزة ممكنة‪ ،‬مع ما فيه من المساعدة‬
‫على البر والتقوى‪ ،‬والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل»(((‪ .‬فهي دالة على‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،295‬الباب ‪ 3‬من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪ .3‬وفي السند إشكال من‬ ‫((( ‬
‫جهة اشتماله على علي بن أبي حمزة البطائني‪ ،‬وقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف‪ .‬انظر‪ :‬معجم رجال‬
‫الحديث‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.246 - 245‬‬
‫انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ 285‬وما بعدها‪ ،‬الباب ‪ 1‬من أبواب صالة الجماعة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫ذكر الشيخ الحر سند الصدوق إلى الفضل بن شاذان في خاتمة الوسائل‪ ،‬انظر‪ :‬ج ‪ ،30‬ص ‪ .121‬وسنده‬ ‫((( ‬
‫محمد بن قتيبة‪ ،‬عن الفضل بن شاذان‪ ،‬قال‬ ‫محمد بن عبدوس‪ ،‬عن علي بن ّ‬ ‫إليه هو‪ :‬عبد الواحد بن ّ‬
‫السيد الخوئي‪« :‬أما عبد الواحد‪ :‬فهو غير مذكور بتوثيق وال مدح َّإل أنّه شيخ الصدوق‪ ،‬وقد تقدّ م غير‬
‫مجرد كون الرجل من المشيخة ال يقتضي التوثيق‪ ،‬ولم يلتزم الصدوق بأن ال يروي َّإل عن‬ ‫مرة أن ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما سمع من أي محدّ ث كان‪،‬‬ ‫همه َّإل جمع الروايات وضبط ّ‬‫الثقة‪ ،‬بل كان يسير في البالد ولم يكن ّ‬
‫النبي (ص)‬‫نص على نصبه قائالً‪ :‬لم َأر أنصب منه‪ ،‬حيث كان يص َّلى على ّ‬ ‫كيف؟! وفي مشايخه من ّ‬
‫منفرد ًا بقيد االنفراد‪ ،‬رفض ًا منه لآلل عليهم صلوات الملك المتعال آناء الليل وأطراف النهار‪ .‬وأ ّما ابن‬
‫بمجرده ال‬
‫ّ‬ ‫أن هذا‬‫الكشي‪ ،‬وقد عرفت آنف ًا ّ‬
‫يصرح فيه بالتوثيق‪ .‬نعم‪ ،‬هو من مشايخ ّ‬‫قتيبة‪ :‬فهو أيض ًا لم ّ‬
‫نص عليه النجاشي عند ترجمته بعد‬ ‫الكشي يروى عن الضعفاء كثير ًا كما ّ‬
‫وأن ّ‬ ‫يقتضي التوثيق وال س ّيما ّ‬
‫الثناء عليه»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.192 - 191‬‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،287‬الباب ‪ 1‬من أباب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.9‬‬ ‫(( (‬
‫‪191‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن صالة الجماعة ال تختص بالشيعة‪ ،‬وإنّما تضم كل المسلمين‪ ،‬ألنها علم وشعار‬ ‫ّ‬
‫للمسلمين‪ ،‬وبها يظهر المسلم ويتميز عن الكافر والمنافق‪ ،‬ويتسنى للمسلمين التعرف‬
‫على بعضهم ليشهدوا لبعضهم البعض‪.‬‬
‫‪--2‬وفي (العلل) عن الحسين بن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن علي بن‬
‫محبوب‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن ذبيان بن حكيم‪ ،‬عن موسى النميري‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬إنّما جعلت الجماعة واالجتماع إلى الصالة‬
‫لكي ُيعرف من يصلي ممن ال يصلي‪ ،‬ومن يحفظ مواقيت الصالة ممن يضيع‪ ،‬ولوال‬
‫ذلك لم يمكن أحد ًا أن يشهد على أحد بالصالح‪ ،‬ألن من لم يصل في جماعة فال صالة‬
‫له بين المسلمين‪ ،‬ألن رسول الله (ص) قال‪ :‬فال صالة لمن لم يصل في المسجد مع‬
‫المسلمين إال من علة»(((‪.‬‬
‫إن هذه األخبار كافية لتشكيل إطالق ذاك على ّ‬
‫أن الصالة خلف‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫المسلم اآلخر مشروعة من حيث المبدأ ما لم ينهض ٌ‬
‫دليل على المنع من ذلك‪.‬‬

‫ثالث ًا‪� :‬أدلة ا�شتراط الإمام ّية‬


‫نتطرق فيها إلى ما يمكن االستدالل به على شرط ّية اإليمان‬
‫المرحلة الثالثة من البحث‪ّ ،‬‬
‫بالمعنى األخص في إمام الجماعة‪ ،‬هو عدة وجوه‪ ،‬نشير إليها فيما يلي‪ ،‬مع تقييمها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬مقتضى القاعدة‬
‫وما يمكن أن يقال في تقريب ذلك‪ّ :‬‬
‫إن شرائط االئتمام غير متوفرة إال في اإلمامي‪،‬‬
‫ألن الواجب على المصلي اإلتيان بفاتحة الكتاب في الصالة‪ ،‬ألنه ‪ -‬كما ورد في‬ ‫وذلك ّ‬
‫وتحمل اإلمام لها عن المأموم إنّما‬
‫ّ‬ ‫الحديث النبوي ‪« :-‬ال صالة إال بفاتحة الكتاب»(((‪،‬‬
‫قام عليه الدليل في صورة االقتداء باإلمامي‪ ،‬أ ّما مع االقتداء بغيره فيكفي الشك في جواز‬
‫أن الجماعة تقتضي رجوع المأموم إلى اإلمام عند‬ ‫االقتداء به للحكم بعدم الجواز‪ .‬كما ّ‬
‫ٍ‬
‫بشخص فال‬ ‫الشك ولو كان مبطالً‪ ،‬وتغتفر فيها زيادة الركن‪ ،‬وعند الشك في شرعية االئتمام‬
‫مجال لترتيب هذه األحكام‪ ،‬ألنه إنما تترتب على الجماعة المحرزة الصحة‪.‬‬

‫(( ( علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .325‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،293‬الباب ‪ 2‬من صالة الجماعة‪،‬‬
‫الحديث ‪.8‬‬
‫((( عوالي اللئالي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .196‬وصحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .184‬وسنن الترمذي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.156‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪192‬‬
‫ولكن صحة هذا الوجه مرهونة بعدم قيام عموم أو إطالق على صحة االئتمام بكل‬
‫مسلم‪ ،‬لكننا نمتلك بعض األدلة العامة‪ ،‬وهي ما تقدمت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬فسق غير اإلمامي‬
‫مر التمسك به وسوف يتكرر ذلك في ثنايا هذا الكتاب‪ ،‬وخالصته ّ‬
‫أن‬ ‫وهذا الوجه قد ّ‬
‫غير اإلمامي فاسق‪ ،‬وال تجوز الصالة خلف الفاسق‪.‬‬
‫أخص من المدعى‪ ،‬فالمسلم اآلخر‬ ‫وهذا الوجه بهذا التقريب يواجهه إشكال‪ ،‬وهو أنّه ّ‬
‫في عدم اتباعه ألهل البيت ‪ ‬ال يكون فاسق ًا إال إذا نهضت عليه الحجة بذلك‪ ،‬بحيث كان‬
‫ال مقصر ًا غير قاطع‪ ،‬فذاك بسبب جحوده‪ ،‬وهذا بسبب تلبسه‬ ‫عالم ًا جاحد ًا‪ ،‬أو كان جاه ً‬
‫بالتقصير في البحث ال يكون معذور ًا فيحكم بفسقه‪ ،‬ولكن إذا كان قاطع ًا بصحة ما يتبنّاه من‬
‫معتقد وما يعمله من أعمال ‪ -‬أكان ذلك عن قصور أو عن تقصير ابتدائي((( أو عن اجتهاد ‪-‬‬
‫إن الفسق هو‬ ‫فال يكون فاسق ًا‪ ،‬فما يفعله ليس معصية بل هو طاعة فال يعدّ مرتكب معصية‪ّ .‬‬
‫وصف يمكن إطالقه على العاصي وهو ليس سوى الجاحد والمتلبس بالتقصير‪.‬‬
‫ّ‬
‫وكأن المحقق الكركي ناظر إلى الرد على هذا اإلشكال‪ ،‬عندما قال‪« :‬فألن غير المؤمن‬
‫فاسق ضال لمخالفته طريق الحق الذي هو طريق أهل البيت ‪ ،‬فإنّها ال تكون إال عن تقصير‬
‫في النظر»(((‪.‬‬
‫كل مخالف ألهل البيت ‪ ‬مقصر ًا في‬ ‫أن دعوى كون ِّ‬‫ولك ّن المالحظة على ذلك هي ّ‬
‫عدم اتباعه لهم‪ ،‬هي دعوى في غير محلها‪ ،‬فعامة المسلمين من أتباع المذاهب األخرى‪،‬‬
‫ليس لديهم اطالع على اختالف المذاهب في أمر اإلمامة‪ ،‬وإذا كان لهم اطالع فهم جازمون‬
‫بصحة ما هم عليه‪ ،‬ولم ينقدح في ذهنهم احتمال صحة ما عليه اآلخرون‪ ،‬ما يجعلهم خارج‬
‫دائرة التقصير‪ ،‬بل إن العالم منهم وحيث إنه عاش منذ طفولته في أجواء تعليم ّية وتربوية قائمة‬
‫على أساس منظومة مذهب ّية خاصة‪ ،‬فإنه في األعم األغلب يحصل له القطع بصحة مذهبه‬
‫وبطالن سائر المذاهب‪ ،‬ما يجعله يفقد كل حافز للبحث عن صحة ما عليه سائر المذاهب‪.‬‬

‫(( ( التقصير االبتدائي ال ينافي كونه فيما بعد قاطع ًا بصحة ما هو عليه‪ ،‬ما ينفي عنه حالي ًا صفة الفسق‪،‬‬
‫وإن استوجب العقوبة على تقصيره السابق‪ ،‬بل وعلى خطئه الحالي‪ ،‬ألن االمتناع باالختيار ال ينافي‬
‫االختيار‪.‬‬
‫(( ( جامع المقاصد‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .372‬ذكر ذلك في بيان شروط إمام الجمعة‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تقريب آخر‬
‫«أن اشتراط العدالة في إمام‬ ‫تمسك بعضهم بهذا الوجه لك ْن بتقريب آخر‪ ،‬وهو ّ‬ ‫وربما ّ‬
‫ترجع إلى الفروع‪ ،‬يقتضي اشتراط اإليمان الراجع إلى األصول»(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الجماعة مع كونها‬
‫ِ‬
‫العدالة يع ِّب ُر عن‬ ‫أن قياس هذا على ذاك قياس مع الفارق‪ّ ،‬‬
‫فإن فقدَ‬ ‫ولك ْن يالحظ عليه‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واختيار على‬ ‫انحراف متعمد عن جادة الشريعة‪ ،‬وصاح ُبه غير معذور‪ ،‬ألنه ُيقدم عن عل ٍم‬
‫فعل ما هو محرم أو ترك ما هو واجب‪ ،‬وم ْن كان كذلك ليس جدير ًا بإمامة الجماعة‪ ،‬وأما‬
‫فقدُ اإليمان ببعض مراتبه قصور ًا فهو يع ِّبر عن انحراف غير متعمد وصاحبه معذور‪ ،‬ولذا ال‬
‫مانع من أن تجيز الشريعة الصالة خلفه‪ ،‬كما أجازت قبول روايته‪.‬‬
‫تقريب ثالث‬
‫أن من ال يؤمن بإمامة أهل البيت ‪ ‬فاسق‬‫وثمة تقريب ثالث مذكور في المقام‪ ،‬وهو ّ‬
‫ظالم‪ ،‬واالقتداء به ركون إليه‪ ،‬وهو منهي عنه بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬
‫ﲍ ﴾(((‪ ،‬وقد شاع االستدالل بهذا الوجه في كتب الفقهاء(((‪.‬‬
‫وع ّلق األردبيلي على هذا االستدالل بالقول‪« :‬وفي الداللة خفاء ما»(((‪.‬‬
‫قائم على ثالث مقدمات‪:‬‬ ‫أقول‪ :‬بل فيها منع‪ ،‬وتوضيح ذلك‪ّ ،‬‬
‫أن االستدالل ٌ‬
‫‪--1‬اآلخر ظالم‬
‫‪--2‬الصالة خلفه ركون إليه‪.‬‬
‫‪--3‬والركون منهي عنه‪.‬‬
‫وهذه المقدمات كلها خاضعة للنقاش‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أ ّما المقدمة األولى‪ّ ،‬‬
‫ألن المقصود بالظالم في اآلية المباركة‪ ،‬إن أريد به الظالم‬
‫للغير‪ ،‬فصد ُقه عرف ًا في المقام على المسلم اآلخر الذي يكون ظالم ًا لإلمام ‪ ‬لمجرد‬
‫عدم إيمانه به ال يخلو من خفاء بل منع‪ ،‬ولو س ّلم الصدق‪ ،‬فهو إنما يس ّلم لو كان جاحد ًا أو‬

‫مباني منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.254‬‬ ‫(( (‬


‫سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.113‬‬ ‫(( (‬
‫الناصريات للسيد المرتضى‪ ،‬ص ‪ .245‬وغنية النزوع البن زهرة‪ ،‬ص ‪ .87‬ومجمع الفائدة والبرهان‪،‬‬ ‫((( ‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪.246‬‬
‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.246‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪194‬‬
‫مقصر ًا‪ .‬وإن أريد به الظالم لنفسه‪ ،‬والمتحقق ‪ -‬أعني ظلمه لنفسه ‪ -‬في المقام بعدم إيمانه‬
‫المقصر‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ألن هذا إنما يصح في الجاحد أو‬‫أخص من المدعى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫باإلمام ‪ ،‬فيكون الدليل‬
‫أن اآلية هي أعم من‬‫دون الجاهل القاصر أو العالم القاطع بصحة ما يتبناه من عقيدة‪ .‬كما ّ‬
‫جهة أخرى‪ ،‬لشمولها للمؤمن الشيعي الفاسق أيض ًا‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬سلمنا أنّه ظالم‪ ،‬لك ّن اعتبار الصالة خلفه ولو لمرة واحدة أو مرتين أو ثالث مث ً‬
‫ال‬
‫إن المداومة على االئتمام به تعدّ ركون ًا إليه‪ ،‬أ ّما مجرد‬
‫ركون إليه غير واضح عرف ًا‪ ،‬أجل‪ّ ،‬‬‫ٌ‬
‫الصالة خلفه ولو اتفاق ًا فال‪.‬‬
‫فإن الصالة ال عالقة لها‬‫إن الركون إن كان بمعنى الميل القلبي(((‪ّ ،‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫بالميل القلبي‪ ،‬فقد يصلي اإلنسان خلف شخص عادل لكنه ال يميل قلبي ًا إليه‪ ،‬وإن كان‬
‫ال واالعتماد عليه أو اتخاذه ركن ًا يلجأ إليه(((‪ ،‬كما يقال فالن ركن‬
‫بمعنى الخضوع له عم ً‬
‫البيت‪ ،‬وفي الذكر الحكيم جاء قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﴾(((‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ألن االئتمام به ليس ركون ًا لهاذا المعنى‪،‬‬
‫عدم صدق الركون على الصالة هو أكثر وضوح ًا‪ّ ،‬‬
‫تحمل اإلمام عنه القرائة أو نحوها‪.‬‬
‫حتى لو ّ‬
‫إن النهي في المقام ال يستفاد منه أكثر من الحرمة التكليفية‪ ،‬دون الوضع ّية‪ ،‬وعليه‪،‬‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫أن النهي عن العبادة يبطلها ‪ ،‬لكنه إنما يبطلها إذا كان نهي ًا‬
‫(((‬ ‫فال تدل اآلية على البطالن‪ .‬صحيح ّ‬
‫عنها بعنوانها فيكون حينها مقتضي ًا للفساد‪ ،‬أو إرشاد ًا إليه‪ ،‬ألن مبغوضيتها بعنوان أنّها صالة مث ً‬
‫ال‬
‫ال وجه له إال بطالنها‪ .‬وأما إذا كان نهي ًا عنها لكونها مصداق ًا لعنوان آخر وهو الركون إلى الظالم‪،‬‬
‫فال يوجب ذلك البطالن‪ ،‬ألنه ليس من النهي عن العبادة‪ ،‬فالركون إلى الظالم ليس وارد ًا في‬
‫خصوص الصالة خلفه لتكون منهي ًا عنها‪ ،‬وإنما هو وارد على إطالقه‪ ،‬أجل لو أخذنا بالروايات‬
‫يدل على الفساد(((‪.‬‬‫اآلتية الناهية عن الصالة خلف اآلخر المذهبي فهذا النهي ال محالة ُّ‬
‫إن النهي وإن لم يكن مقتضي ًا للفساد‪ ،‬لك ّن المقام من موارد اجتماع األمر‬
‫قد تقول‪ّ :‬‬

‫((( قال الزمخشري ‪« :‬الركون هو الميل اليسير»‪ ،‬انظر‪ :‬الكشاف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.296‬‬
‫قوة‪ ،‬فركن الشيء جانبه األقوى‪ ،‬وهو يأوي‬ ‫((( قال ابن فارس‪« :‬الراء والكاف والنون أصل واحد يدل على ّ‬
‫عز ومنعة‪ ،‬ومن الباب ركنت إليه أركن»‪ ،‬انظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.430‬‬ ‫إلى ركن شديد أي ٍّ‬
‫(( ( سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬
‫(( ( قال في المعتبر تتميم ًا لالستدالل بآية النهي عن الركون‪« :‬ويلزم من النهي فساد الصالة»‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المعتبر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.306‬‬
‫((( وقد ذكر المحقق النائيني نظيره في نهي المرأة عن إظهار صوتها في الصالة أمام األجنبي بنا ًء على كون‬
‫صوتها عورة‪ ،‬انظر‪ :‬كتاب الصالة من تقرير بحث النائيني للكاظمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.135‬‬
‫‪195‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ألن إطالقه‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ تجري عليه أحكام باب التعارض ويقدم النهي ّ‬ ‫والنهي‪ ،‬وهو مستحيل‪،‬‬
‫شمولي بينما إطالق األمر بدلي‪ ،‬وكلما دار األمر بين اإلطالق الشمولي واإلطالق البدلي‬
‫فاإلطالق الشمولي مقدم‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن استحالة اجتماع األمر والنهي‪ ،‬إنما هي في صورة اتحاد متعلقهما على‬
‫وجه ال يمكن تمييز أحدهما عن اآلخر‪ ،‬واألمر في المقام ليس كذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن الركون إلى الظالم‬
‫إن تعدد العنوان ٍ‬
‫كاف في دفع غائلة اجتماع األمر‬ ‫مغاير لالقتداء به في الصالة‪ .‬والخالصة‪ّ :‬‬
‫والنهي‪ ،‬وذلك ال ألن تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون خارج ًا فهذا ال دليل عليه‪،‬‬
‫بل ألن األحكام الشرعية إنما تتعلق بالعناوين الذهنية‪ ،‬بما هي مرآة للخارج‪ ،‬ال بالخارج‬
‫مباشرة‪ ،‬وال بالصور الذهنية بما هي هي‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬قاعدة بطالن عمل غير اإلمامي‬
‫فقد قام الدليل على بطالن عمل اآلخر العبادي‪ ،‬ومع الحكم ببطالن عمله‪ ،‬فال يصح‬
‫االقتداء به‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك بأنّه ال وجه لبطالن عمله بسبب مذهبه‪ ،‬وقد أسلفنا في الباب الثاني‬
‫تفنيد األدلة التي سيقت لهذه القاعدة فيما مضى‪ ،‬فال نعيد بحثها‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬اإلجماع‬
‫«مخالف أهل الحق ال يؤتم به وإن أطلق عليه اسم اإلسالم‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬ ‫قال المحقق الحلي‪:‬‬
‫مر دليله وهو اإلجماع‪ ،‬على‬
‫اتفاق علمائنا» ‪ .‬وقال األردبيلي‪« :‬وأما اشتراط اإليمان فقد ّ‬
‫(((‬

‫ما في المنتهى‪.(((»..‬‬
‫إن اإلجماع في مثل هذه الموارد ال حج ّية له‪ ،‬ألنّه ليس إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا عن‬
‫وفيه‪ّ :‬‬
‫أن مستند المجمعين هو األدلة األخرى المذكورة في المسألة‬ ‫رأي اإلمام ‪ ،‬وإنما يرجح ّ‬
‫وال سيما الروايات اآلتية‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬النصوص الخاصة‬
‫وهي النصوص الروائية الدا ّلة على عدم جواز الصالة خلفهم‪ ،‬مما هو ظاهر في النهي‬
‫عن االقتداء بهم‪ ،‬وهي عدة أخبار‪:‬‬

‫((( المعتبر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.432‬‬


‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.246‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪196‬‬
‫ف ا ْل ُم َخالِ ِفي َن؟‬
‫الص َل ِة َخ ْل َ‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة ُز َر َار َة َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ع ِن َّ‬
‫«ما ُه ْم ِعن ِْدي إِ َّل بِ َمن ِْز َل ِة ا ْل ُجدُ ِر»(((‪ .‬فقوله‪« :‬بمنزلة الجدر» يعني أنه ال يعتدّ بصالتهم‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫وقراءتهم‪.‬‬
‫إن مصطلح «المخالف» ْ‬
‫وإن أريد به في كلمات الفقهاء اآلخر المذهبي‪،‬‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫ولك ْن لم يثبت استخدامه كذلك في الروايات‪ّ ،‬‬
‫فلعل المقصود به بعض الفرق المعادية لهم‬
‫أو الغالية فيهم‪.‬‬
‫إن المتأمل في الروايات يالحظ ورود هذا المصطلح في اإلشارة إلى‬ ‫لكن يالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫اآلخر المذهبي سواء على ألسنة الرواة أو األئمة ‪ ،‬كما أوضحنا في الباب األول‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫إن األئمة ‪ ‬يستخدمون هذه التعبيرات القاسية «هم بمنزلة الجدر»‬ ‫ولنا أن نسأل‪ :‬هل ّ‬
‫والتي يعدّ ها البعض إهانة وتحقير ًا لآلخر وني ً‬
‫ال منه بطريقة هي أقرب إلى السب والشتم؟! إن‬
‫دراسة لغة األئمة ‪ ‬وتعبيراتهم وأسلوبهم لدى الحديث عن اآلخر مهم جد ًا‪ ،‬والذي نجزم‬
‫أن األئمة ‪ ‬ال يخرجون عن األدب اإلسالمي حتى في الحديث عن أعدائهم وخصومهم‪.‬‬ ‫به ّ‬
‫إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫إن اإلمام هنا لم ُيرد التوهين‪ ،‬وإنّما رمى إلى القول ببطالن االئتمام به‬
‫كما ال يؤتم بالجمادات من األشياء‪ .‬فوجوده كعدمه‪ ،‬ونظيره ما في خبر الدعائم عن أبي‬
‫عبد الله ‪ ‬متحدث ًا عن كيف ّية الصالة خلف الناصب‪« :‬واجعله سارية من سواري المسجد‪،‬‬
‫واقرأ لنفسك كأنك وحدك»(((‪.‬‬
‫إن الرواية بحسب سند الشيخ ال تخلو من شائبة اإلرسال‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن ثعلبة بن‬ ‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫ميمون نقلها عن اإلمام ‪ ‬دون واسطة‪ ،‬وثعلبة ْ‬
‫وإن كان ثقة جليالً‪ ،‬لكنه وبنص النجاشي‬
‫ممن «روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ‪ .(((»‬ولم يذكر أنه ممن روى عن الباقر ‪.‬‬
‫وهكذا ّ‬
‫فإن الشيخ ‪-‬رحمه الله‪ -‬قد عدّ ه في رجاله من أصحاب الصادق ‪ ‬والكاظم ‪،(((‬‬
‫ولم يذكره في أصحاب الباقر ‪ ،‬ولكن مما يهون الخطب أنّه وبحسب الكافي‪ ،‬فقد روى‬
‫ثعلبة عن زرارة عن أبي جعفر الباقر ‪ّ .‬‬
‫فلعل اسم زرارة قد سقط في التهذيب‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .373‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.266‬‬ ‫((( ‬


‫دعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.151‬‬ ‫((( ‬
‫رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫((( ‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.317‬‬ ‫(( (‬
‫‪197‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيح ابن مهزيار قال‪« :‬كتبت إلى أبي جعفر محمد بن علي الرضا ‪:‬‬
‫« ُأصلي خلف من يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس بن عبد الرحمن(((؟ فكتب ‪« :‬ال‬
‫تص ّلوا خلفهم‪ ،‬وال تعطوهم من الزكاة‪ ،‬وابرؤوا منهم برئ الله منهم»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشك في‬ ‫تضمنت أمر ًا يثير الريبة ويبعث على‬
‫ّ‬ ‫والرواية مع صحتها سند ًا‪ ،‬إال أنها‬
‫صدورها عن اإلمام ‪ ‬على سبيل الجدّ ‪ ،‬وما تضمنته هو عدم الصالة خلف من يقول‬
‫ٍ‬
‫مناف للروايات‬ ‫بقول يونس‪ ،‬ودعت إلى البراءة منهم‪ ،‬وهذا فيه طعن بيونس نفسه(((وهو‬
‫الصحيحة التي تؤكد على جاللة يونس ووثاقته وصحة عقيدته وأنّه ممن يؤخذ عنه معالم‬
‫أن القميين وجماعة من البصريين كانوا‬ ‫الدين‪ ،‬نعم يظهر من الروايات والشواهد األخرى ّ‬
‫يطعنون عليه‪ ،‬لبعض األسباب‪ ،‬ومنها اجتهاده في الرأي(((‪.‬‬
‫أن السيد الخوئي اعتمد على الرواية في الفقه(((‪ ،‬ور ّدها في الرجال‪،‬‬ ‫والمستغرب ّ‬
‫قال تعليق ًا عليها وعلى رواية أخرى تذ ّم يونس‪« :‬وهاتان الروايتان ال بدّ من ر ّد علمهما إلى‬
‫أهلهما‪ ،‬وهما ال تصلحان لمعارضة الروايات المستفيضة المتقدمة التي فيها الصحاح‪ ،‬مع‬
‫اعتضادها بتسالم الفقهاء واألعاظم على جاللة يونس وعلو مقامه‪ ،‬حتى إنه عُدَّ من أصحاب‬
‫اإلجماع»(((‪.‬‬
‫ولكن ربما يقال‪ :‬إنّه يمكن التبعيض في الحجية‪ ،‬وذلك باألخذ بالصحيحة في جزء من‬
‫مدلولها وهو ما يتصل بالنهي عن الصالة خلف المجسمة‪ ،‬وعدم األخذ بها في الجزء اآلخر‪،‬‬
‫وهو ما تضمنته من الذم ليونس‪.‬‬
‫ولك ّن التبعيض في الحجية في الروايات في المقام موضع إشكال‪ ،‬وتوضيح ذلك‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن التفكيك في الحج ّية إنما يكون له وجه في صورة ما لو اشتملت على عدّ ة فقرات‬

‫هكذا في األمالي وهو المصدر‪ ،‬ولكن في الوسائل «بقول يونس»‪ ،‬وفي البحار بقول «يونس ‪ -‬يعني‬ ‫(( (‬
‫ابن عبد الرحمن ‪ ،»-‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.292‬‬
‫األمالي للصدوق‪ ،‬ص ‪ .352‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،312‬الحديث ‪ ،10‬الباب ‪ 10‬من أبواب‬ ‫(( (‬
‫صالة الجماعة‪.‬‬
‫إن لهم قو ً‬
‫ال ورأي ًا قد ال يرتضيه يونس نفسه‪،‬‬ ‫ال‪ّ :‬‬
‫وذلك ألن البراءة ليست من أصحاب يونس‪ ،‬ليقال مث ً‬ ‫((( ‬
‫وإنما البراءة ممن يقول بقوله‪ ،‬فيكون االنحراف في قوله‪ ،‬فهو المدان‪.‬‬
‫راجع حول وثاقة يونس ما ذكر في الملحق رقم (‪ ،)2‬ج ‪.2‬‬ ‫(( (‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.343‬‬ ‫((( ‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص ‪.226‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪198‬‬
‫أن ظهور بعض الفقرات في النهي التحريمي‬ ‫تتضمن عدة ٍ‬
‫نواه أو أوامر‪ ،‬وثبت بالدليل ّ‬
‫ال غير مراد حتم ًا فال مانع من التفكيك عندها‪ ،‬وحمل الباقي على التحريم‪ّ ،‬‬
‫ألن النهي‬ ‫مث ً‬
‫ال في مطلق النهي األعم من التحريم والكراهة‪ ،‬وأ ّما‬ ‫في مثل هذا السياق يكون مستعم ً‬
‫إذا كان مدلول بعض الفقرات مما ال يمكن األخذ بها أصالً‪ ،‬لكونه خالف ما قام الدليل‬
‫عندئذ هو موضع تأمل‬‫ٍ‬ ‫القطعي عليه(((‪ ،‬أو لوجود معارض له‪ ،‬فالتفكيك في الحج ّية‬
‫كبير حتى بنا ًء على حج ّية خبر الثقة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن «عمدة الدليل عليها بناء العقالء وليس‬
‫الحجية»(((‪ .‬وأما إذا بنينا على حج ّية الخبر الموثوق‪ ،‬فاألمر‬
‫ّ‬ ‫بناؤهم على التبعيض في‬
‫أشد وضوح ًا‪« ،‬لكون ذلك أمارة نوع ّية على وجود خلل في الرواية بنحو يسلب الوثوق‬
‫بها ويخرجها عن دليل الحجية»(((‪.‬‬
‫إذا اتضح ذلك نقول‪ّ :‬‬
‫إن ما نحن فيه هو من الموارد التي يصعب التفكيك فيها في‬
‫الحجية‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الشتمالها على فقرة تتضمن بصراحة الدعوة إلى البراءة من يونس وأصحابه‬
‫وهذا ال يمكن األخذ به‪ ،‬بسبب معارضته بما دل على جاللته وصحة عقيدته‪.‬‬
‫ألن الجواب على حكم الصالة خلف من يقول بالتجسيم ومن يقول بقول يونس‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫كان واحد ًا وأنه «ال تصل خلفهم»‪ ،‬وحيث إن يونس ال شك في عدالته وسالمة عقيدته‪،‬‬
‫فالتفكيك معناه قبول النهي ‪ -‬مع كونه واحد ًا ‪ -‬عن الصالة خلف من يقول بالتجسيم وحمله‬
‫على اإلرادة الجدية‪ ،‬ما يجعله ظاهر ًا في الحرمة والبطالن‪ ،‬ورفض مفاده (مفاد النهي) بالنسبة‬
‫للصالة خلف من يقول بقول يونس‪ ،‬وهذا التفكيك مما ال يمكن أو يصعب االلتزام به‪.‬‬

‫((( ومثاله ‪-‬ولو في مجال آخر‪ -‬ما ذكره السيد الحكيم تعليق ًا على‪« :‬صحيح ابن مهزيار‪« :‬كتبت إليه‪ :‬امرأة‬
‫طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان‪ ،‬ثم استحاضت فصلت وصامت شهر‬
‫رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صالتين‪ ،‬فهل يجوز صومها وصالتها أم‬
‫ال؟ فكتب ‪ :‬تقضي صومها وال تقضي صالتها‪ ،‬ألن رسول الله (ص) كان يأمر فاطمة والمؤمنات من‬
‫نسائه بذلك»‪ ،‬وال يقدح فيه اإلضمار كما تكرر غير مرة‪ .‬وال ظهوره في أن فاطمة ‪ ‬كانت تستحاض‬
‫ال ال حيض ًا وال استحاضة‪ .‬إلمكان حمله على فاطمة بنت‬ ‫مع تكاثر األخبار بأنها ‪ ‬لم تر حمرة أص ً‬
‫أبي حبيش‪ ،‬أو كون األمر لها ‪ ‬بذلك لتعلم المؤمنات‪ .‬وال باشتماله على ما ال يقول به األصحاب‬
‫من عدم قضاء الصالة‪ ،‬إلمكان التفكيك في الحجية بين فقرات الحديث الواحد»‪ .‬انظر‪ :‬مستمسك العروة‬
‫الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .412‬ولسنا هنا بصدد مناقشة ما جاء في هذا المثال‪ ،‬وإال ففيه مواضع عديدة للتأمل‪.‬‬
‫(( ( البدر الزاهر في صالة الجمعة والمسافر‪ ،‬ص ‪.248‬‬
‫((( بحوث في شرح العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.342‬‬
‫‪199‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة البرقي قال‪« :‬كتبت إلى أبي جعفر الثاني ‪ :‬أتجوز الصالة‬
‫خلف من وقف على أبيك وجدّ ك؟ فأجاب‪ :‬ال ّ‬
‫تصل وراءه»(((‪ .‬بتقريب ّ‬
‫أن النهي في العبادة‬
‫ظاهر في الفساد‪.‬‬
‫وثمة تساؤل هنا‪ ،‬وهو أن الوقف كان على اإلمام الكاظم ‪ ،‬فما معنى سؤال البرقي‬
‫عمن وقف على أبيه‪ ،‬مع أنّه لم يعهد وجود واقفة على الرضا ‪‬؟! وقد احتمل‬
‫لإلمام الجواد ‪ّ ‬‬
‫المجلسي األول في شرحه على الفقيه((( أن يكون المقصود بأبيه وجده الكاظم والصادق ‪،‬‬
‫لكنه خالف الظاهر‪ ،‬واحتمال أنّه قد حصل شيء من الوقف على اإلمام الرضا ‪- ‬وبقي‬
‫ظاهرة محدودة فلم تتم اإلشارة إليها من المؤرخين وغيرهم‪ -‬بعيدٌ ‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك ال يتناسب مع‬
‫وقوع ذلك موقع ًا لسؤال الجواد ‪ ‬عن حكم الصالة خلفهم‪ ،‬فإنّه ظاهر في وجود حالة معينة‬
‫تستدعي السؤال‪ .‬وإن كانت ظاهرة الوقف المعروفة والخطيرة هي الوقف على الكاظم ‪.‬‬
‫يحب‬
‫ّ‬ ‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة إسماعيل الجعفي قال‪« :‬قلت ألبي جعفر ‪ :‬رجل‬
‫ممن خالفه‪ ،‬فقال‪« :‬هذا مخلط‪،‬‬
‫إلي ّ‬
‫أحب ّ‬
‫عدوه ويقول‪ :‬هو ّ‬ ‫أمير المؤمنين ‪ ،‬وال ّ‬
‫يتبرأ من ّ‬
‫تصل خلفه وال كرامة َّإل أن تتّقيه»(((‪.‬‬
‫عدو‪ ،‬فال ّ‬
‫وهو ّ‬
‫فإن هذا االعتقاد ليس سوي ًا‪ ،‬بل فيه خلط الحق‬
‫والتخليط هنا هو بلحاظ المعتقد‪ّ ،‬‬
‫بالباطل‪.‬‬
‫ثمة تساؤل إزاء هذه اللغة التي استخدمها اإلمام ‪ ‬بحكمه على الرجل بأنه‬ ‫ولك ْن ّ‬
‫يحب علي ًا ‪ ‬ولكنه ال يتبرأ من خصومه‬
‫ّ‬ ‫عدو‪ ،‬فما هو الوجه في ذلك؟! أفيحكم على من‬
‫إن األولى وفق ًا لما يستفاد من منهج القرآن وتعاليم النبي (ص) وأهل‬‫بكونه عدو ًا! أ ْم ّ‬
‫إن هذا الشخص قطع مرحلة على الطريق من خالل‬ ‫البيت ‪ ‬أن يقال في مثل هذا المورد ّ‬
‫أحب الناس إليه‪ ،‬ولكن ال يكفي ذلك فثمة مرحلة أعلى وخطوة الحقة في‬‫ّ‬ ‫جعله علي ًا ‪‬‬
‫خط اإليمان والعقيدة الصحيحة عليه أن يقطعها؟! وأهل البيت ‪ ‬كما يعلم من سيرتهم‬
‫وتعاليمهم ال يريدون تكثير أعدائهم‪.‬‬

‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .379‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .28‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪،8‬‬
‫ص ‪ ،310‬الباب ‪ 10‬من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.5‬‬
‫(( ( ذكر ذلك في شرحه الفارسي‪ ،‬لوامع صاحبقرانى (شرح الفقيه)‪ ،‬محمد تقي المجلسي ( ‪1070‬هـ)‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1416 ،‬هـ ق‪ ،‬مؤسسة دار التفسير ‪ -‬قم ‪ -‬ايران‪.‬‬
‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .380‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.28‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪200‬‬
‫اللهم إال أن يكون المقصود اإلشارة إلى معنى معين كما سيأتي‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬ما رواه الصدوق عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري‬
‫العطار رضي الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثالثمائة قال‪ :‬علي بن محمد‬
‫ابن قتيبة النيسابوري‪ ،‬عن الفضل شاذان قال‪ :‬سأل المأمون علي بن موسى الرضا ‪ ‬أن يكتب‬
‫له محض اإلسالم على سبيل اإليجاز واالختصار‪ ،‬فكتب ‪ ‬له‪ّ :‬‬
‫«إن محض اإلسالم‪ ...‬وال‬
‫خلف الفاجر‪ ،‬وال ُيقتدى إال بأهل الوالية»(((‪ .‬ونحوه ما رواه في الخصال في حديث‬
‫َ‬ ‫صال َة‬
‫«شرائع الدين» عن األعمش عن الصادق ‪.(((‬‬
‫أن هذا الكتاب قد‬ ‫فإن ثمة ما يريب في المقام وهو ّ‬ ‫ولكن وبصرف النظر عن السند‪ّ ،‬‬
‫أرسله اإلمام الرضا ‪ ‬إلى المأمون العباسي‪ ،‬ومن المستبعد أن يكتب اإلمام بخطه أو‬
‫بتوقيعه إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتاب ًا يسمي له فيه اإلمام من بعده وصوالً إلى اإلمام‬
‫إن الصالة ال‬‫المهدي ‪ ‬ويوضح له أن من لم يؤمن بهؤالء مات ميتة جاهلية(((‪ ،‬ثم يقول له ّ‬
‫أن المأمون كان من المؤمنين‬ ‫إن هذا مستبعد جد ًا إال إذا فرضنا ّ‬
‫تقبل إال خلف أهل الوالية! ّ‬
‫حق ًا بوالية أهل البيت ‪ ‬المس ِّلمين لهم‪ ،‬ولك ّن الشواهد ال تساعد على ذلك‪.‬‬
‫إن النصوص المتقدمة بصرف النظر عن بعض اإلشكاالت الواردة عليها‬ ‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫كافية ‪ -‬لوال المعارضات ‪ -‬إلثبات الحكم المذكور وهو عدم جواز االقتداء بمخالف أهل‬
‫البيت ‪ ‬أكان سني ًا أم شيعي ًا غير إمامي‪.‬‬

‫((( عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.129‬‬


‫(( ( الخصال‪ ،‬ص ‪.604‬‬
‫(( ( فقد جاء في فقرات الخبر‪« :‬وأن الدليل بعده والحجة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين والناطق‬
‫عن القرآن والعالم بأحكامه‪ ،‬أخوه وخليفته ووصيه ووليه والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ‬أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وأفضل الوصيين ووارث‬
‫علم النبيين والمرسلين وبعده الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‪ ،‬ثم علي بن الحسين زين‬
‫العابدين‪ ،‬ثم محمد بن علي باقر علم النبيين ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين‪ ،‬ثم‬
‫موسى بن جعفر الكاظم‪ ،‬ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد‪ ،‬ثم الحسن بن‬
‫علي ثم الحجة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين أشهد لهم بالوصية واإلمامة وأن األرض ال‬
‫تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة‬
‫على أهل الدنيا إلى أن يرث الله األرض ومن عليها‪ ،‬وأن كل من خالفهم ضال مضل باطل تارك للحق‬
‫والهدى وأنهم المعبرون عن القرآن والناطقون عن الرسول (ص) بالبيان ومن مات ولم يعرفهم مات‬
‫ميتة جاهلية»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ولكننا نقول‪ :‬إن االعتماد على هذه األخبار في إثبات الحكم المذكور ال يخلو من‬
‫تأمل وإشكال‪ ،‬وذلك ألن االعتماد على عدة أخبار ال يكاد يخلو معظمها من تحفظ أو‬
‫إشكال سندي أو داللي‪ ،‬لتقييد المطلقات والعمومات المتقدمة أمر ال تساعد عليه قواعد‬
‫فإن حكم ًا كهذا (منع الصالة وراء اآلخر المذهبي) في مسألة هي من أكثر‬ ‫الجمع العرفي‪ّ ،‬‬
‫المسائل االبتالئية وهي ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬على خالف القاعدة العامة المستفادة من تلك المطلقات‬
‫وعلى خالف الجري اإلسالمي العام((( ال يكتفى فيه ببضعة أخبار‪ ،‬بل من الطبيعي أن يتم‬
‫إبالغه وتركيزه بطريقة أكثر بيان ًا وتفصيالً‪ ،‬ما يستدعي صدور أخبار عديدة تمنع من الصالة‬
‫وراء اآلخر‪ ،‬ال أن يصدر فيه بضعة أخبار وأكثرها ‪ -‬على قلتها ‪ -‬واردة في المجسمة أو في‬
‫السنة الذين هم السواد األعظم آنذاك‪ ،‬وسيأتي نزر آخر قليل من‬ ‫الواقفية وليس في أهل ُّ‬
‫األخبار ليست أفضل حاالً مما تقدم‪.‬‬
‫ثمة أخبار ًا معارضة لها‪ ،‬وهي التي سوف نسرح النظر فيها‪ ،‬في الوقفة‬ ‫هذا ناهيك عن ّ‬
‫أن ّ‬
‫ثم ننتقل بعدها إلى مرحلة الموازنة بالجمع أو الترجيح‪.‬‬
‫الرابعة التالية‪ّ ،‬‬
‫رابع ًا‪ :‬ما ّ‬
‫دل على جواز ال�صالة خلف الم�سلم الآخر‬
‫وفي هذه المرحلة الرابعة من البحث سوف نستعرض الوجوه التي يمكن‬
‫االستدالل بها إلثبات جواز الصالة خلف المسلم اآلخر‪ ،‬وما يمكن أن يذكر في المقام‬
‫هو الوجوه التالية‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬األخبار‬
‫هناك عدة أخبار يستفاد منها جواز الصالة خلف المسلم اآلخر‪ ،‬وإليك أهمها‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«صلى حسن وحسين خلف مروان ونحن نصلي معهم»(((‪.‬‬
‫ونقل في «بحار األنوار» عن نوادر الراوندي‪ :‬بإسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه ‪‬‬

‫(( ( فإن المعروف عند العامة من المسلمين أنهم يبادرون إلى الصالة جماعة خلف المسلم اآلخر دون‬
‫قيود أو شروط كثيرة‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫((( نقله عن مسائل علي بن جعفر‪ :‬كل من الحر العاملي في وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،301‬الباب ‪ 5‬من‬
‫أبواب صالة الجمعة الحديث ‪9‬؛ والمجلسي في بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،85‬ص ‪.73‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪202‬‬
‫قال‪ :‬كان الحسن والحسين ‪ ‬يصليان خلف مروان بن الحكم‪ ،‬فقالوا ألحدهما‪ :‬ما كان‬
‫أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال‪ :‬ال وال َّله‪ ،‬ما كان يزيد على صالة»(((‪.‬‬
‫وقد روي هذا الخبر في مصادر السنة‪ ،‬ففي السنن للبيهقي‪ :‬أخبرنا يحيى بن إبراهيم‬
‫ابن محمد بن يحيى حدثنا أبو العباس أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ حاتم بن إسماعيل عن‬
‫جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلف مروان‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬ما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال‪ :‬ال والله ما كانا يزيدان على‬
‫صالة األئمة»(((‪.‬‬
‫والصالة خلفهم ظاهرة في االقتداء بهم‪ ،‬ويؤيده ما جاء في النقل اآلخر من أنهما لم يكونا‬
‫فعل اإلمامين الحسنين ‪ ،‬وتحكي موافقة اإلمام‬ ‫يعيدان ما صلياه‪ ،‬وأهمية الرواية أنها تحكي َ‬
‫الصادق ‪ ‬لهما والسير على نهجهما‪ .‬والحسنان ‪ ‬لم يكونا يعيشان التق ّية بمعنى الخوف على‬
‫النفس‪ ،‬نعم هي تحتمل الحمل على المداراة والحرص على وحدة الجماعة المسلمة ودفع مفسدة‬
‫أن من ُيص َّلى خلفه هو مروان بن الحكم الذي ورد فيه‬
‫االنقطاع عن جماعة المسلمين‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫لعن عن رسول الله (ص) بحسب ما جاء في بعض األخبار المتقدمة‪ ،‬وهذا يوهن االستدالل بها‬
‫على جواز الصالة في غير صورة المداراة‪ ،‬ولنا عودة إلى ذلك‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬في نوادره عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫سماعة قال‪ :‬سألته عن مناكحتهم والصالة خلفهم؟ فقال‪« :‬هذا أمر شديد لن تستطيعوا ذلك‪ ،‬قد‬
‫أنكح رسول الله (ص) وصلى علي ‪ ‬وراءهم»(((‪ .‬والصالة وراءهم ظاهرة في االقتداء بهم‪.‬‬
‫ولنا وقفتان مع الرواية‪:‬‬
‫الوقفة األولى‪ :‬ما يتصل بالسند‪ ،‬فقد ع ّبر عنها السيد اإلمام الخميني بالموثقة(((‪ .‬وال‬

‫((( بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،44‬ص ‪.123‬‬


‫(( ( السنن الكبرى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .123‬ورواه ابن أبي شيبة الكوفي في المصنف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .271‬ورواه البخاري‬
‫في التاريخ الصغير‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .136‬ورواه الشافعي في األم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .185‬وقال األلباني تعليق ًا على‬
‫سند الحديث‪« :‬وهذا سند صحيح على شرط مسلم إن كان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قد سمع من جديه الحسن والحسين‪ ،‬فقد قيل إنه لم يسمع من أحد‬
‫إن اإلمام الصادق ‪ - ‬بصرف‬ ‫من الصحابة‪ .‬والله أعلم»‪ .‬انظر‪ :‬إرواء الغليل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .304‬أقول‪ّ :‬‬
‫النظر عما نعتقده فيه ‪ -‬ال يجوز لمسلم أن يشكك في روايته‪ ،‬ألنه الصادق المأمون‪.‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،301‬الباب ‪ 5‬من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.10‬‬
‫(( ( الرسائل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.198‬‬
‫‪203‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن ذلك رهن توفر سند للشيخ الحر إلى أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬ويمكن القول‬ ‫يخفى ّ‬
‫إن السند متوفر‪ ،‬ألن الشيخ الحر يذكر سند ًا صحيح ًا إلى هذا الكتاب وغيره‪ ،‬وهو سنده‬ ‫ّ‬
‫إلى الشيخ الطوسي‪ ،‬والطوسي بدوره له سند صحيح إلى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى‬
‫صرح الشيخ نفسه في المشيخة‪ ،‬وعليه ال غبار على سند الحديث‪ ،‬ولكن يبقى أنّه‬ ‫على ما ّ‬
‫ما الدليل على أن نسخة النوادر التي وصلت إلى الشيخ الحر وصلت بطريق معتبر‪ .‬صحيح‬
‫أن الحر قد اعتمد في «الوسائل» على الكتاب(((‪ ،‬لك ّن البعض شكك في وصول نسخة من‬ ‫ّ‬
‫ثم ّ‬
‫إن الرواية مضمرة ولك ّن إضمارها ال‬ ‫الكتاب إليه وإلى العالمة المجلسي بطريق معتبر ‪ّ .‬‬
‫(((‬

‫يضر‪ ،‬على ما هو المعروف في مضمرات سماعة‪.‬‬


‫الوقفة الثانية‪ :‬فيما يتصل بالداللة‪ ،‬فهي واضحة في جواز الصالة خلفهم‪ّ ،‬‬
‫ألن اإلمام ‪‬‬
‫وفي اإلجابة على سؤال الراوي عن حكم النكاح منهم والصالة خلفهم (ويقصد بهم أتباع‬
‫مهد للجواب باإلشارة إلى أن ما سيقوله له ثقيل عليه‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫«إن ذلك شديد»‪،‬‬ ‫سائر المذاهب) ّ‬
‫وهذا يعكس وجود ذهنية أو نظرة سوداوية كانت منتشرة لدى بعض الشيعة آنذاك تجاه اآلخر‬
‫ثم أجاب‬‫مهد ‪ ‬بذلك تهيئة للسائل ّ‬ ‫المذهبي‪ ،‬ونتيجة الستحكام هذه الرؤية المتشددة ّ‬
‫على السؤالين بجواب حكى فيه فعل رسول الله (ص) وفعل علي ‪ ،‬ليكون ذلك أكثر‬
‫فإن النبي (ص) قد أنكح‪ ،‬في إشارة إلى تزويج‬ ‫إقناع ًا للسائل‪ ،‬فذكر ‪ ‬أنه بالنسبة للنكاح ّ‬
‫ابنتيه من عثمان(((‪ ،‬وأما بالنسبة للصالة خلفهم‪ ،‬فعلي ‪ ‬قد صلى خلفهم‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫النكاح منهم جائز والصالة أيض ًا جائزة‪.‬‬
‫إثبات صالة األئمة ‪ ‬خلف أئمة الجماعة بطريق آخر‬
‫وربما يقال‪ :‬إن صالة علي ‪ ‬وراء الخلفاء أو من كان مع ّين ًا للصالة من قبلهم‬
‫ثابتة بصرف النظر عن الرواية‪ ،‬وذلك ألنه وبعد إنهاء القطيعة التي حدثت عقيب وفاة‬
‫رسول الله (ص) وتفرغه خاللها لجمع القرآن‪ ،‬صار ‪ ‬يشارك في الحياة العامة‪ ،‬ولو لم‬

‫(( ( انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪.159‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬الفقه والمسائل الطبية‪ ،‬ص ‪.313‬‬
‫بنوة زينب وأم كلثوم ورقية لرسول الله (ص) مرفوض‪ ،‬يقول الشيخ المفيد‪ّ :‬‬
‫«إن زينب‬ ‫(( ( التشكيك في ّ‬
‫ورقية كانتا ابنتي رسول الله (ص) والمخالف لذلك شاذ بخالفه»‪ .‬أجوبة المسائل الحاجبية‪ ،‬أو‬
‫المسائل العكبرية‪ ،‬ص ‪ .140‬وقد أثبتنا بطالن هذا القول النافي لبنوتها له (ص) في كتاب «أبحاث‬
‫حول السيدة عائشة»‪ ،‬ص ‪ 275‬وما بعدها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪204‬‬
‫يفعل ويصلي خلفهم الشتهر األمر وبان‪ ،‬ألنّه يم ّثل مقاطعة لهم‪ ،‬ومن المعلوم ّ‬
‫أن المقاطعة‬
‫لصالة الجماعة في صدر اإلسالم كانت مظهر انشقاق وخروج على الجماعة‪ ،‬ومن هنا‬
‫أن النبي (ص) هدد بإحراق بيوت بعض الناس الذين قاطعوا حضور‬ ‫ورد في بعض األخبار ّ‬
‫جماعته في المساجد(((‪ ،‬ولذا لو كان اإلمام ‪ ‬قد قاطع الجماعة كل هذه المدة الطويلة‬
‫إلى حين تسلمه الحكم كان من الطبيعي أن ُيعرف ذلك عنه ويشتهر‪ ،‬بل لربما عدّ ه خصوم‬
‫اإلمام ‪ ‬من المطاعن عليه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الكالم وجيه لكن هذا االستبعاد (استبعاد أن ال يكون علي ‪ ‬قد صلى‬
‫خلفهم) إنما يثبت أصل مشاركته في الجماعة‪ ،‬ولكنه ال يحدد وجه المشاركة وما إذا كانت‬
‫على نحو االقتداء أو المتابعة مع القراءة لنفسه‪ ،‬فهو دليل لبي ال إطالق له فيحمل على‬
‫القدر المتيقن‪..‬‬
‫ولذا فأهم ّية الرواية المتقدمة ‪ -‬أعني مضمرة سماعة ‪ -‬أنها ُّ‬
‫تدل على استمرار األمر‬
‫وعدم خصوصية لإلمام علي ‪ ‬في ذلك‪ ،‬ألن اإلمام ‪ ‬في المضمرة قد أجاب السائل عن‬
‫حكم الصالة خلفهم‪ ،‬بأن علي ًا ‪ ‬قد صلى خلفهم‪ ،‬وهو ظاهر في االقتداء بهم‪ ،‬فيتمسك‬
‫ٍ‬
‫حيئنذ بإطالق الرواية‪ّ ،‬‬
‫ألن وبعد إجابة اإلمام ‪ ‬بفعل جده أمير المؤمنين ‪ ‬فال يبقى ذلك‬
‫من قبيل الفعل الصامت الذي ال ُيستفاد منه اإلطالق‪.‬‬
‫وربما يستدل على صالة اإلمام علي ‪ ‬خلفهم بما رواه الحسكاني بإسناده عن‬
‫علي في بيته فلم يخرج‪ ،‬فقيل ألبي‬
‫محمد ابن سيرين قال‪ :‬لما مات النبي (ص) جلس ّ‬
‫إن علي ًا ال يخرج من البيت كأنه كره إمارتك! فأرسل إليه‪ ،‬فقال‪ :‬أكرهت إمارتي؟!‬
‫بكر‪ّ :‬‬
‫فقال‪ :‬ما كرهت إمارتك‪ ،‬ولكني أرى القرآن ُيزاد فيه فحلفت أن ال أرتدي برداء إال‬
‫للجمعة حتى أجمعه»(((‪.‬‬
‫أن اإلمام ‪ ‬كان له موقف في‬ ‫ألن من الثابت ّ‬
‫لك ّن رواية الحسكاني ال تخلو من تأمل‪ّ ،‬‬
‫عما جرى‪ ،‬بخالف ما توحيه الرواية من أنه لم يكن كاره ًا‪،‬‬
‫أمر الخالفة‪ ،‬فهو لم يكن راضي ًا ّ‬

‫(( ( ليس التهديد لعدم حضور الجماعة‪ّ ،‬‬


‫فإن ذلك من المستحبات كما هو معلوم‪ ،‬بل ألن المقاطعة كانت‬
‫تؤشر ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬إلى بداية تمرد أو انشقاق‪.‬‬
‫(( ( شواهد التنزيل لقواعد التفضيل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .38‬وفي االستيعاب البن عبد البر‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .974‬نقل‬
‫عنه ‪« :‬ولكني آليت أال أرتدي ردائي إال إلى صالة حتى أجمع القرآن»‪« .‬قال ابن سيرين‪ :‬فبلغني‬
‫أنه كتب [كتبه] على تنزيله‪ ،‬ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير»‪ ،‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫واعتكافه ‪ ‬وعدم خروجه من بيته لم يكن لغرض جمع القرآن الكريم فحسب‪ ،‬بل ألمر‬
‫تمخض عنه اجتماع السقيفة أيض ًا‪ ،‬من إقصائه عن حقه‪.‬‬ ‫آخر أيض ًا وهو االحتجاج على ما ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة َح َّماد َع ِن ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن َص َّلى َم َع ُه ْم‬ ‫(((‬

‫ول ال َّله (ص)»(((‪.‬‬ ‫ف رس ِ‬ ‫ف األَ َّو ِل ك َ‬ ‫ِ‬


‫َان ك ََم ْن َص َّلى َخ ْل َ َ ُ‬ ‫الص ِّ‬
‫في َّ‬
‫وهذه الصحيحة ظاهرة في حصول االقتداء بهم‪ ،‬بقرينة مقايسة الصالة خلفهم بالصالة‬
‫تدل على اإلجزاء‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬حتى لو‬ ‫خلف رسول الله (ص)‪ ،‬وللقرينة عينها فهي ُّ‬
‫حصل خلل ركني‪ ،‬فيكون نظير زيادة الركن أو نقيصته في صالة الجماعة خلف العدل‬
‫الموالي ألهل البيت ‪.‬‬
‫أعم منه ومن الصالة‬‫ودعوى أن التعبير بالصالة معهم ال ظهور له في االقتداء‪ ،‬بل ّ‬
‫خلفهم بن ّية الفرادى غير تامة‪ ،‬إذ من غير البعيد ظهور قوله «الصالة معهم» في االقتداء بهم‪،‬‬
‫وال أقل من أنه مطلق وشامل لصورة الصالة معهم جماعة‪.‬‬
‫واستناد ًا إلى هذه الرواية قال الشهيد األول‪« :‬يستحب حضور جماعة أهل الخالف‬
‫استحباب ًا مؤكد ًا»(((‪ ،‬هذا‪ ،‬مع حكمه بشرط اإليمان بالمعنى األخص في إمام الجماعة‪،‬‬
‫فحكمه باستحباب حضور الجماعة ال يريد به االقتداء بهم‪.‬‬
‫عمار‪ ،‬قال‪« :‬قال لي أبو عبد الله ‪« :‬يا إسحاق أتص ّلي‬
‫ونظيرها ما رواه إسحاق بن ّ‬
‫األول‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الصف ّ‬ ‫فان المص ّلي معهم في‬
‫صل معهم‪ّ ،‬‬ ‫معهم في المسجد؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ّ :‬‬
‫أن العبادة ال تكون مستحبة إال إذا كانت صحيحة‬‫كالشاهر سيفه في سبيل الله»(((‪ .‬بتقريب ّ‬
‫ومجزية‪ ،‬وظاهر الصالة معهم هو الصالة اقتدا ًء‪ ،‬وليس بصورة الصالة‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة عبد الله بن سنان قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫«أوصيكم بتقوى الله‪ ،‬وال تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا‪ ،‬إن الله تبارك وتعالى‬

‫أقول‪ :‬الرواية بحسب «الفقيه» مروية عن حماد عن أبي عبد الله ‪ ،‬وأما بحسب «الكافي» فهي عن‬ ‫((( ‬
‫حماد عن الحلبي عنه ‪ ،‬وهذا ال يضر في صحتها كما ال يخفى‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .380‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.382‬‬ ‫((( ‬
‫كالخاصة بل أفضل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«يستحب حضور جماعة العا ّمة‬
‫ّ‬ ‫البيان‪ ،‬ص ‪ .243‬وفي الدروس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪:224‬‬ ‫(( (‬
‫األول كان كمن ص َّلى خلف رسول ال َّله (ص)‪ ،‬فيه ويتأكَّد مع‬
‫الصف ّ‬
‫ّ‬ ‫فقد روي من ص َّلى معهم في‬
‫ً‬
‫سرا ولو مثل حديث النفس»‪.‬‬‫المجاورة‪ ،‬ويقرأ في الجهر ّية ّ‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.277‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪206‬‬
‫يقول في كتابه‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﴾((( ثم قال‪ :‬عودوا مرضاهم‪ ،‬واشهدوا جنائزهم‪،‬‬
‫واشهدوا لهم وعليهم‪ ،‬وصلوا معهم في مساجدهم»(((‪ .‬وذلك بالتقريب المتقدم في‬
‫الرواية السابقة‪.‬‬
‫وللحديث تتمة وهي مختلفة بين المصدرين‪ ،‬أ ّما في المحاسن فالزيادة هي قوله ‪:‬‬
‫«أي شيء أشد على قوم يزعمون أنهم يأتمون بقوم فيأمرونهم وينهونهم فال يقبلون منهم‪،‬‬
‫إن قوم ًا يقولون ويروون عنكم‬
‫ويذيعون حديثهم عند عدوهم فيأتي عدوهم إلينا فيقولون لنا‪ّ :‬‬
‫كذا وكذا فنحن نقول‪ :‬إنا برآء ممن يقول هذا‪ ،‬فيقع عليهم البراءة»‪.‬‬
‫وأما في السرائر فهي قوله‪« :‬حتى يكون التمييز وتكون المباينة منكم ومنهم»‪.‬‬
‫والزيادة على التقديرين تصلح قرينة لحمل الرواية على التقية‪ ،‬كما ّ‬
‫أن قوله‪« :‬ال تحملوا‬
‫الناس على أكتافكم فتذلوا» يشعر بهذا الجو‪ ،‬فال يصلح االستدالل بها في هذه المرحلة من‬
‫البحث‪ ،‬وسنعود إليها الحق ًا‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله ‪ ‬أنه قال‪« :‬يا زيد خالقوا الناس‬
‫بأخالقهم‪ ،‬صلوا في مساجدهم‪ ،‬وعودوا مرضاهم‪ ،‬واشهدوا جنائزهم‪ ،‬وإن استطعتم أن‬
‫تكونوا األئمة والمؤذنين فافعلوا‪ ،‬فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا‪ :‬هؤالء الجعفرية رحم الله‬
‫جعفر ًا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه‪ ،‬وإذا تركتم ذلك قالوا‪ :‬هؤالء الجعفرية فعل الله‬
‫بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه»(((‪.‬‬
‫والرواية ضعيفة السند(((‪ ،‬واألمر بالصالة في مساجدهم مطلق وشامل لصورة االقتداء‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬


‫((( المحاسن للبرقي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .18‬والصدوق في صفات الشيعة‪ ،‬ص ‪ .27‬وابن إدريس في مستطرفات‬
‫السرائر‪ ،‬ص ‪ .559‬وراجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،301‬الحديث ‪ 8‬من الباب ‪ 5‬من أبواب صالة‬
‫الجماعة؛ وج ‪ ،12‬ص ‪ ،7‬الباب ‪ 1‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪.6‬‬
‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.383‬‬
‫(( ( ألن سند الصدوق إلى زيد الشحام ينتهي إلى أبي جميلة‪ ،‬وهو يروي عن زيد الشحام‪ .،‬انظر‪ :‬الوسائل‪،‬‬
‫ج ‪ ،30‬ص ‪ .54‬وأبو جميلة هو المفضل بن صالح‪ ،‬بحسب قرينة الراوي والمروي عنه‪ .‬انظر‪ :‬معجم‬
‫رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،23‬ص ‪ .103‬والمفضل بن صالح قد ضعفه النجاشي في ترجمة جابر بن زيد‪،‬‬
‫حيث قال‪« :‬روى عنه جماعة غمز فيهم‪ ،‬وضعفوا‪ ،‬منهم عمرو بن شمر والمفضل بن صالح‪ .»..‬انظر‪:‬‬
‫رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪ .128‬وعليه فوصف الخبر بالصحيح كما في ذخيرة المعاد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،2‬ص ‪،389‬‬
‫والحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ ،71‬ومناهج األحكام للميرزا القمي‪ ،‬ص ‪ ،464‬ال وجه له‪ ،‬وربما كان‬
‫مستنده رواية األجالء عنهم ومن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم‪ .‬انظر‪ :‬معجم رجال=‬
‫‪207‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫بهم إن لم يكن منصرفه ذلك‪ ،‬وهي تقبل الحمل على المداراة لآلخرين‪ ،‬كما يتضح من قوله‬
‫في صدرها «خالقوا الناس بأخالقهم»‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من التمسك باإلطالق ما لم ينهض‬
‫دليل آخر على التقييد والحمل على التقية‪.‬‬
‫الرواية السادسة‪ :‬ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬يحسب لك إذا‬
‫وإن كنت ال تقتدي بهم ُحسب لك مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي‬ ‫دخلت معهم‪ْ ،‬‬
‫به»(((‪ .‬وقد استدل بها بعض الفقهاء(((‪ ،‬ولعله بتقريب ّ‬
‫أن الثواب على الصالة معهم ال يالئم‬
‫البطالن‪.‬‬
‫يتم بنا ًء على نسخة الفقيه‪ ،‬حيث يكون قوله ‪« :‬وإن كنت ال تقتدي‪»..‬‬‫واالستدالل ّ‬
‫عدالً لقوله‪« :‬يحسب لك إذا دخلت معهم» ومقتضى تقابل العدلين ّ‬
‫أن األول منهما ناظر‬
‫إلى الصالة معهم عن اقتداء‪ ،‬فهذا العمل يحسب له ويؤجر عليه‪ ،‬وأما إذا كان ال يقتدي بهم‬
‫فيحسب له أجر يوازي أجر الصالة خلف من يقتدي به‪.‬‬
‫ب‬‫فنص الرواية هكذا‪ُ « :‬ي ْح َس ُ‬ ‫هذا ولكن بحسب نسخة أو نقل الكليني((( والشيخ((( ُّ‬
‫ْت َم َع َم ْن َت ْقت َِدي بِه»‪،‬‬
‫ب َل َك إِ َذا ُكن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َم َع ُه ْم وإِ ْن َل ْم َت ْقتَد بِ ِه ْم م ْث ُل َما ُي ْح َس ُ‬
‫َل َك إِ َذا َد َخ ْل َ‬
‫وبنا ًء عليه‪ ،‬تكون أداة «وإن» وصلية وليست استئنافية لبيان العدل الثاني‪ ،‬ويكون الفاعل‬
‫لفعل « ُيحسب» األول هو قوله «مثل»‪ ،‬وعلى هذا فالرواية تذكر مطلب ًا واحد ًا وهو صورة‬
‫أن ثواب‬ ‫الدخول معهم دون اقتداء‪ ،‬وال نظر لها إلى صورة االقتداء‪ ،‬فهي تنص على ّ‬

‫الحديث‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪ .312‬ولكن ذلك ليس سوى قرينة أو شاهد على توثيقه‪ ،‬فيتعارض مع تضعيف‬ ‫= ‬
‫النجاشي ويتساقطان‪ ،‬وال يبقى له توثيق‪ ،‬هذا إن لم نقل بتقديم التضعيف على التوثيق‪ ،‬ألن كالم‬
‫النجاشي ظاهر في معروفية الغمز والتضعيف‪.‬‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .383‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .373‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.266‬‬ ‫((( ‬
‫والرواية بحسب الفقيه مقطوعة على حفص بن البختري‪ ،‬فقد ورد فيها‪« :‬حفص بن البختري أنه قال‪:‬‬
‫«يحسب لك إذا‪ ،»..‬ولك ْن في الكافي والتهذيب جاءت مسندة عن أبي عبد الله ‪ ،‬فمن المرجح‬
‫والقوي حصول سقط في الفقيه‪ ،‬ولذا ّ‬
‫فإن عدم صحة سند الكليني والتهذيب ال يضر في صحة الرواية‬
‫ّ‬
‫ألن سندها في الفقيه صحيح‪.‬‬
‫تدل على صحة الصالة مع الناس والترغيب في الحضور في‬ ‫قال‪« :‬ثم إنه قد وردت روايات خاصة ّ‬ ‫((( ‬
‫مساجدهم واالقتداء بهم واالعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ‪ ...‬وصحيحة‬
‫حفص بن البختري‪ ،»..‬انظر‪ :‬الرسائل لإلمام الخميني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.198‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.373‬‬ ‫((( ‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.265‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪208‬‬
‫الصالة خلف من ال ُيقتدى به كثواب الصالة خلف من ُيقتدى به‪ ،‬فال داللة فيها على‬
‫كون اآلخر ممن يقتدى‪ ،‬وأما الثواب فربما يقتضيه الحرص على مظهر التوحد أو حفظ‬
‫النفس من التعرض لألذى‪.‬‬
‫بل يمكن القول إنّه حتى على نسخة الفقيه فالرواية ال داللة لها أوسع أو أكثر من داللتها‬
‫بنا ًء على نسختي الكافي والتهذيب‪ ،‬وذلك ألن قوله «حسب له» ليس بالضرورة أن يكون‬
‫جواب ألداة «وإن»‪ ،‬بل ربما يكون «استعادة لفعل «يحسب» في أول الرواية‪ ،‬وهي استعادة‬
‫تفرضها أحيان ًا طول الجملة‪ ،‬وهدفها تأكيد الربط‪.‬‬
‫وكيف كان فالمرجح هو نسخة الكافي والتهذيب إذ ّ‬
‫إن نسخة الفقيه ال تخلو من إرباك‪،‬‬
‫أو كما قال الشيخ حسن في منتقى الجمان‪« :‬وال يخفى حزازة ما في رواية الصدوق من‬
‫الزيادة في المتن وكأنها من غلط الناسخين»(((‪.‬‬
‫الرواية السابعة‪ :‬معاوية بن وهب عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬سألته عن الرجل يؤم القوم‬
‫فأنصت‬
‫ْ‬ ‫تجهر فيها بالقراءة؟ فقال‪ :‬إذا سمعت كتاب الله ُيتلى‬
‫ُ‬ ‫وأنت ال ترضى به في صالة‬
‫ص‬ ‫إن عصى الله فأطع الله‪ ،‬فرددت عليه‪ ،‬فأبى أن ُي َر ِّخ َ‬
‫علي بالشرك قال‪ْ :‬‬ ‫له‪ ،‬قلت‪ :‬فإنّه يشهد ّ‬
‫لي‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬أصلي إذ ًا أنا في بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال‪ :‬أنت وذاك»(((‪.‬‬
‫أن اإلنصات بمعنى اإلصغاء وإن كان يجامع القراءة‬ ‫قال الشيخ األصفهاني‪« :‬وتقريبه ّ‬
‫أن تخصيص السؤال بخصوص الجهر ّية ٌّ‬
‫دال‬ ‫إخفات ًا فال ُيعارض ما دل على لزوم القراءة إال ّ‬
‫أن غرضه الصالة جماعة حقيقة ال صورة‪ ،‬فإنّها التي ال قراءة فيها‪ ،‬بل يجب السكوت‪،‬‬ ‫على ّ‬
‫أن جماعة الصالة الجهرية التي الزمها الخاص ترك القراءة واإلصغاء خلف المخالف‬ ‫فينتج ّ‬
‫يدل على الرخصة في ترك القراءة في الجهرية‪،‬‬‫صحيحة‪ .‬وقوله ‪ ‬في آخرها‪« :‬أنت وذاك» ّ‬
‫أو الصالة فرادى في بيته ثم الجماعة الصورية»(((‪.‬‬
‫إن كالمه جيد‪ ،‬ولك ّن دعواه مالءمة اإلصغاء للقراءة إخفات ًا خالف الظاهر‪،‬‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫فاألمر باإلصغاء ظاهر في عدم القراءة خلفه ولو إخفات ًا‪ ،‬واالكتفاء بقراءته‪.‬‬
‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن اإلنصات ال يعني االقتداء به‪ ،‬فهو يجامع اإلتيان بصورة الصالة‪،‬‬

‫((( منتقى الجمان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.143‬‬


‫(( ( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .430‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.35‬‬
‫(( ( بحوث في الفقه‪ /‬صالة الجماعة‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪209‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إن اإلمام ‪ ‬بأمره له باإلنصات فهو كأنما ينهاه عن القراءة لنفسه لمنافاتها‬‫وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫لإلنصات‪ ،‬ولكن ال يأمره بأداء الصالة جماعة‪.‬‬
‫أن الراوي يريد التهرب من الصالة‬ ‫ولك ْن يالحظ عليه‪ :‬أن الواضح من سوق الرواية ّ‬
‫جماعة‪ ،‬وأن اإلمام ينهاه عن ذلك‪ ،‬وهذا ما يستفاد من قوله بعد ذلك «أصلي إذ ًا أنا في بيتي‬
‫ثم أخرج إليه»‪ ،‬فلو كان ‪ ‬يأمره بصورة الصالة فال وجه لهذا االقتراح الذي قدمه‪.‬‬
‫إن الرواية خاصة بالصالة الجهرية‪ ،‬ومن المحتمل أنه قد ن ُِّزل االستماع‬ ‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫واإلنصات فيما منزلة القراءة‪ ،‬وعليه فال تدل على مشروع ّية االقتداء واإلجزاء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إنّه ليس من خصوصية للصالة الجهرية التي تؤدى خلف المسلم اآلخر‪ ،‬ألنه‬
‫ال تجوز القراءة في الجهرية مع استماع صوت اإلمام حتى لو كان مؤمن ًا شيعي ًا ومتوفر ًا على‬
‫جار على طبق القاعدة‬ ‫شرائط إمامة الجماعة‪ ،‬فاألمر بترك القراءة خلفه مع االستماع له ٍ‬
‫المستقاة من الروايات والتي عقد لها الشيخ الحر باب ًا بعنوان‪« :‬باب عدم جواز قراءة المأموم‬
‫خلف من ُيقتدى به في الجهرية‪ ،‬ووجوب اإلنصات لقراءته اال إذا لم يسمع ولو همهمة‪،‬‬
‫فتستحب له القراءة‪ ،‬وتكره في غيره»(((‪ْ ،‬‬
‫فتأمل‪.‬‬
‫الرواية الثامنة‪ :‬صحيحة زرارة عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪« :‬ال بأس بأن تصلي خلف الناصب‬
‫فإن قراءته تجزيك إذا سمعتها»(((‪.‬‬
‫وال تقرأ خلفه فيما يجهر فيه‪ّ ،‬‬
‫بتقريب أننا لو حملنا الناصب على المعنى الخاص وهو ناصب العداء ألهل البيت ‪‬‬
‫لكان األمر في غيره أكثر وضوح ًا‪ ،‬وإن حملناه على مطلق المسلم اآلخر بضرب من التجوز‬
‫في هذا االستعمال‪ ،‬فالحكم أيض ًا فيما نحن فيه واضح‪ ،‬أي يحكم بصحة الصالة‪ ،‬والقرينة‬
‫على ذلك هي ظهور التعبير بالصالة خلفه في االقتداء‪ ،‬وال سيما بمالحظة كثرة استخدام‬
‫هذا التعبير في نصوص شرائط إمام الجماعة‪ ،‬من قبيل‪ :‬ما ورد في خبر أبي علي بن راشد‬
‫عن أبي جعفر ‪« :‬ال ّ‬
‫تصل خلف من ال تثق بدينه»(((‪ّ .‬‬
‫فإن الصالة خلفه يراد بها االئتمام به‪،‬‬
‫ثمة قرينة أخرى على ذلك هي حكم‬ ‫ولو شككنا في داللة الصالة خلفه على االقتداء به‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،355‬الباب ‪ 31‬من أبواب صالة الجماعة‪.‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.160‬‬
‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .374‬ونحوه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر ‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪،‬‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪.380‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪210‬‬
‫الشيخ األصفهاني تعليق ًا على هذه الصحيحة‪ّ :‬‬
‫«فإن‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام باإلجزاء فيما لو سمع القراءة‪ .‬قال‬
‫مجرد سقوط القراءة وإن لم يكن الزم ًا خاص ًا للجماعة إال ّ‬
‫أن إجزاء قراءة اإلمام عن قراءة‬ ‫ّ‬
‫المأموم من اللوازم الخاصة للجماعة الصحيحة وإال فال معنى لتحمل اإلمام قراءة المأموم‬
‫وإجزاء قراءته عن قراءته مع عدم كونه إمام ًا له حقيقة»(((‪.‬‬
‫تم سند ًا وداللة من الروايات المتقدِّ مة يفي بإثبات المطلوب‪،‬‬ ‫وخالصة الكالم‪ّ :‬‬
‫إن ما ّ‬
‫وهو صحة الصالة خلفه على نحو االقتداء وإن كان بعضها يدل على ذلك بالصراحة كالرواية‬
‫التي قالت إن ذلك يجزيك‪ ،‬وبعضها ّ‬
‫يدل عليه بالظهور الب ّين‪ ،‬كالرواية التي رتبت الثواب‬
‫على ذلك‪ ،‬وبعضها ظاهرة في الصحة كالروايات الدالة اآلمرة بالصالة خلفهم‪ ،‬مما هو ظاهر‬
‫في االقتداء‪ ،‬وبعضها مشعرة إلى حدّ الظهور بذلك كالروايات التي دعت إلى الصالة معهم‪،‬‬
‫أو في مساجدهم‪ ،‬وحمل هذه األخبار على التقية بحيث تكون ناظرة إلى اإلجزاء في فرض‬
‫التقية بحاجة إلى قرينة قوية تقتضي ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬الدليل التاريخي‬
‫وحاصله‪ :‬أن أئمة المساجد والجماعات والجمعات آنذاك ‪ -‬في األعم األغلب ‪ -‬لم‬
‫يكونوا من الشيعة‪ ،‬بل كانوا من أتباع المذاهب اإلسالمية األخرى ممن ترتضيهم السلطة‬
‫أو هم أقرب إليها فكري ًا من أتباع مدرسة أهل البيت ‪ ،‬وقد كان الكثير من الشيعة يعيشون‬
‫في وسط األغلبية اإلسالمية‪ ،‬ومن الطبيعي أن يصلي معظمهم بصالة أولئك وال سيما في‬
‫أيام الحج ويقتدون بهم ظن ًا منهم بصحة الصالة خلفهم‪ ،‬كما يجري اليوم مع بعض الشيعة‪،‬‬
‫لنص األئمة ‪ ‬على بطالنها ووجوب إعادتها وعدم‬ ‫وعليه‪ ،‬فلو كانت الصالة باطلة حق ًا ّ‬
‫االكتفاء بها‪ ،‬ولورد ذلك في رواياتهم‪ ،‬مع أننا نجد صمت ًا تام ًا في الروايات عن بيان وجوب‬
‫اإلعادة‪ ،‬ما يعني صحة الصالة‪.‬‬
‫ولك ْن قد يعترض عليه‪:‬‬
‫إن ما ورد في األخبار من النهي عن الصالة خلفهم (بصرف النظر عما سجلناه‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ال على عدم االكتفاء بتلك الصالة‪ ،‬فالحظ صحيح زرارة المتقدم‬ ‫عليها) هو بنفسه يعدّ دلي ً‬
‫عن أبي جعفر ‪« :‬ما هم عندي إال بمنزلة الجدر»‪ ،‬فهذا اللسان وأمثاله يدل عرف ًا على‬
‫بطالن الصالة‪.‬‬

‫((( صالة الجماعة‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪211‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ولكننا نع ّلق على ذلك بأننا لم نجد ما يدل على بطالن الصالة‪ ،‬باستثناء ما قد يوحي‬
‫دل على النهي عن الصالة‬ ‫به خبر ضعيف سيأتي‪ ،‬وهو خبر علي بن سعيد البصري‪ ،‬وأما ما ّ‬
‫ال عن لزوم اإلعادة‪ ،‬لما سيأتي من ترجيح‬‫خلف اآلخر فال يكفي في إثبات البطالن‪ ،‬فض ً‬
‫كونه نهي ًا تدبيري ًا‪ ،‬ناهيك عن ّ‬
‫أن النهي ال بد أن يتناسب مع حجم االبتالء بالمسألة‪ ،‬وهو غير‬
‫متوفر‪ ،‬وستأتي اإلشارة إلى هذا الوجه في المستوى الثاني من البحث‪.‬‬
‫إن عدم تنصيص األئمة ‪ ‬على إعادتها ال يعني صحتها‪ ،‬إذ قد يقال‪ :‬إنّه ال موجب‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫للحكم بلزوم إعادتها‪ ،‬ال لصحتها في صورة االختيار وااللتفات‪ ،‬بل إ ّما ألنّها محكومة‬
‫بالصحة في صورة الجهل‪ ،‬ما دام لم يحصل فيها خلل في األركان أو الشرائط التي توجب‬
‫ألن عدم اإلعادة ال يكشف عن ّ‬
‫أن اإلجزاء هو‬ ‫اإلعادة‪ ،‬وفق ًا لما تقتضيه قاعدة ال تعاد(((‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫لصحة الصالة بالعنوان األولي‪ ،‬بل لعله لصحتها بالعنوان الثانوي‪ ،‬تق ّية أو مداراة‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬قبول الشهادة وصحة الصالة‬
‫ويمكن االستدالل لصحة الصالة خلف المسلم بما سنذكره الحق ًا من كون األقرب‬
‫قبول شهادته‪ ،‬وذلك ألنّه كما قال بعض الفقهاء‪« :‬الظاهر عدم القائل بالفصل في باب اإلمامة‬
‫والشهادة‪ ،‬فما يدل على الحال في أحدهما يدل على الحال في اآلخر»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه‪ :‬بأنه حتى لو س ّلم بوجود تشابه كبير في بابي الشهادة وإمامة‬
‫الجماعة‪ ،‬بلحاظ ما ذكر من ضرورة اجتناب منافيات المروءة كشرط لتحقق العدالة فيهما(((‪،‬‬
‫أن ما يجري في‬ ‫وما ذكر أيض ًا من الحكم بحرمة أخذ األجرة عليهما(((‪ ،‬إال ّ‬
‫أن ذلك ال يعني ّ‬

‫في صحيحة زرارة‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ،‬قال‪« :‬ال تعاد الصالة إال من خمسة‪ :‬الطهور‪ ،‬والوقت‪،‬‬ ‫(( (‬
‫والقبلة والركوع‪ ،‬والسجود»‪ ،‬انظر‪ :‬الخصال‪ ،‬ص ‪ ،285‬وفي هامش تلك الصفحة قال المحقق‪« :‬في‬
‫بعض النسخ‪« :‬عن أبي جعفر ‪ ،»‬وهو (أي كون اإلمام المروي عنه هو الباقر ‪ )‬الموافق لما في‬
‫كتاب من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .339‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،152‬والموافق أيض ًا لما نقله‬
‫الشيخ الحر عن الخصال‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،471‬الباب ‪ 1‬من أبواب أفعال الصالة‪،‬‬
‫الحديث ‪.14‬‬
‫انظر‪ :‬ذخيرة المعاد للسبزواري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،2‬ص ‪ .305‬والرأي بعينه وباللفظ عينه قد ذكره العالمة‬ ‫(( (‬
‫المجلسي في بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،85‬ص ‪.32‬‬
‫المروة في اإلمامة والشهادة»‪ ،‬كفاية األحكام‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ّ‬ ‫قال المحقق السبزواري‪« :‬والمشهور اعتبار‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.143‬‬
‫قال العالمة‪« :‬وتحرم األجرة على اإلمامة والشهادة وأدائها»‪ ،‬انظر‪ :‬قواعد األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.10‬‬ ‫((( ‬
‫وذكر نحوه في تذكرة الفقهاء‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.148‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪212‬‬
‫باب الشهادة يجري بعينه وحذافيره في باب اإلمامة (إمامة الجماعة)‪ ،‬ويكفي للفرق بينهما‪،‬‬
‫أن اإلمامة تم ّثل اقتدا ًء باآلخر في العمل العبادي والروحي‪ ،‬األمر الذي قد يجعل من الوارد‬
‫ّ‬
‫أن يكون للتوافق واالنسجام العقدي معه دخل في صحة االقتداء به‪ ،‬وهذا بخالف الشهادة‪،‬‬
‫فإنها تتقوم أساس ًا بصدق الشاهد في كالمه‪ ،‬األمر الذي يجعل من الممكن نفي أي دخل‬
‫لمعتقده في قبول شهادته‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬الموازنة بين األخبار‬
‫المرحلة الخامسة‪ ،‬وفي هذه المرحلة سوف نسلم ‪ -‬ولو جدالً ‪ -‬تمامية األخبار‬
‫المتقدمة في المرحلة الثالثة‪ ،‬كما تمت األخبار الواردة في المرحلة الرابعة‪ ،‬ما يجعلنا أمام‬
‫طائفتين متعارضتين‪ ،‬ما يحتم إعمال قواعد الجمع العرفي فيما بينها‪ ،‬وإن لم نجد سبي ً‬
‫ال‬
‫للجمع بينها فمقتضى القاعدة هو تساقطها‪ ،‬ويرجع إلى العمومات المتقدمة في المرحلة‬
‫الثانية والدالة على جواز الصالة خلف المسلم‪ ،‬أو من كان من أمته (ص) أو غيرها من‬
‫العناوين العامة‪ ،‬وعليه فال بدّ في بادئ األمر أن نالحظ ما إذا كان باإلمكان الجمع بينها‬
‫جمع ًا عرفي ًا‪ .‬وما يمكن أن ُيطرح للجمع بين األخبار هو الوجوه التالية‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬الحمل على الكراهة‬
‫وذلك بتقريب ّ‬
‫أن األخبار الناهية ظاهرة في النهي‪ ،‬والروايات المجوزة ظاهرة في‬
‫الجواز واإلجزاء‪ ،‬فيحمل النهي على الكراهة كما هو مقتضى القاعدة‪ ،‬وأخبار النهي في‬
‫معظمها تحمل صيغة «ال تصل خلفهم»‪ ،‬فهي قابلة للحمل على الكراهة‪.‬‬
‫فإن قوله في صحيحة زرارة «ما هم عندي إال‬ ‫هذا ولكن تعترض هذا الوجه صعوبة‪ّ ،‬‬
‫بمنزلة الجدر»‪ ،‬ال تنسجم مع الكراهة‪ ،‬فهي لداللتها الب ّينة على عدم اإلجزاء‪ ،‬يصعب حملها‬
‫أجر المصلي‬
‫أن الروايات التي أعطت المصلي خلف المسلم اآلخر َ‬ ‫على الكراهة‪ .‬كما ّ‬
‫ثواب الشاهر سيفه في سبيل الله ال تقبل الحمل على الكراهة‬ ‫ّ‬ ‫خلف رسول الله (ص)‪ ،‬أو‬
‫ولو أنّها بمعنى قلة الثواب‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ما يستفاد من الروايات اآلتية في الوجه الثاني‬
‫فإن استثناء صورة التقية ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬ال يناسب كثير ًا كون الحكم هو الكراهة‪.‬‬
‫للجمع‪ّ ،‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬الحمل على التقية‬
‫وهذا ما ذهب إليه جمهور فقهائنا‪ ،‬وهذا ما يمكن االستدالل عليه باآلتي‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن ما تقتضيه القاعدة ‪ -‬عند التعارض وعدم إمكانية الجمع العرفي وفقدان‬
‫‪213‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الترجيح بموافقة الكتاب ‪ -‬هو األخذ بمخالفة العامة‪ ،‬والروايات الحاكمة بإجزاء الصالة‬
‫خلفهم في المقام موافقة لهم‪ ،‬فتحمل على التقية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن العديد من األخبار تصلح شاهد جم ٍع بين الطائفتين المتعارضتين‪ ،‬وذلك‬
‫بحمل الروايات المجوزة للصالة خلفهم على التقية‪ ،‬والروايات الناهية عن الصالة على‬
‫اإلرادة الجدية وبيان الحكم الواقعي‪ ،‬وهذه الروايات هي‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة إسماعيل الجعفي المتقدمة قال‪« :‬قلت ألبي جعفر ‪ :‬رجل‬
‫ممن خالفه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫إلي ّ‬
‫أحب ّ‬
‫ّ‬ ‫عدوه ويقول‪ :‬هو‬ ‫يحب أمير المؤمنين ‪ ،‬وال ّ‬
‫يتبرأ من ّ‬ ‫ّ‬
‫تصل خلفه وال كرامة َّإل أن تتّقيه»(((‪ .‬فهي واضحة الداللة على عدم‬
‫عدو‪ ،‬فال ّ‬
‫مخ ِّلط‪ ،‬وهو ّ‬
‫جواز الصالة خلفه إال في صورة التقية‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬رواية علي بن سعيد البصري قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪« :‬إنّي ٌ‬
‫نازل‬
‫في بني عدي‪ ،‬ومؤذنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمان ّية يتبرؤون منكم ومن شيعتكم‬
‫صل خلفه‪ .‬قال‪ :‬قال‪ :‬واحتسب‬‫وأنا نازل فيهم‪ ،‬فما ترى في الصالة خلف اإلمام؟ قال‪ِّ :‬‬
‫بما تسمع‪ ،‬ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول‬
‫الفضيل وتدع قولي‪ ،‬قال علي‪ :‬فقدمت البصرة فأخبرت فضي ً‬
‫ال بما قال‪ .‬فقال‪ :‬هو أعلم بما‬
‫قال‪ ،‬ولكني قد سمعته وسمعت أباه يقوالن‪ :‬ال تعتدْ بالصالة خلف الناصب‪ ،‬اقرأ لنفسك‬
‫كأنّك وحدك‪ ،‬قال‪ :‬فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله ‪.(((»‬‬
‫قال صاحب الوسائل‪« :‬صدر الحديث ظاهر في التقية»(((‪ .‬أي ّ‬
‫إن اإلمام ‪ ‬أمره‬
‫بالصالة خلفهم واالجتزاء بذلك تقية‪ ،‬ولك ْن إذا عاد إلى البصرة فيرتفع موجب التقية فيأخذ‬
‫بالحكم الواقعي‪ ،‬وهو عدم صحة الصالة خلفهم ولزوم اإلعادة‪.‬‬
‫ولكن يرد على االستدالل بهذه الرواية‪:‬‬

‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .380‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.28‬‬


‫الباب ‪ 10‬من أبواب صالة‬ ‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .28‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪،310‬‬
‫الجمعة‪ ،‬والغريب أن فقرة ‪« :‬فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله ‪ »‬ال وجود لها في‬
‫الوسائل دون إشارة إلى ذلك كما هي العادة‪.‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪214‬‬
‫‪--1‬إنّها ضعيفة السند‪ ،‬بجهالة علي بن سعيد البصري الذي ال توجد له ترجمة في كتب‬
‫الرجال(((‪.‬‬
‫‪--2‬وهي من حيث الداللة ال تتم‪ ،‬ألنّها خاصة بالنواصب الذين وصل عداؤهم لألئمة ‪‬‬
‫إلى حدّ التبرء منهم‪ ،‬ومعلوم أن هذا منتهى النصب‪ ،‬والكالم في المسلم غير المعادي‬
‫ألهل البيت ‪.‬‬
‫أن ثمة أمر ًا غير مفهوم في الرواية ما يزيدها وهن ًا على وهن‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن الرجل كان‬ ‫‪--3‬على ّ‬
‫بصري ًا ويقطن بين قوم من العثمانية المعادين لعلي ‪ ‬وقد أمره اإلمام الصادق ‪‬‬
‫وهو في الحجاز (أو في الكوفة على احتمال) بالصالة خلف إمام الجماعة في موطنه‬
‫واالحتساب واالجتزاء بما يسمع‪ ،‬بمعنى أن ال يقرأ لنفسه‪ ،‬ما يعني صحة الصالة‪،‬‬
‫ثم يأمره إذا وصل إلى البصرة حيث محل سكنه من العثمانية باألخذ بقول الفضيل‪،‬‬
‫ولما وصل البصرة وسأل الفضيل نقل له األخير عن اإلمامين الباقر والصادق ‪ ‬عدم‬
‫أن وجه األخذ‬‫االعتداد بالصالة خلفهم‪ ،‬وأمره بالقراءة لنفسه في حال الصالة‪ ،‬مع ّ‬
‫بالتق ّية هو في البصرة وليس في الحجاز حيث ال يعرفه أحد‪ .‬وحمل القراءة خلفهم‬
‫في البصرة على حديث النفس خالف الظاهر‪ ،‬وإذا كانت كذلك فليأمره في الحجاز‬
‫بالقراءة على نحو حديث النفس‪.‬‬
‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن اإلمام ‪ ‬إنما اتقاه خوف ًا منه على نفسه‪ ،‬لذلك لم يخبره بحكم الله‬
‫تعالى وأمره إذا عاد إلى البصرة أن يأخذ بقول الفضيل‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه‪ :‬أنّه إذا كان الرجل غير مأمون فاحتراز اإلمام ‪ ‬منه وإن كان في‬
‫ْ‬
‫محله‪ ،‬ولكن في إرجاعه إلى الفضيل تعريض للفضيل للخطر في مدينة البصرة المعروفة‬
‫بالعداء ألهل البيت ‪ ‬في تلك المرحلة!(((‪.‬‬

‫((( وصرح بجهالته الشيخ البحراني في الحدائق‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.73‬‬


‫(( ( موقف أهل البصرة هذا كان واضح ًا في معركة الجمل‪ ،‬وقد استمر لعصر اإلمام الصادق ‪ ‬كما‬
‫يظهر من الخبر المذكور في المتن‪ ،‬ويشهد له ما جاء في رواية أخرى عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‬
‫لألحول‪« :‬أتيت البصرة»؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬كيف رأيت مسارعة الناس في هذا األمر ودخولهم‬
‫وإن ذلك لقليل‪ .‬فقال‪« :‬عليك باألحداث فإنهم أسرع إلى‬ ‫فيه؟‪ .‬فقال‪ :‬والله إنهم لقليل‪ ،‬وقد فعلوا ّ‬
‫ار َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ :‬إ َّنِ‬ ‫كل خير»‪ ،‬قرب اإلسناد‪ ،‬ص ‪ .128‬وفي خبر عن ا ْل ُف َض ْي ِل ْب ِن َي َس ٍ‬
‫ار َف ًة َع َلى َر ْأ ِينَا و َل ْي َس َع َلى َر ْأ ِينَا بِا ْل َب ْص َر ِة إِ َّل َق ِل ٌيل َف ُأ َز ِّو ُج َها ِم َّم ْن َل َي َرى َر ْأ َي َها؟ َق َال‪:‬‬
‫ِل ْم َر َأتِي ُأ ْخت ًا َع ِ‬
‫َل»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.349‬‬
‫‪215‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫هذا ولكن يمكن ترجيح احتمال أن يكون نظر السائل إلى أنه نازل في بني عدي في‬
‫غير البصرة (إما في المدينة المنورة أو في الكوفة أو حيث كان نازالً والتقى باإلمام ‪،)‬‬
‫وكان هؤالء عثمانية‪ ،‬فسأل عن حكم صالته معهم في هذه الفترة المؤقتة إلى أن يعود إلى‬
‫موطنه في البصرة‪ ،‬وفي البصرة وإن كان فيها جماعة كثيرة من النواصب‪ ،‬لكن الرجل في‬
‫بلده وقومه‪ ،‬فيستطيع أن يجد مندوحة وحماية ترفع عنه غائلة التقية‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما‬
‫منكم أحد يصلي صالة فريضة في وقتها‪ ،‬ثم يصلي معهم صالة تقية وهو متوضئ إال كتب‬
‫الله له بها خمس ًا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك»(((‪.‬‬
‫والرواية من حيث السند صحيحة بنا ًء على انصراف((( عمر بن يزيد إلى عمر بن محمد‬
‫ابن يزيد‪ ،‬فإنه ثقة‪ ،‬بخالف عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل الذي لم تثبت وثاقته‪.‬‬
‫ولكن من حيث الداللة ال نظر فيها إلى عدم جواز الصالة معهم إال على نحو التقية‬
‫لتكون شاهد جمع بين الطائفتين المذكورتين‪ ،‬وح ُّثها على الصالة فرادى ثم الصالة معهم‬
‫قضية ال داللة له على بطالن الصالة خلفهم‪ ،‬بل هي ‪ -‬في رأي بعض الفقهاء ‪ -‬دالة على‬
‫صحة الصالة خلفهم‪« ،‬وإال فال وجه للوضوء فتكون الصالة معادة»(((‪ .‬أما استحباب الصالة‬
‫فرادى قبلهم‪ ،‬فهذا حكم ربما أراد اإلمام ‪ ‬منه دفع وساوس بعض أصحابه الذين كان لديهم‬
‫نظرة متشددة إزاء اآلخر‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬وهذا مقتضى الجمع بين هذه الرواية ونظائرها((( وبين‬
‫الروايات المتقدمة التي رتبت الثواب على الصالة خلفهم دون أن تشير إلى إقامة الصالة‬
‫فرادى قبل الجماعة معهم‪ .‬وااللتزام بصحة الصالة الثانية معهم بعد الصالة فرادى ليس‬
‫فإن الصالة األولى حققت االمتثال‬ ‫من قبيل االمتثال بعد االمتثال الذي قيل باستحالته(((‪ّ ،‬‬

‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .382‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،302‬الباب ‪ 6‬من أبواب صالة‬ ‫((( ‬
‫الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫كما رجح السيد الخوئي‪ ،‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.63‬‬ ‫(( (‬
‫الرسائل لإلمام الخميني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.199‬‬ ‫(( (‬
‫من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬أنه قال‪ :‬ما من عبد يصلي في الوقت ويفرغ‬ ‫((( ‬
‫ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إال كتب الله له خمس ًا وعشرين درجة»‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪،‬‬
‫ج ‪ ،8‬ص ‪ ،302‬الحديث ‪ 2‬من الباب ‪ 6‬من أبواب صالة الجماعة‪.‬‬
‫«إن المكلف إذا جاء بالمأمور به وأتى به خارج ًا واجداً‬
‫قال السيد الخوئي في بيان وجه االستحالة‪ّ :‬‬ ‫((( ‬
‫وإل لزم الخلف أو عدم إمكان=‬ ‫لجميع األجزاء والشرائط حصل الغرض منه ال محالة وسقط األمر‪ّ ،‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪216‬‬
‫وأسقطت األمر بها‪ ،‬وأما األمر الثاني فهو استحبابي نظير استحباب إعادة الصالة جماعة إذا‬
‫صليت فرادى‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير قال‪ :‬قلت ألبي جعفر ‪ :‬من ال‬
‫أقتدي به في الصالة؟ قال‪« :‬افر ْغ قبل أن يفرغ‪ ،‬فإنّك في حصار فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة‬
‫أن المستفاد من الرواية لزوم القراءة خلف اآلخر‪ ،‬إال إذا سبقه في‬‫واركع معه»(((‪ .‬بتقريب ّ‬
‫الركوع‪ ،‬فعندها يقطع قراءته ويلتحق به‪ ،‬ألنه في حصار أي تقية‪.‬‬
‫أن مفروض الكالم في الصحيحة هو «من ال يقتدى به» وحمله‬ ‫ولكن يالحظ عليها‪ّ :‬‬
‫على المسلم اآلخر يحتاج إلى قرينة‪ ،‬وكونه في حصار ال يعدّ قرينة على ذلك‪ ،‬فربما يكون‬
‫اإلنسان مضطر ًا للصالة خلف بعض الظلمة والفسقة من الوالة‪ ،‬فهي ال تدل على عدم‬
‫مشروع ّية الصالة خلف المسلم اآلخر‪.‬‬
‫ُ‬
‫أدخل‬ ‫الرواية الخامسة‪ :‬خبر إسحاق بن عمار قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪ :‬إنّي‬
‫المسجد‪ ،‬فأجد اإلمام قد ركع وقد ركع القوم‪ ،‬فال يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر؟ فقال لي‪:‬‬
‫فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها‪ ،‬فإنّها من أفضل ركعاتك‪ ،‬قال إسحاق‪ :‬فلما‬
‫سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغالم‪ :‬انظر أقيمت الصالة؟ جاءني فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فقمت مبادر ًا فدخلت المسجد‪ ،‬فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول ٍّ‬
‫صف أدركته‬
‫واعتددت بها‪ ،‬ثم صليت بعد االنصراف أربع ركعات‪ ،‬ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة من‬
‫إلي من المخزوميين واألمويين فأقعدوني‪ ،‬ثم قالوا‪ :‬يا أبا هاشم جزاك الله‬
‫جيراني قد قاموا ّ‬
‫عن نفسك خير ًا‪ ،‬فقد والله رأينا خالف ما ظننا بك وما قيل فيك! فقلت‪ :‬وأي شيء ذلك؟‬
‫قالوا‪ :‬اتبعناك حين قمت إلى الصالة ونحن نرى أنك ال تقتدي بالصالة معنا‪ ،‬فقد وجدناك‬
‫قد اعتددت بالصالة معنا وصليت بصالتنا‪ ،‬فرضي الله عنك وجزاك خير ًا قال‪ :‬فقلت لهم‪:‬‬
‫أن أبا عبد الله ‪ ‬لم يأمرني إال وهو يخاف‬ ‫سبحان الله ألمثلي يقال هذا؟! قال‪ :‬فعلمت ّ‬
‫أن قوله‪« :‬وهو يخاف علي هذا وشبهه»‪ ،‬يؤشر على‬ ‫علي هذا وشبهه»(((‪ .‬وذلك بتقريب ّ‬
‫ّ‬

‫= االمتثال أبد ًا‪ ،‬أو بقاء األمر بال مالك ومقتض‪ ،‬والجميع محال»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي الفقهية‪،‬‬
‫ج ‪ ،44‬ص ‪.36‬‬
‫(( ( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .275‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،367‬الباب ‪ 34‬من أبواب صالة‬
‫الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .38‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .432‬ووسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،432‬الباب ‪35‬‬
‫من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.4‬‬
‫‪217‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ّ‬
‫أن أمر اإلمام بالصالة خلفهم كان للتقية‪ ،‬ويؤيده ما جرى بينه وبين جيرانه من المخزوميين‬
‫واألمويين‪ ،‬فكأنه كان في موضع مراقبتهم‪.‬‬
‫هذا ولكن يالحظ على االستدالل بها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنها ‪ْ -‬‬
‫وإن ذكر البعض أنّها معتبرة(((‪ -‬ضعيفة السند‪ ،‬كما ذكر بعض الفقهاء(((‪،‬‬
‫يشتمل على محمد بن الحصين‪ ،‬وهو مجهول‪ ،‬كما ّ‬
‫أن السند يشتمل على‬ ‫ُ‬ ‫وذلك ّ‬
‫ألن السند‬
‫محمد بن الفضيل وهو ممن تعارض فيه التوثيق والتضعيف(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الرواية قد تكون مشعرة بالتقية‪ ،‬كما يشي بذلك ذيلها‪ ،‬ولكن ليس فيها‬
‫فإن إسحاق بن عمار قد فرض في سؤاله لإلمام ‪‬‬ ‫ال عن الصراحة‪ّ ،‬‬ ‫ظهور بذلك فض ً‬
‫أنّه ال يستطيع أداء الصالة في مسجد قومه بأذان وإقامة وتكبير‪ ،‬وهذا ال ينحصر فهمه‬
‫بمركوز ّية بطالن الصالة خلفهم في ذهنه‪ ،‬نعم هو يؤشر على عدم إرادته االئتمام بهم‪،‬‬
‫ولكن لماذا ال يريد االئتمام؟ هل لبطالن الصالة خلفهم أم ألنّها خالف األولى أو‬
‫أن في الصالة خلفهم تكثير ًا لسوادهم‪ ،‬أو ألنّها جماعة ال يؤذن فيها وال‬‫ألنّه يرى ّ‬
‫يقام للصالة كما صرح في سؤاله ما يجعلها أقل ثواب ًا وأجر ًا؟ وإن لم يمكن ترجيح‬
‫أن كل ذلك محتمل‪ ،‬فال تصلح‬ ‫االحتمال األخير لتصريح السائل به فال أقل من ّ‬
‫لالستدالل‪ ،‬واإلمام ‪ ‬أجابه بالدخول معهم في الركعة مباشرة‪ ،‬إذا كان ال يستطيع‬
‫اإلتيان باألذان واإلقامة‪ ،‬فيكون جوابه متماشي ًا مع السؤال‪ ،‬ويلفت النظر تأكيده ‪‬‬
‫َ‬
‫أفضل ركعاته‪ ،‬وهو‬ ‫للرجل على االعتداد بالركعة التي يصلي بها خلفهم واعتبارها‬
‫ظاهر في صحة الصالة وإجزائها‪.‬‬
‫صعوبات تعترض التق ّية‬
‫يواجه الحمل على التقية عدة عقبات‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬صعوبة تفسير صالة أمير المؤمنين ‪ ‬والحسنين ‪ ‬بذلك‪ .‬نعم صالتهم ‪‬‬
‫هذه تقبل الحمل على المداراة وحفظ وحدة الجماعة اإلسالمية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كمرجح عند عدم توفر الترجيح بموافقة‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن األخذ بما خالف العامة إنما يعمل به‬

‫((( مباني الفقه الفعال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.193‬‬


‫(( ( مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .326‬وذخيرة المعاد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،2‬ص ‪.398‬‬
‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.153‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪218‬‬
‫ألن األخبار المجيزة للصالة خلفهم هي‬‫الكتاب‪ ،‬وهذا المرجح قد يقال بكونه متوفر ًا‪ّ ،‬‬
‫الموافقة إلطالق الكتاب‪ ،‬أعني قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﴾(((‪ ،‬وقوله‪ ﴿ :‬ﲏ ﲐ ﲑ ﴾(((‪ ،‬فيكون الترجيح هو لألخبار‬
‫المجيزة للصالة خلفهم‪ ،‬وعندها إ ّما أن يقال بطرح األخبار الناهية عن الصالة خلفهم‪ ،‬أو‬
‫تُحمل على الكراهية أو نحو من التدبيرية(((‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬الحمل على التدبير ّية‬
‫واحتمال التدبير ّية في هذا المقام وارد‪ ،‬إذ قد تكون هناك مصلحة ظرفية يقدرها‬
‫اإلمام ‪ ‬في المنع عن الصالة خلف بعض الخطوط المذهبية‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫ألن اإلمام أراد محاصرة بعض الجماعات المبتدعة في الدين والظواهر أو النزعات‬ ‫‪--1‬إما ّ‬
‫أن الصالة خلفهم ‪ -‬كما ال يخفى ‪ -‬تم ّثل تأييد ًا لها أو تكثير ًا‬
‫المنحرفة‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫لسوادها أو إقرار ًا بشرعيتها‪ ،‬ويؤيد ذلك ما جاء في صحيح البرقي المتقدم فقد سأل‬
‫أبا جعفر الثاني ‪« :‬أتجوز الصالة خلف من وقف على أبيك وجدّ ك؟ فأجاب‪ :‬ال‬
‫تصل وراءه»‪ ،‬فالحظ أن الجواب لم يأت على طبق السؤال‪ ،‬ليقول ‪ ‬للسائل‪ :‬ال‬ ‫ّ‬
‫يجوز‪ ،‬وإنما قال ‪ ‬له‪« :‬ال تصل وراءه»‪ ،‬فعبارة «ال يجوز» ظاهرة في بيان الحكم‬
‫الشرعي بينما عبارة «ال تصل» محتمل للتدبيرية‪ .‬ونحوه ما جاء في خبر إبراهيم بن‬
‫أبي محمود‪ ،‬عن الرضا ‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصادق ‪ ‬قال‪ :‬من زعم أن الله يجبر‬
‫عباده على المعاصي أو يكلفهم ما ال يطيقون فال تأكلوا ذبيحته وال تقبلوا شهادته‪ ،‬وال‬
‫تصلوا وراءه‪ ،‬وال تعطوه من الزكاة شيئ ًا»(((‪ ،‬فالنهي عن أكل ذبيحته هو قرينة التدبيرية‬
‫أن القائلين بالجبر ال ُيحكم بكفرهم وخروجهم عن الدين‪ّ ،‬‬
‫فإن الكثيرين‬ ‫على اعتبار ّ‬
‫من المسلمين التزموا هذا القول نتيجة سوء فه ٍم للتوحيد األفعالي‪ .‬وكذلك ما جاء‬
‫في صحيحة ابن مهزيار حيث سئل ‪ ‬أعني الجواد ‪ ‬عن ذلك‪ ،‬فنهى عن الصالة‬
‫خلفهم‪ ،‬وعن إعطائهم من الزكاة شيئ ًا‪ ،‬ودعى إلى البراءة منهم‪ ،‬وذلك كما يمكن أن‬

‫(( ( سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫((( وفي الواقع ّ‬
‫فإن من ثمرات االلتفات إلى البعد التدبيري في شخصية اإلمام ‪ ‬هو أنّه ال يبقى معه في‬
‫نظائر المقام وجه لرد األخبار الصحيحة‪.‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،313‬الباب ‪ 11‬من أبواب صالة الجماعة‪ ،‬الحديث ‪.14‬‬
‫‪219‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫يكون حكم ًا تشريعي ًا فمن الوارد كونه حكم ًا تدبيري ًا‪ ،‬وذلك بهدف محاصرتهم فكري ًا‬
‫بسبب ما يقومون به من دور خطير في التأثير على الجماعة المؤمنة وخط أهل البيت ‪‬‬
‫ويتسببون في انحراف جماعة المؤمنين‪ ،‬والتشويش على خط األئمة ‪.‬‬
‫ألن بعض المؤمنين لم يكن لديهم وضوح في الرؤية فيخشى عليهم من االنصهار‬ ‫‪--2‬وإ ّما ّ‬
‫في اآلخر وتضيع هويتهم الفكرية في ِّ‬
‫ظل نظام حك ٍم قمعي وقاهر ألتباع أهل البيت ‪،‬‬
‫ما يؤدي بمرور الوقت إلى ضياع الهوية الفكرية ألتباع أهل البيت ‪ ،‬فأراد األئمة ‪‬‬
‫تنفيرهم من ذلك‪ .‬ومن المؤشرات التي تصلح لوجاهة هذا االحتمال‪ ،‬ما جاء في‬
‫صحيحة الجعفي عن أبي جعفر ‪ ،‬فقد كان الشخص يحاول التأسيس لفكرة الفصل‬
‫ويحب أعداءهم أيض ًا وال يتبرأ منهم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫يحب أهل البيت ‪‬‬‫ُّ‬ ‫الحب والتبري‪ ،‬وأنه‬
‫ِّ‬ ‫بين‬
‫فأعلن اإلمام ‪ ‬رفض هذا المنهج‪ ،‬ودعا إلى محاصرة الشخص وترك الصالة خلفه‪،‬‬
‫وإال فال وجه الستعدائه كما ذكرنا سابق ًا‪ .‬وهذه ال تطرد في كل الحاالت‪ ،‬فقد يكون‬
‫المرء في مجتمع تعددي محمي بسقف من الحريات التي ال تجعل هذا التحدي وارد ًا‪.‬‬
‫بين التدبيرية والتقية‬
‫وربما يقال‪ :‬إذا دار األمر بين الجمعين المتقدمين وهما‪ :‬حمل النهي على التدبيرية‪،‬‬
‫وحمل األمر بالصالة خلفهم على التقية‪ ،‬فترجح التدبيرية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن التدبير ّية في النهي‬
‫فإن الصالة‬ ‫أكثر انسجام ًا مع الحكم بصحة الصالة خلفهم وإجزائها كما سنذكر الحق ًا‪ّ ،‬‬
‫خلفهم إذا كانت باطلة بالعنوان األولي‪ ،‬ومع ذلك يحكم بصحتها في حاالت التق ّية أو‬
‫المداراة والتي ُيراد منها حفظ وحدة األمة‪ ،‬فهذا سوف يجعلنا أمام مفارقة‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن التقية‬
‫حالة ضرورة‪ ،‬والضرورة لكونها تقدر بقدرها فإنها ترفع الحكم التكليفي فقط وال تصحح‬
‫الصالة‪ ،‬فتجوز الصالة خلفهم تقية وحفظ ًا للنفس‪ ،‬ولكنها ال تكون مجزئة‪ ،‬فيلزم إعادتها‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬التق ّية تقتضي أداء صورة الصالة وليس صحتها واالكتفاء بها‪ ،‬وعليه إذا كنا‬
‫سوف نحكم بإجزاء الصالة مع كونها في بعض األحيان فاقدة لبعض األركان أو الشروط‬
‫غير المغتفرة والداخلة في استثناء قاعدة «ال تعاد» كما سيأتي‪ ،‬فسوف ُّ‬
‫تقل فائد ُة النهي عن‬
‫إن الحكم بعدم لزوم اإلعادة‬ ‫الصالة ما دامت الصالة صحيحة وال تلزم إعادتها‪ .‬والقول ّ‬
‫ألن في اإلعادة حرج ًا شديد ًا‪ ،‬وال سيما في‬
‫في صورة التق ّية هو للتوسعة على المؤمنين‪ّ ،‬‬
‫حالة استمرار التقية ليس بأولى من الحكم بالصحة بالعنوان األولي مع حمل األخبار على‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪220‬‬
‫التدبيرية الذي ال يقتضي الفساد‪ ،‬ناهيك عن ّ‬
‫أن نفي الحرج إنّما يقتضي إناطة األمر بكون‬
‫اإلعادة حرج ّية ال أن تنفى اإلعادة مطلق ًا‪.‬‬
‫إن الحمل على التق ّية مع االلتزام بصحة الصالة استناد ًا إلى الروايات‬‫وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫الدالة على صحتها‪ ،‬يعني حمل الحكم باإلجزاء على التعبد‪ ،‬مع كون الصالة غير مستجمعة‬
‫للشرائط‪ ،‬والحمل على التعبد بعيد‪ ،‬فيكون حمل النهي على التدبيرية هو األرجح‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫النهي الواليتي ال يستلزم البطالن‪.‬‬
‫ودعوى أنّه يمكن حمل النهي على الحرمة الشرع ّية التكليف ّية وهي ال تنافي صحة الصالة‪،‬‬
‫أن النهي عن العبادة يقتضي بطالنها‪.‬‬‫ألن ذلك خالف القاعدة المس َّلمة بينهم في ّ‬
‫مرفوضة ّ‬
‫اعتراضان يواجهان التدبيرية‬
‫هذا‪ ،‬وفي المقابل فقد تواجه التدبيرية بعض االعتراضات وأهمها‪:‬‬
‫ثمة تسالم ًا فقهي ًا على هذا الحكم‪ ،‬وهو عدم جواز الصالة خلفهم‬ ‫االعتراض األول‪ّ :‬‬
‫أن ّ‬
‫إال في حالة التقية‪ ،‬فالحمل على التدبيرية‪ ،‬خالف التسالم‪.‬‬
‫ثمة مالحظة نسجلها على هذا النوع من التسالم‪ ،‬وهو أنّه تسالم انطلق من تعاقب‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫أجيال كثيرة على هذه الفتوى‪ ،‬مع أنها قد تكون متأثرة أو منطلقة من رؤية متشددة إزاء اآلخر‪،‬‬
‫مر في موثقة سماعة عنه ‪« :‬هذا أمر شديد لن تستطيعوا ذلك»‪ ،‬وفي صحيحة معاوية‬ ‫وقد ّ‬
‫ابن وهب‪« :‬فرددت عليه‪ ،‬فأبى أن يرخص لي‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬أصلي إذ ًا أنا في بيتي ثم أخرج‬
‫أن بعض األصحاب كانوا‬ ‫إليه؟ فقال‪ :‬أنت وذاك»‪ ،‬وفي الروايات العديد من الشواهد على ّ‬
‫يتبنون مواقف متشددة لم يرتضها األئمة ‪ ‬أنفسهم‪ ،‬وربما ناقش هؤالء الصحابة بعض‬
‫األئمة ‪ ‬في األمر‪ ،‬كما حصل بين زرارة واإلمام الصادق ‪ ‬في قض ّية الزواج‪ ،‬على ما‬
‫جاء في الرواية حيث كان زرارة يحكم بكفر كل امرأة ليست عارفة‪ ،‬ولذا فهو ال يتزوج منهن‬
‫إن هذا يعكس مناخ ًا متشدد ًا في أوساط‬ ‫لذلك‪ ،‬واإلمام ‪ ‬ينهاه ويوجهه ويبين له خطأه‪ّ .‬‬
‫الشيعة إزاء اآلخر المذهبي‪ ،‬وهذا األمر له مناشئه‪ ،‬ومن أهمها االضطهاد الذي كان يعانيه‬
‫الشيعة والمترافق مع نزعات مغالية في االعتقاد وضعف في الوعي واإلحاطة بكافة أبعاد‬
‫أن علي ًا ‪ ‬حيث كان علم ًا منصوب ًا من قبل الله تعالى‪،‬‬
‫اإلسالم ومراتبه‪ ،‬حيث يظن هؤالء ّ‬
‫فالزم ذلك الحكم بكفر من أنكر إمامته‪ ،‬دون أن يلتفتوا إلى مراتب الكفر‪.‬‬
‫إن َ‬
‫حمل النهي على التدبير ّية يواجهه اعتراض أساسي وهو أنه يبني‬ ‫االعتراض الثاني‪ّ :‬‬
‫‪221‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫على صحة صالة اآلخر مع أنها فاقدة للشرائط المعتبرة عندنا‪ ،‬ال أقل فيما يتصل بالوضوء‬
‫ال(((‪ ،‬ومع الحكم ببطالن صالته فكيف يجوز االقتداء به في الصالة؟! والواقع ّ‬
‫أن هذا‬ ‫مث ً‬
‫ال على بطالن عمل اآلخر فيما لو أتى به فاقد ًا للشرائط‪ ،‬أجل‪ ،‬لو أتى اآلخر‬ ‫يشكّل دلي ً‬
‫بالصالة وكانت مستجمعة للشرائط المعتبرة بنظرنا فيكون للصالة خلفه على نحو االقتداء‬
‫(((‬

‫وجه‪ ،‬بنا ًء على ما أسلفنا من عدم نهوض دليل على البطالن‪ ،‬وأ ّما إذا لم تكن كذلك ولو‬
‫ثمة فكر ٌة طرحناها‬
‫للخلل في مقدماتها كالوضوء مثالً‪ ،‬فال مجال للحكم بالصحة‪ .‬ولك ْن ّ‬
‫أن الحكم ببطالن صالة اآلخر الفاقدة لبعض الشرائط إنّما هو بطالن‬ ‫سابق ًا(((‪ ،‬وخالصتها ّ‬
‫نسبي وليس مطلق ًا‪ ،‬فهي باطلة فيما لو أراد المؤمن االكتفاء بتلك الكيفية من الصالة واألخذ‬ ‫ٌ‬
‫فإن الدليل نهض عنده على كيف ّية أخرى فال يمكنه مخالفة ما نهضت‬ ‫بها والعمل عليها‪ّ ،‬‬
‫الحجة عليه بنظره‪ ،‬وأ ّما إذا كان اآلخر هو من يعمل بهذه الكيفية التي نهض الدليل عنده على‬
‫شرعيتها فيمكن الحكم بكونها مجزئة إجزا ًء واقعي ًا ثانوي ًا عند من يأتي بها على هذا النحو‬
‫ومتقرب ًا به إلى الله تعالى‪ ،‬وهذا ما ِّ‬
‫يفسر لنا العديد من األحكام الشرعية‬ ‫ِّ‬ ‫معتقد ًا صحة عمله‪،‬‬
‫المنصوصة دون حاجة إلى حملها على التعبد‪ ،‬والخروج عن مقتضى القاعدة‪.‬‬
‫والبناء على صحة عملهم في هذه الحالة ستكون ثمرته في موردين‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬بالنسبة إلى اآلخر نفسه‪ ،‬في حال انتقاله من مذهبه إلى المذهب الذي ال‬
‫يرى صحة هذا العمل كمذهب أهل البيت ‪ ،‬ومن هنا نجدُ أنّه قام النص والفتوى عند فقهاء‬
‫الشيعة على عدم وجوب إعادة المسلم اآلخر للصالة أو الصوم أو الحج الذي يرتبط بصحة‬
‫الغسل والوضوء في الحالة المذكورة‪ ،‬فلو كانت األعمال باطلة فلماذا ال تجب اإلعادة؟!‬
‫إن عدم وجوب اإلعادة ليس حكم ًا تعبدي ًا مخالف ًا للقاعدة وقد قال به األئمة ‪ ‬من أجل‬
‫ّ‬
‫ألن صالته تتصف بمستوى من الصحة الواقعية ولو الثانوية‪،‬‬ ‫إن ذلك ّ‬‫التخفيف عليه‪ ،‬بل ّ‬

‫(( ( فاآلخر يغسل الرجلين بدل مسحهما‪ ،‬مع أن ظاهر القرآن الكريم بنظر الشيعة على المسح‪ ،‬وهم‬
‫يمسحون على الخفين في بعض الحاالت‪ ،‬وهو خالف ظاهر القرآن‪ ،‬وقد ورد عن اإلمام علي ‪:‬‬
‫«سبق الكتاب الخفين»‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،459‬الحديث ‪ 7‬من الباب ‪ 38‬من أبواب‬
‫الوضوء‪ .‬وفي الخبر أيض ًا عن اإلمام الصادق ‪ :‬عن المسح على الخفين؟ فقال‪« :‬ال تمسح وال‬
‫تصل خلف من يمسح»‪ ،‬قرب اإلستاد‪ ،‬ص ‪ .162‬وهذه يمكن إرادها في عداد النصوص الخاصة‬
‫الناهية عن الصالة خلف اآلخر المذهبي‪ ،‬لكنها ضعيفة السند‪ ،‬باإلضافة إلى أنها ال تمنع من الصالة‬
‫خلفه بسبب مذهبه‪ ،‬بل إلخالله بالوضوء الصحيح‪.‬‬
‫((( كما لو اغتسل من الجنابة وقام وصلى صالة مستجمعة للشرائط في القراءة والصالة على األرض‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الباب الثاني‪ ،‬قاعدة اإللزام‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪222‬‬
‫المبنية على أن هذا الشخص حيث إنه مقتنع ًا بصحة مذهبه‪ ،‬ومعتقد ًا بشرعية هذه الصالة‬
‫ويأتي بها لله سبحانه‪ ،‬فيحكم بصحتها‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬بالنسبة إلينا‪ ،‬أي لمن ال يرى صحة العمل‪ ،‬فيما لو كان له أثر شرعي‬
‫صح هذا التوجيه‬
‫يتصل بنا‪ ،‬فهذا المقدار من الصحة الواقعية يجيز لنا الصالة خلفه‪ .‬وإذا ّ‬
‫فإنه يصلح لتفسير ما نحن فيه‪ ،‬حيث يحكم الفقه الشيعي باشتراط شروط خاصة في الصالة‬
‫ومقدماتها‪ ،‬ومنها الطهارة‪ ،‬كلزوم المسح على القدمين وعدم كفاية الغسل‪ ،‬ومع ذلك تحكم‬
‫الروايات بعدم لزوم إعادة صالة الجماعة خلفهم‪ ،‬وأفتى بذلك جمع من الفقهاء‪ ،‬كما سيأتي‪،‬‬
‫فال داعي لحمل الروايات على صورة التق ّية‪.‬‬
‫والحكم بالصحة الثانوية له نظائر في الفقه‪:‬‬
‫‪--1‬أنّك ترى أنّه ومع كون توجيه الذبيحة إلى القبلة شرط ًا عندنا‪ ،‬ال يحكم بحرمة ذبائحهم‪،‬‬
‫بل ُيبنى على الحل ّية مع علمنا بعدم تحقق هذا الشرط(((وإن كان يمكن تفسيره بأن هذا‬
‫الشرط (التوجه إلى القبلة) علمي وليس واقعي ًا‪ .‬ومعه يكون الحكم بالحل ّية ألن ترك‬
‫االستقبال كان لجهله بالحكم‪ ،‬ولو لعدم االعتقاد به‪.‬‬
‫ثمة حكم ًا متسالم ًا عليه وهو صحة طالقهم‪ ،‬مع أنه قد ال يكون متوفر ًا على‬ ‫‪--2‬وهكذا ّ‬
‫فإن ّ‬
‫الشروط المعتبرة عندنا‪ ،‬من حضور الشاهدين أو وقوعه في طهر لم يواقعها فيه‪ ،‬وهذا‬
‫يوجهه الفقهاء على أساس قاعدة اإللزام‪ ،‬وقاعدة اإللزام بحسب الفهم التقليدي‬ ‫ما ِّ‬
‫أن هذا الفهم يحتاج إلى تدقيق‪ ،‬بل هو محل إشكال‪،‬‬ ‫لها ُت َف َّسر على أساس التعبد‪ ،‬مع ّ‬
‫فإنه قد يحكم بالصحة في بعض الحاالت مع عدم تحقق معنى اإللزام‪ ،‬وقد أوضحنا‬
‫الكالم في هذه القاعدة في الباب الثاني المتقدِّ م‪.‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬حكم الصالة خلفهم بالعنوان الثانوي‬
‫وهذا البحث مبني على القول بعدم صحة الصالة خلفهم بالعنوان األولي‪ ،‬إما لقيام‬

‫(( ( يقول بعض الفقهاء المعاصرين في ذكر شرائط التذكية‪(« :‬الثالث) االستقبال بالذبيحة حال الذبح‬
‫إلى القبلة‪ ،‬ويتحقق االستقبال فيما إذا كان الحيوان قائم ًا أو قاعد ًا بما يتحقق به استقبال اإلنسان حال‬
‫الصالة في الحالتين‪ ،‬وأما إذا كان مضطجع ًا على األيمن أو األيسر فيتحقق باستقبال المنحر والبطن‬
‫وال يعتبر استقبال الوجه واليدين والرجلين‪ ،‬وتحرم الذبيحة باإلخالل باالستقبال متعمد ًا‪ ،‬وال بأس‬
‫خطأ أو للجهل باالشتراط كمن ال يعتقد لزومه شرع ًا أو لعدم العلم بجهتها أو عدم‬ ‫ً‬ ‫بتركه نسيان ًا أو‬
‫التمكن من توجيه الذبيحة إليها ولو من جهة خوف موت الذبيحة لو اشتغل بتوجيهها إلى القبلة»‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المسائل المنتخبة للسيد السيستاني‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫‪223‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثمة سؤاالً ُيطرح‬ ‫الدليل على بطالنها أو لعدم نهوض دليل على صحتها‪ ،‬وبنا ًء على ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫في المقام‪ ،‬وهو أنّه ما حكم حاالت الضرورة أو وجود مصلحة في الصالة خلفهم كإظاهر‬
‫وحدة األمة؟ وما حكم الصالة التي يؤديها المسلم اإلمامي في هذه الحاالت فهل يحكم‬
‫ببطالنها وتجب إعادتها؟ أم يجتزئ بها وتقبل منه؟‬
‫واإلجابة على هذه األسئلة ستكون من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بيان الحكم التكليفي للصالة تقية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بيان الحكم التكليفي للصالة مداراة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬بيان الحكم الوضعي (اإلجزاء) للصالة تقية أو مداراة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬بيان الحكم التكليفي للصالة تقية‬
‫في حالة التق ّية‪ ،‬تجوز بل تجب الصالة خلف المسلم اآلخر‪ ،‬وهو موضع إجماع‪،‬‬
‫ودلت على ذلك العديد من النصوص الخاصة والعامة‪ ،‬أكتفي بذكر واحدة وهي صحيحة‬
‫ال ُي َع ِّي ُرونَّا بِه‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ول‪ :‬إِ َّياك ُْم َأ ْن َت ْع َم ُلوا َع َم ً‬‫«س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ه َشا ٍم ا ْلكنْد ِّي َق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ول َتكُونُوا َع َل ْيه َش ْين ًا َص ُّلوا فِي‬ ‫الس ْو ِء ُي َع َّي ُر َوالِدُ ه بِ َع َملِه‪ ،‬كُونُوا لِ َم ِن ا ْن َق َط ْعت ُْم إِ َل ْيه َز ْين ًا َ‬
‫َو َلدَ َّ‬
‫ول َي ْسبِ ُقو َنك ُْم إِ َلى َش ْي ٍء ِم َن ا ْلخَ ْي ِر َف َأ ْنت ُْم َأ ْو َلى‬ ‫واش َهدُ وا َجنَائِز َُه ْم َ‬ ‫اه ْم ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع َشائ ِره ْم و ُعو ُدوا َم ْر َض ُ‬
‫ب ُء؟ َق َال‪ :‬الت َِّق َّي ُة»(((‪.‬‬ ‫وما ا ْلخَ ْ‬
‫ت‪َ :‬‬ ‫ب ِء‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ِ‬
‫ب إِ َل ْيه م َن ا ْلخَ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بِه من ُْه ْم‪ ،‬وال َّله َما ُعبِدَ ال َّله بِ َش ْيء َأ َح َّ‬
‫وكل النصوص اآلتية تشمل ما نحن فيه باألولوية‪.‬‬
‫وكما أشرنا فهذا موضع إجماع‪ ،‬وإنما الكالم بينهم في بعض الجوانب ومن أهمها‪:‬‬
‫أنّه هل يشترط عدم المندوحة في جواز الصالة خلفهم أم تجوز حتى مع وجود المندوحة؟‬
‫أن التقية في فعل الحرام أو ترك الواجب يشترط فيها عدم المندوحة‪،‬‬ ‫ال يخفى ّ‬
‫ألن التقية هي ضرورة كما د ّلت عليه الروايات((( بل ّ‬
‫إن مفهوم التق ّية ال يصدق في‬ ‫ّ‬
‫صورة وجود المندوحة‪ ،‬فالتقية من الوقاية‪ ،‬فهي تعني وقاية اإلنسان نفسه من الضرر‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .219‬والرواية صحيحة وصرح بذلك في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.179‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫((( ففي صحيحة ُزرار َة َعن َأبِي جع َف ٍر ‪َ ‬ق َال‪« :‬الت َِّقي ُة فِي ك ُِّل َضرور ٍة وص ِ‬
‫اح ُب َها َأ ْع َل ُم بِ َها حي َن َتنْز ُل بِه»‪،‬‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،219‬فإنها ظاهرة في انحصار التقية بصورة الضرورة‪ .‬وفي صحيحة أخرى‬
‫عن أبي جعفر ‪« :‬التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫ص ‪ ،220‬فإنها ظاهرة بقرينة التفريع أنه في غير حالة االضطرار فال حل ّية‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪224‬‬
‫والمخاطر‪ ،‬ومع وجود المندوحة فال تصدق الضرورة‪ .‬هذا ولكن التق ّية في الصالة ال‬
‫ثم الصالة خلفهم فيجوز له أن يصلي‬ ‫يعتبر فيها المندوحة‪ ،‬فلو أمكنه الصالة في بيته ومن ّ‬
‫معهم ويترك الصالة في بيته‪ ،‬والدليل على ذلك ليس هو الروايات العامة الواردة في‬
‫التقية‪ ،‬وإنما هو الروايات الخاصة اآلمرة بالصالة خلفهم والحاثة على حضور جماعتهم‬
‫والمحمولة على التقية‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬قد جرى حديث بين الفقهاء حول فر ٍع آخر هنا‪ ،‬وهو أنّه ْ‬
‫وإن لم تعتبر المندوحة‬
‫بالنسبة للتقية في أصل الصالة‪ ،‬لكن ماذا عن التق ّية في حال الصالة‪ ،‬بمعنى أنّه لو أمكنه‬
‫أثناء الصالة أن يصلي في موضع يتكمن فيه من السجود على ما يصح السجود عليه بحسب‬
‫مدرسة أهل البيت ‪ ،‬فهل يتعين عليه ذلك؟ أم يجوز له الصالة ولو بالسجود على ما ال‬
‫يصح السجود عليه؟‬
‫هنا وفي هذا الفرع‪ ،‬اختلف الفقهاء‪ ،‬فذهب بعضهم ومنهم الشيخ األنصاري والمحقق‬
‫الهمداني إلى اعتبار عدم المندوحة حال االمتثال والتقية‪ ،‬متمسكين ببعض الوجوه‪ ،‬ومن‬
‫أن ما دل على الصالة خلفهم وفي جماعتهم ومساجدهم وعشائرهم وإن كان ظاهر ًا‬
‫أقواها‪ّ :‬‬
‫في عدم اعتبار الضرورة في أصل الصالة والحضور‪ ،‬ولكن ال شمول له لحال الصالة‬
‫والعمل‪ ،‬فلم يقم هنا دليل على عدم اعتبار الضرورة واالضطرار‪ ،‬ومقتضى ذلك عدم جواز‬
‫التقية والصالة مع وجود المندوحة‪.‬‬
‫بينما خالفهم السيد الخوئي ولم يعتبر عدم المندوحة هنا‪ ،‬كما لم يعتبره بالنسبة للتقية‬
‫في أصل حضور الصالة‪ ،‬متمسك ًا بما تقدمت اإلشارة إليه من الروايات الحاثة على الصالة‬
‫في جماعتهم‪ ،‬فإنّها مطلقة وظاهرة في الصالة معهم‪ ،‬بمعنى أنّه يصلي كصالتهم اختياري ًا‪،‬‬
‫ولم تقيد ذلك بما إذا كان غير قادر على العمل بحسب الوظيفة الواقعية(((‪ .‬فعندما تقول‬
‫إن من صلى معهم في الصف األول فهو كمن صلى خلف رسول الله (ص) في‬ ‫الرواية‪ّ :‬‬
‫الصف األول‪ ،‬فإنّها مطلقة وظاهرة في مشروعية الصالة معهم واستحبابها حتى لو لم يكن‬
‫متمكن ًا من السجود على ما يصح السجود عليه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بيان الحكم التكليفي للصالة مداراة‬
‫وأ ّما حكم الصالة خلفهم ال للتقية المتقومة بخوف الضرر‪ ،‬وإنما ألجل المداراة‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.268‬‬


‫‪225‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫والتآلف والحرص على وحدة المسلمين((( واالبتعاد عما يثير الفرقة‪ ،‬فيكون الشيعي متمكن ًا‬
‫من أن يصلي منفرد ًا أو في بيته ولكن هذا يعطي انطباع ًا سيئ ًا عن عدم تماسك المسلمين‪،‬‬
‫بينما لو صلى معهم وفي مساجدهم فبذلك يظهر التماسك والتالحم بينهم‪ ،‬فهل هذا العنوان‬
‫يبرر الصالة خلف اآلخر المذهبي؟‬
‫أن المداراة والمجاملة ال تبيح من حيث المبدأ فعل الحرام أو ترك‬ ‫أقول‪ :‬ال ريب ّ‬
‫الواجب‪ ،‬سواء كانت المداراة مع المسلمين أو غيرهم‪ ،‬فالتقية إن لم يترتب على تركها‬
‫ضرر على المكلف فهي ال تعدّ ضرورة يرفع بسببها اليد عن األحكام اإللزامية الثابتة في‬
‫أن مجاملة اآلخر ومحبته‬ ‫ال لو ّ‬
‫مذهب المكلف‪ ،‬حتى لو كان في ذلك مصلحة للشخص‪ .‬فمث ً‬
‫اقتضت أن يأكل ما هو حرام وفق مذهبه أو يترك الواجب فقطع ًا ال يعدّ ذلك مبرر ًا شرعي ًا‪ ،‬بل‬
‫ال يصدق مفهوم التقية والحال هذه‪ ،‬فتبقى إطالقات الحرام وفعل الواجب محكمة وال يرفع‬
‫اليد عنها‪ .‬وإنّما الكالم في االئتمام بهم في الصالة‪( ،‬ويلحق بها اتباعهم في أعمال الحج من‬
‫الوقوفين وما يتفرع عليهما) فهل تجوز الصالة خلفهم مع عدم تحقق التقية الحقيقية‪ ،‬وإنما‬
‫كان المتحقق هو الحرص على وحدة المسلمين؟‬
‫أن ذلك يكفي للصالة خلفهم‪ ،‬وهي تدل بإطالقها‬‫الظاهر من الروايات الصحيحة ّ‬
‫على جواز ومشروع ّية الصالة في هذه الصورة‪ّ ،‬‬
‫وأن الصالة ال تتوقف على تحقق عنوان‬
‫االضطرار والخوف على النفس أو العرض أو المال‪ ،‬فالحظ‪:‬‬
‫عمار‪ ،‬قال‪« :‬قال لي أبو عبد الله ‪ :‬يا إسحاق أتص ّلي معهم في‬‫‪--1‬ما رواه إسحاق بن ّ‬
‫األول‪،‬‬
‫الصف ّ‬
‫ّ‬ ‫فان المص ّلي معهم في‬
‫صل معهم‪ّ ،‬‬ ‫المسجد؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ّ :‬‬
‫كالشاهر سيفه في سبيل الله»(((‪.‬‬
‫‪--2‬صحيحة عبد الله بن سنان قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله ‪ ‬يقول‪« :‬أوصيكم بتقوى الله‪،‬‬

‫صرح بذلك غير واحد من الفقهاء‪ ،‬يقول السيد الخميني‪« :‬وأ ّما التق ّية المداراتية المر َّغب فيها‬ ‫(( ( كما ّ‬
‫مصب‬
‫ّ‬ ‫أحب العبادات وأفضلها فالظاهر اختصاصها بالتق ّية من العا ّمة‪ ،‬كما هو‬ ‫مما تكون العبادة معها ّ‬
‫ّ‬
‫تفرق جماعتهم‬ ‫صالح حال المسلمين بوحدة كلمتهم وعدم ّ‬ ‫ُ‬ ‫السر فيها‬ ‫ّ‬
‫الروايات على كثرتها‪ .‬ولعل ّ‬
‫أذلء بين سائر الملل وتحت سلطة الك ّفار وسيطرة األجانب»‪ ،‬انظر‪ :‬الرسائل العشر‪،‬‬ ‫لكيال يصيروا َّ‬
‫أن حكمة المداراة‬ ‫ص ‪ .70‬ويقول السيد الخوئي تعليق ًا على بعض األخبار الصحيحة‪« :‬لداللتها على ّ‬
‫معهم في الصالة أو غيرها إنما هي مالحظة المصلحة النوعية واتحاد كلمة المسلمين من دون أن‬
‫يترتّب ضرر على تركها»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.274‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.277‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪226‬‬
‫وال تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا‪ ،‬إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه‪ ﴿ :‬ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﴾((( ثم قال‪ :‬عودوا مرضاهم‪ ،‬واشهدوا جنائزهم‪ ،‬واشهدوا لهم وعليهم‪،‬‬
‫وصلوا معهم في مساجدهم»(((‪.‬‬
‫ويشهد لكون الدعوة في هذه الصحيحة إلى الصالة في مساجدهم في صورة المداراة ّ‬
‫أن‬
‫عيادة مرضاهم وحضور جنائزهم غير ُمق َّيد ْين بصورة التقية وخوف الضرر‪ ،‬فكذا الصالة‬
‫معهم‪ .‬ولكن قد يكون التعبير «ال تحملوا الناس على رقابكم فتذلوا» قرينة على التقية‪.‬‬
‫ب َل َك إِ َذا َد َخ ْل َت َم َع ُه ْم وإِ ْن‬‫‪--3‬رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ُ « :‬ي ْح َس ُ‬
‫ب َل َك إِ َذا ُكن َْت َم َع َم ْن َت ْقت َِدي بِه» فهذه أيض ًا مطلقة لصورة‬
‫(((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ْم َت ْقتَد بِ ِه ْم م ْث ُل َما ُي ْح َس ُ‬
‫الصالة لغير التقية‪ ،‬ولكنها ال ّ‬
‫تدل على حصول االقتداء كما أسلفنا سابق ًا‪.‬‬
‫إلى غيرها من األخبار التي مساقها هو مساق بيان الحالة الطبيعية وليس حالة الضرورة‬
‫والخوف‪ ،‬وحملها على صورة الضرورة والتقية هو على خالف الظاهر‪ ،‬وبال موجب‪.‬‬
‫أن صالة أمير المؤمنين ‪ ‬خلفهم وكذلك الحسنين ‪ ‬ليست للتقية كما أسلفنا‪،‬‬ ‫على ّ‬
‫وإنما غايته أن ذلك كان حرص ًا على التآلف وحفظ وحدة الجماعة المسلمة‪ .‬هذا إن لم نقل‬
‫إن ذلك كان جائز ًا بالعنوان األولي‪ ،‬قال السيد الخوئي‪« :‬نعم ال بأس بذلك في خصوص‬
‫فإن له أن يحضر مساجدهم ويصلي معهم للمداراة والمجاملة من دون أن يترتب‬ ‫الصالة‪ّ ،‬‬
‫ضرر على تركه بالنسبة إلى نفسه أو باإلضافة إلى الغير‪ ،‬وذلك إلطالقات األخبار اآلمرة‬
‫أن الصالة معهم في الصف األول كالصالة خلف رسول الله (ص)‬ ‫ألن ما ّ‬
‫دل على ّ‬ ‫بذلك‪ّ ،‬‬
‫غير مقيد بصورة ترتب الضرر على تركها‪ .‬بل قد عرفت أن حملها على تلك الصورة حمل‬
‫لها على مورد نادر‪ ،‬لبعد أن يكون ترك الحضور في مساجدهم أو ترك الصالة معهم مرة‬
‫أو مرتين أو أكثر مستلزم ًا الشتهاره بالتشيع ومعروفيته به أو ألمر آخر موجب لتضرره‪»..‬‬
‫إلى أن يقول‪« :‬وعلى ذلك ال يتوقف جواز الصالة معهم على ترتب أي ضرر على تركه‬
‫ولو احتماالً‪ ،‬وهذا قسم خاص من التقية فلنعبر عنه بالتقية بالمعنى األعم‪ ،‬لمكان أنّها أعم‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬


‫((( المحاسن للبرقي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .18‬والصدوق في صفات الشيعة‪ ،‬ص ‪ .27‬وابن إدريس في مستطرفات‬
‫السرائر‪ ،‬ص ‪ .559‬وراجع‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،301‬الحديث ‪ 8‬من الباب ‪ 5‬من أبواب صالة‬
‫الجماعة؛ وج ‪ ،12‬ص ‪ ،7‬الباب ‪ 1‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪.6‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .37‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .265‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.383‬‬
‫‪227‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫من التق ّية بالمعنى العام‪ ،‬إذ ال يعتبر في ذلك ما كان يعتبر في ذلك القسم من خوف الضرر‬
‫واحتماله على تقدير تركها‪ .‬بل هذا القسم خارج من المقسم لعدم اعتبار احتمال الضرر في‬
‫أن األخبار اآلمرة بالصالة معهم وحضور مجالسهم مختصة‬ ‫تركه‪ ،‬هذا وفي بعض الكلمات ّ‬
‫بصورة خوف الضرر على تقدير تركها‪ .‬إال أن صبر((( الروايات الواردة في هذا الباب المروية‬
‫في الوسائل في أبواب مختلفة كباب العشرة من كتاب الحج‪ ،‬وفي كتاب األمر بالمعروف‪،‬‬
‫وكتاب اإليمان يشهد بعدم تمامية هذا المدعى إلطالقاتها وعدم كونها مقيدة بصورة الخوف‬
‫على تقدير تركها»(((‪.‬‬
‫وثمة فروع‬
‫ونكتفي بهذا القدر من الحديث عن الصالة خلف المسلم اآلخر تقية‪ّ ،‬‬
‫أخرى للتقية تطلب من مظانها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬بيان الحكم الوضعي (اإلجزاء) للصالة تق ّية ومداراة‬
‫أن الصالة المأتي بها خلفهم أكانت على نحو‬‫أجل‪ ،‬يبقى فرع ها ٌم ال بدّ من بحثه‪ ،‬وهو ّ‬
‫وتصح أم ال؟ أم ال بدّ من‬
‫ّ‬ ‫التقية أو المداراة ورعاية وحدة الجماعة المسلمة‪ ،‬هل يجتزأ بها‬
‫إعادتها؟‬
‫إن الصالة المأتي بها خلفهم هي على وجوه‪ ،‬ومنها ما لم يقع مورد ًا لإلشكال‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫كما لو صلى معهم متابعة لإلمام دون االقتداء به مع مراعاة جميع الشرائط واألجزاء بما فيها‬
‫القراءة والسجود على ما يصح السجود‪ ،‬أو ص ّلى في بيته ثم قصد المسجد وصلى خلفهم‬
‫ونواها نافلة(((‪ ،‬فال إشكال في هذه الصورة أو تلك‪ ،‬وإنما الكالم في صورتين‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬أن يصلي معهم ابتدا ًء صالة منفردة على نحو المتابعة الظاهرية‪ ،‬ولو‬
‫كان لديه مندوحة في ترك الصالة‪ ،‬ومع ترك ما تفرضه التقية من األجزاء والشرائط‪ ،‬فهو يقرأ‬
‫لنفسه إن استطاع‪ ،‬ولو مثل حديث النفس إن لم يتمكن من أن يسمع نفسه‪ ،‬وهذه الصالة ال‬
‫وجه لالستشكال في صحتها‪ ،‬ألنها صالة فرادى بصورة جماعة وإن مارس التق ّية في بعض‬

‫(( ( هكذا وردت في المصدر في الطبعة القديمة من تقريرات درس السيد (ره)‪ ،‬واألنسب هو «سبر»‬
‫بمعنى مالحظة وتتبع‪ ،‬كما في الطبعة األخيرة من تقريراته‪.‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.276‬‬
‫(( ( ففي رواية عمر بن يزيد‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬أنه قال‪« :‬ما منكم أحد يصلي صالة فريضة في وقتها‪ ،‬ثم‬
‫يصلي معهم صالة تقية وهو متوضئ إال كتب الله له بها خمس ًا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك»‪ ،‬وقد‬
‫تقدمت هذه الرواية وتقدم الكالم في سندها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪228‬‬
‫عما ال يصح السجود عليه أو غيره‪ ،‬وكذا ترك القراءة بحدها المطلوب‪.‬‬
‫األمور كالسجود ّ‬
‫والظاهر هو الصحة واإلجزاء في هذه الصورة‪ ،‬وهذا ما عليه جمع من الفقهاء‪:‬‬
‫قال الشيخ الطوسي‪« :‬وإذا صلى خلف من ال يقتدى به قرأ على كل حال سمع القراءة‬
‫مثل حديث النفس‪ ،‬وال يجوز أن يترك‬ ‫فإن كان في حال ٍ‬
‫تقية أجزأه من القراءة ُ‬ ‫أو لم يسمع‪ْ .‬‬
‫القراءة على حال‪ ،‬وإن لم يقرأ أكثر من الحمد وحدها كان جائز ًا‪ ،‬وال يجوز أقل منها‪ ،‬وإذا‬
‫فرغ المأموم من القراءة قبل اإلمام س ّبح مع نفسه»(((‪.‬‬
‫وقال المح ّقق الكركي‪« :‬فما ورد فيه نص بخصوصه إذا فعل على الوجه المأذون فيه‬
‫كان صحيح ًا مجزي ًا سواء كان للمكلف مندوحة عن فعله كذلك أم لم يكن‪ ،‬التفات ًا إلى ّ‬
‫أن‬
‫الشارع أقام ذلك الفعل مقام المأمور به حين التقية‪ ،‬فكان اإلتيان به امتثاالً فيقضي اإلجزاء‪.‬‬
‫وعلى هذا فال تجب اإلعادة ولو تمكن منها على غير وجه التقية قبل خروج الوقت‪ ،‬وال أعلم‬
‫في ذلك خالف ًا بين األصحاب»(((‪.‬‬
‫وقال النراقي‪« :‬أن يصلي معهم ابتداء صالة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع‬
‫اإلمكان‪ .‬وال شك في االجتزاء بتلك الصالة مع الضرورة‪ ،‬وبدونها إذا تمكن من اإلتيان‬
‫بجميع الواجبات بنفسه‪ ،‬وكذا مع عدم التمكن إذا لم تكن له مندوحة عن تلك الصالة ولم‬
‫يمكنه الصالة منفرد ًا‪ ،‬كالمصاحب في سفر مع جماعة المخالفين‪ .‬وإنما اإلشكال فيما إذا‬
‫لم يتمكن من الواجبات بأسرها وكانت له مندوحة من الصالة معهم‪ ،‬أو لم تكن ولكن أمكن‬
‫أن ذلك إنما هو فيما‬‫له االنفراد أيض ًا قبلها أو بعدها‪ .‬والظاهر االجتزاء أيض ًا‪ ..‬ولك ّن الظاهر ّ‬
‫أقل من أن يكون في والية المخالف‪ ،‬أو موجب ًا لتأليف قلوبهم‬ ‫كان لذلك جهة رجحان‪ ،‬وال ّ‬
‫أو لرفع التهمة عن نفسه فيما تترتب عليهما فائدة‪ ،‬كما هو مورد تلك األخبار‪ ،‬فال يجزي في‬
‫غير ذلك»(((‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من كلمات الفقهاء الحاكمة بالصحة‪ ،‬ولكن نُسب((( إلى بعض الفقهاء‬
‫القول بعدم اإلجزاء إذا كانت الصالة فاقدة لشرط أو جزء‪ ،‬ومن هؤالء الشيخ الصدوق‬
‫والشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ يوسف البحراني‪ ،‬هذا مع أنه الظاهر ّ‬
‫أن كلماتهم ال‬

‫((( المبسوط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.158‬‬


‫((( رسائل المحقق الكركي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.52‬‬
‫(( ( مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.53‬‬
‫((( مباني الفقه الفعال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.260‬‬
‫‪229‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تختلف عن كلمات سائر الفقهاء المتقدمة وأقوالهم‪ ،‬في ّ‬
‫أن الصالة خلفهم في حالة التق ّية‬
‫تجزي حتى مع ترك ما تفرض التقية تركه من األجزاء والشرائط‪ ،‬وأما ما يتمكن المكلف‬
‫من اإلتيان به فال بد من إتيانه‪ ،‬ألن التقية ال تفرض تركه‪ ،‬فالحظ كالم الشيخ كاشف الغطاء‬
‫ثم يأتي بما أمكنه‪،‬‬
‫حيث يقول‪« :‬وال بدّ من ن ّية االنفراد معهم‪ ،‬وإظهار الدخول في جماعتهم‪ّ ،‬‬
‫بأئمتهم من قراءة ولو كحديث النفس أو أذكار‪ ،‬أو غيرها»(((‪.‬‬‫مع ال َّلحوق ّ‬
‫وأوضح منه في الداللة على اإلجزاء كالم الشيخ يوسف البحراني‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫«وبالجملة فإن المستفاد من األخبار على وجه ال يقبل اإلنكار عند من تأمل فيها بعين‬
‫التحقيق واالعتبار أنه يجوز الدخول معهم ابتداء وأن يصلي معهم صالة منفردة ويتابع في‬
‫الركوع والسجود سواء كان له مندوحة عن الدخول أو لم تكن وأنه يغتفر له ما يلزم فواته من‬
‫إن عبارة الصدوق ليست واضحة في اإلجزاء‬ ‫الواجبات إذا لم يمكن االتيان بها»(((‪ .‬أجل ّ‬
‫عند فقد جزء أو شرط‪ ،‬قال الصدوق‪« :‬اعلم أنّه ال يجوز أن تص ّلي خلف أحد ّإل خلف‬
‫رجلين‪ ،‬أحدهما‪ :‬من تثق بدينه وورعه‪ ،‬وآخر‪ :‬تتّقي سوطه وسيفه‪ ،‬وشناعته على الدّ ين‪،‬‬
‫مؤتم به»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فصل خلفه على سبيل التّق ّية والمداراة‪ ،‬وأ ّذ ْن لنفسك وأقم‪ ،‬واقرأ لها غير‬
‫أن الصالة خلفهم على هذا النحو مجزئة‪ ،‬وأ ّما الدليل على‬ ‫وخالصة هذه األقوال‪ّ :‬‬
‫أن الصالة خلفهم كانت‬ ‫اإلجزاء فهو ‪ -‬باإلضافة إلى ما سيأتي ذكره في الصورة الثانية ‪ّ -‬‬
‫محل ابتالء ومثلت ظاهرة معروفة ومنتشرة لعشرات السنين في زمن األئمة ‪ ،‬فلو كانت‬
‫اإلعادة واجبة لن ّبه عليها في األخبار(((‪ ،‬ناهيك عن الروايات الصحيحة الداعية إلى الصالة‬
‫خلفهم والحاثة على ذلك ظاهرة في اإلجزاء‪.‬‬

‫(( ( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.312‬‬


‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.79‬‬
‫((( المقنع‪ ،‬ص ‪ .114‬ونحوه ما في الهداية له‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫العمل المتقى به أو قضائه ولو على‬ ‫(( ( قال السيد الخوئي‪« :‬ولم يرد في شيء من رواياتنا أمر بإعادة‬
‫نحو االستحباب‪ .‬نعم عقد صاحب الوسائل باب ًا وعنونه باستحباب إيقاع الفريضة قبل المخالف‬
‫أو بعده إال أن شيئ ًا مما نقله من الروايات غير مشتمل على األمر باإلعادة أو القضاء‪ .‬فيما أتى به‬
‫تقية ولو على وجه االستحباب‪ ...‬وكيف كان فلم يرد في رواياتنا أمر بإعادة الصالة أو الوضوء أو‬
‫غيرهما من األعمال المتقى بها من العامة على كثرة االبتالء بها لكونهم معاشرين لهم في أسواقهم‬
‫ومساجدهم وفي محالتهم وأماكنهم حتى في بيت واحد‪ ،‬إذ ربما كان االبن عامي ًا واألب على خالفه‬
‫أو بالعكس أو أحد األخوين شيعي واآلخر عامي وكانوا يصلون أو يتوضؤون بمرأى منهم ومشهد‪=،‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪230‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬أن يصلي خلفهم جماعة ويعتمد على صالة اإلمام كما يعتمد على‬
‫صالة اإلمام الشيعي‪ ،‬بحيث ال يقرأ لنفسه ولو بمثل حديث النفس‪ ،‬فهل يحكم باإلجزاء في‬
‫هذه الصورة؟‬
‫المستفاد من كلمات الفقهاء المتقدمة عدم صحة هذه الصالة‪ ،‬وهو صريح السيد‬
‫أن الصالة معهم ليست كالصالة خلف‬ ‫الخوئي قال‪« :‬ومما ينبغي أن ينبه عليه في المقام هو ّ‬
‫اإلمام العادل‪ ،‬وإنما هي على ما يستفاد من الروايات صورة صالة يحسبها العامة صالة‬
‫وائتمام ًا بهم‪ ،‬ومن هنا لم يرد في الروايات عنوان االقتداء بهم‪ ،‬بل ورد عنوان الصالة معهم‪،‬‬
‫ال عن صوته‪.‬‬‫فهو يدخل الصالة معهم ويؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه على نحو ال يسمع همسه فض ً‬
‫وال داللة في الروايات على أنها صالة حقيقة وقد ورد في بعضها‪ :‬ما هم عنده ‪ ‬إال بمنزلة‬
‫الجدر‪ .‬إذا ال تكون الصالة معهم كالصالة خالف اإلمام العادل‪ ،‬بل إنما هي صورة االئتمام‬
‫لتحسبوها كذلك من دون أن يسقط القراءة واإلقامة وال غيرهما‪ ،‬ألنهم ليسوا إال كالجدر‪.‬‬
‫نعم قد استفدنا من األخبار الواردة في التقية بحسب الداللة االلتزامية ّ‬
‫أن عدم المندوحة غير‬
‫معتبر في الصالة معهم ال حال العمل واالمتثال وال فيما بعده»(((‪.‬‬
‫ولك ْن يمكن إقامة الدليل على صحة الصالة تقية ولو على النحو المذكور في الصورة‬
‫الثانية فض ً‬
‫ال عن األولى‪ ،‬وفيما يلي نذكر الدليل على اإلجزاء‪ ،‬ثم نذكر بعد ذلك ما استدل‬
‫به لعدم اإلجزاء‪.‬‬
‫اقتداء‬
‫ً‬ ‫‪--1‬أدلة اإلجزاء‬
‫والدليل هو عدة وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬النصوص الخاصة‪ ،‬وهي عدة روايات صحيحة ظاهرة في صحة االقتداء‬
‫بهم‪ ،‬واالكتفاء بما يقرأ اإلمام‪ ،‬ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪« :‬ال بأس بأن‬
‫فإن قراءته تجزيك إذا سمعتها»(((‪ .‬وال‬
‫تصلي خلف الناصب وال تقرأ خلفه فيما يجهر فيه ّ‬
‫تعارضها رواية علي بن سعيد البصري المتقدمة حيث قال له الفضيل بن يسار‪ ..« :‬ولكنّي قد‬

‫= فالسيرة كانت جارية على التقية في تلك األفعال كثيرة الدوران ومع عدم ردعهم ‪ ‬يثبت صحتها ال‬
‫محالة»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.252‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.272 - 271‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.160‬‬
‫‪231‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫سمعته وسمعت أباه يقوالن‪ :‬ال تعتد بالصالة خلف الناصب‪ ،‬اقرأ لنفسك كأنك وحدك»(((‪.‬‬
‫لضعفها سند ًا كما أسلفنا‪.‬‬
‫وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت ال‬
‫فأنصت له‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ْ‬ ‫تجهر فيها بالقراءة؟ فقال‪ :‬إذا سمعت كتاب الله ُيتلى‬
‫ُ‬ ‫ترضى به في صالة‬
‫إن عصى الله فأطع الله‪ ،‬فرددت عليه‪ ،‬فأبى أن يرخص لي‪ ،‬قال‪:‬‬‫علي بالشرك قال‪ْ :‬‬
‫فإنّه يشهد ّ‬
‫فقلت له‪ :‬أصلي إذ ًا أنا في بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال‪ :‬أنت وذاك»(((‪ .‬واإلنصات ال يجامع‬
‫القراءة إخفات ًا خالف ًا لما ذكره األصفهاني(((‪ ،‬فتكون ظاهرة في اإلجزاء‪.‬‬
‫وفي صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر ‪ ‬قال‪« :‬صلى حسن‬
‫وحسين خلف مروان ونحن نصلي معهم»((( والصالة خلفهم ظاهرة في االقتداء‪ ،‬وكذلك‬
‫إطالق الصالة معهم‪ ،‬فالحظ كيف غ ّير اإلمام ‪ ‬التعبير فقال‪« :‬ونحن نصلي معهم»‪،‬‬
‫وهو ال يصلي إال كصالة الحسن الحسين ‪ .‬وهذان التعبيران وردا في صحيحة حم ٍ‬
‫اد‬ ‫َ َّ‬
‫ف األَ َّو ِل ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان ك ََم ْن َص َّلى‬ ‫َع ِن ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن َص َّلى َم َع ُه ْم في َّ‬
‫الص ِّ‬
‫ول ال َّله (ص)»(((‪ .‬حيث يالحظ كيف ساوى بين الصالة معهم والصالة خلف‬ ‫ف رس ِ‬
‫َخ ْل َ َ ُ‬
‫رسول الله (ص)‪ ،‬والصالة خلفه (ص) تكون جماعة وهي مجزئة‪ ،‬فكذلك الصالة خلفهم‪،‬‬
‫أن التعبير بـ «صل خلف»‪ ،‬أو «ال تصل خلف» مما هو‬ ‫أن المستفاد من األخبار ّ‬ ‫وقد أسلفنا ّ‬
‫وارد في العديد من األخبار يراد به االقتداء وعدمه‪.‬‬
‫إن قيل‪ّ :‬‬
‫إن اختالف التعبير في صحيحة الحلبي ليس من قبيل التفنن‪ ،‬وإنما هو شاهد على‬
‫تم تشبيه «الصالة معهم» بالصالة «خلف رسول الله (ص)»‪ ،‬ما يعني‬
‫اختالف كيفية الصالة‪ ،‬فقد ّ‬
‫أن الصالة معهم هي صورة صالة‪ .‬بينما الصالة خلف رسول الله (ص) هي صالة حقيقية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قلنا‪ :‬هذا بعيد‪ ،‬ألنه سينطبق ذلك على صحيحته على بن جعفر أيض ًا ويغدو هناك فارق‬
‫بين صالة الحسين ‪ ‬خلف مروان وصالة الصادق ‪ ‬خلف أئمة الجماعة في زمانه‪ ،‬مع‬

‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .28‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،310‬الباب ‪ 10‬من أبواب صالة الجمعة‪.‬‬ ‫((( ‬
‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .430‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.35‬‬ ‫(( (‬
‫صالة الجماعة‪ ،‬ص ‪.214‬‬ ‫((( ‬
‫نقله عن مسائل علي بن جعفر كل من الحر العاملي في وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ ،301‬الباب ‪ 5‬من‬ ‫((( ‬
‫أبواب صالة الجمعة‪ ،‬الحديث ‪ .9‬والمجلسي في بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،85‬ص ‪.73‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .380‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.382‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪232‬‬
‫رجحنا سابق ًا ّ‬
‫أن صالة الحسنين ‪‬‬ ‫أنه ال موجب له وال فارق بين هؤالء وهؤالء‪ .‬أجل‪ ،‬قد ّ‬
‫التفرق‬
‫خلف مروان بن الحكم هي من باب الحرص على وحدة الصف ودرء مفسدة ّ‬
‫واالنقطاع عن جماعة المسلمين‪.‬‬
‫أن‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬ما يستفاد من بعض األخبار العامة الواردة في التقية‪ ،‬والظاهرة في ّ‬
‫العمل المأتي به في التق ّية ليس مباح ًا شرع ًا فحسب‪ ،‬بل هو مجزئ‪ ،‬من قبيل رواية َم ْس َعدَ َة‬
‫ول‪َ ...« :‬فك ُُّل َشي ٍء يعم ُل ا ْلم ْؤ ِمن بينَهم لِمك ِ‬
‫َان‬ ‫ا ْب ِن َصدَ َق َة َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫ُ ُ َْ ُ ْ َ‬ ‫ْ ََْ‬
‫أن الجواز أعم من‬ ‫ين َفإِنَّه َج ِائ ٌز»(((‪ .‬وذلك بتقريب ّ‬ ‫اد فِي الدِّ ِ‬
‫الت َِّقي ِة ِمما َل ي َؤدي إِ َلى ا ْل َفس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َّ َّ‬
‫التكليفي والوضعي‪ ،‬فهو يكون بحسب العمل المتعلق به‪ ،‬فالجواز في الفعل الذي يتعلق به‬
‫التكليف يكون تكليفي ًا‪ ،‬وفي الفعل الذي يتع ّلق به الوضع وضعي ًا(((‪ ،‬وبعبارة أخرى‪« :‬جواز‬
‫كل شيء بحسبه‪ ،‬فالرواية تعم األشياء المحرمة النفسية لوال التق ّية وتجعلها جائزة نفسية‪،‬‬
‫كما تعم األشياء المحرمة بالحرمة الغيرية فتقلبها إلى الجواز الغيري ال محالة‪ .‬إذن تدلنا‬
‫الرواية على صحة الصالة المقترنة بالتكتّف أو بغيره من الموانع‪ ،‬ألنها جائزة جواز ًا غيري ًا‬
‫بمقتضى التق ّية‪ ،‬وكذا الصالة الفاقدة للجزء أو الشرط»(((‪.‬‬
‫واعترض عليها السيد الخوئي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بضعف السند‪« ،‬بمسعدة‪ ،‬لعدم توثيقه في الرجال»(((‪.‬‬
‫ولكن في الحاشية ع ّلق المحشي قائالً‪« :‬قد قدمنا غير مرة ّ‬
‫أن الرجل وإن لم يوثق في‬
‫الرجال َّإل أنه ممن ورد في أسانيد كامل الزيارات وتفسير القمي‪ ،‬فعلى مسلك سيدنا األُستاذ‬
‫‪-‬مدّ ظله‪ -‬من وثاقة كل من وقع في شيء من الكتابين المذكورين ولم يض ّعف بتضعيف‬
‫معتبر‪ ،‬ال بدّ من الحكم بوثاقة الرجل»(((‪.‬‬
‫َراجع السيد الخوئي عن مبناه في وثاقة رجال كامل الزيارات(((‪ ،‬ولم‬
‫ُ‬ ‫ولكن قد نقل ت‬
‫يتراجع عن مبناه في وثاقة رجال تفسير القمي‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.168‬‬ ‫((( ‬


‫تعم التكليف‬ ‫ّ‬
‫يقول السيد الخميني‪« :‬دلت على التوسعة في اإلتيان بالمأمور به على طريقتهم وهي ّ‬ ‫((( ‬
‫والوضع»‪ ،‬كتاب الخلل في الصالة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.250‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 35‬من مقدمة الطبعة الخامسة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫‪233‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وال تبعد وثاقة الرجل‪ ،‬ال لما ذكره السيد الخوئي بل لقرائن أخرى(((‪.‬‬
‫ألن الجواز فيما إذا ُأسند إلى الفعل كان‬
‫«إن الرواية ال داللة لها على المدعى‪ّ ،‬‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ظاهره الجواز النفسي فحسب‪ ،‬أي كون الفعل بما هو وفي نفسه أمر ًا جائز ًا‪ ،‬ال أنه جائز‬
‫لدخالته في الواجب وجود ًا أو عدم ًا‪ ،‬أو عدم دخالته فيه وهو المع ّبر عنه بالجواز الغيري»(((‪.‬‬
‫إن الجواز أسند في الرواية إلى الشيء الذي يعمله المؤمن للتقية‪ ،‬فقد قال ‪:‬‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫ال لكل شيء‬ ‫« َفك ُُّل َش ْي ٍء َي ْع َم ُل ا ْل ُم ْؤ ِم ُن‪ ،»..‬وهذا تعبير يشتمل على أداة عموم‪ ،‬فيكون شام ً‬
‫ال عبادي ًا أو غيره‪ ،‬فالصالة يصدق عليها أنها شيء يعمله المؤمن لمكان التقية‪،‬‬ ‫يعمله أكان عم ً‬
‫فتكون جائزة‪ ،‬وال معنى لجوازها إال صحتها‪ ،‬وأما التفكيك بين جوازها وصحتها بأن يكون‬
‫مقصوده ‪ ‬أنها مباحة ولكنها غير مجزية فهذا في غاية البعد‪ .‬ودعوى أن الجواز الذي‬
‫ألن هذا تفريق أو تفكيك‬‫أسند إلى الفعل ظاهر في الجواز التكليفي أو النفسي غير تامة‪ّ ،‬‬
‫فقهي متأخر قائم على التدقيق غير العرفي‪ ،‬فيكون ما نحن فيه نظير قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﴾(((‪ ،‬فإنّه ناظر إلى الجواز الوضعي والتكليفي(((‪.‬‬
‫وإن دلت على اإلجزاء لكنّها ال تدل سوى على‬ ‫إن الرواية ونظائرها((( ْ‬
‫هذا ولربما يقال‪ّ :‬‬
‫إجزاء الصالة التي فرضتها التقية‪ ،‬والتقية فرضت غسل الرجلين أو التكتف باليدين أو غيرها‬
‫من األعمال الظاهرة التي يكون ترك الجزء أو الشرط فيها مما ينافي التقية‪ ،‬أما القراءة ولو‬
‫أن هذه الرواية ال تنفع في إثبات اإلجزاء‬‫مثل حديث النفس فال تفرضه التقية‪ ،‬هذا ناهيك عن ّ‬
‫في صورة المداراة‪ ،‬وإنما تختص بصورة التقية الظاهرة في االضطرار‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ّ :‬‬
‫أن الصالة خلفهم لو كانت غير مجزية واإلعادة الزمة لب ّين ذلك في‬
‫األخبار‪ّ ،‬‬
‫فإن المسألة شديدة االبتالء وقد كان الكثير من الشيعة يصلون خلفهم تقية‪ ،‬وال‬

‫((( راجع ملحق رقم (‪ ،)3‬ج ‪.1‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.250‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.275‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫((( يقول السيد الخوئي‪« :‬إن معنى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱗ ﱘ ﱙ  ﴾ هو أن الله قد رخص في إيجاد البيع‬
‫وأطلقه وأرسله‪ ،‬ولم يمنع عن تحققه في الخارج‪ ،‬وإذن فتدل اآلية الكريمة داللة مطابقية على جواز‬
‫البيع تكليف ًا وعلى نفوذه وضع ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.114‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫اح َق َال‪ :‬وال َّله َل َقدْ َق َال لِي َج ْع َف ُر ْب ُن ُم َح َّم ٍد ‪« :‬إِ َّن ال َّله َع َّل َم َنب َّيه ال َّتنْز َ‬
‫يل والتَّأو َ‬
‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( ( صحيحة َأبِي َّ‬
‫الص َّب ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله (ص) َعل ّي ًا ‪َ ‬ق َال‪ :‬و َع َّل َمنَا وال َّله ُث َّم َق َال‪َ :‬ما َصنَ ْعت ُْم م ْن َش ْيء َأ ْو َح َل ْفت ُْم َع َل ْيه م ْن َيم ٍ‬
‫َف َع َّل َمه َر ُس ُ‬
‫في تَق َّية َف َأ ْنت ُْم منْه في َس َعة»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .442‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.286‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪234‬‬
‫أن البعض منهم كان يصلي بصالتهم مؤتم ًا باإلمام‪ ،‬دون أن يقرأ لنفسه‪ ،‬فلو كان ال‬ ‫شك ّ‬
‫يكتفى بالصالة خلفهم لن ّبه على ذلك‪ ،‬لحصول الغفلة عنه‪ ،‬مع أننا لم نجد شيئ ًا من ذلك في‬
‫األخبار باعتراف السيد الخوئي نفسه(((‪.‬‬
‫وهذا هو الظاهر من كالم اإلمام الخميني أيض ًا‪ ،‬حيث قال‪« :‬مع ّ‬
‫أن الصالة معهم كانت‬
‫األول إلى زمان الغيبة مبتلى بها لألئمة ‪ ‬وأصحابهم ولم يمكن لهم التخلف‬ ‫في العصر ّ‬
‫يحجون معهم طوال أكثر من‬
‫ّ‬ ‫عن جماعاتهم‪ ،‬ومع ذلك كانوا يعتدون بها كما أنّهم كانوا‬
‫مائتي سنة وكان أمر الحج في الوقوفين بيد األمراء‪ ،‬ولم يرد أنهم ‪ ‬أو أصحابهم تخ ّلفوا‬
‫عنهم في ذلك أو ذهبوا سر ًا إلى الموقفين‪ ،‬كما يفعله جهال الشيعة فال شبهة في صحة كما‬
‫ما يؤتى به تقية»(((‪.‬‬
‫‪--2‬أدلة عدم صحة االقتداء‬
‫وأما ما يمكن أن يستدل به لعدم صحة اإلجزاء فهو‪:‬‬
‫ُّ‬
‫الحث على الصالة‬ ‫أوالً‪ :‬ما ذكره السيد الخوئي من ّ‬
‫أن غاية ما جاء في الروايات هو‬
‫معهم ولم يرد عنوان االقتداء بهم‪.‬‬
‫وأن المصلي خلفهم‬‫ويالحظ عليه‪ :‬إنّه قد ورد في بعضها عنوان الصالة خلفهم ّ‬
‫كالمصلي خلف رسول الله (ص)‪ ،‬وهذا ظاهر في االقتداء بهم‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬بل إن بعضها‬
‫صريح في اإلجزاء‪ ،‬وهي قوله في صحيحة زرارة المتقدم‪ّ :‬‬
‫«فإن قراءته تجزيك»‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ما ذكره السيد الخوئي أيض ًا بأنه ورد في الخبر أنهم بمنزلة الجدر‪ ،‬وكما ال معنى‬
‫لالقتداء بالجدر فكذلك الحال في االقتداء بهم‪.‬‬
‫أن الحديث كما قال السيد الخميني ناظر إلى بيان الحكم األولي وصورة‬ ‫ويرد عليه‪ّ :‬‬
‫عدم وجود ضرورة أو تقية للصالة‪ .‬ولذا ختم ‪-‬رحمه الله‪ -‬قائالً‪« :‬وكيف كان فال ينبغي‬
‫الشبهة في صحة الصالة وسائر العبادات المأتي بها على وجه التقية»(((‪.‬‬
‫ومنه يتضح أنه ال يصح االستدالل بكل ما تقدّ م من النهي عن الصالة خلفهم‪ ،‬فهذا كله‬
‫أن في عدم الصحة بالعنوان األولي كالم ًا كما أوضحنا سابق ًا‪.‬‬
‫ناظر إلى العنوان األولي‪ ،‬مع ّ‬

‫(( ( انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.252‬‬


‫((( كتاب الخلل في الصالة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(( ( الرسائل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.200‬‬
‫الف�صل الثاني‬

‫�شرط الإمامية في الأذان‬

‫‪--1‬تحرير محل الكالم‬


‫‪--2‬آراء الفقهاء في المسألة‬
‫‪--3‬أدلة االشتراط‬
‫‪--4‬الرأي المختار‬
‫ومن الفتاوى المشهورة في هذا المجال هي فتوى اشتراط اإلمامية في المؤذن‪ ،‬فال‬
‫ُيكتفى بأذان غير اإلمامي‪.‬‬
‫والبحث في هذه المسألة سوف يعتمد المنهج ّية المشار إليها أعاله‪ ،‬أي إننا نبدأ‬
‫بتحرير محل الكالم في المسألة‪ ،‬ثم نلقي الضوء على آراء الفقهاء فيها‪ ،‬لندخل بعد ذلك في‬
‫استعراض أدلة الشرط المذكور‪ ،‬ونختم ببيان الرأي المختار‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬تحرير محل الكالم‬


‫ومحل الكالم هو في االعتماد واالكتفاء بأذانه المستحب مقدمة للصالة‪ ،‬وليس‬
‫المقصود هو أذان اإلعالن بدخول الوقت حيث يراد به االستناد إلى أذانه لمعرفة دخول‬
‫الوقت‪ ،‬فالثاني ليس مورد ًا لإلشكال‪ ،‬فلو كان المسلم اآلخر ثقة وعارف ًا باألوقات يؤخذ‬
‫بقوله‪ ،‬بنا ًء على حج ّية قول الثقة في الموضوعات‪ ،‬وقد د ّلت بعض الروايات على جواز‬
‫ِّ‬
‫«صل الجمعة‬ ‫التعويل على أذانه‪ ،‬ففي خبر ذريح المحاربي قال‪ :‬قال لي أبو عبد الله ‪:‬‬
‫بأذان هؤالء‪ ،‬فإنهم أشدُّ الناس شيئ ًا مواظبة على الوقت»(((‪.‬‬

‫(( ( التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .284‬والفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .189‬وعنهما وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،378‬الباب ‪ 3‬من‬
‫أبواب األذان واإلقامة‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪236‬‬
‫ومع اتضاح ذلك نأتي على بحث المسألة‪ ،‬فنبدأ بأقوال الفقهاء‪ ،‬ثم نتوجه إلى البحث‬
‫االجتهادي في المسألة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬آراء الفقهاء في الم�س�ألة‬


‫لم أجد تنصيص ًا على شرط اإلمامية في كلمات الفقهاء المتقدمين‪ ،‬وإنما نصوا على‬
‫شرط اإلسالم‪ ،‬قال المحقق‪« :‬ويعتبر فيه (المؤذن)‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والذكورة»(((‪ ،‬وقد أورد غير‬
‫عمار اآلتية في االستدالل على شرط اإلسالم في المؤذن(((‪.‬‬
‫واحد منهم رواية ّ‬
‫(((‬
‫وأول من عثرنا على تنصيصه على إمامية المؤذن واالستدالل عليه هو الشهيد األول‬
‫ثم الشهيد الثاني في أكثر من كتاب من كتبه(((‪ ،‬وقد استظهر عدم شرط اإلمامية من‬ ‫ومن ّ‬
‫ُ‬
‫اإليمان؟ ظاهر‬ ‫كالم العالمة‪ ،‬قال الشهيد الثاني «وهل يشترط في المؤ ّذن مع اإلسالم‬
‫العبارة عدم اشتراطه‪ ،‬وين ّبه عليه أيض ًا حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤ ّذن‪ ،‬فإنّه يشمل‬
‫فإن غير الناسي من المؤمنين ال يترك منه شيئ ًا‪ ،‬بل لو‬
‫بإطالقه المخالف‪ ،‬بل هو ظاهر فيه‪ّ ،‬‬
‫«واألصح اشتراط اإليمان مع اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫تركه اختيار ًا‪ ،‬لم يعتدّ بأذانه»(((‪ .‬وقال ‪-‬رحمه الله‪:-‬‬
‫النبي (ص)‪« :‬يؤ ّذن لكم خياركم»‪ ،‬خرج منه ما أجمع على جوازه‪ ،‬فيبقى الباقي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لقول‬
‫ولقول الصادق ‪« :‬ال يجوز أن يؤ ّذن إال رجل مسلم عارف» ولكونه أمين ًا‪ .‬ولرواية معاذ‬
‫بن كثير اآلتي حكمها في آخر الباب عن أبي عبد ال َّله ‪« ‬إذا دخل الرجل المسجدَ وهو‬
‫يأتم بصاحبه فخشي إن هو أ ّذن وأقام أن يركع فليقل‪ :‬قد قامت الصالة» إلى آخره‪ ،‬وهو‬ ‫ال ّ‬
‫نقص‬
‫الخالف ال ُ‬
‫ُ‬ ‫أتمه ّ‬
‫ألن المانع‬ ‫الذي اختاره الشهيد ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬فال يعتدّ بأذانه وإن ّ‬
‫الفصول»(((‪ .‬ويشعر كالم السيد العاملي في المدارك بوجود كالم وخالف في المسألة‪،‬‬
‫قال‪« :‬واألصح اشتراط اإليمان أيض ًا‪ ،‬لبطالن عبادة المخالف‪ ،‬ولرواية عمار السابقة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬

‫(( ( شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.59‬‬


‫((( مقتصرين على فقرة‪« :‬ال يجوز أن يؤذن إال رجل مسلم عارف»‪ ،‬انظر‪ :‬المعتبر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .125‬وتذكرة‬
‫الفقهاء‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .65‬وذكرى الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.219‬‬
‫((( قال في الدروس‪« :‬ويعتد بأذان المميز ال غيره‪ ،‬وبأذان الفاسق‪ ،‬خالف ًا البن الجنيد‪ ،‬ال بأذان المخالف»‪،‬‬
‫انظر‪ :‬الدروس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،102‬مؤسسة الطبع التابعة لآلستانة الرضوية‪.‬‬
‫(( ( منها‪ :‬روض الجنان‪ ،‬ومنها‪ :‬الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫(( ( روض الجنان في شرح إرشاد األذهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.647‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.648‬‬
‫‪237‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن المراد بالمعرفة الواقعة فيها اإليمان»(((‪ّ .‬‬
‫فإن التعبير باألصح يشعر بوجود رأي‬ ‫الظاهر ّ‬
‫آخر‪ ،‬ونحوه ما ذكره الميرزا القمي(((‪ ،‬وذكر الشيخ يوسف البحراني ّ‬
‫بأن «ظاهر عبارات‬
‫أكثر األصحاب اشتراط مجرد اإلسالم فيكفي أذان المخالف بناء على حكمهم بإسالمه»(((‪.‬‬
‫وأوضح منها في الداللة على وجود الخالف في المسألة هو كالم السيد علي الطبطبائي‪،‬‬
‫قال‪« :‬وفي اشتراط اإليمان قوالن‪ :‬ظاهر األكثر‪ ،‬ال للنصوص الظاهرة في جواز االعتماد‬
‫واألصح اشتراطه وفاق ًا لجماعة»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على أذان هؤالء‪..‬‬
‫وممن أشار إلى عدم خلو المسألة من اإلشكال على صعيد الدليل‪ :‬المحقق‬
‫األردبيلي‪ ،‬حيث قال‪« :‬وأما األذان خلف غير المرضي‪ ..‬فدليله بعض األخبار الدالة‬
‫على اإليمان في المؤذن وإن كان ظاهر بعض األخبار‪ :‬االكتفاء باإلسالم بل جواز‬
‫تقليد مؤذنيهم في الوقت(((‪ .‬والذي يدل على اشتراط اإليمان‪ ،‬هو خبر عمار عن أبي‬
‫عبد الله ‪.(((»..‬‬
‫وهكذا فقد توالت بعد ذلك الفتاوى المؤكدة على شرط اإلمامية(((‪.‬‬

‫ثالث ًا‪� :‬أدلة اال�شتراط‬


‫استدل الفقهاء على شرط ّية اإلمامية بعدة وجوه‪ ،‬ويالحظ أنّه قد غاب عن االستدالل‬
‫أن غير المؤمن ليس عادالً‪ ،‬ولع ّله لعدم الدليل على‬
‫هنا‪ ،‬ما هو مذكور في موارد أخرى‪ ،‬من ّ‬
‫نص بعضهم على كفاية األذان من الفاسق(((‪ ،‬وبصرف‬ ‫شرطية العدالة في المقام‪ ،‬ومن هنا ّ‬

‫مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.269‬‬ ‫(( (‬


‫غنائم األيام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.431‬‬ ‫((( ‬
‫الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.333‬‬ ‫(( (‬
‫رياض المسائل‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.297‬‬ ‫(( (‬
‫منها‪ :‬ما روي عن أبي عبد الله ‪« :‬صل الجمعة بأذان هؤالء فإنهم أشد شيء مواظب ًة على الوقت»‪.‬‬ ‫(( (‬
‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.177‬‬ ‫(( (‬
‫انظر على سبيل المثال‪ :‬كشف اللثام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.364‬‬ ‫((( ‬
‫ً‬
‫قال في مدارك األحكام‪« :‬يستحب في المؤذن المنصوب في البلد أن يكون متصفا بأمور‪ :‬أحدها‪:‬‬ ‫(( (‬
‫العدالة‪ ،‬لقوله (ص)‪« :‬يؤذن لكم خياركم» وقوله ‪« :‬المؤذن مؤتمن» وألنه ربما قلده ذوو األعذار‬
‫إذا كان كذلك‪ ،‬بل قيل بجواز التعويل عليه مطلق ًا‪ .‬وقد قطع المصنف وأكثر األصحاب باالعتداد‬
‫ال فيعتبر أذانه‪ ،‬عم ً‬
‫ال بإطالق األمر‬ ‫ال كام ً‬
‫يصح منه األذان الشرعي لنفسه‪ ،‬لكونه عاق ً‬
‫بأذان الفاسق‪ ،‬ألنه ُّ‬
‫باألذان واالعتداد به للسامع‪ .‬ونقل عن ابن الجنيد أنه منع من االعتداد بأذان الفاسق‪ ،‬وهو ضعيف»‪،‬‬
‫انظر‪ :‬مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.271‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪238‬‬
‫النظر عن ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن االستدالل المذكور غير تام‪ ،‬كما ذكرنا ذلك غير مرة في ثنايا هذه‬
‫البحوث‪ ،‬وإنما استدلوا بوجوه أخرى‪:‬‬
‫الوجه األول‪ّ :‬‬
‫إن ذلك مقتضى القاعدة‪ ،‬أعني قاعدة بطالن عبادة غير الشيعي(((‪.‬‬
‫ولك َّن هذا االستدالل غير تام‪ ،‬لما عرفته سابق ًا من عدم تمام ّية هذه القاعدة‪.‬‬
‫إن غير االثني عشري ليس أمين ًا فال يعتد بأذانه‪ ،‬قال كاشف اللثام‪:‬‬ ‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫«ويشترط االيمان‪ ،‬فال عبرة بأذان غير االثني عشري وإن وافق أذانهم‪ ،‬ألنه ليس أمين ًا‪.(((»..‬‬
‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫إن األمانة التي ُيدعى انتفاؤها عن اآلخر‪ ،‬إما أن يراد بها األمانة الدينية‪،‬‬
‫بمعنى أنّه ال يؤتمن على األذان شرع ًا وال يعهد إليه به وال يصح منه بسبب عدم اعتقاده‬
‫بإمامة األئمة من أهل البيت ‪ ،‬أو األمانة التشخيصية‪ ،‬بمعنى أنه ال يؤتمن على تشخيص‬
‫األوقات‪ ،‬فإن أريد األول‪ ،‬فهذه مصادرة واضحة‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬وشرطيتها تحتاج إلى‬
‫المقصر‪ ،‬واألول بسبب جحوده والثاني‬ ‫ّ‬ ‫دليل وهو مفقود‪ ،‬إال في العالم الجاحد والجاهل‬
‫ال من الناحية الدينية‪ ،‬بيد أنه ال يؤتمن‬ ‫لتقصيره‪ .‬وإن أريد الثاني‪ ،‬أي إن اآلخر ولو كان أه ً‬
‫على األذان وال يعتد بأذانه بسبب وجود االختالف بيننا وبينه في تحديد بعض األوقات‪،‬‬
‫إن األمانة على دخول الوقت قد تتوفر في المسلم اآلخر‪ ،‬إما‬ ‫كوقت الغروب مثالً‪ ،‬فيرده‪ّ :‬‬
‫جزئي ًا وذلك بالنسبة لألوقات المتفق عليها بيننا وبينهم‪ ،‬كوقت صالة الظهر‪ ،‬أو المغرب بناء‬
‫على االكتفاء بسقوط القرص‪ ،‬وكذلك بالنسبة للفجر‪ ،‬وإ ّما كلي ًا‪ ،‬وذلك كما لو التزم المسلم‬
‫اآلخر بشروطنا في دخول الوقت وتحقق الوثوق بأذانه‪ .‬وقد تقدّ م في الخبر االجتزاء بأذان‬
‫المؤذنين من المذهب اآلخر‪ ،‬ألنّهم «أشدّ شيئ ًا مواظبة على الوقت»‪ ،‬وورد في العديد من‬
‫الروايات(((جواز التعويل في دخول الوقت على المؤذنين مع أنهم كانوا في تلك األعصار‬
‫في معظمهم من غير الشيعة‪.‬‬

‫((( غنائم األيام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.431‬‬


‫((( كشف اللثام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.364‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،378‬الباب ‪ 3‬من أبواب األذان واإلقامة‪ .‬ففي الخبر في (قرب اإلسناد)‬
‫عن عبد الله بن الحسن‪ ،‬عن جده علي بن جعفر‪ ،‬عن أخيه‪ ،‬قال‪ :‬سألته عن رجل صلى الفجر في يوم‬
‫غيم أو في بيت‪ ،‬وأذن المؤذن وقعد وأطال الجلوس حتى ّ‬
‫شك فلم يدر هل طلع الفجر أم ال؟ فظن‬
‫أن المؤذن ال يؤذن حتى يطلع الفجر؟ قال أجزاه أذانهم» ‪ .‬وفي المرسل الذي رواه الصدوق‪« :‬قال‬
‫الصادق ‪ :‬في المؤذنين‪ :‬إنهم األمناء»‪ ،‬إلى غير ذلك من األخبار‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الوجه الثالث‪ :‬النصوص الروائية الخاصة في المسألة‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما روي عن رسول الله (ص)‪« :‬يؤمكم أقرؤكم‪ ،‬ويؤذن لكم خياركم»‪.‬‬
‫وهو مروي في الفقيه((( مرس ً‬
‫ال عن علي ‪ ‬عن رسول الله (ص)‪ ،‬ومروي من طرق‬
‫السنة باإلسناد عن ابن عباس عنه (ص)(((‪.‬‬
‫صحت سند ًا‪ ،‬فهي ال تدل على شرط اإليمان‬
‫ويالحظ على االستدالل بها أنها لو ّ‬
‫بالمعنى األخص وذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬لعدم ظهورها في اللزوم الشرطي بقرينة السياق الظاهر في االستحباب‪ ،‬على‬
‫أن األقرئية هي من شروط الكمال ال الصحة‪ّ ،‬‬
‫فإن األقرأ هو األعلم بالقراءة(((‪ ،‬أو‬ ‫اعتبار ّ‬
‫األكثر قراءة لكتاب الله تعالى‪ ،‬كما جاء في رواية أخرى(((‪ ،‬أو األفقه (((وعلى كل هذه‬
‫التقادير‪ ،‬فإن األقرئية ليست شرط ًا في صحة االئتمام في الصالة‪ ،‬وإنّما الشرط هو صحة‬
‫أن الخيرية على إطالقها غير مرادة حتم ًا على سبيل اللزوم‪ ،‬بدليل أنهم‬ ‫القراءة‪ ،‬ويؤيده ّ‬
‫أجمعوا على جواز أذان من ليس عادالً‪ ،‬نعم ال ريب أنها مستحبة‪.‬‬

‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.285‬‬ ‫(( (‬


‫سنن ابن ماجة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .240‬وسنن أبي دواد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .142‬والسنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪،1‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.426‬‬
‫انظر‪ :‬مجمع البحرين‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .340‬نعم لو كان يراد باألقرأ كون غيره ممن يلحن بالقراءة‪ ،‬فللحمل‬ ‫((( ‬
‫على اللزوم الشرطي وجه‪ ،‬وأما ما قد يتمسك به البعض لعدم شرطية سالمة القراءة من أنه قد ورد‬
‫عنه (ص) «سين بالل عند الله شين»‪ ،‬انظر‪ :‬عدة الداعي ونجاح الساعي‪ ،‬ص ‪ .21‬وعنه مستدرك‬
‫الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،278‬الباب ‪ 23‬من أبواب قراءة القرآن‪ ،‬الحديث ‪ ،3‬فهو حديث ضعيف باإلرسال‪،‬‬
‫السنة ذكروا أنّه ال أصل له‪ ،‬انظر‪ :‬البداية‬ ‫ولم يوجد في المصادر الحديثية للفريقين‪ ،‬بل ّ‬
‫إن بعض علماء ُّ‬
‫والنهاية البن كثير الدمشقي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪355‬؛ وج ‪ ،7‬ص ‪ .177‬وقال السيد الخوئي‪« :‬ساقط لضعف‬
‫سنده»‪ ،‬انظر موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪ .120‬أجل‪ ،‬قد تردد هذه الحديث في بعض الكتب‬
‫الفقهية لعلماء الفريقين‪ ،‬قال ابن قدامة متحدث ًا عن كراهة اللحن في األذان‪« :‬فأ ّما إن كان ألثغ لثغ ًة ال‬
‫أن بالالً كان يقول أسهد يجعل الشين سين ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬المغني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.445‬‬ ‫تتفاحش جاز أذانه‪ ،‬فقد روي ّ‬
‫«يستحب أن يكون فصيح ًا‪ ،‬ويكره أن يكون ألثغ‪ ،‬وإن لم يتغ ّير به المعنى جاز‪ ،‬فإنّ‬
‫ّ‬ ‫وقال العالمة الحلي‪:‬‬
‫بالالً كان يجعل الشين سين ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .228‬ونظيره في البيان للشهيد‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫أن هذا الحديث وارد في األذان‪ ،‬بينما فقرة «يؤمكم أقرأكم» ناظرة إلى القراءة في الصالة‪.‬‬ ‫على ّ‬
‫السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.125‬‬ ‫(( (‬
‫بنا ًء على أن «المتعارف كان في زمانه (ص) أنهم إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه»‪ ،‬انظر حول هذا‬ ‫((( ‬
‫الموضوع‪ :‬الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.209‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪240‬‬
‫إن الخير ّية عندما ترد في كالم النبي (ص) فليس نظره إلى الخيرية في المذهب‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫وإنما إلى الخير ّية في أصل الدين‪ ،‬لجهة االعتقاد وااللتزام بهذا الدين عقيدة وشريعة‪ ،‬ومن‬
‫هنا جاءت كاف الخطاب وميم الجمع «خياركم» في إشارة إلى المسلمين‪ ،‬ومن يخرج عن‬
‫هذا الدين وتعاليمه وعقائده عن تعمد واختيار فهذا ال يعدّ خ ِّير ًا‪.‬‬
‫إن السني الملتزم بتعاليم الدين في الجملة والذي ال يعتدي وال يظلم وال‬ ‫باختصار‪ّ :‬‬
‫يغش وال يتجاوز حقوق الناس وحقوق الله‪ ،‬يصدق عليه أنه خ ِّير‪ ،‬أو من خيار المسلمين‪ .‬بل‬
‫إن كلمة الخ ّير يمكن أن تطلق على غير المسلم في بعض األحيان‪ ،‬ولكنه هنا خارج بضمير‬ ‫ّ‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫ار الساباطِي َعن َأبِي َعب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ :‬س ِئ َل َع ِن األَ َذ ِ‬
‫ان َه ْل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬موثقة َع َّم ٍ َّ َ ِّ ْ‬
‫ول َي ُجو ُز َأ ْن ُي َؤ ِّذ َن بِه إِ َّل َر ُج ٌل ُم ْسلِ ٌم‬‫ان َ‬ ‫يم األَ َذ ُ‬ ‫ِ‬
‫«ل َي ْستَق ُ‬ ‫ف؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ار ٍ‬‫ُون ِم ْن َغ ْي ِر َع ِ‬ ‫وز َأ ْن َيك َ‬‫َي ُج ُ‬
‫ِ (((‬
‫ول ُي ْقتَدَ ى به» ‪.‬‬ ‫ول إِ َق َامتُه َ‬ ‫ان َف َأ َّذ َن بِه‪ ،‬وإِ ْن َل ْم َيك ُْن َع ِ‬
‫ارف ًا َل ْم ُي ْج ِز َأ َذانُه َ‬ ‫ِ‬
‫ف‪َ ،‬فإِ ْن َعل َم األَ َذ َ‬ ‫َع ِ‬
‫ار ٌ‬
‫وقفة مع اختالف النسخ‬
‫وقبل التعليق على االستدالل بهذه الصحيحة‪ ،‬نتوقف عند فقرتين منها وقعتا مورد ًا‬
‫الختالف النسخ‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬قوله ‪َ « :‬فإِ ْن َعلِ َم األَ َذ َ‬
‫ان َف َأ َّذ َن بِه‪ ،‬وإِ ْن َل ْم َيك ُْن َع ِ‬
‫ارف ًا َل ْم ُي ْج ِز َأ َذانُه»‪ ،‬فإنها‬
‫وردت هكذا بحسب نقل الكافي‪ ،‬وأما بحسب نقل الشيخ في التهذيب فجاءت العبارة هكذا‪:‬‬
‫«فإن علم األذان فأ ّذن به ولم يكن عارف ًا لم ُيجز أذانه»(((‪ ،‬وبنا ًء على النسخة األولى‪ ،‬فيكون‬
‫ْ‬
‫فاعل « َع ِل َم» هو العارف‪ ،‬وجواب الشرط محذوف وتقديره‪« ،‬فهو المطلوب»‪ ،‬وحذف‬
‫الشرط في مثل هذه الموارد متعارف‪ ،‬والمقصود بنا ًء على ذلك واضح‪ ،‬وكأن اإلمام ‪‬‬
‫يريد إضافة شرط على أذان العارف وهو أن يعلم باألذان‪ .‬وأ ّما بنا ًء على نسخة التهذيب ّ‬
‫فإن‬
‫فاعل «علم» هو المؤذن والمراد به بحسب السياق غير العارف‪ ،‬وعليه تكون الرواية دالة على‬
‫أن كلتا النسختين محتملة وله‬‫أن غير العارف ولو كان عالم ًا باألذان فال يعتد بأذانه‪ .‬ويبدو ّ‬
‫وجه مناسب‪ ،‬وقد ت َُر َّجح نسخة الكليني لما هو معروف من شدة ضبطه وإتقانه‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قوله ‪ ‬في آخر الرواية «وال يقتدى به» ففي نسخة أخرى‪« :‬وال يعتدّ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.304‬‬


‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.277‬‬
‫‪241‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫به»(((‪ ،‬وبنا ًء على النسخة األولى‪ ،‬فمرجع الضمير إلى شخص المؤذن‪ ،‬وعليه فاالقتداء‬
‫ال آخر يضاف إلى‬ ‫المنفي يرجع ‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬إلى االقتداء به في الصالة‪ ،‬فتكون دلي ً‬
‫النصوص المتقدمة في البحث السابق والتي استدل بها لشرطية اإلمامية في إمام الصالة‪،‬‬
‫فإن مرجع الضمير هو إلى األذان‪ ،‬وحيث‬ ‫وأما على النسخة الثانية‪ ،‬أعني قوله‪« :‬وال يعتد به» ّ‬
‫إن كلتا النسختين محتملتان ومناسبتان للسياق والمرجح لواحدة منهما مفقود‪ ،‬فال يصح‬ ‫ّ‬
‫ال على عدم جواز االقتداء به في الصالة‪.‬‬‫اعتماد الرواية دلي ً‬
‫العودة إلى االستدالل‬
‫وبالعودة إلى االستدالل بالرواية‪ ،‬فإنها د ّلت على عدم إجزاء أذان المسلم اآلخر‪ ،‬ألنّه‬
‫المراد بغير العارف‪ ،‬والمتأمل في روايات األئمة ‪ ‬يالحظ أنهم أطلقوا مصطلح العارف‬
‫أن المراد بالعارف‪ :‬المؤمن‪،‬‬ ‫على المؤمن بإمامتهم‪ ،‬كما استظهر الشهيد الثاني‪« :‬والظاهر ّ‬
‫كما هو مستعمل في مواضع كثيرة»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على االستدالل المذكور‪ّ ،‬‬
‫بأن عدم قبول األذان من غير العارف محتمل‬
‫لتفسيرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬كون اإلمامية شرط ًا في صحة األذان‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬نقص األذان الذي يأتي به غير العارف‪ ،‬على اعتبار أنه ينقص منه فقرة «حي على‬
‫خير العمل»‪ ،‬كما هو معروف‪.‬‬
‫وحمل الرواية على إرادة المعنيين تمسك ًا باإلطالق وعدم االستفصال‪ ،‬ما يعني أنه‬
‫ال يعتد بأذانه وال يكتفى به حتى لو كان كام ً‬
‫ال هو رهن عدم قيام دليل أو قرينة على إرادة‬
‫أن التفسير الثاني هو األرجح وال شمول للرواية لألول‪ ،‬وذلك لبعض‬ ‫أحدهما‪ ،‬والظاهر ّ‬
‫القرائن اآلتية‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الر�أي المختار‬


‫والرأي األرجح واألقرب في المقام هو إمكان االعتداد بأذانه واالجتزاء به‪ ،‬مع تتميم‬

‫(( ( انظر‪ :‬هامش الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .304‬والحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.333‬‬
‫((( الفوائد المل ّية‪ ،‬ص ‪ .139‬وقال الفيض الكاشاني‪« :‬المراد بالعارف العارف بإمامة األئمة ‪ ..‬فإنه بهذا‬
‫المعنى في عرفهم»‪ ،‬انظر‪ :‬الوافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.591‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪242‬‬
‫ما نقص منه‪ ،‬وذلك‪ ،‬استناد ًا إلى بعض األخبار‪ ،‬ففي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ‪‬‬
‫فأتم ما ن ّقص هو من أذانه»(((‪.‬‬
‫قال‪« :‬إذا أذن مؤذن فن ّقص األذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه َّ‬
‫يدل عليه فعل «ن ّقص»‪ ،‬وهذا ال‬‫ص من أذانه متعمد ًا‪ ،‬كما ّ‬
‫وهي بحسب الظاهر واردة فيمن ن ّق َ‬
‫يكون عادة إال عن اعتقاد يدفعه إلى التنقيص‪ ،‬وهو ما يفعله المسلم اآلخر‪ ،‬أ ّما الشيعي فال‬
‫يتعمد التنقيص‪ ،‬بل لو تعمد التنقيص‪ ،‬فيمكن القول بعدم االعتداد بأذانه حتى مع تتميمه‪،‬‬
‫كما ذكر الشهيد الثاني في كالمه وسيأتي‪ .‬وهذه الرواية هي القرينة على ترجيح التفسير الثاني‬
‫في موثقة عمار المتقدمة‪ ،‬وبذلك يحصل الجمع بين الصحيحة والموثقة‪ .‬وال تصح دعوى‬
‫كون الموثقة أخص((( من الصحيحة‪ ،‬فتقدم عليها تقدم الخاص على العام‪.‬‬
‫وأوضح من تلك الصحيحة دالل ًة مرسل ُة المبسوط‪ ،‬قال‪« :‬وروي((( أنه يقول‪( :‬حي على‬
‫خير العمل) دفعتين‪ ،‬ألنه لم يقل ذلك»(((‪ .‬فهذه واردة على الظاهر في المسلم غير الشيعي‪ ،‬وعليه‬
‫فلو كان أذان المسلم اآلخر غير مجزئ وال يعتد به مطلق ًا فال وجه لتتميم نقصه‪ ،‬وإنما كان الالزم‬
‫إعادة األذان‪ ،‬وما ذكرناه هو ما فهمه بعض الفقهاء‪ ،‬وقد تقدّ م كالم الشهيد الثاني (مع أنه تب ّين‬
‫شرط اإلمامية)‪ ،‬حيث قال‪« :‬وين ّبه عليه (عدم اشتراط اإلمامية) أيض ًا حكمهم باستحباب قول ما‬
‫فإن غير الناسي من المؤمنين ال‬ ‫يتركه المؤ ّذن‪ ،‬فإنّه يشمل بإطالقه المخالف‪ ،‬بل هو ظاهر فيه‪ّ ،‬‬
‫يترك منه شيئ ًا‪ ،‬بل لو تركه اختيار ًا‪ ،‬لم يعتدّ بأذانه»(((‪ .‬وعدم االعتداد في حال ترك اإلمامي األذان‬
‫اختيار ًا لعله لبطالنه وفق اعتقاد المؤذن نفسه‪ ،‬فال يعتد به المؤذن فض ً‬
‫ال عن غيره‪.‬‬
‫إن صحيحة ابن سنان ناظرة إلى صورة سماع أذان الغير‪ ،‬فيحكم باالجتزاء‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مع تتميم ما نقص‪ ،‬وكالمنا في االجتزاء بأذانه ولو لم يسمعه‪ ،‬نظير االجتزاء بأذان‬ ‫به‬
‫اإلمام الشيعي ولم يسمعه المأموم في صالة الجماعة‪.‬‬
‫إن الصحيحة ال مجال لحملها على صورة السماع‪ ،‬كما ذكر ذلك‬ ‫ولكن الجواب‪ّ :‬‬
‫بعض الفقهاء‪ .‬قال السيد الخوئي تعليق ًا على الصحيحة‪ّ :‬‬
‫«إن موردها االجتزاء بنفس األذان‬

‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.280‬‬ ‫((( ‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫أن الموثقة تنص على عدم صحة أذان غير العارف ولو أتى به تاما‪ ،‬والصحيحة تدل على أن كل‬ ‫بدعوى ّ‬ ‫(( (‬
‫من أنقص في أذانه فيعتد بأذانه مع تتميم النقص عارف ًا كان أم غير عارف‪ ،‬وعليه فتكون الموثقة أخص‪.‬‬
‫لم نعثر على رواية بهذا المعنى بخصوصه ولم يشر إليها أحد من المحققين‪ ،‬ولعل نظره إلى صحيحة‬ ‫(( (‬
‫ابن سنان‪ ،‬أو رواية أخرى ولم تصلنا‪.‬‬
‫المبسوط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.99‬‬ ‫((( ‬
‫روض الجنان في شرح إرشاد األذهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.647‬‬ ‫(( (‬
‫‪243‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن في األذان نسبتين‪ ،‬نسبة إلى القائل‬‫ال بسماعه‪ ،‬فيختص بصالة الجماعة حيث تقدم ّ‬
‫والموجد‪ ،‬ونسبة إلى السامع‪ ،‬والملحوظ في الصحيحة هي النسبة االيجادية من غير نظر‬
‫إلى حيثية السماع بوجه‪ .‬ومن ثم قال ‪« :‬وأنت تريد أن تصلي بأذانه» ولم يقل بسماع‬
‫أذانه‪ ،‬وهذا من مختصات صالة الجماعة‪ ،‬حيث يكفي صدور األذان من أحدهم عن الباقين‬
‫فيصلون بأذانه وإن لم يسمعوه‪ .‬إذ ًا فتتميم النقص الذي تضمنته الصحيحة ناظر إلى هذه‬
‫الصورة‪ .‬أ ّما من يكتفي بمجرد السماع الذي هو محل الكالم فال دليل فيه على جواز التتميم‬
‫بل لو نقص البعض استأنف األذان من األصل لما عرفت من ظهور دليله في سماع األذان‬
‫الكامل دون الناقص لنسيان ونحوه»(((‪.‬‬
‫أن السيد الخوئي وبالرغم من تأكيده على شرط اإلمامية في‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫المؤذن‪ ،‬استناد ًا إلى موثقة عمار المتقدمة‪ ،‬فإنّه قد ّفرق بين ذلك وبين االكتفاء بسماع أذان‬
‫ألن العبرة بالسماع‪ ،‬والمفروض‬‫المسلم اآلخر‪ ،‬قال‪« :‬نعم‪ ،‬يجزي سماع أذان المخالف ّ‬
‫دل على تتميم‬‫أن السامع مؤمن‪ ،‬غايته أن يتم ما نقصه بمقتضى مذهبه‪ ،‬أخذ ًا بإطالق ما ّ‬ ‫ّ‬
‫النقص((( حسبما تقدم‪ ،‬فال مالزمة بين المسألتين»(((‪.‬‬
‫إن محصل رأيه في المسألة هو اشتراطه اإليمان‬ ‫أقول تعليق ًا على كالم السيد الخوئي‪ّ :‬‬
‫بالمعنى األخص في المؤذن مع التزامه بكفاية سماع أذان المسلم اآلخر وتتميم نقصه‪ ،‬أما إذا‬
‫لم يسمعه فال يكتفي بأذانه‪ ،‬وهذا الرأي له ثمرة عملية وحيدة وهي صورة عدم سماع األذان‪،‬‬
‫عمن لم يسمعه‪ ،‬ففي هذه‬ ‫وهذا ينحصر بصالة الجماعة‪ ،‬حيث يقال فيها بسقوط األذان حتى ّ‬
‫الصورة ال يجتزئ بأذان غير اإلمامي‪.‬‬
‫أن السيد ‪-‬رحمه الله‪ -‬يكتفي بسماع األذان من اآلخر‬ ‫أن ظاهر العبارة األخيرة ّ‬
‫ومع ّ‬
‫ال على ما تقدم في كالمه‪ .‬بيد ّ‬
‫أن ذيل كالم السيد الخوئي هنا ال‬ ‫مع تتميم ما نقص منه‪ ،‬محي ً‬

‫(( ( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ .311‬وقال رحمه الله قبيل ذلك‪« :‬لألذان نسبتان‪ ،‬نسبة إلى المؤذن‬
‫ونسبة إلى السامع والظاهر من الصحيحة أن المجزي إنما هو األذان باعتبار صدوره ال باعتبار سماعه‪،‬‬
‫لقوله ‪« :‬إذا أ ّذن مؤذن» ولم يقل إذا سمعت أذان مؤذن فال جرم تختص بأذان الجماعة حيث إنه‬
‫يجزي أذان اإلمام وإن لم يسمعه المأموم وبالعكس‪ ،‬فإذا نقص شيء من أذان أحدهما أتمه اآلخر‪ ،‬فال‬
‫ربط لها باالجتزاء من حيث السماع الذي هو محل الكالم»‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.308‬‬
‫((( ليس لدينا ما يستفاد منه تتميم النقص إال صحيحة ابن سنان‪ ،‬وعليه فيكون السيد معترف ًا بشمولها‬
‫للمسلم اآلخر‪.‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.325 - 324‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪244‬‬
‫أصر عليه في كال ٍم له سابق عليه‪ ،‬حيث رفض االجتزاء بسماع األذان الناقص‬‫ينسجم مع ما ّ‬
‫ألن دليله هو صحيحة ابن سنان‪ ،‬وهي ال نظر فيها إلى صورة السماع‪ ،‬كما‬ ‫حتى مع تتميمه‪ّ ،‬‬
‫قال‪ ،‬فالسماع عنده إنما يكون مجزي ًا في صورة سماع األذان كامالً‪.‬‬
‫إن مقتضى الجمع بين موثقة عمار وصحيحة ابن سنان هو االجتزاء‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫بأذان اآلخر فيما لو ت ُِّم َم نقصه‪ ،‬وأما في حال عدم تتميمه فال يعتد به‪.‬‬
‫الف�صل الثالث‬

‫�شرط الإمامية في تغ�سيل الميت‬

‫المبحث األول‪ :‬هل يجب تغسيل غير اإلمامي؟‬


‫‪--1‬أقوال الفقهاء في المسألة‬
‫‪--2‬وقفات نقدية مع كلمات الفقهاء‬
‫‪--3‬البحث االستداللي‪ :‬بيان أدلة األقوال‬
‫المبحث الثاني‪ :‬هل يجزي تغسيل غير اإلمامي لإلمامي أو لغيره؟‬
‫غسل غير اإلمامي ميت ًا مسلم ًا إمامي ًا‬
‫‪--1‬حكم ما لو ّ‬
‫غسل غير اإلمامي نظيره في المذهب‪.‬‬ ‫‪--2‬حكم ما لو ّ‬
‫هل المماثلة في المذهب شرط في وجوب الغسل أو في صحته أم ال؟ وإذا كانت شرط ًا‬
‫في الصحة‪ ،‬فهل غسل غير اإلمامي باطل في نفسه وال يعتد به‪ ،‬فيجب ترتيب أثر البطالن‬
‫عليه وإعادته في مطلق المسلم أو في خصوص االثني عشري؟‬
‫وعليه فلدينا مبحثان‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ما هو الحكم التكليفي في تغسيل غير اإلمامي؟‬
‫المبحث الثاني‪ :‬هل يجزي تغسيل غير اإلمامي لإلمامي أو لغيره أم ال؟‬

‫المبحث الأول‪ :‬هل يجب تغ�سيل غير الإمامي؟‬


‫بعد الفراغ فقهي ًا من وجوب تغسيل المسلم اإلمامي‪ ،‬يقع السؤال‪ :‬هل يجب على‬
‫محرم؟‬
‫المسلم اإلمامي تغسيل غير اإلمامي أم ال يجب؟ أم هو ّ‬
‫�أو ًال‪� :‬أقوال الفقهاء في الم�س�ألة‬
‫ثم نعطف الكالم على ما يقتضيه‬
‫وفي البدء نطل على أقوال الفقهاء في المسألة‪ ،‬ومن ّ‬
‫الدليل‪ .‬واألقوال في المسألة ثالثة‪:‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪246‬‬
‫األول‪ :‬القول بالوجوب‬
‫وقد تبناه جمع من األعالم‪ ،‬وهو المشهور بين األصحاب‪ ،‬كما قال المحقق السبزواري‪:‬‬
‫أن األحكام المذكورة واجبة بالنسبة إلى المسلم ومن هو في حكمه مطلق ًا‪،‬‬ ‫«والمشهور ّ‬
‫يجوزوا تغسيل المخالف‪ ،‬والقول بعدم وجوب‬ ‫وخالف فيه جماعة من األصحاب فلم ّ‬
‫ب هذا القول إلى الشهرة أيض ًا العالم ُة المجلسي ‪ ،‬وفي‬
‫(((‬
‫قوة»(((‪ .‬ون ََس َ‬
‫تغسيلهم ال يخلو عن ّ‬
‫الرياض‪« :‬واألكثر على الوجوب» ‪ .‬وهو اختيار العالمة في قواعد األحكام‪ ،‬قال‪« :‬ويجب‬
‫(((‬

‫ٍ‬
‫مظهر للشهادتين وإن كان مخالف ًا عدا الخوارج والغالة»(((‪.‬‬ ‫تغسيل كل‬
‫وقال في إرشاد األذهان‪« :‬في غسل األموات‪ ،‬وهو فرض على الكفاية ‪ -‬وكذا باقي‬
‫المخالف غس َله»(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أحكامه ‪ -‬لكل ميت مسلم‪ ،‬عدا الخوارج والغالة‪ ،‬و ُي َغ َس ُل‬
‫الثاني‪ :‬القول بالكراهة‬
‫يغسل أهل‬‫وقد تبناه جمع من الفقهاء‪ ،‬قال الشيخ الطوسي‪« :‬وال ينبغي للمؤمن أن ِّ‬
‫غسله غسل أهل الخالف‪ ،‬وال يترك معه جريدة»(((‪ّ .‬‬
‫فإن عدم االنبغاء‬ ‫الخالف فإن اضطر إليه ّ‬
‫ظاهر في الكراهة‪.‬‬
‫وقال المحقق الحلي‪« :‬ويكره‪ :‬أن يجعل الميت بين رجليه‪ ..‬وأن ُي َغ ِّس َل مخالف ًا‪ ،‬فإن‬
‫اضطر غسله غسل أهل الخالف»(((‪.‬‬
‫قال ابن سعيد الحلي‪« :‬ويكره تغسيل المخالف‪ ،‬فإن اضطر َغ َّس َله ُغ ْس َلهم ولم يقربه‬
‫جريدة»(((‪.‬‬
‫وقال العالمة الحلي‪« :‬ويكره أن يغسل مخالف ًا‪ ،‬فإن اضطر غسله غسل أهل الخالف»(((‪.‬‬

‫كفاية الفقه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.32‬‬ ‫((( ‬


‫قال رحمه الله‪« :‬والمشهور وجوب غسل من عدا الخوارج والغالة والنواصب والمجسمة من فرق‬ ‫(( (‬
‫المسلمين»‪ ،‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،78‬ص ‪.298‬‬
‫بحسب ما نقله الشيخ البحراني في الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.409‬‬ ‫(( (‬
‫قواعد األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.223‬‬ ‫(( (‬
‫إرشاد األذهان‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.229‬‬ ‫((( ‬
‫المبسوط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.256‬‬ ‫((( ‬
‫شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.32‬‬ ‫(( (‬
‫الجامع للشرائع‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫((( ‬
‫قواعد األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .224‬ونظيره ما في تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.115‬‬ ‫(( (‬
‫‪247‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وقال الشهيد األول‪« :‬وال يغسل الكافر‪ ،‬ويكره تغسيل المخالف‪ ،‬فإن فعل فليغسله‬
‫تغسيلهم»(((‪.‬‬
‫وأصحاب هذا القول ُيفتون بالجواز على كراهية‪ ،‬كما الحظنا‪ ،‬والجواز هو مقتضى‬
‫األصل‪ ،‬في حال عدم نهوض دليل على الحرمة‪ ،‬وأما الكراهية فهي تحتاج إلى دليل‪ ،‬وهو‬
‫غير تام كما سنرى‪.‬‬
‫أن الحكم بالكراهة هو في صورة وجود مماثله في‬ ‫ويبدو من كالم بعض الفقهاء ّ‬
‫المغسل في الشخص اإلمامي فيجب عليه التغسيل دون‬ ‫ِّ‬ ‫المذهب‪ .‬أما في صورة انحصار‬
‫ٍ (((‬
‫كراهة‪ ،‬قال الشهيد الثاني‪« :‬مع إمكان تغسيل غيره له‪ ،‬وإال تع ّين عليه من غير كراهة» ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬القول بالحرمة‬
‫أن بعض الفقهاء ذهب إلى الحرمة‪ ،‬ومنهم‬ ‫قد عرفت من كالم المحقق السبزواري ّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد من أهل اإليمان أن يغسل مخالف ًا للحق في الوالء‪،‬‬ ‫المفيد‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬وال يجوز‬
‫وال يصلي عليه إال أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية‪ ،‬فيغسله تغسيل أهل الخالف»(((‪.‬‬
‫أن المخالف ألهل الحق‬‫وفي شرحه لهذا الكالم يقول الشيخ الطوسي‪« :‬فالوجه فيه ّ‬
‫كافر‪ ،‬فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إال ما خرج بالدليل‪ ،‬وإذا كان غسل الكافر ال يجوز‬
‫فيجب أن يكون غسل المخالف أيض ًا غير جائز»(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬وقفات نقدية مع كلمات الفقهاء‬


‫الوقفة األولى‪ :‬كيف يجتمع الوجوب مع الكراهة؟ وال س ّيما ّ‬
‫أن القول بالوجوب مع‬
‫واحد وفي موضع واحد‪ ،‬كما نالحظ في‬‫ٍ‬ ‫الحكم بكراهة التغسيل ربما وردا في كالم فقيه‬
‫كالم العالمة الحلي ‪-‬رحمة الله‪ -‬في القواعد‪ ،‬فكيف نفهم ذلك؟‬
‫كلي‬ ‫قال الشهيد الثاني‪« :‬وال منافاة بين وجوبه عليه كفاية وكراهته‪ّ ،‬‬
‫ألن محل الوجوب ّ‬
‫مختصة به»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والكراهة‬

‫((( البيان‪ ،‬ص ‪.69‬‬


‫((( حاشية شرائع اإلسالم‪ .51 ،‬ونحوه ما قال في فوائد القواعد‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(( ( المقنعة‪.85 ،‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.335‬‬
‫(( ( فوائد القواعد‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪248‬‬
‫ولكن الكل ّية في الوجوب ال ترفع المشكلة‪ ،‬وإال الجتمع الوجوب الكفائي مع الحرمة‬
‫أن الوجوب‬‫العين ّية أيض ًا بالمالك نفسه‪ ،‬ومنشأ الغفلة في هذا الكالم هو عدم االلتفات إلى ّ‬
‫في المقام وإن كان كفائي ًا لكنه تعييني وليس تخييري ًا‪ ،‬فمع تصدي المكلف للقيام بتغسيل‬
‫ميت معين سيكون واجب ًا ومكروه ًا‪ ،‬وال يجتمع الوجوب ولو كان كفائي ًا مع الكراهة‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫الكراهة تعني المبغوضية ولو الضعيفة وهي ال تجتمع مع الوجوب الذي يعني المحبوبية‬
‫الشديدة‪.‬‬
‫ويمكن القول في بيان عدم منافاة الوجوب للكراهة‪ ،‬وعدم تهافت الفقهاء في كالمهم‬
‫ّ‬
‫أن الكراهة هنا ال يراد منها المعنى االصطالحي‪ ،‬بل هي‪:‬‬
‫إ ّما بمعنى رجحان تركه إلى غيره‪ ،‬وهذا ال ينافي الوجوب الكفائي(((‪.‬‬
‫وإما إنّها بمعنى قلة الثواب‪ ،‬وهذه ال تنافي الوجوب كما هو واضح‪ ،‬نظير الحكم‬
‫بكراهة الصالة في الحمام‪.‬‬
‫إن المراد بالكراهة في المقام ق ّلة الثواب‬‫أن التفسير الثاني هو األقرب‪ ،‬أي ّ‬
‫والظاهر ّ‬
‫كما هو المصطلح عندهم في باب العبادات‪ ،‬والتغسيل عبادة تحتاج إلى ن ّية القربة‪ ،‬قال‬
‫السيد العاملي‪« :‬والمراد بالكراهة هنا معناها المتعارف في العبادات إن ثبت وجوب تغسيل‬
‫المخالف‪ ،‬وإال كان تغسيله مكروه ًا بالمعنى المصطلح أو محرم ًا»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬الكراهة في العبادات ‪ -‬بمعنى قلة الثواب ‪ -‬ال تناط بكون تغسيله واجب ًا حصر ًا‪،‬‬
‫ولعل منه كراهة قراءة القرآن للحائض‪ ،‬مع كون قراءة‬ ‫بل تتالءم والقول باالستحباب أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫القرآن مستحبة‪ ،‬وعليه‪ ،‬يكون مرجع القول بالكراهة إ ّما إلى الوجوب أو االستحباب لكن‬
‫أقل من ثواب تغسيل المؤمن االثني عشري‪ .‬ويمكن‬ ‫أن ثواب تغسيله ُّ‬
‫مع قلة الثواب‪ ،‬أعني ّ‬
‫أن يكون المقصود بالكراهة هنا رجحان ترك الغسل ليقوم به شخص آخر‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬قال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق‪« :‬وأما ما ذكره المحقق‬
‫من الضرورة‪ ،‬فإنه ال معنى له على القول باإلسالم ووجوب تغسيلهم كما هو مذهبه‪ ،‬بل‬
‫الضرورة إنما تتجه على مذهب من قال بتحريم غسلهم كما تقدم في عبارة المفيد القائل‬
‫بتحريم غسلهم لكفرهم‪ ،‬فإنه قد تلجئه التقية من المخالفين إلى مداخلتهم ومساعدتهم في‬

‫(( ( كما ن ّبه الشيخ األنصاري‪ ،‬انظر‪ :‬القضاء والشهادات‪ ،‬ص ‪.52‬‬


‫(( ( مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.92‬‬
‫‪249‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫مثل هذا وغيره فيغسله غسلهم‪ ،‬وأما من يوجب غسله كغيره من المؤمنين فإنه ال يجد بد ًا من‬
‫القيام به لوجوبه عليه كفاية أو عين ًا إن انحصر األمر فيه‪ ،‬وال يتوقف تغسيله له على الضرورة‪،‬‬
‫نعم ربما تكون الضرورة بالتقية ملجئة إلى االنتقال من غسله غسل أهل الحق إلى تغسيله‬
‫غسل المخالفين‪ ،‬فالضرورة ليست متعلقة بأصل الغسل وإنما هي باالنتقال من أحد الفردين‬
‫إلى اآلخر»(((‪.‬‬
‫ولعل التفسير األقرب للضرورة في كالم المحقق هو أنها متعلقة في الحكم‬ ‫ّ‬ ‫أقول‪:‬‬
‫بالكراهة‪ ،‬فإنه إذا تصورنا اجتماع الكراهة مع الوجوب وفق البيان المتقدِّ م في كالم المحقق‪،‬‬
‫إن أثر االضطرار هو رفع‬ ‫فيمكن تصور توجيه االضطرار بأنه استدراك على الكراهية‪ ،‬أي ّ‬
‫الكراهية‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬الحظنا أن الشيخ الطوسي قد أفتى في التهذيب بالحرمة‪ ،‬بينما ظاهره‬
‫في المبسوط هو الجواز على كراهة‪ ،‬وهذا إ ّما أنّه من تغيير الرأي‪ ،‬فـ«المبسوط» متأخر عن‬
‫«التهذيب»‪ ،‬وال سيما أنّه قد كتب هذا الكالم في شرح «المقنعة» في حياة أستاذه الشيخ‬
‫المفيد‪ ،‬كما يظهر من الدعاء له بالتأييد‪ ،‬وإ ّما أنّه بصدد بيان مدرك أستاذه دون أن يكون بصدد‬
‫تبنيه‪ ،‬ولك ّن الوجه األول هو األرجح‪ ،‬إذ يبدو من سياق كالم الشيخ تبني فتوى أستاذه‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬أدرج بعض الفقهاء المعاصرين كالم الشيخ المفيد المتقدم في عداد‬
‫أقوال فقهاء الشيعة التي «اتفقت على كفر المخالف»(((‪ ،‬وهو استنتاج في غير محله‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫المنع من التغسيل ليس بالضرورة أن يكون مستند ًا إلى الحكم بكفره‪ ،‬فلربما استند إلى بعض‬
‫الوجوه اآلتية التي استند إليها من ال يقول بكفر اآلخر المذهبي‪ ،‬ومما يشهد لما ذكرناه ما‬
‫أن الشيخ المفيد يعتبر أن اإلسالم هو عنوان الكفاءة في‬‫سيأتي في مبحث الزواج من اآلخر ّ‬
‫(مر نقله) ظاهر في‬‫إن كالم الشيخ الطوسي في هذا الموضع من التهذيب ّ‬ ‫الزواج‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫الحكم بكفر المخالف‪ ،‬وهذا أمر «غير معهود من مذهبه»‪ ،‬على حدّ تعبير السيد العاملي‬
‫إن التأمل في تتمة كالم الشيخ تبعث على الشك في إرادة الكفر بمعناه‬ ‫رحمه الله(((‪ .‬بل ّ‬
‫المصطلح‪ ،‬فقد أضاف على كالمه اآلنف مبين ًا حكم الصالة على اآلخر‪ ،‬فقال‪« :‬وأ ّما الصالة‬

‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.411 - 410‬‬


‫((( التكفير في ضوء الفقه الشيعي‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(( ( مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.151‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪250‬‬
‫واألئمة ‪ ‬على المنافقين»(((‪ ،‬فلو كان كافر ًا‬
‫ّ‬ ‫عليه فتكون على حدّ ما كان يصلي النبي (ص)‬
‫لما صحت الصالة عليه‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬البحث اال�ستداللي‪ :‬بيان �أدلة الأقوال‬


‫والعمدة في المقام النظر في األدلة‪ ،‬فإذا نهض دليل على أحد هذه األقوال تع ّين األخذ‬
‫به‪ ،‬وإال فالمرجع هو األصول العمل ّية‪ ،‬فما هو األصل الذي يجري في المقام؟‬
‫إن موردنا هو مجرى ألصالة البراءة عن الوجوب وعن الحرمة عند الشك‬ ‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ قد يقال بجواز التغسيل‪.‬‬ ‫فيهما‪،‬‬
‫ولكن يالحظ عليه‪ :‬بأن المورد (التغسيل) هو من األعمال العبادية‪ ،‬ألننا ال نغسله من‬
‫باب النظافة مثالً‪ ،‬وإنما من باب استحباب التغسيل أو وجوبه‪ ،‬وعليه فنحتاج إلى دليل يدل‬
‫على المشروع ّية‪ ،‬وإال ‪ -‬لو غسل بن ّية العبادة ‪ -‬وقع المكلف في محذور التشريع‪ ،‬ولذا عرف‬
‫أن األصل في العبادات والمعامالت هو الفساد‪ ،‬عند الشك في شرعيتها‪ .‬اللهم إال أن‬ ‫بينهم ّ‬
‫يؤتى بالعمل برجاء المطلوبية‪.‬‬

‫‪1 -1‬دليل القول بالوجوب‬


‫يمكن االستدالل على وجوب غسل كل مسلم‪ ،‬بأحد الوجوه التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬اإلجماع‬
‫حيث ادعي قيام اإلجماع على وجوب تغسيلهم‪.‬‬
‫ولكن هذا االستدالل غير تام‪ ،‬صغرى وكبرى‪ ،‬أ ّما صغروي ًا فلعدم ثبوت اإلجماع‪ ،‬إن‬
‫لم يثبت عدمه‪ ،‬ولذا قال السيد محسن الحكيم اعتراض ًا على دعوى اإلجماع‪ّ ،‬بأنه «ال مجال‬
‫لالعتماد عليها‪ ،‬لما عن المقنعة‪ ،‬والتهذيب والمراسم‪ ،‬والمهذب‪ ،‬والمعتبر من عدم وجوب‬
‫تغسيله‪ ،‬واختاره جماعة من متأخري المتأخرين‪ ،‬منهم السيد في المدارك‪ ،‬وكاشف اللثام‪،‬‬
‫بل ذكر فيه‪ :‬أنه لم ير موافق ًا لمصنفه في التنصيص على الوجوب‪ ،‬واحتمل تنزيل الوجوب‬
‫في كالم مصنفه على الوجوب للتقية‪ ،‬وحكى عن المفيد النص على الحرمة لغير تقية»(((‪.‬‬
‫وقد حاول السيد الحكيم إثبات تحقق اإلجماع‪ ،‬بأنّه «ال يقدح فيه مخالفة من سبق‪،‬‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.335‬‬


‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.65‬‬
‫‪251‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثم ع ّقب‬
‫لكون ظاهر بعض وصريح آخرين كون الوجه في خالفهم البناء على كفرهم»‪ّ .‬‬
‫أن مرادهم من الكافر معنى آخر غير هذا‬‫قائالً‪« :‬لك ْن عرفت في مبحث نجاسة المخالف ّ‬
‫المعنى‪ .‬فتأمل‪ .‬مضاف ًا إلى ّ‬
‫أن االعتماد على مثل هذا االجماع التقديري غير ظاهر‪ ،‬وال سيما‬
‫بعد مالحظة ما تقدم في «كشف اللثام» من عدم الوقوف على ناص على الوجوب»(((‪.‬‬
‫وأما كبروي ًا فألنه حتى على فرض ثبوت تحقق اإلجماع‪ ،‬لكنه من اإلجماعات المدركية‬
‫أو المحتملة المدركية‪ ،‬لما سيأتي‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬سيرة المتشرعة‬
‫إن السيرة العمل ّية كانت جارية على تغسيلهم‪ ،‬وليس ذلك إال لمطلوب ّية الغسل‪ ،‬يقول‬ ‫ّ‬
‫إن «الشيعة في زمانهم ‪ ‬كانوا قليلين مختفين‬ ‫السيد الخوئي في اإلشارة إلى هذا الوجه‪ّ :‬‬
‫والغلبة كانت مع المخالفين‪ ،‬حتّى في المعاشرين معهم َمن كان ِمن خدمهم ال يعترف‬
‫بواليتهم‪ ،‬وقد كانوا يغسلون موتاهم بمرأى ومنظر منهم ‪ ‬ولم يكونوا يردعون عن ذلك‬
‫بوجه ولو ببيانه لشيعتهم‪ ،‬وهذا كاشف عن وجوب تغسيل المسلمين وإن لم يعترفوا بالوالية‪.‬‬
‫ألن أصحابه لم يكونوا من الشيعة بالمعنى المصطلح عليه‬ ‫ويوضحه مالحظة عصر علي ‪ّ ‬‬
‫ألن بعضهم أنكر خالفة عثمان وكانوا‬‫عندنا‪ ،‬وإنّما كان جمع منهم يرونه خليفة ثالث ًا أو رابع ًا‪ّ ،‬‬
‫معتقدين بالشيخين‪ ،‬ومع ذلك لو مات أحدهم أو قتل في غير المعركة لغسلوه وص َّلوا عليه‬
‫ولم يكن ‪ ‬رادع ًا عن ذلك بوجه»(((‪.‬‬
‫هذا وقد اعترض على االستدالل بالسيرة‪:‬‬
‫إن سكوت األئمة ‪ ‬وإعراضهم عن إعالم أصحابهم بعدم وجوب تغسيل‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أقاربهم من غير اإلمامية إنما هو «لكون تجهيز موتاهم مراعاة للتقية‪ ،‬ولذا ورد األمر بالصالة‬
‫على موتاهم»(((‪.‬‬
‫وتعليقنا على هذا الكالم‪ :‬إنّه لو أراد ‪ -‬كما يظهر من كالمه ‪ّ -‬‬
‫أن مراعاة التقية هي من‬
‫قبل أصحاب األئمة ‪ ‬أنفسهم في تجهيز موتاهم فيرده أنه ال موجب للتقية في كثير من‬
‫األحيان لقدرتهم على تجنب تغسيلهم لوجود من يقوم بذلك بحسب العادة‪ ،‬على ّ‬
‫أن ثمة‬

‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ج ن‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.307‬‬
‫(( ( تنقيح مباني العروة‪/‬كتاب الطهارة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.66‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪252‬‬
‫أن ثمة دافع ًا‬
‫أمر ًا مريب ًا وهو أنهم لم يسألوا األئمة ‪ ‬كما سألوا عن الصالة أو غيرها‪ ،‬مع ّ‬
‫قوي ًا للسؤال‪ ،‬وال سيما أمام عدم تفهم اإلنسان لخصوصية الغسل وتم ّيزه عن سائر األحكام‪،‬‬
‫ومنها التجهيز والصالة والدفن‪ّ .‬‬
‫إن هذا (عدم السؤال) يدل على وضوح الحكم لديهم وليس‬
‫هو سوى الوجوب كما قلنا‪ .‬وإن أراد ّ‬
‫أن مراعاة التقية جاءت من قبل األئمة ‪ ‬بسكوتهم عن‬
‫بيان حكم التجهيز‪ ،‬فيالحظ عليه بأنه ال موجب لتق ّية األئمة ‪ ‬من أصحابهم‪ ،‬على أنه ال‬
‫تمنع من صدور‬ ‫ال في سيرة علي ‪ ‬والحسنين ‪ ،‬مضاف ًا إلى ّ‬
‫أن التقية لم ْ‬ ‫وجه للتقية أص ً‬
‫بيان في أمور أكثر خطورة من هذا فال تمنع منه باألولى‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬السيرة فعل صامت فال تدل إال على أصل المطلوبية شرع ًا‪ّ ،‬‬
‫أعم من الوجوب أو‬
‫االستحباب‪.‬‬
‫إال أن ُينفى االستحباب بعدم القائل به‪ ،‬و ُب ْع ِد أن يختص الغسل باالستحباب بينما‬
‫تكون سائر أحكام التجهيز مبنية على الوجوب‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬عمومات األدلة وإطالقاتها‪.‬‬
‫فإنها تدل على وجوب غسل كل مسلم بصرف النظر عن مذهبه‪ ،‬ويمكن بيان هذا‬
‫الدليل وتقريبه بأكثر من طريق‪:‬‬
‫الطريق األول‪ :‬ورد في بعض الروايات ما يدل على وجوب غسل الميت مطلق ًا‪ ،‬وأقصى‬
‫ما يمكن أن يقال إنّها مقيدة بما ّ‬
‫دل على عدم وجوب أو عدم جواز غسل غير المسلم‪ ،‬فيبقى‬
‫ال في اإلطالق‪ .‬ونذكر هنا روايتين‪:‬‬ ‫المسلم داخ ً‬
‫الس ُب ِع وك َُّل‬ ‫وأكِ ِ‬
‫يل َّ‬ ‫األولى‪ :‬مضمر أبي خالد َق َال‪« :‬اغ ِْس ْل ك َُّل َش ْي ٍء ِم َن ا ْل َم ْوتَى ا ْلغ َِر ِ‬
‫يق َ‬
‫َان بِه َر َم ٌق غ ُِّس َل وإِ َّل َف َل»(((‪.‬‬
‫الص َّف ْي ِن َفإِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء إِ َّل َما ُقت َل َب ْي َن َّ‬
‫الثانية‪ :‬موثقة سماعة عن أبي عبد الله‪..« :‬وغسل الميت واجب»(((‪.‬‬
‫ونتوقف بداية عند الخبر األول‪ ،‬حيث يمكن االعتراض عليه‪:‬‬

‫(( ( تنقيح مباني العروة‪/‬كتاب الطهارة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،490‬الباب ‪ 4‬من أبواب غسل الميت‪ ،‬الحديث ‪.6‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،40‬الباب ‪ 1‬من أبواب غسل الجنابة‪ ،‬الحديث ‪.3‬‬
‫‪253‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أوالً‪ :‬بما ذكره المحقق الهمداني((( من عدم اإلطالق فيه‪ ،‬ألنّه بصدد بيان أسباب‬
‫الموت الموجبة للغسل كالغرق بالماء‪ ،‬دون ما ال يوجب وهو الشهيد‪.‬‬
‫وع ّلق السيد الخوئي على دعوى عدم اإلطالق في الخبر‪ّ ،‬‬
‫بأن ما أفاده (الهمداني) «وإن‬
‫التمسك بالعموم‪ ،‬وأ ّما إطالق الموتى فهو باق بحاله وال‬
‫ُّ‬ ‫كان ال بأس به‪َّ ،‬إل أنّه إنّما يمنع عن‬
‫التمسك به‪ ،‬فإنّه كالقضية الشرطية وأنّه إذا مات أحد وجب تغسيله»(((‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫مانع من‬
‫فالسيد الخوئي افترض ّ‬
‫أن هذه الرواية فيها عموم وهو المدلول عليه بـ«كل»‪ ،‬وفيها‬
‫إطالق وهو المدلول عليه بكلمة «الموتى»‪( ،‬لو لم نقل بداللته على الشمول بالعموم)‪،‬‬
‫وإشكال الهمداني بأن اإلمام ‪ ‬بصدد بيان أسباب الموت إنّما يمنع من التمسك بالعموم‪،‬‬
‫وأ ّما التمسك باإلطالق في الجمع المحلى بالالم فال يبتلي باإلشكال‪.‬‬
‫إن إشكال الهمداني يجري في اإلطالق كما جرى في العموم‪ ،‬فجريانه‬ ‫إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫في العموم معناه أنّه ‪ ‬لم يستخدم األداة «كل» لتعميم الحكم لكل ما يصلح المدخول‬
‫لالنطباق عليه‪ ،‬فهو ال يريد الشمول من مدخول األداة‪ ،‬وعليه فيسقط اإلطالق حتم ًا‬
‫أن نظره ‪ ‬إلى بيان الحكم بلحاظ أنواع‬ ‫للنكتة عينها التي أوجبت سقوط العموم‪ ،‬وهي ّ‬
‫الموت ال أحوال الموتى وانتماءاتهم المذهبية‪ ،‬ومعه ال تبقى الرواية بمثابة الشرطية كما‬
‫أفاد السيد الخوئي رحمه الله‪.‬‬
‫إن االستدالل بها يبتلي بمشكلة أخرى‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن الرواية بحسب «الكافي» وردت‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫هكذا‪« :‬اغ ِْس ْل ك َُّل َش ْي ٍء ِم َن ا ْل َم ْوتَى»‪ ،‬وهذا ناظر إلى التعميم بلحاظ أجزاء الميت ال بلحاظ‬
‫أصناف الموتى‪ ،‬فال تصلح لالستدالل‪.‬‬
‫أن هذا اإلشكال غير وارد‪ّ ،‬‬
‫ألن األرجح هو إرادة التعميم بلحاظ‬ ‫ولك ّن اإلنصاف ّ‬

‫((( قال الفقيه الهمداني‪« :‬إطالقات النصوص مسوقة لبيان حكم آخر‪ ،‬خصوص ًا الرواية الثانية‪ ،‬فإنّها‬
‫لغوي َّإل ّ‬
‫أن عمومها إنّما هو بالنسبة إلى أنواع‬ ‫ّ‬ ‫مهملة‪ .‬وأ ّما الرواية األولى وإن اشتملت على عموم‬
‫ثم استثناء الشهيد منها‪ ،‬ولذا ال‬‫الموتى‪ ،‬كما يشهد لذلك تفصيل بعض أفراده‪ ،‬كالغريق وما بعده ّ‬
‫ألن الكفر واإلسالم وكونه مخالف ًا إنّما هو‬ ‫ترى تنافي ًا بينها وبين ما ّ‬
‫دل على عدم تغسيل الك ّفار‪ّ ،‬‬
‫من أحوال الفرد ال من أفراد هذا العا ّم»‪ ،‬انظر‪ :‬مصباح الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ..112‬وقد ادعى بعضهم‬
‫االنصراف في الرواية‪ ،‬وهذه الدعوى وردت أيض ًا في كالم السيد علي الطبطبائي‪ ،‬انظر‪ :‬رياض‬
‫المسائل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.477‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.308‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪254‬‬
‫األصناف‪ ،‬كما يظهر من التأمل في السياق‪ ،‬وهذا ما يظهر بوضوح من نسخة «التهذيب»‪،‬‬
‫فقد جاء النص هكذا‪« :‬اغسل كل الموتى‪ ،‬الغريق‪ ،»..‬فيكون قوله‪« :‬كل شيء من الموتى»‬
‫بمعنى كل ميت‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ضعف السند‪ ،‬فعمدة اإلشكال على الرواية هو أنها مضمرة وال يعتد بها سند ًا‪.‬‬
‫وأما الخبر الثاني‪ :‬فقد اعترض المحقق الهمداني((( عليه باإلهمال‪.‬‬
‫ولكن هذا االعتراض مدفوع‪ ،‬بما ذكره السيد الخوئي من رفض دعوى اإلهمال‪،‬‬
‫مما ال إشكال في إطالقه‬ ‫وأنّه «ال يقصر عن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱗ ﱘ ﱙ ﴾ ‪ ،‬فإنّه ّ‬
‫(((‬

‫ويتمسكون به في موارد الشك والشبهات‪ ،‬والمقام كذلك فال وجه لدعوى كونها‬ ‫ّ‬ ‫عندهم‪،‬‬
‫مهملة‪ ،‬فإن قوله ‪« ‬وغسل الم ِّيت واجب» بمنزلة القض ّية الشرط ّية وأنّه إذا مات أحد‬
‫وجب غسله وال ينبغي التأمل في إطالقه بوجه»(((‪ ،‬وبهذه النكتة دفع السيد دعوى عدم‬
‫اإلطالق أيض ًا‪.‬‬
‫وهذه النكتة إن كانت موضع شك وتأمل‪ ،‬فثمة قرينة تساعد على إرادته ‪‬‬
‫اإلطالق في الموثقة‪ ،‬والقرينة هي ذكر اإلمام ‪ ‬لقيود الحكم في األغسال المتقدمة‬
‫ت َأ َبا‬ ‫«س َأ ْل ُ‬‫في كالمه على غسل الميت‪ ،‬فالحظ الرواية جيد ًا‪ ،‬حيث َق َال سماعة‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫جم َع ِة؟ َف َق َال‪َ :‬و ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‬ ‫ح َض ِر إِ َّل َأنَّه ُر ِّخ َ‬ ‫الس َف ِر وا ْل َ‬
‫ب في َّ‬ ‫اج ٌ‬ ‫َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ْن ُغ ْس ِل ا ْل ُ ُ‬
‫ض إِ َذا َ‬ ‫ح ِائ ِ‬ ‫جنَا َب ِة َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ط ُه َر ْ‬ ‫وغ ْس ُل ا ْل َ‬‫ب ُ‬ ‫اج ٌ‬ ‫الس َف ِر لق َّلة ا ْل َماء‪ ،‬و َق َال‪ُ :‬غ ْس ُل ا ْل َ‬ ‫للن َِّساء في َّ‬
‫ِ‬ ‫اض ِة َو ِ‬ ‫َو ِ‬
‫ف‬ ‫از الدَّ ُم ا ْلك ُْر ُس َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت بِا ْلك ُْر ُسف َف َ‬ ‫احت ََش ْ‬ ‫ب إِ َذا ْ‬ ‫اج ٌ‬ ‫َح َ‬ ‫وغ ْس ُل ا ْل ُم ْست َ‬‫ب‪ُ ،‬‬ ‫اج ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َف َع َل ْي َها ا ْل ُغ ْس ُل‬‫ج ِز الدَّ ُم ا ْلك ُْر ُس َ‬ ‫ج ِر ُغ ْس ٌل وإِ ْن َل ْم َي ُ‬ ‫َف َع َل ْي َها ا ْل ُغ ْس ُل لك ُِّل َص َل َت ْي ِن ول ْل َف ْ‬
‫ود َو ِ‬ ‫وغس ُل ا ْلمو ُل ِ‬ ‫اء َو ِ‬ ‫وغس ُل النُّ َفس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫اج ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫ب ُ ْ‬ ‫اج ٌ‬ ‫َ‬ ‫ك َُّل َي ْو ٍم َم َّر ًة وا ْل ُو ُضو ُء لك ُِّل َص َلة ُ ْ‬
‫ت َو ِ‬ ‫وغس ُل ا ْلمي ِ‬
‫ب»(((‪.‬‬ ‫اج ٌ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ُ ْ‬
‫وسى َع ْن َأبِي‬ ‫ار ْب ِن ُم َ‬‫الطريق الثاني‪ :‬ترك االستفصال‪ ،‬فهو دليل العموم‪ ،‬ففي موثق َع َّم ِ‬
‫الس َف ِر و َل ْي َس َم َعه َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم و َم َعه ِر َج ٌال‬ ‫َعب ِد ال َّله ‪َ :‬أنَّه س ِئ َل َع ِن الرج ِل ا ْلمس ِل ِم يم ُ ِ‬
‫وت في َّ‬ ‫ُ ْ َُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫وخا َلتُه في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُي ْصن َُع في ُغ ْسله؟ َق َال‪ُ « :‬تغ َِّس ُله َع َّمتُه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخا َلتُه ُم ْسل َمتَان َك ْي َ‬ ‫ن ََص َارى و َم َعه َع َّمتُه َ‬

‫ٍ‬
‫هامش سابق‪.‬‬ ‫مر كالمه في‬‫ّ‬ ‫(( (‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.275‬‬ ‫((( ‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.308‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.40‬‬ ‫((( ‬
‫‪255‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الس َف ِر و َل ْي َس َم َع َها ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة و َم َع َها‬ ‫ول َت ْقربه النَّصارى»‪ ،‬و َع ِن ا ْلمر َأ ِة تَم ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وت في َّ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َقميصه َ َ ُ‬
‫ول َت ْقربها النَّصرانِي ُة كَما كَان ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخا ُلها مس ِلم ِ‬ ‫ِ‬
‫َت‬ ‫ْ َ َّ َ‬ ‫ان؟ َق َال‪ُ « :‬يغ َِّس َلن َها َ َ ُ َ‬ ‫ن َسا ٌء ن ََص َارى و َع ُّم َها َ َ ُ ْ َ‬
‫ات‬ ‫اء ِم ْن َف ْو ِق الدِّ ْرعِ»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن َم َ‬ ‫ب ا ْل َم ُ‬
‫ِ‬
‫ُون َع َل ْي َها د ْر ٌع َف ُي َص ُّ‬ ‫ا ْل ُم ْسلِ َم ُة ُتغ َِّس ُل َها َغ ْي َر َأنَّه َيك ُ‬
‫ول ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة ِم ْن ِذي َق َرا َبتِه و َم َعه ِر َج ٌال ن ََص َارى ونِ َسا ٌء‬ ‫َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم و َل ْي َس َم َعه َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم َ‬
‫اض ُط َّر» و َع ِن ا ْل َم ْر َأ ِة‬ ‫ات َل ْي َس َب ْينَه و َب ْين َُه َّن َق َرا َب ٌة؟ َق َال‪َ « :‬ي ْغت َِس ُل الن َّْص َرانِ ُّي ُث َّم ُيغ َِّس ُله َف َق ِد ْ‬‫ُم ْس ِل َم ٌ‬
‫ول َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم ِم ْن َذ ِوي َق َرا َبتِ َها و َم َع َها ن َْص َرانِ َّي ٌة‬ ‫وت و َل ْي َس َم َع َها ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة َ‬ ‫ا ْل ُم ْس ِل َم ِة ت َُم ُ‬
‫ون َل ْي َس َب ْين ََها و َب ْين َُه ْم َق َرا َب ٌة؟ َق َال‪َ « :‬ت ْغت َِس ُل الن َّْص َرانِ َّي ُة ُث َّم ُتغ َِّس ُل َها» و َع ِن الن َّْص َرانِ ِّي‬
‫ور َج ٌال ُم ْس ِل ُم َ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫ول َيدْ فِنُه َ‬ ‫ول ك ََر َام َة َ‬ ‫«ل ُيغ َِّس ُله ُم ْسلِ ٌم َ‬ ‫وت؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫وه َو َم َع ا ْل ُم ْس ِل ِمي َن َف َي ُم ُ‬ ‫الس َف ِر ُ‬‫ُون في َّ‬
‫يك ُ ِ‬
‫َ‬
‫َي ُقو ُم َع َلى َق ْب ِره»(((‪.‬‬
‫أن اإلمام قد سئل في عدة فقرات في الرواية عن المسلم‬ ‫تقريب االستدالل هو ّ‬
‫يموت أو المسلمة تموت وليس هناك مسلم أو مسلمة يقومان بالتغسيل‪ ،‬فيجيب‬
‫اإلمام ‪ ‬محدد ًا من يقوم بواجب الغسل‪ ،‬دون أن يستفصل عن مذهب المسلم‬
‫الميت‪ ،‬ما يعني وجوب تغسيله مطلق ًا‪ ،‬ألنّه لو كان غسل الميت غير اإلمامي ممنوع ًا‬
‫فال موجب لتكليف النصراني باالغتسال ثم تغسيله‪ .‬وفي الموثقة قرينة أخرى‬
‫على عدم إرادة اإلمامي من المسلم والقرينة هي ذكر المسلم في مقابل النصراني‪.‬‬
‫وعليه فال يصح االعتراض على االستدالل بمنع اإلطالق في لفظ المسلم‪ ،‬لكون‬
‫اإلمام ‪ ‬بصدد البيان من جهة فقد المغسل المماثل ال من جهة هوية المغسل‬
‫المذهبية أو الدينية‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬عدم الفصل بين الصالة والغسل‬
‫وخالصة هذا الدليل أنّه يجب تغسيله استناد ًا إلى «ما دل على وجوب الصالة عليه‬
‫بضميمة عدم الفصل بينها وبين الغسل»(((‪ ،‬ففي خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن‬
‫«صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله عز وجل»(((‪ .‬وفي رواية‬ ‫ِّ‬ ‫أبيه ‪ ‬قال‪:‬‬
‫السكوني‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه ‪ ‬قال‪« :‬صلوا على المرجوم من ُأمتي‪ ،‬وعلى القاتل‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.159‬‬


‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.65‬‬
‫ص ‪ .328‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،133‬‬ ‫((( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .468‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪،3‬‬
‫الباب ‪ 37‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.2‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪256‬‬
‫نفسه من ُأمتي‪ ،‬ال تدعوا أحد ًا من ُأمتي بال صالة»(((‪ .‬إلى غير ذلك مما ّ‬
‫دل على وجوب‬
‫الصالة على كل مسلم‪ ،‬وهو موضع وفاق وإجماع‪.‬‬
‫قال بعض الفقهاء تعليق ًا على الخبر األول إنّه «كالصريح في وجوب الصالة عليه‪،‬‬
‫أي على المخالف‪ ،‬ويتم الوجوب في الغسل بعدم القول بالفصل‪ ،‬وضعفها منجبر بعمل‬
‫المشهور بها‪ ،‬فاألحوط بل ال يخلو من قوة هو وجوب غسله»(((‪.‬‬
‫ور ّد السيد الحكيم على هذا الدليل ّ‬
‫بأن «اإلجماع على امتناع الفصل غير ثابت»(((‪.‬‬
‫وكالم السيد الحكيم صحيح فالذين أفتوا بعدم وجوب تغسيله قالوا بوجوب الصالة‬
‫عليه‪ ،‬أي التزموا بالفصل‪.‬‬
‫إن هذا الفصل ال وجه له‪ّ ،‬‬
‫ألن أحكام الميت‬ ‫نعم لربما يقال ترميم ًا لهذا االستدالل‪ّ :‬‬
‫مص ُّبها واحد وهو المسلم‪ ،‬فال وجه لتم ّيز اإلمامي بخصوص الغسل‪ ،‬إال أن يوجه ذلك‬
‫ولكن هذا الكالم ال‬
‫ّ‬ ‫أن التغسيل هو نوع تكريم‪ ،‬وال كرامة لغير اإلمامي‪.‬‬ ‫بما سيأتي من ّ‬
‫نوافق عليه‪.‬‬
‫إن قوله ‪« :‬ال تدعوا أحد ًا من أمتي بال صالة» ونظائره‪ ،‬يدل على‬‫ويمكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫لزوم الصالة ومقدماتها ولوازمها ومنها الغسل والتكفين‪ ،‬وهذا نحو آخر من االستدالل فلو‬
‫تم وهو غير بعيد‪ ،‬فإنه استظهار من الرواية وال عالقة له بعدم القول بالفصل‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهذا الوجه بعد هذا الترميم إن لم يصلح لالستدالل فإنه يصلح لتأييد ما تقدم من‬
‫وجوه‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فيبدو من المحقق العراقي الميل إلى شمول هذه الروايات للناصبي‪،‬‬
‫حيث ع ّلق على فتوى السيد اليزدي بعدم جواز تغسيل الناصبي والغالي والخارجي قائالً‪:‬‬
‫«مع صدق أهل القبلة على الثالثة المزبورة يشكل ترك تجهيزهم‪ ،‬لما ورد بمثل هذا العنوان‬
‫في باب الصالة عليه الملحق غيره به بعدم القول بالفصل ولكن المشهور إلحاقهم بالكفار‬
‫في ذلك‪ ،‬وال وجه له إال توهم كون المنصرف من أهل القبلة من كان محكوم ًا بأحكام‬

‫((( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .468‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .328‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،133‬‬
‫الباب ‪ 37‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.2‬‬
‫((( كتاب الطهارة للسيد الكلبيكاني‪ /‬الكتاب األول‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.65‬‬
‫‪257‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫المسلمين‪ .‬وفيه نظر‪ .‬وتوهم كونهم منتفي ًا منه منظور فيه‪ ،‬لمنع كونه من باب تشكيك داللة‬
‫اللفظ في مقام التخاطب‪ ،‬ومن غير تلك الجهة ال يضر ذلك باإلطالق»(((‪.‬‬

‫‪2 -2‬دليل الحرمة �أو عدم الوجوب‬


‫أن الدليل على وجوب تغسيل المسلم قائم‪ ،‬وال يقتصر على اإلطالق‪ ،‬فيرد‬ ‫وإذا اتضح ّ‬
‫السؤال‪ :‬هل من دليل على المنع أو تحريم تغسيل اآلخر المذهبي؟ وإذا وجد دليل تام من‬
‫هذا القبيل فال بدّ من الموازنة بين الدليلين‪.‬‬
‫ربما تذكر بعض الوجوه لذلك‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬رواية االحتجاج‬
‫أن معاوية قال للحسين ‪ :‬يا أبا عبد الله هل‬ ‫وهي ما رواه الطبرسي عن صالح بن كيسان ّ‬
‫بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال ‪ :‬وما صنعت بهم؟ قال‪ :‬قتلناهم‬
‫وكفناهم وصلينا عليهم‪ ،‬فضحك الحسين ‪ ‬ثم قال‪َ :‬خ َص َم َك القوم يا معاوية‪ ،‬لكنا لو قتلنا شيعتك‬
‫لما كفناهم‪ ،‬وال غسلناهم‪ ،‬وال صلينا عليهم‪ ،‬وال قبرناهم»(((‪ .‬ونحوه ما في تاريخ اليعقوبي(((‪.‬‬
‫وربما كان المراد بقوله‪« :‬خصمك القوم يا معاوية»‪ ،‬أنّه قتلهم بغير حق وقد اعترف في‬
‫قوله «قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم» بجريرته وذنبه‪ ،‬إذ لو كانوا يستحقون القتل فلماذا‬
‫يصلي عليهم؟! ولذا أردف ‪ - ‬لو صحت الرواية ‪« -‬أما لو قتلنا شيعتك كفناهم وال صلينا‬
‫عليهم»‪.‬‬
‫«يدل على عدم وجوب تغسيل المخالف وعدم‬ ‫قال المجلسي تعليق ًا على هذا الخبر‪ُّ :‬‬
‫رجحانه»‪ ،‬وأضاف‪« :‬ويمكن أن يقال أصحاب معاوية كانوا من النواصب بل من الخوارج‪،‬‬
‫فهم خارجون عن محل النزاع»(((‪.‬‬

‫((( العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.30‬‬


‫(( ( االحتجاج‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .19‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،515‬الباب ‪ 18‬من أبواب غسل الميت‪،‬‬
‫الحديث ‪.3‬‬
‫((( فقد أرسل قائ ً‬
‫ال‪« :‬وقال معاوية للحسين بن علي‪ :‬يا أبا عبد الله! علمت أنا قتلنا شيعة أبيك‪ ،‬فحنطناهم‪،‬‬
‫وكفناهم‪ ،‬وصلينا عليهم‪ ،‬ودفناهم؟ فقال الحسين‪ :‬حجرك‪ ،‬ورب الكعبة‪ ،‬لكنا والله إن قتلنا شيعتك‬
‫ما كفناهم‪ ،‬وال حنطناهم‪ ،‬وال صلينا عليهم وال دفناهم»‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.231‬‬
‫((( بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،78‬ص ‪.298‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪258‬‬
‫وما ذكره ‪-‬رحمه الله‪ -‬من التشكيك بداللته قريب من الصواب‪ ،‬وربما يشعر به‬
‫قوله ‪« ‬لو قتلنا شيعتك»‪ ،‬حيث نسبهم إليه‪ ،‬وشيعة معاوية هم الذين والوه واتبعوه في قتال‬
‫علي ‪ ‬ولعن آل البيت ‪ ،‬ومن هنا ذكر غير واحد من الفقهاء((( هذا الخبر في سياق األدلة‬
‫على عدم وجوب الصالة على الكافر ومن بحكمه كالناصبي أو المغالي‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك فربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن الكالم هو في صورة وقوع الحرب والقتال والقتل‪،‬‬
‫وليس مطلق ًا لحالة الهدنة‪ ،‬ومعلوم أنّه في حال قتالهم ألئمة الحق فهم بغاة‪ ،‬فيكون ترك‬
‫التغسيل والصالة حكم ًا للبغاة‪.‬‬
‫هذا كله بصرف النظر عن ضعف سند الحديث وعدم صالحيته إلثبات هذا الحكم‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬التغسيل واالحترام‬
‫أن تغسيل الميت الحترامه‪ ،‬وال حرمة لهم»(((‪ .‬وذكر‬ ‫واستدل بعض الفقهاء بما «ورد من ّ‬
‫أن التغسيل إكرام للميت‪ ،‬ومن لم يوال أهل البيت ‪ ‬ال كرامة له(((‪ .‬وبالغ‬ ‫الفاضل الهندي ّ‬
‫في األمر‪ ،‬فقال‪« :‬وبالجملة فجسد المخالف كالجماد ال حرمة له عندنا‪ ،‬فإن ُغ ِّس َل كغسل‬
‫الجمادات من غير إرادة إكرام لم يكن به بأس‪ ،‬وعسى يكون مكروه ًا لتشبيهه بالمؤمن‪ ،‬وكذا‬
‫ال له لخصوص نحلته أو‬ ‫ْ‬
‫إن أريد إكرامه َلرح ٍم أو صداقة ومحبة‪ ،‬وإن أريد إكرامه لكونه أه ً‬
‫ألنها ال تخرجه عن اإلسالم والناجين حقيقة فهو حرام»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫إن وجوب غسل الميت هو حكم شرعي‪ ،‬ولم يثبت ّ‬
‫أن اإلكرام هو علته التي يدور‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫مدارها‪ ،‬ومن هنا لم يجب تغسيل الشهيد‪ ،‬دون أن يكون في ذلك ما ينافي االحترام‪.‬‬
‫أن المسلم اآلخر ال حرمة وال كرامة له‪ ،‬ولم نجد دلي ً‬
‫ال على‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ليس ّ‬
‫ثمة دليل على ّ‬
‫فرع ثبوت‬
‫أن في االستدالل مصادرة واضحة‪ ،‬فنفي االحترام ُ‬ ‫نفي االحترام واإلكرام‪ ،‬وأخال ّ‬

‫ومنهم الحر العاملي فقد أورده في باب عدم جواز تغسيل المسلم الميت الكافر‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪ ،415‬الباب ‪ 18‬من أبواب غسل الميت‪.‬‬
‫رياض المسائل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.267‬‬ ‫(( (‬
‫قال الفاضل الهندي‪ّ :‬‬
‫«فإن الغسل كرامة للميت‪ ،‬وال يصلح لها غير المؤمن»‪ ،‬انظر‪ :‬كشف اللثام‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.225‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪259‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ال عليها‪ .‬بل يمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫عدم وجوب الغسل والتجهيز وغيرها من األحكام‪ ،‬وليس دلي ً‬
‫اإلسالم يعطي احترام ًا لكل المنضوين تحته أكانوا من األحياء أو األموات‪ ،‬ومن هنا وجب‬
‫دفن المسلم حتى من المذهب اآلخر‪ .‬وتشبيه جسده بالجماد ال وجه له‪ ،‬وكيف يكون كذلك‬
‫أن الميت حتى لو كان كافر ًا فإن لجسده حرمة مع ّينة كما يدل عليه عدم جواز التمثيل‬‫مع ّ‬
‫أن الصالة على المسلم هي مؤشر على ّ‬
‫أن له حرمة وكرامة‪ ،‬وسيأتي الكالم‬ ‫بجسده(((‪ .‬كما ّ‬
‫حول الصالة‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬اإلمام علي ‪ ‬وعدم تغسيل أهل حربه‬
‫وتقريبه‪ :‬أنّه لو وجب تغسيلهم‪ ،‬لوجب على اإلمام علي ‪ ‬تغسيل أهل حربه‪ ،‬كأهل‬
‫ينص أحد من المؤرخين على أنّه قام بتغسيلهم‪.‬‬
‫الجمل مثالً‪ ،‬مع أنّه لم ْ‬
‫فلعل ذلك ليس بسبب عدم وجوب‬ ‫ّ‬ ‫يالحظ عليه‪ :‬أنّه لو ثبت عدم تغسيلهم‪،‬‬
‫تغسيلهم‪ ،‬بل ألنّه ‪ - ‬وبسبب حساسية الموقف ‪ -‬ترك أمرهم إلى ذوويهم وعشائرهم‬
‫ولم يتوله هو وأصحابه‪ ،‬وذووهم ‪ -‬لو ثبت أنهم لم يغسلوهم ‪ -‬فربما كانوا ال يرون‬
‫وجوب تغسيلهم‪ ،‬ألنهم في نظرهم شهداء‪ ،‬كما أنّه ‪ ‬لم يكن يرى وجوب تغسيل أهل‬
‫الحق الذين قتلوا معه‪ ،‬إلحاق ًا للشهداء الذين سقطوا على أيدي أهل البغي بالشهداء الذين‬
‫سقطوا على أيدي أهل الكفر(((‪.‬‬
‫على أنّه لو كان هو ‪ ‬من تو ّلى دفنهم‪ ،‬فلعله لم يغسلهم‪ ،‬ألنّهم حاربوه‪ ،‬فغاية ما يثبت‬
‫من ذلك عدم وجوب تغسيل المحارب لإلمام ‪ ،‬دون مطلق المخالف له‪.‬‬
‫دليل لنفي الحرمة‬
‫وهكذا اتضح أنه ال دليل على الحرمة‪ ،‬بل يمكن نفيها باإلضافة إلى ما تقدم ّ‬
‫بأن مسألة‬

‫(( ( عن أمير المؤمنين ‪ ‬فيما أوصى به بشأن التعامل مع قاتله ابن ملجم قال‪« :‬انظروا إذا أنا مت من‬
‫ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة‪ ،‬وال يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول ‪« :‬إياكم‬
‫والمثلة ولو بالكلب العقور»‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪.77‬‬
‫((( وقد نقل عن عمار بن ياسر ‪-‬رضي الله عنهما‪« :-‬ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم»‪ ،‬وكان قد استشهد‬
‫بصفين تحت راية علي ‪ ،‬فكان قتيل أهل البغي‪ ،‬ونقل عن زيد بن صوحان ‪-‬رضي الله عنه‪:-‬‬
‫«ال تغسلو عني دم ًا‪ ،‬وال تنزعوا عني ثوب ًا إال الخفين»‪ ،‬وقد قتل زيد بن صوحان يوم الجمل مع أمير‬
‫المؤمنين ‪ .‬وقال اإلمام أحمد‪« :‬قد أوصى أصحاب الجمل‪« :‬إنا مستشهدون غد ًا‪ ،‬فال تنزعوا عنا‬
‫ثوب ًا‪ ،‬وال تغسلوا عنا دم ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.405‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪260‬‬
‫تغسيل الموتى المسلمين هي من القضايا االبتالئية‪ ،‬فلو كان تغسيل غير اإلمامي ممنوع ًا‬
‫أن بعض أصحابهم والكثير‬ ‫ومنهي ًا عنه الشتهر وبان وعرف ذلك عن األئمة ‪ ،‬بلحاظ ّ‬
‫من أقارب أصحابهم لم يكونوا مؤمنين بواليتهم‪ ،‬وتبرز هذه الظاهرة في معاصري اإلمام‬
‫لسجل ذلك في عداد المؤاخذات عليه‪،‬‬ ‫علي ‪ ،‬ولو أنّه ‪ ‬منع منه لنقل ذلك إلينا‪ ،‬بل ّ‬
‫أن المنع كان‬‫حيث يأمر بتغسيل أتباعه ومواليه دون سائر المسلمين! وفي أقل تقدير لو ّ‬
‫ال للسؤال‪ ،‬مع أننا ال نجد سؤاالً في الروايات عن حكم غسل المسلم اآلخر‪،‬‬ ‫ثابت ًا لوقع مح ً‬
‫واحتمال أن المنع من تغسيلهم كان واضح ًا ولذا لم يسأل عنه بعيد جد ًا‪ ،‬إذ هو ليس بوضوح‬
‫الحكم في تغسيل أهل الكتاب ومع ذلك ورد السؤال عنه فيما لو مات بين المسلمين‪ ،‬كما‬
‫سيأتي في المقطع األخير من موثقة عمار الساباطي‪ .‬وكيف يكون المنع عن الغسل واضح ًا‬
‫مع وضوح جريان سائر أحكام الميت المؤمن من الصالة والدفن عليه؟! ولذا ال نبالغ‬
‫بالقول‪ :‬إنه يحصل الوثوق بأن تغسيلهم كان واجب ًا‪.‬‬

‫‪3 -3‬ال وجه للكراهة‬


‫وهكذا فقد اتضح أنه ال وجه للحرمة‪ ،‬وكذلك ال وجه للكراهة‪ ،‬حتى بمعنى قلة الثواب‪،‬‬
‫ألن الكراهة تحتاج إلى دليل‪ ،‬ولنعم ما قاله صاحب الحدائق في المقام‪« :‬أقول‪ :‬ال يخفى‬ ‫ّ‬
‫ال من االختالل واالضطراب والخروج عن جادة الحق والصواب‪،‬‬ ‫ما في هذه الكلمات ك َُم ً‬
‫الخطاب متوجه إلى كافة‬
‫َ‬ ‫وذلك أنه متى ثبت باألدلة المروية وجوب تغسيل المسلمين ّ‬
‫وأن‬
‫وأن الغسل الشرعي الذي أمر به الشارع هو أن يكون على هذه الكيف ّية المشهورة‬ ‫المكلفين ّ‬
‫بين اإلمامية فالواجب على من توجه إليه الخطاب من المسلمين الموجودين أن يغسل هذا‬
‫الميت المسلم بهذه الكيفية المنصوصة مخالف ًا كان أو مؤالف ًا‪ ،‬فما ذكروه من هذه الكراهة‬
‫ومن التعبير بالجواز ومن التخصيص بحال االضطرار فكله مما ال يعرف له وجه وجيه كما‬
‫ال يخفى على الفطن النبيه‪ ،‬فإنهم كما أوجبوا إجراء أحكام اإلسالم على المخالف في حال‬
‫الحياة من الحكم بطهارته ومناكحته وحقن ماله ودمه وموارثته ونحو ذلك فكذا بعد الموت‪،‬‬
‫يتم ما ذكروه من هذه التخريجات؟ ّ‬
‫فإن الجميع‬ ‫دل على الفرق بين الحالين حتى ّ‬‫وأي دليل ّ‬
‫مرتب على اإلسالم‪ ،‬والقائلون بمنع تغسيله إنما صاروا إليه من حيث حكمهم بالكفر وهو‬
‫ظاهر‪ ،‬وأما مع الحكم باإلسالم فكما أنّه ال فرق بينه وبين المؤمن في حال الحياة في تلك‬
‫األحكام فكذلك بعد الممات إال أن يدل دليل على الفرق وليس فليس‪ ،‬وأيض ًا ّ‬
‫فإن الكراهة‬
‫حكم شرعي يتوقف على الدليل وأي دليل على كراهة غسل المخالف مع الحكم بإسالمه؟‬
‫‪261‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫فإن كان لمجرد كونه مخالف ًا فألي شيء لم يثبتوا هذه الكراهة في األحكام المترتبة على‬
‫الحياة بل جعلوه مثل المؤمن مطلق ًا؟ على أن الكراهة في العبادات إنما هو باعتبار وقوع‬
‫العبادة على أنواع بعضها أكثر ثواب ًا وبعضها أقل ثواب ًا بالنسبة إلى أصل العبادة الخالية مما‬
‫يوجب الراجحية أو المرجوحية كما تقدم تحقيقه‪ ،‬وهذا مما ال مجال له في هذا المقام‪ ،‬ألن‬
‫ال واجب وهذا أحدهم ولم يرد هنا ما يدل على أفضلية غسل نوع من‬ ‫غسل المسلمين كم ً‬
‫أنواع المسلمين وأكثرية ثوابه وأقلية آخر‪ ،‬ولو أريد باعتبار نقصان قدر المخالف وانحطاط‬
‫درجته وإن كان مسلم ًا جرى ذلك في الجاهل من المسلمين والمستضعفين بالنسبة إلى‬
‫العالم الفاضل الورع مع أنهم لم يصرحوا هنا بالكراهة‪ ،‬وأيض ًا فإنه على تقدير عدم الوجوب‬
‫كما ذهب إليه في المدارك فإنه ال معنى لهذه الكراهة التي ذكرها بالمعنى المصطلح ألن‬
‫محلها األمور الراجحة الترك الجائزة والغسل عندهم من العبادات الشرعية كما صرحوا‬
‫تم الدليل على وجوبه كان واجب ًا وإن لم يثبت كان محرم ًا وال وجه للقول‬ ‫به‪ ،‬وحينئذ فإن ّ‬
‫بالجواز فيه حتى يمكن إجراء الكراهة بالمعنى المصطلح فيه‪ .‬وأما كون غسل المخالفين‬
‫مخالف ًا لغسل اإلمامية فهو أيض ًا ال يسوغ لهم العدول عن الغسل الشرعي عندهم المأمورين‬
‫به إذ الخطاب المتعلق بهم والوجوب الذي لزمهم باعترافهم إنما هو بهذا الغسل المعمول‬
‫عليه عندهم فاإلتيان بغيره غير مبرئ للذمة»(((‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬هل يجزي تغ�سيل غير الإمامي للإمامي �أو لغيره؟‬
‫لدينا هنا فرعان أساسيان‪:‬‬
‫غسل غير االثني عشري ميت ًا مسلم ًا من االثني عشرية‪ ،‬فهل يحكم‬
‫الفرع األول‪ :‬فيما لو ّ‬
‫ببطالن الغسل ووجوب إعادته؟‬
‫ال له في المذهب أي مسلم ًا غير‬
‫غسل غير االثني عشري شخص ًا مماث ً‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬لو ّ‬
‫اثني عشري‪ ،‬فهل يجب على االثني عشرية إعادة تغسيله فيما لو أمكنهم ذلك؟‬

‫الفرع الأول‪� :‬صحة غ�سل غير الإمامي للإمامي‬


‫ثمة فتوى فقه ّية بعدم االجتزاء بالغسل الذي يقوم به غير اإلمامي‪ ،‬حتى لو كان غسله‬
‫إن المماثلة في المذهب شرط‬‫مستجمع ًا للشرائط المعتبرة عند اإلمامية االثني عشرية‪ ،‬أي ّ‬

‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.411 - 410‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪262‬‬
‫المغسل (بالفتح) إمامي ًا‪ ،‬فهل يمكن الركون إلى هذه الفتوى؟ وما هو دليلها‬
‫َّ‬ ‫فيما لو كان‬
‫ومستندها؟‬
‫‪--1‬أقوال الفقهاء‬
‫ليس في هذه المسألة إجماع فقهي على بطالن غسل غير اإلمامي لإلمامي‪ ،‬فقد أفتى‬
‫الشهيد األول ‪-‬رحمه الله‪ -‬بالصحة‪ ،‬قال‪« :‬ولو باشر المخالف تغسيل المؤمن فاألقرب‬
‫اإلجزاء»(((‪.‬‬
‫وظاهر العالمة الحلي في التحرير الصحة‪ ،‬حيث قال‪« :‬ال يجوز أن يتولى التغسيل كافر‬
‫فإن فقد‪ ،‬فذات الرحم من فوق الثياب‪ ..‬وكذا‬‫غسله مثله‪ْ ،‬‬
‫إال مع الضرورة‪ ،‬فإن مات مسلم ّ‬
‫غسلها ذو الرحم المحرم من فوق الثياب»(((‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫غسلها مثلها‪ ،‬فإن فقدت ّ‬
‫لو ماتت مسلمة ّ‬
‫محور حديثه هو المسلم وهو شامل لكل المذاهب وال سيما بقرينة ّ‬
‫أن المسلم ذكر في مقابل‬
‫الكافر‪ ،‬وتغسيل المسلم لمثله يقتضي اإلجزاء‪.‬‬
‫وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء‪« :‬يجب كفاي ًة على كا ّفة المك َّلفين المؤمنين وغيرهم‬
‫يصح ما كان عبادة منه إال من المؤمنين األولياء منهم وغيرهم مع عدمهم أو مع‬‫ّ‬ ‫‪ -‬وإن لم‬
‫االستئذان منهم ‪ -‬القيا ُم بما يجب للم ّيت المؤمن‪ ،‬ومن بحكمه‪.(((»..‬‬
‫وقال في بيان أحكام الغسل‪« :‬يجب كفاية على كل مكلف مؤمن أو مخالف أو كافر‬
‫تغسيل من يجب تغسيله من مؤمن أو مؤمنة مماثلين‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬وإن لم يصح إال من المؤمن‪- ..‬‬
‫ّ‬
‫التعذر‪ ،‬فيؤمر النصراني أو النصران ّية بغسل بدنهما‪،‬‬ ‫يصح من غير المؤمن إال مع‬‫ّ‬ ‫وال‬
‫وتغسيل مماثلهما‪ ،‬فيكون الغرض التع ّبد بالصورة‪ ،‬ويؤمران بإيجاد صورة الن ّية‪ ،‬وقد يقال‬
‫بلزوم قيام من حضر من المسلمين بها أو بالسقوط‪ ،‬ويؤمران أيض ًا بالتجنّب عن إصابتهما‬
‫الحق‬
‫ويتسرى الحكم إلى اليهود بل وإلى المخالف ألهل ّ‬ ‫ّ‬ ‫الماء أو بدن الم ّيت إن أمكن‪،‬‬
‫إال في لزوم َغسل البدن قبل التغسيل‪ ،‬فإنّه ال يلزمه ذلك على األقوى‪ ،‬ولو ارتفع العذر قبل‬
‫الدفن أعيد الغسل»(((‪.‬‬

‫((( البيان‪ ،‬ص ‪.69‬‬


‫((( تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.116‬‬
‫(( ( كشف الغطاء‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.254‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪263‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ال اثني عشري ًا»(((‪.‬‬
‫وقال السيد اليزدي‪« :‬يشترط في المغسل أن يكون مسلم ًا بالغ ًا عاق ً‬
‫وع ّلق بعض الفقهاء المعاصرين على كالم صاحب العروة الذي اشترط أن يكون‬
‫الغاسل اثني عشري ًا‪ ،‬قائالً‪« :‬على المشهور»(((‪ ،‬في عبارة ال تخلو من إيحاء بعدم تمامية‬
‫المستند عنده‪ ،‬األمر الذي دفعه ليبني المسألة على االحتياط في بعض فتاواه(((‪.‬‬
‫المغسل اثني عشري ًا فيجزي تغسيل‬
‫َّ‬ ‫بعض الفقهاء صورة ما لو لم يكن‬ ‫وقد استثنى ُ‬
‫مماثله في المذهب له‪ ،‬وسنعود إلى هذا االستثناء في الفرع الثاني‪.‬‬
‫المغسل‬
‫ِّ‬ ‫‪--2‬مدرك الفتوى بشرطية اإلمامية في‬
‫ويظهر من كلمات الفقهاء ّ‬
‫أن المستند لهذه الفتوى هو قاعدة «بطالن عبادات المسلم‬
‫اآلخر»‪ ،‬والغسل عبادة‪ .‬قال السيد الحكيم في بيان مدرك الفتوى المذكورة‪« :‬لبطالن عبادة‬
‫الكافر والمخالف»(((‪.‬‬
‫وقد اعترف السيد الخوئي بعدم وجود دليل خاص في اشتراط اإليمان واإلسالم في‬
‫المغسل‪ ،‬فقال‪« :‬أ ّما اشتراط اإلسالم واإليمان فلم يرد في اعتبارهما دليل‪ ،‬وإنّما اشترطا من‬
‫ِّ‬
‫للنبوة»(((‪.‬‬
‫ال عن الكافر المنكر ّ‬ ‫دل على بطالن عبادة المخالف فض ً‬ ‫جهة ما ّ‬
‫دليل على المماثلة في الدين‪ ،‬بمعنى اشتراط اإلسالم في‬ ‫أقول‪ :‬ما ذكره من عدم وجود ٍ‬
‫ار المتقدمة تدل على ذلك بوضوح‪ ،‬ف َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬أنَّه‬ ‫المغسل‪ ،‬ليس تام ًا‪ ،‬فموثقة َع َّم ِ‬
‫الس َف ِر و َل ْي َس َم َعه َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم و َم َعه ِر َج ٌال ن ََص َارى و َم َعه‬ ‫س ِئ َل َع ِن الرج ِل ا ْلمس ِل ِم يم ُ ِ‬
‫وت في َّ‬ ‫ُ ْ َُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ول َت ْق َر ُبه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخا َلتُه في َقميصه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُي ْصن َُع في ُغ ْسله؟ َق َال‪ُ :‬تغ َِّس ُله َع َّمتُه َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخا َلتُه ُم ْسل َمتَان َك ْي َ‬
‫َع َّمتُه َ‬
‫الس َف ِر و َل ْي َس َم َع َها ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة و َم َع َها نِ َسا ٌء ن ََص َارى و َع ُّم َها‬
‫وت في َّ‬
‫النَّصارى‪ ،‬و َع ِن ا ْلمر َأ ِة تَم ُ ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َت ْق َر ُب َها الن َّْص َران َّي ُة ك ََما كَانَت ا ْل ُم ْسل َم ُة ُتغ َِّس ُل َها َغ ْي َر َأنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخا ُل َها ُم ْسل َمان؟ َق َال‪ُ :‬يغ َِّس َلن َها َ‬ ‫َ‬

‫((( العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.39 - 38‬‬


‫((( تعليقة على العروة الوثقى للسيد السيستاني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.294‬‬
‫(( ( قال‪« :‬يشترط في المغسل أن يكون مؤمن ًا على األحوط وجوبا‪ ،‬فإن لم يوجد مسلم اثنا عشري مماثل‬
‫ً‬
‫للميت‪ ،‬ولم يوجد أحد محارم الميت‪ ،‬جاز أن يغسل الميت مسلم مماثل من غير االثني عشرية»‪،‬‬
‫انظر‪ :‬الفقه للمغتربين‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫(( ( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .97‬ونظيره ما ذكره الشيخ محمد تقي اآلملي في مصباح الهدى في‬
‫شرح العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.480‬‬
‫((( شرح العروة الوثقى‪/‬موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.374‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪264‬‬
‫ُون ع َليها ِدرع َفيصب ا ْلم ِ‬
‫اء م ْن َف ْو ِق الدِّ ْرعِ»(((‪ .‬فقد ّ‬
‫نصت على أنّه في حالة وجود المسلم‬ ‫َيك ُ َ ْ َ ْ ٌ ُ َ ُّ َ ُ‬
‫فال تقرب النصارى الميت المسلم‪ ،‬وهذا دليل على اشتراط اإلسالم في المغسل‪ .‬بل ّ‬
‫إن‬
‫اشتراط اإلسالم في المغسل (بالكسر) يبدو مفروغ ًا منه في الموثقة‪ ،‬ومن هنا كان ّ‬
‫يتوجه‬
‫السؤال فيها إلى حكم فقد المسلم الذي يقوم بغسل الميت من المسلمين‪.‬‬
‫ويمكن أن يذكر وجه آخر لبطالن غسل غير االثني عشري‪ ،‬وهو عدم تأتي نية القربة‬
‫منه‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن هذا الوجه ضعيف للغاية‪ ،‬فن ّية القربة قد تتأتى منه‪ ،‬فهو يؤمن بالله تعالى ويمكنه‬
‫يتقرب إليه‪ .‬وأضعف منه توهم عدم صحة غسله لكفره‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫تم ذلك وإال‬
‫ولهذا فالعمدة هو الدليل األول‪ ،‬أعني بطالن عبادة غير اإلمامي‪ ،‬فإن ّ‬
‫فيحكم بصحة تغسيل المسلم اآلخر ما دام قد راعى شروط التغسيل المعتبرة‪.‬‬
‫ولكن لنا هنا مالحظات‪:‬‬
‫إن بطالن العمل العبادي من مطلق غير اإلمامي ليس تام ًا‪ ،‬وليس‬
‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫واضح الدليل‪ ،‬وربما ألمح إليه بعض الفقهاء(((‪ .‬والروايات الواردة في ذلك ال يستفاد منها‬
‫أكثر من كون الوالية شرط ًا في القبول(((وليست شرط ًا في الصحة‪ ،‬كما أوضحنا ذلك في‬
‫الباب الثاني المتقدم‪.‬‬
‫إن عبادية غسل الميت ال تخلو من تأمل‪ ،‬وإال فكيف ِ‬
‫نفسر تغسيل‬ ‫المالحظة الثانية‪ّ :‬‬
‫النصراني للمسلم في حال فقد مماثله أو أرحامه من المسلمين؟!‬
‫إال أن يقال اعتراض ًا على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن هذا ليس مؤشر ًا على عدم عبادية العمل‪ ،‬إذ العبادة تتأتى من النصراني أيض ًا‪.‬‬
‫تم فهو يؤ ّيد ما جاء في المالحظة األولى‪ ،‬من قبول العمل من المسلم اآلخر‪ ،‬بطريق‬
‫وهذا لو ّ‬
‫ثمة ما يمنع من تأتي نية القربة من الكتابي‪ ،‬فهو يؤمن بالله تعالى حسب‬
‫األولوية‪ ،‬وليس ّ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.159‬‬


‫((( انظر‪ :‬مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.300‬‬
‫(( ( ألمح إليه الشيخ اآلملي فقال‪« :‬وال يخفى أن استفادة شرطية الوالية في صحة العبادة من هذه األخبار‬
‫أيض ًا مشكل ّ‬
‫ألن أقصاها اعتبار الوالية في القبول‪ ،‬ولو سلم فهي منصرفة إلى المخالف»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.321‬‬
‫‪265‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثمة تسالم على دعوى عدم تأتي ن ّية‬
‫الفرض ونوى العمل له وليس لشريكه‪ ،‬كما أنّه ليس ّ‬
‫القربة منه(((‪.‬‬
‫إن عبادية الغسل‬ ‫ثاني ًا‪ :‬مع التسليم ّ‬
‫بأن العبادة ال تتأتى من غير المسلم‪ ،‬فيمكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫أن الذي يلزمه إتيان ن ّية القربة هو المسلمة اآلمرة للنصراني‬‫ال ينبغي التشكيك فيها‪ ،‬بيد ّ‬
‫بتغسيل المسلم‪ ،‬وكونها هي اآلمرة للنصراني بتغسيل المسلم معناه أنّها تستحضر نية القربة‬
‫عند أمرها له‪ ،‬ولو كان المسلم هو اآلمر للنصرانية بالتغسيل فعليه هو أن ينوي نية القربة‪.‬‬
‫إال أن يدعى عدم وجود دليل على إلزام المسلمة بنية القربة‪ ،‬وأمرها (في الرواية) بأن‬
‫تأمر النصراني بالتغسيل ال يستبطن توليها لنية القربة أو إلزامها بذلك‪.‬‬
‫إن ما جاء في المالحظة الثانية لن يستفاد منه عدم عبادية الغسل على إطالقه‪،‬‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫بل في هذه الصورة (تغسيل الكتابي للمسلم) فقط‪ ،‬وهي صورة استثنائية‪ ،‬فيسقط فيها نية‬
‫ّ‬
‫وكأن‬ ‫القربة للضرورة‪ ،‬فما يأتي به الكتابي هو صورة العبادة‪ ،‬كما يظهر من كاشف الغطاء‪،‬‬
‫المطلوب في تغسيل الميت المسلم متعدد‪ ،‬وهو أمران‪ :‬الغسل‪ ،‬وأن يكون ذلك بنية القربة‪،‬‬
‫تعسر الثاني في حال فقد المسلم لم يسقط األول‪ ،‬بأن يأتي به الكتابي‪.‬‬
‫فإذا ّ‬
‫ولك ّن هذا مما ال يستفاد من الروايات بل المستفاد منها وحدة المطلوب‪ّ ،‬‬
‫وأن الغسل‬
‫الذي يأتي به المسلم هو عينه الذي يأتي به الكتابي‪.‬‬
‫فالعمدة هو االعتراض األول‪.‬‬
‫‪--3‬أدلة االجتزاء‬
‫ومنه اتضح أنّه ال دليل على بطالن الغسل الذي أ ّداه غير اإلمامي موافق ًا للشرائط‬
‫أن هذا ال يكفي‪ ،‬إذ يكفي الشك في صحة غسله‪ ،‬فتجري أصالة بطالن‬ ‫المعتبرة‪ ،‬ولكن يبقى ّ‬
‫العبادة‪ ،‬فهل من دليل على االجتزاء بغسله؟‬
‫الجواب‪ :‬يمكن االستدالل على ذلك‪:‬‬
‫فإن ذلك ّ‬
‫محل ابتالء الشيعة‪ ،‬فالكثير‬ ‫أوالً‪ :‬لو كان ذلك باط ً‬
‫ال ألشير إليه في الروايات ّ‬
‫من الشيعة كان أقاربهم وإخوانهم وعشيرتهم من غيرهم‪ ،‬وكان هؤالء يتولون تغسيلهم‬

‫(( ( ولذا وجدنا بعض الفقهاء قد أفتوا أن النصراني المباشر للتغسيل هو من يستحضر نية القربة وليس‬
‫المسلم اآلمر‪ .‬انظر‪ :‬العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،37‬طبعة جماعة المدرسين‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪266‬‬
‫وتجهيزهم وال سيما في ّ‬
‫ظل نظام قبائلي كان سائد ًا ومنتشر ًا‪ ،‬والعشائر ال تقبل أن يتولى‬
‫أمر موتاها أشخاص آخرون‪ ،‬فلو كانت المماثلة في المذهب شرط ًا في صحة الغسل ألشير‬
‫إليها ون ّبه األئمة ‪ ‬عليها‪ ،‬وأرشدوا إلى عدم االجتزاء بهذا الغسل وضرورة إعادته ْ‬
‫إن أمكن‬
‫ذلك‪ ،‬والتنبيه عليها أولى من التنبيه على شرط المماثلة في الدين الذي ذكر في الروايات‪،‬‬
‫ألن االبتالء به كبير‪ ،‬والتق ّية ال تمنع من بيان هذا الشرط كما لم تمنع من بيان غيره من الشرائط‬
‫والموانع واألجزاء المخالفة لما عليه المذهب اآلخر‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬موثقة عمار المتقدمة‪ ،‬فهي ظاهرة في جواز تغسيل المسلم للمسلم‪ ،‬وأريد فيها‬
‫نصها‪.‬‬
‫بالمسلم ما قابل النصراني‪ ،‬كما هو ّ‬
‫وقد ذكرنا في مقدمة هذه البحوث وجه ًا آخر إلثبات الصحة فليراجع‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تغ�سيل غير الإمامي لنظيره‬


‫قال السيد عبد الهادي الشيرازي تعليق ًا على فتوى السيد اليزدي في الفرع السابق‬
‫بالقول‪« :‬إال في المخالف فيجزي لو غسله المخالف على مذهبه»(((‪.‬‬
‫ولكن ما هو الوجه في هذا االستثناء؟‬
‫أقول‪ :‬بنا ًء على ما اخترناه من صحة تغسيله للمؤمن اإلمامي ‪ -‬استناد ًا إلى الوجهين‬
‫المشار إليهما قبل قليل ‪ -‬فيكون إجزاء تغسيله لمماثله في المذهب أشدّ وضوح ًا‪ .‬وأ ّما بنا ًء‬
‫على مبنى الفقهاء القاضي ببطالن عبادات غير اإلمامي فيقع التساؤل عن الوجه أو المستند‬
‫في هذا االستدراك القاضي بصحة تغسيله لمماثله في المذهب؟‬
‫ألن غسله صحيح‪ ،‬قال‬ ‫أن المستند هو قاعدة اإللزام‪ ،‬وليس ّ‬ ‫يظهر من بعض الفقهاء ّ‬
‫السيد الحكيم‪« :‬ثم إنه بناء على وجوب تغسيل الميت المخالف لو َغ َّس َله المخالف ال يحكم‬
‫بوجوب إعادته من المؤمن‪ .‬لقاعدة اإللزام بناء على عمومها لألموات‪ .‬نعم لو غسله غسلنا‬
‫ال بما دل على وجوب تغسيل المسلم‪ ،‬إذ ال مجال فيه‬ ‫كان الالزم القول بوجوب إعادته‪ ،‬عم ً‬
‫لقاعدة اإللزام‪ ،‬فعموم ما دل على بطالن عبادة المخالف بال معارض»(((‪.‬‬
‫ولكن السيد الخوئي اعترض عليه قائالً‪« :‬إنّا قدمنا سابق ًا أن تغسيل الم ِّيت واجب‬

‫((( العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.37‬‬


‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.97‬‬
‫‪267‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫على جميع المسلمين‪ ،‬بال فرق في الم ِّيت بين االثني عشري وغيره من الفرق غير المحكوم‬
‫أن الم ِّيت المخالف إذا غسله مخالف مثله فهل يجب على‬ ‫بكفرهم‪ ،‬وعليه فيقع الكالم في ّ‬
‫االثني عشري أن يعيد تغسيله‪ ،‬لبطالن عمل المخالف فتغسيله كعدم التغسيل‪ ،‬أو أنّه إذا‬
‫علم عدم تمكنه من التغسيل بعد تغسيله وجب عليه المبادرة إلى تغسيله أوالً ولو بالتماس‬
‫واستدعاء ونحوهما‪ ،‬أو ال يجب اإلعادة وال المبادرة حينئذ؟‬
‫والصحيح هو األخير‪ ،‬وهذا ال لقاعدة اإللزام حيث ورد أن «من دان بدين قوم لزمته‬
‫أحكامهم»‪ ،‬أو «ألزموهم بما التزموا به على أنفسهم» ّ‬
‫فإن تلك القاعدة إنّما تجري فيما إذا‬
‫ال لإللزام‪ ،‬كما في الورثة إذا اعتقدوا اإلرث للعصبة وأعطوه لالثني عشري‬ ‫كان المورد قاب ً‬
‫ال ألنّه من عصبتهم‪ ،‬فإنّه يجوز له أخذه إلزام ًا لهم بما التزموا به على أنفسهم‪ ،‬وقد ورد‬
‫مث ً‬
‫أن المخالف إذا ط َّلق زوجته بما هو باطل عند االثني عشري»(((‪.‬‬‫في اإلرث بخصوصه‪ .‬أو ّ‬
‫هذا ولكن لم يتضح الوجه في عدم كون المورد من موارد اإللزام‪ ،‬فإنّه كما يحكم‬
‫‪ -‬استناد ًا إلى قاعدة اإللزام ‪ -‬بإمضاء طالقه غير المستجمع للشروط ويرتب عليه جواز‬
‫عقد الشيعي عليها‪ ،‬كذلك يمكن الحكم بإمضاء تغسيله لمثله في المعتقد ويترتب عليه عدم‬
‫وجوب إعادة الغسل على اإلمامي‪.‬‬
‫ويالحظ ّ‬
‫أن السيد الخوئي بعد أن ب ّين السبب الذي دعاه إلى رفض االستناد في عدم‬
‫وجوب اإلعادة على قاعدة اإللزام‪ ،‬لم يذكر الوجه الذي دعاه إلى الفتوى بعدم وجوب إعادة‬
‫الغسل‪ ،‬ويبدو أنّه قد حصل سهو منه أو من المقرر أو من الناسخ‪.‬‬
‫وربما كان الوجه في ذلك هو أحد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن هذا األمر لو كان واجب ًا لن ّبه عليه األئمة ‪ ،‬فهو مورد ابتالء كبير‪ ،‬مع أننا لم‬
‫نجد في الروايات أي إشارة إلى ضرورة إعادة الغسل الذي جاء به غير االثني عشري‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬هو السيرة الممتدة حيث لم يعهد ّ‬
‫أن المؤمنين الموالين لألئمة ‪ ‬كانوا يعملون‬
‫على غسل سائر المسلمين حتى لو أمنوا الضرر‪.‬‬

‫(( ( موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.376 - 375‬‬


‫الف�صل الرابع‬

‫ال�صالة على غير الإمامي‬

‫المبحث األول‪ :‬وجوب الصالة على كل مسلم‪.‬‬


‫‪--1‬أقوال الفقهاء في المسألة‬
‫‪--2‬دليل القول بوجوب الصالة على كل مسلم‬
‫‪--3‬تفنيد مستند القول بعدم الوجوب‬
‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية الصالة على غير اإلمامي‪.‬‬
‫المقام األول‪ :‬عدد تكبيرات الصالة على غير اإلمامي‪.‬‬
‫السنة والشيعة‬
‫‪--1‬عدد التكبيرات على الميت لدى فقهاء ُّ‬
‫‪--2‬األصل اللفظي والتكبيرات الخمس‬
‫‪--3‬دراسة القول بالتكبيرات األربع في الصالة على غير اإلمامي‬
‫المقام الثاني‪ :‬حكم الدعاء له أو عليه‪.‬‬
‫‪--1‬أقوال الفقهاء في وجوب الدعاء على غير اإلمامي؟‬
‫‪--2‬دراسة دليل القول بوجوب الدعاء عليه‬
‫‪--3‬هل يدعى له؟‬
‫‪--4‬كيفية الدعاء للمستضعف‬
‫هل تجب صالة الميت على غير اإلمامي؟ وإذا كانت واجبة فما هي كيفيتها؟ هل‬
‫تختلف عن الصالة على اإلمامي أم هي نفسها؟ وهل تصح صالة غير اإلمامي على اإلمامي؟‬
‫واإلجابة على هذه األسئلة تفرض علينا أن نعقد ثالثة أبحاث رئيسية‪:‬‬
‫‪269‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫األول‪ :‬هل تجب الصالة على غير اإلمامي من أبناء المذاهب األخرى؟‬
‫الثاني‪ :‬ما هي كيفية هذه الصالة؟‬
‫الثالث‪ :‬هل تصح صالة غير اإلمامي على اإلمامي؟‬
‫والعمدة من هذه المباحث هو األول والثاني‪ ،‬أ ّما الثالث فتحديد الموقف فيه ال يحتاج‬
‫ألن مستند القوم في الحكم بالبطالن وشرط ّية اإليمان بالمعنى‬‫إلى دراسة تفصيلية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫األخص هو قاعدة بطالن عبادة غير اإلمامي(((‪ .‬وقد عرفت في الباب األول ‪ -‬من هذا‬
‫الكتاب ‪ -‬عدم صحة هذه القاعدة‪ .‬وعليه فالظاهر هو الحكم بالصحة فيما لو صلى المسلم‬
‫اآلخر على اإلمامي صالة مستجمعة للشرائط ومنها التكبيرات الخمس‪.‬‬
‫ولذا فسوف يدور الكالم فيما يلي حول المبحثين األول والثاني‪:‬‬

‫المبحث الأول‪ :‬وجوب ال�صالة على كل م�سلم‬


‫ثمة من شكّك في الحكم بوجوب الصالة على غير اإلمامي‪ ،‬بل‬ ‫على الرغم من ّ‬
‫أن ّ‬
‫أن هذا التشكيك في غير محله‪ ،‬وال يساعد‬ ‫لكن الظاهر ّ‬
‫التزم بعدم وجوب الصالة عليه‪ّ ،‬‬
‫عليه الدليل‪ ،‬وهذا ما سوف نبينه فيما يأتي بعد أن نعرض أقوال الفقهاء في المسألة‪ ،‬ثم‬
‫نذكر دليل القول بوجوب الصالة على كل مسلم‪ ،‬لنصل أخير ًا إلى تفنيد مستند القول‬
‫بعدم الوجوب‪.‬‬
‫الصالة على غير المسلم‬
‫أن غير المسلم خارج عن محل‬ ‫وقبل أن ندخل في بيان ذلك‪ ،‬يجدر بنا اإلشارة إلى ّ‬
‫الكالم‪ ،‬الفقهاء المجمعون على عدم مشروعية الصالة على الكافر‪ ،‬لما سيأتي الحق ًا من‬
‫تعليل النهي ‪ -‬في اآلية ‪ -‬عن الصالة على المنافق بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬
‫ُون‬ ‫وسى َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬‬
‫وع ِن الن َّْص َرانِ ِّي َيك ُ‬ ‫ﲯ ﲰ ﲱ ﴾(((‪ ،‬وبموثق َع َّم ِ‬
‫ار ْب ِن ُم َ‬
‫ول َيدْ فِنُه َ‬
‫ول‬ ‫وت؟ َق َال‪َ :‬ل ُيغ َِّس ُله ُم ْسلِ ٌم َ‬
‫ول ك ََر َام َة َ‬ ‫ِِ‬
‫الس َف ِر ُ‬
‫وه َو َم َع ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ين َف َي ُم ُ‬ ‫ِ‬
‫في َّ‬
‫َي ُقو ُم َع َلى َق ْب ِره»(((‪ .‬والنهي عن التغسيل والدفن والقيام على قبره‪ ،‬يستفاد منه النهي عن‬

‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.216‬‬


‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.159‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪270‬‬
‫الصالة باألولوية‪ .‬هذا مع تحفظنا على نفي الكرامة عنه بلحاظ مصادمته لقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﴾(((‪.‬‬

‫‪�1 -1‬أقوال الفقهاء في الم�س�ألة‬


‫المشهور بين فقهائنا وجوب الصالة على كل مسلم‪ ،‬وظاهر البعض هو عدم‬
‫كل مظهر للشهادتين‪ ،‬ما لم يعتقد‬ ‫الوجوب‪ ،‬قال العالمة الحلي‪« :‬المسلم هاهنا هو ّ‬
‫األئمة ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫علي ‪ ‬أو أحد‬
‫خالف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين‪ ،‬كالقادحين في ّ‬
‫كالخوارج‪ .‬أو من غال فيه كالنصير ّية‪ ،‬والسبائ ّية‪ ،‬والخ َّطاب ّية‪ ،‬فهؤالء ال تجب عليهم‬
‫الصالة‪ ،‬ألنّهم جحدوا ركن ًا من الدين‪ ،‬واعتقدوا ما علم بالضرورة بطالنه‪ .‬وتجب‬
‫الصالة على من عداهم»(((‪.‬‬
‫وقال ‪-‬رحمه الله‪ -‬في التذكرة‪ ..« :‬ج ‪ -‬يصلى على كل مظهر للشهادتين من سائر‬
‫فرق اإلسالم وقال أحمد‪ :‬ال أشهد الجهمية وال الرافضة‪ ،‬وال على الواقفي ‪ -‬وبه قال مالك‬
‫وإن مجوس أمتي الذين‬ ‫ألن ابن عمر روى أن رسول الله (ص) قال‪« :‬إن لكل أمة مجوس ًا ّ‬
‫يقولون‪ :‬ال قدر»‪ .‬وقال ابن عبد البر‪ :‬سائر العلماء يصلون على أهل البدع‪ ،‬والخوارج‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬لعموم قوله (ص)‪« :‬صلوا على من قال ال إله إال الله»‪ .‬واستضعفوا الرواية‪ ،‬وعنوا‬
‫تشبيه القدرية بالمجوس‪.‬‬
‫د ‪ -‬ال يصلى على أطفال المشركين إللحاقهم بآبائهم إال أن يسلم أحد أبويه أو يسبى‬
‫منفرد ًا عن أبويه عند الشيخ‪ ،‬ولو سبي مع أحد أبويه لم يلحق بالسابي في اإلسالم‪ ،‬وبه قال‬
‫أبو ثور‪ ،‬وقال أحمد‪ :‬يصلى عليه كما لو سبي منفرد ًا‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ال تجب الصالة على كل من اعتقد ما يعلم بطالنه من الدين ضرورة‪ ،‬كالخوارج‬
‫والغالة‪ ،‬لقدحهم في علي ‪ ،‬وكذا من قدح في أحد األئمة ‪ ‬كالسبئية‪ ،‬والخطابية‪،‬‬
‫ويجب على من عداهم لقوله ‪« :‬صلوا على كل بر وفاجر»(((‪.‬‬
‫وقال الفاضل الهندي تعليق ًا على قول صاحب الشرائع‪( :‬الصالة واجبة على الكفاية‪،‬‬

‫((( سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬


‫((( منتهى المطلب‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.283‬‬
‫(( ( تذكرة الفقهاء‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.24‬‬
‫‪271‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫على كل ميت مظهر للشهادتين)‪« :‬كما في الجمل والعقود((( واإلصباح((( والشرائع(((‪،‬‬
‫«صل على من مات من أهل‬ ‫ولقول الصادق ‪ ‬في خبر طلحة بن زيد‪ :‬عن أبيه ‪ ‬قال‪ِّ :‬‬
‫القبلة‪ ،‬وحسابه على الله»‪ .‬وفي النهاية واالقتصاد والجامع والنافع وشرحه وسائر كتب‬
‫المصنف وكتب الشهيد‪« :‬على كل مسلم»‪ ،‬فيخرج من أنكر ضروري ًا كالخوارج والغالة‬
‫لكفرهم‪ ،‬وفي المبسوط‪ :‬ال يصلى على القتيل من البغاة لكفره‪ ،‬وكذا في الخالف هنا‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫في قتال أهل البغي أنه يصلى عليه‪ ،‬للعموم واالحتياط‪ .‬وقصر الوجوب في المقنعة والكافي‬
‫والوسيلة والسرائر واإلشارة على المؤمن‪ ،‬لألصل‪ ،‬وضعف المعارض‪ ،‬وهو قوي‪ ،‬قال‬
‫الشهيد في البيان‪ :‬وهو متروك‪ .‬وفي الذكرى‪ :‬وشرط سالر في الغسل اعتقاد الميت للحق‪،‬‬
‫بأن المخالف للحق‬ ‫ويلزمه ذلك في الصالة‪ .‬قلت‪ :‬ولعله لتأخرها عنه‪ .‬ثم استدل ابن إدريس ّ‬
‫كافر بال خالف‪ ،‬وقد قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﴾(((‪ ،‬وفيه‪ّ :‬‬
‫أن الظاهر النهي‬
‫عن الدعاء لهم‪ ،‬لما في األخبار من أنه (ص) كان يك ّبر على المنافق أربع ًا‪ ،‬لك ْن في كتاب‬
‫سليم بن قيس‪ :‬أنه لما تقدم رسول الله (ص) ليصلي على ابن ُأ َب ّي أخذ عمر بثوبه من ورائه‬
‫وقال‪ :‬لقد نهاك الله أن تصلي عليه وال يحل لك أن تصلي عليه‪ ،‬فقال له رسول الله (ص)‪:‬‬
‫ال من بني أبيه وأهل بيته‪ ،‬وما‬‫إنما صليت كرامة البنه‪ ،‬وإني ألرجو أن يسلم به سبعون رج ً‬
‫يدريك ما قلت‪ ،‬إنما دعوت الله عليه»(((‪.‬‬
‫وتعليق ًا على هذه الكلمات نقول‪:‬‬
‫أن حدة الخالف التي شهدناها في الموقف من تغسيل المسلم اآلخر لم‬ ‫أوالً‪ :‬يالحظ ّ‬
‫أن بعض الذين أفتوا بحرمة التغسيل أو عدم‬ ‫نشهدها هنا‪ ،‬أي في الصالة عليه‪ ،‬والالفت أيض ًا ّ‬
‫وجوبه كالشيخ الطوسي أفتوا هنا بوجوب الصالة‪ .‬وهذا أمر قد يبدو غريب ًا لكن قادهم إليه‬
‫اجتهادهم‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ذكر الشهيد األول ّ‬
‫أن الفقيه سالر الديلمي حيث إنه اشترط في الغسل «اعتقاد‬
‫الميت للحق»‪ ،‬فيلزمه ذلك في الصالة‪ .‬واحتمل الفاضل الهندي ّ‬
‫أن وجه اإللزام هو تأخر‬

‫كتاب الجمل والعقود في العبادات للشيخ الطوسي‪ ،‬ص ‪ ،88‬واشتهر الكتاب باسم جمل العقود‪.‬‬ ‫(( (‬
‫إصباح الشيعة‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫(( (‬
‫شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.30‬‬ ‫(( (‬
‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬ ‫(( (‬
‫كشف اللثام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.310‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪272‬‬
‫الصالة عن الغسل‪ ،‬وهو احتمال ضعيف‪ ،‬فتأخر الصالة عن الغسل ال يعطيها حكمه‪،‬‬
‫أن كل من وجب تغسيله‬‫ونحوه في الضعف دعوى المالزمة بين الغسل والصالة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫وجبت الصالة عليه‪ ،‬والعكس بالعكس‪ّ ،‬‬
‫فإن هذه الدعوى أشبه بالمصادرة‪ ،‬وال دليل على‬
‫المالزمة بين التغسيل والصالة‪ ،‬كيف وقد فصل بينهما الشيخ الطوسي كما عرفت‪ ،‬بل‬
‫إن االنفكاك بينهما حاصل شرع ًا وباإلجماع‪ ،‬فثمة من ال يجب عليه تغسيله ولكن تجب‬
‫الصالة عليه كالشهيد‪.‬‬
‫نعم تقدم في مبحث تغسيل اآلخر دعوى أخرى‪ ،‬وهي دعوى عدم الفصل‪ ،‬وقد‬
‫ناقشناها أيض ًا‪ ،‬ثم طرحنا ما يصلح توجيه ًا لها‪ ،‬وهو توجيه يصلح هنا‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬إخراج الغالة والخوارج ومن أنكر ضروري ًا عن الحكم بوجوب الصالة‪ ،‬مرهون‬
‫بتقديم الدليل الخاص عليه أو بثبوت كفرهم‪ ،‬فيخرجون تخصص ًا أو تخصيص ًا‪ ،‬والظاهر أنه‬
‫أن كفرهم لم يثبت بقول مطلق‪ ،‬وإنكار الضروري ليس‬ ‫لم يقم دليل خاص على ذلك‪ ،‬كما ّ‬
‫من موجبات الكفر بعنوانه ما لم يستلزم تكذيب النبي (ص)‪ ،‬وقد أوضحنا ذلك في الباب‬
‫األول فراجع‪.‬‬

‫‪2 -2‬دليل القول بوجوب ال�صالة على كل م�سلم‬


‫وما يمكن االستدالل به للقول بوجوب الصالة على كل مسلم‪ ،‬هو ما يلي‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬السيرة القطعية‬
‫فقد كان الكثير من أتباع المذاهب األخرى يموتون وأولياؤهم من اإلمامية‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي أنّهم كانوا يص ّلون عليهم‪ ،‬ولو نُهوا عنها لبلغنا ذلك‪ ،‬بل ّ‬
‫إن البعض من غير اإلمامية‬
‫كانوا في جيش اإلمام علي ‪ ‬والظاهر أنّه كان يصلي عليهم كما ُيصلي على أتباعه المؤمنين‬
‫بواليته‪ ،‬وإال لنقل ذلك واشتهر‪ ،‬بل كان مثار إشكال عليه من قبل الكثيرين‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن االستشهاد بسيرة اإلمام ‪ ‬ال يرقى إلى مستوى القطع أو االطمئنان‪ ،‬وذلك‬
‫أن من المحتمل أن الذي كان يلي‬‫ألنه يتوقف على إحراز صالته على أمثال هؤالء‪ ،‬مع ّ‬
‫أمورهم هم أهلهم وعشائرهم‪ ،‬ويتوقف ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬على نفي أن ال يكون للمداراة دور في‬
‫إن احتمال ّ‬
‫أن التقية منعت اإلمام ‪ ‬من النهي عن‬ ‫صالته عليهم بالطريقة الخاصة‪ .‬أجل‪ّ ،‬‬
‫الصالة بعيد للغاية‪ ،‬إذ ال وجه لحمل فعل أمير المؤمنين ‪ ‬عليها‪.‬‬
‫‪273‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن سيرة المتشرعة هي عمل صامت‪ ،‬فغاية ما تدل عليه هو الجواز بمعناه األعم‬
‫وال تدل على الوجوب كما ال يخفى‪ ،‬وال سيما بمالحظة أن الصالة على الميت غالب ًا ما‬
‫تكون في جماعة‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬الروايات‬
‫والروايات الدالة على ذلك هي مستفيضة‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى عدة مجاميع‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬الروايات التي ُأخذ فيها عنوان «المسلم» أو «الميت من أمتي» أو‬
‫عنوان «أهل القبلة»‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬وهي عدة أخبار‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه ‪ ‬قال‪« :‬صل على من مات‬
‫من أهل القبلة وحسابه على الله»(((‪.‬‬
‫وليس فيها من يتوقف في سنده إال طلحة بن زيد‪ ،‬وقد وصفها السيد الخوئي بالموثقة‪،‬‬
‫وقال‪« :‬وال إشكال في سندها َّإل من جهة طلحة بن زيد‪ ،‬حيث ذكروا أنه ضعيف‪َّ ،‬إل أن‬
‫أن كتابه معتمد عليه بين األصحاب وهو توثيق للرجل‪ ،‬ومنه يظهر ّ‬
‫أن ضعفه إنّما‬ ‫الشيخ ذكر ّ‬
‫كان في عقيدته وإيمانه ال في وثاقته ورواياته»(((‪.‬‬
‫إن اعتماد الكتاب ال يعني توثيق الرجل‪ ،‬وحيث ال يحرز ّ‬
‫أن هذه الرواية من‬ ‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫كتابه المعتمد فال يصح االعتماد عليها في الحكم الشرعي(((‪.‬‬
‫ولكن ال يبعد أن يكون التعبير بـ «كتابه معتمد» هو توثيق له‪ ،‬ألن اعتماد كتابه ال وجه له‬
‫إن لم يكن ثقة في نفسه‪ ،‬فال وجه لكون خصوص هذا الكتاب معتمد ًا‪.‬‬
‫وقد صحح المحقق النراقي الرواية باعتبار أنّها «صحت عن ابن محبوب الذي أجمعت‬
‫العصابة على تصحيح ما يصح عنه‪ ،‬فال يضر وقوع طلحة قبله»(((‪ .‬ولكن هذا ال يثبت التوثيق‬
‫كما حقق في محله‪.‬‬

‫األمالي للصدوق‪ ،‬ص ‪ .286‬والتهذيب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .328‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،3‬ص ‪،133‬‬ ‫(( (‬
‫الباب ‪ 37‬من أبواب صالة الجنازة‪.‬‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬شرح العروة الوثقى‪/‬الطهارة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.181‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.424‬‬ ‫((( ‬
‫مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.276‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪274‬‬
‫وقد أ ّيد السيد الحكيم وثاقته بـ «رواية صفوان عنه في غير المقام»(((‪ .‬وهذا ال بأس به‪،‬‬
‫بنا ًء على ما استظهرناه من األخذ بالتوثيق العام في مشايخ الثالثة الذين ال يروون وال يرسلون‬
‫إال عن ثقة ومنهم صفوان‪ ،‬وطلحة لم يرد فيه طعن ينافي الشهادة العامة بوثاقته‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه ‪ ‬قال‪ :‬قال‪ :‬رسول الله (ص)‪:‬‬
‫«صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القتّال نفسه من أمتي؛ ال تدعوا أحد ًا من أمتي‬
‫بال صالة»(((‪.‬‬
‫والرواية ضعيفة بمحمد بن سعيد بن غزوان(((‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬ما في الدعائم عن علي ‪ ‬أنه قال‪« :‬صلى رسول الله (ص) على‬
‫امرأة ماتت من [في] نفاسها من الزنا‪ ،‬وعلى ولدها‪ ،‬وأمر بالصالة على البر والفاجر من‬
‫المسلمين»(((‪ .‬حيث أخذ فيها عنوان المسلم‪.‬‬
‫ولكن هذه الرواية ال تصح سند ًا للحكم بسبب اإلرسال‪ ،‬هذا بصرف النظر عن مدى‬
‫إمكان الوثوق بالكتاب نفسه‪ ،‬نعم ال ريب أنّها تصلح للتأييد‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬ما روي عنه (ص) مرسالً‪« :‬صلوا على من قال‪ :‬ال إله إال الله»(((‪.‬‬
‫وبالرغم من تردد هذا الحديث في كتب الفقه الشيعية لكن الظاهر أنّه ال وجود له في‬
‫ال عن ابن عمر‪ ،‬وهذا‬ ‫السنة الحديثية‪ ،‬نق ً‬
‫مصادرهم الحديثية‪ ،‬وإنما هو وارد في بعض مصادر ُّ‬
‫نصه‪« :‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪« :‬صلوا على من قال ال إله إال الله‪ ،‬وصلوا‬
‫وراء من قال ال إله إال الله»(((‪.‬‬

‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.210‬‬


‫((( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،469‬والسند في االستبصار هو الدقيق‪ ،‬وحصل اشتباه في التهذيب والوسائل‬
‫في اسم «محمد بن سعيد بن غزوان»‪ ،‬حيث ذكراه هكذا‪« :‬محمد بن سعيد عن غزوان»‪ ،‬وقد التفت‬
‫األردبيلي إلى هذا االشتباه‪ ،‬انظر حول ذلك‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.182 - 181‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬ ‫((( ‬
‫دعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .235‬وعنه بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،78‬ص ‪ .374‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪،286‬‬ ‫(( (‬
‫الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 30‬من أبواب صالة الجنازة‪.‬‬
‫الناصريات للسيد المرتضى‪ ،‬ص ‪ ،245‬والخالف للشيخ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،715 - 714‬وقد تردد هذا الخبر‬ ‫(( (‬
‫في كتب االستدالل بعد الشيخ‪ .‬انظر‪ :‬المعتبر‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 309‬و‪ .330‬ونهاية اإلحكام في معرفة األحكام‬
‫للعالمة الحلي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .236‬وذكرى الشيعة للشهيد األول‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.399‬‬
‫المعجم الكبير للطبراني ج ‪ 12‬ص ‪.342‬‬ ‫(( (‬
‫‪275‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أجل‪ ،‬روى القاضي نعمان المصري في الدعائم مرس ً‬
‫ال عن الباقر ‪ ‬أنّه قال‪« :‬الصالة‬
‫على الميت فرض على الكفاية‪ ،‬لقول النبي (ص) صلوا خلف من قال ال إله إال الله وعلى‬
‫من قال ال إله إال الله»(((‪ ،‬ولكن هذا موجود في هامش كتاب الدعائم‪ ،‬على ّ‬
‫أن تعبير «الصالة‬
‫على الميت فرض على الكفاية»‪ ،‬أشبه بتعبير الفقهاء منه بتعبير اإلمام ‪.‬‬
‫ولهذا ال يصح االعتماد عليه إال على نحو التأييد‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ورد في الصالة على من ال يعرف‪ ،‬من قبيل الروايات التالية‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة محمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما ‪ ‬قال‪« :‬الصالة على‬
‫المستضعف والذي ال يعرف‪ :‬الصالة على النبي (ص)‪ ،‬والدعاء للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬
‫تقول‪ :‬ربنا ﴿ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﴾(((‪ ،‬إلى آخر اآليتين»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ،‬أنه قال‪« :‬الصالة‬
‫على المستضعف والذي ال يعرف مذهبه‪ :‬تصلي على النبي (ص) ويدعى للمؤمنين‬
‫والمؤمنات‪ ،‬ويقال‪ :‬اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم‪ ،‬ويقال في‬
‫الصالة على من ال يعرف مذهبه‪ :‬اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها‪ ،‬اللهم و ّلها ما‬
‫تولت‪ ،‬واحشرها مع من أحبت»(((‪ .‬إلى غيرها من األخبار‪.‬‬
‫وهذه المجموعة يظهر منها المفروغية من وجوب الصالة على المستضعف ومن ال‬
‫يعرف(((‪ ،‬وإنما وقع السؤال عن كيفية هذه الصالة حيث ذكر لها كيفية خاصة‪ ،‬وهي أن يدعو‬
‫المصلي بما جاء في اآليتين المشار إليهما في صحيحة محمد بن مسلم‪.‬‬
‫ولكن هذه األخبار ال داللة فيها على أكثر من بيان حكم المستضعف دون مطلق غير‬
‫اإلمامي‪ .‬على أنه قد يقال بعدم داللتها على الوجوب‪ ،‬غايته أنّها مشروعة‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬ما ورد من ّ‬
‫أن الشهيد الذي ُيدْ َرك وبه رمق يجب تغسيله وتكفينه‬

‫((( دعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .235‬ونقله عنه في جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.4‬‬
‫((( سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫واآلية الثانية هي قوله‬ ‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،67‬الباب ‪ 3‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬حديث ‪.2‬‬
‫﴿ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫ﱑ ﴾ [غافر ‪.] 8‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،67‬الباب ‪ 3‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬حديث ‪.1‬‬
‫(( ( راجع حول معرفة المستضعف ما جاء في الباب األول‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪276‬‬
‫والصالة عليه‪ ،‬وهي عدة أخبار فيها المعتبر‪ ،‬منها‪ :‬موثقة َأبِي َم ْر َي َم َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا‬
‫وص ِّل َي َع َل ْيه وإِ ْن َل ْم َيك ُْن بِه‬ ‫«الش ِهيدُ إِ َذا ك َ‬
‫َان بِه َر َم ٌق غ ُِّس َل و ُك ِّف َن ُ‬
‫وحن َِّط ُ‬ ‫ول‪َّ :‬‬ ‫َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫َر َم ٌق ُدفِ َن فِي َأ ْث َوابِه»(((‪.‬‬
‫وقد استدل السيد الخوئي بهذه األخبار لتعميم القول بوجوب الصالة على الميت لكل‬
‫مسلم‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬وقد دلتنا على أن غير الشهيد أي الذي كان به رمق تجب عليه‬
‫الصالة والتغسيل والتكفين والتحنيط‪ ،‬وإنّما خرج الشهيد عنه‪ ،‬وال نحتمل أن يكون للموت‬
‫في المعركة دخل في ثبوت الحكم‪ ،‬بأن يكون وجوب الصالة أو الدّ فن أو الكفن مختص ًا‬
‫بالمقتول في المعركة غير شهيد»(((‪.‬‬
‫أن مقصوده هو االستدالل بإطالق هذه األخبار‪ ،‬حيث د ّلت على وجوب‬ ‫والظاهر ّ‬
‫الصالة على الشهيد وغيره مطلق ًا أكان إمامي ًا أو غيره‪.‬‬
‫ألن هذه األخبار ليست في صدد‬‫إن االستدالل ال يخلو من تأمل وإشكال‪ّ ،‬‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫البيان من جهة االنتماء المذهبي للشهيد‪ ،‬بل هي في صدد البيان من جهة أخرى‪ ،‬وهي بيان‬
‫حكم القتيل الذي يتم إدراكه وبه رمق‪ ،‬وفرقه عمن ُيدرك ميت ًا‪ ،‬وأما أنّه هل يصلى على هذا أو‬
‫ذاك مطلق ًا وأي ًا كان مذهبه فهذا ما ال يستفاد من روايات هذه المجموعة‪.‬‬
‫المجموعة الرابعة‪ :‬ما ورد في الصالة على من وجد بعض األجزاء من جسده‪،‬‬
‫من قبيل‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة الفضل بن عثمان األعور‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه ‪ ‬في الرجل‬
‫يقتل فيوجد رأسه في قبيلة‪ ،‬ووسطه وصدره ويداه في قبيلة‪ ،‬والباقي منه في قبيلة؟ قال‪« :‬ديته‬
‫على من وجد في قبيلته صدره ويداه‪ ،‬والصالة عليه»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر ‪ ‬عن الرجل‬
‫يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال‪« :‬يغسل ويكفن ويصلى عليه‬
‫ويدفن»(((‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .211‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .159‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.331‬‬ ‫((( ‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.179‬‬ ‫((( ‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .167‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .213‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،135‬‬ ‫((( ‬
‫الباب ‪ 38‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.3‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 1‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫‪277‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫قال السيد الخوئي‪« :‬د َّلت على أن مطلق الم ِّيت يجب تغسيله وتكفينه والصالة عليه‬
‫مؤمن ًا كان أو مخالف ًا»(((‪.‬‬
‫وربما يعترض على هذا االستدالل بعين ما اعترض به على االستدالل بالمجموعة‬
‫أن محط النظر في السؤال والجواب هو بيان حكم من وجدت بعض أجزائه‪،‬‬‫السابقة‪ ،‬وهو ّ‬
‫وما إذا كانت أحكام الميت تشمله أم ال‪ ،‬وال نظر لها إلى بيان الحكم من جهة مذهب‬
‫الشخص‪.‬‬
‫إن الرواية الثانية تصلح لالستدالل من باب ّ‬
‫أن ترك االستفصال دليل‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫العموم‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫أن الموضوع محل ابتالء أو في معرض االبتالء‪.‬‬
‫المجموعة الخامسة‪ :‬ما جاء في بيان العلة في كون التكبيرات على الميت خمسة‪،‬‬
‫أن الصلوات اليومية المفروضة على المسلم‬ ‫أن ع ّلة ذلك هي ّ‬ ‫حيث ذكرت بعض األخبار ّ‬
‫إن الصلوات الخمس مفروضة على‬ ‫هي خمس‪ ،‬فيكبر عليه عن كل صالة تكبيرة‪ ،‬وحيث ّ‬
‫كل مسلم حي فتكون التكبيرات عليه كذلك بعد موته‪ .‬وقد أورد الكليني((( في الباب ثالثة‬
‫أخبار ضعيفة((( السند‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َع ْن َأبِيه َر َف َعه َق َال ُق ْل ُت ألَبِي‬ ‫الخبر األول‪ :‬ما رواه (الكليني) عن َعل ّي ْبن إِ ْب َراه َ‬
‫ت َخ ْمس ًا َف َق َال‪َ :‬و َر َد ِم ْن ك ُِّل َص َل ٍة َتكْبِ َيرةٌ»(((‪.‬‬ ‫َعب ِد ال َّله ‪ ‬لِم ج ِع َل ال َّتكْبِير َع َلى ا ْلمي ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ض َأ ْص َحابِه َع ْن‬ ‫الخبر الثاني‪ :‬ما رواه عن ُم َح َّمد ْبن َي ْح َيى َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن َأ ْح َمدَ َع ْن َب ْع ِ‬
‫ول ال َّله (ص) إِ َّن ال َّله‬ ‫ان ْب ِن َج ْع َف ٍر ا ْل َج ْع َف ِر ِّي َع ْن َأبِيه َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال َق َال َر ُس ُ‬ ‫ُس َل ْي َم َ‬
‫ت ِم ْن ك ُِّل َص َل ٍة َتكْبِ َيرةً»(((‪.‬‬ ‫َتبار َك و َتعا َلى َفر َض الص َل َة َخمس ًا وجع َل لِ ْلمي ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الخبر الثالث‪ :‬ما رواه عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن َع ِل ِّي ْب ِن ا ْل َح َك ِم‬
‫ان ْب ِن َع ْب ِد ا ْل َم ِل ِك ا ْل َح ْض َر ِم ِّي َع ْن َأبِي َبك ٍْر ا ْل َح ْض َر ِم ِّي َق َال‪َ :‬ق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪َ :‬يا َأ َبا‬
‫َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫ت‬ ‫ات‪َ .‬فتَدْ ِري ِمن َأين ُأ ِخ َذ ِ‬ ‫ت؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬خمس َتكْبِير ٍ‬ ‫بك ٍْر تَدْ ِري َك ِم الص َل ُة َع َلى ا ْلمي ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.180‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.181‬‬
‫((( وقد اعترف المجلسي بضعفها في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.48‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.183‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ .‬ورواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪..302‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪278‬‬
‫ات ِم ْن ك ُِّل َص َل ٍة‬ ‫س ص َلو ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َخ ْم ُس؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬أخ َذت ا ْل َخ ْم ُس َتكْبِ َيرات م َن ا ْل َخ ْم ِ َ َ‬
‫َتكْبِ َيرةٌ»(((‪.‬‬
‫بسند فيه جهالة عن أبي الحسن موسى ‪ ‬في‬ ‫الخبر الرابع‪ :‬وروى أيض ًا في باب آخر ٍ‬
‫وج َع َل لِ َم ْوتَاك ُْم ِم ْن ك ُِّل‬ ‫ٍ‬ ‫حديث قال‪« :‬و َل ِك َّن ال َّلطِ َ‬
‫يف ا ْل َخبِ َير َف َر َض َع َل ْيك ُْم َخ ْم َس َص َل َوات َ‬
‫َص َل ٍة َتكْبِ َيرةً»(((‪.‬‬
‫وفي هذا المجال يوجد تفسير آخر ذكرته األخبار الختالف عدد التكبيرات في الصالة‬
‫أن أركان الدين التي يؤمن بها اإلمامي خمسة‪ ،‬وهي الصالة‬ ‫على اإلمامي وغيره‪ ،‬وهو ّ‬
‫والصوم والحج والزكاة والوالية‪ ،‬بينما األركان التي يؤمن بها غير اإلمامي أربعة‪ ،‬وهي ما‬
‫تقدم باستثناء الوالية‪ ،‬وستأتي اإلشارة إلى ذلك الحق ًا‪.‬‬
‫ومن األخبار التي قد تصلح لالستشهاد بها في المقام‪ :‬ما ورد في الصالة على المنافق‪،‬‬
‫أن الصالة عليه مفروغ منها‪ ،‬غايته أنّها مؤلفة من أربع تكبيرات‪ ،‬وليس خمس ًا‪،‬‬
‫مما يظهر منه ّ‬
‫وغير اإلمامي ليس أسوأ حاالً من المنافق‪ .‬وستأتي هذه األخبار‪.‬‬

‫‪3 -3‬تفنيد م�ستند القول بعدم الوجوب‬


‫وأ ّما القول بعدم وجوب الصالة على اآلخر المذهبي‪ ،‬فقد استدل أو يمكن االستدالل‬
‫له باألدلة والوجوه التالية‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬مقتضى األصل‬
‫وهو ما تقدم في كالم الفاضل الهندي‪.‬‬
‫ولكن يرده‪ :‬أنه وفي ضوء ما تقدم من وجود أدلة إلثبات القول بوجوب الصالة على‬
‫كل مسلم أي ًا كان مذهبه‪ ،‬يتضح أنّه ال يصح التمسك باألصل لنفي الوجوب‪ّ ،‬‬
‫ألن األصل‬
‫العملي القاضي بفساد العمل العبادي الذي لم ينهض عليه دليل ال يرجع إليه مع وجود‬
‫النصوص أو األدلة المعتبرة على الحكم‪.‬‬

‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .183‬ورواه الشيخ في تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .189‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.302‬‬
‫ً‬
‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .208‬ورواه أيضا البرقي في المحاسن‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .313‬قال المجلسي في وصفه‪:‬‬
‫مجهول‪ .‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.138‬‬
‫‪279‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الدليل الثاني‪ :‬وهو الذي اعتمد عليه ابن إدريس‪ ،‬من القول بكفر اآلخر المذهبي‪ ،‬كما‬
‫مر في ثنايا هذه البحوث‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكنك عرفت في الباب األول من هذا الكتاب ضعف هذا القول ووهنه‪ّ ،‬‬
‫وأن الصحيح‬
‫هو الحكم بإسالم كل مظهر للشهادتين(((‪.‬‬
‫وجهان آخران‬
‫وقد يستدل للقول بعدم وجوب الصالة عليه بالوجهين اللذين ذكرا لنفي وجوب‬
‫تغسيله وهما‪:‬‬
‫أن معاوية قال للحسين‪ :‬هل بلغك ما‬ ‫أوالً‪ :‬رواية االحتجاج‪ :‬عن صالح بن كيسان ّ‬
‫صنعنا بحجر بن عدي وأصحابه شيعة أبيك؟ فقال ‪ :‬وما صنعت بهم؟ قال‪ :‬قتلناهم‬
‫وكفناهم وصلينا عليهم‪ ،‬فضحك الحسين ‪ ‬فقال‪ :‬خصمك القوم يا معاوية‪ ،‬لكنا لو قتلنا‬
‫شيعتك لما كفناهم‪ ،‬وال غسلناهم‪ ،‬وال صلينا عليهم‪ ،‬وال دفناهم»(((‪ .‬ونحوه ما في تاريخ‬
‫اليعقوبي(((‪.‬‬
‫«وأن الصالة على الميت إكرام ودعاء له وغير المؤمن ال يستحق شيئ ًا منهما»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪:‬‬
‫والجواب الذي ذكرناه عن هذين الوجهين هناك يأتي بحذافيره هنا‪.‬‬
‫أن هذين الوجهين ال يصلحان لالستدالل‪ ،‬لضعف الخبر‪ ،‬وكونه أخص‬ ‫ولكننا قدمنا ّ‬
‫من المدعى‪ ،‬واحتمال كونه ناظر ًا إلى الناصبي‪ ،‬وأ ّما الوجه الثاني ّ‬
‫فألن كون اآلخر ليس أه ً‬
‫ال‬
‫أن التكريم ليس هو ع ّلة الصالة عليه‪ ،‬فال يدور‬ ‫للتكريم واالحترام هو أول الكالم‪ ،‬على ّ‬
‫الحكم مداره‪ ،‬يقول المحقق الهمداني تعليق ًا على الوجه الثاني‪« :‬وأما ما قيل من ّ‬
‫أن الصالة‬
‫على الميت إكرام ودعاء له‪ ،‬ففيه أنه ال إحاطة لنا بمناط األحكام التعبدية‪ ،‬فمن الجائز أن‬

‫يقول الفقيه الهمداني‪« :‬وأما ما عن جملة من القدماء والمتأخرين من منع تغسيل المخالف والصالة‬ ‫(( (‬
‫عليه فهو بحسب الظاهر بناء منهم على كفره كما هو صريح بعضهم‪ ،‬وقد عرفت في محله ضعف هذا‬
‫البناء‪ ،‬وكيف كان فالظاهر عدم خالف يعتد به في وجوب الصالة على كل من حكم بإسالمه وإن كان‬
‫مخالف ًا للحق»‪ .‬انظر‪ :‬مصباح الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬القسم ‪ ،2‬ص ‪.493‬‬
‫االحتجاج للطبرسي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .19‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،515‬الباب ‪ 18‬من أبواب غسل‬ ‫((( ‬
‫الميت‪ ،‬الحديث ‪.3‬‬
‫تاريخ اليعقوبي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.231‬‬ ‫(( (‬
‫مصباح الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬القسم ‪ ،2‬ص ‪.493‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪280‬‬
‫يكون وجه وجوبها إعظام إظهار الشهادتين‪ ،‬والدعاء ال يجب أن يكون له بل قد يكون عليه‬
‫أو لوالديه أو بالحشر مع من يتواله أو غير ذلك مما ستعرف»(((‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬كيفية ال�صالة على غير الإمامي‬


‫هل ّ‬
‫إن الصالة على غير اإلمامي تختلف عن الصالة على اإلمامي؟‬
‫إن الصالة على اإلمامي تختلف عن الصالة على غير اإلمامي‪ ،‬فالصالة على‬ ‫ربما يقال‪ّ :‬‬
‫األخير هي أربع تكبيرات بينما الصالة على اإلمامي هي خمس تكبيرات‪ ،‬كما أنه ربما قيل‬
‫بأنه يدعى للميت اإلمامي في الصالة‪ ،‬وأما غيره فيدعى عليه فيها‪ ،‬ولذا يجدر بنا البحث في‬
‫هذه المسألة في مقامين‪:‬‬
‫األول‪ :‬في عدد التكبيرات على الميت‪ ،‬وهل يختلف اإلمامي عن غيره فيها؟‬
‫الثاني‪ :‬في حكم الدعاء له أو عليه‪.‬‬
‫المقام األول‪ :‬عدد تكبيرات الصالة على غير اإلمامي‬
‫هل يختلف اإلمامي عن غيره من حيث التكبيرات في الصالة؟‬
‫واإلجابة على ذلك سوف نتناولها من خالل عدة وقفات‪ ،‬في األولى منها نلقي نظرة‬
‫على أقوال علماء الفريقين في عدد التكبيرات‪ ،‬وفي الثانية منها ندرس إمكانية تأسيس أصل‬
‫لفظي بوجوب التكبيرات الخمس على كل مسلم‪ ،‬لننطلق بعد ذلك ‪ -‬في الفقرة الثالثة ‪ -‬إلى‬
‫أدلة القول بوجوب التكبيرات األربع على غير اإلمامي‪ ،‬وما إذا كانت تامة وصالحة لتقييد‬
‫المطلقات‪.‬‬

‫ال�سنة وال�شيعة‬
‫‪1 -1‬عدد التكبيرات على الميت بين ُّ‬
‫أن عدد التكبيرات على الميت أربع‪ ،‬مع أنّهم رووا‬ ‫السنة على ّ‬
‫استقر الرأي عند ُّ‬
‫رواية الخمس‪ ،‬ونقلوها قوالً لبعض الصحابة‪ ،‬قال السرخسي الحنفي‪« :‬والصالة‬
‫على الجنازة أربع تكبيرات وكان ابن أبي ليلى يقول خمس تكبيرات‪ ،‬وهو رواية عن‬
‫أبي يوسف ‪-‬رحمه الله تعالى‪ ،-‬واآلثار قد اختلفت في فعل رسول الله (ص) فروي‬
‫أن آخر فِ ْع ِله كان أربع تكبيرات‪ ،‬فكان‬
‫الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك‪ ،‬إال ّ‬

‫((( مصباح الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬القسم ‪ ،2‬ص ‪.493‬‬


‫‪281‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫هذا ناسخ ًا لما قبله‪ ،‬وأن عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد‬
‫التكبيرات وقال لهم إنكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم أشدّ اختالف ًا فانظروا آخر صالة‬
‫صالها رسول الله (ص) على جنازة فخذوا بذلك‪ ،‬فوجدوه صلى على امرأة ك ّبر عليها‬
‫وألن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة في سائر الصلوات وليس في‬ ‫ّ‬ ‫أربع ًا فاتفقوا على ذلك‪،‬‬
‫أن ابن أبي ليلى ‪-‬رحمه الله‪ -‬يقول‪ :‬التكبيرة‬ ‫المكتوبات زيادة على أربع ركعات‪ ،‬إال ّ‬
‫األولى لالفتتاح‪ ،‬فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات‪ ،‬كل تكبيرة قائمة مقام ركعة‪.‬‬
‫أن علي ًا ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬كان يك ّبر على أهل بيته خمس تكبيرات‬ ‫وأهل الزيغ يزعمون ّ‬
‫وعلى سائر الناس أربع ًا‪ ،‬وهذا افتراء منهم عليه‪ ،‬فقد روي أنّه ك ّبر على فاطمة أربع ًا‪،‬‬
‫وروي أنّه إنما صلى على فاطمة أبو بكر وكبر عليها أربع ًا‪ ،‬وعمر صلى على أبي بكر‬
‫وك ّبر أربع ًا»(((‪.‬‬
‫ولنا أن نسجل بعض المالحظات على كالم السرخسي‪:‬‬
‫إن ما جاء في الروايات الصحيحة والمستفيضة عن أهل البيت ‪( ‬سيأتي بعضها‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫الحق ًا) بل ربما ادعي تواترها((( هو التأكيد على الخمس‪ ،‬وعليه المعول عند فقهائنا وادعي‬
‫عليه اإلجماع‪ ،‬بل ولعله من ضروريات المذهب كما ع ّبر بعض الفقهاء(((‪ ،‬وقد التزم الشيعة‬
‫باألخذ بقول األئمة من أهل البيت ‪ ‬وهم أدرى بما فعله جدهم علي ‪ ،‬بل وهم أعلم‬
‫بسنة جدهم المصطفى (ص)‪ ،‬وال سيما أنّهم المرجع العاصم لألمة من الضالل بنص‬
‫السنة أيض ًا(((‪ ،‬وتبناها من فقهائهم ابن أبي‬ ‫حديث الثقلين‪ ،‬على ّ‬
‫أن رواية الخمس قد رواها ُّ‬

‫((( المبسوط‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .63‬ونحوه ما في بدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.312‬‬


‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.234‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫((( ففي خبر زيد بن أرقم «أنّه كان يكبر على جنائزنا أربع ًا‪ ،‬وك ّبر على جنازة خمس ًا‪ ،‬وقال‪ :‬كان‬
‫رسول الله (ص) يكبرها»‪ ،‬انظر‪ :‬مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .377‬قال الشهيد األول‪ :‬ولفظة «كان»‬
‫تشعر بالدوام‪ ،‬انظر‪ :‬ذكرى الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .429‬أقول‪ :‬ولعله أخذ ذلك من العالمة في‬
‫التذكرة‪ ،‬حيث قال‪« :‬وقال أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المغربي المالكي في‬
‫كتابه الموسوم بالمعلم بفوايد مسلم‪ .‬المحدث‪ ،‬في حديث مسلم‪« :‬أن زيد ًا ك ّبر خمس ًا على‬
‫جنازة‪ ،‬وقال‪ :‬كان رسول الله (ص) يكبرها»‪« :-‬وقد قال به بعض الناس‪ ،‬وهذا المذهب اآلن‬
‫متروك‪ ،‬ألن ذلك صار علم ًا على القول بالرفض»‪ ،‬انظر‪ :‬التذكرة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،472‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫«إن يزيد ًا كبر خمس ًا»‪ .‬المستند‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،300‬وهو خطأ والصحيح زيد‬
‫وفي المستند للنراقي‪ّ :‬‬
‫وليس يزيد‪ .‬والمراد به زيد بن أرقم‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪282‬‬
‫شراح مسلم‪ :‬من أنه «إنما تُرك‬ ‫ليلى وأبو يوسف في رواية عنه‪ .‬والغريب ما نقل عن بعض ّ‬
‫القول بالخمس‪ ،‬ألنه صار علم ًا للتشيع»(((‪ .‬وهذا المعنى له نظائر كثيرة(((‪.‬‬
‫إن الرجوع إلى آخر صالة صالها النبي (ص) وهو الذي اقترحه الخليفة الثاني‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ألن فعل النبي (ص)‬ ‫عمر بن الخطاب وإن كان قد يحسم النزاع‪ ،‬لكنه ليس الزم ًا‪ ،‬وذلك ّ‬
‫صامت وال يفسر نفسه بنفسه‪ ،‬ولو ثبت أن آخر صالة صالها (ص) كانت بأربع تكبيرات‪ ،‬فال‬
‫يدل ذلك على تعيين األربع‪ ،‬إذ ربما كانت المرأة منافقة‪ ،‬وقد أكدت روايات أهل البيت ‪‬‬
‫أن الصالة على المنافق تكون بأربع تكبيرات حتى إنّه كان ذلك (أي التكبير أربع ًا) آية النفاق‬ ‫ّ‬
‫كما سيأتي‪ ،‬وعليه‪ ،‬فال وجه لدعوى أن اعتماده (ص) في آخر صالة صالها أربع تكبيرات قد‬
‫فدل أن ما تقدم‬ ‫«خرج مخرج التناسخ‪ ،‬حيث لم تحمل األمة األفعال المختلفة على التخيير‪ّ ،‬‬
‫نسخ بهذه التي صالها آخر صالته»(((‪ .‬فمع ورود االحتمال الذي ذكرناه فال وجه لدعوى‬
‫النسخ‪ ،‬ويكون مرد اختالف الفعل إلى اختالف الحاالت‪ .‬وأضف إليه أنّه ال مرجح للنسخ‬
‫أن األمة لم تحمل األفعال المختلفة على التخيير غير‬ ‫على التخيير لو تمت أدلته‪ ،‬ودعوى ّ‬
‫يتم في حال تغاير األفعال وتباينها ال ما إذا كان الحال من قبيل الزيادة في‬ ‫ألن هذا ّ‬‫سديدة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫الفعل عينه‪ ،‬وإال فاحتمال التخيير عندئذ ال دافع له‪.‬‬
‫إن التخيير في التكبيرات بين األربع والست والسبع موجود في بعض الروايات‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫المروية من طرق الشيعة‪ ،‬من قبيل رواية جابر قال‪ :‬سألت أبا جعفر ‪ ‬عن التكبير على‬
‫الجنازة هل فيه شيء موقت؟ فقال‪« :‬ال‪ ،‬ك ّبر رسول الله (ص) إحدى عشرة‪ ،‬وتسع ًا‪ ،‬وسبع ًا‪،‬‬
‫وخمس ًا‪ ،‬وس ّت ًا‪ ،‬وأربع ًا»(((‪.‬‬
‫ونظيرها رواية عقبة عن جعفر قال‪ :‬سئل جعفر ‪ ‬عن التكبير على الجنائز فقال‪ :‬ذاك‬
‫إلى أهل الميت ما شاؤوا كبروا‪.(((»..‬‬
‫ولك ّن هذين الخبرين مبتليان بضعف السند‪ ،‬وأضاف بعض الفقهاء إلى ذلك ّ‬
‫أن ما‬
‫مرات متروك باإلجماع‪ ،‬ويجوز ْ‬
‫أن يكون ‪‬‬ ‫تضمنه الخبران «من زيادة التكبير على الخمس ّ‬
‫ّ‬

‫(( ( ذكرى الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.429‬‬


‫(( ( تقدم ذكر جملة منها في الباب الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬
‫(( ( كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.312‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،86‬الباب الباب ‪ 6‬من أبواب الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.17‬‬
‫((( التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.318‬‬
‫‪283‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ٍ‬
‫بجنازة‬ ‫ٍ‬
‫جنازة) واحدة أو اثنتين فيجاء‬ ‫أخبر عن فعل النبي (ص) بذلك‪ ،‬ألنّه كان يك ّبر (على‬
‫أخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات‪ ،‬فإذا ُأضيف ذلك إلى ما كان ك ّبر زاد على‬
‫الخمس تكبيرات‪ ،‬وذلك جائز»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لكن هذا الحمل ال وجه له‪ ،‬وهو مخالف لظاهر الروايتين‪ ،‬حيث إنهما نفتا أن‬
‫يكون العدد مؤقت ًا شرع ًا ّ‬
‫وأن األمر في ذلك إلى أهل الميت‪.‬‬
‫إن نسبة األربع إلى الخليفة الثاني وجعلها من مبتدعاته والحديث غمز ًا عن‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫تصرف في تعيينه لألربعة «وكأنه لواليته على اإلسالم والمسلمين»(((‪،‬‬ ‫أنّه ‪-‬أي عمر‪ّ -‬‬
‫السنة عنه ‪ -‬أمر‬‫ألن عمر ‪ -‬وفق ًا لما رواه ُّ‬‫ال يخلو من مالحظة وإشكال‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الصحابة بأن يأخذوا بآخر صالة صالها النبي (ص) درء ًا لالختالف‪ ،‬فلما قالوا ّ‬
‫إن‬
‫أقرها واعتمدها‪ ،‬ووجه اعتماده لها دون سواها‬ ‫صالته األخيرة كانت بأربع تكبيرات ّ‬
‫أن الفعل األخير ناسخ لما‬ ‫إ ّما أنّه من باب التدبير‪ ،‬ودرء ًا لالختالف‪ ،‬وإما اعتماد ًا على ّ‬
‫فإن اجتهاده هذا ليس بحجة شرع ًا‪ ،‬لما ثبت من‬ ‫عما تقدم ّ‬‫تقدم‪ ،‬ولكن بصرف النظر ّ‬
‫تع ّين الخمس‪.‬‬
‫ثان على تع ّين التكبيرات األربع من ّ‬
‫أن «كل تكبيرة‬ ‫رابع ًا‪ :‬ما ذكره السرخسي كدليل ٍ‬
‫قائمة مقام ركعة في سائر الصلوات وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات»‪ ،‬ال يمكن‬
‫التعويل عليه إال إذا جاء في نص عن النبي (ص)‪ .‬فهذا مجرد استحسان ال يمكن استنباط‬
‫أن الخمس‬ ‫األحكام الشرعية باالستناد إليه‪ ،‬على أنّه قد ورد عن األئمة ‪ - ‬كما تقدّ م ‪ّ -‬‬
‫أن ذلك ُأخذ من‬‫أخذت من الصلوات الخمس المكتوبة‪ ،‬وفي روايات أخرى ‪ -‬ستأتي ‪ّ -‬‬
‫أركان اإلسالم الخمسة‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬ما ألمح إليه كالم ابن أبي ليلى المتقدم حيث كان‪« :‬يقول التكبيرة األولى‬
‫لالفتتاح‪ ،‬فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة»‪ ،‬ربما يفسر‬
‫لنا منشأ االختالف والتردد بين األربع والخمس‪ ،‬فربما كان العادون لألربع ال يحتسبون‬
‫التكبيرة األولى على أساس أنها تكبيرة إحرام أو افتتاح‪ ،‬بينما القائلون بالخمس كانوا‬
‫يحتسبونها‪ ،‬فيكون ذلك وجه ًا للصلح والجمع بين القولين‪ .‬وفي بعض الروايات الواردة من‬

‫((( استقصاء االعتبار في شرح االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.396‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.225‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪284‬‬
‫أن التكبيرة األولى هي استفتاح‪ ،‬وهي خبر يونس عن أبي عبد الله ‪‬‬ ‫طرق الشيعة ما يؤيد ّ‬
‫قال‪ :‬قال‪« :‬الصالة على الجنائز التكبيرة األولى استفتاح الصالة‪.(((»..‬‬
‫وثمة وجه آخر ورد في روايات الشيعة يصلح لتفسير االختالف والتردد بين األربع‬ ‫ّ‬
‫والخمس‪ ،‬وهو ما جاء في الخبر عن أبي بصير قال‪ :‬كنت عند أبي عبد الله ‪ ‬جالس ًا فدخل‬
‫رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال‪ :‬خمس تكبيرات‪ ،‬ثم دخل آخر فسأله عن الصالة‬
‫على الجنائز فقال له‪ :‬أربع صلوات فقال األول‪ :‬جعلت فداك سألتك فقلت خمس ًا وسألك‬
‫هذا فقلت أربع ًا!؟ فقال‪ :‬إنّك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصالة‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنّها خمس‬
‫تكبيرات بينهن أربع صلوات‪ ،‬ثم بسط كفه‪ ،‬فقال‪ :‬إنّه ّن خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات»(((‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬ما نسبه السرخسي إلى «أهل الزيغ» ونسبه الكاشاني بعده في «بدائع الصنائع»‬
‫إلى «الرافضة»(((‪ ،‬من أنهم افتروا على علي ‪ ‬بأنه كان يكبر على أهل بيته خمس تكبيرات‬
‫وعلى سائر الناس أربع ًا‪ ،‬هو مما ال أصل له في مصادر الشيعة‪ .‬أجل ورد في بعض الروايات‬
‫أنّه ك ّبر على سهل بن حنيف سبع تكبيرات‪ ،‬وهي رواية الحسن بن زيد أنه قال‪« :‬ك ّبر علي‬
‫ابن أبي طالب ‪ ‬على سهل بن حنيف سبع تكبيرات وكان بدري ًا‪ ،‬وقال‪ :‬لو ك ّبرت عليه‬
‫سبعين لكان أهالً»(((‪ .‬لكنه ضعيف ومعارض بما هو صحيح‪ ،‬وهو ما رواه ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي‬
‫َان بدْ ِري ًا َخمس َتكْبِير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ك َّب َر َأم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن ‪َ ‬ع َلى َس ْه ِل ْب ِن ُحنَ ْيف وك َ َ ّ ْ َ‬
‫ُثم م َشى سا َع ًة‪ُ ،‬ثم و َضعه و َكبر َع َليه َخمس ًة ُأ ْخرى‪َ ،‬فصنَع َذلِ َك حتَّى َكبر َع َليه َخمس ًا ِ‬
‫وع ْش ِري َن‬ ‫َّ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ْ ْ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫َتكْبِ َيرةً» ‪ .‬وما جاء في الخبر األخير هو من تكرار الصالة وليس صالة واحدة كما ال يخفى‪.‬‬ ‫(((‬

‫سابع ًا‪ :‬ما جاء في آخر كالمه من أنّه روي ّ‬


‫أن علي ًا ‪ ‬ك ّبر على فاطمة أربع ًا‪ ،‬ال يصغى إليه‪،‬‬
‫ألن أوالد فاطمة أدرى بذلك‪ ،‬وأضعف منه وأوهن قوله‪« :‬وروي أنّه إنّما صلى على‬ ‫واه جد ًا‪ّ ،‬‬‫فهو ٍ‬
‫أن علي ًا هو من صلى عليها‬‫فاطمة أبو بكر»‪ ،‬فهذا ال يستقيم مع ما ُعرف وذكر في التواريخ‪ ،‬من ّ‬
‫ال دون أن يؤذن أو يخبر أحد ًا بذلك‪ ،‬قال المسعودي‪« :‬وتولى غسلها أمير المؤمنين‬ ‫ودفنها لي ً‬
‫ال بالبقيع وقيل غيره‪ ،‬ولم يؤذن بها أبو بكر وكانت‬ ‫علي بن أبي طالب ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬ودفنها لي ً‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.318‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫(( ( كتاب بدائع الصنائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.313‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،84‬الباب ‪ 6‬من صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.12‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 1‬من الباب‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها (ص) من فدك وغيرها وما كان بينهما من النزاع في ذلك إلى‬
‫أن ماتت‪ ،‬ولم يبايع علي ‪ ‬أبا بكر رضي الله عنه إلى أن توفيت»(((‪ .‬وقال ابن حبان (‪354‬هـ)‬
‫في ترجمة السيدة الزهراء ‪« :‬توفيت بعد أبيها (ص) بستة أشهر وصلى عليها علي ولم يؤذن‬
‫نصت عليه المصادر الشيعية بشكل واضح ال لبس فيه(((‪.‬‬ ‫بها أحد ًا ودفنها ليالً»(((‪ .‬وهذا األمر قد ّ‬
‫إن الدليل العام ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬ناهض على تع ّين التكبيرات الخمس‬ ‫وقصارى القول‪ّ :‬‬
‫في الصالة على الميت‪ ،‬وأ ّما روايات األربع فال تصح‪ ،‬وتحتمل بعض التفسيرات المتقدمة‬
‫من الحمل على المنافق‪ ،‬أو على عدم احتساب األولى لكونها تكبيرة استفتاح‪ ،‬أو لالشتباه‬
‫أن التكبيرات خمس والصلوات أربع‪.‬‬ ‫بين التكبيرة والصالة‪ ،‬حيث أكّد الخبر المتقدم ّ‬

‫‪2 -2‬الأ�صل اللفظي والتكبيرات الخم�س‬


‫أن المعتمد في مدرسة أهل البيت ‪ ‬هو وجوب خمس تكبيرات على الميت‪،‬‬ ‫اتضح ّ‬
‫وقبل الحديث عما إذا كان هذا الحكم مختص ًا بالشيعي اإلمامي‪ ،‬أو أنه يشمل غيره أيض ًا‪،‬‬
‫بمعنى أنّه يجب على المسلم الشيعي أن يصلي بخمس تكبيرات على كل ميت مسلم ولو لم‬
‫يكن إمامي ًا‪ ،‬يتحتم علينا أن نرى إذا ما كان لدينا في البين إطالق أو عموم لفظي في المسألة‬
‫يرجع إليه‪ ،‬ما لم يدل دليل على تخصيصه أو تقييده‪ ،‬فهل من أصل لفظي في المقام؟‬
‫إن المستفاد من العديد من الروايات ّ‬
‫أن الواجب في الصالة على الميت‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫خمس تكبيرات‪ ،‬وهي مطلقة وشاملة لكل مسلم‪ ،‬أي ًا كان مذهبه‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬التكبير على‬
‫الميت خمس تكبيرات»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ما عن كليب األسدي قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن التكبير على‬
‫الميت؟ فقال بيده خمس ًا»(((‪ .‬وكليب األسدي برأي السيد الخوئي ال توثيق له(((‪ ،‬ولكن‬
‫يمكن توثيقه برواية صفوان بن يحيى وابن أبي عمير عنه بسند صحيح(((‪.‬‬

‫التنبيه واإلشراف للمسعودي‪.250 ،‬‬ ‫(( (‬


‫الثقات‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.334‬‬ ‫(( (‬
‫علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.188‬‬ ‫((( ‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،47‬الباب ‪ 5‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.6‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 7‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.238‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪212‬؛ وج ‪ ،6‬ص‪.293‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪286‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة أبي والد قال‪« :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن التكبير على الميت؟‬
‫فقال‪ :‬خمس ًا»(((‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪« :‬التكبير على الميت‬
‫خمس تكبيرات»(((‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬صحيحة عبد الله بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله الصادق ‪ ،‬أنّه قال‪:‬‬
‫«لما مات آدم ‪ ‬فبلغ إلى الصالة عليه فقال هبة الله لجبرائيل‪ :‬تقدّ م يا رسول الله ّ‬
‫فصل‬ ‫ّ‬
‫على نبي الله‪ ،‬فقال جبرائيل ‪ّ :‬‬
‫إن الله أمرنا بالسجود ألبيك فلسنا نتقدّ م أبرار ولده وأنت‬
‫محمد (ص)‪،‬‬ ‫وجل على أ ّمة ّ‬‫عز ّ‬ ‫أبرهم‪ ،‬فتقدّ م فكبر خمس ًا عدّ ة الصلوات التي فرضها الله ّ‬
‫من ّ‬
‫وهي السنّة الجارية في ولده إلى يوم القيامة» ‪.‬‬
‫(((‬

‫إلى غير ذلك من الروايات‪ ،‬الظاهرة في انحصار العدد بخمس تكبيرات وال ُيزاد عليها‬
‫وال ينقص‪.‬‬
‫«أن الله تبارك وتعالى فرض الصالة خمس ًا‬
‫نصت على ّ‬
‫ويؤيدها األخبار المتقدمة التي ّ‬
‫وجعل للميت من كل صالة تكبيرة»‪.‬‬

‫‪3 -3‬درا�سة القول بالتكبيرات الأربع في ال�صالة على غير الإمامي‬


‫والسؤال بعد هذا‪ :‬هل هناك ما يوجب رفع اليد عن األصل اللفظي المتقدم الذي ّ‬
‫دل‬
‫على وجوب التكبيرات الخمس؟ ويقيد اإلطالقات بخصوص الشيعة؟‬
‫نبين الجواب على ذلك من خالل العنوانين التاليين‪:‬‬
‫العنوان األول‪ :‬الصالة على المنافق‬
‫المنافق وهو من يبطن الكفر ويظهر اإلسالم(((‪ ،‬فهو محكوم بالكثير من أحكام‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولكن هل الصالة منها فتجب عليه؟ وعلى فرضها‪ ،‬فهل تختلف عن الصالة على‬
‫المسلم غير المنافق؟‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪212‬؛ وج ‪ ،6‬ص‪ 9 ،293‬من الباب‪.‬‬ ‫((( ‬


‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 10‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬الحديث ‪ 13‬من الباب‪.‬‬ ‫(( (‬
‫هذا البحث مبني على ما هو المشهور عندهم في الحكم على المنافق باإلسالم الظاهري‪ ،‬ولكننا قد‬ ‫(( (‬
‫رجحنا رأي ًا آخر في المسألة‪ ،‬وهو مذكور في الباب األول من هذا الكتاب‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫‪287‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫قال السيد في العروة‪« :‬ال يجوز أقل من خمس تكبيرات إال للتقية‪ ،‬أو كون الميت‬
‫منافق ًا»‪ ،‬وعلق السيد البروجردي على قيد المنافق هذا بالقول‪« :‬بأن كان مظهر ًا لإلسالم‬
‫مبطن ًا للكفر‪ ،‬إن اضطر المسلم إلى الصالة عليه»(((‪.‬‬
‫أن الصالة على المنافق غير جائزة‪ ،‬وإنّما تجوز عند‬‫ويظهر من السيد البروجردي ّ‬
‫الضرورة‪ .‬وقد فهم (البروجردي) من قيد المنافق المعنى المصطلح وليس ما يشمل‬
‫المخالف‪ ،‬بخالف ما يظهر من بعض الفقهاء‪ ،‬كالشيخ البحراني كما سيأتي‪ ،‬وغيره(((‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فالظاهر ّ‬
‫أن المطلقات المتقدمة شاملة له‪ ،‬فيحتاج رفع اليد عنها إلى مقيد‪،‬‬
‫والمق ّيد هو اآلية القرآنية اآلتية فهي تخرجه من تحت المطلقات المذكورة‪.‬‬
‫أن النبي (ص) كان من ديدنه الصالة‬ ‫دل على ّ‬ ‫فإن العديد من الروايات ّ‬ ‫لكن في المقابل‪ّ ،‬‬
‫إن هذه الروايات الصحاح‬ ‫على المنافقين‪ ،‬وأقل ما يدل عليه ذلك مشروعية الصالة‪ ،‬أجل‪ّ ،‬‬
‫أن الصالة على المنافق تكون بأربع تكبيرات‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫وغيرها قد د ّلت على ّ‬
‫وه َشا ِم ْب ِن َسالِ ٍم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪:‬‬ ‫ان ِ‬ ‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة حم ِ‬
‫اد ْب ِن ُع ْث َم َ‬ ‫َ َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫آخ ِر َ‬
‫ين أ ْر َبع ًا َفإ َذا َك َّب َر َع َلى َر ُج ٍل أ ْر َبع ًا‬ ‫ول ال َّله (ص) ُي َك ِّب ُر َع َلى َق ْو ٍم َخ ْمس ًا و َع َلى َق ْو ٍم َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫«ك َ‬
‫ات ُِّه َم َي ْعنِي بِالنِّ َف ِ‬
‫اق»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن ‪ ‬قال‪ :‬قال أبو عبد الله ‪‬‬
‫صلى رسول الله (ص) على جنازة فك ّبر عليه خمس ًا وصلى على آخر فكبر عليه أربع ًا‪ ،‬فأما‬
‫الذي كبر عليه خمس ًا فحمد الله ومجده في التكبيرة األولى ودعا في الثانية للنبي (ص)‬
‫ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬ودعا في الرابعة للميت‪ ،‬وانصرف في الخامسة‪،‬‬
‫وأما الذي كبر عليه أربع ًا حمد الله ومجده في التكبيرة األولى ودعا لنفسه وأهل بيته في‬

‫((( العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.98‬‬


‫(( ( قال صاحب الجواهر‪« :‬بل في كشف اللثام في شرح قول الفاضل‪( :‬ولعنه إن كان منافق ًا) أي مخالف ًا‪،‬‬
‫كما في المنتهى والسرائر والكافي والجامع‪ ،‬وبمعناه ما في الغنية و (رة) من الدعاء على المخالف‪ ،‬فما‬
‫عن المصباح ومختصره ‪ -‬من التعبير بلعن المخالف المعاند‪ ،‬والنهاية لعن الناصب المعلن والتبري‬
‫منه‪ ،‬والمبسوط لعن الناصب والتبري منه‪ ،‬والوسيلة الدعاء على الناصب‪ -‬ال يخلو من نظر ْ‬
‫إن أريد‬
‫منه التخصيص؛ وحمل جميع هذه النصوص على الناصب والمنافق في إسالمه ال داعي له‪ ،‬بل وال‬
‫شاهد عليه‪ ،‬بل ال يبعد كون التعبير عنه بالمنافق ونحوه في النصوص للتقية»‪ .‬انظر‪ :‬جواهر الكالم‪،‬‬
‫ج ‪ ،12‬ص ‪.50‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .181‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.317‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪288‬‬
‫الثانية ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة‪ ،‬وانصرف في الرابعة‪ ،‬ولم يدع له ألنه كان‬
‫منافق ًا»(((‪.‬‬
‫يم َع ْن َأبِيه َع ِن ا ْب ِن َأبِي ُع َم ْي ٍر َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬الكليني عن عل ّي ْبن إِ ْب َراه َ‬
‫ول ال َّله (ص) إِ َذا َص َّلى‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫ول‪« :‬ك َ‬ ‫اج ٍر َع ْن ُأ ِّمه ُأ ِّم َس َل َم َة َقا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫م َه ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫الرابِ َع َة‬ ‫َع َلى َم ِّيت َك َّب َر وت ََش َّهدَ ُث َّم َك َّب َر ُث َّم َص َّلى َع َلى األ ْنبِ َياء و َد َعا ُث َّم َك َّب َر و َد َعا ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين ُث َّم َك َّب َر َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ودعا لِ ْلمي ِ‬
‫ين َك َّب َر وت ََش َّهدَ‬ ‫الص َلة َع َلى ا ْل ُمنَافق َ‬ ‫وج َّل َع ِن َّ‬ ‫ف َف َل َّما ن ََهاه ال َّله َع َّز َ‬
‫ت ُث َّم َك َّب َر وان َْص َر َ‬ ‫َ َ َ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف و َل ْم َيدْ ُع‬ ‫الرابِ َع َة وان َْص َر َ‬
‫ين ُث َّم َك َّب َر َّ‬ ‫ين (ص) ُث َّم َك َّب َر و َد َعا ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫وص َّلى َع َلى ال َّنبِ ِّي َ‬ ‫ُث َّم َك َّب َر َ‬
‫ت»(((‪ .‬والحديث صحيح السند إال أن أم سلمة ال توثيق لها ألنها مجهولة(((‪.‬‬ ‫لِ ْلمي ِ‬
‫َ ِّ‬
‫الجمع بين اآلية والروايات‬
‫نص على نهي الله تعالى لنبيه (ص)‬ ‫ويواجهنا سؤال في المقام‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن القرآن الكريم ّ‬
‫عن الصالة على المنافقين‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬
‫ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﴾(((‪ ،‬فكيف يصلي النبي (ص) على المنافقين‬
‫مع وجود هذا النهي ولو بتكبيرات أربع؟‬
‫ربما يقال‪ :‬حيث كان من البديهي أن ال يخالف النبي (ص) نهي الله تعالى‪ ،‬فمقتضى‬
‫القاعدة ر ّد هذه الروايات وتكذيبها لمخالفتها لظاهر القرآن‪.‬‬
‫هذا والظاهر أنّه ال مفر من ر ّدها إن لم نجد تفسير ًا مقبوالً لصالته على بعض المنافقين‪.‬‬
‫إن صالته على بعض المنافقين أمر د ّلت عليه الكثير من الروايات‪،‬‬ ‫ونستطيع القول‪ّ :‬‬
‫ومنها الصحيح‪ ،‬ومنها ما تقدم‪ ،‬وهناك روايات أخرى تؤكد حصول الصالة‪ ،‬ومنها ما يحكى‬
‫عن اعتراض عمر بن الخطاب على النبي (ص)‪ ،‬وقد جاء ذلك في صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي‬
‫ول َح َض َر النَّبِ ُّي (ص) َجن ََازتَه‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر‬ ‫ات َع ْبدُ ال َّله ْب ُن ُأ َبي ا ْب ِن س ُل ٍ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ل َّما َم َ‬
‫ول‬ ‫َت‪َ ،‬ف َق َال‪َ ،‬يا َر ُس َ‬ ‫ول ال َّله أ َل ْم َين َْه َك ال َّله َأ ْن َت ُقو َم َع َلى َق ْب ِره؟ َف َسك َ‬
‫ول ال َّله (ص)‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫يك َما ُق ْل ُت؟! إِنِّي ُق ْل ُت‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ِ‬
‫ال َّله أ َل ْم َين َْه َك ال َّله َأ ْن َت ُقو َم َع َلى َق ْب ِره؟ َف َق َال َله‪َ :‬و ْي َل َك و َما ُيدْ ر َ‬

‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .476‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.317‬‬ ‫(( (‬


‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.181‬‬ ‫((( ‬
‫مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.48‬‬ ‫((( ‬
‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬ ‫(( (‬
‫‪289‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أل َق ْبره نَار ًا و َأ ْص ِله نَار ًا‪َ ،‬ق َال َأ ُبو َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬ف َأ ْبدَ ى ِم ْن رس ِ‬
‫ول ال َّله َما‬ ‫َ ُ‬ ‫اح ُش َج ْو َفه نَار ًا وا ْم ْ َ‬
‫ْ‬
‫َان َيك َْره» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ك َ‬
‫إذا حصل االطمئنان بصدور هذه األخبار فال مفر من أن نجد توجيه ًا لصالته (ص)‬
‫على المنافق‪ ،‬بما يحفظ عصمته (ص) وال يكون مخالف ًا ألمر الله تعالى‪ .‬والتوجيه أو التوفيق‬
‫بين اآلية وبين فعل النبي (ص) هو ما يلي‪:‬‬
‫«أن الظاهر النهي عن الدعاء لهم‪ ،‬لما‬ ‫التوجيه األول‪ :‬ما تقدم عن الفاضل الهندي من ّ‬
‫في األخبار من أنه (ص) كان يكبر على المنافق أربع ًا»(((‪ ،‬فالنبي (ص) إنما نهي عن الصالة‬
‫عليه بمعنى الدعاء له‪ ،‬ولم ُينه عن التكبير‪ ،‬فما نُهي (ص) عنه لم يفعله‪ ،‬وما فعله لم ُينه عنه‪.‬‬
‫ويؤيده أنّه من غير الواضح ثبوت واستقرار حقيقة شرعية للفظ الصالة في القرآن وال‬
‫سيما في صالة األموات‪ ،‬ما يرجح إرادة المعنى اللغوي للصالة‪ ،‬أي الدعاء‪ .‬ويشهد له أيض ًا‬
‫ت َك َّب َر وت ََش َّهدَ ُث َّم َك َّب َر ُث َّم َص َّلى‬ ‫ول ال َّله (ص) إِ َذا ص َّلى ع َلى مي ٍ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ما تقدم في الخبر‪« :‬ك َ‬
‫َ َ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرابِ َع َة و َد َعا ل ْل َم ِّيت ُث َّم َك َّب َر وان َْص َر َ‬
‫ف َف َل َّما‬ ‫ين ُث َّم َك َّب َر َّ‬‫َع َلى األَ ْنبِ َياء و َد َعا ُث َّم َك َّب َر و َد َعا ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫وص َّلى َع َلى النَّبِ ِّي َ‬ ‫الص َلة َع َلى ا ْل ُمنَافق َ‬
‫ين َك َّب َر وت ََش َّهدَ ُث َّم َك َّب َر َ‬ ‫وج َّل َع ِن َّ‬ ‫ن ََهاه ال َّله َع َّز َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف و َل ْم َيدْ ُع ل ْل َم ِّيت»(((‪.‬‬ ‫الرابِ َع َة وان َْص َر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ُ ،‬ث َّم َك َّب َر َّ‬‫َك َّب َر و َد َعا ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫إن النبي (ص) قدّ ر وجود مصلحة إسالمية في الصالة عليه‪ ،‬مداراة‬ ‫التوجيه الثاني‪ّ :‬‬
‫أن النبي (ص) لما طولب في أمر الصالة على ابن ُأ ّ‬
‫بي‪،‬‬ ‫البنه وتأليف ًا لقلوب قومه‪ ،‬وقد روي ّ‬
‫قال‪« :‬والله إنّي كنت أرجو أن ُيسلم به ألف من قومه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬فأسلم ألف من الخزرج‬
‫بي) يطلب االستغفار بثوب((( رسول الله (ص)»(((‪ .‬وهذا أشبه‬‫لما رأوه (ابن عبد الله بن ُأ ّ‬
‫بما يذكره بعض الفقهاء ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬من جواز الصالة مع أبناء المذاهب األخرى من باب‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .188‬وعنه تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.196‬‬


‫((( كشف اللثام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.310‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.181‬‬
‫ابن عبد الله بن ُأ ّ‬
‫بي وكان مؤمن ًا‬ ‫(( ( قصة الثوب جاءت بطلب من ابنه‪ ،‬قال النسفي في تفسيره‪« :‬سأل‬
‫أن ُي َك ِّف َن النبي ‪ ‬أباه في قميصه ويصلي عليه‪ ،‬فقبل‪ ،‬فاعترض عمر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في ذلك‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ذلك ال ينفعه وإني أرجو أن يؤمن به ألف من قومه فنزل ﴿ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﴾ من‬
‫المنافقين يعنى صالة الجنازة‪ .‬روي أنه أسلم ألف من الخزرج‪ ،‬لما رأوه يطلب التبرك بثوب‬
‫النبي (ص)»‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير النسفي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.103‬‬
‫(( ( تفسير الثعلبي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.79‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪290‬‬
‫التقية المدارتية‪ ،‬ال التقية التي تمليها الضرورة‪ ،‬وتأليف القلوب كان سبب ًا في جواز إعطاء‬
‫الزكاة للمؤلفة قلوبهم مع كفرهم‪ ،‬فال مانع من أن يجيز الصالة على المنافق‪.‬‬
‫ولك ّن الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره ع ّلق على هذا التوجيه قائالً‪« :‬وهذا مجرد‬
‫حدس‪ ،‬وال يجوز أن نثبت أو نفسر به شيئ ًا من أفعال المعصوم»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪ :‬أنّه وبعد ثبوت صالته على المنافق فيكون هذا التوجيه تفسير ًا مقبوالً‬
‫لصالته (ص) عليه مع وجود نهي إلهي عنها‪.‬‬
‫نعم هذا التوجيه ال يصح لو كان النهي اإللهي عن شخص بعينه‪ ،‬إذ ال يمكن للنبي (ص)‬
‫والحال هذه أن يصلي عليه‪ ،‬وأما إذا كان عام ًا فهو قابل للتخصيص ويكون فعله دليل التخصيص‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬النهي هو من حيث العنوان األولي‪ ،‬بينما صالته تحمل على العنوان الثانوي‪.‬‬
‫إن النبي (ص) ص ّلى على المنافقين قبل أن ينهاه الله عن ذلك في‬ ‫التوجيه الثالث‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫يصل على أحد منهم‪ .‬قال الثعلبي في تفسيره‪« :‬فما لبث‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬وأما بعد النهي فلم ّ‬
‫رسول الله (ص) ّإل يسير ًا حتى نزلت‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﴾(((‪...‬‬
‫فما صلى رسول الله (ص) بعدها على منافق وال قام على قبره حتى قبض»(((‪ .‬وقال‬
‫بي‪ ،‬وألبسه قميصه قبل أن ُينهى عن‬ ‫الطبرسي‪« :‬وروي أنه (ص) صلى على عبد الله بن ُأ ّ‬
‫الصالة على المنافقين‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬وجابر‪ ،‬وقتادة»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا التوجيه ال ينسجم مع بعض الروايات المتقدمة الدالة على أنّه صلى حتى‬
‫بعد نزول اآلية‪ ،‬فإن اعتراض عمر هو بسبب ما تضمنته اآلية من النهي‪.‬‬
‫ونحوه في التأمل واإلشكال ما قيل‪« :‬إنه (ص) أراد أن يصلي عليه‪ ،‬فأخذ جبرائيل‬
‫بثوبه‪ ،‬وتال عليه‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﴾ اآلية‪ ،‬عن أنس‪ ،‬والحسن»(((‪.‬‬

‫((( التفسير الكاشف‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.80‬‬


‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬
‫((( تفسير الثعلبي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،79‬وقد تبنى هذا الرأي الزمخشري في الكشاف‪ ،‬قال‪« :‬فإن قلت ‪ :‬فكيف‬
‫جازت الصالة عليه ؟ قلت ‪ :‬لم يتقدم نهي عن الصالة عليهم‪ ،‬وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر‬
‫إيمانهم‪ ،‬لما في ذلك من المصلحة»‪ ،‬انظر‪ :‬الكشاف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.206‬‬
‫((( مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.100‬‬
‫(( ( نقله غير واحد من األعالم‪ ،‬انظر‪ :‬ميزان االعتدال‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .418‬والتبيان‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .272‬ومجمع‬
‫البيان‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .100‬وأحكام القرآن للجصاص‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .186‬والدر المنثور في التفسير المأثور‪،‬‬
‫ج ‪ ،3‬ص ‪.266‬‬
‫‪291‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وقفة مع حديث الشيخين‬
‫تضمنت بعض األحاديث ما ال يمكن الموافقة عليه والقبول به‪ ،‬فقد روى الشيخان‪:‬‬
‫«عن ابن عمر ‪-‬رضى الله تعالى عنهما‪ -‬قال‪ :‬لما توفي عبد الله بن ُأ ّ‬
‫بي جاء ابنه عبد الله‬
‫بن عبد الله إلى رسول الله (ص) فسأله أن يعطيه قميصه يك ِّفن فيه أباه‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬ثم سأله أن‬
‫يصلي عليه‪ ،‬فقام رسول الله (ص) ليصلي‪ ،‬فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله (ص) فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله (ص)‪ :‬إنما خ ّيرني‬
‫الله‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪ ،‬وسأزيده على السبعين‪.‬‬
‫قال‪ :‬إنّه منافق‪ ،‬قال‪ :‬فصلى عليه رسول الله (ص)‪ ،‬فأنزل الله تعالى‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ﴾(((»(((‪.‬‬
‫إن هذا الخبر ال يمكن القبول به للمالحظتين التاليتين‪:‬‬
‫المالحظة األولى‪ :‬ما ذكره المراغي تعليق ًا «على هذا الحديث بأن كثير ًا من العلماء‬
‫قد حكموا بعدم صحته‪ ..‬وأيض ًا محال أن يقول‪ :‬إن ال َّله خيرني بقوله‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫أن (أو) هنا ليست للتخيير‪،‬‬‫ﱅ ﴾ ألن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﴾ دليل قاطع على ّ‬
‫فالحديث بنفسه يدل على أنه كذب وافتراء على ال َّله ورسوله»(((‪ .‬وهذا األمر دفع بالكثير‬
‫السنة إلى التشكيك في الحديث‪ ،‬ومنهم من ر ّده‪ ،‬قال العيني‪« :‬استشكل فهم‬ ‫من علماء ُّ‬
‫إن جماعة من األكابر طعنوا في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه‪،‬‬ ‫التخيير من اآلية حتى ّ‬
‫منهم‪ :‬القاضي أبو بكر فإنه قال‪ :‬ال يجوز أن يقبل هذا وال يصح أن رسول الله (ص)‬
‫قاله‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو بكر الباقالني‪ ،‬فإنه قال في «التقريب» هذا الحديث من أخبار اآلحاد‬
‫التي ال يعلم ثبوتها‪ ،‬ومنهم‪ :‬إمام الحرمين‪ ،‬قال في «مختصره»‪ :‬هذا الحديث غير مخرج‬
‫في الصحيح‪ ،‬وقال في «البرهان» ال يصححه أهل الحديث‪ .‬ومنهم‪ :‬الغزالي‪ ،‬قال في‬
‫أن هذا الحديث غير صحيح‪ .‬ومنهم‪ :‬الداودي‪ ،‬قال‪ :‬هذا الحديث‬ ‫«المستصفى»‪ :‬األظهر ّ‬
‫غير محفوظ»(((‪.‬‬

‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬ ‫(( (‬


‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.84‬‬ ‫(( (‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .206‬وصحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.116‬‬ ‫(( (‬
‫التفسير الكاشف‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.8‬‬ ‫((( ‬
‫عمدة القاري‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.274‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪292‬‬
‫أن عدد السبعين فيها كناية عن‬‫المالحظة الثانية‪« :‬المتبادر من اآلية عند الناطقين بالضاد هو ّ‬
‫أن االستغفار ال يجدي لهم مهما بلغ عددها‪ ،‬سواء أكان أقل من السبعين أو أزيد منه‪،‬‬ ‫الكثرة‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫العربي الصميم من اآلية‪ ،‬ويؤيد ذلك أنّه سبحانه ع ّلل عدم الجدوى بقوله‪ ﴿ :‬ﱒ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما يفهمه‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﴾(((‪ ،‬والكافر ما دام كافر ًا ال يستحق الغفران أبد ًا‪ ،‬وإن استغفر النبي (ص) في‬
‫أن لعدد السبعين خصوصية‬ ‫النبي (ص) فهم من اآلية ّ‬‫أن ّ‬ ‫ح ّقه مائة مرة‪ .‬ولكن الظاهر من الرواية ّ‬
‫بي (وهو رأس المنافقين) ّإل ألجل أن يستغفر له‬‫وأنّه (ص) ما أقدم على الصالة على عبد ال ّله بن ُأ ّ‬
‫أزيد من السبعين الذي ربما تكون الزيادة نافعة لحاله! وال خفاء في أنّه على خالف ما يفهمه العربي‬
‫بنبي اإلسالم وهو أفصح من نطق بالضاد»(((‪ .‬هذا كله حكم المنافق‪.‬‬ ‫الصميم من اآلية‪ ،‬فكيف ّ‬
‫العنوان الثاني‪ :‬الصالة على اآلخر المذهبي‬
‫فصل بعض الفقهاء بين‬
‫وأما عدد التكبيرات في الصالة على المسلم اآلخر‪ ،‬فقد ّ‬
‫نوعين‪ :‬المستضعف‪ ،‬فأفتوا بوجوب الصالة عليه بخمس تكبيرات‪ ،‬وغير المستضعف‪،‬‬
‫فأفتوا بوجوب الصالة عليه بأربع‪ ،‬في المقابل لم يفرق األكثر بين النوعين وأفتوا بوجوب‬
‫الخمس فيهما‪ ،‬وبعضهم ذهب إلى التخيير بين األربع والخمس(((‪.‬‬
‫والظاهر هو وجوب الخمس على كل المسلمين بصرف النظر عن مذاهبهم سواء كانوا‬
‫من المستضعفين أو غيرهم‪ ،‬وذلك استناد ًا إلى الروايات الصحيحة المتقدمة والتي دلت‬
‫على الخمس‪ ،‬وال موجب لرفع اليد عن هذه اإلطالقات‪ ،‬إال ما قد يذكر من ظهور بعض‬
‫الروايات بذلك‪ ،‬وهي على عدة طوائف‪:‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬ما جاء فيه ّ‬
‫أن المنافق يصلى عليه أربع ركعات‪ ،‬وقد تقدمت األخبار‬
‫الواردة في ذلك‪ ،‬وذلك بتقريب أن المنافق شامل لآلخر المذهبي‪.‬‬
‫ويرده‪ّ :‬‬
‫أن المنافق ال يشمل اآلخر المذهبي‪ ،‬ألن المنافق هو من أظهر اإلسالم وأبطن‬
‫الكفر‪ ،‬ومن المعلوم أن اآلخر المذهبي ليس كذلك‪ ،‬بل هو ‪ -‬في الغالب ‪ -‬يبطن اإلسالم‬
‫ويظهره‪ ،‬نعم البعض منهم قد يبطنون الكفر ويظهرون اإلسالم‪ ،‬كما قد يوجد هذا البعض‬
‫فيمن يحسبون ‪ -‬في الظاهر ‪ -‬على الشيعة‪.‬‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬


‫((( الحديث النبوي بين الرواية والدراية للسبحاني‪ ،‬ص ‪.518‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.243‬‬
‫‪293‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الطائفة الثانية‪ :‬ما ذكر فيها ّ‬
‫أن المؤمن يصلى عليه خمس تكبيرات‪ ،‬بينما المنافق يصلى‬
‫عليه أربع‪ ،‬كما جاء في رواية إسماعيل بن سعد األشعري عن أبي الحسن الرضا ‪ ‬قال‪:‬‬
‫سألته عن الصالة على الميت؟ قال‪ :‬أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق فأربع وال‬
‫سالم فيها»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه أنّه وبصرف النظر عن السند الذي شكك بعض الفقهاء بصحته(((‪،‬‬
‫فإنها غير دالة على المطلوب‪ّ ،‬‬
‫ألن المؤمن فيها حيث وقع في مقابل المنافق‪ ،‬وليس في مقابل‬
‫«غير العارف»‪ ،‬فال يراد به اإلمامي‪.‬‬
‫تقرب داللة الرواية المتقدمة بوجه آخر‪ ،‬وهو ما ذكره السيد الخوئي من أنها‪:‬‬
‫وربما ّ‬
‫«ظاهرة في المدعى لو خ ّليت ونفسها‪ ،‬لكونها صادرة عن اإلمام الرضا ‪ ‬والمنافق في‬
‫عصره في مقابل المؤمن المعتقد بالوالية‪ ،‬وظاهره المخالف»(((‪.‬‬
‫ولكن يمكن االعتراض على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ما ذكره السيد الخوئي نفسه من «أنّها أيض ًا غير صالحة لالستدالل بها‪ ،‬ألنّها‬
‫بمالحظة ما في قبالها من الروايات المتقدِّ مة التي قلنا ّ‬
‫إن المراد بالمنافق فيها غير المخالف‬
‫جزم ًا ال بدّ من حملها على غير المخالف‪ .‬ويعضده الشهرة المنعقدة بين األصحاب على‬
‫العمل بالمطلقات المتقدمة وعدم الفرق في ذلك بين الشيعة والمخالفين»(((‪.‬‬
‫أن سائر األخبار((( التي حكت فعل رسول الله (ص)‬‫فالسيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ -‬يرى ّ‬
‫يعم المخالف جزم ًا‪ ،‬كما هو‬
‫وقابلت بين المؤمن والمنافق‪ ،‬ال يراد فيها بالمنافق ما يساوي أو ّ‬
‫واضح‪ ،‬وتلك األخبار تصلح لتفسير هذه الرواية المروية عن اإلمام الرضا ‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن‬
‫تلك الروايات التي حكت فعل رسول الله (ص) إنما أوردها األئمة المتأخرون ال للحكاية‬

‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .478‬والتهذيب‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،193‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .240‬ولكن قد عاد السيد بعد ذلك عن مناقشته هذه كما أشار‬ ‫(( (‬
‫المقرر في حاشية تلك الصفحة‪.‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.244‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫(( (‬
‫من قبيل ما رواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محمد بن حمران قال‪ :‬خرجنا إلى مكة فدخلنا على أبي‬ ‫(( (‬
‫عبد الله ‪ ،‬فذكر الصالة على الجنائز فقال‪ :‬كان يعرف المؤمن والمنافق بتكبير رسول الله (ص)‪،‬‬
‫على المؤمن خمس ًا وعلى المنافق أربع ًا»‪ .‬الشرائع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .304‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،77‬‬
‫الحديث ‪ 18‬من الباب ‪ 5‬من أبواب صالة الجنازة‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪294‬‬
‫بل لاللتزام بمضمونها وتأكيده‪ ،‬ما يعني أنّهم أرادوا بالمنافق فيها ما أراده النبي (ص)‪ ،‬وهو‬
‫ما يقابل المسلم المتطابق ظاهره مع باطنه‪ ،‬وبالتالي فال يكون المخالف داخ ً‬
‫ال في المنافق‪،‬‬
‫بل هو داخل في المؤمن بحكم القسمة القاطعة للشركة‪.‬‬
‫أن المنافق في عصر الرضا ‪ ‬هو بمعنى المخالف في مقابل المؤمن‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ليس واضح ًا ّ‬
‫اإلمامي‪ ،‬وذلك ألنّنا نسأل‪ :‬ما الدليل على تبدل اصطالح المنافق عن معناه القرآني المعروف‬
‫ثمة ما يدل على ذلك التبدل‪.‬‬
‫والذي يشير إلى جماعة تحدّ ث عنهم القرآن بشكل مفصل؟ ليس ّ‬
‫أن المنافق بالمعنى المصطلح لم يعد موجود ًا في زمان‬
‫أن منشأ هذا التبدل هو ّ‬‫ودعوى ّ‬
‫الرضا ‪ ‬غير صحيحة‪ ،‬فالنفاق لم ينعدم في زمن من األزمنة‪ ،‬وقد عرف في ذلك العصر‬
‫وجود الزنادقة والمشككين والذين كانوا في الظاهر مسلمين‪ ،‬ولكنهم في الواقع يبطنون‬
‫الكفر‪ ،‬ولذا فقد عدّ وا في عداد المنافقين‪.‬‬
‫ودعوى أنّه وبسبب ندرة المنافق بالمعنى المصطلح أو قلة االبتالء به فقد غدا لفظ‬
‫ثمة‬
‫ال في زمن األئمة المتأخرين لمن يخالف أهل البيت ‪ ،‬ليس ّ‬ ‫ال أو شام ً‬
‫النفاق مستعم ً‬
‫ما يشهد لها‪ ،‬ومثلها في الضعف دعوى ّ‬
‫أن األئمة ‪ ‬ع ّبروا عن اآلخر بالمنافق بسبب التقية‪.‬‬
‫أن المؤمن ُي ّص َّلى عليه خمس‬
‫الطائفة الثالثة‪ :‬ما ورد في بيان علة التكبير على الميت‪ ،‬من ّ‬
‫تكبيرات‪ ،‬ألنه يؤمن باألركان الخمسة‪ ،‬وهي الصالة والصوم والحج والزكاة والوالية‪ ،‬بينما‬
‫الذي ال يؤمن بالوالية يصلى عليه بأربع‪ ،‬والروايات في ذلك هي‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الصدوق في (عيون األخبار) عن محمد بن الحسن‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن الحسين بن النضر قال‪ :‬قال الرضا ‪ :‬ما العلة في‬
‫التكبير على الميت خمس تكبيرات؟ قال‪ :‬رووا أنها اشتقت من خمس صلوات‪ ،‬فقال‪ :‬هذا‬
‫فإن الله فرض على العباد خمس فرائض‪ :‬الصالة والزكاة‬ ‫ظاهر الحديث‪ ،‬فأ ّما في وجه آخر‪ّ ،‬‬
‫والصوم والحج والوالية‪ ،‬فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة‪ ،‬فمن قبل الوالية ك َّبر‬
‫خمس ًا‪ ،‬ومن لم يقبل الوالية ك َّبر أربع ًا‪ ،‬فمن أجل ذلك ُت َك ِّبرون خمس ًا‪ ،‬ومن خالفكم ُي َك ِّبر‬
‫أربع ًا»(((‪ .‬ورواها في (علل الشرائع) بإسناده عن محمد بن عيسى عمن ذكره‪ ،‬وجاء فيها‪:‬‬
‫وجل فرض‪.(((»..‬‬ ‫عز ّ‬ ‫«‪..‬هذا ظاهر الحديث فأ ّما باطنه ّ‬
‫فإن الله ّ‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،76‬الباب ‪ 5‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.16‬‬
‫((( علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.304‬‬
‫‪295‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية الثانية‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪ :‬ألي ع ّلة نك ِّبر على الميت‬
‫خمس تكبيرات‪ ،‬ويكبر مخالفونا بأربع تكبيرات؟ قال‪ّ :‬‬
‫ألن الدعائم التي ُبني عليها اإلسالم‬
‫خمس‪ :‬الصالة والزكاة والصوم والحج والوالية لنا أهل البيت‪ ،‬فجعل الله للميت من كل‬
‫وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة‪ ،‬فمن‬ ‫دعامة تكبيرة‪ ،‬وإنكم أقررتم بالخمس كلها‪ّ ،‬‬
‫ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات‪ ،‬وتكبرون خمس ًا»(((‪.‬‬
‫يتم‪ ،‬وذلك لضعفهما سند ًا(((‪ ،‬وباإلضافة إلى‬
‫ولك ّن االستدالل بهاتين الروايتين ال ّ‬
‫ذلك فيمكن االعتراض على داللتهما‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أنّهما وفي تفسير السبب الذي دفع الشيعة للتكبير خمس تكبيرات ودفع غيرهم‬
‫أن الشيعة حيث بنوا على أن أركان اإلسالم خمسة ك ّبروا‬ ‫للتكبير بأربع تكبيرات‪ ،‬ذكرتا ّ‬
‫بخمس تكبيرات‪ ،‬وأ ّما غيرهم فحيث بنوا على ّ‬
‫أن أركان اإلسالم أربعة فكبروا بأربع تكبيرات‪،‬‬
‫فالحظ قوله ‪ ‬في الرواية الثانية‪« :‬وإنّكم أقررتم بالخمس كلها‪ّ ،‬‬
‫وأقر مخالفوكم بأربعة‬
‫وأنكروا واحدة‪ ،‬فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات‪ ،‬وتكبرون خمس ًا»‪ ،‬فالروايتان‬
‫أن التشريع ربط عدد التكبيرات على الميت بما يحمله من معتقد في مسألة‬ ‫ال تدالن على ّ‬
‫أركان الدين‪ ،‬لتكون الوظيفة في التكبير على غير الشيعي هي أربع تكبيرات‪ ،‬وإنما تربطان‬
‫ذلك بأمر له عالقة باختيار أصحاب المذاهب أنفسهم‪ ،‬فمن اعتقد منهم باألركان األربعة‬
‫ذهب إلى التكبيرات األربع‪ ،‬ومن قال بالخمسة ذهب إلى التكبيرات الخمس‪ ،‬باختصار‪ :‬إن‬
‫الروايتين بصدد بيان اختالف الحكم بين المذهبين فيما اختاره أصحابها‪ ،‬وليستا في صدد‬
‫أن الالزم والواجب شرع ًا على المصلي أن يصلي بأربع تكبيرات على المسلم اآلخر‪.‬‬ ‫بيان ّ‬
‫أن هذا األمر هو من جعل الله وهي‬ ‫ولكن ربما يقال‪ :‬هناك فقرة في الرواية تشير إلى ّ‬
‫قوله ‪« :‬فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة»‪ ،‬وظاهره ّ‬
‫أن األمر يتصل بإرادة الله‬
‫التشريعية‪ ،‬فيدل على المدعى‪ ،‬وهذا يعني ‪ -‬حكم ًا ‪ -‬أن اآلخرين لما لم يؤمنوا بالوالية‬
‫فإنهم أسقطوا تكبيرة من الخمس‪ ،‬ولكننا نقول‪ :‬لو س ّلم ‪ -‬جدالً ‪ -‬بحصول ذلك‪ ،‬وأسقطوا‬
‫فلم نسقطها نحن إذا صلينا على ٍ‬
‫أحد منهم؟!‬ ‫ِ‬
‫التكبيرة الخامسة في صلواتهم على أمواتهم‪َ ،‬‬
‫إنه ال موجب لذلك كما ال يخفى‪.‬‬

‫((( علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.303‬‬


‫(( ( أشار السيد الخوئي إلى وجه الضعف‪ ،‬فانظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.242‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪296‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬لو أردنا أن نأخذ بهاتين الروايتين‪ ،‬فربما يقال إنّهما على عكس‬
‫المطلوب أدل‪ ،‬ألنه حيث كان المصلي إمامي ًا وهو مقتنع بالوالية‪ّ ،‬‬
‫فإن الالزم عليه أن ينسجم‬
‫مع اعتقاده ويأتي بالتكبيرات الخمس‪ ،‬حتى لو كان اآلخر غير معتقد بالوالية‪.‬‬
‫أن المدار على حال الميت وليس‬ ‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إن المستفاد من األخبار المتقدمة ّ‬
‫المصلي‪ ،‬فالحظ قوله ‪« :‬فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة»‪ ،‬وال سيما أن الصالة‬
‫على الميت هي نوع دعاء له وهو المستفيد الوحيد منها‪.‬‬
‫السنة على ضوء ما جاء في هاتين الروايتين ال‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن تفسير التكبيرات األربع عند ُّ‬
‫إن الموجود فيها ما تقدمت اإلشارة إليه من أنهم أخذوا ذلك من‬ ‫يوجد في كلماتهم‪ ،‬بل ّ‬
‫ركعات الصالة‪ ،‬وأكبر صالة يصليها المسلم هي الرباعية‪ ،‬فأخذ من كل ركعة تكبيرة‪ ،‬وهذا‬
‫أن الخمس عندنا لها تفسير آخر‪ ،‬وهي أنها ُأخذت من‬ ‫األمر ليس سوى استحسان‪ ،‬كما ّ‬
‫الصلوات اليومية الخمس‪.‬‬
‫إن اإلمام ‪ ‬ليس ناظر ًا إلى بيان واقع المذهب اآلخر المستقى من‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫رؤيتهم التشريعية‪ ،‬ليحاكم الكالم المروي عنه بهذه الطريقة في االعتراض األخير وما سبقه‬
‫من اعتراضات‪ ،‬وإنّما يتحدّ ث عن أمر يتصل بالتوفيق اإللهي‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن الله تعالى لم يوفقهم‬
‫للتكبيرات الخمس لعدم إيمانهم بالركن الخامس وهو الوالية‪ ،‬وهذا ما توحي به الرواية‬
‫األولى‪ ،‬وال سيما بنسخة (العلل)‪ ،‬قال صاحب الحدائق تعليق ًا على هذين الخبرين‪« :‬ولما‬
‫كانت الشيعة اإلمامية ممن وفق في الحياة للقيام بالفرائض الخمس المذكورة كان الواجب‬
‫عندهم في التكبير على الميت هذا العدد‪ ،‬فحصل لهم التوفيق بالفرضين حياة وموت ًا‪،‬‬
‫لما ُسلب التوفيق للقيام بالفريضة الخامسة وهي الوالية في الحياة سلب التوفيق‬‫والمخالف ّ‬
‫لتكبيرها بعد الموت‪ ،‬فحصل لهم من الشبهة في الحالين الناشئة عن الخذالن وسلب التوفيق‬
‫ما أوجب لهم ترك الوالية في الحياة وترك التكبير بعد الموت»(((‪.‬‬
‫هذا ولك ّن المعنى المذكور ذا البعد الباطني إنما يصلح لتفسير تركهم للتكبير الخامس‪،‬‬
‫حيث يرجع ذلك إلى عدم إيمانهم بالركن الخامس‪ ،‬ولكن ال ُيبنى عليه حكم شرعي‪ ،‬وال‬
‫يستفاد منه عدم جواز صالة اإلمامي على الميت اآلخر بخمس تكبيرات‪.‬‬
‫وقصارى القول‪ :‬إنّه ال دليل يوجب رفع اليد عن اإلطالقات المتقدمة والدالة على‬
‫لزوم التكبيرات الخمس على المسلم بصرف النظر عن مذهبه‪ ،‬ويظهر من السيد الخوئي‬

‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.418‬‬


‫‪297‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن الذي أوقفه عن األخذ بالتكبيرات الخمس على اآلخر المذهبي هو التسالم فقط‪ ،‬وليس‬
‫وجود دليل على ذلك(((‪ .‬ولكننا نعتقد أن هذا التسالم ال يعدو أن يكون إجماع ًا أو بحكمه‬
‫وهو على األرجح ناشئ من الروايات المتقدمة‪.‬‬

‫المقام الثاني‪ :‬حكم الدعاء له �أو عليه‬


‫وفي هذا المقام سوف نتناول مسألة الدعاء لآلخر‪ ،‬أو الدعاء عليه‪ ،‬من خالل فقرات‬
‫ثالث‪ ،‬في األولى منها نتطرق إلى أقوال الفقهاء في المسألة‪ ،‬ثم في الثانية منها ندرس القول‬
‫بوجوب الدعاء عليه دراسة نقدية‪ ،‬لنصل في الفقرة األخيرة إلى أنه إذا لم يثبت وجوب‬
‫الدعاء عليه فهل يدعى له أم ال؟‬

‫‪�1 -1‬أقوال الفقهاء في جواز �أو وجوب الدعاء على غير الإمامي؟‬


‫أن الفقهاء اختلفوا في وجوب الدعاء بين التكبيرات حتى لو كان الميت‬ ‫ال يخفى ّ‬
‫إمامي ًا‪ ،‬قال المحقق السبزواري‪« :‬واختلف األصحاب في وجوب الدعاء بين التكبيرات‪،‬‬
‫المتأخرين منهم وجوبه‪ ،‬بل وجوب األذكار األربعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فالمشهور بين األصحاب خصوص ًا‬
‫وقيل بعدم الوجوب‪ ،‬وإليه ذهب المح ّقق‪ .‬والبراءة اليقين ّية من التكليف يقتضي المصير إلى‬
‫ثم على‬ ‫الوجوب‪ ،‬لك ّن اإليجاب على التفصيل المذكور خالف ما يفهم من األخبار الكثيرة‪ّ ،‬‬
‫القول بوجوب األذكار األربعة ال يتع ّين فيها لفظ مخصوص»(((‪ .‬ولكن المورد ليس مورد ًا‬
‫لالحتياط وإنما هو من موارد البراءة‪.‬‬
‫وذكر السيد الخوئي أننا ال نعرف للمحقق موافق ًا في ذلك‪ ،‬ال من أصحابنا وال من‬
‫العامة‪ ،‬وهو متفرد في ذلك(((‪.‬‬
‫ولسنا حالي ًا بصدد بحث وجوب األذكار واألدعية أو عدم وجوبها‪ ،‬وإنما يهمنا البحث‬
‫عن وجوب الدعاء على غير اإلمامي‪ ،‬سواء قلنا بوجوب الصالة عليه أم ال؟ وسواء قلنا‬
‫بوجوب الدعاء لإلمامي في الصالة عليه أم ال؟‬
‫أن الدعاء على هذا القسم غير واجب‪ّ :‬‬
‫ألن التكبير عليه أربع‬ ‫قال في الذكرى‪« :‬الظاهر ّ‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.241‬‬


‫((( كفاية الفقه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.110‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.229‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪298‬‬
‫وبها يخرج من الصالة»(((‪ .‬واعترض على دليله هذا بأنه يمكن الدعاء عليه قبل الرابعة‪ ،‬قال‬
‫السيد في مدارك األحكام‪« :‬وهو غير جيد‪ ،‬فإن الدعاء للميت أو عليه ال يتعين وقوعه بعد‬
‫الرابعة كما بيناه»(((‪.‬‬
‫وأما السيد الخوئي‪ ،‬فلعله يميل إلى القول بالدعاء عليه‪ ،‬فإنه بعد أن قال‪« :‬فالمتحصل‬
‫أن الصالة على المخالف كالصالة على المؤمن من حيث وجوب التكبير خمس ًا»‪.‬‬
‫أضاف‪« :‬وأ ّما من حيث الدعاء فيختلفان حيث يدعى على الم ِّيت المخالف ويدعى له في‬
‫المؤمن‪ .(((»..‬أجل‪ ،‬لم يظهر منه وجوب الدعاء عليه‪ ،‬وال سيما أنه ختم فقرة االستدالل‬
‫بقوله‪« :‬فالمخالف ال يجوز الدعاء له»(((‪ .‬أقول‪ :‬الكالم في وجوب الدعاء عليه‪ ،‬وليس في‬
‫جواز الدعاء له‪ ،‬وعدم جواز الثاني ال ينتج وجوب األول‪.‬‬
‫وأما الشيخ يوسف البحراني فقد رأى أن يدعى على المخالف دون المنافق‪ ،‬جمع ًا‬
‫بين األخبار‪ ،‬قال‪« :‬ظاهر خبري أم سلمة وإسماعيل بن همام المتقدمين أنه (ص) في صالته‬
‫على المنافق انصرف بعد التكبير الرابع ولم يدع له وال عليه»(((‪.‬‬
‫إلى أن قال‪« :‬نعم يبقى الكالم في الجمع بين هذين الخبرين وبين األخبار الدالة على‬
‫الدعاء على المنافق كما عليه األصحاب ‪-‬رضوان الله عليهم‪ -‬وقد عرفت ُب ْعدَ ما احتمله‬
‫بعض المحققين في الجمع بين هذه األخبار‪ ،‬كما أشرنا إليه آنف ًا‪ .‬ويمكن التوفيق بينها بأن‬
‫أن ما دل على االنصراف بعد الرابعة إنما ورد في صالته (ص) على منافقي‬ ‫يقال‪ :‬ال يخفى ّ‬
‫النصاب‬
‫زمانه وحكاية صالته عليهم‪ ،‬وما ورد في الدعاء عليهم إنّما ورد في الصالة على ّ‬
‫السنة وإن ع ّبر عنهم بالمنافقين أيض ًا في بعض األخبار»(((‪.‬‬
‫والمخالفين من أهل ّ‬

‫محل نظره إلى الناصب‪ ،‬فقد ذكر هذا الكالم بعد أن شرع‬‫ذكرى الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .439‬والظاهر أن ّ‬ ‫(( (‬
‫في بيان حكم الناصب في مسألة الدعاء‪ ،‬وما ورد فيه من روايات‪ ،‬فال يستفاد من هذا الكالم أن رأيه‬
‫هو التكبير أربع ًا على مطلق اآلخر المذهبي‪ .‬وفي الدروس ذكر ّ‬
‫أن الدعاء اآلتي‪« :‬اللهم امأل جوفه‬
‫نار ًا» هو «للمنافق الجاحد للحق»‪ .‬انظر‪ :‬الدروس‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،39‬طبعة مؤسسة النشر التابعة للحضرة‬
‫الرضوية‪.‬‬
‫مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.170‬‬ ‫(( (‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.244‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.245‬‬ ‫(( (‬
‫الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.413‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.414‬‬ ‫(( (‬
‫‪299‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪2 -2‬درا�سة دليل القول بوجوب الدعاء عليه‬
‫والسؤال‪ :‬ما الدليل على وجوب الدعاء عليه؟‬
‫المستند لذلك هو العديد من الروايات ونحن نذكرها تباع ًا‪ ،‬بعد تصنيفها إلى‬
‫مجموعات‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما ورد فيها عنوان «عدو الله»‪ ،‬وذلك من قبيل‪:‬‬
‫ت َع َلى َعدُ ِّو ال َّله‬ ‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َذا َص َّل ْي َ‬
‫واح ُش‬ ‫اح ُش َق ْب َره نَار ًا ْ‬ ‫ك‪ ،‬ال َّل ُه َّم َف ْ‬‫ك ولِ َر ُسولِ َ‬ ‫َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم إِ َّن ُف َلن ًا َل َن ْع َل ُم ِمنْه إِ َّل َأنَّه َعدُ ٌّو َل َ‬
‫ادي َأولِياء َك ويب ِغ ُض َأه َل بي ِ‬ ‫َان يتَو َّلى َأعدَ اء َك ويع ِ‬ ‫َج ْو َفه نَار ًا و َع ِّج ْل بِه إِ َلى الن ِ‬
‫ك‬‫ت َنبِ ِّي َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ َ َ ُْ‬ ‫ْ َ َُ‬ ‫َّار َفإِنَّه ك َ َ َ‬
‫ال َّل ُه َّم َض ِّي ْق َع َل ْيه َق ْب َره َفإِ َذا ُرفِ َع َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم َل ت َْر َف ْعه َ‬
‫ول ُت َزكِّه»(((‪.‬‬
‫وتعليقنا على هذه الرواية التي استدل بها البعض((( للدعاء على المخالف‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنه ال مجال لحملها على اآلخر المذهبي على نحو اإلطالق‪ ،‬فالقاصر مث ً‬
‫ال ال‬
‫تنطبق عليه العناوين واألوصاف الواردة فيها‪ ،‬فهل يصح وصفه بأنه عدو الله وعدو رسوله؟!‬
‫إن اآلخر على إطالقه يبغض أهل بيت النبي (ص)! وافتراض كونه‬ ‫وهل نستطيع القول‪ّ :‬‬
‫بحيث لو خ ّير بينهم وبين عدوهم الختار الوقوف مع أعدائهم ‪ ‬هو مجرد احتمال محض‬
‫وال يجعله عدو ًا لهم ‪ ‬بالفعل‪.‬‬
‫إن اإلمام بحسب الرواية يستنزل العقاب عليه ويدعو عليه بالعقوبة وأن‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ثم ّ‬
‫ال عن أن يكون‬‫أن المدعو عليه ليس قاصر ًا‪ ،‬فض ً‬‫يعجل به إلى النار‪ ،‬وهذا مؤشر آخر على ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن من غير المعقول أن يدعو اإلمام ‪ ‬بطلب العذاب على المعذورين عند الله‬ ‫مستضعف ًا‪ّ ،‬‬
‫أن اإلمام باب رحمة للناس‪ ،‬ولو صدر هذا العمل من إنسان عادي الستقبح‬ ‫تعالى‪ ،‬والحال ّ‬
‫فكيف من إمام من أئمة أهل البيت ‪ !‬وقد نقلنا في مبحث اللعن قول الشيخ الطوسي‪« :‬ال‬
‫يجوز لعن من ال يستحق العقوبة من األطفال والمجانين والبهائم‪ ،‬ألنّه تعالى ال يبعد من‬
‫رحمته من ال يستحق اإلبعاد عنها»(((‪ ،‬وقوله رحمه الله‪« :‬واللعنة‪ :‬اإلبعاد عن رحمة الله‪،‬‬
‫عقاب ًا على معصيته‪ ،‬فلذلك ال يجوز لعن البهائم‪ ،‬وال من ليس بعاقل من المجانين واألطفال‪،‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .189‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.168‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫((( التبيان للطوسي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.609‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪300‬‬
‫ألنّه سؤال العقوبة لمن ال يستحقها‪ ،‬فمن لعن حية أو عقرب ًا أو نحو ذلك مما ال معصية له فقد‬
‫أخطأ‪ ،‬ألنّه سأل الله ما ال يجوز في حكمته»(((‪.‬‬
‫وال يبعد ‪ -‬ومن خالل مالحظة األوصاف المذكورة في الرواية ‪ّ -‬‬
‫أن محل النظر هو‬
‫إلى الصالة على رمز من رموز االنحراف عن أهل البيت ‪.‬‬
‫ولكن السيد الخوئي قال تعليق ًا على هذه الرواية‪« :‬والمخالف لو لم يكن‬
‫ّ‬ ‫هذا‬
‫مبغض ًا ألهل البيت ‪ ‬إال أنّه باآلخرة يبغض عدو عدو الله فهو عدو الله فتشمله‬
‫الصحيحة»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا االستدالل غريب‪ ،‬ألننا نسأله‪ :‬ما المقصود بعدو عدو الله؟ هل هو األئمة ‪‬؟‬
‫وهذا غير محتمل في كالمه‪ ،‬ألنّه بنى كالمه على التنزل عن كونه مبغض ًا لألئمة ‪ ،‬وإذا كان‬
‫مقصوده بعدو عدو الله هم أتباع األئمة ‪ ‬مثالً‪ ،‬فبغضهم ليس بغض ًا لله تعالى إال إذا كان‬
‫بغضه لهم مبني ًا على كونهم محبين أو أولياء لله‪ ،‬ومن أين لنا أن نحرز ذلك؟! ويبقى احتمال‬
‫ثالث في تفسير «عدو عدو الله»‪ ،‬وهو أن يكون المراد به من ليس محب ًا لله ولكن على طريقة‬
‫ألن بغضه ليس‬ ‫أن السيد الخوئي مريد له‪ّ ،‬‬ ‫«عدو عدوك صديقك»‪ ،‬ولكن هذا ال نحتمل ّ‬
‫بالضرورة بغض ًا لله تعالى‪ .‬وال ندري إذا كانت العبارة غير موفقة في نقل مراد السيد الخوئي‬
‫‪-‬رحمه الله‪ ،-‬لخطأ أو اشتباه معين؟!‬
‫ان َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬أ ْو َع َّم ْن َذك ََره‬ ‫اد ْب ِن ُع ْث َم َ‬‫الرواية الثانية‪ :‬ما رواه الكليني عن حم ِ‬
‫َ َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وها‬ ‫َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال ‪َ :‬ماتَت ا ْم َر َأ ٌة م ْن َبني ُأ َم َّي َة َف َح َض ْرت َُها َف َل َّما َص َّل ْوا َع َل ْي َها َ‬
‫ور َف ُع َ‬ ‫(((‬

‫ال َق َال(((‪ :‬ال َّل ُه َّم َض ْع َها ولَ ت َْر َف ْع َها ولَ ت َُزك َِّها‪َ ،‬ق َال‪ :‬وكَان ْ‬
‫َت عَدُ َّو ًة‬ ‫وصار ْت َع َلى َأ ْي ِدي الر َج ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ول َأ ْع َل ُمه إِ َّل َق َال‪ :‬ولنَا» ‪.‬‬
‫َ (((‬ ‫لِ َّله‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫وهي ال تصلح لالستدالل أيض ًا‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬لضعفها باإلرسال المحتمل في كالم حماد‪.‬‬

‫((( التبيان للطوسي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.225‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫(( ( القائل هو الرواي‪.‬‬
‫(( ( أي اإلمام الصادق ‪.‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.190‬‬
‫‪301‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫َت َعدُ َّو ًة‬ ‫إن الدعاء فيها ناظر إلى المعادي لله تعالى‪ّ ،‬‬
‫ألن قوله ‪« :‬وكَان ْ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫وكأن ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ل ِ َّله‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ول َأ ْع َل ُمه إِ َّل َق َال‪ :‬و َلنَا»‪ ،‬فيه تحديد واضح لصفة المدعو عليه‪.‬‬
‫بمثابة التعليل‪.‬‬
‫ألن دعاءه ‪ ‬عليها‬‫أن الرواية ال عالقة لها بالصالة على اآلخر المذهبي‪ّ ،‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬على ّ‬
‫إنما كان بعد انتهاء الصالة ورفع المرأة‪ ،‬وكالمنا في الدعاء أثناء الصالة‪ ،‬وال مالزمة بينهما‪،‬‬
‫فال نستطيع القول إن جاز أو وجب الدعاء عليها خارج الصالة جاز أو وجب فيها‪ ،‬اللهم إال‬
‫أن يقال‪ :‬إن الصالة على الميت إنما هي للدعاء‪ ،‬فإذا جاز أن ندعو بدعاء معين للميت عليه‬
‫في خارج الصالة يجوز ذلك في الصالة‪.‬‬
‫أن هذه الرواية ال تدل على الوجوب‪ ،‬وهو مفروض‬ ‫رابع ًا‪ :‬وأضف إلى ما تقدم ّ‬
‫الكالم‪ ،‬وإنما غايته جواز ذلك بالمعنى األعم‪ ،‬ألنها تحكي فعله ‪ ‬وهو ال يدل على‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫ال َع ْن َأبِي‬ ‫ان ا ْل َجم ِ‬ ‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ورد بعنوان المنافق‪ ،‬من قبيل رواية َص ْف َو َ‬
‫َّ‬
‫ين َفخَ َر َج ا ْل ُح َس ْي ُن ‪َ ‬ي ْم ِشي َف َل ِق َي َم ْو ًلى َله َف َق َال َله‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ات َر ُج ٌل م َن ا ْل ُمنَافق َ‬ ‫َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬م َ‬
‫ب؟ َف َق َال‪َ :‬أفِ ُّر ِم ْن ِجنَاز َِة َه َذا ا ْل ُمنَافِ ِق َأ ْن ُأ َص ِّل َي َع َل ْيه‪َ .‬ف َق َال َله ا ْل ُح َس ْي ُن ‪ُ :‬ق ْم إِ َلى‬ ‫إِ َلى َأ ْي َن ت َْذ َه ُ‬
‫اد َك وبِ َل ِد َك‪،‬‬‫ول َف ُق ْل ِم ْث َله‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فر َفع يدَ يه َف َق َال‪ :‬ال َّلهم َأ ْخ ِز عبدَ َك فِي ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َجنْبِي َف َما َس ِم ْعتَنِي َأ ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َار َك‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأ ِذ ْقه َأ َشدَّ َع َذابِ َ‬ ‫ال َّل ُه َّم َأ ْصلِه َح َّر ن ِ‬
‫َان َيت ََو َّلى َأ ْعدَ َاء َك و ُي َعادي َأ ْول َي َ‬
‫اء َك‬ ‫ك‪َ ،‬فإِنَّه ك َ‬
‫ك (ص)»(((‪.‬‬ ‫ويب ِغ ُض َأه َل بي ِ‬
‫ت َنبِ ِّي َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ُْ‬
‫ويالحظ على االستدالل بها‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن المالحظة الثانية التي أوردناها على الرواية األولى من المجموعة السابقة ترد‬
‫بعينها هنا‪.‬‬
‫نصت على أنه كان من المنافقين‪ ،‬وحم ُلها على مطلق المخالف ومن‬
‫ثاني ًا‪ :‬إن الرواية ّ‬
‫لم يؤمن بوالية أهل البيت ‪ ‬يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة‪ ،‬بل إن الدعاء عليه من قبل‬
‫اإلمام ‪ ‬بأشدّ ألوان العذاب والخزي‪ ،‬واستنزال الغضب اإللهي عليه‪ ،‬ووصفه بأنه كان‬
‫يبغض أهل البيت ‪ ‬ويتولى أعداءهم ويعادي أولياءهم هو قرينة على إرادة شخص بعينه‬
‫أو صنف خاص‪ ،‬وهو من انطبقت عليه هذه األوصاف دون سواها‪ ،‬ومن هنا قال المحقق‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .189‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.168‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪302‬‬
‫األردبيلي تعليق ًا على هذه الصحيحة‪« :‬وهذه تدل على ّ‬
‫أن المنافق‪ ،‬هو الكافر الناصب ال‬
‫المخالف مطلق ًا»(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وثمة اعتراض على سند الرواية‪ ،‬فهي وإن وصفت بالصحة‪ ،‬لك ّن ذلك محل‬
‫أن صاحب المدارك بعد أن نقل هذه الرواية عن‬ ‫تأمل(((‪ ،‬قال الخاجوئي المازندراني‪« :‬واعلم ّ‬
‫ابن بابويه حكم بصحتها‪ .‬وفيه نظر‪ ،‬ألن للصدوق إلى صفوان بن مهران طريقين ضعيفين‪،‬‬
‫والثاني منهما أضعف من األول‪ .‬أما األول فلوجود أحمد بن محمد بن خالد وأبيه فيه‪ ،‬وهما‬
‫ضعيفان‪ .‬أما أحمد فهو وإن و ّثقه الشيخ والنجاشي وأومأ إليه ابن الغضائري‪ ،‬ولكن في‬
‫«الكافي» في باب النص على األئمة االثني عشر ‪ ‬في آخر حديث طويل هكذا‪ :‬وحدثني‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسن الصفار‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال َّله‪ ،‬عن أبي هاشم‬
‫مثله سواء‪ .‬قال محمد بن يحيى‪ :‬فقلت لمحمد بن الحسن‪ :‬يا أبا جعفر وددت ّ‬
‫أن هذا الخبر‬
‫جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد ال َّله‪ ،‬قال فقال‪ :‬لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين»‪.‬‬
‫وهذا يدل على ذمه وعدم اعتباره في أقواله إال بتاريخ يميزها‪ ،‬وهو هنا غير معلوم‪ .‬وأما أبوه‬
‫محمد‪ ،‬فلقول النجاشي‪ :‬وكان محمد هذا ضعيف ًا في الحديث‪.‬‬
‫وأما الطريق الثاني‪ ،‬فلوجود موسى بن عمير الهذلي فيه‪ ،‬وهو عامي غير ممدوح‪ ،‬فظهر‬
‫أن الطريقين كليهما ضعيفان‪ ،‬فحكمه بصحة الرواية ال وجه له»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ما ذكره صحيح‪ ،‬باستثناء أنّه ض ّعف الطريق األول بأحمد بن محمد بن خالد‬
‫البرقي وأبيه محمد بن خالد‪ ،‬وضعفه باألب واضح دون االبن‪ ،‬إذ ربما يقال إنّه ال وجه‬
‫لتضعيف االبن «أحمد»‪ ،‬فقد وثقه النجاشي فقال‪« :‬وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء‬
‫واعتمد المراسيل»(((‪.‬‬
‫أ ّما ما استند إليه المازندرني في تضعيفه من الرواية الناقلة لكالم محمد بن يحيى من أنّه‬
‫و ّد لو جاء من غير أحمد‪ ،‬وأجابه محمد بن الحسن بأنه قد سمع منه ذلك قبل الحيرة بعشر‬

‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.436‬‬ ‫(( (‬


‫الرواية بسند الكليني ضعيفة الشتمال السند على سهل‪ .‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪ .77‬وأما بسند‬ ‫(( (‬
‫الشيخ الصدوق فقد صححها السيد محمد العاملي‪ ،‬انظر‪ :‬مدارك األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .170‬وانظر‪:‬‬
‫استقصاء االعتبار في شرح االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.406‬‬
‫الرسائل الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.292‬‬ ‫(( (‬
‫رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫((( ‬
‫‪303‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫سنين‪ ،‬فهذا ال يدل على مشكلة في الرجل‪ ،‬كما أفاد بعض الفقهاء‪ ،‬قال السيد الخوئي‪« :‬هذه‬
‫الرواية قد أشكلت على كثيرين‪ ،‬أولهم فيما نعلم‪ :‬السيد التفريشي ‪-‬قدس سره‪ -‬فتخيلوا‬
‫أن فيها ذم ًا على أحمد بن أبي عبد الله‪ ،‬ولكن التأمل في الرواية يعطي ّ‬
‫أن معناها ما ذكره‬
‫بعض األفاضل‪ .‬بيان ذلك بتوضيح منا‪ :‬أن محمد بن يحيى‪ ،‬احتمل أن رواية أحمد بن‬
‫أبي عبد الله كان بعد وقوع الناس في حيرة من أمر اإلمامة‪ ،‬حيث كان جماعة يقولون‪ :‬بأن‬
‫الحسن العسكري ‪ ،‬لم يكن له ولد‪ ،‬وكانت الشيعة يعتقدون بوجود الحجة ‪-‬سالم الله‬
‫عليه‪ ،-‬وأنه اإلمام بعد أبيه‪ ،‬فو ّد محمد بن يحيى‪ :‬أن يكون راوي هذه الرواية شخص ًا آخر‪،‬‬
‫ال كان من السابقين على زمان الحيرة‪ ،‬ليكون إخباره إخبار ًا عن المغيب‪ ،‬قبل وقوعه‪،‬‬‫أي رج ً‬
‫فأجابه محمد بن الحسن‪ّ ،‬‬
‫بأن إخبار أحمد بن أبي عبد الله كان قبل الحيرة بعشر سنين‪ ،‬يعني‬
‫أنه كان قبل والدة الحجة بخمس سنين‪ ،‬وعلى ذلك فليس في الرواية ما يدل على ذم أحمد‬
‫ابن أبي عبد الله أصالً»(((‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬يبقى في النفس شيء من أحمد لقول النجاشي إنه يروي عن الضعفاء ويعتمد‬
‫المراسيل‪ .‬وأما األب «محمد» فقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف‪ ،‬فقد قال النجاشي فيه‪:‬‬
‫«وكان محمد ضعيف ًا في الحديث‪ ،‬وكان أديب ًا حسن المعرفة باألخبار وعلوم العرب»(((‪،‬‬
‫ولكن الشيخ وثقه‪ ،‬أ ّما ابن الغضائري فقال‪« :‬حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء‬
‫ال بـضعفه بالحديث‬‫ويعتمد المراسيل»(((‪ .‬وال تنافي في كالم النجاشي نفسه حيث حكم أو ً‬
‫ثم بحسن معرفته باألخبار‪ ،‬إذ المراد بالحديث الحديث الديني وروايات األحكام ومراده‬
‫باألخبار السير والتواريخ‪ ،‬ولذا عدّ ه المسعودي في أول مروجه ممن صنّف في التاريخ‪.‬‬
‫وأما الطريق الثاني‪ ،‬فموسى بن عمير الهذلي لم يوثق(((‪ ،‬نعم‪ ،‬كونه عامي ًا ليس قادح ًا‬
‫في الوثاقة لو ثبتت‪ .‬وكيف كان فالرواية ضعيفة السند‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬ما أخذ فيه عنوان الجاحد للحق‪ ،‬من قبيل‪ :‬صحيحة ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم‬
‫وس ِّل ْط َع َل ْيه‬ ‫احد ًا لِ ْل َح ِّق َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم ْام ْ‬
‫أل َج ْو َفه نَار ًا و َق ْب َره نَار ًا َ‬
‫َان ج ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع ْن َأ َحده َما ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ ْن ك َ َ‬
‫ك َقا َله َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪ِ ‬ل ْم َر َأ ِة َس ْو ٍء ِم ْن َبنِي ُأ َم َّي َة َص َّلى َع َل ْي َها َأبِي‪ ،‬و َق َال‬
‫ار َب‪ ،‬و َذلِ َ‬
‫ات وا ْل َع َق ِ‬‫ا ْلحي ِ‬
‫َ َّ‬

‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.54‬‬ ‫(( (‬


‫رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.335‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.72‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪ .409‬ومعجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص ‪.68‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪304‬‬
‫ان َل َها َق ِرين ًا‪َ .‬ق َال ُم َح َّمدُ ْب ُن ُم ْس ِل ٍم‪َ :‬ف ُق ْل ُت َله‪ :‬ألَ ِّي َش ْي ٍء َي ْج َع ُل‬ ‫واج َع ِل َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫َهذه ا ْل َم َقا َل َة‪ْ :‬‬
‫ِ‬
‫ارب ي ْلسعنَها َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات وا ْلع َق ِ ِ‬ ‫ا ْلحي ِ‬
‫ين‬
‫والش َياط َ‬ ‫ار َب في َق ْب ِر َها‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن ا ْل َح َّيات َي ْع َض ْضن ََها وا ْل َع َق ِ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارن َُها في َق ْب ِر َها ُق ْل ُت‪ :‬تَجدُ َأ َل َم َذل َك؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم َشديدا» ‪.‬‬
‫ً (((‬ ‫ُت َق ِ‬
‫بيان‪« :‬عن أحدهما» كأنّه الصادق ‪ ،‬كما يدل عليه قوله ‪« :‬قاله أبو جعفر ‪»‬‬
‫وقوله‪« :‬صلى عليها أبي» من قبيل وضع المظهر موضع المضمر»(((‪.‬‬
‫وربما يظن وحدة هذه الرواية مع الرواية الثانية المتقدمة في المجموعة األولى‪،‬‬
‫ألن الظاهر من هذه الرواية‬ ‫ولكنه بعيد‪ ،‬لتغاير الراوي ‪ ،‬واحتمال تغاير المروي عنه‪ّ ،‬‬
‫أنّه صلى على المرأة‪ ،‬أما في السابقة فهو قد دعا عليها بعد انتهاء الصالة ور ْف ِع المرأة‪،‬‬
‫كما قلنا‪.‬‬
‫ال لالستدالل‪ ،‬قال السيد الخوئي‪:‬‬ ‫وبصرف النظرعن ذلك‪ ،‬فهذه الرواية وقعت مح ً‬
‫«على أنه ورد الدعاء على الميت إذا كان جاحد ًا للحق‪ ،‬وال إشكال في صدق هذا العنوان‬
‫على المخالف‪ ،‬إذ ال يعتبر في الجحد إال إنكار الحق علم به أم لم يعلم»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على استدالله‪:‬‬
‫فإن الجحود هو اإلنكار عن علم‪ ،‬وهذا ما يستفاد‬ ‫أوالً‪ :‬إن هذا االستدالل غير مقبول‪ّ ،‬‬
‫أن السيد الخوئي نفسه قد التزم‬ ‫من قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﴾(((‪ ،‬والغريب ّ‬
‫بما قلناه في بعض المواضع(((‪.‬‬
‫ك َقا َله َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪ِ ‬ل ْم َر َأ ِة َس ْو ٍء ِم ْن َبنِي ُأ َم َّي َة َص َّلى َع َل ْي َها‬‫إن قوله ‪« :‬و َذلِ َ‬ ‫إن قلت‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫امرئ‬ ‫ان َل َها َق ِرين ًا»‪ ،‬يصلح قرينة على تعميم الدعاء لكل‬ ‫َأبِي و َق َال َهذه ا ْل َم َقا َل َة‪ْ :‬‬
‫واج َع ِل َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫سيئ‪ ،‬والمخالف لهم ‪ ‬سيئ‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.190‬‬


‫(( ( الوافي‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.466‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫(( ( سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.14‬‬
‫((( قال رد ًا على االستدالل على كفر منكر الضرورة بالرواية التي أخذ فيها عنوان الجحود‪ّ :‬‬
‫«ألن ظاهر الجحد‬
‫عز من قائل‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﴾ [النمل‪ ،]14 :‬وقد‬ ‫هو اإلنكار مع العلم بالحال‪ ،‬كما في قوله ّ‬
‫أي حكم من األحكام الثابتة في الشريعة المقدسة مع العلم به يستلزمه تكذيب النبي (ص)‬ ‫عرفت ّ‬
‫أن إنكار ّ‬
‫وإنكار رسالته سواء كان الحكم ضروري ًا أم لم يكن»‪ .‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.56‬‬
‫‪305‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫قلت‪ :‬يرد عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن هذه الفقرة ال تصلح إلثبات ذلك‪ ،‬بل إنها تشكّل قرينة ب ّينة على ّ‬
‫أن الرواية ال‬
‫يراد منها التعميم لكل مخالف ألهل البيت ‪ ،‬فقد وصف ‪ ‬المرأة بأنّها امرأة سوء من بني‬
‫أمية‪ ،‬واألصل في القيود هو االحترازية‪ ،‬وكونه قيد ًا توضيحي ًا بما يعني ّ‬
‫أن كل نساء بني أمية‬
‫ه ّن نساء سوء كما ترى‪.‬‬
‫إن وصفها بالسيئة إما من جهة عملها القبيح أو من جهة معتقدها الفاسد‪ ،‬أو من‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫جهة االثنين مع ًا‪ ،‬والرواية لم تفصح عن ذلك‪ ،‬فهي مجملة‪ .‬ونستطيع نفي كون الوصف‬
‫بذلك منطلق ًا من صرف كونها غير إمامية حتى لو كانت قاصرة‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا مجرد ادعاء ال دليل‬
‫عليه‪ ،‬وال يوصف بالسيئ إال من كان عالم ًا متمرد ًا أو صاحب أفعال قبيحة‪.‬‬
‫أن وصف المرأة بالسوء هو من جهة جحودها للحق‪ ،‬وذلك بقرينة ما جاء‬ ‫والظاهر ّ‬
‫في الشرطية في صدر الرواية‪ ،‬أعني قوله‪« :‬إذا كان جاحد ًا للحق»‪ ،‬فإن ما جاء بعد ذلك كان‬
‫يصح وصفه بالسيئ‪ ،‬أما اإلنسان القاصر‬
‫من باب ذكر المصداق لها‪ ،‬والجاحد كما ذكرنا ‪ُّ -‬‬
‫والغافل فال يصح وصفه بذلك‪.‬‬
‫على ّ‬
‫أن الدعاء المذكور بهذه الشدة هو شاهد على ما نقول‪ ،‬لما ذكرناه في التعليقات‬
‫السابقة من أن سؤال العذاب ال ُيطلب لغير المستحق للعذاب‪.‬‬
‫ومما يؤيد الحمل في هذه األخبار على كون الشخص رمز ًا للباطل أو منافق ًا‬
‫أن تعبيرات الدعاء وردت نفسها في لعن النبي البن أبي سلول‪،‬‬ ‫ومعادي ًا ألهل الحق‪ ،‬هو ّ‬
‫كما تقدم في صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال َل َّما َم َ‬
‫ات َع ْبدُ ال َّله ْب ُن ُأ َب ِّي ا ْب ِن‬
‫وام ْ‬ ‫ول َح َض َر النَّبِ ُّي (ص) َجن ََازتَه» إلى أن يقول‪« :‬إِنِّي ُق ْل ُ‬
‫ت‪ :‬ال َّل ُه َّم ْ‬ ‫س ُل ٍ‬
‫أل‬ ‫اح ُش َج ْو َفه نَار ًا ْ‬ ‫َ‬
‫ً (((‬ ‫ِ‬ ‫َق ْب َره نَار ًا َ‬
‫وأ ْصله نَارا» ‪.‬‬
‫المجموعة الرابعة‪« :‬ما ورد في الميت الذي ال يعلم مذهبه من تعليق الدعاء له على‬
‫كونه مؤمن ًا‪ ،‬بقوله‪« :‬اللهم إن كان مؤمن ًا‪ »...‬فلو لم يكن الدعاء للميت مخصوص ًا بالمؤمن‬
‫لم يكن لهذا التعليق وجه‪ ،‬فالمخالف ال يجوز الدعاء له»(((‪.‬‬
‫ونالحظ على كالم السيد الخوئي‪:‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .188‬وعنه تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.196‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.245‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪306‬‬
‫أوالً‪ :‬أقول لو سلمنا بوجود هذا التعبير في األخبار‪ ،‬فهو ال يدل على ّ‬
‫أن غير المؤمن ال‬
‫ال عن داللته على وجوب الدعاء عليه‪ ،‬وإنما غايته أنّه ال يجب الدعاء‬‫يجوز الدعاء له‪ ،‬فض ً‬
‫له‪ .‬وهذا ليس محل الكالم فعالً‪.‬‬
‫إن كان مؤمن ًا» لم ترد في الروايات‪ ،‬وإنما وردت عبارة‪« :‬إن‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن عبارة‪« :‬اللهم ّ‬
‫كان محسن ًا‪ ..‬وإن كان مسيئ ًا»‪ ،‬في العديد من الروايات(((‪ .‬والسيد ‪-‬رحمه الله‪ -‬لم يشر في‬
‫كالمه إلى رواية معينة ورد فيها ذلك‪ ،‬ولكن في الحاشية أشير إلى رقم روايتين‪ ،‬وهما األولى‬
‫والرابعة من الباب الثالث من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬ولك ّن هاتين الروايتين لم يرد فيهما تعليق‬
‫الدعاء له على وصف اإليمان‪ ،‬وإليك الروايتان‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر ‪ ،‬أنه قال‪« :‬الصالة على المستضعف والذي ال يعرف مذهبه‪ :‬تص ّلي على النبي (ص)‬
‫ويدعى للمؤمنين والمؤمنات‪ ،‬ويقال‪ :‬اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب‬
‫إن هذه النفس أنت أحييتها وأنت‬ ‫الجحيم‪ ،‬ويقال في الصالة على من ال يعرف مذهبه‪ :‬اللهم ّ‬
‫أن هذه الرواية الواردة‬ ‫أمتها‪ ،‬اللهم و ّلها ما تو ّلت‪ ،‬واحشرها مع من أحبت»(((‪ .‬ومن الواضح ّ‬
‫في المستضعف ومن ال يعرف مذهبه‪ ،‬ال تع ّلق الدعاء على كونه مؤمن ًا ليستفاد منها حرمة‬
‫فإن إثبات‬ ‫نصت على أنّه يدعى للمؤمنين والمؤمنات‪ّ ،‬‬ ‫الدعاء على غير المؤمن‪ ،‬حتى لو ّ‬
‫شيء ال ينفي ما عداه‪ ،‬هذا لو كان لفظ المؤمن فيها يراد به اإليمان بالمعنى األخص‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيح ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ ْن ك َ‬
‫َان ُم ْست َْض َعف ًا َف ُق ِل ال َّل ُه َّم‬
‫ْت َل تَدْ ِري َما َحا ُله َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫وق ِهم ع َذاب ا ْلج ِ‬
‫حيمِ‪ ،‬وإِ َذا ُكن َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ين تَا ُبوا وا َّت َب ُعوا َسبِي َل َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫اغْف ْر ل َّلذ َ‬
‫يل‪،‬‬ ‫ْك بِ َسبِ ٍ‬ ‫ف ِمن َ‬ ‫وار َح ْمه وت ََج َاو ْز َعنْه‪ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫َان ا ْل ُم ْست َْض َع ُ‬ ‫ِ‬
‫وأ ْه َله َفاغْف ْر َله ْ‬ ‫ب ا ْلخَ ْي َر َ‬ ‫إِ ْن ك َ ِ‬
‫َان ُيح ُّ‬
‫الش َفا َع ِة َل َع َلى َو ْجه ا ْل َو َل َي ِة»(((‪.‬‬
‫اس َتغ ِْف ْر َله َع َلى َو ْجه َّ‬ ‫َف ْ‬
‫وهذه ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬كسابقتها ليس فيها تعليق الدعاء لمجهول المذهب على إيمانه‪ ،‬ليستفاد‬
‫ب الخير وأهل‬ ‫ِ‬
‫منها نفي شرعية الدعاء على غير المؤمن‪ ،‬وإنما التعليق فيها على كونه ُيح ّ‬
‫الخير‪ ،‬وهذا ليس وصف ًا اعتقادي ًا‪ ،‬فأهل الخير عنوان عام‪ ،‬وال ينحصر باعتقاد مذهبي معين‪،‬‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬الباب ‪ ،2‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 5‬و‪.7‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪ ،67‬الباب ‪ 3‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .187‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.168‬‬
‫‪307‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن ذلك فيه إشارة إلى إرادة المذهب الحق‪ ،‬فإنه ال ينفع أيض ًا ّ‬
‫ألن التعليق على‬ ‫وعلى فرض ّ‬
‫المحبة ال يخرج إال من كان كاره ًا ومبغض ًا أو ليس محب ًا‪.‬‬
‫أكثر داللة على ما يريده السيد‪ ،‬وهي صحيح ال ُف َض ْيل‬ ‫وهناك رواية ثالثة‪ :‬ولع ّلها ُ‬
‫ت ع َلى ا ْلم ْؤ ِم ِن َفادع َله واجت َِهدْ َله فِي الدُّ عاء‪ِ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْبن َي َسار َع ْن َأبِي َج ْع َفر ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ َذا َص َّل ْي َ َ‬
‫َان و ِاقف ًا مست َْضعف ًا َف َكبر و ُق ِل‪ :‬ال َّلهم اغ ِْفر لِ َّل ِذين تَابوا وا َّتبعوا سبِي َل َ ِ‬
‫اب‬‫ك وق ِه ْم َع َذ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وإِ ْن ك َ َ‬
‫حيمِ»(((‪ .‬فقوله «إذا صليت على المؤمن فادع له»‪ ،‬فقد َع َّلق الدعاء له على كونه مؤمن ًا‪.‬‬ ‫ا ْلج ِ‬
‫َ‬
‫فينتفي الدعاء بانتفاء الشرط‪.‬‬
‫ولكنها ال ُّ‬
‫تدل على المدعى وذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ألننا لو سلمنا بداللة هذه الرواية على وجوب الدعاء على الميت المؤمن‪ ،‬فظاهر‬
‫الشرطية فيها هو انتفاء وجوب الدعاء له بانتفاء اإليمان‪ ،‬ولكنها ال تدل على وجوب الدعاء‬
‫عليه بانتفاء قيد اإليمان‪ ،‬كما هو واضح‪ ،‬فيكفي إلشباع مفهوم الشرطية أن ال تدعو لغير‬
‫المؤمن وال تدعو عليه‪.‬‬
‫أن من الممكن أن يكون المنفي بانتفاء الشرط هو هذا النوع الخاص من‬ ‫ثاني ًا‪ :‬على ّ‬
‫الدعاء مع االجتهاد فيه‪ ،‬وليس أصل الدعاء‪ ،‬فالتعليق على اإليمان ليس لنفي مطلق الدعاء‬
‫أن هذا النوع الخاص من الدعاء هو لخصوص المؤمن‪ ،‬وال يدعى‬ ‫عن غير المؤمن‪ ،‬بل لبيان ّ‬
‫به لغيره‪ ،‬وهذا ما يظهر من المقابلة فيها مع المستضعف والذي يدعى له بدعاء آخر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«وإن كان واقف ًا مستضعف ًا»(((‪.‬‬
‫وعلى أضعف التقادير‪ ،‬فالرواية ساكتة عن وجوب الدعاء للمخالف أو عليه‪ ،‬ألنها‬
‫ذكرت حكم الدعاء لصنفين وهما المؤمن والواقف المستضعف‪ ،‬فيستفاد األمر في غيرهما‬
‫من روايات أخرى‪ ،‬إن وجدت‪.‬‬
‫وقفة مع الخبر‬
‫أن الشهيد الثاني ذكر تعليق ًا عليه‪،‬‬
‫وال بدّ أن نسجل وقفة مع هذا الخبر األخير‪ ،‬من جهة ّ‬
‫أن المنافق هو المخالف مطلق ًا‪ ،‬لوصفه له بكونه قد يكون‬ ‫قال‪« :‬وفي هذا الخبر دالل ٌة على ّ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .187‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.196‬‬


‫(( ( تقدم في الباب األول «مبحث المستضعف» ّ‬
‫أن الواقف هنا ال يراد به المعنى المصطلح‪ ،‬ألن الواقفة‬
‫ُعرفت بعد وفاة اإلمام الكاظم ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪308‬‬
‫أن المستضعف ال بد أن يكون مخالف ًا‪ ،‬فيقرب‬
‫مستضعف ًا‪ ،‬فكيف يختص بالناصب؟! وعلى ّ‬
‫حينئذ تفسير ابن إدريس»(((‪.‬‬
‫ور ّده األردبيلي‪« :‬والذي رأيت في حسنة الفضيل بن يسار‪ ،‬في التهذيب والكافي‪« :‬وإن‬
‫كان واقف ًا» ال «منافق ًا» فيسقط بحث الشارح (الشهيد الثاني) بالكلية‪ .‬فلعل المراد بالواقف‪،‬‬
‫الواقف عن القول بالحق واإليمان‪ ،‬فالمراد غير المؤمن بقرينة المقابلة والدعاء»(((‪.‬‬
‫وخالصة القول‪:‬‬
‫إنّه ومن خالل ما تقدّ م اتضح أنّه ليس في الروايات أو في غيرها ما يدل على وجوب‬
‫أخص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدعاء على اآلخر المذهبي أو استحباب ذلك‪ ،‬واألخبار ك ُّلها وارد ٌة في عناوين‬
‫ومنه يظهر ضعف ما قاله الشهيد الثاني‪« :‬وال منافاة بين األخبار الشتراكها في الدعاء على‬
‫المخالف‪ ،‬وتأكيده على الناصب‪ ،‬وهو الظاهر»(((‪.‬‬

‫‪3 -3‬هل يدعى له؟‬


‫وهذه النتيجة (عدم وجوب أو استحباب الدعاء عليه) تفتح باب التساؤل حول جواز‬
‫الدعاء لآلخر المذهبي‪ ،‬ممن لم يخرج بالعناوين المتقدمة‪ ،‬من قبيل عنوان «من كان رمز ًا‬
‫لالنحراف» وهو ما ع ّبر عنه بـ «عدو الله» أو المنافق أو الجاحد للحق‪ .‬فهل يجوز الدعاء‬
‫ال للبحث‪ ،‬وال يخفى ّ‬
‫أن جواز الدعاء له ال‬ ‫له؟ وكيف يدعى؟ وسنأخذ الجاهل القاصر مح ً‬
‫يكفي فيه انتفاء الدليل على وجوب الدعاء عليه‪ ،‬بل ال بدّ أيض ًا من انتفاء الدليل على حرمة‬
‫الدعاء له‪.‬‬
‫والواقع ّ‬
‫أن في المسألة (الدعاء في الصالة التي تقام على اآلخر المذهبي) احتماالت‬
‫واقعية ثالثة‪:‬‬
‫االحتمال األول‪ّ :‬‬
‫إن حكم الله هو وجوب الدعاء عليه‪.‬‬
‫إن حكم الله الواقعي فيه هو عدم الدعاء له وال عليه‪ ،‬فاألمر ليس دائر ًا‬‫االحتمال الثاني‪ّ :‬‬
‫بين أن يدعى له أو يدعى عليه‪ ،‬فلع ّله ممن يسكت عنه لزوم ًا ويترك أمره إلى الله تعالى‪.‬‬

‫(( ( روض الجنان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.818‬‬


‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.436‬‬
‫(( ( روض الجنان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.817‬‬
‫‪309‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫االحتمال الثالث‪ :‬جواز الدعاء له‪ ،‬بطريقة معينة‪ ،‬وهي قد ال تكون في طريقتها ولسانها‬
‫مماثلة لطريقة الدعاء على المؤمن المكتمل العقيدة‪.‬‬
‫أن النصوص لم تسعفنا على إثبات االحتمال األول كما أسلفنا‪ ،‬فيسقط‪،‬‬ ‫ومن الواضح ّ‬
‫ومجرد احتماله منفي بأصالة البراءة‪ .‬فال يبقى سوى االحتمالين الثاني والثالث‪.‬‬
‫واالحتمال الثالث ال يصل الموقف إليه إال بعد استبعاد االحتمال الثاني‪ ،‬ألنه إذا ثبت‬
‫وجوب السكوت عن الدعاء له أو عليه‪ ،‬فينسد باب االحتمال الثالث‪.‬‬
‫وهذا االحتمال (الثاني) لو أمكن إثباته فهو يصلح جواب ًا على تساؤل يرد في الذهن‪،‬‬
‫أن الروايات تذكر حكم المنافق وعدو الله والمستضعف والشيعي وكيفية الدعاء لهم‬ ‫وهو ّ‬
‫أو عليهم‪ ،‬فكيف تسكت عن بيان حكم الجاهل القاصر الخارج عن هذه العناوين مع كثرة‬
‫أفراده؟! ّ‬
‫فإن الجواب على ذلك هو أنّه في حال لم نستفد شرع ّية الدعاء له من األخبار اآلتية‬
‫ثمة ما يمنع من االلتزام‬
‫ولم ندرجه تحت عنوان المستضعف‪ ،‬كما يرى بعض الفقهاء‪ ،‬فليس ّ‬
‫بأن الموقف الشرعي هو وجوب السكوت‪،‬فال يدعى له وال عليه‪ .‬وهذا ‪-‬وجوب السكوت‪-‬‬ ‫ّ‬
‫تم استظهاره من الدليل‪ ،‬فلن يصل الكالم إلى المرحلة الالحقة (جواز الدعاء له)‪ ،‬وأما‬ ‫إن ّ‬
‫إن لم يتم استظهار ذلك من الدليل وشك في وجوبه فيكون المرجع هو البراءة‪ ،‬فنفتح باب‬ ‫ْ‬
‫جواز الدعاء له ويرجع في طبيعة الدعاء وكيفيته إلى النصوص العامة أو الخاصة‪.‬‬
‫إن الحديث عن شرع ّية الدعاء له‪ ،‬يحتاج باإلضافة إلى نفي احتمال وجوب‬ ‫والخالصة ّ‬
‫الدعاء عليه‪ ،‬فإنّه يحتاج كذلك إلى نفي احتمال حرمة الدعاء له‪ ،‬واألول فرغنا عنه فيبقى الثاني‪.‬‬
‫هل هناك دليل على حرمة الدعاء له؟‬
‫ثمة دليل يلزمنا بالتزام الصمت‪ ،‬أو قل يلزمنا بحرمة الدعاء له‪ .‬وأصالة‬ ‫والظاهر أنّه ليس ّ‬
‫البراءة تكفي لنفي احتمال ذلك‪.‬‬
‫إن ثمة رواية يستفاد منها المنع من الدعاء له‪ ،‬وهي صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي‬ ‫ولكن ربما يقال‪ّ :‬‬
‫ين تَا ُبوا وا َّت َب ُعوا َسبِي َل َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ ْن ك َ‬
‫ك‬ ‫َان ُم ْست َْض َعف ًا َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم اغْف ْر ل َّلذ َ‬
‫وأ ْه َله‬‫ب ا ْلخَ ْي َر َ‬ ‫ْت َل تَدْ ِري ما حا ُله َف ُق ِل‪ :‬ال َّلهم إِ ْن ك َ ِ‬ ‫وق ِهم ع َذاب ا ْلج ِ‬
‫حيمِ‪ ،‬وإِ َذا ُكن َ‬ ‫ِ‬
‫َان ُيح ُّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫اس َتغ ِْف ْر َله َع َلى َو ْجه‬ ‫ْك بِ َسبِ ٍ‬
‫يل َف ْ‬ ‫ف ِمن َ‬ ‫وار َح ْمه وت ََج َاو ْز َعنْه‪ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫َان ا ْل ُم ْست َْض َع ُ‬ ‫ِ‬
‫َفاغْف ْر َله ْ‬
‫الش َفا َع ِة َل َع َلى َو ْجه ا ْل َو َل َي ِة»(((‪ .‬حيث ع ّلقت االستغفار للمستضعف على كونه منك‬ ‫َّ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .187‬ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.169‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪310‬‬
‫بسبيل‪ ،‬فإذا كان ليس كذلك لم يجز االستغفار له حتى على وجه الشفاعة‪ .‬وإذا كان هذا‬
‫حال المستضعف لجهة عدم جواز الدعاء له إذا لم يكن من المصلي بسبيل‪ ،‬فباألولى أن ال‬
‫يجوز االستغفار لغيره‪.‬‬
‫ولك ّن الظاهر أنه لو حمل قوله «فاستغفر له» على ظاهره في الوجوب‪ ،‬فمقتضى الشرطية‬
‫هو انتفاء الوجوب بانتفاء الشرط وهذا ال ريب فيه‪ ،‬لكنّه ال يعني انتفاء أصل المشروع ّية‪،‬‬
‫فانتفاء الوجوب فيه ال يعني ثبوت الحرمة في غيره‪ ،‬وال ينفي أصل المشروعية‪ .‬وأما لو‬
‫حملناه على اإلباحة بقرينة أنّه وارد مورد توهم الحظر‪ ،‬فبانتفاء الشرط تننفي المشروعية‬
‫واإلباحة‪ ،‬فيحرم الدعاء له‪ .‬وسياق الرواية هو الشاهد على هذا االحتمال‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن هذا‬
‫التصنيف الثنائي للمستضعف إلى «من لم يكن منك بسبيل»‪ ،‬فتدعو في الصالة له بالدعاء‬
‫للعنوان العام‪ ،‬وليس له‪ ،‬فتقول‪« :‬اللهم اغفر للذين تابوا‪ ،»..‬وإلى «من كان منك بسبيل»‪،‬‬
‫إن هذا التصنيف ظاهر في أنّه يراد نفي مشروعية الدعاء‬ ‫فتستغفر له على وجه الشفاعة‪ّ ،‬‬
‫تم هذا الكالم انسد باب الحديث اآلتي عن كيفية الدعاء‪،‬‬ ‫للمستضعف وباألولى لغيره‪ .‬فإذا ّ‬
‫بل لعدنا إلى القول السابق بحرمة الدعاء له‪.‬‬
‫أن نفي‬ ‫ولك ْن مما يؤ ّيد رفع اليد عن ظهور مفهوم الشرط ّية في نفي المشروع ّية‪ّ :‬‬
‫يمنع الشفاعة للشخص‬ ‫إن ما ُ‬ ‫المشروعية في خصوص المورد (وهو المستضعف) بعيد‪ ،‬إذ ّ‬
‫هو كونه من أهل العناد والجحود والتمرد والتقصير‪ ،‬وأ ّما المستضعف وال س ّيما إذا قلنا هو‬
‫ألن هؤالء قطع ًا ممن تنالهم‬ ‫أخص من الجاهل القاصر‪ ،‬فهو مما يستبعد تحريم الدعاء له‪ّ ،‬‬
‫الرحمة اإللهية‪ ،‬وبالتالي ما الذي يمنع من سؤال الرحمة له‪ ،‬والدعاء له شفاعة؟ ويؤيد ذلك‬
‫خبر آخر وارد في بيان كيفية الشفاعة للمستضعف‪ ،‬وقد جاء طلب الشفاعة فيه ‪ -‬وبصرف‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫ْت‬ ‫الص َل ِة َع َلى ا ْل َجنَائِ ِز َت ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫النظر عن ضعفه سند ًا ‪ -‬شامالً‪ ،‬حيث قال‪« :‬في َّ‬
‫ين فِ َيها َف َش ِّف ْعنَا»(((‪.‬‬ ‫ْت َأمتَّها َتع َلم ِسرها وع َلنِيتَها َأ َتين َ ِ ِ‬
‫َاك َشافع َ‬ ‫وأن َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ‬ ‫ت َه ِذه النَّ ْف َس َ‬
‫َخ َل ْق َ‬
‫لكن ما قلناه من عدم نهوض دليل على الحرمة قد يثبت مشروع ّية الدعاء له في الصالة‬
‫لكن ال بكيفية خاصة تؤتى على نحو الورود‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫إن الدعاء له بشكل عام ‪ -‬ال في خصوص الصالة وبكيفية خاصة ‪ -‬مشروع‪،‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ودليله واضح‪ ،‬وهو أنه بعد عدم المانع‪ ،‬فالمقتضي للدعاء موجود‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫دل على جواز‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.185‬‬


‫‪311‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫طلب الرحمة لألموات من المسلمين‪ ،‬ونكاد نجزم باستحباب الدعاء لألموات واألحياء‬
‫ممن لم يرد في الدعاء لهم منع شرعي‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أ ّما الدعاء في خصوص الصالة وبعد التكبيرة الرابعة‪ ،‬فهذا يحتاج إلى دليل‬
‫خاص‪ّ ،‬‬
‫ألن الصالة عليه عبادة بكافة أجزائها فيحتاج اإلتيان بعمل معين وفي موضع معين‬
‫المحرم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى دليل على الشرعية والمطلوبية‪ ،‬وإال وقعنا في التشريع‬
‫إن الدليل الخاص هو المطلقات الواردة في قضية الدعاء للميت‬ ‫ويمكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫في الصالة عليه‪ ،‬وخرج من ذلك المنافق ومن كان عدو ًا لله ولرسوله (ص) ولألئمة ‪‬‬
‫ت‬ ‫أو جاحد ًا للحق‪ ،‬ومن هذه المطلقات ما روي َع ْن م َحم ِد ْب ِن م َه ِ‬
‫اج ٍر َع ْن ُأ ِّمه ُأ ِّم َس َل َم َة َقا َل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫ٍ‬
‫ول ال َّله (ص) إِ َذا َص َّلى َع َلى َم ِّيت َك َّب َر وت ََش َّهدَ ُث َّم‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ول‪« :‬ك َ‬ ‫ت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬ ‫َس ِم ْع ُ‬
‫ت ُث َّم َك َّب َر‬ ‫اء ودعا ُثم َكبر ودعا لِ ْلم ْؤ ِمنِين ُثم َكبر الرابِع َة ودعا لِ ْلمي ِ‬ ‫َكبر ُثم ص َّلى ع َلى األَ ْنبِي ِ‬
‫َ َّ َّ َ َّ َ َ َ َ ِّ‬ ‫َ َ َّ َّ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وص َّلى‬ ‫ين َك َّب َر وت ََش َّهدَ ُث َّم َك َّب َر َ‬ ‫الص َلة َع َلى ا ْل ُمنَافق َ‬ ‫وج َّل َع ِن َّ‬ ‫ف َف َل َّما ن ََهاه ال َّله َعزَّ َ‬ ‫وان َْص َر َ‬
‫ف و َلم يدْ ع لِ ْلمي ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ت»(((‪.‬‬ ‫الرابِ َع َة وان َْص َر َ ْ َ ُ َ ِّ‬ ‫ين ُث َّم َك َّب َر َّ‬ ‫ين (ص) ُث َّم َك َّب َر و َد َعا ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫َع َلى ال َّنبِ ِّي َ‬
‫تم التمسك بهذه المطلقات‪ ،‬فبها‪ ،‬وإال إن استشكل فيها سند ًا‪،‬‬ ‫ونظائرها من األخبار‪ْ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫فيمكن أن تذكر كيفيتان أخريان للدعاء له‪ ،‬وهاتان الكيفيتان يمكن طرحهما والحديث عن‬
‫مشروعيتهما حتى بنا ًء على القول بحرمة الدعاء لآلخر‪ ،‬والكيفيتان قد تخلصان من بعض‬
‫اإلحراجات االجتماعية التي قد تواجه الشخص الذي يطلب منه الصالة على الجنازة التي‬
‫هي من المذهب اآلخر‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫الكيفية األولى‪ :‬الدعاء المعلق له‪ ،‬فإنه إذا شكك في مشروع ّية الدعاء الناجز له ولو‬
‫للزوم التفرقة بينه وبين اإلمامي‪ ،‬فيمكن أن يدعى له بدعاء مع ّلق على إماميته‪ ،‬أو على كونه‬
‫من أهل الخير أو اإلحسان‪ ،‬كما ُّ‬
‫تدل عليه العديد من الروايات‪ ،‬والظاهر ّ‬
‫أن هذا ال إشكال فيه‬
‫حتى لو قيل ّ‬
‫إن الدعاء له محرم‪ ،‬فالدعاء التعليقي ال ينافي الحرمة‪ .‬وقد ورد ذلك في العديد‬
‫من الروايات(((‪.‬‬
‫الكيفية الثانية‪ :‬الدعاء له بدعاء المستضعف‪ ،‬وهو ما ورد في العديد من األخبار‪ ،‬ومنها‬
‫الصحيح‪ ،‬من قبيل صحيحة محمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما ‪ ‬قال‪ :‬الصالة على المستضعف‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.181‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،61‬الباب ‪ 2‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬الحديث ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 5‬وغيرها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪312‬‬
‫والذي ال يعرف‪ :‬الصالة على النبي (ص)‪ ،‬والدعاء للمؤمنين والمؤمنات‪ .‬تقول‪ :‬ربنا ﴿ ﲵ‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﴾(((‪ ،‬إلى آخر اآليتين»(((‪.‬‬
‫وهذا االستدالل يتوقف على إحراز كون مفهوم المستضعف شام ً‬
‫ال للجاهل القاصر‪،‬‬
‫وهذا ما بحثناه في بداية هذا الكتاب‪.‬‬
‫أن دعاء المستضعف هو دعاء عام فال يخصص الميت بما‬ ‫ولكن الظاهر من الروايات ّ‬
‫تضمنه من الرحمة واالستغفار له‪ ،‬وعليه حتى لو قيل بحرمة الدعاء لآلخر فال يدل ذلك على‬ ‫ّ‬
‫أكثر من حرمة الدعاء المباشر والشخصي له‪ ،‬أ ّما الدعاء العام وهو طلب المغفرة للمؤمنين‬
‫إن كان من أهل الدعاء دخل فيه وإال لم‬ ‫والصالحين وأهل الخير فهذا ال ينافي النهي‪ ،‬فإنه ْ‬
‫يشمله الدعاء‪ ،‬كما يدل على ذلك ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله‬
‫ول َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َله‬ ‫ان ْب ِن َخالِ ٍد َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ت ُق ُ‬ ‫ابن المغيرة َع ْن َر ُج ٍل َع ْن ُس َل ْي َم َ‬
‫ور ُسولِ َك‪ ،‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى‬ ‫ٍ ِ‬ ‫إِ َّل ال َّله و َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمد ًا َر ُس ُ‬
‫ول ال َّله ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّمد َع ْبد َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُب‬
‫وار َح ْمني وت ْ‬ ‫ُم َح َّمد وآل ُم َح َّمد و َت َق َّب ْل َش َفا َعتَه و َب ِّي ْض َو ْج َهه و َأكْث ْر َت َب َعه‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لي ْ‬
‫َان ُم ْؤ ِمن ًا َد َخ َل فِ َيها‬
‫اب ا ْل َج ِحي ِم‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َع َل َّي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر ل َّلذي َن تَا ُبوا وا َّت َب ُعوا َسبِي َل َك وق ِه ْم َع َذ َ‬
‫َان َل ْي َس بِ ُم ْؤ ِم ٍن َخ َر َج ِمن َْها»(((‪.‬‬ ‫وإِ ْن ك َ‬

‫‪4 -4‬كيفية الدعاء للم�ست�ضعف‬


‫وأخير ًا تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن بعض الروايات فصلت في كيفية الدعاء بين صنفين من‬
‫المستضعف وهما‪:‬‬
‫‪--1‬من ليس للمصلي علقة به‪ ،‬والدعاء في الصالة عليه‪ ،‬هو ما تقدم في الحديث من تالوة‬
‫الدعاء الوارد في اآليتين‪.‬‬
‫‪--2‬من كان له علقة معه‪ ،‬وهذا يدعى له بالخصوص على وجه الشفاعة‪ ،‬ال على وجه‬
‫الوالية‪.‬‬
‫والمهم في ذكر هذا التفصيل هو صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪« :‬إِ ْن ك َ‬
‫َان‬

‫((( سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬


‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،67‬الباب ‪ 3‬من أبواب صالة الجنازة‪ ،‬حديث ‪.2‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،188‬والرواية مرسلة‪.‬‬
‫‪313‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫حيمِ‪ ،‬وإِ َذا ُكن َ‬ ‫وق ِهم ع َذاب ا ْلج ِ‬ ‫ك ِ‬ ‫ين تَا ُبوا وا َّت َب ُعوا َسبِي َل َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت َل‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ُم ْست َْض َعف ًا َف ُق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم اغْف ْر ل َّلذ َ‬
‫وار َح ْمه وت ََج َاو ْز َعنْه‪ ،‬وإِ ْن ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ب ا ْلخَ ْي َر َ‬ ‫تَدْ ِري ما حا ُله‪َ ،‬ف ُق ِل ال َّلهم إِ ْن ك َ ِ‬
‫َان‬ ‫وأ ْه َله َفاغْف ْر َله ْ‬ ‫َان ُيح ُّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َفا َعة َل َع َلى َو ْجه ا ْل َو َل َية»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اس َتغْف ْر َله َع َلى َو ْجه َّ‬ ‫ْك بِ َسبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل ُم ْست َْض َع ُ‬
‫يل َف ْ‬ ‫ف من َ‬
‫ض َأ ْص َحابِه َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬ق َال‪« :‬الت ََّر ُّح ُم َع َلى‬ ‫ال َع ْن َب ْع ِ‬ ‫وفي مرسل ا ْب ِن َف َّض ٍ‬
‫الش َفا َع ِة»(((‪.‬‬
‫وج َه ِة َّ‬ ‫ِج َه َت ْي ِن‪ِ :‬ج َه ِة ا ْل َو َل َي ِة ِ‬
‫وقوله في صحيحة الحلبي‪« :‬إن كان منك بسبيل» عبارة عن وجود علقة معينة تربطك‬
‫به‪ ،‬وتفرض عليك ولو من الناحية األخالقية واالجتماعية أن تصلي عليه‪ ،‬وفهم منها‬
‫أن مقصوده من الحق األعم من الحق القانوني‬‫أن له حق ًا عليك‪ ،‬والظاهر ّ‬‫الفيض الكاشاني ّ‬
‫واألخالقي‪ ،‬قال الكاشاني‪ :‬في شرح فقرة «منك بسبيل»‪« :‬أي له عليك حق‪ ،‬ويعني بالوالية‬
‫حق من ال والية له عليك ال يوجب أن تدعو له كما تدعو ألهل‬ ‫والية أهل البيت ‪ ،‬يعني ّ‬
‫الوالية‪ ،‬بل يكفي لذلك أن تستغفر له على وجه الشفاعة» ‪ .‬وقال المجلسي‪« :‬وقوله ‪‬‬
‫(((‬

‫«منك» حال عن السبيل ومن فيه ابتدائية أي كان المستضعف بسبيل‪ ،‬حال كون ذلك السبيل‬
‫مبتدأ منك‪ ،‬من قرابة أو مودة أو يد أو منة له عليك أو جوار»(((‪.‬‬
‫وأما مسألة الترحم عليه على وجهي الوالية والشفاعة‪ ،‬فإليك بيانه‪ :‬أما الترحم على‬
‫وجه الوالية فيراد به الترحم الخاص المعدّ ألهل الوالية‪ ،‬بينما الترحم له على وجه الشفاعة‬
‫فيراد به أن تشفع إلى الله تعالى بطلب المغفرة له‪ ،‬قال الفيض الكاشاني‪« :‬الترحم على جهة‬
‫مر في الباب السابق من الدعاء للمؤمن‪ ،‬وعلى جهة الشفاعة مثل قوله‪ :‬أتيناك‬‫الوالية مثل ما ّ‬
‫شافعين فشفعنا‪ ..‬وإنّما تجوز الشفاعة لمن كان قد استوجبها كالمستضعف إذا كان من‬
‫الشفيع بسبيل دون غيره»(((‪.‬‬
‫ولك ّن المجلسي طرح وجهين‪ ،‬وثانيهما ذكره بعنوان االحتمال في مسألة الترحم‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫‪ّ --1‬‬
‫إن الترحم على وجه الوالية بمعنى المودة‪ ،‬فإنها خاصة بأهل الوالية‪ ،‬وأما الترحم على‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .187‬ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.169‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.187‬‬ ‫((( ‬
‫الوافي‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.461‬‬ ‫(( (‬
‫مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.70‬‬ ‫((( ‬
‫الوافي‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.461‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪314‬‬
‫وجه الشفاعة فهو الذي ال ينطلق من المودة‪ ،‬قال‪« :‬فاستغفر له على وجه الشفاعة ال‬
‫على وجه الوالية»‪ ،‬أي تشفع له على أنه أحد من آحاد الناس وتترحم عليه ال على وجه‬
‫المودة والمحبة‪ ،‬فإنه ال يجوز مودة غير المؤمنين وإظهارها عند الله وعند الخلق‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾((( فيدل على جواز الدعاء لهم على وجه‬
‫الشفاعة‪ ،‬وعلى أنه يمكن نجاتهم بفضل الله تعالى‪ ،‬كما يدل عليه أخبار كثيرة»‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الوجه ال يخلو من تأمل‪ّ ،‬‬
‫ألن مورد اآلية هو من حاد الله ورسوله‪ ،‬وأما‬
‫المستضعف فال يحاد الله ورسوله كما ال يخفى‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬ويحتمل أن يكون المراد بقوله (على وجه الشفاعة) عدم االهتمام في الدعاء‬
‫والحتم فيه‪ ،‬بل على سبيل الترديد‪ ،‬كما هو ظاهر األدعية ال على وجه الوالية والمودة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫المودة موجبة لالهتمام والعزم والحتم في الدعاء‪ ،‬كما ورد في األدعية المقررة للمؤمنين‪،‬‬
‫أو المراد بقوله «على وجه الوالية»‪ ،‬على أنه من أهل الوالية لألئمة ‪ ‬ومن المؤمنين‪ ،‬بأن‬
‫يشهد بإيمانه بل يقول على الترديد والتفصيل أو يدعو للمؤمنين على اإلجمال والله يعلم»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ربما يستفاد الوجه الثاني من رواية ثابت أبي المقدام التي ذكرت دعاء الشفاعة‬
‫قال‪َ :‬ثابِت َأبِي ا ْل ِم ْقدَ ا ِم‪ُ :‬كن ُْت َم َع َأبِي َج ْع َف ٍر ‪َ ‬فإِ َذا بِ َجن ََاز ٍة لِ َق ْو ٍم ِم ْن ِج َيرتِه َف َح َض َر َها و ُكن ُْت‬
‫ْت‬ ‫وأن َ‬‫ْت ت ُْحيِ َيها َ‬
‫وأن َ‬ ‫ْت ت ُِميت َُها َ‬
‫وأن َ‬‫وس َ‬ ‫ْت َخ َل ْق َ ِ‬
‫ت َهذه النُّ ُف َ‬ ‫َّك َأن َ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِن َ‬ ‫َق ِريب ًا ِمنْه َف َس ِم ْعتُه َي ُق ُ‬
‫ْت‬‫وأن َ‬‫ول َأ ْع َل ُم ِمنْه َش ّر ًا َ‬
‫وه َذا َع ْبدُ َك َ‬ ‫ِ‬
‫وم ْست َْو َدع َها ال َّل ُه َّم َ‬
‫وم ْس َت َق ِّر َها ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْع َل ُم بِ َس َرائ ِر َها و َع َلن َيت َها منَّا ُ‬
‫ِ‬ ‫ين َله َب ْعدَ َم ْوتِه َفإِ ْن ك َ‬ ‫َأع َلم بِه و َقدْ ِج ْئن َ ِ ِ‬
‫واح ُش ْره َم َع َم ْن ك َ‬
‫َان‬ ‫َان ُم ْست َْو ِجب ًا َف َش ِّف ْعنَا فيه ْ‬ ‫َاك َشافع َ‬ ‫ْ ُ‬
‫َيت ََو َّله»(((‪.‬‬
‫الص َل ِة َع َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفي خبر إِ ْس َماع َيل ْب ِن َع ْبد ا ْل َخال ِق ْب ِن َع ْبد َ ر ِّبه َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪« :‬في َّ‬
‫ِ‬
‫ْت َأمتَّها َتع َلم ِسرها وع َلنِيتَها َأ َتين َ ِ ِ‬ ‫ت َه ِذه النَّ ْف َس َ‬ ‫ْت َخ َل ْق َ‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫ا ْل َجنَائِ ِز َت ُق ُ‬
‫َاك َشافع َ‬
‫ين‬ ‫وأن َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ‬
‫ت»(((‪.‬‬ ‫واح ُش ْر َها َم َع َم ْن َأ َح َّب ْ‬ ‫ت ْ‬ ‫فِ َيها َف َش ِّف ْعنَا‪ .‬ال َّل ُه َّم َو ِّل َها َم ْن ت ََو َّل ْ‬
‫ولكن يالحظ على االحتمال المذكور في كالم المجلسي ّ‬
‫أن قوله «استغفر له على وجه‬

‫سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫((( ‬


‫مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.70‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .188‬والتهذيب ج ‪ 3‬ص ‪ .169‬والحديث ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.72‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .185‬والحديث مجهول‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.61‬‬ ‫((( ‬
‫‪315‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الشفاعة» ال يناسب التعليق إال التعليق على كونه من أهل الشفاعة‪ ،‬فال يبعد أن قوله «اللهم‬
‫و ّلها ما تولت واحشرها مع من أحبت» يراد به الدعاء له بأن يحشره الله مع النبي (ص) وغيره‬
‫من أهل الخير‪ ،‬وذلك كي ال يحصل التهافت بين قوله «أتيناك شافعين فيها فشفعنا» وبين‬
‫تلك الفقرة‪ّ ،‬‬
‫فإن فقرة أتيناك شافعين يراد منها الشفاعة بطلب المغفرة والرحمة للميت‪ ،‬وإال‬
‫لم تكن شفاعة‪.‬‬
‫ولهذا فاألقرب في تفسير «وجه الوالية ووجه الشفاعة» هو ّ‬
‫أن المراد بدعاء أهل‬
‫الوالية هو الدعاء الخاص الذي فيه اهتمام واضح به‪ ،‬وأما دعاء أهل الشفاعة‪ ،‬فهو‬
‫التشفع إلى الله فيه‪.‬‬
‫المحور الثالث‬

‫هذا المحور مخصص لدرس الفتاوى التي تنتقص من األهلية القانونية واإلفتائية‬
‫واإلدارية للمسلم اآلخر‪ ،‬ونتناول هنا بالتحديد‪:‬‬
‫‪--1‬شرط اإلمامية في الشاهد‪.‬‬
‫‪--2‬شرط اإلمامية في كل من المفتي والقاضي‪.‬‬
‫الف�صل الأول‬

‫�شرط الإمامية في ال�شاهد‬

‫من جملة الفتاوى التي يمكن درجها في فتاوى القطيعة بين المسلمين‪ ،‬والتي تسهم في‬
‫ٍ‬
‫وإسقاط لشخصيته أو‬ ‫تعميق الفجوة بين المذاهب اإلسالمية‪ ،‬وتم ّثل نوع ٍ‬
‫إدانة معنوية لآلخر‬
‫تنص على عدم قبول شهادة أتباع المذاهب اإلسالمية‬
‫أهليته القانونية‪ :‬الفتوى المشهورة التي ّ‬
‫األخرى‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أتباع األديان األخرى‪.‬‬
‫والسؤال المطروح في المقام هو‪ :‬ما هو الدليل على هذا الشرط؟ واإلجابة على ذلك‬
‫سوف تتضح من خالل النقات التالية‪:‬‬
‫‪--1‬مع الفقهاء في شرط اإلمامية‬
‫‪--2‬ما ّ‬
‫دل على كفاية اإلسالم في الشاهد‬
‫‪--3‬دراسة نقدية في أدلة شرط ّية اإلمامية في الشاهد‬

‫‪1 -1‬مع الفقهاء في �شرط الإمامية‬


‫أن من شرائط قبول الشهادة أن يكون الشاهد مؤمن ًا اثني‬
‫المعروف بين فقهاء الشيعة ّ‬
‫عشري ًا‪ ،‬بل ادعي اإلجماع على ذلك‪ ،‬قال المحقق الحلي في الشرائع‪« :‬كل مخالف في‬
‫شيء من أصول العقائد تر ّد شهادته سواء استند في ذلك إلى التقليد أو إلى االجتهاد‪ .‬وال ترد‬
‫شهادة المخالف في الفروع من معتقدي الحق‪ ،‬إذا لم يخالف اإلجماع‪ ،‬وال يفسق وإن كان‬
‫مخطئ ًا في اجتهاده»(((‪.‬‬

‫(( ( شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.912‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪320‬‬
‫أي فِ َرق اإلسالم كان‪ ،‬سواء‬
‫للحق من ّ‬
‫ّ‬ ‫وقال العالمة الحلي‪« :‬ال تقبل شهادة المخالف‬
‫خاص ًة»(((‪.‬‬
‫صار إلى ما اعتقده بشبهة أو ال‪ ،‬وإنّما تُقبل شهاد ُة المؤمن ّ‬
‫وقال الشهيد الثاني في المسالك‪« :‬ظاهر األصحاب االتفاق على اشتراط اإليمان في‬
‫الشاهد»(((‪.‬‬
‫ولك ّن بعض الفقهاء فتح باب التشكيك في هذا الشرط‪ ،‬وأبرزهم الشهيد الثاني في المسالك‪،‬‬
‫فالبرغم من نقله اتفاق األصحاب على هذا الشرط ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬فإنّه تن ّظر في المسألة‪ ،‬ومال إلى‬
‫قبول شهادة كل مسلم معروف بالعدالة في مذهبه‪ ،‬بل وسائر أتباع األديان بالشرط نفسه‪.‬‬
‫ونقل الشيخ يوسف البحراني عن بعض الفقهاء متابعتهم للشهيد الثاني على رأيه‪،‬‬
‫قال في الحدائق‪« :‬واقتفاه في هذه المقالة سبطه السيد السند في شرح النافع‪ ،‬فقال بعد نقل‬
‫كالمه المذكور وذكر الرواية األولى ما صورته‪« :‬وهو جيد‪ ،‬والرواية األولى مع صحة سندها‬
‫أن التعريف في قوله ‪ ‬فيها «وعرف بالصالح في نفسه»‬ ‫فإن الظاهر ّ‬
‫دالة على ذلك أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫للجنس ال لالستغراق‪ ،‬وهاتان الروايتان مع صحتهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل‬
‫بهما» انتهى‪ .‬وأضاف الشيخ يوسف البحراني قائالً‪« :‬واقتفاهما في ذلك المحدث الكاشاني‬
‫في «المفاتيح» والفاضل الخراساني كما هي عادتهما غالب ًا»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لم نعثر على ما نقله الشيخ البحراني من كالم سبط الشهيد‪ ،‬أعني السيد محمد‪،‬‬
‫وإنما وجدناه يع ّلق على كالم جده قائالً‪« :‬وال يخلو من نظر‪ ،‬إذ المتبادر من قولنا‪« :‬عرف‬
‫من هذا الشخص خير ًا» أنه عرف منه الخير خاصة‪ ،‬وكذا من قولنا‪« :‬عرف منه الصالح» كونه‬
‫معروف ًا بهذا الوصف ممتاز ًا به‪ ،‬فيكون في الروايتين داللة على تحقق العدالة المعتبرة في‬
‫الشهادة‪ ،‬بأن يظهر من حال الشخص‪ ،‬الخير‪ ،‬والصالح دون الفسق والعصيان ومن أعظم‬
‫أنواع الفسق‪ ،‬الخروج عن اإليمان كما هو واضح‪ ،‬وهاتان الروايتان مع صحتهما سالمتان‬
‫من المعارض فيتجه العمل بهما»(((‪.‬‬
‫وأما الفيض الكاشاني فقد قال‪« :‬ومنّا من اكتفى فيهما باإلسالم‪ ،‬إ ّما ألن األصل في‬
‫المسلم العدالة‪ ،‬أو لخصوص الحسن‪« :‬بشاهدين عدلين ‪ -‬إلى أن سئل ‪ -‬فإن أشهد رجلين‬

‫تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.246‬‬ ‫((( ‬


‫مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬ ‫(( (‬
‫الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.41‬‬ ‫(( (‬
‫نهاية المرام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.40‬‬ ‫((( ‬
‫‪321‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ناصبيين على الطالق‪ ،‬أيكون طالق ًا؟ فقال‪ :‬من ولد في الفطرة أجيزت شهادته في الطالق‬
‫بعد أن يعرف منه خير»‪ .‬قيل‪ :‬فيه تنبيه على رجوع العدالة إلى اإلسالم‪ .‬وفيه نظر‪ّ ،‬‬
‫ألن قوله‪:‬‬
‫«بعد أن يعرف منه خير» يدل على اعتبار ما يزيد على اإلسالم ّ‬
‫فإن االعتقاد غير العمل‪،‬‬
‫والمخالف ربما يكون ثقة في مذهبه‪ ،‬اال أن يفسر الحديث بأن الناصبي ال خير فيه»(((‪.‬‬
‫ويظهر من بعض أساتذتنا الميل للقول بقبول شهادة المسلم مطلق ًا(((‪ .‬ويظهر من بعض‬
‫الفقهاء من تالمذة السيد الخوئي ‪-‬رحمهما الله‪ -‬التفصيل بين القاصر والمقصر‪ ،‬فمال إلى‬
‫قبول شهادته إذا لم يكن مقصر ًا في معرفة العقيدة الحقة في اتباع األئمة من أهل البيت ‪.(((‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن محل الكالم في قبول شهادته أو رفضها هي فيما لو لم توجب‬
‫العلم لدى القاضي‪ ،‬وإال قبلت ال من ناحية حجيتها في نفسها بل لحجية العلم‪.‬‬

‫‪2 -2‬ما ّ‬
‫دل على كفاية الإ�سالم في ال�شاهد‬
‫وبصرف النظر عما تقدم‪ّ ،‬‬
‫فإن السؤال المهم في المقام هو‪ :‬ما الدليل على شرط‬
‫اإلمامية؟‬
‫فإن ثمة سؤاالً هو أكثر إلحاح ًا‪ ،‬وهو أنّه هل من دليل عام أو مطلق‬
‫ولكن قبل ذلك ّ‬
‫تم سيشكّل مرجع ًا في حال عدم نهوض‬ ‫يستفاد منه قبول شهادة كل مسلم؟ وهذا الدليل لو ّ‬
‫مفر من االلتزام بشرط ّية‬
‫أدلة شرط ّية اإلمامية‪ ،‬وأما لو لم يتم لنا دليل من هذا القبيل‪ ،‬فعندها ال ّ‬
‫اإلمامية ألنّه القدر المتيقن‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬عندها سيكون‪ :‬عدم قبول شهادة غير اإلمامي‬
‫لعدم المقتضي ال لوجود المانع‪.‬‬
‫يعم المسلم غير الشيعي هو عدة وجوه‪:‬‬
‫وما يمكن أن يستدل به إلثبات وجود إطالق ّ‬
‫الوجه األول‪ :‬القرآن الكريم‬
‫وما يمكن أن يستدل به من الكتاب هو آيتان‪:‬‬

‫(( ( مفاتيح الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.317‬‬


‫(( ( اإلثبات القضائي ‪ -‬الشهادة‪ ،‬للسيد محمد الحسيني تقرير ًا لبحوث السيد فضل الله ‪-‬رحمه الله‪،-‬‬
‫ص ‪ 123‬وما بعدها‪ .‬والقضاء في الفقه اإلسالمي للسيد الحائري‪ ،‬ص ‪.322 - 320‬‬
‫(( ( أسس القضاء والشهادة‪ ،‬ص ‪.432‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪322‬‬
‫اآلية األولى‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﴾(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإن المراد بضمير الجمع في قوله «منكم» إ ّما عامة الناس‪ ،‬أو عامة المسلمين‪ ،‬وحمله‬
‫على فهم دون أخرى يحتاج إلى دليل‪ ،‬ويشهد للتعميم لكافة المسلمين أمران‪:‬‬
‫﴿ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫أوالً‪ :‬ما جاء في آية أخرى وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ‬
‫أن األول‬ ‫فإن ظاهرها بقرينة المقابلة بين «منكم» وقوله «من غيركم»‪ّ ،‬‬ ‫ﲊ ﲋ ﴾(((‪ّ ،‬‬
‫ناظر إلى المسلمين والثاني إلى غيرهم‪ ،‬وهذا ما تشهد به الروايات الواردة في تفسير اآلية‬
‫اح ا ْل ِكنَانِ ِّي َق َال َس َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ْن َق ْو ِل ال َّله َت َب َار َك‬
‫الص َّب ِ‬
‫المباركة‪ ،‬ومنها خبر أبي َّ‬
‫و َت َعا َلى ﴿ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ان‪ُ .‬ق ْل ُت‪َ :‬ذ َوا عَدْ ٍل ِمنْك ُْم؟ َف َق َال‪:‬‬
‫ان ِمن َغي ِركُم؟ َق َال‪ُ :‬هما كَافِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫آخر ِ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﴾ ُق ْل ُت‪َ :‬ما َ َ‬
‫(((‬

‫ان»(((‪ .‬إلى غيرها من الروايات الواردة في تفسير اآلية المذكورة‪.‬‬ ‫مس ِلم ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫ثاني ًا‪ :‬السياق‪ ،‬فهو قرينة التعميم‪ ،‬عنيت بذلك قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇ ﲈ ﴾ والقدر المتيقن من ذلك هم المسلمون‪.‬‬
‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫إن اآلية ق ّيدت الشاهد بكونه ذا عدل‪ ،‬والشخص الذي ال يوالي أهل البيت ‪‬‬
‫ليس واجد ًا لهذه الصفة أو ّ‬
‫أن وجدانه لها أول الكالم‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬هذا ليس صحيح ًا كما سيأتي‪ ،‬من أنه ال يمكن الحكم بفسق الشخص ما لم‬
‫ال متلبس ًا بالتقصير‪.‬‬
‫يكن عالم ًا جاحد ًا أو جاه ً‬
‫﴿ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬ ‫اآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾ ‪ .‬وقوله «من رجالكم» شامل لكافة المسلمين ْ‬
‫إن لم‬ ‫(((‬

‫نقل لكافة الناس‪ ،‬وأ ّما قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾ فالظاهر ّ‬
‫أن المراد بهم من‬

‫سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫(( (‬


‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬ ‫(( (‬
‫سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.3‬‬ ‫((( ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬ ‫((( ‬
‫‪323‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫متقوم بأمرين‪ ،‬وهما سالمة الحواس‪ ،‬والثقة بقوله بأن يكون‬
‫ترضونه من جهة الشهادة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫صادق ًا‪ ،‬قال الشيخ البالغي‪« :‬يرضاهم النوع في الشهادة ويركن إلى شهادتهم ألجل اتصافهم‬
‫بالصالح والعدالة الرادعة لهم عن الكذب والتساهل في الشهادة»(((‪.‬‬
‫أن المراد به ترضونه ديني ًا من جهة العدالة واالستقامة السلوكية‬
‫أجل‪ ،‬ذهب البعض إلى ّ‬
‫يدل على ّ‬
‫أن‬ ‫على جادة الشريعة‪ ،‬قال الطبرسي‪ ﴿« :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾ عدالته‪ ،‬وهذا ّ‬
‫العدالة شرط في الشهود‪ّ ،‬‬
‫ويدل أيض ًا على أنّا لم نتعبد بإشهاد مرضيين على اإلطالق لقوله‪:‬‬
‫﴿ ﲄ ﲅ ﴾‪ ،‬ولم يقل من المرضيين‪ ،‬ألنه ال طريق لنا إلى معرفة من هو مرضي عند الله‬
‫تعالى‪ ،‬وإنما تعبدنا بإشهاد من هو مرضي عندنا في الظاهر‪ ،‬وهو من نرضى دينه وأمانته‪،‬‬
‫ونعرفه بالستر والصالح»(((‪.‬‬
‫وقال المقداد السيوري‪ ﴿« :‬ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾(((‪ ،‬أي من الرجال المرض ّيين‪،‬‬
‫مرضي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والنساء المرض ّيات في الدين‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى اشتراط العدالة‪ّ ،‬‬
‫فإن الفاسق غير‬
‫ويدل على بطالن قول أبي حنيفة في قبول شهادة الك ّفار‪ ،‬ويلزم من اشتراط الرضا بهم أن‬ ‫ّ‬
‫ممن يحسن الظ ّن به في صدقه في شهادته‪ ،‬فال تقبل شهادة المتّهم‪ ،‬فإنّه يدفع‬ ‫يكون الشاهد ّ‬
‫ضرر ًا أو يجلب نفع ًا‪ .‬ولم يقل من المرض ّيين من الشهداء إشارة إلى االكتفاء بظاهر العدالة‪،‬‬
‫وإل ّ‬
‫لتعذر االستشهاد»(((‪.‬‬ ‫وعدم اشتراطها في نفس األمر َّ‬
‫إن حمل الرضا في اآلية على الرضا بااللتزام الديني بأن يكون عادالً‪ ،‬هو مما‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫ال شاهد عليه‪ ،‬وهو ‪-‬الرضا‪ -‬وإن كان مطلق ًا‪ ،‬ولكن بمناسبة الحكم والموضوع يظهر ّ‬
‫أن‬
‫أن العقالء يرضون بشهادة كل موثوق به وعرف‬ ‫المراد به هو الرضا من جهة الشهادة‪ ،‬ويؤيده ّ‬
‫بالصدق‪ ،‬وعلى فرض أن المراد به الرضا بعدالته‪ ،‬فيخرج بذلك الفاسق‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن السني ‪ -‬كما‬
‫ألمحنا وسيأتي ‪ -‬ليس فاسق ًا لمجر ّد كونه سني ًا‪ ،‬كما أن الشيعي ليس عادالً لمجرد تشيعه‪،‬‬
‫ومنه يتضح اندفاع تفسير الرضا بالرضا بعقيدته‪.‬‬
‫السنة الشريفة‬
‫الوجه الثاني‪ُّ :‬‬
‫والروايات التي يمكن االستدالل بها كثيرة‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى عدّ ة مجاميع‪:‬‬

‫آالء الرحمن‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬ ‫((( ‬


‫مجمع البيان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.221‬‬ ‫((( ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.282‬‬ ‫((( ‬
‫كنز العرفان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.51‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪324‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما ّ‬
‫دل على قبول شهادة المسلم الذي لم يظهر منه فسق‬
‫ويمكن أن نذكر لها عدّ ة روايات‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة َح ِر ٍيز َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ :‬فِي َأ ْر َب َع ٍة َش ِهدُ وا َع َلى َر ُج ٍل‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َان و َلم يعدَّ ِل َ ِ‬ ‫الزنَى َفعدِّ َل ِمنْهم ا ْثن ِ‬
‫ين‬ ‫اآلخ َران؟ َف َق َال‪ :‬إِ َذا كَانُوا َأ ْر َب َع ًة م َن ا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُم ْح َص ٍن بِ ِّ‬
‫يم ا ْل َحدُّ َع َلى ا َّل ِذي َش ِهدُ وا َع َل ْيه إِن ََّما‬
‫وأق َ‬
‫َت َشهادتُهم ج ِميع ًا ُ ِ‬
‫ُّور ُأ ِجيز ْ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ون بِ َش َها َد ِة الز ِ‬ ‫َل ْي َس ُي ْع َر ُف َ‬
‫ِ‬ ‫َع َل ْي ِه ْم َأ ْن َي ْش َهدُ وا بِ َما َأ ْب َص ُروا و َعلِ ُموا و َع َلى ا ْل َوالِي َأ ْن ُي ِ‬
‫ين‬ ‫جي َز َش َها َدت َُه ْم إِ َّل َأ ْن َيكُونُوا َم ْع ُروف َ‬
‫ِ‬
‫نصت على قبول شهادة المسلم ما لم يكن معروف ًا‬ ‫بِا ْلف ْس ِق»(((‪ .‬فهذه الرواية الصحيحة قد ّ‬
‫بالفسق‪ ،‬بصرف النظر عن مذهبه‪.‬‬
‫وقد يعترض على هذه الرواية‪:‬‬
‫أن الرواية تشتمل على مضمون ال يمكن األخذ به‪ ،‬وهو داللتها على عدم‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫شرط ّية العدالة في الشاهد واالكتفاء بشهادة المسلم الذي لم يعرف منه فسق‪ ،‬ولذا‬
‫اعترض عليها السيد الخوئي بأنها «شاذة وغير قابلة لمعارضة الروايات المشهورة‬
‫المعروفة‪ .(((»..‬وبكلمة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن الرواية دالة على أصالة العدالة في المسلم‪ ،‬وهو أمر‬
‫ال يمكن الموافقة عليه لمعارضته للنصوص الدالة على اشتراط العدالة وعدم االكتفاء‬
‫باإلسالم مع عدم ظهور الفسق‪.‬‬
‫ولكن ربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن الرواية ال داللة فيها على عدم شرط ّية العدالة واالكتفاء بعدم ظهور‬
‫الفسق في قبول شهادة الشاهد‪ ،‬لتكون منافية لما ّ‬
‫دل على ضرورة إحراز كونه عفيف ًا د ّين ًا‬
‫إن ظاهرها كفاية حسن الظاهر في الطريقية‬ ‫مرضي ًا‪ ،‬وليضطر الفقيه إلى ر ّدها ورفضها‪ ،‬بل ّ‬
‫وإثبات عدالة الشاهد‪ ،‬أي إنّها ظاهرة في االكتفاء بعدم ظهور الفسق فيمن عرف عنه االلتزام‬
‫على جادة الشريعة وكان ذلك ثابت ًا ومحرز ًا بالمعاشرة‪ ،‬فهي تريد التأكيد على أمار ّية حسن‬
‫الظاهر‪ .‬وعليه فال داعي لرميها بالشذوذ‪ ،‬كما فعل السيد الخوئي‪ ،‬وال لطرحها كما ذكر بعض‬
‫تالمذته(((‪ .‬فتأمل‪.‬‬

‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .403‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .14‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .277‬وسائل الشيعة‪،‬‬
‫ج ‪ ،27‬ص ‪ ،397‬الحديث ‪ 18‬الباب ‪ 40‬من كتاب الشهادات‪.‬‬
‫((( مباني تكملة المنهاج‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.90‬‬
‫((( أسس القضاء والشهادة للشيخ التبريزي‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪325‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثاني ًا‪ :‬إنّها ليست في مقام البيان من جهة االكتفاء باإلسالم في الشاهد ليتمسك بإطالقها‪،‬‬
‫وإنّما هي في صدد بيان ما هو المعتبر من شرط العدالة‪ ،‬وأنّه هل يكتفى بعدم ظهور الفسق‬
‫في الشاهد (وعلى الرأي اآلخر هل يكتفى بحسن الظاهر)‪ ،‬أو ال بدّ من إحراز العدالة؟‬
‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إن هذا ال يتوقف على ذكر قيد المسلمين‪ ،‬بل يمكن بالوصف‬
‫األخص أو حذفه كلي ًا من الجملة ويستقيم المعنى المقصود إثباته فيما يتصل بشرط العدالة‪،‬‬
‫ولذا يكون لذكر هذا القيد (قيد المسلمين) من قبل اإلمام ‪ ‬عناية‪ ،‬وهو بيان كفاية اإلسالم‬
‫في الشاهد‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬رواية علقمة قال‪ :‬قال الصادق ‪ - ‬وقد قلت له‪ - :‬يا بن رسول الله‬
‫عمن تقبل شهادته وم ْن ال تقبل؟ فقال‪ :‬يا علقمة كل من كان على فطرة اإلسالم‬
‫أخبرني ّ‬
‫جازت شهادته‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال‪ :‬يا علقمة لو لم تقبل‬
‫شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إال شهادة األنبياء واألوصياء ‪ ،‬ألنهم المعصومون دون‬
‫سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنب ًا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان‪ ،‬فهو من أهل‬
‫العدالة والستر‪ ،‬وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنب ًا‪ ،‬ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من‬
‫والية الله‪ ،‬داخل في والية الشيطان»(((‪.‬‬
‫تدل على قبول شهادة كل‬ ‫وهذه الرواية ضعيفة السند‪ .‬وأما من جهة الداللة فهي ّ‬
‫مسلم‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك هو مورد السؤال فيها‪ .‬وما أشكل به على سابقتها (اإلشكال األول) يرد هنا‪،‬‬
‫والجواب المذكور يأتي هنا أيض ًا‪ ،‬بأن يقال‪ :‬إنّها بمالحظة صدرها وذيلها ناظرة إلى بيان‬
‫االكتفاء بحسن الظاهر في إثبات عدالة المسلم‪ ،‬وذلك على اعتبار ّ‬
‫أن «ظاهر حال المسلم أنّه‬
‫ملتزم بدينه متعهد لما وجب عليه من مراعاة أحكام الشريعة‪ .‬فيجعل من حسن الظاهر دلي ً‬
‫ال‬
‫على طيب الباطن»(((‪ .‬صحيح أنّه ‪ ‬قال فيها‪« :‬فمن لم تره بعينك يرتكب ذنب ًا‪ ..‬فهو من‬
‫أن المقصود أنّه حيث لم يكن متجاهر ًا أو معروف ًا بالفسق فيحكم‬
‫أهل العدالة»‪ ،‬لكن ال يبعد ّ‬
‫ظاهر ًا بعدالته‪ ،‬ولذا تراه ‪ ‬قد عطف كلمة «الستر» على العدالة‪ ،‬وتراه ‪ ‬قال بعدها‪« :‬وإن‬

‫(( ( األمالي للصدوق‪ ،‬ص ‪ .163‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،395‬الحديث ‪ 14‬من الباب ‪ ،41‬من‬
‫كتاب الشهادات‪.‬‬
‫(( ( شرح تبصرة المتعلمين‪/‬كتاب القضاء‪ ،‬لآلغا ضياء الدين العراقي‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪326‬‬
‫كان في نفسه مذنب ًا»(((‪ .‬وأما اإلشكال الثاني الذي أورد على سابقتها فال وجه له هنا‪ ،‬فالرواية‬
‫سؤاالً وجواب ًا واضحة الداللة على كفاية اإلسالم في الشاهد‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪َ :‬‬
‫«بم تعرف‬
‫عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال‪ :‬أن تعرفوه بالستر والعفاف‪،‬‬
‫وكف البطن والفرج واليد واللسان‪ ،‬وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها‬
‫النار من شرب الخمور‪ ،‬والزنا‪ ،‬والربا‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬والفرار من الزحف وغير ذلك‪،‬‬
‫والداللة على ذلك كله أن يكون ساتر ًا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك‬
‫من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك‪ ،‬ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس‪،‬‬
‫ويكون معه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن‪ ،‬وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة‬
‫من المسلمين وأن ال يتخلف عن جماعتهم في مصالهم إال من علة فإذا كان كذلك الزم ًا‬
‫لمصاله عند حضور الصلوات الخمس‪ ،‬فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا‪ :‬ما رأينا منه إال‬
‫فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين‬ ‫خير ًا‪ ،‬مواظب ًا على الصلوات‪ ،‬متعاهد ًا ألوقاتها في مصاله‪ّ ،‬‬
‫نص ‪ ‬في إثبات عدالة الرجل بين المسلمين وقبول شهادته لهم بأن‬
‫المسلمين‪ .(((»..‬فقد ّ‬
‫يكون معروف ًا بالستر والعفاف والمواظبة على الصلوات وهذا ال يختص بالشيعي اإلمامي‪،‬‬
‫بل يندرج فيه كل مسلم‪ ،‬وحمله على الشيعي يحتاج إلى دليل‪.‬‬
‫اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫إن االستدالل بها يتوقف على إثبات دخول اآلخر في العدالة‪ ،‬وإال‬
‫كان التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية‪.‬‬
‫ولكن يرده‪ :‬أن السؤال هو عن عدالته بين المسلمين‪ ،‬بما يشهد سعة مفهوم العدالة‪،‬‬
‫وشموله لكل مسلم مستقيم على جادة الشريعة وفق ًا لمذهبه‪ ،‬كما اختاره الشهيد الثاني‬
‫‪-‬رحمه الله‪.-‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ورد في شهادة أهل الملل بعضهم على البعض‬
‫ومن أهم أخبار هذه المجموعة‪ :‬صحيحة َأبِي ُع َب ْيدَ َة َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪:‬‬

‫(( ( شرح العروة الوثقى للشيخ مرتضى الحائري‪ ،‬ص ‪ ،1‬ص ‪.109‬‬


‫((( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪39‬؛ وتقدم الحديث عن صحة سندها في مبحث الصالة خلف المسلم‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الذ َّم ِة (الملل) َع َلى‬ ‫ين َع َلى َج ِمي ِع َأ ْه ِل ا ْل ِم َل ِل َ‬
‫ول ت َُجو ُز َش َها َد ُة َأ ْه ِل ِّ‬ ‫ِِ‬
‫ت َُجو ُز َش َها َد ُة ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ِِ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ولكن ربما يالحظ على االستدالل بها أنّها ناظرة إلى الشهادة بين أهل الملل المختلفة‪،‬‬
‫وال نظر لها إلى الشهادة فيما بين أهل الملة الواحدة‪ ،‬قال بعض أساتذتنا‪ّ :‬‬
‫«بأن الحديث إنّما‬
‫فرض المسلمين م ّلة واحدة في مقابل الك ّفار‪ ،‬أ ّما كونهم فيما بينهم م ّلة واحدة‪ ،‬بحيث تنفذ‬
‫يدل عليه الحديث نفوذ شهادة السني على‬ ‫شهادة السني على الشيعي فغير معلوم‪ ،‬فغاية ما ّ‬
‫الكافر»(((‪.‬‬
‫بأن «الملل» في قوله‪« :‬تجوز شهادة المسلمين على‬ ‫ولكن يمكن دفع هذا االعتراض ّ‬
‫جميع أهل الملل» شاملة للمسلمين أيض ًا‪ ،‬فهو لم يقل على سائر أو بقية الملل ليكون نظره‬
‫إلى غير الملة اإلسالمية‪.‬‬
‫ولكن اإلنصاف أنه وبالرغم من استخدام اإلمام ‪ ‬كلمة «جميع الملل»‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن‬
‫المقابلة في الرواية بين المسلمين وغيرهم واضحة‪ ،‬فالنظر فيها إلى قبول شهادتهم على‬
‫غيرهم‪ ،‬وليس على بعضهم البعض‪.‬‬
‫المجموعة الثالثة‪ :‬ما ّ‬
‫دل على قبول شهادة المسلمين على بعضهم البعض‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه المشايخ الثالثة عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي‬
‫المقدام عن أبيه عن سلمة بن كهيل قال‪ :‬سمعت علي ًا ‪ ‬يقول لشريح في حديث طويل‪:‬‬
‫ُب ِمنْه َأ ْو َم ْع ُر ٌ‬
‫وف‬ ‫ِ‬
‫ض إِ َّل َم ْج ُلود ًا في َحدٍّ َل ْم َيت ْ‬
‫ول َب ْع ُض ُه ْم َع َلى َب ْع ٍ‬
‫ين ُعدُ ٌ‬ ‫ِِ‬
‫«وا ْع َل ْم َأ َّن ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ِ‬ ‫بِ َش َها َد ِة ز ٍ‬
‫ُور َأ ْو َظن ٌ‬
‫ين»(((‪.‬‬
‫«أن المسلمين عدول على‬ ‫والرواية ضعيفة السند(((‪ ،‬وأ ّما تقريب الداللة‪ ،‬فظاهر قوله‪ّ :‬‬
‫بعضهم البعض»‪ ،‬أن شهادة المسلم أي ًا كان مذهبه تقبل على المسلم اآلخر‪ ،‬إال إذا كان‬
‫المسلم مجلود ًا في حدٍّ دون أن يتوب منه‪ ،‬أو معروف بشهادة الزور‪ ،‬أو كان ظنين ًا‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .398‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.252‬‬


‫(( ( القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .413‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .15‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .226‬وعنها‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،212‬الباب ‪ 1‬من أبواب آداب القاضي‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫(( ( سلمة بن كهيل ال توثيق له‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪328‬‬
‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن الرواية ال يمكن األخذ بإطالقها‪ ،‬ألن الزمها جواز األخذ بشهادة‬
‫الفاسق مرتكب الكبائر‪ ،‬وهذا مقطوع البطالن‪.‬‬
‫أن ثمة وجه ًا لقبول شهادة كل من لم يتهم في‬ ‫ولكن بصرف النظر عما سيأتي من ّ‬
‫ألن الظنين‬ ‫إن الرواية قد أخرجت شهادة الفاسق بقوله‪« :‬أو ظنين»‪ّ ،‬‬ ‫شهادته‪ ،‬فيمكن القول‪ّ :‬‬
‫شخص مرتكب للذنوب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هو المتهم في دينه‪ ،‬وهو يشمل كل‬
‫ب َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ف َينْ َب ِغي‬ ‫الرواية الثانية‪َ :‬صحيحة ُم َع ِ‬
‫او َي َة ْب ِن َو ْه ٍ‬
‫يما َب ْينَنَا و َب ْي َن ُخ َل َط ِائنَا ِم َن الن ِ‬
‫َّاس؟ َق َال‪َ :‬ف َق َال‪ :‬ت َُؤ ُّد َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما َب ْينَنَا و َب ْي َن َق ْومنَا وف َ‬
‫ِ‬
‫َلنَا َأ ْن ن َْصن ََع ف َ‬
‫ون َجنَائِز َُه ْم»(((‪ .‬فإن‬ ‫اه ْم وت َْش َهدُ َ‬ ‫الش َها َد َة َل ُه ْم و َع َل ْي ِه ْم و َت ُعو ُد َ‬
‫ون َم ْر َض ُ‬ ‫ون َّ‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬
‫األَ َما َن َة إِ َل ْي ِه ْم وتُق ُ‬
‫ال لآلخر الديني‬ ‫تعبير «الخلطاء من الناس» ناظر أو شامل لآلخر المذهبي‪ ،‬بل ربما كان شام ً‬
‫فيدخل في المجموعة السابقة‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة عبد الله بن سنان‪ ،‬قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله ‪ ‬يقول‪ :‬أوصيكم‬
‫إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه‪:‬‬
‫بتقوى الله‪ ،‬وال تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا‪ّ ،‬‬
‫﴿ ﲶ ﲷ ﲸ  ﴾(((‪ ،‬ثم قال‪ :‬عودوا مرضاهم‪ ،‬واشهدوا جنائزهم‪ ،‬واشهدوا لهم وعليهم‪،‬‬
‫وصلوا معهم في مساجدهم»(((‪ .‬ورواها في مستطرفات السرائر وجاء فيها‪« :‬أوصيكم بتقوى‬
‫إن الله عز وجل يقول في كتابه‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ‬ ‫الله وال تحملوا الناس على أكتافكم فتذ ّلوا‪ّ ،‬‬
‫ﲸ ﴾‪ ،‬ثم قال‪ :‬عودوا مرضاهم‪ ،‬واحضروا جنائزهم‪ ،‬واشهدوا لهم وعليهم‪ ،‬وص ّلوا معهم‬
‫في مساجدهم‪ ،‬حتى يكون التمييز‪ ،‬وتكون المباينة منكم ومنهم»(((‪.‬‬
‫ولك ّن هاتين الروايتين األخيرتين ال داللة فيهما على المطلوب‪ ،‬ألنهما ناظرتان إلى‬
‫أداء الشهادة من قبل المسلم الموالي ألهل البيت ‪ ‬لصالح اآلخرين أو عليهم‪ ،‬وال نظر‬
‫فيها إلى قبول شهادتهم‪.‬‬
‫المجموعة الرابعة‪ :‬ما ّ‬
‫دل على كفاية اإلسالم حين أداء الشهادة‬
‫وما يندرج في هذه المجموعة هو األخبار التالية‪:‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .635‬ورواه أيض ًا بسند آخر إلى معاوية بن وهب‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.636‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬ ‫((( ‬
‫المحاسن للبرقي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.18‬‬ ‫(( (‬
‫مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫(( (‬
‫‪329‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى‪ ،‬سأل أبا الحسن ‪:‬‬
‫«عن رجل أشهد أجيره على شهادة‪ ،‬ثم فارقه أتجوز شهادته بعد أن يفارقه؟ قال ‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فيهودي ُأشهد على شهادة‪ ،‬ثم أسلم‪ ،‬أتجوز شهادته؟ قال ‪ :‬نعم»(((‪.‬‬
‫ألن سند الصدوق إلى صفوان صحيح‪ .‬أ ّما داللة‪ّ ،‬‬
‫فإن ترك‬ ‫والرواية صحيحة السند‪ّ ،‬‬
‫االستفصال فيها دليل العموم‪.‬‬
‫ولك ّن بعض الفقهاء اعترض على االستدالل ّ‬
‫بأن الخبر‪« :‬ليس بصدد اشتراط اإلسالم‬
‫في الشهادة‪ ،‬كي يتمسك بإطالقه‪ ،‬وإنّما هو بصدد بيان قبول شهادة مسلم كان عند تحمل‬
‫الشهادة يهودي ًا‪ .‬ونحن ضمن ًا نفهم من ذلك شرط اإلسالم في الشهادة»(((‪.‬‬
‫بأن ذلك «غير صحيح‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن اإليمان أخص من اإلسالم‪،‬‬ ‫ثم إنه ر ّد هذا االعتراض‪ّ :‬‬
‫فالمسلم قد يؤمن بوالية أئمة أهل البيت ‪ ،‬وقد ال يؤمن‪ ،‬ولكن غير المسلم ال يمكن أن‬
‫يؤمن بوالية أئمة أهل البيت ‪ .‬واشتراط العام يدل عرف ًا على نفي شرط ّية الخاص‪ ،‬فصحيح‬
‫أنّه ليس بصدد بيان تمام الشرائط‪ ،‬لكن بما أن شرطية الخاص كأنها تلغي شرطية العام‪،‬‬
‫يكون اشتراط العام داالً عرف ًا على عدم اشتراط الخاص‪ .‬فظاهر كالم السائل ‪ -‬حينما قال‪:‬‬
‫أن المرتكز في ذهنه ّ‬
‫أن الشرط هو اإلسالم ال اإليمان‪،‬‬ ‫«يهودي أشهد على شهادة ثم أسلم» ‪ّ -‬‬
‫أقره على ارتكازه» (((‪.‬‬
‫واإلمام ‪ ‬قد ّ‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ما رواه الشيخ الصدوق ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬بإسناده عن محمد بن مسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«سألت أبا جعفر ‪ ‬عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة‪ ،‬ثم يسلم الذمي ويعتق العبد‪،‬‬
‫أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت‬
‫شهادتهما»(((‪.‬‬
‫والسند صحيح‪.‬‬

‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .70‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،387‬الباب ‪ 39‬من كتاب‬ ‫(( (‬
‫الشهادات‪ ،‬الحديث ‪.2‬‬
‫القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.316‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.322‬‬ ‫(( (‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .70‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،387‬الباب ‪ 39‬من أبواب كتاب‬ ‫(( (‬
‫الشهادات‪ ،‬الحديث ‪.1‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪330‬‬
‫وقد استدل بعض الفقهاء(((‪ ،‬بإطالق الرواية على قبول شهادة مطلق المسلم القاصر‬
‫ولو لم يكن متبع ًا ألهل البيت ‪ ،‬وظاهر الخبر أنّه «بصدد ذكر الشرائط‪ ،‬وال يفهم من قوله‪:‬‬
‫«علم منهما بعد ذلك خير» شرط أكثر من العدالة في مذهبه‪ّ ،‬‬
‫فإن العدالة في مذهبه خير وإن‬
‫لم يكن مؤمن ًا»(((‪.‬‬
‫المجموعة الخامسة‪ :‬ما ظاهره قبول شهادة الناصبي‬
‫فقد د ّلت عدة أخبار على قبول شهادة الناصبي مبررة ذلك بوالدته على الفطرة ومعرفته‬
‫بالصالح أو الخير‪ ،‬وذلك من قبيل‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة عبد الله بن المغيرة قال‪« :‬قلت للرضا ‪ ‬رجل ط ّلق امرأته‬
‫وأشهد شاهدين ناصبيين؟ قال‪ :‬كل من ولد على الفطرة وعرف بالصالح في نفسه جازت‬
‫شهادته»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة َأ ْح َمدَ بن ُم َح َّم ِد بن َأبِي ن َْص ٍر (البزنطي) َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا‬
‫«م ْن ُولِدَ‬
‫ُون َط َلق ًا؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫ا ْلحس ِن ‪َ .‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن َأ ْشهدَ رج َلي ِن ن ِ‬
‫َاصبِ َّي ْي ِن َع َلى ال َّط َل ِق أ َيك ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫َت َش َها َدتُه َع َلى ال َّط َل ِق َب ْعدَ َأ ْن َت ْع ِر َ‬
‫ف منْه َخ ْير ًا»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى ا ْلف ْط َرة ُأ ِجيز ْ‬
‫قال الشهيد الثاني في تقريب االستدالل بالرواية الثانية‪« :‬وهذه الرواية واضحة اإلسناد‬
‫والداللة على االكتفاء بشهادة المسلم في الطالق‪ .‬وال يرد أن قوله‪« :‬بعد أن تعرف منه خير ًا»‬
‫ينافي ذلك‪ّ ،‬‬
‫ألن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره‪ ،‬وهو نكرة في سياق اإلثبات ال يقتضي‬
‫العموم‪ ،‬فال ينافيه ‪ -‬مع معرفة الخير منه بالذي أظهره من الشهادتين والصالة والصيام‬
‫وغيرها من أركان االسالم ‪ -‬أن يعلم منه ما يخالف االعتقاد الصحيح‪ ،‬لصدق معرفة الخير‬
‫منه معه‪ .‬وفي الخبر ‪ -‬مع تصديره باشتراط شهادة عدلين ثم اكتفاؤه بما ذكر ‪ -‬تنبيه على ّ‬
‫أن‬

‫أسس القضاء والشهادة للتبريزي‪ ،‬ص ‪ .432‬والقضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.332‬‬ ‫(( (‬
‫القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.322‬‬ ‫(( (‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .47‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .283‬وعنهما وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪،27‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪ ،394‬الباب ‪ 41‬من كتاب الشهادات‪ ،‬الحديث ‪.5‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .68‬ورواه عنه الشيخ الطوسي في تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .49‬وعنهما في‬ ‫((( ‬
‫الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪ ،27‬الباب ‪ 10‬من أبواب مقدمات الطالق وشرائطه‪ ،‬الحديث ‪.4‬‬
‫‪331‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫العدالة هي االسالم‪ ،‬فإذا أضيف إلى ذلك أن ال يظهر الفسق كان أولى»(((‪ ،‬وما قاله الشهيد‬
‫في الرواية الثانية يجري في األولى‪.‬‬
‫وأورد على هاتين الروايتين عدة اعتراضات‪:‬‬
‫االعتراض األول‪ :‬ما ذكره صاحب الجواهر من ّ‬
‫أن‪« :‬ظاهره االكتفاء بشهادة سائر‬
‫المخالفين‪ ،‬بل تحقق العدالة فيهم‪ ،‬وهو من المقطوع بفساده حتى على القول ّ‬
‫بأن العدالة هي‬
‫اإلسالم مع عدم ظهور الفسق‪ ،‬إذ ال فسق أعظم من فساد العقيدة‪ ،‬وكيف وجميع عباداتهم‬
‫فاسدة‪ ،‬لكونهم مخاطبين بما عندنا‪ ،‬وحالهم كحال الكفار‪ّ ،‬‬
‫فلعل المراد بالخير في الرواية‬
‫اإليمان وغيره‪ ،‬لكنه لم يصرح به لمكان التقية»(((‪.‬‬
‫السنة هو أول الكالم‪ ،‬وكونهم فسقة‬ ‫ويالحظ عليه‪ :‬بأن ما ادعاه من القطع ببطالن شهادة ُّ‬
‫ليس تام ًا على إطالقه‪ ،‬بل األغلبية منهم ال يصدق عليهم عنوان الفسق‪ ،‬فهو يصدق في العالم‬
‫المقصر مع كونه غير قاطع حالي ًا بصحة ما هو عليه‪ ،‬وال يصدق على العالم‬ ‫ّ‬ ‫الجاحد والجاهل‬
‫المقصر في الفحص‬ ‫ِّ‬ ‫المقصر في اجتهاده وال على الجاهل القاصر‪ ،‬وال على‬ ‫ّ‬ ‫المجتهد غير‬
‫والبحث عند بناء عقيدته مع كونه حالي ًا جازم ًا بصحة ما هو عليه وملتزم ًا بظاهر الشريعة طبق ًا‬
‫لما يراه(((‪ .‬وفساد عباداتهم أيض ًا ال وجه له‪ ،‬كما أوضحنا ذلك فيما سبق (الباب الثاني)‪،‬‬
‫تم ‪ -‬ناظر إلى الحساب األخروي‪ ،‬وأ ّما إرادة اإليمان بالمعنى األخص من‬ ‫على ّ‬
‫أن هذا ‪ -‬لو ّ‬
‫الخير أو الحمل على التق ّية فسيأتي ما فيهما‪.‬‬
‫االعتراض الثاني‪ :‬ما قيل من أنّه ال ظهور للروايتين في جواز شهادة النصاب‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن‬
‫إن طالقه صحيح‪،‬‬‫اإلمام ‪ ‬لم يجب على السؤال بشكل مباشر‪ ،‬كأن يقول للسائل مثالً‪ّ :‬‬
‫وإنّما أجاب ببيان الكبرى‪ ،‬وهذا فيه «نوع طفرة عن الجواب ببيان الكبرى»‪ ،‬حسب تعبير‬
‫ّ‬
‫«ولعل المقام نظير ما لو استأذن الخادم مخدومه في‬ ‫بعض الفقهاء(((‪ ،‬أو كما قال فقيه آخر‪:‬‬
‫دخول شخص يكون من أعداء المخدوم عليه‪ ،‬فيقول المخدوم‪ :‬ليدخل علينا من يعرف‬
‫بالصالح‪ ،‬فهذا ليس إذن ًا في دخول هذا الشخص الذي يكون من األعداء‪ ،‬حيث لم يرد‬

‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.114‬‬


‫(( ( جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪.290‬‬
‫((( وأجل‪ ،‬ذكرنا سابق ًا أن هذا يستحق المؤاخذة على تقصيره‪.‬‬
‫(( ( أسس القضاء والشهادة‪ ،‬ص ‪.433‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪332‬‬
‫إن‬‫المخدوم التصريح بالمنع بل أراد المنع من دخول العدو بنحو آخر»(((‪ ،‬وقال ثالث‪ّ :‬‬
‫اإلمام في «مقام الجواب ب ّين حكم ًا كلي ًا واقعي ًا ويفهمه المؤمن ويراه المخالف أيض ًا مطابق ًا‬
‫للسؤال»‪ ،‬نظير ما ورد فيمن ط ّلق ثالث ًا في مجلس واحد‪ ،‬وهو صحيح البزنطي عن أبي‬
‫الحسن ‪ ‬قال‪ :‬سأله رجل وأنا حاضر عن رجل ط ّلق امرأته ثالث ًا في مجلس واحد؟ فقال‬
‫إلي فقال‪« :‬فالن‬ ‫أبو الحسن ‪« :‬من طلق امرأته ثالث ًا للسنة فقد بانت منه‪ ،‬قال‪ :‬ثم التفت ّ‬
‫ال يحسن أن يقول مثل هذا»(((‪ .‬أي إنّه ‪ ‬يجيب بالحكم الواقعي مع كونه موافق ًا لمراد‬
‫السائل‪ ،‬ويعتقد أنّك أجبته بمقتضى اعتقاده الفاسد»(((‪.‬‬
‫أقول ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬نفي الظهور في غير محله‪ ،‬والذي ألجأهم إلى مثل هذا التفسير أو الحمل هو‬
‫أن مضمون الرواية مما ال يمكن القبول به‪ ،‬ولوال هذا االرتكاز الخارج عن‬ ‫بناؤهم على ّ‬
‫داللة الرواية لفهمنا منها أن اإلمام ‪ ‬يجيب باإليجاب وقبول شهادة الناصبي إذا كان متصف ًا‬
‫بالشرط الذي ذكرته الرواية‪.‬‬
‫بأن اإلمام ‪ - ‬لمصلحة معينة ‪ -‬لم يرد إعطاء إجابة عن حكم شهادة‬ ‫ثاني ًا‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫الناصبي على الطالق‪ ،‬وعَدَ َل في الجواب إلى بيان الكبرى‪ ،‬إال ّ‬
‫أن هذه الكبرى ال تختص‬
‫باإلمامي بل تشمل ‪ -‬بعد إخراج الناصبي ‪ -‬بق ّية المسلمين على اختالف مذاهبهم‪.‬‬
‫االعتراض الثالث‪ :‬دعوى صدور الروايتين للتق ّية كما احتمله غير واحد من الفقهاء(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫يصح في صورة تعارض‬ ‫ّ‬ ‫أوالً‪ :‬ال موجب للحمل على التق ّية‪ّ ،‬‬
‫ألن الحمل عليها إنما‬
‫ينص على عدم قبول شهادة غير الشيعي‪ ،‬وإنّما استند‬ ‫األخبار‪ ،‬ولم نجد في األخبار ما ّ‬
‫الفقهاء في فتواهم على بعض الوجوه األخرى اآلتية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬لو كان اإلمام ‪ ‬في مقام التق ّية وأراد اإلدالء بكبرى واقعية ولكنها موهمة‬
‫للسائل بحيث يفهم منها ما يوافق اعتقاده الباطل‪ ،‬لكان األنسب ‪ ‬اإلتيان بتعبير آخر‪ ،‬كأن‬

‫جامع المدارك‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.516‬‬ ‫((( ‬


‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.290‬‬ ‫(( (‬
‫فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.442‬‬ ‫((( ‬
‫أشار إليه في الجواهر‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪ .290‬وشرح العروة الوثقى للشيخ مرتضى الحائري‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫((( ‬
‫‪333‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫يقول‪ :‬كل من كان مسلم ًا مؤمن ًا وملتزم ًا بما جاء في الكتاب ُّ‬
‫والسنة قبلت شهادته‪ ،‬أ ّما أن‬
‫يوسع الدائرة ويقول كل من عرف منه خير أو عرف بالصالح وهو تعبير شامل لكل مسلم فال‬
‫موجب له وال تقتضيه التق ّية التي تقدّ ر بقدرها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ومما يب ّعد حمل هذا المضمون الوارد في الصحيحتين على التق ّية أنّه تعبير وارد‬
‫في روايات أخرى‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫محمد بن مسلم عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪« :‬لو كان األمر إلينا ألجزنا شهادة‬
‫ّ‬ ‫‪--1‬صحيحة‬
‫الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس‪ّ ،(((»..‬‬
‫فإن هذا التعبير هو‬
‫خير دليل على ّ‬
‫أن قبول شهادة «من عرف منه خير» هو األبعد عن التق ّية‪ ،‬كما هو واضح‬
‫من قول اإلمام ‪« :‬لو كان األمر إلينا» بمعنى لو كنا مبسوطي اليد(((‪.‬‬
‫وقد يعترض على هذا الشاهد‪ّ :‬‬
‫بأن «قبول شهادة غير العارف‪ ،‬مندفع بأنّه ليس في مقام‬
‫البيان من ناحية جميع الشرائط‪ ،‬بل في صدد بيان االكتفاء بشهادة رجل واحد مع يمين‬
‫الخصم‪ ،‬قبال عدم االكتفاء َّإل بشهادة رجلين مثالً‪ .‬فض ً‬
‫ال عن غير المسلم مطلق ًا»(((‪.‬‬
‫ولك ّن قد ير ّد هذا االعتراض ّ‬
‫بأن اإلمام ‪ - ‬وال سيما أنّه هو المبادر إلى بيان الحكم‪،‬‬
‫وليس في مقام الجواب عن سؤال محدد ‪ -‬في مقام البيان من الجهتين‪ ،‬أعني من‬
‫جهة تحديد مواصفات الشاهد‪ ،‬وجهة االكتفاء بشاهد واحد مع يمين الخصم‪ ،‬ولو‬
‫لم يكن ‪ ‬في مقام بيان مواصفات الشاهد ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬الكتفى بقوله‪« :‬ألجزنا شهادة‬
‫الرجل مع يمين الخصم»‪ ،‬ولكنّه أضاف على كلمة الرجل «إذا علم منه خير»‪ ،‬فيعلم أن‬
‫لإلمام ‪ ‬عناية بهذا التقييد‪ ،‬وأنّه في مقام بيان مواصفات الشاهد‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫أن الجملة‬
‫التي ب ّين فيها القيد هي جملة شرطية فيستفاد منها انتفاء الحكم مع انتفاء القيد‪.‬‬

‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .54‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.273‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان ا ْل ُخ ْل ُع َت ْط ِلي َق ًة ‪ ...‬و َق َال‪َ :‬ل ْو ك َ‬
‫َان َاأل ْم ُر إل ْينَا ل ْم نُج ْز ط َلقا إل للعدَّ ة»‪،‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫((( وهو نظير ما ورد في الخلع‪« :‬وك َ‬
‫انظر‪ :‬الكافي ج ‪ ،6‬ص ‪ ،140‬قال المجلسي‪« :‬قال الوالد العالمة ‪-‬رحمه الله‪ :-‬أي كنا لم نجوز الخلع‬
‫بدون االتباع بالطالق‪ ،‬وأما اليوم فيجوز لكم أن تجعلوا الخلع طالق ًا تقية‪ ،‬أو المعنى لو كان األمر إلينا‬
‫نأمرهم استحباب ًا بأن ال يوقعوا التفريق إال بالطالق العدي‪ ،‬أو لم نجوز الطالق والخلع وغيرهما إال‬
‫للعدة‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱆ ﱇ ﴾ [الطالق‪ ،]1 :‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،21‬ص ‪.237‬‬
‫((( مباني تحرير الوسيلة للقمي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.482‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪334‬‬
‫ان َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬أ ْو َق َال‪َ :‬س َأ َله‬
‫ار بن َم ْر َو َ‬ ‫‪--2‬صحيحة هشام بن سالم عن َع َّم ِ‬
‫َان َخ ِّير ًا َج َاز ْت َش َها َدتُه ِل ْم َر َأتِه»(((‪.‬‬
‫الر ُج ِل َي ْش َهدُ ِل ْم َر َأتِه؟ َق َال‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫َب ْع ُض َأ ْص َحابِنَا َع ِن َّ‬
‫‪--3‬وفي صحيحه اآلخر‪َ « :‬ق َال َس َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬أ ْو َق َال َس َأ َله َب ْع ُض َأ ْص َحابِنَا‪َ :‬ع ِن‬
‫«ل َب ْأ َس بِ َذلِ َك إِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫ب َي ْش َهدُ ِل ْبنِه َأ ِو األَخِ ألَ ِخيه؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫الر ُج ِل َي ْش َهدُ ألَبِيه َأ ِو األَ ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ب ل ْبنه واألَخِ ألَخيه» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ ِّير ًا َج َاز ْت َش َها َدتُه ألَبِيه واألَ ِ‬
‫أن المدار في قبول الشهادة على كون الرجل خير ًا‪ ،‬والقدر المتيقن‬‫حيث يستفاد منهما ّ‬
‫من الخير ّية فيما نحن فيه هو أن يكون ثقة صادق ًا في قوله‪.‬‬
‫«أن إعراض المشهور عن الخبرين وإن‬ ‫االعتراض الرابع‪ :‬ما ذكره بعض الفقهاء من‪ّ :‬‬
‫كانا صحيحين موجب لخروجهما عن االعتبار والحج ّية»(((‪.‬‬
‫أن اإلعراض غير محرز‪ ،‬وهذا ما يظهر من الشيخ الطوسي ‪-‬رحمه الله‪،(((-‬‬ ‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫يضر بنا ًء على حج ّية خبر الثقة‪ ،‬وأ ّما بنا ًء على حج ّية الخبر الموثوق فإنّه‬
‫وعلى فرضه فهو ال ّ‬
‫يتم فيما إذا كان‬
‫أن ذلك إنّما ّ‬‫وإن كان يعدّ قرينة عقالئ ّية تضعف من حصول الوثوق‪ ،‬بيد ّ‬
‫اإلعراض كاشف ًا عن وصول مناخ أو ارتكاز تشريعي إلى المعرضين يع ّبر عن عدم قبول‬
‫شهادة غير الشيعي لدى مدرسة أهل البيت ‪ ،‬ال ما إذا كان مبني ًا على رؤية اجتهاد ّية خاصة‪،‬‬
‫كما هو المرجح في المقام‪.‬‬
‫االعتراض الخامس‪ّ :‬‬
‫أن أخبار هذه المجموعة مخالفة للكتاب‪ ،‬قال الشيخ اللنكراني‪:‬‬
‫«خصوص ًا بعد كونهما مخالفين للكتاب ّ‬
‫الدال على اعتبار العدالة في الشاهدين‪ ،‬وهي غير‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.393‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫((( تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ‪ /‬الطالق والمواريث‪ ،‬ص ‪ .60‬وأشار إلى هذا االعتراض في‬
‫فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.442‬‬
‫((( قال الشيخ الطوسي رحمه الله‪« :‬ال يجوز للحاكم أن يقبل إال شهادة العدول‪ ،‬فأ ّما من ليس بعدل‬
‫فال تقبل شهادته‪ ،‬لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﴾ [الطالق‪ ،]2 :‬والعدالة في اللغة أن يكون‬
‫مروته عدالً‬
‫اإلنسان متعادل األحوال متساوي ًا‪ ،‬وأ ّما في الشريعة هو من كان عدالً في دينه عدالً في ّ‬
‫المروة أن‬
‫ّ‬ ‫في أحكامه‪ .‬فالعدل في الدين أن يكون مسلم ًا وال يعرف منه شيء من أسباب الفسق‪ ،‬وفي‬
‫يكون مجتنب ًا لألمور التي تسقط المروة‪ ،‬مثل األكل في الطرقات ومدّ الرجل بين الناس‪ ،‬ولبس الثياب‬
‫المصبغة وثياب النساء وما أشبه ذلك‪ ،‬والعدل في األحكام أن يكون بالغ ًا عاق ً‬
‫ال عندنا»‪ ،‬المبسوط‪،‬‬
‫ج ‪ ،8‬ص ‪.217‬‬
‫‪335‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ال عن الناصب الذي عرفت أنّه كافر إجماع ًا‪،‬‬ ‫متحققة في غير المؤمن وإن كان مسلم ًا‪ ،‬فض ً‬
‫المتأخرين اغترار ًا بالخبرين غير تا ّم»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فما اختاره بعض‬
‫وقال فقيه آخر اعتراض ًا على الرواية األولى‪« :‬وجواز شهادة الناصب في الطالق‬
‫مخالف للكتاب المجيد‪ ،‬حيث يقول سبحانه‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﴾(((‪ ،‬والكافر ال‬
‫يدخل في ذوي عدل منكم»(((‪.‬‬
‫وهذا االعتراض يمكن تجزئته إلى‪ ،‬اعتراضين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الناصب خارج عن العدالة ولو كان داخ ً‬
‫ال في اإلسالم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الناصب ولو كان داخ ً‬
‫ال في مفهوم العدالة بمعنى من المعاني فإنّه خارج عن‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫واالعتراض األول يعتمد على قوله تعالى ﴿ ﱹ ﱺ ﴾‪ ،‬والثاني يعتمد على قرينة الجار‬
‫والمجرور ﴿ ﱻ ﴾‪.‬‬
‫وكال هذين االعتراضين قابالن للتأمل والرد‪:‬‬
‫فألن مخالفة شهادة الناصبي للكتاب مبنية على فهم مع ّين للكتاب‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫ّأما األول‪:‬‬
‫إن مفهوم العدالة في موضوع الشهادة ليس‬ ‫فهم خاضع للتأمل‪ ،‬إذ من الممكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫بالضرورة أن يكون هو عينه في موضوع إمامة الصالة مثالً‪ ،‬ومن غير الصحيح أيض ًا إسقاط‬
‫فهمنا الخاص لمفهوم العدالة على القرآن الكريم في آية الشهادة أو في غيرها‪ ،‬بل العكس هو‬
‫أن خروج غير الشيعي عن مفهوم العدالة الواردة في الكتاب هو أول‬ ‫الصحيح‪ ،‬ومن المعلوم ّ‬
‫السنة ‪ -‬لم يحددا‬
‫نص على العدالة في الشاهد بيد أنّه ‪ -‬وكذا ُّ‬ ‫الكالم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن القرآن وإن ّ‬
‫والسنة‪،‬‬
‫لنا هذا المفهوم‪ ،‬بل أوكال أمره إلى العرف كغيره من المفاهيم الواردة في الكتاب ُّ‬
‫أن تفسير العادل بخصوص اإلمامي الملتزم بجادة الشريعة‪ ،‬هو تفسير فقهي‬ ‫ومن الواضح ّ‬
‫أن يكون المراد بالعادل في الكتاب هو‬ ‫اجتهادي‪ ،‬فال يصح إسقاطه على القرآن‪ ،‬وغير بعيد ّ‬
‫ما ذكره اللغويون من أنّه «المرضي المستوي الطريقة» كما قال ابن فارس(((‪ ،‬أو «هو المرضي‬

‫المبسوط‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪..217‬‬ ‫((( ‬


‫سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬ ‫(( (‬
‫أسس القضاء والشهادة‪ ،‬ص ‪.433‬‬ ‫(( (‬
‫معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.246‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪336‬‬
‫من الناس قوله وحكمه»‪ ،‬كما قال الفراهيدي(((‪ ،‬وهذا التعريف شامل لغير المسلم‪ ،‬كما هو‬
‫وسع الشهيد الثاني مفهوم العدالة إلى غير المسلم‬
‫شامل للمسلم على اختالف مذهبه‪ .‬وقد ّ‬
‫أن العدالة تتحقق في جميع أهل‬‫ممن يلتزم بموجبات عقيدته‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬والحق ّ‬
‫الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم»(((‪.‬‬
‫ويشهد بهذه التوسعة ّ‬
‫أن توصيف العدلين في اآلية بأنهما ﴿ ﱻ ﴾ يعني أنهما قد يكونان‬
‫أن من ليس مسلم ًا فهو ليس عادالً فال وجه لتقييد «العدل»‬
‫من غيركم‪ ،‬وإال لو كان األمر ّ‬
‫أن المراد بقوله‪ ﴿ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾‬ ‫بقوله ﴿ ﱻ ﴾‪ ،‬وال يبعد ما استظهره بعض الفقهاء((( من ّ‬
‫في اآلية اآلتية أي عدالن من غيركم‪ ،‬ال مطلق اثنين من غيركم‪ ،‬وإذا لم نقل بشمول العدل‬
‫لغير المسلم‪ ،‬فال موجب لتخصيصه بالشيعي‪ ،‬بل من غير البعيد شموله لكل مسلم صادق‬
‫القول وملتزم على جادة الشريعة‪ ،‬وما رجحناه هو ما يظهر من الشيخ الطوسي‪ ،‬كما تقدّ م في‬
‫هامش سابق‪.‬‬
‫وقد تسأل‪ :‬ماذا ينفع تعميم مفهوم العدالة لغير المسلم فهل تقبل شهادته؟! مع أن قوله‪:‬‬
‫«منكم» في اآلية يخرج غير المسلم‪.‬‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن هذا األمر تابع للدليل‪ ،‬وإذا لم يقم دليل على المنع‪ ،‬فيؤخذ بالتعميم‪،‬‬
‫فإن ذلك ينفع لقبول شهادة العادل ‪-‬دون الفاسق‪ -‬في دينه على أهل ملته‪،‬‬‫وفي الحد األدنى ّ‬
‫بل وعلى غيرهم في بعض الحاالت المنصوصة‪ ،‬كالوصية‪ ،‬كما سيأتي‪ ،‬وثمة وجه للتعميم‬
‫إلى ما هو أوسع من ذلك‪ .‬وأما «منكم» في اآلية فسيأتي الحديث عنه‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فالحديث عن كفر الناصبي ور ّد شهادته ألجل ذلك ودعوى اإلجماع عليه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ما يجعل من الرواية مخالفة للكتاب‪ ،‬ليس تام ًا‪ ،‬وال يخلو من إشكال‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن القرآن الكريم لم يظهر منه رفض شهادة الكافر بقول مطلق‪ ،‬ليقال‪ّ :‬‬
‫إن الرواية‬
‫فإن قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﴾(((‪ ،‬وإن كان ظاهر ًا في كون‬ ‫مخالفة للكتاب‪ّ ،‬‬
‫ن قوله تعالى في آية أخرى‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ‬ ‫الشاهدين مسلمين كما ّ‬
‫تدل عليه عبارة «منكم»‪ ،‬ولك ّ‬
‫ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅ‬

‫(( ( كتاب العين‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.38‬‬


‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬
‫((( كما يظهر من الشهيد الثاني‪.‬‬
‫(( ( سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪337‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﴾(((‪ ،‬يستفاد منه جواز شهادة‬
‫غير المسلم في بعض الحاالت‪ ،‬أي في حالة الوصية‪ ،‬بنا ًء على ما هو الظاهر من إرجاع‬
‫ضمير ﴿ ﱻ ﴾ إلى المسلمين‪ ،‬وإرجاع ضمير ﴿ ﲃ ﴾ إلى غير المسلمين(((‪ ،‬كما تشهد به‬
‫فإن حرف العطف في قوله‪ ﴿ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾‬ ‫أيض ًا الروايات الواردة عن األئمة ‪ّ ،(((‬‬
‫سواء أريد به العطف التخييري أو الترتيبي فهو يدل على قبول شهادة غير المسلم في الجملة‪.‬‬
‫أن ذلك موضع‬ ‫والفقهاء قيدوا هذا الحكم بخصوص الوصية وبخصوص حالة السفر‪ ،‬مع ّ‬
‫تأمل وإشكال‪ ،‬إذ يمكن الحديث عن إلغاء الخصوصية عن هذه الموارد‪ّ ،‬‬
‫ألن قضية الشهادة‬
‫ال تخضع للتعبد‪.‬‬
‫﴿ ﱸ ﱹ ﱺ‬ ‫ودعوى نسخ آية ﴿ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫ﱻ ﴾ مرفوضة‪ ،‬إذا ال منافاة ليصح النسخ‪ ،‬فيلتزم بالتقييد‪ ،‬كما رجحه بعض الفقهاء(((‪ ،‬أو‬
‫يحمل األمر على الطولية بمعنى قبول شهادة غير المسلم عند تعذر المسلم كما يرى البعض‬
‫في تفسير اآلية‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فال نريد هنا تبني القول بقبول شهادة الكافر بقول مطلق‪ ،‬فهذا أمر يحتاج‬
‫إلى مالحظة الروايات أيض ًا‪ ،‬وهو خارج عما رسمناه لبحثنا‪ ،‬ولكننا أردنا القول‪ :‬إنّه ال يمكن‬
‫الجزم بنفي قبول شهادة غير المسلم ور ّد الروايات الصحيحة بضرس قاطع‪ ،‬بحجة منافاتها‬
‫ألن داللة القرآن على نفي الشهادة بقول مطلق ليست واضحة‪ ،‬وكذا الحال‬ ‫للقرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫السنة فليس فيها ما ينفي قبول شهادة غير المسلم بشكل قطعي‪ ،‬لنر ّد ‪ -‬بنا ًء على ذلك ‪-‬‬‫في ُّ‬
‫الروايات الصحيحة الدالة على قبول شهادة الناصبي‪.‬‬
‫صحيح أنّه ورد في بعض الروايات الصحيحة اعتبار شرط اإلسالم وأنه ال تقبل شهادة‬

‫(( ( سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.106‬‬


‫وثمة وجه آخر بإرجاع ضمير «منكم» إلى األقارب ومن «غيركم» أي من غير األقارب‪ ،‬كما احتمل‬ ‫ّ‬ ‫(( (‬
‫بعضهم‪ ،‬انظر‪ :‬معاني القرآن للنحاس‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،377‬ولكنه ضعيف‪.‬‬
‫اح ا ْل ِكنَانِ ِّي َق َال َس َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ْن َق ْو ِل ال َّله َت َب َار َ‬
‫ك و َت َعا َلى‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ‬ ‫(( ( ففي رواية َأبِي َّ‬
‫الص َّب ِ‬
‫ان ِم ْن‬
‫آخر ِ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾ ُق ْل ُت‪َ :‬ما َ َ‬
‫ِ‬
‫ال‪ُ :‬م ْس ِل َمان»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.4‬‬
‫َغي ِركُم؟ َق َال‪ُ :‬هما كَافِر ِ‬
‫ان‪ُ .‬ق ْل ُت‪ ﴿ :‬ﱽ ﱾ ﱿ ﴾ َف َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.304‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪338‬‬
‫أهل الملل على المسلمين‪ ،‬كما سلف‪ ،‬بيد أنّه يمكن القول ّ‬
‫إن هذه الروايات ليست مطلقة‪،‬‬
‫بل هي ناظرة إلى صورة كون اآلخر الديني متهم ًا وغير مؤتمن على الشهادة بحق المسلم‪،‬‬
‫كما يوحي به التفصيل بين شهادته على أتباع دينه وعدم قبولها على المسلم‪ .‬ومما يؤيد هذا‬
‫أن المناط في رفض شهادة الشاهد‬‫الحمل هو العديد من األخبار الصحاح التي يستفاد منها ّ‬
‫هي كونه متهم ًا وظنين ًا‪ ،‬وستأتي هذه األخبار‪ ،‬فانتظر‪.‬‬
‫والخالصة‪ّ :‬‬
‫إن ر ّد الروايات الصحيحة إنما يكون عند مخالفتها لضرورة أو لنص قرآني‬
‫أو لسنة قطعية‪ ،‬وما حاصل في المقام أننا نريد ر ّد الروايات لمخالفتها لشهرة أو إجماع أو‬
‫والسنة‪.‬‬
‫لفهم واجتهاد معين للكتاب ُّ‬
‫إن الحكم بكفر الناصبي بقول مطلق ليس واضح ًا‪ ،‬بل عرفت في الباب األول‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫عدم قيام دليل عليه‪ّ ،‬‬
‫ألن المدار في كفره على إنكاره ما علم بالضرورة كونه من الدّ ين وهو‬
‫أن إنكار الضروري ليس موجب ًا للكفر بعنوانه‪ ،‬وإنّما يستوجب‬‫محبة أهل البيت ‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫الكفر الستلزامه تكذيبه النبي (ص) وهذا ال يتحقق إال مع التفاته إلى الزم اعتقاده والتزامه‬
‫بذلك‪ ،‬وهذا وإن كان غالبي ًا باعتبار وضوح التأكيدات القرآنية والروائية على ضرورة محبة‬
‫أهل البيت ‪ ،‬وعدم معاداتهم‪ ،‬بيد أنّه يمكن االنفكاك في بعض الحاالت نتيجة لتربية‬
‫خاصة وبيئة خاصة‪ ،‬يكون معها اإلنسان في حالة جهل مركب‪.‬‬
‫إن الصحيحتين ورد فيهما قيد وهو أن يعرف منه صالح أو خير‪،‬‬ ‫االعتراض السادس‪ّ :‬‬
‫أن «مقصود اإلمام ‪ ‬بيان‬ ‫وهذا القيد يخرج الناصبي عن أهل ّية الشهادة‪ ،‬بل عن بعضهم ّ‬
‫صحة ال َّطالق عند [بشهادة] النّاصبي‪ ،‬حيث إنّه وإن كان يعرف منه الخير ّ‬
‫كالشهادتين‬ ‫عدم ّ‬
‫الشر وعرف بالفساد‬ ‫بالصالح كما ذكر َّإل أنّه عرف منه ّ‬
‫والصوم وكذلك عرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصالة‬
‫ّ‬
‫يصح ال َّطالق َّإل عند من عرف بالخير ّ‬
‫والصالح‬ ‫والمعصية أيض ًا‪ ،‬وهو معصية النّصب‪ ..‬وال ّ‬
‫يصح االستدالل بهما‬
‫ّ‬ ‫الشر والفساد وإنّما ع ّبر بالتّعبير المذكور فيهما ألجل التّق ّية فال‬‫ال ّ‬
‫صحة ال َّطالق عند النّاصبي»(((‪ .‬ويذهب بعض الفقهاء إلى نفي الخير ّية عن كل مخالف‬ ‫على ّ‬
‫ألن النصوص متفقة على أنّه ليس في المخالف خير وصالح أص ً‬
‫ال‬ ‫ألهل البيت ‪ ‬وذلك ّ‬
‫وأن عبادتهم بأسرها فاسدة وأنّها صورة عبادة ال تجدي أصالً»(((‪.‬‬ ‫ّ‬

‫((( هداية الطالب إلى أسرار المكاسب‪ ،‬ص ‪.644‬‬


‫((( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪ .442 - 441‬وهذا الكالم مأخوذ من صاحب الرياض‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.75‬‬
‫‪339‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أن الناصبي وإن ُعرف بالخير والصالح‪ ،‬لكنّه ُعرف أيض ًا بالشر والفساد‬ ‫أوالً‪ :‬ما ُذكر من ّ‬
‫ف ِمنْه َخ ْير ًا»‪ ،‬هو نكرة‬
‫ألن قول اإلمام ‪َ « :‬ب ْعدَ َأ ْن َت ْع ِر َ‬
‫فال تقبل شهادته‪ ،‬هو كالم غريب‪ّ ،‬‬
‫يدل على العموم‪ ،‬فيكون المعنى‬ ‫في سياق اإلثبات ال النفي‪ ،‬كما ذكر صاحب المسالك‪ ،‬فال ّ‬
‫أنّه ليس شرط ًا أن تعرف منه الخير أو الصالح من جميع الجهات‪ ،‬وإنّما من جهة معينة‪،‬‬
‫والمراد بها في المقام ‪ -‬بمناسبة الحكم والموضوع ‪ -‬هي ما يتصل بالشهادة‪ ،‬والمراد بالخير‬
‫هنا بالوثاقة والتحرز عن الكذب‪.‬‬
‫إن نفي الخيرية والصالح بقول مطلق عن كل قول أو فعل قام به غير الشيعي‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫هو خالف الوجدان‪ ،‬فما أكثر ما يفعل هؤالء أعماالً خ ّيرة أو صالحة‪ ،‬وتنزيلها منزلة العدم‬
‫يحتاج إلى دليل‪ ،‬وأ ّما النصوص التي تتحدث عن عدم قبول أعمالهم وعباداتهم فإنّها ناظرة‬
‫إلى الحساب األخروي‪ ،‬وليست إلى عالم الدنيا(((‪.‬‬
‫«إن قوله «عرف بالصالح» «ويعرف منه خير» يراد بهما حسن‬ ‫االعتراض السابع‪ّ :‬‬
‫الظاهر‪ ،‬فإنّه بعدما ليس المراد منهما ما عرف منه خير وصالح في الجملة وإن كان معلن ًا‬
‫بالفسق اتفاق ًا فال محالة أريد بهما معنى خاص‪ ،‬وليس إال اإليمان وحسن الظاهر»(((‪.‬‬
‫ولكن ال موجب لهذا الحمل بعدما عرفت أنّه ليس ثمة ما يمنع من حمل الحديث‬
‫على إرادة كفاية الخير والصالح في الرجل لقبول شهادته‪ّ ،‬‬
‫فإن الخير والصالح وإن كانا‬
‫مطلقين في الخبرين‪ ،‬ولك ّن مناسبات الحكم والموضوع تع ّين أو ترجح أن يكون المقصود‬
‫به الخيرية والصالح في أمر الشهادة‪ ،‬وهذا بحسب االرتكاز العقالئي يكفي فيه أن يكون‬
‫صادق ًا في كالمه وأمين ًا في قوله متحرز ًا عن الكذب‪.‬‬
‫المجموعة السادسة‪ :‬ما ورد في األخبار من تعليل رفض شهادة الفاسق بأنّه ظنين‬
‫أن العبرة في ر ّد الشهادة بكون الشاهد متهم ًا‪ ،‬فلو كان الشاهد غير‬
‫ومتهم‪ ،‬ما يستفاد منه ّ‬
‫صحة عقيدة الشاهد الناجم عن عدم‬ ‫إن عدم ّ‬ ‫الشيعي ليس متهم ًا فتقبل شهادته‪ ،‬باختصار‪ّ :‬‬
‫مواالته ألهل البيت ‪ ،‬ال يقدح بعنوانه في قبول شهادته‪ ،‬وقد ورد هذا المعنى في عدّ ة‬
‫أخبار صحيحة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫((( كما أوضحنا ذلك في الباب الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬


‫((( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.442 - 441‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪340‬‬
‫َان َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬ما ُي َر ُّد ِم َن‬ ‫بن ِسن ٍ‬ ‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة َع ْب ِد ال َّله ِ‬
‫ك َيدْ ُخ ُل فِي‬ ‫اس ُق وا ْل َخ ِائ ُن؟ َق َال‪َ :‬ذلِ َ‬ ‫ود؟ َق َال « َف َق َال‪ :‬ال َّظنِين وا ْلمتَّهم‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬فا ْل َف ِ‬
‫ُ ُ َ ُ‬
‫الشه ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ال َّظن ِ ِ‬
‫«س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ِن ا َّل ِذي ُي َر ُّد ِم َن‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة س َليمان ِ ِ ٍ‬
‫بن َخالد َق َال‪َ :‬‬ ‫ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ين وا ْلخَ ْص ُم‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬فا ْل َفاس ُق وا ْل َخائ ُن؟ َق َال‪َ :‬ف َق َال‪ :‬ك ُُّل َه َذا َيدْ ُخ ُل‬ ‫الش ُهود؟ َف َق َال‪ :‬ال َّظن ُ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫فِي ال َّظن ِ ِ‬
‫الشه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود؟ َف َق َال‪:‬‬ ‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة َأبِي َبص ٍير َق َال‪َ :‬‬
‫«س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع َّما ُي َر ُّد م َن ُّ ُ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫اس ُق وا ْل َخ ِائ ُن‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك ُُّل َه َذا َيدْ خُ ُل فِي ال َّظن ِ ِ‬
‫ال َّظنِين وا ْلمتَّهم وا ْلخَ صم‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ :‬ا ْل َف ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ َ ُ‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬موثقة سماعة المضمرة قال‪ :‬سألته عما يرد من الشهود قال‪ :‬المريب‪،‬‬
‫والخصم‪ ،‬والشريك‪ ،‬ودافع مغرم‪ ،‬واألجير‪ ،‬والعبد‪ ،‬والتابع‪ ،‬والمتهم‪ ،‬كل هؤالء ترد‬
‫شهاداتهم»(((‪.‬‬
‫واستناد ًا إلى هذه الروايات قال بعض أساتذتنا‪« :‬يمكن إثبات قبول شهادة المخالف‬
‫لعقائد الشيعة إذا كان عدالً في مذهبه‪ ،‬كالسني العادل في مذهبه‪ ،‬فإنّه وإن كان فاسق ًا في‬
‫العقائد ‪ -‬بمعنى التقصير في تحصيل العقائد الحقة ‪ -‬لك ّن هذا ال يجعله ظنين ًا إذا كان هو‬
‫بحد ذاته إنسان ًا عدالً في تصرفاته»(((‪.‬‬
‫وربما اعترض على هذا االستدالل‪:‬‬
‫إن عدم تولي اإلنسان ألهل البيت ‪ ‬هو من أبرز وأجلى مصاديق الفسق‬‫أوالً‪ّ :‬‬
‫والخيانة‪ ،‬فال تقبل الشهادة‪.‬‬
‫يتم في العالم الجاحد والجاهل المقصر غير القاطع دون الجاهل‬ ‫وير ّده‪ّ :‬‬
‫إن هذا إنما ّ‬
‫القاصر‪ ،‬أو العالم القاطع بصحة ما هو عليه‪ ،‬والغالبية العظمى هم من صنف الجاهل القاصر‪،‬‬
‫أو العالم القاطع وهؤالء ال يدخلون في الظنين‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.395‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.242‬‬
‫(( ( القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.352‬‬
‫‪341‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إن «هذه الروايات تدل على قبول شهادة الفاسق الذي يكون ثقة في شهادته‪ ،‬ألنه‬‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ليس ظنين ًا»(((‪ ،‬مع ّ‬
‫أن عدالة الشاهد أمر مفروغ منه‪.‬‬
‫وقد أجيب على هذا اإلشكال بالقول‪« :‬بأن من المحتمل كون الرواية ناظرة إلى كون‬
‫ألن من يرتكب الكبائر‪ ،‬يأتي بشأنه احتمال ارتكاب الكذب‬‫الفسق قرينة نوع ّية على الظنة‪ّ ،‬‬
‫أن القاضي يثق صدفة بعدم ارتكاب هذا الفاسق‬ ‫في الشهادة‪ .‬فالفاسق بطبعه ظنين‪ ،‬وافتراض ّ‬
‫للكذب‪ ،‬ال ينافي كون الفاسق بما هو فاسق ظنين ًا في نوعه‪ ،‬وهذا بخالف من لم يرتكب إال‬
‫فإن ارتكابه للصغيرة بال إصرار ال يوجب ال ّظنة به بلحاظ شهادة الزور‬
‫الصغيرة بال إصرار‪ّ ،‬‬
‫التي هي كبيرة من الكبائر»(((‪.‬‬
‫ألن ثمة وجه ًا‬
‫إن ما ذكر في اإلشكال ليس الزم ًا واضح البطالن‪ّ ،‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬أيض ًا ّ‬
‫لاللتزام بذلك‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬ربما قيل‪ :‬إن الروايات الثالث األخيرة في هذه المجموعة‪ ،‬تقضي بر ّد شهادة أحد‬
‫المختلفين في العقيدة على اآلخر‪ ،‬ألنه خصم‪ ،‬والخصومة تمنع من قبول الشهادة‪ ،‬وهذا غير بعيد‬
‫على فرض أريد بالخصومة ما يشمل الخصومة الدينية‪ ،‬أو كانت الخصومة الدينية مثار الريبة‪.‬‬
‫مؤيدات وشواهد‬
‫ومن الشواهد التي يمكن اعتبارها مؤيدات لقبول شهادة المسلم الثقة أي ًا كان مذهبه‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن قضية الشهادة بعيدة عن التعبد‪ ،‬فهي مما يشترط فيه عقالئي ًا ‪ -‬باإلضافة إلى‬
‫سالمة الحواس ‪ -‬الوثوق بالشاهد‪ ،‬بمعنى إحراز صدقه وتحرزه عن الكذب‪ ،‬وهذا ما ال‬
‫أن الشارع رفض هذا االرتكاز العقالئي‪،‬‬ ‫عالقة له بالدين أو المذهب‪ ،‬وليس ثمة ما يدل على ّ‬
‫إن هناك العديد من المؤشرات الروائ ّية التي تساعد على إمضاء هذا االرتكاز العقالئي‪،‬‬ ‫بل ّ‬
‫وذلك من قبيل الروايات المتقدمة الظاهرة في قبول شهادة من لم يكن متهم ًا‪ ،‬وهذا هو ديدن‬
‫الشارع في الكثير من القضايا التي جرى عليها العقالء في تنظيم حياتهم‪.‬‬
‫استقر((( على قبول رواية السني الثقة‪ ،‬لقيام الدليل على‬
‫ّ‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن الرأي الفقهي قد‬

‫(( ( القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.352‬‬


‫((( المصدر نفسه‪ .‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫ً‬
‫(( ( أجل‪ ،‬ثمة رأي آخر لم يقبل سوى رواية العدل اإلمامي‪ ،‬ولكن هذا الرأي فضال عن افتقاره للدليل‪ ،‬فقد‬
‫تراجع ولم يعد له أنصار في األوساط العلمية‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪342‬‬
‫ذلك‪ ،‬والدليل األساس هو سيرة العقالء الجارية على العمل بخبر الثقة بصرف النظر‬
‫بأن ما يعنينا في الراوي هو صدقه‪ ،‬وليس‬ ‫عن عقيدته‪ ،‬ويبرر الفقهاء والرجاليون ذلك ّ‬
‫مذهبه وعقيدته‪ ،‬فإذا ثبت أنّه متحرز عن الكذب فتقبل روايته‪ ،‬وقد جرى الفقهاء على‬
‫اإلفتاء باالستناد إلى ما اصطلحوا عليه بالموثقات‪ ،‬وهي الروايات التي رواها الثقات‬
‫السنة‪ ،‬والسؤال‪ :‬أ ُيبنى الشرع والدين على رواية شخص ثقة‪ ،‬وال تقبل شهادته‬ ‫من أهل ُّ‬
‫في مسألة تفصيلية؟! وبعبارة أخرى‪ :‬أيمكن أن نثبت حكم ًا شرعي ًا استناد ًا إلى رواية‬
‫السني في قضايا حساسة وخطيرة كقضايا الدماء واألموال واألعراض‪ ،‬ونرفض شهادته‬ ‫ّ‬
‫يقره‬
‫إن من المستبعد أن ّ‬ ‫إن هذا أمر قد يقال‪ّ :‬‬
‫في إثبات موضوعات هذه المسائل؟! ّ‬
‫الشارع الحكيم‪.‬‬
‫وربما يقال‪ :‬اعتراض ًا على الشاهدين المذكورين ّ‬
‫بأن الزمهما قبول شهادة الفاسق‬
‫والكافر أيض ًا‪ ،‬إذا كانا صادقين في قولهما ومتحرزين عن الكذب‪ ،‬وهذا ما ال يمكن االلتزام‬
‫به لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﴾(((‪.‬‬
‫أن هذا ليس الزم ًا واضح الفاسد والبطالن بحيث ال يمكن‬ ‫والجواب‪ :‬إنّه قد اتضح ّ‬
‫االلتزام به‪ ،‬فثمة وجه أو احتمال فقهي يقضي بقبول شهادة كل من أحرزنا وثاقته في النقل‪،‬‬
‫أن المقصود بها المعنى الذي اصطلحه‬ ‫دل على شرط العدالة من الكتاب فليس واضح ًا ّ‬ ‫وأما ما ّ‬
‫الفقهاء‪ ،‬نعم قد د ّلت الروايات على هذا الشرط ومنها ما تقدّ م في المجموعة األخيرة مما هو‬
‫واضح الداللة على رفض شهادة الفاسق‪ ،‬ولك ّن هذه الروايات كما الحظنا لم تأخذ الفسق‬
‫ال لرد الشهادة بل أدرجته في ال ّظنة والتهمة‪ ،‬وهذا نوع احتياط من الشارع في أمر‬ ‫عنوان ًا مستق ً‬
‫أن الفاسق ال يكذب في نقله فال يكون متهم ًا‪ .‬وعلينا أن نضع‬ ‫العدالة‪ ،‬لكن لو أحرز القاضي ّ‬
‫أن المدار في قبول الشهادة بأن يعرف‬ ‫دل على ّ‬ ‫في الحسبان هنا ما تقدم أيض ًا في األخبار مما ّ‬
‫بالصالح في نفسه‪ ،‬مما حملناه بقرينة مناسبات الحكم والموضوع على الصالح في أمر‬
‫إن هذه القرائن والشواهد تخلق احتماالً وجيه ًا لقبول شهادة الفاسق الذي نحرز‬ ‫الشهادة‪ّ ،‬‬
‫وثاقته وأمانته في النقل‪ ،‬األمر الذي ال يجعل االلتزام بذلك الزم ًا باط ً‬
‫ال تر ّد الروايات بسببه‪،‬‬
‫ومع ذلك فإننا نؤكد أننا لسنا بصدد تبني رأي حاسم في قبول شهادة الفاسق الثقة فيما ينقل‪،‬‬
‫فاألمر بحاجة إلى مزيد بحث وتحقيق‪ ،‬وهو خارج عن محل البحث‪.‬‬

‫(( ( سورة الطالق‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬


‫‪343‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن المسألة من المسائل االبتالئية فلم يرد فيها نصوص واضحة ومباشرة‬ ‫ثالث ًا‪ :‬مع ّ‬
‫تنص على شرط ّية اإلمامية وتب ّين عدم قبول شهادة غيره‪ ،‬مع ّ‬
‫أن المؤمنين الشيعة كانوا في‬ ‫ّ‬
‫زمن األئمة ‪ ‬أقلية بالقياس إلى أتباع سائر المذاهب اإلسالمية‪ ،‬فلو كان اإليمان بالمعنى‬
‫المذكور شرط ًا ألشير إليه في الروايات ولن ّبه عليه األئمة ‪ ‬مع أنه لم يصدر عنهم شيء من‬
‫هذا القبيل‪ ،‬بل صدر عنهم ما يصلح ويشهد لقبول شهادة كل مسلم موثوق به وبقوله كما‬
‫خلو هذه المسألة من األخبار الصريحة والمباشرة في المنع مع أن طبيعة‬ ‫تقدم‪ ،‬فهل يعقل ّ‬
‫القضية تستدعي كثرة األسئلة حولها‪ ،‬كما هو الحال في سائر المسائل االبتالئية؟!(((‪ ،‬وكون‬
‫المسألة تتصل بجانب مذهبي حساس ال يمنع من صدور روايات فيها كما صدر في قضايا‬
‫أقل حساسية‪.‬‬

‫‪3 -3‬درا�سة نقدية في �أدلة �شرط ّية الإمامية في ال�شاهد‬


‫بعد أن ثبت لدينا وجود أدلة تامة إلثبات كفاية اإلسالم في الشاهد‪ ،‬يقع الكالم عما‬
‫ثمة مخصص أو مقيد يقضي برفع اليد عن إطالق النصوص المتقدمة التي تدل‬ ‫إذا كان ّ‬
‫على االكتفاء بشهادة كل مسلم‪ ،‬بصرف النظر عن مذهبه‪ ،‬وما يمكن أن يذكر كمقيد لتلك‬
‫الروايات هو أحد الوجوه التالية‪:‬‬
‫أن مقتضى األصل األولي في مسألة الشهادة هو عدم قبولها‪ ،‬وعدم‬ ‫الوجه األول‪ّ :‬‬
‫نفوذها‪ ،‬وعدم ترتب األثر عليها‪ .‬وقد قام الدليل على قبول شهادة المؤمن الشيعي فيبقى‬
‫الباقي تحت األصل‪.‬‬
‫إن الدليل ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬قد قام على قبول شهادة المسلم الثقة (غير المتهم) أي ًا‬
‫ويرده‪ّ :‬‬
‫كان مذهبه‪ ،‬فال بدّ من رفع اليد عن األصل العملي باألصل اللفظي‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬دعوى اإلجماع‪ ،‬بل الضرورة‪ :‬قال في المسالك‪« :‬وينبغي أن يكون‬
‫‪-‬يقصد اإلجماع‪ -‬هو الحجة»(((‪ ،‬وقال النراقي‪« :‬الرابع‪ :‬اإليمان بالمعنى األخص‪ .‬أي كونه‬
‫من الفرقة الناجية االثني عشر ّية‪ ،‬واشتراطه هو المعروف من مذهب األصحاب‪ ،‬بل عن‬
‫جماعة ‪ -‬منهم‪ :‬صاحب المهذب والتنقيح والمسالك والصيمري واألردبيلي ‪ -‬اإلجماع‬

‫((( اإلثبات القضائي تقرير ًا لدروس السيد فضل الله ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬ص ‪.127‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪344‬‬
‫ال على هذا الشرط‪« :‬بال خالف أجده فيه‪ ،‬بل عن جماعة‬‫عليه»(((‪ ،‬وقال في الجواهر مستد ً‬
‫اإلجماع عليه‪ ،‬بل لعله من ضروري المذهب في هذا الزمان»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أ ّما اإلجماع فلو ثبت وأحرز فهو محتمل المدرك ّية‪ ،‬ومستنده هو بعض الوجوه‬
‫تم ‪ -‬أيض ًا‬
‫اآلتية‪ ،‬فال يعتد به‪ ،‬أ ّما كون ذلك من ضروريات المذهب في هذا الزمان‪ ،‬فلو ّ‬
‫فإن ما ّ‬
‫تدل عليه‬ ‫‪ -‬فهو ال يصلح لالستدالل‪ ،‬لما ذكره بعض أساتذتنا بالقول‪« :‬فال نفهمه‪ّ ،‬‬
‫تدل عليه ضرورة المذهب من‬ ‫ضرورة المذهب بحيث ال يمكن أن نحتمل خطأه‪ ،‬يجب أن ّ‬
‫أول الزمان القريب من عصر تشريع المذهب ال ضرورة المذهب في هذا الزمان»(((‪ .‬وقد‬
‫بحثنا مسألة الضرورات المتشكلة في الزمن المتأخر عن عصر النص ومدى إمكانية االعتماد‬
‫عليها في كتاب أصول االجتهاد الكالمي فليراجع(((‪.‬‬
‫إن اإلجماع لو س ّلم‪ ،‬فإنّما يس ّلم تحققه في المقصر دون القاصر‪ ،‬والموجب لهذا‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫هو أن اإلجماع دليل لبي فيقتصر فيه على المتيقن‪ ،‬اللهم إال أن يدعى ّ‬
‫أن معقد اإلجماع‬
‫واضح ال لبس فيه وهو السني‪.‬‬
‫أن غير الشيعي فاسق‪ ،‬ومن شرط الشاهد‬ ‫جمع من الفقهاء من ّ‬
‫ٌ‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬ما ذكره‬
‫العدالة‪ ،‬قال الشهيد الثاني‪« :‬واستدل المصنف ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عليه بأن غيره فاسق وظالم‪،‬‬
‫من حيث اعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر‪ ،‬وقد قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬
‫ﱖ ﴾(((‪ .‬وقال‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾(((»‪.‬‬
‫ألن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة‬ ‫ثم ع ّلق على ذلك بالقول‪« :‬وفيه نظر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مع العلم بكونها معصية‪ ،‬أ ّما مع عدمه بل مع اعتقاد أنها طاعة بل من أمهات الطاعات فال‪ ،‬واألمر‬
‫في المخالف للحق في االعتقاد كذلك‪ ،‬ألنه ال يعتقد المعصية‪ ،‬بل يزعم أن اعتقاده من أهم‬
‫الطاعات‪ ،‬سواء كان اعتقاده صادر ًا عن نظر أم تقليد‪ .‬ومع ذلك ال يتحقق الظلم أيض ًا‪ ،‬وإنما يتفق‬
‫ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به‪ ،‬وهذا ال يكاد يتفق وإن توهمه من ال علم له بالحال‪.‬‬

‫(( ( مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.47‬‬


‫(( ( جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،41‬ص ‪.16‬‬
‫(( ( القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫((( انظر‪ :‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص‪ 120‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫(( ( سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.113‬‬
‫‪345‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫والعامة مع اشتراطهم العدالة في الشاهد يقبلون شهادة المخالف لهم في األصول ما لم يبلغ‬
‫ال قطعي ًا‪ ،‬بحيث يكون اعتقاده ناشئ ًا عن محض التقصير‪.‬‬
‫خالفه حد الكفر‪ ،‬أو يخالف اعتقاده دلي ً‬
‫والحق أن العدالة تتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويحتاج في إخراج بعض األفراد إلى الدليل‪ .‬وسيأتي في شهادة أهل الذمة في الوصية ما‬
‫يدل عليه‪.‬‬
‫وعلى ما ذكره المصنف من فسق المخالف‪ ،‬فاشتراط اإليمان بخصوصه مع ما سيأتي‬
‫من اشتراط العدالة ال حاجة إليه‪ ،‬لدخوله فيه»(((‪.‬‬
‫وما ذكره الشهيد قوي ومتين‪ ،‬وال محيص من األخذ به‪ ،‬وقد وافقه بعض الفقهاء على‬
‫ذلك(((‪.‬‬
‫يتم في القاصر دون المقصر‪ ،‬فالمقصر وهو من احتمل‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫إن الكالم المتقدم إنّما ّ‬
‫أن يكون الحق في مدرسة أهل البيت ‪ ‬ومع ذلك أهمل البحث فهو ظالم لنفسه‪ ،‬كالعالم‬
‫الجاحد‪ ،‬فال تقبل شهادته ككل فاسق‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن يقال بكفر من لم يكن موالي ًا ألهل البيت ‪ ‬سواء أكان قاصر ًا أم‬
‫مقصر ًا‪ ،‬وعليه فالروايات المتقدمة الدالة على قبول شهادة المسلم ال تشمل من لم يكن‬
‫موالي ًا بل هو خارج عنها تخصص ًا‪.‬‬
‫قال بعض الفقهاء المعاصرين‪« :‬ويمكن االستدالل على اعتباره‪ :‬بأنّه ال ريب في ّ‬
‫أن‬
‫شهادة الك ّفار غير مقبولة كما يأتي‪ ،‬وإن كانوا في كفرهم معذورين‪ ،‬وقد وردت أد َّلة معتبرة‬
‫كل زمان كفر وضالل‪ ،‬فيترتّب عليه آثاره التي منها عدم قبول‬ ‫بأن عدم معرفة اإلمام في ّ‬ ‫ّ‬
‫يدل دليل على الخالف وال دليل هاهنا على خالفه‪ ،‬بل األصحاب‬ ‫اللهم َّإل أن ّ‬
‫ّ‬ ‫الشهادة‪.‬‬
‫متّفقون على وفاقه»(((‪ .‬ثم إنّه ذكر بعض الروايات الدالة على كفر من لم يعرف إمام زمانه‪،‬‬
‫أو من ال إمام له من الله تعالى(((‪.‬‬
‫وهذا الدليل ‪ -‬كما الحظنا ‪ -‬مؤ ّلف من كبرى وصغرى‪ ،‬وكبراه هي عدم قبول شهادة‬

‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.160‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬المستند للنراقي‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.49‬‬
‫(( ( مباني تحرير الوسيلة‪ ،‬ص‪.481‬‬
‫(( ( سنأتي على ذكر بعض الروايات التي استدل بها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪346‬‬
‫الكافر‪ ،‬والصغرى هي ّ‬
‫أن من لم يعرف إمام زمانه أو لم يؤمن بوالية أهل البيت ‪ ‬فهو كافر‪،‬‬
‫ويمكن المناقشة في كبرى هذا الدليل وفي صغراه مع ًا‪.‬‬
‫أ ّما الكبرى‪( ،‬عدم قبول شهادة الكافر) فلما ألمحنا إليه من أنّها موضع تأمل‪ ،‬وليس ثمة‬
‫دليل على ر ّد أو رفض شهادة غير المسلم بقول مطلق‪ ،‬بل هي مقبولة ولو على نحو جزئي‪،‬‬
‫دل من األخبار على رفض‬ ‫أن ما ّ‬ ‫وعليه فال يعقل أن يكون المسلم أسوأ حاالً من الكافر‪ .‬كما ّ‬
‫إن صحيحة َأبِي‬ ‫شهادة الكافر ناظر إلى الكافر الملي وليس المذهبي‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ّ :‬‬
‫ين َع َلى َج ِمي ِع َأ ْه ِل ا ْل ِم َل ِل َ‬
‫ول ت َُجو ُز‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُع َب ْيدَ َة َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ :‬ت َُجو ُز َش َها َد ُة ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫ِِ‬ ‫َشهاد ُة َأه ِل ِّ ِ‬
‫أن أهل الذمة أو أهل الملل ال‬ ‫ين»(((‪ ،‬ومن الواضح ّ‬ ‫الذ َّمة (الملل) َع َلى ا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫تنطبق على المسلمين أي ًا كان مذهبهم‪.‬‬
‫وأما الصغرى فهي غير تامة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬لقد أوضحنا بطالن القول بكفر اآلخر المذهبي في الباب األول من هذا الكتاب‪.‬‬
‫ثم لو س ّلمنا بما ذكر من ّ‬
‫أن إطالق الكفر عليهم يقتضي ترتيب كل أحكام الكفر إال‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن الشهادة هي ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬مما أخرجه الدليل‪ّ ،‬‬
‫ألن الروايات‬ ‫ما خرج بالدليل‪ ،‬فيمكن القول‪ّ :‬‬
‫المتقدمة الدالة على قبول شهادة المسلم‪ ،‬أو الناصبي هي خير دليل على ذلك‪.‬‬
‫قال النراقي‪« :‬وقد يستدل لعدم قبول شهادة المخالفين باألخبار المتكثرة المصرحة‬
‫بكفرهم‪ ،‬فال تشملهم عمومات قبول شهادة المسلم‪ .‬وبتعميمهم ما دل على رد شهادة‬
‫الكافر‪ّ ،‬‬
‫ألن بها يثبت إما كفرهم حقيقة ‪ -‬كما هو رأي كثير من قدماء األصحاب ‪ -‬فيخرجون‬
‫عن عنوان المسلم‪ ،‬أو مشاركتهم للكفار في األحكام‪ ،‬التي منها عدم قبول الشهادة‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬منع ثبوت الكفر الحقيقي لهم‪ ،‬كما ثبت في موضعه‪ .‬ومنع داللة إطالق الكافر‬
‫عليهم على مشاركتهم لهم في جميع األحكام‪ ،‬لما بين في األصول من ّ‬
‫أن الشركة المبهمة‬
‫ال تفيد العموم»(((‪.‬‬

‫الوجه الخامس‪ :‬ما ذكره البعض من اختصاص خطابات الكتاب ُّ‬


‫والسنة في قض ّية‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .398‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.252‬‬


‫(( ( مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.48‬‬
‫‪347‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الشهادة وغيرها بالمؤمن الشيعي‪ ،‬إ ّما للتبادر أو ّ‬
‫ألن اآلخرين غير مشافهين بالخطاب لكونهم‬
‫غير موجودين في زمن الخطاب(((‪.‬‬
‫ولك ّن هذا الوجه مرفوض وغريب‪ّ ،‬‬
‫ألن الخطابات الدينية الفرع ّية (أما خطابات‬
‫األصول فهي شاملة لغير المسلمين حتم ًا) الواردة في الكتاب ُّ‬
‫والسنة شاملة لكل المسلمين‬
‫الذين آمنوا بالله ورسوله‪ ،‬وال وجه الختصاصها بخصوص المؤمن بالمعنى األخص‪ ،‬إال‬
‫ادعاء عدم وجود غيره في زمن الخطاب‪ ،‬كما جاء في كالم صاحب الجواهر‪ ،‬وأما عدم‬
‫وجود الجيل الثاني من المؤمنين فال يضر ألنهم القدر المتيقن ممن يشملهم إطالق الخطاب‪.‬‬
‫ولك ّن هذا الكالم ‪ -‬مع أنّه مرفوض فقد كان بعض المسلمين غير مؤمنين بعلي ‪ ‬إبان‬
‫أن النبي (ص) كان قد أعلمهم وأخبرهم بأنّه الحجة عليهم بعده ‪ -‬ال‬ ‫نزول الخطاب مع ّ‬
‫يصلح لدعوى االختصاص‪ ،‬ألن هذه الشريعة مكلف بها كافة المسلمين إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫ولذا يحاسبون على تجاوز حدودها وارتكاب المعاصي‪.‬‬
‫ولهذا قال النراقي تعليق ًا على هذا االستدالل‪« :‬وفيه منع ظاهر»(((‪.‬‬
‫والغريب صدور هذا الكالم حول اختصاص الخطابات القرآنية بخصوص المؤمنين‬
‫أن األحكام الشرعية الفرعية يك ّلف بها الكفار!‬
‫الشيعة ممن رأيه((( ّ‬
‫دل على عدم قبول شهادة ذي ُمخزية في الدين‪ ،‬وغير الموالي ألهل‬ ‫الوجه السادس‪ :‬ما ّ‬
‫دل على ذلك روايتان للسكوني‪:‬‬ ‫البيت ‪ ‬هو ذو مخزية كذلك‪ ،‬وما ّ‬
‫السكُونِ ِّي َع ْن َأبِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوالهما‪ :‬ما رواه الكليني عن َعل ّي بن إِ ْب َراه َ‬
‫يم َع ْن َأبِيه َع ِن الن َّْو َفل ِّي َع ِن َّ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ول ِذي ُمخْ ِز َي ٍة فِي الدِّ ِ‬
‫اش َ‬ ‫َان َل َي ْق َب ُل َش َها َد َة َف َّح ٍ‬
‫ين (ص) ك َ‬ ‫ِِ‬ ‫َعب ِد ال َّله ‪ِ َ :‬‬
‫«أ َّن َأم َير ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫ْ‬
‫والثانية‪ :‬ما رواه الصدوق‪ ،‬قال‪« :‬وروى إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه ‪ ‬قال‪« :‬ال تقبل شهادة ذي شحناء‪ ،‬أو ذي مخزية في الدين»(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،41‬ص ‪ .16‬وجامع المدارك للسيد أحمد الخونساري‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.100‬‬ ‫(( (‬
‫مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.48‬‬ ‫(( (‬
‫ج ‪،5‬‬ ‫انظر‪ :‬جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪276‬؛ وج ‪ ،21‬ص ‪317‬؛ وج ‪ ،33‬ص ‪ .329‬وجامع المدارك‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ص ‪.56‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .396‬ورواه الشيخ في التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.243‬‬ ‫((( ‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.43‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪348‬‬
‫وقد اعتبر المحقق النراقي ّ‬
‫أن هاتين الروايتين تصلحان لتقييد المطلقات الدالة على‬
‫قبول شهادة كل مسلم‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬وال تفيد عمومات قبول شهادة المسلم أو من ولد على الفطرة‬
‫أو العادل ‪ -‬إن قلنا بتحقق العدالة في المخالف ‪ -‬أيض ًا‪ ،‬لمعارضتها مع روايتي السكوني‬
‫المنجبرتين‪ ،‬المتضمنتين لعدم قبول شهادة كل ذي مخزية في الدين»(((‪.‬‬
‫ويالحظ على كالمه باإلضافة إلى ّ‬
‫أن الظاهر وحدة الروايتين‪:‬‬
‫ثمة محاولة جادة‬ ‫أوالً‪ :‬ضعف السند‪ ،‬لعدم ثبوت وثاقة النوفلي‪ .‬ولكن عرفت سابق ًا ّ‬
‫أن ّ‬
‫لتوثيق السند المشتمل على النوفلي‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن المخزية هي الفعل القبيح الذي يشهر اإلنسان ويوقعه بالخزي والعار‪ ،‬كما لو‬
‫ارتكب الفاحشة أو غير ذلك‪ ،‬قال في القاموس‪« :‬خزي كرضي خزي ًا ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وخزى‪:‬‬
‫وقع في بلية وشهرة ّ‬
‫فذل بذلك»(((‪ .‬فيكون النظر إلى المعصية القبيحة الموجبة للمهانة‪،‬‬
‫كالشذوذ الجنسي ونظائره‪ ،‬ومما يؤيد نظر الرواية إلى المخزية بلحاظ الجانب السلوكي‬
‫أن الراوي هو السكوني‪ ،‬وهو غير شيعي كما هو معلوم‪ ،‬ومن البعيد أن‬ ‫وليس العقدي ّ‬
‫يواجهه اإلمام ‪ ‬بهذه الحقيقة دون أن يعترض أو يسأل‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬سلمنا بشمول المخزية االنحراف الفكري والعقائدي‪ ،‬لك ّن صاحب المخزية هو‬
‫مصر ًا‪ ،‬وال شمول له للجاهل القاصر من غير اإلمامية‪ ،‬أو‬
‫من اتضح له الحق فانحرف عنه ّ‬
‫العالم القاطع بحقانية ما هو عليه‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬إنّه لم ينهض دليل على شرط اإلمامية في الشاهد‪ ،‬بما يوجب تقييد‬
‫المطلقات الدالة على قبول شهادة المسلم‪ .‬أجل بنا ًء على شرط العدالة‪ ،‬فال يبعد القول‬
‫ال عن الجاحد من أهل المذاهب األخرى‪ ،‬وأما‬ ‫بعدم قبول شهادة المقصر إبان تقصيره فض ً‬
‫المعتقدون بحقانية مذاهبهم فاألقرب قبول شهادتهم‪.‬‬

‫((( مستند الشيعة ج ‪ ،18‬ص ‪.48‬‬


‫(( ( القاموس المحيط‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.324‬‬
‫الف�صل الثاني‬

‫�شرط الإمامية في المفتي‬

‫‪--1‬تحديد األصل العملي واللفظي في مسألة تقليد الغير‪.‬‬


‫‪--2‬مطلقات حجية فتوى الفقيه‪.‬‬
‫‪--3‬دراسة أدلة شرط اإلمامية في المفتي‪.‬‬
‫أن من شروط المفتي والقاضي والولي أن يكون إمامي ًا‪ ،‬وهذا‬‫ذكر مشهور الفقهاء ّ‬
‫الشرط يمكن أن تناوله في عدة مقامات‪:‬‬
‫المقام األول‪ :‬شرط اإلمامية في المفتي‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬شرط اإلمامية في القاضي‪.‬‬
‫المقام الثالث‪ :‬شرط اإلمامية في الولي الحاكم‪.‬‬
‫بيد أننا سوف نقصر حديثنا على المفتي‪ ،‬ومن خالل األدلة التي ستذكر في هذا المقام‬
‫سوف تتضح الصورة إلى حدٍّ كبير في غيره‪ّ ،‬‬
‫ألن األدلة في معظمها مشتركة بين المقامات‬
‫الثالثة المذكورة‪ ،‬لكن هذا ال ينفي الحاجة إلى بحث مستقل في كل من القاضي والحاكم‪.‬‬
‫أن محل الكالم في المفتي المؤتمن على الفتوى والمتمكن من اإلفتاء‬ ‫ومن الطبيعي ّ‬
‫إن كل شرائط الفتوى تكون متوفرة فيه باستثناء شرط‬ ‫على طبق مذهب أهل البيت ‪ ‬بحيث ّ‬
‫واحد‪ ،‬وهو انتماؤه عقدي ًا لمذهب أهل البيت ‪ ،‬وهذا البحث ليس افتراضي ًا‪ ،‬حيث إننا‬
‫‪-‬بالرغم من أنّه في ظل الواقع اإلسالمي الراهن المتشظي مذهبي ًا قد ال يكون واقعي ًا‪ ،‬وال‬
‫يجد آذان ًا صاغية ‪ -‬قد نجد فقهاء شيعة غير إمامية يؤمنون بمرجعية أهل البيت ‪ ‬لكنهم ال‬
‫ال‪ ،-‬وقد نجد فقهاء غير شيعة‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يؤمنون ببعض األئمة‪ ،‬ومنهم اإلمام المهدي ‪- ‬مث ً‬
‫يمتلكون معرفة بقواعد المذاهب وأصوله الفقهية‪ ،‬ما يمكنهم من اإلفتاء على طبقها‪ ،‬كما‬
‫كان يوجد فقهاء إمامية لديهم القدرة االجتهادية لإلفتاء على طبق المذاهب األخرى‪ ،‬فقد‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪350‬‬
‫يدرس على طبق المذاهب الخمسة في المدرسة النورية في‬ ‫حكي ّ‬
‫أن الشهيد الثاني كان ِّ‬
‫بعلبك(((‪ ،‬وقد أجاز اإلمام ‪ - ‬طبق ًا لما جاء في بعض األخبار ‪ -‬لبعض أصحابه أن يفتي‬
‫سائر المسلمين طبق ًا لمذاهبهم‪ ،‬كما يستفاد من رواية معاذ بن مسلم النحوي‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد الله ‪ ‬قال له‪« :‬بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬وقد أردت‬
‫أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج‪ ،‬إنّي أقعد في المسجد فيجيء الرجل يسألني عن الشيء‪،‬‬
‫فإذا عرفته بالخالف لكم أخبرته بما يفعلون‪ ،‬ويجيء الرجل أعرفه بح ّبكم أو مودتكم فأخبره‬
‫بما جاء عنكم‪ ،‬ويجيء الرجل ال أعرفه وال أدري من هو فأقول‪ :‬جاء عن فالن كذا وجاء‬
‫اصنع كذا‪ ،‬فإنّي كذا أصنع»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫عن فالن كذا‪ ،‬فأدخل قولكم فيما بين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي‪:‬‬
‫وبناء عليه فإن السؤال الذي يفرض نفسه‪ :‬هل يمكن األخذ بفتيا الفقيه غير اإلمامي إذا كانت‬
‫مطابقة للموازين؟‬
‫وسوف ندرس المسألة من خالل المنهجية التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ما هو األصل العملي واللفظي في أصل مسألة الرجوع إلى فتوى الغير؟‬
‫ثاني ًا‪ :‬بيان األدلة العامة أو المطلقة التي يستفاد منها حجية قول المفتي ولو لم يكن‬
‫منتمي ًا لمذهب أهل البيت ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬استعراض أدلة شرط اإلمامية في المفتي‪.‬‬

‫‪1 -1‬الأ�صل العملي واللفظي في م�س�ألة تقليد الغير‬


‫ّ‬
‫إن األصل العملي في المسألة‪ ،‬عند الشك في الحج ّية وعدم قيام الدليل عليها هو عدم‬
‫ّ‬
‫فالشك في الحج ّية يساوق عدمها‪ ،‬كما حقق في محله‪.‬‬ ‫الحج ّية‪،‬‬
‫وأ ّما األصل اللفظي فيمكن أن يقال بشأنه‪ :‬إنّه يقضي بعدم مشروعية تقليد الغير‪ ،‬وذلك‬
‫استناد ًا إلى‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ما ّ‬
‫دل على ذ ّم التقليد‪ ،‬كما في قوله تعالى في ذم المشركين‪ ﴿ :‬ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬

‫((( أمل اآلمل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.89‬‬


‫((( رجال الكشي‪ ،‬ص ‪ ،2‬ص ‪ .524‬ونحوه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى معاذ في علل الشرائع‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫ص ‪ ،531‬والحظ وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،148‬الحديث ‪ 36‬من الباب ‪ 11‬من أبواب صفات القاضي‪.‬‬
‫‪351‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬

‫ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﴾(((‪ .‬ونحوها اآلية األخرى من سورة الزخرف ولكن‬


‫فيها‪ ... ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾(((‪.‬‬
‫ويمكن أن يناقش في ذلك‪ ،‬ال من جهة وجود ما يدل على تخصيص إطالق اآلية بغير‬
‫التقليد في الفروع‪ ،‬وإنما من جهة أنّه ال إطالق في تلك اآلية للتقليد في الفروع من رأس‪،‬‬
‫فالذم هو على تقليدهم في األصول االعتقادية‪ ،‬وسياق اآلية يشهد بذلك‪ ،‬فالحظ قوله تعالى‬
‫قبل اآلية المذكورة‪ ﴿ :‬ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ‬
‫ﳀﳁﳂ‬ ‫ﲬ* ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ*‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﴾(((‪ ،‬وسياق اآلية األخرى هو سياق الحديث عن ّ‬
‫النبوة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﴾(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬العمومات الناهية عن العمل بالظن‪ ،‬بنا ًء على كون نتائج االجتهاد ظن ّية‪.‬‬
‫أن العمومات المشار إليها لو كانت شاملة للفروع ولم يدع ظهورها في‬ ‫ولك ّن الظاهر ّ‬
‫النظر إلى األصول االعتقادية‪ ،‬فإنها منصرفة عن الطرق التي جرى عليها العقالء‪ ،‬كأخبار‬
‫الثقات وكذا الرجوع إلى أهل الخبرة(((‪.‬‬
‫وعليه يمكن القول‪ :‬إنّه ال وجود ألصل لفظي يمنع من األخذ بالفتوى‪ .‬ولكن يبقى أنه‬
‫ما الدليل على مشروعية التقليد؟ وبعبارة أخرى‪ :‬نحتاج في إثبات المشروعية إلى دليل يثبت‬
‫وجود المقتضي وال يكفي عدم المانع‪ ،‬وهذا ما تتواله الفقرة التالية‪.‬‬

‫‪2 -2‬مطلقات حجية فتوى الفقيه‬


‫باإلمكان أن يستدل لحج ّية قول المفتي وجواز الرجوع إليه‪ ،‬بصرف النظر عن مذهبه‪،‬‬
‫بجملة من الوجوه‪ ،‬أهمها ما يلي‪:‬‬

‫سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫((( ‬


‫سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الزخرف‪ ،‬اآليات ‪.21 - 19‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬ ‫((( ‬
‫ّ‬
‫(( ( وعلى مسلك جعل العلمية للمحقق النائيني‪ ،‬فإن ما دل على حجية الطرق الظنية حاكم على أدلة النهي‬
‫عن حج ّية الظن‪ ،‬انظر‪ :‬أجود التقريرات‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.102‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪352‬‬
‫الوجه األول‪ :‬السيرة العقالئية‬
‫فهي المستند األساس للرجوع إلى المفتي‪ ،‬باعتباره من أهل الخبرة‪ ،‬وهذا هو أحد‬
‫أهم األدلة التي استند إليها مشهور الفقهاء في حج ّية قول الفقيه(((‪ ،‬قال السيد الخوئي‪:‬‬
‫«وجواز رجوع الجاهل إلى العالم من الضروريات التي لم يختلف فيها اثنان‪ ،‬وهو أمر‬
‫مرتكز في األذهان وثابت ببناء العقالء في جميع األعصار واألزمان»(((‪ .‬وقال السيد‬
‫أن عمدة دليل وجوب التقليد هو ارتكاز العقالء‪ ،‬فإنّه من فطريات‬ ‫الخميني‪« :‬المعروف ّ‬
‫العقول رجوع كل جاهل إلى العالم‪ ،‬ورجوع كل محتاج في صنعة وفن إلى الخبير بهما‪،‬‬
‫فإذا كان بناء العقالء ذلك‪ ،‬ولم يرد ردع من الشارع عنه‪ ،‬يستكشف أنه مجاز ومرضي‪ ،‬وال‬
‫يصلح ما ورد من حرمة اتباع الظن للرادعية‪ ،‬لما ذكرنا في باب حجية الظن‪ :‬من ّ‬
‫أن مثل هذه‬
‫الفطريات واألبنية المحكمة المبرمة‪ ،‬ال يمكن فيها ردع العقالء بمثل عموم ﴿ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚ ﱛ ﱜ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫ثمة إشكال طرح على بناء العقالء المدعى جريانه على األخذ بقول المفتي‪،‬‬
‫هذا ولك ْن ّ‬
‫وهو ّ‬
‫أن «ارتكاز العقالء وبناءهم على أمر‪ ،‬إنما يصير حجة إذا أمضاه الشارع‪ ،‬وإنما يكفي‬
‫عدم الردع ويكشف عن اإلمضاء‪ ،‬إذا كان بناؤهم على عمل بمرأى ومنظر من النبي (ص)‬
‫أو األئمة ‪ ،‬كبنائهم على أصالة الصحة‪ ،‬والعمل بقول الثقة‪ ،‬وأمثالهما مما كان بناؤهم‬
‫ال بزمان المعصومين‪ .‬وأما إذا كان بناؤهم على عمل في موضوع مستحدث‬ ‫العملي متص ً‬
‫لم يتصل بزمانهم‪ ،‬فال يمكن استكشاف إمضاء الشارع لمثله‪.‬وما نحن فيه من هذا القبيل‪،‬‬
‫فإن علم الفقه أصبح في أعصارنا من العلوم النظرية التي ال تقصر عن العلوم الرياضية‬‫ّ‬
‫والفلسفية‪ ،‬في حين كان في أعصار األئمة ‪ ‬من العلوم الساذجة البسيطة‪ ،‬وكان فقهاء‬

‫قال السيد الخوئي‪« :‬الذي يمكن أن يعتمد عليه العامي في حجية فتوى المجتهد في حقه أمران‪:‬‬ ‫(( (‬
‫أحدهما‪ :‬االرتكاز الثابت ببناء العقالء‪ ،‬حيث جرى بناؤهم في كل حرفة وصنعة بل في كل أمر راجع‬
‫إلى المعاش والمعاد على رجوع الجاهل إلى العالم‪ ،‬ألنه أهل الخبرة واالطالع ولم يرد عن هذه‬
‫السيرة ردع في الشريعة المقدسة‪ ،‬وهذه السيرة والبناء وإن جاز أن ال يلتفت إليهما العامي مفص ً‬
‫ال إال‬
‫أنهما مرتكزان في ذهنه بحيث يلتفت إليهما ويعلم بهما تفصي ً‬
‫ال بأدنى إشارة وتنبيه‪ ،»...‬انظر‪ :‬موسوعة‬
‫السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(( (‬
‫سورة النجم‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫(( (‬
‫‪353‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أصحاب األئمة يعلمون فتاويهم‪ ،‬ويميزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره‪ ،‬ولم‬
‫يكن االجتهاد في تلك األزمنة كزماننا‪.‬فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك األزمنة‪ ،‬كان‬
‫رجوع ًا إلى من علم األحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة األئمة ‪ ،‬وفي زماننا‬
‫رجوع إلى من عرف األحكام بالظن االجتهادي واألمارات‪ ،‬ويكون علمه تنزيليا تعبدي ًا‪ ،‬ال‬
‫وجداني ًا‪ .‬فرجوع الجاهل في هذه األعصار إلى علماء الدين وإن كان فطري ًا‪ ،‬وال طريق لهم‬
‫بها إال ذلك‪ ،‬لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوع ًا باإلمضاء‪ ،‬وهذا االرتكاز ما لم يصر ممضى‬
‫من الشارع‪ ،‬ال يجوز العمل على طبقه‪ ،‬وال يكون حجة بين العبد والمولى‪ .‬ومجرد ارتكازية‬
‫رجوع كل ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع‪ ،‬وكل جاهل إلى العالم‪ ،‬ال يوجب الحجية إذا لم‬
‫يتصل بزمان الشارع‪ ،‬حتى يكشف االمضاء‪ ،‬وليس إمضاء االرتكاز وبناء العقالء من األمور‬
‫اللفظية‪ ،‬حتى يتمسك بعمومها أو إطالقها‪ ،‬ولم يرد دليل على إمضاء كل المرتكزات إال ما‬
‫خرج‪ ،‬حتى يتمسك به»(((‪.‬‬
‫عما كان عليه في زمانهم ‪ ،‬ودعوى ّ‬
‫أن‬ ‫وما ُذكر من اختالف االجتهاد في زماننا ّ‬
‫االجتهاد والتفقه في زمن األئمة ‪ ‬كان «بتحصيل العلم باألحكام بالسماع من النبي (ص)‬
‫أو اإلمام ‪ »‬هو أمر ذكره ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬المحقق األصفهاني(((‪.‬‬
‫هذا ولك ّن السيدين الخميني والخوئي ‪-‬رحمهما الله‪ -‬قد فنّدا هذا اإلشكال بجواب‬
‫أن االجتهاد الذي عرف به بعض أصحاب األئمة ‪ ‬ليس سنخ ًا آخر مباين ًا‬ ‫متين((( وحاصله‪ّ :‬‬
‫أو مختلف ًا اختالف ًا جوهري ًا عن االجتهاد المعاصر‪ ،‬بل كان ما عرف عنهم طور ًا من أطوار‬
‫االجتهاد‪ ،‬وإن ترعرع االجتهاد بعد ذلك وتعمق وتوسع وانتظمت قواعده وأصوله‪ ،‬كما‬
‫هو الحال في كل العلوم والمعارف‪ ،‬فلم يكن كل أصحاب األئمة ‪ ‬مجر َد َن َق َل ِة فتوى‪،‬‬
‫بل بعضهم كان فقيه ًا وقد أمر اإلمام ‪ ‬بالرجوع إليه لذلك‪ ،‬فاإلمام الباقر ‪ ‬يأمر أبان‬
‫ِ‬
‫ب أن يرى في شيعتي‬ ‫ابن تغلب قائالً‪« :‬اجلس في مسجد المدينة وافت الناس‪ ،‬فإني ُأح ُّ‬
‫مثلك»(((‪ ،‬وهكذا كان األئمة ‪ ‬يح ِّفزون بعض أصحابهم ويعلمونهم طرق االجتهاد‬
‫واستنباط األحكام‪ ،‬فهذا اإلمام أبو عبد الله الصادق ‪ ‬يقول لهشام بن سالم‪« :‬إنّما علينا‬

‫((( االجتهاد والتقليد‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫((( رسالة االجتهاد والتقليد‪ ،‬مدرجة ضمن كتاب بحوث في األصول‪ ،‬طبع جماعة المدرسين‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫((( االجتهاد والتقليد‪ ،‬ص ‪ .70‬وموسوعة السيد الخوئي‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.66 - 65‬‬
‫((( انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪354‬‬
‫آل َسا ٍم عندما‬ ‫أن نلقي إليكم األصول وعليكم أن تفرعوا»(((‪ ،‬ويقول ‪ ‬ل َع ْب ِد َاأل ْع َلى م ْو َلى ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ف َأ ْصن َُع بِا ْل ُو ُضوء؟‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سأله األخير‪َ :‬ع َث ْر ُت َفا ْن َق َط َع ُظ ُف ِري َف َج َع ْل ُت َع َلى إ ْص َبعي َم َر َار ًة َف َك ْي َ‬
‫وج َّل‪ ﴿ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﴾((( ْام َس ْح‬ ‫اهه ِم ْن كِت ِ‬
‫َاب ال َّله َع َّز َ‬ ‫وأ ْش َب ُ‬‫ف َه َذا َ‬
‫« ُي ْع َر ُ‬
‫َع َل ْيه»(((‪ .‬وعليه‪ ،‬فما جرى لدى فقهائنا المتأخرين من تعميق للبحث الفقهي هو تطور في‬
‫عمل ّية الفقاهة واالجتهاد‪ ،‬وليس أمر ًا مغاير ًا في الجوهر لما أمر األئمة ‪ ‬به أصحابهم‪ ،‬ومعه‬
‫فال يصح االعتراض المذكور‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالدليل األول على حج ّية قول المفتي بصرف النظر عن مذهبه‪ ،‬ما دام يفتي‬
‫على طبق الضوابط تام‪.‬‬
‫ولكن يمكن التأمل في هذا الدليل‪ ،‬من زاوية ّ‬
‫أن الرجوع إلى المفتي والفقيه في زمن‬
‫األئمة ‪ ‬لم تجر عليه سيرة العقالء‪ ،‬وإنّما جرت عليه سيرة المتشرعة التي تولدت من رحم‬
‫البيان الشرعي‪ ،‬وهي مختصة بالرجوع إلى فقهاء أصحاب األئمة ‪ ‬وليس كل الفقهاء‪.‬‬
‫أن الرجوع كان إلى اإلمام ‪ ‬باعتباره مطلع ًا على الحكم‬‫وبعبارة أخرى‪ :‬الظاهر ّ‬
‫أن األئمة ‪ ‬دعوا شيعتهم إلى الرجوع ألصحابهم الفقهاء لما رجع أحد‬ ‫الواقعي‪ ،‬ولوال ّ‬
‫ظل وجود اإلمام ‪ ،‬فالرجوع هو بإذن اإلمام وإرشاده‪ ،‬وليس الرجوع معتمد ًا‬ ‫إليهم في ّ‬
‫على المرتكزات العقالئية‪ ،‬إذ العقالء ال يرجعون مع وجود من يملك علم الواقع إلى من‬
‫يجتهد في الوصول إلى هذا الواقع‪ .‬فلوال إجازة األئمة ‪ ‬بالرجوع إلى فقهاء مدرستهم لم‬
‫يرجع أحد إليهم‪.‬‬

‫((( مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪ .109‬وعنه‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،62‬الباب ‪ 6‬من أبواب صفات‬
‫القاضي‪ ،‬الحديث ‪ .51‬وهذا المعنى مروي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا ‪‬‬
‫قال‪« :‬علينا إلقاء األصول إليكم وعليكم التفريع»‪ ،‬انظر‪ :‬مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪ .110‬وعنه وسائل‬
‫الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ ،62‬الباب ‪ 6‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬الحديث ‪.52‬‬
‫((( سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .33‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .363‬وقد اختلف في وثاقة عبد األعلى مولى آل‬
‫سام‪ ،‬فإنه لو اتحد مع عبد األعلى بن أعين مولى آل سام‪ ،‬فهو بال شك من فقهاء األصحاب والثقات‬
‫األجالء كما ذكر الشيخ المفيد‪ ،‬وعليه تكون الرواية معتبرة‪ ،‬وأما بنا ًء على عدم اتحادهما‪ ،‬كما أصر‬
‫عليه السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪ ،-‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ ،279‬فالرواية ضعيفة‪،‬‬
‫ألن عبد األعلى مولى آل سام لم يوثق في الرجال‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .205‬وقد‬
‫يستدل على االتحاد بأنه جاء في أسانيد الروايات اسم َع ْب ِد األَ ْع َلى ْب ِن َأ ْع َي َن م ْو َلى ِ‬
‫آل َسا ٍم‪ ،‬انظر ما رواه‬ ‫َ‬
‫الكليني في باب فضل تزوج األبكار من الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .334‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.400‬‬
‫‪355‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إن المتشرعة جروا على ذلك استناد ًا إلى ارتكازاتهم‬ ‫إال أن يقال في الجواب على ذلك‪ّ :‬‬
‫فإن سائر أتباع المذاهب واألديان كانوا يرجعون إلى علمائهم ورهبانهم‬ ‫العقالئ ّية‪ ،‬ولذا ّ‬
‫أن فقهاءهم‬ ‫أيض ًا‪ ،‬ولم يردع اإلسالم عن رجوعهم هذا من حيث أصل الرجوع‪ ،‬بل بلحاظ ّ‬
‫ال ينطلقون من القواعد الصحيحة لعمل ّية االجتهاد واالستنباط‪ .‬ومما يؤ ّيد عقالئ ّية السيرة‬
‫أن سائر العقالء ممن يريد أحدهم معرفة رأي الدين في مسألة‪ ،‬فإنّه يرجع إلى أهل‬ ‫المذكورة ّ‬
‫ثمة أشخاص ال يريدون العمل بالفتوى الدينية‪ ،‬ألنّهم‬ ‫الخبرة في هذا المجال‪ ،‬ولذلك لو كان ّ‬
‫أن مرتكزاتهم الفطر ّية القاضية‬‫ال يؤمنون بالدين لكنهم يريدون معرفة رأي الدين فإنك ترى ّ‬
‫بالرجوع إلى أهل الخبرة تدفعهم إلى سؤال الفقهاء وأهل الخبرة في هذا الدين‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إطالقات الرجوع إلى أهل العلم‬
‫وثمة مطلقات دالة على لزوم الرجوع إلى العالم‪ ،‬ويمكن ذكر بعض اإلطالقات‬
‫القرآنية‪:‬‬
‫اآلية األولى‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﴾(((‪.‬‬
‫وتقريب االستدالل بهذه اآلية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنّها د ّلت على وجوب النفر ومطلوبيته‪ ،‬كما ّ‬
‫يدل عليه استخدام «لوال» التحضيض ّية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬د ّلت على وجوب التفقه في الدين واإلنذار‪ ،‬ألنهما الغاية الداعية للنفر‪ ،‬وإذا‬
‫شكك في وجوب غاية الواجب دائم ًا(((‪ ،‬فإنه ال ينبغي التشكيك في أنّه لوال وجوبهما للغى‬
‫وجوب النفر‪.‬‬
‫أن االستدالل ال يتوقف على إثبات وجوب النفر وال وجوب‬ ‫وفي كل األحوال‪ ،‬فأعتقد ّ‬
‫التفقه‪ ،‬وإنما يتوقف على إثبات وجوب التحذر عند اإلنذار‪ ،‬فلنفرض أن النفر والتفقه‬
‫مستحبان‪ ،‬لكن ما الدليل على حجية قول المنذر والمتفقه؟ وهو ما نبحثه في النقطة التالية‪.‬‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.122‬‬


‫الواجب ليست دائم ًا واجبة‪ ،‬وان كانت محبوبة حتم ًا‪ ،‬ولكن ليس من‬ ‫(( ( قال السيد الشهيد‪« :‬غاية‬
‫الضروري أن يتصدى المولى إليجابها‪ ،‬بل قد يقتصر في مقام الطلب على تقريب المكلف نحو الغاية‪،‬‬
‫وسدّ باب من أبواب عدمها وذلك عند وجود محذور مانع عن التكليف بها‪ ،‬وسدّ كل أبواب عدمها‬
‫كمحذور المشقة وغيره»‪ ،‬انظر‪ :‬دروس في علم األصول‪ ،‬الحلقة الثالثة‪ ،‬مبحث حجية خبر الواحد‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪356‬‬
‫ألن التحذر وقع مدخوالً ألداة الترجي ّ‬
‫«لعل»‬ ‫ثالث ًا‪ :‬وجوب التحذر عند اإلنذار‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ٍ‬
‫مقتض له فال محالة‬ ‫الدالة على المطلوبية‪« ،‬ومطلوبية التحذر تالزم وجوبه‪ ،‬إذ لو كان هناك‬
‫ألن المتحذر منه في المقام العقاب األُخروي المساوق احتماله للتنجز‪ ،‬وإِ ْن لم يكن‬ ‫يجب‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مقتض فال معنى له وال مطلوبية له حتى استحباب ًا إذ ال موضوع له»(((‪ .‬أ ّما االستدالل على‬ ‫له‬
‫وجوب التحذر بوقوعه غاية للنفر الواجب فقد عرفت ما فيه‪ ،‬وربما يستدل على الوجوب‬
‫أيض ًا بأنّه وبدون افتراض وجوب التحذر يصبح األمر بالنفر واإلنذار لغو ًا‪ .‬ونوقش في ذلك‬
‫«بأن األمر بالنفر واإلنذار ليس لغو ًا مع عدم الحجية التعبدية ألنه كثير ًا ما يؤدي إلى علم‬
‫ّ‬
‫السامع فيكون منجز ًا‪ ،‬ولما كان المنذر يحتمل دائم ًا ترتب العلم على إنذاره‪ ،‬أو مساهمة‬
‫إنذاره في حصول العلم ولو لغير السامع المباشر فمن المعقول أمره باإلنذار مطلق ًا»(((‪.‬‬
‫أن التحذر عقيب اإلنذار واجب سواء حصل العلم من قول المنذر‬ ‫رابع ًا‪ :‬ويستفاد منها ّ‬
‫بـ«أن اآلية لم تسق من حيث األساس إلفادة وجوب‬‫ّ‬ ‫أم لم يحصل‪ .‬ولكن اعترض على ذلك‬
‫التحذر لنتمسك بإطالقها إلثبات وجوبه على كل حال‪ ،‬وإنّما هي مسوقة إلفادة وجوب‬
‫أن وجوب اإلنذار ثابت على كل حال‪ ،‬وقد ال يوجب المولى‬ ‫اإلنذار‪ ،‬فيثبت بإطالقها ّ‬
‫التحذر إال على من حصل له العلم‪ ،‬ولكنّه يوجب اإلنذار على كل حال‪ ،‬وذلك احتياط ًا منه‬
‫في مقام التشريع‪ ،‬لعدم تمكنه من إعطاء الضابطة للتمييز بين حاالت استتباع اإلنذار للعلم‬
‫أو مساهمته فيه وغيرها»(((‪.‬‬
‫بأن حصول العلم ‪ -‬في العادة ‪ -‬من قول المنذر أمر نادر إال عند‬‫ويمكن الجواب‪ّ :‬‬
‫أن اآلية أمرت بالحذر‪،‬‬‫بعض السذج‪ ،‬فحمل اآلية عليه حمل لها على الفرد النادر‪ ،‬على ّ‬
‫َّ‬
‫والمتحذر منه هنا هو العقاب األخروي‪ ،‬وال يشترط فيه أن يكون عقيب ما يفيد اليقين‪ ،‬بل‬
‫يكفيه الظن‪ ،‬فالجدير بل الالزم باإلنسان أن يحذر‪.‬‬
‫وتجدر المالحظة إلى‪ّ :‬‬
‫«أن الحذر على ما يستفاد من مشتقاته وموارد استعماالته عنوان‬
‫للعمل وليس عبارة عن الخوف النفساني فحسب‪ ،‬ومعناه التحفظ عن الوقوع فيما ال يراد من‬
‫ال ‪ -‬إذا حمل المسافر سالحه في الطريق المحتمل فيه اللص أو‬ ‫المخاوف والمهالك ‪ -‬مث ً‬

‫((( بحوث في علم األصول‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .375‬ودروس في علم األصول‪ ،‬الحلقة الثالثة‪ ،‬مبحث حجية‬
‫خبر الواحد‪.‬‬
‫((( دروس في علم األصول‪ ،‬الحلقة الثالثة‪ ،‬المبحث نفسه‪.‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪357‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السبع للمدافعة عن نفسه أو ماله يقال‪ :‬إنه تحذر فهو فعل اختياري وليس بمعنى الخوف كما‬
‫مر وقد دلت اآلية المباركة على وجوبه»(((‪..‬‬
‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫إن اآلية خاطبت المؤمنين‪ ،‬وأمرتهم بأن ينفر بعضهم ألجل التفقه واإلنذار‪،‬‬
‫أن الفقيه والمنذر هو من المؤمنين‪ ،‬كما يظهر من مرجع الضمائر في‬ ‫وعليه فهي تفترض ّ‬
‫﴿ ﲹ ﴾‪ ﴿ ،‬ﳆ ﳇ ﴾‪ ،‬وبالتالي فهي ال تشمل من لم يكن مؤمن ًا‪.‬‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن المؤمن في القرآن الكريم ال يراد به المؤمن بالمعنى المصطلح‪ ،‬وهذا ما‬
‫مر الحديث عنه مفص ً‬
‫ال في الباب األول‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬
‫ﱏ ﱐ ﴾(((‪.‬‬
‫أن اآلية «د ّلت على وجوب السؤال عند الجهل‪ ،‬ومن الظاهر أن‬ ‫وذلك بتقريب‪ّ ،‬‬
‫الذكر‪ ،‬ألجل أن تعملوا على طبق‬‫السؤال مقدمة للعمل‪ ،‬فمعنى اآلية المباركة‪ :‬فاسألوا أهل ّ‬
‫أن المقصود األصلي هو السؤال في نفسه‪ ،‬لوضوح أنه لغو ال أثر له‪ ،‬فال مصحح‬ ‫الجواب‪ ،‬ال ّ‬
‫لألمر به لو لم يكن مقدمة للعمل‪ .‬فتدلنا اآلية المباركة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم‬
‫وهو المع ّبر عنه بالتقليد‪ ،‬وعلى حجية فتوى العالم على الجاهل‪ ،‬ألنه لو لم يكن قول العالم‬
‫حجة على السائل ألصبح األمر بالسؤال عنه لغو ًا ظاهر ًا»(((‪.‬‬
‫إن السؤال هو ألجل تحصيل العلم‪ ،‬ال ألجل العمل‪ ،‬وذلك بنا ًء‬ ‫ولكن يمكن القول‪ّ :‬‬
‫على ّ‬
‫أن اآلية ناظرة إلى الرجوع إلى العالم في قضايا العقيدة كما سيأتي‪ ،‬وهذا ما يعترف به‬
‫الس ّيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪.-‬‬
‫وقد سجل على داللة اآلية عدة اعتراضات‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫«إن مقتضى سياق اآلية‪ ،‬ومالحظة مقطعها الواقع فيه هذه اآلية هو أنّها في مقام‬
‫لنبوة الرسول (ص)‪ ،‬المتخ ّيل ّ‬
‫أن‬ ‫االحتجاج مع الخصم الجاهل بأصول النبوة‪ ،‬المنكر ّ‬
‫الرسول ينبغي أن يكون من جنس آخر غير اإلنسان‪ ،‬فهذا األمر ليس صادر ًا من المولى بما‬
‫هو مولى ومتقمص ًا قميص المولو ّية‪ ،‬كي يحمل على األمر المولوي‪ ،‬وإنّما هو صادر منه بما‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫(( ( سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،43‬وسورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪358‬‬
‫ومحاج مع الخصم المنكر لرسالة الرسول (ص)‪ ،‬فال ّ‬
‫يدل على إيجاب السؤال‬ ‫ّ‬ ‫هو مباحث‬
‫يحتج مع الخصم قد يستعين‬
‫ّ‬ ‫يدل على إيجاب القبول‪ ،‬صون ًا لإلطالق عن ال َّلغو ّية وا َّلذي‬
‫كي ّ‬
‫بجملة خبرية‪ ،‬وقد يستعين بجملة إنشائية وباألمر»(((‪.‬‬
‫أقول يالحظ على ذلك‪ :‬كون الجملة في سياق المحاججة ال يمنع من كونها صادرة‬
‫على سبيل الجدّ ‪ ،‬ألن المحاججة تفرض على المحاجج إ ّما أن يحيل ويحتكم إلى مبدأ‬
‫يشترك هو والخصم في اإليمان به‪ ،‬أو إلى مبدأ يؤمن به الخصم فقط‪ ،‬فيلزمه بما ألزم به‬
‫أن اإلحالة هي على‬‫نفسه‪ ،‬والثاني هو الذي يسقط الكالم عن االستدالل به‪ ،‬وفي المقام يبدو ّ‬
‫ألن هذا هو واقع الحال‪ ،‬فالرسل كانوا من جنس‬ ‫مبدأ يشترك الطرفان في اإليمان به‪ ،‬وذلك ّ‬
‫البشر‪ ،‬كما ّ‬
‫أن مساق اآلية يفيد ذلك‪ ،‬فإنّها تُرشد إلى مسألة ارتكازية وهي رجوع الجاهل إلى‬
‫العالم‪ ،‬ولذا لم تقل «إن كنتم صادقين»‪ ،‬وإنما قالت‪ ﴿ :‬ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾‪ ،‬فما نحن فيه ليس‬
‫نظير قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﴾(((‪ .‬فهذا اللسان وارد مورد االحتجاج والتحدي‪ ،‬فال يكون قوله‬
‫﴿ ﲹ ﴾ أمر ًا مولوي ًا‪ .‬ونظائره في القرآن الكريم‪ ،‬ولكن ما نحن فيه ليس كذلك‪.‬‬
‫ومما يؤكد ّ‬
‫أن المحاجة ال تمنع من االستدالل بها‪ ،‬ما جاء في الروايات الصحيحة‬
‫الواردة عن األئمة ‪ ‬والتي ذكرت أنهم المسؤولون ّ‬
‫وأن على الناس أن تسألهم‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إنّها ال ترتبط بالرجوع إلى العالم في الفروع‪ ،‬بل هي ناظرة إلى الرجوع إليه في‬
‫المسألة العقائدية‪ ،‬فاآلية جاءت تفريع ًا على قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ‬
‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾(((‪ ،‬فهي تقدّ م جواب ًا على استنكارهم أو استغرابهم بإرسال‬
‫أن الرسل‬‫أن عليكم سؤال أهل الذكر لتتأكدوا من حقيقة ّ‬
‫رسول من جنس البشر‪ ،‬والجواب هو ّ‬
‫وثمة قرينة أخرى على ّ‬
‫أن النظر هو إلى المسألة العقد ّية‪ ،‬وهو‬ ‫السابقين كانوا من جنس البشر‪ّ ،‬‬
‫أن اآلية أمرت بالسؤال من أهل الذكر وأهل الذكر هم أهل الرسالة ال أهل العلم ‪.‬‬
‫(((‬

‫أن سؤال أهل الذكر ليس تقليد ًا لهم في المسألة‪ ،‬ليقال ّ‬


‫إن التقليد في‬ ‫ومن الطبيعي ّ‬
‫قضايا العقيدة ال يصح جزم ًا بنص الكتاب‪ ،‬وإنما لكونه طريق ًا لتحصيل المعرفة واليقين‪.‬‬

‫مباحث األصول‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.477‬‬ ‫((( ‬


‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.23‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ .43‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫((( ‬
‫‪359‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إن المورد ال يخصص الوارد‪ ،‬فصحيح أن المورد هو‬ ‫ويمكن االعتراض على هذا الكالم‪ّ :‬‬
‫مورد الحديث عن قضية عقدية‪ ،‬ولك ّن ذلك ال يلغي التمسك بإطالق قوله‪ ﴿ :‬ﱊ ﱋ ﱌ ﴾‪،‬‬
‫الوارد مورد القاعدة كما يوحي بذلك ذكر الوصف الذي هو سبب الرجوع إليهم‪ ،‬فالوصف‬
‫تم تعليق السؤال على كونهم ال يعلمون‪ ،‬أي جاهلين‪،‬‬ ‫ثم ّ‬
‫‪ -‬كما قالوا ‪ -‬مشعر بالعلية‪ ،‬ومن ّ‬
‫أن رجوع‬ ‫فإن من ال يعلم يسأل من يعلم‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫فكأن اآلية قالت لهم‪ :‬فاسألوا الذين يعلمون ّ‬
‫إن رجوع الجاهل إلى العالم في قضايا الفقه‬ ‫الجاهل إلى العالم ال يختص بقضايا العقيدة‪ ،‬بل ّ‬
‫هو أكثر حاجة وإلحاح ًا من قضايا العقيدة التي هي أمور يفترض فيها االجتهاد ال التقليد‪.‬‬
‫أن المقصود بالذكر هو الرسالة‬ ‫أجل‪ ،‬هناك كالم طرحه السيد الشهيد‪ ،‬وهو‪« :‬الظاهر ّ‬
‫والدين ال العلم‪ ،‬فإنّه كثير ًا ما يطلق في القرآن الكريم على الرسالة باعتبار كونها مذكّرة‬
‫لإلنسان نحو الطبائع الفطر ّية الصحيحة التي جبل اإلنسان عليها ونسيها بسبب البعد عن‬
‫المنبهات وعن عالم اإلنسان ّية‪ ،‬وعلى الكتاب باعتبار تم ّثل الرسالة فيه‪ ،‬وعلى الرسول‬
‫ال للرسالة‪ ،‬ولو تص ّفحت في القرآن الكريم لوجدت موارد كثيرة ّ‬
‫مما‬ ‫باعتبار كونه حام ً‬
‫استعمل فيها كلمة الذكر تناسب هذا المعنى ا َّلذي ذكرناه ال معنى العلم‪ ،‬كما قال ال َّله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﴾(((‪ .‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫الذكر‬ ‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﴾(((‪ .‬ولعل المقصود بقوله من بعد ّ‬
‫يعني من بعد التوراة باعتبار كون الزبور فرع ًا لها‪ .‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫الذكر في‬ ‫فسرنا ّ‬
‫ﲴ ﴾ ‪ .‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﴾ ‪ .‬فإذا ّ‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫آية السؤال بمعنى الرسالة كانت هذه قرينة أخرى ‪-‬غير ما مضى في اإلشكال الثاني‪ -‬على‬
‫فإن المقصود‬ ‫كون اآلية واردة في أصل من أصول الرسالة‪ ،‬وأنّه ال إطالق فيها لألحكام‪ّ .‬‬
‫الذكر‪ ،‬أي أهل الرسالة‬ ‫بالخطاب من ال يعرف أصول الرسالة وداللته على السؤال عن أهل ّ‬
‫أن ما ذكرناه من المعنى للذكر ليس بأبعد‬ ‫أقل من ّ‬ ‫والكتاب العارفين بأصول الرسالة‪ .‬وال ّ‬
‫من تفسيره بالعلم»(((‪.‬‬

‫سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬ ‫(( (‬


‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.105‬‬ ‫((( ‬
‫سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬ ‫(( (‬
‫انظر‪ :‬مباحث األصول‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.478‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪360‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫بأن من المرجح أن يكون المقصود بأهل الذكر أهل العلم‪ ،‬وذلك ألن الذكر هو كل‬ ‫‪ّ --1‬‬
‫ما ُيذكِّر اإلنسان من غفلته‪ ،‬والقرآن سمي ذكر ًا بهذا اللحاظ‪ ،‬والعلماء هم أهل الذكر‬
‫ألنهم يذكِّرون الناس بالله‪ ،‬والتذكير كما يكون بالعقيدة فإنه يكون بالشريعة‪ ،‬والقرينة‬
‫على هذا الترجيح تعليق السؤال على كون الشخص ال يعلم ﴿ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾‪.‬‬
‫‪--2‬مع التسليم ّ‬
‫بأن المراد بأهل الذكر هم أهل الرسالة والدين‪ ،‬ولك ّن أهل الرسالة كما‬
‫ُيسألون عن قضايا العقيدة فإنهم يسألون عن قضايا الشريعة‪ ،‬وال موجب لحصرهم‬
‫بالفقه والشريعة‪.‬‬
‫فسرت أهل الذكر باألئمة ‪ ،‬فال مجال لالستدالل بها للرجوع إلى‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن الروايات ّ‬
‫قول الفقيه(((‪.‬‬
‫وقد ر ّد السيد الخوئي هذا االعتراض بما حاصله ّ‬
‫أن الروايات هي روايات مصداقية‬
‫وليست تفسيرية(((‪ ،‬فينطبق عنوان «أهل الذكر» على كافة أهل العلم كل في مجاله الخاص‪،‬‬
‫فتنطبق على علماء اليهود‪ ،‬وعلى األئمة ‪ ،‬وعلى العلماء‪ٌّ ،‬‬
‫وكل حسب مورده‪.‬‬
‫بأن الروايات تفسيرية وال مجال لحملها على‬ ‫وقد اعترض عليه بعض الفقهاء ّ‬
‫المصداقية‪ ،‬فقال‪« :‬إنه ال بد من رفع اليد عن ظهور اآلية البدوي في إرادة مطلق العلماء‬
‫من أهل الذكر‪ ،‬بالنصوص الكثيرة الظاهرة‪ ،‬بل الصريحة في اختصاص أهل الذكر‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،210‬باب ّ‬


‫أن «أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم األئمة ‪.»‬‬
‫((( قال‪« :‬وقد يتوهم أن تفسير أهل الذكر في األخبار‪ ،‬بأهل الكتاب أو األئمة ‪ ‬ينافي االستدالل‬
‫بها على جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم والفقيه في األحكام ‪ .‬ويندفع بأن ورود آية في‬
‫مورد ال يقتضي اختصاصها بذلك المورد‪ ،‬واآلية المباركة قد تضمنت كبرى كلي ًة قد تنطبق على‬
‫أهل الكتاب وقد تنطبق على األئمة ‪ ‬وقد تنطبق على العالم والفقيه‪ ،‬وذلك حسبما تقتضيه‬
‫كالنبوة‬
‫ّ‬ ‫المناسبات على اختالفها باختالف المقامات‪ ،‬فإن المورد إذا كان من االعتقاديات‬
‫وما يرجع إلى صفات النبي (ص) فالمناسب السؤال عن علماء أهل الكتاب‪ ،‬لعلمهم بآثارها‬
‫وعالماتها‪ ،‬كما أن المورد لو كان من األحكام الفرعية فالمناسب الرجوع فيه إلى النبي (ص)‬
‫أو األئمة ‪ ‬وعلى تقدير عدم التمكَّن من الوصول إليهم‪ ،‬فالمناسب الرجوع إلى الفقهاء‪.‬‬
‫وعلى الجملة‪ ،‬تضمنت اآلية المباركة كبرى رجوع الجاهل إلى العالم المنطبقة على كل من‬
‫أهل الكتاب وغيرهم‪ ،‬فاالستدالل بها من تلك الناحية أيض ًا مما ال خدشة فيه»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة‬
‫السيد الخوئي‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪ .68‬وذكر نظيره في مصباح الفقاهة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪189‬؛ وج ‪ ،3‬ص ‪،449‬‬
‫مبحث أحكام التقليد‪.‬‬
‫‪361‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫باألئمة ‪ ‬وعدم شمولها لغيرهم بالنحو الذي ينفع في ما نحن فيه‪ ،‬كصحيح ُم َح َّم ِد‬
‫وج َّل‪ ﴿ :‬ﱊ‬ ‫ْب ِن ُم ْس ِل ٍم َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ق َال‪ :‬إِ َّن َم ْن ِعنْدَ نَا َيزْ ُع ُم َ‬
‫ون َأ َّن َق ْو َل ال َّله َعزَّ َ‬
‫ارى َق َال‪ :‬إِذ ًا َيدْ ُعو َنك ُْم إِ َلى ِدين ِ ِه ْم!‬ ‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾ ‪َ ،‬أن َُّه ُم ا ْل َي ُهو ُد والن ََّص َ‬
‫(((‬

‫ون»(((‪ .‬ونحوه غيره‪.‬وقد‬ ‫َق َال‪َ :‬ق َال((( بِ َي ِده إِ َلى َصدْ ِره‪ :‬ن َْح ُن َأ ْه ُل ِّ‬
‫الذك ِْر ون َْح ُن ا ْل َم ْس ُؤو ُل َ‬
‫أن النبي (ص) هو الذكر‪ ،‬واألئمة ‪ ‬أهله‪ ،‬فال بد من رفع اليد عن قرينة‬ ‫تضمن بعضها ّ‬
‫السياق بذلك» ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويالحظ عليه بعدة مالحظات‪:‬‬


‫المالحظة األولى‪ :‬ال بدّ أن نستبعد من الحساب الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫أن الذكر هو رسول الله (ص)‬ ‫نصت على ّ‬ ‫﴿ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲪ ﲫ ﴾(((‪ ،‬والتي ّ‬
‫اص ِم ْب ِن ُح َم ْي ٍد َع ْن َأبِي َب ِص ٍير َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪:‬‬
‫وقومه هم األئمة ‪ ،‬من قبيل صحيحة َع ِ‬
‫ِ‬
‫ول ال َّله (ص) ِّ‬
‫الذك ُْر‬ ‫وج َّل‪ ﴿ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲪ ﲫ ﴾‪َ ،‬ف َر ُس ُ‬ ‫في َق ْو ِل ال َّله َع َّز َ‬
‫الذك ِْر»(((‪ .‬والوجه في استبعاد هذه الرواية وأمثالها‬ ‫وه ْم َأ ْه ُل ِّ‬ ‫وأ ْه ُل َب ْيتِه ‪ ‬ا ْل َم ْس ُؤو ُل َ‬
‫ون ُ‬ ‫َ‬
‫أن تفسير‬ ‫أن اآلية المذكورة ال عالقة لها بمحل االستدالل‪ ،‬وهو سؤال أهل الذكر‪ .‬على ّ‬ ‫ّ‬
‫الذكر بالنبي (ص) أمر مقطوع بعدم صحته‪ ،‬ألنّه (ص) هو المخاطب بقوله‪ ﴿ :‬ﲦ ﲧ ﴾‬
‫فإن تفسير «قومك»‬ ‫فيكون (ص) ذكر ًا لنفسه! وهو ب ِّين البطالن‪ ،‬فالذكر هو القرآن‪ ،‬وكذلك‪ّ ،‬‬
‫بأن القرآن ذكر للعالمين‪ ،‬وليس‬ ‫أمر ال يمكن القبول به‪ ،‬للقطع ّ‬ ‫بخصوص أهل بيته ‪ ‬هو ٌ‬
‫لخصوص أهل بيته أو قومه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪ ،‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((‪ ،‬وعليه فيلزم ر ّد الرواية‪ ،‬إال أن يكون قد حصل اشتباه من النساخ‬
‫في نقل اآلية التي كان اإلمام بصدد تفسيرها(((‪.‬‬

‫(( ( سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ .43‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬


‫(( ( بمعنى أومأ‪.‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،211‬الحديث ‪.7‬‬
‫(( ( مصباح المنهاج‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫((( سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.44‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،211‬الحديث ‪.4‬‬
‫(( ( سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.104‬‬
‫(( ( سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫((( وقد احتمل العالمة المجلسي أن في الخبر‪« :‬إسقاطا أو تبديال إلحدى اآليتين باألخرى من الرواة أو‬
‫النساخ»‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،429‬وهو احتمال قريب جد ًا‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪362‬‬
‫المالحظة الثانية‪ :‬أما بالنسبة للروايات الواردة في تفسير اآلية التي هي محل الشاهد‪،‬‬
‫أن اآلية نازلة حصر ًا في األئمة ‪ ،‬وهذا‬
‫ألن التفسيرية تعني ّ‬
‫فإنّنا نرجح فيها المصداقية‪ّ ،‬‬
‫يحتج النبي (ص) على المشركين الذين يناقشون في نبوته بذريعة‬‫ّ‬ ‫مستبعد للغاية‪ ،‬إذ كيف‬
‫أنّه بشر‪ ،‬فيقول لهم‪ :‬اذهبوا وسلوا أهل البيت ‪ ‬عن ذلك‪ ،‬والمراد بأهل البيت ‪ ‬وقت‬
‫نزول اآلية هم علي وفاطمة ‪ ،‬فهؤالء المشركون الذين ال يؤمنون به ويكذبون رسالته‬
‫كيف يحيلهم (ص) ألجل التثبت من نبوته بالسؤال من ابنته أو من صهره وأحد أتباعه؟! نعم‬
‫بنا ًء على المصداقية فال مانع من إدخال األئمة ‪ ‬في اآلية بعد إلغاء خصوصية المورد‪ ،‬على‬
‫طريقة الجري‪.‬‬
‫ألن اإلمام ‪،‬‬ ‫المالحظة الثالثة‪ :‬أ ّما صحيح محمد بن مسلم‪ ،‬فهو ال ينافي المصداقية‪ّ ،‬‬
‫من خالل قوله ‪ ‬وفي مقام نفي أو استغراب تفسير البعض ألهل الذكر بأهل الكتاب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«إذ ًا يدعوكم إلى دينهم!»‪ ،‬يشير إلى تحديد جهة النفي أو االستغراب‪ ،‬فهو ال ينفي كونهم‬
‫من أهل الذكر مطلق ًا ولو بسؤالهم عن بشر ّية األنبياء السابقين‪ ،‬وهو مورد المحاججة في‬
‫اآلية‪ ،‬وإنما ينفي كونهم أهل الذكر بقول مطلق وال سيما بلحاظ أخذ المعتقدات منهم‪ ،‬أو‬
‫التحديث عنهم‪ ،‬وال يبعد أن يكون اإلمام ‪ ‬ناظر ًا إلى الر ّد على ما كان شائع ًا في أوساط‬
‫المدرسة اإلسالمية األخرى من فتح باب التحديث عن اليهود والرواية عنهم‪ ،‬استناد ًا إلى ما‬
‫رووه عن النبي (ص) أنّه قال‪..« :‬وحدثوا عن بني إسرائيل وال حرج»(((‪.‬‬
‫تم لدينا إطالق على شرعية الرجوع ألهل الخبرة بصرف‬ ‫وقصارى القول‪ :‬إنّه قد ّ‬
‫النظر عن مذهبهم‪ ،‬وذلك من خالل السيرة والكتاب الكريم‪ ،‬وقد اعترف بعض الفقهاء‬
‫ٍ‬
‫كاف في إثبات‬ ‫بتمام ّية هذين الوجهين(((‪ ،‬وهذا ‪-‬باإلضافة إلى ما تقدم من األصل اللفظي‪-‬‬
‫المطلوب‪ ،‬ورفع اليد عن األصل العملي األولي‪.‬‬

‫(( ( صحيح البخاري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .145‬وسنن الدارمي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،136‬وغيرهما من المصادر‪.‬‬
‫((( ومنهم السيد الخوئي قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬فالمتحصل إلى هنا أنه لم يدلنا دليل لفظي معتبر على شرطية‬
‫ألن حجية الفتوى في‬ ‫اإليمان في المق َّلد‪ ،‬بل مقتضى إطالق األدلة والسيرة العقالئية عدم االعتبار‪ّ ،‬‬
‫أن السيرة جارية على الرجوع إلى العالم مطلق ًا‪،‬‬
‫األدلة اللفظية غير مقيدة باإليمان وال باإلسالم‪ ،‬كما ّ‬
‫سواء أكان واجد ًا لإليمان واإلسالم أم لم يكن وهذا يتراءى من سيرتهم بوضوح‪ ،‬ألنهم يراجعون‬
‫األطباء والمهندسين أو غيرهم من أهل الخبرة واالطالع ولو مع العلم بكفرهم»‪ ،‬انظر‪ ،‬موسوعة السيد‬
‫الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.183‬‬
‫‪363‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪3 -3‬درا�سة �أدلة �شرط الإمامية في المفتي‬
‫لكن هل من دليل على تقييد تلك المطلقات؟‬
‫ما استدل به لشرط اإلمامية مما يصلح دلي ً‬
‫ال على تقييد المطلقات هو عدة وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬اإلجماع المدعى‬
‫نقل اإلجماع عن السيد ابن زهرة(((‪ ،‬وقال السيد الحكيم‪« :‬نعم‪ ،‬حكي عليه إجماع‬
‫السلف الصالح والخلف‪ ،‬وهو العمدة فيه»(((‪.‬‬
‫أن اإلجماع المدعى «ليس من اإلجماعات‬ ‫ويمكن المناقشة فيه‪ :‬بما ذكره السيد الخوئي من ّ‬
‫التعبدية حتى يستكشف به قول المعصوم ‪ ،‬الحتمال أن يكون مستند ًا إلى أحد الوجوه اآلتية‬
‫في االستدالل‪ ،‬ومعه ال مجال لالعتماد عليه»(((‪ .‬نعم‪ ،‬قد يستكشف من اإلجماع وجود ارتكاز‬
‫متشرعي رافض لألخذ بفتوى الفقيه غير اإلمامي‪ ،‬ولك ّن هذا أمر آخر غير اإلجماع‪ ،‬وستأتي‬
‫دراسته‪ ،‬فال يصح اإليراد بذلك على السيد الخوئي(((‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬األخبار‬
‫واألخبار التي يمكن االستدالل بها لذلك هي على مجموعات‪:‬‬
‫المجموعة األولى‪ :‬ما ورد بعنوان «ال تأخذ معالم دينك إال من شيعتنا»‪ ،‬وهو روايتان‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا محمد‬
‫ابن إسماعيل الرازي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني علي بن حبيب المدائني‪ ،‬عن علي بن سويد السائي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«وأما ما ذكرت يا علي ممن‬
‫إلي أبو الحسن األول ‪[‬اإلمام الكاظم] وهو في السجن‪ّ :‬‬ ‫كتب ّ‬
‫تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا‪ ،‬فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن‬
‫ّ‬ ‫تأخذ معالم دينك‪ :‬ال‬
‫الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم‪ ،‬إنّهم اؤتمنوا على كتاب الله جل وعال‬
‫فحرفوه‪.(((»..‬‬
‫واعترض عليها‪:‬‬

‫االجتهاد والتقليد للسيد رضا الصدر‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫(( (‬


‫مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.42‬‬ ‫((( ‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.180‬‬ ‫((( ‬
‫االجتهاد والتقليد للشيخ اللنكراني‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫(( (‬
‫رجال الكشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.7‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪364‬‬
‫أوالً‪ :‬بضعف السند‪ّ ،‬‬
‫ألن محمد بن إسماعيل الرازي وعلي بن حبيب المدائني لم يوثقا‬
‫في الرجال(((‪ .‬وهما مجهوالن‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بضعف الداللة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن الظاهر منها ّ‬
‫أن «المانع عدم االئتمان ال مجرد اعتقاد‬
‫الخالف‪ ،‬مع ّ‬
‫أن منصرفه القضاة الذين كانوا يعتمدون على القياس ونحوه من الحجج الظن ّية‬
‫في مقابل فتوى المعصومين ‪ ‬وليس مثلهم محل الكالم»(((‪ ،‬ويقرب منه ما ذكره السيد‬
‫الخوئي(((‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وربما يضاف إلى ما تقدّ م‪ّ ،‬‬
‫بأن الحديث ناظر إلى أخذ الرواية ال إلى أخذ الفقه‪.‬‬
‫أن الرواية مطلقة وشاملة لألمرين‪ .‬ومن الطبيعي أنّها ‪ -‬بلحاظ شمولها‬ ‫ولك ّن اإلنصاف ّ‬
‫للرواية ‪ -‬ال تمنع من األخذ برواية غير الشيعي إال مع عدم ائتمانه على النقل‪ ،‬لما قلناه في‬
‫المالحظة السابقة‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ما رواه الكشي بسنده إلى أبي الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه‪ ،‬قال‬
‫عمن آخذ معالم ديني وكتب‬ ‫كتبت إليه‪ ،‬يعني أبا الحسن الثالث [اإلمام الهادي] ‪ ‬أسأله ّ‬
‫ٍ‬
‫مسن في ح ّبنا‬ ‫أخوه أيض ًا بذلك؟ فكتب إليهما‪« :‬فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على‬
‫وكل كثير القدم في أمرنا‪ ،‬فإنّهم كافوكما إن شاء الله تعالى»(((‪.‬‬
‫وأورد عليها ‪ -‬باإلضافة إلى ضعف السند بسبب اشتماله على جملة من الضعاف‬
‫بأن الرواية «غير معمول بها قطع ًا‪ ،‬للجزم بأن من يرجع إليه في األحكام‬
‫والمجاهيل(((‪ّ -‬‬
‫الحب لهم أو يكون ممن له ثبات تام في أمرهم ‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ّ‬ ‫الشرعية ال يشترط أن يكون شديد‬
‫غاية ما هناك أن يعتبر فيه اإليمان على الوجه المتعارف بين المؤمنين‪ ،‬إذن ال بدّ من حملها‬
‫على بيان أفضل األفراد على تقدير تماميتها بحسب السند»(((‪ ،‬ولهذا قال السيد الحكيم عن‬
‫هذا الخبر‪« :‬محمول على االستحباب لإلجماع القطعي على خالف ظاهره»(((‪.‬‬

‫موسوعة السيد الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫((( ‬


‫مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.42‬‬ ‫((( ‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫((( ‬
‫رجال الكشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.16‬‬ ‫(( (‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪/‬التقليد‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫((( ‬
‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫((( مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.42‬‬
‫‪365‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬ما جاء بعنوان «فانظروا إلى رجل منكم»‪ ،‬وهو روايتان‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الكليني عن ُم َح َّمد بن َي ْح َيى َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن ا ْل ُح َس ْي ِن َع ْن ُم َح َّم ِد‬
‫ان َع ْن َد ُاو َد ْب ِن ا ْل ُح َص ْي ِن َع ْن ُع َم َر ْب ِن َحنْ َظ َل َة َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪‬‬‫يسى َع ْن َص ْف َو َ‬ ‫ِ‬
‫ا ْب ِن ع َ‬
‫ان َأ ْو إِ َلى‬‫اث َفتَحاكَما إِ َلى الس ْل َط ِ‬ ‫ُون بينَهما من ََاز َع ٌة فِي دي ٍن َأو ِمير ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َع ْن َر ُج َل ْي ِن م ْن َأ ْص َحابِنَا َيك ُ َ ْ ُ َ ُ‬
‫َان َح ُّقه‬‫ُوت َف َحك ََم َله َفإِن ََّما َي ْأ ُخ ُذ ُس ْحت ًا وإِ ْن ك َ‬ ‫ا ْل ُق َض ِاة أي ِح ُّل َذلِ َك؟ َف َق َال‪ :‬من تَحاكَم إِ َلى ال َّطاغ ِ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ف َي ْصنَ َعان؟ َق َال‪ :‬ا ْن ُظ ُروا‬ ‫ِ‬
‫َثابِت ًا‪ ،‬ألَنَّه َأ َخ َذ بِ ُح ْك ِم ال َّطاغُوت‪ ،‬و َقدْ َأ َم َر ال َّله َأ ْن ُي ْك َف َر بِه‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ك ْي َ‬
‫َامنَا َف ْار َض ْوا بِه َحكَم ًا‬ ‫ف َأ ْحك َ‬ ‫وح َر ِامنَا و َع َر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان منْك ُْم َقدْ َر َوى َحدي َثنَا و َن َظ َر في َح َللنَا َ‬
‫إِ َلى من ك َ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفإِنِّي َقدْ َج َع ْلتُه َع َل ْيك ُْم َحاكم ًا َفإِ َذا َحك ََم بِ ُحكْمنَا َف َل ْم َي ْق َب ْله منْه َفإِن ََّما بِ ُح ْك ِم ال َّله َقد ْاستَخَ َّ‬
‫الش ْر ِك بِال َّله»(((‪.‬‬
‫وه َو َع َلى َحدِّ ِّ‬ ‫الرا ُّد َع َلى ال َّله ُ‬
‫والرا ُّد َع َل ْينَا َّ‬
‫و َع َل ْينَا َر َّد َّ‬
‫وأورد على االستدالل بهذه الرواية بعدّ ة مالحظات‪:‬‬
‫«أن الرواية ضعيفة السند‪ ،‬بعمر بن حنظلة‪ ،‬إذ لم يرد في حقه توثيق‬ ‫المالحظة األولى‪ّ :‬‬
‫وال مدح‪ ،‬وإن سميت روايته هذه بالمقبولة وكأنها مما تل ّقته األصحاب بالقبول وإن لم يثبت‬
‫هذا أيض ًا‪ .‬نعم‪ ،‬ورد في المواقيت عن يزيد بن خليفة أنه قال‪ :‬قلت ألبي عبد الله ‪ّ ‬‬
‫إن عمر‬
‫ابن حنظلة أتانا عنك بوقت‪ ،‬فقال أبو عبد الله ‪ :‬إذ ًا ال يكذب علينا»(((‪ .‬فلو كانت هذه‬
‫أن الرجل موثق غايته‪ ،‬كيف ومو ّثقه اإلمام ‪َّ ‬إل أن تلك الرواية‬‫الرواية معتبرة لدلتنا على ّ‬
‫أيض ًا ضعيفة فإن يزيد هذا كعمر لم تثبت وثاقته»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وقع الكالم بينهم في وثاقة عمر بن حنظلة‪ ،‬وما يمكن لنا أن نقوله في المقام‪:‬‬
‫يتم‪ ،‬وال سيما بعض األخبار المادحة له فإنها‬
‫إن ما استدل به من الوجوه إلثبات وثاقته ال ّ‬‫ّ‬
‫ثمة وجه واحد يمكن التعويل عليه‪ ،‬وهو يعتمد على‬ ‫إما ضعيفة أو ينتهي سندها إليه‪ ،‬أجل‪ّ ،‬‬
‫تمت ‪-‬كما ال يبعد في‬ ‫كبرى «وثاقة من روى عنه أحد المشايخ الثالثة»‪ ،‬فهذه الكبرى إذا ّ‬
‫المسانيد‪ -‬فإنّها سوف تثبت وثاقته من جهتين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬وهو طريق مباشر‪ ،‬فقد روى عنه أحد هؤالء وهم ال يروون إال عن ثقة(((‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .412‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.218‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.275‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(( ( وقد اعتمد سيدنا األستاذ السيد كاظم الحائري على هذا الطريق إلثبات وثاقته‪ ،‬انظر‪ :‬كتاب القضاء في=‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪366‬‬
‫والثاني‪ :‬طريق غير مباشر‪ ،‬وهو توثيق يزيد بن خليفة‪ ،‬فإنّه أيض ًا ممن روى عنه أحد‬
‫ال على توثيقه استناد ًا‬
‫الثالثة‪ (((،‬وإذا ثبتت وثاقته‪ ،‬فسوف تصح روايته المشار إليها وتغدو دلي ً‬
‫إلى كالم اإلمام ‪.‬‬
‫ونكتفي هنا بهذا القدر‪ ،‬فقد بحثنا الكبرى المذكورة في محل آخر‪.‬‬
‫المالحظة الثانية‪ّ :‬‬
‫إن الرواية واردة في باب القضاء وكالمنا في الفتوى‪ ،‬وال مالزمة بين‬
‫البابين‪ ،‬حتى يكون ما اعتبر في أحدهما من الشروط معتبر ًا في اآلخر(((‪.‬‬
‫تم شرط اإلمامية في القاضي‪ ،‬فقد يظ ّن بعدم الخصوص ّية للقاضي ويلحق‬ ‫أقول‪ :‬لو ّ‬
‫ألن اإلفتاء ال يقصر عن القضاء‪ .‬ولكن الظن ال يغني شيئ ًا‪ ،‬فشرط اإلمامية قد‬‫المفتي به‪ّ ،‬‬
‫يكون اشتراطه في القاضي‪ ،‬ألجل جانب جهة الوالية في القضاء‪ ،‬أو ألجل أن مورد القضاء‬
‫مورد تنازع وهو يقتضي مزيد عناية في الصفات‪ ،‬وهو غير موجود في الفتوى‪ ،‬وألجل الفارق‬
‫بين البابين‪ّ ،‬‬
‫فإن الذكورة لو قيل باعتبارها في القاضي فال يلزم اشتراطه في المفتي(((‪.‬‬
‫إن الرواية بعد أن نهت عن التحاكم إلى سالطين الجور والقضاة‬ ‫المالحظة الثالثة‪ّ :‬‬
‫المعينين من قبلهم‪ ،‬دعت إلى األخذ بحكم «من كان منكم‪ ،»..‬وهذا ال يراد به كون القاضي‬
‫أن الشيعي ينظر في حاللهم وحرامهم فيحكم بحكمهم‪ ،‬ولذا لو كان شيعي ًا‬
‫شيعي ًا إال من جهة ّ‬

‫= الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص ‪ .25‬والذي روى عنه هو صفوان بن يحيى‪ ،‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪،14‬‬
‫ترجمة عمر بن حنظلة‪.‬‬
‫(( ( وقد اعتمد السيد على الفاني ‪-‬رحمه الله‪ -‬على هذا الطريق في إثبات وثاقة عمر بن حنظلة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫كتابه بحوث في فقه الرجال‪ ،‬ص ‪ .217‬وكذلك السيد الشهيد ‪-‬رحمه الله‪ -‬حيث قال‪« :‬قد روى عنه‬
‫صفوان بن يحيى ‪ -‬وهو أحد الثالثة ‪ -‬بسند معتبر في باب كفارة الصوم من الكافي‪ ،‬فنثبت بذلك‬
‫وثاقته وبروايته نثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيض ًا‪ ،‬فالمقبولة صحيحة سند ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬بحوث في علم‬
‫األصول‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.370‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫«فإن اعتبار الرجولية في القاضي الذي يرجع إليه المترافعان والزمه تح ّقق‬ ‫ّ‬ ‫(( ( قال الشيخ اللنكراني‪:‬‬
‫َّ‬
‫التشافه ال داللة فيه على اعتبارها في المرجع الذي ال يكون المهم إل آراءه وأنظاره‪ ،‬ور ّبما تكون‬
‫أن القاضي ال‬‫مجموعة في رسالة منتشرة ال يحتاج المق ِّلد إلى الرجوع إلى شخصه طيلة حياته‪ ،‬مع ّ‬
‫ال حتى يمكن له حفظ التعادل‪ ،‬وال يقع متأ ّثر ًا عن دعوى المدّ عى أو إنكار المنكر‪،‬‬
‫بدّ وأن يكون رج ً‬
‫والنساء بعيدة عن المتانة وعدم التأ ّثر بمراحل‪ ،‬وأين هذا من المرجعية التي ال يعتبر فيها شيء من‬
‫ذلك‪ ،‬فقيام الدليل على اعتبار الرجولية في القاضي ال يالزم الداللة على اعتبارها في باب اإلفتاء‬
‫بوجه»‪ ،‬انظر‪ :‬تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫‪367‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ولم يحكم بحكمهم فال قيمة لحكمه‪ ،‬فكون القاضي «منكم» ليس له خصوصية إال من جهة‬
‫أنّه يحكم طبق ًا للقواعد التي يعتمد عليها مذهب أهل البيت ‪ ،‬فال موضوعية إلماميته وإنما‬
‫شرطه كان على نحو الطريقية‪ ،‬فالحظ قوله « َفإِ َذا َحك ََم بِ ُحك ِْمنَا َف َل ْم َي ْق َب ْله ِمنْه َفإِن ََّما بِ ُح ْك ِم ال َّله‬
‫ف و َع َل ْينَا َر َّد»‪ ،‬تجده واضح ًا فيما قلناه‪ ،‬من أنّه ال يجوز ر ّد الحكم الذي يكون وفق‬ ‫َق ِد ْاستَخَ َّ‬
‫أن شخص ًا من ثقات أصحابهم و ّلي القضاء فحكم بحكمهم‬ ‫الموازين المعتمدة عندهم‪ ،‬فلو ّ‬
‫ولكنه لم يكن مؤمن ًا بإمامتهم على النحو الخاص لكنه كان معتقد ًا بمرجعيتهم الفكرية‪ ،‬من‬
‫أمثال السكوني وطلحة بن زيد‪ ..‬وغيرهما‪ ،‬فهذا يجب تنفيذ حكمه وال يجوز ر ّده‪ ،‬والراد له‬
‫راد لحكمهم‪ .‬قال السيد الخوئي تعليق ًا على المقبولة ورواية أبي خديجة اآلتية‪« :‬على أنهما‬
‫دلتا على اعتبار كون القاضي من الشيعة نظر ًا إلى ّ‬
‫أن غير الشيعة ال يروي عنهم ‪ ‬وإنما‬
‫وعمن اعتنق به في عقيدته‪ ،‬أو لو روى عنهم لم يكن يحكم‬
‫يروي عن المفتين في مذهبه ّ‬
‫بحكمهم وال أنه عارف بأحكامهم وقضاياهم عادة‪ ،‬ال أن ذلك حكم تعبدي صدر عنهم ‪‬‬
‫وعلى الجملة‪ّ ،‬‬
‫إن اعتبار االيمان في الروايتين من جهة أن الموضوع للحكم بالحجية فيهما‬
‫هو ما إذا حكم الحاكم بحكمهم ألنه ا َّلذي جعله ‪ ‬حاكم ًا على الناس‪ ،‬وغير االثني عشري‬
‫إنما يحكمون بأحكام أنفسهم ال بحكمهم ‪ ‬فإذا فرضنا في مورد أن المفتي من غير الشيعة‬
‫َّإل أنه يحكم بحكمهم لعرفانه بأحكامهم وقضاياهم كما هو مفروض الكالم لم يكن وجه‬
‫ألن تشمله الروايتان»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬ما رواه المشايخ الثالثة باإلسناد إلى أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال‬
‫قال‪:‬قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ‪« :‬إياكم أن يحاكم بعضكم بعض ًا إلى أهل‬
‫الجور‪ ،‬ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئ ًا من قضايانا (قضائنا) فاجعلوه بينكم‪ ،‬فإنّي قد‬
‫جعلته قاضي ًا فتحاكموا إليه»(((‪.‬‬
‫وهذه الرواية يمكن االعتراض عليها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف السند‪ّ ،‬‬
‫فإن الرواية مع كونها معروفة بالمشهورة‪ ،‬لكنها قد تضعف سند ًا‪.‬‬
‫والتحقيق في ذلك أنّه ليس في السند من يستشكل فيه إال ثالثة أسماء‪:‬‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .3‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .219‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.412‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪368‬‬
‫‪--1‬سالم بن مكرم‪ ،‬فقد ض ّعفه الشيخ في الفهرست(((‪ ،‬ولكن النجاشي وثقه فقال‪« :‬ثقة‬
‫ثقة»(((‪ ،‬ولكن السيد الخوئي قال‪« :‬والصحيح أن يقال‪ :‬إن تضعيف الشيخ ال يمكن‬
‫األخذ به في نفسه في المقام‪ ،‬فشهادة النجاشي‪ ،‬وعلي بن الحسن بال معارض‪ .‬بيان‬
‫ذلك‪ :‬أن سالم بن أبي سلمة المتقدم قد عرفت قول النجاشي فيه أن حديثه ليس بالنقي‬
‫وأن ابن الغضائري ضعفه‪ ،‬وقد ذكر النجاشي أن له كتاب ًا أخبرنا به عدة من أصحابنا‬
‫بالسند المتقدم في ترجمته‪ ،‬ومع ذلك لم يتعرض له الشيخ حتى في رجاله‪ ،‬مع أن‬
‫موضوعه أعم مما في الفهرست‪ ،‬أفهل يمكن أن العدة المخبرين للنجاشي بكتاب‬
‫سالم بن أبي سلمة لم يخبروا الشيخ‪ ،‬فلم يعلمه الشيخ ال بنفسه ليذكره في رجاله‪،‬‬
‫وال بكتابه ليذكره في فهرسته؟ فينحصر سر عدم تعرضه له في تخيله أنه هو سالم بن‬
‫مكرم‪ ،‬فإنه اعتقد أن مكرم ًا كنيته أبو سلمة‪ ،‬وقد تعرض له في الفهرست والرجال‪،‬‬
‫وعليه فيكون تضعيفه لسالم بن مكرم مبني ًا على أنه متحد مع سالم بن أبي سلمة الذي‬
‫مر كالم النجاشي وابن الغضائري فيه‪ ،‬وحيث إنه ‪-‬قدس سره‪ -‬أخطأ في ذلك ‪ -‬فإن‬
‫سالم بن أبي سلمة رجل آخر غير سالم بن مكرم ‪ -‬فالتضعيف ال يكون راجع ًا إلى سالم‬
‫بن مكرم الذي ليس بابن أبي سلمة‪ ،‬بل هو نفسه مكنى بأبي سلمة‪ ،‬فتوثيق النجاشي‬
‫ومدح ابن فضال يبقى بال معارض»(((‪.‬‬
‫‪--2‬معلى بن محمد‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ولكن هذا إنما يخلق مشكلة لسند الكليني والشيخ دون‬
‫فإن المع ّلى ال يقع في سنده‪.‬‬
‫سند الصدوق ّ‬
‫‪--3‬الحسن بن علي الوشا‪ ،‬وهذا ممدوح وقيل‪ :‬إنّه خ ّير‪ ،‬ومن عيون الطائفة‪ ،‬ووقع الكالم‬
‫أن السيد الخوئي و ّثقه على مسلكه في وثاقة رجال «كامل‬ ‫في إفادة ذلك للتوثيق‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن الرواية على طريق الشيخ ضعيفة لوقوع‬ ‫الزيارات»‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬على ّ‬
‫مع ّلى بن محمد في سندها وهو ضعيف وكذا على طريق الكليني‪ ،‬نعم هي على طريق‬
‫الصدوق حسنة‪ ،‬ألنّه رواها بإسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة‪ .‬وفي طريقه إلى‬
‫ابن عائذ الحسن بن علي الوشاء وهو ممدوح‪ ..‬هذا ك َّله مع قطع النظر عن وقوع معلى‬
‫بن محمد والحسن بن علي الوشاء في أسانيد كامل الزيارات‪َّ ،‬‬
‫وإل فهما موثقان بتوثيق‬

‫((( الفهرست‪ ،‬ص‪.141‬‬


‫((( رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.28‬‬
‫‪369‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ابن قولويه‪ ،‬فطريق الشيخ والكليني أيض ًا صحيح‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الرواية صحيحة ال أنّها حسنة‬
‫مر»(((‪.‬‬
‫كما ّ‬
‫صرح السيد الخوئي في المعجم بوثاقة الرجل‪ ،‬فقال‪« :‬وكيف كان فال‬ ‫وهكذا فقد ّ‬
‫ينبغي الريب في جاللة الرجل ووثاقته»(((‪.‬‬
‫ولك ّن إذا كان مستنده في التوثيق هو وروده في رجال كامل الزيارات فهذا المبنى ليس‬
‫تام ًا وقد تراجع عنه السيد الخوئي نفسه‪.‬‬
‫ولكن يمكن توثيق الوشاء استناد ًا إلى عبارة النجاشي فيه‪« :‬وكان هذا الشيخ عين ًا من‬
‫عيون هذه الطائفة»(((‪ ،‬فهذه الفقرة ال يبعد داللتها على وثاقة الشخص‪ّ ،‬‬
‫ألن الطائفة ال تجعل‬
‫الكاذب عين ًا لها‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عدم تمامية الداللة وذلك لما تقدّ م في سابقتها من المالحظتين المتقدمتين‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ارتكاز المتشرعة‬
‫وهو الوجه الذي تبناه السيد الخوئي إلثبات شرط اإلمامية والعدالة والعقل‪ ،‬وحاصله‪:‬‬
‫«أن المرتكز في أذهان المتشرعة الواصل ذلك إليهم يد ًا بيد عدم رضى الشارع بزعامة من‬
‫ّ‬
‫ال عقل له أو ال إيمان أو ال عدالة له‪ ،‬بل ال يرضى بزعامة كل من له منقصة مسقطة له عن‬
‫المكانة والوقار‪ ،‬ألن المرجعية في التقليد من أعظم المناصب اإللهية بعد الوالية‪ ،‬وكيف‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪194‬‬


‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪.40‬‬
‫(( ( قال النجاشي‪« :‬الحسن بن علي بن زياد الوشاء بجلي كوفي‪ ،‬قال أبو عمرو‪ :‬ويكنى بأبي محمد الوشاء‬
‫وهو ابن بنت الياس الصيرفي خزاز من أصحاب الرضا ‪ ‬وكان من وجوه هذه الطائفة روى عن‬
‫جده الياس ‪ .‬قال‪ :‬لما حضرته الوفاة قال لنا‪ :‬اشهدوا علي وليست ساعة الكذب هذه الساعة لسمعت‬
‫أبا عبد الله ‪ ‬يقول والله ال يموت عبد يحب الله ورسوله (والرسول) ويتولى األئمة فتمسه النار ثم‬
‫أعاد الثانية والثالثة من غير أن أسأله‪ ،‬أخبرنا بذلك علي بن أحمد عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد‬
‫ابن محمد بن عيسى عن الوشاء‪ .‬أخبرني ابن شاذان قال‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد‬
‫ابن أحمد بن محمد بن عيسى قال خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي‬
‫الوشاء فسألته أن يخرج لي (إلي) كتاب العالء بن رزين القالء وأبان بن عثمان األحمر فأخرجهما إلي‬
‫فقلت له‪ :‬أحب أن تجيزهما لي‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا رحمك الله وما عجلتك‪ ،‬اذهب فاكتبهما واسمع من‬
‫بعد‪ ،‬فقلت‪ :‬ال آمن الحدثان فقال [يقصد الوشاء]‪« :‬لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب‬
‫كل يقول‪ :‬حدثني جعفر بن محمد»‪ ،‬وكان‬ ‫الستكثرت منه فإني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ ٌّ‬
‫هذا الشيخ عين ًا من عيون هذه الطائفة»‪ ،‬انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪370‬‬
‫يرضى الشارع الحكيم أن يتصدى لمثلها‪ ..‬من ال يتد ّين بدين األئمة الكرام ويذهب إلى‬
‫مذاهب باطلة عند الشيعة المراجعين إليه‪ .‬فإن المستفاد من مذاق الشرع األنور عدم رضى‬
‫الشارع بإمامة من هو كذلك في الجماعة‪ ،‬حيث اشترط في إمام الجماعة العدالة فما ظنّك‬
‫بالزعامة العظمى ا َّلتي هي من أعظم المناصب بعد الوالية»(((‪.‬‬
‫«إن المرجع ّية في الفتاوى منصب يتلو منصب اإلمامة‪ ،‬وغير‬ ‫وقال بعض تالمذته‪ّ :‬‬
‫فإن تصدّ يه لهذا المنصب وهن‪ ،‬حيث يوهم الناس بطالن المذهب‬ ‫المؤمن ال يصلح لذلك ّ‬
‫حيث يلقي فيهم أنّه لو كان مذهبهم ح ّق ًا لما عدل عنه»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على هذا الوجه‪:‬‬
‫إن كون المرجع ّية في الفتاوى (وليس في الحكم والقضاء) منصب ًا وزعامة غير‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫صحيح إال بلحاظ الصيرورة التاريخية لحركة االجتماع الشيعي‪ ،‬فالمرجعية ‪ -‬في واقع األمر‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬مهمة ثقافية وعالقة مفت بمستفت‪ ،‬وهذا ما يستفاد من أدلتها‪ ،‬من قبيل قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾(((‪ ،‬ومما جاء في قوله ‪ّ -‬‬
‫عجل الله فرجه‪ -‬في التوقيع الشريف‪« :‬وأما‬
‫الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا‪ ،‬فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم»(((‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬عندما أعطي الفقيه صالحيات خاصة‪ ،‬وأطلق على مهمته مصطلح «مرجعية» خلق ذلك‬
‫هذا االنطباع بزعامته‪ ،‬أما لو أعيدت المسألة إلى نصابها الحقيقي فهي ال تعدو أن تكون عالقة‬
‫بمفت‪ ،‬فهي أقرب إلى االرتباط الثقافي البحت‪ ،‬نظير عالقة المريض بالطبيب‪ ،‬أال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مستفت‬
‫ترانا نرجع إلى الطبيب غير المسلم أو المهندس غير المسلم دون أن نشعر ّ‬
‫بأن له سلطة؟!‬
‫إن شخص ًا يريد االستفتاء عن حكم جزئي‬‫ثم دعنا نفرض الكالم في حالة خاصة بحيث ّ‬ ‫ّ‬
‫وال يريد تقليده في كل شيء‪ ،‬بنا ًء على مشروعية التبعيض في التقليد‪ ،‬فأين السلطة في ذلك؟‬
‫على أنه ربما قيل‪ :‬ما الفرق بين أخذ الفتوى منه أو أخذ الرواية فكما ّ‬
‫أن الثاني ال يمثل سلطة‬
‫كذلك األول؟!‬
‫وال يوجد في النصوص ما يشير إلى سلطة أو مرجعية معينة في اإلفتاء‪ ،‬وأعتقد ّ‬
‫أن‬
‫الذي أعطى المرجع ّية مع مرور الوقت هذا البعد الزعامي‪ ،‬هو ّ‬
‫أن ابتعاد الشيعة عن موقع‬

‫((( موسوعة السيد الخوئي ‪ /‬التقليد‪ ،‬ص ‪.185‬‬


‫((( تنقيح مباني العروة للشيخ التبريزي (االجتهاد والتقليد والطهارة)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.58‬‬
‫(( ( سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪ ،43‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬
‫(( ( كمال الدين وإتمام النعمة‪ ،‬ص ‪.484‬‬
‫‪371‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السلطة في أجواء من المظلوم ّية التاريخية على خلف ّية مذهبية حادة‪ ،‬جعل الجماعة الشيع ّية‬
‫ال ووجه ًا ومالذ ًا ترجع إليه وتستشيره في الكثير من أمورها‪،‬‬ ‫تجد في المفتي والفقيه موئ ً‬
‫فهو نتيجة هذا الواقع يحتل موقع ًا مهم ًا في الذهن الشيعي كونه رمز الجماعة المؤمنة‪ ،‬هذا‬
‫من جهة ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد تداخلت في الذهن الشيعي العام عدّ ة مهام يتوالها الفقيه‪،‬‬
‫وهذا التداخل أنتج هذا التصور لمسألة اإلفتاء باعتبارها زعامة وسلطة‪ ،‬وبيان ذلك ّ‬
‫أن الفقيه‬
‫‪-‬وبصرف النظر عن وظيفته في اإلفتاء‪ -‬هو الحاكم الشرعي وصاحب الوالية ولو في حدود‬
‫معينة‪ ،‬وهو القاضي وهو الذي تجبى إليه األموال الشرعية‪ ،‬ويتولى توزيعها على مستحقيها‪،‬‬
‫ونتيجة كونه حاكم ًا فهو قد يصدر فتوى الجهاد‪ ،‬ويتولى تحديد بدايات الشهور‪ ،‬بنا ًء على‬
‫إن اجتماع هذه المهام في شخص الفقيه أعطاه في الذهن المتشرعي مثل هذه‬ ‫رأي مشهور‪ّ .‬‬
‫أن هذه المهام والمناصب يمكن التفكيك بينها بطبيعة الحال وليس‬ ‫الهالة السلطوية‪ ،‬مع ّ‬
‫بالضروري أن يتواله كل فقيه‪ ،‬فالكثير منها هي من مهام الحاكم الشرعي‪ ،‬حتى لو قلنا بشرط‬
‫الفقاهة في الحاكم‪ ،‬وبكلمة‪ :‬هي من مهام الفقيه الحاكم‪ ،‬ال الفقيه المفتي‪.‬‬
‫ثم مع التسليم بوجود هذا االرتكاز المتشرعي بلحاظ اإلفتاء‪ ،‬فإنّه يمكن أن نسجل‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫أن ارتكاز المتشرعة بعدم أخذ الفتوى منه إنما انطلق على خلف ّية‬ ‫مالحظة أخرى عليه وهي ّ‬
‫الجو المذهبي الحاد الذي يجعل الفقيه اآلخر ال يؤمن بمدرسة أهل البيت ‪ ،‬وال يفتي‬
‫على طبق مبانيها‪ .‬وال يعلم وجود مثل هذا االرتكاز مع كون الفقيه آخذ ًا بمباني مدرسة أهل‬
‫البيت ‪ ‬في عملية اإلفتاء‪ .‬هذا على فرض إحراز امتداد هذا االرتكاز إلى زمان األئمة ‪،‬‬
‫وهو غير واضح بشكل كلي‪ ،‬كما قد يشير إليه رجوع الشيعة إلى رواة السنة واألخذ برواياتهم‬
‫التي رووها عن األئمة ‪ ‬أو األخذ بروايات الشيعة غير اإلمامية كالواقفية والفطحية‪ ،‬على‬
‫قاعدة‪« :‬خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»(((‪.‬‬
‫يتصور أو يتخ َّيل بلحاظ الواقع المشحون مذهبي ًا والذي تعيشه‬
‫ّ‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إن التوهين إنّما‬
‫جو معافى ومع كون الفقيه يملك رحابة وانفتاح ًا على سائر المذاهب‬ ‫األمة‪ ،‬وأ ّما في ٍ‬

‫((( هذا مما نقله الشيخ الحسين بن روح ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عن اإلمام العسكري ‪ ،‬فإنّه لما ُسئل عن‬
‫كتب ابن أبي العزاقر بعدما ُذ َّم وخرجت فيه اللعنة‪ ،‬فقيل له‪ :‬فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها مالء؟‬
‫فقال‪ :‬أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي ‪-‬صلوات الله عليهما‪ -‬وقد سئل عن كتب بني‬
‫فضال‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها مالء؟ فقال ‪-‬صلوات الله عليه‪« :-‬خذوا بما رووا‬
‫وذروا ما رأوا»‪ .‬الغيبة‪ ،‬للشيخ الطوسي‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪372‬‬
‫اإلسالمية ودراسة ألصولها فال يحصل الوهن المشار إليه‪ّ .‬‬
‫إن افتراض وجود مرجع ّية عابرة‬
‫للمذاهب واالنقسامات المذهبية يمنع من تحقق الوهن المشار إليه‪.‬‬
‫وجوه أخرى‬
‫ال لألمانة‪ ،‬فليس يحصل‬ ‫بأن غير اإلمامي ليس مح ً‬ ‫«وقد استدل بعضهم على ذلك ّ‬
‫وألن فتواه بحسب مذهبه أنّه حكم بغير ما أنزل ال َّله فهو غير عالم بها‪ ،‬وألنه‬
‫ّ‬ ‫الوثوق بفتواه‪،‬‬
‫فاسق ظالم‪ ،‬والفاسق ال ُيقبل قوله‪ ،‬لوجوب التثبت فيه‪ .‬والظالم ال يركن إليه لقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾(((‪ ،‬والعمل بفتواه ركون إليه‪ .‬ولقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳉ ﱮ ﱷ‬
‫ﳉ ﱤ ﱥ ﱦ ﴾(((‪ ،‬واإلفتاء نوع من السبيل عليه‪ ،‬خصوص ًا إذا أعملها في الرئاسة‪.‬‬
‫ولهتك حرمة المذهب بالرجوع لغير أهله في مسائله»(((‪.‬‬
‫وهذا االستدالل يرجع إلى عدة وجوه‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬ولكنها محل تأمل وإشكال‬
‫بأجمعها‪:‬‬
‫‪--1‬أ ّما ّ‬
‫إن «غير اإلمامي ليس مح ً‬
‫ال لألمانة فال يحصل الوثوق بفتواه»‪ ،‬فهو خروج عن‬
‫ّ‬
‫فمحل الكالم في الفقيه المأمون على‬ ‫محل الكالم‪ ،‬وليس صحيح ًا على إطالقه‪،‬‬
‫الفتوى طبق الضوابط والحجج الشرعية‪.‬‬
‫‪--2‬وأ ّما إنّه «فاسق ظالم» فهذا قد عرفت ضعفه فيما سبق‪ ،‬فالحكم بفسقه إنما يصح في‬
‫المقصر غير القاطع‪ ،‬دون العالم المقتنع بما هو عليه‪ .‬هذا‬
‫ّ‬ ‫العالم الجاحد أو الجاهل‬
‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنّه حتى لو قيل بفسقه‪ ،‬فمانعية الفسق بعنوانه عن تقليد‬
‫المفتي هي محل بحث‪ ،‬وإن كان هو المشهور والمتسالم عليه(((‪.‬‬
‫إن اإلفتاء نوع من السبيل المنفي‪ ،‬فهو استدالل غريب‪ ،‬وممنوع ّ‬
‫ألن السبيل المنفي‬ ‫‪--3‬وأ ّما ّ‬
‫هو أن يكون للكافر سبيل على المسلم‪ ،‬وكالمنا ليس في الكافر بل في المسلم‪ ،‬والحكم‬
‫بكفر من لم يكن موالي ًا ألهل البيت ‪ ‬مرفوض كما أسلفنا‪ ،‬على أنّه تمكن المناقشة في‬
‫أن اإلفتاء ليس سلطة‪ ،‬وارتباط المق ّلد بالمرجع هو عبارة‬
‫مر من ّ‬
‫كون اإلفتاء سبيالً‪ ،‬لما ّ‬

‫(( ( سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.113‬‬


‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.141‬‬
‫(( ( النور الساطع في الفقه النافع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.202‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.43 - 24‬‬
‫‪373‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن رجوع المريض المسلم إلى‬ ‫عن حالة ثقاف ّية يرجع فيها الجاهل إلى العالم‪ ،‬فكما ّ‬
‫الطبيب الكافر ال يجعل للكافر سبي ً‬
‫ال على المسلم‪ ،‬مع أنّه يعمل بمشورته وإرشاداته‪،‬‬
‫فإن رجوعنا إلى المفتي غير اإلمامي المأمون على الفتيا ال يمنحه سلطة وال‬‫كذلك ّ‬
‫يعطيه سبيالً‪ ،‬وإنّما السبيل هو للفتوى ال للمفتي‪ ،‬والمفروض ّ‬
‫أن الفتوى على طبق‬
‫الموازين‪ ،‬أجل السبيل موجود في القضاء بشكل واضح‪.‬‬
‫‪--4‬وأما قوله بأن ذلك يلزم منه الهتك أو التوهين فقد عرفت ما فيه في التعليق على الوجه‬
‫السابق‪.‬‬
‫‪--5‬وأما أن فيه ركون ًا إليه‪ ،‬والركون إلى الظالم منهي عنه‪ ،‬فهذا وجه قد أوضحنا أنه ال‬
‫يصلح لالستدالل في مبحث الصالة خلف اآلخر المسلم‪ ،‬فراجع‪.‬‬
‫إن الرجوع إلى الفقيه المستجمع للشرائط المعتبرة ومنها أن يفتي‬ ‫وقصارى القول‪ّ :‬‬
‫وفق مذهب المستفتي ال بأس فيه وال دليل يمنع منه‪ .‬ولك ْن يبدو أن المسألة غير واقعية‪ ،‬ألن‬
‫التعقيدات المذهبية التي تفتك بالواقع اإلسالمي تحول دون مثل هذا الرجوع‪ ،‬وتجعل توفر‬
‫فقيه مؤتمن على الفتيا على طبق المذهب اآلخر أمر ًا في غاية الصعوبة والندرة‪.‬‬
‫المحور الرابع‬

‫�شرط الإمامية في م�صرفي الزكاة والهدي‬

‫في هذا المحور الرابع‪ ،‬نبحث في بعض الفتاوى التي تنفي المسؤولية الشرعية تجاه‬
‫الفقراء من الطوائف اإلسالمية األخرى‪ ،‬ألن واليتهم ألهل البيت ‪ ‬شرط في استحقاقهم‬
‫للحقوق المالية‪ ،‬ويندرج في هذا المحور عنوانان‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬شرط اإلمامية في مستحق الزكاة‬
‫‪--1‬أقوال الفقهاء عرض وتقييم‪.‬‬
‫‪--2‬أدلة القول باشتراط اإلمامية‪.‬‬
‫‪--3‬الرأي اآلخر في المسألة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬شرط اإلمامية في مصرف الهدي‬
‫الف�صل الأول‬

‫�شرط الإمامية في م�صرف الزكاة‬

‫أن المستحقين للزكاة (زكاة المال‬ ‫المعروف بين فقهاء الشيعة‪ ،‬بل ادعي عليه اإلجماع‪ّ ،‬‬
‫وزكاة الفطرة) ال بد أن يتصفوا بوصف اإليمان‪ ،‬وإال فال يعطون منها شيئ ًا‪ ،‬والمراد باإليمان‪:‬‬
‫معناه الخاص أي أن يكون إمامي ًا‪.‬‬
‫تم‪ ،‬كما استثنوا من شرط‬
‫هذا وربما يقال باستثناء المؤلفة قلوبهم من هذا الشرط‪ ،‬لو ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فالمؤلفة قلوبهم يعطون ولو كانوا غير مؤمنين كما يعطون لو كانوا غير مسلمين‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن هؤالء إنما تؤلف قلوبهم‪ ،‬إ ّما ألنّهم ضعيفو اإليمان والتدين‪ ،‬أو ألنهم من الكفار الذين‬
‫يرجى بإعطائهم الزكاة استمالتهم إلى اإلسالم(((‪.‬‬
‫ولكن ربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن تأليف القلوب إنما هو لغير المسلمين الذين يعطون لترغيبهم في‬
‫اإلسالم‪ ،‬وال مجال له داخل الدائرة اإلسالمية بتنوعاتها المذهبية‪ ،‬والمسألة تحتاج إلى مزيد‬
‫بحث وتحقيق‪ ،‬ليس هذا مجاله‪.‬‬

‫((( هذا ولك ّن للخليفة الثاني رأي ًا آخر في المسألة‪ ،‬فقد ألغى سهم المؤلفة قلوبهم‪ ،‬بحجة أنهم كانوا‬
‫يعطون عندما كان اإلسالم ضعيف ًا‪ ،‬وكانت هناك حاجة للتودد إليهم واستمالتهم‪ ،‬ليأمن المسلمون‬
‫شرهم‪ ،‬أ ّما بعد أن قوي اإلسالم واشتد عوده فال معنى لتأليف أحد‪ ،‬ولذا ألغى سهم المؤلفة قلوبهم‪،‬‬
‫ألن القوي يحتاج أحيان ًا إلى أن يؤلف نفوس البعض‪ ،‬والتشريع اإلسالمي‬‫وهذا اجتهاد غير صحيح‪ّ ،‬‬
‫بحسب الظاهر أراد من إعطاء هؤالء أن يحقق أحد غرضين‪ :‬أن يأمن شرهم أو أن يستميلهم إلى‬
‫ألن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها‪ ،‬واستمالتهم إلى اإلسالم ال يفرق فيها بين ما‬ ‫اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫لو كان اإلسالم قوي ًا أو ضعيف ًا‪ ،‬ولهذا فال مجال للموافقة على هذا االجتهاد‪ ،‬ألنه من أجلى مصاديق‬
‫االجتهاد في مقابل النص‪ ،‬وبعض علماء الشيعة ‪-‬رحمه الله‪ -‬قال بمثل هذا الرأي‪ ،‬واستشكل في‬
‫زماننا هذا في بقاء العمل بسهم المؤلفة قلوبهم‪ .‬انظر‪ :‬قضايا إسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،5‬ص ‪ .8‬وإذا كان نظره‬
‫أن السهم المذكور موكول إلى السلطة الشرعية فلكالمه وجه‪.‬‬ ‫إلى ّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪378‬‬
‫وشرط اإلمامية بالمعنى المذكور انسحب على مصرف الهدي في الحج‪ ،‬فقد أفتى‬
‫الفقهاء بأنّه ال يعطى لغير المؤمن الشيعي‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫وبحث المسألة سيتم من خالل المراحل التالية‪:‬‬
‫‪--1‬أقوال الفقهاء عرض وتقييم‪.‬‬
‫‪--2‬أدلة القول باشتراط اإلمامية‪.‬‬
‫‪--3‬الرأي اآلخر في المسألة‪.‬‬

‫المرحلة الأولى‪� :‬أقوال الفقهاء عر�ض وتقييم‬


‫أن لهذا الشرط حضور ًا واسع ًا فيها‪ ،‬بحيث‬
‫إن المتتبع لكلمات فقهاء اإلمامية يجد ّ‬
‫ال يجانب الصواب من قال إنه شرط إجماعي أو شبه إجماعي‪ ،‬وفيما يلي نعرض لبعض‬
‫كلمات األعالم في المسألة مع إعطاء تقييم إجمالي لها‪:‬‬
‫‪--1‬من كلماتهم‬
‫قال الصدوق‪« :‬ال يجوز أن تعطي زكاة مالك غير أهل الوالية»(((‪.‬‬
‫وقال السيد المرتضى‪« :‬ومما انفردت به اإلمامية‪ :‬القول بأن الزكاة ال تجزئ إال إذا‬
‫انصرفت إلى إمامي وال تسقط عن الذمة بدفعها إلى مخالف‪ .‬والحجة في ذلك‪ :‬مضاف ًا إلى‬
‫اإلجماع أن الدليل قد دل على أن خالف اإلمامية في أصولهم كفر وجار مجرى الردة‪ ،‬وال‬
‫خالف بين المسلمين في أن المرتد ال تخرج إليه الزكاة»(((‪.‬‬
‫وقال الشيخ في النهاية‪« :‬والذين ُي َف َّر ُق فيهم الزكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصفات‬
‫التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحق معتقدين له فإن لم يكونوا كذلك‪ ،‬فال يجوز أن يعطوا‬
‫الزكاة‪ .‬فمن أعطى زكاته لمن ال يعرف الحق‪ ،‬لم يجزئه‪ ،‬وكان عليه اإلعادة»(((‪.‬‬
‫قال المحقق الحلي في بيان أوصاف المستحقين‪« :‬األول‪ :‬اإليمان فال يعطي كافر ًا وال‬
‫معتقد ًا لغير الحق‪ ،‬ومع عدم المؤمنين‪ ،‬يجوز صرف الفطرة خاصة إلى المستضعف»(((‪.‬‬

‫المقنع‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫((( ‬


‫االنتصار‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫(( (‬
‫النهاية‪ ،‬ص ‪.185‬‬ ‫((( ‬
‫ج ‪ ،1‬ص ‪.350‬‬ ‫ص ‪ .123‬والحظ‪ :‬المعتبر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .579‬وقواعد األحكام‪،‬‬ ‫شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪،1‬‬ ‫(( (‬
‫والبيان للشهيد األول‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪379‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وقال في الجواهر تعليق ًا على عبارة صاحب الشرايع (وال لمن يعتقد خالف الحق‬
‫من فرق المسلمين)‪« :‬بال خالف أجده فيه بيننا‪ ،‬بل اإلجماع بقسميه عليه‪ ،‬بل المحكي منه‬
‫متواتر كالنصوص خصوص ًا في المخالفين»(((‪.‬‬
‫وقال الشهيد الثاني حول إخراج سهمي المؤلفة قلوبهم وسبيل الله من الوصف‬
‫المذكور‪« :‬إنّما يشترط اإليمان في بعض األصناف ال جميعهم ّ‬
‫فإن المؤلفة وبعض‬
‫أفراد سبيل الله ال يعتبر فيهما ذلك‪ .‬ولعله أطلقه لوضوح الحال فيه وسبق البحث‬
‫عنه‪ .‬والمراد باإليمان هنا معناه األخص وهو اإلسالم‪ ،‬والوالية لألئمة االثني‬
‫عشر ‪.(((»‬‬
‫وقال السيد اليزدي وهو يب ّين شروط المستحقين للزكاة‪« :‬اإليمان‪ ،‬فال يعطى للكافر‬
‫بجميع أقسامه‪ ،‬وال لمن يعتقد خالف الحق من فرق المسلمين حتى المستضعفين منهم‬
‫إال من سهم المؤلفة قلوبهم وسهم سبيل الله في الجملة‪ ،‬ومع عدم وجود المؤمن والمؤلفة‬
‫وسبيل الله يحفظ إلى حال التمكن»(((‪.‬‬
‫ونكتفي بهذا القدر من كلمات الفقهاء‪ ،‬وهي كما ترى مطبقة على شرط اإلمامية‪.‬‬
‫‪--2‬تقييم وتعليق‬
‫وفي التعليق على الكلمات المتقدمة نسجل بعض الوقفات‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ما استدل به السيد المرتضى لرأيه من كفر غير اإلمامية ‪ -‬لو حمل على ظاهره ‪-‬‬
‫هو رأي شاذ ومرفوض‪ ،‬وهو مخالف لمشهور فقهاء الطائفة‪ ،‬ولما د ّلت عليه روايات األئمة‬
‫من أهل البيت ‪ ‬وسيرتهم العملية‪ ،‬كما أوضحنا ذلك في الباب األول‪.‬‬
‫إن من يعتقد خالف الحق في نظر الفقهاء شامل ألتباع المذاهب اإلسالمية كافة‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫ما عدا أتباع مذهب أهل البيت ‪ ،‬ويدخل فيه باإلضافة إلى المذاهب السنية‪ ،‬المذاهب التي‬
‫تنتسب إلى التشيع‪ ،‬لكنها ليست اثني عشرية‪ ،‬كاإلسماعيلية والزيدية‪ ،‬أو غيرها من المذاهب‬
‫التي انقرضت‪ ،‬كالواقفية والفطحية وغير ذلك‪ ،‬فكل هؤالء يخرجون بشرط اإليمان فال‬
‫يعطون من الزكاة‪.‬‬

‫(( ( جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.378‬‬


‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.421‬‬
‫((( العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.124‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪380‬‬
‫إجماعي كما قال في الجواهر‪ .‬ولكن يلوح من أبي‬
‫ّ‬ ‫بأن الشرط المذكور‬‫ادعي ّ‬
‫ّ‬ ‫ثالث ًا‪ :‬لقد‬
‫أن شرط اإلمامية معتبر فيما إذا لم يكن هناك دولة عادلة تتولى‬ ‫الصالح الحلبي (ت‪447‬هـ) ّ‬
‫األمر‪ ،‬وكان المتولي لصرف الزكاة هو المالك نفسه‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬يجب على كل‬
‫من تع ّين عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى‬
‫سلطان اإلسالم المنصوب من قبله سبحانه‪ ،‬أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه‬
‫فإن تعذر األمران فإلى الفقيه المأمون‪ ،‬فإن تعذر‪ ،‬أو آثر المكلف تولى ذلك نفسه‪،‬‬ ‫مواضعه‪ْ ،‬‬
‫فإن قوله‪« :‬فمستحق الزكاة‬ ‫فمستحق الزكاة والفطرة الفقير المؤمن العدل دون من عداه»(((‪ّ .‬‬
‫والفطرة الفقير المؤمن» راجع ‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬إلى الفرض األخير في كالمه أي إلى بيان‬
‫تكليف الفرد في صورة عدم وجود اإلمام ونائبه الخاص ونائبه العام (الفقيه)‪ ،‬ما يعني أنّه‬
‫يرى شرط ّية اإليمان فيما إذا كان الفرد هو المتولي لتوزيع الزكاة‪ .‬وإذا كان ما احتملناه في‬
‫ال بالتفصيل بين وظيفة الفرد ووظيفة الدولة‪ ،‬وهي التفاتة‬ ‫كالمه صحيح ًا فيكون الحلبي قائ ً‬
‫أن سائر الفقهاء الذين ذكروا‬ ‫رائعة‪ ،‬وهذا ما سيأتي أنّه األقرب في المسألة‪ ،‬ومن المحتمل ّ‬
‫شرط اإلمامية ناظرين إلى ما ذكرناه‪ ،‬أي إلى وظيفة األفراد‪ ،‬وال أقل من أنه ال يحرز نظرهم‬
‫إلى صورة وجود السلطة العادلة‪.‬‬
‫إن نظره إلى أمر آخر‪ ،‬حتى مع رجوع الفقرة المذكورة إلى صورة‬ ‫ولك ْن يمكن القول‪ّ :‬‬
‫ما لو كان المكلف هو المتولي لتوزيع الزكاة‪ ،‬فقد يقال‪ :‬إنها ال تدل على أنّه يقصد إذا كان‬
‫المتولي لألمر هو الفقيه فله أن يوزع على غير اإلمامي‪ ،‬وإنما يحتمل نظره إلى أمر آخر‪ ،‬وهو‬
‫البسط على األصناف‪ ،‬فإذا كان المتولي للتوزيع هو المكلف فال يتعين البسط وإنما يعطيه‬
‫للمؤمن العادل‪ ،‬وأما إذا كان المتولي هو اإلمام أو نائبه فعليه البسط على كافة األصناف‬
‫الموجودين‪ .‬ولذا قال عن تكليف اإلمام أو نائبه‪« :‬ليضعه مواضعه» مستخدم ًا صيغة الجمع‪.‬‬
‫‪--3‬غياب الرؤية االجتماعية السياسية عن المنهج االستنباطي‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى ّ‬
‫أن المنهج الفقهي السائد لم يلحظ البعد السياسي االجتماعي‬
‫للتشريع‪ ،‬ولم يأخذ ذلك بعين االعتبار في الممارسة االستنباطية التي تستنطق النصوص‪،‬‬
‫فكانت النتيجة الطبيعية لذلك هو ابتناء الفقه على الرؤية الفردية وغياب المقاربات ذات‬
‫البعد السياسي واالجتماعي‪ ،‬ومرد ذلك االنكماش إلى االبتعاد القسري للفقه اإلمامي‬

‫(( ( الكافي في الفقه‪ ،‬ص‪.172‬‬


‫‪381‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫السياسي عن موقع التطبيق والتداول‪ .‬ومن هنا فإننا بحاجة إلى درس مسألة مصارف الزكاة‬
‫من زاوية الفقه االجتماعي والسياسي‪ ،‬أعني على ضوء فقه الدولة‪ ،‬وليس من زاوية الفقه‬
‫الفردي فحسب‪ .‬فعندما نأخذ بالحسبان وصول اإلسالم إلى الحكم ويكون في الدولة‬
‫شرائح مذهبية مختلفة‪ ،‬فهل يعقل أن يكون اإلمام ‪ ‬أو الحاكم الشرعي العادل مكلف ًا‬
‫بإعطاء الزكاة لخصوص الجماعة الذين يلتقون معه في المذهب والحال أنه يجبيها من‬
‫الجميع؟! أليس الحاكم مسؤوالً عن أتباع بقية المذاهب اإلسالمية بل وأتباع بقية األديان‬
‫أيض ًا التي أقرها اإلسالم وهي تدين له بالطاعة؟ بالطبع هو مسؤول عن كل المواطنين الذين‬
‫ينضوون تحت سلطته‪ ،‬كما سيأتي التنصيص على ذلك من األئمة ‪ ‬فيما ورد من أخبار‪.‬‬
‫والبعد اآلخر الذي نشعر بغيابه عن عمليات االستنباط الفقهي‪ ،‬ومنها ما نحن فيه‪،‬‬
‫هو البعد المقاصدي للتشريع‪ ،‬مع ّ‬
‫أن أخذ هذا البعد من األهم ّية بمكان‪ ،‬وذلك إما باعتباره‬
‫ناظم ًا لعملية االستنباط‪ ،‬أو ‪ -‬على األقل ‪ -‬باعتباره موجه ًا لحركة األحكام التدبيرية‪ ،‬كما‬
‫أوضحنا ذلك في مجال آخر(((‪ ،‬ومما يؤكد أهم ّية أخذ هذا البعد بالحسبان فيما نحن فيه‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫المقام ليس من الحقول العبادية المبن ّية على التوقف التام‪ ،‬ما يسمح بأخذ الرؤية المقاصدية‬
‫والفلسفة العامة للزكاة وغيرها من الضرائب المالية بنظر االعتبار في عملية االستنباط‪.‬‬
‫ولهذا سوف يالحظ القارئ أننا ال ندرس مسألة شرط اإلمامية في مصرف الزكاة على‬
‫ضوء النصوص الخاصة الواردة في المسألة فحسب‪ ،‬بل ندرسها على ضوء الفقه السياسي‬
‫في اإلسالم وكذلك على ضوء البعد المقاصدي للتشريع والفلسفة العامة للضرائب المالية‬
‫في اإلسالم‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪� :‬أدلة القول با�شتراط الإمامية‬


‫في هذه المرحلة نطل على استعراض أدلة المشهور القائلين بشرط اإلمامية في مصرف‬
‫الزكاة‪ ،‬ونحاول دراسة أدلتهم دراسة نقدية تتحرى الموضوعية والوصول إلى الحقيقة‪.‬‬
‫‪--1‬القاعدة العامة‬
‫ونرى من الضروري في مستهل الكالم في هذه المرحلة أن نتطرق إلى القاعدة العامة‬
‫في المسألة‪ ،‬فهل لدينا عموم أو إطالق لفظي يدل على ّ‬
‫أن الزكاة هي لكل مسلم وربما غيره‪،‬‬

‫((( الشريعة تواكب الحياة‪ ،‬ص‪ 174‬وما بعدها‪.‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪382‬‬
‫بحيث يشكل ذلك مرجع ًا عند الشك أو في حال عدم نهوض دليل على التقييد أو التخصيص‬
‫بالمؤمن اإلمامي؟‬
‫والجواب‪ :‬هو باإليجاب‪ ،‬فنحن نمتلك من النصوص ما يصلح لتأسيس أصل لفظي‬
‫في المسألة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اآلية المباركة الواردة في بيان مصارف الزكاة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲑ ﲒ‬
‫ﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬
‫ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾((( فهي مطلقة ولم تحدد الهو ّية الدينية للفقراء‬
‫والمساكين‪ ،‬فيتمسك بإطالقها ما لم ينهض دليل صالح لتقييده‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وورد عنهم ‪ ‬الكثير من األحاديث الدالة بإطالقها على أن موضوع الزكاة هو‬
‫أوسع من اإلمامي‪ ،‬ففي الحديث المروي عن علي ‪ ‬في توجيهه وإرشاده لعامل الصدقة‬
‫«ول ت َْأمن ََّن َع َلي َها إِ َّل م ْن تَثِ ُق بِ ِدينِه‪ ،‬رافِق ًا بِم ِ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حول كيفية التعامل مع الحيوانات الزكوية‪َ َ :‬‬
‫وأ ِمين ًا‬
‫َاصح ًا َش ِفيق ًا َ‬
‫ول تُوك ِّْل بِها إِ َّل ن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬حتَّى ُي َو ِّص َله إِ َلى َول ِّي ِه ْم َف َي ْقس َمه َب ْين َُه ْم‪َ َ ،‬‬
‫ِِ‬
‫ا ْل ُم ْسلم َ‬
‫َح ِفيظ ًا»(((‪ .‬فقد اعتبر ‪ ‬أن الزكاة هي مال المسلمين‪.‬‬
‫أن الزكاة هي لعموم المسلمين‬ ‫وسيأتي في طي المباحث اآلتية روايات أخرى تؤكد ّ‬
‫وربما لغيرهم أيض ًا‪ ،‬من قبيل ما سيأتي في الخبر الصحيح عن أبي عبد الله ‪« :‬إِ َّن ال َّله‬
‫اء َما َي َس ُع ُه ْم و َل ْو َعلِ َم َأ َّن َذلِ َ‬
‫ك َل َي َس ُع ُه ْم َلزَا َد ُه ْم»‪.‬‬ ‫ال األَغْنِي ِ‬
‫َ‬
‫اء فِي م ِ‬
‫َ‬
‫َفر َض لِ ْل ُف َقر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فإن السؤال الذي يطرح نفسه في المقام‪ :‬ما هو مستند الفقهاء في أخذ شرط‬ ‫وعليه‪ّ ،‬‬
‫اإليمان بمعناه األخص في مستحق الزكاة؟‬
‫‪--2‬مستند المشهور‬
‫غير خفي ّ‬
‫أن مستندهم في هذه الفتوى هو النصوص الروائية الواردة عن األئمة من أهل‬
‫البيت ‪ ،‬ونحن نستعرض هذه النصوص فيما يلي ونالحظ مدى داللتها على مدعاهم‪،‬‬
‫وهي عدّ ة مجاميع‪:‬‬
‫أن مصرف الزكاة هو المؤمن بوالية أهل البيت ‪ ‬دون‬ ‫المجموعة األولى‪ :‬ما ّ‬
‫دل على ّ‬
‫غيره‪ ،‬وما يندرج في هذه المجموعة من الروايات‪:‬‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬


‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.25‬‬
‫‪383‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة إسماعيل بن سعد األشعري عن الرضا ‪ ‬قال‪« :‬سألته عن‬
‫الزكاة هل توضع فيمن ال يعرف؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬وال زكاة الفطرة»(((‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬ال يعرف» أي ليس موالي ًا ألهل البيت ‪ ،‬وهذا مصطلح مستخدم كثير ًا في‬
‫الروايات‪ ،‬وسنالحظ في معظم الروايات اآلتية تكرر عبارة «يعرف» أو «ال يعرف»‪ ،‬في إشارة‬
‫إلى أنه يعرف الوالية أو ال يعرفها‪.‬‬
‫س َق َال‪َ :‬س َأ َل ا ْل َمدَ ِائنِ ُّي َأ َبا َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ق َال‪ :‬إِ َّن َلنَا َزكَا ًة‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة ُض َر ْي ٍ‬
‫ك َف َق َال‪ :‬إِنِّي فِي بِ َل ٍد َل ْي َس فِ َيها َأ َحدٌ‬ ‫ُخ ِر ُج َها ِم ْن َأ ْم َوالِنَا َف ِفي َم ْن ن ََض ُع َها؟ َف َق َال‪ :‬فِي َأ ْه ِل َو َل َيتِ َ‬ ‫ن ْ‬
‫ول تَدْ َف ْع َها إِ َلى َق ْو ٍم إِ ْن َد َع ْوت َُه ْم غَد ًا إِ َلى‬ ‫ث بِ َها إِ َلى َب َل ِد ِه ْم تُدْ َف ُع إِ َل ْي ِه ْم َ‬
‫ِم ْن َأ ْولِ َي ِائ َك َف َق َال‪ :‬ا ْب َع ْ‬
‫الذ ْب ُح»(((‪.‬‬‫َان وال ّله َّ‬ ‫وك وك َ‬ ‫جي ُب َ‬ ‫َأ ْم ِر َك َل ْم ُي ِ‬

‫إن دعوتهم على ما أنت عليه لم يتورعوا عن ذبحك‬ ‫بيان‪ :‬قوله‪« :‬وكان والله الذبح»‪ ،‬أي ّ‬
‫وقتلك‪ .‬وقد جاء في الوافي بدل العبارة المذكورة ما يلي‪« :‬وكان وال ّله أربح»‪ ،‬وع ّلق عليها‪:‬‬
‫أن بعثها إلى بلد األولياء أربح من إعطائها أهل البلد الذين هذا حالهم»‪ ،‬وأضاف‬ ‫«يعني ّ‬
‫الفيض الكاشاني‪« :‬وفي بعض النسخ «وكان وال ّله الذبح»‪ ،‬ولعل المراد به أنّك إن أعطيت‬
‫أهل البلد لم تجد من يعينك‪ ،‬وفي ذلك القتل بأيدي األعداء إن ظهر أمرك»(((‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬مكاتبة علي بن بالل الصحيحة‪ ،‬قال‪« :‬كتبت إليه أسأله‪ :‬هل يجوز أن‬
‫أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب‪ :‬ال تعط الصدقة والزكاة إال‬
‫ألصحابك»(((‪.‬‬
‫والرواية مضمرة‪ ،‬ولم يذكر فيها اسم المسؤول‪ ،‬فربما كان شخص ًا غير اإلمام ‪ ،‬لكن‬
‫األردبيلي استظهر أنّه اإلمام ‪ ،‬قال‪« :‬والظاهر أنه عن اإلمام ‪.(((»‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .547‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .22‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .52‬وعنه‬ ‫ (‬
‫((‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،221‬الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 5‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .555‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‪ ،222‬الحديث ‪ 3‬من الباب ‪ 5‬من أبواب‬ ‫(( (‬
‫المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫الوافي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.188‬‬ ‫(( (‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .53‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،222‬الحديث ‪ 4‬من الباب ‪ 5‬من أبواب‬ ‫((( ‬
‫المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.152‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪384‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬خبر عمر بن يزيد‪« ،‬سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية؟ فقال‪:‬‬
‫ال تصدّ ق عليهم بشيء‪ ،‬وال تسقهم من الماء إن استطعت‪ ،‬وقال‪ :‬الزيدية هم النصاب»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على الرواية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف السند(((‪ ،‬وهي كسابقتها مضمرة‪ ،‬وال يحصل لنا الوثوق بكون المسؤول‬
‫هو اإلمام ‪ .‬هذا ولكن الغريب أن األردبيلي مع أنّه في موضع قال‪« :‬وفي الطريق‪ ،‬محمد‬
‫ابن عمر‪ ،‬المشترك‪ ،‬مع اإلضمار»(((‪ ،‬نجده في موضع آخر وصف الرواية بالصحيحة(((‪.‬‬
‫أن الصدقة فيها ناظرة إلى الصدقة المستحبة أو شاملة لها‪ ،‬بقرينة «وال‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الظاهر ّ‬
‫ألن الصدقة المستحبة‬‫تسقهم من الماء إن استطعت»‪ ،‬وعليه‪ ،‬فال يسعنا إال ر ّد هذا الحديث‪ّ ،‬‬
‫جائزة لكل محتاج ولو لم يكن مسلم ًا وال مؤمن ًا‪ ،‬فما تضمنه الخبر من النهي حتى عن تقديم‬
‫مما ال يمكن التصديق بصدوره عنهم ‪ ،‬بل هو «مناف لما هو المعروف من‬ ‫الماء لهم ّ‬
‫معاملة المعصومين مع أعدائهم‪ ،‬بل مع معاملة النبي (ص) مع الكفار‪ ،‬و مناف مع اآلية‬
‫الشريفة ﴿ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ  ‪ (((﴾ ..‬فال بد من ر ّد العلم بها إلى أهله»(((‪ .‬فالحديث مردود‬
‫لمنافاته للمعروف من سيرتهم ‪ ،‬أما منافاته للكتاب‪ ،‬ألنه ‪-‬أعني الكتاب‪ -‬أمر ِّ‬
‫بالبر إلى‬
‫كل من لم يكن محارب ًا‪ .‬وأما منافاته لسيرتهم ‪ ،‬فألن ما ورد عنهم هو خالف ذلك‪ ،‬ففي‬
‫وصية اإلمام علي ‪ ‬البنه الحسن ‪ ‬أكّد عليه أن يطعموا قاتله ويسقوه(((‪.‬‬

‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .53‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،223‬الحديث ‪ 5‬من الباب ‪ 5‬من أبواب‬ ‫((( ‬
‫المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫قال المحقق األردبيلي‪« :‬وفي الطريق‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬المشترك‪ ،‬مع االضمار»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الفائدة‬ ‫((( ‬
‫والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .168‬وقال المجلسي‪« :‬مجهول»‪ ،‬انظر‪ :‬مالذ األخيار‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.143‬‬
‫مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.168‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص‪.272‬‬ ‫(( (‬
‫سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬ ‫((( ‬
‫جامع المدارك‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.61‬‬ ‫((( ‬
‫فقد ذكر أبو الحسن البكري في مقتل أمير المؤمنين ‪ :‬بإسناده عن لوط بن يحيى‪ ،‬عن أشياخه‪،‬‬ ‫(( (‬
‫وساق القصة إلى أن ذكر في وصاياه إلى الحسن ‪« :‬وقال له‪ :‬ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه‪،‬‬
‫وأحسن إليه وأشفق عليه‪ ،‬أال ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه‪ ،‬وقلبه يرجف خوف ًا ورعب ًا وفزع ًا‪،‬‬
‫فقال له الحسن ‪ : ‬يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟! فقال‬
‫له‪ :‬نعم يا بني نحن أهل بيت ال نزداد على الذنب إلينا إال كرم ًا وعفو ًا‪ ،‬والرحمة والشفقة من شيمتنا ال‬
‫من شيمته‪ ،‬بحقي عليك‪ ،‬فأطعمه يا بني مما تأكل‪ ،‬واسقه مما تشرب‪ ،»..‬انظر‪ :‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪=،42‬‬
‫‪385‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ثالث ًا‪ :‬وثمة أمر مريب وهو ما تضمنته الرواية حول إدراج الزيدية في النصاب‪ ،‬مع‬
‫أنّهم ال ينصبون العداء ألمير المؤمنين ‪ ‬وال لألئمة من أهل البيت ‪ ‬غاية األمر أنهم ال‬
‫أن «المراد به النصاب من‬ ‫يؤمنون بإمامة الباقر ‪ ‬ومن بعده؟! وقد احتمل بعض الفقهاء ّ‬
‫الزيدية ال الكل‪ ،‬أو أريد به معنى آخر»((( وقال المجلسي‪« :‬قيل‪ :‬المراد البتر ّية من الزيدية‪،‬‬
‫بأن النصاب هم الذين قدموا فالن ًا على علي ‪.(((»‬‬
‫لتصريحهم ‪ّ ‬‬
‫رابع ًا‪ّ :‬‬
‫إن الرواية أخص من المدعى‪ّ ،‬‬
‫ألن غاية ما تدل عليه هو منع الناصبي منها‪.‬‬
‫الرواية الخامسة‪ :‬صحيحة ابن أبي يعفور قال‪« :‬قلت ألبي عبد الله ‪ُ :‬ج ُ‬
‫علت فداك‬
‫ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال‪ :‬هي ألصحابك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬فقال‪ :‬فأعد‬
‫عليهم‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فأعد عليهم‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فأعد‬
‫السؤال (يعني المتسولين) منها شيئ ًا؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬ال والله إال التراب إال‬
‫عليهم‪ ،‬قلت‪ :‬فنعطي ّ‬
‫أن ترحمهم (تعطيهم شفقة) فإن رحمتهم فأعطهم كسرة‪ ،‬ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على‬
‫رؤوس أصابعه»(((‪.‬‬
‫وعبارة‪« :‬أومأ بيده فوضع إبهامه على رؤوس أصابعه» هي إشارة تفسير وبيان للكسرة‪،‬‬
‫فكأنّه ‪ ‬أراد إعطاءهم ما يسدّ رمقهم حتى ال يموتوا جوع ًا‪.‬‬
‫الرواية السادسة‪ :‬خبر إبراهيم األوسي عن الرضا ‪ ‬قال (أي الرضا)‪ :‬سمعت أبي (أي‬
‫(((‬ ‫الكاظم) يقول‪ :‬كنت عند أبي (أي الصادق) يوم ًا فأتاه ٌ‬
‫رجل‪ ،‬فقال‪ :‬إني رجل من أهل الري‬

‫ص ‪ .288‬ومستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪ .256‬وذكر الموفق الخوارزمي‪« :‬لما ضرب علي تلك‬ ‫= ‬
‫فإن عشت فأنا أولى بحقي‪،‬‬ ‫الضربة قال‪ :‬فما فعل ضاربي‪ ،‬أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي‪ْ ،‬‬
‫وإن مت فاضربوه وال تزيدوه»‪ ،‬انظر المناقب‪ ،‬ص ‪ .388‬ونقله في كشف الغمة في معرفة األئمة‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫ْ‬
‫ص ‪ .60‬وفي حروب أمير المؤمنين ‪ ‬نجد أنّه لم يكن يمنع أهل حربه من الماء رغم أنّهم كانوا‬
‫يمنعونه منه‪ ،‬وهذا ما جرى في صفين وغيرها‪ ،‬وفي بعض الروايات أن الذين حاصروا عثمان منعوه‬
‫الماء فقال‪« :‬أال أحد يبلغ علي ًا فيسقينا ماء‪ ،‬فبلغ ذلك علي ًا‪ ،‬فبعث إليه بثالث قرب مملوءة»‪ ،‬الثقات‬
‫البن حبان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.261‬‬
‫مجمع الفائدة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.169‬‬ ‫((( ‬
‫مالذ األخيار في فهم تهذيب األخبار‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.143‬‬ ‫(( (‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .53‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،222‬الحديث ‪ 6‬من الباب ‪ 5‬من أبواب‬ ‫(( (‬
‫المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫بيان‪ :‬الري‪ :‬منطقة تقع في جنوب طهران اليوم‪ ،‬وفيها مدفن السيد عبد العظيم الحسني المعروف‬ ‫((( ‬
‫بالشاه عبد العظيم ‪-‬رضوان الله عليه‪.-‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪386‬‬
‫ولي زكاة‪ ،‬فإلى من أدفعها؟ فقال‪ :‬إلينا‪ ،‬فقال‪ :‬أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال‪ :‬بلى‪ ،‬إذا‬
‫دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا‪ ،‬فقال‪ :‬إني ال أعرف لها أحد ًا؟ قال‪ :‬فانتظر بها سنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فإن لم أصب لها أحد ًا؟ قال‪ :‬انتظر بها سنتين‪ ،‬حتى بلغ أربع سنين‪ ،‬ثم قال له‪ :‬إن لم تصب‬ ‫ْ‬
‫لها أحد ًا فصرها صرر ًا واطرحها في البحر فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على‬
‫عدونا»(((‪.‬‬
‫وقد ر ّدها السيد الخوئي رحمه الله معترض ًا عليها بعدة وجوه‪:‬‬
‫المستحق‬
‫ّ‬ ‫أوالً‪« :‬ال يمكن العمل بها جزم ًا‪ ،‬لعدم الصغرى لها ّأوالً‪ ،‬إذ كيف يتّفق فقد‬
‫لمدّ ة أربع سنوات؟! ومع تسليم اتّفاقه‪ ،‬فلتصرف في سائر األصناف كالرقاب‪ ،‬وال ّ‬
‫أقل من‬
‫مرجو‬
‫ّ‬ ‫فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخالئق‪ ،‬بل يجب ذلك إذا لم يكن‬ ‫سهم سبيل الله‪ّ ،‬‬
‫الوجود بعد ذلك‪ ،‬ولم يتمكَّن من الصرف في سائر المصارف»‪.‬‬
‫وثاني ًا‪« :‬إنّه كيف يؤمر بالطرح في البحر‪ ،‬وهو إتالف للمال غير الجائز على ّ‬
‫كل حال؟!‬
‫بل غايته أن تودع عنده إلى أن يوجد لها مصرف‪ ،‬ال أنّها تعدم وتتلف»‪.‬‬
‫«إن السند ضعيف‪ ،‬لإلرسال‪ ،‬مضاف ًا إلى عدم توثيق ّ‬
‫محمد بن جمهور (والد)‬ ‫وثالث ًا‪ّ :‬‬
‫إبراهيم األوسي‪ ،‬فهي مخدوشة من جهات وال يمكن التعويل عليها لتنهض للمقاومة مع‬
‫صحيحة ضريس((( المتقدّ مة»(((‪.‬‬
‫أن من الممكن أن يكون نظر‬ ‫أقول‪ :‬قد يمكن التعليق على مناقشته األولى‪ ،‬لجهة ّ‬
‫السائل إلى فقد بعض األصناف وهم الفقراء‪ ،‬وهذا ليس بمستحيل وال نادر‪ ،‬فلربما لم‬
‫يوجدوا في تلك المحلة‪ ،‬لغنى أهلها‪ ،‬وربما كانوا موجودين ولكن لم يطلع عليهم‪ ،‬لذا‬
‫قد وقع الحديث في الروايات((( وفي الفتاوى((( عن حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر في‬
‫حال عدم وجود المستحق لها في بلد المكلف‪ .‬ولكن يكفي في رد الرواية المناقشتان‬
‫الثانية والثالثة‪.‬‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،223‬الحديث ‪ 8‬من الباب ‪ 5‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فإن رواية ضريس التي تقدمت بعنوان الرواية الثانية دلت على تعيين مصرفها وهو أهل الوالية‪ ،‬فال‬ ‫(( (‬
‫تصلح هذه الدالة على رميها بالبحر لمعارضتها‪.‬‬
‫موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.226 - 225‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،282‬الباب ‪ 37‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫انظر على سبيل المثال‪ :‬الخالف للشيخ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .228‬وتذكرة الفقهاء‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.341‬‬ ‫((( ‬
‫‪387‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية السابعة‪ :‬موثقة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله ‪ ‬أنهما‬
‫قاال‪« :‬الزكاة ألهل الوالية قد َب َّين الله لكم موضعها من كتابه»(((‪.‬‬
‫نصت على ّ‬
‫أن موضع الزكاة وهم الشيعة مب ّين في‬ ‫ولكن يالحظ على االستدالل بها أنّها ّ‬
‫القرآن الكريم! ولكن أين ذلك من الكتاب؟ ال وجود لمثل هذا الشرط فيه‪ ،‬فآية الزكاة وهي‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾((( مطلقة وال‬
‫تعرض فيها للهو ّية الدين ّية لمستحقي الزكاة وال سيما الفقراء والمساكين؟!‬
‫ّ‬
‫أن «الظاهر ّ‬
‫أن المراد قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬ ‫وقد ذهب بعض الفقهاء((( إلى ّ‬
‫إن الدفع إلى من ليس موالي ًا‬
‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾(((‪ .‬وكأنه أراد القول‪ّ :‬‬
‫ألهل البيت ‪ ‬هو نوع مودة له‪ ،‬واآلية نهت عن مودته‪ ،‬ألنّه ممن يحاد الله ورسوله (ص)‪.‬‬
‫ولكن يالحظ عليه‪:‬‬
‫إن دفع الزكاة ألحد ليس مواالة وال مودة له‪ ،‬وال يدور صرفها مدار المودة ألحد‪،‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫فقد تدفع الزكاة لمن تو ّده وقد تدفعها لشخص ال توده‪ ،‬كما في دفعها إلى المؤلفة قلوبهم أو‬
‫إلى بعض الفقراء ممن ال يو ّدهم الدافع‪ ،‬وإنما يدفعها امتثاالً ألمر الله تعالى‪.‬‬
‫أن دفع الزكاة هو ٍ‬
‫تول ومودة للمدفوع إليه‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن اآلية إنما نهت عن تولي من‬ ‫ثاني ًا‪ :‬س ّلمنا ّ‬
‫يحاد الله ورسوله(ص)‪ .‬ومن لم يكن موالي ًا لهم ‪ ‬ليس محاد ًا ومعادي ًا لله ولرسوله(ص)‪،‬‬
‫نعم قد ينطبق على الناصبي أنّه محا ٌد للرسول (ص) فيما لو كان عالم ًا بدعوة الرسول (ص)‬
‫إلى مودة أهل بيته ‪ ‬ومع ذلك رفض مودتهم‪.‬‬
‫وألجل ما تقدم يرد احتمال حصول شيء من التشويش في نقل الرواية‪ ،‬فربما كان‬
‫األساس هو توجيه سؤال إلى اإلمامين ‪ ‬عن كون الزكاة ألهل الوالية؟ فأجابا ّ‬
‫بأن الله‬
‫تعالى قد ب ّين موضعها في كتابه‪ ،‬وهذا ما الحظناه في رواية علي بن جعفر قال‪« :‬وسألته عن‬
‫الزكاة‪ ،‬هل هي ألهل الوالية؟ قال «قد ب ّين ذلك لكم في طائفة من الكتاب»(((‪ .‬وهذا التعبير‬

‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،224‬الحديث ‪ 9‬من الباب ‪ 5‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬ ‫(( (‬
‫سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬ ‫(( (‬
‫محاضرات في فقه اإلمامية‪/‬الزكاة‪ ،‬السيد الميالني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.136‬‬ ‫(( (‬
‫سورة المجادلة‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬ ‫((( ‬
‫قرب اإلسناد‪ ،‬ص ‪.228‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪388‬‬
‫قد يكون شاهد ًا على عكس المدعى وأنها ليست لخصوص أهل الوالية‪ّ ،‬‬
‫ألن الكتاب ال‬
‫يحصر الزكاة بالموالي ألهل البيت ‪.‬‬
‫الرواية الثامنة‪ :‬ما رواه الكليني عن علي بن سويد‪ ،‬أنه كتب إلى أبي الحسن موسى ‪‬‬
‫كتاب ًا وهو في الحبس يسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة‪ ،‬فأجابه بجواب طويل يقول فيه‪:‬‬
‫َان ِمن ال َّزك ِ‬ ‫َاة فِ ِ‬
‫ت ع ِن ال َّزك ِ‬
‫َاة‬ ‫يه ْم‪( ،‬يقصد أتباع المذاهب اإلسالمية األخرى) َف َما ك َ َ‬ ‫«وس َأ ْل َ َ‬ ‫َ‬
‫َان» ‪.‬‬
‫(((‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك َلك ُْم َم ْن ك َ‬
‫َان منْك ُْم وأ ْي َن ك َ‬ ‫ِ‬
‫َف َأ ْنت ُْم أ َح ُّق بِه‪ ،‬ألنَّا َقدْ َح َّل ْلنَا َذل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫السند ال بأس به‪ ،‬قال المجلسي‪« :‬رواه بثالثة أسانيد في األول ضعف‪ ،‬والثاني حسن‬
‫كالصحيح‪ ،‬وفي الثالث ضعف أو جهالة‪ ،‬لكن مجموع األسانيد لتقوي بعضها ببعض في قوة‬
‫الصحيح‪ ،‬ورواه الصدوق بسند صحيح»(((‪.‬‬
‫ولك ّن داللة الحديث غير تامة لسببين‪:‬‬
‫أحق بها» ليس ظاهر ًا في منع اآلخرين وإن احتمل ذلك‪،‬‬ ‫إن قوله ‪« :‬فأنتم ّ‬ ‫األول‪ّ :‬‬
‫ألن «أحق» هي «أفعل التفضيل»‪ ،‬أال ترى أنه يقال‪:‬‬ ‫وإنّما غاية داللته هو إعطاؤهم األولوية‪ّ ،‬‬
‫«إن أرحامك أحق بالمعروف»‪ ،‬مع أن ذلك غير متع ّين كما ال يخفى‪ ،‬وقد ورد هذا التعبير في‬ ‫ّ‬
‫يم ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س َأ ْلتُه َع ْن َصدَ َق ِة ا ْل ِف ْط َر ِة‬ ‫ِ‬
‫ار َع ْن َأبِي إِ ْب َراه َ‬ ‫اق ْب ِن َع َّم ٍ‬
‫زكاة الفطرة‪ ،‬ففي موثقة إِ ْس َح َ‬
‫الش ْه َر ِة»(((‪.‬‬ ‫ان َأ َح ُّق بِ َها لِ َمك ِ‬
‫َان ُّ‬ ‫ج َير ُ‬‫ُأ ْعطِ َيها َغ ْي َر َأ ْه ِل َو َل َيتِي ِم ْن ُف َق َر ِاء ِج َيرانِي؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم ا ْل ِ‬
‫َان»‪ ،‬هو‬ ‫وأ ْي َن ك َ‬ ‫َان ِمنْك ُْم َ‬
‫ك َلك ُْم َم ْن ك َ‬ ‫إن تعليله لألحق ّية بقوله‪« :‬ألَنَّا َقدْ َح َّل ْلنَا َذلِ َ‬ ‫الثاني‪ّ :‬‬
‫ألن صرف الزكاة ال يحتاج إلى تحليل خاص‪ ،‬فينسجم مع الصحيحة‬ ‫تعليل يناسب التدبيرية‪ّ ،‬‬
‫اآلتية الحق ًا‪ ،‬ويكون المعنى أننا أحللنا لكم من موقع واليتنا أن تقتصروا في صرف الزكاة‬
‫عليكم دون سواكم‪.‬‬
‫وربما كان غرضه ‪ ‬من هذا التحليل هو ترخيصهم في تولي الصرف‪ّ ،‬‬
‫ألن الزكاة من‬
‫حيث الحكم األولي إنما تتولى أمرها جمع ًا وتوزيع ًا على المستحقين الحكومة الشرعية‪.‬‬
‫ويرد احتمال آخر وهو نظره ‪ ‬إلى الترخيص بدفعها إلى كافة المؤمنين الموالين ولو‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.125‬‬


‫((( مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،25‬ص ‪.295‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .174‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .391‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .189‬وتهذيب‬
‫األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.78‬‬
‫‪389‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫غير المستحقين‪ ،‬وهذا حكم واليتي مؤقت‪ ،‬ومبرره هو الضائقة العامة والحصار على خلف ّية‬
‫مذهبية‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫أن في هذه المجموعة أخبار ًا صحيحة دالة على المدعى من‬
‫وفي المحصلة قد تبين ّ‬
‫حصر الزكاة بأهل الوالية‪.‬‬
‫المتحول إلى مذهب أهل البيت ‪ ‬من‬
‫ّ‬ ‫دل على أن الشخص‬ ‫المجموعة الثانية‪ :‬ما ّ‬
‫سائر المذاهب ال تجب عليه إعادة شيء من أعماله إال الزكاة‪ ،‬ألنه وضعها في غير موضعها‬
‫وموضعها هم أهل الوالية‪.‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة بريد بن معاوية العجلي‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ - ‬في حديث ‪-‬‬
‫من الله عليه وعرفه الوالية فإنه يؤجر‬ ‫قال‪« :‬كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضاللته‪ ،‬ثم ّ‬
‫وأما الصالة‬ ‫عليه إال الزكاة فإنه يعيدها‪ ،‬ألنه وضعها في غير مواضعها ألنّها ألهل الوالية‪ّ ،‬‬
‫والحج والصيام فليس عليه قضاء»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيح الفضالء ُز َر َار َة و ُب َك ْي ٍر وا ْل ُف َض ْي ِل و ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم و ُب َر ْي ٍد ا ْل ِع ْج ِل ِّي‬
‫ض َه ِذه األَ ْه َو ِاء ا ْل َح ُر ِ‬
‫ور َّي ِة‬ ‫ُون فِي َب ْع ِ‬ ‫الر ُج ِل َيك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َأبِي َج ْع َف ٍر و َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬أن َُّه َما َقاال في َّ‬
‫ف َه َذا األَ ْم َر و َي ْح ُس ُن َر ْأ َيه أ ُي ِعيدُ ك َُّل َص َل ٍة‬ ‫ُوب و َي ْع ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وا ْل ُم ْر ِج َئة وا ْل ُع ْث َمان َّية وا ْل َقدَ ِر َّية ُث َّم َيت ُ‬
‫َاة َأ ْو َح ٍّج َأ ْو َل ْي َس َع َل ْيه إِ َعا َد ُة َش ْي ٍء ِم ْن َذلِ َك؟ َق َال‪َ « :‬ل ْي َس َع َل ْيه إِ َعا َد ُة‬ ‫ص َّلها َأو صو ٍم َأو َزك ٍ‬
‫َ َ ْ َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َغ ْي ِر ال َّزكَاة َل ُبدَّ َأ ْن ُي َؤ ِّد َي َها ألَنَّه َو َض َع ال َّزكَا َة في َغ ْي ِر َم ْوضع َها وإِن ََّما َم ْوض ُع َها‬ ‫َش ْي ٍء ِم ْن َذلِ َ‬
‫َأ ْه ُل ا ْل َو َل َي ِة»(((‪.‬‬
‫َب إِ َل َّي َأ ُبو َع ْب ِد ال َّله ‪« :‬إِ َّن ك َُّل َع َم ٍل َع ِم َله‬ ‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة ا ْب ِن ُأ َذ ْينَ َة َق َال‪َ « :‬كت َ‬
‫َب‬ ‫ال َض َللِه َأ ْو َح ِ‬
‫ال ن َْصبِه ُث َّم َم َّن ال َّله َع َل ْيه و َع َّر َفه َه َذا األَ ْم َر َفإِنَّه ُي ْؤ َج ُر َع َل ْيه ُي ْكت ُ‬ ‫ب فِي َح ِ‬ ‫ِ‬
‫النَّاص ُ‬
‫الص َل ُة‬‫وأ َّما َّ‬‫َله إِ َّل ال َّزكَا َة َفإِنَّه ُي ِعيدُ َها ألَنَّه َو َض َع َها فِي َغ ْي ِر َم ْو ِض ِع َها وإِن ََّما َم ْو ِض ُع َها َأ ْه ُل ا ْل َو َل َي ِة َ‬
‫والص ْو ُم َف َل ْي َس َع َل ْيه َق َضاؤُ ُه َما»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫وهذه الطائفة من األخبار واضحة الداللة على الرأي المشهور‪.‬‬
‫ولكن يبقى السؤال هل من معارض لها؟ أو هل ما يساعد على حملها على صورة‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.9‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .545‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.374‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.546‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪390‬‬
‫معينة‪ ،‬وهي صورة قيام الفرد نفسه بأداء الزكاة دون ما لو كانت الدولة هي المتصدية لذلك؟‬
‫هذا ما تتواله المرحلة الثالثة من البحث‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬الر�أي الآخر في الم�س�ألة‬


‫ثمة شواهد ودالئل ومؤيدات تعطي الحكم الوارد في النصوص‬ ‫في المقابل‪ّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫المتقدمة والقاضي بحصر الزكاة في خصوص أهل الوالية تفسير ًا خاص ًا‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن محل‬
‫النظر فيه إلى حالة خاصة‪ ،‬وظرف مؤقت وليس حكم ًا مطرد ًا‪ ،‬والشواهد المشار إليها هي‪:‬‬
‫‪--1‬النصوص التفسيرية‪:‬‬
‫أن هذا الحكم ‪ -‬أعني شرطية اإليمان في‬ ‫يستفاد من بعض الروايات الصحيحة ّ‬
‫ٍ‬
‫ظرف معين‪ ،‬وهو الظرف الذي أصبح‬ ‫مستحق الزكاة ‪ -‬هو حكم قد صدر عن األئمة ‪ ‬في‬
‫األئمة ‪ ‬وأصحابهم فيه محاصرين اقتصادي ًا واجتماعي ًا من قبل السلطات الحاكمة آنذاك‪،‬‬
‫فأفتى األئمة ‪ ‬في مثل هذا الظرف ألتباعهم بأن ال يدفعوا الزكاة لغير أهل الوالية‪ ،‬وذلك‬
‫بهدف حفظ الجماعة المؤمنة الموالية ألهل البيت ‪ ،‬وأ ّما إذا قام الحكم اإلسالمي ّ‬
‫فإن‬
‫اإلمام يعطي كل الناس‪ ،‬من يواليه ويؤمن به‪ ،‬ومن ال يواليه وال يؤمن به‪.‬‬
‫والعمدة في النصوص التفسيرية المشار إليها‪ :‬صحيحة ُز َر َار َة و ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم َأن َُّه َما‬
‫ِ‬
‫وج َّل‪ ﴿ :‬ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ‬ ‫َقاال ألَبِي َع ْبد ال َّله ‪َ :‬أر َأ ْي َت َق ْو َل ال َّله َع َّز َ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ف َف َق َال‪ :‬إِ َّن ِاإل َما َم ُي ْعطِي َه ُؤلَ ِء َج ِميع ًا‪َ ،‬ألن َُّه ْم‬ ‫َان لَ َي ْع ِر ُ‬ ‫ﲤ ﴾(((‪ ،‬أك ُُّل َه ُؤلَ ِء ُي ْع َطى وإِ ْن ك َ‬
‫ف‬ ‫َان ُي ْعطِي َم ْن َي ْع ِر ُ‬‫ون َف َق َال‪َ :‬يا ز َُر َار ُة َل ْو ك َ‬‫ون َله بِال َّطا َع ِة‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن كَانُوا َل َي ْع ِر ُف َ‬ ‫ُي ِق ُّر َ‬
‫ت‬ ‫َب فِي الدِّ ِ‬
‫ين َف َي ْث ُب َ‬ ‫ف َلم يوجدْ َلها مو ِضع‪ ،‬وإِنَّما يعطِي من َل يع ِر ُ ِ‬
‫ف ل َي ْرغ َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ون َم ْن َل َي ْع ِر ُ ْ ُ َ َ َ ْ ٌ‬ ‫ُد َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك إِ َّل َم ْن َي ْع ِر ُ‬ ‫ْت َ‬ ‫َع َل ْيه‪َ ،‬ف َأ َّما ا ْل َي ْو َم َف َل ُت ْعطِ َها َأن َ‬
‫ين‬‫ف‪َ ،‬ف َم ْن َو َجدْ َت م ْن َه ُؤ َلء ا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫وأ ْص َحا ُب َ‬
‫ِ‬ ‫الر َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون الن ِ‬ ‫ارف ًا َف َأ ْعطِه ُد َ‬ ‫َع ِ‬
‫اص‪،‬‬ ‫اب َعا ٌّم وا ْل َباقي َخ ٌّ‬ ‫وس ْه ُم ِّ‬ ‫َّاس‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬س ْه ُم ا ْل ُم َؤ َّل َفة ُق ُلو ُب ُه ْم َ‬
‫وجدُ َل َها َأ ْه ٌل‪َ .‬ق َال‪:‬‬‫وج َّل َل ُي َ‬ ‫يض ٌة َف َر َض َها ال َّله َع َّز َ‬ ‫ُون َف ِر َ‬ ‫وجدُ وا؟ َق َال‪َ :‬ل َتك ُ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن َل ْم ُي َ‬
‫ال األَغْنِي ِ‬ ‫اء فِي م ِ‬ ‫ات‪َ .‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن ال َّله َفر َض لِ ْل ُف َقر ِ‬
‫اء َما َي َس ُع ُه ْم و َل ْو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الصدَ َق ُ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن َل ْم ت ََس ْع ُه ُم َّ‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬


‫‪391‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫يض ِة ال َّله و َلكِ ْن ُأتُوا ِم ْن َمنْ ِع َم ْن َمنَ َع ُه ْم‬
‫ك َل َي َس ُع ُه ْم َلزَا َد ُه ْم إِن َُّه ْم َل ْم ُي ْؤت َْوا ِم ْن ِق َب ِل َف ِر َ‬
‫َعلِ َم َأ َّن َذلِ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِخَ ْي ٍر»(((‪.‬‬ ‫َّاس َأ َّد ْوا ُح ُقو َق ُه ْم َلكَانُوا َعائش َ‬ ‫َح َّق ُه ْم َل م َّما َف َر َض ال َّله َل ُه ْم و َل ْو َأ َّن الن َ‬
‫وهذه الرواية مهمة جد ًا وهي تفسر لنا سبب المنع في سائر الروايات وأنه منع تدبيري‬
‫أملته ظروف خاصة واستثنائية‪ ،‬وهي فترة إقصاء األئمة ‪ ‬عن موقع الحكم وقيادة المجتمع‪،‬‬
‫وليالحظ قوله ‪« :‬لو كان يعطي من يعرف دون من ال يعرف لم يوجد لها موضع»‪ ،‬فإنّه‬
‫فإن ذلك سيؤدي إلى تكدّ س أموال‬ ‫أن اإلمام لو كان يعطي جماعته دون سواهم‪ّ ،‬‬ ‫صريح في ّ‬
‫الزكاة‪ ،‬وهذا ال ينسجم مع فلسفة تشريعها‪ ،‬كما أنّه ‪ -‬كحاكم ‪ -‬مسؤول عن جميع المنضويين‬
‫تحت لواء النظام ويقرون له بالطاعة‪.‬‬
‫ت َع ِن‬ ‫«وس َأ ْل َ‬
‫وتؤيدها صحيحة علي بن سويد المتقدمة عن اإلمام الكاظم ‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫َان ِمن ال َّزك ِ‬
‫َاة َف َأ ْنت ُْم َأ َح ُّق بِه‪ ،‬ألَنَّا‬ ‫َاة فِ ِ‬
‫ال َّزك ِ‬
‫يه ْم‪( ،‬يقصد أتباع المذاهب اإلسالمية األخرى) َف َما ك َ َ‬
‫َان»(((‪ ،‬وذلك بالبيان المتقدم‪.‬‬ ‫َان ِمنْك ُْم َ‬
‫وأ ْي َن ك َ‬ ‫َقدْ َح َّل ْلنَا َذلِ َ‬
‫ك َلك ُْم َم ْن ك َ‬
‫إن صحيحة ابن مسلم قد أعرض المشهور عنها فيكون ذلك موجب ًا‬ ‫ال يقول ّن أحد‪ّ :‬‬
‫يعول عليها في إثبات حكم معارض لسائر األخبار‪.‬‬
‫لضعفها ووهنها وال ّ‬
‫والجواب على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إنّه ومع التسليم بكبرى كاسرية اإلعراض للخبر الصحيح‪ ،‬بيد أننا نرفض‬
‫الصغرى‪ ،‬أعني تحقق اإلعراض‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن المشهور إنما أخذوا بسائر األخبار ال‬
‫إلعراضهم عن الصحيح‪ ،‬بل ألنّه لم يكن ثمة إمام وحاكم تجبى إليه الزكاة حتى يتحدثوا‬
‫عن حكمه الشرعي‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ولو س ّلمنا باإلعراض‪ ،‬فهو إنما يكون ضار ًا إذا لم يكن مبني ًا على اجتهاد معين‪،‬‬
‫يفصلوا بين تكليف الفرد وتكليف السلطة فاعتقدوا بحصول‬ ‫فإن القوم حيث لم ِّ‬‫وفي المقام ّ‬
‫تعارض ما‪ ،‬وأخذوا بسائر األخبار على هذا األساس االجتهادي‪ ،‬مع أنّه كما عرفت ال‬ ‫ٍ‬
‫مفسر لسائر األخبار وناظر إليها‪ ،‬بمعنى أنّه‬ ‫تعارض في البين‪ّ ،‬‬
‫وأن الخبر الصحيح المتقدم ّ‬
‫يوجد جمع عرفي بين الطائفتين‪ ،‬وهو من أوضح موارد الجمع العرفي‪.‬‬

‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .496‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .49‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .5‬وعنه‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،209‬الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 1‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.125‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪392‬‬
‫إن وظيفة اإلمام هي غير وظيفة الفرد‪ ،‬فوظيفة اإلمام إعطاء كل من‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫يقر له بالطاعة‪ ،‬أما الفرد فيعطي أهل واليته‪.‬‬
‫كان تحت واليته ممن ّ‬
‫‪--2‬الفلسفة العامة لإلنفاق في اإلسالم‬
‫ومما يعزز النتيجة التي توصلنا إليها‪ ،‬من عدم انحصار مصرف الزكاة بالشيعة اإلمامية‪،‬‬
‫هو مالحظة الفلسفة العامة لإلنفاق في اإلسالم‪ .‬وهذه الفلسفة مستقاة من كتاب الله‪ ،‬الذي‬
‫أن نظام الضرائب المالية في التشريع اإلسالمي وعلى رأسها الزكاة قد استهدف‪:‬‬ ‫أكد على ّ‬
‫أوالً‪ :‬عدم تركيز الثروة في يد األغنياء‪ ،‬ألن ذلك له العديد من المخاطر االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي تهدد بتفكيك المجتمع وتحويله إلى طبقتين‪ :‬طبقة المترفين‪ ،‬وطبقة‬
‫المعدمين‪ ،‬وهذا ما عبر عنه قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﴾(((‪ .‬إن الزكاة التي تطال‬
‫رأس المال كل عام ستسهم في تفتيت الثروة وتحول دون تكدّ سها في أيدي بعض األثرياء‪،‬‬
‫وبذلك يتحرك المال في المجتمع‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الهدف الثاني األساس في هذا المجال‪ ،‬هو تأمين مصارف الفقراء والمحتاجين‬
‫وسدّ االحتياجات العامة‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه آية الزكاة بشكل واضح ال لبس فيه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾(((‪.‬‬
‫ويستفاد هذا الهدف من الروايات الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته ‪ ،‬وهي روايات‬
‫أن الله فرض الزكاة ألجل سد حاجة المحتاجين والفقراء‪،‬‬ ‫مستفيضة وصحيحة وتؤكد على ّ‬
‫وإليك بعض هذه الروايات‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة ُز َر َار َة و ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم المتقدمة َأن َُّه َما َقاال ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪:‬‬
‫ك َل َي َس ُع ُه ْم َلزَا َد ُه ْم إِن َُّه ْم‬‫اء َما َي َس ُع ُه ْم و َل ْو َعلِ َم َأ َّن َذلِ َ‬
‫ال األَغْنِي ِ‬
‫َ‬
‫اء فِي م ِ‬
‫َ‬
‫«‪..‬إِ َّن ال َّله َفر َض لِ ْل ُف َقر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يضة ال َّله و َلك ْن ُأتُوا م ْن َمنْ ِع َم ْن َمنَ َع ُه ْم َح َّق ُه ْم َل م َّما َف َر َض ال َّله َل ُه ْم و َل ْو َأ َّن‬ ‫َل ْم ُي ْؤت َْوا ِم ْن ق َب ِل َف ِر َ‬
‫ِ‬
‫ِِ‬
‫َّاس َأ َّد ْوا ُح ُقو َق ُه ْم َلكَانُوا َعائش َ‬
‫ين بِخَ ْي ٍر»(((‪.‬‬ ‫الن َ‬

‫((( سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬


‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫ص ‪ .5‬وعنه‬ ‫(( ( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .496‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .49‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪،2‬‬
‫وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،209‬الحديث ‪ 1‬من الباب ‪ 1‬من أبواب المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫‪393‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الر َضا ‪َ ‬ق َال ِق َيل ألَبِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة ا ْل َح َس ِن ْب ِن َعل ٍّي ا ْل َو َّشاء َع ْن َأبِي ا ْل َح َس ِن ِّ‬
‫ف و َل ْم َي ْج َع ْل َها َث َلثِي َن؟‬ ‫وع ْش ِرين فِي ك ُِّل َأ ْل ٍ‬ ‫الزكَا َة َخمس ًة ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َع ْب ِد ال َّله ‪ ‬ألَ ِّي َش ْيء َج َع َل ال َّله َّ‬
‫اء بِ َقدْ ِر َما َي ْكت َِفي بِه‬
‫ال األَغْنِي ِ‬
‫َ‬
‫ين َأ ْخر َج ِم ْن َأم َو ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫وج َّل َج َع َل َها َخ ْم َس ًة وع ْش ِر َ َ‬ ‫َف َق َال‪ :‬إِ َّن ال َّله َع َّز َ‬
‫َاج َأ َحدٌ »(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احت َ‬ ‫َّاس َزكَا َة َأ ْم َوال ِه ْم َما ْ‬
‫ا ْل ُف َق َر ُاء و َل ْو َأ ْخ َر َج الن ُ‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬مرسلة الفقيه قال‪ :‬كتب الرضا علي بن موسى ‪ ‬إلى محمد بن سنان‬
‫«إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء‪ ،‬وتحصين أموال‬ ‫‪-‬فيما كتب إليه من جواب مسائله‪ّ :-‬‬
‫األغنياء‪ ،‬ألن الله عز وجل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى»(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫وج َّل‬ ‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة َع ْبد ال َّله ْب ِن سنَان َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ :‬إِ َّن ال َّله َع َّز َ‬
‫اها َع َلنِ َي ًة َل ْم َيك ُْن َع َل ْيه فِي‬ ‫ال َح َم َل ال َّزكَا َة َف َأ ْع َط َ‬ ‫الص َل َة و َل ْو َأ َّن َر ُج ً‬ ‫َف َر َض ال َّزكَا َة ك ََما َف َر َض َّ‬
‫اء لِ ْل ُف َقر ِ‬
‫ال األَغْنِي ِ‬ ‫وج َّل َفر َض فِي َأم َو ِ‬ ‫ب و َذلِ َ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ون بِه ا ْل ُف َق َر ُاء و َل ْو‬
‫اء َما َي ْك َت ُف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك َأ َّن ال َّله َع َّز َ َ‬ ‫ك َع ْي ٌ‬
‫يما ُأتُوا ِم ْن َمنْ ِع َم ْن َمنَ َع ُه ْم‬ ‫ِ‬
‫يه ْم َلزَا َد ُه ْم وإِن ََّما ُي ْؤتَى ا ْل ُف َق َر ُاء ف َ‬ ‫َعلِ َم َأ َّن ا َّل ِذي َف َر َض َل ُه ْم َل َيك ِْف ِ‬
‫يض ِة»(((‪.‬‬ ‫ُح ُقو َق ُه ْم َل ِم َن ا ْل َف ِر َ‬
‫اك َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن‬ ‫الرواية الخامسة‪ :‬خبر ُق َث َم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت َله‪ُ :‬ج ِع ْل ُت فِدَ َ‬
‫وع ْش ِري َن َل ْم َت ُك ْن َأ َق َّل َأ ْو َأ ْك َث َر َما َو ْج ُه َها؟ َف َق َال‪« :‬إِ َّن‬ ‫ف َخمس ًة ِ‬ ‫ف صار ْت ِمن ك ُِّل َأ ْل ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫الزكَاة َك ْي َ َ َ‬
‫وج َّل َخ َل َق ا ْلخَ ْل َق ُك َّل ُه ْم َف َعلِ َم َص ِغ َير ُه ْم و َكبِ َير ُه ْم وغَن ِ َّي ُه ْم و َف ِق َير ُه ْم َف َج َع َل ِم ْن ك ُِّل‬ ‫ال َّله َع َّز َ‬
‫ِ‬ ‫ين ِم ْسكِين ًا و َل ْو َعلِ َم َأ َّن َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ف إِن َْس ٍ‬ ‫َأ ْل ِ‬
‫وه َو‬ ‫ك َل َي َس ُع ُه ْم َلزَا َد ُه ْم ألَنَّه َخال ُق ُه ْم ُ‬ ‫ان َخ ْم َس ًة وع ْش ِر َ‬
‫َأ ْع َل ُم بِ ِه ْم»(((‪.‬‬
‫أن الزكاة لم تشرع ألجل تأمين احتياجات خصوص‬ ‫إن المستفاد من هذه الروايات ّ‬
‫جماعة المؤمنين المتبعين ألهل البيت ‪ ،‬وإنّما هي إلعالة عامة الفقراء وسدّ حاجياتهم‬
‫على اختالف هوياتهم الدينية‪ ،‬وهذا ما يبدو بوضوح من التعبيرات الواردة في تلك الروايات‪،‬‬
‫أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير»‪،‬‬
‫ففي الرواية األولى نالحظ من قوله ‪« :‬ولو ّ‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.507‬‬ ‫((( ‬


‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .8‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .369‬والحديث مرسل في الفقيه‪ ،‬وأما في‬ ‫((( ‬
‫العلل فهو مسند ولكن في سنده محمد بن سنان‪.‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .498‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .49‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .369‬ومن ال يحضره‬ ‫(( (‬
‫الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.3‬‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.507‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪394‬‬
‫فهو ‪ ‬ال يتحدث عن الشيعة بل عن الناس‪ ،‬وفي الرواية الثانية نالحظ أنه ‪ ‬استخدم‬
‫تعبير ًا داالً على ّ‬
‫أن الزكاة يفترض فيما لو أداها أهلها أن ال يبقى فقير واحد‪« ،‬ولو أخرج الناس‬
‫«ألن الله عز وجل ك ّلف أهل‬
‫زكاة أموالهم ما احتاج أحد»‪ ،‬وفي الرواية الثالثة نجد التعبير‪ّ :‬‬
‫الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى»‪ ،‬وفي الرواية الرابعة نجد التعبير‪« :‬وذلك أن الله‬
‫عز وجل فرض في أموال األغنياء للفقراء ما يكتفون به»‪ ،‬وفي الرواية األخيرة استخدم ‪‬‬
‫التعبير التالي‪« :‬خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم»‪ ،‬وهو تعبير‬
‫يستخدم أداة العموم‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن سياق الروايات المتقدمة وما اكتنف بها من قرائن مختلفة يجعلها في مصاف األخبار‬
‫التي ال تقبل التقييد والتخصيص بالحمل على خصوص فقراء الشيعة‪.‬‬
‫الزكاة وغير المسلمين‬
‫أن بعض األخبار المتقدمة يستفاد منها ّ‬
‫أن الهدف من تشريع الزكاة هو سدّ‬ ‫وقد الحظنا ّ‬
‫حاجة الخلق حتى ال يبقى هناك فقير على وجه األرض وحتى ال يحصل ‪ -‬نتيجة لتركز الثروة‬
‫في أيدي األغنياء ‪ -‬فجوات اجتماعية أو طبقية‪ ،‬على اعتبار أن لذلك مفاسد كثيرة‪ ،‬وينتج‬
‫أن مصرف الزكاة ال ينحصر بالمسلمين فض ً‬
‫ال‬ ‫عنه الكثير من الصراعات والعداوات‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫عن اإلمامية‪.‬‬
‫إن قلت‪ :‬قد جاء في بعض الروايات ما ظاهره أن الزكاة هي إلعالة فقراء المسلمين‬
‫ففي رواية معتب مولى اإلمام الصادق ‪ ‬قال‪ :‬قال اإلمام الصادق ‪« :‬إنما وضعت الزكاة‬
‫أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقير ًا محتاج ًا‬
‫اختبار ًا لألغنياء ومعونة للفقراء‪ ،‬ولو ّ‬
‫والستغنى بما فرض الله له‪.(((»..‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بصرف النظر عن ضعف الرواية‪ ،‬فال يظهر منها أنّها بصدد حصر الزكاة بخصوص‬
‫المسلم‪ ،‬فهي رواية ال مفهوم لها وال تنافي سائر المطلقات‪ ،‬على ّ‬
‫أن تتمة الرواية تؤكد ما‬
‫«وإن الناس ما افتقروا وال احتاجوا وال جاعوا وال عروا إال بذنوب‬
‫نقوله‪ ،‬فقد جاء في تتمتها ّ‬
‫فإن الرواية عندئذٍ‬
‫إن موضوع الزكاة هو خصوص المسلم ّ‬ ‫األغنياء»‪ ،‬على أنّه حتى لو قلنا‪ّ :‬‬

‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.7‬‬


‫‪395‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫تصلح في الواقع شاهد ًا ومؤيد ًا لما تقدّ م من ّ‬
‫أن الزكاة ال ينحصر مصرفها بخصوص الشيعي‬
‫االثني عشري‪.‬‬
‫إن تخصيص الزكاة بخصوص المسلم مبني على ّ‬
‫أن الزكاة ال تؤخذ من غير‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫المسلم‪ ،‬بنا ًء على ما هو معروف من التعامل مع اآلخرين على أساس مبدأ الذمية(((‪ ،‬وأهل‬
‫الذمة ال تؤخذ منهم الجزية‪ ،‬ولذا فمن الممكن أن يكون في خزينة الدولة صندوقان‪ ،‬أحدهما‬
‫مكون ًا من أموال الزكاة وما يؤخذ من المسلمين‪،‬‬
‫مخصص لخصوص المسلمين ويكون ّ‬
‫ويتكون من أموال الجزية‪ ،‬وربما يكون هناك صندوق ثالث يضم‬ ‫ّ‬ ‫واآلخر لغير المسلمين‪،‬‬
‫سائر إيرادت الدولة ومواردها المالية‪ ،‬وهو معدّ لكل المواطنين‪.‬‬
‫إن النصوص التي تب ّين الفلسفة العامة لتشريع الزكاة يستفاد منها‬‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫أن الزكاة إنما شرعت ألجل سد حاجة الخلق‪ ،‬وأن الله خلق الخلق‬ ‫بشكل واضح وجلي ّ‬
‫وعلم غنيهم وفقيرهم وجعل في أموال األغنياء ما يكفي الفقراء ولو علم أنه ال يكفيهم‬
‫لزادهم‪ ،‬وهذا ما يؤكد الفكرة التي توصلنا إليها والتي جاءت في صحيحة زرارة ومحمد‬
‫ابن مسلم عن أبي عبد الله ‪ ‬من أن إعطاء الزكاة للشيعة في عهد اإلمام ‪ ‬لم يكن سوى‬
‫مر به الكثير من شيعة أهل‬
‫إجراء تدبيري مؤقت وظرفي سببه الحاجة الماسة والحصار الذي ّ‬
‫البيت ‪ ،‬وإال ّ‬
‫فإن وظيفة اإلمام والحاكم تجاه األمة التي تقر له بالطاعة أن يعطي الجميع‪،‬‬
‫البر والفاجر‪.‬‬
‫هذا ولك ّن بعض الفقهاء حاول تقديم تبرير «منطقي» لهذا التخصيص الذي جرى‬
‫عليه الفقهاء‪ ،‬قال الشيخ مغنية‪« :‬وال أحسب أن أحد ًا يخفى عليه السر لذلك‪ ،‬بعد ما جرى‬
‫في العادة منذ القديم أن تخصص كل طائفة خيراتها بأبناء طائفتها‪ ،‬هذا‪ ،‬إلى أن التشريعات‬
‫الحديثة اليوم في الغرب والشرق تنص على أن األجنبي ال يرث من المواطن‪ ،‬وإن كان أقرب‬
‫نصت قوانين كل من دولة القريبين على أن األجنبي يرث‪ ،‬فلو‬ ‫المقربين له نسب ًا وسبب ًا َّإل إذا ّ‬
‫ال مجنس بالجنسية اإلنكليزية‪ ،‬وله أمالك في إنكلترا‪ ،‬وولد مجنس ًا بالجنسية‬ ‫افترض أن رج ً‬
‫الفرنسية‪ ،‬فال يحق للولد الفرنسي أن يرث أباه اإلنكليزي‪ ،‬أو من أمالكه الموجودة في إنكلترا‬
‫أن لألجنبي أن يرث من الفرنسي» (((‪.‬‬‫نص القانون الفرنسي على ّ‬ ‫على األصح َّإل إذا ّ‬

‫((( مبدأ الذمية ليس هو النظام الوحيد في اإلسالم لتنظيم العالقة مع اآلخر الديني‪.‬‬
‫((( فقه اإلمام جعفر الصادق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.85‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪396‬‬
‫إن ما ذكره مفهوم وقد يكون صحيح ًا عندما ينظر إلى المسألة‬ ‫وتعليق ًا على كالمه نقول‪ّ :‬‬
‫من زواية تكليف الفرد‪ ،‬ال من زاوية تكليف الدولة‪ ،‬فعندما يكون المتولي ألمر الزكاة هم‬
‫أفراد الناس ولو من خالل مؤسسات خاصة‪ ،‬فمن المفهوم أن يقال لهم‪ :‬ادفعوا هذا المال‬
‫إلى أقاربكم وأرحامكم وجماعتكم الدينية أو غيرها‪ ،‬وأما عندما نتحدث عن الضريبة المالية‬
‫التي تشكّل الرقم الصعب في ميزانية الدولة التي يفترض بها أن تعول كل مواطنيها وليس‬
‫خصوص أتباع دين أو مذهب معين فال وجه لما ذكره حينها‪ ،‬فالدولة مسؤولة عن الجميع‪،‬‬
‫وك ُّلهم مواطنوها وليس أحدهم أجنبي ًا واآلخر مواطن ًا‪ ،‬والدولة كما تأخذ الضريبة من الجميع‬
‫ال ‪ -‬زكاة أموال المسلمين‬ ‫ال بدّ أن تعطي الجميع‪ ،‬وهل يعقل أن يأخذ الحاكم الشرعي ‪ -‬مث ً‬
‫من سائر المذاهب وال يعطيهم منها شيئ ًا‪ ،‬وإنما يصرفها على خصوص الشيعة؟!‬
‫‪--3‬وظيفة الحاكم العادل‬
‫وبذلك اتضح أننا عندما نقارب المسألة من زاوية بيان تكليف الحاكم وليس الفرد‬
‫العادي فسوف تتغ ّير النتيجة‪ ،‬فعند قيام الدولة اإلسالمية وكون المتصدي ألمر الزكاة جمع ًا‬
‫وتوزيع ًا هو الحاكم فعليه توزيع الزكاة على كل من يدفع الزكاة إليه‪ ،‬وهو يأخذها من كل‬
‫المسلمين على اختالف مذاهبهم‪ ،‬فمن الطبيعي أن يعطيهم جميع ًا ألنهم ينضوون تحت‬
‫سلطته‪ ،‬بصرف النظر عن مذاهبهم‪ ،‬ما يعني أن القيد الذي ذكرته سائر الروايات وأفتى به‬
‫الفقهاء وهو قيد اإلمامية هو قيد استثنائي أملته ظروف طارئة‪ ،‬وهو ابتعاد األئمة ‪ ‬عن موقع‬
‫الحكم مع ما كانت تقوم به الحكومات الجائرة من تضييق على المؤمنين الموالين لهم ‪‬‬
‫ومحاصرتهم اقتصادي ًا‪ ،‬ففي هذا الظرف قال األئمة ‪ ‬ألتباعهم‪ :‬وزعوا صدقاتكم على‬
‫فإن المال عصب الحياة‪ ،‬وهو عامل مساعد على‬ ‫أنفسكم وإخوانكم وال تعطوها لآلخرين‪ّ ،‬‬
‫استمرار األشخاص والجماعات‪ ،‬وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص)‪« :‬كاد الفقر أن‬
‫يكون كفر ًا»(((‪.‬‬
‫ويشهد الختالف تكليف الدولة عن تكليف الفرد‪:‬‬
‫الشاهد األول‪ :‬هو الروايات‪ ،‬ونشير في هذا المجال إلى عدة أخبار‪:‬‬
‫إل َما َم ُي ْعطِي‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والتي جاء فيها‪« :‬إِ َّن ا ِ‬
‫ون َله بِال َّطا َع ِة»‪.‬‬
‫َه ُؤ َل ِء َج ِميع ًا‪ ،‬ألَن َُّه ْم ُي ِق ُّر َ‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .307‬رواه بإسناده عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ‪.‬‬
‫‪397‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية الثانية‪ :‬خبر حفص بن غياث قال‪« :‬سمعت أبا عبد الله ‪ ‬يقول وسئل عن قسم‬
‫أسوي بينهم في العطاء‪ ،‬وفضائلهم بينهم‬‫بيت المال‪ ،‬فقال‪ :‬أهل االسالم هم أبناء اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫نفضل أحد ًا منهم لفضله وصالحه في الميراث على‬ ‫وبين الله‪ ،‬أجع ُلهم كبني رجل واحد ال ّ‬
‫آخر ضعيف منقوص‪ ،‬وقال‪ :‬هذا هو فعل رسول الله (ص) في بدو أمره‪ ،‬وقد قال غيرنا‪:‬‬
‫فضلهم الله بسوابقهم في اإلسالم إذا كانوا في اإلسالم أصابوا‬‫ُأقدِّ ُمهم في العطاء بما قد ّ‬
‫ذلك‪َ ،‬فأن َْز َلهم على مواريث ذوي األرحام بعضهم أقرب من بعض وأوفر نصيب ًا لقربه من‬
‫أن بيت المال‬ ‫الميت‪ ،‬وإنما ورثوا برحمهم وكذلك كان عمر يفعله»(((‪ .‬فقد ّ‬
‫دل الخبر على ّ‬
‫هو للمسلمين جميع ًا‪ ،‬وعلى من يدير بيت المال أن يعطي جميع المسلمين‪ ،‬وال يخفى ّ‬
‫أن‬
‫بيت المال مكون من أصناف من األموال‪ ،‬والزكاة هي واحدة منها‪.‬‬
‫دل على أمر آخر‪ ،‬وهو لزوم التسوية في العطاء بين المسلمين‬ ‫إن هذا الخبر ّ‬‫أجل‪ّ ،‬‬
‫واالمتناع عن تفضيل بعضهم على البعض اآلخر‪ ،‬وقد اعترض الشيخ يوسف البحراني على‬
‫أن ما كان ماالً‬‫لزوم التسوية‪ ،‬فقال‪« :‬وال يخفى ما في هذا الخبر من اإلشكال‪ ،‬فإنّه ظاهر في ّ‬
‫لله سبحانه كمال الخراج والزكاة فإنه يقسم على السوية‪ ،‬والتفضيل إنما يكون في الصدقات‬
‫ال إال ما يظهر من المحدث الكاشاني‬ ‫المستحبة التي هي من مال اإلنسان‪ .‬ولم أر بمضمونه قائ ً‬
‫في الوافي‪ ..‬والمسألة ال تخلو من اإلشكال‪ ،‬لما عرفت من اتفاق األصحاب سلف ًا وخلف ًا‬
‫على جواز التفضيل‪ ..‬والظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج‪ ،‬وهو‬
‫الذي ُعلم من النبي (ص) وعلي ‪ ‬في زمن خالفته تسوية الناس في قسمته»‪ ،‬ثم استشهد‬
‫ببعض الروايات الدالة على جواز التفضيل(((‪.‬‬
‫ويمكن طرح وجه آخر في هذا الصدد‪ ،‬وهو ّ‬
‫أن حكم الفقهاء بجواز التفضيل ناظر إلى‬
‫بيان حكم المكلف إذا كان هو المتصدي للتوزيع‪ ،‬وما ورد في بعض الروايات فهو ناظر إلى‬
‫هذه الصورة أيض ًا‪ ،‬وأ ّما حكم اإلمام فهو لزوم المساواة إال بوجه حق‪ ،‬وسيأتي عما قليل ّ‬
‫أن‬
‫اإلمام المهدي ‪ ‬يساوي أيض ًا بين الناس‪ ،‬وهذا بحسب الظاهر ليس تكليفه بالخصوص‬
‫بل هو تكليف الحاكم العادل‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬خبر جابر قال‪ :‬أقبل رجل إلى أبي جعفر ‪ ‬وأنا حاضر‪ ،‬فقال‪ :‬رحمك‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.147‬‬


‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.228‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪398‬‬
‫اقبض هذه الخمسمائة درهم فض ْعها في موضعها‪ ،‬فإنّها زكاة مالي‪ .‬فقال له أبو جعفر ‪:‬‬ ‫الله ْ‬
‫بل خذها أنت فضعها في جيرانك واأليتام والمساكين‪ ،‬وفي إخوانك من المسلمين‪ ،‬إنما‬
‫الرحمن‪ ،‬البر منهم والفاجر‪ ،‬فمن‬
‫ٰ‬ ‫يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق‬
‫أطاعه فقد أطاع الله‪ ،‬ومن عصاه فقد عصى الله‪ ،‬فإنما سمي المهدي ألنّه يهدي ألمر خفي‪،‬‬
‫يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة‪ ،‬وبين‬
‫أهل اإلنجيل باإلنجيل‪ ،‬وبين أهل الزبور بالزبور‪ ،‬وبين أهل الفرقان بالفرقان‪ ،‬وتجمع إليه‬
‫أموال الدنيا كلها ما في بطن األرض وظهرها‪ ،‬فيقول للناس‪ :‬تعالوا إلى ما قطعتم فيه األرحام‬
‫وسفكتم فيه الدماء وركبتم فيه محارم الله‪ ،‬فيعطي شيئ ًا لم يعط أحد ًا كان قبله‪.(((»..‬‬
‫ومن المعلوم ّ‬
‫أن األئمة ‪ ‬في تلك األيام لم يكونوا مبسوطي اليد ولذا كانوا يحاذرون‬
‫ألن جمعها وتوزيعها هو بنظر السلطة ٍ‬
‫تعد على صالحياتها‪ ،‬ولذا فإذا‬ ‫من استالم الزكاة‪ّ ،‬‬
‫قام القائم وتسلم السلطة فإنه يقسم بالسوية ويعدل في «خلق الرحمن البر منهم والفاجر»‪،‬‬
‫وليس في خصوص جماعة ذات لون مذهبي خاص‪ ،‬فهذا يعزز فكرة أن الحاكم يعطي‬
‫جميع الناس‪.‬‬
‫الشاهد الثاني‪ :‬انسجام ذلك مع الفلسفة العامة لإلنفاق في اإلسالم كما أوضحنا ذلك‬
‫فيما سبق‪.‬‬
‫إن هؤالء ما داموا‬‫إن هذا ما يقتضيه منطق األمور كما ذكرنا سابق ًا‪ ،‬إذ ّ‬
‫الشاهد الثالث‪ّ :‬‬
‫مواطنين ويقرون على مذاهبهم ومعتقداتهم وال يلزمون بتغييرها‪ ،‬وهم في الوقت عينه‬
‫إن تشريع ًا كهذا ال‬
‫يقومون بواجبهم ويدفعون الزكاة إلى الحاكم فال يعقل أن يحرموا منها‪ّ .‬‬
‫يقبله العقالء‪ ،‬ومن المستبعد أن يصدرعن الشارع الحكيم‪.‬‬
‫أن الغفلة عن وظيفة السلطة وعن البعد االجتماعي للتشريع اإلسالمي جعلت‬ ‫وأعتقد ّ‬
‫هذا الشرط (إمامية مستحق الزكاة) يسود في األوساط الفقهية ويبدو وكأنه األصل في‬
‫أن األدلة والنصوص الصحيحة كما الحظنا قد د ّلت على ّ‬
‫أن هذا الحكم‬ ‫مستحقي الزكاة‪ ،‬مع ّ‬
‫ومراعاة هذا الشرط إنّما هو مرحلة مؤقتة وظرف ّية وأنّه إذا قام الحكم االسالمي فإنّه يعطي كل‬
‫من يقر له بالطاعة سواء كان موالي ًا له مؤمن ًا بإمامته أو لم يكن كذلك‪.‬‬

‫((( علل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.161‬‬


‫‪399‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وربما يتساءل البعض‪ :‬ما الدليل على ّ‬
‫أن األصل في الزكاة أنّها ضريبة مالية تتولى‬
‫إدارتها الدولة اإلسالمية؟‬
‫والجواب‪ :‬على ذلك‪:‬‬
‫إن ذلك يستفاد من أدلة الزكاة‪ ،‬فقد خوطب النبي (ص) بجمع الزكاة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫﴿ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲘ ﲙ ﲚ ﴾(((‪ ،‬كما‬
‫أن مصارف الزكاة المنصوص عليها في اآلية المتقدمة سابق ًا تحتاج إلى جهة خاصة تتصدى‬
‫أن من مصارفها «المؤلفة قلوبهم» وهؤالء ال يتولى أمر اإلنفاق‬ ‫لهذا األمر‪ ،‬فقد ذكرت اآلية ّ‬
‫كف‬
‫أن إعطاء هؤالء يوجب ّ‬ ‫عليهم آحاد الناس وإنما جهة حكومية تقدر األمور وتحدد ّ‬
‫فإن من المصارف المنصوص‬ ‫أذاهم عن اإلسالم أو استمالتهم إلى صف المسلمين‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫عليها في اآلية هم «العاملون عليها»‪ ،‬وهذا كله يؤكّد الحاجة إلى جهة عامة تتولى األمر‪ ،‬ألنّه‬
‫يفترض أن الزكاة تجبى من قبل جماعة أو هيئة خاصة‪..‬‬
‫أن النبي (ص) نفسه قد تصدى لهذه‬ ‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن من يالحظ التجربة اإلسالمية األولى يجد ّ‬
‫المهمة ومن بعده الخلفاء وعلى رأسهم أمير المؤمنين ‪ ،‬ما يشهد ّ‬
‫بأن الحاكم مأمور بأخذ‬
‫الزكاة وجبايتها من كل المواطنين المسلمين‪ .‬ولم يكن يقبل من ٍ‬
‫أحد أن يتذرع بأنّه تولى‬
‫إخراج زكاة أمواله بنفسه‪.‬‬
‫إن ما صدر عن اإلمام ‪ ‬من حصر المستحقين‬ ‫وخالصة القول استناد ًا إلى ما تقدم‪ّ :‬‬
‫للزكاة بـ«من يعرف» كان حكم ًا تدبيري ًا أملته الظروف الصعبة التي عاشها األئمة ‪،‬‬
‫والنصوص التي استفيد منها شرط الوالية في مستحق الزكاة كلها واردة في صورة ما إذا كان‬
‫المكلف هو المتصدي للتوزيع‪ ،‬حيث لم يكن أحد من األئمة ‪ ‬قد تصدى لشؤون الحكم‪،‬‬
‫وكالمنا في صورة قيام الدولة‪ ،‬وإقرار الناس بالطاعة لإلمام‪ ،‬واإلقرار له بالطاعة شرط ال بدّ‬
‫منه‪ ،‬وهو شرط طبيعي‪ ،‬ألنّهم إذا لم يقروا له بالطاعة فإنّهم يشقون عصا الخالف أو يعملون‬
‫على قلب نظام الحكم‪ ،‬ومثل هؤالء قد يستباح قتالهم في بعض األحيان إذا تمردوا‪ ،‬فكيف‬
‫يعطون من الزكاة؟!‬
‫‪--4‬التطبيق التاريخي‬
‫ومن األدلة أو المؤيدات على ما نقوله من ّ‬
‫أن الحاكم اإلسالمي يعطي كل من يدين له‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪400‬‬
‫فإن أمير المؤمنين ‪‬‬‫بالطاعة أ ّي ًا كان مذهبه‪ ،‬ما حصل في ظل حكومة أمير المؤمنين ‪ّ ،‬‬
‫والذي كانت تجبى إليه الزكاة حتم ًا((( لم يكن يعطي منها خصوص أتباعه وكذا غيرها من‬
‫األموال التي يضمها بيت المال‪ .‬فالمعروف عن علي ‪ ‬في سياسته المالية أنّه كان يعطي‬
‫كل الناس ملغي ًا سياسة التمييز العنصري بالتفريق بين العرب والعجم التي مارسها بعض‬
‫الخلفاء الذين سبقوه‪ ،‬حيث ميز العرب على العجم وميز المهاجرين على غيرهم من أولي‬
‫السابقة‪ ،‬فقد ألغى اإلمام ‪ ‬هذه السياسة وساوى في العطاء‪ ،‬معتبر ًا أن ذلك ينافي روح‬
‫اإلسالم المنطلقة من قاعدة‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﴾(((‪ ،‬وقد قالها النبي (ص) ‪-‬فيما‬
‫روي عنه‪ -‬في حجة الوداع‪« :‬يا أيها الناس أال إن ربكم واحد وإن أباكم واحد أال ال فضل‬
‫لعربي على أعجمي وال لعجمي على عربي وال ألحمر على أسود وال أسود على أحمر اال‬
‫بالتقوى»(((‪.‬‬
‫وقد طبق ومارس علي ‪ ‬أعلى درجات العدالة في سياسته المالية كما تؤكد العديد‬
‫من الشواهد‪:‬‬
‫«أن طلحة والزبير جاءا إلى أمير المؤمنين وقاال‪ :‬ليس كذلك كان يعطينا‬ ‫‪--1‬في رواية‪ّ :‬‬
‫عمر‪ ،‬قال‪ :‬فما كان يعطيكما رسول الله (ص)؟ فسكتا‪ ،‬قال‪ :‬أليس كان رسول الله‬
‫يقسم بالسوية بين المسلمين؟ قاال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فسنة رسول الله أولى باالتباع عندكم‬
‫أم سنة عمر؟ قاال‪ :‬سنة رسول الله يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫سابقتكما أقرب أم سابقتي؟ قاال‪ :‬سابقتك‪ ،‬قال‪ :‬فقرابتكما أم قرابتي؟ قاال‪ :‬قرابتك‪،‬‬
‫قال‪ :‬فعناؤكما أعظم من عنائي؟ قاال‪ :‬عناؤك‪ ،‬قال‪ :‬فوالله ما أنا وأجيري هذا إال بمنزلة‬
‫واحدة‪ ،‬وأومأ بيده إلى األجير»(((‪ .‬فهو يقرهم ويحدثهم عن أن سيرة الرسول (ص)‬
‫كانت التوزيع في السوية بين المسلمين‪ ،‬وأنه ال يحيد عن هذه السيرة‪.‬‬
‫‪--2‬وفي حديث آخر رواه الكليني عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َع ْن‬

‫وإننا نقرأ في نهج البالغة أنّه وجه تعاليم خاصة إلى بعض عماله عندما أرسله إلى جباية الزكاة‪ ،‬وقد‬ ‫(( (‬
‫ذكر الرضي كتاب ًا له ‪ ‬إلى «بعض عماله وقد بعثه على الصدقة»‪ ،‬انظر‪ :‬نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.26‬‬
‫وله كتاب آخر وجهه إلى عامل آخر من عمال الصدقة‪ ،‬وأعطاه فيه تعاليم كثيرة حول هذا الموضوع‪،‬‬
‫مرت اإلشارة سابق ًا إلى بعض فقراته‪.‬‬
‫وقد ّ‬
‫سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬ ‫((( ‬
‫مسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .411‬والمعجم األوسط للطبراني‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.86‬‬ ‫(( (‬
‫مناقب آل أبي طالب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .378‬ودعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.384‬‬ ‫((( ‬
‫‪401‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ان ا ْلبج ِلي َعن إِسم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع َيل ْب ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن‬ ‫ُم َح َّمد ْب ِن َعل ٍّي َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ُس َل ْي َم َ َ َ ِّ ْ ْ َ‬
‫اق ا ْل َمدَ ِائنِ ِّي َع ْن َر ُج ٍل َع ْن َأبِي‬ ‫يم ْب ِن إِ ْس َح َ‬ ‫ِ‬
‫ار َع ْن إِ ْب َراه َ‬ ‫ب ْب ِن ِمي َث ٍم الت ََّّم ِ‬ ‫اع َيل ْب ِن ُش َع ْي ِ‬ ‫إِسم ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫الشي َعة‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ات ال َّله َع َل ْيه َر ْه ٌط م َن ِّ‬ ‫ِم ْخنَف األ ْزد ِّي‪َ ،‬ق َال‪ :‬أتَى أم َير ا ْل ُم ْؤمني َن َص َل َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫اف‬ ‫اء واألَ ْشر ِ‬ ‫يا َأ ِمير ا ْلمؤ ِمنِين َلو َأ ْخرجت ه ِذه األَمو َال َف َفر ْقتَها فِي هؤ َل ِء الرؤس ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُْ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ور عُدْ َت إِ َلى َأ ْف َض ِل َما َع َّو َد َك ال َّله م َن ا ْل َق ْس ِم‬ ‫ِ‬
‫است َْو َس َقت األُ ُم ُ‬ ‫و َف َّض ْلت َُه ْم َع َل ْينَا َحتَّى إِ َذا ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بِالس ِوي ِة وا ْلعدْ ِل فِي ِ ِ‬
‫ب‬ ‫الرع َّية؟! َف َق َال َأم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن ‪ :‬أت َْأ ُم ُرونِّي َو ْي َحك ُْم َأ ْن َأ ْط ُل َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُون َذل َك َما َس َم َر‬ ‫اإل ْس َل ِم َل وال َّله َل َيك ُ‬ ‫يت َع َل ْيه م ْن َأ ْه ِل ِ‬ ‫يم ْن ُو ِّل ُ‬ ‫الن َّْص َر بِال ُّظ ْل ِم وا ْل َج ْو ِر ف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫َت َأ ْم َوا ُل ُه ْم َمالي َل َس َ‬
‫او ْي ُت َب ْين َُه ْم َف َك ْي َ‬ ‫الس َماء ن َْجم ًا وال َّله َل ْو كَان ْ‬ ‫السم ُير و َما َر َأ ْي ُت في َّ‬ ‫َّ‬
‫وإِن ََّما ه َي َأ ْم َوا ُل ُه ْم‪ .(((»..‬ونحوه ما رواه الشريف الرضي في النهج‪ :‬قال‪« :‬ومن كالم‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫يم ْن‬ ‫ب الن َّْص َر بِا ْل َج ْو ِر‪ ،‬ف َ‬ ‫له ‪- ‬لما عوتب على التسوية في العطاء‪َ « :-‬أت َْأ ُم ُرونِّي َأ ْن َأ ْط ُل َ‬
‫اء ن َْجم ًا(((‪َ ،‬ل ْو ك َ‬
‫َان‬ ‫و ِّليت ع َليه‪ ،‬وال َّله َل َأ ُطور بِه ما سمر س ِمير‪ ،‬وما َأم نَجم فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َ ٌ َ َّ ْ ٌ‬ ‫ُ ُ َ ْ‬
‫ف وإِن ََّما ا ْل َم ُال َم ُال الله» ‪.‬‬
‫َّ (((‬
‫ا ْل َم ُال لِي َل َس َّو ْي ُت َب ْين َُه ْم‪َ ،‬ف َك ْي َ‬
‫أن أمير المؤمنين ‪ - ‬كما جاء في بعض األحاديث ‪ -‬لم يمنع الخوارج من بيت‬ ‫‪--3‬على ّ‬
‫المال‪ ،‬بل كان يعطيهم إلى أن خرجوا وشقوا عصا الطاعة وأخلوا بالنظام‪ .‬فمع أنّهم‬
‫إن لكم عندنا ثالث ًا ما‬
‫ك ّفروه فقد كان يعطيهم حقهم من بيت المال‪ ،‬وقال لهم‪« :‬أما ّ‬
‫صحبتمونا‪ :‬ال نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه‪ ،‬وال نمنعكم الفيء ما دامت‬
‫أيديكم مع أيدينا‪ ،‬وال نقاتلكم حتى تبدأونا»(((‪ .‬وفي كالم آخر له ‪« :‬قفوا حيث‬
‫ال أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم‬ ‫شئتم‪ ،‬بيننا وبينكم أال تسفكوا دم ًا حرام ًا أو تقطعوا سبي ً‬
‫فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إن الله ال يحب الخائنين»(((‪.‬‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .31‬ورواه الشيخ في أماليه وجاء فيه‪« :‬والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف‬ ‫((( ‬
‫وإنما هو أموالهم»‪ .‬انظر‪ :‬أمالي الشيخ الطوسي‪ ،‬ص ‪ .194‬وهكذا أمالي المفيد‪ ،‬ص ‪ .176‬والغارات‬
‫للثقفي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.76‬‬
‫«ما أطور به‪ ،‬من طار يطور‪ :‬حام حول الشيء‪ ،‬أي ما أمر به وال أقار به‪ ،‬مبالغة في االبتعاد عن العمل‬ ‫((( ‬
‫بما يقولون‪ .‬وما سمر سمير أي مدى الدهر أي ما قصد نجم نجم ًا»‪ ،‬انظر‪ :‬حاشية نهج البالغة‪ ،‬للشيخ‬
‫محمد عبده‪.‬‬
‫نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.7‬‬ ‫((( ‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .53‬وتجارب األمم البن مسكويه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .557‬والكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪،6‬‬ ‫(( (‬
‫ص ‪.335‬‬
‫مسند أبي يعلى الموصلي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .369‬ومسند أحمد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .87‬والمستدرك للحاكم‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪402‬‬
‫‪--4‬على أنّه لو كان علي ‪ ‬يعطي خصوص الشيعة من الزكاة الشتهر األمر وذاع وذكر‬
‫واستغله الخصوم ضده ‪ ،‬مع أننا ال نجد شيئ ًا من ذلك وحتى األئمة ‪ ‬الذين روي‬
‫عنهم شرط اإلمامية في مصرف الزكاة لم يشيروا إلى أن سيرة جدهم في األمر كانت‬
‫كذلك‪ ،‬مع ّ‬
‫أن العادة في مثل هذه الموارد أنّهم كانوا يستشهدون بسيرته ‪.‬‬
‫مسؤولية الدولة اإلسالمية عن غير المسلمين‬
‫ويستفاد من سيرة اإلمام علي ‪ ‬أنه لم يعط خصوص المسلمين‪ ،‬بل كان يعطي غير‬
‫المسلمين أيض ًا‪ ،‬ويشهد له ما جاء في الخبر (وإن كان ال يصح سند ًا) الذي رواه الشيخ‬
‫الطوسي في كتاب التهذيب‪« ،‬بإسناده عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن عيسى عن أحمد‬
‫مر شيخ مكفوف‬ ‫ابن عائذ عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين ‪ ‬قال‪ّ :‬‬
‫كبير يسأل فقال أمير المؤمنين ‪ :‬ما هذا؟ فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين نصراني‪ ،‬قال‪ :‬فقال أمير‬
‫المؤمنين ‪ :‬استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال»(((‪.‬‬
‫وهذا ليس أمر ًا مستبعد ًا وال ُيظ ّن ّ‬
‫أن الحاكم اإلسالمي كان يمنع أهل الذمة من العطاء‬
‫من بيت المال‪ ،‬ألنّه مسؤول عن كل الرعايا الموجودين في نطاق سلطته والذين يلتزمون‬
‫يقرهم التشريع اإلسالمي على دينهم وشعائرهم ويلزمهم بدفع‬ ‫بالقوانين‪ ،‬وهل يعقل أن ّ‬
‫ثم يحرمهم من سدّ خالتهم وإعالة فقرائهم؟!‬
‫الجزية والضريبة إلى بيت مال المسلمين ّ‬

‫ص ‪ .153‬والسنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .180‬والبداية والنهاية البن كثير‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.311‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.293‬‬
‫الف�صل الثاني‬

‫�شرط الإمامية في م�صرف الهدي‬

‫ذكر جمع من الفقهاء أن الفقير الذي ُيعطى من الهدي ال بدّ أن يكون إمامي ًا‪ ،‬والسؤال‪:‬‬
‫ما هو الدليل على شرط اإلمامية في مصرف الهدي؟‬
‫ونحن نبحث المسألة من خالل وقفتين‪:‬‬

‫الوقفة الأولى‪ :‬دليل ال�شرط ّية‬


‫قال السيد الخوئي‪« :‬اعتبر المشهور اإليمان في الفقير والمهدى إليه وذكروا أنه ال دليل‬
‫عليه سوى اإلجماع‪ ،‬فإن تم فهو‪ ،‬وإال فيشكل الحكم بلزوم ذلك»(((‪.‬‬
‫ثم حاول االستدالل ببعض الوجوه وهي‪:‬‬
‫ّ‬
‫الدليل األول‪ :‬روايات المنع من إعطاء الزكاة‬
‫يستند هذا الوجه إلى «الروايات الواردة في باب الزكاة المانعة عن إعطائها إلى غير‬
‫أن التعدي من مورد الزكاة إلى باب الهدي ليس من باب القياس حتى‬ ‫المؤمن‪ ،‬وال يخفى ّ‬
‫يقال بأنّه ال عبرة به في الفقه أصالً‪ ،‬بل التعدي ألجل ما يستفاد من تلك الروايات أن غير‬
‫المؤمن ال يستحق اإلحسان إليه وأنه ال قابلية له لذلك ال لخصوصية في الزكاة‪ ،‬فإنّه ورد‬
‫في بعض الروايات المعتبرة أنّه ليس له «إال الحجر أو إال التراب»‪ .‬ويكشف ذلك عن عدم‬
‫قابليته لإلحسان إليه فال فرق بين إعطاء الزكاة أو إعطاء غيرها من الصدقات والمبرات»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬من الب ّين ّ‬
‫أن السيد ‪-‬رحمه الله‪ -‬لم يستدل بظهور الروايات المتقدمة في عدم‬

‫(( ( موسوعة السيد الخوئي‪/‬شرح المناسك‪ ،‬ج ‪ ،29‬ص ‪.313‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪404‬‬
‫ألن االستدالل بها لما نحن فيه‪ ،‬أعني منعه من الهدي أو‬‫استحقاق غير الموالي للزكاة‪ّ ،‬‬
‫األضحية يحتاج إلى القياس وهو مما ال نقول به‪ ،‬وإنما اعتمد على داللة بعض تلك األخبار‬
‫على ما أسماه بعدم قابل ّية غير الشيعي لإلحسان إليه‪ ،‬ولذلك فهو ال يعطي شيئ ًا من الزكاة‪،‬‬
‫وعلى هذا فال يبقى من خصوصية للزكاة كما ال يخفى‪ ،‬واألساس فيما استند السيد عليه من‬
‫تلك األخبار إلثبات عدم األهلية لغير اإلمامي هو قول اإلمام ‪ ‬ليس له «إال الحجر» أو‬
‫«إال التراب»‪.‬‬
‫أن الحكم بعدم إعطائهم الزكاة‪ ،‬هو‬ ‫عما تقدّ م من ّ‬
‫ويالحظ عليه‪ :‬أنّه وبصرف النظر ّ‬
‫حكم تدبيري ظرفي وناظر إلى صورة تولي الفرد لذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن التعبير بأنّه ليس له إال التراب‪،‬‬
‫هو تعبير كنائي عن عدم إعطائه منها وعدم استحقاقه شيئ ًا‪ ،‬وال يراد منه المعنى الحرفي‪،‬‬
‫يدل سوى على حرمانه‬ ‫إن التعبير ال ّ‬ ‫ليستفاد منه عدم أهليته لذلك‪ .‬وعليه فال يبعد القول‪ّ :‬‬
‫من الزكاة كسائر الروايات المتقدمة‪ ،‬فيجري عليه ما جرى عليها من الحمل على التدبيرية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بصرف النظر ّ‬
‫عما تقدم‪ ،‬فالروايات التي أشار إليها السيد ال تدل على مدعاه‪،‬‬
‫والروايات هي‪:‬‬
‫األولى‪ :‬رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح ‪ ‬قال‪ :‬قلت له الرجل منا‬
‫يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال‪ :‬يضعها في إخوانه وأهل واليته‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال‪ :‬يبعث بها إليهم قلت‪ :‬فإن لم يجد من يحملها إليهم؟‬
‫قال‪ :‬يدفعها إلى من ال ينصب‪ ،‬قلت‪ :‬فغيرهم؟ قال‪ :‬ما لغيرهم إال الحجر»(((‪.‬‬
‫وهذه الرواية ضعيفة السند(((‪ ،‬وهي واردة في منع النواصب‪ّ ،‬‬
‫ألن اإلمام ‪ ‬عندما أباح له‬
‫دفعها إلى من ال ينصب‪ ،‬فسأله الراوي عن الدفع إلى غيرهم؟ وغير من ال ينصب هو من ينصب أو‬
‫يكون ناظر ًا إلى غير المسلمين‪ ،‬وعلى التقديرين‪ ،‬فالمسلم الذي ال ينصب ليس مشموالً للمنع‪.‬‬
‫علت فداك ما تقول في‬
‫الثانية‪ :‬صحيحة ابن أبي يعفور قال‪« :‬قلت ألبي عبد الله ‪ُ :‬ج ُ‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.46‬‬


‫(( ( باعتراف السيد الخوئي قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬هي في حدّ نفسها ضعيفة السند‪ ،‬ال أنّها مطروحة لعدم‬
‫حماد‬ ‫العامل بها‪ ،‬ووجه الضعف هو إبراهيم بن إسحاق‪ ،‬حيث ّ‬
‫إن المراد به بقرينة روايته عن عبد الله بن ّ‬
‫صرح به النجاشي‪،‬‬
‫األنصاري وكونه من رواة كتابه هو النهاوندي‪ ،‬وهو ضعيف في حديثه ودينه كما ّ‬
‫وال يحتمل أن يراد به إبراهيم بن إسحاق الثقة الذي هو من أصحاب الصادق ‪ ،‬الختالف الطبقة‬
‫كما ال يخفى»‪ ،‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.136‬‬
‫‪405‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الزكاة لمن هي؟ قال‪ :‬هي ألصحابك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬فقال‪ :‬فأعد عليهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فأعد عليهم‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فإن فضل عنهم‪ ،‬قال‪ :‬فأعد عليهم‪،‬‬
‫السؤال منها شيئ ًا؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬ال والله إال التراب إال أن ترحمهم (تعطيهم‬
‫ّ‬ ‫قلت‪ :‬فنعطي‬
‫شفقة) فإن رحمتهم فأعطهم كسرة‪ ،‬ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على رؤوس أصابعه»(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫السؤال هم المتسولون‪ ،‬فهؤالء قال اإلمام ‪ ‬ليس لهم إال التراب‪ ،‬إال أن‬ ‫إن ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ترحمهم‪ ،‬والحديث مطلق أي سواء أكانوا من الشيعة أو غيرهم‪ ،‬فال يستفاد منها عدم أهل ّية‬
‫غير اإلمامي لإلحسان‪ .‬نعم‪ ،‬صدر الرواية في تشديده على إعطاء األصحاب واإلعادة‬
‫دل على المنع من إعطاء غيرهم الزكاة‪ ،‬وهذا ال ينفع السيد ‪-‬رحمه الله‪ّ ،-‬‬
‫ألن‬ ‫عليهم ّ‬
‫الكالم ليس في عدم إعطائهم بل في عدم أهليتهم لإلحسان‪ ،‬لتلغى خصوصية الزكاة‪.‬‬
‫إن ابن أبي يعفور بعد أن أوضح له اإلمام ‪ ‬عدم إعطاء الزكاة إال‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫ألصحابه في الوالية‪ ،‬اتّجه إلى السؤال عن أمر آخر وهو إعطاء المتسولين‪ ،‬بصرف النظر‬
‫بأن هؤالء بعنوانهم ال يعطون من الزكاة إال ما يسدّ الرمق‪،‬‬ ‫عن مذهبهم‪ ،‬وأجابه اإلمام ّ‬
‫فإن هؤالء قد ال يحرز فقرهم‪ ،‬وربما كانوا من ذوي القدرة على‬ ‫وهذا حكم له ما يبرره ّ‬
‫التسول‪ ،‬ومن كان كذلك فثمة وجه وجيه لعدم إعطائه من الزكاة(((‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العمل‪ ،‬ولكنهم امتهنوا‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .53‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،222‬الحديث ‪ 6‬من الباب ‪ 5‬من أبواب‬
‫المستحقين للزكاة‪.‬‬
‫((( ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى المنع من إعطاء الزكاة للمتسولين‪ ،‬قال السيد اليزدي‪« :‬الظاهر‬
‫أنه ال مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه‪ ،‬وكذا في الفطرة‪ ،‬ومن منع من ذلك كالمجلسي في زاد‬
‫المعاد في باب زكاة الفطرة لعل نظره إلى حرمة السؤال واشتراط العدالة في الفقير وإال فال دليل عليه‬
‫بالخصوص‪ ،‬بل قال المحقق القمي لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في‬
‫زاد المعاد‪ ،‬قال‪ :‬ولعله سهو منه‪ ،‬وكأنه كان يريد االحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى»‪ ،‬انظر‪ :‬العروة‬
‫التسول‬
‫ّ‬ ‫الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .194‬هذا ولكن المحشين على العروة وافقوا المجلسي فيما إذا كان يحترف‬
‫التسول‪ ،‬فقال السيد أبو الحسن األصفهاني‪« :‬الظاهر أن‬ ‫ّ‬ ‫أو كان صاحب حرفة ومع ذلك لجأ إلى‬
‫المراد به من كان حرفته االستعطاء من الناس» وقال السيد الحكيم‪« :‬أو إلى صورة اتخاذ السؤال حرفة‬
‫أو إلى النهي عن إعطائه في بعض األخبار» ‪.‬وع ّلق األصفهاني أيض ًا‪« :‬ويمكن أن يكون نظره إلى أنه‬
‫داخل في المحترف التي تفي حرفته بمؤنته» ‪.‬وع ّلق الشيخ علي الجواهري‪« :‬إذا اتخذ السؤال حرفة‬
‫«المتسولين» بل‬
‫ّ‬ ‫فال يبعد عدم جواز إعطائه»‪ .‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬أقول‪ :‬ونالحظ ّ‬
‫أن الرواية لم تذكر‬
‫«السؤال»‪ ،‬وهي صيغة مبالغة فتكون ناظرة إلى امتهان التسول واتخاذه حرفة‪ ،‬وعليه فربما كان‬‫ّ‬ ‫ذكرت‬
‫التسول مع قدرته على العمل‪ ،‬وهذا ال يعطى من=‬ ‫ّ‬ ‫محترف‬ ‫إلى‬ ‫الزكاة‬ ‫إعطاء‬ ‫منع‬ ‫في‬ ‫المجلسي‬ ‫نظر‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪406‬‬
‫إما لعدم صدق الفقر عليه‪ ،‬أو لما ورد عنهم من ّ‬
‫أن الزكاة ال تعطى لذي «مرة سوي»(((‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫ألن اإلمام ‪ ‬يريد محاربة هذه الظاهرة‪.‬‬
‫إن قلت‪ :‬إنّه وبقرينة ما جاء في صدر الرواية من تأكيد اإلمام ‪ ‬على أنّه يعطي الزكاة‬
‫ألصحابه فال محالة يكون نظر ابن أبي يعفور في سؤاله عن المتسولين إلى غير الشيعة منهم‪،‬‬
‫ألنّه ال وجه لسؤاله عن المتسولين الشيعة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس بالضرورة أن يكون األمر كذلك‪ ،‬فربما يرد في ذهن الراوي ّ‬
‫أن هؤالء‬
‫المتسولين حتى لو كانوا من الشيعة لك ّن تسولهم يمنع من إعطائهم‪ ،‬لما قلناه من ّ‬
‫أن هؤالء قد‬
‫التسول‪ ،‬فاندفع الراوي إلى‬
‫ّ‬ ‫ال يحرز فقرهم أو قد يكونوا قادرين على العمل لكنهم احترفوا‬
‫السؤال عنهم‪ ،‬وهذا االحتمال في تفسير الرواية إن لم يكن هو األقوى‪ ،‬فال أقل من أنّه يساوي‬
‫احتمال أن يكون الراوي وبعد أن علم من اإلمام ‪ّ ‬‬
‫أن غير الشيعي ال يعطى منها اندفع إلى‬
‫السؤال عن حكم السائل غير الشيعي لسوء حاله‪ ،‬ومع تساوي االحتمالين تكون الفقرة مجملة‪.‬‬
‫السؤال من غير الشيعة‪ ،‬لكن غايته منع السؤال منهم‪،‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬مع التسليم ّ‬
‫بأن النظر إلى ُّ‬
‫السؤال‪ .‬وأ ّما تفسير المتسولين بعموم‬
‫دون سواهم‪ ،‬لما عرفت من صعوبة إلغاء خصوصية ُّ‬
‫غير الموالين ألهل البيت ‪ ‬فهو خالف الظاهر جد ًا فال يصغى إليه‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬روايات المنع من إعطاء الصدقة‬
‫من قبيل‪ :‬صحيح علي بن بالل‪ ،‬قال‪ :‬كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال‬
‫تعط الصدقة والزكاة إال ألصحابك»(((‪.‬‬ ‫والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب‪« :‬ال ِ‬
‫دل على عدم إعطاء الصدقة لغير المؤمن‪ ،‬والصدقة عنوان عام‬ ‫قال الس ّيد الخوئي‪« :‬فإنّه ّ‬
‫يشمل الصدقة في باب الهدي‪ ،‬خصوص ًا من [مع] ذكرها في قبال الزكاة‪ ،‬والمستفاد منه منع‬
‫إعطاء الصدقات إلى المخالف خرجنا عن ذلك في خصوص الصدقات المندوبة للنص‪،‬‬
‫وأما مطلق الصدقات الواجبة ومنها صدقة الهدي مشمول للمنع المذكور في النص‪ ،‬ويكفينا‬
‫ذلك في المنع بعد عدم الدليل على الجواز»(((‪.‬‬

‫= الزكاة بإجماع الفقهاء ألنّه ليس فقير ًا‪ ،‬وعليه فال موجب لحمل كالمه على أنّه من سهو القلم‪ ،‬كما ذكر‬
‫الميرزا القمي‪ ،‬ووافقه السيد الخوئي‪ .‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.350‬‬
‫الصدقة لغني‪ ،‬وال لذي مرة سوي‪ ،‬وال لمحترف وال‬ ‫(( ( في صحيحة زرارة عن أبي جعفر ‪« :‬ال تحل ّ‬
‫لقوي»‪ .‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.560‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.53‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪/‬شرح المناسك‪ ،‬ج ‪ ،29‬ص ‪.313‬‬
‫‪407‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الرواية ‪-‬كما يالحظ‪ -‬مضمرة‪ ،‬واالعتماد على هذه المضمرة ال يخلو من إشكال‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ال يبعد انصراف الصدقة إلى المندوبة منها‪ ،‬كما ّ‬
‫أن التعبير عن الهدي بالصدقة‬
‫غير مألوف‪ ،‬أجل ّ‬
‫إن ثلثها يتصدق به على الفقراء وليس جميعها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬لو ُس ّلم بشمول الصدقة للهدي‪ ،‬فسيأتي في الوقفة الثانية ما يصلح لتقييد الرواية‬
‫بغير الهدي من الصدقات‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬اإلجماع‬
‫قال الشيخ يوسف البحراني‪« :‬وكيف كان فيجب تقييده بالمؤمن‪ ،‬كما عليه ظاهر اتفاق‬
‫كلمة األصحاب»(((‪.‬‬
‫هذا ولكن يمكن النقاش في دعوى اإلجماع وذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬لعدم ثبوت اإلجماع صغروي ًا‪ّ ،‬‬
‫ألن التأمل في كلمات الفقهاء المتقدمين ال تساعد‬
‫المعول‬
‫ّ‬ ‫على ذلك‪ ،‬لخلو الكثير منها ‪ -‬بحسب التتبع ‪ -‬من هذا الشرط‪ ،‬ومعلوم ّ‬
‫أن اإلجماع‬
‫عليه هو إجماع المتقدمين‪« ،‬وال طريق لنا إلى ثبوت اإلجماع بين فقهائنا المتقدمين الذين‬
‫ال بعصر أصحاب األئمة ‪ ‬في نهاية المطاف‪ ،‬حيث ال قيمة لإلجماع‬ ‫يكون عصرهم متص ً‬
‫بين المتأخرين إذا لم يكن بين المتقدمين»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وعلى فرض التو ّثق من حصول إجماع فال يحرز كونه إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا عن‬
‫رأي المعصوم‪ ،‬فربما اعتمد المجمعون على بعض الوجوه االجتهادية كالتي تقدمت‪.‬‬

‫الوقفة الثانية‪ :‬دليل �إعطاء الهدي لكل م�سلم‬


‫ولكن قد يقال‪ :‬إنّه ال يكفي تفنيد أدلة المنع من إعطاء الزكاة لغير اإلمامي‪ّ ،‬‬
‫ألن السؤال‬
‫الذي يطرح نفسه‪ :‬ما المقتضي إلعطاء غير اإلمامي من الهدي؟ إذ قد يكفي في منعه عدم‬
‫الدليل على جواز إعطائه‪ ،‬ألنّه مع عدم الدليل على التعميم‪ ،‬يكون اإلمامي هو القدر المتيقن؟‬
‫والجواب‪ :‬إنّه يوجد العديد من األدلة على جواز إعطاء كافة المسلمين منها‪:‬‬

‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.61‬‬


‫((( تعاليق مبسوطة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.562‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪408‬‬
‫الدليل األول‪ :‬اإلطالقات‬
‫﴿ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬ ‫وعلى رأسها قوله تعالى‪:‬‬
‫ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﴾(((‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫(((‬
‫ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﴾(((‪ .‬فقد أطلق إطعام القانع والمعتر‬
‫دون أن يق ّيد بقيد مذهبي‪.‬‬
‫وهكذا فإنا نملك روايات مطلقة أيض ًا‪ ،‬من قبيل صحيحة سيف التمار قال‪ :‬قال أبو‬
‫«إن سعد بن عبد الملك قدم حاج ًا فلقي أبي فقال‪ :‬إني سقت هدي ًا فكيف‬ ‫عبد الله ‪ّ :‬‬
‫أصنع؟ فقال له أبي‪ :‬أطعم أهلك ثلث ًا‪ ،‬وأطعم القانع والمعتر ثلث ًا‪ ،‬وأطعم المساكين ثلث ًا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬المساكين هم السؤال؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وقال‪ :‬القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة‬
‫فما فوقها‪ ،‬والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك‪ ،‬وهو أغنى من القانع يعتريك فال يسألك» (((‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬النصوص الخاصة‬
‫وإليك ما عثرنا عليه منها‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن هارون‬
‫«إن علي بن الحسين ‪ ‬كان يطعم من ذبيحته الحرورية‪،‬‬
‫ابن خارجة‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪ّ :‬‬
‫قلت‪ :‬وهو يعلم أنّهم حرورية؟ قال‪ :‬نعم»(((‪.‬‬
‫الرواية صحيحة السند‪ ،‬وأما داللة فهي واضحة في جواز إعطاء الحروري (الخارجي)‪،‬‬
‫وعليه‪ ،‬فغيره من سائر المسلمين أولى بالجواز‪ ،‬واإلمام الصادق ‪ ‬ليس في مقام الحكاية‬
‫المجردة‪ ،‬وإنّما هو في صدد بيان الحكم الشرعي‪.‬‬
‫ولك ّن بعض الفقهاء حمل إعطاءهم الهدي «على التق ّية أو لتأليف قلوبهم»(((‪.‬‬

‫((( سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬


‫((( سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬
‫يمر بك بقصد‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫وبالمعتر‪:‬‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫الزائد‬ ‫منك‬ ‫يطلب‬ ‫وال‬ ‫إليه‬ ‫أرسلت‬ ‫بما‬ ‫يقنع‬ ‫الذي‬ ‫(( ( «المراد بالقانع هو‪:‬‬
‫إعطائك إياه وال يسأل»‪ .‬مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ .337‬وهذا التفسير مروي‪.‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.223‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.484‬‬
‫(( ( روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.161‬‬
‫‪409‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ولكن ال موجب للحمل على التق ّية وذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫ألن الحمل على التق ّية إنّما يكون في حال تعارض األخبار‪ ،‬وهو غير متحقق‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬هل التق ّية هي في فعل اإلمام السجاد ‪ ،‬أو في حكاية اإلمام الصادق ‪‬؟ أ ّما‬
‫األول‪ ،‬فهو بعيد‪ ،‬ألنّه لو كان هناك موجب للتق ّية في أمر الخوارج في زمن اإلمام السجاد ‪،‬‬
‫بحيث كان لهم من الشوكة آنذاك ما يدفع اإلمام ‪ ‬إلى اتقائهم فهذا قد يحصل أحيان ًا‪ ،‬بيد‬
‫أن إطعامه للحرور ّية لم يكن لمرة واحدة‪ ،‬بل كان ديدنه ذلك‪ ،‬وعلى‬ ‫أن الظاهر من الرواية ّ‬
‫ّ‬
‫األقل تكرر ذلك منه ‪ ‬كما يشهد به قول الصادق ‪« :‬كان يطعم‪.»..‬‬
‫وأما الثاني‪ ،‬فهو أكثر بعد ًا‪ ،‬إذ التق ّية ال تحتّم على اإلمام الصادق ‪ ‬أن ينسب الجواز‬
‫إلى جده اإلمام السجاد ‪ ،‬إذ التق ّية ضرورة وهي تقدر بقدرها‪.‬‬
‫ال عن كونه ال ينفي الجواز‪ ،‬ال موجب له‪،‬‬ ‫وأ ّما حمله على صورة التأليف فهو فض ً‬
‫أن االستدالل كان بفعل السجاد ‪ ‬فإنّه ‪-‬كفعل‪ -‬عمل صامت له‪ ،‬وال‬ ‫ولكان له وجه لو ّ‬
‫أن االستدالل هو بحكاية الصادق ‪ ‬لفعل جده ‪ ،‬وهي حكاية‬ ‫إطالق له‪ ،‬بيد أنّك عرفت ّ‬
‫يراد منها بيان الحكم الشرعي فيتمسك بإطالق كالمه ‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬الكليني عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن‬
‫اح ا ْل ِكنَانِ ِّي َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْس َماع َيل َع ْن ُم َح َّمد ْب ِن ا ْل ُف َض ْي ِل َع ْن َأبِي َّ‬
‫الص َّب ِ‬
‫ث َع َلى ِج َيرانِ ِه ْم‪،‬‬‫ان بِ ُث ُل ٍ‬
‫َان َع ِلي بن ا ْلحسي ِن و َأبو جع َف ٍر ‪ ‬يتَصدَّ َق ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ُل ُحو ِم األَ َضاح ِّي؟ َف َق َال‪ :‬ك َ ُّ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫ت»(((‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬و ُث ُل ٌث يم ِسكُونَه ألَه ِل ا ْلبي ِ‬ ‫ث َع َلى الس َّؤ ِ‬ ‫و ُث ُل ٍ‬
‫ْ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫ُّ‬
‫والرواية وصفها المجلسي بالمجهولة(((‪ ،‬ووصفها آخرون بالصحيحة(((‪ .‬واإلشكال‬
‫الرئيس فيها هو في محمد بن الفضيل وهو ظاهر ًا األزدي الصيرفي‪ ،‬وقد ضعفه الشيخ‬
‫الطوسي في رجاله‪ .‬أجل‪ ،‬وثقه الشيخ المفيد في الرسالة العددية‪ ،‬وعدّ ه «من الفقهاء‬
‫والرؤساء األعالم‪ ،‬الذين يؤخذ منهم الحالل والحرام والفتيا واألحكام‪ ،‬وال يطعن عليهم‬
‫بشيء‪ ،‬وال طريق لذم واحد منهم»‪ .‬ومع تعارض التوثيق والتضعيف فال يبقى مثبت لوثاقته‪،‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .449‬ورواه الصدوق مرسالً‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.493‬‬
‫((( قال المجلسي في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪«: 181‬مجهول»‪.‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬كتاب الحج للسيد الشاهرودي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .173‬تفصيل الشريعة في شرح وسائل تحرير الوسيلة‬
‫(كتاب الحج)‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .257‬وفي رياض المسائل قال «القريب من الصحة»‪ ،‬انظر‪ :‬رياض المسائل‪،‬‬
‫ج ‪ ،6‬ص ‪ .451‬وكذلك في جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.159‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪410‬‬
‫ال في صحة دعوى انصرافه إلى محمد ابن القاسم‬ ‫وهذا ما خلص إليه السيد الخوئي(((‪ ،‬متأم ً‬
‫ابن الفضيل الثقة‪ ،‬كما استظهره األردبيلي في جامع الرواة(((‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن السند‪ّ ،‬‬
‫فإن السيد الخوئي قد اعترض على داللتها‪« :‬أ ّما ما ورد‬
‫من إعطاء علي بن الحسين والباقر ‪ ‬ثلث األضاحي صدقة على جيرانهم مع أنه ال يخلو‬
‫جيرانهم من المخالفين فليس من الهدي‪ ،‬وإنما هو من األضحية المستحبة‪ ،‬كما هو واضح‬
‫جد ًا فال ينبغي الريب في الحكم المذكور»(((‪.‬‬
‫أن األضحية وإن كانت تطلق على األضحية المستحبة‪ ،‬لكنها تطلق‬ ‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫أيض ًا على األضحية الواجبة «كهدي التمتع والمنذور»(((‪.‬‬
‫ثمة قرينة في الرواية تشعر بالنظر إلى األضحية المستحبة‪ ،‬وهي تقسيم األضحية‬‫أجل‪ّ ،‬‬
‫وإعطاء ثلث منها لجيرانه‪ ،‬وثلث ألهل بيته‪ ،‬فاإلمامان السجاد والباقر ‪ ‬لم يكونا ساكنين‬
‫في منى أو في مكة ليقسما على جيرانهما وأهل بيتهما‪.‬‬
‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إنهما كان يعطيان جيرانهما في السكن سواء في مكة أو في‬
‫المشاعر‪ ،‬والجار يصدق على ذلك ولو كانت اإلقامة مؤقتة‪ ،‬وأما أهل بيتهما فهم كانوا‬
‫يصطحبونهم معهم‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه قد ورد في الخبر الصحيح‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن أبي عبد الله ‪:‬‬
‫«أنه كره أن يطعم المشرك لحوم األضاحي»(((‪.‬‬
‫والتعبير بالكراهة إن لم يكن ظاهر ًا في الكراهة المصطلحة فليس ظاهر ًا في الحرمة‪،‬‬
‫فيكون مستخدم ًا في مطلق المبغوضية‪ ،‬والقدر المتيقن منه هو الكراهة‪.‬‬
‫ولكن ثمة تساؤل ُيطرح في المقام‪ ،‬وهو أنّه بلحاظ الواقع التاريخي فمكة المكرمة في‬
‫زمن اإلمام الصادق ‪ ‬بل وقبله لم يكن فيها مشركون‪ ،‬وكذا المدينة ومعظم بالد الحجاز‪،‬‬
‫ولحوم األضاحي في العادة ال تخرج من مكة‪ ،‬بل هناك نهي عن نقلها خارج مكة‪ ،‬فأي‬

‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪.153‬‬


‫((( موسوعة السيد الخوئي‪/‬كتاب الحج‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪.352‬‬
‫((( شرح المناسك‪/‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،29‬ص ‪.313‬‬
‫(( ( الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.208‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .484‬ورواه الصدوق مرس ً‬
‫ال‪ ،‬انظر‪ :‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.493‬‬
‫‪411‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ٍ‬
‫مشرك كره اإلمام الصادق ‪ ‬إطعامه؟!‪ ،‬لذا نحتمل أن تكون الرواية تنقل سيرة النبي (ص)‬
‫وحصل سقط في سند الحديث‪ ،‬وهو عبارة «عن رسول الله» أو نحو ذلك‪ ،‬ويؤيده أن الرواية‬
‫في الدعائم مروية عن الرسول (ص)(((‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فالرواية ال تصلح لالستدالل بها في المقام‪ ،‬ألن «المشرك» ال يوصف به‬
‫التجوز ومع قيام القرينة على ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المسلم‪ ،‬إال بضرب من‬
‫الدليل الثالث‪ :‬لو كان لبان‬
‫ونص عليه‪،‬‬‫إنّه لو كان يجب إعطاء الهدي إلى خصوص المؤمن الشيعي لبان ذلك ّ‬
‫ألن غالب الفقراء في تلك الديار في شتى المراحل الزمانية لم يكونوا من الموالين‬ ‫وذلك ّ‬
‫ألهل البيت ‪ ،‬فالمسألة ابتالئية للغاية والحكم بمنع غير الشيعي مستلزم غالب ًا للعسر‬
‫والحرج‪ ،‬األمر الذي يثير الكثير من األسئلة‪ ،‬وهو ما ال نجد له عين ًا وال أثر ًا في األخبار‪.‬‬
‫ولهذا فال دليل على شرط اإلمامية في مستحق الهدي‪ ،‬ال لعدم الدليل على ذلك‪ ،‬بل‬
‫لوجود الدليل على جواز إعطاء غير الشيعي‪ .‬وهذا ما ذهب إليه جمع من الفقهاء المتأخرين‬
‫من تالمذة السيد الخوئي((( وغيرهم‪.‬‬

‫((( فقد روى القاضي نعمان عن جعفر بن محمد ‪ ‬أنه قال‪« :‬نهى رسول الله (ص) أن يطعم المشرك‬
‫من األضحية‪ ،‬ألنها قربة إلى الله عز وجل»‪ ،‬انظر‪ :‬دعائم اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ .187‬وفي نقل المستدرك‬
‫«كره»‪ ،‬بدل «نهى»‪.‬‬
‫((( تعاليق مبسوطة‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .562‬والتهذيب في مناسك العمرة والحج‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.259‬‬
‫المحور الخام�س‬

‫ا�شتراط الإمامية في الذابح‬

‫‪--1‬أقوال الفقهاء في الشرط المذكور‬


‫‪--2‬تأصيل القاعدة العامة‬
‫‪--3‬أدلة شرط اإلمامية‬
‫‪--4‬الجمع أو الترجيح‬
‫‪--5‬ذبيحة الناصب‬
‫‪--6‬ذبيحة الغالة‬
‫‪--7‬اشتراط اإلمامية في ذابح الهدي‬
‫أن سوق المسلمين ‪ -‬بصرف‬ ‫إن من أهم مظاهر انتظام المجتمع اإلسالمي البناء على ّ‬ ‫ّ‬
‫وأن يد المسلم أيض ًا أمارة على‬
‫النظر عن تالوينه المذهبية ‪ -‬هو أمارة على الحلية والتذكية‪ّ ،‬‬
‫فاستقرت فتاوى الفقهاء على الحكم بأن‬
‫ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وهذا األمر هو ما جرى عليه الفقه الشيعي‪،‬‬
‫اللحوم ومشتقاتها المأخوذة من يد المسلمين على اختالف مذاهبهم أو من أسواقهم يبنى‬
‫على حليته وذكاته‪ ،‬وكذلك الحال في الجلود‪ ،‬وهذه القاعدة مستقاة من النصوص اآلتية‪،‬‬
‫ولك ْن ثمة رأي فقهي يشترط اإلمامية في حلية الذبيحة‪ ،‬وهو وإن كان خالف المشهور ولكن‬
‫يجدر بنا درسه ومالحظة أدلته‪.‬‬

‫‪�1 -1‬أقوال الفقهاء في ال�شرط المذكور‬


‫قال ابن إدريس الحلي‪« :‬وال بأس بأكل ذبيحة المستضعف‪ ،‬وقد بيناه في كتاب‬
‫الطهارة‪ .‬وقال شيخنا ‪-‬رحمه الله‪ -‬في نهايته‪ ،‬وال يتولى الذباحة إال أهل الحق‪ ،‬فإن توالها‬
‫غيرهم ويكون ممن ال يعرف بعداوة آل محمد ‪ ،‬لم يكن بأس بأكل ذبيحته‪ ،‬قال محمد‬
‫ابن إدريس ‪-‬رحمه الله‪ :-‬المراد بقوله «غيرهم» يعني المستضعفين الذين ال منّا وال من‬
‫مخالفينا‪ ،‬وصحيح أنهم غيرنا‪ ،‬فال يظ ّن ظان أنه أراد بغيرهم من مخالفينا المستضعفين‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫المستضعفين ال منا وال منهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﴾(((»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬تفسير غيرهم بالمستضعفين هو خالف الظاهر‪ ،‬فظاهر كالم الشيخ هو التفصيل‬
‫بين الناصب وغيره‪.‬‬
‫وقال ابن حمزة‪« :‬والذابح يجب أن يكون مؤمن ًا أو في حكمه»(((‪.‬‬

‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.143‬‬


‫((( السرائر‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.106‬‬
‫(( ( الوسيلة‪ ،‬ص ‪.361‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪416‬‬
‫الحق‪ ،‬فإن َّ‬
‫توله‬ ‫البراج‪« :‬ال يجوز أن يتو َّلى الذبح َّإل من كان مسلم ًا من أهل ّ‬‫وقال ابن ّ‬
‫غير من ذكرناه من الك ّفار المخالفين لدين اإلسالم أو من ك ّفار أهل الم َّلة على اختالفهم في‬
‫يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته»(((‪.‬‬
‫جهات كفرهم لم ّ‬
‫وقال العالمة الحلي‪« :‬مسألة‪ :‬قال الشيخ في النهاية‪ :‬الذباحة ال يجوز أن يتوالها غير‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن المسلمين ال يتوالها إال أهل الحق‪ ،‬فإن توالها غير أهل الحق ويكون ممن‬
‫ال يعرف بعداوة آلل محمد ‪ ‬لم يكن بأس بأكل ذبيحته‪ ،‬وإن كان ممن ينصب لهم العداوة‬
‫والشنآن لم يجز أكل ذبيحته‪ .‬وهذا الكالم يعطي إباحة أكل ذبيحة المخالف إذا لم يكن‬
‫ناصب ًا‪« .‬ثم نقل كالم ابن إدريس وابن حمزة وابن البراج‪ّ ،‬‬
‫ثم علق قائالً‪« :‬والمعتمد جواز‬
‫أكل ذبيحتهم إذا اعتقدوا وجوب التسمية»(((‪.‬‬
‫وقال الفيض الكاشاني‪« :‬ومن األصحاب من اشترط اإليمان أيض ًا كالقاضي‪ .‬والحلبي‬
‫خص المنع بجاحد النص‪ ،‬والعالمة بمن ال يعتقد وجوب التسمية‪ ،‬واألصح عدم اعتبار‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬إال أن يعتقد ما يخرجه عن اإلسالم كالناصبي»(((‪.‬‬
‫وقال صاحب الجواهر‪« :‬فـ(ال يشترط اإليمان) بالمعنى األخص وفاق ًا للمشهور»(((‪.‬‬

‫‪2 -2‬ت�أ�صيل القاعدة العامة‬


‫وعلينا بعد عرض كلمات الفقهاء أن نؤسس القاعدة العامة في مسألة الذبح‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫األصل العملي لو س ِّلم أنّه يقتضي الحكم بعدم التذكية((( كما هو رأي المشهور من جريان‬
‫استصحاب عدم التذكية‪ ،‬لك ّن مقتضى األصل اللفظي هو القول بحلية ذبيحة المسلم بصرف‬
‫النظر عن معتقده‪ ،‬ويمكن بيان األصل في المقام على مستويين‪:‬‬
‫المستوى األول‪ :‬ما يدل على حل ّية الذبائح في دائرة أوسع من المسلم‪ ،‬استناد ًا إلى‬
‫ما ّ‬
‫دل على حل ّية األكل مما ذكر اسم الله عليه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫المهذب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.439‬‬ ‫(( (‬


‫مختلف الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.300‬‬ ‫((( ‬
‫مفاتيح الشرايع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.197‬‬ ‫(( (‬
‫جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،36‬ص ‪.93‬‬ ‫(( (‬
‫ألن للمناقشة في ذلك مجا ً‬
‫ال واسع ًا‪ ،‬كما هو مبحوث في محله‪.‬‬ ‫إنما أقول لو س ِّلم‪ّ ،‬‬ ‫((( ‬
‫‪417‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ﱇ ﱈ ﱉ ﴾(((‪ّ ،‬‬
‫فإن الدعوة إلى األكل فيها هي لإلرشاد إلى حل ّية األكل وليست للوجوب‬
‫كما هو واضح‪ّ ،‬‬
‫فإن األكل وارد مورد الحظر‪ ،‬ومقتضاها كفاية ذكر اسم الله على الذبيحة‬
‫سواء كان الذابح مسلم ًا أم ال‪ .‬فهذا المستوى من القاعدة يقضي بالحلية فيما هو أعم من‬
‫المسلم المخالف‪ ،‬فهو يشمل حتى أهل الكتاب‪ ،‬وإذا قيل بالتخصيص والتقييد وإخراج غير‬
‫المسلم‪ّ ،‬‬
‫فإن المسلم يبقى تحت العام‪.‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬ما ّ‬
‫دل على حل ّية الذبائح في دائرة أضيق من الدائرة السابقة‪ ،‬وهي دائرة‬
‫المسلمين‪ ،‬وذلك استناد ًا إلى الروايات الصحيحة الواردة عن األئمة ‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫أ ) معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر ‪« :‬قال أمير المؤمنين ‪ :‬ذبيحة من دان‬
‫بكلمة اإلسالم وصام وصلى لكم حالل إذا ذكر اسم الله عليه»(((‪ .‬فوصف «دان بكلمة‬
‫اإلسالم» هو وصف مشعر بالعلية‪.‬‬
‫وز َر َار َة و ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم) َس َأ ُلوا َأ َبا َج ْع َف ٍر ‪َ ‬ع ْن ِش َر ِاء‬ ‫ب) صحيحة الفضالء (ا ْل ُف َض ْي ِل ُ‬
‫َان َذلِ َك فِي‬ ‫ون؟ َق َال ‪« :‬ك ُْل إِ َذا ك َ‬ ‫ول ُيدْ َرى َما َي ْصن َُع ا ْل َق َّصا ُب َ‬ ‫ال َّل ْح ِم ِم َن األَ ْس َو ِاق َ‬
‫فإن أمار ّية سوق المسلمين عند الشك هي فرع‬ ‫ول ت َْس َأ ْل َعنْه»(((‪ّ .‬‬ ‫َأ ْس َو ِاق ا ْل ُم ْس ِل ِمي َن َ‬
‫حلية ذبائحهم‪.‬‬
‫يح ِة ا ْل ُغ َل ِم وا ْل َم ْر َأ ِة َه ْل‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ان ْب ِن َخالد َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ْن َذبِ َ‬ ‫ج) صحيحة ُس َل ْي َم َ‬
‫يحتِ َها َح َّل ْت‬ ‫وج َّل َع َلى َذبِ َ‬ ‫اس َم ال َّله َع َّز َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُْؤك َُل؟ َف َق َال‪ :‬إِ َذا كَانَت ا ْل َم ْر َأ ُة ُم ْسل َم ًة و َذك ََرت ْ‬
‫َذبِ َ‬
‫يحت َُها»(((‪.‬‬
‫د) خبر ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ِن َع ْب ِد ال َّله َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ :‬إِنَّا َنك ُ‬
‫ُون بِا ْل َج َب ِل َفنَ ْب َع ُث ُّ‬
‫الر َعا َة‬
‫الشيء َفي ْذبحونَها َفن َْأ ُك ُلها؟ َف َق َال ‪ِ :‬‬ ‫فِي ا ْل َغنَ ِم َفربما َعطِب ِ‬
‫«ه َي‬ ‫َ‬ ‫الشا ُة َأ ْو َأ َصا َب َها َّ ْ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ت َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫ِ (((‬ ‫ِ‬
‫ول ُي ْؤ َم ُن َع َل ْي َها إ َّل ُم ْسل ٌم» ‪.‬‬ ‫الذبِ َ‬
‫يح ُة َ‬ ‫َّ‬
‫يح ِة‬ ‫ِ‬
‫ض َأ ْص َحابِه َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ْن َذبِ َ‬ ‫هـ) ونحوه مرسل ا ْب ِن َأبِي ُع َم ْي ٍر َع ْن َب ْع ِ‬

‫سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.119‬‬ ‫(( (‬


‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .88‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.71‬‬ ‫(( (‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.73‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص‪ .237‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .334‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.73‬‬ ‫((( ‬
‫ج ‪،22‬‬ ‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .239‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .81‬والرواية مجهولة‪ ،‬انظر‪ :‬مرآة العقول‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ص ‪.25‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪418‬‬
‫ون َأ ْن ت َْأ ُك ُلوا‬ ‫ف تَست ِ‬
‫َح ُّل َ‬ ‫َاب؟ َق َال‪َ :‬ف َق َال‪« :‬وال َّله ما ي ْأ ُك ُل َ ِ‬ ‫َأ ْه ِل ا ْل ِكت ِ‬
‫ون َذ َبائ َحك ُْم َف َك ْي َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ول ُي ْؤ َم ُن َع َل ْي َها إِ َّل ُم ْس ِل ٌم»(((‪.‬‬ ‫َذب ِائحهم؟! إِنَّما هو ِ‬
‫ال ْس ُم َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫وهذه األخبار يستفاد منها ّ‬
‫أن المعيار في حلية الذبيحة هو التسمية وأما إسالم الذابح‬
‫فهو طريق إلحراز التسمية‪ ،‬والمسلم فيها واقع في مقابل أهل الكتاب فيراد به كل مسلم‬
‫بصرف النظر عن مذهبه‪.‬‬
‫و) ما ورد في حلية أكل الصيد الذي اصصاده كلب المجوسي الذي أرسله المسلم‪ ،‬ففي‬
‫ِ‬ ‫ان ْب ِن َخالِ ٍد َق َال َس َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ع ْن َك ْل ِ‬
‫الر ُج ُل‬‫ب ا ْل َم ُجوس ِّي َي ْأ ُخ ُذه َّ‬ ‫صحيحة س َل ْي َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َم‬ ‫ب َقدْ َذك ََر ْ‬ ‫ا ْل ُم ْسل ُم َف ُي َس ِّمي حي َن ُي ْرس ُله أ َي ْأك ُُل م َّما َأ ْم َس َك َع َل ْيه؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم‪ ،‬ألَنَّه ُم َك َّل ٌ‬
‫ال َّله َع َل ْيه»‪.‬‬
‫وس ِّي َل ت َْأك ُْل َص ْيدَ ه إِ َّل َأ ْن َي ْأ ُخ َذه‬ ‫ز) وعن السكُونِي َعن َأبِي َعب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ك ْلب ا ْلمج ِ‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذ َّمة و ُب َزات ُُه ْم َح َل ٌل ل ْل ُم ْسلمي َن َأ ْن‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ازي وك َل ُب َأ ْه ِل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل ُم ْس ِل ُم َف ُي َع ِّل َمه و ُي ْرس َله وك ََذل َك ا ْل َب ِ‬
‫َي ْأ ُك ُلوا َص ْيدَ َها»(((‪.‬‬
‫ح) رواية السفرة‪ ،‬بنا ًء على داللتها على أمارية بالد المسلمين‪ ،‬وهي ما رواه الكليني‬
‫السكُونِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬أ َّن َأ ِم َير ا ْل ُم ْؤ ِمنِي َن ‪ُ ‬س ِئ َل َع ْن ُس ْف َر ٍة ُو ِجدَ ْت‬ ‫بإسناده َع ِن َّ‬
‫وج ُبن َُّها وفِ َيها ِسكِّي ٌن؟ َف َق َال َأ ِم ُير‬ ‫وخ ْب ُز َها و َب ْي ُض َها ُ‬ ‫وح ًة كَثِ ٍير َل ْح ُم َها ُ‬ ‫في ال َّط ِر ِيق َم ْط ُر َ‬
‫ِ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِمنِي َن ‪ُ « :‬ي َق َّو ُم َما فِ َيها ُث َّم ُي ْؤك َُل ألَنَّه َي ْف ُسدُ ‪ ،‬و َل ْي َس َله َب َقا ٌء َفإِ ْن َجا َء َطالِ ُب َها َغ ِر ُموا‬
‫وس ٍّي؟ َف َق َال‪ُ :‬ه ْم فِي‬ ‫َله ال َّثمن‪ِ .‬ق َيل‪ :‬يا َأ ِمير ا ْلم ْؤ ِمنِين َل يدْ رى س ْفر ُة مس ِل ٍم َأو س ْفر ُة مج ِ‬
‫ْ ُ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َس َع ٍة َحتَّى َي ْع َل ُموا»(((‪.‬‬

‫‪�3 -3‬أدلة �شرط الإمامية‬


‫هل هناك ما يقتضي رفع اليد عن القاعدة المتقدمة‪ ،‬وااللتزام بإضافة شرط اإلمامية في‬
‫الذابح؟‬
‫أن شرط اإلمامية ال تنهض األدلة بإثباته‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن ما يمكن االستدالل به‬ ‫الظاهر ّ‬
‫لذلك هو الروايات التالية‪:‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.241‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.209‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪419‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة زكريا بن آدم‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو الحسن ‪« :‬إنّي أنهاك عن ذبيحة‬
‫كل من كان على خالف الذي أنت عليه وأصحابك‪ ،‬إال في وقت الضرورة إليه»(((‪.‬‬
‫المراد بأبي الحسن هو الرضا ‪ ،‬وزكريا بن آدم من ثقات أصحابه وكان له وجه عنده‪،‬‬
‫كما يقول النجاشي(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬عن إبراهيم بن أبي محمود‪ ،‬عن الرضا ‪- ‬في حديث‪ -‬قال‪ :‬حدثني‬
‫أبي موسى بن جعفر ‪ ،‬عن أبيه جعفر بن محمد بن علي ‪ ،‬أنه قال ‪-‬في حديث‪« :-‬من‬
‫أن الله يجبر العباد على المعاصي‪ ،‬أو يك ّلفهم ما ال يطيقون فال تأكلوا ذبيحته‪ ،‬وال تقبلوا‬‫زعم ّ‬
‫شهادته‪ ،‬وال تص ّلوا وراءه‪ ،‬وال تعطوه من الزكاة شيئ ًا»(((‪.‬‬
‫والرواية ضعيفة السند بسهل بن زياد‪ ،‬وهي واردة في النهي عن ذبائح الجبرية‪ ،‬فهي‬
‫«أخص من المدعى من وجه‪ ،‬الختصاصها باألشاعرة‪ ،‬وأعم من وجه آخر لشمولها للمؤمن‬
‫إذا قال بهذه المقالة»(((‪.‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬خبر يونس بن ظبيان‪ ،‬عن الصادق ‪ - ‬في حديث ‪ -‬قال‪« :‬يا يونس من‬
‫زعم أن لله وجه ًا كالوجوه فقد أشرك‪ ،‬ومن زعم أن له جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر‬
‫بالله‪ ،‬فال تقبلوا شهادته‪ ،‬وال تأكلوا ذبيحته»(((‪.‬‬
‫وهذه باإلضافة إلى ضعفها السندي(((‪ ،‬فإنّها كسابقتها أخص من جهة وأعم من أخرى‪.‬‬

‫‪4 -4‬الجمع �أو الترجيح‬


‫وعلى فرض تمامية هذه األخبار المتقدمة‪ ،‬فإنها ال تقاوم ما تقدم مما ّ‬
‫دل على حلية‬
‫ذبيحة اآلخر المذهبي‪ ،‬وتوضيح ذلك من خالل المرحلتين التاليتين‪:‬‬

‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.70‬‬ ‫((( ‬


‫انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.174‬‬ ‫(( (‬
‫عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .114‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪ ،96‬الباب ‪ 28‬من أبواب‬ ‫((( ‬
‫الذبائح‪ ،‬الحديث ‪.9‬‬
‫المستند للنراقي‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.391‬‬ ‫((( ‬
‫كفاية األثر‪ ،‬ص ‪ .256‬وعنه وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪ ،96‬الباب ‪ 28‬من أبواب الذبائح‪ ،‬الحديث ‪.10‬‬ ‫((( ‬
‫(( ( فيونس بن ظبيان قال فيه النجاشي‪« :‬ضعيف جد ًا‪ ،‬ال يلتفت إلى ما رواه‪ ،‬كل كتبه تخليط»‪ ،‬انظر‪ :‬رجال‬
‫أن اإلمام الرضا ‪ ‬لعنه‪ ،‬كما ورد في الخبر الصحيح‪.‬‬ ‫مر في مبحث اللعن ّ‬
‫النجاشي‪ ،‬ص ‪ .448‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫ال على التضعيف‪ ،‬وذلك بنا ًء على أن اللعن ال يصدر من اإلمام إال مع‬‫واللعن نفسه يمكن أن يعدّ دلي ً‬
‫جحود الملعون‪ ،‬إذ ال يلعن القاصر‪ ،‬والجاحد كاذب‪ ،‬ومن يكذب في األصول يكذب في الفروع‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪420‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬إنه ال مجال ألن يقال في تقريب الجمع بين الروايات التي يدعى‬
‫داللتها على شرط اإلمامية وال سيما صحيحة زكريا بن آدم وبين الروايات المحللة المتقدمة‬
‫ألن السابقة د ّلت على شرط اإلسالم وهذه‬ ‫أخص من سابقاتها فتق ّيدها‪ّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫أن هذه الروايات‬
‫أضافت قيد ًا آخر‪ ،‬وهو أن يكون المسلم مؤمن ًا‪ .‬فيحمل المطلق على المقيد‪.‬‬
‫والوجه في عدم صحة هذا الجمع ّ‬
‫أن تلك الروايات واردة في اآلخر المذهبي‪ ،‬وحملها‬
‫على الشيعي مما ال مجال له‪ ،‬فروايات السوق ناظرة إلى سوق المسلمين‪ ،‬ومعلو ٌم ّ‬
‫أن غالبية‬
‫أهل السوق آنذاك لم يكونوا من الشيعة‪ ،‬فحملها على الشيعي حمل لها على الفرد النادر‪.‬‬
‫على ّ‬
‫أن السيرة المتشرع ّية كانت قائمة على األكل من يد المسلم اآلخر والشراء من‬
‫السوق‪ ،‬والتعامل مع اللحوم والجلود المأخوذة من يده معاملة المذكى‪ ،‬وهذه السيرة‬
‫أن أصحابهم لم يفهموا المنع منها‪ ،‬ولهذا‬‫مستمرة إلى زمن األئمة ‪ ،‬واستمرارها يؤكد ّ‬
‫فال يمكن أن نفهم من النهي في رواية متأخرة وواردة عن اإلمام الرضا ‪ ‬أنّه يريد المنع‬
‫التحريمي المولوي‪.‬‬
‫أن المنع لو كان موجود ًا لكان الالزم بيانه من خالل العديد من‬‫وأضف إلى ذلك ّ‬
‫النصوص‪ ،‬ألن المسألة ابتالئية فأسواق المسلمين إن لم تكن في معظمها ‪-‬كما قلنا‪ -‬من‬
‫أتباع المذهب اآلخر فهي على أقل تقدير مختلطة مذهبي ًا‪ ،‬فلو كان يحرم أكل ذبيحة اآلخر‬
‫لوردت في بيان الحرمة العديد من الروايات ولكثر القيل والقال في المسألة‪ ،‬ولما ّ‬
‫تأخر بيان‬
‫حكم كهذا إلى زمن اإلمام الرضا ‪ ،‬بل كان ُب ّين منذ زمن أمير المؤمنين ‪.‬‬
‫ووجود هذه السيرة المستمرة على الحلية تمنع من حمل آخر قد تحمل عليه روايات‬
‫الحل ّية وهو حملها على صورة الضرورة‪ ،‬وذلك إلباء السيرة مثل هذا الحمل‪ّ ،‬‬
‫فإن الضرورة‬
‫التي تبيح أكل الميتة إنما تفسر بها حاالت نادرة وليس ظاهرة عامة‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫فإن حمل‬
‫المجوزة كروايات السوق وغيرها على الضرورة هو حمل لها على النادر‪ ،‬بل ّ‬
‫إن‬ ‫ّ‬ ‫الروايات‬
‫مساق تلك األخبار هو مساق بيان الحكم األولي في المسألة‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬وفي ضوء ما تقدم‪ ،‬يجدر بنا تفسير النهي في الرواية المروية عن اإلمام‬
‫الرضا ‪ ‬بما ال ينافي السيرة القطعية القائمة على الحل ّية‪ ،‬وكذلك الروايات الصحيحة‬
‫المتقدمة الدالة عليها‪ ،‬وما يمكن أن يذكر من توجيهات مقبولة هو أحد وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬هو الحمل على الكراهية‪ ،‬قال الشهيد األول تعليق ًا على صحيحة زكريا‬
‫‪421‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ابن آدم‪« :‬وتحمل على الكراه ّية»(((‪ .‬إ ّما للقرينة العامة وهي الجمع بين الصحيحة الظاهرة‬
‫نص((( في حلية ذبيحة المسلم اآلخر‬ ‫في الحرمة وبين ما تقدّ م من األخبار المحللة التي هي ٌّ‬
‫بعدما عرفت ُب ْعد حملها على الشيعي‪ ،‬وإ ّما لقرينة سياقية‪ ،‬قال الشهيد الثاني تعليق ًا على‬
‫صحيحة زكريا بن آدم‪« :‬ويحمل (أي النهي) على الكراهة‪ ،‬بقرينة الضرورة‪ ،‬فإنها أعم من‬
‫تحل فيه الميتة‪ ،‬ويمكن حمل النهي الوارد في جميع الباب عليه (ذبح المخالف) عليها‬ ‫وقت ّ‬
‫(الكراهة) جمع ًا»(((‪.‬‬
‫إال أن يقال ّ‬
‫إن استثناء حالة الضرورة ال يناسب الكراهية‪ .‬ولكن يمكن الجواب بأن‬
‫الضرورة تناسب الحرمة والكراهة‪ ،‬فلو كان الحكم األولي هو الكراهة فالضرورة توجب‬
‫رفع الكراهية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬هو حمل النهي على التدبيرية‪ ،‬كما يشهد له صحيح زكريا بن آدم‬
‫من قوله ‪« :‬إني أنهاك» حيث نسب اإلمام ‪ ‬النهي إليه‪ ،‬وهذا من قرائن التدبيرية(((‪،‬‬
‫ولعل منها في المقام السعي في قطيعة‬ ‫ّ‬ ‫والتدبيرية تقتضيها بعض االعتبارات والمصالح‪،‬‬
‫الشخص الذي يحمل فكر ًا عقدي ًا منحرف ًا أو محاصرة هذا الفكر أو إعالم المسلمين بفساده‬
‫وخطورته‪ ،‬وال سيما أوائل ظهوره‪ ،‬كما يحتمل ذلك في الرواية الثانية والثالثة المتقدمة في‬
‫الطائفة المحرمة‪.‬‬
‫أن أحد ًا لم يقبل هذين الوجهين من الجمع واستقر التعارض ووصل األمر إلى‬ ‫ولو ّ‬
‫الترجيح‪ ،‬فالالزم ترجيح الطائفة األولى لموافقتها للقرآن‪ ،‬ومنه تعرف أنّه ال وجه لحمل‬
‫ألن التقية إنما تكون مرجع ًا ومرجح ًا بعد فقد المرجح القرآني‪.‬‬
‫األخبار المجوزة على التق ّية‪ّ ،‬‬
‫فإن حلية ذبيحة المسلم أي ًا كان مذهبه‪ ،‬هي من الواضحات التي ال‬
‫وفي كل األحوال ّ‬
‫ُي َش ُّك فيها‪ ،‬األمر الذي يجعلنا نرفع اليد عما خالف ذلك‪.‬‬
‫هذا كله لو قيل بشرط ّية اإلسالم في الذابح‪ ،‬وأ ّما إذا قيل بعدم شرط ّية اإلسالم وحلية‬

‫الدروس الشرعية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .411‬والحمل على الكراهة تبناه المقداد السيوري في التنقيح الرائع‪،‬‬ ‫(( (‬
‫ج ‪ ،4‬ص ‪.19‬‬
‫ففي معتبرة محمد بن قيس‪ ،‬نص على حلية ذبيحة كل من دان باإلسالم‪.‬‬ ‫((( ‬
‫الروضة البهية‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.211‬‬ ‫(( (‬
‫ذكرنا هذا األمر في دراسة مستقلة عن الحكم التدبيري والحكم الشرعي‪.‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪422‬‬
‫ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬كما ال يبعد‪ ،‬اكتفا ًء بالتسمية‪ ،‬فيحكم بح ّلية ذبيحة اآلخر المذهبي‬
‫باألولوية‪ ،‬للقطع بأنه ليس أسوأ حاالً من الكتابي بعد التزامه بالتسمية‪.‬‬

‫‪5 -5‬ذبيحة النا�صب‬
‫أن مشهور الفقهاء قالوا بحرمة ذبيحة الناصبي‪ ،‬وهذا يحتاج إلى دليل‪ ،‬ألن‬ ‫عرفت ّ‬
‫القاعدة المتقدمة بمستوييها المشار إليهما قاضية بحل ّية ذبائحهم‪ ،‬أما بمستواها األول‬
‫ّ‬
‫فألن‬ ‫فألنها ال تشترط أكثر من التسمية‪ ،‬وهي متوفرة حسب الفرض‪ ،‬وأ ّما بمستواها الثاني‬
‫الناصبي معلن بالشهادتين‪ ،‬فالحظ معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر ‪« :‬قال‬
‫أمير المؤمنين ‪ :‬ذبيحة من دان بكلمة االسالم وصام وصلى لكم حالل إذا ذكر اسم الله‬
‫عليه»(((‪ .‬والناصبي يدين بكلمة اإلسالم‪ ،‬وأ ّما قوله‪« :‬صام وصلى»‪ ،‬فالظاهر أنّه مجرد أمارة‬
‫على إسالمه وإال فهو غير معتبر يقين ًا‪ ،‬ولم يحتمل أحدٌ من الفقهاء اعتباره‪.‬‬

‫أ ) أدلة الحرمة‬


‫ولكن المشهور قالوا بالحرمة واستندوا في ذلك إلى الوجوه التالية‪:‬‬
‫تحل ذبيحة المعادي ألهل البيت ‪‬‬ ‫الوجه األول‪ :‬اإلجماع‪ ،‬قال في الرياض‪« :‬نعم ال ّ‬
‫الحجة‪.(((»..‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المهذب وغيره وهو‬ ‫المع ّبر عنه بالناصب بال خالف‪ ،‬بل عليه اإلجماع في‬
‫يعول عليه‪ ،‬ألنه ليس إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا عن رأي المعصوم‪،‬‬‫ولك ّن هذا الوجه ال ّ‬
‫للظن الكبير باستناد المجمعين إلى الوجوه اآلتية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫أن الناصبي كافر فال تحل ذبيحته‪.‬‬
‫ولك ّن هذا الوجه محل إشكال‪ ،‬في صغراه وكبراه‪ ،‬أما صغراه فألنه لم ينهض دليل‬
‫على كفر الناصبي مطلق ًا كفر ًا يخرجه عن الملة‪ ،‬كما أسلفنا في مستهل هذه البحوث‪ ،‬وأما‬
‫الكبرى‪ ،‬فألن حرمة ذبيحة الكافر غير مسلمة‪ ،‬بل مقتضى الجمع بين النصوص هو الحكم‬
‫بالحلية مع إحراز التسمية‪ ،‬وهذا موكول إلى محله(((‪.‬‬

‫(( ( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .88‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.71‬‬


‫(( ( رياض المسائل‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪ .93‬وانظر‪ :‬جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،36‬ص ‪.95‬‬
‫(( ( ذهب غير واحد من الفقهاء المعاصرين إلى حلية ذبائح أهل الكتاب مع التسمية‪ ،‬منهم السيد فضل الله‬
‫‪-‬رحمه الله‪ ،-‬انظر‪ :‬بحثه في هذه القضية في كتاب الصيد والذباحة‪ ،‬ص ‪ ،147‬وما بعدها‪ ،‬وقد أفتى‬
‫بهذا الرأي‪ ،‬وهكذا فعل السيد صادق الروحاني‪ ،‬قال في تعليقته على المنهاج‪« :‬األظهر حل ّيه ذبيحة=‬
‫‪423‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الوجه الثالث‪ :‬الروايات الخاصة في المسألة‪ ،‬وهي عدة أخبار‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬موثق أبي بصير قال‪ :‬سمعت أبا عبد الله ‪ ‬يقول‪« :‬ذبيحة الناصب ال‬
‫ّ‬
‫تحل»(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬خبر أبي بصير قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن الرجل يشترى اللحم‬
‫من السوق‪ ،‬وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه‪ ،‬فيتعمد الشراء من النصاب؟ فقال‪ :‬أي شيء‬
‫تسألني أن أقول؟ ما يأكل إال مثل الميتة والدم ولحم الخنزير‪ ،‬قلت‪ :‬سبحان الله مثل الدم‬
‫إن هذا في قلبه على‬
‫والميتة ولحم الخنزير؟ فقال‪ :‬نعم وأعظم عند الله من ذلك‪ ،‬ثم قال‪ّ :‬‬
‫المؤمنين مرض»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬اإلطالق فيها غير محرز‪ ،‬فموردها هو صورة تعمد الشراء من النصاب مع إمكان‬
‫الشراء من اإلخوان الموالين‪ ،‬وال يبعد أن يكون النهي فيها مختص ًا بهذه الحالة‪ ،‬وذيلها‬
‫يصلح شاهد ًا على كون النهي ناظر ًا إلى خصوص هذه الصورة‪ ،‬فقوله «هذا في قلبه على‬
‫وثمة قرينة أخرى‬
‫ثمة عقدة خاصة لديه من المؤمنين‪ّ ،‬‬ ‫المؤمنين مرض» هو قرينة على ّ‬
‫أن ّ‬
‫أن أكله لهذا اللحم الذي‬ ‫على اختصاص النهي بهذه الصورة‪ ،‬وهي تأكيد اإلمام ‪ ‬على ّ‬
‫النصاب هو أشد حرمة عند الله من أكل الميتة ولحم الخنزير والدم‪ ،‬مع ّ‬
‫أن من‬ ‫يشتريه من ّ‬
‫أن هذا اللحم ميتة ّ‬
‫وأن إثمه كإثم أكل الميتة‪،‬‬ ‫المعلوم أن أقصى ما يمكن قوله في المقام هو ّ‬
‫أما أن يزيد على الميتة فهو غير محتمل فض ً‬
‫ال عن أن يزيد على الميتة والدم ولحم الخنزير‪.‬‬
‫فيكون مؤشر ًا على ما قلناه‪ ،‬فال يستفاد منها الحرمة في غير هذه الصورة‪.‬‬
‫وسند الرواية غير واضح الصحة(((‪.‬‬
‫إن المراد بالنصاب في الرواية هم عامة المخالفين ألهل البيت ‪ّ ‬‬
‫ألن‬ ‫وربما يقال‪ّ :‬‬

‫= الكتابي مع إحراز التسمية»‪ ،‬منهاج الصالحين ج ‪ 2‬ص ‪ ،365‬وانظر‪ :‬موسوعته الفقهية فقه الصادق‪،‬‬
‫ج ‪ ،24‬ص ‪ ،9‬وما بعدها‪ ،‬ومال إلى ذلك السيد تقي القمي في بحثه العلمي‪ ،‬حيث خلص في نتيجة‬
‫البحث إلى أن «الجمع بين األخبار يقتضي أن يقال‪ :‬إنّه تحل ذبيحة الكافر مع تحقق التسمية»‪ ،‬مباني‬
‫منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.656‬‬
‫(( ( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.87‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .71‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.87‬‬
‫((( قال في كتاب األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬ص ‪ 545‬بشأن سند الرواية‪« :‬في سندها‬
‫من لم أعرفه»‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪424‬‬
‫الراوي افترض أنهم يمثلون أهل السوق‪ ،‬ومن المستبعد أن يكون أهل السوق بعامتهم من‬
‫النصاب‪ ،‬وال سيما بمالحظة ّ‬
‫أن النصب في األزمنة المتأخرة قد تراجع وكان أفراده نادرين‪.‬‬
‫أن الناصبي يطلق دائم ًا على المخالف‪،‬‬
‫وهذا صحيح‪ ،‬لكن هذا ال يصلح شاهد ًا على ّ‬
‫التجوز ‪ -‬في كالم الراوي وليس اإلمام ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بضرب من‬ ‫وعلى فرضه ّ‬
‫فإن ذلك وارد ‪-‬‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬موثق أبي بصير أيض ًا‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ،‬أنه قال‪« :‬لم تحل ذبائح‬
‫أن الحرورية (الخوارج) هم من أبرز مصاديق المعادين لعلي ‪‬‬‫الحرورية»(((‪ .‬بنا ًء على ّ‬
‫فهم نصاب‪.‬‬

‫ب) الروايات المحللة‬


‫ولكن في قبال هذه األخبار يوجد طائفة يستفاد منها حل ّية ذبائح الناصبي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬صحيحة حمران قال‪ :‬سمعت أبا جعفر ‪ ‬يقول في ذبيحة الناصب‬
‫واليهودي والنصراني‪« :‬ال تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله‪ .‬قلت‪ :‬المجوسي؟ فقال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬إذا سمعته يذكر اسم الله‪ ،‬أما سمعت قول الله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ﱈ ﱉ ﴾((((((‪.‬‬
‫وهذه الرواية قد وصفها الشهيد الثاني بالصحيحة‪ ،‬ذاكر ًا أنّها مروية عن «زرارة عن أخيه‬
‫حمران»(((‪.‬‬
‫ولكن المحقق األردبيلي ع ّلق على سندها قائالً‪« :‬حمران ما ِّ‬
‫صرح بتوثيقه‪ ،‬بل مشكور‬
‫لو كان ابن أعين‪ ،‬على أنه قد يكون غيره‪ .‬فقول شارح الشرائع‪« :‬صحيحة زرارة‪ ،‬عن أخيه‬
‫حمران»‪ ،‬محل التأمل»(((‪ .‬وقد حكم بجهالة حمران في رواية أخرى الشيخ حسن في منتقى‬
‫الجمان(((‪.‬‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.71‬‬


‫(( ( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.121‬‬
‫((( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .84‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .68‬رواها الشيخ بإسناده عن «الحسين بن سعيد‬
‫عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن حمران»‪ .‬وسنده إلى الحسين بن سعيد صحيح‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.63‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.460‬‬
‫(( ( مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.76‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬منتقى الجمان‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.219‬‬
‫‪425‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أقول‪ :‬إن الظاهر هو ما استظهره الشهيد الثاني‪ ،‬من كون حمران هو ابن أعين ومن‬
‫كونه ثقة‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أما كون حمران هو ابن أعين‪ ،‬فصحيح أنّه في المصدر ال يوجد‬
‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫«عن أخيه»‪ ،‬وإنما هو اجتهاد من الشهيد الثاني وتبعه عليه الشيخ البهائي(((‪،‬‬
‫اجتهاده صحيح‪ ،‬وذلك ألنه ال وجود في هذه الطبقة لشخص باسم حمران غير حمران‬
‫ابن أعين أخي زرارة‪ ،‬والشيخ كما يروي عن زرارة عن حمران ّ‬
‫فإن له روايات عن «حمران‬
‫بن أعين» عن أبي جعفر ‪ (((‬أو عن أبي عبد الله ‪ .(((‬ولذا ال يبعد انصراف حمران‬
‫إلى ابن أعين وهو شخصية معروفة كما سيأتي وليست مجهولة‪ ،‬وهو وإن لم يذكره‬
‫ولكن الشيخ الطوسي قد ذكره وعدّ ه في أصحاب الباقر ‪ ‬قائالً‪« :‬موالهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النجاشي‬
‫يكنى أبا الحسن‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو حمزة تابعي»(((‪ ،‬وذكره في أصحاب الصادق ً‬
‫قائال‪« :‬حمران‬
‫بن أعين الشيباني‪ ،‬مولى كوفي‪ ،‬تابعي»(((‪.‬‬
‫وأ ّما كون الرجل ثقة‪ ،‬فألن الدالئل تشير إلى كونه من األعيان الممدوحين جد ًا‪ ،‬يقول‬
‫أبو غالب الزراري في رسالته‪« :‬لقي عمنا حمران سيدنا وسيد العابدين علي بن الحسين‬
‫صلوات الله عليهما‪ ،‬وكان حمران من أكبر مشايخ الشيعة المفضلين الذين ال يشك فيهم‪،‬‬
‫فكان أحدَ حملة القرآن ومن يعدُّ ويذكر اسمه في كتب القرآن‪ ،‬وروى أنه قرأ على أبي جعفر‬
‫محمد بن علي ‪ ‬وكان مع ذلك عالم ًا بالنحو واللغة»(((‪ .‬وعدّ ه الشيخ في كتاب الغيبة (فصل‬
‫في ذكر طرف من أخبار السفراء) ممن يختصون بكل إمام‪ ،‬من السفراء الممدوحين(((‪ ،‬وأورد‬
‫حواريي‬
‫ّ‬ ‫الكشي العديد من الروايات المادحة له وبعضها صحيح السند(((‪ .‬وعدّ ه أيض ًا في‬
‫الباقر والصادق ‪ ،‬وفيما ذكر كفاية إلثبات وثاقة الرجل(((‪ .‬وحمران بن أعين من الرواة‬

‫حرمة ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬ص ‪ ،74‬ووصف الرواية بالصحيحة‪ ،‬ولكن جاء فيه‪« :‬عمران»‪ ،‬بدل‬ ‫((( ‬
‫«حمران» وهو خطأ من النساخ‪.‬‬
‫التهذيب للشيخ‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .272‬والخصال‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.384‬‬ ‫((( ‬
‫رجال الشيخ‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.194‬‬ ‫(( (‬
‫رسالة أبي غالب الزراري‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫(( (‬
‫الغيبة‪ ،‬ص ‪.209‬‬ ‫((( ‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.273‬‬ ‫(( (‬
‫وقد بنى السيد الخوئي في كتبه على وثاقته‪ .‬انظر‪ :‬الموسوعة‪ ،‬ج ‪ ،27‬ص ‪ .402‬وج ‪ ،28‬ص ‪375‬‬ ‫(( (‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪426‬‬
‫المشتركين فله روايات في كتب السنة‪ ،‬وعدّ ه ابن حبان في الثقات(((‪ .‬وفي كتاب ألحمد‬
‫ابن حنبل‪« :‬سألت يحيى عن عبد الملك بن أعين فقال‪ :‬كوفي ليس به بأس‪ ،‬فقلت له‪ :‬أخوه‬
‫حمران بن أعين‪ ،‬فقال‪ :‬هو من الشيعة الكبار»(((‪ .‬وشخص ّية كهذه لها هذا الحضور ال يكون‬
‫كذاب ًا أوغير مقبول الرواية‪ ،‬وإال لعرف أمره وانتشر‪ ،‬فال يكون مرضي ًا‪ ،‬وفي ضوء ما تقدّ م‪،‬‬
‫فقول األردبيلي فيه تبع ًا للعالمة في الخالصة((( «مشكور» ال يوفيه حقه‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ :‬رواية بشير (بشر) بن أبي غيالن الشيباني‪ ،‬قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪‬‬
‫عن ذبائح اليهود والنصارى والنصاب؟ قال‪ :‬فلوى شدقه((( وقال‪« :‬كلها إلى يوم ما»(((‪.‬‬
‫وهذه ضعيفة السند‪.‬‬
‫الرواية الثالثة وعن حمران عن أبي جعفر ‪ ‬قال سمعته يقول‪« :‬ال تأكل ذبيحة الناصب‬
‫إال أن تسمعه يسمي»(((‪ .‬ويحتمل اتحادها مع الرواية األولى‪ ،‬مع تصرف من الراوي‪.‬‬
‫والسند فيه حمران‪ ،‬وقد وصفها الشهيد الثاني بالحسنة(((‪ ،‬بينما وصفها آخرون‬
‫أن مرد وصفها بالحسنة في كالم الشهيد ليس بسبب حمران‪ ،‬كيف وقد‬ ‫بالصحيحة(((‪ .‬والظاهر ّ‬
‫وصف روايته المتقدمة بالصحيحة‪ ،‬وإنما يرجح أنه بسبب أحمد بن محمد بن يحيى العطار‬
‫الواقع في سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬فأحمد هذا ال توثيق له‪ ،‬وإن عدّ العالمة‬
‫حديثه صحيح ًا(((‪ ،‬وأما بقية رجال السند فهم ثقات(‪ .((1‬ولكن يمكن التغلب على ذلك‪:‬‬

‫(( ( الثقات البن حبان‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.179‬‬


‫(( ( العلل‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.6‬‬
‫(( ( خالصة األقوال‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫((( أي أمال جانب فمه‪.‬‬
‫((( التهذيب‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.68‬‬
‫(( ( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.88‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬المسالك‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪ .469‬وهكذا في المفاتيح للكاشاني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .197‬ورياض المسائل‪،‬‬
‫ج ‪ ،12‬ص ‪ .92‬وجواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،36‬ص ‪.96‬‬
‫(( ( األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬ص ‪.525‬‬
‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪.313‬‬
‫(‪ ( (1‬توضيحه ّ‬
‫أن الرواية رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن‬
‫أبي عمير عن ابن أذينة عن حمران‪ ،‬وإسناده إلى أحمد بن محمد بن عيسى هو الحسين بن عبيد الله‬
‫عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب‪ ،‬انظر‪ :‬وسائل‬
‫الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪ .135‬ويالحظ ّ‬
‫أن سنده إليه ال غبار عليه إال بلحاظ أحمد بن محمد بن يحيى‪=،‬‬
‫‪427‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪--1‬إ ّما بعدم الحاجة إلى توثيق رواة األسانيد الواقعة في الطريق إلى أصحاب الكتب التي‬
‫أن هذه األسانيد تذكر إلظهار اتصال السند‬ ‫اعتمدها العلماء في النقل‪ ،‬إذ من المرجح ّ‬
‫دون توقف العمل عليها‪.‬‬
‫‪--2‬وإ ّما اعتماد ًا على نظرية التعويض‪ ،‬فإن سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى وإن‬
‫كان ضعيف ًا‪ ،‬لكن للشيخ طريق ًا صحيح ًا إلى من روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫وهو الحسين بن سعيد‪ ،‬فيعوض بهذا الطريق عن الطريق الضعيف‪ .‬ولك ّن هذه النظرية‬
‫ال تخلو من إشكال‪ ،‬كما حقق في محله‪.‬‬
‫‪--3‬وإما اعتماد ًا على طريق آخر إلثبات وثاقة السند إلى أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬وهو‬
‫ما ذكره بعض أساتذتنا من «االنتقال عن تصحيح سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن‬
‫فإن أسانيد الشيخ إليه في‬ ‫عيسى في المشيخة إلى تصحيح سنده إليه في الفهرست‪ّ ،‬‬
‫الفهرست مستوعبة لجميع كتبه ورواياته‪ ،‬وقد وقع فيها سعد بن عبد ال َّله‪ ،‬وكذلك‬
‫محمد بن الحسن بن الوليد‪ ،‬وكذلك محمد بن الحسن الص ّفار عنه‪ ،‬وللشيخ الطوسي‬
‫كل هؤالء الثالثة‪ ،‬ألنّه يروي جميع كتبهم ورواياتهم عن‬ ‫‪-‬رحمه ال َّله‪ -‬سند تا ّم إلى ّ‬
‫صرح‬ ‫عدّ ة من األصحاب عن الصدوق عنهم‪ ،‬ومن تلك العدّ ة الشيخ المفيد بدليل ما ّ‬
‫به الشيخ في سنده إلى الصدوق في الفهرست»(((‪.‬‬
‫يح ِة ا ْل ُم ْر ِج ِئ‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س َأ ْلتُه َع ْن َذبِ َ‬
‫ُون»(((‪.‬‬ ‫واست َِق َّر َحتَّى َيك َ‬
‫ُون َما َيك ُ‬ ‫ِ‬ ‫وا ْل َح ُر ِ‬
‫ور ِّي؟ َف َق َال‪ :‬ك ُْل وق َّر ْ‬
‫والتعبير «حتى يكون ما يكون» يراد به عين ما يراد بقوله في الرواية الثانية المتقدمة‪:‬‬
‫يد المهدي ‪.‬‬ ‫«كلها إلى يوم ما»‪ ،‬وهو اإلشارة إلى قيام دولة الحق على ِ‬

‫وع ّلق النراقي على الرواية األولى والرابعة أنّه وبسبب «مخالفتهما لإلجماع ظاهر ًا وال‬
‫أقل من شهرة القدماء ال تصلحان للحجية ومعارضة ما مر‪ ،‬مع أنهما موافقتان للعامة‪ ،‬كما‬
‫تشعر به الصحيحة»(((‪.‬‬

‫= أما والده فهو ثقة عين‪ ،‬كما يقول النجاشي‪ ،‬وأما رجال السند من ابن عيسى إلى حمران فهم ثقات‬
‫وحمران قد رجحنا وثاقته‪.‬‬
‫((( مباحث األصول‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.240‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .236‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .329‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .88‬وتهذيب‬
‫األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.72‬‬
‫(( ( مستند الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.388‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪428‬‬
‫ج) الموازنة بين األخبار‬
‫أقول‪ :‬في الجمع بين الطائفتين يمكن أن يطرح وجهان عرفيان‪:‬‬
‫إن مقتضى القاعدة في المقام وأمثاله هو الحكم بالحلية وذلك بحمل‬ ‫الوجه األول‪ّ :‬‬
‫الروايات النافية للحل ّية على الكراهة‪ ،‬بقرينة الروايات الظاهرة في الحل ّية‪.‬‬
‫أجل ّ‬
‫إن حمل التعبير بـ «ال تحل» على الكراهة بعيد‪ ،‬ولذا فالخبران متعارضان‪.‬‬
‫ِ‬
‫المحرمة على صورة عدم التسمية‪ ،‬وهذا ما تشهد به‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬حمل الروايات‬
‫روايات الحلية‪ ،‬فقد حكمت ‪-‬كما في الرواية األولى والثالثة‪ -‬بالحرمة إال مع التسم ّية‪،‬‬
‫إن الروايات المحرمة مطلقة سمى أو لم يسم‪ ،‬أما الروايات المحللة فهي‬ ‫وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫أخص منها وتدل على حلية األكل في صورة التسمية‪ ،‬والقاعدة تقتضي حمل العام على‬
‫الخاص والمطلق على المق ّيد‪.‬‬
‫وال يخفى أنّه مع إمكان الجمع العرفي بهذا الوجه فال يصل األمر إلى الترجيح‪.‬‬
‫الترجيح لصالح روايات الحل ّية‬
‫ولو فرض وصل األمر إلى الترجيح‪ ،‬فالمرجح الكتابي يقضي بتقديم الروايات‬
‫المحللة لموافقتها للكتاب‪ ،‬حيث أكّدت على شرطية التسمية‪ّ ،‬‬
‫وأن الحكم بالحل ّية يدور‬
‫نص عليه القرآن الكريم‪.‬‬
‫مدار التسمية‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫ومنه تعرف أنّه ال مجال لألخذ بالمرجح اآلخر في باب التعارض وهو األخذ بما‬
‫خالف العامة‪ ،‬ألنه في طول المرجح بموافقة الكتاب‪.‬‬
‫ولكن قد يقال بضرورة ترجيح روايات الحرمة‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أن صحيحة الحلبي تم ّثل قرينة على التقية‪،‬‬
‫‪--1‬إما لما ذكره النراقي في كالمه اآلنف من ّ‬
‫وهكذا فقد اعتبرت الرواية الثانية قرينة على التقية‪ ،‬كما في كالم الشيخ الطوسي(((‪.‬‬
‫أن صحيحة الحلبي ناهية عن ذبيحة الخارجي والمرجئ‪ ،‬وهذا ليس موضع‬ ‫وفيه ّ‬
‫وقر واستقر حتى يكون‬ ‫أن قوله ْ‬
‫«كل ّ‬ ‫التقية‪ (((،‬وإنما تتصور التقية في ذبيحة المخالف‪ .‬على ّ‬
‫ما يكون» ال يوحي بالتقية‪ ،‬بل هو على خالف التقية‪ ،‬ألنّه وبتقييده للحلية بقوله‪« :‬حتى يكون‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.70‬‬


‫فالسنة يرفضون فكر الخوارج كما يرفضون فكر المرجئة‪ ،‬فقد رووا عن النبي (ص) أنّه قال في=‬
‫ُّ‬ ‫(( (‬
‫‪429‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫ما يكون» ال يكون مراعي ًا للتقية‪ ،‬ال مع الراوي‪ ،‬وال مع غيره‪ ،‬إذ نقل الراوي لكالم اإلمام ‪‬‬
‫أن هذا الحكم مغي ًا بقيام‬
‫ونشره بين إخوانه هو خالف التقية‪ .‬أجل هو يريد اإلشارة إلى ّ‬
‫ظل المهدي ‪ّ ،‬‬
‫ألن العبارة المذكورة يراد بها اإلشارة إلى هذا المعنى على‬ ‫دولة العدل في ِّ‬
‫األرجح‪ ،‬وحين قيام دولة العدل ال تؤكل ذبائحهم‪ ،‬إما ألنه ال ُيسمح في مثل هذه الدولة‬
‫لهؤالء بأن يباشروا تولي ذبائح الناس‪ ،‬ربما حصار ًا لهم ال بسبب حرمة أكل ذبائحهم‪ ،‬وإ ّما‬
‫ألنّه ال يبقى لهؤالء وجود في دولته‪ ،‬لدخولهم في مشروعه ‪ ‬بعد اتضاح الحق وقيام‬
‫الحجة‪.‬‬
‫‪--2‬وإما لما أشار إليه أيض ًا وذكره غيره أيض ًا‪ ،‬من ّ‬
‫أن الروايات المحللة قد أعرض المشهور‬
‫عنها فتسقط عن الحجية‪ ،‬وال تصلح للمعارضة‪.‬‬
‫بأن إعراض المشهور يوجب سقوط الخبر عن الحجية‪،‬‬ ‫ويالحظ عليه‪ :‬أنه لو س ّلم ّ‬
‫أن إعراض المشهور هو لحيثية تعبدية كاشفة عن وصول ما يدل على عدم حجية‬ ‫فلسنا نحرز ّ‬
‫أخبار الحلية‪ ،‬وإنّما هو لحيث ّية أو نكتة اجتهاد ّية‪ ،‬وهي ترجيحهم أخبار الحرمة‪ ،‬إما لموافقتها‬
‫لالحتياط‪ ،‬وإ ّما ّ‬
‫ألن أخبار الحل ّية بنظرهم موافقة للتق ّية‪ ،‬وإما لحكمهم بحرمة ذبائح الكفار‪.‬‬
‫ومنه اتضح التأمل فيما ذكره في «فقه الصادق»‪ ،‬قال‪« :‬ولوال إفتاء األصحاب بالحرمة‬
‫مطلق ًا كان المتعين العمل بالحسن المؤيد بظاهر الكتاب الذي هو أخص من النصوص‬
‫المتقدمة لك ّن الظاهر تسالمهم على الحرمة»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لو أراد بالتسالم معنى اإلجماع فقد عرفت حاله‪ ،‬ولو أراد وضوح الحكم‬
‫إلى درجة البداهة والضرورة الفقهية‪ ،‬فهذا أول الكالم‪ .‬ولع ّله لهذا ذهب بعض الفقهاء‬
‫المعاصرين إلى اإلفتاء بالجواز‪ ،‬مع احتياط استحبابي باالجتناب‪.‬‬
‫أن الدليل يقتضي الحكم بحل ّية ذبائح النواصب‪ ،‬وألجل ما ذكرناه‬ ‫وبذلك يتضح ّ‬
‫شكك غير واحد من الفقهاء في الحرمة‪ ،‬قال الشهيد الثاني تعليق ًا على الروايتين األخيرتين‬
‫من الطائفة المحللة‪« :‬وهاتان الروايتان أوضح سند ًا‪( ،‬أي من الروايات المحرمة) وهما‬

‫= المرجئة‪« :‬صنفان من هذه األمة ليس لهما في اإلسالم نصيب‪ :‬المرجئة والقدرية»‪ ،‬انظر‪ :‬سنن ابن‬
‫ماجة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.24‬‬
‫(( ( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪ .25‬والتسالم واالتفاق على الحرمة في موضوع الخارجي هو الذي أوقف‬
‫بعض الفقهاء المعاصرين عن اإلفتاء بالجواز‪ ،‬انظر‪ :‬مباني منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.662‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪430‬‬
‫أن األشهر استثناء الناصبي مطلق ًا‪ ،‬والحروري‬ ‫ّ‬
‫بالحل‪ ،‬إال ّ‬ ‫مناسبتان لروايات الكتابي‪ ،‬وأولى‬
‫من جملته‪ ،‬لنصبه العداوة لعلي ‪ ‬كغيره من فرق الخوارج»(((‪.‬‬
‫وقال في الجواهر بعد نقل كالمه‪« :‬وظاهره الميل إلى حل ذبيحته في الجملة‪ ،‬ولم أره‬
‫لغيره‪ ،‬كما أني لم أر نسبته إلى األشهر القاضية بكون الحل مشهور ًا أيض ًا لغيره أيض ًا»(((‪.‬‬
‫قال الشيخ الفياض‪« :‬وقد تسأل هل ّ‬
‫تحل ذبيحة الناصبي وإخوانه الخوارج وبعض‬
‫أصناف الغالة؟‬
‫والجواب‪ :‬ال تحل‪.‬‬
‫وقد تسأل هل ُّ‬
‫تحل ذبيحتهم إذا ذكروا اسم الله تعالى عليها؟‬
‫والجواب‪ّ :‬‬
‫إن الحل ّية في هذه الصورة غير بعيدة‪ ،‬وإن كان األحوط واألجدر االجتناب»(((‪.‬‬
‫واالحتياط بترك أكل ذبيحة الناصبي هو الذي قال به بعض الفقهاء المعاصرين(((‪ ،‬بعد‬
‫أن رأى ّ‬
‫أن القاعدة تقتضي الجواز مع التسمية‪.‬‬

‫‪6 -6‬ذبيحة الغالة‬
‫وأما الغالة فيمكن ‪-‬أيض ًا‪ -‬القول بحلية ذبائحهم‪ ،‬بمقتضى القاعدة بمستواها األول‪،‬‬
‫فيما لو سموا على الذبيحة‪ ،‬وكذا بمستواها الثاني‪ ،‬إذا دانوا بكلمة اإلسالم‪ .‬والخروج عن‬
‫مقتضى القاعدة يحتاج على دليل‪.‬‬
‫واالستدالل على ذلك بكفرهم وإشراكهم بالله تعالى ودعواهم ربوبية بعض عباد الله‬
‫ال يصلح في المقام لتحريم ذبائحهم‪ ،‬وذلك ألنّه ال دليل على حرمة ذبيحة كل كافر‪ ،‬بل‬
‫الدليل قائم على ذبيحة ما ذكر اسم الله عليه‪.‬‬

‫‪7 -7‬ا�شتراط الإمامية في ذابح الهدي‬


‫وثمة فرع فقهي في المقام‪ ،‬وهو أن بعض الفقهاء ممن قال بحلية ذبائح عامة المسلمين‬
‫يصح ذلك؟‬
‫قد اشترط اإلمامية فيمن يذبح الهدي في الحج‪ ،‬فما الوجه في ذلك؟ وهل ُّ‬

‫مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص ‪.469‬‬ ‫(( (‬


‫جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،36‬ص ‪.96‬‬ ‫(( (‬
‫منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.157‬‬ ‫((( ‬
‫مباني منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.662‬‬ ‫(( (‬
‫‪431‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫أن الوجه في ذلك هو ّ‬
‫أن ذبح الهدي في الحج عمل عبادي‪ ،‬واألعمال العبادية ال‬ ‫الظاهر ّ‬
‫تقبل من غير الموالي ألهل البيت ‪ ‬بنظرهم‪ ،‬وإليك توضيح ذلك من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الهدي عمل عبادي‪ ،‬وهذا مفتي به عند الفقهاء‪ ،‬قال المحقق في الشرائع‪« :‬والنية‬
‫ال توصلي ًا كالذبح في غيره‪ ،‬والوجه في‬
‫شرط في الذبح»(((‪ .‬فتقديم الهدي للحاج ليس عم ً‬
‫ذلك أن تقديم الهدي هو جزء من الحج فيكون عبادة‪ ،‬كسائر أعمال الحج التي يشترط فيها‬
‫إن عبادية المركب تستلزم عبادية أجزائه‪ ،‬وهذه النية هي‬‫ن ّية القربة إلى الله‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫غير شرط التسمية مما هو شرط في حل ّية الذبائح‪ .‬ففي ذبح الهدي يشترط باإلضافة إلى‬
‫التسمية على الذبيحة‪ ،‬ن ّية القربة إلى الله تعالى‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن هذا العمل العبادي (الذبح)‪ ،‬تقع فيه النيابة‪ ،‬فهو كغيره من األعمال التي‬
‫تقبل النيابة‪ ،‬وهذا مفروغ منه عندهم‪ ،‬قال في الشرائع‪« :‬ويجوز أن يتوالها عنه الذابح»(((‪.‬‬
‫واستدل عليه ببعض األخبار‪ ،‬ومنها‪ :‬صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ‪‬‬
‫قال‪« :‬سألته عن األضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها أتجزئ عن صاحب‬
‫أن االستنابة مفروغ من‬‫األضحية؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬إنما له ما نوى»(((‪ .‬فكالم الرواي يفترض ّ‬
‫أقره اإلمام ‪ ‬على ذلك‪.‬‬
‫مشروعيتها‪ ،‬وقد ّ‬
‫ثالث ًا‪ :‬وإذا كان الذبح عم ً‬
‫ال عبادي ًا وكان قاب ً‬
‫ال للنيابة‪ ،‬فال بدّ من اشتراط إمامية النائب‪،‬‬
‫دل على بطالن عبادة غير الموالي ألهل البيت ‪.‬‬ ‫استناد ًا إلى ما ّ‬
‫وتعليقنا على ذلك هو أنّك قد عرفت في مستهل هذه المباحث ّ‬
‫أن عمل اآلخر المذهبي‬
‫صحيح وال دليل على بطالنه‪ ،‬وعليه فتجوز استنباته في الذبح‪.‬‬
‫إن اإلشكال إنما يرد لو استنيب اآلخر المذهبي في الذبح‪ ،‬وأما لو‬ ‫ويمكن أن يقال‪ّ :‬‬
‫وكِّل به فالظاهر أنّه ال مشكلة‪ّ ،‬‬
‫ألن الوكيل هو مجرد يد للموكِّل‪ ،‬وال أهم ّية لن ّيته‪ ،‬وإنّما‬
‫الالزم وقوع الن ِّية من الموكِّل‪ ،‬وذلك كتوكيل المسلم شخص ًا كافر ًا ببناء المسجد مثالً‪ ،‬أو‬
‫فإن العمل يقع قربي ًا وينال اآلمر‬ ‫ال مسلم ًا ال ينوي القربة وإنما يهدف إلى جمع المال‪ّ ،‬‬
‫عام ً‬
‫فإن العمل الصادر من‬ ‫الثواب عليه مع كون المباشر ال يؤمن بالله تعالى‪ .‬وأما في النيابة ّ‬

‫(( ( شرائع اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.193‬‬


‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .497‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .222‬قرب اإلسناد‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪432‬‬
‫النائب يحتاج إلى نيته التقرب إلى الله‪ ،‬بصرف النظر عما إذا قلنا ّ‬
‫إن النائب يقصد امتثال األمر‬
‫ألن قصد القربة باألمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول‪ ،‬أو قلنا ّ‬
‫بأن ذلك‬ ‫المتوجه إلى نفسه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫تقرب المنوب عنه ال تقرب نفسه(((‪.‬‬ ‫معقول ويمكنه أن يقصد ّ‬
‫ومما يؤ ّيد شرع ّية استنابة اآلخر المذهبي بالذبح خبر سلمة أبي حفص عن أبي‬
‫«إن علي ًا ‪ ‬كان يقول ال يذبح ضحاياك اليهود وال النصارى وال يذبحها إال‬
‫عبد الله ‪ّ :‬‬
‫مسلم»(((‪ّ .‬‬
‫فإن وقوع المسلم في مقابل النصراني واليهودي دليل على أن المراد به أعم من‬
‫الموالي ألهل البيت ‪.‬‬
‫أن اآلخر ذبح وحكمنا بعدم إجزاء الهدي‪ ،‬فهذا ال يؤدي إلى حرمة الذبيحة‪،‬‬‫ثم لو فرض ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫ألن بطالن كونها عبادة ال يالزم حرمة أكلها‪ ،‬كما ال يخفى‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة‪/‬كتاب الحج‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.254‬‬
‫((( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .،82‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .65‬وسلمة مجهول‪ ،‬لم يذكره النجاشي وال‬
‫الشيخ‪ ،‬ولذا ال يصح التعويل على أخباره‪ ،‬وقد ضعف القوم رواياته‪ .‬انظر‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪،‬‬
‫ج ‪ ،28‬ص ‪.76‬‬
‫المحور ال�ساد�س‬

‫�شرط الإمامية في الزواج‬

‫‪--1‬أقوال الفقهاء‬
‫‪--2‬مقتضى القاعدة‬
‫‪--3‬أدلة القول بعدم جواز زواج اإلمامية بغير اإلمامي‬
‫تزوج اإلمامية من المسلم غير اإلمامي‬
‫‪--4‬أدلة جواز ّ‬
‫تدور أبحاث هذا المحور حول الكفاءة الدينية على صعيد الزواج‪ّ ،‬‬
‫فإن الرأي الفقهي‬
‫لدى فقهاء الشيعة قائم على جواز العقد على المرأة المسلمة من سائر المذاهب اإلسالمية‪،‬‬
‫ولكن وقع الكالم في أنه هل يصح عقد المسلمة الموالية ألهل البيت ‪ ‬على اآلخر من‬
‫سائر المذاهب؟ أم يكون العقد باطالً‪ ،‬أو يقال بالحرمة التكليفية مع االلتزام بصحة العقد؟‬
‫المهمة‪ ،‬وقد تناولها الفقهاء في أبحاثهم الفقه ّية‬
‫ّ‬ ‫وهذه المسألة من المسائل االبتالئية‬
‫ال للكالم والخالف بين الفقهاء‪ ،‬فمنهم من منع‬ ‫كما أ ّلفت فيها رسائل خاصة‪ .‬وقد وقعت مح ً‬
‫فصل بين من يخاف على عقيدتها فال يصح‬ ‫بقول مطلق‪ ،‬ومنهم من أطلق الجواز‪ ،‬ومنهم من ّ‬
‫زواجها وإال صح‪.‬‬
‫وحيث إنّه تارة يقع الكالم عن زواج الشيعي من المسلمة األخرى‪ ،‬وتارة يقع عن زواج‬
‫المرأة الموالية ألهل البيت ‪ ‬من المسلم اآلخر‪ ،‬فيقع الكالم في الصورتين‪ ،‬والمهم هنا‬
‫بيان حكم زواج المسلمة الشيعية من المسلم الذي ال ينتمي إلى مدرسة أهل البيت ‪ ،‬ومع‬
‫اتضاح حكم هذه الصورة سيتضح العكس‪ ،‬وهو زواج المسلم الشيعي من المسلمة األخرى‪.‬‬

‫‪�1 -1‬أقوال الفقهاء‬
‫قال الشيخ المفيد‪« :‬والمسلمون األحرار يتكافؤون باإلسالم والحرية في النكاح وإن‬
‫تفاضلوا في الشرف باألنساب‪ ،‬كما يتكافؤون في الدماء والقصاص‪ ،‬فالمسلم إذا كان واجد ًا‬
‫طوالً لإلنفاق بحسب الحاجة على األزواج‪ ،‬مستطيع ًا للنكاح‪ ،‬مأمون ًا على األنفس واألموال‪،‬‬
‫أن الكفاءة في‬‫ولم يكن به آفة في عقله‪ ،‬وال سفه في الرأي‪ ،‬فهو كفو في النكاح»(((‪ .‬فيالحظ ّ‬
‫الدين أخذ فيها عنوان المسلم وليس المؤمن ليحمل على المؤمن بالمعنى األخص‪.‬‬
‫وفي النهاية للشيخ الطوسي‪« :‬المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض في عقد النكاح كما أنهم‬

‫((( المقنعة‪ ،‬ص ‪.512‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪436‬‬
‫متكافئون في الدماء وإن اختلفوا في النسب والشرف»(((‪ .‬وال يبعد أن يكون قصده باإليمان‬
‫ما يرادف اإلسالم‪.‬‬
‫وقال ابن سعيد الحلي‪« :‬وال يحل تزويج المسلم بالكافرة‪ ،‬والكافر بالمسلمة‪ ،‬ويجوز‬
‫تزويج الكفار بعضهم من بعض‪ ،‬والمسلمون أكفاء في النكاح والدماء‪ ،‬وال ينبغي أن تتزوج‬
‫المؤمنة مستضعف ًا‪ ،‬ويجوز أن يتزوج المؤمن المستضعفة»(((‪.‬‬
‫وقال العالمة الحلي‪« :‬ال يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالمخالف‪ ،‬ويجوز العكس‪ ،‬ويكره‬
‫تزويج الفاسق»(((‪.‬‬
‫وقال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬الكفاءة شرط في النكاح‪ ،‬وهي التساوي في اإليمان من طرف‬
‫تتزوج بغير المؤمن وإن كان مسلم ًا‪ ،‬ويجوز للمؤمن أن‬
‫يجوز للمؤمنة أن ّ‬
‫ُ‬ ‫خاصة‪ ،‬فال‬
‫الزوج ّ‬
‫يتزوج بالمؤمنة أيض ًا»(((‪.‬‬
‫يستحب له أن ّ‬
‫ّ‬ ‫يتزوج بمن شاء من المسلمات‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬
‫وقال السيد أبو الحسن األصفهاني‪« :‬ال يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة‬
‫نبوتهم‪ ،‬وكذا ال يجوز للمؤمن أن ينكح‬
‫أهل البيت ‪ ،‬وال الغالي المعتقد بألوه ّيتهم أو ّ‬
‫الناصبة والغالية ألنّهما بحكم الك ّفار وإن انتحال دين اإلسالم»(((‪.‬‬
‫وقال‪« :‬ال إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة‪ ،‬وأ ّما نكاح المؤمنة‬
‫قوة‪ .‬وحيث إنّه نسب‬
‫المخالف غير الناصب ففيه خالف‪ ،‬والجواز مع الكراهة ال يخلو من ّ‬
‫إلى المشهور عدم الجواز‪ ،‬فال ينبغي ترك االحتياط مهما أمكن»(((‪.‬‬
‫وقال السيد الخوئي‪« :‬يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالمخالف على كراهية بل األحوط‬
‫تركه إال إذا خيف عليها الضالل فيحرم‪ ،‬ويجوز العكس إال إذا خيف الضالل ويكره تزويج‬
‫الفاسق وتتأكد الكراهة في شارب الخمر»(((‪.‬‬

‫((( النهاية‪ ،‬ص ‪.463‬‬


‫((( الجامع للشرائع‪ ،‬ص ‪.432‬‬
‫(( ( تبصرة المتعلمين‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫((( تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.527‬‬
‫((( وسيلة النجاة مع تعليقة اإلمام الخميني عليها‪ ،‬ص ‪.537‬‬
‫(( ( وسيلة النجاة مع تعليقة السيد الكلبيكاني‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.193‬‬
‫((( منهاج الصالحين‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.271‬‬
‫‪437‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫‪2 -2‬مقت�ضى القاعدة‬
‫ّ‬
‫إن اإلسالم عنوان يضم كافة الفرق اإلسالمية‪ ،‬فهذا يقتضي ترتيب آثار اإلسالم فيما‬
‫بينهم‪ ،‬ومنها ما يتصل بالزواج والطالق والميراث والطهارة‪ ،‬كما كان يجري في زمان‬
‫النبي (ص)‪ ،‬ويدل عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲯ ﳄ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬
‫ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﴾(((‪ .‬وذلك على‬
‫أن اإليمان في اآلية الكريمة شامل لكل من آمن بالله ورسوله‪ ،‬وال يختص بالمؤمن‬ ‫اعتبار ّ‬
‫بالمعنى األخص‪ ،‬وذلك لما ذكرنا في الباب األول‪ ،‬باإلضافة إلى وجود قرينة في اآلية‪ ،‬وهي‬
‫مقابلة اإليمان للشرك‪ ،‬والمؤمنة للمشركة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬الروايات المعتبرة‪:‬‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫الرواية األولى‪ :‬معتبرة َس َما َع َة َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ :‬أ ْخبِ ْرنِي َع ِن ِ‬
‫إل ْس َل َم َل ُي َش ِ‬ ‫ان ُي َش ِ‬ ‫أهما م ْخت َِل َف ِ‬ ‫واإل ِ‬
‫ت‬ ‫ان َف ُق ْل ُ‬‫يم َ‬ ‫ار ُك ا ِ‬
‫إل َ‬ ‫إل ْس َل َم وا ِ‬
‫ار ُك ا ِ‬ ‫يم َ‬ ‫ان؟ َف َق َال‪ :‬إِ َّن ا ِ‬
‫إل َ‬ ‫يمان ُ َ ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ول ال َّله (ص) بِه ح ِقن ِ‬ ‫إلس َلم َش َها َد ُة َأ ْن َل إِ َله إِ َّل ال َّله والت َّْص ِد ُيق بِرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َفص ْف ُه َما لي َف َق َال‪ :‬ا ِ ْ ُ‬
‫يث وع َلى َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما‬ ‫ان ا ْل ُهدَ ى َ‬ ‫يم ُ‬‫إل َ‬‫َّاس وا ِ‬‫اه ِره َج َما َع ُة الن ِ‬ ‫اء و َع َل ْيه َج َرت ا ْل َمنَاك ُح وا ْل َم َو ِار ُ َ‬ ‫الدِّ َم ُ‬
‫إلس َل ِم بِدَ رجة‪ٍ.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ان َأ ْر َف ُع م َن ا ِ ْ‬‫يم ُ‬
‫إل َ‬‫وما َظ َه َر م َن ا ْل َع َم ِل بِه وا ِ‬
‫إل ْس َل ِم َ‬ ‫وب م ْن ص َفة ا ِ‬ ‫ت في ا ْل ُق ُل ِ‬ ‫َي ْث ُب ُ‬
‫اجت ََم َعا فِي‬ ‫ِ‬
‫ان في ا ْل َباط ِن وإِ ِن ْ‬
‫إليم َ ِ‬
‫ار ُك ا ِ َ‬‫إل ْس َل َم َل ُي َش ِ‬ ‫إلس َلم فِي ال َّظ ِ‬
‫اه ِر وا ِ‬ ‫ار ُك ا ِ ْ َ‬ ‫ان ُي َش ِ‬ ‫يم َ‬
‫إل َ‬ ‫إِ َّن ا ِ‬
‫والص َف ِة»(((‪.‬‬
‫ا ْل َق ْو ِل ِّ‬
‫ان‬
‫يم َ‬
‫إل َ‬‫ول‪« :‬إِ َّن ا ِ‬ ‫ار َق َال َس ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫الرواية الثانية‪ :‬صحيحة ُف َض ْي ِل ْب ِن َي َس ٍ‬
‫إل ْس َل َم َما َع َل ْيه ا ْل َمنَاكِ ُح‬
‫وب وا ِ‬ ‫ان َما َو َق َر فِي ا ْل ُق ُل ِ‬
‫يم َ‬ ‫إل ْس َل ُم إِ َّن ا ِ‬
‫إل َ‬ ‫ول ُي َش ِ‬
‫اركُه ا ِ‬ ‫ُي َش ِ‬
‫ار ُك ا ِ‬
‫إل ْس َل َم َ‬
‫يث وح ْقن الدِّ م ِ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫يم َ‬ ‫إل ْس َل َم َل َي ْش َر ُك ا ِ‬
‫إل َ‬ ‫إل ْس َل َم وا ِ‬
‫ان َي ْش َر ُك ا ِ‬
‫يم َ‬‫إل َ‬‫اء وا ِ‬ ‫وا ْل َم َو ِار ُ َ ُ َ‬
‫بم يكون الرجل‬
‫الرواية الثالثة‪ :‬صحيحة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله ‪َ ‬‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.221‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.25‬‬
‫(( ( المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪438‬‬
‫مسلم ًا تحل مناكحته وموارثته؟ َ‬
‫وبم يحرم دمه؟ فقال‪ :‬يحرم دمه باإلسالم إذا ظهر وتحل‬
‫مناكحته وموارثته»(((‪.‬‬
‫الرواية الرابعة‪ :‬صحيحة العالء بن رزين سألت أبا عبد الله ‪ ‬عن جمهور الناس؟‬
‫ٍ‬
‫هدنة تر ّد ضالتهم‪ ،‬وتؤدى أمانتهم‪ ،‬وتحقن دماؤهم‪ ،‬وتجوز مناكحتهم‬ ‫فقال‪ :‬هم اليوم أهل‬
‫وموارثتهم في هذا الحال»(((‪.‬‬
‫أن األساس‬ ‫وهذه األخبار المعتبرة مطلقة وتؤسس لقاعدة عامة في باب الزواج‪ ،‬وهي ّ‬
‫المتقوم بالشهادتين‪ ،‬فيستفاد منها جواز زواج اإلمامي بغير اإلمامية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في ذلك هو اإلسالم‬
‫وكذا العكس‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬السيرة المتشرعية القطعية‪ ،‬فإنها قائمة على جواز زواج اإلمامي من المرأة غير‬
‫تزوج األئمة ‪ ‬من بعض‬ ‫اإلمامية‪ ،‬فقد كان الشيعة يتزوجون من سائر الفرق اإلسالمية‪ ،‬وقد ّ‬
‫مرت اإلشارة إلى ذلك في ثنايا هذا الكتاب‪ ،‬فقد جرى ذلك مع‬ ‫النساء غير الشيعيات‪ ،‬كما ّ‬
‫تزوج من امرأة شيبانية لم تكن موالية لعلي ‪ ،‬وجرى‬ ‫اإلمام علي بن الحسين ‪ ‬الذي ّ‬
‫مع اإلمام الباقر ‪ ‬وزوجته الثقفية‪ ،‬وحصل أيض ًا مع اإلمام الحسن ‪ ‬بزواجه من جعدة‬
‫أن والدة اإلمام الصادق ‪ ‬هي‬ ‫بنت األشعث‪ .‬وربما يذكر في هذا السياق شاهد آخر وهو ّ‬
‫إن أباها هو القاسم بن محمد بن أبي‬ ‫«أم فروة» التي تنتسب إلى أبي بكر من طرفين؛ حيث ّ‬
‫بكر‪ ،‬وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر‪ .‬وهذا ما دفع اإلمام ‪ - ‬بناء على صحة‬
‫الرواية ‪ -‬للقول‪« :‬ولدني أبو بكر مرتين»(((‪ ،‬ولك ّن هذا الشاهد ال يتم‪ ،‬ألنّه من غير المعلوم‬
‫أن جدها محمد بن أبي بكر هو ممن تربى‬ ‫أن أم فروة كانت غير موالية لعلي ‪ ،‬وال سيما ّ‬ ‫ّ‬
‫في حجر علي ‪ ‬واستشهد تحت رايته‪.‬‬
‫ويمكن أن يدعى جريان السيرة على زواج المرأة اإلمامية من غير اإلمامي‪ ،‬ونذكر له‬
‫ال عن غيرهن كما سيأتي‪.‬‬‫بعض األمثلة حتى من بنات األئمة ‪ ‬فض ً‬

‫‪�3 -3‬أدلة القول بعدم جواز زواج الإمامية بغير الإمامي‬


‫وعلى كل حال‪ّ ،‬‬
‫فإن النصوص والوجوه المتقدمة يستفاد منها بشكل جلي‬

‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .303‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.184‬‬


‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.472‬‬
‫((( حول مدى صحة هذه الرواية راجع الملحق رقم (‪ ،)4‬ج ‪.2‬‬
‫‪439‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫شرعية زواج اإلمامي من غير اإلمامية‪ ،‬وبإطالقها ّ‬
‫تدل أيض ًا على شرع ّية زواج‬
‫اإلمامية من المسلم اآلخر‪ ،‬إال إذا قام دليل على التخصيص والتقييد‪ ،‬فهل ما يصلح‬
‫في المقام للتقييد؟‬
‫الوجه األول‪ :‬دعوى اإلجماع‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬عدم ثبوت اإلجماع‪ ،‬وال سيما مع مخالفة الشيخ المفيد والمحقق الحلي وابن‬
‫سعيد وابن حمزة‪ ،‬أجل‪ّ ،‬‬
‫إن الكثيرين ع ّبروا بشرط الكفاءة في اإليمان‪ ،‬ففهم منهم أنّهم‬
‫أن األمر ليس واضح ًا فربما قصد هؤالء من الكفاءة‬
‫يشترطون اإليمان بالمعنى األخص‪ ،‬مع ّ‬
‫في اإليمان‪ ،‬الكفاءة في الدين(((‪ ،‬واستخدموا مصطلح اإليمان تبع ًا للحديث الشريف اآلتي‪.‬‬
‫وقد أشار المحقق الكركي إلى الخالف حول «تفسير الكفاءة في اإليمان» قال‪« :‬وال خالف‬
‫بين أهل اإلسالم في اعتبار الكفاءة في النكاح‪ ،‬لكنهم اختلفوا في تفسيرها‪ ،‬فذهب جمع من‬
‫علمائنا إلى أنها عبارة عن اإليمان والتمكن من النفقة‪ ،‬واقتصر بعضهم على األول‪ ،‬وبعضهم‬
‫لم يعتبر اإليمان بل اكتفى باإلسالم عنه»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عدم حجية إجماع من هذا القبيل‪ ،‬ألنّه إجماع مدركي وليس إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا‬
‫عن رأي المعصوم ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬دعوى كفر كل من لم يكن إمامي ًا‪.‬‬
‫ولكن هذا الوجه ضعيف جد ًا وال يصغى إليه‪ ،‬وقد تقدم سابق ًا ما يمكن أن يستدل به‬
‫لذلك‪ ،‬مع مناقشته وتفنيده‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ّ :‬‬
‫إن من شرائط صحة الزواج الكفاءة‪ ،‬والمؤمنة الشيعية ال كفؤ لها‬

‫(( ( كما يستفاد من كالم ابن إدريس حيث قابل بين اإليمان والكفر‪ ،‬يقول‪« :‬فعندنا أن الكفاءة المعتبرة‬
‫في النكاح أمران‪ :‬اإليمان‪ ،‬واليسار بقدر ما يقوم بأمرها‪ ،‬واإلنفاق عليها‪ ،‬وال يراعى ما وراء ذلك من‬
‫األنساب والصنايع ‪ .‬واألولى أن يقال‪ :‬إن اليسار ليس بشرط في صحة العقد‪ ،‬وإنما للمرأة الخيار إذا‬
‫لم يكن موسر ًا بنفقتها‪ ،‬وال يكون العقد باطالً‪ ،‬بل الخيار إليها‪ ،‬وليس كذلك خالف اإليمان الذي‬
‫إن ابن إدريس‬ ‫هو الكفر إذا بان كافر ًا‪ ،‬فإن العقد باطل»‪ ،‬السرائر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .557‬اللهم إال أن يقال‪ّ :‬‬
‫ال يقصد باإليمان ما يشمل المسلم اآلخر‪ ،‬بل خصوص اإلمامي‪ ،‬ألنه يحكم بكفر من لم يكن شيعي ًا‪،‬‬
‫قال‪« :‬والمخالف للحق كافر ‪ ،»..‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.356‬‬
‫(( ( جامع المقاصد‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.128‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪440‬‬
‫إال المؤمن الشيعي‪ ،‬قال الشيخ الطوسي‪« :‬الكفاءة معتبرة في النكاح‪ ،‬وهي عندنا شيئان‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬اإليمان‪ .‬واآلخر‪ :‬إمكان القيام بالنفقة»(((‪.‬‬
‫أن شرط الكفاءة في الزواج قد توسع به الفقهاء توسع ًا غير مبرر لدرجة تالمس‬ ‫والواقع ّ‬
‫العنصرية‪ ،‬فقد اعتبر بعضهم فيها النسب والحرية والسالمة من العيوب(((‪ ،‬وكل ذلك ال دليل‬
‫تزوج األئمة ‪ ‬اإلماء‪ ،‬وزوجوا من غير بني هاشم‪،‬‬ ‫عليه‪ ،‬بل الدليل على العكس قائم‪ ،‬فقد ّ‬
‫فإن القيام بالنفقة المذكور في كالم الشيخ أعاله ليس شرط ًا في صحة العقد‪ ،‬وتحقيق‬ ‫وكذا ّ‬
‫ذلك في محله‪ .‬وأ ّما أخذ قيد اإليمان في الكفاءة فيحتاج إلى دليل‪ ،‬وما يمكن أن يستدل به‬
‫لذلك هو ما روي عن النبي (ص) «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»‪ ،‬فقد ذكر الكليني قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫وج َّل َل ْم َيت ُْر ْك َش ْيئ ًا‬‫« َب ْع ُض َأ ْص َحابِنَا َس َق َط َعنِّي إِ ْسنَا ُده َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ :‬إِ َّن ال َّله َع َّز َ‬
‫ات َي ْوم َف َح ِمدَ ال َّله‬ ‫يمه إِ َّياه َأنَّه َص ِعدَ ا ْل ِمنْ َب َر َذ َ‬ ‫َان ِمن َتع ِل ِ‬
‫َاج إِ َل ْيه إِ َّل َع َّل َمه نَبِ َّيه (ص)‪َ ،‬فك َ ْ ْ‬ ‫م َّما ُي ْحت ُ‬
‫ِ‬
‫َار بِ َمن ِْز َل ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس إِ َّن َج ْب َرائ َيل َأتَاني َع ِن ال َّلطيف ا ْل َخبِ ِير َف َق َال‪ :‬إِ َّن األَ ْبك َ‬ ‫و َأ ْثنَى َع َل ْيه ُث َّم َق َال‪َ :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫َار إِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫الش َج ِر إِ َذا َأ ْد َر َك َث َم ُره َف َل ْم ُي ْج َتنَى َأ ْف َسدَ تْه َّ‬ ‫ال َّث َم ِر َع َلى َّ‬
‫اح وك ََذل َك األَ ْبك ُ‬ ‫الش ْم ُس و َن َث َرتْه ِّ‬
‫الر َي ُ‬
‫َأ ْد َر ْك َن َما ُيدْ ِر ُك الن َِّسا ُء َف َل ْي َس َل ُه َّن َد َوا ٌء إِ َّل ا ْل ُب ُعو َل ُة وإِ َّل َل ْم ُي ْؤ َم ْن َع َل ْي ِه َّن ا ْل َف َسا ُد ألَن َُّه َّن َب َش ٌر‪،‬‬
‫ول ال َّله و َم ِن‬ ‫ول ال َّله َف َم ْن ن َُز ِّو ُج؟ َف َق َال‪ :‬األَ ْك َفا َء‪َ .‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َقا َم إِ َل ْيه َر ُج ٌل َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ض»(((‪.‬‬ ‫ُون َب ْع ُض ُه ْم َأ ْك َفا ُء َب ْع ٍ‬‫ض ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ُون َب ْع ُض ُه ْم َأ ْك َفا ُء َب ْع ٍ‬ ‫األَ ْك َفا ُء؟ َف َق َال‪ :‬ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ورواه الصدوق قال‪ :‬حدثنا أبي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬قال‪ :‬حدثنا القاسم بن محمد بن علي‬
‫ابن إبراهيم النهاوندي عن صالح بن راهويه عن أبي حيون مولى الرضا ‪ ‬قال‪ :‬نزل جبرائيل‬
‫إن ربك يقرئك السالم ويقول‪ّ :‬‬
‫إن األبكار من النساء بمنزلة‬ ‫على النبي (ص) فقال‪ :‬يا محمد ّ‬

‫((( الخالف‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.271‬‬


‫ستة‪ :‬النسب‪ ،‬والحرية‪ ،‬والدين‪ ،‬والصناعة‪ ،‬والسالمة من العيوب‬ ‫(( ( قال الشافعي‪« :‬شرائط الكفاءة‬
‫واليسار‪ .‬ولم يعتبر أبو حنيفة وأصحابه الحرية وال السالمة من العيوب»‪ ..‬وقال الشافعي‪ :‬العجم‬
‫ليسوا بأكفاء للعرب‪ ،‬والعرب ليسوا أكفاء لقريش‪ ،‬وقريش ليسوا أكفاء لبني هاشم‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫وأصحابه‪ :‬قريش كلها أكفاء‪ ،‬وليس العرب أكفاء لقريش‪ .‬فالخالف بينهم في بني هاشم»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،272 - 271‬وقال الشهيد الثاني‪« :‬ال خالف في اشتراط الكفاءة في النكاح‬
‫بين الزوجين‪ ،‬ولكن اختلفوا في تفسيرها‪ ،‬فذهب المصنف والمفيد وابن حمزة إلى االكتفاء باإلسالم‪،‬‬
‫لالجماع على اعتباره‪ ،‬وعدم الدليل الصالح العتبار غيره‪ .‬ووافقهم ابن الجنيد في غير من تحرم عليه‬
‫الصدقة‪ ،‬وذهب األكثر إلى اعتبار اإليمان الخاص معه في جانب الزوج‪ ،‬وفي جانب الزوجة يكفي‬
‫اإلسالم»‪ .‬انظر‪ :‬مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.400‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .337‬ورواه الشيخ عن الكليني‪ ،‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.398‬‬
‫‪441‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الثمر على الشجر فإذا أينع الثمر فال دواء له إال اجتناؤه واال أفسدته الشمس وغيرته الريح‪،‬‬
‫وإن األبكار إذا أدركن ما يدركن النساء فال دواء لهن إال البعول وإال لم يؤمن عليهن الفتنة‪،‬‬
‫فصعد رسول الله (ص) المنبر فخطب الناس ثم أعلمهم ما أمرهم الله به فقالوا‪ :‬ممن يا‬
‫رسول الله؟ فقال‪ :‬من األكفاء فقالوا‪ :‬ومن األكفاء؟ فقال‪ :‬المؤمنون بعضهم أكفاء بعض‪ ،‬ثم‬
‫لم ينزل حتى زوج ضباعة بنت زبير بن عبد المطلب لمقداد بن أسود ثم قال‪ :‬أ ّيها الناس إنّما‬
‫زوجت ابنة عمي المقداد ليتضع النكاح»(((‪.‬‬‫ّ‬
‫وفي «الفقيه»‪ :‬قال الصادق ‪« :‬المؤمنون أكفاء بعض»(((‪.‬‬
‫ولكن يالحظ على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف الخبر بكافة طرقه‪.‬أ ّما األول فواضح‪ ،‬وأما الثاني فلجهالة صالح بن راهويه‬
‫وأبي حيون‪ ،‬وأما الثالث فباإلرسال‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ّ :‬‬
‫إن اإليمان في كالمه (ص) ال يراد به اإليمان بالمعنى األخص‪ ،‬أي أن يكون‬
‫إمامي ًا‪ ،‬كما أوضحنا ذلك في الباب األول من هذا الكتاب‪.‬‬
‫دل على تزويج من يكون مرضي الخلق والدين‪ ،‬وغير اإلمامي ال‬ ‫الوجه الرابع‪ :‬ما ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َب َعل ُّي ْب ُن َأ ْس َباط إِ َلى َأبِي َج ْع َف ٍر ‪ ‬في َأ ْم ِر‬ ‫ِ‬
‫يرضى دينه‪ ،‬ففي صحيح َعل ِّي ْب ِن َم ْه ِز َي َار َق َال‪َ :‬كت َ‬
‫َب إِ َل ْيه َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪َ « :‬ف ِه ْم ُت َما َذك َْر َت ِم ْن َأ ْم ِر َبنَاتِ َك و َأن ََّك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبنَاته و َأنَّه َل َي ِجدُ َأ َحد ًا م ْث َله‪َ ،‬ف َكت َ‬
‫ول ال َّله (ص) َق َال‪ :‬إِ َذا َجا َءك ُْم َم ْن‬ ‫َجدُ َأ َحد ًا ِم ْث َل َك‪َ ،‬ف َل َتنْ ُظ ْر فِي َذلِ َك َر ِح َم َك ال َّله‪َ ،‬فإِ َّن َر ُس َ‬ ‫َل ت ِ‬
‫ودينَه َف َز ِّو ُجوه ﴿ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾(((»(((‪.‬‬ ‫تَر َضو َن ُخ ُل َقه ِ‬
‫ْ ْ‬
‫يج َف َأتَانِي ِكتَا ُبه‬
‫يم ْب ِن ُم َح َّم ٍد ا ْل َه َم َذانِ ِّي َق َال َك َت ْب ُت إِ َلى َأبِي َج ْع َف ٍر ‪ ‬فِي الت َّْز ِو ِ‬ ‫ِ‬
‫وعن إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫ن ت َْر َض ْو َن ُخ ُل َقه ودينَه َف َز ِّو ُجوه‪ ﴿ ،‬ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫ول ال َّله (ص)‪ :‬إِ َذا َجا َءك ُْم َم ْ‬ ‫بِ َخ ِّطه‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾((((((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬

‫عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .260‬وعلل الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.578‬‬ ‫(( (‬
‫من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.393‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .347‬وصححه في المرآة‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص ‪ .47‬وكذا الحديث الذي يليه‪.‬‬ ‫((( ‬
‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.347‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪442‬‬
‫أوالً‪ :‬ربما يقال‪ :‬إنّه ال مفهوم لهذه الجملة‪ ،‬ألن الشرط مسوق لتحقق الموضوع‪ ،‬فهي‬
‫على غرار «إذا رزقت ولد ًا فاختنه»‪ ،‬فإذا لم يأت من هو مرضي الخلق والدين فال معنى لعدم‬
‫تزويجه‪ ،‬ألنّه من السالبة بانتفاء الموضوع‪.‬‬
‫ولكن ال يخفى وجود الفارق بين الجملتين‪ ،‬فجملة «إذا رزقت ولد ًا فاختنه» يكون‬
‫الشرط فيها وهو رزق الولد هو األسلوب الوحيد لتحقق الموضوع‪ ،‬وأما جملة «إذا جاءكم‬
‫من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» ال يكون مجيء مرضي الخلق والدين هو األسلوب الوحيد‬
‫لتحقق الموضوع‪ ،‬إذ يمكن تحقق الموضوع بعدم مجيئه والذي يعني مجيء غير مرضي‬
‫الخلق والدين‪.‬‬
‫إن الجملة المذكورة تدل على المطلوب استناد ًا إلى مفهوم اللقب أو مفهوم‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫أن مفهوم اللقب هو من أضعف المفاهيم كما‬‫الوصف‪ ،‬وليس استناد ًا إلى مفهوم الشرط‪ ،‬بيد ّ‬
‫هو معلوم‪ ،‬ومفهوم الوصف ليس حجة شرع ًا كما حقق في محله‪.‬‬
‫ألن الجملة تدعو إلى تزويج من كان مرضي الخلق والدين‬ ‫ثاني ًا‪ :‬إن االستدالل ال يتم‪ّ ،‬‬
‫«الخلق» فإنّه ليس شرط ًا‬
‫ُ‬ ‫وعدم ر ّده (واألمر فيها سواء قلنا إنه لالستحباب‪ ،‬ويؤيده ذكر‬
‫إلزامي ًا في الزواج‪ ،‬أو قلنا إنّه للوجوب‪ ،‬كما يستفاد من االستشهاد باآلية‪ّ ،‬‬
‫فإن الفساد والفتنة‬
‫ال تترتب إال على ترك الواجب دون المستحب) فال تدل على حرمة تزويج من لم يكن‬
‫مرضي الدين‪ ،‬وإنما غاية داللتها هو انتفاء الوجوب أو االستحباب عند مجيء من ليس‬
‫مرضي الخلق والدين‪ ،‬وهذا ال يستفاد منه النهي عن تزويج من لم يكن كذلك‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬وال يبعد القول‪ّ :‬‬
‫إن الدين في الرواية هو اإلسالم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬ ﴾(((‪ ،‬وقال سبحانه أيض ًا‪ ﴿ :‬ﱵ يَـبْـت َ ِغ ﱛ ﱬ ﲂ ﱤ ﱥ ﱦ ﴾(((‪ ،‬فالسني وكذا‬
‫الزيدي هو على دين اإلسالم‪ ،‬ويصدق عليه أنه مرضي الدين‪ .‬نعم‪ ،‬يمكن أن ينفى عنه كمال‬
‫وثمة قرينة في صحيح ابن مهزيار على ذلك‪ ،‬وهي أنّه شكى إلى اإلمام ‪‬‬
‫الدين ال أصله‪ّ .‬‬
‫أنّه ال يجد من هو مثله‪ ،‬أي في معتقده وهو الوالء ألهل البيت ‪ ،‬واإلمام ‪ ‬أجابه‪ :‬ال‬
‫عليك إذا جاءك من ترضى خلقه ودينه فزوجه‪ ،‬فهذا شاهد على ّ‬
‫أن المقصود بالدين هو‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولهذا تكون الرواية على العكس أدل‪.‬‬

‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬


‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.85‬‬
‫‪443‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫دل على أن «العارفة ال توضع إال عند عارف»‪ ،‬ونذكر لذلك خبرين‪:‬‬ ‫الوجه الخامس‪ :‬ما ّ‬
‫ال َع ْن َع ِل ِّي‬ ‫الخبر األول‪ :‬ما رواه الكليني بإسناده عن َأ ْحمد ْبن م َحم ٍد َع ِن ا ْب ِن َف َّض ٍ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى ا ْل َحنَّاط َعن ا ْل ُف َض ْي ِل ْبن َي َسار َق َال‪:‬‬ ‫ان ْب ِن ُم ْسل ٍم َع ِن ا ْل ُح َس ْي ِن ْب ِن ُم َ‬‫وب َع ْن َم ْر َو َ‬‫ا ْب ِن َي ْع ُق َ‬
‫ار َف ًة َع َلى َر ْأ ِينَا و َل ْي َس َع َلى َر ْأ ِينَا بِا ْل َب ْص َر ِة إِ َّل َق ِل ٌيل‬
‫ُق ْل ُت ألَبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ :‬إِ َّن ِل ْم َر َأتِي ُأ ْخت ًا َع ِ‬
‫َف ُأ َزوجها ِممن َل يرى ر ْأيها؟ َق َال‪َ :‬ل َ ِ‬
‫ول‪ ﴿ :‬ﲧ‬ ‫وج َّل َي ُق ُ‬ ‫[و َل ك ََرا َم َة] إِ َّن ال َّله َع َّز َ‬ ‫ول ن ْع َم َة َ‬ ‫ِّ ُ َ َّ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﴾((((((‪.‬‬
‫ويالحظ على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف سند الخبر‪ ،‬قال الشهيد الثاني‪« :‬ورواية الفضيل في طريقها ابن فضال‪،‬‬
‫وهو فطحي‪ .‬وعلي بن يعقوب ومروان بن مسلم‪ ،‬وهما مجهوالن‪ .‬والحسين بن موسى‬
‫الحناط‪ ،‬وهو واقفي أو مجهول»(((‪ .‬أقول‪ :‬فطيحة ابن فضال ال تسقط روايته ووثاقته‪ ،‬ولذا‬
‫فالعمدة في ضعف الخبر هي في وجود المجاهيل فيه‪.‬‬
‫أن نظر الحديث إلى النهي عن التزويج من النواصب كما يشهد له استشهاد‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ال يبعد ّ‬
‫فإن َم ْن ُيحكم بكفره ﴿ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﴾ هم النواصب دون‬ ‫اإلمام ‪ ‬باآلية المباركة‪ّ ،‬‬
‫فإن البصرة فيما يبدو كانت مرتع ًا للنصب‬
‫غيرهم‪ .‬وربما يساعد االعتبار التاريخي على ذلك‪ّ ،‬‬
‫آنذاك‪ ،‬وورد في روايات أخرى اإلشارة إلى هذا األمر(((‪.‬‬
‫أن للفضيل خبر ًا آخر‪ ،‬جاء فيه‪ :‬سألت أبا جعفر ‪ ‬عن المرأة العارفة‬
‫ويؤيد ما نقول ّ‬
‫أزوجها الناصب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ألن الناصب كافر‪ ،‬قال‪ :‬فأزوجها الرجل غير الناصب وال‬
‫إلي منه»(((‪.‬‬
‫أحب ّ‬
‫العارف؟ فقال‪ :‬غيره ّ‬

‫((( سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬


‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.349‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .403‬وقال المجلسي عن الخبر‪ :‬مجهول‪ ،‬في المرآة‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص ‪.51‬‬
‫و َأنَا‬ ‫اع َيل ْب ِن َع ْب ِد ا ْل َخالِ ِق َق َال َس ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ي ُق ُ‬
‫ول َألبِي َج ْع َف ٍر َاأل ْح َولِ‬ ‫((( في صحيحة إِسم ِ‬
‫ْ َ‬
‫َّاس إِ َلى َه َذا األَ ْم ِر و ُد ُخو َل ُه ْم فِيه؟ َق َال‪:‬‬ ‫ف َر َأ ْي َت ُم َس َار َع َة الن ِ‬ ‫َأ ْس َم ُع‪َ :‬أ َت ْي َت ا ْل َب ْص َرةَ؟ َف َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ك ْي َ‬
‫وال َّله إِن َُّه ْم َل َق ِل ٌيل و َل َقدْ َف َع ُلوا وإِ َّن َذلِ َك َل َق ِل ٌيل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ع َل ْي َك بِاألَ ْحدَ اث َفإِن َُّه ْم َأ ْس َر ُع إِ َلى ك ُِّل َخ ْي ٍر‪ُ .‬ث َّم َق َال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ول َأ ْه ُل ا ْل َب ْص َر ِة فِي َه ِذه اآل َي ِة‪ ﴿ :‬ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﴾ [الشورى‪ُ ،]23 :‬ق ْل ُت‪:‬‬ ‫َما َي ُق ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اص ًة في أ ْه ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُج ِع ْل ُت فدَ َ‬
‫ِ‬
‫ون إن ََّها أل َقارب َر ُسول ال َّله (ص) َف َق َال ك ََذ ُبوا إن ََّما ن ََز َل ْت فينَا َخ َّ‬ ‫اك إن َُّه ْم َي ُقو ُل َ‬
‫اب ا ْلك َساء ‪ ،»‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.93‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت فِي َع ِل ٍّي و َفاط َم َة وا ْل َح َس ِن وا ْل ُح َس ْي ِن َأ ْص َح ِ‬
‫ِ‬ ‫ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬
‫(( ( االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .184‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.303‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪444‬‬
‫اد َع ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن َغ ْي ِر‬ ‫الخبر الثاني‪ :‬الكليني بإسناده عن حميد بن ِزي ٍ‬
‫ُ َْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أ َبا َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ع ْن نك ِ‬
‫َاح‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ار َق َال‪َ :‬سأ ْل ُ‬ ‫ان َع ِن ا ْل ُف َض ْي ِل ْب ِن َي َس ٍ‬ ‫اح ٍد َعن َأب ِ‬
‫ان ْب ِن ُع ْث َم َ‬ ‫و ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت فِدَ َ‬
‫اك‬ ‫ت‪ُ :‬ج ِع ْل ُ‬ ‫ح ُّل‪َ .‬ق َال ُف َض ْي ٌل‪ُ :‬ث َّم َس َأ ْلتُه َم َّر ًة ُأ ْخ َرى َف ُق ْل ُ‬ ‫ب؟ َف َق َال‪َ :‬ل وال َّله ما ي ِ‬
‫َ َ‬
‫الن ِ‬
‫َّاص ِ‬
‫ُوض ُع إِ َّل‬
‫ار َف َة َل ت َ‬ ‫ار َف ٌة‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِ َّن ا ْل َع ِ‬
‫ت‪َ :‬ع ِ‬ ‫ار َف ٌة؟ ُق ْل ُ‬ ‫ول فِي نِك ِ‬
‫َاح ِه ْم؟ َق َال‪ :‬وا ْل َم ْر َأ ُة َع ِ‬ ‫َما َت ُق ُ‬
‫ٍ‬
‫ارف»(((‪.‬‬ ‫ِعنْدَ َع ِ‬
‫ويالحظ عليه‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ضعف السند‪ ،‬كما أشار إليه الشهيد الثاني‪ ،‬ولكن صاحب الرياض قال في وصف‬
‫الخبر‪« :‬المرسل كالموثق‪ ،‬بل الموثق‪ ،‬إلرساله عن غير واحد‪ ،‬الملحق مثله عند جماعة‬
‫بالمسند‪ ،‬مع كون المرسل من المجمع على تصحيح رواياته»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إن قوله‪« :‬العارفة ال توضع إال عند عارف» حصرت األمر بالعارف وأخرجت‬
‫غير العارف وهو شامل للناصبي ولغير الناصبي ممن ال يعرف واليتهم ‪ .‬لكن ال يبعد‬
‫أنها واردة في النهي عن زواج الناصبي بقرينة صدرها‪ ،‬وإشعار كالم الفضيل على ّ‬
‫أن السؤال‬
‫الثاني هو إعادة لما سأل عنه أوالً‪ ،‬حيث قال‪« :‬ثم سألته مرة أخرى»‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫على ّ‬
‫أن النهي في هذا الحديث ال مجال لداللته على بطالن الزواج بغير العارف‪ ،‬وذلك‬
‫لما تقدم وسيأتي من األدلة على صحة الزواج المذكور‪ ،‬بل ووقوعه على مرأى من األئمة ‪‬‬
‫دون نكير‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬ما ورد في النهي عن تزويج الشكاك‪ ،‬ونذكر لذلك خبرين‪:‬‬
‫الخبر األول‪ :‬ما رواه زرارة عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪ :‬تزوجوا في الشكاك وال‬
‫تزوجوهم‪ّ ،‬‬
‫فإن المرأة تأخذ من أدب زوجها‪ ،‬ويقهرها على دينه»(((‪ ..‬فإنه يستفاد منها حرمة‬
‫زواج الشيع ّية من السني إ ّما بمقتضى عموم التعليل‪ ،‬وإما بدعوى األولو ّية‪ ،‬فالنهي عن تزويج‬
‫يدل باألولوية على المنع من تزويج غيرهم‪.‬‬ ‫الشكاك ّ‬
‫وقد ناقشه الشهيد الثاني بضعف السند‪ّ ،‬‬
‫ألن «في طريقه سهل بن زياد‪ ،‬وهو فاسد‬
‫المذهب‪ ،‬وعبد الكريم بن عمرو‪ ،‬وهو واقفي‪ .‬وأبو بصير‪ ،‬وهو مشترك بين الثقة والضعيف»‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص ‪.551‬‬


‫(( ( رياض المسائل‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.249‬‬
‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .408‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ 348‬و‪ .349‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.304‬‬
‫‪445‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫وناقشه دالل ًة فقال‪« :‬مع أنّها (الرواية) ال تدل على المطلوب‪ّ ،‬‬
‫فإن النهي عن الشكاك ال‬
‫يستلزم النهي عن غيرهم»(((‪.‬‬
‫ولكن نقاش الشهيد في السند يمكن ر ّده ّ‬
‫بأن سند الفقيه للرواية صحيح(((‪.‬‬
‫أن نقاش الداللة قد ر ّده سبطه السيد محمد في نهاية المرام قائالً‪ّ :‬‬
‫«إن المنع من تزويج‬ ‫كما ّ‬
‫الشكاك يقتضي المنع من تزويج غيرهم من المعتقدين لمذهب أهل الخالف بطريق أولى»(((‪.‬‬
‫ولكن السؤال من هم الشكاكون؟‬
‫إن كان المقصود بهم الشاكين في إمامة األئمة ‪ ‬وواليتهم فدعوى األولوية صحيحة‪،‬‬
‫يزوج النافي لواليتهم‪ ،‬ولكن ربما يقال‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫يزوج فباألولى أن ال ّ‬
‫ألنّه إذا كان الشكاك ال ّ‬
‫ٍ‬
‫وعندئذ لن يستفاد‬ ‫المقصود بهم هم الشاكون في أصول العقيدة اإلسالمية‪ ،‬من قبيل الزنادقة‬
‫منها المنع من تزويج أتباع سائر المذاهب اإلسالمية‪.‬‬
‫وال وجه لما ذكره الخاجوئي من ّ‬
‫«أن المتبادر من الشكاك مطلق المخالفين‪ ،‬سماهم‬
‫شبه وجهاالت‪ ،‬ليس لهم قدم صدق عند‬ ‫بذلك ألنّهم أرباب شكوك وخياالت وأصحاب ٍ‬
‫السنة ليسوا شكاكين‪،‬‬ ‫ربهم فيما اعتقدوه‪ ،‬وال ثبات جأش وطمأنينة فيما عقلوه»(((‪ّ .‬‬
‫فإن معظم ُّ‬
‫وكون بعض أفكارهم غير مرضية وال صحيحة عندنا ال يبرر وصفهم بالشكاك‪.‬‬
‫الح َس ْي ِن ْب ِن‬ ‫وقد أطلق الشاك في بعض األخبار على الشاك في الله تعالى‪ ،‬ففي خبر ُ‬
‫يم ‪ ﴿ :‬ﱄ ﱅ‬
‫ِ‬
‫اك و َقدْ َق َال إِ ْب َراه ُ‬ ‫الصالِ ِح ‪ُ ‬أ ْخبِ ُره َأنِّي َش ٌّ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َح َك ِم َق َال َك َت ْب ُت إِ َلى ا ْل َع ْبد َّ‬
‫اهيم ك َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َأ ْن‬ ‫َان ُم ْؤمن ًا و َأ َح َّ‬ ‫َب ‪ ‬إِ َّن إِ ْب َر َ‬ ‫ب َأ ْن ت ُِر َيني َش ْيئ ًا َف َكت َ‬‫ﱆ ﱇ ﱈ ﴾((( و َأنِّي ُأح ُّ‬
‫ت ا ْل َي ِقي ُن َفإِ َذا َجا َء ا ْل َي ِقي ُن‬
‫الش ُّك ما َلم ي ْأ ِ‬
‫َب إِن ََّما َّ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫اك َل َخ ْي َر فيه و َكت َ‬ ‫والش ُّ‬‫اك َّ‬‫ْت َش ٌّ‬ ‫َي ْز َدا َد إِ َ‬
‫يمان ًا و َأن َ‬
‫ول‪ ﴿ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬ ‫وج َّل َي ُق ُ‬ ‫َب إِ َّن ال َّله َع َّز َ‬
‫الش ُّك و َكت َ‬ ‫َل ْم َي ُج ِز َّ‬
‫اك(((‪.‬‬ ‫الش ِّ‬ ‫ﲬ ﴾((( َق َال ن ََز َل ْت فِي َّ‬

‫مسالك األفهام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.402‬‬ ‫(( (‬


‫انظر‪ :‬الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪ .62‬الرسائل الفقهية للخاجوئي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.89‬‬ ‫(( (‬
‫نهاية المرام‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.201‬‬ ‫((( ‬
‫الرسائل الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.90‬‬ ‫(( (‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.260‬‬ ‫((( ‬
‫سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.102‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.399‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪446‬‬
‫ولكن قد تقول‪ّ :‬‬
‫إن الرواية (رواية زرارة) شاملة لكل شاك بما فيه الشاك في إمامتهم ‪‬؟‬
‫يزوج فباألولى النافي إلمامتهم؟‬‫وإذا كان الشاك ال ّ‬
‫ولكن يرده‪ّ :‬‬
‫بأن المستضعف ال يمكن ادعاء أولويته بالنسبة للشاك‪ ،‬وال س ّيما بمالحظة‬
‫«ألن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه»‪ ،‬فإن المستضعف‬ ‫التعليل‪ ،‬أعني قوله ّ‬
‫هو من يأخذ من دين زوجته وليس العكس‪.‬‬
‫ألن التعليل يعمم ويخصص‪ ،‬ما يعني أنّه‬ ‫أن التعليل المذكور يقتضي التفصيل‪ّ ،‬‬ ‫على ّ‬
‫يجوز للمرأة المؤمنة الزواج من غير اإلمامي إذا لم يخش على دينها‪ ،‬كما لو كانت بمستوى‬
‫قوة العقيدة ال يؤثر عليها زوجها‪ ،‬بل ر ّبما أ ّثرت هي فيه‪.‬‬ ‫من ّ‬
‫ان ِم ْن َو َر ِاء‬
‫اس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخبر الثاني‪ :‬صحيح ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬أنَّه َأتَاه َق ْو ٌم م ْن َأ ْه ِل ُخ َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن َّْه ِر َف َق َال َل ُه ْم‪ :‬ت َُصافِ ُح َ‬
‫ون َأ ْه َل بِ َلدك ُْم و ُتنَاك ُحون َُه ْم َأ َما إِ َّنك ُْم إِ َذا َصا َف ْحت ُُم ُ‬
‫وه ْم ا ْن َق َط َع ْت ُع ْر َو ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِم ْن ُع َرى ِ‬
‫وج َّل»(((‪.‬‬ ‫اب َب ْينَك ُْم و َب ْي َن ال َّله َع َّز َ‬ ‫وه ْم ان َْهت ََك ا ْلح َج ُ‬
‫َحت ُُم ُ‬ ‫اإل ْس َل ِم وإِ َذا نَاك ْ‬
‫بيد أن هذه الرواية وإن أوردها الكليني في باب «مناكحة النصاب والشكاك»‪ ،‬لكن‬
‫إدراجها في هذا الباب هو مجرد اجتهاد منه‪ ،‬وإال فال قرينة في الخبر تساعد على هذا الحمل‪،‬‬
‫وقد أورد ذلك في آخر الباب الذي أورد فيه سبعة عشر حديث ًا‪ ،‬ولحن الخبر المتشدد في‬
‫األمر إلى حد انقطاع عرى اإلسالم‪ ،‬يساعد إما على كفر الجماعة الذي عناهم اإلمام أو على‬
‫نصبهم العداء‪.‬‬
‫إن الوجوه المتقدمة ال تخلو من إشكاالت ومناقشات فال تصلح‬ ‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫إلثبات حرمة أو بطالن الزواج من المسلم غير اإلمامي‪ ،‬وعليه فال موجب لرفع اليد عن‬
‫مقتضى القاعدة المتقدمة‪.‬‬

‫‪�4 -4‬أدلة جواز تز ّوج الإمامية من الم�سلم غير الإمامي‬


‫عما تقدّ م من مناقشات في أدلة القول بمنع زواج المرأة اإلمامية بغير‬
‫وبصرف النظر ّ‬
‫اإلمامي‪ ،‬ومع التسليم بتمامية بعض الروايات المتقدمة في النهي عن ذلك‪ ،‬لكن هذا النهي‬
‫ال بدّ من رفع اليد عن ظهوره في الفساد‪ ،‬وحمله على أحد المحامل التالية‪:‬‬
‫األول‪ :‬الحمل على الكراهة‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.352‬‬


‫‪447‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الثاني‪ :‬الحمل على الحرمة التكليفية دون الوضعية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الحمل على صورة الخشية الحقيقية من انحراف المرأة عن عقيدتها فيما يتصل‬
‫بوالية أهل البيت ‪.‬‬
‫والوجه في تعين الحمل على أحد هذه المحامل هو قيام الدليل على صحة هذا الزواج‪،‬‬
‫ولذا ال بدّ من مالحظة األدلة والشواهد التي يمكن االستدالل بها لشرع ّية الزواج المذكور‬
‫ومن ثم نالحظ الوجه األقرب في الجمع بينها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ما ّ‬
‫دل على ذلك من القرآن‬
‫وفي القرآن يوجد موردان يمكن االستدالل بهما لذلك‪:‬‬
‫المورد األول‪ :‬ما حكاه تعالى عن زواج آسيا بنت مزاحم من فرعون‪ ،‬فلقد ّ‬
‫نص القرآن‬
‫الكريم على أنّها كانت زوجة فرعون‪ ،‬مع أنّه مد ٍع لأللوهية وكافر بنبوة موسى ‪ ‬وهذه‬
‫ال للذين آمنوا‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲜ ﲝ ﲞ‬ ‫المرأة كانت امرأة مؤمنة‪ ،‬حتى ضربها الله مث ً‬
‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﴾(((‪ ،‬والحظ قوله سبحانه «امرأة فرعون»‪ ،‬حيث أضافها الله إلى فرعون‪.‬‬
‫اللهم إال أن يعترض على ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ّ :‬‬
‫إن ظروف آسيا غير واضحة بالنسبة إلينا‪ ،‬فربما كانت مضطرة للبقاء على ذمة فرعون‪،‬‬
‫فهي ال تستطيع أن تشهر إيمانها بموسى وإال لقتلت وعذبت كما عذب آخرون من بني إسرائيل‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وربما كان ذلك الزواج جائز ًا في تلك الشريعة‪ ،‬أما في شريعتنا فهو محرم جزم ًا‪،‬‬
‫فإن من المقطوع به والمجمع عليه حرمة الزواج حدوث ًا وبقاء برجل معلوم كفره كفرعون‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫أن الرجل المسلم ال‬‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﴾(((‪ .‬بل من المقطوع به ّ‬
‫يحل له الزواج من المشركة أو الملحدة‪ ،‬فالحرمة بالنسبة للمرأة هي باألولى وقد نص القرآن‬ ‫ّ‬
‫على الحرمة من الطرفين‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲯ ﳄ ﱤ ﱥ ﱦ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﴾(((‪.‬‬

‫(( ( سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬


‫((( سورة الممتحنة‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.221‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪448‬‬
‫باختصار‪ :‬إن آسيا بنت مزاحم إما أنّها مقهورة على هذا الزواج وإما ّ‬
‫أن الحكم مختص‬
‫بتلك الشريعة‪ ،‬ألن الزواج من كافر منسوخ في شريعتنا‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬وحدثنا القرآن عن ّ‬
‫أن نبي الله لوط ‪ ‬قد عرض بناته على قومه‪ ،‬مع‬
‫أن قومهم كانوا ضالين ومنحرفين عنه وعن رسالته‪ ،‬فقد قال لهم‪ ﴿ :‬ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬ ‫ّ‬
‫ﲠ ﲡ ﴾(((‪.‬‬
‫ويالحظ عليه بما ذكره العالمة المازندراني قال‪« :‬كان غرض نبي الله لوط ‪ ‬من‬
‫عرض بناته على قومه وهم كفار استصالحهم وردهم عن ضاللهم‪ ،‬وإتمام الحجة عليهم‪،‬‬
‫ومع ذلك كان ذلك في شرع من قبلنا‪ ،‬فلم يكن حجة علينا»(((‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬ما ورد في الروايات‬
‫ونقصد بها الروايات الدالة على شرع ّية زواج المرأة اإلمام ّية بالمسلم اآلخر‬
‫ال من خالل اإلطالق‪ ،‬بل تدل على ذلك نص ًا أو ظهور ًا‪ ،‬وما يمكن ذكره على هذا‬
‫الصعيد هو‪:‬‬
‫بم يكون الرجل مسلم ًا‬ ‫‪--1‬صحيحة عبد الله بن سنان قال‪ :‬سألت أبا عبد الله ‪َ :‬‬
‫وبم يحرم دمه؟ فقال‪ :‬يحرم دمه باإلسالم إذا أظهر وتحل‬‫تحل مناكحته وموارثته؟ َ‬ ‫ّ‬
‫تحل مناكحته‪ ،‬وقد‬ ‫مناكحته وموارثته»(((‪ .‬فهذه الصحيحة واردة في الرجل الذي ّ‬
‫أجاب اإلمام ‪ ‬بكفاية إظهاره اإلسالم‪ ،‬فتكون واضحة الداللة على شرعية‬
‫زواج اإلمامية بغير اإلمامي‪ ،‬وهي ظاهرة في الحلية الوضعية والتكليفية‪ ،‬إ ّما ّ‬
‫ألن‬
‫الحل ّية بمعنى األعم من الحلية التكليفية والوضعية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱗ‬
‫محرم ًا ألشار‬
‫ّ‬ ‫ﱘ ﱙ ﴾(((‪ ،‬أو تمسك ًا باإلطالق المقامي‪ ،‬فإنّه لو كان الزواج‬
‫اإلمام ‪ ‬إليه‪.‬‬
‫‪--2‬خبر الفضيل بن يسار المتقدّ م‪ ،‬وجاء فيه‪ :‬سألت أبا جعفر ‪ ‬عن المرأة العارفة‬
‫أزوجها الناصب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ألن الناصب كافر‪ ،‬قال‪ :‬فأزوجها الرجل غير‬

‫سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬ ‫(( (‬


‫الرسائل الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.106‬‬ ‫(( (‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .303‬واالستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.184‬‬ ‫((( ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.275‬‬ ‫((( ‬
‫‪449‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫إلي منه»(((‪ .‬وأما قول الشيخ يوسف‬ ‫أحب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الناصب وال العارف؟ فقال‪ :‬غيره‬
‫البحراني‪« :‬أفعل التفضيل هنا ليس على بابه‪ ،‬بل هو بمعنى أصل الفعل»(((‪ ،‬فإنّه‬
‫خالف الظاهر‪.‬‬
‫اط إِ َلى َأبِي َج ْع َف ٍر ‪ ‬فِي‬ ‫‪--3‬صحيح َع ِلي ب ِن مه ِزيار المتقدم َق َال‪َ :‬كتَب َع ِلي بن َأسب ٍ‬
‫ُّ ْ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َب إِ َل ْيه َأ ُبو َج ْع َف ٍر ‪َ « :‬ف ِه ْم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َأم ِر َبنَاتِه و َأنَّه َل َي ِ‬
‫ت م ْن‬ ‫ت َما َذك َْر َ‬ ‫جدُ َأ َحد ًا م ْث َله‪َ ،‬ف َكت َ‬ ‫ْ‬
‫ول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك َل تَجدُ َأ َحد ًا م ْث َل َك‪َ ،‬ف َل َتنْ ُظ ْر في َذل َك َرح َم َك ال َّله‪َ ،‬فإ َّن َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْم ِر َبنَات َك و َأن َ‬
‫ِ‬
‫جوه‪ ﴿ ،‬ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ال َّله (ص) َق َال‪ :‬إِ َذا َجا َءك ُْم َم ْن ت َْر َض ْو َن ُخ ُل َقه ودينَه َف َز ِّو ُ‬
‫أن هذه الرواية التي استدل بها على شرط‬ ‫ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾((((((‪ .‬فقد أسلفنا ّ‬
‫اإليمان بالمعنى األخص في الزوج‪ ،‬هي على العكس أدل‪ ،‬فإن الظاهر أن علي بن‬
‫ألن المهم‬ ‫أسباط لم يجد أحد ًا مثله في المعتقد‪ ،‬واإلمام أجابه بأن ال يهتم لذلك‪ّ ،‬‬
‫أن المراد بالدين هو اإلسالم‪ ،‬وأما احتمال‬ ‫هو الكفاءة في الدين واألخالق‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫ألن المساواة التامة في األخالق لم‬ ‫أنّه ال يجد أحد ًا مث َله في األخالق فهو بعيد‪ّ ،‬‬
‫أن ندرة المساوي في األخالق إلى هذا الحد الذي ال‬ ‫يتوهم أحد اعتبارها‪ ،‬على ّ‬ ‫ّ‬
‫يجد مثله بعيد‪ ،‬بخالف المساوي المعتقد‪ ،‬فإن الشيعة كانوا محاصرين ومطاردين‬
‫في زمن العباسيين‪ ،‬فقد ال يجد مثله‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو كان لبان‬
‫لو كان المنع ثابت ًا لتواترت األخبار فيه‪ ،‬واشتهر وبان‪ّ ،‬‬
‫ألن المسألة هي محل ابتالء كبير‬
‫أن أحد ًا من األئمة ‪ ‬كان يمنع أو ينبه أصحابه إلى حرمة‬
‫لقرون متمادية‪ ،‬ومع ذلك لم نجد ّ‬
‫تزويج بناتهم من سائر المسلمين الذين ال يتولونه وال يؤمنون بإمامته‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬السيرة العمل ّية‬
‫إن طبيعة الحياة اإلسالم ّية التي شهدت اختالط ًا مذهبي ًا متنوع ًا قد عرفت حصول‬
‫ّ‬
‫زيجات كثيرة بين المواليات ألهل البيت ‪ ‬ومسلمين آخرين‪ ،‬وهذه السيرة العمل ّية إذا‬
‫لم تكن وليدة البيان الشرعي فال أقل من أنّها كانت بمرأى ومسمع منهم ‪ ،‬ولو لم‬

‫االستبصار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .184‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.303‬‬ ‫(( (‬


‫الحدائق الناضرة‪ ،‬ج ‪ ،24‬ص ‪.59‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬ ‫(( (‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .347‬وصححه في مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ،20‬ص ‪ .47‬وكذا الحديث الذي يليه‪.‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪450‬‬
‫تكن مرضية لكان الالزم على األئمة ‪ ‬أن ينبهوا على بطالنها‪ ،‬وال سيما األئمة الذين‬
‫سنحت لهم الفرصة ببيان ذلك دون ظروف قاهرة أو مانعة‪ ،‬كما هو الحال في اإلمام أمير‬
‫المؤمنين ‪ ‬واإلمامين الحسنين ‪ ،‬ولم يرد عنهم ‪ ‬ما يشهد لهذا الردع‪ ،‬باستثناء ما‬
‫تقدم من أخبار مروية عن سائر األئمة ‪ ،‬وقد عرفت النقاش في داللتها أو سندها‪ .‬على‬
‫ّ‬
‫أن العقد لو كان باط ً‬
‫ال لكان يلزم التفريق فيما لو كان بين المرأة اإلمامية وزوجها غير‬
‫اإلمامي عندما تتاح الفرصة لذلك‪ ،‬ألنه كما منع من الزواج ابتدا ًء‪ ،‬فال بدّ أن يمنع منه‬
‫تزوج الكافر ابتدا ًء ّ‬
‫فإن العقد‬ ‫بقا ًء‪ ،‬كما هو الحال في الكفار‪ ،‬فإنه كما ال يجوز للمسلمة ّ‬
‫كن‬
‫أن الكثيرات من النساء المؤمنات المواليات ألهل البيت ‪ّ ‬‬ ‫معه يبطل استدامة‪ ،‬مع ّ‬
‫أزواج هم من المذاهب األخرى‪ .‬ومع ذلك لم نجد في النصوص التاريخية أو‬ ‫ٍ‬ ‫تحت‬
‫غيرها ما يشير إلى بطالن العقد حدوث ًا أو بقا ًء‪ ،‬وعلى فرض أن العقد كان منهي ًا عنه‬
‫ال فال أقل من أن يثير ذلك األسئلة في القضية‪ ،‬مع أنّه لم‬ ‫حدوث ًا ولكنه بقا ًء لم يكن باط ً‬
‫نعثر على ما يشير إلى وجود لغط‪ ،‬بل ربما وجدنا حصول زيجات بين بنات األئمة ‪‬‬
‫وبين بعض األشخاص الذين كانوا رموز ًا في التيار المضاد لألئمة ‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫زواج نساء من أهل البيت ‪ ‬من رجال غير شيعة‬
‫ويمكننا أن نذكر العديد من الشواهد من سيرة أهل بيته ‪ ‬تؤكد حصول الزواج‬
‫بين بعض نساء ذلك البيت ‪ ‬وبين بعض المعارضين لألئمة ‪ ‬وغير المؤمنين‬
‫بإمامتهم‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تزويج النبي (ص) بنتيه من عثمان بن عفان‪.‬‬
‫واإلنصاف أن هذا الزواج وإن وقع فعالً‪ ،‬كما حققنا ذلك في محل آخر وأثبتنا ّ‬
‫أن رقية‬
‫وأم كلثوم وزينب ه ّن بنات حقيقيات لرسول الله (ص) من زوجته خديجة‪ ،‬ولسنا ربائبه كما‬
‫يدعي البعض(((‪ ،‬بيد أنّه ال ينفع في المقام ألنّه في زمان النبي (ص) كان الزواج على أساس‬
‫ظاهر اإلسالم وليس على أساس الوالية ألهل البيت ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تزويج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين ‪ ‬من عمر بن الخطاب‪ .‬وإنكار((( هذا‬

‫((( انظر حول ذلك كتابنا‪ :‬أبحاث حول السيد عائشة ‪ -‬رؤية شيعية معاصرة‪ ،‬ص ‪ 275‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( ممن أنكره الشيخ المفيد في المسائل السروية‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪451‬‬ ‫الباب الثالث‪ :‬دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة‬
‫الزواج ال مجال له‪ ،‬فقد ورد ذلك في صحاح األخبار الواردة عن األئمة ‪ ،(((‬كما ّ‬
‫أن حمل‬
‫ذلك على اإلكراه((( بعيد جد ًا‪ ،‬فمن يجبر ويكره علي ًا ‪ ‬على تزويج بنته؟!‬
‫ثالث ًا‪ :‬سكينة بنت اإلمام الحسين ‪ ،‬تزوجها مصعب بن الزبير‪.‬‬
‫قال الشهيد في المسالك مستدالً على عدم اشتراط الكفاءة في غير اإلسالم‪« :‬وزوج‬
‫النبي (ص) ابنته عثمان‪ ،‬وزوج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع‪ ،‬وليسا من بني هاشم‪.‬‬
‫وكذلك زوج علي ‪ ‬ابنته أم كلثوم من عمر‪ ،‬وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت‬
‫الحسين ‪ ،‬وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة‪ ،‬وكلهم من غير بني هاشم وأوضع نسب ًا»(((‪.‬‬

‫ار َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال َس َأ ْلتُه َع ِن ا ْل َم ْر َأ ِة‬ ‫(( ( فقد روى الكليني والشيخ في الموثق عن ُم َع ِ‬
‫او َي َة ْبن َع َّم ٍ‬
‫ا ْل ُمت ََو َّفى َعن َْها َز ْو ُج َها أ َت ْعتَدُّ فِي َب ْيتِ َها َأ ْو َح ْي ُث َشا َء ْت َق َال َب ْل َح ْي ُث َشا َء ْت إ َّن َعل ّي ًا ‪َ ‬ل َّما ت ُُو ِّف َي ُع َم ُر َأتَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأ َّم ُك ْل ُثو ٍم َفا ْن َط َل َق بِ َها إِ َلى َب ْيتِه»‪ ،‬ونحوه صحيح هشام بن سالم‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .115‬وتهذيب‬
‫األحكام‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪ .161‬وروى الشيخ بإسناده عن القداح عن جعفر عن أبيه ‪ ‬قال‪« :‬ماتت أم كلثوم‬
‫بنت علي ‪ ‬وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ال يدرى أيهما هلك قبل‪ ،‬فلم يورث‬
‫أحدهما من اآلخر وصلى عليهما جميع ًا»‪ ،‬تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪ .362‬وقد اعتمد الفقهاء على‬
‫هذا الخبر في باب الصالة على األموات‪ ،‬وباب الميراث‪ .‬انظر‪ :‬مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص ‪..270‬‬
‫وروى الشيخ في (الخالف) عن عمار بن ياسر قال‪« :‬أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد‬
‫ابن عمر‪ ،‬وفي الجنازة الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة‪ ،‬فوضعوا‬
‫السنة»‪ .‬انظر‪ :‬الخالف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.169‬‬ ‫جنازة الغالم مما يلي اإلمام والمرأة وراءه‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا هو ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ب إ َل ْيه َق َال َله أم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن إن ََّها َصب َّي ٌة‬ ‫وفي صحيح ه َشا ِم ْب ِن َسالم َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪َ « :‬ل َّما َخ َط َ‬
‫ِ‬
‫يك َف َر َّدني َأ َما وال َّله‬ ‫ِ‬
‫اك؟ َق َال‪َ :‬خ َط ْب ُت إِ َلى ا ْب ِن َأخ َ‬ ‫ِ‬
‫اس َف َق َال َله َما لي أبِي َب ْأ ٌس؟ َق َال‪ :‬و َما َذ َ‬ ‫ِ‬
‫َق َال َف َلق َي ا ْل َع َّب َ‬
‫اهدَ ْي ِن بِ َأنَّه َس َر َق وألَ ْق َط َع َّن َي ِمينَه‪َ ،‬ف َأتَاه‬
‫ول َأدع َلكُم مكْرم ًة إِ َّل َهدَ متُها وألُ ِقيمن َع َليه َش ِ‬
‫َ َّ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ألُ َع ِّو َر َّن َز ْم َز َم َ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َأ َله َأ ْن َي ْج َع َل األَ ْم َر إ َل ْيه َف َج َع َله إ َل ْيه»‪ .‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،346‬وهذا ال يدل على‬ ‫اس َف َأ ْخ َب َره َ‬ ‫ا ْل َع َّب ُ‬
‫أنه تزوجها باإلجبار واإلكراه ورغم ًا عن إرادتها ورفض أبيها أمير المؤمنين ‪ ‬كيف وقد فوض ‪‬‬
‫األمر إلى العباس‪ ،‬فهذه الصحيحة تدل على كراهية اإلمام ‪ ‬لهذا الزواج ثم تفويضه األمر إلى عمه‬
‫ال لما قبل به‪ ،‬وال يمكن إرغامه عليه‪.‬‬ ‫العباس‪ ،‬ولو كان الزواج باط ً‬
‫((( تبناه السيد المرتضى قال‪« :‬والذي يجب أن يعتمد في نكاح أم كلثوم‪ ،‬أن هذا النكاح لم يكن عن اختيار‬
‫وال إيثار‪ ،‬ولكن بعد مراجعة ومدافعة كادت تفضي إلى المخارجة والمجاهرة» انظر‪ :‬رسائل الشريف‬
‫المرتضى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .149‬واستند في ذلك إلى ما رواه ُز َر َار َة َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪ ‬فِي ت َْز ِويجِ ُأ ِّم ُك ْل ُثو ٍم َف َق َال‪:‬‬
‫إِ َّن َذلِ َك َف ْر ٌج ُغ ِص ْبنَاه»‪ ،‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .346‬وال بد من حمله على ما جاء في صحيح هشام بن‬
‫أن علي ًا كان كاره ًا لذلك لكن بعد إصرار عمر وتهديده وافق ‪ ‬أن يجعل أمر بنته إلى‬ ‫سالم المتقدمة من ّ‬
‫ال وتكون مقيمة على حرام معاذ الله! وإن لم يقبل هذا التوجيه فال بدّ من‬ ‫العباس‪ ،‬فعليه ال يكون زواج ًا باط ً‬
‫ر ّد الرواية ألنه ال تستلزم اإلقرار بقبول علي لما ال يمكن قبوله من الرضا بوقوع ابنته بالزواج الباطل‪.‬‬
‫(( ( مسالك األفهام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .409‬ونظيرها في تذكرة الفقهاء طبعة حجرية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،604‬وهو موجود=‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪452‬‬
‫إن هذه الوجوه الثالثة األخيرة (أ ّما الوجه األول‪ ،‬فقد عرفت عدم‬‫وخالصة القول‪ّ :‬‬
‫تماميته)‪ ،‬تنفي البطالن (بطالن زواج اإلمامية بغير اإلمامي) قطع ًا كما أنّها تنفي الحرمة‬
‫األعم من الحليتين‬
‫ّ‬ ‫دلت على الحل ّية‪ ،‬وهي إما مستعملة في‬ ‫التكليفية‪ّ ،‬‬
‫ألن الروايات كما قلنا ّ‬
‫أن اإلطالق المقامي يكفي إلثبات ذلك‪ ،‬والسيرة أيض ًا تدل على‬ ‫التكليفية والوضع ّية‪ ،‬وإما ّ‬
‫الحل ّية والصحة‪ ،‬وال أقل من الصحة‪ ،‬وعليه فال مجال للتشكيك في هذا الحكم‪.‬‬
‫الزواج وحصول الضالل‬
‫أجل‪ّ ،‬‬
‫إن الفقهاء المتأخرين استثنوا من ذلك ما إذا خيف على المرأة من أن تترك‬
‫عقيدتها حول إمامة أهل البيت ‪ ،‬بسبب زواجها من غير اإلمامي‪ ،‬وقد عمموا الحكم إلى‬
‫الرجل أيض ًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا خيف عليه ترك عقيدته في حال الزواج من امرأة من مذهب آخر‬
‫فيحرم عليه اإلقدام على هذا الزواج‪.‬‬
‫وظاهرهم أنّه في حال حصول الخشية الحقيقية بترك العقيدة فيحكم بالحرمة التكليفية‬
‫دون الوضعية‪ ،‬والوجه في ذلك أنّه ال دليل على بطالن هذا الزواج‪ ،‬فهو مشمول لعمومات‬
‫وإطالقات اإلباحة والحلية‪.‬‬
‫وأما المستند لهذا االستثناء عند الفقهاء فهو ‪-‬باإلضافة إلى ما جاء في رواية «ال تزوجوا‬
‫من الشكاك وال تزوجوهم» بنا ًء على فهمهم لها‪ -‬أنّه على مقتضى القاعدة‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلقدام على ما‬
‫يعلم بتسببه بالتخلي عن العقيدة الصحيحة هو أمر محرم‪ ،‬كما لو علم أن سفره إلى بلد معين‬
‫سيؤدي إلى ضالله أو أن صداقته مع جماعة معينة ستؤدي إلى انحرافه السلوكي أو العقدي‪،‬‬
‫أو ارتباطه بامرأة معينة سيؤدي إلى النتيجة نفسها فيحرم هذا االرتباط وذاك السفر والصداقة‪.‬‬
‫إن الحكم بحرمة الزواج واضح في حال العلم بالتخلي عن العقيدة‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫أجل قد يقال‪ّ :‬‬
‫ما يعلم بترتب الحرام عليه يكون محرم ًا‪ ،‬ولكن المالحظ أنّهم قالوا بالحرمة حتى في حال‬
‫أن خطورة المحتمل ‪-‬أعني‬‫«الخشية من االنحراف»‪ ،‬وهذا ال وجه له إال إذا كان النظر إلى ّ‬
‫االنحراف‪ -‬تحتّم ترتيب األثر‪ ،‬وهو االمتناع عن الزواج حتى في صورة االحتمال‪.‬‬

‫في المغني البن قدامة‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .376‬وهكذا نجده في جواهر الكالم‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪ .101‬وقال السيد‬ ‫= ‬
‫ال مع أن مصعب بن‬‫أحمد الخونساري‪« :‬فهل ترى نكاح سكينة بنت الحسين صلوات الله عليه باط ً‬
‫زبير حاله معلومة»‪ .‬انظر‪ :‬جامع المدارك‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.259‬‬
‫المالحق‬
‫الملحق رقم (‪)1‬‬

‫وقفة حول وثاقة النوفلي‬

‫النوفلي‪ ،‬هو الحسين بن يزيد‪ ،‬وقد اختلف علماء الرجال في شأنه‪ ،‬فبعضهم اعتبر‬
‫رواياته موثقة (((‪ ،‬وبعضهم ض ّعف رواياته لعدم وجود توثيق له‪.‬‬

‫‪1 -1‬النوفلي والغلو‬
‫قال النجاشي فيه‪« :‬كان شاعر ًا أديب ًا وسكن الري ومات بها‪ ،‬وقال قوم من القميين‪ :‬إنه‬
‫غال في آخر عمره‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬وما رأينا له رواية تدل على هذا‪.»..‬‬
‫وألجل غلوه فقد توقف العالمة الحلي في رواياته‪ ،‬قال في خالصة األقوال بعد نقل‬
‫كالم النجاشي‪« :‬وأ ّما عندي‪ :‬في روايته توقف‪ ،‬لمجرد ما نقله عن القميين وعدم الظفر‬
‫بتعديل األصحاب له»(((‪.‬‬
‫والظاهر ّ‬
‫أن غلوه غير ثابت لقرينتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ما أشار إليه النجاشي في كالمه المتقدم من خلو رواياته مما يدل على الغلو‪،‬‬
‫وهذه قرينة جيدة‪.‬‬
‫إن الرجل أك َث َر من الرواية عن السكوني وهو رجل سني‪ ،‬ويبعد حصول هذه‬
‫الثانية‪ّ :‬‬
‫فإن النوفلي قد روى مئات الروايات عن السكوني‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫مغال وسني؛ ّ‬ ‫الصحبة العلمية بين‬
‫النادر أن نجد رواية للسكوني ال يكون النوفلي راويها‪.‬‬
‫اللهم إال أن يقال‪ :‬إن دعوى غلوه على فرض صحتها تتحدث عن حصول ذلك في آخر‬
‫عمره‪ ،‬فال ينافي صحبته قبل ذلك للسكوني وأخذه عنه‪.‬‬
‫فإن الغلو ال يقدح في الوثاقة لو ثبتت‪ ،‬وال س ّيما ّ‬
‫أن للقميين‬ ‫ومع صرف النظر عن ذلك‪ّ ،‬‬

‫(( ( منهم‪ :‬الشيخ محمد ابن العالمة الحلي المعروف بفخر المحققين‪ ،‬راجع خاتمة المستدرك‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.159‬‬
‫(( ( خالصة األقوال‪ ،‬ص ‪.339‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪456‬‬
‫إن نفي السهو عن النبي يعتبر عندهم أو عند بعضهم غلو ًا! على‬
‫ميزان ًا خاص ًا في الغلو بحيث ّ‬
‫أن الغلو حصل في آخر عمره فال يضر بما رواه قبل ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪�2 -2‬شواهد وثاقة النوفلي‬


‫ويمكن ذكر جملة من الشواهد إلثبات وثاقة النوفلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬يمكن توثيقه باعتباره من رجال «كامل الزيارات»‪ ،‬فقد أعطى مؤلفه جعفر بن‬
‫محمد بن قولويه توثيق ًا عام ًا في مقدمة كتابه المذكور‪ ،‬واعتمد بعض الفقهاء والمحدثين‬
‫على هذا التوثيق‪ ،‬ومنهم الحر العاملي((( وتبعه على ذلك السيد الخوئي(((‪.‬‬
‫ولكن التأمل في عبارة ابن قولويه ال يساعد على ما استظهره العلمان (الحر العاملي‬
‫والسيد الخوئي) من توثيق كافة رجال «كامل الزيارات»‪ ،‬وإنّما تدل على وثاقة شيوخه‬
‫المباشرين فحسب ‪-‬والنوفلي ليس واحد ًا منهم‪ -‬ولهذا تراجع السيد الخوئي عن مبناه‬
‫المذكور‪.‬‬
‫أن الرجل من المكثرين في الرواية‪ ،‬وهو رجل معروف‪ ،‬فهو أديب وشاعر‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ال شك ّ‬
‫وله كتاب‪ ،‬ولم يطعن بوثاقته أحدٌ من الرجاليين‪ .‬ويمكن تأييد وثاقته بكون رواياته مقبولة‬
‫بعضهم الحسين بن يزيد‬ ‫ف ُ‬ ‫ومتماسكة في مضمونها‪ ،‬قال بعض الفقهاء‪« :‬إنّه وإن َض ّع َ‬
‫النوفلي وأهمله آخر‪ّ ،‬إل أنه بعد مالحظة أنه لم يقدح فيه أحد من أئمة الرجال‪ ،‬وجماعة من‬
‫األساطين كالمحقق في المعتبر والشيخ وغيرهما قد عملوا برواياته واعتمدوا عليها وجعلوها‬
‫من الموثقات‪ ،‬ورواية جمع من القميين وإكثارهم من الرواية عنه والمدائح التي نطقوا بها‪،‬‬
‫لكونه ذا كتاب وكثير الرواية وسديد الرواية ومقبول الرواية‪ ،‬لو لم نقل بأن رواياته موثقات‪،‬‬
‫ال ريب في أنها بضميمة كون الرجل إمامي ًا بال شبهة توجب كون الرجل من الحسان‪.((( »..‬‬
‫ولك ّن هذا ال يصلح إلثبات الوثاقة‪ ،‬نعم هو من جملة العناصر التي تساهم في حصول‬

‫(( ( وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪.202‬‬


‫((( كان السيد الخوئي قد بنى على وثاقة شيوخ ابن قولويه‪ .‬انظر‪ :‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .50‬وقد‬
‫جرى لمدة طويلة من مسيرته العلم ّية على هذا الرأي‪ ،‬ولو انحصر التوثيق به‪ ،‬بيد أنّه ‪-‬رحمه الله‪ -‬وفي‬
‫أواخر عمره عاد وعدل عن هذا الرأي‪ ،‬قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬فال مناص من العدول عما بنينا عليه سابق ًا‬
‫وااللتزام باختصاص التوثيق بمشايخه بال واسطة»‪ .‬انظر‪ :‬مقدمة الطبعة الخامسة من معجم رجال‬
‫الحديث‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.23‬‬
‫((( فقه الصادق‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.293‬‬
‫‪457‬‬ ‫المالحق‬
‫الوثوق بالرواية‪ ،‬وأ ّما ما ذكره أخير ًا من أنّه ال أقل من كون أخبار الرجل من سنخ الحسان‬
‫ألن الخبر الحسن ليس حجة‪.‬‬ ‫فهذا ال يكفي ّ‬
‫إن شهادة الشيخ الطوسي في العدة حول عمل الطائفة بروايات السكوني هي خير‬ ‫ثالث ًا‪ّ :‬‬
‫دليل إما على وثاقة النوفلي‪ ،‬أو حصول الوثاقة في رواياته‪ ،‬ألن روايات السكوني وصلت عن‬
‫طريق النوفلي في الغالب‪ ،‬فعمل األصحاب بروايات السكوني هو عمل بروايات النوفلي‪.‬‬
‫أن الشيخ نقل وثاقة السكوني عند األصحاب فهذا ال ينفع في إثبات وثاقة النوفلي‪،‬‬‫أجل لو ّ‬
‫تفرد بها السكوني دون أن تصل إلينا عن طريق‬ ‫واحتمال نظره إلى خصوص الروايات التي ّ‬
‫النوفلي هو احتمال ضعيف‪ ،‬لقلة تلك األخبار وندرتها‪.‬‬
‫تدل عليه عبارة الشيخ حول عمل الطائفة بروايات السكوني‬ ‫إن غاية ما ّ‬ ‫وقد تقول‪ّ :‬‬
‫هو حصول الوثاقة بالمروي ال بالرواية‪ ،‬فعمل الطائفة أعم من وثاقة الرجل أو كون رواياته‬
‫مقبولة عندهم‪ ،‬وما يعنينا هو إثبات وثاقة الراوي‪ ،‬وأ ّما حصول الوثاقة بالمروي لدى الفقهاء‬
‫ٍ‬
‫اجتهاد خاص لهم‪ ،‬واجتهادهم ليس حجة‬ ‫فهو ال يشكّل حجة علينا‪ّ ،‬‬
‫ألن ذلك قد يعتمد على‬
‫علينا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إنّه لو كان الشيخ ينقل توثيقه للمروي لكان لما قيل وجه‪ ،‬بيد أنّه ينقل إجماع‬
‫الطائفة على العمل بروايات هؤالء‪ ،‬وهذا إن لم يدل على وثاقة الراوي نفسه‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫أن‬
‫من البعيد أن تكون الطائفة تالقت على اجتهاد واحد في قبول روايات هؤالء‪ ،‬فال ّ‬
‫أقل من‬
‫أنّه يبعث على الوثوق برواياته الواصلة إلينا‪ّ ،‬‬
‫ألن الخبر الذي تتالقى الطائفة على العمل به‬
‫يكون مقبوالً‪.‬‬
‫أقل من أنّه يحتّم علينا‬‫وهذا الشاهد مؤيد ًا بما سبق إن لم يثبت وثاقة النوفلي‪ ،‬فال ّ‬
‫االحتياط في العمل برواياته‪ ،‬وال أقل من أخذها بعين االعتبار وجعلها شاهد ًا مؤيد ًا لسائر‬
‫الروايات‪.‬‬
‫الملحق رقم (‪)2‬‬

‫ال ّثواب والعقاب‪� :‬ضوابط ومعايير‬


‫درا�سة نقدية في المبالغات الروائية‬

‫محاور البحث‪:‬‬
‫‪--1‬األخبار محل البحث‪.‬‬
‫‪--2‬معايير الثواب والعقاب‪.‬‬
‫‪--3‬المالك في تفاوت المعاصي‪.‬‬
‫‪--4‬هل إن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة؟‬
‫‪--5‬نماذج من الروايات المبالغة في الثواب‪.‬‬
‫‪--6‬نماذج من األخبار المبالغة في العقوبة‪.‬‬
‫‪--7‬اختالف الروايات في ثواب أو عقاب عمل واحد‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الأخبار محل البحث‬


‫يالحظ المتأمل في أخبار الثواب والعقاب وجود ظاهرة ملفتة‪ ،‬وهي ظاهرة المبالغة‬
‫في إقرار الثواب أو العقاب على بعض األعمال‪ ،‬مع كون هذه األعمال قد ال تبدو في نظر‬
‫البعض مستوجبة لمثل هذا الثواب أو ذاك العقاب‪ ،‬األمر الذي قد يثير إشكالية في المقام‪،‬‬
‫ويدفع إلى التشكيك في صدور مثل هذه األخبار عن النبي (ص) أو األئمة ‪ ،‬وقد ترتفع‬
‫وتيرة التشكيك أو اإلشكال إذا لوحظ االختالف الفاحش بين األخبار في الثواب أو العقاب‬
‫المجعولين على عمل واحد‪ ،‬وقد ُأعدّ هذا البحث لدراسة هذه المسألة وتناولها من جميع‬
‫يلح علينا بدراسة هذه المسائل وعدم التعامل معها بخفة أو استسهال‪ّ ،‬‬
‫أن هذا‬ ‫جوانبها‪ .‬ومما ّ‬
‫‪459‬‬ ‫المالحق‬
‫المجال هو مجال خصب للوضع‪ ،‬كما هو معروف عند أهل الفن‪ ،‬ناهيك عن ّ‬
‫أن هذه األمور‬
‫غدت مثار ًا للطعن في اإلسالم أو في خط أهل البيت ‪.‬‬
‫وفي بدء الكالم‪ ،‬علينا أن نشير إلى ّ‬
‫أن األخبار التي هي محل البحث يمكن تصنيفها‬
‫إلى ثالثة أصناف‪:‬‬
‫األول‪ :‬هو األخبار التي ّ‬
‫تنص على مستوى من العقوبة على ارتكاب بعض‬ ‫الصنف ّ‬
‫األعمال مع ّ‬
‫أن النظر البدوي إليها يجعل ذلك مثار إشكال‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬هو األخبار التي تبالغ في تقدير أنواع من الثواب ومنح منازل عالية‬
‫من القرب اإللهي على أعمال مستح ّبة أو صغيرة‪ ،‬يبدو ألول وهلة أنها ال تستوجب‬
‫إن هذه األعمال مهما عال شأنُها‪ّ ،‬‬
‫فإن ثوابها ال يصل إلى الحدّ‬ ‫ذلك‪ ،‬مع أنّه يمكن القول‪ّ :‬‬
‫الذي ُقدِّ ر لها‪.‬‬
‫الصنف الثالث‪ :‬وهو األخبار المختلفة في إقرار الثواب أو العقاب على العمل الواحد‬
‫أن لهذا التفاوت بعض التوجيهات؟‬ ‫قلة وكثرة‪ ،‬فهل يعدّ ذلك أمارة الوضع أو ّ‬
‫ثاني ًا‪ :‬معايير الثواب والعقاب‬
‫وقبل الدخول في استعراض النماذج‪ ،‬يفترض بنا اإلشارة إلى أهم الضوابط والمعايير‬
‫التي تحكم مبد َأي الثواب والعقاب‪ّ ،‬‬
‫فإن ثواب الله تعالى أو عقابه‪ ،‬هما من جملة أفعاله‪،‬‬
‫وأفعاله كلها محكومة لمنطق الحكمة والمصلحة‪ ،‬فالله تعالى هو الحكيم‪ ،‬ومقتضى حكمته‬
‫أن ال يعطي وال يمنع اعتباط ًا أو عبث ًا‪ ،‬وإنّما ينطلق في ذلك بعض القوانين والمعايير التي كتبها‬
‫أهم هذه المعايير والضوابط المستفادة‬
‫على نفسه ولم يملها عليه أحد‪ ،‬وفيما يلي نشير إلى ّ‬
‫والسنة وحكم العقل‪:‬‬ ‫من الكتاب ُّ‬
‫الضابط األول‪ :‬بين االستحقاق والتفضل‬
‫من جملة المعايير التي يمكن استخالصها من األدلة الواردة في الثواب والعقاب‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫العقاب هو دون شك استحقاق‪ ،‬فالله تعالى إنما يعاقب العبد الستحقاقه ذلك‪ ،‬ويستحيل‬
‫في عدله أن يعاقب عبد ًا دون موجب‪ ،‬وأ ّما الثواب فهو ‪ -‬فيما يرى فريق من علماء الكالم‬
‫(وهم مشهور اإلمامية وبعض المعتزلة) ‪ -‬تفضل من الله تعالى‪ ،‬بينما يرى آخرون (جمهور‬
‫األشاعرة وبعض اإلمامية) أنّه استحقاق‪ .‬وثمة وجهة نظر ثالثة نستقربها ونرجحها وهي‬
‫فأصل الثواب هو استحقاق‪ ،‬بينما مضاعفة‬‫ُ‬ ‫تقتضي التفصيل بين أصل الثواب ودرجاته‪،‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪460‬‬
‫ال عن الواجب ‪ -‬هي تفضل وكرم من الله تعالى(((‪.‬‬ ‫الثواب على العمل المستحب ‪ -‬فض ً‬
‫أن الروايات تارة تشير إلى الثواب االستحقاقي وأخرى إلى الثواب التفضلي‪ ،‬وعليه‪،‬‬ ‫ويبدو ّ‬
‫فهذا يفترض أن يشكل عنصر جمع بين األخبار المختلفة في تقدير ثواب العمل الواحد‪،‬‬
‫إن بعضها وهي التي تقر الثواب األقل ربما تكون ناظرة إلى بيان الثواب االستحقاقي‪،‬‬ ‫حيث ّ‬
‫واألخرى التي تضاعف من درجة الثواب تكون ناظرة إلى الثواب التفضلي‪ ،‬على ما يشير إليه‬
‫كالم بعض الفقهاء(((‪.‬‬
‫الضابط الثاني‪ :‬اإليمان والعمل الصالح ركيزتا الثواب األخروي‬
‫أن الثواب الشامل للمغفرة ودخول الجنة واالستمتاع‬ ‫والسنة ّ‬
‫إن المستفاد من الكتاب ّ‬ ‫ّ‬
‫بنعيمها وملذاتها يرتكز على أمرين‪ :‬وهما اإليمان والعمل الصالح‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾(((‪ ،‬وقد تكرر هذا المعنى في عشرات‬
‫اآليات القرآنية المباركة‪ ،‬والتي ترتب الثواب على هذين الركنين‪ ،‬وتنفيه بانتفائهما أو انتفاء‬
‫يستحق المثوبة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ‬ ‫ّ‬ ‫أحدهما‪ ،‬فمن ال إيمان له‪ ،‬أو ال عمل صالح في سج ّله ال‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱪ ﱎ ﲅ ﲆ يُجْزَ ﱤ ﱥ ﱦ‬ ‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ*‬
‫ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ‬ ‫ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ*‬
‫أن أصل الثواب يكون دائر ًا مدار هذين‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾(((‪ ،‬وكما ّ‬
‫قت معرفتنا بالله تعالى وتضاعف العمل في سبيله‬ ‫الركنين فكذا زيادته وتضاعفه‪ ،‬فك ّلما ّ‬
‫تعم ْ‬
‫كلما زاد العبد قرب ًا عند الله وعال شأنه وكثر ثوابه‪ ،‬فتضاعف الثواب إنّما هو بتضاعف العمل‬
‫الخالص لله‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾(((‪.‬‬
‫يتكرم الله تعالى ويلطف بنا فيمنحنا الثواب على مجرد ن ّية عمل الخير‪ ،‬حتى‬
‫أجل‪ ،‬قد ّ‬
‫لو لم نوفق لإلتيان به(((‪ ،‬كما تدل على ذلك بعض الروايات‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الله تعالى قد يثيب العبد‬

‫راجع للتوسع حول ذلك كتاب‪ :‬هل الجنة للمسلمين وحدهم؟‪ ،‬ص ‪ ،92‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(( (‬
‫وهو الشيخ محمد تقي المجلسي وسيأتي نقل كالمه‪ ،‬انظر‪ :‬روضة المتقين‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.115‬‬ ‫(( (‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬ ‫((( ‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآليات ‪.124 - 122‬‬ ‫(( (‬
‫سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.132‬‬ ‫(( (‬
‫ومضمونها أن من نوى الحسنة ولم يفعلها كتبت له‪ ،‬وقد أوردنا هذه الروايات في كتاب‪ :‬هل الجنة‬ ‫(( (‬
‫للمسلمين وحدهم؟‪.‬‬
‫‪461‬‬ ‫المالحق‬
‫على العمل ولو ّ‬
‫انفك عن اإليمان‪ ،‬شريطة عدم الجحود به‪ ،‬وقد تناولنا هذه القض ّية بالبحث‬
‫في محل آخر‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬حسن العدل وقبح الظلم‬
‫والضابط األساس الذي يحكم مسألة العقوبة والمؤاخذة هو قانون العدل‪ ،‬فمعاقبة‬
‫الظالم والعاصي من حيث األصل ال تعدّ ظلم ًا له‪ ،‬بل هي منسجمة مع مبدأ العدل‪ ،‬بينما‬
‫معاقبة المؤمن العامل وغير العاصي تعدّ ظلم ًا‪ ،‬وهو قبيح عقالً‪ ،‬وهذا المقدار يبدو عند‬
‫العدلية واضح ًا وال غبار عليه‪ ،‬وهذا المعيار مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين‪،‬‬
‫يتفرع عليها‪ ،‬ولك ْن حيث‬ ‫فمع إنكارها ‪ -‬كما عليه األشاعرة ‪ -‬ينهدم هذا المعيار وكل ما ّ‬
‫إننا نؤمن بهذه القاعدة فال بدّ من أخذها بعين االعتبار كأساس ضروري في محاكمة كل‬
‫الموروث الروائي الذي يتصل بمسألة الحساب األخروي‪ ،‬عقاب ًا وثواب ًا‪ .‬وهذه القاعدة الهامة‬
‫يتفرع عليها الكثير من النتائج والثمرات‪ ،‬وبعض نتائجها تمثل قوانين معيارية ومبادئ عامة‪،‬‬
‫ويمكن عدّ كل واحدة منها قاعدة برأسها‪ ،‬وهذه أهمها‪:‬‬

‫أ ) مبدأ «وال يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء»‬


‫فألن‬‫ّ‬ ‫ويدل عليه صريح النقل‪ ،‬أ ّما العقل‬ ‫ّ‬ ‫وهذا المبدأ المعياري يحكم به العقل‪،‬‬
‫مساواة المحسن للمسيء هي من مصاديق الظلم للمحسن‪ ،‬وأما النقل فلقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲷ ﲸ ﲹ* ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﴾(((‪ ،‬وفي اآليتين تنبيه على كون المسألة مما‬
‫يدركها الوجدان والعقل السليم‪ ،‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬
‫َّار ﴾(((‪ ،‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬ ‫ﱜ ﱝ ﱕ ﲼ كَال ُفج ِ‬
‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﴾(((‪ .‬ولما روي عن أمير‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنين ‪ ‬في عهد األشتر وهو عهد صحيح السند‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫يء‬‫«ول َيكُون ََّن ا ْل ُم ْحس ُن وا ْل ُمس ُ‬
‫اء ِة‬ ‫إل َس َ‬ ‫ان فِي ا ِ‬
‫إل ْح َس ِ‬
‫ان‪ ،‬وتَدْ ِريب ًا ألَ ْه ِل ا ِ‬ ‫ك َتز ِْهيد ًا ألَ ْه ِل ا ِ‬
‫إل ْح َس ِ‬ ‫اء‪َ ،‬فإِ َّن فِي َذلِ َ‬
‫ِعنْدَ َك بِمن ِْز َل ٍة سو ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫مستقال‪ ،‬وهو ّ‬ ‫ً‬ ‫النص يشير إلى نكتة عقالئ ّية مهمة وهي تشكّل قانون ًا‬ ‫ِ‬ ‫َع َلى ا ِ‬
‫أن‬ ‫اءة» ‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫(((‬
‫إل َس َ‬

‫سورة القلم‪ ،‬اآليتان ‪.36 - 35‬‬ ‫(( (‬


‫سورة ص‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬ ‫((( ‬
‫سورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬ ‫(( (‬
‫نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.88‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪462‬‬
‫مساواة المحسن والمسيء في الثواب أو العقاب يستوجب تزهيد أهل اإلحسان في اإلحسان‬
‫فإن غرض المولى الحكيم هو‬ ‫وتدريب أهل اإلساءة على اإلساءة‪ ،‬وهذا خالف الحكمة‪ّ ،‬‬
‫إبعاد الناس عن المعصية وتقريبهم نحو الطاعة‪ ،‬فال يمكنه أن يفعل ما فيه نقض لغرضه‪.‬‬
‫ولهذا فلو أنّه عاقب الشخص المؤمن العادل وأدخله النار‪ ،‬وأثاب الفاسق العاصي أو الكافر‬
‫وأدخله الجنة لكان فعله قبيح ًا وظلم ًا واضح ًا وبين ًا‪ ،‬وهذا ما يجب تنزيه الحكيم عنه‪.‬‬
‫أن المسيء سوف يعفى عنه يوم القيامة و ُيتعامل معه‬ ‫وعليه‪ ،‬فلو اطلع الناس على ّ‬
‫بالطريقة عينها التي ُيتعامل بها مع المحسن من اإلثابة والكرامة‪ ،‬فسوف يزهد المحسن في‬
‫اإلحسان وعمل الخير ويتجرأ المسيء على اإلساءة وعمل الشر‪.‬‬
‫وكما يحكم العقل بقبح المساواة بين المحسن والمسيء‪ ،‬فإنه أيض ًا يحكم بقبح مساواة‬
‫ال مع عدم وجود ميزة أو مرجح لعمل على آخر‪.‬‬ ‫ال في الثواب مع األقل عم ً‬
‫األكثر عم ً‬
‫وكذلك الحال في مساواة العاصين في العقوبة مع اختالف درجاتهم في المعصية‬
‫أيض ًا‪ ،‬فإنه قبيح وال يفعله الحكيم‪ ،‬فال يعقل أن يكون عقاب مرتكب الكبيرة مساوي ًا لعقاب‬
‫مرتكب الصغيرة‪ ،‬بنا ًء على صحة تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر‪.‬‬
‫باختصار ّ‬
‫إن هذا التفاوت في العقاب أو الثواب دون سبب هو عمل ال يصدر من‬
‫الحكيم‪.‬‬

‫ب) «أفضل األعمال أحمزها»‬


‫أن األجر على قدر المشقة‪ ،‬فال يعقل أن‬ ‫وهذا الضابط يمثل قانون ًا عادالً‪ ،‬وفحواه ّ‬
‫ّ‬
‫األقل جهد ًا ومشقة أكثر أجر ًا وثواب ًا من العمل األكثر مشقة وجهد ًا‪ ،‬ومستند‬ ‫يكون العمل‬
‫أن عدم مراعاة هذه القاعدة يعدّ ظلم ًا‬
‫هذا الضابط هو العقل والنقل(((‪ ،‬أ ّما العقل فإلدراكه ّ‬
‫فتدل عليه بعض اآليات‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫ال شاق ًا‪ .‬وأما من النقل ّ‬
‫لمن عمل عم ً‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬
‫ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝ وَف َ َّض َل ﱐ ﱤ ﴾((( وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬
‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬

‫((( صرح بذلك الشهيد الثاني‪ ،‬انظر‪ :‬المقاصد العل ّية في شرح الرسالة األلفية‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(( ( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.95‬‬
‫‪463‬‬ ‫المالحق‬

‫﴿ ﲾ ﲿ‬ ‫ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﴾(((‪ .‬وقال سبحانه‪:‬‬


‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﴾(((‪ .‬ويؤيد‬
‫ذلك ما جاء في الخبر المشهور نسبته إلى النبي (ص)‪« :‬أفضل األعمال أحمزها»(((‪ ،‬وروي‬
‫عن اإلمام علي ‪« :‬ثواب العمل على قدر المشقة فيه»(((‪.‬‬
‫أن الحديث في التفاضل إنما هو بالنظر إلى العمل من حيث المشقة وعدمها‪،‬‬ ‫وطبيعي ّ‬
‫ومع عدم دخول عنصر آخر في البين‪ ،‬وإال إذا دخل عنصر آخر فتختلف النظرة‪ ،‬وتوضيح‬
‫ذلك‪ :‬إنه وبموازاة قانون مفاده‪« :‬أفضل األعمال أحمزها» يوجد قانون آخر وهو‪« :‬إن أفضل‬
‫األعمال أنفعها أو أعمها نفع ًا»(((‪ ،‬ونستطيع طرح قانون ثالث وهو‪« :‬إن أفضل األعمال‬
‫تناف بين هذه القواعد أو القوانين‪،‬‬ ‫أخلصها»‪ ،‬لو كان اإلخالص مفهوم ًا مشكك ًا‪ ،‬وليس ثمة ٍ‬
‫نعم قد يحصل التزاحم بينها فيكون لدينا عمل شاق وآخر ليس شاق ًا‪ ،‬بيد أن العمل الشاق ذو‬
‫نفع قليل بينما العمل غير الشاق ذو نفع عميم‪ ،‬فهنا يحصل التزاحم‪ ،‬وهكذا لو أدخلنا عنصر‬
‫اإلخالص في البين‪ ،‬ففرض الكالم هنا هو في كون العمل ْين متساويين في النفع واإلخالص‬
‫ومتفاوتين في المشقة‪ ،‬فهنا من الطبيعي تقديم العمل ذي المشقة وتفضيله في الثواب على‬
‫أن أحدهما أكثر نفع ًا‬
‫غيره‪ ،‬وهكذا لو دار األمر بين عمل ْين بمستوى واحد من المشقة‪ ،‬بيد ّ‬
‫فإن من الطبيعي أن يكون األعم نفع ًا أكثر أجر ًا وثواب ًا‪.‬‬
‫لعيال الله سبحانه‪ّ ،‬‬

‫((( سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬


‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.20‬‬
‫ألننا لم نجدها في المصادر الحديثية المعروفة لدى الفريقين‪ ،‬رغم‬ ‫(( ( وإنما قلت‪ :‬إنها مؤيدة‬
‫شهرتها على األلسنة‪ ،‬وورودها في بعض الكتب‪ ،‬فقد أوردها المجلسي في البحار‪ ،‬ج ‪،67‬‬
‫ص ‪ .191‬ووصفه بالخبر المشهور بين الخاصة والعامة‪ .‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،79‬ص ‪،229‬‬
‫ولكنه لم يحدد مأخذه كما هي العادة‪ ،‬وإنما ذكره في سياق بياناته وتعليقاته‪ .‬وفي بعض كتب‬
‫اللغة نسبته إلى ابن عباس‪ .‬انظر‪ :‬الفائق في غريب الحديث واألثر للزمخشري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.278‬‬
‫ال عنه (ص)‪« :‬أفضل العبادة أحمزها»‪،‬‬ ‫وفي شرح النهج للمعتزلي‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪ ،83‬روى مرس ً‬
‫وذلك في شرح قول علي ‪« :‬أفضل األعمال ما أكرهت نفسك عليه»‪ .‬وقد نقل عن الزركشي‬
‫أن هذا الحديث «ال يعرف» ونقل ابن القيم‪« :‬ال أصل له»‪ .‬انظر‪ :‬األسرار المرفوعة في األخبار‬ ‫ّ‬
‫الموضوعة‪ ،‬ص‪..123‬‬
‫(( ( عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫((( يستفاد ذلك من الحديث المروي عن اإلمام الصادق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول الله (ص)‪:‬‬
‫«الخلق كلهم عيال الله‪ ،‬وأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله»‪ .‬قرب اإلسناد‪ ،‬ص ‪ .120‬والمجازات‬
‫النبوية‪ ،‬ص ‪ .241‬المعجم الكبير للطبراني‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .86‬وتاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ ،33‬ص ‪.277‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪464‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬تناسب العقوبة مع الذنب‬
‫إن الذنوب متفاوتة في تعبيرها عن الجرأة على الله تعالى وانتهاك محارمه‪ ،‬ولذا كان‬ ‫ّ‬
‫من الطبيعي أن يكون لكل ذنب عقوبة تالئمه وتناسبه‪ ،‬وال يعقل أن تكون العقوبة أشد وأكبر‬
‫مما تقتضيه المعصية‪ ،‬فكل معصية تقتضي عقوبة معينة‪ ،‬وهذا قانون يحكم به العقل في بعض‬
‫جوانبه‪ ،‬كما أنه مما تبانى عليه العقالء وأخذوا به في سيرتهم‪ ،‬وقد جرى عليه إلهنا الحكيم‬
‫أيض ًا‪ ،‬فكانت عقوبة الشرك بالله تعالى أعلى من غيرها‪ ،‬وال تتساوى مع عقوبة مصافحة‬
‫المرأة األجنبية أو حرمة الغيبة مثالً‪ ،‬وعقوبة القتل ال تتساوى مع عقوبة أكل لحم الميتة أو‬
‫لحم الخنزير‪ ،‬وهكذا‪ .‬ويدل على ذلك ‪ -‬باإلضافة إلى حكم العقل بذلك ‪ -‬كل ما دل على‬
‫تفاوت العقوبة اإللهية المقررة على ارتكاب المعاصي‪ ،‬وما ّ‬
‫دل عل انقسام الذنوب إلى كبائر‬
‫إن الله تعالى ال يعاقب العباد جزاف ًا وال من موقع التشفي‪ ،‬أو من دون‬
‫وصغائر‪ ،‬والخالصة‪ّ :‬‬
‫سبب‪ ،‬أجل له أن يغفر ويسقط حقه‪ ،‬ألن لله تعالى أن يعفو ويتسامح‪ ،‬فعدم الوفاء بالوعيد‬
‫ليس قبيح ًا‪ ،‬بخالف عدم الوفاء بالوعد‪.‬‬
‫وحيث كان هذا المعيار مركوز ًا في األذهان‪ ،‬فقد نشأت إشكالي ٌة حول مسألة الخلود‬
‫ب العبدُ على ذنوب ارتكبها في هذه السنين‬ ‫في النار‪ ،‬على اعتبار أنّه كيف يمكن أن ُي َعا َق َ‬
‫القصيرة التي عاشها في الدنيا بنار دائمة وال نهاية لها؟! وقد قدمت إجابات عديدة على‬
‫أن كيف ّية العقوبة ومدتها ال بدّ أن تتناسبا مع قبح‬ ‫ذلك(((‪ .‬وما نريد التأكيد عليه هنا هو ّ‬
‫المعصية وكبرها وتكررها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬المالك في تفاوت المعا�صي‬


‫وعطف ًا على الضابط األخير حول ضرورة تناسب العقوبة مع المعصية ِصغر ًا وكبر ًا‪،‬‬
‫ثمة تساؤالً مشروع ًا يطرح نفسه حول ما هو المالك في كبر المعصية‬ ‫شدة وضعف ًا‪ ،‬فإن ّ‬
‫إن المعيار عند الله تعالى هو كالمعيار لدينا‪ ،‬فنحن نقيس األمور وفق رؤيتنا‬ ‫وصغرها؟ وهل ّ‬
‫الخاصة التي تتصل بالضرر الذي يحدثه الذنب على الصعيد االجتماعي أو الشخصي‪ ،‬بينما‬
‫قد يكون لله تعالى موازين أخرى ال يدركها العقل‪ ،‬ما يعني أنّه ربما ِخ ْلنا كون ذنب صغير ًا‬
‫أقل قبح ًا من غيره بيد أنه كان عند الله كبير ًا وعظيم ًا‪ ،‬والعكس بالعكس‪ ،‬فرب ذنب نخاله‬ ‫أو َّ‬
‫كبير ًا وعظيم ًا ولكنه كان عند الله صغير ًا‪.‬‬

‫((( قد تعرضنا لها بشكل مفصل في كتاب هل الجنة للمسلمين وحدهم؟‪.‬‬


‫‪465‬‬ ‫المالحق‬
‫وهذا التساؤل مطروح بصرف النظر عن الجدال المعروف حول صحة انقسام الذنوب‬
‫إلى صغائر وكبائر‪ ،‬فإنه حتى على القول برفض التقسيم بلحاظ اآلثار الشرعية المتصلة‬
‫بالعدالة(((‪ ،‬فإنه ال ريب في صحة انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر بقياس بعضها إلى‬
‫بعض‪ ،‬وإن كانت كلها كبائر بالقياس إلى ما يع ّبر عنه من جرأة على الله تعالى‪ ،‬وعليه يبقى‬
‫التفاوت في العقوبة فيما بينها قائم ًا‪.‬‬
‫وربما يقال‪ :‬إننا في حال بنينا على الرأي المشهور القائل بصحة انقسام الذنوب إلى‬
‫كبائر وصغائر‪ ،‬فال بدّ من إخراج الصغائر هنا عن محل الكالم‪ ،‬ألن الصغائر معفو عنها وال‬
‫تستوجب العقوبة‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬ولكن العفو عن الصغائر مشروط باجتناب الكبائر‪ ،‬وعدم‬
‫اإلصرار على الصغائر‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فما يمكننا أن نقوله هنا هو ّ‬
‫أن هناك معايير يمكن االعتماد عليها في التفريق‬
‫بين كبائر الذنوب وصغائرها‪ ،‬والتي تستلزم اختالف العقوبة‪ ،‬وسوف أشير إلى هذه المعايير‬
‫إشارة عابرة دون الدخول التفصيلي في إثباتها‪:‬‬
‫أ ) التنصيص الشرعي على ّ‬
‫أن هذه كبائر الذنوب(((‪ ،‬أو هذا أكبر من ذلك عند الله تعالى‪ ،‬أو‬
‫أن هذا من الصغائر‪ ،‬أو نظير ذلك من التعابير‪ ،‬وهذا ما نراه في العديد من النصوص‪،‬‬
‫التي تستخدم أفعل التفضيل في المقايسة بين الذنوب‪ ،‬من قبيل «أشد»((( أو «أكبر»(((‪.‬‬
‫ب) العفو عن الذنب أو عدمه‪ ،‬فما ال يغفر أو ال يعفى عنه هو أكبر مما يغفر أو يعفى عنه‪،‬‬
‫ولذا كان الشرك من أكبر الذنوب عند الله تعالى‪ ،‬قال تعالى‪« :‬إِ َّن ال َّل َه َل َيغ ِْف ُر َأ ْن ُي ْش َر َك‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون َذلِ َ ِ‬
‫بِ ِه َو َيغ ِْف ُر َما ُد َ‬
‫يما ﴾(((‪.‬‬ ‫اء َو َم ْن ُي ْش ِر ْك بِال َّله َف َقد ا ْفت ََرى إِ ْث ًما َعظ ً‬
‫ك ل َم ْن َي َش ُ‬

‫فإن القائلين بتصنيف الذنوب إلى صغائر وكبائر‪ ،‬يرون أن المخل بالعدالة هو ارتكاب الكبيرة‪ ،‬أما‬ ‫(( (‬
‫فمعفو عنها لمن اجتنب الكبائر‪ ،‬وال يخل ارتكابها بالعدالة‪ ،‬وأ ّما بنا ًء على إنكار التقسيم المذكور‬
‫ٌ‬ ‫الصغيرة‬
‫ٍ‬
‫وااللتزام بكون الذنوب جميعها كبائر‪ ،‬كما يرى بعض الفقهاء‪ ،‬فيكون ارتكاب أي ذنب مخ ً‬
‫ال بالعدالة‪.‬‬
‫عقد المحدثون باب ًا خاص ًا في كتبهم بعنوان باب الكبائر‪ .‬انظر على سبيل المثال‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪،2‬‬ ‫((( ‬
‫ص ‪.276‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ [البقرة‪ .]191 :‬وفي الحديث «الغيبة أشد من الزنا»‪ .‬انظر‪ :‬وسائل‬ ‫((( ‬
‫الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص‪ ،281‬الحديث‪ ،9‬الباب ‪ 152‬من أبواب أحكام العشرة‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﴾ [البقرة‪.]217 :‬‬ ‫(( (‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.48‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪466‬‬
‫ج) وهناك المعيار المعروف فيما بينهم‪ ،‬وهو أن كل ما أوعد الله عليه بالنار فهو كبيرة‪،‬‬
‫بخالف ما لم يوعد عليه بالنار‪ ،‬وهو معيار منصوص(((‪.‬‬
‫د) أن يحصل لنا القطع بمناسبات الحكم والموضوع‪ّ ،‬‬
‫أن هذا الذنب ال يبلغ في اإلثم‬
‫والعقوبة ما يبلغه ذنب آخر‪.‬‬
‫فإن ذلك قد يكون مؤشر ًا‬
‫أقر التشريع عليها حد ًا‪ّ ،‬‬ ‫ هـ) ومن المؤشرات أيض ًا ّ‬
‫أن المعصية إذا ّ‬
‫على أشديتها على ما لم يستوجب مثل هذا الحد‪.‬‬
‫و ) وربما ذكر معيار آخر‪ ،‬وهو أن الذنب إذا م ّثل اعتدا ًء على العباد‪ّ ،‬‬
‫فإن إثمه قد يكون‬
‫دل على ّ‬
‫أن‬ ‫أعظم عند الله من الذنب الذي يمثل اعتدا ًء وتجاوز ًا لحق الله فقط‪ .‬لما ّ‬
‫تجاوز حقوق العبد هو أعظم عند الله تعالى من تجاوز حقوق الله سبحانه‪.‬‬
‫وفي ضوء المعايير والضوابط المتقدمة سوف تتم محاكمة النصوص المبالغة في‬
‫الثواب أو العقاب‪ ،‬وهذا ما نبينه في الوقفات التالية‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬هل �إن ثواب الفري�ضة يزيد على ثواب النافلة؟‬
‫وثمة مسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق للتثبت من معياريتها في أصل المسألة‪ ،‬وهي‬
‫أن ثواب الفريضة أزيد من ثواب النافلة‪ ،‬أم يمكن أن يكون ثواب‬ ‫أنه هل ثمة ما يدل على ّ‬
‫النافلة أكبر؟ فإذا ثبت بالدليل أن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة فسوف نكون أمام‬
‫معيار آخر يتم بموجبه محاكمة الروايات التي ترفع ثواب بعض المستحبات على ثواب‬
‫الواجبات والفرائض‪ ،‬ويجعلها معارضة للدليل‪ ،‬وعندها فإ ّما أن تخصصه على فرض قابليته‬
‫للتخصيص وإال ر ّدت‪ .‬فهل يمكن إثبات أفضلية الفريضة ثواب ًا على النافلة؟‬

‫أ ) من أقوال علماء الفريقين‬


‫يرى بعض فقهاء الفريقين ّ‬
‫أن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة‪ ،‬فقد نقل عن إمام‬
‫الحرمين الجويني (‪ 478‬هـ)‪« :‬قال بعض علمائنا‪ :‬الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة‬
‫بسبعين درجة واستأنسوا فيه بحديث‪ .‬والله أعلم»(((‪ .‬وسيأتي نقل الحديث‪.‬‬

‫ول‪« :‬ا ْل َك َب ِائ ُر َس ْب ٌع َقت ُْل ا ْل ُم ْؤ ِم ِن ُم َت َع ِّمد ًا‬


‫(( ( في صحيحة ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪َ ‬ق َال َس ِم ْعتُه َي ُق ُ‬
‫الر َبا َب ْعدَ ا ْل َب ِّين َِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ا ْلمحصن َِة وا ْل ِفرار ِمن َّ ِ‬
‫الز ْحف وال َّت َع ُّر ُب َب ْعدَ ا ْل ِه ْج َرة و َأك ُْل َمال ا ْل َيتي ِم ُظ ْلم ًا و َأك ُْل ِّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫و َق ْذ ُ ُ ْ َ‬
‫َّار»‪ .‬انظر‪ :‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.277‬‬ ‫َ‬
‫ب الله َعل ْيه الن َ‬ ‫َّ‬ ‫وك ُُّل َما َأ ْو َج َ‬
‫(( ( شرح صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.92‬‬
‫‪467‬‬ ‫المالحق‬
‫وقال الشهيد األول (‪ 786‬هـ)‪« :‬الواجب أفضل من الندب غالب ًا‪ ،‬الختصاصه بمصلحة‬
‫إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه»‪.‬‬
‫زائدة‪ ،‬ولقوله (ص) في الحديث القدسي‪« :‬ما تقرب ّ‬
‫وقد تخلف ذلك في صور‪.(((»...‬‬
‫وقال ابن أبي جمهور األحسائي (القرن التاسع الهجري)‪« :‬واألصل أن الواجب أفضل‬
‫من المندوب‪ ،‬إال في اإلبراء‪ ،‬واإلنظار في المعسر‪ ،‬والمنفرد المعيد صالته‪ ،‬والصالة في‬
‫األمكنة المشرفة‪ ،‬وبزيادة الخشوع وكثرة المندوبات‪ ،‬ومراعاة السكينة والوقار في المضي‬
‫إلى الجمعة وإن فات به بعضها»(((‪.‬‬
‫وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (‪ 984‬هـ)‪« :‬الواجب أفضل من الندب إال‬
‫في مواضع يسيرة‪ ،‬كاإلبراء من الدين على المعسر‪ ،‬فإنه مستحب وإمهاله واجب‪ ،‬واإلبراء‬
‫أفضل‪ ،‬وإعادة المنفرد مع الجماعة مستحبة وهي أفضل من األولى الواجبة‪ ،‬والسالم واجب‬
‫واالبتداء به مستحب‪ ،‬وقالوا إنه أفضل من الرد‪ .‬ونحو ذلك‪ ،‬وهو قليل»(((‪ .‬إلى غير ذلك من‬
‫كلماتهم والتي سيأتي بعضها‪.‬‬

‫ب) تحرير محل النزاع‬


‫ومحل الكالم هو مقايسة الفريضة إلى ما يوازيها أو يقاربها من النوافل‪ ،‬وليس النظر‬
‫إلى مقايسة الفريضة إلى كل النوافل أو معظمها‪ ،‬إ ْذ يبدو مستبعد ًا جد ًا أن تكون فريضة واحدة‬
‫أفضل وأعظم ثواب ًا من كل النوافل‪ ،‬أو أن تكون نافلة واحدة أعظم ثواب ًا من كل الفرائض‪ ،‬قال‬
‫أن المراد من تفضيل الواجب على الندب مع تساويهما‬ ‫الشهيد الثاني (‪ 965‬هـ)‪« :‬والتحقيق ّ‬
‫ال واجبة أفضل منها مندوبة‪ ،‬والصدقة بدرهم واجب ًا أفضل‬ ‫كيفية وكمية‪ ،‬كصالة ركعتين مث ً‬
‫منها به مندوب ًا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وحينئذ فيرتفع اإلشكال»(((‪ ،‬وقال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬وأما القول ّ‬
‫بأن‬
‫مطلق الواجب أفضل من مطلق المندوب‪ ،‬بحيث تكون تسبيحة واحدة واجبة أكثر ثواب ًا من‬
‫فمما ال يدل عليه دليل‪ ،‬وال يقتضيه نظر‪ ،‬وال يقبله العقل»(((‪.‬‬
‫حجة فما زاد‪ّ ،‬‬
‫ألف ّ‬

‫القواعد والفوائد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.107‬‬ ‫(( (‬


‫األقطاب الفقهية‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫((( ‬
‫العقد الحسيني‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(( (‬
‫حقائق اإليمان‪ ،‬ص ‪.229‬‬ ‫((( ‬
‫المقاصد العل ّية في شرح الرسالة األلف ّية‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪468‬‬
‫ج) حكم العقل والنقل‬
‫وفي دراسة هذه المسألة‪ ،‬يجدر بنا أن نالحظ ما يحكم به العقل والنقل‪.‬‬
‫بأن ثواب الفريضة أعلى وأكبر من ثواب‬ ‫أ ّما من الناحية العقلية فيبدو أنّه ال مجال للجزم ّ‬
‫إن النافلة حيث لم ُيلزم بها العبد ومع ذلك أقدم طوع ًا‬
‫النافلة‪ ،‬إذ قد يدعى العكس‪ ،‬بأن يقال‪ّ :‬‬
‫على اإلتيان بها‪ ،‬فمن المعقول أن يكون ثوابه عند الله تعالى أكبر من ثواب فاعل الفريضة‬
‫أن الخادم (المستأجرلخدمة إنسان)‬ ‫الذي يؤدي ما افترض عليه‪ ،‬وهذا أمر عقالئي‪ ،‬أرأيت لو ّ‬
‫أحضر الماء لمخدومه بنا ًء على أمر األخير‪ ،‬فإنه قد ال يستحق (باإلضافة إلى أجرته) الشكر‬
‫والتقدير‪ ،‬ألنه قام بواجبه‪ ،‬أجل‪ ،‬ال ريب أنّه يحسن شكره‪ .‬ولك ّن لو لم يكن إحضار الماء‬
‫ال ضمن مهماته ومع ذلك جاء بالماء بطلب من المخدوم‪ ،‬فإنه يستحق الثناء والتقدير‪،‬‬ ‫داخ ً‬
‫أن لدى مخدومه رغبة في شرب الماء فأحضره إليه‪ ،‬فهذا يستحق‬ ‫أن الخادم احتمل ّ‬ ‫وكذا لو ّ‬
‫لحق المخدوم بحيث اندفع لمجرد احتمال رغبته بالماء‪.‬‬ ‫التقدير والشكر‪ ،‬لشدة رعايته ّ‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فقد يستدل لتفضيل الفريضة على النافلة في الثواب بوجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ما ذكره الشهيد األول في تفضيله لثواب الفريضة على النافلة من‬
‫اختصاص الفرض «بمصلحة زائدة» كما تقدم‪ ،‬وهذه المصلحة هي التي استدعت شدة‬
‫الطلب‪ ،‬قال الشيخ األنصاري‪« :‬وربما يكون الوجه في زيادة الثواب المترتب على العمل‬
‫شدة الطلب المتعلق به‪ ،‬ويلزم من ذلك أن يكون الواجب أكثر ثواب ًا من المندوب‪ ،‬كما لع ّله‬
‫المشهور بينهم‪ ،‬وورد فيه الروايات‪ ،‬إال أن قضية ذلك عدم جواز االستثناء من ذلك مع أنهم‬
‫ذكروا لقاعدة أفضلية الواجب موارد مستثناة»(((‪ .‬والوجه في عدم جواز االستثناء أن ذلك‬
‫‪-‬كما ذكر الشيخ نفسه بعد ذلك‪ -‬قاعدة عقلية وهي ال تقبل التخصيص‪.‬‬
‫أن شدة الطلب أو المصلحة‬‫ويالحظ عليه ‪ -‬باإلضافة إلى ما ذكره الشيخ األنصاري ‪ّ -‬‬
‫الزائدة الداعية إلى إيجاب العمل ال تستلزم أن يكون ثوابه أكثر من غيره‪ ،‬فربما كانت‬
‫المصلحة الزائدة الداعية إلى إيجاب العمل وااللتزام به مصلحة دنيوية للعبد‪ ،‬من جلب نفع‬
‫أو دفع ضرر وإن استحق الثواب عليها أيض ًا المتثاله أمر المولى‪ .‬وكون الفريضة مما يسأل‬
‫عنها ويحاسب عليها ال يعني زيادة ثوابها كما ال يخفى‪.‬‬

‫(( ( مطارح األنظار‪ ،‬األنصاري الشيخ مرتضى‪1281( ،‬هـ)‪ ،‬الطبعة ‪ :‬األولى‪ ،‬طبع حجري‪/‬كتاب نسخه‬
‫خطي ( گلپايگاني ‪ .)8/166‬ص ‪.141‬‬
‫‪469‬‬ ‫المالحق‬
‫الوجه الثاني‪ّ :‬‬
‫إن الفريضة أكثر مشقة من النافلة‪ ،‬والعقل الذي أرشد إليه الشرع يحكم‬
‫بأن أفضل األعمال أحمزها وأشدها مشقة‪.‬‬
‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫أن ذلك غير محرز على إطالقه‪ ،‬فربما كانت النافلة أكثر مشقة‪،‬‬
‫كصالة الليل التي هي أكثر مشقة من صالة الظهر مثالً‪ .‬وكون الواجب ال رخصة‬
‫ٍ‬
‫حينئذ قد جاءت من اإللزام الشرعي ال من‬ ‫في تركه ال يجعله أكثر مشقة‪ ،‬فإن مشقته‬
‫العمل نفسه‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ّ :‬‬
‫إن تفضيل النافلة على الفريضة في الثواب‪ ،‬يشجع الناس على ترك‬
‫الفريضة واالكتفاء بالنافلة‪.‬‬
‫لكن يالحظ عليه‪ :‬إنّه على القول باألفضل ّية فثمة شروط لذلك‪ ،‬منها شرط عدم إهمال‬
‫فإن تارك الفريضة ال يعلم تقبل الله لنوافله‪ ،‬ألنّه كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬ ‫الفرائض‪ّ ،‬‬
‫تضر النافلة بالفريضة‪ّ ،‬‬
‫ألن النافلة في حال أضرت بالفريضة‬ ‫ﲌ ﴾ ‪ ،‬ومنها شرط أن ال ّ‬
‫(((‬

‫فال تبقى مطلوبة‪ ،‬ولعله عائد إلى الشرط األول‪ ،‬ويؤيده ما روي عن اإلمام علي ‪« ‬إِ َذا‬
‫ت الن ََّوافِ ُل بِا ْل َف َرائِ ِ‬
‫ض َف ْار ُف ُض َ‬
‫وها»(((‪.‬‬ ‫َأ َضر ِ‬
‫َّ‬
‫وعليه‪ ،‬قد نفهم زيادة ثواب زيارة نبي أو إمام على حج بيت الله الحرام‪ ،‬ما لم يقم دليل‬
‫على غير ذلك‪.‬‬
‫في النصوص‬
‫وأما مقاربة المسألة من جهة النصوص‪ ،‬فيالحظ ّ‬
‫أن بعض النصوص قد يستفاد منها‬
‫أفضلية الفريضة على النافلة‪ ،‬وبعضها قد يستدل بها على العكس‪:‬‬
‫أما النصوص التي استفاد بعض العلماء منها زيادة ثواب الفريضة على ثواب النافلة‪،‬‬
‫فهي‪:‬‬
‫بمثل ِ‬
‫ِ‬
‫أداء ما‬ ‫إلي عبدي‬‫الرواية األولى‪ :‬الحديث القدسي القائل‪« :‬ما تقرب ّ‬
‫افترضت عليه»‪ .‬وهذا الحديث هو أهم دليل روائي في المقام‪ ،‬وقد استدل به علما ٌء‬

‫(( ( سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.27‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫((( نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .68‬وفي رواية أخرى عنه ‪« :‬ل ق ْر َبة بالن ََّوافل إذا أ َض َّر ْت بالف َرائض»‪.‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.11‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪470‬‬
‫من الفريقين‪ ،‬فمن الشيعة استدل به الشهيد األول‪ ،‬واستدل به من السنة غير واحد‪،‬‬
‫ومنهم العيني(((‪.‬‬
‫الرواية الثانية‪ّ :‬‬
‫«أن الواجب أفضل من سبعين مث ً‬
‫ال من النفل»(((‪.‬‬
‫وقد اعترض الشهيد الثاني على هذين الخبرين قائالً‪َّ :‬‬
‫«إل أنّهما ليسا من األدلة الثابتة‬
‫أن «أفضل األعمال‬ ‫دل عليه النقل والعقل من األد َّلة من ّ‬
‫يخصصان ما ّ‬
‫بسند يعتمد عليه بحيث ّ‬
‫أحمزها»(((‪ .‬وما ذكره بشأن سند الروايتين صحيح((( بل ّ‬
‫إن الرواية الثانية ال وجود لها في‬
‫المصادر‪.‬‬
‫وأما النصوص التي قد يستدل بها على زيادة ثواب النافلة على الفريضة‪ ،‬فهي نصوص‬
‫واردة في موارد جزئية وال تثبت القاعدة في هذا المجال‪ ،‬وال بأس باإلشارة إلى بعضها‪:‬‬
‫الرواية األولى‪ :‬ما ورد في زيادة ثواب المبتدئ بالسالم على الراد مع ّ‬
‫أن االبتداء به‬

‫قال الشهيد األول‪« :‬الواجب أفضل من الندب غالب ًا‪ ،‬الختصاصه بمصلحة زائدة‪ .‬ولقوله (ص) في‬ ‫(( (‬
‫إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه‪ ،‬وقال العيني‪« :‬وأجر الفرض أكثر‬ ‫الحديث القدسي‪« :‬ما تقرب ّ‬
‫إلي‬
‫أحب ّ‬
‫إلي عبدي بشيء ّ‬ ‫من النفل‪ ،‬لقوله (ص) فيما رواه أبو هريرة عن الرب‪ ،‬عز وجل‪« :‬وما تقرب ّ‬
‫مما افترضت عليه»‪ .‬انظر‪ :‬عمدة القاري‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.312‬‬
‫لم نجد ذكر ًا لهذا الحديث في شيء من المصادر بل لم يذكره ‪ -‬بحسب التتبع ‪ -‬أحد غيره‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫((( ‬
‫المقاصد العلية في شرح الرسالة األلفية‪ ،‬ص ‪ .29‬وربما كان حديث ًا منقوالً بالمعنى والله العالم‪.‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫(( (‬
‫ال‪ :‬أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حياة الفقيه ببلخ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫رواها الصدوق قائ ً‬ ‫((( ‬
‫حدثنا محمد بن عثمان الهروي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن مهاجر قال‪ :‬حدثنا‬
‫هشام بن خالد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الحسن بن يحيى الحنيني‪ ،‬قال حدثنا صدقة بن عبد الله‪ ،‬عن هشام‪،‬‬
‫عن أنس عن النبي (ص)‪ ،‬عن جبرائيل‪ ،‬عن الله عز وجل»‪ .‬انظر‪ :‬التوحيد‪ ،‬ص ‪ .389‬وعلل‬
‫الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .12‬وهذا السند في معظمه مجاهيل‪ ،‬والحديث مروي في مسند أحمد‪ ،‬ج ‪،6‬‬
‫ص ‪ .256‬قال الهيثمي‪« :‬رواه أحمد وفيه عبد الواحد بن قيس بن عروة وثقه أبو زرعة والعجلي‬
‫وابن معين في إحدى الروايتين وضعفه غيره» مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .248‬ورواها‬
‫البيهقي في محل آخر «عن ميمونة زوج النبي (ص) أن رسول الله (ص) قال‪ :‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫«من آذى لي ولي ًا فقد استحل محاربتي وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء فريضتي وإنه ليتقرب إلى‬
‫بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي ينطق‬
‫به وقلبه الذي يعقل به إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي‬
‫عن موته وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءلته»‪ .‬رواه أبو يعلى وفيه يوسف بن خالد السمتي‬
‫وهو كذاب»‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد للبيهقي‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.269‬‬
‫‪471‬‬ ‫المالحق‬
‫مستحب والرد واجب‪ ،‬فقد روي عن اإلمام علي ‪ ،‬وروي عن ابنه اإلمام الحسين ‪:‬‬
‫«للسالم [السالم] سبعون حسنة‪ ،‬تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد»(((‪ ،‬وروي ّ‬
‫أن للمبتدئ‬
‫تسع ًا وتسعين حسنة وللراد واحدة(((‪.‬‬
‫أن إبراء المعسر من المال (مع كونه مستحب ًا) هو أكثر ثواب ًا من‬ ‫دل على ّ‬ ‫الرواية الثانية‪ :‬ما ّ‬
‫أن اإلنظار واجب‪ ،‬وهو ما رواه الكليني عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َس ْه ِل ْب ِن‬ ‫إنظاره وإمهاله مع ّ‬
‫وب َع ْن َي ْح َيى ْب ِن َع ْب ِد ال َّله ْب ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ا ْل َح َس ِن َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ‪‬‬ ‫ِزي ٍ‬
‫اد َع ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن َم ْح ُب ٍ‬ ‫َ‬
‫وص َّلى َع َلى َأنْبِ َي ِائه َص َّلى‬ ‫ِ‬
‫ات َي ْو ٍم َف َحمدَ ال َّله و َأ ْثنَى َع َل ْيه َ‬ ‫ول ال َّله (ص) ا ْل ِمنْ َب َر َذ َ‬ ‫«ص ِعدَ َر ُس ُ‬
‫َق َال‪َ :‬‬
‫َان َله َع َلى‬ ‫ب‪َ ،‬أ َل و َم ْن َأ ْن َظ َر ُم ْع ِسر ًا ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّله َع َلي ِهم ُثم َق َال‪َ :‬أيها النَّاس لِيب ِّل ِغ َّ ِ ِ‬
‫الشاهدُ منْك ُُم ا ْل َغائ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ْ ْ َّ‬
‫ال َأ ُبو َع ْبد ال َّله ‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ‬
‫ِ‬ ‫وج َّل فِي ك ُِّل َي ْو ٍم َصدَ َق ٌة بِ ِم ْث ِل َمالِه َحتَّى َي ْست َْوفِ َيه ُث َّم َق َ‬
‫ال َّله َع َّز َ‬
‫ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ  ﴾((( إِنَّه ُم ْع ِس ٌر َفت ََصدَّ ُقوا‬
‫َع َل ْيه بِ َمالِك ُْم َف ُه َو َخ ْي ٌر َلك ُْم»(((‪ .‬بنا ًء على أن الخيرية ناظرة أو شاملة إلى الثواب األخروي كما‬
‫ال يبعد‪ .‬وقد نبه على ذلك بعض الفقهاء(((‪.‬‬

‫رواها مرسلة عن أبي عبد الله الحسين ‪ ‬في تحف العقول عن آل الرسول‪ ،‬ص ‪ .248‬وعنه في بحار‬ ‫(( (‬
‫األنوار‪ ،‬ج ‪ ،75‬ص ‪ .120‬ورواها مرسلة عن علي ‪ ‬سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة األنوار في غرر‬
‫األخبار‪ ،‬ص ‪ ،346‬عن كتاب المحاسن للبرقي‪ ،‬ونقلها المجلسي في بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،73‬ص ‪ ،11‬نق ً‬
‫ال‬
‫عن جامع األخبار‪ ،‬ومروية عنه ‪ ‬في كتاب معارج اليقين في أصول الدين للشيخ محمد السبزواري‪،‬‬
‫ص ‪ .230‬وذكر بعض الفقهاء مضمون الرواية في كتبهم الفقهية‪ .‬انظر‪ :‬مفاتيح الشرائع‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،13‬‬
‫ورواه المولى محمد تقي المجلسي على النحو التالي‪« :‬وروي أن بينهما (المبتدئ والمجيب) مائة‬
‫رحمة‪ ،‬تسعة وتسعون للبادي وواحدة للراد»‪ .‬انظر‪ :‬روضة المتقين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،179‬ويبدو أن النقل‬
‫بالمعنى‪ ،‬ووجد هذا المعنى في بعض مصادر الزيدية‪ ،‬مع اختالف في درجة ثواب المجيب‪ ،‬ففي شرح‬
‫األزهار‪« :‬وقد روي في األثر القوي أن المبتدئ بالسالم له سبعون حسنة وللمجيب عشر والمبتدي‬
‫فاعل مندوب والمجيب فاعل واجب»‪ .‬شرح األزهار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.280‬‬
‫في مستدرك الوسائل‪« :‬الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن النبي (ص) أنه قال‪« :‬بين المسلم والمجيب‬ ‫((( ‬
‫مئة حسنة تسعة وتسعون منها لمن يسلم وواحدة لمن يجيب»‪ .‬انظر‪ :‬مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪،357‬‬
‫الباب ‪ 31‬من أبواب أحكام العشرة‪ ،‬الحديث ‪.7‬‬
‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.280‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .36‬ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،59‬‬ ‫((( ‬
‫قال المجلسي األول‪« :‬وهذا من األمور المستحبة التي تفضل على الواجب»‪ .‬انظر‪ :‬روضة المتقين في‬ ‫(( (‬
‫شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.179‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪472‬‬
‫إلى غير ذلك من الموارد المنصوصة‪ ،‬أشار إليها الشهيد األول(((‪ ،‬وتبعه غير واحد من‬
‫األعالم ممن تقدمت كلماتهم‪.‬‬
‫ولكن هذه الموارد ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬هي موارد جزئية‪ ،‬ال يستفاد منها قاعدة عامة في‬
‫أفضلية النافلة مطلق ًا من جهة الثواب على الفريضة‪ ،‬على أنها خاضعة للنقاش من قبل بعض‬
‫األعالم‪ ،‬بما ال يجعلها خارجة من تحت القاعدة(((‪.‬‬
‫وقد تقدم أيض ًا أنه ال دليل على أفضل ّية الفريضة مطلق ًا على النافلة‪ ،‬ولذا قال الشهيد‬
‫الثاني‪« :‬وبالجملة فال قاطع على أفضلية مطلق الواجب على جميع المندوبات‪ ،‬وللنظر فيه‬
‫مجال»(((‪.‬‬
‫وهكذا اتضح أن ال قاعدة معيارية في هذا الباب‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬نماذج من الروايات المبالغة في الثواب‬
‫أما الروايات المبالغة في الثواب واألجر على أعمال ال يبدو ‪ -‬بحسب معايير الثواب‬
‫التي يحكم بها العقل والنقل ‪ -‬أن ثوابها يبلغ ذلك القدر‪ ،‬ما قد يدفع إلى رسم أكثر من عالمة‬
‫استفهام إزاءها‪ ،‬وإليك بعض النماذج لهذا النوع‪:‬‬
‫نبي أو إما ٍم من ّ‬
‫األئمة تعادل في الثواب عند‬ ‫النموذج األول‪ :‬ما ورد من جعل زيارة قبر ّ‬

‫(( ( القواعد والفوائد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.107‬‬


‫بعض علمائنا من قاعدة تفضيل الواجب على الندب مواضع‬ ‫(( ( قال الشيخ البهائي‪« :‬قد استثنى‬
‫ذكروا أن األمر بالعكس‪ ،‬كاإلبراء من الدين‪ ،‬فإنه مستحب وهو أفضل من اإلنظار وهو واجب‪،‬‬
‫وكابتداء السالم فإنه أفضل من رده‪ ،‬وكالصالة المعادة بالجماعة بالنسبة إلى األولى‪ ،‬وكالصالة‬
‫في البقاع الشريفة بالنسبة إلى الصالة في غيرها» ثم قال ‪-‬رحمه الله‪« :-‬وأنت خبير بأنه يمكن‬
‫المناقشة في األول بأن الواجب عدم مطالبة المعسر سواء حصلت في ضمن اإلنظار أو اإلبراء‬
‫لكن حصوله في ضمن اإلبراء أفضل الواجبين‪ ،‬وقس عليه المناقشة في الرابع‪ ،‬بل هي فيه أظهر‪.‬‬
‫وما تضمنه الحديث الثاني من تفضيل الدعاء على قراءة القرآن في الصالة ال يدل على تفضيل‬
‫المستحب على الواجب‪ ،‬فلعل المراد بالقراءة ما عدا القراءة الواجبة ْ‬
‫إن قلنا باستحباب السورة أو‬
‫المراد بالدعاء القنوت إن قلنا بوجوبه‪ ،‬ولو أريد بالقراءة والدعاء الواقعان بعد الصالة في تعقيبها‬
‫فال إشكال و ما تضمنه الحديث الثالث من تفضيل تسبيح الزهراء ‪ ‬على صالة ألف ركعة‬
‫مما يوجب تخصيص حديث «أفضل األعمال أحمزها» اللهم إال أن يفسر بأن أفضل كل نوع‬
‫من أنواع األعمال أحمز ذلك النوع»‪ .‬الحبل المتين‪ ،‬ص ‪ ،260‬طبعة حجرية‪ ،‬منشورات مكتبة‬
‫بصيرتي ‪ -‬قم‪.‬‬
‫(( ( المقاصد العل ّية في شرح الرسالة األلف ّية‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪473‬‬ ‫المالحق‬
‫حاج ومعتمر‪ ،‬ومائة ألف‬ ‫ِ‬
‫الله تعالى «أجر مائة ألف شهيد‪ ،‬ومائة ألف صدِّ يق‪ ،‬ومائة ألف ٍّ‬
‫مجاهد»(((‪.‬‬
‫«م ْن أ ّذن محتسب ًا‬ ‫ٍ‬
‫النموذج الثاني‪ :‬كذلك ما ورد في حديث آخر حول ثواب األذان‪َ :‬‬
‫وجل أعطاه ثواب أربعين ألف شهيد وأربعين ألف ِصدِّ يق ويدخل‬ ‫يريد بذلك وجه الله ع ّز ّ‬
‫في شفاعته أربعون ألف ُمسيء من ّأمتي إلى الجنّة»(((‪.‬‬
‫وورد نظير ذلك أيض ًا في زيارة عاشوراء المعروفة التي رواها ابن قولويه في كامل‬
‫الزيارات‪ ،‬ويظهر من المح ّقق التستري تشكيكه فيها بلحاظ الثواب المجعول فيها(((‪.‬‬
‫الرغم من إيماننا باستحباب‬ ‫والوجه في توقفنا في هذه الروايات ونظائرها أنّه وعلى ّ‬
‫الزيارة أو األذان وعظيم ثوابهما عند الله سبحانه‪ ،‬وال س ّيما في بعض الظروف االستثنائ ّية‪،‬‬
‫بأن مضاعفة ال ّثواب‬ ‫ورغم إقرارنا بسعة رحمته تعالى وجزيل عطائه وامتنانه‪ ،‬ورغم اقتناعنا ّ‬
‫كريم وال ُيحدُّ كر ُمه وفض ُله‪ ،‬رغم ذلك ك ّله‪ ،‬فإنّنا نقول‪:‬‬
‫واسع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تفضل من الله وهو‬
‫هي محض ّ‬
‫وأهمها قانون «أفضل‬ ‫ّ‬ ‫إن الثواب ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬ليس اعتباط ّي ًا‪ ،‬وإنّما له معاييـره وقوانينه‪،‬‬
‫ّ‬
‫كل‬‫أن مقتضى حكمته وعدله تعالى أن يثيب ّ‬ ‫األعمال أحمزها» ‪ -‬أي أش ّقها وأصعبها ‪ -‬كما ّ‬
‫نبي أو إما ٍم‪،‬‬ ‫شخص ٍ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫زائر لمرقد ٍّ‬ ‫إنسان على قدر نشاطه وجهده‪ ،‬فهل يعقل أن يكون ثواب‬
‫حاج ومعتمر؟!‬ ‫أعظم عند الله تعالى من ثواب مائة ألف شهيد‪ ،‬ومائة ألف مجاهد ومائة ألف ٍّ‬
‫مر َت ْين أعظم من ثواب أربعين ألف شهيد‪ ،‬وأربعين ألف‬ ‫أو أن يكون ثواب من أ ّذن ّ‬
‫مرة أو ّ‬
‫ِصدِّ يق‪..‬؟! أو يكون ثواب زائر الشهيد أعظم من ثواب الشهيد نفسه؟! كيف وقد قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﲲ‬
‫وأن عمارة‬ ‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﴾(((‪ ،‬في داللة واضحة على درجة المجاهدين عنده تعالى‪ّ ،‬‬
‫المسجد الحرام وسقاية الحجيج ال تبلغ مستوى الجهاد في سبيل الله تعالى‪ ،‬وقد ورد في‬
‫كل ذي ٍّبر ٌّبر‪ ،‬حتّى ُيقت ََل الرجل في سبيل الله‪ ،‬فإذا ُقتِ َل في سبيل الله‬ ‫أن «فوق ّ‬
‫الروايات َّ‬

‫((( األمالي‪ ،‬ص ‪.120‬‬


‫((( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.18‬‬
‫كذاب ال ُيلتَفت إليه» وع ّلق قائالً‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫«غال ّ‬ ‫الغضائري قال فيه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ابن‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫عقبة‬ ‫((( فإنّه قد ذكر في ترجمة صالح بن‬
‫«ويمكن تأييده بوقوعه في طريق ثواب زيارة عاشوراء وفي شرحه أمور منكرة»‪ .‬قاموس الرجال‪ ،‬ج ‪،5‬‬
‫وضاعيته غير بعيد‪ ،‬فورد في طريق‬ ‫ص ‪ .466‬وقال أيض ًا في ترجمة محمد بن موسى الهمداني‪« :‬فأصل ّ‬
‫ثواب زيارة عاشوراء وفيه شرح منكر متناقض»‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.616‬‬
‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪474‬‬
‫وبر‬‫فليس فوقه ٌّبر» ‪ ،‬وورد أيض ًا ‪ -‬في شأن الجهاد ‪« :-‬أفضل األعمال‪ :‬الصالة لوقتها‪ّ ،‬‬
‫(((‬

‫ال من‬ ‫الوالدين‪ ،‬والجهاد في سبيل الله»(((‪ ،‬فكيف تكون الزيارة أو األذان أعظم أجر ًا وفض ً‬
‫المرات!؟‬
‫الجهاد واالستشهاد في سبيل الله بآالف ّ‬
‫ثم أال يمثِل هذا النمط من الروايات التي ترفع ثواب األذان أو الزيارة إلى هذا الحدّ‬
‫ّ‬
‫أن للزيارة من‬ ‫والحج والعمرة‪ ،‬بل وتشجيع ًا على فعل المعاصي؟! فما دام ّ‬
‫ّ‬ ‫تزهيد ًا في الجهاد‬
‫ٍ‬
‫ومعتمر فسوف يندفع البعض إليها تارك ًا‬ ‫حاج‬
‫الثواب ما يعادل أجر ألف شهيد‪ ،‬ومائة ألف ٍّ‬
‫الجهاد في سبيل الله والدّ فاع عن أهله وأوطانه‪ .‬وقد قلنا‪ :‬إن الحكيم ال يفعل ذلك‪ ،‬ألنه ال‬
‫ينقض غرضه‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬نماذج للروايات المبالغة في العقوبة‬
‫وأما األخبار التي تبالغ في إقرار العقاب على أعمال ال تستوجب هذا القدر من العذاب‪،‬‬
‫فيمكن أن نذكر لها بعض النماذج‪:‬‬
‫كذب بغير ٍ‬
‫عذر‬ ‫النموذج األول‪ :‬من قبيل ما روي عن رسول الله (ص)‪« :‬المؤمن إذا ّ‬
‫لعنه سبعون ألف ملك‪ ،‬وخرج من قلبه نتن يبلغ العرش‪ ،‬فيلعنه حملة العرش‪ ،‬وكتب الله‬
‫فإن هذا المضمون ال يمكن‬ ‫عليه بتلك الكذبة سبعين زنية‪ ،‬أهونها كمن يزني مع أمه»(((‪ّ ،‬‬
‫قبوله‪ ،‬وهو ينافي ما جاء في معيار متقدم من ضرورة تناسب العقاب مع الذنب‪ ،‬وكما ّ‬
‫أن‬
‫من غير المعقول أن يكون إثم الكذب أعظم وبهذه الدرجات من إثم الزنا باألم‪ ،‬بدليل أنّه لو‬
‫أكره الشخص على الزنا باألم أو أن يكذب كذبة عادية فال يجوز له اختيار الزنا‪ ،‬ولعله لهذا‬
‫قد رفض الس ّيد الخوئي المضمون الوارد في الخبر معتبر ًا ّ‬
‫أن العقل ال يؤمن به(((‪.‬‬
‫أن «درهم ِربا‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬والتشكيك نفسه يمكن أن ينسحب على ما ُروي من ّ‬
‫حرم في بيت الله الحرام»(((‪ .‬وروى الكليني في‬ ‫أعظم عند الله من سبعين زنية ك ّلها بذات َم َ‬
‫يسى َع ِن ا ْب ِن َأبِي ُع َم ْي ٍر َع ْن ِه َشا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصحيح عن عدَّ ة م ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّمد ْب ِن ع َ‬

‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .348‬والرواية رواها السكوني وهي معتبرة على بعض المسالك الرجالية‪.‬‬ ‫((( ‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ن‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫(( (‬
‫بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،69‬ص ‪.263‬‬ ‫((( ‬
‫محاضرات في الفقه الجعفري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.457‬‬ ‫(( (‬
‫الخصال للصدوق‪ ،‬ص ‪ .584‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .367‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪،118‬‬ ‫(( (‬
‫الباب ‪ 1‬من أبواب تحريم الربا‪.‬‬
‫«درهم ِربا َأ َشدُّ ِمن سب ِعين َز ْني ًة ُك ُّلها بِ َذ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َم ْح َرم»(((‪ّ .‬‬
‫فإن‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ا ْب ِن َسال ٍم َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ً ٌ َ ْ :‬‬
‫هذا المضمون يصعب التصديق به بل يمكن الجزم ببطالنه‪ ،‬والشاهد على ذلك أنّه لو أكره‬
‫اإلنسان إ ّما على الزنا بذات المحرم في بيت الله الحرام‪ ،‬أو على أكل درهم ربا‪ ،‬لتع ّين عليه‬
‫عما لو أكره على سبعين زنية‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫اختيار الثاني فض ً‬
‫النموذج الثالث‪ :‬ما روي عن أنس قال خطبنا رسول الله (ص) فذكر الربا وع ّظم شأنه‬
‫فقال‪« :‬إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية‬
‫يزنيها الرجل»(((‪.‬‬
‫يقول بعض الفقهاء تعليق ًا على هذا الحديث‪« :‬ولكنه نبوي مرسل ال يمكن االعتماد‬
‫عليه‪ ،‬بل لو كان حديث ًا صحيح ًا‪ ،‬لكان الالزم تأويله لو لم يمكن طرحه‪ ،‬للجزم بأن الغيبة ال‬
‫تكون أشد حرمة ووزر ًا من زنية واحدة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن الثالثين‪ .‬ولذا لو أكره على الزنا أو الغيبة‬
‫أن درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها‬ ‫تعين اختيار الثاني‪ ،‬وذكرنا نظير ذلك فيما ورد من ّ‬
‫بذات محرم»(((‪.‬‬
‫ولك ْن قد يناقش في كالمه بأنّه ال وجه الستبعاد أن تكون الغيبة عند الله أشدّ من الزنا‬
‫ال للحم األخ ميت ًا‪،‬‬‫من ناحية الوزر واإلثم‪ ،‬كيف وقد أغلظ الله أمر الغيبة وشدده واعتبره أك ً‬
‫وال يخفى أن نتائج الغيبة خطيرة على االجتماع البشري‪ ،‬فهي تساهم في تفكك المجتمع‬
‫وتوتير العالقات بين أبنائه وشحن النفوس وإذكاء نار العداوة وإيقاظ الفتن‪ .‬وأما أنّه إذا أكره‬
‫نص على ذلك‪ ،‬وإنما‬ ‫على الغيبة أو الزنا تعين عليه اختيار الغيبة‪ ،‬فالظاهر أنه لم ينطلق من ّ‬
‫انطلق من تشخيصه أن الزنا أعظم عند الله من الغيبة‪.‬‬
‫نص عليه القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱺ‬ ‫ولكن قد يقال‪ّ :‬‬
‫إن الزنا من الفواحش كما ّ‬
‫ﱻ ﱼ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﴾(((‪ ،‬وهو موجب للحد جلد ًا على الزاني والزانية‬
‫إن لم يكونا محصنين‪ ،‬ورجم ًا ‪ -‬كما هو الرأي المشهور ‪ -‬إذا كانا محصنين‪ ،‬وعليه فكيف‬
‫يقاس به أمر الغيبة‪ ،‬كما أنه يوجب اختالل األنساب وضياعها‪ ،‬وكل ذلك يؤشر على عظيم‬
‫خطره ووزره عند الله تعالى‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.144‬‬


‫((( كشف الريبة للشهيد الثاني‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(( ( إرشاد الطالب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.188‬‬
‫((( سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪476‬‬
‫النموذج الرابع‪ :‬ما ورد في بعض األخبار بشأن وزر الشطرنج‪ ،‬فقد روى ابن إدريس‬
‫الحلي في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي‪« :‬عن أبي بصير عن أبي عبد الله ‪ ‬قال‪:‬‬
‫بيع الشطرنج حرام‪ ،‬وأكل ثمنه سحت‪ ،‬واتخاذها كفر‪ ،‬واللعب بها شرك‪ ،‬والسالم على‬
‫الالهي معصية‪ ،‬وكبيرة موبقة‪ ،‬والخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير‪ ،‬وال صالة‬
‫له حتى يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير‪ ،‬والناظر إليها كالناظر في فرج أمه‪،‬‬
‫والالهي بها والناظر إليها في حال ما يلهى بها‪ ،‬والسالم على الالهي بها في حالته تلك في‬
‫اإلثم سواء‪ ،‬ومن جلس على اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار‪ ،‬وكان عيشه ذلك حسرة‬
‫عليه يوم القيامة‪ ،‬وإ ّياك ومجالسة الالهي المغرور بلعبها‪ ،‬فإنّه من المجالس التي قد باء‬
‫فيعمك معهم»(((‪ .‬ونظيرها ما رواه الشيخ الصدوق‬
‫أهلها بسخط من الله‪ ،‬يتوقعونه كل ساعة ّ‬
‫قال‪ :‬وسئل الصادق ‪« ‬عن قول الله عز وجل‪ ﴿ :‬ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿ ﴾((( قال‪ :‬الرجس من األوثان الشطرنج‪ ،‬وقول الزور الغناء‪ ،‬والنرد أشد من الشطرنج‪،‬‬
‫فإن اتخاذها كفر‪ ،‬واللعب بها شرك‪ ،‬وتعليمها كبيرة موبقة‪ ،‬والسالم على‬ ‫فأما الشطرنج ّ‬
‫الالهي بها معصية‪ ،‬ومقلبها كمقلب لحم الخنزير‪ ،‬والناظر إليها كالناظر إلى فرج أمه‪،‬‬
‫والالعب بالنرد قمار ًا مثله مثل من يأكل لحم الخنزير‪ ،‬ومثل الذي يلعب بها من غير قمار‬
‫مثل من يضع يده في لحم الخنزير أو في دمه‪ .‬وال يجوز اللعب بالخواتيم‪ ،‬واألربعة عشر‪،‬‬
‫وكل ذلك وأشباهه قمار حتى لعب الصبيان بالجوز هو القمار‪ ،‬وإياك والضرب بالصوانيج‪،‬‬
‫فإن الشيطان يركض معك والمالئكة تنفر عنك‪ ،‬ومن بقي في بيته طنبور أربعين صباح ًا فقد‬ ‫ّ‬
‫باء بغضب من الله عز وجل»(((‪.‬‬
‫وتعليقنا على هذه الرواية ‪ -‬بصرف النظر عن ضعفها سند ًا ‪ -‬ال يبتعد عما ذكرناه للتو‬
‫أن هذه العقوبة ال تناسب الذنب‪ ،‬وإذا أمكن تأويل أو توجيه‬ ‫في التعليق على سابقاتها‪ ،‬من ّ‬
‫بعض الفقرات فيها بحملها على بعض المحامل كالمبالغة مثالً‪ ،‬وذلك من قبيل حمل الحكم‬
‫بكفر متخذ الشطرنج على الكفر العملي‪ ،‬والحكم بشرك الالعب بها على شرك الطاعة‪ ،‬لك ّن‬
‫بعضها يصعب توجيهه‪ ،‬من قبيل الحكم ّ‬
‫بأن السالم على الالهي بها‪« ،‬معصية وكبيرة موبقة»‬
‫مسها‪ ،‬كما يستفاد من قوله‬‫فهذا مما ال يمكن االلتزام به فقهي ًا‪ ،‬وهكذا الحكم بنجاسة يد من ّ‬

‫(( ( مستطرفات السرائر‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫((( سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬
‫(( ( من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.59‬‬
‫‪477‬‬ ‫المالحق‬
‫إن الخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير‪ ،‬وهذا مما لم يفت به أحد‪ ،‬وال مجال‬ ‫ّ‬
‫مس لحم الخنزير ومن ثم الحكم بأنّه ال صالة له حتى يغسل يده‬ ‫لتأويله بعد تشبيهه بمن ّ‬
‫كما يغسلها من مس لحم الخنزير‪ ،‬واألغرب من ذلك الحكم ّ‬
‫بأن الناظر إليها كالناظر في‬
‫فرج أمه‪ ،‬وهكذا الحكم على ّ‬
‫أن الالهي بها والناظر إليها في حال ما يلهى بها‪ ،‬والسالم على‬
‫إن كل ذلك مما يصعب تصديقه والقبول به‪،‬‬ ‫الالهي بها في حالته تلك هما في اإلثم سواء‪ّ ،‬‬
‫األمر الذي يدفعنا ‪ -‬في أقل تقدير ‪ -‬إلى رسم عالمة استفهام كبيرة إزاءها بما يحول دون‬
‫الوثوق بهذه األخبار حتى لو كانت صحيحة السند‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن عدم إمكان األخذ ببعض الفقرات لوجود المعارض أو لغيره من األسباب‬
‫ال يسقط الرواية عن االعتبار في سائر الفقرات‪ ،‬فيمكن التفكيك في الحجية‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إنّه يصعب على مبنى حجية الخبر الموثوق التفكيك في الحجية بين‬
‫الفقرات‪ ،‬وال سيما في هذه الرواية التي كانت في غالب فقراتها مما ال يسع األخذ بها‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬اختالف الروايات في ثواب أو عقاب العمل الواحد‬
‫يالحظ المتأمل في األخبار المقرة للثواب على بعض األعمال الواجبة أو المستحبة‬
‫وجود اختالف ‪ -‬في كثير من الحاالت ‪ -‬في درجات الثواب المعدّ ة للعمل الواحد‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا ملحوظ في الروايات الواردة في عقوبة عمل واحد‪ ،‬فهل يعدّ ذلك من التعارض بين‬
‫األخبار؟ وما الموقف والحال هذه؟‬
‫اختالفها في ثواب العمل الواحد‬
‫ّ‬
‫إن اختالف الروايات في ثواب عمل واحد‪ ،‬له الكثير من األمثلة منها ما ورد في اختالف‬
‫الروايات الواردة في فضل الزيارات‪ ،‬كما سنشير إليه‪.‬‬
‫أن الشيخ البهائي استراب بمثل هذه األخبار أو ببعض نماذجها وعدّ ذلك أمارة‬ ‫ويبدو ّ‬
‫الوضع والكذب‪ ،‬كما نقل عنه ذلك تلميذه الشيخ محمد تقي المجلسي‪ ،‬ور ّد عليه بأن باإلمكان‬
‫توجيهها ببعض التوجيهات‪ ،‬وال بأس بأن ننقل كالمه في هذا المجال‪ ،‬قال المجلسي المذكور‪:‬‬
‫ِ‬
‫عقول‬ ‫ب‬‫كل شيء ‪ -‬س ّيما في المثوبات والعقوبات ‪ -‬على َح َس ِ‬ ‫األئمة يتك ّلمون في ّ‬ ‫«واعلم ّ‬
‫أن ّ‬
‫ثواب عمرة‪ ،‬وفي بعضها َح َّجة‪ ،‬وفي‬ ‫أن له َ‬ ‫الرجال‪ ،‬كما َو َر َد في الزيارات‪ ،‬ففي بعض األخبار ّ‬
‫بعضها حج ٌة وعمرة‪ ،‬وفي ِ‬
‫بعضها عشرون َح َّجة و ُع ْمرة‪ ،‬وفي بعضها مائة َح َّجة و ُع ْمرة‪ ،‬وفي‬ ‫َ َّ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪478‬‬
‫ب اختالف‬ ‫بعضها ِض ْعفها(((‪ ،‬وهو بِ َح َس ِ‬ ‫بعضها ألف حجة‪ ،‬وفي بعضها ألف ألف حجة‪ ،‬وفي ِ‬
‫ّ‬ ‫َ َّ‬
‫األشخاص والن ّيات والعقائد والمعارف غالب ًا‪ ،‬وكثير ًا ما يكون بحسب أحوال المخاطبين‪ ،‬فإنّهم‬
‫ْثر العالمين كذلك‪،‬‬ ‫لو سمعوا المثوبات الكثيرة‪ ،‬لبا َد َر ْت عقولهم باإلنكار‪ ،‬وهو الكفر‪ ،‬وهو في أك ِ‬
‫أقل مراتِبها‪ ،‬وهو‬ ‫ب عقولِهم الضعيفة‪ ،‬ويقولون َل ُهم َّ‬ ‫بح َس ِ‬
‫صلوات الله عليهم ‪َ -‬‬‫ُ‬ ‫فيتك ّلم ّ‬
‫األئم ُة ‪-‬‬
‫ِ‬
‫الخواص المثوبات العظيم َة‪،‬‬ ‫المشايخ من جماعة من‬ ‫ُ‬ ‫حق‪ ،‬فيقع أكثر األخبار هكذا‪ .‬فإذا سمع‬ ‫ٌّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫األجلء في‬ ‫ّ‬ ‫والغلو‪ ،‬كما وقع لي مع بعض المشايخِ‬ ‫قوة التمييز با َدروها باإلنكار‬ ‫ْ‬
‫ّ‬ ‫فإن لم يكن له ّ‬
‫أمثال هذه األخبار كاذبة؛ فإنّه َو َر َد‬ ‫أن َ‬ ‫المؤمن‪ ،‬فإنّه قال في الدرس‪ :‬إنّا نع َلم قطع ًا ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثوبات إطعا ِم‬
‫فذكرت أنّه ال يمك ُن‬ ‫ُ‬ ‫للح َّجة مقدار‪.‬‬‫أن ثواب إطعام المؤمن ألف ألف َح ّجة‪ ،‬فحينئذ ال يبقى َ‬ ‫ّ‬
‫أفضل من عبادة‬ ‫ُ‬ ‫علي ‪‬‬‫أن ضرب َة ّ‬ ‫وقلت‪ :‬أنتم تروون ّ‬ ‫ُ‬ ‫إنكار هذه األخبار؛ فإنّها متواترة معنًى‪،‬‬
‫كل فعل من أفعاله‬ ‫ِ‬
‫علو شأنه ‪ ،‬بل ّ‬ ‫شك ّ‬ ‫الثقل ْين إلى يوم القيامة وتعتقدونه‪ ،‬وال ّ‬
‫أن ذلك لسبب ّ‬
‫فأي استبعاد‬ ‫صلوات الله عليهم‪ -‬بالنظر إلى غيرهم‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫األئمة ‪-‬‬
‫كل واحد من ّ‬ ‫كذلك‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫ص أوليائهم كذلك‪ ،‬كما َو َق َع في إطعام المسكين واليتيم واألسير هذه‬ ‫ِ‬ ‫ثواب ُخ َّل ِ‬ ‫َ‬
‫يكون ُ‬ ‫في أن‬
‫والتفضلي‬ ‫ّ‬ ‫فرق بين الثواب االستحقاقي‬ ‫فضة الخادمة فيهم‪ ،‬مع أنّه ٌ‬ ‫المثوبات العظيمة‪ ،‬وكانت ّ‬ ‫ُ‬
‫األعظم‬
‫ُ‬ ‫شيخنا‬‫كما تقولون دائم ًا‪ .‬فاستحس َن كالمي ولم يتك ّلم بعدَ ه بما كان يتك ّلم قب َله‪ ،‬وهو ُ‬
‫يوصف‪ ،‬مع أنّي حين تك ّلمت‬ ‫أن َ‬ ‫بها ُء الم ّلة والدين رضي الله تعالى عنه‪ ،‬وكان إنصا ُفه فوق ْ‬
‫جع عن‬ ‫وأحقرهم‪ ،‬ومظنوني أنّي لم أكن إذ ذاك بالغ ًا‪ ،‬وكثير ًا ّما كان َي ْر ُ‬ ‫َ‬ ‫أصغر تالمذتِه‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫بذلك ُ‬
‫اعتقاده بقولي وقول أمثالي‪ .‬وفي ذلك الزمان كان يحضر أكثر فضالء العصر في مجلسه العالي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تبحره في جميع العلوم»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مع ّ‬
‫أن إسكاتي كان في غاية السهولة لكثرة ّ‬
‫أقول‪ :‬في التعامل مع هذه األخبار المختلفة في إقرار الثواب على عمل واحد‪ ،‬علينا‬
‫اعتماد الخطوات التالية‪:‬‬
‫أ ) التوثق من صحة الروايات سند ًا‪ ،‬وال يمكن التساهل أو التعامل معها على قاعدة التسامح‪،‬‬
‫لعدم ثبوت هذه القاعدة‪ ،‬إال في الثواب لمن أتى بالعمل انقياد ًا‪ .‬وما يزيد المرء توجس ًا‬
‫وحذر ًا‪ ،‬ويدعو إلى مزيد من التدقيق في أمثال هذه الروايات المختلفة اختالف ًا كبير ًا في‬
‫أن هذا المجال (عالم‬ ‫ثواب العمل الواحد‪ ،‬ما قد يبدو للباحث المطلع على األخبار من ّ‬

‫((( انظر‪ :‬حول هذه األخبار كتاب كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪ 316‬وما بعدها‪ .‬وكتاب الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،14‬الباب ‪38‬‬
‫من أبواب المزار‪ .‬والوافي للفيض الكاشاني‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.1459‬‬
‫(( ( روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.115 - 114‬‬
‫‪479‬‬ ‫المالحق‬
‫المثوبات) هو مما انتشر فيه الوضع‪ ،‬ألغراض شتى‪ ،‬وقام به أشخاص كثيرون‪ ،‬إ ّما عن‬
‫حسن نية‪ ،‬تشجيع ًا للناس على فعل الخيرات‪ ،‬وإ ّما عن سوء ن ّية‪ّ ،‬‬
‫ولعل من الثاني (سوء‬
‫النية) سعي بعض الجماعات الباطنية إلى تزهيد الناس بالفرائض‪ ،‬أو محاولة البعض اآلخر‬
‫أن مدرسة أهل البيت ‪ ‬ال تهتم‬‫إظهار تناقض كلمات األئمة ‪ ‬بشكل واضح‪ ،‬أو إبراز ّ‬
‫بالفرائض اإلسالمية‪ ،‬عندما ترفع أجر زيارة اإلمام ‪ ‬على ثواب الحج بآالف المرات‪.‬‬
‫والسنة والتي تقدمت اإلشارة إليها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ب) مراعاة معايير الثواب المستقاة من الكتاب ُّ‬
‫على سبيل المثال‪ :‬مبدأ «أفضل األعمال أحمزها»‪ ،‬فإذا زاد ثواب عمل مستحب‬
‫ال ‪ -‬والذي ال يعادله في الثواب عمل (بحسب ما جاء في‬ ‫كالزيارة على الجهاد ‪ -‬مث ً‬
‫والسنة)‪ ،‬فال بدّ من ردها أو ر ّد علمها إلى أهلها‪ ،‬أو حملها على صورة ما‬
‫الكتاب ُّ‬
‫السنة وطمس‬ ‫إذا كانت الزيارة هي نوع جهاد لتكريس المبدأ في مقابل من يريد محو ُّ‬
‫الشعيرة الدينية المتمثلة بزيارة اإلمام الحسين ‪.‬‬
‫ج) ومع عدم وجود مشكلة في السند وال في المضمون‪ ،‬فقد يمكن الحمل على اختالف‬
‫حاالت األشخاص وظروفهم‪ ،‬إما لجهة خلوص نياتهم ونبل مقاصدهم وأهدافهم‪،‬‬
‫أو لجهة تأثير العمل على حياتهم وتغييره في سلوكهم‪ ،‬أو لجهة اختالف وعيهم‬
‫ومعرفتهم باإلمام‪ ،‬أو لجهة اختالفهم في المشاق والصعوبات واألعباء المالية المترتبة‬
‫على الزيارة أو العمل والتي تختلف من شخص آلخر ومن مكان آلخر وزمان آلخر‪ ،‬أو‬
‫لجهة اختالف الظروف‪ ،‬فعندما تكون الزيارة في زمن الشدة والخوف والعسرة فيكون‬
‫ثوابها أعظم عند الله تعالى من ثوابها في حالة األمن والرخاء‪ ،‬وقد نجد في الروايات‬
‫بعض الشواهد على مثل هذا التوجيه أو الحمل‪ ،‬كما نجد ذلك في بعض األخبار‬
‫الواردة في ثواب زيارة اإلمام الرضا ‪ ‬حيث ذكرت ثواب ًا معين ًا لزيارته‪ ،‬ثم ضاعفت‬
‫الرواية نفسها الثواب للزائر العارف بحقه(((‪.‬‬
‫وذكر الشهيد الثاني مثاالً الختالف الروايات في الثواب‪ ،‬وقدّ م اإلجابة عينها نق ً‬
‫ال عن‬
‫أن‪« :‬أفضل األعمال الصالة لوقتها»‪.‬‬ ‫النبي من ّ‬
‫العلماء المحققين‪ ،‬والمثال هو «ما روي عن ّ‬
‫أن‪« :‬أفضله الجهاد في سبيل‬ ‫أن‪« :‬أفضل األعمال ّبر الوالدين»‪ .‬وروى عنه ‪ّ ‬‬ ‫وروى عنه ‪ّ ‬‬

‫((( أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال ‪ :‬قرأت كتاب أبي الحسن الرضا ‪ ‬أبلغ شيعتنا أن زيارتي‬
‫تعدل عند الله ألف حجة‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت ألبي جعفر ‪ ‬ابنه ‪ :‬ألف حجة ؟ قال ‪ :‬إي والله ألف ألف‬
‫حجة لمن زاره عارف ًا بحقه»‪ .‬انظر‪ :‬عيون أخبار الرضا ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.287‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪480‬‬
‫ثم أضاف‪« :‬وقد ّنزله المح ّققون على اختالف ذلك باختالف األشخاص‬ ‫ال َّله»‪ ،‬إلى غير ذلك‪ّ .‬‬
‫السائلين‪ ،‬فإ ّن ُه طبيب النفوس‪ ،‬فيعطي ّ‬
‫كل مريض ما يوافقه من الدواء ويميله إلى الشفاء»(((‪.‬‬
‫ومن وجوه الجمع التي تؤخذ بالحسبان أيض ًا‪ ،‬ما نبهنا عليه سابق ًا‪ ،‬لدى اختالف األخبار في‬
‫تقدير الثواب على العمل الواحد‪ ،‬وهو حمل الثواب األقل على االستحقاق واألكثر على التفضل‪.‬‬
‫اختالف األخبار في عقوبة عمل واحد‬
‫من أمثلتها ما ورد في الربا‪ ،‬ففي الحديث المتقدم «إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا‬
‫أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية يزنيها الرجل»(((‪.‬‬
‫ولكن ورد في أخبار أخرى ما يقدره بسبعين زنية‪ ،‬كما في صحيح ِه َشا ِم ْب ِن َسالِ ٍم َع ْن‬
‫«درهم ِربا َأ َشدُّ ِمن سب ِعين َز ْني ًة ُك ُّلها بِ َذ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َم ْح َرمٍ»(((‪.‬‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َأبِي َع ْبد ال َّله ‪َ ‬ق َال‪ً ٌ َ ْ :‬‬
‫ومنها ما يقدره بعشرين زنية‪ ،‬كما في صحيح سعيد بن يسار قال‪ :‬قال أبو عبد الله ‪:‬‬
‫«درهم واحد ربا أعظم عند الله من عشرين زنية كلها بذات محرم»(((‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يقع التنافي بين األخبار األمر الذي يثير الريبة فيها‪ ،‬ولكن لو فرض صحتها فقد‬
‫تطرح بعض الوجوه حول الجمع بينها‪ :‬منها ما احتمله السيد اليزدي في ملحقات العروة‪،‬‬
‫«ولعل اختالف األخبار إنّما هو بالنسبة إلى اختالف األمكنة واألوقات والحاالت‬ ‫ّ‬ ‫قال‪:‬‬
‫واألشخاص والكيف ّيات» ‪.‬‬
‫(((‬

‫ولكنه خالف الظاهر‪ّ ،‬‬


‫فإن اإلمام ‪ ‬كان في األخبار الثالثة هو المبادر إلى البيان‪ ،‬ولم‬
‫أي منها إلى كون الكالم في حالة أو كيفية خاصة أو في أشخاص معينين‪.‬‬ ‫ُيشر في ٍ‬
‫إن ذكر العدد (‪ )20‬أو (‪ )36‬أو (‪ )70‬هو من باب المبالغة في التعبير فال‬‫وربما يقال‪ّ :‬‬
‫تراد هذه األعداد بالدقة‪ ،‬والله العالم‪.‬‬

‫(( ( روض الجنان‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.622‬‬


‫((( كشف الريبة للشهيد الثاني‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .144‬ومن ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .274‬وجاء هذا المعنى في وصية الرسول (ص)‬
‫لعلي ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .367‬وتهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ .14‬ووسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،18‬ص ‪ ،118‬الباب ‪1‬‬
‫من أبواب تحريم الربا‪.‬‬
‫((( تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.15‬‬
‫(( ( العروة الوثقى‪/‬ملحقات العروة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ .8‬ونحوه ما ذكره في مهذب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.296‬‬
‫الملحق رقم (‪)3‬‬

‫حديث «تخ ّلقوا ب�أخالق اهلل»‬

‫اشتهر على األلسن حديث يقول‪« :‬تخلقوا بأخالق الله» فهل يصح هذا الحديث أم ال؟‬
‫والجواب‪ :‬لنا وقفتان حول هذا الحديث‪:‬‬
‫الوقفة األولى‪ :‬إننا وبعد التتبع لم نعثر على هذا الحديث منسوب ًا إلى النبي (ص) في‬
‫المعول عليها عند الفريقين‪ .‬ونقل عن ابن القيم أنه وصفه باألثر‬‫ّ‬ ‫شيء من المصادر الحديثية‬
‫الباطل‪ ،‬فقال‪« :‬ورووا في ذلك أثر ًا باطالً‪ :‬تخلقوا بأخالق الله»‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬أورده المولى محمد تقي المجلسي (‪ 1070‬هـ) في شرحه على من ال يحضره‬
‫ال‪ ،‬كما ورد في بعض التفاسير‪ ،‬منها تفسير الفخر‬‫الفقيه((( وأرسله إلى النبي (ص) إرسا ً‬
‫الرازي الذي أورده في أكثر من موضع من تفسيره(((‪.‬‬
‫وكثير ًا ما تردد في كلمات العرفاء منسوب ًا إلى رسول الله (ص) فنالحظ أنه قد ورد في‬
‫كالم ابن عربي (ت‪638 :‬هـ) قال‪« :‬ورد في األخبار الندب إلى التخلق بأخالق الله قال ‪:‬‬
‫«ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم»‪ ،‬وما من وصف وصف الحق به نفسه إال وقد‬
‫ندبنا إلى االتصاف به‪ ،‬وهذا معنى التخلق واالقتداء واالئتمام»(((‪.‬‬
‫ونسبه إليه (ص) السيد حيدر اآلملي (من علماء القرن الثامن الهجري) في كتابه جامع‬
‫األسرار ومنبع األنوار(((‪ ،‬وهكذا ابن الفناري في مصباح األنس(((‪.‬‬

‫انظر‪ :‬روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪312‬؛ وج ‪ ،3‬ص ‪13‬؛ وج ‪ ،6‬ص ‪.402‬‬ ‫((( ‬
‫انظر‪ :‬التفسير الكبير‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪ ،72‬في تفسير اآلية ‪ 269‬من سورة البقرة‪ .‬وراجع‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪64‬؛ وج‬ ‫(( (‬
‫‪ ،11‬ص ‪58‬؛ وج ‪ ،16‬ص ‪.101‬‬
‫ابن عربي (ت‪638 :‬هـ) الفتوحات المكية‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.453‬‬ ‫((( ‬
‫جامع األسرار ومنبع األنوار‪ ،‬سيد حيد اآلملي‪ ،‬ص ‪.363‬‬ ‫(( (‬
‫مصباح األنس بين المعقول والمشهود‪ ،‬الفناري (ت‪834 :‬هـ)‪ ،‬ص ‪.306‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪482‬‬
‫وهكذا فقد استدل به المال صدرا (‪1050‬هـ) في األسفار ناسب ًا إياه إلى الرسول‬
‫األكرم (ص)(((‪.‬‬
‫ولكن يبدو ّ‬
‫أن بعض العلماء‪ ،‬لم تثبت عندهم نسبته إلى النبي (ص)‪ ،‬فنسبوه إلى القيل‪،‬‬
‫ومنهم الغزالي(((‪ ،‬والفيض الكاشاني(((‪.‬‬
‫هذا ولكن نقل الشيخ األحمدي في مكاتيب النبي (ص) كتاب ًا له (ص) إلى الوالة‪ ،‬جاء‬
‫فإن الله تعالى يحب معالي األخالق‬ ‫فيه‪« :‬وحدهم [وخذهم] بأخالق الله وأحم ْلهم عليها‪ّ ،‬‬
‫[و] يبغض مدامها [مذامها]»(((‪.‬‬
‫كما أن بعضهم روى أنّه جاء في الحديث القدسي‪« :‬أوحى الله تعالى إلى داود ‪:‬‬
‫تخلق بأخالقي‪ّ ،‬‬
‫وإن من أخالقي الصبر»(((‪.‬‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬بصرف النظر عن صحة هذه الفقرة سند ًا ومبنى‪ ،‬فهل تصح معنًى أم ال؟‬
‫أقول يوجد احتماالن في تفسير هذه الرواية‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون المراد به‪« :‬تخلقوا باألخالق التي أمر بها الله»‪ ،‬على حذف المضاف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ذكره السيد حيدر اآلملي بقوله‪« :‬اتصفوا بصفاته»(((‪ ،‬وهذا هو التفسير‬
‫المتداول أو الفهم السائد لهذه الفقرة‪.‬‬
‫ويؤيد ما جاء في الحديث فيما ناجى الله به عيسى ‪« :‬ثم طوبى لك يا ابن مريم‪ ،‬ثم‬
‫أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحم ًا»(((‪ ،‬وورد في بعض األدعية‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫طوبى لك‪ْ ،‬‬
‫اهيم َخ ِل ِيل َك ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫«واج َع ْلنِي ِم َّم ْن َي ْل َق َ‬
‫ود ِ‬
‫ين‬ ‫الس ْم َحة م َّلة إِ ْب َر َ‬
‫اك َع َلى ا ْل َحنيف َّية َّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أن الداعي يقول‪:‬‬

‫انظر‪ :‬الحكمة المتعالية في األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.22‬‬ ‫(( (‬


‫إحياء علوم الدين‪ ،‬الغزالي (‪ 505‬هـ)‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص‪.61‬‬ ‫(( (‬
‫المحجة البيضاء في تهذيب األحياء‪ ،‬الفيض الكاشاني (‪1091‬هـ )‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص‪.25‬‬ ‫((( ‬
‫مكاتيب النبي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.615‬‬ ‫(( (‬
‫مسكن الفؤاد للشهيد الثاني‪ ،‬ص ‪ .47‬وإرشاد القلوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .127‬ونقله عنه الشيخ الحر في‬ ‫(( (‬
‫الجواهر السنية في األحاديث القدسية‪ ،‬ص ‪ .94‬وأيض ًا نقله في البحار‪ ،‬ج ‪ ،79‬ص ‪ .137‬ونقله أيض ًا‬
‫عنه النوري في مستدرك الوسائل‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،425‬وهو موجود في مصادر إسالمية سن ّية أسبق زمن ًا‬
‫من مصادر الشيعة‪ ،‬فقد رواه أيض ًا الزمخشري في كتابه ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.3‬‬
‫والمصدر األقدم من ذلك هو تفسير السلمي ( ت ‪ 412‬هـ)‪.‬‬
‫جامع األسرار‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.363‬‬ ‫((( ‬
‫الكافي‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.134‬‬ ‫((( ‬
‫‪483‬‬ ‫المالحق‬
‫ال بِ َشر ِائ ِع َك تَابِع ًا لِسن َِّة نَبِي َك (ص) ِ‬
‫آخذ ًا بِه ُمت ََأ ِّدب ًا بِ ُح ْس ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ور ُسول َك َعام ً َ‬ ‫ُم َح َّمد (ص) َحبِيبِ َك َ‬
‫وز َر ْع َت ا ْل ِحك َْم َة فِي‬ ‫يب َأ ْولِ َي ِائ َك ا َّل ِذي َن َغ َذ ْوت َُه ْم بِ َأ َدبِ َك َ‬‫يب َر ُسولِ َك وت َْأ ِد ِ‬
‫ت َْأ ِديبِ َك وت َْأ ِد ِ‬
‫ور ِه ْم»(((‪.‬‬
‫ُصدُ ِ‬
‫وبنا ًء على االحتمال الثاني‪ ،‬فربما أشكل األمر في هذا الحديث على البعض‪ ،‬إما لجهة‬
‫الخ ُلق إلى الله تعالى وهو من صفات اإلنسان‪ ،‬وإما ّ‬
‫ألن االتصاف بصفاته تعالى‬ ‫ّ‬
‫أن فيها نسبة ُ‬
‫ال يصح على إطالقه‪ ،‬فمن صفاته األول واآلخر والظاهر والباطن والجبار والقهار‪ ،‬وغيرها‬
‫مما ال يشاركه فيها غيره وال يصح التشبه به فيها‪.‬‬
‫وير ّده ّ‬
‫أن األول ال مشكلة فيه‪ ،‬وال يوجب التوقف‪ ،‬فليس ثمة ما يمنع من نسبة الخلق‬
‫واألدب إليه‪ ،‬بعد أن لم تكن الكلمة موحية بالنقص‪ ،‬وورد في بعض الروايات ما يؤكد صحة‬
‫«إن لله تعالى مئة خلق وستة عشر خلق ًا من أتاه بخلق منها دخل‬
‫ذلك‪ ،‬فقد روي عنه (ص)‪ّ :‬‬
‫الجنة»(((‪.‬‬
‫أن هناك صفات كمال فيه تعالى ال تليق إال له‪ ،‬وال معنى للتخلق بها‪،‬‬ ‫وأ ّما الثاني وهو ّ‬
‫فيالحظ عليه بأن الدعوة إلى التخلق بأخالقه‪ ،‬إنما يراد به التخلق بما ال يكون من خصوصياته‬
‫التي ال يشاركه فيها أحد‪ ،‬على أنه لو أخذنا بالتفسير األول المتقدم‪ ،‬فال يكون لهذا اإلشكال‬
‫وجه‪ ،‬ألن المطلوب هو التخ ّلق باألخالق التي أمر بها في شريعته‪.‬‬

‫((( الكافي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪،507‬‬


‫(( ( مجمع الزوائد للهيثمي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.36‬‬
‫الملحق رقم (‪)4‬‬

‫حديث ال�صادق ‪« :‬ولدني �أبو بكر مرتين»‬

‫اشتهر على األلسن حديث ينسب إلى اإلمام الصادق ‪ ‬يقول فيه‪« :‬ولدني أبو بكر‬
‫مرتين»‪ .‬فهل يصح هذا الحديث؟ وما المراد منه؟ هذه األسئلة وسواها نحاول اإلجابة عليها‬
‫في النقاط التالية‪:‬‬
‫أن اإلمام الصادق ‪ ‬تو ّلد من‬‫إن المراد بالحديث على فرض صحته هو ّ‬ ‫أوالً‪ّ :‬‬
‫أبي بكر بواسطتين من طرف األم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن والدته «أم فروة» منتسبة إلى أبي بكر من‬
‫طرفين؛ فأبوها هو القاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر‪ .‬وهذا ما دفع اإلمام ‪ - ‬بناء على صحة الرواية ‪ -‬للقول «ولدني أبو بكر مرتين»(((‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬لم نعثر على الحديث في المصادر الحديثية الشيعية‪ ،‬ولم يرد ‪-‬بحسب‬
‫تتبعنا‪ -‬في كتب السنة الحديثية أو التاريخية األساسية‪ .‬أجل‪ ،‬الحديث مروي في‬
‫السنة وتحديد ًا المصادر الرجالية(((‪ ،‬كما ورد في بعض كتب‬
‫بعض مصادر أهل ُّ‬
‫الشيعة‪ ،‬كعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب(((‪ ،‬ورواه أيض ًا األربلي في كشف‬
‫الغمة عن الحافظ الجنابدي دون أن ير ّده أو يعترض عليه(((‪ .‬وتردد الحديث في‬

‫((( تهذيب الكمال‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.75‬‬


‫(( ( رواه المزي في تهذيب الكمال‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ .75‬والذهبي في تذكرة الحفاظ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.66‬‬
‫(( ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب للسيد أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة‬
‫(ت ‪828‬هـ)‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫ّ‬
‫((( كشف الغمة في معرفة األئمة ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .374‬ومع أن الحديث نقله األربلي من مصادر ُّ‬
‫السنة فإنه‬
‫أن األربلي وهو من علماء‬‫لم يناقش فيه‪ ،‬أجل قد ذكر الفضل بن روزبهان في ر ّده على العالمة الحلي‪ّ ،‬‬
‫الشيعة نقل الحديث في كتابه من مصادر الشيعة‪ ،‬وقد ر ّده الشيخ المظفر في دالئل الصدق مبين ًا أن‬
‫السنة‪ ،‬ور ّد عليه أيض ًا بأنّه تالعب بالنقل فأضاف كلمة‬
‫مصدر األربلي هو الجنابذي وهو من علماء ُّ‬
‫ِّ‬
‫فإن الشيخ المظفر لم ُيكذ ْب الحديث‪ .‬انظر‪ :‬دالئل الصدق‪،‬‬ ‫«الصديق» في وصف أبي بكر‪ ،‬ومع ذلك ّ‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪.35‬‬
‫‪485‬‬ ‫المالحق‬
‫الكثير من كتب علمائنا المتأخرين سواء منها الرجالية أو الفقهية أو التاريخية أو‬
‫غيرها(((‪.‬‬
‫فإن التاريخ يؤكد صحة مضمونه؛ ألنّه وكما‬‫ثالث ًا‪ :‬بصرف النظر عن صحة الحديث‪ّ ،‬‬
‫ذكرنا في النقطة األولى‪ّ ،‬‬
‫فإن أ َّم اإلمام الصادق ‪ ‬تنتسب من طرف األب واألم إلى أبي‬
‫بكر‪ .‬وأ ّما تشكيك بعضهم بكون «أم فروة» هي بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬واحتمال‬
‫أن تكون هي بنت القاسم بن محمد بن أبي سمرة فال ُيصغى إليه‪ ،‬فهو مخالف لما عليه‬
‫النسابة والمؤرخون والمحدثون وغيرهم من العلماء((( الذين نصوا على أنّها بنت القاسم‬
‫ابن محمد بن أبي بكر‪ ،‬واألهم من كل ذلك أن هذا النسب وارد في أحاديث األئمة من أهل‬
‫نص‬‫البيت ‪ ،‬ومنها حديث الصحيفة التي رآها جابر في يد الزهراء ‪ ‬والتي جاء فيها ٌّ‬
‫على أسماء األئمة ‪.(((‬‬

‫ج‪ ،1‬ص‪.71‬‬ ‫((( انظر‪ :‬كتاب رياض السالكين في شرح الصحيفة السجادية للسيد علي خان المدني‪،‬‬
‫واستشهد به بعض فقهائنا في كتاب الخمس إلثبات صدق ولدية ابن البنت ‪ -‬أي كونه ولد ًا ‪ ،-‬ومن‬
‫هؤالء السيد الخوئي‪ ،‬راجع‪ :‬موسوعة السيد الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،25‬ص‪ .97‬والشيخ أحمد بن صالح آل طوق‬
‫القطيفي في رسائله‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ .394‬ومنهم الشيخ محمد تقي اآلملي في موسوعته الفقهية مصباح‬
‫الهدى في شرح العروة الوثقى‪ ،‬ج ‪ ،11‬ص‪ .180‬وهكذا أوردة المحقق التستري في ملحقات قاموس‬
‫الرجال بما ظاهره الجزم بصدوره عن اإلمام الصادق ‪ .‬انظر‪ :‬قاموس الرجال‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.213‬‬
‫وهكذا السيد الميالني في كتابه‪ :‬قادتنا كيف نعرفهم؟ ج ‪ ،4‬ص ‪.85‬‬
‫((( منهم الشيخ الكليني‪ ،‬قال‪« :‬وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكر»‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .472‬ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة‪ ،‬ص ‪ .473‬ووافقه‬
‫الشيخ الطوسي في تهذيب األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ .76‬والعالمة الحلي في تحرير األحكام‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.123‬‬
‫وابن الخشاب البغدادي في كتابه تاريخ األئمة ‪ ‬ووفياتهم‪ ،‬ص ‪ .176‬والطبري اإلمامي في دالئل‬
‫اإلمامة‪ ،‬ص ‪ .248‬والفيض الكاشاني في الوافي‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .189‬والشيخ البحراني في الحدائق‪ ،‬ج ‪،14‬‬
‫ص ‪ .430‬والشيخ جعفر آل كاشف الغطاء في كتابه كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.99‬‬
‫ّ‬
‫((( رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا ‪ ‬حيث يصرح بأن أم اإلمام الصادق ‪ ‬هي أم فروة بنت‬
‫أيضا في كمال الدين وإتمام النعمة‪ ،‬ص‪.307‬‬
‫القاسم بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬ورواه ً‬
‫الملحق رقم (‪)5‬‬

‫درا�سة �سند زيارة عا�شوراء المروية في م�صباح ال�شيخ‬

‫ورد في األحاديث عن األئمة ‪ ‬أكثر من زيارة لإلمام الحسين ‪ ‬يوم عاشوراء‪ ،‬منها‬
‫زيارة معروفة ومنتشرة‪ ،‬غلب عليها اسم زيارة عاشوراء‪ ،‬وهي ‪ -‬بلحاظ ما جاء في بعض‬
‫مصادرها ‪ -‬مشتملة في آخرها على فقرة تضمنت ‪ -‬بحسب ما فهم منها ‪ -‬لعن بعض الرموز‪،‬‬
‫وقد تقدمت اإلشارة إليها في ثنايا مبحث اللعن من هذا الكتاب‪ ،‬وقد وعدنا ببحثها سند ًا‬
‫ومتن ًا‪ .‬وفقرة اللعن المقصودة‪ ،‬هي قوله‪« :‬اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به‬
‫أوالً‪ ،‬ثم الثاني ثم الثالث والرابع‪ ،‬اللهم اللعن يزيد خامس ًا‪ ،‬والعن عبيد الله بن زياد وابن‬
‫مرجانة وعمر بن سعد وشمر ًا وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة»(((‪ .‬وبحثنا‬
‫سيتم من خالل النقاط التالية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬محل البحث والكالم‬
‫أن جمع ًا من الفقهاء والعلماء المتأخرين لديهم اعتقاد كبير بصحة هذه الزيارة‬ ‫ومع ّ‬
‫واهتموا بها اهتمام ًا بالغ ًا‪ ،‬وشرحها غير واحد منهم(((‪ ،‬ما جعل البعض يتحاشى عن التعرض‬
‫للكالم في سندها‪ ،‬بل يالحظ أنّه قد استخدمت أساليب غير علمية في مواجهة من شكك‬
‫أن ذلك لم يمنع وال ينبغي أن يمنع من مالحظة ما أثير حولها من‬ ‫في سندها أو في متنها‪ ،‬إال ّ‬
‫إشكاالت في سندها ومتنها ومضمونها‪ .‬والمنهج ّية العلم ّية تحتّم علينا أن نباعد بين مشاعرنا‬
‫وبين ما يقودنا إليه الدليل والبحث العلمي‪.‬‬
‫والزيارة المذكورة قد رواها الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه القمي (‪367‬هـ) في‬

‫(( ( مصباح المتهجد‪ ،‬ص ‪.776‬‬


‫(( ( ذكر العالمة المتتبع الشيخ آغا بزرك الطهراني العديد من الشروح لها بالعربية والفارسية‪ .‬انظر‪ :‬الذريعة‬
‫إلى تصانيف الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪80 - 79‬؛ وج ‪ ،13‬ص ‪.308 - 307‬‬
‫‪487‬‬ ‫المالحق‬
‫كتابه «كامل الزيارات»‪ ،‬وكذلك الشيخ الطوسي (‪460‬هـ) في المصباح(((‪ .‬ولكن فقرة‬
‫اللعن المذكورة في هذه الزيارة لم ترد في كامل الزيارات‪ ،‬وإنما وردت في مصباح الشيخ‬
‫الطوسي‪ ،‬ثم ترددت في بعض كتب األدعية والزيارات المتأخرة عنه‪ ،‬حيث نجدها في‬
‫مصباح الكفعمي(((‪ ،‬وفي كتاب المزار للمشهدي (القرن السادس)(((‪ .‬والمزار للشهيد‬
‫األول(((‪ ،‬إلى غير ذلك من كتب األدعية والزيارات‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذا‪ ،‬فسوف نركز بحثنا على دراسة الزيارة سند ًا ومتن ًا ومضمون ًا بالنظر إلى‬
‫أن ضعف سند الزيارة‬ ‫ما جاء في مصباح الشيخ‪ ،‬دون ما رواه ابن قولويه في كامله‪ ،‬ما يعني ّ‬
‫بحسب رواية الشيخ ال يعني ضعفه بحسب رواية ابن قولويه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬في سند الزيارة‬
‫أ ّما السند‪ ،‬فهو محل كالم وإشكال‪ ،‬وقد حكم بعض العلماء بضعفه‪ ،‬وربما يلوح من‬
‫جواب غير واحد من الفقهاء االعتراف بضعفه(((‪ ،‬ولكنّهم تحاشوا عن التصريح بذلك‪.‬‬
‫وبالمراجعة إلى كالم الشيخ الطوسي في «المصباح» يمكن أن نجد ثالثة أسانيد للزيارة‪:‬‬
‫السند األول‪ :‬وهو ما ذكره الشيخ في مستهل الزيارة‪ ،‬قال‪« :‬روى محمد بن إسماعيل بن‬
‫بزيع عن صالح بن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر ‪.(((»‬‬
‫وصحة هذا السند تتوقف على ثبوت أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬صحة سند الشيخ إلى محمد بن إسماعيل بن بزيع‪.‬‬

‫مصباح الشيخ‪ ،‬ص ‪.772‬‬ ‫((( ‬


‫مصباح الكفعمي‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫((( ‬
‫المزار‪ ،‬ص ‪.484‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.183‬‬ ‫(( (‬
‫(( ( سئل السيد الخوئي ‪-‬رحمه الله‪« :-‬ما هو رأيكم الشريف بسند ومتن زيارة عاشوراء الواردة في كتاب‬
‫(مصباح المتهجد) للشيخ الطوسي قدس سره؟ وهل تجزئ قراءتها عن الزيارة المذكورة في كتاب‬
‫كامل الزيارات البن قولويه قدس سره؟ فقد تكلم في ذلك أناس لم يبلغوا رتبة االجتهاد؟ فأجاب‪:‬‬
‫«يجزئك أن تقرأ من أي من النسختين مورد مخالفتهما عن األخرى برجاء أن يكون هو الواقع الوارد»‪.‬‬
‫منية السائل‪ ،‬ص ‪ .226‬وسئل السيد السيستاني‪ :‬عن صحة زيارة عاشوراء ودعاء الندبة؟ فأجاب‪:‬‬
‫قراءة األدعية والزيارات ال تتبع صحة السند‪ ،‬بل صحة المضمون وال يلزم أن يكون بقصد الرجاء»‪،‬‬
‫استفتاءات مدرجة في مكتبة أهل البيت ‪ ‬اإللكترونية‪ ،‬ص ‪.604‬‬
‫((( مصباح الشيخ‪ ،‬ص ‪.772‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪488‬‬
‫الثاني‪ :‬ثبوت وثاقة ابن بزيع و َم ْن بعده ِمن الرواة وصوالً إلى اإلمام ‪.‬‬
‫أن للشيخ في الفهرست طريق ًا إلى محمد بن‬
‫أما المقطع األول من السند‪ ،‬فال يخفى ّ‬
‫إسماعيل بن بزيع‪ ،‬وهو طريق ال غبار عليه‪ ،‬واشتماله على ابن أبي جيد ال يضر‪ ،‬لكونه‬
‫من مشايخ النجاشي‪ ،‬بنا ًء على كبرى وثاقة مشايخ النجاشي التي بحثناها في محل آخر من‬
‫هذه المالحق‪.‬‬
‫أن طريق الشيخ في الفهرست‬ ‫هذا ولك ّن هذه المحاولة للتصحيح مبتالة بإشكال‪ ،‬وهو ّ‬
‫أو في المشيخة هو إلى أصحاب الكتب التي التزم بالنقل منها‪ ،‬وليس إلى الرواة‪ ،‬وهذا ما ن ّبه‬
‫عليه السيد الخوئي تعليق ًا على رواية رواها الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان‪ ،‬بشأن‬
‫صوم يوم عاشوراء‪ ،‬فقال‪« :‬والظاهر أنها ضعيفة السند لجهالة طريق الشيخ إلى عبد الله بن‬
‫إن الشيخ في كتابي‬ ‫سنان فيما يرويه في المصباح‪ ،‬فتكون في حكم المرسل‪ ،‬وتوضيحه‪ّ :‬‬
‫التهذيب واالستبصار التزم أن يروي عن كل من له أصل أو كتاب عن كتابه فيذكر أسماء‬
‫أرباب الكتب أول السند مثل محمد بن علي بن محبوب‪ ،‬ومحمد بن الحسن الصفار‬
‫وعبد الله بن سنان ونحو ذلك‪ ،‬ثم يذكر في المشيخة طريقه إلى أرباب تلك الكتب لتخرج‬
‫الروايات بذلك عن المراسيل إلى المسانيد‪ .‬وقد ذكر طريقه في كتابيه إلى عبد الله بن سنان‬
‫وهو طريق صحيح‪ .‬وذكر (قده) في الفهرست طريقه إلى أرباب الكتب والمجاميع سواء‬
‫أروى عنهم في التهذيبين أم في غيرهما‪ ،‬منهم عبد الله بن سنان‪ ،‬وطريقه فيه صحيح أيض ًا‪.‬‬
‫وأما طريقه (قده) إلى هذا نفس الرجل((( ال إلى كتابه فغير معلوم‪ ،‬إذ لم يذكر ال في المشيخة‬
‫وال في الفهرست وال في غيرهما ألنهما معدان لبيان الطرق إلى نفس الكتب ال إلى أربابها‬
‫ولو في غير تلكم الكتب‪ .‬وهذه الرواية مذكورة في كتاب المصباح ولم يلتزم الشيخ هنا بأن‬
‫كل ما يرويه عمن له أصل أو كتاب فهو يرويه عن كتابه كما التزم بمثله في التهذيبين حسبما‬
‫عرفت‪ .‬وعليه فمن الجائز أن يروي هذه الرواية عن غير كتاب عبد الله بن سنان الذي له إليه‬
‫طريق آخر ال محالة‪ ،‬وهو غير معلوم كما عرفت‪ .‬فإن هذا االحتمال يتطرق بطبيعة الحال وال‬
‫مدفع له‪ ،‬وهو بمجرده كاف في عدم الجزم بصحة السند»(((‪.‬‬
‫وأما المقطع الثاني‪ ،‬ففيه‪ ،‬صالح بن عقبة‪ ،‬وهو ابن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة‪ ،‬ترجم‬

‫((( هكذا واألصح‪« :‬الرجل نفسه»‪ ،‬وكذلك عبارة «نفس الكتب»‪ّ ،‬‬
‫فإن األصح «الكتب نفسها»‪.‬‬
‫((( موسوعة السيد الخوئي‪/‬كتاب الصوم‪ ،‬ج ‪ ،22‬ص ‪.316‬‬
‫‪489‬‬ ‫المالحق‬
‫اب‪ ،‬ال ُي ْل َت َف ُت إليه»(((‪،‬‬ ‫له النجاشي والشيخ ولم يوثقاه(((‪ ،‬وقال ابن الغضائري‪« :‬غال‪ّ ،‬‬
‫كذ ٌ‬
‫وتبعه العالمة وابن داود على ذلك(((‪ ،‬ولو لم يؤخذ بتضعيف ابن الغضائري لعدم ثبوت‬
‫(((‬
‫نسبة الكتاب إليه(((‪ ،‬فال يضر في المقام‪ ،‬ألنّه ال توثيق لصالح‪ ،‬وأما توثيق السيد الخوئي له‬
‫لكونه من رجال كامل الزيارات ورجال تفسير القمي‪ ،‬فال نوافقه عليه‪ ،‬على أنه قد تراجع عنه‬
‫في خصوص وثاقة مشايخ ابن قولويه غير المباشرين‪.‬‬
‫وصالح روى عن والده‪ ،‬وهو عقبة بن قيس‪ ،‬وهو مجهول الحال بنص جمع من الرجاليين(((‪.‬‬
‫والنتيجة ّ‬
‫أن السند األول ضعيف‪.‬‬
‫أن من القريب أن يكون السند المذكور هو سند للثواب المذكور‬‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫فإن ما يذكره بعد السند المذكور هو ثواب الزيارة دون أي ٍ‬
‫نص‬ ‫للزيارة‪ ،‬دون الزيارة نفسها‪ّ ،‬‬
‫خاص لها‪ ،‬فيكون سندها ما سيأتي‪.‬‬
‫السند الثاني‪ :‬وهو ما ذكره الشيخ بعد نقل فقرة الثواب‪ ،‬حيث قال‪« :‬قال‪ :‬صالح بن‬
‫عقبة وسيف بن عميرة‪ :‬قال علقمة بن محمد الحضرمي‪ :‬قلت ألبي جعفر ‪ :‬علمني دعا ًء‬
‫أدعو به ذلك اليوم إذا لم أزره من قرب وأومأت من بعد البالد ومن داري بالسالم إليه»(((‪.‬‬
‫وهذا السند فيما يبدو ‪ -‬كما ذكرنا قبل قليل ‪ -‬هو سند الزيارة ‪ -‬دون سابقه ‪ -‬ألنّه وبعد ذكره‬
‫إن استطعت أن تزوره‬ ‫ثم ختم قائالً‪« :‬قال علقمة‪ :‬قال أبو جعفر ‪ْ :‬‬‫لهذا السند أورد الزيارة‪ّ ،‬‬
‫في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل‪ ،‬ولك ثواب جميع ذلك» ‪ .‬وهذا يؤشر إلى ما قلناه‬
‫(((‬

‫أن السند األول هو سندٌ لثواب الزيارة فقط‪.‬‬‫من ّ‬

‫انظر‪ :‬رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪ .200‬رجال الطوسي‪ ،‬ص ‪ .227‬ومعجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.84‬‬ ‫(( (‬
‫رجال ابن الغضائري‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫(( (‬
‫ً‬
‫خالصة األقوال‪ ،‬ص ‪ .360‬وقال ابن داود نقال عن ابن الغضائري‪« :‬ليس حديثه بشيء‪ ،‬كذاب غال كثير‬ ‫((( ‬
‫المناكير»‪ .‬رجال ابن داود‪ ،‬ص ‪.250‬‬
‫كما هو رأي السيد الخوئي‪ ،‬انظر‪ :‬على سبيل المثال معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪ .85‬وموسوعة‬ ‫(( (‬
‫السيد الخوئي الفقهية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.263‬‬
‫معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪.85‬‬ ‫(( (‬
‫منهم‪ :‬الشيخ في رجاله‪ ،‬ص ‪ .142‬قال بعد حكمه بجهالة بعض الرواة‪« :‬عقبة بن قيس مثله»‪ ،‬أي‬ ‫(( (‬
‫ونص على جهالته ابن داود في رجاله‪ ،‬ص ‪ .258‬والسيد الخوئي في معجم رجال الحديث‪،‬‬ ‫مجهول‪ّ .‬‬
‫ج ‪ ،12‬ص ‪.171‬‬
‫مصباح المتهجد‪ ،‬ص ‪.773‬‬ ‫(( (‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.776‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪490‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فهذا السند يشترك ‪ -‬بحسب الظاهر ‪ -‬مع سابقه في المقطع األول‪ ،‬فيبتلي‬
‫ألن في عرضه‬ ‫بما ابتُلي به‪ ،‬وأما المقطع الثاني‪ ،‬فال يضيره اشتماله على صالح بن عقبة‪ّ ،‬‬
‫شخص ًا آخر وهو سيف بن عميرة وهو ثقة(((‪ ،‬كما أنه ‪ -‬وخالف ًا لسابقه ‪ -‬ال يشتمل على عقبة‬
‫والد صالح‪ ،‬أجل‪ ،‬هو يشتمل على علقمة بن مالك الحضرمي‪ ،‬وهو ال توثيق((( له إال بنا ًء‬
‫(((‬
‫على مبنى السيد الخوئي القديم في توثيق رجال كامل الزيارات(((‪ ،‬وقد روى الكشي رواية‬
‫تدل على حسن اعتقاده‪ ،‬ولك ْن ال يستفاد منها التوثيق‪ ،‬ناهيك عن كونها ضعيفة السند(((‪.‬‬
‫السند الثالث‪ :‬وهو ما ذكره الشيخ بعد نقل الزيارة‪ ،‬قال‪« :‬وروى محمد بن خالد‬
‫الطيالسي عن سيف بن عميرة قال‪ :‬خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وعندنا جماعة‬
‫من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد الله ‪ ،‬فسرنا من الحيرة إلى المدينة‪ ،‬فلما‬
‫فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين ‪ ،‬فقال لنا‪ :‬تزورون‬
‫الحسين ‪ ‬من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين ‪ ،‬من ههنا أومأ إليه أبو عبد الله‬
‫الصادق ‪ ‬وأنا معه‪ .‬قال‪ :‬فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن‬
‫أبي جعفر ‪ ‬في يوم عاشوراء»(((‪.‬‬

‫((( رجال النجاشي‪ ،‬ص ‪.189‬‬


‫((( اقتصر الشيخ على ترجمته في أصحاب الباقر ‪ ‬وذكر أنه أخو أبي بكر الحضرمي‪ .‬انظر‪ :‬رجال‬
‫الشيخ‪ ،‬ص ‪ .140‬وذكره في أصحاب الصادق‪ ،‬وقال‪« :‬أسند عنه»‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫((( فهو من رجال كامل الزيارات‪ ،‬ورد في سند زيارة عاشوراء‪ .‬انظر‪ :‬كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫(( ( قال الكشي‪« :‬حدثني علي بن محمد بن قتيبة القتيبي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الفضل بن شاذان‪ ،‬قال حدثني‬
‫أبي‪ ،‬عن محمد بن جمهور‪ ،‬عن بكار بن أبي بكر الحضرمي قال‪ :‬دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن‬
‫علي‪ ،‬وكان علقمة أكبر من أبي‪ ،‬فجلس أحدهما عن يمينه واآلخر عن يساره‪ ،‬وكان بلغهما أنه قال‬
‫ليس اإلمام منا من أرخى عليه ستره‪ ،‬إنما اإلمام من شهر سيفه‪ .‬فقال له أبو بكر وكان أجرأهما‪ :‬يا أبا‬
‫الحسين أخبرني عن علي بن أبي طالب ‪ ‬أكان إمام ًا وهو مرخي عليه ستره أولم يكن إمام ًا حتى‬
‫خرج وشهر سفيه؟ قال وكان زيد تبصر الكالم‪ ،‬قال‪ :‬فسكت فلم يجبه‪ ،‬فرد عليه الكالم ثالث مرات‬
‫كل ذلك ال يجيبه بشيء‪ .‬فقال له أبو بكر‪ :‬إن كان علي بن أبي طالب إمام ًا فقد يجوز أن يكون بعده إمام‬
‫مرخي عليه ستره‪ ،‬وإن كان علي ‪ ‬لم يكن إمام ًا وهو مرخي عليه ستره فأنت ما جاء بك ههنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فطلب إلى علقمة أن يكف عنه‪ ،‬فكف‪ .‬محمد بن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬كتب إلي الشاذاني أبو عبد الله‪ ،‬يذكر‬
‫عن الفضل عن أبيه‪ ،‬مثله سواء»‪ .‬انظر‪ :‬اختيار معرفة الرجال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.417‬‬
‫(( ( قال السيد الخوئي تعليق ًا على سند الرواية‪« :‬أقول‪ :‬محمد بن جمهور ضعيف‪ ،‬وبكار مجهول فال‬
‫اعتماد على الرواية»‪ .‬معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.363‬‬
‫(( ( مصباح المتهجد‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪491‬‬ ‫المالحق‬
‫وقد حاول العالمة المحقق السيد موسى الزنجاني تصحيح الزيارة‪ ،‬استناد ًا إلى هذا‬
‫أن اإلمام الصادق ‪ ‬عندما اتجه نحو مدفن سيد‬ ‫أن «ظاهر هذه العبارة ّ‬ ‫السند‪ ،‬بتقريب ّ‬
‫الشهداء ‪ ‬وأومأ إليه‪ ،‬وقد قرأ في زيارته ‪ ‬الزيارة نفسها التي نقلها علقمة عن اإلمام‬
‫الباقر ‪ .‬وفي هذا الطريق ال ترديد في وثاقة سيف بن عميرة وصفوان بن مهران(((‪.‬‬
‫أن اإلمام الصادق ‪ ‬زار الحسين ‪ ‬بالزيارة‬ ‫أن ما ذكره من ّ‬
‫ولكن يالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫أن صفوان هو من‬ ‫عينها التي رواها علقمة ال تدل عليه العبارة المذكورة‪ ،‬وإنما تدل على ّ‬
‫طلب زيارته بتلك الزيارة‪ ،‬ألنه ‪ -‬صفوان ‪ -‬وبعد فراغه ومن معه من زيارة أمير المؤمنين ‪‬‬
‫توجه من عند رأسه المبارك نحو كربالء بغرض زيارة أبي عبد الله ‪ ،‬وهنا أراد أن يبرر‬
‫لمن معه سبب توجهه لزيارة أبي عبد الله ‪ ،‬فذكر أنه قد رأى اإلمام الصادق ‪ ‬زاره من‬
‫هذا المكان‪ ،‬فقوله‪« :‬فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي‬
‫جعفر ‪ »‬هو رجوع إلى فعل صفوان مع أصحابه‪.‬‬
‫أن اإلمام الصادق ‪‬‬‫أن صفوان زاره بهذه الزيارة‪ ،‬حتى لو لم يثبت ّ‬‫إن قلت‪ :‬يكفي ّ‬
‫زاره بها‪ ،‬فزيارة صفوان هو إقرار واعتراف بصحة الزيارة‪ ،‬بل فيه داللة على معروفية زيارة‬
‫علقمة‪.‬‬
‫إن دعوة صفوان بن مهران بطلب الزيارة المروية عن علقمة ال تدل على‬ ‫قلت‪ّ :‬‬
‫وثاقة علقمة‪ ،‬وال على انتشار الزيارة ومعروفيتها بما يحصل معه االطمئنان بصدورها عن‬
‫الباقر ‪.‬‬
‫على أنّه لو سلمنا بداللة دعوته على معروفيتها‪ ،‬فال بدّ من إحراز أنه دعا بها من خالل‬
‫طريق معتبر‪ .‬والرواية المذكورة ال يمكن االعتماد عليها إال بإثبات أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬صحة طريق الشيخ إلى محمد بن خالد الطيالسي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وثاقة محمد بن خالد الطيالسي نفسه‪.‬‬
‫وقد حاول السيد الزنجاني إثبات كال األمرين‪:‬‬
‫أما األمر األول فسعى إلى إثباته بطريقين‪:‬‬
‫الطريق األول‪ّ :‬‬
‫إن الشيخ لم يستخدم عبارة «روي عن محمد بن خالد» ليبتلي الطريق‬

‫((( جرعه اي أز دريا‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 291‬وما بعدها‪.‬‬


‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪492‬‬
‫باإلرسال‪ ،‬وإنما قال‪« :‬روى محمد بن خالد» وهو تعبير ظاهر في ّ‬
‫أن نسبة الرواية إلى محمد‬
‫ابن خالد ثابتة عنده‪.‬‬
‫أن الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن خالد الطيالسي‪،‬‬ ‫الطريق الثاني‪ :‬الظاهر ّ‬
‫وللشيخ في الفهرست طريق إليه‪ ،‬وهو ما رواه عن الحسين بن عبيد الله‪ ،‬عن أحمد بن محمد‬
‫ابن يحيى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن علي بن محبوب‪ ،‬عنه»(((‪ .‬وهؤالء الرجال الواقعون في‬
‫هذا الطريق كلهم ‪ -‬باستثناء أحمد بن محمد بن يحيى العطار ‪ -‬من الثقات األجالء‪ ،‬وأما‬
‫أحمد‪ ،‬فقد اعتمد السيد الزنجاني في إثبات وثاقته على كونه من مشايخ اإلجازة(((‪.‬‬
‫تعليق ًا على كالم السيد الزنجاني نقول‪:‬‬
‫أن الطريق األول غير تام‪ ،‬ألنه لو سلمنا بداللة قول الشيخ «روى محمد‬‫أوالً‪ :‬ال يخفى ّ‬
‫ابن خالد» على ثبوت الرواية عنده إليه ّإل أن ثبوت ذلك لديه ليس حجة علينا‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في المراسيل الجزمية‪ ،‬التي يذكرها المحدثون بصيغة «قال الصادق ‪ »‬مثالً‪ ،‬فهذا النوع‬
‫من اإلرسال ال يخرج الرواية عن الضعف‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬فيما يتصل بالطريق الثاني‪ ،‬فقد اعتمد السيد الزنجاني في توثيقه على كبرى وثاقة‬
‫أن شيخوخة اإلجازة ال تكفي عند جمع من الفقهاء والرجاليين ومنهم‬ ‫مشايخ اإلجازة مع ّ‬
‫السيد الخوئي‪ ،‬الذي لم يوثق أحمد هذا(((‪ ،‬وجرى في فقهه على ر ّد رواياته(((‪ .‬هذا ولكن‬
‫يمكن ترجيح وثاقة أحمد المذكور استناد ًا إلى أنه من معاريف الرجال ومع ذلك لم يقدح‬
‫فيه أحد‪ ،‬وقد صحح العالمة طرق ًا هو فيها‪ ،‬ويؤيده أنه من مشايخ اإلجازة‪ .‬لكن العمدة في‬
‫هذا الطريق هو في إثبات أخذ الشيخ للرواية من كتاب محمد بن خالد الطيالسي‪ ،‬وهذا ال‬
‫شاهد عليه‪.‬‬
‫أما األمر الثاني‪ ،‬وهو إثبات وثاقة محمد بن خالد الطيالسي‪ ،‬فقد اعتمد السيد الزنجاني‬
‫في إثبات وثاقته على وجوه وقرائن ضعيفة‪ ،‬كرواية محمد بن علي بن محبوب لكتابه أو‬
‫وقوعه في طريق بعض األكابر إلى كتب جماعة‪ .‬وهذه القرائن ال تصلح إلثبات الوثاقة‪.‬‬

‫((( الفهرست‪ ،‬ص ‪.228‬‬


‫((( جرعه اي أز دريا‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.292‬‬
‫(( ( معجم رجال الحديث‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪122‬؛ وج‪ ،17‬ص ‪.76‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪310‬؛ وج ‪ ،12‬ص ‪ .90‬إلى غيرها من الموارد‪.‬‬
‫‪493‬‬ ‫المالحق‬
‫وهكذا اتضح ّ‬
‫أن االسانيد الثالثة للزيارة ال يمكن تصحيحها‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬محاوالت لتصحيح السند‬
‫وهناك محاوالت بذلها غير واحد من العلماء لتصحيح السند‪ ،‬أو لالستغناء عنه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫دعوى القطع بالصدور أو بصحة المضمون‬
‫ادعى بعض الفقهاء ّ‬
‫أن الزيارة قطعية الصدور(((‪ ،‬أو أن مضمونها صحيح قطع ًا(((‪.‬‬
‫هذا ولك ّن القطع بالصدور وال سيما بمالحظة مقطع اللعن المشار إليه ال وجه وال مبرر‬
‫له من الناحية العلمية‪ ،‬فالزيارة ليست متواترة ليحصل القطع بصدورها‪.‬‬
‫وأما القطع بصحة المضمون فهو دعوى ال تخضع لمعيار واضح وجلي‪ ،‬وقد تتأثر‬
‫ببعض الذاتية لجهة تربية الفقيه‪ ،‬أو قناعاته الخاصة‪ ،‬وقد الحظنا في بعض األحيان وجود‬
‫دعوى تنص على القطع بصحة مضمون خبر معين وصدوره عنهم ‪ ،‬وفي مقابلها دعوى‬
‫تنص على القطع بعدم صدور الخبر عينه(((‪ ،‬ولذا ال نستطيع التسليم بها‪ ،‬كيف وقد اعتبر‬
‫البعض ّ‬
‫أن المضمون فيه ما يشهد بعدم الصدور‪ ،‬كما سيأتي في الفقرة الثالثة‪.‬‬
‫شهرة الزيارة‬
‫ِ‬
‫األصول‬ ‫يعة ِمن‬
‫الش ِ‬‫صارت عندَ ِّ‬
‫ْ‬ ‫الشري َفة‬ ‫هذ ِه ِّ‬
‫الزيارة َّ‬ ‫«إن ِ‬
‫قال الفاضل المازندراني‪َّ :‬‬
‫َالص ِحي َف ِة‬ ‫ِ‬
‫السند ك َ‬
‫ِ‬
‫الحظة َّ‬
‫ِ‬
‫عائر ال َعظيمة‪ ،‬بِحيث َل ت ُ‬
‫َحتاج إلى ُم َ‬ ‫والش ِ‬
‫َّ‬ ‫وعة الم َقر ِ‬
‫رة‬ ‫ُ َّ‬
‫الموض ِ‬
‫ُ‬
‫اإلنجيل َّية ال َّطويلة‪ ،‬ودعاء أبي حمزة الثمالي‪ ،‬وأم َثال ذلك‪ ،‬و َما هذا َشأن ُه‬ ‫ناجاة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والم َ‬
‫الكَاملة‪ُ ،‬‬
‫َّظر في‬ ‫الغنى َعن الن ِ‬‫ومن هنا تَبين ِ‬
‫القضايا التِي ِقياساتُها معها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نظر في َسنده‪ ،‬النَّه من َ َ‬ ‫ال ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السند تَزكي ًة‪ ،‬وتوثيق ًا‪ ،‬وتضعيف ًا»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحوال رجال َّ‬

‫ناشئ عن‬‫ٌ‬ ‫أن «المناقشة في سندهما‬ ‫صرح بقطعية صدور زيارة عاشوراء والزيارة الجامعة معتبر ًا ّ‬
‫ّ‬ ‫(( (‬
‫الجهل وعدم العلم»‪ ،‬انظر‪ :‬التكفير في ضوء الفقه الشيعي‪ ،‬ص ‪ .38‬وهذا القطع ال وجه له‪.‬‬
‫سئل‪« :‬ما هي أصح الزيارات الواردة‪ ،‬وما درجة صحة زيارة عاشوراء ودعاء الندبة؟ فأجاب‪ :‬بعض‬ ‫((( ‬
‫الزيارات معتبرة كزيارة أمين الله‪ .‬وزيارة عاشوراء مروية عن مزار المشهدي ومضمونها صحيح قطع ًا‬
‫وكذا بعض الزيارات األخرى كزيارة الجامعة المعروفة‪ ،‬والله العالم»‪ ،‬صراط النجاة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.303‬‬
‫حصل هذا االختالف بين العالمة المجلسي ووالده‪ ،‬ففي حين رجح االبن أن كتاب «مصباح الحقيقة»‬ ‫(( (‬
‫أن متن هذا‬‫المنسوب إلى اإلمام الصادق ‪ ‬هو من تأليف بعض الصوفية‪ ،‬نرى أن الوالد قد رأى ّ‬
‫الكتاب يدل على صحته‪ .‬انظر‪ :‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص ‪.378‬‬
‫شرح زيارة عاشوراء‪ ،‬الفاضل المازندراني (ت ‪1325‬هـ)‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫(( (‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪494‬‬
‫يصرح في كالمه ‪ -‬قد صارت من المشهورات‬ ‫إن الزيارة ‪ -‬كما ّ‬ ‫ويالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫والمسلمات‪ ،‬فهي لم تكن أو لم يثبت أنها كانت كذلك في األزمنة الغابرة‪ ،‬كما يشهد به‬
‫خلو الكتب الحديث األربعة منها‪ ،‬ومنها كتاب التهذيب للشيخ نفسه‪ ،‬مع أنه أورد فيه بعض‬
‫زيارات اإلمام الحسين ‪ ،‬ومنها زيارة األربعين والتي أوردها (أعني زيارة األربعين) في‬
‫تهذيب األحكام‪ ،‬مع أنّه أوردها في المصباح أيض ًا‪ ،‬وكذلك سائر كتب الصدوق نجدها خالية‬
‫منها‪ ،‬وكذلك كتاب المزار للشيخ المفيد وسائر كتبه‪ ،‬وعليه‪ ،‬فالتسالم على الزيارة متأخر‪،‬‬
‫وكذلك الشهرة‪ .‬والتسالم والشهرة المتأخران ال يجبران ضعف السند‪ ،‬كما أن الضرورة‬
‫المتأخرة ال تخرج المسألة عن كونها نظرية وال تمنع من البحث والنقاش فيها(((‪.‬‬
‫أخبار من بلغ‬
‫أوضح‪ُ ،‬ث ّم‬
‫فاألمر َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أخبار الب ُلوغِ‪ ،‬أ َّما مع ُمالح َظتها‬ ‫« ُث َّم هذا ُك ّله َمع قط ِع الن ِ‬
‫َّظر عن‬
‫أوضح»(((‪.‬‬
‫أن اللجوء إلى أخبار من بلغ هو اعتراف بضعف السند‪ .‬وبصرف النظر عن‬ ‫وال يخفى ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فيالحظ عليه‪ّ :‬‬
‫بأن قاعدة التسامح ليست تامة في نفسها‪ ،‬ولو تمت فهي إنما تتم في‬
‫السنن‪ ،‬وهي في المقام زيارة الحسين ‪ ‬نفسها‪ ،‬وأما ما تضمنته الزيارة من دالالت ذات‬
‫طابع عقدي أو فقهي أو غير ذلك فال يمكن التسامح في إثباتها‪ ،‬بل بعض القضايا ‪ -‬كقضايا‬
‫االعتقاد ‪ -‬تحتاج إلى دليل قطعي‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬متن الزيارة‬
‫خص ّأول‬
‫وأما المتن فيعنينا منه في المقام الوقوف عند فقرة اللعن التي تقول‪« :‬اللهم ّ‬
‫ظالم باللعن مني‪ ،‬وابد ْأ به أوالً ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع‪ ،‬اللهم الع ْن يزيد خامس ًا»‪ ،‬فهل‬
‫هذه الفقرة واردة في أصل الزيارة فع ً‬
‫ال أم ال؟‬
‫ثمة ما يريب في األمر‪ ،‬وقد جزم بعض الفضالء((( أن هذه الفقرة مقحمة على الزيارة‬
‫ّ‬
‫أن الزيارة تعرضت للتحريف‪ ،‬ومستنده في ذلك خلو الكثير من‬ ‫وأنها ليست منها‪ ،‬مؤكد ًا ّ‬
‫النسخ القديمة والمعتبرة لكتاب مصباح الشيخ من الفقرة المذكورة‪ .‬فقد راجع (الفاضل‬

‫(( ( بحثنا مسألة حجية الضرورة المتأخرة في كتاب‪ :‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫(( ( شرح زيارة عاشوراء للمازندراني‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫(( ( هو الشيخ حسين الراضي‪ ،‬انظر‪ :‬كتابه زيارة عاشوراء في الميزان‪ ،‬ص ‪ 143‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪495‬‬ ‫المالحق‬
‫المذكور) عشرات النسخ الخط ّية القديمة والقيمة((( لكتاب المصباح والحظ خلو متن‬
‫الكثير منها من الفقرة المذكورة‪ ،‬وإنما أقحمت في الهامش وبخط مغاير لخط المتن(((‪.‬‬
‫وبعض الشواهد التي ذكرها ال تخلو من إشكال‪ ،‬منها ما جزم به من خلو نسخة‬
‫مصباح المتهجد التي كانت بحوزة السيد ابن طاوس من فقرة اللعن المذكورة‪ ،‬استناد ًا إلى‬
‫أن عبارة السيد ابن طاوس ال تدل‬ ‫تصريح ابن طاوس نفسه في كتابه «مصباح الزائر»‪ ،‬مع ّ‬
‫فإن خلو النسخ المتعددة والقديمة من كتاب‬ ‫على مدعاه(((‪ .‬لك ْن بصرف النظر عن ذلك‪ّ ،‬‬
‫بأن الفقرة المذكورة مقحمة‬‫وإن لم يبعث على االطمئنان التام ّ‬
‫المصباح من الفقرة المذكورة ْ‬
‫على الزيارة‪ ،‬وال سيما أنّها موجودة في مزار المشهدي((( (القرن السادس الهجري)‪ ،‬وغيره‪،‬‬
‫لكن بضم ذلك إلى خلو الكتاب األقدم زمني ًا‪ ،‬وهو كتاب «كامل الزيارات»((( من الفقرة‬
‫فإن الشك واحتمال اإلقحام سيكون وارد ًا بالمستوى الذي ال يوثق معه بكون‬ ‫المذكورة‪ّ ،‬‬
‫الفقرة المذكورة من أصل الزيارة‪ ،‬وأضف إليه أن بعض األعالم وهو المحقق التستري يرى‬
‫أن خبر زيارة عاشوراء قد تعرض في سنده وشرحه للتصحيف والخلط والوهم(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكون هذه الفقرة مقحمة ال يعني اتهام أحد من العلماء األجالء بوضعها‪ ،‬فلربما‬
‫أضافها أحد النساخ في الهامش مجتهد ًا في األمر العتقاده ّ‬
‫بأن هؤالء هم األحق باللعن‬
‫ظن بعض الذين جاؤوا من بعده‬‫ثم وبمرور الزمن ّ‬ ‫مثالً‪ ،‬أو لغير ذلك من األسباب‪ ،‬ومن ّ‬

‫بدء ًا بنسخة «الن ّقاش الرازي» المؤرخة سنة ‪ 502‬هـ‪ ،‬وهو قريب عهد من الشيخ الطوسي‪ ،‬إلى غيرها‬ ‫((( ‬
‫من النسخ‪.‬‬
‫وقد حصل هذا األمر (أعني اإلضافة في الحواشي) مع منهاج الصالح للعالمة الحلي‪ ،‬فقد لوحظ‬ ‫((( ‬
‫أن فقرة اللعن المذكورة أضيفت في الهامش في بعض النسخ الخطية للكتاب المذكور‪ .‬انظر‪ :‬زيارة‬
‫عاشوراء في الميزان‪ ،‬ص ‪ ،565‬والحال أنه في المطبوع من الكتاب لم تتم اإلشارة إلى خلو بعض‬
‫النسخ منها‪ ،‬انظر‪ :‬منهاج الصالح‪ ،‬ص ‪.450‬‬
‫قال السيد ابن طاوس بعد نقل الزيارة بما فيها فقرة اللعن المشار إليها‪« :‬هذه الرواية نقلناها بإسنادنا من‬ ‫((( ‬
‫المصباح الكبير‪ ،‬وهو مقابل بخط مصنفه (ره) ولم يكن في ألفاظ الزيارة الفصالن اللذان يكرران مائة‬
‫مرة‪ ،‬وإنما نقلنا الزيادة [الزيارة] من المصباح الصغير»‪ ،‬مصباح الزائر‪ ،‬ص ‪ .278‬وعنه بحار األنوار‪،‬‬
‫أن النسخة التي بين يديه كانت خالية من خصوص الفقرتين اللتين‬ ‫ج ‪ ،98‬ص ‪ ،303‬وظاهر كالمه ّ‬
‫خص أنت أول ظالم‪.»..‬‬ ‫تكرران مائة مرة‪ ،‬دون فقرة «اللهم ّ‬
‫المزار‪ ،‬ص ‪.484‬‬ ‫(( (‬
‫كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪.111 - 110‬‬ ‫(( (‬
‫األخبار الدخيلة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.252‬‬ ‫((( ‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪496‬‬
‫أنّها جزء من أصل الزيارة فأدرجوها في المتن‪ ،‬وهذا أمر له نظائر‪ ،‬كما ال يخفى على‬
‫المطلع على أحوال النسخ الخطية‪ ،‬فما أكثر الحاالت التي يذكر فيها الراوي أو غيره فقرة‬
‫شارحة بين السطور أو في الهوامش‪ ،‬ثم تنتقل بعد ذلك نتيجة الغفلة وعدم الخبرة إلى‬
‫أن مقامنا (األدعية والزيارات) مبني ‪ -‬لدى مشهور‬ ‫داخل السطور والمتون‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫الفقهاء ‪-‬على قاعدة التسامح‪ ،‬وقد ق ّلت العناية فيه بالقياس إلى عالم األخبار الواردة في‬
‫مجالي األصول والفروع‪ ،‬وقد ن ّبه المحدث النوري إلى تعرض بعض كتب األدعية في‬
‫زمانه للتحريف والزيادة(((‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬فال مجال لتطبيق القاعدة المعروفة عندهم‪ ،‬وهي أنّه عند اختالف‬
‫النقل في الزيادة والنقيصة فتقدم أصالة عدم الزيادة((( على أصالة عدم النقيصة‪ ،‬والوجه في‬
‫أن موردها هو صورة انتفاء االحتمال القوي باإلقحام‪.‬‬‫عدم انطباق القاعدة في المقام‪ ،‬هو ّ‬
‫إن خلو بعض النسخ من الفقرة المذكورة له ما يبرره وهو مراعاة جو التق ّية من‬ ‫إن قلت‪ّ :‬‬
‫قبل الناسخ‪ ،‬حفظ ًا لنفسه أو لجماعة المؤمنين الذين يعتمدون على كتابه‪.‬‬
‫قلنا‪ّ :‬‬
‫إن األمانة العلم ّية تقتضي أن يأتي المصنف في هذه الحالة بعبارة توحي‬
‫بالحذف‪ ،‬كأن يسجل نقاط ًا تشير إلى وجود تتمة للكالم‪ ،‬كما ُيفعل في زماننا‪ ،‬أو‬
‫يأتي بعبارة «إلى آخره»‪ ،‬أو كلمة «الحديث» إذا كان الحذف من اآلخر‪ ،‬أو عبارة «في‬
‫حديث» إذا كان الحذف من األول‪ ،‬أو عبارة «إلى أن قال» إذا كان الحذف من الوسط‪،‬‬
‫أو نحو ذلك‪.‬‬

‫(( ( في كتابه اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر تحدث الشيخ النوري عن أنه قد «أصبح شائع ًا بين‬
‫زائري الحرم المنور لسيد الشهداء» زيادة فقرة على الزيارة‪ ،‬وأنها دخلت في بعض كتب الزيارة وهو‬
‫كتاب «مفتاح الجنان» حتى إنه رأى بعض الطلبة يقرأ تلك «األكاذيب القبيحة في زيارة الشهداء»‪،‬‬
‫والزيادة هي‪« :‬السالم على أبيضكم وأسودكم وعلى من كان في الحاير منكم وعلى من لم يكن في‬
‫الحاير معكم خصوص ًا سيدي وموالي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين والقاسم بن الحسن‪،»..‬‬
‫أن في هذا الكذب جرأة على الله ورسوله واألئمة ‪ ،‬ومع ذلك «ليس هناك من يعترض على‬ ‫فاعتبر ّ‬
‫ذلك وال من ينهى عن ارتكاب مثل هذه المعصية!»‪ .‬انظر‪ :‬اللؤلوء والمرجان‪ ،‬ص ‪ .140 - 134‬وانظر‬
‫أيض ًا‪ :‬مرآة الكمال للمامقاني‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ .234‬وتحفة العالم في شرح خطبة المعالم‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.302‬‬
‫(( ( ومعنى أصالة عدم الزيادة أن الراوي لم يضف من عنده شيئ ًا‪ ،‬فالفقرة المذكورة ليست موضوعة وال‬
‫مقحمة‪ ،‬بخالف أصالة عدم النقيصة التي تعني أن الراوي لم ينقص من كالم اإلمام ‪ ‬شيئ ًا ما يعني‬
‫أن الفقرة المذكورة تكون بحكم الموضوعة فال يرتب عليها أثر‪.‬‬
‫‪497‬‬ ‫المالحق‬
‫خامس ًا‪ :‬مضمون الزيارة‬
‫سجل عليه من جهتين‪:‬‬
‫فثمة إشكال ّ‬
‫وأما المضمون‪ّ ،‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬ما تضمنته الزيارة من اعتماد وتكريس أسلوب اللعن تجاه ورموز‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهو األمر الذي دفع بعض العلماء المحققين إلى إعالن تحفظهم عليها(((‪.‬‬
‫وتشكيك هذا المحقق في صدور اللعن أو في صدور الزيارة برمتها بسبب اللعن ينبغي‬

‫(( ( ممن تحفظ على مضمونها السيد مرتضى العسكري‪ ،‬ما دفع بعض العلماء إلى الر ّد عليه بطريقة قاسية‬
‫فقد وجه استفتاء باسم «عدد من طالب الحوزة العلمية في قم» إلى أحد الفقهاء بتاريخ ‪2004/4/28‬م‪،‬‬
‫يقول‪« :‬ألقى العالمة العسكري محاضرة في المدرسة العلمية المعصومية سالم الله عليها‪ ،‬طرح فيها‬
‫عدة شبهات‪ :‬أثارت استغراب الحاضرين‪ :‬فحين رده على سؤال أصحاب الكساء‪ ،‬أجاب لألسف‪:‬‬
‫«إن هذا الحديث المذكور والمعروف في كتبنا‪ ،‬غير صحيح»‪ ،‬أو عن زيارة عاشوراء واللعنة والبراءة‬
‫من أعداء أهل البيت ‪ ‬قال‪« :‬ال يوجد في سيرة أئمتنا هذا الشيء وكل ما ورد بهذا الخصوص في‬
‫زيارة عاشوراء غير صحيح‪ ،‬وإني أشك في أصل زيارة عاشوراء‪ ،‬وفي هذا الزمن وهذه الظروف‪ ،‬ال‬
‫معنى للبراءة واللعن!» أردنا أن نطلع على رأيكم حول هذه األقاويل ونرجو أن تنيروا قلبونا المنكسرة‬
‫من محبي الوالية‪ .‬ونسأل الله تعالى أن يؤيد مراجعنا العظام‪.‬‬
‫فكان جواب المرجع المذكور( السيد محمد صادق الروحاني) هو التالي‪ :‬ثالثة أمور قد اعترض‬
‫عليها السيد العسكري‪ :‬حديث الكساء‪ ،‬وزيارة عاشوراء‪ ،‬ولعن أعداء أهل البيت ‪ .‬هذه الموارد‬
‫من أسس وأصول معتقدات الشيعة‪ ،‬وكل من يتتبع الروايات في هذا الشأن ولو باختصار‪ ،‬لن تبقى له‬
‫أدنى شك وترديد في هذا المجال‪ .‬أما عن السيد العسكري ال بد أن نقول‪ :‬إنه إما أصيب بحالة النسيان‪،‬‬
‫(وهذا أفضل محمل نأخذه به)‪ ،‬وإما قد أجبر بواسطة بعض التيارات السياسية ليهين بمعتقدات الشيعة‬
‫حول كل الخدمات التي‬ ‫بهذه الصورة‪ ،‬وإما ال سمح الله ‪ ،....‬على العموم‪ ،‬إنه بهذه المحاضرة قد ّ‬
‫قدمها بواسطة تأليفاته جعلها هبا ًء منثور ًا‪ ،‬وال أدري إن لم يستغفر ربه وجاءه األجل‪ ،‬ماذا سيلحق به؟!‬
‫في الختام أنصح جميع الطلبة المهتمين‪ :‬أن يستمروا في طريقهم الذي بدأوا به في التصدي ألعداء‬
‫الشيعة وأهل البيت ‪ ،‬فإنها من أعلى وأجل العبادات اإللهية‪ ،‬وذلك استمرار ًا لسيرة األئمة ‪.‬‬
‫يعوض نفسه عاجالً‪ 21 .‬ربيع األول ‪1425‬هـ‪.‬‬ ‫وأوصي السيد العسكري أن يتوب بسرعة وأن ّ‬
‫أن صدى كالم السيد العسكري قد تردد وقتها في الحوزة العلم ّية في قم‪ ،‬لكن لم يصلنا نص‬ ‫أقول‪ :‬مع ّ‬
‫ما قاله حرفي ًا‪ ،‬ولكن فيما يتصل بحديث الكساء فهو لم يشكك في الحديث المشهور والمعروف أبد ًا‬
‫كيف وهو قد أ ّلف رسالة خاصة مطبوعة يثبت فيه صحة هذا الحديث وشهرته في مصادر الفريقين‪،‬‬
‫انظر رسالته‪ :‬حديث الثقلين في كتب مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ‪ ،‬وإنما شكك في‬
‫قصة متداولة بين العامة من الشيعة بشأن هذا الحديث‪ ،‬وهي تتلى في بعض المجالس‪ ،‬فهذه القصة‬
‫للحديث لم ترد في كتب األحاديث واألخبار‪ ،‬وقد ألمح ‪-‬رحمه الله‪ -‬إلى ذلك في ختام رسالته‬
‫أول من نقل الحديث وفق ًا لهذه الصيغة هو الطريحي في المنتخب‪ ،‬أجل‬ ‫المذكورة ص ‪ .44‬ولعل ّ‬
‫ً‬
‫ينقل الشيخ عباس القمي كالما بعنوان القيل‪ ،‬بـ«إن حديث الكساء المشهور الذي يعد من متفردات‬
‫منتخب الطريحي موجود في غرر هذا الشيخ»‪ ،‬يقصد الديلمي‪ .‬انظر‪ :‬الكنى واأللقاب للشيخ عباس=‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪498‬‬
‫التعامل معه بطريقة علم ّية‪ ،‬فالتشكيك بهذه الزيارة ال يعني التشكيك بأصول الدين وال‬
‫أصول المذهب ومسلماته‪ .‬والتأمل في الفقرة المنقولة عن هذا المحقق تظهر أنّه مشكك في‬
‫أصل الزيارة‪ ،‬كما أنه ال يرى معنى للعن في هذا الزمن‪.‬‬
‫فلديه كالمان‪:‬‬
‫الكالم األول‪ :‬الشك في أصل الزيارة‪ ،‬وفي المنقول من كالمه لم يتضح وجه التشكيك‪،‬‬
‫فهل مرجع الشك إلى الجانب السندي؟ أم ّ‬
‫إن مرجعه إلى استبعاده اعتماد األئمة ‪ ‬لهذا‬
‫أن الذي يوحي به سياق كالمه‬ ‫األسلوب في مواجهة اآلخرين؟ كال األمرين محتمالن‪ ،‬مع ّ‬
‫(بحسب المنقول) هو التركيز على الثاني‪ ،‬وهنا يرد السؤال‪ :‬ما هو الوجه في استبعاده ‪-‬رحمه‬
‫الله‪ -‬صدور اللعن عنهم ‪‬؟‬
‫إن احتمال أن يكون لألمر عالقة بأصل صدور اللعن عن المعصوم ضعيف‪ ،‬إذ يدفعه‬ ‫ّ‬
‫والسنة في الجملة‪ ،‬أجل‪ ،‬قد يكون الوجه في استبعاده هو في ّ‬
‫أن‬ ‫أن اللعن وار ٌد في الكتاب ُّ‬ ‫ّ‬
‫المشار إليهم في فقرة اللعن هم أشخاص معروفون ويمثلون رموز ًا لدى مدرسة إسالمية‬
‫واسعة االنتشار ما يجعل من المستبعد لجوء األئمة ‪ ‬إلى تكريس لعنهم في طقس ديني‪،‬‬
‫وهو الزيارة التي يتلوها المؤمنون صبح ًا ومسي ًا‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا إن لم يؤد إلى إثارة الشحناء والفتنة‬
‫بين المسلمين‪ ،‬فإنه ‪ -‬على أقل تقدير ‪ -‬يوجب نفرة أتباعهم عن خط أهل البيت ‪.‬‬
‫الكالم الثاني‪ :‬إنه ال معنى للعن في هذا الزمان‪ ،‬وهذا الكالم ناظر بحسب الظاهر إلى‬
‫العنوان الثانوي المشار إليه للتو‪ ،‬بمعنى ما يترتب على لعن هؤالء الرموز من مفاسد كبيرة‬
‫على وحدة األمة واستقرارها الداخلي‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬من جهة الثواب المذكور فيها وهو ثواب عظيم يتجاوز بآالف المرات كل‬
‫أعمال الحج والعمرة والجهاد بين أيدي األنبياء ‪ ‬جميع ًا(((‪ ،‬وهذا اإلشكال هو فيما يبدو ما‬

‫= القمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،238‬وكتاب المنتخب للطريحي ليس بذاك االعتبار عند األعالم‪ .‬انظر‪ :‬ما ذكرناه‬
‫حوله في كتابنا الحسين مصلح ًا وثائر ًا‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫((( قال الشيخ‪ :‬شرح زيارة أبي عبد الله ‪ ‬في يوم عاشوراء من قرب أو بعد‪ :‬روى محمد بن إسماعيل بن‬
‫بزيع عن صالح بن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر ‪ ‬قال‪« :‬من زار الحسين بن علي ‪ ‬في يوم عاشوراء‬
‫من المحرم حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة‪،‬‬
‫ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص) ومع األئمة الراشدين‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البالد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك=‬
‫‪499‬‬ ‫المالحق‬
‫يشير إليه المحقق التستري في كتابه «قاموس الرجال»‪ ،‬ففي ترجمة صالح بن عقبة ذكر ّ‬
‫أن ابن‬

‫اليوم قال‪ :‬إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطح ًا مرتفع ًا في داره وأومأ إليه بالسالم واجتهد في‬ ‫= ‬
‫الدعاء على قاتله وصلى من بعد ركعتين‪ ،‬وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس‪ ،‬ثم ليندب‬
‫الحسين ‪ ‬ويبكيه ويأمر من في داره ممن ال يتقيه بالبكاء عليه ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه‬
‫وليعز بعضهم بعض ًا بمصابهم بالحسين ‪ ‬وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله تعالى جميع ذلك‪،‬‬
‫قلت‪ :‬جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟ قال‪ :‬أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فكيف يعزي بعضنا بعض ًا؟ قال‪ :‬تقولون‪ :‬أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين وجعلنا وإياكم‬
‫من الطالبين بثأره مع وليه اإلمام المهدي من آل محمد ‪ .‬وإن استطعت أن ال تنتشر يومك في‬
‫حاجة فافعل فإنه يوم نحس ال تقضى فيه حاجة مؤمن‪ ،‬فإن قضيت لم يبارك ولم ير فيها رشد ًا‪ ،‬وال‬
‫يدخرن أحدكم لمنزله فيه شيئ ًا‪ ،‬فمن ادخر في ذلك اليوم شيئ ًا لم يبارك له فيما ادخره ولم يبارك له‬
‫في أهله‪ .‬فإذا فعلوا ذلك كتب الله تعالى لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة كلها مع‬
‫رسول الله (ص)‪ ،‬وكان له أجر وثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل‬
‫منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة‪ .‬قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة ‪ :‬قال علقمة بن محمد‬
‫الحضرمي قلت ألبي جعفر ‪ : ‬علمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب ودعاء أدعو به‬
‫إذا لم أزه من قرب وأومأت من بعد البالد ومن داري بالسالم إليه ‪ .‬قال‪ :‬فقال لي‪ :‬يا علقمة ! إذا أنت‬
‫صليت الركعتين بعد أن تومي إليه بالسالم فقل بعد اإليماء إليه من بعد التكبير هذا القول‪ ،‬فإنك إذا‬
‫قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زواره من المالئكة‪ ،‬وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة‪ ،‬وكنت‬
‫كمن استشهد مع الحسين ‪ ‬حتى تشاركهم في درجاتهم وال تعرف إال في الشهداء الذين استشهدوا‬
‫معه‪ ،‬وكتب لك ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين ‪ ‬منذ يوم قتل ‪‬‬
‫وعلى أهل بيته»‪ .‬انظر‪ :‬مصباح المتهجد‪ ،‬ص ‪.773 - 772‬‬
‫ويظهر من هذه العبارة الطويلة ّ‬
‫أن هناك ثالثة أنواع من الثواب‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬الثواب على خصوص الزيارة‪ ،‬وهو ما جاء في قوله ‪« :‬من زار الحسين بن علي ‪‬‬
‫في يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي‬
‫عمرة وألفي غزوة‪ ،‬ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص)‬
‫ومع األئمة الراشدين»‪ ،‬هذا ما في المصباح للشيخ‪ ،‬وأما في كامل الزيارات‪ ،‬فالثواب هو أكثر من‬
‫ذلك‪ ،‬قال ‪« :‬من زار الحسين ‪ ‬يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم القيامة‬
‫بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة‪ ،‬وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب‬
‫من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص) ومع األئمة الراشدين ‪ .»‬كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪ .326‬وقد‬
‫ع ّلق المحقق التستري على هذا االختالف قائالً‪« :‬وكيف كان فأحدهما تصحيف‪ ،‬والظاهر تحريف‬
‫فإن الشيخ متأخر فال بدّ أنه رأى الكامل ورآه وهم ًا‪ ،‬وألنه ذكر ذلك في كتابين ( المصباح‬ ‫«الكامل»‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الكبير والمصباح الصغير) وألن رواية كتب الشيخ وتداولها أكثر من كتب ابن قولويه‪ ،‬وألن ما فيه‬
‫أقل غرابة»‪ .‬األخبار الدخيلة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .253‬فالحظ كيف حكم بغرابة الثواب في المصدرين وإن عدّ‬
‫الثواب المذكور في مصباح الشيخ أقل غرابة‪.‬‬
‫ً‬
‫النوع الثاني‪ :‬ثواب على تعزية المؤمنين بعضهم بعضا‪ ،‬وهو ما جاء في قوله ‪ ‬بعد ذكر التعزية‪« :‬فإذا‬
‫فعلوا ذلك كتب الله تعالى لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة كلها مع رسول الله (ص)‪=،‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪500‬‬
‫كذاب ال ُيلتَفت إليه»‪ ،‬وع ّلق قائالً‪« :‬ويمكن تأييده بوقوعه في طريق‬ ‫ٍ‬
‫«غال ّ‬ ‫الغضائري قال فيه‪:‬‬
‫ّ‬
‫ثواب زيارة عاشوراء وفي شرحه أمور منكرة» ‪ ،‬وقال أيض ًا في ترجمة محمد بن موسى‬
‫(((‬ ‫(((‬

‫وضاعيته غير بعيد‪ ،‬فورد في طريق ثواب زيارة عاشوراء وفيه شرح منكر‬ ‫الهمداني(((‪« :‬فأصل ّ‬
‫أن األمر المنكر بنظره هو ثواب الزيارة‪ ،‬بل ظاهره أن هذا‬ ‫متناقض»(((‪ .‬فيستفاد من كالميه ّ‬
‫الثواب موضوع حيث ّفرع على ما ذكره من كون الهمداني وضاع ًا بأنه ورد في طريق ثواب‬
‫زيارة عاشوراء‪ ،‬وقد تحدث عن غرابة الثواب المذكور في الزيارة في كتابه «األخبار الدخيلة»‪،‬‬
‫معتبر ًا أن ما ذكر في «مصباح» الشيخ أقل غرابة مما ذكر في «كامل الزيارات»(((‪.‬‬
‫وهذا المعنى ال وجه له إال استناد ًا إلى ما تقدّ م ما في ملحق سابق من أن الثواب ليس‬
‫اعتباطي ًا وله معايير خاصة‪ ،‬مستفادة من العقل والنقل‪ ،‬فالحظ‪.‬‬

‫وكان له أجر وثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا‬ ‫= ‬
‫إلى أن تقوم الساعة»‪ ،‬هذا ما في مصباح الشيخ‪ ،‬وأما في كامل الزيارات فهذا الثواب المعد على‬
‫التعزية هو أكثر بكثير مما رواه الشيخ‪ ،‬قال ‪« :‬فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف‬
‫ألف عمرة وألف ألف غزوة كلها مع رسول الله (ص)»‪ .‬كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪ .237‬وقد رجح المحقق‬
‫أن ما في «كامل الزيارات» من تضاعف الثواب في الموردين قد تعرض للتحريف‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫التستري ّ‬
‫األخبار الدخيلة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.253‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬ثواب الدعاء وصالة الزيارة‪ ،‬وهو ما جاء في قوله ‪« :‬فإنك إذا قلت ذلك فقد‬
‫دعوت بما يدعو به زواره من المالئكة‪ ،‬وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة‪ ،‬وكنت كمن استشهد مع‬
‫الحسين ‪ ‬حتى تشاركهم في درجاتهم وال تعرف إال في الشهداء الذين استشهدوا معه‪ ،‬وكتب لك‬
‫ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين ‪ ‬منذ يوم قتل ‪ ‬وعلى أهل بيته»‪،‬‬
‫هذا ما في «المصباح» وأما في «الكامل»‪ ،‬فالثواب هنا تضاعف‪ ،‬حيث جاء فيه‪« :‬فإنك إذا قلت ذلك‬
‫فقد دعوت بما يدعو به من زاره من المالئكة‪ ،‬وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ومحى عنك ألف‬
‫ألف سيئة ورفع لك مائة ألف ألف درجة‪ ،‬وكنت كمن استشهد مع الحسين بن علي حتى تشاركهم في‬
‫درجاتهم‪ ،‬وال تعرف اال في الشهداء الذين استشهدوا معه‪ ،‬وكتب لك ثواب كل نبي ورسول وزيارة‬
‫من زار الحسين بن علي ‪ ‬منذ يوم قتل»‪ .‬كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪ .328‬وما ذكر في كامل الزيارات مما‬
‫ال يمكن قبوله‪ ،‬إذ ال يعقل ‪ -‬كما قال التستري ‪« -‬أن يكون غير النبي في درجة النبي ولو أدنى النبيين‬
‫فكيف جميعه!» انظر‪ :‬األخبار الدخيلة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.255‬‬
‫يقصد في شرح زيارة عاشوراء حسبما ع ّبر الشيخ الطوسي في مستهل نقله للزيارة‪ ،‬قال‪« :‬شرح زيارة‬ ‫(( (‬
‫أبي عبد الله ‪ ‬في يوم عاشوراء من قرب أو بعد»‪ .‬مصباح المتهجد‪ ،‬ص ‪.772‬‬
‫قاموس الرجال‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.466‬‬ ‫((( ‬
‫ورد في الزيارة بحسب سند كامل الزيارات‪ ،‬ص ‪.325‬‬ ‫((( ‬
‫قاموس الرجال‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.616‬‬ ‫((( ‬
‫األخبار الدخيلة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.253‬‬ ‫((( ‬
‫‪501‬‬ ‫المالحق‬
‫وربما أضاف بعضهم قرينة أخرى تؤيد ما تقدم‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن الفقرة المذكورة قد تضمنت‬
‫توجيه اللعن من قبل اإلمام الصادق ‪ ‬إلى أبي بكر (وهو المقصود باألول في فقرة اللعن‬
‫أن أبا بكر هو أحد أجداد اإلمام الصادق ‪ ‬ألمه‪ ،‬كما أسلفنا في الملحق‬ ‫المذكورة) مع ّ‬
‫(رقم ‪ )7‬فال يظ ّن به ‪ ‬أن يلعنه لهذا االعتبار‪ ،‬إذ ال يليق باإلنسان أن يلعن أحد العمودين‬
‫وإن عال كالجد والجدة‪ ،‬ألب كانا أو ألم‪ ،‬إال إذا فرض أنه مات على الشرك‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ‬
‫ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾(((‪ ،‬على أنه حتى لو مات على الشرك فهو منهي عن االستغفار له‪،‬‬
‫ولكنه ليس مأمور ًا بالدعاء عليه‪ ،‬فتأمل‪.‬‬
‫تأويل األسماء التي طالها اللعن‬
‫فسر األسماء األربعة الذين‬‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أنه نُقل عن الشيخ الطوسي أنه ّ‬
‫تناولهم اللعن تفسير ًا مغاير ًا لما هو المعروف‪ ،‬فقد حكى السيد نعمة الله الجزائري‬
‫(‪1112‬هـ) والسيد مهدي بحر العلوم (‪1212‬هـ)‪« :‬أنه وشي بالشيخ إلى الخليفة العباسي أنه‬
‫وأصحابه يسبون الصحابة‪ ،‬وكتابه المصباح يشهد بذلك‪ ،‬فإنه ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء‪:‬‬
‫«اللهم خص أول ظالم باللعن مني‪ ،‬وابد ْأ به أوالً ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع‪ ،‬اللهم العن‬
‫يزيد خامس ًا»‪ ،‬فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب‪ ،‬فلما حضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه‬
‫الله تعالى أن قال‪ :‬ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنته السعاة‪ ،‬بل المراد باألول‪ :‬قابيل‪ ،‬قاتل‬
‫هابيل‪ ،‬وهو أول من س ّن القتل والظلم‪ .‬وبالثاني‪ :‬قيدار‪ ،‬عاقر ناقة صالح‪ ،‬وبالثالث‪ :‬قاتل‬
‫يحيى بن زكريا ‪ ‬قتله ألجل بغي من بغايا بني إسرائيل‪ ،‬وبالرابع‪ :‬عبد الرحمان بن ملجم‬
‫قاتل علي بن أبي طالب ‪ ،‬فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ورفع شأنه‪،‬‬
‫وانتقم من الساعي وأهانه»(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬باإلضافة إلى أننا لم نعثر على سند متصل يوثق صحة هذه القصة واتصالها‬
‫بالشيخ فعالً‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا النحو من التأويل ال يالئم السياق كما ال يخفى‪ ،‬وناقل هذا التأويل فيما‬
‫يبدو مقر بذلك‪ ،‬وإنما يعتبر ذلك من فطنة الشيخ وبداهته في التخلص من األسئلة العويصة‪.‬‬

‫(( ( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.114‬‬


‫((( كشف األسرار في شرح االستبصار ج‪ 2‬ص‪ .9‬الفوائد الرجالية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.232‬‬
‫فوائد علمية‬

‫فوائد في ق�ضايا الفكر والعقيدة‬


‫‪--1‬مشروع «األئمة» ‪ ‬لكل المسلمين‪ ،‬وليس فقط للموالين‪ .‬ص‪.156 :‬‬
‫‪--2‬علم اإلمام ‪ .‬ص‪.180 :‬‬
‫‪--3‬مودة أهل البيت ‪ ‬من الضروريات‪ ،‬أما مواالتهم فال‪ .‬ص‪.192 :‬‬
‫‪--4‬مستويات الغلو‪ .‬ص‪.213 - 211 :‬‬
‫‪--5‬التفويض وموجبات الكفر‪ .‬ص‪.217 :‬‬
‫‪--6‬تصنيف القائل بالتجسيم‪ .‬ص‪.220 :‬‬
‫‪--7‬الفرق بين صحة العمل وقبوله في ميزان اآلخرة‪ .‬ص‪.304 :‬‬
‫‪--8‬تصنيف الروايات التي تُحرم المسلم اآلخر من الثواب األخروي‪ .‬ص‪.321 :‬‬
‫‪--9‬الثواب على أعمال الكتابي و الملحد والكافر‪ .‬ص‪.324 :‬‬
‫كفرا وال تفسي ًقا‪ .‬ص‪.418 :‬‬ ‫‪--10‬عدم اإليمان بوالية أهل البيت ‪ً ‬‬
‫جهل ال يستوجب ً‬
‫‪--11‬الغيبة والسب تنافي مبدأ تكريم الله لإلنسان‪ .‬ص‪.437 :‬‬
‫‪--12‬اللعن وتشويه مذهب أهل البيت ‪ .‬ص‪.498 :‬‬
‫تحقيرا ألحد‪ .‬ص‪.515 :‬‬
‫ً‬ ‫‪--13‬لسان األئمة ‪ ‬ال يحمل‬
‫‪--14‬لسان األئمة ‪ ‬ال يعادي الناس‪ ،‬بل يستوعبهم‪ .‬ص‪.519 :‬‬
‫‪--15‬المبالغة في الثواب والعقاب في الروايات‪ .‬ص‪.804 :‬‬
‫‪--16‬ثواب بين االستحقاق والتفضل‪ .‬ص‪.806 :‬‬
‫‪--17‬نصوص الثواب والعقاب وعرضها على المعايير العقلية‪ .‬ص‪.807 :‬‬
‫‪--18‬الحديث «تخلقوا بأخالق الله»‪ .‬ص‪.827 :‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪504‬‬
‫‪--19‬الترضي على الصحابة‪ .‬ص‪.833 :‬‬
‫‪--20‬اللعن في زيارة اإلمام الحسين ‪ .‬ص‪.837 :‬‬

‫فوائد في م�سائل «علم �أ�صول الفقه»‬


‫‪--1‬االعتماد على روايات اآلحاد إلثبات قضايا العقيدة‪ .‬ص‪.71 :‬‬
‫‪--2‬تزلزل ظهور معنى كلمة «الكفر» بسبب تغاير االستعماالت‪ .‬ص‪.72 :‬‬
‫‪--3‬مناقشة أصحاب األئمة لإلمام ‪ ‬ونزاعهم حول مكانته ‪ .‬ص‪ 82 :‬و‪.88‬‬
‫‪--4‬حجية «الضرورة» المتشكلة في زمن متأخر‪ .‬ص‪.93 :‬‬
‫‪--5‬معذورية المذهبي اآلخر‪ .‬ص‪.117 :‬‬
‫‪--6‬الغلو في األديان والمذاهب‪ .‬ص‪.211 :‬‬
‫‪--7‬عدم كفاية روايات اآلحاد إلثبات أحكام «القتل»‪ ،‬وصعوبة التصديق بمضمونها ص‪:‬‬
‫‪.227-228‬‬
‫‪--8‬الشك في حجية «التسالم» غير المتصل بزمن المعصومين ‪ .‬ص‪.233 :‬‬
‫‪--9‬إشكالية االستدالل بسيرة المتشرعة في عرض السيرة العقالئية‪ .‬ص‪.252 :‬‬
‫‪--10‬إشكالية التصويب في الحكم بالصحة طب ًقا لقاعدة «اإللزام»‪ .‬ص‪.274 :‬‬
‫‪--11‬كيفية تشكل الضرورة والحجة منها‪ .‬ص‪.352 :‬‬
‫‪--12‬ال محذور في اجتماع األمر والنهي مع تعدد العناوين‪ .‬ص‪.514 :‬‬
‫‪--13‬كيفية اجتماع الوجوب مع الكراهة‪ .‬ص‪.570 :‬‬
‫‪--14‬اجتماع االضطرار مع الوجوب‪ .‬ص‪.571 :‬‬
‫‪--15‬أصل البراءة في العبادات هو الفساد‪ .‬ص‪.572 :‬‬
‫‪--16‬إمضاء االرتكاز العقالئي على كفاية ثقة الشاهد‪ .‬ص‪.666 :‬‬
‫‪--17‬تقييد إطالق الروايات بالفرد النادر‪ .‬ص‪.744 :‬‬

‫فوائد في تف�سير القر�آن الكريم‬


‫‪--1‬إطالق «اإليمان» على البغاة ممن حارب اإلمام علي ‪ .‬ص‪.101 :‬‬
‫‪--2‬مفهوم «االستضعاف» يعود في األساس إلى الضعف المعرفي‪ .‬ص‪.111 :‬‬
‫‪505‬‬ ‫فوائد علمية‬
‫‪--3‬حصر جواز «القتل» في موردين‪ .‬ص‪.223 :‬‬
‫‪--4‬تفسير «ومن يبتغي غير اإلسالم دينًا»‪ .‬ص‪.325 :‬‬
‫‪--5‬خلو القرآن من «السب»‪ ،‬وطريقته في مواجهة الباطل‪ .‬ص‪ 370 :‬و‪.381‬‬
‫‪6--6‬المراد من سخرية النبي نوح ‪ ‬من قومه‪ .‬ص‪.387 :‬‬
‫األخوة في القرآن تشمل كل إنسان مطل ًقا‪ .‬ص‪.415 :‬‬
‫ّ‬ ‫‪--7‬‬
‫‪--8‬ذ ّم التقليد‪ .‬ص‪.676 :‬‬
‫‪--9‬أهل الذكر في القرآن الكريم‪ .‬ص‪.683 :‬‬

‫فوائد في ق�ضايا الفقه وقواعده‬


‫‪--1‬رد الروايات التي تتضمن التشكيك بأعراض الناس‪ .‬ص‪.78 :‬‬
‫‪--2‬إعادة النظر في مالك حصانة «المنافق» في المجتمع اإلسالمي‪ .‬ص‪.122 :‬‬
‫‪--3‬الحكم بالقتل على خبث السريرة واالنحراف الفكري مرفوض عقالئ ًيا‪ .‬ص‪.231 :‬‬
‫‪--4‬حكم «الساب» لألئمة ‪ ‬مغاير لحكم «النصب»‪ .‬ص‪.231 :‬‬
‫‪--5‬دعاوى فقهية غير دقيقة في حق الناصبي‪ .‬ص‪.237 :‬‬
‫‪--6‬مالحظة خلو الكتب الفقهية من فتوى حلية مال الناصبي‪ .‬ص‪.245 :‬‬
‫‪--7‬التمييز بين اإلذن العام والخاص في لسان األئمة ‪ .‬ص‪.246 :‬‬
‫‪--8‬الحكم حول صحة أفعال كل إنسان‪ ،‬وليس فقط المسلم‪ .‬ص‪.253 :‬‬
‫‪--9‬تنقيح الفرق بين قاعدت َْي «اإللزام» و»من دان بدين قوم»‪ .‬ص‪.264 :‬‬
‫‪--10‬كيفية الحكم عند تنازع شخصين من مذهبين مختلفين‪ .‬ص‪.266 :‬‬
‫‪--11‬الحكم بصحة أفعال المسلم اآلخر‪ .‬ص‪.275 :‬‬
‫‪--12‬صحة عبادات المسلم اآلخر والكتابي‪ .‬ص‪.277 :‬‬
‫‪--13‬اإلقرار بصحة زواج وطالق أتباع الشرائع الوضعية‪ .‬ص‪.280 :‬‬
‫‪--14‬مناقشة إشكال «التقية» في التشريع‪ .‬ص‪.287 :‬‬
‫شعارا «للرافضة»! ص‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪--15‬وقفة مع القائلين بترك العمل في المستحبات ألنها صارت‬
‫‪.292‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪506‬‬
‫‪--16‬إفتاء األئمة ‪ ‬على آراء كل المذاهب واألديان‪ ،‬ودوره في تشخيص روايات التقية‪.‬‬
‫ص‪.298 :‬‬
‫‪--17‬الروايات الصحيحة في إجزاء عمل المسلم اآلخر‪ .‬ص‪.314 :‬‬
‫‪--18‬هل ترك «السب» حكم أم أنه من حق اآلخر؟ ص‪.340 :‬‬
‫السب! ص‪.356 :‬‬
‫ّ‬ ‫‪--19‬دعوة الرسول (ص) إلى اإلكثار من‬
‫‪--20‬معيار كون المعصية «كبيرة»‪ .‬ص‪.396 :‬‬
‫‪--21‬األشدية بين الزنا والغيبة‪ .‬ص‪.402 :‬‬
‫‪--22‬ثمرة تقسيم المعاصي إلى كبائر وصغائر‪ .‬ص‪.405 :‬‬
‫‪--23‬موضوع حرمة الغيبة هو «الناس»‪ .‬ص‪.432 :‬‬
‫منصب على العناوين‪ ،‬وليس األفراد‪ .‬ص‪.462 :‬‬
‫ٌ‬ ‫‪--24‬اللعن الوارد في النص الديني‬
‫إخبارا ال يالزمه اللعن إنشا ًء‪ .‬ص‪.464 :‬‬
‫ً‬ ‫‪--25‬اللعن‬
‫‪--26‬كيف نفهم صدور اللعن على فاعل المكروه‪ .‬ص‪.469 :‬‬
‫‪--27‬تناسب عدد الروايات مع سعة االبتالء أو ضيقه‪ .‬ص‪.520 :‬‬
‫‪--28‬الحمل على التدبيرية أولى من الحمل على التقية‪ .‬ص‪.540 :‬‬
‫‪--29‬التفكيك بين الجواز والصحة‪ .‬ص ‪.555‬‬
‫‪--30‬كيف صلى النبي (ص) على المنافقين مع ورود نهي في القرآن‪ .‬ص‪.613 :‬‬
‫‪--31‬هل تُرد الروايات المخالفة لإلجماع أو الجتهاد معين‪ .‬ص‪.662 :‬‬
‫‪--32‬حول قبول شهادة الناصبي والكافر‪ .‬ص‪ 654 :‬و‪.667‬‬
‫‪--33‬سيرة العقالء هي الدليل األساسي على التقليد‪ .‬ص‪.677 :‬‬
‫‪--34‬شرط اإلمامية في المفتي ليس شر ًطا موضوع ًيا‪ .‬ص‪.693 :‬‬
‫‪--35‬الفرق بين تكليف الفرد وتكليف الدولة في توزيع الزكاة‪ .‬ص‪.704 :‬‬
‫‪--36‬الزكاة من حق كل المواطنين‪ .‬ص‪.720 :‬‬
‫‪--37‬الفرق بين النيابة والتوكيل‪ .‬ص‪.... :‬‬
‫‪ 3 8---38‬ضرورة تفعيل مبدأ نقد المتون‪ .‬ص‪.790 :‬‬
‫‪507‬‬ ‫فوائد علمية‬
‫فوائد في الق�ضايا التاريخية‬
‫‪--1‬زواج بعض األئمة ‪ ‬من الناصبيات‪ .‬ص‪.176 :‬‬
‫‪--2‬قلة وجود الناصب وندرتهم‪ .‬ص‪.183 :‬‬
‫‪--3‬تعامل اإلمام علي ‪ ‬مع من نصب له العداء‪ .‬ص‪.240 :‬‬
‫سب عائشة‪ .‬ص‪.354 :‬‬ ‫‪--4‬مناقشة القول ّ‬
‫بأن اإلمام علي ‪ ‬لم يعترض على ّ‬
‫‪--5‬أئمة الجماعات في زمن الصادق ْين ‪ ‬أغلبهم من غير الموالين‪ .‬ص‪.508 :‬‬
‫«وقف» على اإلمام الرضا ‪‬؟ ص‪.518 :‬‬
‫ٌ‬ ‫‪--6‬هل حصل‬
‫‪--7‬صالة اإلمام علي ‪ ‬وراء الخلفاء اقتدا ًء‪ .‬ص‪.523 :‬‬
‫‪--8‬فعل عمر بين االبتداع ودرء النزاع‪ .‬ص‪.607 :‬‬
‫‪--9‬إعطاء اإلمام علي ‪ ‬الزكاة للخوارج‪ .‬ص‪.727 :‬‬
‫‪--10‬إطعام السجاد ‪ ‬للخوارج من ذبيحته‪ .‬ص‪.735 :‬‬
‫‪--11‬أبو بكر جد اإلمام الصادق ‪ .‬ص‪.831 :‬‬

‫فوائد في ق�ضايا اللغة والم�صطلحات‬


‫‪--1‬مفهوم «النصب» مشكك‪ ،‬له مستويات عدة واستعمالت متفاوتة‪ .‬ص‪.133 :‬‬
‫‪--2‬هل يشمل مفهوم «النصب» كل من قدّ م الشيخين أو أبغض الموالين؟ ص‪.148 :‬‬
‫‪--3‬مفهوم «النصب» هو من ينصب العداء مع كفاية االستعداد للحرب‪ .‬ص‪.167 :‬‬
‫‪--4‬استعماالت متفاوتة للف َظ ْي‪« :‬الكفر والشرك» في النص الديني‪ .‬ص‪.203 :‬‬
‫‪--5‬لم ينسب اإلمام علي ‪ ‬أعداءه إلى الكفر أو النفاق‪ .‬ص‪.208 :‬‬
‫‪--6‬من هم «العامة»؟ ص‪.301 :‬‬
‫‪--7‬تداخل المعنى اللغوي «للغيبة» مع المعنى االصطالحي‪ .‬ص‪.394 :‬‬
‫والسب يلتقيان‪ .‬ص‪.444 :‬‬
‫ّ‬ ‫‪--8‬اللعن‬
‫‪--9‬المراد من «الخيرية» في كالم رسول الله (ص)‪ .‬ص‪.561 :‬‬
‫‪--10‬ظهور عبارة «عدو الله» في الروايات في رموز الفساد‪ .‬ص‪.626 :‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪508‬‬
‫فوائد في م�سائل علم الرجال‬
‫‪--1‬تصحيح رواية «محمد بن فضيل» ال وجه له‪ .‬ص‪.188 :‬‬
‫‪--2‬الحكم بتوثيق الروايات اعتما ًدا على كثرة ورودها في مصادر الفريقين‪ .‬ص‪.205 :‬‬
‫‪--3‬تالفي الثغرة في مجهولية أصحاب «علي بن أبي حمزة البطائني»‪ .‬ص‪.259 :‬‬
‫‪--4‬تصحيح رواية ابن محرز‪ .‬ص‪.268 :‬‬
‫‪--5‬عدم وثاقة «معلى بن محمد» خال ًفا للسيد الخوئي‪ .‬ص‪.412 :‬‬
‫‪--6‬عدم كفاية السند إلى صاحب الكتاب‪ ،‬بل ال بدّ من وجود الكتاب نفسه عند الناقل منه‪.‬‬
‫ص‪.522 :‬‬
‫‪--7‬توثيق عام لـ طلحة بن زياد‪ .‬ص‪.597 :‬‬
‫‪--8‬عدم الموافقة على تضعيف «أحمد بن محمد البرقي»‪ .‬ص‪.628 :‬‬
‫‪--9‬اشتباه الشيخ الطوسي في سالم بن مكرم‪ .‬ص‪.694 :‬‬
‫‪--10‬طبقة «حمران بن أعين»‪ .‬ص‪.749 :‬‬
‫‪--11‬دوافع ذ ّم «يونس بن عبد الرحمن» في الروايات‪ .‬ص‪.793 :‬‬
‫‪--12‬تقييم الرواي من خالل مضمون رواياته‪ .‬ص‪.799 :‬‬
‫فهر�س الم�صادر والمراجع‬

‫‪--1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪--2‬آغا بزرك‪ ،‬الشيخ محمد محسن الطهراني‪ ،‬الذريعة إلى تصانيف الشيعة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪1403 ،‬هـ‪1983 /‬م‪.‬‬
‫‪--3‬آل راضي‪ ،‬الشيخ حسين ( معاصر)‪ ،‬زيارة عاشوراء في الميزان‪ ،‬دار المحجة البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1429 ،‬هـ‪2008 /‬م‪.‬‬
‫‪--4‬اآللوسي‪ ،‬محمود بن عبد الله الحسيني (ت‪1270 :‬هـ)‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬
‫والسبع المثاني المعروف بـ تفسير اآللوسي‪.‬‬
‫‪--5‬اآلملي‪ ،‬السيد حيدر‪ ،‬جامع األسرار ومنبع األنوار‪ ،‬مع مقدمتي هنرى كربان وعثمان إسماعيل‬
‫يحيى‪ ،‬الطبعة الثانية‪1368 ،‬هـ‪ .‬ش‪ .‬الناشر‪ :‬شركت انتشارات علمى وفرهنگى وابسته به وزارت‬
‫فرهنگ و آموزش عالى وانجمن ايرانشناسى فرانسه‪.‬‬
‫‪--6‬اآلملي‪ ،‬الشيخ محمد تقي (ت‪1391 :‬هـ)‪ ،‬مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى‪ ،‬مطبعة الفردوسي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬إيران‪1377 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--7‬ابن أبي الحديد المعتزلي (ت‪656 :‬هـ )‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪--8‬ابن أبي شيبة‪ ،‬إبراهيم بن عثمان الكوفي العبسي (ت‪235 :‬هـ)‪ ،‬المصنف‪ ،‬تعليق وتحقيق‪ :‬سعيد‬
‫اللحام‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪--9‬ابن األثير‪ ،‬المبارك بن محمد المعروف بـ «ابن األثير» (ت‪606 :‬هـ)‪ ،‬النهاية في غريب الحديث‬
‫واألثر‪ ،‬إسماعيليان‪ -‬باألوفست عن طبعة بيروت‪ ،‬قم‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة العاشرة‪1364 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--10‬ابن األثير‪( ،‬بن أبي الكرم)‪ ،‬محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بالشيباني‬
‫(ت‪360 :‬هـ)‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ -‬بيروت‪1386 ،‬هـ‪1966 /‬م‪.‬‬
‫‪--11‬ابن أنس‪ ،‬مالك (ت‪179 :‬هـ)‪ ،‬الموطأ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--12‬ابن تيم ّية‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬تحقيق وتعليق وتقديم‪ :‬محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬دار الكتب العلم ّية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1408 ،‬هـ‪1987 /‬م‪.‬‬
‫‪--13‬ابن حبان‪ ،‬محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (المتوفى سنة ‪354‬هـ‪965 /‬م)‪،‬‬
‫الثقات‪ ،‬طبع بإعانة وزارة الحكومة العالية الهندية‪ ،‬تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪510‬‬
‫مدير دائرة المعارف العثمانية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد‬
‫الدكن الهند‪1393 ،‬هـ‪1973 /‬م‪.‬‬
‫‪--14‬ابن حبان‪ ،‬نفسه‪ ،‬صحيح ابن حبان‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫‪--15‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬لسان الميزان‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1390 ،‬هـ‪1971 /‬م‪.‬‬
‫‪--16‬ابن حنبل‪ ،‬اإلمام أحمد‪( ،‬ت‪241 :‬هـ)‪ ،‬مسند أحمد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪--17‬ابن حزم‪ ،‬علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي الظاهري (ت‪456 :‬هـ)‪ ،‬المحلى‪ ،‬طبعة‬
‫مصححة قوبلت على النسخة التي حققها األستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪--18‬ابن حزم‪ ،‬نفسه‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬قوبلت على نسخة أشرف على طبعها األستاذ العالمة‬
‫أحمد شاكر رحمه الله‪ ،‬الناشر‪ :‬زكريا علي يوسف‪ ،‬مطبعة العاصمة بالقاهرة‪.‬‬
‫‪--19‬ابن الخشاب‪ ،‬محمد عبد الله ابن النصر البغدادي (ت‪567 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ األئمة ‪ ‬ووفياتهم‪ ،‬مكتبة‬
‫آية الله المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--20‬ابن سعد‪ ،‬محمد بن سعد‪( ،‬ت‪230 :‬هـ)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪--21‬ابن شهر آشوب‪ ،‬محمد بن علي المازندراني (ت‪588 :‬هـ)‪ ،‬مناقب آل أبي طالب‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬
‫هاشم الرسولي المحالتي‪ ،‬انتشارات عالمة‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--22‬ابن شهر آشوب‪ ،‬نفسه‪ ،‬معالم العلماء‪ ،‬قم‪ ،‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--23‬ابن شهر آشوب‪ ،‬نفسه‪ ،‬متشابه القرآن ومختلفه‪ ،‬طبع‪ :‬إيران‪1328 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--24‬ابن طاوس‪ ،‬علي بن موسى بن جعفر (ت‪664 :‬هـ)‪ ،‬إقبال األعمال‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد القيومي‪ ،‬مكتب‬
‫اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--25‬ابن طاوس‪ ،‬نفسه‪ ،‬الملهوف على قتلى الطفوف‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ فارس تبريزيان‪ ،‬دار األسوة للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬
‫‪--26‬ابن عبد البر‪ ،‬يوسف بن عبد الله النمري ( ‪ 463‬هـ)‪ ،‬االستيعاب في معرفة األصحاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي‬
‫محمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--27‬ابن عبد البر‪ ،‬نفسه‪ ،‬التمهيد‪ ،‬مصطفى بن أحمد العلوي ‪ -‬محمد عبد الكبير البكري‪ ،‬وزارة عموم‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--28‬ابن عربي (ت‪638 :‬هـ ) الفتوحات المكية‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ .‬عثمان يحيى‪ ،‬تصدير ومراجعة‪:‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم مدكور‪ ،‬المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية‪ ،‬مصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫‪--29‬ابن عساكر‪ ،‬علي بن الحسن بن هبة الله (ت‪571 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ -‬بيروت‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪--30‬ابن عنبة‪ ،‬السيد أحمد بن علي الحسيني المعروف بـ ابن عنبة (ت‪828 :‬هـ)‪ ،‬عمدة الطالب في‬
‫أنساب آل أبي طالب‪.‬‬
‫‪511‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--31‬ابن فارس‪ ،‬أحمد بن فارس (ت‪395 :‬هـ)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪،‬‬
‫مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--32‬ابن قدامة‪ ،‬عبد الله بن أحمد المقدسي (ت‪620 :‬هـ)‪ ،‬المغني‪ ،‬دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--33‬ابن قولويه القمي‪ ،‬جعفر بن محمد (ت‪368 :‬هـ)‪ ،‬كامل الزيارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ جواد القيومي‪،‬‬
‫مؤسسة نشر الفقاهة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--34‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت‪774 :‬هـ)‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--35‬ابن كثير‪ ،‬نفسه‪ ،‬تفسير القرآن العظيم المعروف بـ تفسير ابن كثير‪ ،‬تقديم‪ :‬يوسف عبد العظيم‬
‫المرعشلي‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--36‬ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد القزويني (ت‪275 :‬هـ)‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪--37‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم اإلفريقي المصري (ت‪711 :‬هـ)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬نشر أدب الحوزة‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--38‬ابن هشام‪ ،‬محمد بن إسحاق(ت‪151 :‬هـ) السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫مكتبة محمد علي صبيح وأوالده‪ ،‬مصر‪1383 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--39‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث السجستاني (ت‪275 :‬هـ)‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬سعيد محمد‬
‫اللحام‪ ،‬دار الفكر‪1410 ،‬هـ ‪1990/‬م‪.‬‬
‫‪--40‬أبو الفداء‪ ،‬عماد الدين إسماعيل (ت‪732 :‬هـ)‪ ،‬المختصر في أخبار البشر المعروف بـ تاريخ أبي‬
‫الفداء‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--41‬األردبيلي‪ ،‬محمد علي األردبيلي (ت‪1101 :‬هـ)‪ ،‬جامع الرواة‪ ،‬مكتبة آية الله العظمى المرعشي‬
‫النجفي ‪ -‬قم ‪ -‬إيران ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪--42‬األردبيلي‪ ،‬أحمد بن محمد المعروف بالمحقق األردبيلي (ت‪993 :‬هـ)‪ ،‬مجمع الفائدة والبرهان في‬
‫شرح إرشاد األذهان‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدة من العلماء‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪،‬‬
‫قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1416 1402- ،‬هـ‪.‬‬
‫األردبيلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬زبدة البيان في أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقر البهبودي‪ ،‬المكتبة المرتضوية‬
‫ّ‬ ‫‪--43‬‬
‫إلحياء اآلثار الجعفرية‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬طهران ـ إيران‪.‬‬
‫‪--44‬األصفهاني‪ ،‬الحسين بن محمد المعروف بالراغب األصفهاني (ت‪425 :‬هـ)‪ ،‬مفردات ألفاظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬صفوان عدنان داوودي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1427 ،‬هـ‪ ،‬طليعة النور‪.‬‬
‫‪--45‬األصفهاني‪ ،‬الشيخ محمد حسين (ت‪1361 :‬هـ‪ .‬ق)‪ ،‬بحوث في الفقه‪ /‬صالة الجماعة‪ ،‬مؤسسة‬
‫النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--46‬األصفهاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬بحوث في األصول (رسالة االجتهاد والتقليد)‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة الثانية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪512‬‬
‫‪--47‬األصفهاني‪ ،‬السيد أبو الحسن الموسوي (ت‪1365 :‬هـ)‪ ،‬وسيلة النجاة (مع تعليقة السيد‬
‫الكلبيكاني)‪ ،‬طبع بإشراف السيد أحمد الحسيني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1393 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--48‬األصفهاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬وسيلة النجاة (مع تعليقة اإلمام الخميني)‪ ،‬تنظيم ونشر‪ :‬آثار اإلمام الخميني‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--49‬األنصاري‪ ،‬الشيخ مرتضى بن محمد أمين الدزفولي (ت‪1281 :‬هـ)‪ ،‬القضاء والشهادات‪ ،‬لجنة‬
‫تحقيق تراث الشيخ األعظم‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--50‬األنصاري‪ ،‬نفسه‪ ،‬المكاسب المحرمة‪ ،‬لجنة تحقيق تراث الشيخ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪--51‬األنصاري‪ ،‬نفسه‪ ،‬موسوعة الشيخ األنصاري (كتاب الطهارة‪ /‬الخمس‪ ،‬ضمن موسوعة تراث‬
‫الشيخ األعظم)‪ ،‬إعداد‪ :‬لجنة تحقيق تراث الشيخ‪ ،‬نشر‪ :‬مجمع الفكر اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--52‬األنصاري‪ ،‬نفسه‪ ،‬كتاب المكاسب‪ ،‬مجمع الفكر اإلسالمي‪ ،‬إعداد‪ :‬لجنة تحقيق تراث الشيخ‬
‫األعظم‪ ،‬ال‪ .‬ط‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--53‬األنصاري‪ ،‬نفسه (‪1281 1214-‬هـ)‪ ،‬فرائد األصول‪ ،‬إعداد‪ :‬لجنة منبثقة عن مؤتمر الشيخ‬
‫األنصاري‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--54‬األنصاري‪ ،‬الشيخ محمد رضا‪ ،‬التكفير في ضوء الفقه الشيعي‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث المرجع الديني‬
‫الشيخ الوحيد الخراساني‪ ،‬دار الغري للطباعة‪ ،‬الطبعة األولى‪1438 ،‬هـ‪.2017 /‬‬
‫‪--55‬األبطحي‪ ،‬السيد محمد علي (معاصر)‪ ،‬تاريخ آل زرارة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--56‬األحسائي‪ ،‬ابن أبي جمهور‪( ،‬توفي حدود سنة‪880‬هـ )‪ ،‬عوالي الآللي العزيزية في األحاديث‬
‫الدينية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مجتبى العراقي‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1403‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪--57‬األحمدي‪ ،‬الشيخ علي الميانجي ( ‪2000‬م)‪ ،‬مكاتيب النبي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪--58‬األربلي‪ ،‬علي بن أبي الفتح (ت‪693 :‬هـ)‪ ،‬كشف الغمة في معرفة األئمة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت ‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪--59‬األسترابادي‪ ،‬محمد أمين (ت‪1023 :‬هـ)‪ ،‬الفوائد المدنية والشواهد المكية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ رحمة‬
‫الله الرحمتي اآلراكي‪ ،‬مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--60‬اإلسكافي‪ ،‬أبو جعفر محمد بن عبد الله (ت‪220 :‬هـ)‪ ،‬المعيار والموازنة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد‬
‫باقر المحمودي‪ ،‬الطبعة األولى‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫ورام بن أبي فراس (ت‪605 :‬هـ)‪ ،‬تنبيه الخواطر ونزهة النواظر‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪--61‬األشتري‪ّ ،‬‬
‫طهران ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1368 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--62‬االشتهاردي‪ ،‬الشيخ علي بناه (ت‪1429 :‬هـ)‪ ،‬مدارك العروة‪ ،‬دار األسوة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪513‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--63‬األشعري‪ ،‬اإلمام أبي الحسن علي بن اسماعيل (ت‪324 :‬هـ)‪ ،‬مقاالت اإلسالميين واختالف‬
‫المصلين‪ ،‬تصحيح‪ :‬هلموت ريتر‪ ،‬دار النشر فرانز شتاينر بفيسبادن‪ ،‬الطبعة الثانية‪1382 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1963‬م‪.‬‬
‫‪--64‬األلباني‪ ،‬محمد ناصر الدين (ت‪1999 :‬م)‪ ،‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫زهير الشاويش‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪--65‬األندلسي‪ ،‬محمد بن يوسف بن علي الشهير بأبي حيان األندلسي (ت‪745 :‬هـ)‪ ،‬تفسير البحر‬
‫المحيط‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪--66‬األهوازي‪ ،‬الحسين بن سعيد (القرن الثالث)‪ ،‬كتاب المؤمن‪ ،‬مؤسسة اإلمام المهدي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--67‬اإليجي‪ ،‬عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد‪ ،‬المواقف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪--68‬اإليرواني‪ ،‬الحاج ميرزا علي الغروي (ت‪1354 :‬هـ)‪ ،‬المكاسب المحرمة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طبع في‬
‫طهران بمطبعة رشدية باألفست‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--69‬اإليرواني‪ ،‬نفسه‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب‪ ،‬الطبعة الثانية (حجرية)‪ ،‬طهران‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--70‬البجنوردي‪ ،‬السيد محمد حسن( ‪ 1396‬هـ)‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسن الدرايتي ‪-‬‬
‫مهدي المهريزي‪ ،‬نشر الهادي‪ ،‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--71‬بحر العلوم‪ ،‬السيد جعفر آل بحر العلوم (‪1298 - 1281‬هـ)‪ ،‬تحفة العالم في شرح خطبة المعالم‪،‬‬
‫مكتبة الصادق ‪ -‬طهران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--72‬بحر العلوم‪ ،‬السيد عز الدين (ت‪1411 :‬هـ)‪ ،‬بحوث فقهية‪( ،‬تقرير ًا لدروس الشيخ حسين الحلي)‪،‬‬
‫دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1373 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--73‬بحر العلوم‪ ،‬السيد محمد بحر العلوم (ت‪1326 :‬هـ)‪ ،‬بلغة الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد تقي آل بحر‬
‫العلوم‪ ،‬منشورات مكتبة الصادق‪ -‬طهران‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ 1362 ،‬ش‪1403 /‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬
‫‪--74‬البحراني‪ ،‬الشيخ حسين آل عصفور (ت‪1216 :‬هـ)‪ ،‬األنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محسن آل عصفور‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--75‬البحراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التبعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--76‬البحراني‪ ،‬الشيخ يوسف( ‪ 1186‬هـ)‪ ،‬الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة‪ ،‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--77‬البحراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬شركة المصطفى (ص)‬
‫إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪--78‬البحراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪514‬‬
‫‪--79‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل (ت‪256 :‬هـ)‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثامنة‪،‬‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫‪--80‬البخاري‪ ،‬نفسه‪ ،‬التاريخ الصغير‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد إبراهيم زايد‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--81‬البرقي‪ ،‬أحمد بن محمد بن خالد (ت‪274 :‬هـ)‪ ،‬المحاسن‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد جالل الدين الحسيني‪،‬‬
‫دار الكتب اإلسالمية ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--82‬البروجردي‪ ،‬السيد حسين الطبطبائي (ت‪1383 :‬هـ)‪ ،‬جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1399 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--83‬البروجردي‪ ،‬السيد علي (ت‪1313 :‬هـ)‪ ،‬طرائف المقال‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مكتبة آية‬
‫الله المرعشي النجفي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--84‬البروجردي‪ ،‬الشيخ مرتضى‪ ،‬شرح العروة الوثقى‪( ،‬موسوعة السيد الخوئي)‪ ،‬مؤسسة إحياء آثار‬
‫اإلمام الخوئي‪ ،‬الطبعة الثانية‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪--85‬البغدادي‪ ،‬أحمد بن علي الخطيب (ت‪463 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ بغداد أو مدينة السالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى‬
‫عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪--86‬البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر (ت‪429 :‬هـ)‪ ،‬الفرق بين الفرق‪ ،‬اعتنى به وع ّلق عليه‪ :‬الشيخ إبراهيم‬
‫رمضان‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت لبنان‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪--87‬البكري الدمياطي‪ ،‬أبو بكر ابن السيد محمد شطا المعروف بـ السيد البكري (ت‪1310 :‬هـ)‪ ،‬إعانة‬
‫الطالبين‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪--88‬البالذري‪ ،‬أحمد بن يحيي بن جابر (ت‪279 :‬هـ)‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد باقر‬
‫المحمودي‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1394 ،‬هـ‪1974 /‬م‪.‬‬
‫‪--89‬البالغي‪ ،‬الشيخ محمد جواد (ت‪1352 :‬هـ)‪ ،‬آالء الرحمن في تفسير القرآن‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬صيدا‪-‬‬
‫لبنان‪1933 ،‬م‪.‬‬
‫‪--90‬البهائي‪ ،‬محمد بن الحسين بن عبد الصمد ( ‪1301‬هـ)‪ ،‬مشرق الشمسين وإكسير السعادتين‪( ،‬ت‪:‬‬
‫‪1031‬هـ)‪ ،‬منشورات مكتبة بصيرتي‪ ،‬قم‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫‪--91‬البهائي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الحبل المتين‪ ،‬منشورات مكتبة بصيرتي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--92‬البهبهاني‪ ،‬محمد باقر (ت‪1205 :‬هـ)‪ ،‬الحاشية على مدارك األحكام‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--93‬البهبهاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬تعليقة على منهاج المقال‪.‬‬
‫‪--94‬البهبهاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬مصابيح الظالم‪ ،‬مؤسسة العالمة المجدد الوحيد البهبهاني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--95‬البهسودي‪ ،‬السيد محمد سرور الحسيني‪ ،‬مصباح األصول‪ ،‬تقرير ًا لبحث السيد الخوئي في‬
‫األصول‪ ،‬مكتبة الداوري‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬ط‪1417 ،5‬هـ‪.‬‬
‫‪515‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--96‬البهوتي‪ ،‬منصور بن يونس (ت‪1051 :‬هـ)‪ ،‬كشف القناع‪ ،‬دار الكتب العلم ّية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪--97‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي (ت‪458 :‬هـ)‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪--98‬التبريزي‪ ،‬جواد (ت‪1427 :‬هـ)‪ ،‬إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب‪ ،‬مؤسسة إسماعيليان‪،‬‬
‫الطبعة الثاينة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--99‬التبريزي‪ ،‬نفسه‪ ،‬التهذيب في مناسك العمرة والحج‪ ،‬دار التفسير‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪--100‬التبريزي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تنقيح مباني العروة (كتاب االجتهاد والتقليد الطهارة )‪ ،‬دار الصديقة الشهيدة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--101‬التبريزي‪ ،‬نفسه‪ ،‬أسس القضاء والشهادة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--102‬التبريزي‪ ،‬محمد بن عبد الله (ت‪741 :‬هـ)‪ ،‬اإلكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫مؤسسة آل البيت‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--103‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى (ت‪279 :‬هـ)‪ ،‬الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫الوهاب عبد اللطيف‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--104‬التستري‪ ،‬الشيخ محمد تقي ( ‪1415‬هـ)‪ ،‬قاموس الرجال‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫قم ـ إيران‪ 1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--105‬التستري‪ ،‬نفسه‪ ،‬األخبار الدخيلة‪ ،‬مكتبة الصدوق‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1401 ،‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬
‫‪--106‬التوحيدي‪ ،‬محمد علي التبريزي‪ ،‬مصباح الفقاهة‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي رحمه الله‪،‬‬
‫إسماعيليان‪ ،‬قم‪1996 -‬م‪1417 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--107‬الثعلبي‪427( ،‬هـ)‪ ،‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن عاشور‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪--108‬الثقفي‪ ،‬إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هالل (ت‪283 :‬هـ)‪ ،‬الغارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد جالل الدين‬
‫المحدث‪ ،‬إيران‪.‬‬
‫‪--109‬الجزائري‪ ،‬السيد نعمة الله (ت‪1112 :‬هـ)‪ ،‬األنوار النعمانية‪ ،‬مطبعة شركة جاب‪ ،‬تبريز‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--110‬الجبعي‪ ،‬الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الجبعي‪1103 -1014 ( ،‬هـ) الدر المنثور‬
‫من المأثور وغير المأثور‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد أحمد الحسيني‪ ،‬مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬قم ‪ -‬إيران ‪1398‬هـ ‪.‬‬
‫‪--111‬الجرجاني‪ ،‬ابن عدي‪( ،‬ت‪365 :‬هـ)‪ ،‬الكامل‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى مختار غزاوي‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪--112‬الجزائري‪ ،‬نفسه‪ ،‬كشف األسرار في شرح االستبصار‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد طيب الموسوي الجزائري‪،‬‬
‫مؤسسة دار الكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪516‬‬
‫‪--113‬الجزيني‪ ،‬محمد بن مكي الجزيني المعروف بـ الشهيد األول (ت‪786 :‬هـ)‪ ،‬الدروس الشرعية في‬
‫فقه اإلمامية‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--114‬الجزيني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الدروس الشرعية في فقه اإلمامية‪ ،‬طبعة مؤسسة النشر التابعة للحضرة الرضوية‪.‬‬
‫‪--115‬الجزيني‪ ،‬نفسه‪ ،‬ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل البيت إلحياء‬
‫التراث‪،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--116‬الجزيني‪ ،‬نفسه‪ ،‬البيان‪ ،‬مجمع الذخائر اإلسالمية‪ ،‬قم‪ -‬إيران (طبعة حجرية)‪.‬‬
‫‪--117‬الجصاص‪ ،‬أحمد ابن علي الرازي (ت‪370 :‬هـ)‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد علي‬
‫شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪--118‬الجواد الكاظمي‪ ،‬محمد الجواد (القرن ‪ ،)11‬مسالك األفهام إلى آيات األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ‬
‫محمد باقر شريف زاده‪ ،‬المكتبة المرتضوية إلحياء اآلثار الجعفرية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--119‬الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد ( ‪ 393‬هـ)‪ ،‬الصحاح‪ ،‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬دار العلم للماليين‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1376 ،‬هـ‪1956 /‬م‪.‬‬
‫‪--120‬الحائري‪ ،‬السيد كاظم ( معاصر )‪ ،‬القضاء في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مجمع الفكر اإلسالمي‪ ،‬قم ـ إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ --121‬الحائري‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفتاوى المنتخبة‪ ،‬دار البشير‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--122‬الحائري‪ ،‬نفسه‪ ،‬مباحث األصول‪ ،‬تقرير ًا لدروس السيد الشهيد محمد باقر الصدر‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--123‬الحائري‪ ،‬الشيخ مرتضى (ت‪1406 :‬هـ)‪ ،‬الخمس‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد حسين أمر اللهي‪ ،‬مؤسسة‬
‫النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--124‬الحائري‪ ،‬نفسه‪ ،‬شرح العروة الوثقى‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد حسين أمر اللهي‪ ،‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--125‬الحائري‪ ،‬الشيخ محمد حسين الحائري المعروف بصاحب الفصول ( ت ‪ 1250‬هـ)‪ ،‬الفصول‬
‫الغروية في األصول الفقهية‪.‬‬
‫‪--126‬الحائري‪ ،‬محمد بن إسماعيل المازندراني (‪1216‬هـ)‪ ،‬منتهى المقال في أحوال الرجال‪ ،‬مؤسسة آل‬
‫البيت إلحياء التراث‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--127‬الحر العاملي‪ ،‬الشيخ محمد بن الحسن (‪1104‬هـ)‪ ،‬تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل‬
‫الشريعة المعروف اختصار ًا بـ «وسائل الشيعة»‪ ،‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--128‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الجواهر السنية في األحاديث القدسية‪ ،‬مطبعة النعمان ‪ -‬النجف األشرف‪.‬‬
‫‪--129‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬أمل اآلمل في علماء جبل عامل‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد أحمد الحسيني‪ ،‬مطبعة‬
‫اآلداب‪ ،‬النجف األشرف‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪517‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--130‬الحر العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفوائد الطوسية‪ ،‬تعليق وتصحيح‪ :‬السيد مهدي الالزوردي والشيخ محمد‬
‫درودي‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--131‬الحراني‪ ،‬الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ( القرن الرابع)‪ ،‬تحف العقول عن آل الرسول (ص)‪،‬‬
‫تحقيق‪ ،‬علي أكبرالغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--132‬الحسكاني‪ ،‬الحافظ عبيد الله بن أحمد (القرن الخامس الهجري)‪ ،‬شواهد التنزيل لقواعد التفضيل‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الشيخ محمد باقر المحمودي‪ ،‬مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة واإلرشاد‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪1990 /‬م‪.‬‬
‫‪--133‬الحسيني العاملي‪ ،‬محمد جواد‪ ،‬مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‬
‫التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد باقر الخالصي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪--134‬الحكيم‪ ،‬السيد عبد الهادي بن السيد محمد تقي (معاصر)‪ ،‬الفقه للمغتربين (وفق فتاوى سماحة‬
‫السيد السيستاني)‪.‬‬
‫‪--135‬الحكيم‪ ،‬السيد محسن (ت‪1390 :‬هـ)‪ ،‬مستمسك العروة الوثقى‪ ،‬مكتبة المرعشي‪ ،‬قم‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--136‬الحكيم‪ ،‬نفسه‪ ،‬نهج الفقاهة‪ ،‬انتشارات بيستو دو بهمن‪ ،‬قم‪.‬‬
‫‪--137‬الحكيم‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--138‬الحكيم‪ ،‬السيد محمد تقي (ت‪1423 :‬هـ)‪ ،‬األصول العامة للفقه المقارن‪ ،‬مؤسسة آل البيت للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪--139‬الحكيم‪ ،‬السيد محمد سعيد( معاصر)‪ ،‬مصباح المنهاج‪ /‬التقليد‪ ،‬مؤسسة المنار للطباعة والنشر‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--140‬الحلي‪ ،‬ابن داود (ت‪740 :‬هـ)‪ ،‬رجال ابن داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد صادق بحر العلوم‪ ،‬منشورات‬
‫المطبعة الحيدرية‪ ،‬النجف األشرف‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪--141‬الحلي‪ ،‬أحمد بن فهد (ت‪841 :‬هـ)‪ ،‬عدة الداعي ونجاح الساعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الموحدي القمي‪،‬‬
‫مكتبة وجداني‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--142‬الحلي‪ ،‬جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬شرائع اإلسالم‪ ،‬تعليق‪ :‬السيد صادق‬
‫الشيرازي‪ ،‬الناشر‪ :‬استقالل‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--143‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الرسائل التسع‪ ،‬تحقيق‪ :‬رضا األستاذي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي‬
‫النجفين قم‪ -‬إيران‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--144‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬المعتبر‪ ،‬تحقيق‪ :‬جمع من األفاضل بإشراف آية الله السيد ناصر مكارم الشيرازي‪،‬‬
‫مؤسسة سيد الشهداء‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--145‬الحلي‪ ،‬الشيخ حسن بن سليمان (من أوائل علماء القرن التاسع الهجري)‪ ،‬مختصر بصائر الدرجات‪،‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪518‬‬
‫‪ 1950 -‬م الناشر ‪ :‬منشورات المطبعة الحيدرية ‪ -‬النجف األشرف‪ ،‬انتشارات الرسول المصطفى‬
‫(ص) ‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة الطبع ‪1370 :‬هـ‪.‬‬
‫‪--146‬الحلي‪ ،‬الشيخ حسين (ت‪1394 :‬هـ)‪ ،‬دليل العروة الوثقى‪ ،‬تقرير‪ :‬حسن سعيد‪ ،‬مطبعة النجف‪،‬‬
‫‪1379‬هـ‪.‬‬
‫‪--147‬الحلي‪ ،‬الحسن بن يوسف بن المطهر األسدي المعروف بالعالمة الحلي (‪726 -648‬هـ)‪ ،‬تحرير‬
‫األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ إبراهيم البهادري‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق ‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪--148‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الصالح‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد عبد الحميد الميردامادي‪ ،‬منشورات‪ :‬العالمة‬
‫المجلسي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--149‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬نهاية اإلحكام في معرفة األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مؤسسة إسماعيليان‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--150‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬خالصة األقوال في معرفة الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ جواد القيومي‪ ،‬مؤسسة نشر‬
‫الفقاهة‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--151‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تذكرة الفقهاء‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫‪--152‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مختلف الشيعة‪ ،‬مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم إيران‪،‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪--153‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منتهى المطلب‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم الفقه في مجمع البحوث اإلسالمية‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الطبع والنشر في األستانة الرضوية المقدسة‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--154‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬قواعد األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--155‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬أجوبة المسائل المهنائية‪ ،‬مطبعة الخيام‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--156‬الحلي‪ ،‬محمد بن أحمد بن إدريس العجلي (ت‪598 :‬هـ)‪ ،‬مستطرفات السرائر‪ ،‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1411 ،‬هـ‪ .‬الحلي‪ ،‬نفسه‪ ،‬السرائر‪،‬‬
‫مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--157‬الحلي‪ ،‬محمد بن جعفر بن أبي البقاء بن نما (ت‪645 :‬هـ)‪ ،‬مثير األحزان‪ ،‬المطبعة الحيدرية‪،‬‬
‫النجف األشرف‪.‬‬
‫‪--158‬الحلي‪ ،‬يحيى بن سعيد الحلي (ت‪689 :‬هـ)‪ ،‬الجامع للشرائع‪ ،‬تحقيق‪ :‬تحقيق وتخريج‪ :‬جمع من‬
‫الفضالء‪ ،‬إشراف‪ :‬الشيخ جعفر السبحاني‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة سيد الشهداء ‪ -‬العلمية‪ ،‬قم‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--159‬الحلبي‪ ،‬السيد حمزة بن علي بن زهرة (ت‪585 :‬هـ)‪ ،‬غنية النزوع إلى علمي األصول والفروع‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الشيخ إبراهيم البهادري‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--160‬الحلبي‪ ،‬علي بن إبراهيم (ت‪1044 :‬هـ)‪ ،‬إنسان العيون في سيرة النبي المأمون المعروف بـ السيرة‬
‫الحلبية‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبان‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪519‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--161‬الحميري‪ ،‬عبد الله بن جعفر (القرن الثالث الهجري) قرب اإلسناد‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت‬
‫(عليهم السالم) إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى قم ـ إيران ‪1413‬هــ‪.‬‬
‫‪--162‬الخاجوئي‪ ،‬محمد إسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني (ت‪1173 :‬هـ)‪ ،‬الرسائل‬
‫الفقهية‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--163‬الخراساني‪ ،‬محمد واعظ زاده‪ ،‬نداء الوحدة والتقريب بين المسلمين‪ ،‬رابطة الثقافة والعالقات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--164‬الخشن‪ ،‬حسين أحمد‪ ،‬هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ المركز اإلسالمي الثقافي‪ -‬مجمع اإلمامين‬
‫الحسنين ‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪--165‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬العقل التكفيري قراءة في المنهج اإلقصائي‪ ،‬المركز الثقافي اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪--166‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬الحسين مصلح ًا وثائر ًا‪ ،‬منارات‪ ،‬الطبعة األولى‪2017 ،‬م‪1438 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--167‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬المرأة في النص الديني ‪ -‬قراءة نقدية في روايات ذم المرأة‪ ،‬االنتشار العربي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪--168‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬فقه السالمة الصحية ‪ -‬التدخين نموذج ًا ‪ -‬دار التآخي للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1430 ،‬هـ‪2009 /‬م‪.‬‬
‫‪--169‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬اإلسالم والبيئة ‪ -‬خطوات نحو فقه بيئي‪ ،‬منارات‪ ،‬الطبعة الثالثة‪2017 ،‬م‪1438 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--170‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬أصول االجتهاد الكالمي‪ ،‬المركز اإلسالمي الثقافي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪.2015‬‬
‫‪--171‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬الشريعة تواكب الحياة‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪--172‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفقه الجنائي في اإلسالم الردة نموذج ًا‪ ،‬االنتشار العربي‪ ،‬الطبعة األولى بيروت ‪-‬‬
‫لبنان‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪--173‬الخشن‪ ،‬نفسه‪ ،‬تنزيه زوجات األنبياء عن الفاحشة‪ ،‬منارات‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪ 2018 ،‬م‪.‬‬
‫‪--174‬الخلخالي‪ ،‬السيد رضا‪ ،‬المعتمد في شرح المناسك‪ ،‬تقرير ًا لبحوث الس ّيد الخوئي‪ ،‬نشر لطفي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬قم ـ إيران‪ 1409 ،‬هـ‬
‫‪--175‬الخلخالي‪ ،‬السيد محمد مهدي الموسوي‪ ،‬فقه الشيعة‪ ،‬تقرير ًا لدروس السيد الخوئي‪ ،‬مؤسسة‬
‫اآلفاق‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪--176‬الخميني‪ ،‬روح الله الموسوي ( ‪1989‬م)‪ ،‬المكاسب المحرمة‪ ،‬إسماعيليان‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--177‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني‪ ،‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪--178‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬األربعون حديث ًا‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪1991 -‬م‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪520‬‬
‫‪--179‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪--180‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الرسائل‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجتبى الطهراني‪ ،‬مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1385 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--181‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الرسائل العشر‪ ،‬مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--182‬الخميني‪ ،‬نفسه‪ ،‬كتاب الخلل في الصالة‪ ،‬مطبعة مهر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--183‬الخوارزمي‪ ،‬الموفِق بن أحمد بن محمد المكي (ت‪568 :‬هـ)‪ ،‬المناقب‪ ،‬تحقيق‪ :‬مالك المحمودي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--184‬الخوئي‪ ،‬السيد أبو القاسم الموسوي (ت‪1413 :‬هـ)‪ ،‬صراط النجاة (استفتاءات)‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫قم‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--185‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬أجود التقريرات (تقرير ًا لبحث المحقق النائيني)‪ ،‬منشورات مصطفوي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1368 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--186‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬معجم رجال الحديث‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1413 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪--187‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مباني منهاج الصالحين‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬قم المقدسة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1369 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--188‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬نشر مدينة العلم‪ ،‬الطبعة الثامنة والعشرون‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--189‬الخوئي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منية السائل‪ ،‬جمع‪ :‬الشيخ موسى عاصي‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪--190‬الخوئي‪ ،‬الميرزا حبيب الله الهاشمي (ت‪1324 :‬هـ)‪ ،‬منهاج البراعة في شرح نهج البالغة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫السيد إبراهيم الميانجي‪ ،‬بنياد فرهنكي اإلمام المهدي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪--191‬الخوانساري‪ ،‬السيد أحمد ( ‪1405‬هـ)‪ ،‬جامع المدارك‪ ،‬مكتبة الصدوق‪ -‬طهران‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪1355‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--192‬الدارقطني‪ ،‬الحافظ علي بن عمر (ت‪385 :‬هـ)‪ ،‬سنن الدارقطني‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪--193‬الدميري‪ ،‬محمد بن موسى (ت‪808 :‬هـ)‪ ،‬حياة الحيوان الكبرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--194‬الدويش‪ ،‬أحمد بن عبد الرزاق (معاصر)‪ ،‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬دار‬
‫المؤيد‪ ،‬الرياض‪ -‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪--195‬الديلمي‪ ،‬الحسن بن محمد (ت‪ :‬ق ‪ ،)8‬إرشاد القلوب‪ ،‬انتشارات الشريف الرضي‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪--196‬الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد بن عثمان (ت‪748 :‬هـ)‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬إشراف وتخريج‪ :‬شعيب‬
‫األرنؤوط‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أبو زيد‪ ،‬الطبعة التاسعة‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫‪1413‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪521‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--197‬الذهبي‪ ،‬نفسه‪ ،‬ميزان االعتدال‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--198‬الذهبي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--199‬الرازي‪ ،‬أحمد بن محمد مسكويه (ت‪421 :‬هـ)‪ ،‬تجارب األمم‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور أبو القاسم إمامي‪،‬‬
‫دار سروش للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طهران‪1422 ،‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬
‫‪--200‬الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر‪( ،‬ت‪721 :‬هـ)‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ضبط وتصحيح‪ :‬أحمد شمس الدين‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪--201‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمر المعروف بالفخر الرازي (ت‪ 606 :‬هـ)‪ ،‬التفسير الكبير‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط ‪ ،3‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--202‬الراوندي‪ ،‬سعيد بن هبة الدين (ت‪573 :‬هـ)‪ ،‬الدعوات‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مدرسة اإلمام المهدي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--203‬الروحاني‪ ،‬السيد محمد صادق (معاصر)‪ ،‬فقه الصادق‪ ،‬مؤسسة دار الكتاب‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫قم‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--204‬الروحاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الفقاهة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--205‬الروحاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬إيران‪.‬‬
‫‪--206‬الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني الواسطي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي‬
‫شري‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--207‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر (ت‪538 :‬هـ) ربيع األبرار ونصوص األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد األمير مهنا‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪1412 ،‬هـ‪1992 /‬م‪.‬‬
‫‪--208‬الزمخشري‪ ،‬نفسه‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬شركة‬
‫مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--209‬السبحاني‪ ،‬الشيخ جعفر ( معاصر)‪ ،‬اإليمان والكفر في الكتاب والسنة‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق‪ ،‬قم‬
‫ـ إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--210‬السبحاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الحديث النبوي بين الرواية والدراية‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق ‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--211‬السبزواري‪ ،‬السيد عبد األعلى الموسوي (‪ 1414‬هـ)‪ ،‬مهذب األحكام في بيان الحالل والحرام‪،‬‬
‫دفتر آية الله العظمى السيد السبزواري‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--212‬السبزواري‪ ،‬محمد باقر (ت‪1090 :‬هـ)‪ ،‬ذخيرة المعاد‪ ،‬مؤسسة آل البيت ‪ ‬إلحياء التراث‪ ،‬قم ‪-‬‬
‫إيران‪ ،‬طبعة حجرية‪ ،‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--213‬السبزواري‪ ،‬نفسه‪ ،‬كفاية األحكام‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪522‬‬
‫‪--214‬السبزواري‪ ،‬نفسه‪ ،‬كفاية الفقه‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مرتضى الواعظي اآلراكي‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‬
‫التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--215‬السرخسي‪ ،‬محمد بن أبي سهيل (ت‪483 :‬هـ)‪ ،‬المبسوط‪ ،‬دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪--216‬السلمي(ت‪412 :‬هـ) ‪ ،‬تفسير السلمي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬سيد عمران‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬لبنان‪ -‬بيروت‪2001 - 1421 ،‬م‪.‬‬
‫‪--217‬السمعاني‪ ،‬عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت‪562 :‬هـ)‪ ،‬األنساب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله عمر‬
‫البارودي‪ ،‬دار الجنان للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--218‬السيد سابق‪ ،‬فقه السنة‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪--219‬السيستاني‪ ،‬السيد علي الحسيني‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب آية الله العظمى السيد‬
‫السيستاني‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--220‬السيستاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المسائل المنتخبة‪ ،‬مكتب آية الله السيد السيستاني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--221‬السيوري‪ ،‬جمال الدين المقداد بن عبدالله (ت‪826 :‬هـ)‪ ،‬كنز العرفان في فقه القرآن‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫الشيخ واعظ زاده الخراساني‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد القاضي‪ ،‬الناشر المجمع العالمي للتقريب بين‬
‫المذاهب اإلسالمية‪ ،‬دار الهدى والتوزيع والنشر الدولي‪ ،‬الطبعة األولى‪1377 ،‬هـ ش‪1419 /‬هـ ق‪.‬‬
‫‪--222‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت‪911 :‬هـ)‪ ،‬الجامع الصغير‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--223‬السيوطي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬دار التعاون‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ال‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪--224‬السيوطي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--225‬الشافعي‪ ،‬محمد بن إدريس‪( ،‬ت‪204 :‬هـ)‪ ،‬كتاب األم‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثامنة‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪--226‬الشامي‪ ،‬محمد بن يوسف الصالحي (ت‪942 :‬هـ)‪ ،‬سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪--227‬الشامي‪ ،‬يوسف بن حاتم المشغري (ت‪664 :‬هـ)‪ ،‬الدر النظيم في مناقب األئمة اللهاميم‪ ،‬مؤسسة‬
‫النشر اإلسالمي لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪.‬‬
‫‪--228‬الشاهرودي‪ ،‬آية الله السيد محمود الهاشمي ( معاصر)‪ ،‬كتاب الخمس‪ ،‬مؤسسة دائرة معارف الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1425 ،‬هـ‪2005 /‬م‪.‬‬
‫‪--229‬الشاهرودي‪ ،‬نفسه‪ ،‬بحوث في علم األصول‪ ،‬تقرير ًا لدروس السيد الشهيد محمد باقر الصدر‪،‬‬
‫مؤسسة دائرة معارف الفقه اإلسالمي طبق ًا لمذهب أهل البيت ‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1426‬هـ‪.‬‬
‫‪--230‬الشاهرودي‪ ،‬السيد علي الحسيني (حدود ‪1376‬هـ)‪ ،‬محاضرات في الفقه الجعفري‪( ،‬تقرير ًا‬
‫لبحوث السيد الخوئي)‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪523‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--231‬شرف الدين‪ ،‬السيد عبد الحسين (ت‪1377 :‬هـ)‪ ،‬أجوبة مسائل جار الله‪ ،‬مطبعة العرفان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬صيدا‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--232‬الشريف الرضي‪ ،‬محمد بن الحسين (ت‪406 :‬هـ)‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬تعليق وشرح‪ :‬الشيخ محمد عبده‪،‬‬
‫دار الذخائر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--233‬الشريف الرضي‪ ،‬نفسه‪ ،‬المجازات النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه محمد الزيني‪ ،‬بصيرتي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬ال‪ .‬ط‪،‬‬
‫ال‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪--234‬شلتوت‪ ،‬الشيخ محمود ( ‪1963‬م)‪ ،‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة السابعة عشرة‪،‬‬
‫‪1411‬هـ‪1991 /‬م‪.‬‬
‫‪--235‬شمس الدين‪ ،‬الشيخ محمد مهدي ( ‪2001‬م)‪ ،‬االجتهاد والتجديد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬المؤسسة‬
‫الدولية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ‪1999 /‬م‪.‬‬
‫‪--236‬الشهرستاني‪( ،‬ت‪548 :‬هـ)‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سيد كيالني‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪--237‬الشهيد الثاني‪ ،‬زين الدين الجبعي (ت‪965 :‬هـ)‪ ،‬مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم‪ ،‬مؤسسة‬
‫المعارف اإلسالمية‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--238‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية‪ ،‬الناشر‪ :‬الداوري‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--239‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬مسكن الفؤاد عند فقد األحبة واألوالد‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل البيت إلحياء‬
‫التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--240‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬روض الجنان في شرح إرشاد األذهان‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز األبحاث والدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--241‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المقاصد العلية في شرح الرسالة األلفية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الحسون‪ ،‬مركز النشر‬
‫التابع لمكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--242‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مركز النشر التابع لمكتب‬
‫اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--243‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬فوائد القواعد‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد أبو الحسن المطلبي‪ ،‬مركز النشر التابع لمكتب‬
‫اإلعالم اإلسالمي‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--244‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬حقائق اإليمان‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي والسيد محمود المرعشي‪،‬‬
‫مكتبة آية الله المرعشي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--245‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬كشف الريبة عن أحكام الغيبة‪ ،‬انتشارات مرتضوي‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪1376 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪--246‬الشهيد الثاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الرعاية في علم الدراية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحسين محمد علي بقال‪ ،‬مكتبة آية الله‬
‫المرعشي النجفي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪524‬‬
‫‪--247‬الشهيدي‪ ،‬الميرزا عبد الفتاح التبريزي (ت‪1372 :‬هـ)‪ ،‬هداية الطالب إلى أسرار المكاسب‪ ،‬مؤسسة‬
‫دار الكتاب للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1375 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--248‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي بن محمد (ت‪1250 :‬هـ)‪ ،‬فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من‬
‫علم التفسير‪ ،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪--249‬الشيرازي‪ ،‬السيد محمد (ت‪1422 :‬هـ)‪ ،‬توضيح نهج البالغة‪ ،‬دار تراث الشيعة‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--250‬الشيرازي‪ ،‬الشيخ ناصر مكارم ( معاصر)‪ ،‬القواعد الفقهية‪ ،‬مدرسة اإلمام أمير المؤمنين‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--251‬الشيرازي‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمثل في تفسير كتاب الله المنزل‪.‬‬
‫‪--252‬الشيرازي‪ ،‬صدر الدين محمد الشيرازي (ت‪1050 :‬هـ) الحكمة المتعالية في األسفار العقلية‬
‫األربعة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1981 ،‬م دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--253‬الصادق ‪ ،‬اإلمام جعفر‪ ،‬مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة‪( ،‬المنسوب لإلمام الصادق ‪،)‬‬
‫مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪--254‬الصدر‪ ،‬السيد رضا (ت‪1415 :‬هـ)‪ ،‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬مركز النشر التابع التابع لمركز النشر التابع‬
‫لمكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--255‬الصدر‪ ،‬السيد محمد محمد صادق ( ‪1999‬م)‪ ،‬ما وراء الفقه‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪،‬الطبعة‬
‫األولى‪1993 ،‬م‪1413 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--256‬الصدر‪ ،‬السيد موسى‪ ،‬مسيرة اإلمام موسى الصدر‪ ،‬إعداد يعقوب ضاهر‪ ،‬دار بالل للنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪--257‬الصدر‪ ،‬محمد باقر المعروف بالشهيد الصدر (ت‪1400 :‬هـ)‪ ،‬الفتاوى الواضحة‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبناني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بيروت‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪--258‬الصدر‪ ،‬نفسه‪ ،‬بحوث في شرح العروة الوثقى‪ ،‬مطبعة اآلداب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬العراق‪ -‬النجف‬
‫األشرف‪1391 ،‬هـ‪1971 /‬م‪.‬‬
‫‪--259‬الصدر‪ ،‬نفسه‪ ،‬دروس في علم األصول المعروف بـ الحلقات (الحلقة الثانية والثالثة)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1406 ،‬هـ‪1986 /‬م‪.‬‬
‫‪--260‬الصدر‪ ،‬نفسه‪ ،‬تعليقته على منهاج الصالحين للسيد الحكيم‪ ،‬دار التعارف للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--261‬الصـدوق‪ ،‬الشيخ محمـد بن علـي بن بابويـه (ت‪ 381 :‬هـ)‪ ،‬األمالـي‪ ،‬مؤسسـة البعثـة‪ ،‬قم ـ إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1917 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--262‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬من ال يحضره الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم ـ‬
‫إيران‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ال‪.‬ت‪.‬‬
‫‪--263‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬فضائل الشيعة‪ ،‬كانوني انتشارات عابدي‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪--264‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬الخصال‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬جماعة المدرسين‪ -‬قم‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪525‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--265‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬الهداية‪ ،‬مؤسسة اإلمام الهادي ‪ ،‬قم‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--266‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬صفات الشيعة‪ ،‬كانوني انتشارات عابدي‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪--267‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬عقاب األعمال‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد مهدي الخرساني‪ ،‬منشورات الشريف‬
‫الرضي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1368 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--268‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬االعتقادات في دين اإلمامية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام عبد السيد‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪1993 .‬م‪.‬‬
‫‪--269‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬المقنع‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة اإلمام الهادي ‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--270‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬كمال الدين وتمام النعمة‪ ،‬مؤسسة النشر الإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬ال‪ .‬ط‪ ،‬ال‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪--271‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬علل الشرائع‪ ،‬المكتبة الحيدرية‪ ،‬العراق ‪ -‬النجف األشرف‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--272‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬عيون أخبار الرضا ‪ ،‬مؤسسة األعلمي‪ -‬بيروت لبنان‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--273‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬معاني األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1379‬هـ‪.‬‬
‫‪--274‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد هاشم الحسيني الطهراني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1387 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪--275‬الصدوق‪ ،‬نفسه‪ ،‬ثواب األعمال وعقاب األعمال‪ ،‬تقديم‪ :‬السيد محمد مهدي الخرسان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬منشورات الشريف الرضي‪ ،‬قم‪1368 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--276‬الصيمري‪ ،‬الشيخ مفلح بن حسن بن رشيد (القرن السابع)‪ ،‬تلخيص الخالف وخالصة االختالف‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مكتبة المرعشي النجفي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--277‬الطبراني‪ ،‬سليمان بن أحمد (ت‪360 :‬هـ)‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪--278‬الطبراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المعجم األوسط‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم التحقيق بدار الحرمين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الحرمين‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪--279‬الطبرسي‪ ،‬أحمد بن علي (ت‪560:‬هـ)‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقر الخرسان‪ ،‬دار النعمان‪-‬‬
‫النجف‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪--280‬الطبرسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر‪ ،‬تعريب‪ :‬الشيخ إبراهيم البدوي‪ ،‬دار‬
‫البالغة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪--281‬الطبرسي‪ ،‬الحسن بن الفضل (من أعالم القرن السادس الهجري)‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫منشورات الشريف الرضي‪ ،‬الطبعة السادسة‪1392 ،‬هـ‪1972 /‬م‪.‬‬
‫‪--282‬الطبرسي‪ ،‬الفضل بن الحسن (ت‪548 :‬هـ)‪ ،‬مجمع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬مؤسسة األعلمي‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪526‬‬
‫‪--283‬الطبرسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬إعالم الورى بأعالم الهدى‪ ،‬مؤسسة أهل البيت ‪ ‬إلحياء التراث‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--284‬الطبرسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬جوامع الجامـع‪ ،‬مؤسسـة النشـر اإلسالمـي‪ ،‬قم ـ إيران‪ 1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--285‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير (من أعالم القرن الخامس الهجري)‪ ،‬دالئل‬
‫اإلمامة‪ ،‬تحقيق‪ :‬قسم الدراسات اإلسالمية مؤسسة البعثة‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--286‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير(ت‪310:‬هـ)‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بـ تفسير الطبري‪،‬‬
‫ضبط وتوثيق وتخريج‪ :‬صدقي جميل العطار‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫‪1415‬هـ ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪--287‬الطبري‪ ،‬نفسه‪ ،‬تاريخ الطبري‪ ،‬نخبة من العلماء األجالء‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪--288‬الطبري‪ ،‬محمد بن علي (القرن السادس هجري)‪ ،‬بشارة المصطفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد القيومي‬
‫األصفهاني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--289‬الطباطبائي‪ ،‬السيد علي (ت‪1231:‬هـ)‪ ،‬رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدالئل‪ ،‬مؤسسة‬
‫النشر اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--290‬الطباطبائي‪ ،‬السيد عبد العزيز (ت‪1416 :‬هـ)‪ ،‬أهل البيت في المكتبة العربية‪ ،‬مؤسسة آل البيت‬
‫إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--291‬الطباطبائي‪ ،‬السيد محمد علي المعروف بـ السيد المجاهد (ت‪1241 :‬هـ)‪ ،‬المناهل‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫‪--292‬الطباطبائي‪ ،‬محمد مهدي المعروف بـ»بحر العلوم (‪1212 -1155‬هـ)‪ ،‬الفوائد الرجالية المعروف‬
‫بـرجال السيد بحر العلوم‪ ،‬مكتبة الصادق‪ ،‬طهران‪ -‬إيران‪1363 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--293‬الطرابلسي‪ ،‬عبد العزيز ابن البراج (ت‪481 :‬هـ)‪ ،‬المهذب‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة‬
‫المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫النجفي (ت‪1085 :‬هـ)‪ ،‬مجمع البحرين‪،‬‬ ‫‪--294‬الطريحي‪ ،‬فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح‬
‫ترتيب‪ :‬محمود عادل‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب نشر الثقافة اإلسالمية‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--295‬الطريحي‪ ،‬نفسه‪ ،‬المنتخب في جمع المراثي والخطب‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--296‬الطوسي‪ ،‬ابن حمزة (ت‪560 :‬هـ)‪ ،‬الوسيلة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد الحسون‪ ،‬مكتبة آية الله العظمى‬
‫المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--297‬الطوسي‪ ،‬الشيخ محمد بن الحسن‪ ،‬الجمل والعقود في العبادات‪ ،‬تصحيح وترجمة‪ :‬محمد واعظ‬
‫زاده الخرساني‪ ،‬دانشكاه مشهد‪1347 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--298‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬رجال الطوسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬جواد القيومي األصفهاني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‬
‫التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--299‬الطوسي نفسه‪ /‬والمحقق الحلي‪ ،‬النهاية ونكتها‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.1412 ،‬‬
‫‪527‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--300‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬الغيبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح‪ ،‬مؤسسة‬
‫المعارف اإلسالمية‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--301‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬االقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد‪ ،‬منشورات مكتبة جامع تشهل ستون‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪--302‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬النهاية في مجرد الفقه والفتاوى‪ ،‬انتشارات قدس محمدي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--303‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬التبيان في تفسير القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد حبيب قصير العاملي‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتب‬
‫اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--304‬الطوسي نفسه‪ ،‬الخالف‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد علي الخراساني‪ ،‬والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي‬
‫نجف‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--305‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬العدة في أصول الفقه‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد رضا األنصاري‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1517‬هـ‪.‬‬
‫‪--306‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمالي‪ ،‬مؤسسة البعثة‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪--307‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬تهذيب األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد حسن الخرسان‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1365‬هـ‪.‬‬
‫‪--308‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مصباح المتهجد‪ ،‬مؤسسة فقه الشيعة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--309‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬االستبصار في ما اختلف من األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد حسن الموسوي الخرسان‪،‬‬
‫دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1363 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--310‬الطوسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬اختيار معرفة الرجال للكشي‪( ،‬رجال الكشي)‪ ،‬تعليق السيد الميرداماد االسترابادي‪،‬‬
‫تحقيق‪ ،‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪،‬قم‪ -‬إيران‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--311‬العاملي‪ ،‬الشيخ حسن بن زين الدين‪ ،‬التحرير الطاووسي (ت‪1011 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬فاضل الجواهري‪،‬‬
‫مكتبة المرعشي النجفي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--312‬العاملي‪ ،‬الشيخ‪ ،‬نفسه‪ ،‬معالم الدين ومالذ المجتهدين‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة‬
‫المدرسين‪ ،‬الطبعة الثانية عشر‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--313‬العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬منتقى الجمان في األحاديث الصحاح والحسان‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬جامعة‬
‫المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1362 ،‬هـ‪ .‬ش‬
‫‪--314‬العاملي‪ ،‬علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين‪ ،‬الدر المنثور من المأثور وتفسير المأثور‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫منصور اإلبراهيمي‪ ،‬المركز العالي للعلوم والثقافة اإلسالمية مركز إحياء التراث اإلسالمي‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1433 ،‬ق‪2012 /‬م‪.‬‬
‫‪--315‬العاملي‪ ،‬السيد محسن األمين‪( ،‬ت‪1371 :‬هـ)‪ ،‬كشف االرتياب ألتباع محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫‪--316‬العاملي‪ ،‬السيد محسن‪ ،‬نفسه‪ ،‬نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق واألوهام‪ ،‬الغدير للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1422 ،‬هـ‪2001 /‬م‪.‬‬
‫‪--317‬األمين‪ ،‬السيد محسن‪ ،‬نفسه ‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬دار المعارف للمطبوعات ‪ -‬بيروت‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪528‬‬
‫‪--318‬العاملي‪ ،‬السيد محمد جواد (ت‪1226 :‬هـ)‪ ،‬مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة‪ ،‬تحقيق الشيخ‬
‫محمد باقر الخالصي‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--319‬العاملي‪ ،‬السيد محمد (ت‪1009 :‬هـ)‪ ،‬نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مجتبى العراقي والشيخ علي بناه االشتهاردي وحسين اليزدي‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--320‬العاملي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مدارك األحكام‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--321‬العاملي‪ ،‬الشيخ محمد بن الحسن ابن الشهيد الثاني (ت‪1030 :‬هـ)‪ ،‬استقصاء االعتبار في شرح‬
‫االستبصار‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل البيت إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--322‬العجلوني‪ ،‬إسماعيل بن محمد (ت‪1162 :‬هـ)‪ ،‬كشف الخفاء ومزيل اإللباس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--323‬العراقي‪ ،‬ضياء الدين (ت‪1361 :‬هـ)‪ ،‬شرح تبصرة المتعلمين (كتاب القضاء)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد هادي‬
‫معرفة‪ ،‬مطبعة مهر‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--324‬العسقالني‪ ،‬أحمد بن علي بن محمد بن حجر (ت‪852 :‬هـ)‪ ،‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري‪،‬‬
‫دار المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪--325‬العسقالني‪ ،‬نفسه‪ ،‬تهذيب التهذيب‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلم ّية بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪--326‬العسكري‪ ،‬أبو هالل ( ‪395‬هـ)‪ ،‬والسيد نور الدين الجزائري ( ‪1158‬هـ) معجم الفروق اللغوية‬
‫ٍ‬
‫وجزء من كتاب السيد نور الدين الجزائري)‪ ،‬مؤسسة النشر‬ ‫(الحاوي لكتاب أبي هالل العسكري‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين بـ قم المشرفة‪ ،‬ط‪ ،1‬قم ‪ -‬إيران‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--327‬العسكري‪ ،‬السيد مرتضى‪ ،‬حديث الكساء في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫إيران‪.‬‬
‫‪--328‬العلوي‪ ،‬السيد عادل (ت‪1411 :‬هـ)‪ ،‬القصاص على ضوء القرآن والسنة‪ ( ،‬تقرير ًا لدروس السيد‬
‫المرعشي النجفي )‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة آية الله العظمى المرعشي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم ‪ -‬إيران ‪ 1415‬هـ ‪.‬‬
‫‪--329‬العياشي‪ ،‬محمد بن مسعود السمرقندي (ت‪320 :‬هـ)‪ ،‬تفسير العياشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬هاشم الرسولي‬
‫المحالتي‪ ،‬المكتبة العلمية اإلسالمية‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪--330‬العيني‪ ،‬محمود بن أحمد (ت‪855 :‬هـ)‪ ،‬عمدة القاري في شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪--331‬الغروي‪ ،‬الميرزا علي‪ 1419 ( ،‬هـ) التنقيح في شرح العروة الوثقى كتاب الطهارة تقرير ًا ألبحاث‬
‫السيد الخوئي‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪1410 -‬هـ‪.‬‬
‫‪--332‬الغروي‪ ،‬نفسه‪ ،‬كتاب الطهارة تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي‪ ،‬دار الهادي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪-‬‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪529‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--333‬الغروي‪ ،‬نفسه‪ ،‬االجتهاد والتقليد‪ ،‬تقرير ًا لبحث السيد الخوئي (موسوعة اإلمام الخوئي)‪ ،‬مؤسسة‬
‫إحياء آثار اإلمام الخوئي‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪1426 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪--334‬الغزالي‪ ،‬الشيخ محمد الطوسي‪( ،‬ت‪ 505 :‬هـ)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربي ‪-‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪--335‬الغضائري‪ ،‬أحمد ابن الحسين الواطي البغدادي (القرن الخامس)‪ ،‬رجال ابن الغضائري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫السيد محمد رضا الجاللي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--336‬الفراهيدي‪ ،‬الخليل بن أحمد (ت‪175 :‬هـ)‪ ،‬كتاب العين‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور مهدي المخزومي‬
‫والدكتور إبراهيم السامرائي‪ ،‬مؤسسة دار الهجرة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--337‬فضل الله‪ ،‬السيد محمد حسين ( ‪ 2010‬م)‪ ،‬المسائل الشرعية‪ ،‬دار المالك‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪1430 ،‬هـ‪2009 /‬م‪.‬‬
‫‪--338‬فضل الله‪ ،‬نفسه‪ ،‬ثمار البحر (نظرة فقهية جديدة)‪ ،‬دار المالك‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫‪1431‬هـ‪2010 /‬م‪.‬‬
‫‪--339‬فضل الله‪ ،‬نفسه‪ ،‬كتاب الصيد والذباحة (بحث علمي فقهي)‪ ،‬الطبعة األولى‪1419 ،‬هـ‪1998 /‬م‪.‬‬
‫‪--340‬الفناري‪ ،‬محمد بن حمزة (ت‪834 :‬هـ)‪ ،‬مصباح األنس بين المعقول والمشهود‪ ،‬تحقيق‪ :‬تصحيح‬
‫وتقديم ‪ :‬محمد خواجوي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬سنة الطبع ‪ 1374 - 1416 :‬ش‪ ،‬الناشر ‪ :‬انتشارات‬
‫مولى ‪ -‬طهران ‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--341‬الفياض‪ ،‬الشيخ إسحاق (معاصر)‪ ،‬تعاليق مبسوطة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪--342‬الفيروزآبادي‪ ،‬محمد بن يعقوب الشيرازي(ت‪817 :‬هـ)‪ ،‬القاموس المحيط‪( ،‬ت‪817 :‬هـ)‪ .‬ال‪ .‬ت‪،‬‬
‫ال‪ .‬ط‪ .‬ال‪ .‬ن‪.‬‬
‫‪--343‬الفيروزكوهي‪ ،‬الشيخ عبد الرسول المازندراني الفيروزكوهي المشهور بالفاضل المازندراني‬
‫(ت‪1325 :‬هـ)‪ ،‬شرح زيارة عاشوراء‪ ،‬تحقيق‪ :‬الس ّيد حسن الموسوي الدُّ َرازي‪ ،‬دار الصديقة‬
‫الشهيدة ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1430 ،‬هـ‪ 2009 /‬م‪.‬‬
‫‪--344‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري (ت‪671 :‬هـ)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬مؤسسة التاريخ‬
‫العربي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--345‬القزويني‪ ،‬السيد عباس (ت‪1383 :‬هـ)‪ ،‬زبدة المقال في خمس الرسول واآلل (تقرير ًا لبحوث السيد‬
‫البروجردي)‪ ،‬المطبعة العلمية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--346‬القضاعي‪ ،‬القاضي محمد بن سالمة (ت‪404 :‬هـ)‪ ،‬مسند الشهاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمدي عبد المجيد‬
‫السلفي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪--347‬القطيفي‪ ،‬الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق (توفى بعد ‪1225‬هـ)‪ ،‬رسائل آل طوق‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫شركة دار المصطفى (ص) إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪--348‬القمي‪ ،‬الشيخ عباس (ت‪1359 :‬هـ)‪ ،‬الكنى واأللقاب‪ ،‬مكتبة الصدر‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الخامسة‪،‬‬
‫‪1459‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪530‬‬
‫‪--349‬القمي‪ ،‬الشيخ محمد المؤمن (معاصر)‪ ،‬مباني تحرير الوسيلة‪ ،‬مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام‬
‫الخميني‪ ،‬الطبعة األولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--350‬القمي‪ ،‬علي بن إبراهيم القمي ( ‪ 329‬هـ)‪ ،‬تفسير القمي‪ ،‬تصحيح‪ :‬السيد طيب الجزائري‪ ،‬مؤسسة‬
‫دار الكتاب للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--351‬القمي‪ ،‬علي بن محمد الخزاز (ت‪400 :‬هـ)‪ ،‬كفاية األثر‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد عبد اللطيف الحسيني‬
‫الكوهكمري‪ ،‬انتشارات بيدار‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--352‬القمي‪ ،‬الميرزا أبو القاسم‪( ،‬ت‪1231:‬هـ)‪ ،‬غنائم األيام في مسائل الحالل والحرام‪ ،‬تحقيق‪ :‬عباس‬
‫تبريزيان‪ ،‬مركز النشر التابع لمكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 ،‬هـ‪1375 /‬ش‪.‬‬
‫‪--353‬الكاساني‪ ،‬عالء الدين بن مسعود (ت‪587 :‬هـ)‪ ،‬كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬المكتبة‬
‫الحبيبية‪ ،‬باكستان‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ‪1989 /‬م‪.‬‬
‫‪--354‬الكاشاني‪ ،‬محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني (ت‪1091:‬هـ)‪ ،‬الوافي‪ ،‬مكتبة أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬أصفهان‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--355‬الكاشاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬مفاتيح الشرائع‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مجمع الذخائر اإلسالمية‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪--356‬الكاشاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬المحجة البيضاء في تهذيب األحياء‪ ،‬تحقيق وتصحيح وتعليق‪ :‬علي أكبر‬
‫الغفاري‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬قم إيران‪ ،‬الناشر‪ ،‬دفتر النشر االسالمى التابع لجماعة المدرسين‪.‬‬
‫‪--357‬كاشف الغطاء‪ ،‬الشيخ جعفر النجفي (ت‪1228 :‬هـ)‪ ،‬كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء‪،‬‬
‫مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--358‬كاشف الغطاء‪ ،‬الشيخ علي (ت‪ 1253 :‬هـ)‪ ،‬النور الساطع في الفقه النافع‪ ،‬مطبعة اآلداب‪ ،‬النجف‬
‫األشرف‪1964 ،‬م‪.‬‬
‫‪--359‬كاشف الغطاء‪ ،‬محمد حسين (ت‪1373 :‬هـ)‪ ،‬أصل الشيعة وأصولها‪ ،‬طبع دار القرآن الكريم‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--360‬الكاظمي‪ ،‬محمد أمين بن محمد علي ( القرن الثاني عشر الهجري)‪ ،‬هداية المحدثين إلى طريقة‬
‫المحمدين‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--361‬الكاظمي‪ ،‬محمد علي الخراساني (ت‪1365 :‬هـ‪ .‬ق)‪ ،‬كتاب الصالة (تقرير ًا لدروس الشيخ‬
‫النائيني)‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--362‬الكركي‪ ،‬علي بن الحسين العاملي(ت‪940 :‬هـ)‪ ،‬جامع المقاصد‪ ،‬مؤسسة آل البيت ‪ ‬إلحياء‬
‫التراث‪ ،‬قم‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--363‬الكركي‪ ،‬نفسه‪ ،‬رسائل المحقق الكركي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد الحسون‪ ،‬مكتبة آية الله المرعشي‬
‫النجفي‪ ،‬الطبعة األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--364‬الكفعمي‪ ،‬الشيخ إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي ‪ 905 0‬هـ)‪ ،‬المصباح‬
‫‪531‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫(جنة األمان الواقية وجنة اإليمان الباقية)‪ ،‬منشورات مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1403 ،‬هـ‪1983 /‬م‪.‬‬
‫‪--365‬الكفوي‪ ،‬أيوب بن موسى الحسيني المعروف بـ أبي البقاء (ت‪1094 :‬هـ)‪ ،‬الكليات‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪--366‬الكلباسي‪ ،‬أبو المعالي محمد بن محمد إبراهيم (ت‪1315 :‬هـ)‪ ،‬الرسائل الرجالية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫حسين الدرايتي‪ ،‬دار الحديث للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1428 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--367‬الكلباسي‪ ،‬أبو الهدى (ت‪1356 :‬هـ)‪ ،‬سماء المقال في علم الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد الحسيني‬
‫القزويني‪ ،‬نشر‪ :‬مؤسسة ولي العصر للدراسات اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--368‬الكلبيكاني‪ ،‬السيد محمد رضا (ت‪1414 :‬هـ)‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬تقرير‪ :‬محمد هادي المقدس‬
‫النجفي‪ ،‬دار القرآن الكريم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--369‬الكلبيكاني‪ ،‬نفسه‪ ،‬نتائج األفكار في نجاسة الكفار‪ ،‬تقرير‪ :‬الشيخ علي الكريمي الجهرمي‪ ،‬دار‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--370‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب (ت‪329 :‬هـ)‪ ،‬الكافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪،‬‬
‫إيران‪1388 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--371‬الكوفي‪ ،‬أحمد بن أعثم (ت‪314 :‬هـ)‪ ،‬كتاب الفتوح‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار األضواء للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--372‬الكوفي‪ ،‬فرات (ق‪ ،)3 :‬تفسير فرات‪ ،‬الطبعة األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--373‬الكيدري‪ ،‬قطب الدين البيهقي (من أعالم القرن السادس)‪ ،‬إصباح الشيعة بمصباح الشريعة‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫الشيخ إبراهيم البهادري‪ ،‬مؤسسة اإلمام الصادق ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--374‬اللنكراني‪ ،‬الشيخ محمد الفاضل (ت‪1428 :‬هـ)‪ ،‬نهاية التقرير‪ ،‬من تقرير لبحوث آية الله السيد‬
‫البروجردي‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مركز فقه األئمة األطهار‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--375‬اللنكراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (الحج‪ ،‬الطالق والمواريث)‪ ،‬مركز فقه‬
‫األئمة األطهار‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪-‬إيران‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--376‬اللنكراني‪ ،‬نفسه‪ ،‬تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (التقليد)‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--377‬المامقاني‪ ،‬الشيخ عبد الله ( ‪1351‬هـ)‪ ،‬مرآة الكمال لمن رام مصالح األعمال‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محي‬
‫محمد رضا المامقاني‪ ،‬الطبعة الثانية‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫الدين المامقاني‪ ،‬نشر‪ :‬الشيخ ّ‬
‫‪--378‬المازندراني‪ ،‬علي أكبر السيفي (معاصر)‪ ،‬مباني الفقه الفعال‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة األولى‪1425 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--379‬المازندراني‪ ،‬المولى محمد صالح (ت‪1081 :‬هـ)‪ ،‬شرح أصول الكافي‪ ،‬تعليق‪ :‬الميرزا أبو الحسن‬
‫الشعراني‪ ،‬ضبط وتصحيح‪ :‬علي عاشور‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪532‬‬
‫‪--380‬المتقي الهندي‪ ،‬عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي‪975- 888( ،‬هـ)‪ ،‬كنز العمال‬
‫في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬تحقيق‪ :‬بكري ح ّياني وصفوة السقا‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة‪1985 ،‬م‪1405 /‬هـ‪.‬‬
‫‪--381‬المجلسي‪ ،‬محمد تقي بن مال مقصود (‪1003‬هـ ‪1070 -‬هـ)‪ ،‬روضة المتقين في شرح من ال‬
‫يحضره الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه اإلشتهاردي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫بنياد فرهنك اسالمي حاج محمد حسين كوشانپور‪ ،‬إيران الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--382‬المجلسي‪ ،‬الشيخ محمد تقي‪ ،‬روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أحمد‬
‫الشيخ محمد صالح‪ ،‬منشورات شركة دار المصطفى إلحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪1430‬هـ‪2009 /‬م‪.‬‬
‫‪--383‬المجلسي‪ ،‬محمد تقي نفسه‪ ،‬لوامع صاحبقرانى (شرح الفقيه)‪ ،‬مؤسسة دار التفسير ‪ -‬قم ‪ -‬ايران‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1416 ،‬هـ ق‪.‬‬
‫‪--384‬المجلسي‪ ،‬محمد باقر (ت‪1111:‬هـ)‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مؤسسة الوفاء‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ --385‬المجلسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مرآة العقول في شرح أخبار الرسول‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران‪1398 ،‬ق‪/‬‬
‫‪1356‬ش‪.‬‬
‫‪--386‬المجلسي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مالذ األخيار في فهم تهذيب األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬مكتبة آية‬
‫الله المرعشي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--387‬المحسني‪ ،‬محمد آصف‪ ،‬القواعد األصولية والفقهية في المستمسك‪ ،‬تصحيح وتحقيق‪ :‬مهدي‬
‫النيازي الشاهرودي‪ ،‬الناشر‪ :‬بيام مهر‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪1382 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--388‬المحسني‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفقه والمسائل الطبية‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪--389‬المحسني‪ ،‬نفسه‪ ،‬حدود الشريعة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،،‬قم‪ -‬إيران‪1363 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--390‬المحسني‪ ،‬نفسه‪ ،‬األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة‪ ،‬الناشر‪ :‬صبح صادق‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬قم‪1430 ،‬هـ‪ .‬ق‪1387 /‬ش‪.‬‬
‫‪--391‬المدني‪ ،‬السيد علي خان الشيرازي (ت‪1120 :‬هـ)‪ ،‬الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة‪ ،‬تقديم‪:‬‬
‫السيد محمد صادق بحر العلوم‪ ،‬منشورات بصيرتي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1397 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--392‬المدني‪ ، ،‬نفسه‪ ،‬رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين‪ ،‬تجقيق‪ :‬السيد محسن الحسيني‬
‫األميني‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--393‬المرتضى‪ ،‬السيد علي بن الحسين بن موسى المعروف بـ الشريف المرتضى (ت‪436 :‬هـ)‪ ،‬الشافي‬
‫في اإلمامة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الزهراء الحسيني الخطيب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة إسماعليان قم‪ -‬إيران‪،‬‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪--394‬المرتضى‪ ،‬نفسه‪ ،‬الناصريات‪ ،‬تحقيق‪ :‬مركز البحوث والدراسات العلمية‪ ،‬رابطة الثقافة والعالقات‬
‫اإلسالمية مديرية الترجمة والنشر‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪533‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--395‬المرتضى‪ ،‬نفسه‪ ،‬رسائل الشريف المرتضى‪ ،‬إعداد‪ :‬السيد مهدي الرجائي‪ ،‬دار القرآن الكريم‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--396‬المرتضى‪ ،‬نفسه‪ ،‬االنتصار‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫المزي‪ ،‬يوسف ( ‪ 742‬هـ)‪ ،‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور بشار عواد معروف‪،‬‬ ‫‪ّ --397‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1406 ،‬هـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪--398‬المسعودي‪ ،‬علي بن الحسين ابن علي (ت‪346 :‬هـ)‪ ،‬التنبيه واإلشراف‪ ،‬دار صعب‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪--399‬المسعودي‪ ،‬نفسه‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ،‬وضع فهارسه األستاذ يوسف أسعد داغر‪ ،‬دار‬
‫الهجرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1984 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--400‬المشهدي محمد بن جعفر‪( ،‬الوفاة ‪ :‬ق ‪ )6‬المزار‪ ،‬تحقيق ‪ :‬جواد القيومي االصفهاني الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1419 ،‬هـ قم إيران‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪.‬‬
‫‪--401‬المشهدي‪ ،‬الميرزا محمد (توفي حدود ‪ 1125‬هـ)‪ ،‬تفسير كنز الدقائق‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪،‬‬
‫قم ـ إيران‪ ،‬ط ‪1407 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪--402‬المصري‪ ،‬القاضي نعمان بن محمد بن منصور المغربي التميمي (ت‪363 :‬هـ)‪ ،‬دعائم اإلسالم‪،‬‬
‫تحقيق آصف بن علي أصغر فيض‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫‪--403‬المظفر‪ ،‬الشيخ محمد حسن (ت‪1375 :‬هـ)‪ ،‬دالئل الصدق لنهج الحق‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت ‪ ‬إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--404‬مغنية‪ ،‬الشيخ محمد جواد(ت‪1400 :‬هـ)‪ ،‬التفسير الكاشف‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪--405‬مغنية‪ ، ،‬نفسه‪ ،‬فقه اإلمام جعفر الصادق‪ ،‬مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪-‬‬
‫إيران‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--406‬المفيد‪ ،‬محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (‪413 -326‬هـ)‪ ،‬اإلرشاد في معرفة حجج‬
‫الله على العباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت ‪ ‬إلحياء التراث‪ ،‬الناشر‪ :‬المؤتمر العالمي أللفية الشيخ‬
‫المفيد‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1413 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--407‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬أجوبة المسائل الحاجبية أو المسائل العكبرية‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر اإللهي الخراساني‪،‬‬
‫مجمع البحوث اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1435 ،‬ق‪1392 /.‬ش‪.‬‬
‫‪--408‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬المسائل السروية‪ ،‬تحقيق‪ :‬صائب عبد الحميد‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--409‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مهدي نجف‪ ،‬دار المفيد‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--410‬المفيد‪ ، ،‬نفسه‪ ،‬الجمل‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة الداوري ‪ -‬قم ‪ -‬ايران‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪534‬‬
‫‪--411‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬تحريم ذبائح أهل الكتاب‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ مهدي نجف‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--412‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬األمالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الحسين استاذ ولي وعلي أكبر الغفاري‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪،‬‬
‫قم‪ -‬إيران‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫المقنعة‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--413‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ُ ،‬‬
‫‪--414‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬تصحيح اعتقادات اإلمامية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين درگاهي‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر‪ ،‬قم‬
‫ـ إيران‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪--415‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬الفصول المختارة‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد علي مير شريفي‪ ،‬دار المفيد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--416‬المفيد‪ ،‬نفسه‪ ،‬االختصاص‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي أكبر الغفاري‪ -‬السيد محمود الزرندي‪ ،‬دار المفيد للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1414 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬
‫‪--417‬المقداد السيوري‪ ،‬مقداد بن عبد الله (ت‪826 :‬هـ)‪ ،‬التنقيح الرائع لمختصر الشرائع‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬
‫عبد اللطيف الكوه كمري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة المرعشي‪ ،‬قم‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--418‬المقريزي‪ ،‬أحمد بن علي بن عبد القادر (ت‪845 :‬هـ)‪ ،‬إمتاع األسماع‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬محمد عبد‬
‫الحميد النميسي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪--419‬المناوي‪ ،‬محمد عبد الرؤوف (ت‪1031 :‬هـ)‪ ،‬فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير‬
‫النذير‪ ،‬تصحيح‪ :‬أحمد عبد السالم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪--420‬المنتظري‪ ،‬الشيخ حسين علي(ت‪2009 :‬م)‪ ،‬دراسات في والية الفقيه‪ ،‬المركز العالمي للدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--421‬المنتظري‪ ،‬نفسه‪ ،‬البدر الزاهر في صالة الجمعة والمسافر (تقرير ًا لدروس السيد البروجردي)‪،‬‬
‫مكتب آية الله المنتظري‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--422‬المنقري‪ ،‬نصر ابن مزاحم (ت‪212 :‬هـ)‪ ،‬وقعة صفين‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬المؤسسة‬
‫العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مصر‪ -‬القاهرة‪1382 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--423‬الموصلي‪ ،‬أحمد بن علي التميمي (ت‪307:‬هـ)‪ ،‬مسند أبي يعلي الموصلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم‬
‫أسد‪ ،‬دار المأمون للتراث‪.‬‬
‫‪--424‬الميالني‪ ،‬السيد محمد هادي (ت‪1395 :‬هـ)‪ ،‬قادتنا كيف نعرفهم؟ تحقيق‪ :‬السيد محمد علي‬
‫الميالني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1426 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--425‬الميالني‪ ،‬نفسه‪ ،‬محاضرات في فقه اإلمامية (الزكاة)‪ ،‬جمع وتعليق‪ :‬السيد فاضل الحسيني‬
‫الميالني‪ ،‬انتشارات دانشكاه فردوسي‪ ،‬مشهد‪ -‬إيران‪.‬‬
‫‪--426‬النجاشي‪ ،‬أحمد بن علي بن أحمد بن العباس األسدي (ت‪450 :‬هـ)‪ ،‬الفهرست المعروف بـ رجال‬
‫النجاشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد موسى الزنجاني‪ ،‬جماعة المدرسين‪ ،‬ق‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪535‬‬ ‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪--427‬النجاشي‪ ،‬أحمد بن علي بن أحمد بن العباس (ت‪450 :‬هـ)‪ ،‬رجال النجاشي‪ ،‬مؤسسة النشر‬
‫اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرقة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--428‬النجفي‪ ،‬محمد حسن (ت‪ ،)1266:‬جواهر الكالم‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ عباس القوجاني‪ ،‬دار الكتب‬
‫اإلسالمية‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1367 ،‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬
‫‪--429‬النجفي‪ ،‬محمد هادي‪ ،‬كتاب الحدود والتعزيرات (تقرير ًا لبحوث السيد الكلبيكاني)‪ ،‬غير مطبوع‪،‬‬
‫منشور في مكتبة آل البيت االلكترونية‪.‬‬
‫‪--430‬النحاس‪ ،‬أبو جعفر (ت‪338 :‬هـ)‪ ،‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد علي الصابوني‪ ،‬جامعة أم‬
‫القرى‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--431‬النراقي‪ ،‬أحمد بن محمد مهدي (ت‪1245 :‬هـ)‪ ،‬مستند الشيعة في أحكام الشريعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مؤسسة‬
‫آل البيت إلحياء التراث‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--432‬النراقي‪ ،‬محمد مهدي (ت‪1209 :‬هـ)‪ ،‬جامع السعادات‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد محمد كلنتر‪ ،‬دار النعمان‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬النجف األشرف‪.‬‬
‫‪--433‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب (ت‪303 :‬هـ)‪ ،‬السنن‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1930 ،‬م‪.‬‬
‫‪--434‬النسفي‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن محمود (ت‪710 :‬هـ)‪ ،‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـ‬
‫تفسير النسفي‪.‬‬
‫‪--435‬النعماني‪ ،‬الشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بالنعماني (ت‪360 :‬هـ)‪ ،‬الغيبة‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬فارس حسن كريم‪ ،‬الناشر‪ :‬مدين‪ ،‬الطبعة األولى‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--436‬النمازي‪ ،‬الشيخ علي الشاهرودي (ت‪1405 :‬هـ)‪ ،‬مستدركات علم الرجال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬طهران‪،‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪--437‬النميري‪ ،‬عمر بن شبة (‪262 -173‬هـ)‪ ،‬تاريخ المدينة المنورة‪ ،‬تحقيق‪ :‬فهيم محمد شلتوت‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--438‬النوري‪ ،‬الميرزا حسين الطبرسي (ت‪1320 :‬هـ)‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل‪ ،‬مؤسسة آل‬
‫البيت إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪1408 -‬هـ‪.‬‬
‫‪--439‬النوري‪ ،‬نفسه‪ ،‬خاتمة المستدرك‪ ،‬مؤسسة أهل البيت ‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--440‬النووي‪ ،‬يحيى بن شرف بن مري (ت‪676 :‬هـ)‪ ،‬المجموع في شرح المهذب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪.‬‬
‫‪--441‬النووي‪ ،‬نفسه‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬لبنان‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪--442‬النيسابوري‪ ،‬مسلم بن الحجاج‪( ،‬ت‪261 :‬هـ)‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬دار الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪--443‬النيسابوري‪ ،‬محمد بن عبد الله الحاكم (ت‪405:‬هـ)‪ ،‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف‬
‫عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان ال‪.‬ط‪.‬‬
‫‪--444‬الهاشمي‪ ،‬السيد محمود الهاشمي‪ ،‬منهاج الصالحين‪ ،‬الطبعة ‪ ،2‬دار الغدير‪ ،‬بيروت لبنان ‪2011‬م‪.‬‬
‫فقه العالقة مع اآلخر المذهبي ‪ -‬دراسة في فتاوى القطيعة‬ ‫‪536‬‬
‫‪--445‬الهمداني‪ ،‬آغا رضا (ت‪1322 :‬هـ)‪ ،‬مصباح الفقيه‪ ،‬إيران‪ ،‬طبعة حجرية‪1318 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--446‬الهمداني‪ ،‬نفسه‪ ،‬مصباح الفقيه‪ ،‬تحقيق‪ :‬المؤسسة الجعفرية إلحياء التراث‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬إيران‪،‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪--447‬الهندي‪ ،‬محمد بن الحسن األصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (ت‪1137:‬هـ)‪ ،‬كشف اللثام عن‬
‫قواعد األحكام‪ ،‬مؤسسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ -‬إيران‪ ،‬الطبعة األولى‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--448‬الهيثمي‪ ،‬أحمد ابن حجر (ت‪974 :‬هـ)‪ ،‬الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة‪ ،‬تعليق‬
‫وتقديم‪ :‬عبد الوهاب عبد المطلب‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1965 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--449‬الهيثمي‪ ،‬الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر‪( ،‬ت‪807 :‬هـ)‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬‬
‫بيروت‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--450‬الواحدي‪ ،‬علي بن أحمد النيسابوري (ت‪468 :‬هـ)‪ ،‬أسباب نزول اآليات‪ ،‬مؤسسة الحلبي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬هـ‪.‬‬
‫السادس الهجري)‪ ،‬عيون الحكم والمواعظ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬‫‪--451‬الواسطي‪ ،‬علي بن محمد الليثي (القرن ّ‬
‫الشيخ حسين البيرجندي‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪ 1376 ،1‬هـ ش‪.‬‬
‫‪--452‬الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر بن واقد (ت‪207 :‬هـ)‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور مارسيدن جونس‪،‬‬
‫دانش إسالمي‪ ،‬إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪--453‬اليحصبي‪ ،‬القاضي عياض (‪544‬هـ)‪ ،‬الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪--454‬اليزدي‪ ،‬السيد محمد كاظم الطبطبائي (ت‪1337 :‬هـ)‪ ،‬العروة الوثقى‪ ،‬تحقيق وطبع‪ :‬جماعة‬
‫المدرسين‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪1420 -‬هـ‪.‬‬
‫‪--455‬اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر المعروف باليعقوبي (ت‪284 :‬هـ)‪ ،‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬

You might also like