Professional Documents
Culture Documents
فقه العلاقة مع الآخر 2
فقه العلاقة مع الآخر 2
أن حرمة اآلخر في نفسه وماله هي من الثوابت الشرعيةيكاد الفقه الشيعي يجمع على ّ
والدينية ،فحرمة النفس والمال والفروج ،هي من القضايا التي استقر عليها هذا الفقه.
أجل ،النقطة الوحيدة المستثناة من هذه القاعدة هي مسألة العرض ،بمعنى الحق
المعنوي المانع من غيبة اآلخر وس ّبه ولعنه ،وسوف نتناول ذلك من خالل الفصول الثالثة
التالية:
سب اآلخر
الفصل األولّ :
الفصل الثاني :غيبة المسلم اآلخر
الفصل الثالث :لعن اآلخر
الف�صل الأول
السب والشتم
ّ الفرق بين
أن الفرق بين الشتم والسب هوّ :
«أن الشتم ويذكر ابن هالل العسكري (ت395 :هـ) ّ
قبح الوجه ،ورجل شتيم :قبيح الوجه،تقبيح أمر المشتوم بالقول ،وأصله من الشتامة وهو ُ
وس ِّمي األسد شتيم ًا لقبح منظرهّ ،
والسب هو اإلطناب في الشتم واإلطالة فيه ،واشتقاقه من ُ
وسبيب الفرس شعر ذنبه سمي بذلكُ سبيب أيض ًا،
ٌ السب وهي الشقة الطويلة ،ويقال لها ّ
لطوله ،خالف ال َع ْرف ،والسب :العمامة الطويلة ،فهذا هو األصل فإن استعمل في غير ذلك
فهو توسع»(((.
السب أن يكون أصله من الطول ،وهو األصل
ّ ويالحظ أن ابن هالل اختار في معنى
الثاني الذي أشار إليه ابن فارس في كالمه السابق.
ال واحد ًا وهو القطع ،وعودة بقية المعاني السب أص ً
وما ذكره ابن فارس من اعتبار ّ
السب قطع ًا واضح ،ألنّه يوجب القطيعة بين الناس ويخلق إليه قريب ،والوجه في كون ّ
ويجر إلى التدابر والتناحر .وبنا ًء على ما ذكره ابن هالل
ّ فجوة اجتماع ّية فيما بينهم،
السب هو الشتم المتواصل أو المتكرر، العسكري في التفرقة بين السب والشتمّ ،
فإن ّ
وقد جرى العسكري في ذلك بناء على أصله من منع الترادف في اللغة ،وألجله أ ّلف
كتاب الفروق .والظاهر تساوي معنى اللفظين عرف ًا.
تعدد العقاب
ثم إنّه في مورد االجتماع وتصادق العنوانين (عنوان السب والغيبة) ،هل يتعدد العقاب،
أو يقال بالتداخل؟
((( نهج البالغة ،ج ،2ص .185ورواها اإلسكافي في المعيار والموازنة ،ص .137
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 22
أن دعوى سقوط الحق في الحرب هو أول الكالم ،فليست كل ولكن يرد على ذلك ّ
الحقوق تسقط في الحروب ،ومن الحقوق التي ال تسقط ما يتصل بحفظ األمانات ،وهكذا
ما يتصل بحرمة الجسد التي تمنع من التمثيل به ،إلى غيرها ،ولذا فليس ثمة ما يمنع من كون
السب من هذه الحقوق التي ال تسقط في حالة الحرب ،وال سيما أن اجتنابه هو قيمة أخالقية
والقيم مطلقة وليست نسب ّية .وكالم اإلمام نفسه -على فرض ثبوته بطريق معتبر -شاهد
أن السب عمل قبيح في ميزان األخالق الفاضلة ،ولذا نهاهم عن ذلك ودعاهم إلى على ّ
الرقي إلى أعلى الدرجات وذلك بالدعاء ألعدائهم بالهداية ،وهذا ما يم ّيز حروبه فقد
أراد لها أن تبقى بعيدة عن كل الشوائب والهنات ولو كانت صغيرة .وتجدر اإلشارة إلى ّ
أن
نهيه ال يدل على أكثر من التنزهّ ،
ألن الكراهية في كلماته وكلمات غيره من األئمة وإن
لم تستخدم في المعنى المصطلح المقابل للمحرم إال أنه لم يثبت استخدامها في المحرم
أيض ًا ،فهي أعم ،على أن قرائن السياق ترجح أنه قد أراد منها معنى الكراهة المصطلحة.
((( بنا ًء على وثاقة مسعدة بن صدقة ،انظر :الملحق رقم .3
((( الكافي ،ج ،2ص .219وقرب اإلسناد ،ص .12
23 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
بأن الرواية المذكورة ال داللة لها على ذلكّ ،
فإن ولكن يمكن االعتراض على ذلك ّ
إجازته وإذنه بس ّبه ليس ألنّه أراد إسقاط حقه ،بل هو أراد اإلشارة إلى حكم شرعي في
ألن َم ْن س َي ْط ُل ُ
ب منهم س ّبه هو السلطان السب تسقط بسبب التقيةّ ،
ّ المقام وهو ّ
أن حرمة
الظالم الذي سيعاقبهم على تركه.
السب في الحاالت التي ال يتأثر فيها المسبوب ّ الوجه الثاني :جريان السيرة على
بالسب ،وهذا ما يستفاد من الشيخ األنصاري ،فإنه وبعد أن نقل عن بعض الفقهاء ،عدم ّ
ألن قول هذا القائل ال يوجب في حقه بالسبّ ،
ّ السب مع عدم تأثر المسبوب عرف ًا
ّ حرمة
ثم
سب األب البنه باستمرار السيرة بذلكّ ، مذلة وال نقص ًا ،أردف مستدالً على جواز ّ
اعترض على ذلك قائالً« :إن استمرار السيرة إنما هو مع عدم تأثر السامع وتأذيه بذلك.
فإن السيرة إنما نشأت ومن هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلمّ ،
في األزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعدّ نفسه أدون من عبده ،بل ربما
بالسب ،لداللته على كمال لطفه .وأما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من ّ كان يفتخر
ح ُّل إيذائه يحتاج إلىالمعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول والفعلَ ،ف ِ
بالسب ،والدليل
ّ السب مع عدم تأثر المسبوب ّ الدليل»((( ،فيكون حاصل كالمه جواز
على الجواز هو جريان السيرة على ذلك.
ولكن يمكن القول :إنّه ال يحرز امتداد السيرة المتشرعية ،أو انعقادها في زمن المعصوم
السب مع عدم تأثر المسبوب بذلك. ّ على
السب أو حرمته هو حكم شرعي ،وليس حق ًا محض ًا لآلخر،
ّ ولهذا فاألقرب ّ
أن ترك
أن المسألة هي من حقوق الله حصر ًا بحيث ال دخل للعبد بها،
وطبيعي أننا ال نريد ادعاء ّ
دل على ضرورة استرضاء المغتاب وطلب المسامحة منه ،فيكون كال فهذا أيض ًا مخالف لما ّ
المقام مما يجتمع فيه حق الله مع حق العبد.
على أنّه حتى لو كان ترك السب حق ًا من حقوق اآلخر ،فقد يقال :إنّه ال يسمح للشخص
بأن يسقط حقه هذا ونظائره ،مما يتصل بكرامة اإلنسان ،فهذا ال يسمح له بالتنازل عنهّ ،
ألن
هذا من إذالل النفس ،والمؤمن ال يسمح له بإذالل نفسه ،لما ورد في األخبار ،ومنها موثق
قد ناقش فيها السيد الشهيد ،انظر :دروس في علم األصول ،الحلقة الثالثة ،مبحث حكم العقل. (((
سورة الحج ،اآلية .30 (((
مصباح الفقاهة ،ج ،1ص .438مهذب األحكام ،ج ،16ص .96 (( (
سورة الحجرات ،اآلية .11 (((
استدل بها السيد عبد األعلى السبزواري .راجع :مهذب األحكام ،ج ن ،ص ن. (((
سورة النساء ،اآلية .148 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 26
«إن الزور ظاهره الباطل ،فيكون قول الزور هو الكالم الباطل .واتصافه بالبطالن يكون باعتبار ّ
معناه ال محالة ،فينطبق على الكذب وما هو متضمن له .وأما اإلنشاءات التي ال تتضمن األخبار
الكاذبة فال يكون فيها بطالن ،كما إذا قال بمسمع من الناس إلنسان غير حاذق :يا حمارّ ،
فإن
سب ،ولكن ال يكون منالكالم المزبور -باعتبار كونه هدر ًا لكرامة ذلك اإلنسان وتنقيص ًا له ّ -
الباطل ،نظير ما إذا قال للشجاع إنّه أسد ،فإنّه مع فرض كونه شجاع ًا ال يكون من الباطل»(((.
ونالحظ عليه:
أن الزور هو الباطل والميل عن الحق((( ،ولكن زورية الشيء أو بطالنه الأوالً :صحيح ّ
ينحصر بالمادة أو لنقل :بالمضمون ومدى مطابقته للواقع ،بل قد تكون من خالل الكيفية.
أن الغناء من حيث المضمون قد يكون أال ترى ّ
أن الروايات((( عدّ ت الغناء من قول الزور مع ّ
مطابق ًا للواقع وليس فيه كذب.
أن معيار الحق والبطالن ينحصر بمطابقة الكالم للواقع أو عدم مطابقته، ثاني ًا :س ّلمنا ّ
ألن انحصار السباب باإلنشاء ليس تام ًا ،فربما قاللك ّن ذلك قد يصدق على السباب أيض ًاّ ،
فإن السب يقع باإلخبار واإلنشاء لشخص ذكي وليس غبي ًا« :أنت حمار» على نحو اإلخبارّ ،
إن البطالن في هذه الصورة ،أعني كما سلف ،فيكون كالمه من الباطل .اللهم ّإل أن يقالّ :
صورة ما لو قال للذكي يا حمار ،ليس ّإل من جهة عدم المطابقة مع الواقع ،وليس البطالن
السب باعتباره إنشا ًء.
ّ من جهة
وأما اآلية الثانية ،فإن كان نظر المستدل بها إلى قوله تعالى ﴿ :ﳑ ﳒ ﳓ ﴾
(((
�سب الم�سلم
المرحلة الثانيةّ :
تختص بالموالي ألهل البيت
ّ في هذه المرحلة يقع البحث فأن حرمة السب هل
وهو المشار إليه في المرحلة السابقة أم إنّها تشمل المسلمين عموم ًا؟
السب ،ال نظر له لغير اإلمامي ،وهذا
ّ أن ما ّ
دل على حرمة ذهب جمع من الفقهاء إلى ّ
رأي -مع احترامنا لمن قال به -ال نوافق عليه .وتوضيح ًا للموقف كان من الضروري أن
نالحظ المستند الذي اعتمد عليه هؤالء الفقهاء في تخصيص الحرمة بالموالي لخط أهل
ثم نستعرض األدلةالبيت ،لنرى إن كانت األدلة تنهض بإثبات ما يقولون أم ال؟ ومن ّ
التي نعتمد عليها في تعميم الحكم لكل مسلم؟ هذا على مستوى هذه المرحلة من البحث،
وسيأتي في مرحلة الحقة إمكان تعميم الحكم لكل إنسان.
وسائل الشيعة ،ج ،28ص ،202الباب ،19من أبواب حد القذف ،الحديث .1 (( (
صحيح مسلم ،ج ،8ص.21 (( (
السنن الكبرى ،ج ،10ص .235 (((
صحيح البخاري ،ج ،1ص.17 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 30
وقبل ذلك ال بأس ّ
أن نستعرض كلمات بعض الفقهاء الذين أفتوا بالرأي المذكور
المض ّيق لدائرة التحريم بخصوص المؤمن بالمعنى األخص.
من كلمات الفقهاء
قال الشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266هـ) في الجواهر« :فالظاهر إلحاق المخالفين
بالمشركين في ذلك (يقصد جواز هجوهم وس ّبهم ولعنهم وشتمهم ما لم يكن قذف ًا أو فحش ًا)
لعل هجاؤهم على رؤوس األشهاد من أفضل التحاد الكفر اإلسالمي واإليماني فيه ،بل ّ
عبادة الع ّباد ما لم تمنع التق ّية»(((.
ويقول الشيخ األنصاري (1281هـ) في بحث الغيبة من مكاسبه« :ثم ّ
إن ظاهر األخبار
اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف ،كما يجوز لعنه ،وتوهم عموم
اآليات -كبعض الروايات -لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم
ال مما يتوقف استقامة نظم معاشاحترامهم وعدم جريان أحكام اإلسالم عليهم ّإل قلي ً
المؤمن عليه.(((»...
وع ّلق السيد الخوئي على كالم الشيخ األنصاري المذكور حول ظهور األخبار في
اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن« :أقول :المراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله
وبالمعاد وباألئمة االثني عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم الحجة
المنتظر -عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره ،-ومن أنكر واحد ًا منهم جازت غيبته
لوجوه ،»..ومن هذه الوجوه ما ذكره بقوله« :أنّه ثبت في الروايات واألدعية والزيارات جواز
السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم ،أي
ّ لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم وإكثار
غيبتهم ،ألنّهم من أهل البدع والريب ،بل ال شبهة في كفرهم.(((»..
لسب اآلخر المذهبي ،ونعرض لمناقشتها.
نفصل أدلة المجوزين ّ
وفيما يلي سوف ِّ
مستند القول بجواز السب
ال تام ًا ومقنع ًا يبرر الفتوى والذي نستقربه ونرجحه ّ
أن القول المذكور ال يمتلك دلي ً
(( ( ادعى ذلك في الغيبة ،قال« :بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات ،فضالً عن القطعيات» ،انظر:
جواهر الكالم ،ج ،22ص .62
(( ( فالسني يرث الشيعي وبالعكس.
(( ( فيجوز التزاوج بين الفريقين ،وسيأتي تفصيل ذلك في المحور السابع من هذا الكتاب.
السني وطهارة ما يساوره ،إال أن يعلم بوجود نجاسة ،وهذا رأي إجماعي وقال (( ( فيحكم بطهارة المسلم ُّ
به المشهور القائلون بنجاسة غير المسلم.
(( ( فالمسلمون يتساوون في الدية بال فرق بين سني وشيعي.
(( ( فالقاتل الشيعي ُيقتل بالسني وبالعكس.
مر الحديث عن (( ( فما يؤخذ من سوق المسلمين على اختالف مذاهبهم محكوم بالتذكية والحلية ،كما ّ
ذلك في قاعدة السوق.
ّ
فإن يد المسلم ولو كان غير إمامي هي إمارة التذكية. (((
(( ( فالوفاء بالشرط لكل مسلم وعلى كل مسلم أمر مس ّلم ومنصوص عليه ،ففي صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله قال« :المسلمون عند شروطهم ،إال كل شرط خالف كتاب الله عز وجل
فال يجوز» ،انظر :من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .202وتهذيب األحكام ،ج ،7ص .22وفي موثقة
إن علي بن أبي طالب كان يقول :من شرط المرأته إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ّ
فإن المسلمين عند شروطهم إال شرط ًا حرم حالالً أو أحل حرام ًا» ،انظر :تهذيب شرط ًا فليف لها بهّ ،
األحكام ،ج ،7ص .467
أن مسلم ًا أجار بعض الكفار أو أعطاه=( ((1نص الفقهاء على أنه في حال قيام الحرب مع أهل الكفر فلو ّ
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 32
بحرمة أمواتهم ووجوب تغسيلهم ودفنهم في مقابر المسلمين((( وكذلك تولي أيتامهم..
فإنّها مشتركة بين جميع المذاهب اإلسالمية ،والسؤال :ما الذي بقي من أحكام المسلمين ال
تشمل المسلم اآلخر ويختص بالمؤمن الشيعي؟ لم يبق سوى القليل مما ادعي اختصاصه
بالمؤمن بالمعنى األخص ،وهو ما يقع محل البحث والدرس في ثنايا الصفحات التالية.
وسوف نرى أنه مما لم ينهض عليه دليل تام وخال من اإلشكالّ ،
وأن معظم هذه األحكام
ليست مس ّلمة وإنما هي حصيلة اجتهادات فقهية.
ثاني ًا :على فرض كون القض ّية ضرور ّية في زمن العلمين (األنصاري والنجفي) وفيما
قارب عهدهما ،بيد أنّه ال يكفي تسالم بعض األجيال على فتوى معينة للقول بأنّها من
ضرورات المذهب ،بل ال بدّ من إثبات امتداد هذا الوضوح في الحكم إلى زمن التشريع(((،
وهذا ما ال يمكن إثباته ،بل يمكن إثبات خالفه ،لما سيأتي في بعض الروايات المعتبرة ّ
أن
اإلسالم يمنح المسلم حرمة عامة .وقد الحظنا وجود دعوى الضرورة في موارد اجتهادية
وخالفية أخرى ،ما يبعث على أهمية التدقيق في هذه الدعاوى وعدم االغترار بها.
النص
تشكّل الضرورة خارج ّ
وإنّنا نؤكّد هنا على ضرورة وأهمية دراسة تاريخ العقائد واألديان والتشريعات،
تكون هذه األفكار وهذه الدراسة من األهم ّية بمكان بحيث إنها ال تسلط الضوء على كيف ّية ّ
أن بعض تلك األفكار والمعتقدات واآلراء وانتشارها ورواجها فحسب ،بل إنّها قد تبرهن لنا ّ
قد تشكلت خارج فضاء النص الديني ،بل قد تكون مصادمة للنص الديني مضمون ًا أو روح ًا،
ولكنّها مع ذلك اكتسبت قدس ّية دينية ،لتبنيها من خالل بعض الشخصيات التي تملك تأثير ًا
(كاريزما) خاص ًا في أوساط المتدينين ،والقت تجاوب ًا جماهيري ًا وشعبي ًا الرتباطها ببعض
االعتبارات العاطفية والوجدانية ،ووجود أسباب وعوامل اجتماعية (مما أشرنا له في مقدمة
= األمان فيكون ذلك ماضي ًا ،ويجب الوفاء له ،ولم يفرقوا بين مسلم وآخر ،وذلك استناد ًا إلى قوله (ص):
السكُونِ ِّي َاه ْم» ،الكافي ،ج ،1ص .403وفي رواية َّ
ِ ِ
اؤ ُه ْم و َي ْس َعى بِذ َّمت ِه ْم َأ ْدن ُ ون إِ ْخ َو ٌة َت َتكَا َف ُأ ِد َم ُ«ا ْل ُم ْس ِل ُم َ
ِ ِ ِ
َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َالُ :ق ْل ُت َلهَ :ما َم ْعنَى َق ْو ِل النَّبِ ِّي (ص) َي ْس َعى بِذ َّمت ِه ْم َأ ْدن ُ
َاه ْم؟ َق َالَ :ل ْو َأ َّن َج ْيش ًا
ِ
ان َحتَّى َأ ْل َقى َصاح َبك ُْم ف َر ُج ٌل َف َق َال َأ ْع ُطونِي األَ َم َ اص ُروا َق ْوم ًا ِم َن ا ْل ُم ْش ِر ِكي َن َف َأ ْش َر َ ِِ ِ
م َن ا ْل ُم ْسلمي َن َح َ
ب َع َلى َأ ْف َض ِل ِه ُم ا ْل َو َفا ُء بِه» ،المصدر نفسه ،ج ،5ص .31 َاه ُم األَ َم َ ِ
ان َو َج َ و ُأنَاظ َره َف َأ ْع َطاه َأ ْدن ُ
((( قال السيد اليزدي« :يجب كفاية تغسيل كل مسلم سواء كان اثني عشري ًا أو غيره» ،انظر :العروة الوثقى،
ج ،2ص .30
(( ( أوضحنا هذا األمر في كتاب :أصول االجتهاد الكالمي ،ص .122
33 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
السب واللعن والغيبة،ّ الكتاب) أعطتها شيئ ًا من االمتداد ،وهذا ما نرجح أنّه حصل في قضية
فإن تاريخ ًا من الصراعات المذهبية والذي خلق حواجز نفسية بين الفريقين وربما سالت ّ
الدماء في بعض األحيان سيجعل كلمات السباب غير ذات أهمية ،وعندما ينضم إلى ذلك
فإن هذا سيخلق وينص على أنّه ال دليل على الحرمةّ ،ّ فتوى فقيه ذي مكانة يفتي بالجواز
رواج ًا وانتشار ًا لهذه الفتوى وال سيما عندما تتبناها أجيال من الفقهاء .ويصل الرواج في
مرحلة الحقة إلى مستوى توهم بداهة القضية ،ويزيد المسألة وضوح ًا وركوز ًا جريان
السيرة المتشرع ّية عليها ،وباالستناد إلى حالة االستصحاب القهقري المعتمدة على عناصر
نفسية وتربوية ،سيخلص الفقيه إلى استنتاج امتداد هذا الوضوح أو هذه السيرة إلى زمان
األئمة ،ولست أقصد باالستصحاب القهقري المعنى المصطلح ،مع إمكان تحققه ،وإنما
إن حسن الظن بالمؤمنين والمتشرعة ممن جرت سيرتهم أقصد الجانب النفسي للمسألة ،إذ ّ
السب ،يدفع إلى استبعاد أن تكون هذه الفتوى التي هي بديهة في زماننا قد نشأت من ّ على
ال شيء .وقد يرتقي األمر إلى أن يصبح شيوع العمل بالرأي بين المتدينين سبب ًا الفتاء الفقيه
السب وكونه عبادة ،وإننا نعلقّ باالستحباب كما فعل صاحب الجواهر ،حيث ادعى استحباب
على دعواه هذه -باإلضافة إلى عدم اعتضادها بالدليل كما سنرى -بالقول :أيباح للمؤمن
يتزوج بالمرأة السنية كما هو رأي مشهور الفقهاء ومنهم صاحب الجواهر وهو في الشيعي أن ّ
الوقت عينه مدعو إلى س ّبها ولعنها صبح ًا ومسا ًء امتثاالً لألمر بذلك؟! وهل كان األئمة
الذين تزوجوا من نساء غير شيعيات -كما سنذكر الحق ًا -يسبون نساءهم وزوجاتهم؟!
المستند الثاني :السيرة
فقد ادعي قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة غير الموالي ألهل
البيت ،بل س ّبهم ولعنهم في جميع األعصار واألمصار(((.
إن هذه السيرة ال حج ّية لها في حدّ نفسها ّإل إذا أحرز استمرارها إلىويالحظ عليهّ :
إن النصوص اآلتية تصلح رادع ًا
زمن األئمة بحيث تكون متلقاة منهم وهذا غير ثابت ،بل ّ
أن هذه السيرة قد نشأتعن السيرة المذكورة على فرض ثبوت استمرارها ،ومن غير البعيد ّ
وانطلقت من فتاوى الفقهاء الذين جروا على هذه الفتوى ردح ًا من الزمن .وما قلناه في
تفسير تشكل الضرورة يأتي بحذافيره هنا.
يندفع اإلشكال ،لك ّن ما قد يرجح االحتمال األول هو السياق ،فإنّه يأمر بالوقيعة واإلكثار من
السب ،على أنّه لو كان المراد االحتمال الثاني لقيل فابهتوهم وليس فباهتوهم ،إال أن يكون
ّ
المراد مجادلتهم بما يؤدي إلى إبهاتهم وإفحامهم.
سب اآلخر المذهبي غير وهكذا اتضح ّ
أن كل ما سيق من أدلة ومستندات للقول بإباحة ّ
تامة وال يمكن التعويل عليها.
�سب ّ
كل م�سلم 4 -4الأدلة على حرمة ّ
سب مطلق المسلم؟ ألنّه إذا لم يتوفر مثل هذا ويبقى ّ
أن يقال :ما الدليل على حرمة ّ
الدليل ،فقد يقالّ :
إن األصل هو البراءة ،وال نحتاج معها إلى دليل على مشروعية السب.
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،282الباب ،152من أبواب أحكام العشرة ،الحديث .12
((( فقه الصادق ،ج ،14ص .292
(( ( المصدر نفسه ،ص ن.
39 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
لسان رسول الله (ص) ،فال يراد منه -كما سلف -المؤمن بالمعنى األخص ،وإنما يراد به
من آمن بالله ورسوله واليوم اآلخر.
ثم إنّه لو فرضنا جدالً ّ
أن هذه الرواية ونظائرها خاصة بالمؤمن االثني عشري ،فإنّها ال ّ
تمنع من التمسك باإلطالق اآلتي الشامل لكل مسلمّ ،
ألن رواية أبي بصير ال مفهوم لها ،إال
على القول بحجية مفهوم اللقب ،مع أنّه ليس بحجة بإجماع األصوليين ،وال يخفى أيض ًا أنّه
ال تنافي بين مثبتين.
الرواية الثانية :خبر السكوني عن أبي عبد الله قال« :قال رسول الله(ص)« :س ّباب
المؤمن كالمشرف على الهلكة»(((.
أن سباب المؤمن يؤدي إلى الهلكة ،فيكونأن الرواية د ّلت على ّ
وتقريب االستداللّ :
حرام ًا ،والمؤمن الوارد على لسانه (ص) -كما عرفت ُ -يراد به المسلم الذي آمن بالله
ورسوله واليوم اآلخر.
ويالحظ على االستدالل بهذه الرواية بمالحظتين :إحداهما في السند ،واألخرى في
الداللة:
أما السند ،فالسكوني فهو وإن لم يكن إمامي ًا لكنه ثقة ،وقد عملت الطائفة برواياته،
قال الشيخ في العدة ..« :وألجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ،وغياث
بن كلوب ونوح بن دراج((( والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا فيما لم ينكروه ولم يكن
عندهم خالفه»((( فال يبقى إال توثيق النوفلي ،وهو محل إشكال بينهم ،وال يبعد الوثوق به(((.
ّأما داللة ،فقد يعترض على داللة الرواية باعتراضين:
إن الرواية واردة في «الس ّباب» بصيغة المبالغة ،وهو َم ْن يكون معتاد ًا على ّ
السب ّ --1
السب مطلق ًا.
ّ ومداوم ًا عليه ،وتحريم كون المكلف س ّباب ًا ال يالزم حرمة
ج ،8ص .76 مجمع البيان ،ج ،9ص .111مسند أحمد ،ج ،5ص .340ومجمع الزوائد للهيثمي، (((
والجامع الصغير للسيوطي ،ج ،2ص .736وكنز العمال ،ج ،12ص .80
الكافي ،ج ،2ص .360 (((
المصدر نفسه ،ج ،7ص .240 (( (
المصدر نفسه ،ص.241 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 42
وهي المدرسة اإلسالمية األصيلة التي تقدم نفسها على أنّها حاملة مشروع الهداية والحقيقة
وأنّها تحتضن كل الناس من المسلمين وغيرهم ،وتقدّ م نفسها باعتبارها الضامنة آلمالهم
إن مدرسة كهذه ال يعقل أن تتعامل مع اآلخر مسلم ًا أو غير مسلم بهذا وطموحاتهمّ ،
السب هو عمل
ّ االحتقار ،فتسمح أو تأمر بس ّبه أو لعنه أو غيبته ،وتعلن أنه ال حرمة له ،مع ّ
أن
قبيح في ميزان األخالق الفاضلة وفي منطق العقل والعقالء؟! فكيف يسمح األئمة به أو
يأمرون به أو يعدونه عبادة ،كما ذكر صاحب الجواهر؟!
الكافي ،ج ،7ص .240وتهذيب األحكام ،ج ،10ص .75وعلل الشرائع ،ج ،2ص .540 (((
الكافي ،ج ،5ص .574وعنه تهذيب األحكام ،ج ،7ص .486 (((
الكافي ،ج ،7ص .240وتهذيب األحكام ،ج ،10ص .75وقد ع ّبر عنها كثيرون بالخبر أو الرواية. (((
انظر :مسالك األفهام ،ج ،14ص .439ومجمع الفائدة ،ج ،13ص .143بينما ع ّبر بعضهم عنها
بالموثقة كالصحيحة ،انظر :روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه ،ج ،10ص .105أو المعتبرة،
انظر :مهذب األحكام ،ج ،28ص .18
الكافي ج 7ص ،240وتهذيب األحكام ج 10ص .75 (((
(( ( المصدران نفسهما.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 44
ثم نعرض في النقطة الثانية ألدلة القول بعدم حرمة
سب اآلخر ولو كان غير مسلمّ ،
لحرمة ّ
س ّبه:
سب غير المسلم
النقطة األولى :أدلة حرمة ّ
يتم االستناد في هذا المجال إلثبات حرمة سب كل إنسان إلى حكم العقل المتقدم، قد ّ
أن السب -كما تقدم سابق ًا -عمل قبيح في ميزان األخالق الفاضلة وال يعقل أن
مضاف ًا إلى ّ
ال عن أن يأمروا به ،ولو كان المسبوب غير مسلم.يبيحه أهل البيت ،فض ً
السب مع مدرسة أهل البيت إن
ّ وهذان الوجهان ،وهما حكم العقل ،وعدم انسجام
لم يصلحا لالستدالل لما تقدم من إمكانية النقاش فيهما في المرحلة السابقة ،فهما يصلحان
للتأييد .ويبقى المستند األساس لتعميم الحرمة لكل إنسان هو الروايات ،وذلك من خالل
عدّ ة مجاميع:
المجموعة األولى :ما تقدم في المرحلة السابقة من األحاديث برقم ( )7 ،6 ،5حيث إن
ترك االستفصال فيها دليل العموم.
المجموعة الثانية :ما ّ
دل على ّ
أن المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده ،أو نحو هذا
المضمون الذي يجعل فيه موضوع النهي هو الناس ،وهي:
--1ما رواه الصدوق عن أبيه عن عبد الله بن جعفر (الحميري) عن هارون بن مسلم ،عن
مسعدة بن صدقة ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه قال :قال رسول الله(ص) ..« :أال
أنبئكم من المسلم؟ من سلم الناس من يده ولسانه»(((.
والرواية من حيث السند معتبرة(((.
والغريب في المقام خلو المجاميع الحديثية المتأخرة ذات الطابع الفقهي((( ،من قبيل
«وسائل الشيعة» أو «مستدرك الوسائل» ،أو «جامع أحاديث الشيعة» من هذين الخبرين -
بحسب التتبع ،-وهو أمر مستغرب.
عرفاه بأنّه من سلم الناس
وتقريب االستدالل بهما أنّهما :في مقام بيان تعريف المسلم ،وقد ّ
من يده ولسانه ،ما يعني -كما أسلفنا ّ -
أن من لم يسلم الناس من يده وبطشه أو من لسانه -سواء
بسب أو غيبة أو غيرها -فهو ليس بمسلم .ونفي اإلسالم في المقام ظاهر في الحرمة ،ويراد
كان ٍّ
إن إسالمه ناقص ،وال يراد به نفي اإلسالم العقدي والحكم بكفره به نفي كمال اإلسالم ،أي ّ
وإخراجه عن الدين كما ال يخفى .وحمل هذا اللسان على الكراهة خالف الظاهر.
وكون الموضوع في هذه األخبار الناس ال ينافي ما تقدم في حديث آخر من جعل
الموضوع هو المسلم ،فهذا ال يضر ،وال يخلق مشكلة ،ألنّه ال تنافي بين مثبتين.
«إن رج ً
ال من تميم أتى النبي(ص) وقال :أوصني، --3صحيح أبي بصير عن الباقر قالّ :
فكان فيما أوصاه أن قال :ال تسبوا الناس فتكسبوا العداوة لهم»(((.
هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي ،قال النجاشي« :وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد (( (
المراسيل» ،انظر :رجال النجاشي ،ص .76
قال النجاشي« :وكان محمد ضعيف ًا في الحديث» .انظر :رجال النجاشي ،ص .335ووثقه الشيخ ،أما (( (
ابن الغضائري فقال :حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل.
معاني األخبار ،ص .239 (( (
راجع :مسند أحمد ،ج ،3ص .440وسنن النسائي ،ج ،8ص .105 (( (
المجاميع الحديثية على صنفين ،الصنف األول :هو المجاميع ذات الطابع الفقهي وهي التي أراد (( (
مؤلفوها أن تشكل مصدر ًا للبحث الفقهي فرتبوها ترتيب األبواب الفقهية ،ومن أبرزها كتاب
«التهذيب» و«االستبصار» للشيخ و«من ال يحضره الفقيه» للصدوق و«الوسائل» للحر العاملي وكتاب
«مستدرك الوسائل» للنوري ،وكتاب «جامع أحاديث الشيعة» للبروجردي .والصنف الثاني :هو
المجاميع التي لم تؤلف لغاية فقهية صرفة ،وهذه على أقسام فمنها المجاميع العامة والتي تضم شتى
األخبار أي ًا كان موضوعها ،ومنها المجاميع الخاصة بجمع أخبار في نطاق محدد.
وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،297باب 158من أبواب أحكام العشرة ،الحديث .2 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 46
السب في الجملة(((.
ّ وقد استدل بها الشيخ األنصاري على حرمة
أن النهي عن السب إرشادي إلى ما يترتب عليه واعت ُِر َض على داللتهّ :
بأن «ظاهره ّ
من مفسدة العداوة التي ال تكون لزوم ّية ،ال سيما من حيث إطالق العداوة من حيث عداوة
المؤمن وعداوة غيره»(((.
ويالحظ على كالمه:
إن ظاهر النهي هو المولوية وال يحمل على اإلرشادية إال مع القرينة ،وال قرينة أوالًّ :
-في المقام -موجبة لحمله على اإلرشادية ،إال قوله« :فتكسبوا العداوة» ،ولكن يمكن
السب ،والحكمة
ّ التشكيك في قرينيته على اإلرشاديةّ ،
فإن اكتساب العداوة هو حكمة تحريم
إن قوله (ص)« :ال تسبوا الناس» ظاهر في الحرمة ،وال ال تنافي المولوية ،وبعبارة أخرىّ :
موجب لرفع اليد عن الحرمة ّإل بقرينة واضحة؛ والتعليل ال يصلح قرينة على ذلك ،بل هو
ويحرمه ويسد بابه،
ّ السب
ّ إن لم يكن مؤكد ًا للحرمة فإنّه ال ينافيها ،فالشارع الحكيم ينهى عن
ْ
ألنّه سبب للعداوة.
السب
ّ ثاني ًا :سلمنا بإرشادية النهي ،ولك ْن لماذا ال تكون مفسدة العداوة المترتبة على
مفسدة لزوم ّية؟! وما القرينة أو الدليل على كونها غير لزومية؟! أليست العداوة سبب ًا للشحناء
ِ
ومثار ًا للفتن ،فل َم ال تكون مفسدة لزوم ّية؟ وقد ّ
حرم الله تعالى الخمر والميسر ألنهما يتسببان
بالعداوة ،قال تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﴾(((،
نعم إذا كان اآلخر حربي ًا فالمطلوب من المسلم عداوته بسبب حرابته ،ال لعدم إسالمه .وهل
أن عداوة كل الناس من غير المؤمنين والمسلمين مطلوبة؟! يمكن أن يزعم فقيه ّ
إن قلتّ :
إن تبرير حرمة السب فيها بلزوم العداوة يقتضي عدم الحرمة إذا كان السب ال
سب شخص ًا غائب ًا أو عابر سبيل دون أن يسمعه.
يلزم منه ذلك ،كما لو ّ
أن قوله« :فتكسبوا »..هو علة ،والع ّلة تخصص ،معأن هذا يصح بنا ًء على ّ والجوابّ :
وإل الطرد ذلك حتى في المؤمن ،بمعنى أنّه إذا لم يلزم من أن الظاهر كونها ِحك َْم ًة ال علةّ ،
ّ
س ّبه العداوة فال يكون ثمة مانع من س ّبه.
(( ( المكاسب ،ج ،1ص .254ولكن رواه هكذا« :ال تسبوا فتكسبوا العداوة».
((( فقه الصادق ،ج ،14ص .293
(( ( سورة المائدة ،اآلية .91
47 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
سب المؤمن إن لم يترتب علىإن قلت :يمكن االلتزام بمفاد التعليل المقتضي لجواز ّ
س ّبه عداوة لوال قيام الدليل على المنع من انتهاك حرمة المؤمن أو س ّبه من دليل آخر.
أن هذا اللسان هو لسان بيان الحكمة وليس العلة ،ولو كان ع ّلة فقد عرفت
قلت :قد عرفت ّ
بأن الدليل قائم على حرمة كل مسلم وليس خصوص المؤمن. في المرحلة الثانية المتقدمةّ ،
المجموعة الثالثة :ما ورد بعنوان «ال تسبوا أهل الشرك» ،وذلك من قبيل خبر إسحاق
بن عمار قال :قال الصادق « :مال الناصب وكل شيء يملكه حالل لك إال امرأته ،فإن
نكاح أهل الشرك جائز ،وذلك أن رسول الله(ص) قال :ال تسبوا أهل الشرك ،فإن لكل قوم
نكاح ًا ،ولوال أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم والرجل منكم خير من ألف
رجل منهم ومائة ألف منهم ألمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى اإلمام»(((.
ولك ّن الرواية من حيث السند مرسلة ،وال تنهض حجة.
بأن لكل قوم نكاح ًا،إن تعليل النهي عن سب المشركين ّ وأ ّما داللة ،فال يبعد القولّ :
بالسب هو رميه وقذفه بكونه ابن زنا .وأ ّما مسألة حل ّية مال
ّ ال وجه له إال أن يكون المقصود
الناصب فقد تقدّ م بحثها في الباب السابق من هذا الكتاب.
السب داخل في الفحش ،ما يشكل صغرى لكبرى ّ دل على ّ
أن المجموعة الرابعة :ما ّ
حرمة الفحش ،وما عثرنا عليه من األخبار مما يصلح نموذج ًا لهذه المجموعة هو ما جاء
ول ال َّله (ص) و َع ِائ َش ُة ود ٌّي َع َلى رس ِ
َ ُ
في صحيح ُزرار َة َعن َأبِي جع َف ٍر َ ق َال :د َخ َل يه ِ
َُ َ َ ْ ْ َ َ
ِ ِ
آخ ُرَ ،ف َق َال م ْث َل َذل َك، ول ال َّله (ص)َ :ع َل ْيك ُْمُ ،ث َّم َد َخ َل َ السا ُم َع َل ْيك ُْمَ ،ف َق َال َر ُس ُ ِ
عنْدَ ه َف َق َالَّ :
ول ال َّله (ص) ك ََما َر َّد آخ ُر َف َق َال ِم ْث َل َذلِ َكَ ،ف َر َّد َر ُس ُاحبِهُ ،ث َّم َد َخ َل َ َفرد َع َليه كَما رد َع َلى ص ِ
َ َ َّ ْ َ َ َّ
ِ
ب وال َّل ْعنَ ُة َيا َم ْع َش َر ا ْل َي ُهود َيا ِ ِ ِ
السا ُم وا ْل َغ َض ُ َع َلى َصاح َب ْيهَ ،ف َغض َب ْت َعائ َش ُة! َف َقا َل ْتَ :ع َل ْيك ُُم َّ
َانال َلك َ ول ال َّله (ص)َ :يا َع ِائ َش ُة إِ َّن ا ْل ُف ْح َش َل ْو ك َ
َان ُم َم َّث ً إِ ْخ َو َة ا ْل ِق َر َد ِة وا ْل َخن َِاز ِيرَ ،ف َق َال َل َها َر ُس ُ
وض ْع َع َلى َش ْي ٍء َق ُّط إِ َّل َزانَه و َل ْم ُي ْر َف ْع َعنْه َق ُّط إِ َّل َشانَهَ ،قا َل ْتَ :يا الر ْف َق َل ْم ُي َ
ٍ
م َث َال َس ْوء ،إِ َّن ِّ
ِ
ت َما َر َد ْد ُت َع َل ْي ِه ْمُ ،ق ْل ُت: ول ال َّله أما س ِمع َت إِ َلى َقولِ ِهم السام َع َليكُمَ ،ف َق َال :ب َلى أما س ِمع ِ َر ُس َ
َ َ ْ َ ْ ْ َّ ُ ْ ْ َ َ ْ
َع َل ْيك ُْمَ ،فإِ َذا َس َّل َم َع َل ْيك ُْم ُم ْس ِل ٌم َف ُقو ُلواَ :س َل ٌم َع َل ْيك ُْم وإِ َذا َس َّل َم َع َل ْيك ُْم كَافِ ٌر َف ُقو ُلوا َع َل ْي َك»(((.
(( ( تهذيب األحكام ،ج ،6ص .388وعنه وسائل الشيعة ،ج ،15ص ،80الحديث 2من الباب 26من
أبواب جهاد العدو.
((( الكافي ،ج ،2ص .648
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 48
أن ما قالته عائشة في مواجهة اليهود لم يكن فحش ًا بالمعنى الذي يستقبح
إن من الواضح ّّ
السب أو دونه ،ومع ذلك عدّ ه النبي (ص) فحش ًا
ّ ذكره والتصريح به ،وإنما هو من مصاديق
ولو من باب التوسع في المفهوم الذي يستدعي االشتراك في الحكم .فإذا كان كالمها سب ًا
ال في الحكم باألولوية .ويمكن فاألمر يكون واضح ًا ،وإذا كان دون السب فيكون السب داخ ً
أن يدعى أن دخول السب في البذاء ال يحتاج إلى دليل خاص ،فهذا ما يشهد به العرفّ ،
فإن
كلمات السباب تعد من البذاء بنظر العرف ،لكنه ال يخلو من تأمل ،وعلى فرضه فهو ليس
مطرد ًا في كل األلفاظ.
هذا كله في تحقيق الصغرى ،وأما الكبرى أعني حرمة الفحش ،فقد التزم بها غير
ولعل أقواها داللة هي صحيحة أبي واحد من الفقهاء((( ،استناد ًا إلى العديد من األخبارّ ،
عبيدة الحذاء ،عن أبي عبد الله قال« :الحياء من االيمان ،واإليمان في الجنة ،والبذاء من
الجفاء ،والجفاء في النار»((( .والبذاء بمعنى الفحش .وفي خبر ا ْل َح َس ِن َّ
الص ْي َق ِل َق َالَ :ق َال َأ ُبو
ِ ((( ِ ِ
وثمة روايات أخرى ال يستفاد َع ْبد ال َّله « :إِ َّن ا ْل ُف ْح َش وا ْل َب َذا َء َّ
والس َل َط َة م َن النِّ َفاق» ّ ،
منها أكثر من حرمة اعتياد الفحش((( ،بحيث يغدو سج ّية للشخص ،وال تشمل من تل ّفظ
بكلمات الفحش في حاالت نادرة ومتفرقة.
وخالصة الكالم في روايات هذه المجموعة :أنّه لو نهض لنا دليل تام على حرمة مطلق
انظر :منهاج الصالحين ،للسيد محسن الحكيم ،ج ،2ص .14ومنهاج الصالحين ،للسيد الخوئي، (( (
ج ،2ص .9ومنهاج الصالحين ،للسيد السيستاني ،ج ،2ص .14
وسائل الشيعة ،ج ،16ص ،36الحديث 5من الباب 73من أبواب بقية جهاد النفس .نقله عن كتاب (( (
الزهد للحسين بن سعيد .ورواه في الكافي بسند فيه سهل بن زياد ،انظر :الكافي ،ج ،2ص .325
الكافي ،ج ،2ص .325وهذه الرواية بمقتضى العطف الظاهر في المغايرة ،يستفاد منها أن البذاء مغاير (( (
للفحش ،وهذا ما يظهر من الشيخ الحر حيث عقد بابين ،أحدهما أورد فيه روايات البذاء وهو الباب 72
من أبواب جهاد النفس ،واآلخر أورد فيه روايات الفحش ،وهو الباب 71من أبواب جهاد النفس .ويبدو
أن الفرق بينهما هو بالعموم والخصوص ،فالفحش هو القبيح من القول أو الفعل ،واستخدامه في الفعل ّ
الفاحش جاء في الذكر الحكيم ،قال تعالى ﴿ :ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﴾ [النور ،]19وأما البذاء
بأن «البذاء هو السفه في القول،يفرق بينهما ّ
فيختص بالقول القبيح ،فيقال فالن بذيء اللسان ،وربما ّ
والبذيء الذي ال يبالي ما يقول :صدق ًا أو كذب ًا ،قبيح ًا أو حسن ًا ،والفحش هو القبيح من القول والفعل،
فبينهما عموم من وجه» ،هكذا ذكر الشيخ األحمدي في كتابه :مكاتيب الرسول ،ج ،3ص .581ولعل
هذا ما يرومه الشيخ الحر حيث أورد روايات البذاء تحت عنوان« :تحريم البذاء وعدم المباالة بالقول».
ألنها استخدمت صيغة فحاش ،كما في عدة أخبار ،انظر :وسائل الشيعة ،الحديث 2من باب 71من (( (
أبواب جهاد النفس.
49 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
السب بلحاظ اعتباره شرع ًا من الفحش ،وربما عدّ كذلك عرف ًا ،وأ ّما إذا شككنا
ّ الفحش فيحرم
في حرمة مطلق الفحش ،والتزمنا فقط بحرمة أن يكون اإلنسان فحاش ًا ،كما يظهر من بعض
حينئذ بحرمة أن يكون المؤمن سباب ًا .وصحيحة زرارة -كما هو ٍ الفقهاء((( فيمكن االلتزام
واضح -واردة في قوم من اليهود المعادين الذين يحملون الضغينة على رسول الله (ص)،
ال في المرحلة السابق أيض ًا.
فيكون دخول المسلم فيها باألولوية ما يجعلها دلي ً
ماذا عن المحارب؟
ثمة سؤاالً يطرح نفسه ،ماذا لو كان اآلخر محارب ًا ألهل الحق كالكافر الحربي أو
ولكن ّ
المسلم الباغي على اإلمام أو الذي يشق عصا األمة فهل يحرم س ّبه؟
سب اآلخر هل هو حق من أن ترك ّ إن القضية تتصل بما تقدم سابق ًا من ّ والجوابّ :
حقوقه أو أنّه حكم شرعي؟ فإذا كان حق ًا من حقوقه بمالك حفظ حرمته وعدم إيذائه فال
وجه للحرمة بلحاظ الحربي ،ألنّه ليس له حرمة في نفسه وماله فض ً
ال عن كرامته ،وأما إذا
السب
ّ كان حكم ًا شرعي ًا ولو بلحاظ أن الشارع الحكيم يبغض للناس أن يستخدموا ألفاظ
تمت أدلة الحرمة ،وقد والشتم فيما بينهم ،فيمكن االلتزام بالحرمة حتى في المحارب إذا ّ
السب يثبت الحرمة مطلق ًا حتى في صورة رضا اآلخر،
ّ أن ما ّ
دل على حرمة أشرنا سابق ًا إلى ّ
ما يجعلها حكم ًا شرعي ًا غير قابل لإلسقاط.
سب غير المسلم
النقطة الثانية :أدلة جواز ّ
سب المشركين أو غيرثمة شواهد وأدلة على جواز ّ ولكن في المقابل قد يقالّ :
إن ّ
تم فيستفاد منه جواز مطلق الظالم والفاسق ولو
المسلمين ،أو الظلمة الفسقة ،واألخير إن ّ
سب مطلق المسلم أو الشيعي .وهذهكان إمامي ًا ،فيكون مقيد ًا لما تقدم مما دل على حرمة ّ
الشواهد هي عبارة عن ّ
أن القرآن الكريم والروايات عن النبي (ص) أو األئمة من أهل بيته
سب لليهود أو المشركين أو بعض المنحرفين ،وإليك البيان:
قد اشتمال على كلمات فيها ّ
السب في القرآن
ّ أ )
السب:
ّ ونذكر صنفين من اآليات التي قد يدعى اشتمالها على
((( منهم :السيد الشهيد حيث ع ّلق على قول السيد الحكيم «يحرم الفحش» قائ ً
ال« :بمعنى االعتياد عليه»،
منهاج الصالحين ،ج ،2ص .14
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 50
تضمن تشبيه بعض الناس بأحد الحيوانات ،من قبيل قوله تعالى:
ّ الصنف األول :ما
﴿ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ
ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ *
ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ
ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﲧ ﲨ ﲟ ﴾((( .ونظيرها
قوله تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾(((.
الصنف الثاني :ما يكون لسانه لسان القذف واتهام اآلخر بالزنا ،كما في قوله تعالى:
﴿ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ * ﲱ ﲲ ﲳ * ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ * ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾(((.
ّ
فإن قوله تعالى« :زنيم» يعني دعي ،فإذا جاز رمي الكافر بأنه ابن زنا ،فباألولى أن يجوز س ّبه
بغير القذف.
يصرح بالقول:السب ،وكاد البعض أن ّ ّ فهذه اآليات وغيرها عدّ ها البعض دلي ً
ال على شرع ّية
سب وشتم ،وعلينا أن نتخ ّلق بأخالقه! تعالى الله ّ
عما يقولون علو ًا كبير ًا. ّ
إن الله تعالى قد ّ
وتعليق ًا على هذا الكالم فإننا نسجل أوالً بعض المالحظات العامة التي ترد على
ثم نسجل بعض المالحظات الخاصة التياالستدالل بكال الصنفين المذكورين من اآلياتّ ،
ترد على االستدالل بكل واحد من الصنفين المذكورين:
أوالً :المالحظات العامة
أما المالحظات العامة الواردة على االستدالل بكال الصنفين من اآليات ،فأهمها
مالحظتان:
(( ( وفي ثقافات الشعوب الكثير من األمثال والحكايات التي يمثلون فيها بالحيوانات ويرمزون بها لبني
اإلنسان.
(( ( سورة العنكبوت ،اآلية .43
((( سورة البقرة ،اآلية .26
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 54
ّأما الصنف الثاني من اآليات ،فيالحظ على االستدالل به:
فإن اآلية المذكورة ليس فيها إنشاء، يتقوم باإلنشاءّ ،بأن السب ّ أوالً :إنّه على القول ّ
وإنّما إخبار عن واقع بعض األشخاص الذين وقفوا في وجه حركة النبي (ص) .وأ ّما
السب على اإلخبار ،فاآلية إذا صرفنا النظر عن أسباب ّ على ما رجحناه سابق ًا من صدق
النزول ،ال تشير إلى ٍ
أحد بعينه وتصفه بأنّه زنيم ،وإنّما تب ّين حكم ًا شرعي ًا يتصل بالزنيم،
وهو النهي عن إطاعته ،وهذا من قبيل قولك :ال تقبل شهادة الزاني أو ابن الزنا مث ً
ال(((،
وعليه ،فليست اآلية بصدد قذف شخص بعينه ورميه بأنّه ابن زنا .نعم ،مع أخذ أسباب
فإن اآلية تكون منطبقة وناظرة إلى بعض األشخاص ،وهو الوليد بن النزول بعين االعتبارّ ،
المغيرة((( ،وقيل :األخنس بن شريق الثقفي((( ،لك ّن األمر يتوقف على إثبات صحة السند
في تلك الروايات ،وهو مما لم يثبت.
ثاني ًا :وبصرف النظر عما تقدمّ ،
فإن االستدالل بهذه اآلية إنّما يكون له وجه ،إذا كان
المراد بالزنيم في اآلية الدعي ،كما يرى البعض ،قال الشيخ الطوسي «الزنيم :الدعي ،وهو
ثمة تفسير ًا آخر منصوص ًا للزنيم ،وهو الشخص الملصق بالقوم ،وليس منهم» ،لكن ّ
(((
المستهتر بكفره ،وقد ورد ذلك فيما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح عن أبيه -رحمه
الله -قال :حدثنا سعد بن عبد الله ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن العباس بن معروف،
عن صفوان بن يحيى ،عن ابن مسكان ،عن محمد بن مسلم ،قال :قلت ألبي عبد الله :
ّ
«العتل :العظيم الكفر ،والزنيم :المستهتر بكفره»(((. ﴿ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﴾((( قال:
السنة وردت رواية باإلسناد عن شهر بن حوشب قال :حدثني عبد الرحمن وفي مصادر ُّ
أن رسول الله (ص) قال ال يدخل الجنة جواظ وال جعظري وال العتل الزنيم ،فقال بن غنم ّ
له رجل من المسلمين :ما الجواظ والجعظري والعتل الزنيم؟ فقال رسول الله (ص) :أ ّما
الجواظ فالذي جمع ومنع تدعوه لظى نزاعة للشوى ،وأما الجعظري فالفظ الغليظ قال الله:
لنا بحث نتأمل ونتحفظ فيه على الفتوى المشهورة بعدم قبول شهادة ابن الزنا. (((
مجمع البيان ،ج ،10ص .89 (((
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري ،ج ،29ص .32 (( (
التبيان للشيخ الطوسي ،ج ،10ص .77 (( (
سورة القلم ،اآلية .13 (( (
معاني األخبار ،ص .149 (( (
55 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الكافي ،ج ،8ص .238قال الكاشاني« :لعل المراد بالحديث أن سجية الوزغ وخلقه استماع حديث (((
الناس واستراق السمع عند مكالمتهم ،ولهذا سماهما رسول ال َّله (ص) بالوزغ حين استمعا إلى حديثه
الخلق من الوزغ قبل ذلك اليوم ،فال يرون ذلك من خارج حجرته ،إال ّ
أن الناس كانوا ال يعرفون هذا ُ
ٍ
منه إال من يومئذ أي بعد معرفتهم به» ،انظر :الوافي ،ج ،2ص .220
الكافي ،ج ،8ص .238 (((
لم نعثر عليه في المستدرك ،ولكن نقله عنه الدميري في حياة الحيوان الكبرى ،ج ،1ص .95وج ،2 (((
ص .545وابن حجر الهيثمي أيض ًا في الصواعق المحرقة ،ص .181والمقريزي في إمتاع األسماع،
ص ،12ص .275
ن ّبه على ضعفها في مرآة العقول ،ج ،26ص .194 (((
59 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
رابع ًا :إنّه لو صح أنّه (ص) قال ذلك ،فهذه قض ّية في واقعة ،وال ُيقاس عليهاّ ،
ألن
ال حين لعنه النبي (ص) ووصفه بالوزغ ،والطفل ال يستحق اللعن كما هو مروان كان طف ً
معلوم ،وسيأتي أنّه يقبح لعن من ال يستحق اللعن ،فال وجه للعنه أو وصفه بالوزغ إال بلحاظ
علمه (ص) بمآله وما عليه في المستقبل ،وأنّه مستحق للطرد من رحمة الله ،فأراد (ص) من
خالل لعنه أو سبه تحذير األمة منه ومن مكائده ،وإال فالنبي (ص) ال يلعن إال من يستحق
الطرد من رحمته تعالى.
المورد الثالث :الحسين وسب ابن زياد
ما روي عن أبي عبد الله الحسين بشأن عبيد الله بن زياد ،حيث قال« :أال ّ
وإن
الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين :السلة والذلة ،وهيهات منا الذلة»(((.
أن هذا علىوالتعليق على ما جاء في هذا المورد قد اتضح مما سبق ،حيث عرفنا ّ
السب على
ّ أن في صدق السب في شيء .على ّ ّ فرض صدوره عن اإلمام ،(((فإنّه ليس من
مثل هذه األوصاف التي تب ّين حقيقة واقعية في األشخاص مع عدم كون الكالم في سياق
المذمة والتعيير إشكاالً ،فلو قيل عن السارق إنه سارق ال تعيير ًا وإهانة ،كما لو قالها في مقام
زان وكذلك لو قيل للدعي إنّه دعي ،نعم الشهادة ،لم يكن ذلك بسب ،أو قيل عن الزاني إنه ٍ
ّ
قد يصدق على ذلك أنه غيبة فيما لو كان العيب مستور ًا وغير مفضوح.
السب
ّ محاولة توجيه
السب له وظيف ٌة مقبولة وعقالئية ،وهي بيان ّ وربما يقول المدافعون عن السبّ :
إن
انحراف اآلخر وضالله وخطره على الدين ،وذلك للحؤول دون تأثر القاعدة الشعبية الموالية
ألهل البيت وغير المحصنة فكري ًا بهّ ،
ألن العا ّمة ال ينقادون لألدلة الفكر ّية وال تؤثر فيهم
الحجج العقل ّية ،بقدر انقيادهم وتأثرهم بالوجوه الخطاب ّية التي تستثير فيهم البعد العاطفي،
األمر الذي يسوغ اللجوء إلى األساليب الخطابية الرامية إلى التنفير عن الفكر المنحرف
والتحذير من األشخاص الضالين .وهذا ما يجعل للسب وظيفة دين ّية ويخرجه عن نطاق
الكراهة ،وال نحتاج إلى دليل خاص على شرعيته ،إذ ما دام يسهم في هدم الباطل فيخرج
(( ( مثير األحزان البن نما ،ص .40االحتجاج ،ج ،2ص .24ونقله ابن أبي الحديد عن زين العابدين
عن أبيه الحسين ،انظر :شرح نهج البالغة ،ج ،3ص .249اللهوف على قتلى الطفوف ،ص .59
(( ( لم يبلغنا ذلك بسند صحيح.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 60
ال جائز ًا بل ومستحسن ًا شرع ًا .ومنه نفهم تعبير الشيخ النجفي
عن كراهته وقبحه ،ليغدو عم ً
أن س ّبهم هو من أفضل القربات والعبادات. في كالمه المتقدم ّ
ويالحظ عليهم:
إن المنهج القرآني في مواجهة الفكر اآلخر يدعو -كما أسلفنا -إلى اعتماد أوالًّ :
أن للسب وظيفة دينية ،وهي هدم الضالل الحق مضمون ًا وأسلوب ًا في المواجهة ،فما يقال من ّ
قوة الهدى في ومواجهة االنحراف فهو كالم غير مقبولّ ،
ألن الضالل إنّما ُيهدم من خالل ّ
المضمون واألسلوب ،والباطل إنما يزهق من خالل قوة الحق مضمون ًا وأسلوب ًا ،قال تعالى:
﴿ ﲭ ﱺ ﱤ ﱥﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﴾((( ،وقال تعالى ﴿ :ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ
ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﴾((( ،فالمطلوب هو دحض الباطل ولكن من
إن اإلسالم يمتلك من الحجج قوة الحق وأساليبه ،وليس من خالل الباطل وأساليبهّ . خالل ّ
السب ،حتىّ حجة المبتدع دون حاجة إلى مواجهته بالكذب واالفتراء أو ما يكفي لدحض ّ
لو كان الهدف هو مواجهة الباطل ،ويؤيده ما ورد في الخبر عن اإلمام الصادق أنّه قال
اعتراض ًا على أسلوب بعض أصحابه في المحاججة مع رجل شامي« :تمزج الحق مع
الباطل ،وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل»((( .وعنه « :ما ظفر من ظفر اإلثم به ،والغالب
بالشر مغلوب»(((.
فإن الحديث عن تحصين الساحة اإليمانية من التأثر باآلخر ال يكون بسبه وهكذاّ ،
ال عن الكذب أو االفتراء عليه ،وإنّما يكون بمنطق الحجة والدليلوشيطنته وقذفه ،فض ً
السب
ّ والبرهان الذي يدمغ حجة اآلخر ،فإذا هي زاهقة وباطلة وسخيفةّ .
إن اللجوء إلى
أن المشركين كانوا يستخدمون هذه والشتم هو دليل ضعف ،والقرآن الكريم نقل لنا كيف ّ
األساليب للتشويش على دعوة الحق وصوت الهدى .لقد كان المشركون يلجأون إلى
السب والشتم ورمي النبي (ص) بأنّه مفتر وساحر وكاهن وما إلى ذلك وقد ذمهمّ أساليب
إن من ال يمتلك حجة قوية الله على ذلك معتبر ًا أن هذه أساليب من ال يمتلك البرهانّ .
�سب الأموات
المرحلة الرابعةُّ :
إن من ثبتت حرمة س ّبه حي ًا يحرم سبه ميت ًا؟ وإذا
سب اإلنسان الميت؟ فهل ّما هو حكم ّ
السب إيذاء أحد أقربائه األحياء؟ّ ثبتت حلية س ّبه حي ًا فهل يجوز سبه ميت ًا إذا استوجب
سب الميت غير المسلم،
سب الميت المسلم ،وأخرى عن ّ
أقول :تارة نتحدث عن ّ
فالكالم في مقامين(((:
((( في خبر العالء بن سيابة عن أبي عبد الله ..قال رسول الله (ص)« :حرمة المسلم ميت ًا كحرمته حي ًا
سوي ًا» ،انظر :تهذيب األحكام ،ج ،1ص .49ورواه أيضا في محل آخر ،انظر :المصدر نفسه ،ج ،1
ص .465وفي خبر الحسين بن خالد قال :سألت أبا الحسن فقلت :إنّا روينا عن أبي عبد الله
أحب أن أسمعه منك ،فقال :وما هو؟ فقلت :بلغني أنه قال في رجل قطع رأس رجل ميت قال: حديث ًا ُّ
إن الله حرم من المسلم ميت ًا ما حرم منه حي ًا ،فمن فعل بميت ما يكون في ذلك
قال رسول الله (ص)ّ :
اجتياح نفس الحي فعليه الدية ،فقال :صدق أبو عبد الله ،هكذا قال رسول الله (ص) ،»..انظر:
المصدر نفسه ،ج ،10ص .274وفي صحيح مسمع كردين قال :سألت أبا عبد الله عن رجل كسر
عظم ميت؟ فقال« :حرمته ميت ًا أعظم من حرمته وهو حي» ،انظر :المصدر نفسه ،ج ،10ص .272
65 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
أوالً :ما ورد في الحديث عن رسول الله (ص)« :ال تسبوا األموات فإنهم قد أفضوا إلى
ما قدموا»(((.
ثاني ًا :التمسك بإطالق األدلة المتقدمة التي اعتمدناها إلثبات حرمة ّ
سب غير المسلم
والتي ورد فيها عنوان «المشرك» ،أو «الناس» أو غيرها ،وذلك بدعوى ّ
أن هذا العنوان شامل
للحي والميت ،وال ينصرف إلى خصوص الحي.
ثالث ًا :إذا نوقش في اإلطالق المتقدم ،فيمكن إثبات التحريم بطريق آخر ،وهو إثبات ّ
أن
وأن الحرمة ثابتة له حي ًا وميت ًا ،فتأمل.
السب هي بمالك حرمة اإلنسانّ ،
ّ حرمة
رابع ًا :التمسك باالستصحاب:
سب األحياء من غير المسلمين ،فال ُيمكننا أن نحكم بحرمة وأ ّما إذا لم نبن على حرمة ّ
سب األموات منهم .أجل ،لو كان ذلك يؤذي بعض األحياء من المسلمين ،فيمكن الحكم ّ
بالحرمة استناد ًا إلى النص الخاص ،ففي الخبر عن رسول الله(ص)« :ال تسبوا األموات
فتؤذوا األحياء»((( .وفي الخبر الذي رواه الحاكم النيسابوري ،باإلسناد إلى عبد الله بن الزبير
عن رسول الله (ص) أنّه قال :ألصحابه «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمن ًا مهاجر ًا فال تس ّبوا
سب الميت يؤذي الحي وال يبلغ الميت»(((.فإن ّ أباهّ ،
نص خاص إلثبات الحرمة في هذه الصورة ،فالمسألة ويمكن القول :إننا ال نحتاج إلى ٍ
سب أحد أقربائه المشركين مؤذي ًا له
محرم ،فإذا كان ّ هي على وفق القاعدةّ ،
فإن إيذاء المسلم ّ
فال يجوز س ّبه والحال هذه ،والسب ليس واجب ًا وال مستحب ًا في نفسه ليزاحم حرمة اإليذاء.
السب بالعنوان الثانوي
ّ حرمة
وقبل أن نغادر الحديث عن بيان الحكم الشرعي في سب اإلنسان ،ال بدّ لنا أن نشير إلى
أن ما تقدم من أدلة حول حرمة سب المسلم أو غيره كان ناظر ًا إلى المسألة بالعنوان األولي.
ّ
فإن باإلمكان االستنادوعلى فرض أنّه نوقش في حرمة السب في بعض الصور المتقدمةّ ،
انظر :كتاب العقل التكفيري -قراءة في المنهج اإلقصائي ،ص ،294وما بعدها. (((
من ال يحضره الفقيه ،ج ،4ص .5 (( (
دعائم اإلسالم ،ج ،1ص .348ومجمع الزوائد ،ج ،8ص .77 (((
المحاسن ،ج ،2ص .316 (((
علل الشرائع ،ج ،2ص .557ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .544 (((
71 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ال نكبت((( إصبعه وتلقاه راكب فصدم كتفه ودخل وعن أبي الحسن الهادي ّ :
«أن رج ً
شر َك فما أشأمك من يوم ،فقال أبو الحسن :هذا في زحمة فخرقوا ثيابه ،فقال :كفاني الله َّ
وأنت تغشانا ترمي بذنبك من ال ذنب له! ثم قال :ما ذنب األيام حتى صرتم تتشاءمون بها
إذا جوزيتم بأعمالكم فيها ،فقال الرجل :أنا أستغفر الله ،فقال :والله ما ينفعكم ولكن الله
أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي يعاقبكم بذمها على ما ال ذم (عليها) فيه ،أما علمت ّ
باألعمال ،فال تعدْ وال تجعل لأليام صنع ًا في حكم الله»(((.
سب الريح ،فقد ورد النهي عنه في العديد من األخبار ،ففي الحديث عن ثالث ًاّ :
رسول الله (ص)« :ال تسبوا الريح ،فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا :اللهم إنّا نسألك من خير
هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ،ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما
أمرت به»(((.
سب الدنيا ،ففي الخبر عن رسول الله (ص)« :ال تسبوا الدنيا فنعم المطية الدنيا رابع ًاّ :
للمؤمن ،عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ،إنّه إذا قال العبد :لعن الله الدنيا قالت الدنيا:
لعن الله أعصانا لربه»(((.
(( ( نكبت إصبعه :أصابتها ونالتها الحجارة ،انظر :النهاية البن األثير ،ج ،5ص .113
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،7ص ،508الحديث 3من الباب 16من أبواب صالة الكسوف واآليات.
((( سنن الترمذي ،ج ،3ص .355ونحوه ما في سنن ابن ماجة ،ج ،2ص .1228
(( ( وسائل الشيعة ،الحديث الرابع من الباب نفسه ،نقله عن مجموعة ورام ،ورواه الزمخشري مرسالً،
انظر :ربيع األبرار ونصوص األخبار ،ج ،1ص .51
الف�صل الثاني
تُعدّ الغيبة واحدة من آفات اللسان البارزة ،ومن األمراض السلوكية واألخالقية ذات
اآلثار والنتائج السلبية على الفرد والمجتمع ،وقد تكفل علماء األخالق بالحديث عن أسباب
هذه اآلفة ودوافعها وآثارها وكيفية عالجها .وما يهمنا التركيز عليه هنا ،هو بحث القضية من
الزاوية الفقه ّية ،لنرى إن كان الدليل يساعد على القول الذي ذهب إليه مشهور الفقهاء من
اختصاص الحرمة بالمسلم اإلمامي دون سواه.
وبحثنا لمسألة الغيبة سوف يتم من خالل مقامات ثالثة:
المقام األول :في بيان مفهوم الغيبة.
المقام الثاني :في بيان حكمها شرع ًا.
المقام الثالث :في بيان حدود الغيبة
تحف العقول ،ص .46والسنن الكبرى للبيهقي ،ج ،10ص .210وروي عن الرضا ،انظر: (((
االختصاص للمفيد ،ص .242
أمالي الشيخ الصدوق ،ص ،93وهي ضعيفة بأحمد بن هارون فهو لم يوثق. (((
وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،289الباب 145من أبواب أحكام العشرة ،الحديث ،5وهي ضعيفة بأبي (((
البختري.
األمالي للطوسي ،ص .537وعنه وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،281الحديث 9من الباب 152من (((
أبواب أحكام العشرة .ومكارم األخالق ،ص .470
صحيح مسلم ،ج ،8ص .21وسنن أبي داود ،ج ،2ص .450وسنن الدارمي ،ج ،2ص .299ومسند (( (
أحمد ج 2ص .230والسنن الكبرى للبيهقي ،ج ،10ص .247
75 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
المقام الثاني :حكم الغيبة
1 -1حرمة الغيبة من ال�ضروريات
كالمنا في بيان حكم الغيبة سيكون في النقاط التالية:
ّ
إن حرمة الغيبة -في الجملة -هي من الضروريات الفقه ّية التي تسالم عليها عامة
ال عن فقهائهم على اختالف مذاهبهم ومشاربهم ،وهو تسالم ممتد بدون شك المسلمين فض ً
إلى زمن صاحب النص ،وقد استدل بعضهم على حرمتها باألدلة األربعة(((.
ولك ّن االستدالل بحكم العقل العملي ال يخلو من تأملّ ،
ألن ما يحكم العقل بقبحه هو
الظلم ،وكون الغيبة ظلم ًا يخضع للكثير من االعتبارات التي تغ ّير الموقف من حالة ألخرى.
السب -على نحو المقتضي
ّ أجل لو كان المقصود أن العقل يحكم بالقبح -هنا وفي
الذي يؤثر في مقتضاه في حال عدم وجود المانع ،فهذا صحيح.
وهذا ما يجعلنا نفهم استدالل جمع من الفقهاء بدليل العقل على حرمة الغيبة لكونها
ظلم ًا للمغتاب((( .والتزامهم في الوقت نفسه بجواز الغيبة في العديد من الموارد كتظلم
المظلوم ،أو غيبة من ليس شيعي ًا (بصرف النظر عن نقاشاتنا اآلتية) ،أو غير ذلك ممن قام
أن أحكام العقل ال تقبل التخصيص .فإنّه لو كان حكمالدليل على جواز غيبتهم شرع ًا ،مع ّ
العقل ناجز ًا وغير مع ّلق على عدم ورود الترخيص الشرعي ،لوقع التهافت في كالمهمّ ،
فإن
تم استثناؤهم ليسوا خارجين تخصص ًا وال معنى للتخصيص في حكم العقل! من ّ
وكيف كان ،فال شك في حرمة الغيبة وكفاية األدلة النقلية في إثبات ذلك من حيث
المبدأ ،ولهذا فاألجدى هو صرف النظر إلى ما هو المهم في المقام ،وهو بيان حدود الحرمة،
تختص بالمؤمن الموالي ألهل البيت أو تشمل كل مسلم بل ربما كل إنسان؟ ّ وهل
الغيبة بين الناس والترويج لها هو المنهي عنه ،وليس مجرد أن يغتاب شخص ًا آخرّ ،
ألن هذا
ليس من إشاعة الفاحشة وإنما هو من فعل الفاحشة ،وليس كل فعل للفاحشة هو إشاعة لها.
ال عن العملي ّ
فإن وعممنا مفهوم اإلشاعة للنشر الكالمي فض ً بل حتى لو تنزلنا أيض ًا ّ
مجرد االغتياب ليس نشر ًا أو ترويج ًا كالمي ًا ليكون إشاعة ،اللهم إال أن يقال :إن إشاعة كل
شيء بحسبه ،فإشاعة الزنا يكون بالترويج له واستسهال الحديث عنه في المجالس ،وإشاعة
الغيبة يكون باألخذ بها.
تم االستدالل بقوله تعالى ﴿ :ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾((( إلثبات حرمة الغيبة ،كما ولو ّ
دليال على كون الغيبة كبيرةّ ،
ألن الويل هو ال((( لكان ذلك ً
استدل به الشيخ األنصاري فع ً
وعيد بالعذاب ،وهو وارد في القرآن الكريم ،وهو مالك الكبيرة.
لكن قد استشكل في داللة اآلية على أصل حرمة الغيبةّ ،
ألن الهمز واللمز يراد بهما
السخرية واالستهزاء وبينهما وبين الغيبة عموم من وجه(((.
وسائل الشيعة ،الباب 46من أبواب جهاد النفس ،الحديث .36 - 33 (( (
المكاسب المحرمة ،ج ،1ص .319 (((
مهذب األحكام ،ج ،16ص .124 (( (
حدود الشريعة ،ج ،2ص .77 - 76 (( (
راجع :وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،281الحديث ،9الباب 152من أبواب أحكام العشرة ،والحديث (( (
18أيض ًا من الباب نفسه.
(( ( هكذا وردت العبارةّ ،
ولعل الصحيح« :ال من جهة العقاب».
(( ( محاضرات في الفقه الجعفري ،ج ،1ص.273
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 80
في مقام االستفادة من األشدية ،وذلك بأن يثبت بالدليل ّ
أن األشدية هي بلحاظ العقوبة ،أو
أنها مطلقة بلحاظ كل اآلثار ،أما لو كانت بلحاظ ال يتصل بكون الذنب كبيرة فهي ال تنفع،
أن األشدية ليست بلحاظ العقوبة ،وإنما بلحاظ حقوق الناس.والظاهر من هذا الحديث ّ
ويمكن أن يناقش في ذلك ّ
بأن أشد ّية الغيبة من حيث حقوق الناس سيجعلها أشدّ من
حيث العقوبة األخروية ال محالة ما لم يغفرها له المغتاب (بالفتح).
ّإل أن يدافع عن السيد الخوئي -رحمه اللهّ -
بأن مقصوده هو ّ
أن األشد ّية إنّما تثبت
كون الغيبة كبيرة -كما الزنا -لو كانت -أي األشد ّية -بلحاظ الوزر ال بلحاظ التخلص من
الوزر ،والحديث ناظر إلى الثاني كما هو ظاهر ذيلهّ ،
«ألن الرجل يزني فيتوب إلى الله.(((»...
فإن الذنب الذي يكون ولكن يمكن أن يعترض على هذا الدفاع بأنّه ال يجدي نفع ًاّ ،
التخ ّلص من وزره أصعب وأعسر ،هو أشدّ على المكلف يوم القيامة من الذنب الذي يكون
التخلص من وزره أسهل .والغيبة ال يتخلص من وزرها بمجرد االستغفار في الدنيا أو العفو
اإللهي األخروي ،بل ال بدّ من االستحالل من صاحبها ،وأما الزنا فأمر التخلص من وزره
ينحصر بخصوص االستغفار الدنيوي من قبل الزاني أو العفو األخروي اإللهي .فتأمل،
بأن صعوبة التخ ّلص ال تعني أشدّ ية الذنب ،فربما يكون الذنب فلربما يالحظ على ذلك ّ
صغير ًا لكن يصعب التخلص من وزره بسهولة.
«إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستةالخبر الثاني :ما روي عنه (ص)ّ :
ّ
«وإن أربى وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم»((( ،وذلك بتقريب ّ
أن قوله: وثالثين زنيةّ ،
الربا عرض الرجل المسلم» ظاهر في أشد ّية النيل من العرض المتحقق بالغيبة أو نحوهاعلى
الزنا ،واألشد ّية هنا بقرينة ذكر العدد ناظرة إلى العقوبة ال إلى التخلص منها بلحاظ حق
الناس.
ولكن يالحظ على االستدالل بالحديث األخير:
أوالً :ضعف السند ،ألنّه مرسل.
الحديث السابق.
وهذا االعتراض ينطلق من قاعدة صحيحة كبروي ًا ،وهي أنّه حيث كان العقاب مبني ًا
على منطق العدل ،وال يكون جزاف ًا وال اعتباط ًا ،وكذلك الحال في الثواب ،فمن الطبيعي أن
ال يكون عقاب الذنب الصغير أشدّ من عقاب الذنب الكبير((( ،ولك ْن قد يناقش في المسألة
من الناحية الصغرو ّية ،على اعتبار أنّه ال وجه الستبعاد أن تكون الغيبة عند الله أشدّ من الزنا
ال للحم اآلخر ميت ًا،
من ناحية الوزر واإلثم ،كيف وقد أغلظ الله أمر الغيبة وشدده واعتبره أك ً
وال تخفى خطورة نتائجها على االجتماع البشري ،فهي تساهم في تفكك المجتمع وتوتير
العالقات وشحن النفوس وإذكاء نار العداوة وإيقاظ الفتن ،وربما تؤدي إلى سفك الدماء،
ومعلوم أن الوزر األخروي يرتبط بالنتائج السلبية المترتبة على الفعل .وأما قوله :إنّه إذا
أكره على الغيبة أو على الزنا فيتع ّين عليه اختيار الغيبة ،فهذا أول الكالم ،والظاهر أنه لم
نص يثبت ذلك ،وإنما انطلق من هذه الرؤية االجتهادية التي ترى أن يعتمد فيه على وجود ّ
عما قليل، أصر عليه السيد الخوئي كما سنرى في كالمه ّ الزنا أعظم عند الله من الغيبة ،كما ّ
ويرجح أن تكون هذه الرؤية متأثرة بالنظرة االجتماع ّية المتشددة والمبالغة في أمر الزنا أكثر
من الغيبة ،العتبارات قد يكون لها عالقة بقضية العار والشنار والعيب المترتبة على فعل الزنا
أن مقاييس الله تعالى قد تختلف عن مقاييسنا االجتماع ّية دون الغيبة .ولك ْن من المعلوم ّ
راجع :وسائل الشيعة ،الباب 45و 46و 47من أبواب جهاد النفس. (( (
راجع حول الروايات :المصدر نفسه ،األبواب 45و 46و 47من أبواب جهاد النفس. (( (
سورة النساء ،اآلية .31 (( (
سورة النجم ،اآلية .32 (( (
راجع :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،1ص .229 (( (
القضاء في الفقه اإلسالمي ،ص .109 - 108 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 86
إن كان وجوبها عقلي ًا ،فصحيح ّ
أن مثل هذا الوجوب ال الكبائر ،هذا إذا كان الوجوب شرعي ًا ،وأما ّ
إن الوجوب العقلي المذكور مع ّلق على عدممعنى لتخصيصه بحكم الشرع ،لكن يمكن القولّ :
ورود العفو والغفران والتكفير من الشارع ،فإذا ثبت العفو يرتفع موضوع الوجوب المذكور.
وعلى ضوء ما تقدّ م يمكن العودة إلى تصحيح الثمرة األولى ،ألنّه إذا لم تجب التوبة
من الصغائر فال يكون ارتكابها خادش ًا في العدالة ،فإن ما يخدش في العدالة هو ما يجب
التوبة منه ،فتأمل.
ونكتفي بهذا القدر من الحديث حول التقسيم المذكور للذنوب ،لننتقل إلى ما هو
المهم في بحثنا ،وهو بيان دائرة التحريم في الغيبة.
والشيخ آصف محسني((( .وقد ّفرق البعض بين المستضعف وغيره ،قال الوحيد
البهبهاني« :نعم لو كان من المستضعفين الذين ال تقصير لهم أصالً ،جاز الدعاء لهم
مطلق ًا وحرم غيبتهم ،كذلك حرم أذ ّيتهم وإهانتهم ونحوهما»(((.
ﲰ ﲱ * ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﴾(((.
ونظيره قوله تعالى ﴿ :ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﲕ ﲖ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾(((.
وقوله تعالى ﴿ :ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ .(((﴾ ..إلى غير ذلك من
اآليات المباركة((( التي أطلق فيها لفظ األخوة بين هؤالء األنبياء وبين قومهم ،مع أنّهم
ال إليهم وساعي ًا إلى هدايتهم ومهتم ًا
كانوا كافرين برسلهم ،فكون النبي (ص) منهم ومرس ً
وصح إطالق لفظ األخ عليه ،ما يعني أنّه ليس شرط ًا في صحة
ّ ألمرهم جعله قريب ًا منهم
أخوة حقيقية في اإليمان وال في النسب.
إطالق لفظ األخ أن يكون ثمة ّ
وما ندعيه أنه يمكن إطالق األخ على من يتناوله الشخص بالغيبة أي ًا كان ،وال سيما مع
تكرر االغتياب ،ولذا يضاف إليه بضمير المخاطب ،فيقال« :هذا أخوك» ،وهذا قريب مما
يقال في موضوع الصحبة ،حيث يكفي فيها المرافقة أو االجتماع في مكان واحد ،أو أدنى
علقة بين الطرفين ،فيقال :فالن صاحبك ،قال تعالى ﴿ :ﲡ ﲢ ﲣ ﴾((( ،ونحو قوله
تعالى ﴿ :ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﴾(((.
((( يقول السيد كاظم الحائري رد ًا على دعوى فسق غير اإلمامي« :الوجه أيض ًا قابل للمناقشة ،وذلك
بافتراض شهود من المسلمين غير الشيعة عدول في مذهبهم ،مع افتراض اعتقادهم بصحة مذهبهم،
حتى ولو كانوا مقصرين في األصل في تحصيل هذا االعتقاد ،باعتبار تقصيرهم في الفحص مث ً
ال فإن
هذا التقصير االبتدائي ،وإن كان ينجز عليهم استحقاق العقاب على خطئهم الحالي رغم قطعهم بعدم
الخطأ ،باعتبار أن االمتناع باالختيار ال ينافي االختيار مثالً ،لكن هذا ال ينافي صدق عنوان العدل عليه
فعالً ،باعتباره غير متلبس إال بما يقطع بصحته ،وال معنى للردع عن القطع» .انظر :القضاء في الفقه
اإلسالمي ،ص .318
(( ( مسالك األفهام ،ج ،14ص .160
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 98
غيبة المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به ،وهو المختار عند بعض الفقهاء ،مع ّ
أن المدعى
في المقام هو جواز غيبة المخالف لوالية أهل البيت مطلق ًا.
الدليل السادس :كفر وابتداع وضالل
«إنّه قد ثبت في الروايات واألدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة
السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم أي غيبتهم ،ألنهم من أهل البدع والريب،
ّ منهم وإكثار
بل ال شبهة في كفرهمّ ،
ألن إنكار الوالية واألئمة حتى الواحد منهم واالعتقاد بخالفة
غيرهم ،وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة ،وتدل عليه األخبار
المتواترة الظاهرة في كفر منكر الوالية وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من
الضالالت ،ويدل عليه أيض ًا قوله في الزيارة الجامعة« :ومن جحدكم كافر» وقوله
أن من لم يقبل عنكم لم يوحدهوحده قبل عنكم» ،فإنّه ينتج بعكس النقيض ّ
فيها أيض ًا« :ومن ّ
بل هو مشرك بالله العظيم ...ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من األمور المذكورة ،بل
قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضالل والوقيعة هي الغيبة»(((.
إرجاع ما ذكره السيد الخوئي في كالمه هذا إلى عدة استدالالت:
ُ أقول :يمكن
األول :أنه ثبت جواز لعنهم وسبهم والبراءة منهم ،والغيبة أهون من األمور المذكورة،
فكأنه استدالل باألولوية.
ويالحظ عليه:
إن ما ذكره من ثبوت جواز لعن «المخالفين» سندرسه الحق ًا ،وسوف يتضح أنّه أوالًّ :
ال دليل على جواز لعن من ليس موالي ًا ألهل البيت وال سيما إذا كان قاصر ًا .وأ ّما إكثار
السب عدم جوازه ،وأما البراءةّ السب عليهم واتهامهم فهو أول الكالم ،بل عرفت في مبحث
فال دليل على وجوبها في غير الظالم ألهل البيت .
يدل ذلك على جواز جواز ِ
لعن شخص والبراءة منه وس ّبه فال ّ ُ ثاني ًا :على أنّه لو ّ
تم
الظن ال يغني عن الحق شيئ ًا .باختصار:
ّ ولكن
ّ غيبته باألولوية القطعية ،نعم قد يظن ذلك
إن األمور المذكورة لم تثبت ،وعلى فرضها فال يعلم المناط في الحرمة لتدعى األولوية ّ
بالنسبة للغيبة.
قال ابن فارس« :الغيبة :الوقيعة بين الناس» ،انظر :معجم مقاييس اللغة ،ج ،4ص .403ونحوه ما ذكره (( (
في الوافي ،ج ،1ص ،245تعليق ًا على الحديث.
الكافي ،ج ،2ص .375 (((
وقد تبنى ذلك في فقه الصادق ،ج ،14ص .344 (( (
وأصر عليه الشيخ البحراني
ّ نسب القول به إلى بعض الفقهاء ،منهم الس ّيد المرتضى وبعض المتقدمين، (( (
صاحب الحدائق ،ولذا بنى على نجاستهم ،بل نجاسة الفرق الشيعية من غير اإلمامية.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 100
بكفرهم -ولو كان كفر ًا ال يخرج عن اإلسالم -ليس واضح ًا ،أجل ،ورد في ذلك أخبار
آحاد ال متواترة ،ولذا ادعى السيد نفسه في كتاب الطهارة استفاضة «الروايات الدالة على
أن المخالف لهم كافر»((( واالستفاضة ال تخرج الخبر عن كونه خبر آحاد كما ال يخفى.ّ
نعم ،قد تؤدي االستفاضة أحيان ًا إلى حصول الوثوق بالصدور ،ولك ْن ليس في مثل المقام
المبتلى بالمعارض والخاضع للكثير من النقاشات.
وأما المقدمة الثانية :فتعليقنا عليها أنّه لو جازت غيبة الكافر فهي جائزة في الكافرّ
األصلي ،دون ما نحن فيه ،فإن الكفر الممكن في المقام هو الكفر الواقعي دون الظاهري
كما رجح السيد الخوئي((( ،أو الكفر في مقابل اإليمان كما رجحنا سابق ًا( ،راجع مبحث
دل على جواز غيبة كفر الناصب) وجواز غيبة الكافر بهذا المعنى محل تأمل وإشكال ،فما ّ
الكافر األصلي -لو تم -ال يستفاد منه جواز غيبة المسلم المحكوم بالكفر بأحد المعنيين
إن جواز غيبة هذا أول الكالم ،بل هي مصادرة كما قلنا تعليق ًا على الدليل الرابع.
المذكورينّ .
إن مفاد استدالل السيد الخوئي ّ
أن َم ْن ال يؤمن بإمامة أهل البيت كافر بعبارة أخرىّ :
واقعي ،والكافر تجوز غيبته ،ولك ّن اإلشكال على ذلك هو أنّه على فرض التسليم بالكبرى،
فإن الذي تجوز غيبته هو الكافر األصلي ،ومن ال يؤمن بالوالية ليسأي بجواز غيبة الكافرّ ،
كافر ًا أصلي ًا ،وإنما هو كافر إ ّما واقعي كما رجح السيد أو كافر إيماني كما رجحنا .فعلى
وأن الكافر سواء كان أصلي ًا أو
أن موضوع حرمة الغيبة هو اإلماميّ ، السيد الخوئي أن يثبت ّ
غيره تجوز غيبته ،وهذا ما ال دليل عليه .بل إن مطلقات حرمة الغيبة شاملة للمسلم الواقعي
والظاهري كما هي شاملة للمسلم اإلمامي وغيره.
الدليل السابع :قيام السيرة على الغيبة
«قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين بل س ّبهم
إن جواز ذلك من الضروريات»(((.ولعنهم في جميع األعصار واألمصار ،بل في الجواهرّ :
ويالحظ على هذا االستداللّ :
أن هذه السيرة ال يحرز اتصالها بزمن األئمة وال
سب كل مسلم
تلقيها عنهم ،كيف وسيأتي أنهم نهوا عن غيبة مطلق المسلم ،كما نهوا عن ّ
((( راجع :موسوعة السيد الخوئي (شرح العروة -كتاب الطهارة) ،ج ،3ص.77
(( ( وهو الذي رجحه السيد الخوئي ،انظر :المصدر نفسه ،ج ،3ص .78
(( ( مصباح الفقاهة ،ج ،1ص .505
101 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
جوزوا
كما تقدم ،وال يبعد أن تكون السيرة المذكورة قد انطلقت من فتاوى الفقهاء الذين ّ
الغيبة وال س ّيما ّ
أن هذه الفتاوى مضت عليها قرون قبل أن تعاد قراءتها بطريقة نقدية ما رفعها
أن العصبيات المذهبية قد ساهمت في إلى مصاف الحقائق أو الضرورات الفقهية ،وال ريب ّ
ترسيخ األخذ بهذه الفتوى وتعميقها في النفوس.
ينهض ٌ
دليل يشهد للقول باختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن وخالصة القول :إنّه لم ْ
االثني عشري ،ويبقى أنّه هل من دليل على تعميم الحرمة لكل مسلم ،وهذا ما نتناوله
فيما يلي.
عقاب األعمال ،ص .284وعنه وسائل الشيعة ،ج ،10ص ،34الحديث ،5الباب 2من أبواب ما (( (
يمسك عنه الصائم.
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص ،38وسيأتي الكالم في سندها في مبحث الصالة خلف المسلم اآلخر. (((
المصدر نفسه ،ج ن ،ص ن. (( (
صحيح مسلم ،ج ،8ص .11وقد استدل بهذه الروايات الشهيد الثاني في كشف الريبة .ونقلها عنه (( (
أيض ًا المحقق األردبيلي ،انظر :مجمع الفائدة والبرهان ،ج ،8ص .77
109 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
فكما ال يجوز أخذ مال المخالف وقتله ال يجوز تناول عرضه الذي هو الغيبة»((( .فحرمة
غيبة كل مسلم ولو لم يكن معتقد ًا بوالية أهل البيت هي قول يعضده الدليل ،مما تقدّ م
ومما سيأتي أيض ًا في المرحلة الثالثةّ ،
فإن ما يدل على حرمة غيبة كل إنسان يشمل المسلم
بطبيعة الحال.
والمقصر
ّ التفصيل بين القاصر
وإطالق هذه الروايات يقتضي شمول هذه الحرمة لكل مسلم باستثناء المتجاهر
بالفسق ،فقد قام الدليل على أنّه ال غيبة له ،فيما تجاهر به ،وممن يعدّ متجاهر ًا بالفسق من
اتضح له وجه الحق في والية أهل البيت ومع ذلك أنكرها جحود ًا وعناد ًا ،قال الوحيد
البهبهاني« :نعم ،لو كان من المستضعفين الذين ال تقصير لهم أصالً ،جاز الدعاء لهم مطلق ًا
وحرم غيبتهم ،كذلك حرم أذ ّيتهم وإهانتهم ونحوهما»((( .وأ ّما الجاهل المقصر ففي صدق
ال عن صدق التجاهر بالفسق ،كما أسلفنا.الفسق عليه إشكال ومنع ،فض ً
مستدرك الوسائل ،ج ،9ص ،121الحديث ،31من الباب 132من أبواب أحكام العشرة .وهو مروي (((
عن أمير المؤمنين في خبر نوف البكالي ،األمالي للصدوق ،ص ،278وعنه وسائل الشيعة ،ج ،12
ص ،283الحديث ،16من الباب 152من أبواب أحكام العشرة.
عيون أخبار الرضا ،ج ،2ص .281ومعاني األخبار ،ص .388 (( (
المحاسن ،ج ،2ص .460وهي مروية في الكافي ،ج ،6ص .309ومسمع البصري هو مسمع بن (( (
عبد الملك الملقب بكردين ،وهو ثقة ،وقد وصفها المجلسي بالموثقة ،راجع :مرآة العقول ،ج ،22
ص .128
المحاسن ،ج ،2ص.461 (((
المصدر نفسه ،ج ن ،ص ن .وهي مروية في الكافي ،ج ،6ص ،308وقد روى الشيخ الحر هذه (((
الروايات في الباب 11من أبواب بقية كتاب األطعمة واألشربة ،انظر :الوسائل ،ج ،25ص .36
المصنف البن أبي شيبة ،ج ،2ص .423 (( (
111 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
--7وفي حديث أنس :قال رسول الله (ص)« :مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون
وجوههم بأظفارهم! فقلت :يا جبرائيل من هؤالء؟ فقال :هؤالء الذين يغتابون الناس
ويقعون في أعراضهم»(((.
--8ما رواه في جامع األخبار :عن سعيد بن جبير ،عن النبي (ص) ،قال« :يؤتى بأحد يوم
القيامة يوقف بين يدي الله ،ويدفع إليه كتابه فال يرى حسناته ،فيقول :إلهي ليس هذا
إن ربك ال ّ
يضل وال ينسى ،ذهب عملك باغتياب كتابي فإنّي ال أرى فيها طاعتي ،فقالّ :
الناس.(((»..
ّ
إن هذه الروايات -وفيها الموثق -في مقام بيان الغيبة ،وقد أخذت عنوان «الناس»
ال على إطالق الحكم وشموله لكل الناس ولو من غير موضوع ًا لهذا الحكم ،فتكون دلي ً
المسلمين ،وإذا ضمت إلى روايات المجموعة الثانية اآلتية يحصل الوثوق بصدور مضمونها.
المجموعة الثانية :ما لم يؤخذ فيه عنوان خاص موضوع ًا للتحريم ،وهذا ما يجعل هذه
الروايات أوسع روايات الغيبة مدلوالً ،وإن كانت نتيجتها ال تزيد على نتيجة سابقتها ،وإليك
بعض روايات هذه المجموعة:
--1ما رواه الشيخ بإسناده إلى أبي ذر عن النبي (ص) في وصية له قال« :يا أبا ذر إياك
فإن الغيبة أشدّ من الزنا» ،وهو مروي بعدة طرق عن رسول الله (ص)(((.
والغيبة ّ
--2وفي خبر نوف البكالي عن أمير المؤمنين أنّه وعظه فقال ..« :فاجتنب الغيبة ،فإنها
إدام أهل النار.(((»..
فإن الغيبة أشدّ
--3وفي خبر جابر وأبي سعيد قاال :قال رسول الله (ص)« :إياكم والغيبةّ .
وإن صاحب الغيبة ال يغفر له حتىإن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله عليهّ ،من الزناّ ،
يغفر له صاحبه»(((.
مصباح الشريعة ،ص .204وعنه مستدرك الوسائل ،ج ،9ص .117وبحار األنوار ،ج ،72ص .257 (( (
وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،281الحديث ،10الباب 152من أبواب أحكام العشرة. (( (
المصدر نفسه ،ج ،12ص ،282الحديث ،13الباب 152من أبواب أحكام العشرة. (( (
المصدر نفسه ،ج ،8ص ،319الحديث ،9الباب 11من أبواب صالة الجماعة .وفي ج ،12ص ،279 (( (
الحديث 2من الباب 152من أبواب أحكام العشرة.
113 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
يكذبهم ويعدهم فال يخلفهم) ،فكل من كان كذلك فقد حرمت غيبته ،ولم تذكر الرواية دخالة
قيد آخر ،كإيمان الشخص أو إسالمه مثالً ،ما يعني ّ
أن ذلك ال دخل له في حرمة الغيبة.
وقد يعترض على ذلك ّ
بأن تتمة ما ّفرعه اإلمام على كون الشخص ممن عامل الناس
فلم يظلمهم ..يشهد بكون النظر إلى خصوص المسلمين ،والتتمة هي قوله « :وكملت
مروته وظهر عدله ووجبت أخوته» .فاألخوة تقوم بين المسلمين.
إال أن يقالّ :
إن األخوة -كما سلف -لها مراتب ،ومنها األخوة في اإلنسانية .والعدالة
يمكن تصورها بلحاظ كل األديان من خالل التزام أهل كل دين بمقتضيات ذلك الدين ،كما
سيأتي في كالم الشهيد الثاني.
وقبل أن ننتقل إلى سائر الوجوه التي قد يستدل بها لحرمة غيبة كل إنسان ،ال بأس أن
أن النصوص التي أخذ فيها عنوان «أخيك» في ن َُذك َِّر بما تقدم في فقرة «األخبار البيانية» من ّ
ثمة احتمال قوي ّ
أن موضوع الغيبة ،ومنها قوله تعالى ﴿ :ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾ ّ ،
(((
ال يراد باألخ فيها خصوص المؤمن أو المسلم ،وإنما مطلق المغتاب أي ًا كان مذهبه أو دينه،
ويمكن في ضوء هذا الوجه تعميم حرمة الغيبة لكل إنسان.
شك أنّه يصلح لتأييدها،الوجه الثاني :وهذا الوجه إن لم ينهض إلثبات الحرمة فال ّ
أن الغيبة بما تعنيه من تفكّه بأعراض الناس وفضح معايبهم وكشف مساوئهم أماموخالصتهّ :
اآلخرين هي من السلوكيات القبيحة في ذاتها وتعدّ من رذائل األخالق التي يستقبحها الطبع
السوي والفطرة المستقيمة ،األمر الذي يجعلها -فيما نرجح -من القضايا التي يصعب فيها
قبول هذا النوع من التضييق في دائرة القبح إلى الحد الذي يخرج معه معظم أبناء البشر عن
التحريم ،وهذا المعنى تؤيده العديد من المؤشرات والشواهد الواردة في النصوص الدينية،
إن الغيبة قبيحة ذات ًا فانظر إلى لسان
ما يدفعنا إلى ترجيح تعميم الحرمة وتوسعة دائرتهاّ .
الروايات التالية لتكتشف مؤشريتها على القبح الذاتي للغيبة ،بصرف النظر عن المغتاب:
« ..كف عن الغيبة ،فإنها إدام كالب النار»(((.
ّ --1في الخبر عن أبي عبد الله الحسين :
--2وفي الخبر عن أمير المؤمنين « :الغيبة جهد العاجز»(((.
إن ما دل على جواز غيبة من ألقى جلباب الحياء((( ،هو مؤشر على ّ
أن المناط قد يقالّ :
في حرمة الغيبة هو منافاتها لالحترام ،وهذا ما جعله خارج ًا عن دائرة التحريم ،إ ّما تخصيص ًا
أو أشبه بالتخصص بسبب القصور في أدلة التحريم.
ولكنه يقال :إنّه ال دليل على استثناء غيبة المتجاهر من حكم الغيبة ،وإن كان ذكره بما
قال السيد الخوئي بعد استعراض الروايات التي استدل بها الستثناء غيبة المتجاهر مما دل على حرمة (( (
الغيبة« :لم يدل دليل معتبر على جواز غيبة المتجاهر بالفسق ليكون مقيد ًا لإلطالقات الدالة على
حرمة الغيبة مطلق ًا .نعم قد ذكرنا في معنى الغيبة أنها عبارة عن كشف ما ستره الله على العباد ،وأيدناه
ببعض الروايات ،فيكون المتجاهر بالفسق خارج ًا عن حدود الغيبة تخصص ًا وموضوع ًا ،ألنه قد كشف
ستره بنفسه قبل أن يكشفه المغتاب (بالكسر)» ،انظر :مصباح الفقاهة ،ج ،1ص .529
سورة الحجرات ،اآلية .12 (((
زبدة البيان ،ص .418 (((
سورة النساء ،اآلية .29 (( (
الكامل البن عدي الجرجاني ،ج ،2ص .173 (((
كشف الخفاء ،ج ،1ص .106 (( (
117 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
والمؤمن موضوع ًا لحرمة الغيبة ،من ذلك ما رواه الكليني عن ا ْل ُح َس ْين ْبن ُم َح َّم ٍد َع ْن ُم َع َّلى
ان َق َالَ :س َأ ْل ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله َ ع ِن اء َع ْن َد ُاو َد ْب ِن ِس ْر َح َ ب ِن محم ٍد ع ِن ا ْلحس ِن ب ِن ع ِلي ا ْلو َّش ِ
َ َ ْ َ ٍّ َ ْ ُ َ َّ َ
يك فِي ِدينِه َما َل ْم َي ْف َع ْل و َت ُب َّث َع َل ْيه َأ ْمر ًا َقدْ َست ََره ال َّله َع َل ْيه َل ْم ُي َق ْم ول ألَ ِخ َ
ا ْل ِغي َب ِة؟ َق َالُ :ه َو َأ ْن َت ُق َ
َع َل ْيه فِيه َحدٌّ »(((.
خصت الغيبة -وهي في مقام التحديد -بأن يذكر عيب وتقريب االستدالل ّ
أن الرواية ّ
أخيه ،ومن الواضح أن غير المسلم ليس أخ ًا ،وأ ّما قوله «في دينه» ،فهي مرتبطة بالقول،
فالمعنى أن تقول فيه قوالً في دينه ،بمعنى االنتقاص من دينه.
قلت :يالحظ عليه -باإلضافة إلى ضعف السند ،لعدم وثاقة معلى بن محمد ،كما
أن الرواية حصرت الغيبة بكون العيب في دينه ،وهذا ما لم يقل به أحد أسلفنا فيما مضى ّ -
من الفقهاء وينافي سائر األدلة التي دلت على تحقق الغيبة بذكر عيب اآلخر سواء كان في
عرفت الغيبة تضمنت أمر ًا آخر ال قائل به وهو أنّها ّ دينه أو في ُخلقه أو في جسده ،كما أنّها ّ
تعريف ًا ال يبقى معه فرق بينها وبين البهتان ،فانظر إلى قوله « :أن تقول ألخيك في دينه ما
لم يفعل» ،وهذا هو البهتان.
ول« :ا ْل ِغي َب ُة َأ ْن
الر ْح َم ِن ْب ِن َس َيا َب َة َق َالَ :س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله َ ي ُق ُ ِ
ونحوها رواية َع ْبد َّ
حدَّ ِة وا ْل َع َج َل ِة َف َل وا ْل ُب ْهت ُ
َان َأ ْن اهر فِيه ِم ْث ُل ا ْل ِ
ِ
وأ َّما األَ ْم ُر ال َّظ ُ ول فِي َأ ِخ َ
يك َما َست ََره ال َّله َع َل ْيه َ َت ُق َ
ول فِيه َما َل ْي َس فِيه»(((.َت ُق َ
عبد الرحمن بن س ّيابة ال توثيق له وإن عدّ السيد الخوئي رواياته ٰ وهذه ضعيفة السندّ ،
ألن
صحيحة في مبناه القديم القائم على وثاقة من روى عنه ابن قولويه في «كامل الزيارات» ،إال
أنّه قد تراجع عن هذا المبنى في آخر عمره.
هذا وقد أسلفنا سابق ًا ّ
أن التعبير بـ«أخيك» ونظائرها ،من المحتمل أن يكون المقصود
به هو المغتاب ،الذي وقعت عليه الغيبة ،كما يقال :صاحبك.
ثمة وجه ًا لتعميم الحرمة إلى كل إنسان لم يثبت نزع وكيف كان فمما تقدّ م اتضح ّ
أن ّ
الحرمة عنه كالمحارب مثالً ،وهذا ما ذهب إليه بعض فقهاء المسلمين ،فقد «سئل الغزالي
-ره -عن غيبة الكافر .فقال :هي في حق المسلم محذورة لثالثة علل :اإليذاء ،وتنقيص ما
لعن الآخر
--1مفهوم اللعن
--2القاعدة العامة األولية في حكم اللعن.
والسنة.
--3نظرة عامة حول اللعن الوارد في الكتاب ُّ
--4دراسة تفصيلية في العناوين التي ورد فيها اللعن.
--5حكم اللعن بالعنوان الثانوي.
--6ماذا عن عالقة اللعن بالعقيدة؟
الكافي ،ج ،2ص .360قال في المجلسي في مرآة العقول ،ج ،1ص ،11موثق كالصحيح. (((
الكافي ،ج ن ،ص ن .وثواب األعمال للصدوق ،ص .270 (((
سنن أبي داود ،ج ،2ص .457والجامع الصغير للسيوطي ،ج ،1ص .316 (( (
عوالي الآللي ،ج ،1ص 172؛ وراجع الرواية في مصادر السنة ،سنن أبي داود ،ج ،2ص .457 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 126
مبغوضة عنده تعالىّ ،
ألن اللعنة كجملة يتلفظ بها الالعن ال معنى لعودها على الالعن،
فيكون المراد عود أثرها ووزرها وهو البعد عن ساحة الله تعالى.
وقد يعترض على هذا االستدالل باعتراضين:
االعتراض األول :أنّه ال داللة في هذه األخبار على حرمة اللعن أصالً ،وإنّما تدل على
أن الملعون إن لم يكن مستحق ًا للعن ّ
فإن اللعنة ال تصله ترتب أثر وضعي على اللعن ،وهو ّ
بل تعود على الالعن.
ألن عود اللعنة -كما عرفت- ولكن هذه المالحظة قد اتضح عدم صحتها للتو ،وذلك ّ
يكون بعود أثرها وهو البعد عن ساحته تعالى وهو يالزم الحرمة ،ألنّه ال يجوز لإلنسان أن
يتسبب بما يجعله مطرود ًا من رحمة الله تعالى.
أن الرواية على عكس المدعى أدلّ ،
فإن اللعنة لو كانت مبغوضة االعتراض الثانيّ :
أن الروايات حددت عودها على الالعن في صورة لكان الالزم عودها دائم ًا على الالعن ،مع ّ
ال للعنة ،أي هناك من هو أهل للعن ،وهناك من ليس أه ً
ال له، ما لو لم يكن الملعون أه ً
والرواية لم تحدد من هو أهل ،فيرجع في تحديد ذلك إلى سائر الروايات واألدلة.
بأن الالعن حيث ال يحرز كون الملعون أه ً
ال فهو وهذه المالحظة يمكن دفعها أيض ًا ّ
ال يأمن من عود وزر اللعنة عليه ،والعاقل ال يورد نفسه فيما هو مظنّة الوزر والمساءلة ّإل
أن هذا الشخص هو أهل للعنة ،وهذا ينحصر بما يرد عن بمؤ ِّمن ،كأن ينهض لديه دليل على ّ
َ
النبي األكرم (ص) أو األئمة المعصومين .
المؤ ِّمن العام موجود وهو البراءة .ومعه فلن يستفاد من هذه
إن َ اللهم إال أن يقالّ :
ال للعن وال مستحق ًا له.
الطائفة سوى حرمة اللعنة مع ثبوت كون الملعون ليس أه ً
الطائفة الثانية :ما ورد في النهي عن اللعن بقول مطلق ،وهذه الطائفة -كسابقتها -تدل
على حرمة اللعن مطلق ًا للمسلم وغير المسلم فتقييدها يحتاج إلى دليل .ومما ورد في ذلك:
--1ما روي عن النبي األكرم (ص)« :ال تلعنوا بلعنة الله وال بغضبه وال بالنار»(((.
--2وفي الجعفريات بإسناده إلى أمير المؤمنين أنه كان يقول« :إياكم وسقط الكالم...
وقعة صفين ،ص .103ورواه ابن أعثم في الفتوح ،ج ،2ص .543وابن أبي الحديد في شرح نهج (((
البالغة ،ج ،3ص .181
سنن الترمذي ،ج ،3ص .250 (((
صحيح مسلم ،ج ،8ص .24 (( (
سنن الترمذي ،ج ،3ص .236ورواه الحاكم في المستدرك ،ج ،1ص ،12وصححه .وراجع السنن (( (
الكبرى للبيهقي ،ج ،10ص .193وصحيح ابن حبان ،ج ،1ص .421
129 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ثاني ًاّ :
إن داللة بعضها على الحرمة غير واضحة ،ومنها الرواية األخيرة.
إن الرواية الثالثة الواردة في نهي علي أصحابه يوم صفين قد وردت وربما قيلّ :
في «نهج البالغة» دون ذكر اللعن ،كما سيأتي ،ولهذا قال ابن أبي الحديد في شرح النهج:
«والذي كرهه منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم
السالم «كما كان يكره منهم
والبراءة منهم» ،ولك ّن الذي يظهر من هذه الرواية أنه عليه ّ
((( (((
في شرح النهج وردت «البذاءة» وهو خطأ مطبعي أو نحوه ،إذ يلزم التهافت في كالمه. (( (
شرح نهج البالغة ،ج ،11ص .21 (( (
كما ذكر الميرزا حبيب الله الخوئي ،منهاج البراعة في شرح نهج البالغة ،ج ،13ص .94 (((
التبيان للطوسي ،ج ،3ص .609 (((
المصدر نفسه ،ج ن ،ص .225 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 130
وأما من ليس مكلف ًا فهو ليس مستحق ًا للطرد واإلبعاد عن رحمته تعالى ،وكذلك الجاهل
القاصر والمجتهد القاطع بصحة ما هو عليه ولو كان من غير المؤمنين أو من غير المسلمين.
وكيف كان ،فهذا الوجه ال يصلح لتأسيس قاعدة عامة في حرمة اللعن ،وإنما غاية ما
يثبته هو حرمة لعن من ال يستحق اللعن ،ممن أشير إليهم.
المستوى الثاني :في لعن المسلم
إذا لم يتم لنا أصل لفظي يقضي بحرمة لعن كل إنسان ،فقد يتم أصل لفظي يقضي
بحرمة لعن كل مسلم ،وهذا ما يمكن االستشهاد له بعدّ ة طوائف من األخبار:
الطائفة األولى :ما ورد حول لعن المسلم ،وهو روايات:
--1ما روي عنه (ص)« :ومن لعن مسلم ًا كان كقتله ،ومن سمى مسلم ًا كافر ًا فقد كفر»،
رواه الطبراني بإسناده إلى ثابت بن الضحاك((( .وهي واضحة الداللة على حرمة لعن
كل مسلم.
--2وفي رواية سهل بن سعد الساعدي عن النبي (ص)« :ال تلعنوا ُت ُبع ًا((( ،فإنّه كان قد
جامع البيان للطبري ،ج ،26ص .200والتبيان للشيخ الطوسي ،ج ،2ص .362 (((
سورة ق ،اآليات .14 -12 (( (
صحيح البخاري ،ج ،8ص .14والسنن الكبرى ،ج ،8ص .312 (( (
انظر حول هذه الوجوه :فتح الباري في شرح صحيح البخاري ،ج ،12ص .68 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 132
ثم آخرها.
ولعل أقرب الوجوه هو أولها ّ
--2في رواية أخرى عن زيد بن أسلم قال« :أتي بابن النعمان إلى النبي (ص) مرار ًا أكثر من
أربع ،فجلده في كل ذلك ،فقال رجل عند النبي (ص) :اللهم العنه ما أكثر ما يشرب!
يحب الله ورسوله»(((.
ّ وما أكثر ما يجلد! فقال النبي (ص)« :ال تلعنه ،فإنّه
وتقريب االستدالل أنّه ومع كون الرجل عاصي ًا ومستوجب ًا للحد بسبب شرب الخمرة،
«يحب الله
ّ فإن النبي (ص) قد نهى عن لعنه ،مبرر ًا نهيه -بما هو ظاهر في التعليل -بأنّه
ّ
إن كان مالزم ًا لإليمان به كما ال يبعد -باعتبار أن ح ّبه
وحب الرسول(ص) ْ ّ ورسوله(ص)».
حب الله المالزم لإليمان به بعنوان كونه رسوالً ال ينفك عن اإليمان ،فيكون ح ّبه (ص) نظير ّ
أن موضوع الحرمة هو كون اإلنسان مؤمن ًا بالله ورسوله ،وهو يشمل كل ّ -
فتدل الرواية على ّ
مسلم ،وإن كان ح ّبه (ص) غير مالزم لإليمان به -على اعتبار أنّه قد يحبه اإلنسان لعصبية أو
للحب إنما هو حيثية تعليلية
ّ لحسن عشرته معه ،وعنوان الرسول المأخوذ في الخبر متعلق ًا
وليس تقييدية -فتكون الرواية دالة على حرمة لعن المسلم المؤمن بنبوته (ص) بطريق أولى.
ولك ّن المشكلة في هذه الطائفة وبغض الطرف عن سندها ،أنّها معارضة بما ورد
عنه (ص) من لعن الخمرة وعاصرها ومعتصرها وشاربها(((.
اللهم إال أن يرد هذا اإلشكال:
أخص مما ورد في لعن شارب الخمرة ،فتكون النتيجة هي جواز ّ أوالًّ :
إن هذه الطائفة
لعن شارب الخمرة إال إذا كان محب ًا لله ولرسوله.
إن اللعن في قوله« :لعن الله في الخمرة عشرة..وشاربها» وارد مورد اإلخبار، ثاني ًاّ :
وهو ال ينافي المنع من إنشاء اللعن كما هو ظاهر الطائفة المذكورة .فما منع عنه النبي (ص)
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،12ص ،301الحديث ،1الباب 160من أبواب أحكام العشرة.
((( سنن الدارمي ،ج ،2ص .192
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 134
الروايتين ،ألنه ال تنافي بين مثبتين ،هذا لو لم نقل أن المراد بالمؤمن هنا هو المسلم
نفسه.
وج َّل: «ول َي ْل َع ُن ال َّله ُم ْؤ ِمن ًاَ ،
قال ال َّله َع َّز َ --3في حديث محمد بن سالم عن أبي جعفر َ :
﴿ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ * ﱛ ﱜ ﱝ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﴾(((»(((.
وهذه الرواية حيث د ّلت على ّ
أن الله ال يلعن مؤمن ًا ،فيستفاد منها أنه ال يجوز لعنه،
فمن ال يلعنه الله ال يحق لنا لعنه ،فمن ال يطرده الله من رحمته ال يحق لنا أن نسأل الله
طرده من رحمته ،والمؤمن في الرواية حيث استعمل في مقابل الكافر -كما يظهر من
استشهاده باآلية -فيكون المراد به مطلق من آمن بالله تعالى ورسوله (ص).
ولكن ربما يتأمل في داللة الرواية على الحرمة ،ألنّها تتحدث عن فعل الله وأنّه تعالى
ال يلعن مؤمن ًا ،بينما كالمنا في لعن اإلنسان ألخيه اإلنسان ،وال مالزمة بين األمرين،
يدل على أن من ال يلعنه الله أو يطرده من رحمته فال يجوز لنا سؤال ثمة ما ّ
أي ليس ّ
اللعنة له .أجل ،قد يكون سؤالنا اللعنة لمن ال يستحق اللعنة عند الله أمر ًا مذموم ًا وربما
يكشف عن خبث في سريرة الداعي بذلك ،ولكن ليس ما يثبت حرمته ،إال بالعودة إلى
ما تقدم في الخبر من أن اللعنة إذا خرجت من فم صاحبها فإن لم يكن الملعون لها أه ً
ال
عادت إلى الالعن.
وينبغي أن يعلم أنّه ال منافاة بين تحريم لعن المسلم (مما جاء في المستوى الثاني)
وتحريم لعن المؤمن (مما جاء في المستوى الثالث) ،فال يدخل ذلك في باب التعارض،
إن المؤمن غير المسلم ،ولكن عرفت سابق ًا ألنّهما مثبتان ،وال تنافي بينهما .هذا لو قيلّ :
أن المؤمن في كالمه (ص) بل في كالم األئمة على األرجح ،ال ُيراد به المؤمن بالمعنى ّ
األخص ،أي الموالي ألهل البيت ،بل هو مطلق من آمن بقلبه في مقابل من آمن بلسانه.
وهكذا قد يقال :ال تنافي بين ما جاء في الروايات في المستوى األول وما جاء في
المستوى الثاني لالعتبار نفسه ،أعني عدم المنافاة بينهما ،فإنها بأجمعها روايات مثبتة
للحكم.
اللهم ّإل أن يقال :ما جاء في الروايات من حرمة لعن المسلم جاء معلالً ،والعلة كما
وال�سنة
المرحلة الثالثة :نظرة عامة حول اللعن الوارد في الكتاب ُّ
استكماالً للحديث في المرحلة الثانية ،كان ال بدّ من دراسة عامة ألهم موارد اللعن
والسنة .وطبيعي أنّه لو أمكن تجاوز التأمل والتحفظ الذي سجلناه في
الواردة في الكتاب ُّ
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 136
المرحلة السابقة ،حول وجود أصل لفظي عام يحرم لعن كل مسلم أو كل إنسان ،ولو لكون
األخبار متضافرة فيحصل الوثوق بالمضمون على األقل بالنسبة للمسلم ،فإن البحث اآلتي
في هذه المرحلة سوف يكون بحث ًا في المستثنيات من تلك القاعدة .وحتى لو فرض أنّه لم
يمكن تجاوز التحفظ المذكورّ ،
فإن البحث في هذه المرحلة الثالثة يكتسب أهميته في أنه
سيكمل الصورة حول الرؤية الشرعية العامة حول اللعن ،وبحثنا في هذه المرحلة سيكون
في أمرين أساسيين:
والسنة
األمر األول :نظرة في أهم موارد اللعن في الكتاب ُّ
األمر الثاني :دراسة تحقيقية ونقدية لتلك الموارد
ويجدر بنا هنا التنبيه إلى ّ
أن اللعن إذا صدر من الله فهو حكاية وإخبار عن طرد الملعون
بحق بعضهم فهو دعاء وطلب بالطرد ،وإذا صدر عن عن رحمته ،وإذا صدر من العباد ّ
النبي (ص) أو اإلمام فهو قد يكون إخبار ًا وقد يكون إنشا ًء.
والسنة
األمر األول :نظرة في أهم موارد اللعن في الكتاب ُّ
والسنة يجد أن اللعن وارد فيهما في العديد من الموارد ،األمر
إن المتأمل في الكتاب ُّ
الذي يفرض درسه بدقة لتكوين صورة حول موقف اإلسالم من اللعن ،وهذه إطاللة عامة
السنة:
على أهم العناوين التي طالها اللعن في الكتاب وفي ُّ
اللعن في القرآن
ّ
إن موارد اللعن والملعونين في القرآن الكريم تندرج ضمن العناوين التالية:
تم فيه --1لعن إبليس ﴿ ،ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﴾ ،وليس ّ
ثمة مورد في القرآن الكريم قد ّ
(((
لعن مخلوق باسمه وشخصه سوى إبليس ،فقد خاطبه الله تعالى ﴿ :ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ
ﳐ ﳑ ﴾.
--2اللعن المرتبط بانحراف عقائدي كالكفر أو النفاق ،فقد ورد في القرآن الكريم لعن
الكافرين ،قال تعالى ﴿ :ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾(((.
ج 10ص ،85وقال المازندراني« :المقربة بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء ،ونظيره من طريق =
عور طريق المقربة»العامة« :من غ ّير المقربة فعليه لعنة الله» ومن طريقهم أيض ًا« :ثالث لعينات رجل ّ
قال الزمخشري في الفائق :المقربة المنزل وأصلها من القرب وهو السير إلى الماء ،ونقل عن صاحب
األول
النهاية أن المقربة طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير ،وجمعها المقارب وهو هنا أنسب من ّ
وتأنيث ضمير الطريق هنا وتذكيره في الخبر اآلتي باعتبار أن الطريق يؤنث ويذكر» .انظر :شرح أصول
الكافي للمازندراني ،ج ،9ص .288ومرآة العقول ،ج ،10ص .84
الكافي ،ج ،2ص .270بيان :قال المازندراني« :كمه يكمه من باب علم ،عمى ،واألكمه الذي يولد (((
أعمى .وربما يقال للذي عمي بعد ،وكمه أيض ًا حار حيرة ،ومنه الكامه الذي يركب فرسه ال يدري أين
يتوجه وفالن يتكمه في األرض ،وكمهه بالتشديد أعماه وحيره أيض ًا ،ولعل المراد هنا من ح ّير األعمى
بأن يضله عن طريقه أو ال يهديه إليها» ،انظر :شرح أصول الكافي ،ج ،9ص .245
الكافي ،ج ،5ص .165ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .266وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .114 (( (
وعنهم في :وسائل الشيعة ،ج ،17ص ،424الحديث ،3من الباب 27من أبواب آداب التجارة،
والجالب الذي يحمل حوائج الناس من بلد إلى آخر.
الكافي ،ج ،5ص .165ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .267وتهذيب األحكام ،ج ،7ص .159 (( (
وعنهم في :وسائل الشيعة ،الحديث 1من الباب 27من أبواب ما يكتسب به.
الكافي ،ج ،6ص .268والرواية األولى رواها الشيخ في التهذيب ،ج ،9ص .97 (((
141 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
--1ما ورد في دعاء اإلمام زين العابدين وهو يتحدث عن أولياء الله تعالى وأمنائه وخلفائه
ِ ِ ِ
الذين قهروا وابتزوا و ُغلبوا ،يقول« :ال َّل ُه َّم ا ْل َع ْن َأ ْعدَ َاء ُه ْم م َن األَ َّول َ
ين واآلخ ِر َ
ين»(((.
--2ما روي عن أمير المؤمنين في شأن الزناة من أن ريح ًا تهب يوم القيامة منتنة يتأذى
منها أهل الجمع ...فيقال :هذه ريح فروج الزناة...فالعنوهم لعنهم الله ،قال :فال يبقى
في الموقف أحد إال قال :اللهم العن الزناة»(((.
--3عن أبي عبد الله في زيارة أبي عبد الله الحسين « :اللهم العن الذين بدّ لوا نعمتك،
وخالفوا ملتك ،ورغبوا عن أمرك ،واتهموا رسولك ،وصدّ وا عن سبيلك.(((»..
--4في زيارة أمير المؤمنين « :اللهم العن قتلة أنبيائك ،وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك،
حر نارك ،اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة ...اللهم العن قتلة أمير وأص ْلهم ّ
المؤمنين -ثالث ًا -اللهم العن قتلة الحسن والحسين -ثالث ًا .(((»-
--5ما ورد عن أبي جعفر « :اللهم العن المرجئة»(((.
ويكثر الدعاء باللعن في الزيارات ،ونكتفي بهذا القدر منها.
ثالث ًا :بين اإلخبار واإلنشاء
وثمة روايات في اللعن تحتمل اإلخبار واإلنشاء ،كما في صيغة «لعنة الله عليه» ،أو
صيغة « َل َع َن الله» الواردة مكرر ًا في الروايات ،من قبيل:
--1ما روي عنه (ص)« :لعن الله الراشي والمرتشي»(((.
--2عن أمير المؤمنين :سمعت رسول الله (ص) يقول« :لعن الله المتشبهين من الرجال
بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»(((.
«لعن رسول الله الواصلة والموصولة»(((.
1 -1لعن الكافر
باالستناد إلى ما تقدّ م من أنّه ال يجوز لعن من ال يستحق اللعن يمكن القولّ :
إن كون
الكافر ملعون ًا ومطرود ًا من رحمة الله -في ظرف كفره أو إذا مات على الكفر -أمر ال شك
فيه ،لك ّن الكالم في جواز لعنه إنشا ًء مع كونه حي ًا ويرجى له الهداية ،وال سيما إذا كان جاه ً
ال
قاصر ًا .فإذا قام الدليل على ذلك وكان له إطالق ،فنلتزم بجواز لعنه ،وأ ّما إذا لم ينهض دليل
والمقصر ،فيجوز لعنهما،
ّ فصل بين الكافر الجاحدعلى جواز لعنه فيشكل األمر ،لكن ربما ُي ّ
ألنّهما مطرودان من رحمة الله ،وبين الكافر القاصر المعذور وهم غالبية الكفارّ .
فإن مقتضى
القاعدة أنّه ال يجوز لعنهم ،وكذا مقتضى اإلطالقات.
المقصر مطرود ًا من رحمة الله ال
ّ ال ّلهم ّإل أن ُيقالّ :
إن هذا التفصيل ال وجه له ،فكون
يبرر لعنه إنشا ًء ودعا ًء.
ولهذا فالمهم مالحظة الدليل ،فهل من دليل على جواز لعن الكافر؟
ما يمكن أن يستدل به لذلك أمور:
أوالً :إنّه مطرود من رحمة الله تعالى فيجوز لعنه.
ويالحظ عليه :أنّه ليس كل كافر مطرود من رحمة الله ،فالقاصر غير مطرود.
ثاني ًا :دعوى الضرورة على جواز لعن الكافر.
ولكن دعوى الضرورة هي محل تأمل وإشكال ،إن لم نقل محل منع في بعض أصناف
الكافر وهو القاصر وغير المعاند ،على أن الضرورة هنا إنما انطلقت من األدلة الواردة في
المقام وال سيما اآليات القرآنية ،فتكون ضرورة مدركية ،وقيمتها الداللية هي بتمامية داللة
المدرك على المدعى ،وهذا ما سوف نراه عما قليل.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 150
ثالث ًاّ :
إن لعن الكافر مما ال دليل على حرمته ،فيكون محكوم ًا بأصالة البراءة ،وبعبارة
أخرى :ال مقتضي للحرمة فيه.
ولكن يمكن التمسك ببعض األدلة إلثبات حرمة لعن القاصر ولو كان كافر ًا ،وذلك من
ال وإال عادت،قبيل ما ورد من أن اللعنة إذا خرجت من فم الالعن ،فإن وجدت الملعون أه ً
وال ريب أن القاصر ليس أه ً
ال لذلك.
وعليه ،فال يرد على ما ذكرناه ّ
بأن الحكم ال يثبت موضوعه وبالتالي ال يمكن التمسك
بالحديث المذكور في الكافر ،بعد عدم وجود ما ينفي أهليته للعن ،والوجه في عدم صحة
هذه اإليراد أنّه قد ثبت عدم أهلية القاصر للعن.
رابع ًا :مفهوم قوله (ص)« :ال تلعنوا تبع ًا فإنه قد أسلم».
لكن عرفت سابق ًا أنّه ال يتسنى لنا االعتماد على هذه الرواية في إثبات الحكم الشرعي،
وذلك بسبب ضعفها سند ًا ،فال يرفع اليد عن القاعدة والعمومات استناد ًا إلى خبر ضعيف،
ناهيك عن أنه قد ورد في نسخة أخرى« :ال تسبوا تبع ًا».
خامس ًا :اآليات القرآنية الدالة على صدور لعن إلهي بحق الكافرين ،وهذا هو العمدة
في المقام.
والمالحظ ّ
أن آيات لعن الكفار الواردة في القرآن هي على صنفين:
الصنف األول :ما كان وارد على سبيل اإلخبار عن فعل الله تعالى من قبيل:
--1قوله تعالى ﴿ :ﲵ ﲶ ﲷ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﴾(((.
--2قوله تعالىِ ﴿ :ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾(((.
--3قوله تعالى ﴿ :ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ
ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱐﱾﲬﲈﲵﱤﱥﱦﱧﱨ
ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﴾(((.
--4قوله تعالى ﴿ :ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ
2 -2لعن الم�سلم
ّ
إن الوجوه المحتملة في لعن المسلم غير الموالي ألهل البيت ثالثة:
--1حرمة لعنه مطلق ًا ،كما يحرم قذفه باإلجماع ،أو كما يحرم س ّبه بنظرنا.
--2جواز لعنه مطلق ًا.
--3التفصيل بين القاصر والمقصر.
ودليل الوجه الثالث واضح وهو ما تقدّ م ،والتفصيل إن التزم به في الكافر فباألولى أن
تم دليل في يلتزم به في المسلم ،ومن الطبيعي أن يكون األخذ بهذا التفصيل متعين ًا إال إذا ّ
تمت فهذا مورد على جواز اللعن مطلق ًا .ولهذا يتحتم علينا النظر في أدلة الوجه األول؟ فإن ّ
أن الالزم مالحظة أدلة الوجه الثاني سيقضي بتعميم الحرمة لكل مسلم ولو كان مقصر ًا .كما ّ
تمت فهل يمكن األخذ بإطالقها أم يلزم تقييدها استناد ًا حول جواز لعنه مطلق ًا ،فهل تتم وإذا ّ
إلى أدلة التفصيل؟
هذا ويظهر من النراقي في «جامع السعادات» أنه يحرم غيبة كل مسلم إال من قام الدليل
على جواز لعنه ،قال« :اللعن على رؤساء الظلم والضالل والمجاهرين بالكفر والفسق جائز،
بل مستحب ،وعلى غيرهم من المسلمين غير جائز ،إال أن يتيقن باتصافه بإحدى الصفات
الموجبة له .وينبغي أال يحكم باتصافه بشيء منها بمجرد الظن والتخمين ،إذ ال يجوز أن
يرمى مسلم بكفر وفسق من غير تحقيق»((( ،فهو يمنع من لعن كل مسلم باستثناء من ذكره
أن لمذهب الشخص دور ًا في جواز لعنه ،فاستثناء في صدر كالمه ،وال يظهر من كالمه ّ
المتجاهرين بالفسق ال يختص بمذهب دون آخر ،فتأمل.
أدلة حرمة اللعن مطلق ًا
تقدّ م أنّه توجد بعض األدلة والشواهد على عدم جواز لعن المسلم حتى لو لم يكن
موالي ًا ألهل البيت ،وقد تقدمت هذه الشواهد فيما سلف .وإذا ّ
تمت أدلة هذا الوجه فإنّه
يصلح إلثبات الحرمة بقول مطلق.
ولك ّن ما استدل به له ال يخلو من تأمل في السند .ولك ّن اإلنصاف أنّه بمالحظة تلك
الروايات بضميمة الروايات التي أخذت عنوان المؤمن مع تفسير المؤمن بما يشمل مطلق
من آمن بالله ورسوله (ص) فقد يحصل الوثوق بالصدور ،ومع ذلك فإن التفصيل المشار
إليه هو األقرب كما سيأتي.
أدلة جواز اللعن
ال لرفع اليد عن تلك المطلقات ،ويجيز لعن كل من ال يعتقدوما يمكن أن يصلح دلي ً
بوالية أهل البيت هو الوجوه التالية:
السب والغيبة من دعوى الضرورة على أنّه ال حرمة
ّ الوجه األول :ما تقدم في مبحث
لهم وأنّهم كفار في الواقع.
وقد عرفت الجواب على ذلك.
دل على إعالن البراءة منهم ،وهو ما ورد في الحديث عنه (ص)« :إذا الوجه الثاني :ما ّ
رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من س ّبهم والقول فيهم
والوقيعة وباهتوهم كيال يطمعوا في الفساد في اإلسالم.(((»...
وقد عرفت -أيض ًا -ما في هذه الرواية أو غيرها من إشكاالت ،ويضاف إليها ّ
أن
الرواية ال تتضمن اللعن أصالً.
الوجه الثالث :ما ورد في لعن أبي حنيفة معل ً
ال ذلك بأنه كان يقول« :كان علي يقول،
وأقول أنا» ،وستأتي الرواية الحق ًا.
ولكن قد يقال :إنّه لو ثبت صدور اللعن عن اإلمام ،فغاية ما ّ
تدل عليه الرواية جواز
لعن من يضع نفسه في قبال علي وير ّد قوله ،ومن غير البعيد أن تلغى خصوص ّية
أن هذا ال يشمل عامة اإلمام علي ويتّم إلحاق سائر األئمة به ،لك ْن من الواضح ّ
المسلمين ،فليسوا بأجمعهم كذلك.
الوجه الرابع :ما ورد في لعن المرجئة ،من قبيل:
4 -4لعن الفا�سق
ولكن ماذا لو كان الشخص فاسق ًا فهل يجوز لعنه أم يحرم؟
ذهب السيد الخوئي إلى حرمة لعن المؤمن حتى لو كان فاسق ًا ،فقد سئل عن جواز لعن
الفاسق؟
فقال« :ال يجوز لعن المؤمن أو س ّبه أو الدعاء عليه»(((.
وسئل :هل يجوز لعن شارب الخمر المتجاهر حتى الموالي؟
من الرحمة الدنيوية وإنزال العذاب هو ما ورد في بعض الروايات :ومنها ما رواه مسعدة بن
هذه اآلية ﴿ :ﱁ ﱂ صدقة قال« :سأل رجل أبا عبد الله ...ثم قرأ أبو عبد الله
ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ إلى قوله ﴿ ﲀ ﲁ
ﲂ ﲃ ﴾((( قال « :الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى،(((»...
والرواية موثقة بحسب السند مع أنها من روايات تفسير القمي.
يخرجاه»((( ،ولكن حتى لو أخذنا بتفسير ابن عباس هذا ،فال يمكن إلحاق كل المعاصي به
سب علي .بل ما كان من قبيل ّ
ثالث ًاّ :
إن اللعن في هذه اآلية هو إخبار وليس إنشا ًء.
ثمة ما يمنع من اللهم ّإل يقالّ :
إن اإلخبار عن لعنه وإن لم يالزم جواز لعنه لكن ليس ّ
لعنه في هذه الحال ،إال عمومات حرمة اللعن ومقتضى القاعدة ،ولكن ما جاء في اآلية أخص
من العمومات ،والقاعدة ال تقتضي سوى حرمة لعن من ال يستحق اللعن ،وهذا مستحق للعن.
﴿ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ اآلية الثالثة:
ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﴾((( .فإن كتمان العلم معصية ،ومع ذلك ّ
نصت اآلية
أن لعن لعن ِ
الله تعالى لمن يكتم العلم وكذا لعن الالعنين له ،والسياق شاهد على ّ على ِ
الالعنين هو في مح ّله وممضي ،فهو معطوف على لعن الله تعالى.
((( جوامع الجامع ،ج ،1ص .169وقال الطبرسي أيض ًا« :النزول :المعني باآلية اليهود والنصارى ،مثل
كعب بن األشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وزيد بن التابوه ،وغيرهم من علماء النصارى ،الذين
كتموا أمر محمد ونبوته ،وهم يجدونه مكتوب ًا في التوراة واإلنجيل مثبت ًا فيهما ،عن ابن عباس ومجاهد
والحسن وقتادة وأكثر أهل العلم .وقيل :إنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله ،وهو اختيار البلخي ،وهو
األقوى ،ألنه أعم فيدخل فيه أولئك ،وغيرهم» انظر :مجمع البيان ،ج ،1ص .446
((( التبيان ،ج ،2ص .46
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 164
شخص كهذا ال يمكن إلغاء الخصوصية عنه وإلحاق سائر المعاصي ٍ من العلم والهدى .ولع ُن
فإن كتمان العلم سيؤدي إلى تغيير معالمبه ،وال سيما ما هو أصغر من معصية كتمان العلمّ ،
ٍ
شخص كهذا ،وذلك إسقاط ًا له ومنع ًا من تأثر الدين ،فمن الوجيه أن يسمح الشرع بلعن
الناس بعمله وصنيعه ،وهذا ما ال يقاس به ارتكاب سائر المعاصي.
المستند الثاني :ما ورد في األخبار من لعن مرتكب بعض المعاصي ،وقد تقدمت
العديد من األخبار الواردة في ذلك إخبار ًا أو إنشا ًء ،وإليك بعضها:
--1ما روي عن الصادق « :المنجم ملعون ،والكاهن ملعون ،والساحر ملعون ،والمغنية
ملعونة ،ومن آواها وأكل كسبها ملعون»(((.
--2وفي الحديث عن أبي عبد الله قال :قال رسول الله(ص)« :ثالث ملعون ملعون من
فعلهن :المتغوط في ّ
ظل النـزال ،والمانع الماء المنتاب ،والساد الطريق المسلوك»(((.
--3عن أبي عبد الله قال :قال رسول الله(ص)« :ملعون ملعون من عبد الدينار
والدرهم ،ملعون ملعون من كمه أعمى ،ملعون ملعون من نكح بهيمة»((( .بيان« :كمه
أعمى» لع ّله بمعنى تركه أكمه دون أن يد ّله على الطريق.
--4عن أبي عبد الله قال« :قال رسول الله(ص)« :الجالب مرزوق والمحتكر ملعون»(((.
--5وعنه « :الحكرة في الخصب أربعون يوم ًا وفي الشدة والبالء ثالثة أيام فما زاد على
األربعين يوم ًا في الخصب فصاحبه ملعون ،وما زاد على ثالثة أيام في العسرة فصاحبه
ملعون»(((.
--6عن أبي عبد الله عن رسول الله (ص)« :ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها
من جلس طائع ًا على مائدة يشرب عليها
الخمر» ،وفي رواية أخرى« :ملعون ملعون ْ
الخمر»(((.
مسند أحمد ،ج ،2ص .387والمستدرك للحاكم ،ج ،4ص .103وعوالي الآللي ،ج ،1ص .266 (( (
وسائل الشيعة ،ج ،17ص ،285الحديث ،2الباب 87من أبواب ما يكتسب به. (( (
المصدر نفسه ،ص ،132الحديث ،3الباب 19من أبواب ما يكتسب به. (( (
الكافي ،ج ،6ص .38 (((
من قبيل ما ورد في النهي عن لعن المسلم أو المؤمن. (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 166
أن اللعنة تصيب الملعون إن كان إن ما ّ
دل على ّ رحمته ليس ثمة ما يمنع من جواز لعنه ،بل ّ
أه ً
ال يستفاد منها عدم حرمة لعنه.
إن القاعدة المتقدمة المشار إليها غير مرة قد د ّلت على حرمة لعن من ال يستحق ثاني ًاّ :
اللعن ،والعاصي ملعون لعن ًا نسبي ًا ،وليس لعن ًا كلي ًا ،فكيف لنا أن ننشئ لعنه بما هو ظاهر
بطلب طرده من رحمة الله طرد ًا كلي ًا ،مع أنّه ليس مستحق ًا لذلك وترجى توبته قبل موته؟!
نعم لو قيد اللعن وخصص بما إذا كان متلبس ًا بالعنوان فال ضير فيه.
للسب عرف ًا ،وإال فال يجوز بعنوان آخر .فالحكم
ّ هذا كله إذا لم يكن اللعن مصداق ًا
سب العاصي مطلق ًا ال يخلو من إشكال ،وال سيما ّ
أن ثمة ما يدل على النهي عن لعن بجواز ّ
ال بأنّه يحب الله ورسوله ،وورد النهي عن لعن المحدود معل ً
ال بالتعليل شارب الخمر معل ً
عينه.
(( ( تاريخ الطبري ،ج ،8ص ،185وجاء فيه« :ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به» .وربيع األبرار
ونصوص األخيار ،ج ،5ص .358شرح نهج البالغة ،ج ،15ص .175والخصال للصدوق ،ص.191
167 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
صحت الرواية ،فيزيد المذكور فيها ال يراد به يزيد بن معاوية((( ،ألنّه لم يدرك
ولو ّ
رسول الله (ص) فإنّه ولد عام 26أو 25للهجرةّ ،
فلعل المراد به يزيد بن أبي سفيان كما تشهد
صرحت ّ
أن الملعون هو معاوية وأخوه ،دون أن تسمي األخ((( ،وفي به بعض المصادر التي ّ
ُص على اسمه وهو يزيد أخو معاوية((( .وفي معاني األخبار بسنده إلى
مصادر أخرى ن َّ
البراء بن عازب قال :أقبل أبو سفيان ومعاوية يتبعه ،فقال رسول الله(ص)« :اللهم العن
التابع والمتبوع.(((»...
ولكن يبقى أنّه ال يعلم ما إذا كان لعنه لهؤالء الثالثة بعد إسالمهم أم قبله ،فيكون
السبب هو شركهم ومعاداتهم لإلسالم ،ولعن أبي سفيان قبيل إسالمه -ظاهر ًا -قد صدر
مع أن جمع ًا من علماء المسلمين أجازوا لعنه ،قال ابن حجر الهيثمي متحدث ًا عن يزيد« :وبعد اتفاقهم (( (
على فسقه اختلفوا في جواز لعنه بخصوص اسمه ،فأجازه قوم منهم ابن الجوزي ونقله عن أحمد
وغيره ،فإنه قال في كتابه المسمى بـ «الرد على المتعصب العنيد المانع من ذ ّم يزيد» :سألني سائل
عن يزيد بن معاوية فقال له :يكفي ما به ،فقال :أيجوز لعنه؟ فقلت :قد أجازه العلماء الورعون منهم
أحمد بن حنبل ،فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ،ثم روى ابن الجوزي عن القاضي أبي
يعلى الفراء أنه روى في كتابه «المعتمد في األصول» بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال :قلت
ألبي :إن قوم ًا ينسبوننا إلى تولي يزيد؟ فقال :يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ولم ال يلعن من
لعنه الله في كتابه ،فقلت وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال :في قوله تعالى ﴿ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ
ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ * ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾ [محمد،]23 - 22 :
فهل يكون فساد أعظم من القتل .وفي رواية فقال :يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه فذكره.
قال ابن الجوزي :وصنف القاضي أبو يعلى كتاب ًا ذكر فيه بيان من يستحق اللعن وذكر منهم يزيد ،ثم
ذكر حديث «من أخاف أهل المدينة ظلم ًا أخافه الله وعليه لعنة الله والمالئكة والناس أجمعين» ،وال
خالف أن يزيد غزا المدينة بجيش وأخاف أهلها» .انظر :الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع
والزندقة ،ص .222
هذا ما ورد في احتجاج اإلمام الحسن على معاوية وجاء فيه« :إنك يا معاوية كنت تسوق (((
بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد ،وهذا :يوم األحزاب ،فلعن رسول الله القائد
والراكب والسائق ،فكان :أبوك الراكب ،وأنت يا أزرق السائق ،وأخوك هذا القاعد القائد» .انظر:
أن الملعون هو أبو سفيان وأخوه ،فقد االحتجاج للطبرسي ،ج ،1ص .408وفي بعض المصادر ّ
فمر أبو سفيان على بعير ومعه أخ له ،أحدهما يقود أن النبي (ص) كان جالس ًا ّ روى البالذري ّ
البعير واآلخر يسوقه ،فقال رسول الله (ص)« :لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق».
انظر :أنساب األشراف ،ج ،5ص .129
المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء) ،ج ،2ص .57 (( (
معاني األخبار ،ص .345 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 168
عن النبي (ص) حسبما جاء في روايات أخرى ،وهي التي ورد فيها ّ
أن النبي (ص) لعنه مع
ثالثة آخرين ،وهما :الحرث بن هشام ،وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية(((.
أن النبي (ص) لعن المغيرة بن أبي العاص ،ففي الخبر عن المورد الثاني :ما روي ّ
أبي عبد الله الصادق ...« :قال رسول الله (ص) :اللهم العن المغيرة بن أبي العاص،
عم عثمان بن عفان ،وكانوالعن من يؤويه والعن من يحمله »...والمغيرة هذا هو ُّ
(((
قال السيوطي« :وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدالئل عن ابن (( (
عمر قال :قال رسول الله (ص) يوم أحد« :اللهم العن أبا سفيان ،اللهم العن الحرث [الحارث] بن
هشام ،اللهم العن سهيل بن عمرو ،اللهم العن صفوان بن أمية» ،فنزلت هذه اآلية ﴿ :ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ
ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﴾ [آل عمران ،]128 :فتيب عليهم كلهم» .انظر :سنن الترمذي،
ج ،4ص .295وجامع البيان عن تأويل أي القرآن للطبري ،ج ،4ص .118والدر المنثور في التفسير
بالمأثور ،ج ،2ص .71ونقل الرواية أيض ًا مع التصريح بأسماء جميع الملعونين الصالحي الشامي،
في سبل الهدى والرشاد ،ج ،4ص .246والحلبي في السيرة الحلبية ،ج ،2ص .514واآللوسي في
تفسيره ،ج ،4ص .49والشوكاني في فتح القدير ،ج ،1ص .380وتاريخ مدينة دمشق البن عساكر،
ج ،11ص ،494ولكن بعضهم حذف اسم أبي سفيان وجعل مكانه «فالن ًا» ،كما في مسند أحمد ،ج ،2
ص .93وعنه تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ،ج ،1ص .411وهذا من العبث باألحاديث دونما
مبرر مقبول.
الكافي ،ج ،3ص .252 (((
راجع قصته في المصدر نفسه ،ج ،3ص ..251 (( (
صرح بذلك المجلسي في مرآة العقول ،ج ،14ص .242 كما ّ (( (
الكافي ،ج ،8ص .226والخبر مرسل. (((
169 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
عبد الله قال :قيل لهّ :
«إن أبا الخطاب يذكر عنك أنّك قلت له :إذا عرفت الحق فاعمل
ما شئت ،فقال :لعن الله أبا الخطاب ،والله ما قلت له هكذا ،ولكن قلت :إذا عرفت الحق
إن الله عز وجل يقول ﴿ :ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ فاعمل ما شئت من خير ُيقبل منكّ ،
ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾(((»(((.
وروى الكشي بإسناد معتبر عن محمد بن عيسى بن عبيد ،عن يونس بن عبد الرحمن
قال« :وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي
عبد الله متوافرين ،فسمعت منهم وأخذت كتبهم ،فعرضتها من بعد على أبي الحسن
الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله .وقال لي :إن أبا
الخطاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطاب ،وكذلك أصحاب أبي الخطاب
يدسون هذه األحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله ،فال تقبلوا علينا
السنة .(((»..إلى غيرها من خالف القرآن فإنّا ْ
إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة ُّ
الروايات التي ورد فيها لعن أبي الخطاب وأصحابه(((.
ولعن أبي الخطاب وأتباعه ألنهم -كما يستفاد من الروايات الكثيرة -كانوا يعتقدون
بربوبية اإلمام ،بل تجاوز األمر ذلك ،إلى أن ادعى أبو الخطاب األلوهية لنفسه ،وكانوا
يستحلون المحرمات ،ويوؤلون الشريعة ،ووضعوا األحاديث بقصد تخريب الدين
وإفساد العباد(((.
أولى بإنصاف الضعيف ،وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع األمر واليه توجه النهي وله حق الثواب =
والعقاب ووجبت الجنة والنار ،فقلت ﴿ :ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾ [آل عمران .]34 :مناقب آل أبي
طالب ،ج ،3ص .329
175 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
عليها ،فقال« :وقد أشير إلى حرمة التسبيب إلى الحرام في بعض اآليات والروايات»(((،
وذكر في الهامش أمرين:
﴿ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ األمر األول :قوله تعالى:
ال عن قتادة ،قال« :كان المسلمون يسبون أصنامﲧٍ ﴾((( وقد ورد في أسباب النـزول :نق ً
الكفار فنهاهم الله عن ذلك ،لئال يسبوا الله»(((.
األمر الثاني :صحيحة ابن الحجاج البجلي عن أبي الحسن موسى في رجلين
يتسابان؟ فقال « :البادي منهما أظلم ،ووزره ووزر صاحبه عليه ،ما لم يعتذر إلى
المظلوم»(((ّ .
فإن حمل الساب لوزر س ّبه واضح ،وأ ّما حمله لوزر صاحبه ،فلكونه المتسبب
السب منه.
في صدور ذلك ّ
إن اآلية المباركة والصحيحة المذكورة إذا لم تدال على حرمة ويمكننا أن نقولّ :
التسبيب إلى الحرام بشكل مطلق ،فإنهما تدالل على حرمة ذلك في خصوص السب،
واللعن يلتقي مع السب في المالكّ ،
ألن اآلية عللت حرمة سب من يعبد من دون الله بأنه
سب الله تعالى ،ومعلوم ّ
أن هذا المالك موجود في اللعن ،فلعن الرموز المقدسة يستدعي ّ
لآلخرين يستدعي لعن الله أو لعن أوليائه.
ثاني ًا :النص الخاص وهو ما ورد في األخبار الظاهرة في الحرمة ،من قبيل ما روي
عن رسول الله(ص)« :لعن الله ...والمتشبهين من الرجال بالنساء ...ومن لعن أبويه .فقال
رجل :يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال :نعم يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون
السنة
أن الحديث ضعيف السند وال مجال لتأييده بما روي في صحاح أهل ُّ
((( أبويه»((( .إلّ ّ
عنه (ص)« :ولعن الله من لعن والديه»((( فهذا الحديث ال يصلح ال لالستدالل وال التأييد،
ألنّه ظاهر في لعن الوالدين من قبل ابنهما مباشرة ،وليس التسبب في لعنهما من خالل لعن
هذا المحور مخصص للبحث والدرس في عدة مسائل يجمعها عنوان واحد ،وهو
األهلية الدينية للمسلم اآلخر ،بما يخوله القيام بجملة من األعمال المشروطة بنية القربة،
ويندرج هنا عدة فتاوى ،وهي:
--1حكم الصالة خلف اآلخر المذهبي.
--2حكم االكتفاء بأذانه.
--3حكم االكتفاء بصالته على أموات المسلمين من أتباع مدرسة أهل البيت ،ويلحق به
حكم الصالة عليه ،أعني على الميت غير اإلمامي.
--4حكم توكيله أو استنابته في أداء فريضة الحج أو في الصالة الفائتة عن الميت الموالي
ألهل البيت .
وسوف نتناول هذه الفتاوى ضمن الفصول التالية:
الف�صل الأول
وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،292الباب 2من أبواب صالة الجماعة ،الحديث .7صحيح بسند األمالي، (( (
لك ْن في السند ثغرة وإشكال ،وهي عدم وجود دليل على وثاقة شيخ الصدوق الحسين بن إبراهيم بن
ناتانة (تاتانة) ،ما خال ترضي الصدوق عليه ،ولك ّن ذلك ال يكتفى به في إثبات الوثاقة ،انظر :معجم
رجال الحديث ،ج ،6ص .190
المحاسن للبرقي ،ج ،1ص .219وعنه الوسائل ،الباب 2من صالة الجماعة ،الحديث .11 (( (
رواه البرقي في موردين :في باب من نام عن العشاء ،الحديث ،21ج ،1ص ،84رواها عن الحلبي (( (
دون ذكر السند .وفي باب فضيلة الجماعة ج ،1ص ،219رواها ٍ
بسند فيه أبو جميلة ،وهو ضعيف.
قال ابن األثير« :ربقة في األصل :عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها ،فاستعارها (( (
لإلسالم ،يعنى ما يشد به المسلم نفسه من عرى اإلسالم :أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه.
وتجمع الربقة على ربق ،مثل كسرة وكسر .ويقال للحبل الذي تكون فيه الربقة :ربق ،وتجمع على
أرباق ورباق» ،انظر :النهاية في غريب الحديث واألثر ،ج ،2ص .190
والسند هو «محمد بن علي ماجيلويه ،عن عمه محمد بن أبي القاسم ،عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، (((
عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي (في الفقيه بإضافة :عن أبيه جده أحمد بن أبي عبد الله ،عن
أبيه ،عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي ،من ال يحضره الفقيه ،ج ،4ص ،)426عن عبد الله بن
جبلة ،عن الحسن بن عبد الله ،عن آبائه» ،والوجه في ضعف السند هو اشتماله على بعض المجاهيل،
كعلي بن الحسين البرقي ،قال المولى محمد تقي المجلسي ( 1070هـ) في شرح الفقيه« :الظاهر أن
علي وأحمد كانا ثقتين عند المصنف ،العتماده في كثير من الروايات عليهما ال سيما االبن ،لكن
على قانون المتأخرين مجهوالن ،وكذا الباقي غير عبد الله ومعاوية ،»..انظر :روضة المتقين ،ج ،18
ص ،83منشورات شركة دار المصطفى إلحياء التراث.
189 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
علي بن أبي طالب قال :جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (ص) فسأله أعلمهم عن
فإن صفوف أمتي كصفوف المالئكة، مسائل فأجابه - إلى أن قال -أما الجماعة ّ
أحب إلى الله عز وجل من عبادة
والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة ،كل ركعة ّ
فإن إضافة الجماعة إلى أمته (ص) ال يتناسب مع كون المراد بأمته أربعين سنةّ .(((»..
خصوص الشيعة ،وسيأتي ما يؤ ّيد هذا المعنى في النصوص اآلتية.
دل على فضيلة الحضور في الجماعة بدون تقييد بجماعة اإلمامي، المجموعة الثانية :ما ّ
من قبيل:
--1صحيحة عبد الله بن سنان ،عن أبي عبد الله قال« :الصالة في جماعة تفضل على
كل صالة الفرد بأربعة وعشرين درجة ،تكون خمسة وعشرين صالة»(((.
--2وصحيحة زرارة والفضيل قاال :قلنا له :الصالة في جماعة فريضة هي؟ فقال« :الصالة
فريضة وليس االجتماع بمفروض في الصلوات ك ّلها ،ولكنها سنة ،من تركها رغبة عنها
أن المؤمن في مثل وعن جماعة المؤمنين من غير ع ّلة فال صالة له»((( .ومن المرجح ّ
هذا الخبر ال يراد به خصوص اإلمامي ،وذلك ألنّه ومع األخذ بعين االعتبار ما ذكرناه
أن المؤمن في روايات أهل البيت لم يثبت أنّه أريد به معنى في الباب األول من ّ
مغاير ًا لما جاء في الكتاب وسنة النبي (ص) ،أعني مطلق من آمن بالله ورسولهّ ،
فإن
السؤال والجواب هنا ليسا عن حكم افتراضي ،بل هما ناظران إلى الواقع الخارجي،
ومعلوم أنّه في زمان اإلمام لم يكن هناك جماعة خاصة بالمؤمنين الشيعة أو كانت
نادرة جد ًا فال يحمل الكالم عليها .ونفي الصالة يراد به نفي الكمال ،أو يحمل على
صورة تركها رغبة عن جماعة المسلمين.
--3ومنها :ما ورد -في حديث المناهي -عن أبي عبد الله الصادق قال :قال
رسول الله (ص)« :ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون
ألف حسنة»(((.
--4ما عن أبي بصير عن الصادق عن آبائه ،قال« :قال رسول الله (ص) :من صلى
األمالي ،ص .254والخصال ،ص .355وعنه الوسائل ،الحديث ،10من الباب .1 (((
تهذيب األحكام ،ج ،3ص ،25وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،286الباب 1من أبواب صالة الجمعة، (( (
الحديث .1
المصدر نفسه ،الحديث 2من الباب. (( (
المصدر نفسه ،الحديث 7من الباب. (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 190
المغرب والعشاء اآلخرة وصالة الغداة في المسجد في جماعة ،فكأنما أحيا الليل
كله»(((.
ّ
تحث على حضور الجماعة وتب ّين فضلها، إلى غير ذلك من األخبار المطلقة((( والتي
أن أئمة الجماعة في زمانهم لم يكونوا في أغلبيتهم العظمى من الموالين ألهل ومعلوم ّ
البيت ،ما يجعل من حمل األخبار الكثيرة على الموالي لهم من الحمل على الفرد النادر
وهو مستهجن ومرفوض.
المجموعة الثالثة :ما ورد في بيان حكمة صالة الجماعة ،من أنّها عبارة عن إظهار
عمن عداه ،وإليك بعض االنتماء إلى الدين وإشهاره ،وتمييز المسلم الملتزم بالشريعة ّ
األخبار الدالة على ذلك:
--1ما رواه الصدوق في «العلل وعيون األخبار» بإسناده((( عن الفضل بن شاذان ،عن
الرضا قال« :إنّما جعلت الجماعة لئال يكون اإلخالص والتوحيد واإلسالم
ألن في إظهاره حجة على أهل الشرق والغرب والعبادة لله إال ظاهر ًا مكشوف ًا مشهور ًاّ ،
لله وحده ،وليكون المنافق والمستخف مؤدي ًا لما ّ
أقر به يظهر اإلسالم والمراقبة،
وليكون شهادات الناس باإلسالم بعضهم لبعض جائزة ممكنة ،مع ما فيه من المساعدة
على البر والتقوى ،والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل»((( .فهي دالة على
وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،295الباب 3من أبواب صالة الجماعة ،الحديث .3وفي السند إشكال من (((
جهة اشتماله على علي بن أبي حمزة البطائني ،وقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف .انظر :معجم رجال
الحديث ،ج ،12ص .246 - 245
انظر :وسائل الشيعة ،ج ،8ص 285وما بعدها ،الباب 1من أبواب صالة الجماعة. (( (
ذكر الشيخ الحر سند الصدوق إلى الفضل بن شاذان في خاتمة الوسائل ،انظر :ج ،30ص .121وسنده (((
محمد بن قتيبة ،عن الفضل بن شاذان ،قال محمد بن عبدوس ،عن علي بن ّ إليه هو :عبد الواحد بن ّ
السيد الخوئي« :أما عبد الواحد :فهو غير مذكور بتوثيق وال مدح َّإل أنّه شيخ الصدوق ،وقد تقدّ م غير
مجرد كون الرجل من المشيخة ال يقتضي التوثيق ،ولم يلتزم الصدوق بأن ال يروي َّإل عن مرة أن ّ ّ
كل ما سمع من أي محدّ ث كان، همه َّإل جمع الروايات وضبط ّالثقة ،بل كان يسير في البالد ولم يكن ّ
النبي (ص)نص على نصبه قائالً :لم َأر أنصب منه ،حيث كان يص َّلى على ّ كيف؟! وفي مشايخه من ّ
منفرد ًا بقيد االنفراد ،رفض ًا منه لآلل عليهم صلوات الملك المتعال آناء الليل وأطراف النهار .وأ ّما ابن
بمجرده ال
ّ أن هذاالكشي ،وقد عرفت آنف ًا ّ
يصرح فيه بالتوثيق .نعم ،هو من مشايخ ّقتيبة :فهو أيض ًا لم ّ
نص عليه النجاشي عند ترجمته بعد الكشي يروى عن الضعفاء كثير ًا كما ّ
وأن ّ يقتضي التوثيق وال س ّيما ّ
الثناء عليه» ،انظر :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،22ص .192 - 191
وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،287الباب 1من أباب صالة الجماعة ،الحديث .9 (( (
191 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
أن صالة الجماعة ال تختص بالشيعة ،وإنّما تضم كل المسلمين ،ألنها علم وشعار ّ
للمسلمين ،وبها يظهر المسلم ويتميز عن الكافر والمنافق ،ويتسنى للمسلمين التعرف
على بعضهم ليشهدوا لبعضهم البعض.
--2وفي (العلل) عن الحسين بن أحمد بن إدريس ،عن أبيه ،عن محمد بن علي بن
محبوب ،عن محمد بن الحسين ،عن ذبيان بن حكيم ،عن موسى النميري ،عن ابن
أبي يعفور ،عن أبي عبد الله قال« :إنّما جعلت الجماعة واالجتماع إلى الصالة
لكي ُيعرف من يصلي ممن ال يصلي ،ومن يحفظ مواقيت الصالة ممن يضيع ،ولوال
ذلك لم يمكن أحد ًا أن يشهد على أحد بالصالح ،ألن من لم يصل في جماعة فال صالة
له بين المسلمين ،ألن رسول الله (ص) قال :فال صالة لمن لم يصل في المسجد مع
المسلمين إال من علة»(((.
إن هذه األخبار كافية لتشكيل إطالق ذاك على ّ
أن الصالة خلف وخالصة القولّ :
المسلم اآلخر مشروعة من حيث المبدأ ما لم ينهض ٌ
دليل على المنع من ذلك.
(( ( علل الشرائع ،ج ،2ص .325وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،293الباب 2من صالة الجماعة،
الحديث .8
((( عوالي اللئالي ،ج ،1ص .196وصحيح البخاري ،ج ،1ص .184وسنن الترمذي ،ج ،1ص .156
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 192
ولكن صحة هذا الوجه مرهونة بعدم قيام عموم أو إطالق على صحة االئتمام بكل
مسلم ،لكننا نمتلك بعض األدلة العامة ،وهي ما تقدمت اإلشارة إليه.
الوجه الثاني :فسق غير اإلمامي
مر التمسك به وسوف يتكرر ذلك في ثنايا هذا الكتاب ،وخالصته ّ
أن وهذا الوجه قد ّ
غير اإلمامي فاسق ،وال تجوز الصالة خلف الفاسق.
أخص من المدعى ،فالمسلم اآلخر وهذا الوجه بهذا التقريب يواجهه إشكال ،وهو أنّه ّ
في عدم اتباعه ألهل البيت ال يكون فاسق ًا إال إذا نهضت عليه الحجة بذلك ،بحيث كان
ال مقصر ًا غير قاطع ،فذاك بسبب جحوده ،وهذا بسبب تلبسه عالم ًا جاحد ًا ،أو كان جاه ً
بالتقصير في البحث ال يكون معذور ًا فيحكم بفسقه ،ولكن إذا كان قاطع ًا بصحة ما يتبنّاه من
معتقد وما يعمله من أعمال -أكان ذلك عن قصور أو عن تقصير ابتدائي((( أو عن اجتهاد -
إن الفسق هو فال يكون فاسق ًا ،فما يفعله ليس معصية بل هو طاعة فال يعدّ مرتكب معصيةّ .
وصف يمكن إطالقه على العاصي وهو ليس سوى الجاحد والمتلبس بالتقصير.
ّ
وكأن المحقق الكركي ناظر إلى الرد على هذا اإلشكال ،عندما قال« :فألن غير المؤمن
فاسق ضال لمخالفته طريق الحق الذي هو طريق أهل البيت ،فإنّها ال تكون إال عن تقصير
في النظر»(((.
كل مخالف ألهل البيت مقصر ًا في أن دعوى كون ِّولك ّن المالحظة على ذلك هي ّ
عدم اتباعه لهم ،هي دعوى في غير محلها ،فعامة المسلمين من أتباع المذاهب األخرى،
ليس لديهم اطالع على اختالف المذاهب في أمر اإلمامة ،وإذا كان لهم اطالع فهم جازمون
بصحة ما هم عليه ،ولم ينقدح في ذهنهم احتمال صحة ما عليه اآلخرون ،ما يجعلهم خارج
دائرة التقصير ،بل إن العالم منهم وحيث إنه عاش منذ طفولته في أجواء تعليم ّية وتربوية قائمة
على أساس منظومة مذهب ّية خاصة ،فإنه في األعم األغلب يحصل له القطع بصحة مذهبه
وبطالن سائر المذاهب ،ما يجعله يفقد كل حافز للبحث عن صحة ما عليه سائر المذاهب.
(( ( التقصير االبتدائي ال ينافي كونه فيما بعد قاطع ًا بصحة ما هو عليه ،ما ينفي عنه حالي ًا صفة الفسق،
وإن استوجب العقوبة على تقصيره السابق ،بل وعلى خطئه الحالي ،ألن االمتناع باالختيار ال ينافي
االختيار.
(( ( جامع المقاصد ،ج ،4ص .372ذكر ذلك في بيان شروط إمام الجمعة.
193 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
تقريب آخر
«أن اشتراط العدالة في إمام تمسك بعضهم بهذا الوجه لك ْن بتقريب آخر ،وهو ّ وربما ّ
ترجع إلى الفروع ،يقتضي اشتراط اإليمان الراجع إلى األصول»(((. ُ الجماعة مع كونها
ِ
العدالة يع ِّب ُر عن أن قياس هذا على ذاك قياس مع الفارقّ ،
فإن فقدَ ولك ْن يالحظ عليهّ ،
ٍ
واختيار على انحراف متعمد عن جادة الشريعة ،وصاح ُبه غير معذور ،ألنه ُيقدم عن عل ٍم
فعل ما هو محرم أو ترك ما هو واجب ،وم ْن كان كذلك ليس جدير ًا بإمامة الجماعة ،وأما
فقدُ اإليمان ببعض مراتبه قصور ًا فهو يع ِّبر عن انحراف غير متعمد وصاحبه معذور ،ولذا ال
مانع من أن تجيز الشريعة الصالة خلفه ،كما أجازت قبول روايته.
تقريب ثالث
أن من ال يؤمن بإمامة أهل البيت فاسقوثمة تقريب ثالث مذكور في المقام ،وهو ّ
ظالم ،واالقتداء به ركون إليه ،وهو منهي عنه بقوله تعالى ﴿ :ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ
ﲍ ﴾((( ،وقد شاع االستدالل بهذا الوجه في كتب الفقهاء(((.
وع ّلق األردبيلي على هذا االستدالل بالقول« :وفي الداللة خفاء ما»(((.
قائم على ثالث مقدمات: أقول :بل فيها منع ،وتوضيح ذلكّ ،
أن االستدالل ٌ
--1اآلخر ظالم
--2الصالة خلفه ركون إليه.
--3والركون منهي عنه.
وهذه المقدمات كلها خاضعة للنقاش ،وبيان ذلك:
أوالً :أ ّما المقدمة األولىّ ،
ألن المقصود بالظالم في اآلية المباركة ،إن أريد به الظالم
للغير ،فصد ُقه عرف ًا في المقام على المسلم اآلخر الذي يكون ظالم ًا لإلمام لمجرد
عدم إيمانه به ال يخلو من خفاء بل منع ،ولو س ّلم الصدق ،فهو إنما يس ّلم لو كان جاحد ًا أو
((( قال الزمخشري « :الركون هو الميل اليسير» ،انظر :الكشاف ،ج ،2ص .296
قوة ،فركن الشيء جانبه األقوى ،وهو يأوي ((( قال ابن فارس« :الراء والكاف والنون أصل واحد يدل على ّ
عز ومنعة ،ومن الباب ركنت إليه أركن» ،انظر :معجم مقاييس اللغة ،ج ،2ص .430 إلى ركن شديد أي ٍّ
(( ( سورة هود ،اآلية .80
(( ( قال في المعتبر تتميم ًا لالستدالل بآية النهي عن الركون« :ويلزم من النهي فساد الصالة» ،انظر:
المعتبر ،ج ،2ص .306
((( وقد ذكر المحقق النائيني نظيره في نهي المرأة عن إظهار صوتها في الصالة أمام األجنبي بنا ًء على كون
صوتها عورة ،انظر :كتاب الصالة من تقرير بحث النائيني للكاظمي ،ج ،2ص .135
195 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ألن إطالقه ٍ
وحينئذ تجري عليه أحكام باب التعارض ويقدم النهي ّ والنهي ،وهو مستحيل،
شمولي بينما إطالق األمر بدلي ،وكلما دار األمر بين اإلطالق الشمولي واإلطالق البدلي
فاإلطالق الشمولي مقدم.
والجواب :إن استحالة اجتماع األمر والنهي ،إنما هي في صورة اتحاد متعلقهما على
وجه ال يمكن تمييز أحدهما عن اآلخر ،واألمر في المقام ليس كذلكّ ،
فإن الركون إلى الظالم
إن تعدد العنوان ٍ
كاف في دفع غائلة اجتماع األمر مغاير لالقتداء به في الصالة .والخالصةّ :
والنهي ،وذلك ال ألن تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون خارج ًا فهذا ال دليل عليه،
بل ألن األحكام الشرعية إنما تتعلق بالعناوين الذهنية ،بما هي مرآة للخارج ،ال بالخارج
مباشرة ،وال بالصور الذهنية بما هي هي.
الوجه الثالث :قاعدة بطالن عمل غير اإلمامي
فقد قام الدليل على بطالن عمل اآلخر العبادي ،ومع الحكم ببطالن عمله ،فال يصح
االقتداء به.
ويالحظ على ذلك بأنّه ال وجه لبطالن عمله بسبب مذهبه ،وقد أسلفنا في الباب الثاني
تفنيد األدلة التي سيقت لهذه القاعدة فيما مضى ،فال نعيد بحثها.
الوجه الرابع :اإلجماع
«مخالف أهل الحق ال يؤتم به وإن أطلق عليه اسم اإلسالم ،وهو
ُ قال المحقق الحلي:
مر دليله وهو اإلجماع ،على
اتفاق علمائنا» .وقال األردبيلي« :وأما اشتراط اإليمان فقد ّ
(((
ما في المنتهى.(((»..
إن اإلجماع في مثل هذه الموارد ال حج ّية له ،ألنّه ليس إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا عن
وفيهّ :
أن مستند المجمعين هو األدلة األخرى المذكورة في المسألة رأي اإلمام ،وإنما يرجح ّ
وال سيما الروايات اآلتية.
الوجه الخامس :النصوص الخاصة
وهي النصوص الروائية الدا ّلة على عدم جواز الصالة خلفهم ،مما هو ظاهر في النهي
عن االقتداء بهم ،وهي عدة أخبار:
هكذا في األمالي وهو المصدر ،ولكن في الوسائل «بقول يونس» ،وفي البحار بقول «يونس -يعني (( (
ابن عبد الرحمن ،»-بحار األنوار ،ج ،3ص .292
األمالي للصدوق ،ص .352وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،312الحديث ،10الباب 10من أبواب (( (
صالة الجماعة.
إن لهم قو ً
ال ورأي ًا قد ال يرتضيه يونس نفسه، الّ :
وذلك ألن البراءة ليست من أصحاب يونس ،ليقال مث ً (((
وإنما البراءة ممن يقول بقوله ،فيكون االنحراف في قوله ،فهو المدان.
راجع حول وثاقة يونس ما ذكر في الملحق رقم ( ،)2ج .2 (( (
موسوعة السيد الخوئي ،ج ،17ص .343 (((
معجم رجال الحديث ،ج ،21ص .226 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 198
أن ظهور بعض الفقرات في النهي التحريمي تتضمن عدة ٍ
نواه أو أوامر ،وثبت بالدليل ّ
ال غير مراد حتم ًا فال مانع من التفكيك عندها ،وحمل الباقي على التحريمّ ،
ألن النهي مث ً
ال في مطلق النهي األعم من التحريم والكراهة ،وأ ّما في مثل هذا السياق يكون مستعم ً
إذا كان مدلول بعض الفقرات مما ال يمكن األخذ بها أصالً ،لكونه خالف ما قام الدليل
عندئذ هو موضع تأملٍ القطعي عليه((( ،أو لوجود معارض له ،فالتفكيك في الحج ّية
كبير حتى بنا ًء على حج ّية خبر الثقة ،وذلك ّ
ألن «عمدة الدليل عليها بناء العقالء وليس
الحجية»((( .وأما إذا بنينا على حج ّية الخبر الموثوق ،فاألمر
ّ بناؤهم على التبعيض في
أشد وضوح ًا« ،لكون ذلك أمارة نوع ّية على وجود خلل في الرواية بنحو يسلب الوثوق
بها ويخرجها عن دليل الحجية»(((.
إذا اتضح ذلك نقولّ :
إن ما نحن فيه هو من الموارد التي يصعب التفكيك فيها في
الحجية ،وذلك:
أوالً :الشتمالها على فقرة تتضمن بصراحة الدعوة إلى البراءة من يونس وأصحابه
وهذا ال يمكن األخذ به ،بسبب معارضته بما دل على جاللته وصحة عقيدته.
ألن الجواب على حكم الصالة خلف من يقول بالتجسيم ومن يقول بقول يونس ثاني ًاّ :
كان واحد ًا وأنه «ال تصل خلفهم» ،وحيث إن يونس ال شك في عدالته وسالمة عقيدته،
فالتفكيك معناه قبول النهي -مع كونه واحد ًا -عن الصالة خلف من يقول بالتجسيم وحمله
على اإلرادة الجدية ،ما يجعله ظاهر ًا في الحرمة والبطالن ،ورفض مفاده (مفاد النهي) بالنسبة
للصالة خلف من يقول بقول يونس ،وهذا التفكيك مما ال يمكن أو يصعب االلتزام به.
((( ومثاله -ولو في مجال آخر -ما ذكره السيد الحكيم تعليق ًا على« :صحيح ابن مهزيار« :كتبت إليه :امرأة
طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ،ثم استحاضت فصلت وصامت شهر
رمضان من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صالتين ،فهل يجوز صومها وصالتها أم
ال؟ فكتب :تقضي صومها وال تقضي صالتها ،ألن رسول الله (ص) كان يأمر فاطمة والمؤمنات من
نسائه بذلك» ،وال يقدح فيه اإلضمار كما تكرر غير مرة .وال ظهوره في أن فاطمة كانت تستحاض
ال ال حيض ًا وال استحاضة .إلمكان حمله على فاطمة بنت مع تكاثر األخبار بأنها لم تر حمرة أص ً
أبي حبيش ،أو كون األمر لها بذلك لتعلم المؤمنات .وال باشتماله على ما ال يقول به األصحاب
من عدم قضاء الصالة ،إلمكان التفكيك في الحجية بين فقرات الحديث الواحد» .انظر :مستمسك العروة
الوثقى ،ج ،3ص .412ولسنا هنا بصدد مناقشة ما جاء في هذا المثال ،وإال ففيه مواضع عديدة للتأمل.
(( ( البدر الزاهر في صالة الجمعة والمسافر ،ص .248
((( بحوث في شرح العروة الوثقى ،ج ،3ص .342
199 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الرواية الثالثة :صحيحة البرقي قال« :كتبت إلى أبي جعفر الثاني :أتجوز الصالة
خلف من وقف على أبيك وجدّ ك؟ فأجاب :ال ّ
تصل وراءه»((( .بتقريب ّ
أن النهي في العبادة
ظاهر في الفساد.
وثمة تساؤل هنا ،وهو أن الوقف كان على اإلمام الكاظم ،فما معنى سؤال البرقي
عمن وقف على أبيه ،مع أنّه لم يعهد وجود واقفة على الرضا ؟! وقد احتمل
لإلمام الجواد ّ
المجلسي األول في شرحه على الفقيه((( أن يكون المقصود بأبيه وجده الكاظم والصادق ،
لكنه خالف الظاهر ،واحتمال أنّه قد حصل شيء من الوقف على اإلمام الرضا - وبقي
ظاهرة محدودة فلم تتم اإلشارة إليها من المؤرخين وغيرهم -بعيدٌ ّ ،
ألن ذلك ال يتناسب مع
وقوع ذلك موقع ًا لسؤال الجواد عن حكم الصالة خلفهم ،فإنّه ظاهر في وجود حالة معينة
تستدعي السؤال .وإن كانت ظاهرة الوقف المعروفة والخطيرة هي الوقف على الكاظم .
يحب
ّ الرواية الرابعة :صحيحة إسماعيل الجعفي قال« :قلت ألبي جعفر :رجل
ممن خالفه ،فقال« :هذا مخلط،
إلي ّ
أحب ّ
عدوه ويقول :هو ّ أمير المؤمنين ،وال ّ
يتبرأ من ّ
تصل خلفه وال كرامة َّإل أن تتّقيه»(((.
عدو ،فال ّ
وهو ّ
فإن هذا االعتقاد ليس سوي ًا ،بل فيه خلط الحق
والتخليط هنا هو بلحاظ المعتقدّ ،
بالباطل.
ثمة تساؤل إزاء هذه اللغة التي استخدمها اإلمام بحكمه على الرجل بأنه ولك ْن ّ
يحب علي ًا ولكنه ال يتبرأ من خصومه
ّ عدو ،فما هو الوجه في ذلك؟! أفيحكم على من
إن األولى وفق ًا لما يستفاد من منهج القرآن وتعاليم النبي (ص) وأهلبكونه عدو ًا! أ ْم ّ
إن هذا الشخص قطع مرحلة على الطريق من خالل البيت أن يقال في مثل هذا المورد ّ
أحب الناس إليه ،ولكن ال يكفي ذلك فثمة مرحلة أعلى وخطوة الحقة فيّ جعله علي ًا
خط اإليمان والعقيدة الصحيحة عليه أن يقطعها؟! وأهل البيت كما يعلم من سيرتهم
وتعاليمهم ال يريدون تكثير أعدائهم.
(( ( من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .379وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .28وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8
ص ،310الباب 10من أبواب صالة الجماعة ،الحديث .5
(( ( ذكر ذلك في شرحه الفارسي ،لوامع صاحبقرانى (شرح الفقيه) ،محمد تقي المجلسي ( 1070هـ)،
الطبعة األولى1416 ،هـ ق ،مؤسسة دار التفسير -قم -ايران.
(( ( من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .380وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .28
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 200
اللهم إال أن يكون المقصود اإلشارة إلى معنى معين كما سيأتي.
الرواية الخامسة :ما رواه الصدوق عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري
العطار رضي الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثالثمائة قال :علي بن محمد
ابن قتيبة النيسابوري ،عن الفضل شاذان قال :سأل المأمون علي بن موسى الرضا أن يكتب
له محض اإلسالم على سبيل اإليجاز واالختصار ،فكتب لهّ :
«إن محض اإلسالم ...وال
خلف الفاجر ،وال ُيقتدى إال بأهل الوالية»((( .ونحوه ما رواه في الخصال في حديث
َ صال َة
«شرائع الدين» عن األعمش عن الصادق .(((
أن هذا الكتاب قد فإن ثمة ما يريب في المقام وهو ّ ولكن وبصرف النظر عن السندّ ،
أرسله اإلمام الرضا إلى المأمون العباسي ،ومن المستبعد أن يكتب اإلمام بخطه أو
بتوقيعه إلى خليفة من خلفاء بني العباس كتاب ًا يسمي له فيه اإلمام من بعده وصوالً إلى اإلمام
إن الصالة الالمهدي ويوضح له أن من لم يؤمن بهؤالء مات ميتة جاهلية((( ،ثم يقول له ّ
أن المأمون كان من المؤمنين إن هذا مستبعد جد ًا إال إذا فرضنا ّ
تقبل إال خلف أهل الوالية! ّ
حق ًا بوالية أهل البيت المس ِّلمين لهم ،ولك ّن الشواهد ال تساعد على ذلك.
إن النصوص المتقدمة بصرف النظر عن بعض اإلشكاالت الواردة عليها ربما يقالّ :
كافية -لوال المعارضات -إلثبات الحكم المذكور وهو عدم جواز االقتداء بمخالف أهل
البيت أكان سني ًا أم شيعي ًا غير إمامي.
(( ( فإن المعروف عند العامة من المسلمين أنهم يبادرون إلى الصالة جماعة خلف المسلم اآلخر دون
قيود أو شروط كثيرة.
ٌّ
((( نقله عن مسائل علي بن جعفر :كل من الحر العاملي في وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،301الباب 5من
أبواب صالة الجمعة الحديث 9؛ والمجلسي في بحار األنوار ،ج ،85ص .73
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 202
قال :كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بن الحكم ،فقالوا ألحدهما :ما كان
أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال :ال وال َّله ،ما كان يزيد على صالة»(((.
وقد روي هذا الخبر في مصادر السنة ،ففي السنن للبيهقي :أخبرنا يحيى بن إبراهيم
ابن محمد بن يحيى حدثنا أبو العباس أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ حاتم بن إسماعيل عن
جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلف مروان،
قال :فقال :ما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال :ال والله ما كانا يزيدان على
صالة األئمة»(((.
والصالة خلفهم ظاهرة في االقتداء بهم ،ويؤيده ما جاء في النقل اآلخر من أنهما لم يكونا
فعل اإلمامين الحسنين ،وتحكي موافقة اإلمام يعيدان ما صلياه ،وأهمية الرواية أنها تحكي َ
الصادق لهما والسير على نهجهما .والحسنان لم يكونا يعيشان التق ّية بمعنى الخوف على
النفس ،نعم هي تحتمل الحمل على المداراة والحرص على وحدة الجماعة المسلمة ودفع مفسدة
أن من ُيص َّلى خلفه هو مروان بن الحكم الذي ورد فيه
االنقطاع عن جماعة المسلمين ،وال سيما ّ
لعن عن رسول الله (ص) بحسب ما جاء في بعض األخبار المتقدمة ،وهذا يوهن االستدالل بها
على جواز الصالة في غير صورة المداراة ،ولنا عودة إلى ذلك.
الرواية الثانية :ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ،في نوادره عن عثمان بن عيسى ،عن
سماعة قال :سألته عن مناكحتهم والصالة خلفهم؟ فقال« :هذا أمر شديد لن تستطيعوا ذلك ،قد
أنكح رسول الله (ص) وصلى علي وراءهم»((( .والصالة وراءهم ظاهرة في االقتداء بهم.
ولنا وقفتان مع الرواية:
الوقفة األولى :ما يتصل بالسند ،فقد ع ّبر عنها السيد اإلمام الخميني بالموثقة((( .وال
أقول :الرواية بحسب «الفقيه» مروية عن حماد عن أبي عبد الله ،وأما بحسب «الكافي» فهي عن (((
حماد عن الحلبي عنه ،وهذا ال يضر في صحتها كما ال يخفى.
الكافي ،ج ،3ص .380ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .382 (((
كالخاصة بل أفضل،
ّ «يستحب حضور جماعة العا ّمة
ّ البيان ،ص .243وفي الدروس ،ج ،1ص :224 (( (
األول كان كمن ص َّلى خلف رسول ال َّله (ص) ،فيه ويتأكَّد مع
الصف ّ
ّ فقد روي من ص َّلى معهم في
ً
سرا ولو مثل حديث النفس».المجاورة ،ويقرأ في الجهر ّية ّ
تهذيب األحكام ،ج ،3ص .277 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 206
يقول في كتابه ﴿ :ﲶ ﲷ ﲸ ﴾((( ثم قال :عودوا مرضاهم ،واشهدوا جنائزهم،
واشهدوا لهم وعليهم ،وصلوا معهم في مساجدهم»((( .وذلك بالتقريب المتقدم في
الرواية السابقة.
وللحديث تتمة وهي مختلفة بين المصدرين ،أ ّما في المحاسن فالزيادة هي قوله :
«أي شيء أشد على قوم يزعمون أنهم يأتمون بقوم فيأمرونهم وينهونهم فال يقبلون منهم،
إن قوم ًا يقولون ويروون عنكم
ويذيعون حديثهم عند عدوهم فيأتي عدوهم إلينا فيقولون لناّ :
كذا وكذا فنحن نقول :إنا برآء ممن يقول هذا ،فيقع عليهم البراءة».
وأما في السرائر فهي قوله« :حتى يكون التمييز وتكون المباينة منكم ومنهم».
والزيادة على التقديرين تصلح قرينة لحمل الرواية على التقية ،كما ّ
أن قوله« :ال تحملوا
الناس على أكتافكم فتذلوا» يشعر بهذا الجو ،فال يصلح االستدالل بها في هذه المرحلة من
البحث ،وسنعود إليها الحق ًا.
الرواية الخامسة :رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله أنه قال« :يا زيد خالقوا الناس
بأخالقهم ،صلوا في مساجدهم ،وعودوا مرضاهم ،واشهدوا جنائزهم ،وإن استطعتم أن
تكونوا األئمة والمؤذنين فافعلوا ،فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا :هؤالء الجعفرية رحم الله
جعفر ًا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه ،وإذا تركتم ذلك قالوا :هؤالء الجعفرية فعل الله
بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه»(((.
والرواية ضعيفة السند((( ،واألمر بالصالة في مساجدهم مطلق وشامل لصورة االقتداء
الحديث ،ج ،19ص .312ولكن ذلك ليس سوى قرينة أو شاهد على توثيقه ،فيتعارض مع تضعيف =
النجاشي ويتساقطان ،وال يبقى له توثيق ،هذا إن لم نقل بتقديم التضعيف على التوثيق ،ألن كالم
النجاشي ظاهر في معروفية الغمز والتضعيف.
من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .383الكافي ،ج ،3ص .373وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .266 (((
والرواية بحسب الفقيه مقطوعة على حفص بن البختري ،فقد ورد فيها« :حفص بن البختري أنه قال:
«يحسب لك إذا ،»..ولك ْن في الكافي والتهذيب جاءت مسندة عن أبي عبد الله ،فمن المرجح
والقوي حصول سقط في الفقيه ،ولذا ّ
فإن عدم صحة سند الكليني والتهذيب ال يضر في صحة الرواية
ّ
ألن سندها في الفقيه صحيح.
تدل على صحة الصالة مع الناس والترغيب في الحضور في قال« :ثم إنه قد وردت روايات خاصة ّ (((
مساجدهم واالقتداء بهم واالعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ...وصحيحة
حفص بن البختري ،»..انظر :الرسائل لإلمام الخميني ،ج ،2ص .198
الكافي ،ج ،3ص .373 (((
تهذيب األحكام ،ج ،3ص .265 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 208
الصالة خلف من ال ُيقتدى به كثواب الصالة خلف من ُيقتدى به ،فال داللة فيها على
كون اآلخر ممن يقتدى ،وأما الثواب فربما يقتضيه الحرص على مظهر التوحد أو حفظ
النفس من التعرض لألذى.
بل يمكن القول إنّه حتى على نسخة الفقيه فالرواية ال داللة لها أوسع أو أكثر من داللتها
بنا ًء على نسختي الكافي والتهذيب ،وذلك ألن قوله «حسب له» ليس بالضرورة أن يكون
جواب ألداة «وإن» ،بل ربما يكون «استعادة لفعل «يحسب» في أول الرواية ،وهي استعادة
تفرضها أحيان ًا طول الجملة ،وهدفها تأكيد الربط.
وكيف كان فالمرجح هو نسخة الكافي والتهذيب إذ ّ
إن نسخة الفقيه ال تخلو من إرباك،
أو كما قال الشيخ حسن في منتقى الجمان« :وال يخفى حزازة ما في رواية الصدوق من
الزيادة في المتن وكأنها من غلط الناسخين»(((.
الرواية السابعة :معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال« :سألته عن الرجل يؤم القوم
فأنصت
ْ تجهر فيها بالقراءة؟ فقال :إذا سمعت كتاب الله ُيتلى
ُ وأنت ال ترضى به في صالة
ص إن عصى الله فأطع الله ،فرددت عليه ،فأبى أن ُي َر ِّخ َ
علي بالشرك قالْ : له ،قلت :فإنّه يشهد ّ
لي ،قال :فقلت له :أصلي إذ ًا أنا في بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال :أنت وذاك»(((.
أن اإلنصات بمعنى اإلصغاء وإن كان يجامع القراءة قال الشيخ األصفهاني« :وتقريبه ّ
أن تخصيص السؤال بخصوص الجهر ّية ٌّ
دال إخفات ًا فال ُيعارض ما دل على لزوم القراءة إال ّ
أن غرضه الصالة جماعة حقيقة ال صورة ،فإنّها التي ال قراءة فيها ،بل يجب السكوت، على ّ
أن جماعة الصالة الجهرية التي الزمها الخاص ترك القراءة واإلصغاء خلف المخالف فينتج ّ
يدل على الرخصة في ترك القراءة في الجهرية،صحيحة .وقوله في آخرها« :أنت وذاك» ّ
أو الصالة فرادى في بيته ثم الجماعة الصورية»(((.
إن كالمه جيد ،ولك ّن دعواه مالءمة اإلصغاء للقراءة إخفات ًا خالف الظاهر، أقولّ :
فاألمر باإلصغاء ظاهر في عدم القراءة خلفه ولو إخفات ًا ،واالكتفاء بقراءته.
ولكن قد يقالّ :
إن اإلنصات ال يعني االقتداء به ،فهو يجامع اإلتيان بصورة الصالة،
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،355الباب 31من أبواب صالة الجماعة.
((( تهذيب األحكام ،ج ،3ص .160
(( ( الكافي ،ج ،3ص .374ونحوه خبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر ،انظر :من ال يحضره الفقيه،
ج ،1ص .380
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 210
الشيخ األصفهاني تعليق ًا على هذه الصحيحةّ :
«فإن ُ اإلمام باإلجزاء فيما لو سمع القراءة .قال
مجرد سقوط القراءة وإن لم يكن الزم ًا خاص ًا للجماعة إال ّ
أن إجزاء قراءة اإلمام عن قراءة ّ
المأموم من اللوازم الخاصة للجماعة الصحيحة وإال فال معنى لتحمل اإلمام قراءة المأموم
وإجزاء قراءته عن قراءته مع عدم كونه إمام ًا له حقيقة»(((.
تم سند ًا وداللة من الروايات المتقدِّ مة يفي بإثبات المطلوب، وخالصة الكالمّ :
إن ما ّ
وهو صحة الصالة خلفه على نحو االقتداء وإن كان بعضها يدل على ذلك بالصراحة كالرواية
التي قالت إن ذلك يجزيك ،وبعضها ّ
يدل عليه بالظهور الب ّين ،كالرواية التي رتبت الثواب
على ذلك ،وبعضها ظاهرة في الصحة كالروايات الدالة اآلمرة بالصالة خلفهم ،مما هو ظاهر
في االقتداء ،وبعضها مشعرة إلى حدّ الظهور بذلك كالروايات التي دعت إلى الصالة معهم،
أو في مساجدهم ،وحمل هذه األخبار على التقية بحيث تكون ناظرة إلى اإلجزاء في فرض
التقية بحاجة إلى قرينة قوية تقتضي ذلك.
الوجه الثاني :الدليل التاريخي
وحاصله :أن أئمة المساجد والجماعات والجمعات آنذاك -في األعم األغلب -لم
يكونوا من الشيعة ،بل كانوا من أتباع المذاهب اإلسالمية األخرى ممن ترتضيهم السلطة
أو هم أقرب إليها فكري ًا من أتباع مدرسة أهل البيت ،وقد كان الكثير من الشيعة يعيشون
في وسط األغلبية اإلسالمية ،ومن الطبيعي أن يصلي معظمهم بصالة أولئك وال سيما في
أيام الحج ويقتدون بهم ظن ًا منهم بصحة الصالة خلفهم ،كما يجري اليوم مع بعض الشيعة،
لنص األئمة على بطالنها ووجوب إعادتها وعدم وعليه ،فلو كانت الصالة باطلة حق ًا ّ
االكتفاء بها ،ولورد ذلك في رواياتهم ،مع أننا نجد صمت ًا تام ًا في الروايات عن بيان وجوب
اإلعادة ،ما يعني صحة الصالة.
ولك ْن قد يعترض عليه:
إن ما ورد في األخبار من النهي عن الصالة خلفهم (بصرف النظر عما سجلناه أوالًّ :
ال على عدم االكتفاء بتلك الصالة ،فالحظ صحيح زرارة المتقدم عليها) هو بنفسه يعدّ دلي ً
عن أبي جعفر « :ما هم عندي إال بمنزلة الجدر» ،فهذا اللسان وأمثاله يدل عرف ًا على
بطالن الصالة.
في صحيحة زرارة ،عن أبي عبد الله ،قال« :ال تعاد الصالة إال من خمسة :الطهور ،والوقت، (( (
والقبلة والركوع ،والسجود» ،انظر :الخصال ،ص ،285وفي هامش تلك الصفحة قال المحقق« :في
بعض النسخ« :عن أبي جعفر ،»وهو (أي كون اإلمام المروي عنه هو الباقر )الموافق لما في
كتاب من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .339وتهذيب األحكام ،ج ،2ص ،152والموافق أيض ًا لما نقله
الشيخ الحر عن الخصال ،انظر :وسائل الشيعة ،ج ،5ص ،471الباب 1من أبواب أفعال الصالة،
الحديث .14
انظر :ذخيرة المعاد للسبزواري ،ج ،1ق ،2ص .305والرأي بعينه وباللفظ عينه قد ذكره العالمة (( (
المجلسي في بحار األنوار ،ج ،85ص .32
المروة في اإلمامة والشهادة» ،كفاية األحكام ،ج ،1
ّ قال المحقق السبزواري« :والمشهور اعتبار (((
ص .143
قال العالمة« :وتحرم األجرة على اإلمامة والشهادة وأدائها» ،انظر :قواعد األحكام ،ج ،2ص .10 (((
وذكر نحوه في تذكرة الفقهاء ،ج ،12ص .148
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 212
باب الشهادة يجري بعينه وحذافيره في باب اإلمامة (إمامة الجماعة) ،ويكفي للفرق بينهما،
أن اإلمامة تم ّثل اقتدا ًء باآلخر في العمل العبادي والروحي ،األمر الذي قد يجعل من الوارد
ّ
أن يكون للتوافق واالنسجام العقدي معه دخل في صحة االقتداء به ،وهذا بخالف الشهادة،
فإنها تتقوم أساس ًا بصدق الشاهد في كالمه ،األمر الذي يجعل من الممكن نفي أي دخل
لمعتقده في قبول شهادته.
خامس ًا :الموازنة بين األخبار
المرحلة الخامسة ،وفي هذه المرحلة سوف نسلم -ولو جدالً -تمامية األخبار
المتقدمة في المرحلة الثالثة ،كما تمت األخبار الواردة في المرحلة الرابعة ،ما يجعلنا أمام
طائفتين متعارضتين ،ما يحتم إعمال قواعد الجمع العرفي فيما بينها ،وإن لم نجد سبي ً
ال
للجمع بينها فمقتضى القاعدة هو تساقطها ،ويرجع إلى العمومات المتقدمة في المرحلة
الثانية والدالة على جواز الصالة خلف المسلم ،أو من كان من أمته (ص) أو غيرها من
العناوين العامة ،وعليه فال بدّ في بادئ األمر أن نالحظ ما إذا كان باإلمكان الجمع بينها
جمع ًا عرفي ًا .وما يمكن أن ُيطرح للجمع بين األخبار هو الوجوه التالية:
الوجه األول :الحمل على الكراهة
وذلك بتقريب ّ
أن األخبار الناهية ظاهرة في النهي ،والروايات المجوزة ظاهرة في
الجواز واإلجزاء ،فيحمل النهي على الكراهة كما هو مقتضى القاعدة ،وأخبار النهي في
معظمها تحمل صيغة «ال تصل خلفهم» ،فهي قابلة للحمل على الكراهة.
فإن قوله في صحيحة زرارة «ما هم عندي إال هذا ولكن تعترض هذا الوجه صعوبةّ ،
بمنزلة الجدر» ،ال تنسجم مع الكراهة ،فهي لداللتها الب ّينة على عدم اإلجزاء ،يصعب حملها
أجر المصلي
أن الروايات التي أعطت المصلي خلف المسلم اآلخر َ على الكراهة .كما ّ
ثواب الشاهر سيفه في سبيل الله ال تقبل الحمل على الكراهة ّ خلف رسول الله (ص) ،أو
ولو أنّها بمعنى قلة الثواب ،هذا باإلضافة إلى ما يستفاد من الروايات اآلتية في الوجه الثاني
فإن استثناء صورة التقية -كما سيأتي -ال يناسب كثير ًا كون الحكم هو الكراهة.
للجمعّ ،
الوجه الثاني :الحمل على التقية
وهذا ما ذهب إليه جمهور فقهائنا ،وهذا ما يمكن االستدالل عليه باآلتي:
أوالًّ :
إن ما تقتضيه القاعدة -عند التعارض وعدم إمكانية الجمع العرفي وفقدان
213 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الترجيح بموافقة الكتاب -هو األخذ بمخالفة العامة ،والروايات الحاكمة بإجزاء الصالة
خلفهم في المقام موافقة لهم ،فتحمل على التقية.
ثاني ًاّ :
إن العديد من األخبار تصلح شاهد جم ٍع بين الطائفتين المتعارضتين ،وذلك
بحمل الروايات المجوزة للصالة خلفهم على التقية ،والروايات الناهية عن الصالة على
اإلرادة الجدية وبيان الحكم الواقعي ،وهذه الروايات هي:
الرواية األولى :صحيحة إسماعيل الجعفي المتقدمة قال« :قلت ألبي جعفر :رجل
ممن خالفه ،فقال :هذا
إلي ّ
أحب ّ
ّ عدوه ويقول :هو يحب أمير المؤمنين ،وال ّ
يتبرأ من ّ ّ
تصل خلفه وال كرامة َّإل أن تتّقيه»((( .فهي واضحة الداللة على عدم
عدو ،فال ّ
مخ ِّلط ،وهو ّ
جواز الصالة خلفه إال في صورة التقية.
الرواية الثانية :رواية علي بن سعيد البصري قال :قلت ألبي عبد الله « :إنّي ٌ
نازل
في بني عدي ،ومؤذنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمان ّية يتبرؤون منكم ومن شيعتكم
صل خلفه .قال :قال :واحتسبوأنا نازل فيهم ،فما ترى في الصالة خلف اإلمام؟ قالِّ :
بما تسمع ،ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول
الفضيل وتدع قولي ،قال علي :فقدمت البصرة فأخبرت فضي ً
ال بما قال .فقال :هو أعلم بما
قال ،ولكني قد سمعته وسمعت أباه يقوالن :ال تعتدْ بالصالة خلف الناصب ،اقرأ لنفسك
كأنّك وحدك ،قال :فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله .(((»
قال صاحب الوسائل« :صدر الحديث ظاهر في التقية»((( .أي ّ
إن اإلمام أمره
بالصالة خلفهم واالجتزاء بذلك تقية ،ولك ْن إذا عاد إلى البصرة فيرتفع موجب التقية فيأخذ
بالحكم الواقعي ،وهو عدم صحة الصالة خلفهم ولزوم اإلعادة.
ولكن يرد على االستدالل بهذه الرواية:
من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .382وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،302الباب 6من أبواب صالة (((
الجماعة ،الحديث .1
كما رجح السيد الخوئي ،انظر :معجم رجال الحديث ،ج ،13ص .63 (( (
الرسائل لإلمام الخميني ،ج ،2ص .199 (( (
من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان ،عن أبي عبد الله أنه قال :ما من عبد يصلي في الوقت ويفرغ (((
ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إال كتب الله له خمس ًا وعشرين درجة» ،انظر :وسائل الشيعة،
ج ،8ص ،302الحديث 2من الباب 6من أبواب صالة الجماعة.
«إن المكلف إذا جاء بالمأمور به وأتى به خارج ًا واجداً
قال السيد الخوئي في بيان وجه االستحالةّ : (((
وإل لزم الخلف أو عدم إمكان= لجميع األجزاء والشرائط حصل الغرض منه ال محالة وسقط األمرّ ،
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 216
وأسقطت األمر بها ،وأما األمر الثاني فهو استحبابي نظير استحباب إعادة الصالة جماعة إذا
صليت فرادى.
الرواية الرابعة :صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير قال :قلت ألبي جعفر :من ال
أقتدي به في الصالة؟ قال« :افر ْغ قبل أن يفرغ ،فإنّك في حصار فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة
أن المستفاد من الرواية لزوم القراءة خلف اآلخر ،إال إذا سبقه فيواركع معه»((( .بتقريب ّ
الركوع ،فعندها يقطع قراءته ويلتحق به ،ألنه في حصار أي تقية.
أن مفروض الكالم في الصحيحة هو «من ال يقتدى به» وحمله ولكن يالحظ عليهاّ :
على المسلم اآلخر يحتاج إلى قرينة ،وكونه في حصار ال يعدّ قرينة على ذلك ،فربما يكون
اإلنسان مضطر ًا للصالة خلف بعض الظلمة والفسقة من الوالة ،فهي ال تدل على عدم
مشروع ّية الصالة خلف المسلم اآلخر.
ُ
أدخل الرواية الخامسة :خبر إسحاق بن عمار قال :قلت ألبي عبد الله :إنّي
المسجد ،فأجد اإلمام قد ركع وقد ركع القوم ،فال يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر؟ فقال لي:
فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها ،فإنّها من أفضل ركعاتك ،قال إسحاق :فلما
سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغالم :انظر أقيمت الصالة؟ جاءني فقال:
نعم ،فقمت مبادر ًا فدخلت المسجد ،فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول ٍّ
صف أدركته
واعتددت بها ،ثم صليت بعد االنصراف أربع ركعات ،ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة من
إلي من المخزوميين واألمويين فأقعدوني ،ثم قالوا :يا أبا هاشم جزاك الله
جيراني قد قاموا ّ
عن نفسك خير ًا ،فقد والله رأينا خالف ما ظننا بك وما قيل فيك! فقلت :وأي شيء ذلك؟
قالوا :اتبعناك حين قمت إلى الصالة ونحن نرى أنك ال تقتدي بالصالة معنا ،فقد وجدناك
قد اعتددت بالصالة معنا وصليت بصالتنا ،فرضي الله عنك وجزاك خير ًا قال :فقلت لهم:
أن أبا عبد الله لم يأمرني إال وهو يخاف سبحان الله ألمثلي يقال هذا؟! قال :فعلمت ّ
أن قوله« :وهو يخاف علي هذا وشبهه» ،يؤشر على علي هذا وشبهه»((( .وذلك بتقريب ّ
ّ
= االمتثال أبد ًا ،أو بقاء األمر بال مالك ومقتض ،والجميع محال» ،انظر :موسوعة السيد الخوئي الفقهية،
ج ،44ص .36
(( ( تهذيب األحكام ،ج ،3ص .275وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،367الباب 34من أبواب صالة
الجماعة ،الحديث .1
((( تهذيب األحكام ،ج ،3ص .38واالستبصار ،ج ،1ص .432ووسائل الشيعة ،ج ،5ص ،432الباب 35
من أبواب صالة الجماعة ،الحديث .4
217 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ّ
أن أمر اإلمام بالصالة خلفهم كان للتقية ،ويؤيده ما جرى بينه وبين جيرانه من المخزوميين
واألمويين ،فكأنه كان في موضع مراقبتهم.
هذا ولكن يالحظ على االستدالل بها:
أوالً :إنها ْ -
وإن ذكر البعض أنّها معتبرة((( -ضعيفة السند ،كما ذكر بعض الفقهاء(((،
يشتمل على محمد بن الحصين ،وهو مجهول ،كما ّ
أن السند يشتمل على ُ وذلك ّ
ألن السند
محمد بن الفضيل وهو ممن تعارض فيه التوثيق والتضعيف(((.
ثاني ًا :الرواية قد تكون مشعرة بالتقية ،كما يشي بذلك ذيلها ،ولكن ليس فيها
فإن إسحاق بن عمار قد فرض في سؤاله لإلمام ال عن الصراحةّ ، ظهور بذلك فض ً
أنّه ال يستطيع أداء الصالة في مسجد قومه بأذان وإقامة وتكبير ،وهذا ال ينحصر فهمه
بمركوز ّية بطالن الصالة خلفهم في ذهنه ،نعم هو يؤشر على عدم إرادته االئتمام بهم،
ولكن لماذا ال يريد االئتمام؟ هل لبطالن الصالة خلفهم أم ألنّها خالف األولى أو
أن في الصالة خلفهم تكثير ًا لسوادهم ،أو ألنّها جماعة ال يؤذن فيها والألنّه يرى ّ
يقام للصالة كما صرح في سؤاله ما يجعلها أقل ثواب ًا وأجر ًا؟ وإن لم يمكن ترجيح
أن كل ذلك محتمل ،فال تصلح االحتمال األخير لتصريح السائل به فال أقل من ّ
لالستدالل ،واإلمام أجابه بالدخول معهم في الركعة مباشرة ،إذا كان ال يستطيع
اإلتيان باألذان واإلقامة ،فيكون جوابه متماشي ًا مع السؤال ،ويلفت النظر تأكيده
َ
أفضل ركعاته ،وهو للرجل على االعتداد بالركعة التي يصلي بها خلفهم واعتبارها
ظاهر في صحة الصالة وإجزائها.
صعوبات تعترض التق ّية
يواجه الحمل على التقية عدة عقبات:
أوالً :صعوبة تفسير صالة أمير المؤمنين والحسنين بذلك .نعم صالتهم
هذه تقبل الحمل على المداراة وحفظ وحدة الجماعة اإلسالمية.
ٍ
كمرجح عند عدم توفر الترجيح بموافقة ثاني ًاّ :
إن األخذ بما خالف العامة إنما يعمل به
وجه ،بنا ًء على ما أسلفنا من عدم نهوض دليل على البطالن ،وأ ّما إذا لم تكن كذلك ولو
ثمة فكر ٌة طرحناها
للخلل في مقدماتها كالوضوء مثالً ،فال مجال للحكم بالصحة .ولك ْن ّ
أن الحكم ببطالن صالة اآلخر الفاقدة لبعض الشرائط إنّما هو بطالن سابق ًا((( ،وخالصتها ّ
نسبي وليس مطلق ًا ،فهي باطلة فيما لو أراد المؤمن االكتفاء بتلك الكيفية من الصالة واألخذ ٌ
فإن الدليل نهض عنده على كيف ّية أخرى فال يمكنه مخالفة ما نهضت بها والعمل عليهاّ ،
الحجة عليه بنظره ،وأ ّما إذا كان اآلخر هو من يعمل بهذه الكيفية التي نهض الدليل عنده على
شرعيتها فيمكن الحكم بكونها مجزئة إجزا ًء واقعي ًا ثانوي ًا عند من يأتي بها على هذا النحو
ومتقرب ًا به إلى الله تعالى ،وهذا ما ِّ
يفسر لنا العديد من األحكام الشرعية ِّ معتقد ًا صحة عمله،
المنصوصة دون حاجة إلى حملها على التعبد ،والخروج عن مقتضى القاعدة.
والبناء على صحة عملهم في هذه الحالة ستكون ثمرته في موردين:
المورد األول :بالنسبة إلى اآلخر نفسه ،في حال انتقاله من مذهبه إلى المذهب الذي ال
يرى صحة هذا العمل كمذهب أهل البيت ،ومن هنا نجدُ أنّه قام النص والفتوى عند فقهاء
الشيعة على عدم وجوب إعادة المسلم اآلخر للصالة أو الصوم أو الحج الذي يرتبط بصحة
الغسل والوضوء في الحالة المذكورة ،فلو كانت األعمال باطلة فلماذا ال تجب اإلعادة؟!
إن عدم وجوب اإلعادة ليس حكم ًا تعبدي ًا مخالف ًا للقاعدة وقد قال به األئمة من أجل
ّ
ألن صالته تتصف بمستوى من الصحة الواقعية ولو الثانوية، إن ذلك ّالتخفيف عليه ،بل ّ
(( ( فاآلخر يغسل الرجلين بدل مسحهما ،مع أن ظاهر القرآن الكريم بنظر الشيعة على المسح ،وهم
يمسحون على الخفين في بعض الحاالت ،وهو خالف ظاهر القرآن ،وقد ورد عن اإلمام علي :
«سبق الكتاب الخفين» ،انظر :وسائل الشيعة ،ج ،1ص ،459الحديث 7من الباب 38من أبواب
الوضوء .وفي الخبر أيض ًا عن اإلمام الصادق :عن المسح على الخفين؟ فقال« :ال تمسح وال
تصل خلف من يمسح» ،قرب اإلستاد ،ص .162وهذه يمكن إرادها في عداد النصوص الخاصة
الناهية عن الصالة خلف اآلخر المذهبي ،لكنها ضعيفة السند ،باإلضافة إلى أنها ال تمنع من الصالة
خلفه بسبب مذهبه ،بل إلخالله بالوضوء الصحيح.
((( كما لو اغتسل من الجنابة وقام وصلى صالة مستجمعة للشرائط في القراءة والصالة على األرض.
((( انظر :الباب الثاني ،قاعدة اإللزام.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 222
المبنية على أن هذا الشخص حيث إنه مقتنع ًا بصحة مذهبه ،ومعتقد ًا بشرعية هذه الصالة
ويأتي بها لله سبحانه ،فيحكم بصحتها.
المورد الثاني :بالنسبة إلينا ،أي لمن ال يرى صحة العمل ،فيما لو كان له أثر شرعي
صح هذا التوجيه
يتصل بنا ،فهذا المقدار من الصحة الواقعية يجيز لنا الصالة خلفه .وإذا ّ
فإنه يصلح لتفسير ما نحن فيه ،حيث يحكم الفقه الشيعي باشتراط شروط خاصة في الصالة
ومقدماتها ،ومنها الطهارة ،كلزوم المسح على القدمين وعدم كفاية الغسل ،ومع ذلك تحكم
الروايات بعدم لزوم إعادة صالة الجماعة خلفهم ،وأفتى بذلك جمع من الفقهاء ،كما سيأتي،
فال داعي لحمل الروايات على صورة التق ّية.
والحكم بالصحة الثانوية له نظائر في الفقه:
--1أنّك ترى أنّه ومع كون توجيه الذبيحة إلى القبلة شرط ًا عندنا ،ال يحكم بحرمة ذبائحهم،
بل ُيبنى على الحل ّية مع علمنا بعدم تحقق هذا الشرط(((وإن كان يمكن تفسيره بأن هذا
الشرط (التوجه إلى القبلة) علمي وليس واقعي ًا .ومعه يكون الحكم بالحل ّية ألن ترك
االستقبال كان لجهله بالحكم ،ولو لعدم االعتقاد به.
ثمة حكم ًا متسالم ًا عليه وهو صحة طالقهم ،مع أنه قد ال يكون متوفر ًا على --2وهكذا ّ
فإن ّ
الشروط المعتبرة عندنا ،من حضور الشاهدين أو وقوعه في طهر لم يواقعها فيه ،وهذا
يوجهه الفقهاء على أساس قاعدة اإللزام ،وقاعدة اإللزام بحسب الفهم التقليدي ما ِّ
أن هذا الفهم يحتاج إلى تدقيق ،بل هو محل إشكال، لها ُت َف َّسر على أساس التعبد ،مع ّ
فإنه قد يحكم بالصحة في بعض الحاالت مع عدم تحقق معنى اإللزام ،وقد أوضحنا
الكالم في هذه القاعدة في الباب الثاني المتقدِّ م.
المستوى الثاني :حكم الصالة خلفهم بالعنوان الثانوي
وهذا البحث مبني على القول بعدم صحة الصالة خلفهم بالعنوان األولي ،إما لقيام
(( ( يقول بعض الفقهاء المعاصرين في ذكر شرائط التذكية(« :الثالث) االستقبال بالذبيحة حال الذبح
إلى القبلة ،ويتحقق االستقبال فيما إذا كان الحيوان قائم ًا أو قاعد ًا بما يتحقق به استقبال اإلنسان حال
الصالة في الحالتين ،وأما إذا كان مضطجع ًا على األيمن أو األيسر فيتحقق باستقبال المنحر والبطن
وال يعتبر استقبال الوجه واليدين والرجلين ،وتحرم الذبيحة باإلخالل باالستقبال متعمد ًا ،وال بأس
خطأ أو للجهل باالشتراط كمن ال يعتقد لزومه شرع ًا أو لعدم العلم بجهتها أو عدم ً بتركه نسيان ًا أو
التمكن من توجيه الذبيحة إليها ولو من جهة خوف موت الذبيحة لو اشتغل بتوجيهها إلى القبلة».
انظر :المسائل المنتخبة للسيد السيستاني ،ص .455
223 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ثمة سؤاالً ُيطرح الدليل على بطالنها أو لعدم نهوض دليل على صحتها ،وبنا ًء على ذلكّ ،
فإن ّ
في المقام ،وهو أنّه ما حكم حاالت الضرورة أو وجود مصلحة في الصالة خلفهم كإظاهر
وحدة األمة؟ وما حكم الصالة التي يؤديها المسلم اإلمامي في هذه الحاالت فهل يحكم
ببطالنها وتجب إعادتها؟ أم يجتزئ بها وتقبل منه؟
واإلجابة على هذه األسئلة ستكون من خالل النقاط التالية:
أوالً :بيان الحكم التكليفي للصالة تقية.
ثاني ًا :بيان الحكم التكليفي للصالة مداراة.
ثالث ًا :بيان الحكم الوضعي (اإلجزاء) للصالة تقية أو مداراة.
أوالً :بيان الحكم التكليفي للصالة تقية
في حالة التق ّية ،تجوز بل تجب الصالة خلف المسلم اآلخر ،وهو موضع إجماع،
ودلت على ذلك العديد من النصوص الخاصة والعامة ،أكتفي بذكر واحدة وهي صحيحة
ال ُي َع ِّي ُرونَّا بِهَ ،فإِ َّن ول :إِ َّياك ُْم َأ ْن َت ْع َم ُلوا َع َم ً«س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله َ ي ُق ُ ِ ِ
ه َشا ٍم ا ْلكنْد ِّي َق َالَ :
ِ
ول َتكُونُوا َع َل ْيه َش ْين ًا َص ُّلوا فِي الس ْو ِء ُي َع َّي ُر َوالِدُ ه بِ َع َملِه ،كُونُوا لِ َم ِن ا ْن َق َط ْعت ُْم إِ َل ْيه َز ْين ًا َ
َو َلدَ َّ
ول َي ْسبِ ُقو َنك ُْم إِ َلى َش ْي ٍء ِم َن ا ْلخَ ْي ِر َف َأ ْنت ُْم َأ ْو َلى واش َهدُ وا َجنَائِز َُه ْم َ اه ْم ْ ِ ِ
َع َشائ ِره ْم و ُعو ُدوا َم ْر َض ُ
ب ُء؟ َق َال :الت َِّق َّي ُة»(((. وما ا ْلخَ ْ
تَ : ب ِءُ ،ق ْل ُ ِ
ب إِ َل ْيه م َن ا ْلخَ ْ
ٍ ِ
بِه من ُْه ْم ،وال َّله َما ُعبِدَ ال َّله بِ َش ْيء َأ َح َّ
وكل النصوص اآلتية تشمل ما نحن فيه باألولوية.
وكما أشرنا فهذا موضع إجماع ،وإنما الكالم بينهم في بعض الجوانب ومن أهمها:
أنّه هل يشترط عدم المندوحة في جواز الصالة خلفهم أم تجوز حتى مع وجود المندوحة؟
أن التقية في فعل الحرام أو ترك الواجب يشترط فيها عدم المندوحة، ال يخفى ّ
ألن التقية هي ضرورة كما د ّلت عليه الروايات((( بل ّ
إن مفهوم التق ّية ال يصدق في ّ
صورة وجود المندوحة ،فالتقية من الوقاية ،فهي تعني وقاية اإلنسان نفسه من الضرر
((( الكافي ،ج ،2ص .219والرواية صحيحة وصرح بذلك في مرآة العقول ،ج ،9ص .179
ِ ِ ((( ففي صحيحة ُزرار َة َعن َأبِي جع َف ٍر َ ق َال« :الت َِّقي ُة فِي ك ُِّل َضرور ٍة وص ِ
اح ُب َها َأ ْع َل ُم بِ َها حي َن َتنْز ُل بِه»، ُ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ
انظر :الكافي ،ج ،2ص ،219فإنها ظاهرة في انحصار التقية بصورة الضرورة .وفي صحيحة أخرى
عن أبي جعفر « :التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له» ،انظر :الكافي ،ج ،2
ص ،220فإنها ظاهرة بقرينة التفريع أنه في غير حالة االضطرار فال حل ّية.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 224
والمخاطر ،ومع وجود المندوحة فال تصدق الضرورة .هذا ولكن التق ّية في الصالة ال
ثم الصالة خلفهم فيجوز له أن يصلي يعتبر فيها المندوحة ،فلو أمكنه الصالة في بيته ومن ّ
معهم ويترك الصالة في بيته ،والدليل على ذلك ليس هو الروايات العامة الواردة في
التقية ،وإنما هو الروايات الخاصة اآلمرة بالصالة خلفهم والحاثة على حضور جماعتهم
والمحمولة على التقية.
أجل ،قد جرى حديث بين الفقهاء حول فر ٍع آخر هنا ،وهو أنّه ْ
وإن لم تعتبر المندوحة
بالنسبة للتقية في أصل الصالة ،لكن ماذا عن التق ّية في حال الصالة ،بمعنى أنّه لو أمكنه
أثناء الصالة أن يصلي في موضع يتكمن فيه من السجود على ما يصح السجود عليه بحسب
مدرسة أهل البيت ،فهل يتعين عليه ذلك؟ أم يجوز له الصالة ولو بالسجود على ما ال
يصح السجود عليه؟
هنا وفي هذا الفرع ،اختلف الفقهاء ،فذهب بعضهم ومنهم الشيخ األنصاري والمحقق
الهمداني إلى اعتبار عدم المندوحة حال االمتثال والتقية ،متمسكين ببعض الوجوه ،ومن
أن ما دل على الصالة خلفهم وفي جماعتهم ومساجدهم وعشائرهم وإن كان ظاهر ًا
أقواهاّ :
في عدم اعتبار الضرورة في أصل الصالة والحضور ،ولكن ال شمول له لحال الصالة
والعمل ،فلم يقم هنا دليل على عدم اعتبار الضرورة واالضطرار ،ومقتضى ذلك عدم جواز
التقية والصالة مع وجود المندوحة.
بينما خالفهم السيد الخوئي ولم يعتبر عدم المندوحة هنا ،كما لم يعتبره بالنسبة للتقية
في أصل حضور الصالة ،متمسك ًا بما تقدمت اإلشارة إليه من الروايات الحاثة على الصالة
في جماعتهم ،فإنّها مطلقة وظاهرة في الصالة معهم ،بمعنى أنّه يصلي كصالتهم اختياري ًا،
ولم تقيد ذلك بما إذا كان غير قادر على العمل بحسب الوظيفة الواقعية((( .فعندما تقول
إن من صلى معهم في الصف األول فهو كمن صلى خلف رسول الله (ص) في الروايةّ :
الصف األول ،فإنّها مطلقة وظاهرة في مشروعية الصالة معهم واستحبابها حتى لو لم يكن
متمكن ًا من السجود على ما يصح السجود عليه.
ثاني ًا :بيان الحكم التكليفي للصالة مداراة
وأ ّما حكم الصالة خلفهم ال للتقية المتقومة بخوف الضرر ،وإنما ألجل المداراة
صرح بذلك غير واحد من الفقهاء ،يقول السيد الخميني« :وأ ّما التق ّية المداراتية المر َّغب فيها (( ( كما ّ
مصب
ّ أحب العبادات وأفضلها فالظاهر اختصاصها بالتق ّية من العا ّمة ،كما هو مما تكون العبادة معها ّ
ّ
تفرق جماعتهم صالح حال المسلمين بوحدة كلمتهم وعدم ّ ُ السر فيها ّ
الروايات على كثرتها .ولعل ّ
أذلء بين سائر الملل وتحت سلطة الك ّفار وسيطرة األجانب» ،انظر :الرسائل العشر، لكيال يصيروا َّ
أن حكمة المداراة ص .70ويقول السيد الخوئي تعليق ًا على بعض األخبار الصحيحة« :لداللتها على ّ
معهم في الصالة أو غيرها إنما هي مالحظة المصلحة النوعية واتحاد كلمة المسلمين من دون أن
يترتّب ضرر على تركها» ،انظر :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،5ص .274
((( تهذيب األحكام ،ج ،3ص .277
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 226
وال تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا ،إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ﴿ :ﲶ
ﲷ ﲸ ﴾((( ثم قال :عودوا مرضاهم ،واشهدوا جنائزهم ،واشهدوا لهم وعليهم،
وصلوا معهم في مساجدهم»(((.
ويشهد لكون الدعوة في هذه الصحيحة إلى الصالة في مساجدهم في صورة المداراة ّ
أن
عيادة مرضاهم وحضور جنائزهم غير ُمق َّيد ْين بصورة التقية وخوف الضرر ،فكذا الصالة
معهم .ولكن قد يكون التعبير «ال تحملوا الناس على رقابكم فتذلوا» قرينة على التقية.
ب َل َك إِ َذا َد َخ ْل َت َم َع ُه ْم وإِ ْن--3رواية حفص بن البختري عن أبي عبد الله قالُ « :ي ْح َس ُ
ب َل َك إِ َذا ُكن َْت َم َع َم ْن َت ْقت َِدي بِه» فهذه أيض ًا مطلقة لصورة
((( ِ ِ
َل ْم َت ْقتَد بِ ِه ْم م ْث ُل َما ُي ْح َس ُ
الصالة لغير التقية ،ولكنها ال ّ
تدل على حصول االقتداء كما أسلفنا سابق ًا.
إلى غيرها من األخبار التي مساقها هو مساق بيان الحالة الطبيعية وليس حالة الضرورة
والخوف ،وحملها على صورة الضرورة والتقية هو على خالف الظاهر ،وبال موجب.
أن صالة أمير المؤمنين خلفهم وكذلك الحسنين ليست للتقية كما أسلفنا، على ّ
وإنما غايته أن ذلك كان حرص ًا على التآلف وحفظ وحدة الجماعة المسلمة .هذا إن لم نقل
إن ذلك كان جائز ًا بالعنوان األولي ،قال السيد الخوئي« :نعم ال بأس بذلك في خصوص
فإن له أن يحضر مساجدهم ويصلي معهم للمداراة والمجاملة من دون أن يترتب الصالةّ ،
ضرر على تركه بالنسبة إلى نفسه أو باإلضافة إلى الغير ،وذلك إلطالقات األخبار اآلمرة
أن الصالة معهم في الصف األول كالصالة خلف رسول الله (ص) ألن ما ّ
دل على ّ بذلكّ ،
غير مقيد بصورة ترتب الضرر على تركها .بل قد عرفت أن حملها على تلك الصورة حمل
لها على مورد نادر ،لبعد أن يكون ترك الحضور في مساجدهم أو ترك الصالة معهم مرة
أو مرتين أو أكثر مستلزم ًا الشتهاره بالتشيع ومعروفيته به أو ألمر آخر موجب لتضرره»..
إلى أن يقول« :وعلى ذلك ال يتوقف جواز الصالة معهم على ترتب أي ضرر على تركه
ولو احتماالً ،وهذا قسم خاص من التقية فلنعبر عنه بالتقية بالمعنى األعم ،لمكان أنّها أعم
(( ( هكذا وردت في المصدر في الطبعة القديمة من تقريرات درس السيد (ره) ،واألنسب هو «سبر»
بمعنى مالحظة وتتبع ،كما في الطبعة األخيرة من تقريراته.
((( موسوعة السيد الخوئي ،ج ،5ص .276
(( ( ففي رواية عمر بن يزيد ،عن أبي عبد الله أنه قال« :ما منكم أحد يصلي صالة فريضة في وقتها ،ثم
يصلي معهم صالة تقية وهو متوضئ إال كتب الله له بها خمس ًا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك» ،وقد
تقدمت هذه الرواية وتقدم الكالم في سندها.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 228
عما ال يصح السجود عليه أو غيره ،وكذا ترك القراءة بحدها المطلوب.
األمور كالسجود ّ
والظاهر هو الصحة واإلجزاء في هذه الصورة ،وهذا ما عليه جمع من الفقهاء:
قال الشيخ الطوسي« :وإذا صلى خلف من ال يقتدى به قرأ على كل حال سمع القراءة
مثل حديث النفس ،وال يجوز أن يترك فإن كان في حال ٍ
تقية أجزأه من القراءة ُ أو لم يسمعْ .
القراءة على حال ،وإن لم يقرأ أكثر من الحمد وحدها كان جائز ًا ،وال يجوز أقل منها ،وإذا
فرغ المأموم من القراءة قبل اإلمام س ّبح مع نفسه»(((.
وقال المح ّقق الكركي« :فما ورد فيه نص بخصوصه إذا فعل على الوجه المأذون فيه
كان صحيح ًا مجزي ًا سواء كان للمكلف مندوحة عن فعله كذلك أم لم يكن ،التفات ًا إلى ّ
أن
الشارع أقام ذلك الفعل مقام المأمور به حين التقية ،فكان اإلتيان به امتثاالً فيقضي اإلجزاء.
وعلى هذا فال تجب اإلعادة ولو تمكن منها على غير وجه التقية قبل خروج الوقت ،وال أعلم
في ذلك خالف ًا بين األصحاب»(((.
وقال النراقي« :أن يصلي معهم ابتداء صالة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع
اإلمكان .وال شك في االجتزاء بتلك الصالة مع الضرورة ،وبدونها إذا تمكن من اإلتيان
بجميع الواجبات بنفسه ،وكذا مع عدم التمكن إذا لم تكن له مندوحة عن تلك الصالة ولم
يمكنه الصالة منفرد ًا ،كالمصاحب في سفر مع جماعة المخالفين .وإنما اإلشكال فيما إذا
لم يتمكن من الواجبات بأسرها وكانت له مندوحة من الصالة معهم ،أو لم تكن ولكن أمكن
أن ذلك إنما هو فيماله االنفراد أيض ًا قبلها أو بعدها .والظاهر االجتزاء أيض ًا ..ولك ّن الظاهر ّ
أقل من أن يكون في والية المخالف ،أو موجب ًا لتأليف قلوبهم كان لذلك جهة رجحان ،وال ّ
أو لرفع التهمة عن نفسه فيما تترتب عليهما فائدة ،كما هو مورد تلك األخبار ،فال يجزي في
غير ذلك»(((.
إلى غير ذلك من كلمات الفقهاء الحاكمة بالصحة ،ولكن نُسب((( إلى بعض الفقهاء
القول بعدم اإلجزاء إذا كانت الصالة فاقدة لشرط أو جزء ،ومن هؤالء الشيخ الصدوق
والشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ يوسف البحراني ،هذا مع أنه الظاهر ّ
أن كلماتهم ال
= فالسيرة كانت جارية على التقية في تلك األفعال كثيرة الدوران ومع عدم ردعهم يثبت صحتها ال
محالة» ،انظر :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،5ص .252
((( موسوعة السيد الخوئي ،ج ،5ص .272 - 271
((( تهذيب األحكام ،ج ،3ص .160
231 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
سمعته وسمعت أباه يقوالن :ال تعتد بالصالة خلف الناصب ،اقرأ لنفسك كأنك وحدك»(((.
لضعفها سند ًا كما أسلفنا.
وعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال :سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت ال
فأنصت له ،قلت:
ْ تجهر فيها بالقراءة؟ فقال :إذا سمعت كتاب الله ُيتلى
ُ ترضى به في صالة
إن عصى الله فأطع الله ،فرددت عليه ،فأبى أن يرخص لي ،قال:علي بالشرك قالْ :
فإنّه يشهد ّ
فقلت له :أصلي إذ ًا أنا في بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال :أنت وذاك»((( .واإلنصات ال يجامع
القراءة إخفات ًا خالف ًا لما ذكره األصفهاني((( ،فتكون ظاهرة في اإلجزاء.
وفي صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر قال« :صلى حسن
وحسين خلف مروان ونحن نصلي معهم»((( والصالة خلفهم ظاهرة في االقتداء ،وكذلك
إطالق الصالة معهم ،فالحظ كيف غ ّير اإلمام التعبير فقال« :ونحن نصلي معهم»،
وهو ال يصلي إال كصالة الحسن الحسين .وهذان التعبيران وردا في صحيحة حم ٍ
اد َ َّ
ف األَ َّو ِل ك َ ِ ِ
َان ك ََم ْن َص َّلى َع ِن ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َالَ :
«م ْن َص َّلى َم َع ُه ْم في َّ
الص ِّ
ول ال َّله (ص)»((( .حيث يالحظ كيف ساوى بين الصالة معهم والصالة خلف ف رس ِ
َخ ْل َ َ ُ
رسول الله (ص) ،والصالة خلفه (ص) تكون جماعة وهي مجزئة ،فكذلك الصالة خلفهم،
أن التعبير بـ «صل خلف» ،أو «ال تصل خلف» مما هو أن المستفاد من األخبار ّ وقد أسلفنا ّ
وارد في العديد من األخبار يراد به االقتداء وعدمه.
إن قيلّ :
إن اختالف التعبير في صحيحة الحلبي ليس من قبيل التفنن ،وإنما هو شاهد على
تم تشبيه «الصالة معهم» بالصالة «خلف رسول الله (ص)» ،ما يعني
اختالف كيفية الصالة ،فقد ّ
أن الصالة معهم هي صورة صالة .بينما الصالة خلف رسول الله (ص) هي صالة حقيقية. ّ
قلنا :هذا بعيد ،ألنه سينطبق ذلك على صحيحته على بن جعفر أيض ًا ويغدو هناك فارق
بين صالة الحسين خلف مروان وصالة الصادق خلف أئمة الجماعة في زمانه ،مع
تهذيب األحكام ،ج ،3ص .28وعنه وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،310الباب 10من أبواب صالة الجمعة. (((
االستبصار ،ج ،1ص .430وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .35 (( (
صالة الجماعة ،ص .214 (((
نقله عن مسائل علي بن جعفر كل من الحر العاملي في وسائل الشيعة ،ج ،8ص ،301الباب 5من (((
أبواب صالة الجمعة ،الحديث .9والمجلسي في بحار األنوار ،ج ،85ص .73
الكافي ،ج ،3ص .380ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .382 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 232
رجحنا سابق ًا ّ
أن صالة الحسنين أنه ال موجب له وال فارق بين هؤالء وهؤالء .أجل ،قد ّ
التفرق
خلف مروان بن الحكم هي من باب الحرص على وحدة الصف ودرء مفسدة ّ
واالنقطاع عن جماعة المسلمين.
أن الوجه الثاني :ما يستفاد من بعض األخبار العامة الواردة في التقية ،والظاهرة في ّ
العمل المأتي به في التق ّية ليس مباح ًا شرع ًا فحسب ،بل هو مجزئ ،من قبيل رواية َم ْس َعدَ َة
ولَ ...« :فك ُُّل َشي ٍء يعم ُل ا ْلم ْؤ ِمن بينَهم لِمك ِ
َان ا ْب ِن َصدَ َق َة َق َالَ :س ِم ْع ُت َأ َبا َع ْب ِد ال َّله َ ي ُق ُ
ُ ُ َْ ُ ْ َ ْ ََْ
أن الجواز أعم من ين َفإِنَّه َج ِائ ٌز»((( .وذلك بتقريب ّ اد فِي الدِّ ِ
الت َِّقي ِة ِمما َل ي َؤدي إِ َلى ا ْل َفس ِ
َ ُ ِّ َّ َّ
التكليفي والوضعي ،فهو يكون بحسب العمل المتعلق به ،فالجواز في الفعل الذي يتعلق به
التكليف يكون تكليفي ًا ،وفي الفعل الذي يتع ّلق به الوضع وضعي ًا((( ،وبعبارة أخرى« :جواز
كل شيء بحسبه ،فالرواية تعم األشياء المحرمة النفسية لوال التق ّية وتجعلها جائزة نفسية،
كما تعم األشياء المحرمة بالحرمة الغيرية فتقلبها إلى الجواز الغيري ال محالة .إذن تدلنا
الرواية على صحة الصالة المقترنة بالتكتّف أو بغيره من الموانع ،ألنها جائزة جواز ًا غيري ًا
بمقتضى التق ّية ،وكذا الصالة الفاقدة للجزء أو الشرط»(((.
واعترض عليها السيد الخوئي:
أوالً :بضعف السند« ،بمسعدة ،لعدم توثيقه في الرجال»(((.
ولكن في الحاشية ع ّلق المحشي قائالً« :قد قدمنا غير مرة ّ
أن الرجل وإن لم يوثق في
الرجال َّإل أنه ممن ورد في أسانيد كامل الزيارات وتفسير القمي ،فعلى مسلك سيدنا األُستاذ
-مدّ ظله -من وثاقة كل من وقع في شيء من الكتابين المذكورين ولم يض ّعف بتضعيف
معتبر ،ال بدّ من الحكم بوثاقة الرجل»(((.
َراجع السيد الخوئي عن مبناه في وثاقة رجال كامل الزيارات((( ،ولم
ُ ولكن قد نقل ت
يتراجع عن مبناه في وثاقة رجال تفسير القمي.
(( ( التهذيب ،ج ،2ص .284والفقيه ،ج ،1ص .189وعنهما وسائل الشيعة ،ج ،5ص ،378الباب 3من
أبواب األذان واإلقامة ،الحديث .1
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 236
ومع اتضاح ذلك نأتي على بحث المسألة ،فنبدأ بأقوال الفقهاء ،ثم نتوجه إلى البحث
االجتهادي في المسألة.
(( ( انظر :هامش الكافي ،ج ،3ص .304والحدائق الناضرة ،ج ،7ص .333
((( الفوائد المل ّية ،ص .139وقال الفيض الكاشاني« :المراد بالعارف العارف بإمامة األئمة ..فإنه بهذا
المعنى في عرفهم» ،انظر :الوافي ،ج ،7ص .591
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 242
ما نقص منه ،وذلك ،استناد ًا إلى بعض األخبار ،ففي صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله
فأتم ما ن ّقص هو من أذانه»(((.
قال« :إذا أذن مؤذن فن ّقص األذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه َّ
يدل عليه فعل «ن ّقص» ،وهذا الص من أذانه متعمد ًا ،كما ّ
وهي بحسب الظاهر واردة فيمن ن ّق َ
يكون عادة إال عن اعتقاد يدفعه إلى التنقيص ،وهو ما يفعله المسلم اآلخر ،أ ّما الشيعي فال
يتعمد التنقيص ،بل لو تعمد التنقيص ،فيمكن القول بعدم االعتداد بأذانه حتى مع تتميمه،
كما ذكر الشهيد الثاني في كالمه وسيأتي .وهذه الرواية هي القرينة على ترجيح التفسير الثاني
في موثقة عمار المتقدمة ،وبذلك يحصل الجمع بين الصحيحة والموثقة .وال تصح دعوى
كون الموثقة أخص((( من الصحيحة ،فتقدم عليها تقدم الخاص على العام.
وأوضح من تلك الصحيحة دالل ًة مرسل ُة المبسوط ،قال« :وروي((( أنه يقول( :حي على
خير العمل) دفعتين ،ألنه لم يقل ذلك»((( .فهذه واردة على الظاهر في المسلم غير الشيعي ،وعليه
فلو كان أذان المسلم اآلخر غير مجزئ وال يعتد به مطلق ًا فال وجه لتتميم نقصه ،وإنما كان الالزم
إعادة األذان ،وما ذكرناه هو ما فهمه بعض الفقهاء ،وقد تقدّ م كالم الشهيد الثاني (مع أنه تب ّين
شرط اإلمامية) ،حيث قال« :وين ّبه عليه (عدم اشتراط اإلمامية) أيض ًا حكمهم باستحباب قول ما
فإن غير الناسي من المؤمنين ال يتركه المؤ ّذن ،فإنّه يشمل بإطالقه المخالف ،بل هو ظاهر فيهّ ،
يترك منه شيئ ًا ،بل لو تركه اختيار ًا ،لم يعتدّ بأذانه»((( .وعدم االعتداد في حال ترك اإلمامي األذان
اختيار ًا لعله لبطالنه وفق اعتقاد المؤذن نفسه ،فال يعتد به المؤذن فض ً
ال عن غيره.
إن صحيحة ابن سنان ناظرة إلى صورة سماع أذان الغير ،فيحكم باالجتزاء وربما يقالّ :
ٍ
حينئذ مع تتميم ما نقص ،وكالمنا في االجتزاء بأذانه ولو لم يسمعه ،نظير االجتزاء بأذان به
اإلمام الشيعي ولم يسمعه المأموم في صالة الجماعة.
إن الصحيحة ال مجال لحملها على صورة السماع ،كما ذكر ذلك ولكن الجوابّ :
بعض الفقهاء .قال السيد الخوئي تعليق ًا على الصحيحةّ :
«إن موردها االجتزاء بنفس األذان
(( ( موسوعة السيد الخوئي ،ج ،13ص .311وقال رحمه الله قبيل ذلك« :لألذان نسبتان ،نسبة إلى المؤذن
ونسبة إلى السامع والظاهر من الصحيحة أن المجزي إنما هو األذان باعتبار صدوره ال باعتبار سماعه،
لقوله « :إذا أ ّذن مؤذن» ولم يقل إذا سمعت أذان مؤذن فال جرم تختص بأذان الجماعة حيث إنه
يجزي أذان اإلمام وإن لم يسمعه المأموم وبالعكس ،فإذا نقص شيء من أذان أحدهما أتمه اآلخر ،فال
ربط لها باالجتزاء من حيث السماع الذي هو محل الكالم» ،انظر :المصدر نفسه ،ج ،13ص .308
((( ليس لدينا ما يستفاد منه تتميم النقص إال صحيحة ابن سنان ،وعليه فيكون السيد معترف ًا بشمولها
للمسلم اآلخر.
((( موسوعة السيد الخوئي ،ج ،13ص .325 - 324
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 244
أصر عليه في كال ٍم له سابق عليه ،حيث رفض االجتزاء بسماع األذان الناقصينسجم مع ما ّ
ألن دليله هو صحيحة ابن سنان ،وهي ال نظر فيها إلى صورة السماع ،كما حتى مع تتميمهّ ،
قال ،فالسماع عنده إنما يكون مجزي ًا في صورة سماع األذان كامالً.
إن مقتضى الجمع بين موثقة عمار وصحيحة ابن سنان هو االجتزاء وخالصة القولّ :
بأذان اآلخر فيما لو ت ُِّم َم نقصه ،وأما في حال عدم تتميمه فال يعتد به.
الف�صل الثالث
ٍ
مظهر للشهادتين وإن كان مخالف ًا عدا الخوارج والغالة»(((. تغسيل كل
وقال في إرشاد األذهان« :في غسل األموات ،وهو فرض على الكفاية -وكذا باقي
المخالف غس َله»(((.
ُ أحكامه -لكل ميت مسلم ،عدا الخوارج والغالة ،و ُي َغ َس ُل
الثاني :القول بالكراهة
يغسل أهلوقد تبناه جمع من الفقهاء ،قال الشيخ الطوسي« :وال ينبغي للمؤمن أن ِّ
غسله غسل أهل الخالف ،وال يترك معه جريدة»(((ّ .
فإن عدم االنبغاء الخالف فإن اضطر إليه ّ
ظاهر في الكراهة.
وقال المحقق الحلي« :ويكره :أن يجعل الميت بين رجليه ..وأن ُي َغ ِّس َل مخالف ًا ،فإن
اضطر غسله غسل أهل الخالف»(((.
قال ابن سعيد الحلي« :ويكره تغسيل المخالف ،فإن اضطر َغ َّس َله ُغ ْس َلهم ولم يقربه
جريدة»(((.
وقال العالمة الحلي« :ويكره أن يغسل مخالف ًا ،فإن اضطر غسله غسل أهل الخالف»(((.
ثاني ًا :السيرة فعل صامت فال تدل إال على أصل المطلوبية شرع ًاّ ،
أعم من الوجوب أو
االستحباب.
إال أن ُينفى االستحباب بعدم القائل به ،و ُب ْع ِد أن يختص الغسل باالستحباب بينما
تكون سائر أحكام التجهيز مبنية على الوجوب.
الدليل الثالث :عمومات األدلة وإطالقاتها.
فإنها تدل على وجوب غسل كل مسلم بصرف النظر عن مذهبه ،ويمكن بيان هذا
الدليل وتقريبه بأكثر من طريق:
الطريق األول :ورد في بعض الروايات ما يدل على وجوب غسل الميت مطلق ًا ،وأقصى
ما يمكن أن يقال إنّها مقيدة بما ّ
دل على عدم وجوب أو عدم جواز غسل غير المسلم ،فيبقى
ال في اإلطالق .ونذكر هنا روايتين: المسلم داخ ً
الس ُب ِع وك َُّل وأكِ ِ
يل َّ األولى :مضمر أبي خالد َق َال« :اغ ِْس ْل ك َُّل َش ْي ٍء ِم َن ا ْل َم ْوتَى ا ْلغ َِر ِ
يق َ
َان بِه َر َم ٌق غ ُِّس َل وإِ َّل َف َل»(((.
الص َّف ْي ِن َفإِ ْن ك َ ِ ٍ
َش ْيء إِ َّل َما ُقت َل َب ْي َن َّ
الثانية :موثقة سماعة عن أبي عبد الله..« :وغسل الميت واجب»(((.
ونتوقف بداية عند الخبر األول ،حيث يمكن االعتراض عليه:
(( ( تنقيح مباني العروة/كتاب الطهارة ،ج ،2ص ،490الباب 4من أبواب غسل الميت ،الحديث .6
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،2ص ،40الباب 1من أبواب غسل الجنابة ،الحديث .3
253 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
أوالً :بما ذكره المحقق الهمداني((( من عدم اإلطالق فيه ،ألنّه بصدد بيان أسباب
الموت الموجبة للغسل كالغرق بالماء ،دون ما ال يوجب وهو الشهيد.
وع ّلق السيد الخوئي على دعوى عدم اإلطالق في الخبرّ ،
بأن ما أفاده (الهمداني) «وإن
التمسك بالعموم ،وأ ّما إطالق الموتى فهو باق بحاله وال
ُّ كان ال بأس بهَّ ،إل أنّه إنّما يمنع عن
التمسك به ،فإنّه كالقضية الشرطية وأنّه إذا مات أحد وجب تغسيله»(((. ُّ مانع من
فالسيد الخوئي افترض ّ
أن هذه الرواية فيها عموم وهو المدلول عليه بـ«كل» ،وفيها
إطالق وهو المدلول عليه بكلمة «الموتى»( ،لو لم نقل بداللته على الشمول بالعموم)،
وإشكال الهمداني بأن اإلمام بصدد بيان أسباب الموت إنّما يمنع من التمسك بالعموم،
وأ ّما التمسك باإلطالق في الجمع المحلى بالالم فال يبتلي باإلشكال.
إن إشكال الهمداني يجري في اإلطالق كما جرى في العموم ،فجريانه إال أن يقالّ :
في العموم معناه أنّه لم يستخدم األداة «كل» لتعميم الحكم لكل ما يصلح المدخول
لالنطباق عليه ،فهو ال يريد الشمول من مدخول األداة ،وعليه فيسقط اإلطالق حتم ًا
أن نظره إلى بيان الحكم بلحاظ أنواع للنكتة عينها التي أوجبت سقوط العموم ،وهي ّ
الموت ال أحوال الموتى وانتماءاتهم المذهبية ،ومعه ال تبقى الرواية بمثابة الشرطية كما
أفاد السيد الخوئي رحمه الله.
إن االستدالل بها يبتلي بمشكلة أخرى ،وهي ّ
أن الرواية بحسب «الكافي» وردت ثاني ًاّ :
هكذا« :اغ ِْس ْل ك َُّل َش ْي ٍء ِم َن ا ْل َم ْوتَى» ،وهذا ناظر إلى التعميم بلحاظ أجزاء الميت ال بلحاظ
أصناف الموتى ،فال تصلح لالستدالل.
أن هذا اإلشكال غير واردّ ،
ألن األرجح هو إرادة التعميم بلحاظ ولك ّن اإلنصاف ّ
((( قال الفقيه الهمداني« :إطالقات النصوص مسوقة لبيان حكم آخر ،خصوص ًا الرواية الثانية ،فإنّها
لغوي َّإل ّ
أن عمومها إنّما هو بالنسبة إلى أنواع ّ مهملة .وأ ّما الرواية األولى وإن اشتملت على عموم
ثم استثناء الشهيد منها ،ولذا الالموتى ،كما يشهد لذلك تفصيل بعض أفراده ،كالغريق وما بعده ّ
ألن الكفر واإلسالم وكونه مخالف ًا إنّما هو ترى تنافي ًا بينها وبين ما ّ
دل على عدم تغسيل الك ّفارّ ،
من أحوال الفرد ال من أفراد هذا العا ّم» ،انظر :مصباح الفقيه ،ج ،5ص ..112وقد ادعى بعضهم
االنصراف في الرواية ،وهذه الدعوى وردت أيض ًا في كالم السيد علي الطبطبائي ،انظر :رياض
المسائل ،ج ،1ص .477
((( موسوعة السيد الخوئي ،ج ،8ص .308
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 254
األصناف ،كما يظهر من التأمل في السياق ،وهذا ما يظهر بوضوح من نسخة «التهذيب»،
فقد جاء النص هكذا« :اغسل كل الموتى ،الغريق ،»..فيكون قوله« :كل شيء من الموتى»
بمعنى كل ميت.
ثالث ًا :ضعف السند ،فعمدة اإلشكال على الرواية هو أنها مضمرة وال يعتد بها سند ًا.
وأما الخبر الثاني :فقد اعترض المحقق الهمداني((( عليه باإلهمال.
ولكن هذا االعتراض مدفوع ،بما ذكره السيد الخوئي من رفض دعوى اإلهمال،
مما ال إشكال في إطالقه وأنّه «ال يقصر عن قوله تعالى ﴿ :ﱗ ﱘ ﱙ ﴾ ،فإنّه ّ
(((
ويتمسكون به في موارد الشك والشبهات ،والمقام كذلك فال وجه لدعوى كونها ّ عندهم،
مهملة ،فإن قوله « وغسل الم ِّيت واجب» بمنزلة القض ّية الشرط ّية وأنّه إذا مات أحد
وجب غسله وال ينبغي التأمل في إطالقه بوجه»((( ،وبهذه النكتة دفع السيد دعوى عدم
اإلطالق أيض ًا.
وهذه النكتة إن كانت موضع شك وتأمل ،فثمة قرينة تساعد على إرادته
اإلطالق في الموثقة ،والقرينة هي ذكر اإلمام لقيود الحكم في األغسال المتقدمة
ت َأ َبا «س َأ ْل ُفي كالمه على غسل الميت ،فالحظ الرواية جيد ًا ،حيث َق َال سماعةَ :
ِ جم َع ِة؟ َف َق َالَ :و ِ ِ
ص ح َض ِر إِ َّل َأنَّه ُر ِّخ َ الس َف ِر وا ْل َ
ب في َّ اج ٌ َع ْبد ال َّله َ ع ْن ُغ ْس ِل ا ْل ُ ُ
ض إِ َذا َ ح ِائ ِ جنَا َب ِة َو ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
ت ط ُه َر ْ وغ ْس ُل ا ْل َب ُ اج ٌ الس َف ِر لق َّلة ا ْل َماء ،و َق َالُ :غ ْس ُل ا ْل َ للن َِّساء في َّ
ِ اض ِة َو ِ َو ِ
ف از الدَّ ُم ا ْلك ُْر ُس َ ج َ ت بِا ْلك ُْر ُسف َف َ احت ََش ْ ب إِ َذا ْ اج ٌ َح َ وغ ْس ُل ا ْل ُم ْست َبُ ، اج ٌ
ِ ِ
ف َف َع َل ْي َها ا ْل ُغ ْس ُلج ِز الدَّ ُم ا ْلك ُْر ُس َ ج ِر ُغ ْس ٌل وإِ ْن َل ْم َي ُ َف َع َل ْي َها ا ْل ُغ ْس ُل لك ُِّل َص َل َت ْي ِن ول ْل َف ْ
ود َو ِ وغس ُل ا ْلمو ُل ِ اء َو ِ وغس ُل النُّ َفس ِ ٍ ِ
ب اج ٌ َ ْ ب ُ ْ اج ٌ َ ك َُّل َي ْو ٍم َم َّر ًة وا ْل ُو ُضو ُء لك ُِّل َص َلة ُ ْ
ت َو ِ وغس ُل ا ْلمي ِ
ب»(((. اج ٌ َ ِّ ُ ْ
وسى َع ْن َأبِي ار ْب ِن ُم َالطريق الثاني :ترك االستفصال ،فهو دليل العموم ،ففي موثق َع َّم ِ
الس َف ِر و َل ْي َس َم َعه َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم و َم َعه ِر َج ٌال َعب ِد ال َّله َ :أنَّه س ِئ َل َع ِن الرج ِل ا ْلمس ِل ِم يم ُ ِ
وت في َّ ُ ْ َُ َّ ُ ُ ْ
ِ
وخا َلتُه في ِ ِ
ف ُي ْصن َُع في ُغ ْسله؟ َق َالُ « :تغ َِّس ُله َع َّمتُه َ ِ ِ
وخا َلتُه ُم ْسل َمتَان َك ْي َ ن ََص َارى و َم َعه َع َّمتُه َ
ٍ
هامش سابق. مر كالمه فيّ (( (
سورة البقرة ،اآلية .275 (((
موسوعة السيد الخوئي ،ج ،8ص .308 (((
الكافي ،ج ،3ص .40 (((
255 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الس َف ِر و َل ْي َس َم َع َها ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة و َم َع َها ول َت ْقربه النَّصارى» ،و َع ِن ا ْلمر َأ ِة تَم ُ ِ ِ ِ
وت في َّ َْ ُ َ َ َقميصه َ َ ُ
ول َت ْقربها النَّصرانِي ُة كَما كَان ِ ِ وخا ُلها مس ِلم ِ ِ
َت ْ َ َّ َ ان؟ َق َالُ « :يغ َِّس َلن َها َ َ ُ َ ن َسا ٌء ن ََص َارى و َع ُّم َها َ َ ُ ْ َ
ات اء ِم ْن َف ْو ِق الدِّ ْرعِ»ُ ،ق ْل ُتَ :فإِ ْن َم َ ب ا ْل َم ُ
ِ
ُون َع َل ْي َها د ْر ٌع َف ُي َص ُّ ا ْل ُم ْسلِ َم ُة ُتغ َِّس ُل َها َغ ْي َر َأنَّه َيك ُ
ول ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة ِم ْن ِذي َق َرا َبتِه و َم َعه ِر َج ٌال ن ََص َارى ونِ َسا ٌء َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم و َل ْي َس َم َعه َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم َ
اض ُط َّر» و َع ِن ا ْل َم ْر َأ ِة ات َل ْي َس َب ْينَه و َب ْين َُه َّن َق َرا َب ٌة؟ َق َالَ « :ي ْغت َِس ُل الن َّْص َرانِ ُّي ُث َّم ُيغ َِّس ُله َف َق ِد ُْم ْس ِل َم ٌ
ول َر ُج ٌل ُم ْس ِل ٌم ِم ْن َذ ِوي َق َرا َبتِ َها و َم َع َها ن َْص َرانِ َّي ٌة وت و َل ْي َس َم َع َها ا ْم َر َأ ٌة ُم ْس ِل َم ٌة َ ا ْل ُم ْس ِل َم ِة ت َُم ُ
ون َل ْي َس َب ْين ََها و َب ْين َُه ْم َق َرا َب ٌة؟ َق َالَ « :ت ْغت َِس ُل الن َّْص َرانِ َّي ُة ُث َّم ُتغ َِّس ُل َها» و َع ِن الن َّْص َرانِ ِّي
ور َج ٌال ُم ْس ِل ُم َ ِ
ول ول َيدْ فِنُه َ ول ك ََر َام َة َ «ل ُيغ َِّس ُله ُم ْسلِ ٌم َ وت؟ َق َالَ : وه َو َم َع ا ْل ُم ْس ِل ِمي َن َف َي ُم ُ الس َف ِر ُُون في َّ
يك ُ ِ
َ
َي ُقو ُم َع َلى َق ْب ِره»(((.
أن اإلمام قد سئل في عدة فقرات في الرواية عن المسلم تقريب االستدالل هو ّ
يموت أو المسلمة تموت وليس هناك مسلم أو مسلمة يقومان بالتغسيل ،فيجيب
اإلمام محدد ًا من يقوم بواجب الغسل ،دون أن يستفصل عن مذهب المسلم
الميت ،ما يعني وجوب تغسيله مطلق ًا ،ألنّه لو كان غسل الميت غير اإلمامي ممنوع ًا
فال موجب لتكليف النصراني باالغتسال ثم تغسيله .وفي الموثقة قرينة أخرى
على عدم إرادة اإلمامي من المسلم والقرينة هي ذكر المسلم في مقابل النصراني.
وعليه فال يصح االعتراض على االستدالل بمنع اإلطالق في لفظ المسلم ،لكون
اإلمام بصدد البيان من جهة فقد المغسل المماثل ال من جهة هوية المغسل
المذهبية أو الدينية.
الدليل الرابع :عدم الفصل بين الصالة والغسل
وخالصة هذا الدليل أنّه يجب تغسيله استناد ًا إلى «ما دل على وجوب الصالة عليه
بضميمة عدم الفصل بينها وبين الغسل»((( ،ففي خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن
«صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله عز وجل»((( .وفي رواية ِّ أبيه قال:
السكوني ،عن جعفر ،عن أبيه ،عن آبائه قال« :صلوا على المرجوم من ُأمتي ،وعلى القاتل
((( االستبصار ،ج ،1ص .468وتهذيب األحكام ،ج ،3ص .328وعنه وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،133
الباب 37من أبواب صالة الجنازة ،الحديث .2
((( كتاب الطهارة للسيد الكلبيكاني /الكتاب األول ،ص .202
((( مستمسك العروة الوثقى ،ج ،4ص .65
257 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
المسلمين .وفيه نظر .وتوهم كونهم منتفي ًا منه منظور فيه ،لمنع كونه من باب تشكيك داللة
اللفظ في مقام التخاطب ،ومن غير تلك الجهة ال يضر ذلك باإلطالق»(((.
ومنهم الحر العاملي فقد أورده في باب عدم جواز تغسيل المسلم الميت الكافر ،انظر :وسائل الشيعة، (( (
ج ،2ص ،415الباب 18من أبواب غسل الميت.
رياض المسائل ،ج ،2ص .267 (( (
قال الفاضل الهنديّ :
«فإن الغسل كرامة للميت ،وال يصلح لها غير المؤمن» ،انظر :كشف اللثام ،ج ،2 (((
ص .225
المصدر نفسه. (((
259 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ال عليها .بل يمكن القولّ :
إن عدم وجوب الغسل والتجهيز وغيرها من األحكام ،وليس دلي ً
اإلسالم يعطي احترام ًا لكل المنضوين تحته أكانوا من األحياء أو األموات ،ومن هنا وجب
دفن المسلم حتى من المذهب اآلخر .وتشبيه جسده بالجماد ال وجه له ،وكيف يكون كذلك
أن الميت حتى لو كان كافر ًا فإن لجسده حرمة مع ّينة كما يدل عليه عدم جواز التمثيلمع ّ
أن الصالة على المسلم هي مؤشر على ّ
أن له حرمة وكرامة ،وسيأتي الكالم بجسده((( .كما ّ
حول الصالة.
الوجه الثالث :اإلمام علي وعدم تغسيل أهل حربه
وتقريبه :أنّه لو وجب تغسيلهم ،لوجب على اإلمام علي تغسيل أهل حربه ،كأهل
ينص أحد من المؤرخين على أنّه قام بتغسيلهم.
الجمل مثالً ،مع أنّه لم ْ
فلعل ذلك ليس بسبب عدم وجوب ّ يالحظ عليه :أنّه لو ثبت عدم تغسيلهم،
تغسيلهم ،بل ألنّه - وبسبب حساسية الموقف -ترك أمرهم إلى ذوويهم وعشائرهم
ولم يتوله هو وأصحابه ،وذووهم -لو ثبت أنهم لم يغسلوهم -فربما كانوا ال يرون
وجوب تغسيلهم ،ألنهم في نظرهم شهداء ،كما أنّه لم يكن يرى وجوب تغسيل أهل
الحق الذين قتلوا معه ،إلحاق ًا للشهداء الذين سقطوا على أيدي أهل البغي بالشهداء الذين
سقطوا على أيدي أهل الكفر(((.
على أنّه لو كان هو من تو ّلى دفنهم ،فلعله لم يغسلهم ،ألنّهم حاربوه ،فغاية ما يثبت
من ذلك عدم وجوب تغسيل المحارب لإلمام ،دون مطلق المخالف له.
دليل لنفي الحرمة
وهكذا اتضح أنه ال دليل على الحرمة ،بل يمكن نفيها باإلضافة إلى ما تقدم ّ
بأن مسألة
(( ( عن أمير المؤمنين فيما أوصى به بشأن التعامل مع قاتله ابن ملجم قال« :انظروا إذا أنا مت من
ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ،وال يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول « :إياكم
والمثلة ولو بالكلب العقور» ،نهج البالغة ،ج ،3ص.77
((( وقد نقل عن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما« :-ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم» ،وكان قد استشهد
بصفين تحت راية علي ،فكان قتيل أهل البغي ،ونقل عن زيد بن صوحان -رضي الله عنه:-
«ال تغسلو عني دم ًا ،وال تنزعوا عني ثوب ًا إال الخفين» ،وقد قتل زيد بن صوحان يوم الجمل مع أمير
المؤمنين .وقال اإلمام أحمد« :قد أوصى أصحاب الجمل« :إنا مستشهدون غد ًا ،فال تنزعوا عنا
ثوب ًا ،وال تغسلوا عنا دم ًا» ،انظر :المغني البن قدامة ،ج ،2ص .405
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 260
تغسيل الموتى المسلمين هي من القضايا االبتالئية ،فلو كان تغسيل غير اإلمامي ممنوع ًا
أن بعض أصحابهم والكثير ومنهي ًا عنه الشتهر وبان وعرف ذلك عن األئمة ،بلحاظ ّ
من أقارب أصحابهم لم يكونوا مؤمنين بواليتهم ،وتبرز هذه الظاهرة في معاصري اإلمام
لسجل ذلك في عداد المؤاخذات عليه، علي ،ولو أنّه منع منه لنقل ذلك إلينا ،بل ّ
أن المنع كانحيث يأمر بتغسيل أتباعه ومواليه دون سائر المسلمين! وفي أقل تقدير لو ّ
ال للسؤال ،مع أننا ال نجد سؤاالً في الروايات عن حكم غسل المسلم اآلخر، ثابت ًا لوقع مح ً
واحتمال أن المنع من تغسيلهم كان واضح ًا ولذا لم يسأل عنه بعيد جد ًا ،إذ هو ليس بوضوح
الحكم في تغسيل أهل الكتاب ومع ذلك ورد السؤال عنه فيما لو مات بين المسلمين ،كما
سيأتي في المقطع األخير من موثقة عمار الساباطي .وكيف يكون المنع عن الغسل واضح ًا
مع وضوح جريان سائر أحكام الميت المؤمن من الصالة والدفن عليه؟! ولذا ال نبالغ
بالقول :إنه يحصل الوثوق بأن تغسيلهم كان واجب ًا.
المبحث الثاني :هل يجزي تغ�سيل غير الإمامي للإمامي �أو لغيره؟
لدينا هنا فرعان أساسيان:
غسل غير االثني عشري ميت ًا مسلم ًا من االثني عشرية ،فهل يحكم
الفرع األول :فيما لو ّ
ببطالن الغسل ووجوب إعادته؟
ال له في المذهب أي مسلم ًا غير
غسل غير االثني عشري شخص ًا مماث ً الفرع الثاني :لو ّ
اثني عشري ،فهل يجب على االثني عشرية إعادة تغسيله فيما لو أمكنهم ذلك؟
(( ( ولذا وجدنا بعض الفقهاء قد أفتوا أن النصراني المباشر للتغسيل هو من يستحضر نية القربة وليس
المسلم اآلمر .انظر :العروة الوثقى ،ج ،2ص ،37طبعة جماعة المدرسين.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 266
وتجهيزهم وال سيما في ّ
ظل نظام قبائلي كان سائد ًا ومنتشر ًا ،والعشائر ال تقبل أن يتولى
أمر موتاها أشخاص آخرون ،فلو كانت المماثلة في المذهب شرط ًا في صحة الغسل ألشير
إليها ون ّبه األئمة عليها ،وأرشدوا إلى عدم االجتزاء بهذا الغسل وضرورة إعادته ْ
إن أمكن
ذلك ،والتنبيه عليها أولى من التنبيه على شرط المماثلة في الدين الذي ذكر في الروايات،
ألن االبتالء به كبير ،والتق ّية ال تمنع من بيان هذا الشرط كما لم تمنع من بيان غيره من الشرائط
والموانع واألجزاء المخالفة لما عليه المذهب اآلخر.
ثاني ًا :موثقة عمار المتقدمة ،فهي ظاهرة في جواز تغسيل المسلم للمسلم ،وأريد فيها
نصها.
بالمسلم ما قابل النصراني ،كما هو ّ
وقد ذكرنا في مقدمة هذه البحوث وجه ًا آخر إلثبات الصحة فليراجع.
كتاب الجمل والعقود في العبادات للشيخ الطوسي ،ص ،88واشتهر الكتاب باسم جمل العقود. (( (
إصباح الشيعة ،ص .104 (( (
شرائع اإلسالم ،ج ،1ص .30 (( (
سورة التوبة ،اآلية .84 (( (
كشف اللثام ،ج ،2ص .310 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 272
الصالة عن الغسل ،وهو احتمال ضعيف ،فتأخر الصالة عن الغسل ال يعطيها حكمه،
أن كل من وجب تغسيلهونحوه في الضعف دعوى المالزمة بين الغسل والصالة ،بمعنى ّ
وجبت الصالة عليه ،والعكس بالعكسّ ،
فإن هذه الدعوى أشبه بالمصادرة ،وال دليل على
المالزمة بين التغسيل والصالة ،كيف وقد فصل بينهما الشيخ الطوسي كما عرفت ،بل
إن االنفكاك بينهما حاصل شرع ًا وباإلجماع ،فثمة من ال يجب عليه تغسيله ولكن تجب
الصالة عليه كالشهيد.
نعم تقدم في مبحث تغسيل اآلخر دعوى أخرى ،وهي دعوى عدم الفصل ،وقد
ناقشناها أيض ًا ،ثم طرحنا ما يصلح توجيه ًا لها ،وهو توجيه يصلح هنا ،فراجع.
ثالث ًا :إخراج الغالة والخوارج ومن أنكر ضروري ًا عن الحكم بوجوب الصالة ،مرهون
بتقديم الدليل الخاص عليه أو بثبوت كفرهم ،فيخرجون تخصص ًا أو تخصيص ًا ،والظاهر أنه
أن كفرهم لم يثبت بقول مطلق ،وإنكار الضروري ليس لم يقم دليل خاص على ذلك ،كما ّ
من موجبات الكفر بعنوانه ما لم يستلزم تكذيب النبي (ص) ،وقد أوضحنا ذلك في الباب
األول فراجع.
األمالي للصدوق ،ص .286والتهذيب ،ج ،3ص .328وعنه وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،3ص ،133 (( (
الباب 37من أبواب صالة الجنازة.
موسوعة السيد الخوئي ،شرح العروة الوثقى/الطهارة ،ج ،9ص .181 (( (
انظر :فقه الصادق ،ج ،2ص .424 (((
مستند الشيعة ،ج ،6ص .276 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 274
وقد أ ّيد السيد الحكيم وثاقته بـ «رواية صفوان عنه في غير المقام»((( .وهذا ال بأس به،
بنا ًء على ما استظهرناه من األخذ بالتوثيق العام في مشايخ الثالثة الذين ال يروون وال يرسلون
إال عن ثقة ومنهم صفوان ،وطلحة لم يرد فيه طعن ينافي الشهادة العامة بوثاقته.
الرواية الثانية :خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه قال :قال :رسول الله (ص):
«صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القتّال نفسه من أمتي؛ ال تدعوا أحد ًا من أمتي
بال صالة»(((.
والرواية ضعيفة بمحمد بن سعيد بن غزوان(((.
الرواية الثالثة :ما في الدعائم عن علي أنه قال« :صلى رسول الله (ص) على
امرأة ماتت من [في] نفاسها من الزنا ،وعلى ولدها ،وأمر بالصالة على البر والفاجر من
المسلمين»((( .حيث أخذ فيها عنوان المسلم.
ولكن هذه الرواية ال تصح سند ًا للحكم بسبب اإلرسال ،هذا بصرف النظر عن مدى
إمكان الوثوق بالكتاب نفسه ،نعم ال ريب أنّها تصلح للتأييد.
الرواية الرابعة :ما روي عنه (ص) مرسالً« :صلوا على من قال :ال إله إال الله»(((.
وبالرغم من تردد هذا الحديث في كتب الفقه الشيعية لكن الظاهر أنّه ال وجود له في
ال عن ابن عمر ،وهذا السنة الحديثية ،نق ً
مصادرهم الحديثية ،وإنما هو وارد في بعض مصادر ُّ
نصه« :عن ابن عمر قال :قال رسول الله (ص)« :صلوا على من قال ال إله إال الله ،وصلوا
وراء من قال ال إله إال الله»(((.
((( دعائم اإلسالم ،ج ،1ص .235ونقله عنه في جواهر الكالم ،ج ،12ص .4
((( سورة غافر ،اآلية .7
واآلية الثانية هي قوله (( ( وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،67الباب 3من أبواب صالة الجنازة ،حديث .2
﴿ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ تعالى:
ﱑ ﴾ [غافر .] 8
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،67الباب 3من أبواب صالة الجنازة ،حديث .1
(( ( راجع حول معرفة المستضعف ما جاء في الباب األول
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 276
والصالة عليه ،وهي عدة أخبار فيها المعتبر ،منها :موثقة َأبِي َم ْر َي َم َق َالَ :س ِم ْع ُت َأ َبا
وص ِّل َي َع َل ْيه وإِ ْن َل ْم َيك ُْن بِه «الش ِهيدُ إِ َذا ك َ
َان بِه َر َم ٌق غ ُِّس َل و ُك ِّف َن ُ
وحن َِّط ُ ولَّ : َع ْب ِد ال َّله َ ي ُق ُ
َر َم ٌق ُدفِ َن فِي َأ ْث َوابِه»(((.
وقد استدل السيد الخوئي بهذه األخبار لتعميم القول بوجوب الصالة على الميت لكل
مسلم ،قال -رحمه الله« :-وقد دلتنا على أن غير الشهيد أي الذي كان به رمق تجب عليه
الصالة والتغسيل والتكفين والتحنيط ،وإنّما خرج الشهيد عنه ،وال نحتمل أن يكون للموت
في المعركة دخل في ثبوت الحكم ،بأن يكون وجوب الصالة أو الدّ فن أو الكفن مختص ًا
بالمقتول في المعركة غير شهيد»(((.
أن مقصوده هو االستدالل بإطالق هذه األخبار ،حيث د ّلت على وجوب والظاهر ّ
الصالة على الشهيد وغيره مطلق ًا أكان إمامي ًا أو غيره.
ألن هذه األخبار ليست في صددإن االستدالل ال يخلو من تأمل وإشكالّ ، وربما يقالّ :
البيان من جهة االنتماء المذهبي للشهيد ،بل هي في صدد البيان من جهة أخرى ،وهي بيان
حكم القتيل الذي يتم إدراكه وبه رمق ،وفرقه عمن ُيدرك ميت ًا ،وأما أنّه هل يصلى على هذا أو
ذاك مطلق ًا وأي ًا كان مذهبه فهذا ما ال يستفاد من روايات هذه المجموعة.
المجموعة الرابعة :ما ورد في الصالة على من وجد بعض األجزاء من جسده،
من قبيل:
الرواية األولى :صحيحة الفضل بن عثمان األعور ،عن الصادق ،عن أبيه في الرجل
يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ،ووسطه وصدره ويداه في قبيلة ،والباقي منه في قبيلة؟ قال« :ديته
على من وجد في قبيلته صدره ويداه ،والصالة عليه»(((.
الرواية الثانية :صحيحة علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عن الرجل
يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال« :يغسل ويكفن ويصلى عليه
ويدفن»(((.
الكافي ،ج ،3ص .211ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .159وتهذيب األحكام ،ج ،1ص .331 (((
موسوعة السيد الخوئي ،ج ،9ص .179 (((
من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .167وتهذيب األحكام ،ج ،10ص .213وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،135 (((
الباب 38من أبواب صالة الجنازة ،الحديث .3
المصدر نفسه ،الحديث 1من الباب. (( (
277 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
قال السيد الخوئي« :د َّلت على أن مطلق الم ِّيت يجب تغسيله وتكفينه والصالة عليه
مؤمن ًا كان أو مخالف ًا»(((.
وربما يعترض على هذا االستدالل بعين ما اعترض به على االستدالل بالمجموعة
أن محط النظر في السؤال والجواب هو بيان حكم من وجدت بعض أجزائه،السابقة ،وهو ّ
وما إذا كانت أحكام الميت تشمله أم ال ،وال نظر لها إلى بيان الحكم من جهة مذهب
الشخص.
إن الرواية الثانية تصلح لالستدالل من باب ّ
أن ترك االستفصال دليل اللهم إال أن يقالّ :
العموم ،وال سيما ّ
أن الموضوع محل ابتالء أو في معرض االبتالء.
المجموعة الخامسة :ما جاء في بيان العلة في كون التكبيرات على الميت خمسة،
أن الصلوات اليومية المفروضة على المسلم أن ع ّلة ذلك هي ّ حيث ذكرت بعض األخبار ّ
إن الصلوات الخمس مفروضة على هي خمس ،فيكبر عليه عن كل صالة تكبيرة ،وحيث ّ
كل مسلم حي فتكون التكبيرات عليه كذلك بعد موته .وقد أورد الكليني((( في الباب ثالثة
أخبار ضعيفة((( السند ،وهي:
ِ ِ
يم َع ْن َأبِيه َر َف َعه َق َال ُق ْل ُت ألَبِي الخبر األول :ما رواه (الكليني) عن َعل ّي ْبن إِ ْب َراه َ
ت َخ ْمس ًا َف َق َالَ :و َر َد ِم ْن ك ُِّل َص َل ٍة َتكْبِ َيرةٌ»(((. َعب ِد ال َّله لِم ج ِع َل ال َّتكْبِير َع َلى ا ْلمي ِ
َ ِّ ُ َ ُ ْ
ض َأ ْص َحابِه َع ْن الخبر الثاني :ما رواه عن ُم َح َّمد ْبن َي ْح َيى َع ْن ُم َح َّم ِد ْب ِن َأ ْح َمدَ َع ْن َب ْع ِ
ول ال َّله (ص) إِ َّن ال َّله ان ْب ِن َج ْع َف ٍر ا ْل َج ْع َف ِر ِّي َع ْن َأبِيه َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َ ق َال َق َال َر ُس ُ ُس َل ْي َم َ
ت ِم ْن ك ُِّل َص َل ٍة َتكْبِ َيرةً»(((. َتبار َك و َتعا َلى َفر َض الص َل َة َخمس ًا وجع َل لِ ْلمي ِ
َ ِّ َ َ ْ َّ َ َ َ َ
الخبر الثالث :ما رواه عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّم ٍد َع ْن َع ِل ِّي ْب ِن ا ْل َح َك ِم
ان ْب ِن َع ْب ِد ا ْل َم ِل ِك ا ْل َح ْض َر ِم ِّي َع ْن َأبِي َبك ٍْر ا ْل َح ْض َر ِم ِّي َق َالَ :ق َال َأ ُبو َج ْع َف ٍر َ :يا َأ َبا
َع ْن ُع ْث َم َ
ت اتَ .فتَدْ ِري ِمن َأين ُأ ِخ َذ ِ ت؟ ُق ْل ُتَ :لَ ،ق َالَ :خمس َتكْبِير ٍ بك ٍْر تَدْ ِري َك ِم الص َل ُة َع َلى ا ْلمي ِ
ْ ْ َ َ ْ ُ َ ِّ َّ َ
(( ( الكافي ،ج ،3ص .183ورواه الشيخ في تهذيب األحكام ،ج ،3ص .189وعلل الشرائع ،ج ،1
ص .302
ً
(( ( الكافي ،ج ،3ص .208ورواه أيضا البرقي في المحاسن ،ج ،2ص .313قال المجلسي في وصفه:
مجهول .مرآة العقول ،ج ،14ص .138
279 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الدليل الثاني :وهو الذي اعتمد عليه ابن إدريس ،من القول بكفر اآلخر المذهبي ،كما
مر في ثنايا هذه البحوث.
ّ
ولكنك عرفت في الباب األول من هذا الكتاب ضعف هذا القول ووهنهّ ،
وأن الصحيح
هو الحكم بإسالم كل مظهر للشهادتين(((.
وجهان آخران
وقد يستدل للقول بعدم وجوب الصالة عليه بالوجهين اللذين ذكرا لنفي وجوب
تغسيله وهما:
أن معاوية قال للحسين :هل بلغك ما أوالً :رواية االحتجاج :عن صالح بن كيسان ّ
صنعنا بحجر بن عدي وأصحابه شيعة أبيك؟ فقال :وما صنعت بهم؟ قال :قتلناهم
وكفناهم وصلينا عليهم ،فضحك الحسين فقال :خصمك القوم يا معاوية ،لكنا لو قتلنا
شيعتك لما كفناهم ،وال غسلناهم ،وال صلينا عليهم ،وال دفناهم»((( .ونحوه ما في تاريخ
اليعقوبي(((.
«وأن الصالة على الميت إكرام ودعاء له وغير المؤمن ال يستحق شيئ ًا منهما»(((.
ّ ثاني ًا:
والجواب الذي ذكرناه عن هذين الوجهين هناك يأتي بحذافيره هنا.
أن هذين الوجهين ال يصلحان لالستدالل ،لضعف الخبر ،وكونه أخص ولكننا قدمنا ّ
من المدعى ،واحتمال كونه ناظر ًا إلى الناصبي ،وأ ّما الوجه الثاني ّ
فألن كون اآلخر ليس أه ً
ال
أن التكريم ليس هو ع ّلة الصالة عليه ،فال يدور للتكريم واالحترام هو أول الكالم ،على ّ
الحكم مداره ،يقول المحقق الهمداني تعليق ًا على الوجه الثاني« :وأما ما قيل من ّ
أن الصالة
على الميت إكرام ودعاء له ،ففيه أنه ال إحاطة لنا بمناط األحكام التعبدية ،فمن الجائز أن
يقول الفقيه الهمداني« :وأما ما عن جملة من القدماء والمتأخرين من منع تغسيل المخالف والصالة (( (
عليه فهو بحسب الظاهر بناء منهم على كفره كما هو صريح بعضهم ،وقد عرفت في محله ضعف هذا
البناء ،وكيف كان فالظاهر عدم خالف يعتد به في وجوب الصالة على كل من حكم بإسالمه وإن كان
مخالف ًا للحق» .انظر :مصباح الفقيه ،ج ،2القسم ،2ص .493
االحتجاج للطبرسي ،ج ،2ص .19وعنه وسائل الشيعة ،ج ،2ص ،515الباب 18من أبواب غسل (((
الميت ،الحديث .3
تاريخ اليعقوبي ،ج ،2ص .231 (( (
مصباح الفقيه ،ج ،2القسم ،2ص .493 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 280
يكون وجه وجوبها إعظام إظهار الشهادتين ،والدعاء ال يجب أن يكون له بل قد يكون عليه
أو لوالديه أو بالحشر مع من يتواله أو غير ذلك مما ستعرف»(((.
ال�سنة وال�شيعة
1 -1عدد التكبيرات على الميت بين ُّ
أن عدد التكبيرات على الميت أربع ،مع أنّهم رووا السنة على ّ
استقر الرأي عند ُّ
رواية الخمس ،ونقلوها قوالً لبعض الصحابة ،قال السرخسي الحنفي« :والصالة
على الجنازة أربع تكبيرات وكان ابن أبي ليلى يقول خمس تكبيرات ،وهو رواية عن
أبي يوسف -رحمه الله تعالى ،-واآلثار قد اختلفت في فعل رسول الله (ص) فروي
أن آخر فِ ْع ِله كان أربع تكبيرات ،فكان
الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك ،إال ّ
إلى غير ذلك من الروايات ،الظاهرة في انحصار العدد بخمس تكبيرات وال ُيزاد عليها
وال ينقص.
«أن الله تبارك وتعالى فرض الصالة خمس ًا
نصت على ّ
ويؤيدها األخبار المتقدمة التي ّ
وجعل للميت من كل صالة تكبيرة».
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،3ص ،76الباب 5من أبواب صالة الجنازة ،الحديث .16
((( علل الشرائع ،ج ،1ص .304
295 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الرواية الثانية :عن أبي بصير قال :قلت ألبي عبد الله :ألي ع ّلة نك ِّبر على الميت
خمس تكبيرات ،ويكبر مخالفونا بأربع تكبيرات؟ قالّ :
ألن الدعائم التي ُبني عليها اإلسالم
خمس :الصالة والزكاة والصوم والحج والوالية لنا أهل البيت ،فجعل الله للميت من كل
وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ،فمن دعامة تكبيرة ،وإنكم أقررتم بالخمس كلهاّ ،
ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات ،وتكبرون خمس ًا»(((.
يتم ،وذلك لضعفهما سند ًا((( ،وباإلضافة إلى
ولك ّن االستدالل بهاتين الروايتين ال ّ
ذلك فيمكن االعتراض على داللتهما:
أوالً :أنّهما وفي تفسير السبب الذي دفع الشيعة للتكبير خمس تكبيرات ودفع غيرهم
أن الشيعة حيث بنوا على أن أركان اإلسالم خمسة ك ّبروا للتكبير بأربع تكبيرات ،ذكرتا ّ
بخمس تكبيرات ،وأ ّما غيرهم فحيث بنوا على ّ
أن أركان اإلسالم أربعة فكبروا بأربع تكبيرات،
فالحظ قوله في الرواية الثانية« :وإنّكم أقررتم بالخمس كلهاّ ،
وأقر مخالفوكم بأربعة
وأنكروا واحدة ،فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات ،وتكبرون خمس ًا» ،فالروايتان
أن التشريع ربط عدد التكبيرات على الميت بما يحمله من معتقد في مسألة ال تدالن على ّ
أركان الدين ،لتكون الوظيفة في التكبير على غير الشيعي هي أربع تكبيرات ،وإنما تربطان
ذلك بأمر له عالقة باختيار أصحاب المذاهب أنفسهم ،فمن اعتقد منهم باألركان األربعة
ذهب إلى التكبيرات األربع ،ومن قال بالخمسة ذهب إلى التكبيرات الخمس ،باختصار :إن
الروايتين بصدد بيان اختالف الحكم بين المذهبين فيما اختاره أصحابها ،وليستا في صدد
أن الالزم والواجب شرع ًا على المصلي أن يصلي بأربع تكبيرات على المسلم اآلخر. بيان ّ
أن هذا األمر هو من جعل الله وهي ولكن ربما يقال :هناك فقرة في الرواية تشير إلى ّ
قوله « :فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة» ،وظاهره ّ
أن األمر يتصل بإرادة الله
التشريعية ،فيدل على المدعى ،وهذا يعني -حكم ًا -أن اآلخرين لما لم يؤمنوا بالوالية
فإنهم أسقطوا تكبيرة من الخمس ،ولكننا نقول :لو س ّلم -جدالً -بحصول ذلك ،وأسقطوا
فلم نسقطها نحن إذا صلينا على ٍ
أحد منهم؟! ِ
التكبيرة الخامسة في صلواتهم على أمواتهمَ ،
إنه ال موجب لذلك كما ال يخفى.
محل نظره إلى الناصب ،فقد ذكر هذا الكالم بعد أن شرعذكرى الشيعة ،ج ،1ص .439والظاهر أن ّ (( (
في بيان حكم الناصب في مسألة الدعاء ،وما ورد فيه من روايات ،فال يستفاد من هذا الكالم أن رأيه
هو التكبير أربع ًا على مطلق اآلخر المذهبي .وفي الدروس ذكر ّ
أن الدعاء اآلتي« :اللهم امأل جوفه
نار ًا» هو «للمنافق الجاحد للحق» .انظر :الدروس ،ج ،1ص ،39طبعة مؤسسة النشر التابعة للحضرة
الرضوية.
مدارك األحكام ،ج ،4ص .170 (( (
موسوعة السيد الخوئي ،ج ،9ص .244 (((
المصدر نفسه ،ج ن ،ص .245 (( (
الحدائق الناضرة ،ج ،10ص .413 (( (
المصدر نفسه ،ج ن ،ص .414 (( (
299 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
2 -2درا�سة دليل القول بوجوب الدعاء عليه
والسؤال :ما الدليل على وجوب الدعاء عليه؟
المستند لذلك هو العديد من الروايات ونحن نذكرها تباع ًا ،بعد تصنيفها إلى
مجموعات:
المجموعة األولى :ما ورد فيها عنوان «عدو الله» ،وذلك من قبيل:
ت َع َلى َعدُ ِّو ال َّله الرواية األولى :صحيحة ا ْل َح َلبِ ِّي َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َ ق َال« :إِ َذا َص َّل ْي َ
واح ُش اح ُش َق ْب َره نَار ًا ْ ك ،ال َّل ُه َّم َف ْك ولِ َر ُسولِ َ َف ُق ِل :ال َّل ُه َّم إِ َّن ُف َلن ًا َل َن ْع َل ُم ِمنْه إِ َّل َأنَّه َعدُ ٌّو َل َ
ادي َأولِياء َك ويب ِغ ُض َأه َل بي ِ َان يتَو َّلى َأعدَ اء َك ويع ِ َج ْو َفه نَار ًا و َع ِّج ْل بِه إِ َلى الن ِ
كت َنبِ ِّي َ ْ َْ ْ َ َ ُْ ْ َ َُ َّار َفإِنَّه ك َ َ َ
ال َّل ُه َّم َض ِّي ْق َع َل ْيه َق ْب َره َفإِ َذا ُرفِ َع َف ُق ِل :ال َّل ُه َّم َل ت َْر َف ْعه َ
ول ُت َزكِّه»(((.
وتعليقنا على هذه الرواية التي استدل بها البعض((( للدعاء على المخالف:
أوالً :إنه ال مجال لحملها على اآلخر المذهبي على نحو اإلطالق ،فالقاصر مث ً
ال ال
تنطبق عليه العناوين واألوصاف الواردة فيها ،فهل يصح وصفه بأنه عدو الله وعدو رسوله؟!
إن اآلخر على إطالقه يبغض أهل بيت النبي (ص)! وافتراض كونه وهل نستطيع القولّ :
بحيث لو خ ّير بينهم وبين عدوهم الختار الوقوف مع أعدائهم هو مجرد احتمال محض
وال يجعله عدو ًا لهم بالفعل.
إن اإلمام بحسب الرواية يستنزل العقاب عليه ويدعو عليه بالعقوبة وأن ثاني ًا :ثم ّ
ال عن أن يكونأن المدعو عليه ليس قاصر ًا ،فض ًيعجل به إلى النار ،وهذا مؤشر آخر على ّ ّ
ألن من غير المعقول أن يدعو اإلمام بطلب العذاب على المعذورين عند الله مستضعف ًاّ ،
أن اإلمام باب رحمة للناس ،ولو صدر هذا العمل من إنسان عادي الستقبح تعالى ،والحال ّ
فكيف من إمام من أئمة أهل البيت !وقد نقلنا في مبحث اللعن قول الشيخ الطوسي« :ال
يجوز لعن من ال يستحق العقوبة من األطفال والمجانين والبهائم ،ألنّه تعالى ال يبعد من
رحمته من ال يستحق اإلبعاد عنها»((( ،وقوله رحمه الله« :واللعنة :اإلبعاد عن رحمة الله،
عقاب ًا على معصيته ،فلذلك ال يجوز لعن البهائم ،وال من ليس بعاقل من المجانين واألطفال،
ال َق َال((( :ال َّل ُه َّم َض ْع َها ولَ ت َْر َف ْع َها ولَ ت َُزك َِّهاَ ،ق َال :وكَان ْ
َت عَدُ َّو ًة وصار ْت َع َلى َأ ْي ِدي الر َج ِ
ِّ َ َ
ول َأ ْع َل ُمه إِ َّل َق َال :ولنَا» .
َ ((( لِ َّلهَ ،ق َالَ :
وهي ال تصلح لالستدالل أيض ًا:
أوالً :لضعفها باإلرسال المحتمل في كالم حماد.
(( ( وسائل الشيعة ،ج ،3الباب ،2من أبواب صالة الجنازة ،الحديث 2و 3و 5و.7
(( ( المصدر نفسه ،ج ن ،ص ،67الباب 3من أبواب صالة الجنازة ،الحديث .1
((( الكافي ،ج ،3ص .187من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .168
307 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
أن ذلك فيه إشارة إلى إرادة المذهب الحق ،فإنه ال ينفع أيض ًا ّ
ألن التعليق على وعلى فرض ّ
المحبة ال يخرج إال من كان كاره ًا ومبغض ًا أو ليس محب ًا.
أكثر داللة على ما يريده السيد ،وهي صحيح ال ُف َض ْيل وهناك رواية ثالثة :ولع ّلها ُ
ت ع َلى ا ْلم ْؤ ِم ِن َفادع َله واجت َِهدْ َله فِي الدُّ عاءِ،
َ ْ ْ ُ ُ ْبن َي َسار َع ْن َأبِي َج ْع َفر َ ق َال« :إِ َذا َص َّل ْي َ َ
َان و ِاقف ًا مست َْضعف ًا َف َكبر و ُق ِل :ال َّلهم اغ ِْفر لِ َّل ِذين تَابوا وا َّتبعوا سبِي َل َ ِ
ابك وق ِه ْم َع َذ َ َُ َ َ ُ ْ ُ َّ ِّ ْ َ ُ ْ وإِ ْن ك َ َ
حيمِ»((( .فقوله «إذا صليت على المؤمن فادع له» ،فقد َع َّلق الدعاء له على كونه مؤمن ًا. ا ْلج ِ
َ
فينتفي الدعاء بانتفاء الشرط.
ولكنها ال ُّ
تدل على المدعى وذلك:
أوالً :ألننا لو سلمنا بداللة هذه الرواية على وجوب الدعاء على الميت المؤمن ،فظاهر
الشرطية فيها هو انتفاء وجوب الدعاء له بانتفاء اإليمان ،ولكنها ال تدل على وجوب الدعاء
عليه بانتفاء قيد اإليمان ،كما هو واضح ،فيكفي إلشباع مفهوم الشرطية أن ال تدعو لغير
المؤمن وال تدعو عليه.
أن من الممكن أن يكون المنفي بانتفاء الشرط هو هذا النوع الخاص من ثاني ًا :على ّ
الدعاء مع االجتهاد فيه ،وليس أصل الدعاء ،فالتعليق على اإليمان ليس لنفي مطلق الدعاء
أن هذا النوع الخاص من الدعاء هو لخصوص المؤمن ،وال يدعى عن غير المؤمن ،بل لبيان ّ
به لغيره ،وهذا ما يظهر من المقابلة فيها مع المستضعف والذي يدعى له بدعاء آخر ،قال:
«وإن كان واقف ًا مستضعف ًا»(((.
وعلى أضعف التقادير ،فالرواية ساكتة عن وجوب الدعاء للمخالف أو عليه ،ألنها
ذكرت حكم الدعاء لصنفين وهما المؤمن والواقف المستضعف ،فيستفاد األمر في غيرهما
من روايات أخرى ،إن وجدت.
وقفة مع الخبر
أن الشهيد الثاني ذكر تعليق ًا عليه،
وال بدّ أن نسجل وقفة مع هذا الخبر األخير ،من جهة ّ
أن المنافق هو المخالف مطلق ًا ،لوصفه له بكونه قد يكون قال« :وفي هذا الخبر دالل ٌة على ّ
((( الكافي ،ج ،3ص .187ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .169
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 310
بسبيل ،فإذا كان ليس كذلك لم يجز االستغفار له حتى على وجه الشفاعة .وإذا كان هذا
حال المستضعف لجهة عدم جواز الدعاء له إذا لم يكن من المصلي بسبيل ،فباألولى أن ال
يجوز االستغفار لغيره.
ولك ّن الظاهر أنه لو حمل قوله «فاستغفر له» على ظاهره في الوجوب ،فمقتضى الشرطية
هو انتفاء الوجوب بانتفاء الشرط وهذا ال ريب فيه ،لكنّه ال يعني انتفاء أصل المشروع ّية،
فانتفاء الوجوب فيه ال يعني ثبوت الحرمة في غيره ،وال ينفي أصل المشروعية .وأما لو
حملناه على اإلباحة بقرينة أنّه وارد مورد توهم الحظر ،فبانتفاء الشرط تننفي المشروعية
واإلباحة ،فيحرم الدعاء له .وسياق الرواية هو الشاهد على هذا االحتمال ،وذلك ّ
ألن هذا
التصنيف الثنائي للمستضعف إلى «من لم يكن منك بسبيل» ،فتدعو في الصالة له بالدعاء
للعنوان العام ،وليس له ،فتقول« :اللهم اغفر للذين تابوا ،»..وإلى «من كان منك بسبيل»،
إن هذا التصنيف ظاهر في أنّه يراد نفي مشروعية الدعاء فتستغفر له على وجه الشفاعةّ ،
تم هذا الكالم انسد باب الحديث اآلتي عن كيفية الدعاء، للمستضعف وباألولى لغيره .فإذا ّ
بل لعدنا إلى القول السابق بحرمة الدعاء له.
أن نفي ولك ْن مما يؤ ّيد رفع اليد عن ظهور مفهوم الشرط ّية في نفي المشروع ّيةّ :
يمنع الشفاعة للشخص إن ما ُ المشروعية في خصوص المورد (وهو المستضعف) بعيد ،إذ ّ
هو كونه من أهل العناد والجحود والتمرد والتقصير ،وأ ّما المستضعف وال س ّيما إذا قلنا هو
ألن هؤالء قطع ًا ممن تنالهم أخص من الجاهل القاصر ،فهو مما يستبعد تحريم الدعاء لهّ ،
الرحمة اإللهية ،وبالتالي ما الذي يمنع من سؤال الرحمة له ،والدعاء له شفاعة؟ ويؤيد ذلك
خبر آخر وارد في بيان كيفية الشفاعة للمستضعف ،وقد جاء طلب الشفاعة فيه -وبصرف
ول« :ال َّل ُه َّم َأن َ
ْت الص َل ِة َع َلى ا ْل َجنَائِ ِز َت ُق ُ ِ
النظر عن ضعفه سند ًا -شامالً ،حيث قال« :في َّ
ين فِ َيها َف َش ِّف ْعنَا»(((. ْت َأمتَّها َتع َلم ِسرها وع َلنِيتَها َأ َتين َ ِ ِ
َاك َشافع َ وأن َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ ت َه ِذه النَّ ْف َس َ
َخ َل ْق َ
لكن ما قلناه من عدم نهوض دليل على الحرمة قد يثبت مشروع ّية الدعاء له في الصالة
لكن ال بكيفية خاصة تؤتى على نحو الورود ،وبيان ذلك:
إن الدعاء له بشكل عام -ال في خصوص الصالة وبكيفية خاصة -مشروع، أوالًّ :
ودليله واضح ،وهو أنه بعد عدم المانع ،فالمقتضي للدعاء موجود ،وهو ما ّ
دل على جواز
«منك» حال عن السبيل ومن فيه ابتدائية أي كان المستضعف بسبيل ،حال كون ذلك السبيل
مبتدأ منك ،من قرابة أو مودة أو يد أو منة له عليك أو جوار»(((.
وأما مسألة الترحم عليه على وجهي الوالية والشفاعة ،فإليك بيانه :أما الترحم على
وجه الوالية فيراد به الترحم الخاص المعدّ ألهل الوالية ،بينما الترحم له على وجه الشفاعة
فيراد به أن تشفع إلى الله تعالى بطلب المغفرة له ،قال الفيض الكاشاني« :الترحم على جهة
مر في الباب السابق من الدعاء للمؤمن ،وعلى جهة الشفاعة مثل قوله :أتيناكالوالية مثل ما ّ
شافعين فشفعنا ..وإنّما تجوز الشفاعة لمن كان قد استوجبها كالمستضعف إذا كان من
الشفيع بسبيل دون غيره»(((.
ولك ّن المجلسي طرح وجهين ،وثانيهما ذكره بعنوان االحتمال في مسألة الترحم،
وهما:
ّ --1
إن الترحم على وجه الوالية بمعنى المودة ،فإنها خاصة بأهل الوالية ،وأما الترحم على
الكافي ،ج ،3ص .187ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص .169 (((
الكافي ،ج ،3ص .187 (((
الوافي ،ج ،24ص .461 (( (
مرآة العقول ،ج ،14ص .70 (((
الوافي ،ج ،24ص .461 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 314
وجه الشفاعة فهو الذي ال ينطلق من المودة ،قال« :فاستغفر له على وجه الشفاعة ال
على وجه الوالية» ،أي تشفع له على أنه أحد من آحاد الناس وتترحم عليه ال على وجه
المودة والمحبة ،فإنه ال يجوز مودة غير المؤمنين وإظهارها عند الله وعند الخلق ،كما
قال تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ
ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﴾((( فيدل على جواز الدعاء لهم على وجه
الشفاعة ،وعلى أنه يمكن نجاتهم بفضل الله تعالى ،كما يدل عليه أخبار كثيرة».
أقول :هذا الوجه ال يخلو من تأملّ ،
ألن مورد اآلية هو من حاد الله ورسوله ،وأما
المستضعف فال يحاد الله ورسوله كما ال يخفى.
ثم قال« :ويحتمل أن يكون المراد بقوله (على وجه الشفاعة) عدم االهتمام في الدعاء
والحتم فيه ،بل على سبيل الترديد ،كما هو ظاهر األدعية ال على وجه الوالية والمودةّ ،
فإن
المودة موجبة لالهتمام والعزم والحتم في الدعاء ،كما ورد في األدعية المقررة للمؤمنين،
أو المراد بقوله «على وجه الوالية» ،على أنه من أهل الوالية لألئمة ومن المؤمنين ،بأن
يشهد بإيمانه بل يقول على الترديد والتفصيل أو يدعو للمؤمنين على اإلجمال والله يعلم»(((.
أقول :ربما يستفاد الوجه الثاني من رواية ثابت أبي المقدام التي ذكرت دعاء الشفاعة
قالَ :ثابِت َأبِي ا ْل ِم ْقدَ ا ِمُ :كن ُْت َم َع َأبِي َج ْع َف ٍر َ فإِ َذا بِ َجن ََاز ٍة لِ َق ْو ٍم ِم ْن ِج َيرتِه َف َح َض َر َها و ُكن ُْت
ْت وأن َْت ت ُْحيِ َيها َ
وأن َ ْت ت ُِميت َُها َ
وأن َوس َ ْت َخ َل ْق َ ِ
ت َهذه النُّ ُف َ َّك َأن َ
ول« :ال َّل ُه َّم إِن َ َق ِريب ًا ِمنْه َف َس ِم ْعتُه َي ُق ُ
ْتوأن َول َأ ْع َل ُم ِمنْه َش ّر ًا َ
وه َذا َع ْبدُ َك َ ِ
وم ْست َْو َدع َها ال َّل ُه َّم َ
وم ْس َت َق ِّر َها ُ
ِ ِ ِ ِ
َأ ْع َل ُم بِ َس َرائ ِر َها و َع َلن َيت َها منَّا ُ
ِ ين َله َب ْعدَ َم ْوتِه َفإِ ْن ك َ َأع َلم بِه و َقدْ ِج ْئن َ ِ ِ
واح ُش ْره َم َع َم ْن ك َ
َان َان ُم ْست َْو ِجب ًا َف َش ِّف ْعنَا فيه ْ َاك َشافع َ ْ ُ
َيت ََو َّله»(((.
الص َل ِة َع َلى ِ ِ ِ ِ ِ
وفي خبر إِ ْس َماع َيل ْب ِن َع ْبد ا ْل َخال ِق ْب ِن َع ْبد َ ر ِّبه َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله « :في َّ
ِ
ْت َأمتَّها َتع َلم ِسرها وع َلنِيتَها َأ َتين َ ِ ِ ت َه ِذه النَّ ْف َس َ ْت َخ َل ْق َ ول« :ال َّل ُه َّم َأن َ ا ْل َجنَائِ ِز َت ُق ُ
َاك َشافع َ
ين وأن َ َ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ
ت»(((. واح ُش ْر َها َم َع َم ْن َأ َح َّب ْ ت ْ فِ َيها َف َش ِّف ْعنَا .ال َّل ُه َّم َو ِّل َها َم ْن ت ََو َّل ْ
ولكن يالحظ على االحتمال المذكور في كالم المجلسي ّ
أن قوله «استغفر له على وجه
هذا المحور مخصص لدرس الفتاوى التي تنتقص من األهلية القانونية واإلفتائية
واإلدارية للمسلم اآلخر ،ونتناول هنا بالتحديد:
--1شرط اإلمامية في الشاهد.
--2شرط اإلمامية في كل من المفتي والقاضي.
الف�صل الأول
من جملة الفتاوى التي يمكن درجها في فتاوى القطيعة بين المسلمين ،والتي تسهم في
ٍ
وإسقاط لشخصيته أو تعميق الفجوة بين المذاهب اإلسالمية ،وتم ّثل نوع ٍ
إدانة معنوية لآلخر
تنص على عدم قبول شهادة أتباع المذاهب اإلسالمية
أهليته القانونية :الفتوى المشهورة التي ّ
األخرى ،فض ً
ال عن أتباع األديان األخرى.
والسؤال المطروح في المقام هو :ما هو الدليل على هذا الشرط؟ واإلجابة على ذلك
سوف تتضح من خالل النقات التالية:
--1مع الفقهاء في شرط اإلمامية
--2ما ّ
دل على كفاية اإلسالم في الشاهد
--3دراسة نقدية في أدلة شرط ّية اإلمامية في الشاهد
2 -2ما ّ
دل على كفاية الإ�سالم في ال�شاهد
وبصرف النظر عما تقدمّ ،
فإن السؤال المهم في المقام هو :ما الدليل على شرط
اإلمامية؟
فإن ثمة سؤاالً هو أكثر إلحاح ًا ،وهو أنّه هل من دليل عام أو مطلق
ولكن قبل ذلك ّ
تم سيشكّل مرجع ًا في حال عدم نهوض يستفاد منه قبول شهادة كل مسلم؟ وهذا الدليل لو ّ
مفر من االلتزام بشرط ّية
أدلة شرط ّية اإلمامية ،وأما لو لم يتم لنا دليل من هذا القبيل ،فعندها ال ّ
اإلمامية ألنّه القدر المتيقن ،وبعبارة أخرى :عندها سيكون :عدم قبول شهادة غير اإلمامي
لعدم المقتضي ال لوجود المانع.
يعم المسلم غير الشيعي هو عدة وجوه:
وما يمكن أن يستدل به إلثبات وجود إطالق ّ
الوجه األول :القرآن الكريم
وما يمكن أن يستدل به من الكتاب هو آيتان:
ان»((( .إلى غيرها من الروايات الواردة في تفسير اآلية المذكورة. مس ِلم ِ
ُ ْ َ
ثاني ًا :السياق ،فهو قرينة التعميم ،عنيت بذلك قوله تعالى ﴿ :ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ
ﲆ ﲇ ﲈ ﴾ والقدر المتيقن من ذلك هم المسلمون.
إن قلتّ :
إن اآلية ق ّيدت الشاهد بكونه ذا عدل ،والشخص الذي ال يوالي أهل البيت
ليس واجد ًا لهذه الصفة أو ّ
أن وجدانه لها أول الكالم.
والجواب :هذا ليس صحيح ًا كما سيأتي ،من أنه ال يمكن الحكم بفسق الشخص ما لم
ال متلبس ًا بالتقصير.
يكن عالم ًا جاحد ًا أو جاه ً
﴿ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ اآلية الثانية :قوله تعالى:
ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾ .وقوله «من رجالكم» شامل لكافة المسلمين ْ
إن لم (((
نقل لكافة الناس ،وأ ّما قوله تعالى ﴿ :ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﴾ فالظاهر ّ
أن المراد بهم من
(( ( الكافي ،ج ،7ص .403واالستبصار ،ج ،3ص .14وتهذيب األحكام ،ج ،6ص .277وسائل الشيعة،
ج ،27ص ،397الحديث 18الباب 40من كتاب الشهادات.
((( مباني تكملة المنهاج ،ج ،1ص .90
((( أسس القضاء والشهادة للشيخ التبريزي ،ص .446
325 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ثاني ًا :إنّها ليست في مقام البيان من جهة االكتفاء باإلسالم في الشاهد ليتمسك بإطالقها،
وإنّما هي في صدد بيان ما هو المعتبر من شرط العدالة ،وأنّه هل يكتفى بعدم ظهور الفسق
في الشاهد (وعلى الرأي اآلخر هل يكتفى بحسن الظاهر) ،أو ال بدّ من إحراز العدالة؟
اللهم إال أن يقال :إن هذا ال يتوقف على ذكر قيد المسلمين ،بل يمكن بالوصف
األخص أو حذفه كلي ًا من الجملة ويستقيم المعنى المقصود إثباته فيما يتصل بشرط العدالة،
ولذا يكون لذكر هذا القيد (قيد المسلمين) من قبل اإلمام عناية ،وهو بيان كفاية اإلسالم
في الشاهد.
الرواية الثانية :رواية علقمة قال :قال الصادق - وقد قلت له - :يا بن رسول الله
عمن تقبل شهادته وم ْن ال تقبل؟ فقال :يا علقمة كل من كان على فطرة اإلسالم
أخبرني ّ
جازت شهادته ،قال :فقلت له :تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال :يا علقمة لو لم تقبل
شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إال شهادة األنبياء واألوصياء ،ألنهم المعصومون دون
سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنب ًا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان ،فهو من أهل
العدالة والستر ،وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنب ًا ،ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من
والية الله ،داخل في والية الشيطان»(((.
تدل على قبول شهادة كل وهذه الرواية ضعيفة السند .وأما من جهة الداللة فهي ّ
مسلمّ ،
ألن ذلك هو مورد السؤال فيها .وما أشكل به على سابقتها (اإلشكال األول) يرد هنا،
والجواب المذكور يأتي هنا أيض ًا ،بأن يقال :إنّها بمالحظة صدرها وذيلها ناظرة إلى بيان
االكتفاء بحسن الظاهر في إثبات عدالة المسلم ،وذلك على اعتبار ّ
أن «ظاهر حال المسلم أنّه
ملتزم بدينه متعهد لما وجب عليه من مراعاة أحكام الشريعة .فيجعل من حسن الظاهر دلي ً
ال
على طيب الباطن»((( .صحيح أنّه قال فيها« :فمن لم تره بعينك يرتكب ذنب ًا ..فهو من
أن المقصود أنّه حيث لم يكن متجاهر ًا أو معروف ًا بالفسق فيحكم
أهل العدالة» ،لكن ال يبعد ّ
ظاهر ًا بعدالته ،ولذا تراه قد عطف كلمة «الستر» على العدالة ،وتراه قال بعدها« :وإن
(( ( األمالي للصدوق ،ص .163وعنه وسائل الشيعة ،ج ،27ص ،395الحديث 14من الباب ،41من
كتاب الشهادات.
(( ( شرح تبصرة المتعلمين/كتاب القضاء ،لآلغا ضياء الدين العراقي ،ص .86
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 326
كان في نفسه مذنب ًا»((( .وأما اإلشكال الثاني الذي أورد على سابقتها فال وجه له هنا ،فالرواية
سؤاالً وجواب ًا واضحة الداللة على كفاية اإلسالم في الشاهد.
الرواية الثالثة :صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال :قلت ألبي عبد الله َ :
«بم تعرف
عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال :أن تعرفوه بالستر والعفاف،
وكف البطن والفرج واليد واللسان ،وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عز وجل عليها
النار من شرب الخمور ،والزنا ،والربا ،وعقوق الوالدين ،والفرار من الزحف وغير ذلك،
والداللة على ذلك كله أن يكون ساتر ًا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك
من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ،ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس،
ويكون معه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن ،وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة
من المسلمين وأن ال يتخلف عن جماعتهم في مصالهم إال من علة فإذا كان كذلك الزم ًا
لمصاله عند حضور الصلوات الخمس ،فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا :ما رأينا منه إال
فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين خير ًا ،مواظب ًا على الصلوات ،متعاهد ًا ألوقاتها في مصالهّ ،
نص في إثبات عدالة الرجل بين المسلمين وقبول شهادته لهم بأن
المسلمين .(((»..فقد ّ
يكون معروف ًا بالستر والعفاف والمواظبة على الصلوات وهذا ال يختص بالشيعي اإلمامي،
بل يندرج فيه كل مسلم ،وحمله على الشيعي يحتاج إلى دليل.
اللهم إال أن يقالّ :
إن االستدالل بها يتوقف على إثبات دخول اآلخر في العدالة ،وإال
كان التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
ولكن يرده :أن السؤال هو عن عدالته بين المسلمين ،بما يشهد سعة مفهوم العدالة،
وشموله لكل مسلم مستقيم على جادة الشريعة وفق ًا لمذهبه ،كما اختاره الشهيد الثاني
-رحمه الله.-
المجموعة الثانية :ما ورد في شهادة أهل الملل بعضهم على البعض
ومن أهم أخبار هذه المجموعة :صحيحة َأبِي ُع َب ْيدَ َة َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َ ق َال:
الكافي ،ج ،2ص .635ورواه أيض ًا بسند آخر إلى معاوية بن وهب ،انظر :المصدر نفسه ،ج ،2 (((
ص .636
سورة البقرة ،اآلية .83 (((
المحاسن للبرقي ،ج ،1ص .18 (( (
مستطرفات السرائر ،ص .161 (( (
329 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الرواية األولى :ما رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى ،سأل أبا الحسن :
«عن رجل أشهد أجيره على شهادة ،ثم فارقه أتجوز شهادته بعد أن يفارقه؟ قال :نعم،
قلت :فيهودي ُأشهد على شهادة ،ثم أسلم ،أتجوز شهادته؟ قال :نعم»(((.
ألن سند الصدوق إلى صفوان صحيح .أ ّما داللةّ ،
فإن ترك والرواية صحيحة السندّ ،
االستفصال فيها دليل العموم.
ولك ّن بعض الفقهاء اعترض على االستدالل ّ
بأن الخبر« :ليس بصدد اشتراط اإلسالم
في الشهادة ،كي يتمسك بإطالقه ،وإنّما هو بصدد بيان قبول شهادة مسلم كان عند تحمل
الشهادة يهودي ًا .ونحن ضمن ًا نفهم من ذلك شرط اإلسالم في الشهادة»(((.
بأن ذلك «غير صحيح ،وذلك ّ
ألن اإليمان أخص من اإلسالم، ثم إنه ر ّد هذا االعتراضّ :
فالمسلم قد يؤمن بوالية أئمة أهل البيت ،وقد ال يؤمن ،ولكن غير المسلم ال يمكن أن
يؤمن بوالية أئمة أهل البيت .واشتراط العام يدل عرف ًا على نفي شرط ّية الخاص ،فصحيح
أنّه ليس بصدد بيان تمام الشرائط ،لكن بما أن شرطية الخاص كأنها تلغي شرطية العام،
يكون اشتراط العام داالً عرف ًا على عدم اشتراط الخاص .فظاهر كالم السائل -حينما قال:
أن المرتكز في ذهنه ّ
أن الشرط هو اإلسالم ال اإليمان، «يهودي أشهد على شهادة ثم أسلم» ّ -
أقره على ارتكازه» (((.
واإلمام قد ّ
الرواية الثانية :ما رواه الشيخ الصدوق -أيض ًا -بإسناده عن محمد بن مسلم ،قال:
«سألت أبا جعفر عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ،ثم يسلم الذمي ويعتق العبد،
أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه؟ قال :نعم ،إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت
شهادتهما»(((.
والسند صحيح.
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .70وعنه وسائل الشيعة ،ج ،27ص ،387الباب 39من كتاب (( (
الشهادات ،الحديث .2
القضاء في الفقه اإلسالمي ،ص .316 (( (
المصدر نفسه ،ص .322 (( (
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .70وعنه وسائل الشيعة ،ج ،27ص ،387الباب 39من أبواب كتاب (( (
الشهادات ،الحديث .1
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 330
وقد استدل بعض الفقهاء((( ،بإطالق الرواية على قبول شهادة مطلق المسلم القاصر
ولو لم يكن متبع ًا ألهل البيت ،وظاهر الخبر أنّه «بصدد ذكر الشرائط ،وال يفهم من قوله:
«علم منهما بعد ذلك خير» شرط أكثر من العدالة في مذهبهّ ،
فإن العدالة في مذهبه خير وإن
لم يكن مؤمن ًا»(((.
المجموعة الخامسة :ما ظاهره قبول شهادة الناصبي
فقد د ّلت عدة أخبار على قبول شهادة الناصبي مبررة ذلك بوالدته على الفطرة ومعرفته
بالصالح أو الخير ،وذلك من قبيل:
الرواية األولى :صحيحة عبد الله بن المغيرة قال« :قلت للرضا رجل ط ّلق امرأته
وأشهد شاهدين ناصبيين؟ قال :كل من ولد على الفطرة وعرف بالصالح في نفسه جازت
شهادته»(((.
الرواية الثانية :صحيحة َأ ْح َمدَ بن ُم َح َّم ِد بن َأبِي ن َْص ٍر (البزنطي) َق َالَ :س َأ ْل ُت َأ َبا
«م ْن ُولِدَ
ُون َط َلق ًا؟ َف َق َالَ :
ا ْلحس ِن َ .ف ُق ْل ُتَ :فإِ ْن َأ ْشهدَ رج َلي ِن ن ِ
َاصبِ َّي ْي ِن َع َلى ال َّط َل ِق أ َيك ُ َ َ ُ ْ َ َ
ِ َت َش َها َدتُه َع َلى ال َّط َل ِق َب ْعدَ َأ ْن َت ْع ِر َ
ف منْه َخ ْير ًا»(((. ِ ِ
َع َلى ا ْلف ْط َرة ُأ ِجيز ْ
قال الشهيد الثاني في تقريب االستدالل بالرواية الثانية« :وهذه الرواية واضحة اإلسناد
والداللة على االكتفاء بشهادة المسلم في الطالق .وال يرد أن قوله« :بعد أن تعرف منه خير ًا»
ينافي ذلكّ ،
ألن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره ،وهو نكرة في سياق اإلثبات ال يقتضي
العموم ،فال ينافيه -مع معرفة الخير منه بالذي أظهره من الشهادتين والصالة والصيام
وغيرها من أركان االسالم -أن يعلم منه ما يخالف االعتقاد الصحيح ،لصدق معرفة الخير
منه معه .وفي الخبر -مع تصديره باشتراط شهادة عدلين ثم اكتفاؤه بما ذكر -تنبيه على ّ
أن
أسس القضاء والشهادة للتبريزي ،ص .432والقضاء في الفقه اإلسالمي ،ص .332 (( (
القضاء في الفقه اإلسالمي ،ص .322 (( (
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .47وتهذيب األحكام ،ج ،6ص .283وعنهما وسائل الشيعة ،ج ،27 (((
ص ،394الباب 41من كتاب الشهادات ،الحديث .5
الكافي ،ج ،6ص .68ورواه عنه الشيخ الطوسي في تهذيب األحكام ،ج ،8ص .49وعنهما في (((
الوسائل ،ج ،22ص ،27الباب 10من أبواب مقدمات الطالق وشرائطه ،الحديث .4
331 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
العدالة هي االسالم ،فإذا أضيف إلى ذلك أن ال يظهر الفسق كان أولى»((( ،وما قاله الشهيد
في الرواية الثانية يجري في األولى.
وأورد على هاتين الروايتين عدة اعتراضات:
االعتراض األول :ما ذكره صاحب الجواهر من ّ
أن« :ظاهره االكتفاء بشهادة سائر
المخالفين ،بل تحقق العدالة فيهم ،وهو من المقطوع بفساده حتى على القول ّ
بأن العدالة هي
اإلسالم مع عدم ظهور الفسق ،إذ ال فسق أعظم من فساد العقيدة ،وكيف وجميع عباداتهم
فاسدة ،لكونهم مخاطبين بما عندنا ،وحالهم كحال الكفارّ ،
فلعل المراد بالخير في الرواية
اإليمان وغيره ،لكنه لم يصرح به لمكان التقية»(((.
السنة هو أول الكالم ،وكونهم فسقة ويالحظ عليه :بأن ما ادعاه من القطع ببطالن شهادة ُّ
ليس تام ًا على إطالقه ،بل األغلبية منهم ال يصدق عليهم عنوان الفسق ،فهو يصدق في العالم
المقصر مع كونه غير قاطع حالي ًا بصحة ما هو عليه ،وال يصدق على العالم ّ الجاحد والجاهل
المقصر في الفحص ِّ المقصر في اجتهاده وال على الجاهل القاصر ،وال على ّ المجتهد غير
والبحث عند بناء عقيدته مع كونه حالي ًا جازم ًا بصحة ما هو عليه وملتزم ًا بظاهر الشريعة طبق ًا
لما يراه((( .وفساد عباداتهم أيض ًا ال وجه له ،كما أوضحنا ذلك فيما سبق (الباب الثاني)،
تم -ناظر إلى الحساب األخروي ،وأ ّما إرادة اإليمان بالمعنى األخص من على ّ
أن هذا -لو ّ
الخير أو الحمل على التق ّية فسيأتي ما فيهما.
االعتراض الثاني :ما قيل من أنّه ال ظهور للروايتين في جواز شهادة النصاب ،وذلك ّ
ألن
إن طالقه صحيح،اإلمام لم يجب على السؤال بشكل مباشر ،كأن يقول للسائل مثالًّ :
وإنّما أجاب ببيان الكبرى ،وهذا فيه «نوع طفرة عن الجواب ببيان الكبرى» ،حسب تعبير
ّ
«ولعل المقام نظير ما لو استأذن الخادم مخدومه في بعض الفقهاء((( ،أو كما قال فقيه آخر:
دخول شخص يكون من أعداء المخدوم عليه ،فيقول المخدوم :ليدخل علينا من يعرف
بالصالح ،فهذا ليس إذن ًا في دخول هذا الشخص الذي يكون من األعداء ،حيث لم يرد
يقول :كل من كان مسلم ًا مؤمن ًا وملتزم ًا بما جاء في الكتاب ُّ
والسنة قبلت شهادته ،أ ّما أن
يوسع الدائرة ويقول كل من عرف منه خير أو عرف بالصالح وهو تعبير شامل لكل مسلم فال
موجب له وال تقتضيه التق ّية التي تقدّ ر بقدرها.
ثالث ًا :ومما يب ّعد حمل هذا المضمون الوارد في الصحيحتين على التق ّية أنّه تعبير وارد
في روايات أخرى ،من قبيل:
محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال« :لو كان األمر إلينا ألجزنا شهادة
ّ --1صحيحة
الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناسّ ،(((»..
فإن هذا التعبير هو
خير دليل على ّ
أن قبول شهادة «من عرف منه خير» هو األبعد عن التق ّية ،كما هو واضح
من قول اإلمام « :لو كان األمر إلينا» بمعنى لو كنا مبسوطي اليد(((.
وقد يعترض على هذا الشاهدّ :
بأن «قبول شهادة غير العارف ،مندفع بأنّه ليس في مقام
البيان من ناحية جميع الشرائط ،بل في صدد بيان االكتفاء بشهادة رجل واحد مع يمين
الخصم ،قبال عدم االكتفاء َّإل بشهادة رجلين مثالً .فض ً
ال عن غير المسلم مطلق ًا»(((.
ولك ّن قد ير ّد هذا االعتراض ّ
بأن اإلمام - وال سيما أنّه هو المبادر إلى بيان الحكم،
وليس في مقام الجواب عن سؤال محدد -في مقام البيان من الجهتين ،أعني من
جهة تحديد مواصفات الشاهد ،وجهة االكتفاء بشاهد واحد مع يمين الخصم ،ولو
لم يكن في مقام بيان مواصفات الشاهد -أيض ًا -الكتفى بقوله« :ألجزنا شهادة
الرجل مع يمين الخصم» ،ولكنّه أضاف على كلمة الرجل «إذا علم منه خير» ،فيعلم أن
لإلمام عناية بهذا التقييد ،وأنّه في مقام بيان مواصفات الشاهد ،وال سيما ّ
أن الجملة
التي ب ّين فيها القيد هي جملة شرطية فيستفاد منها انتفاء الحكم مع انتفاء القيد.
ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ
ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﴾((( ،يستفاد منه جواز شهادة
غير المسلم في بعض الحاالت ،أي في حالة الوصية ،بنا ًء على ما هو الظاهر من إرجاع
ضمير ﴿ ﱻ ﴾ إلى المسلمين ،وإرجاع ضمير ﴿ ﲃ ﴾ إلى غير المسلمين((( ،كما تشهد به
فإن حرف العطف في قوله ﴿ :ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾ أيض ًا الروايات الواردة عن األئمة ّ ،(((
سواء أريد به العطف التخييري أو الترتيبي فهو يدل على قبول شهادة غير المسلم في الجملة.
أن ذلك موضع والفقهاء قيدوا هذا الحكم بخصوص الوصية وبخصوص حالة السفر ،مع ّ
تأمل وإشكال ،إذ يمكن الحديث عن إلغاء الخصوصية عن هذه المواردّ ،
ألن قضية الشهادة
ال تخضع للتعبد.
﴿ ﱸ ﱹ ﱺ ودعوى نسخ آية ﴿ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﴾ ،بقوله:
ﱻ ﴾ مرفوضة ،إذا ال منافاة ليصح النسخ ،فيلتزم بالتقييد ،كما رجحه بعض الفقهاء((( ،أو
يحمل األمر على الطولية بمعنى قبول شهادة غير المسلم عند تعذر المسلم كما يرى البعض
في تفسير اآلية.
وكيف كان ،فال نريد هنا تبني القول بقبول شهادة الكافر بقول مطلق ،فهذا أمر يحتاج
إلى مالحظة الروايات أيض ًا ،وهو خارج عما رسمناه لبحثنا ،ولكننا أردنا القول :إنّه ال يمكن
الجزم بنفي قبول شهادة غير المسلم ور ّد الروايات الصحيحة بضرس قاطع ،بحجة منافاتها
ألن داللة القرآن على نفي الشهادة بقول مطلق ليست واضحة ،وكذا الحال للقرآن الكريمّ ،
السنة فليس فيها ما ينفي قبول شهادة غير المسلم بشكل قطعي ،لنر ّد -بنا ًء على ذلك -في ُّ
الروايات الصحيحة الدالة على قبول شهادة الناصبي.
صحيح أنّه ورد في بعض الروايات الصحيحة اعتبار شرط اإلسالم وأنه ال تقبل شهادة
((( اإلثبات القضائي تقرير ًا لدروس السيد فضل الله -رحمه الله ،-ص .127
(( ( مسالك األفهام ،ج ،14ص .160
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 344
ال على هذا الشرط« :بال خالف أجده فيه ،بل عن جماعةعليه»((( ،وقال في الجواهر مستد ً
اإلجماع عليه ،بل لعله من ضروري المذهب في هذا الزمان»(((.
ويالحظ عليه:
أوالً :أ ّما اإلجماع فلو ثبت وأحرز فهو محتمل المدرك ّية ،ومستنده هو بعض الوجوه
تم -أيض ًا
اآلتية ،فال يعتد به ،أ ّما كون ذلك من ضروريات المذهب في هذا الزمان ،فلو ّ
فإن ما ّ
تدل عليه -فهو ال يصلح لالستدالل ،لما ذكره بعض أساتذتنا بالقول« :فال نفهمهّ ،
تدل عليه ضرورة المذهب من ضرورة المذهب بحيث ال يمكن أن نحتمل خطأه ،يجب أن ّ
أول الزمان القريب من عصر تشريع المذهب ال ضرورة المذهب في هذا الزمان»((( .وقد
بحثنا مسألة الضرورات المتشكلة في الزمن المتأخر عن عصر النص ومدى إمكانية االعتماد
عليها في كتاب أصول االجتهاد الكالمي فليراجع(((.
إن اإلجماع لو س ّلم ،فإنّما يس ّلم تحققه في المقصر دون القاصر ،والموجب لهذا
ثاني ًاّ :
هو أن اإلجماع دليل لبي فيقتصر فيه على المتيقن ،اللهم إال أن يدعى ّ
أن معقد اإلجماع
واضح ال لبس فيه وهو السني.
أن غير الشيعي فاسق ،ومن شرط الشاهد جمع من الفقهاء من ّ
ٌ الوجه الثالث :ما ذكره
العدالة ،قال الشهيد الثاني« :واستدل المصنف -رحمه الله -عليه بأن غيره فاسق وظالم،
من حيث اعتقاده الفاسد الذي هو من أكبر الكبائر ،وقد قال تعالى ﴿ :ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ
ﱖ ﴾((( .وقال ﴿ :ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾(((».
ألن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة ثم ع ّلق على ذلك بالقول« :وفيه نظرّ ، ّ
مع العلم بكونها معصية ،أ ّما مع عدمه بل مع اعتقاد أنها طاعة بل من أمهات الطاعات فال ،واألمر
في المخالف للحق في االعتقاد كذلك ،ألنه ال يعتقد المعصية ،بل يزعم أن اعتقاده من أهم
الطاعات ،سواء كان اعتقاده صادر ًا عن نظر أم تقليد .ومع ذلك ال يتحقق الظلم أيض ًا ،وإنما يتفق
ذلك ممن يعاند الحق مع علمه به ،وهذا ال يكاد يتفق وإن توهمه من ال علم له بالحال.
انظر :جواهر الكالم ،ج ،41ص .16وجامع المدارك للسيد أحمد الخونساري ،ج ،6ص .100 (( (
مستند الشيعة ،ج ،18ص .48 (( (
ج ،5 انظر :جواهر الكالم ،ج ،6ص 276؛ وج ،21ص 317؛ وج ،33ص .329وجامع المدارك، (( (
ص .56
الكافي ،ج ،7ص .396ورواه الشيخ في التهذيب ،ج ،6ص .243 (((
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .43 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 348
وقد اعتبر المحقق النراقي ّ
أن هاتين الروايتين تصلحان لتقييد المطلقات الدالة على
قبول شهادة كل مسلم.
قال -رحمه الله« :-وال تفيد عمومات قبول شهادة المسلم أو من ولد على الفطرة
أو العادل -إن قلنا بتحقق العدالة في المخالف -أيض ًا ،لمعارضتها مع روايتي السكوني
المنجبرتين ،المتضمنتين لعدم قبول شهادة كل ذي مخزية في الدين»(((.
ويالحظ على كالمه باإلضافة إلى ّ
أن الظاهر وحدة الروايتين:
ثمة محاولة جادة أوالً :ضعف السند ،لعدم ثبوت وثاقة النوفلي .ولكن عرفت سابق ًا ّ
أن ّ
لتوثيق السند المشتمل على النوفلي.
ثاني ًاّ :
إن المخزية هي الفعل القبيح الذي يشهر اإلنسان ويوقعه بالخزي والعار ،كما لو
ارتكب الفاحشة أو غير ذلك ،قال في القاموس« :خزي كرضي خزي ًا -بالكسر -وخزى:
وقع في بلية وشهرة ّ
فذل بذلك»((( .فيكون النظر إلى المعصية القبيحة الموجبة للمهانة،
كالشذوذ الجنسي ونظائره ،ومما يؤيد نظر الرواية إلى المخزية بلحاظ الجانب السلوكي
أن الراوي هو السكوني ،وهو غير شيعي كما هو معلوم ،ومن البعيد أن وليس العقدي ّ
يواجهه اإلمام بهذه الحقيقة دون أن يعترض أو يسأل.
ثالث ًا :سلمنا بشمول المخزية االنحراف الفكري والعقائدي ،لك ّن صاحب المخزية هو
مصر ًا ،وال شمول له للجاهل القاصر من غير اإلمامية ،أو
من اتضح له الحق فانحرف عنه ّ
العالم القاطع بحقانية ما هو عليه.
وخالصة القول :إنّه لم ينهض دليل على شرط اإلمامية في الشاهد ،بما يوجب تقييد
المطلقات الدالة على قبول شهادة المسلم .أجل بنا ًء على شرط العدالة ،فال يبعد القول
ال عن الجاحد من أهل المذاهب األخرى ،وأما بعدم قبول شهادة المقصر إبان تقصيره فض ً
المعتقدون بحقانية مذاهبهم فاألقرب قبول شهادتهم.
قال السيد الخوئي« :الذي يمكن أن يعتمد عليه العامي في حجية فتوى المجتهد في حقه أمران: (( (
أحدهما :االرتكاز الثابت ببناء العقالء ،حيث جرى بناؤهم في كل حرفة وصنعة بل في كل أمر راجع
إلى المعاش والمعاد على رجوع الجاهل إلى العالم ،ألنه أهل الخبرة واالطالع ولم يرد عن هذه
السيرة ردع في الشريعة المقدسة ،وهذه السيرة والبناء وإن جاز أن ال يلتفت إليهما العامي مفص ً
ال إال
أنهما مرتكزان في ذهنه بحيث يلتفت إليهما ويعلم بهما تفصي ً
ال بأدنى إشارة وتنبيه ،»...انظر :موسوعة
السيد الخوئي /التقليد ،ص .63
المصدر نفسه ،ص .11 (( (
سورة النجم ،اآلية .28 (( (
انظر :االجتهاد والتقليد ،ص .63 (( (
353 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
أصحاب األئمة يعلمون فتاويهم ،ويميزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره ،ولم
يكن االجتهاد في تلك األزمنة كزماننا.فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك األزمنة ،كان
رجوع ًا إلى من علم األحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة األئمة ،وفي زماننا
رجوع إلى من عرف األحكام بالظن االجتهادي واألمارات ،ويكون علمه تنزيليا تعبدي ًا ،ال
وجداني ًا .فرجوع الجاهل في هذه األعصار إلى علماء الدين وإن كان فطري ًا ،وال طريق لهم
بها إال ذلك ،لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوع ًا باإلمضاء ،وهذا االرتكاز ما لم يصر ممضى
من الشارع ،ال يجوز العمل على طبقه ،وال يكون حجة بين العبد والمولى .ومجرد ارتكازية
رجوع كل ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع ،وكل جاهل إلى العالم ،ال يوجب الحجية إذا لم
يتصل بزمان الشارع ،حتى يكشف االمضاء ،وليس إمضاء االرتكاز وبناء العقالء من األمور
اللفظية ،حتى يتمسك بعمومها أو إطالقها ،ولم يرد دليل على إمضاء كل المرتكزات إال ما
خرج ،حتى يتمسك به»(((.
عما كان عليه في زمانهم ،ودعوى ّ
أن وما ُذكر من اختالف االجتهاد في زماننا ّ
االجتهاد والتفقه في زمن األئمة كان «بتحصيل العلم باألحكام بالسماع من النبي (ص)
أو اإلمام »هو أمر ذكره -أيض ًا -المحقق األصفهاني(((.
هذا ولك ّن السيدين الخميني والخوئي -رحمهما الله -قد فنّدا هذا اإلشكال بجواب
أن االجتهاد الذي عرف به بعض أصحاب األئمة ليس سنخ ًا آخر مباين ًا متين((( وحاصلهّ :
أو مختلف ًا اختالف ًا جوهري ًا عن االجتهاد المعاصر ،بل كان ما عرف عنهم طور ًا من أطوار
االجتهاد ،وإن ترعرع االجتهاد بعد ذلك وتعمق وتوسع وانتظمت قواعده وأصوله ،كما
هو الحال في كل العلوم والمعارف ،فلم يكن كل أصحاب األئمة مجر َد َن َق َل ِة فتوى،
بل بعضهم كان فقيه ًا وقد أمر اإلمام بالرجوع إليه لذلك ،فاإلمام الباقر يأمر أبان
ِ
ب أن يرى في شيعتي ابن تغلب قائالً« :اجلس في مسجد المدينة وافت الناس ،فإني ُأح ُّ
مثلك»((( ،وهكذا كان األئمة يح ِّفزون بعض أصحابهم ويعلمونهم طرق االجتهاد
واستنباط األحكام ،فهذا اإلمام أبو عبد الله الصادق يقول لهشام بن سالم« :إنّما علينا
((( مستطرفات السرائر ،ص .109وعنه :وسائل الشيعة ،ج ،27ص ،62الباب 6من أبواب صفات
القاضي ،الحديث .51وهذا المعنى مروي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا
قال« :علينا إلقاء األصول إليكم وعليكم التفريع» ،انظر :مستطرفات السرائر ،ص .110وعنه وسائل
الشيعة ،ج ،27ص ،62الباب 6من أبواب صفات القاضي ،الحديث .52
((( سورة الحج ،اآلية .78
((( الكافي ،ج ،3ص .33وتهذيب األحكام ،ج ،1ص .363وقد اختلف في وثاقة عبد األعلى مولى آل
سام ،فإنه لو اتحد مع عبد األعلى بن أعين مولى آل سام ،فهو بال شك من فقهاء األصحاب والثقات
األجالء كما ذكر الشيخ المفيد ،وعليه تكون الرواية معتبرة ،وأما بنا ًء على عدم اتحادهما ،كما أصر
عليه السيد الخوئي -رحمه الله ،-انظر :معجم رجال الحديث ،ج ،10ص ،279فالرواية ضعيفة،
ألن عبد األعلى مولى آل سام لم يوثق في الرجال ،انظر :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،5ص .205وقد
يستدل على االتحاد بأنه جاء في أسانيد الروايات اسم َع ْب ِد األَ ْع َلى ْب ِن َأ ْع َي َن م ْو َلى ِ
آل َسا ٍم ،انظر ما رواه َ
الكليني في باب فضل تزوج األبكار من الكافي ،ج ،5ص .334وتهذيب األحكام ،ج ،7ص .400
355 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
إن المتشرعة جروا على ذلك استناد ًا إلى ارتكازاتهم إال أن يقال في الجواب على ذلكّ :
فإن سائر أتباع المذاهب واألديان كانوا يرجعون إلى علمائهم ورهبانهم العقالئ ّية ،ولذا ّ
أن فقهاءهم أيض ًا ،ولم يردع اإلسالم عن رجوعهم هذا من حيث أصل الرجوع ،بل بلحاظ ّ
ال ينطلقون من القواعد الصحيحة لعمل ّية االجتهاد واالستنباط .ومما يؤ ّيد عقالئ ّية السيرة
أن سائر العقالء ممن يريد أحدهم معرفة رأي الدين في مسألة ،فإنّه يرجع إلى أهل المذكورة ّ
ثمة أشخاص ال يريدون العمل بالفتوى الدينية ،ألنّهم الخبرة في هذا المجال ،ولذلك لو كان ّ
أن مرتكزاتهم الفطر ّية القاضيةال يؤمنون بالدين لكنهم يريدون معرفة رأي الدين فإنك ترى ّ
بالرجوع إلى أهل الخبرة تدفعهم إلى سؤال الفقهاء وأهل الخبرة في هذا الدين.
الوجه الثاني :إطالقات الرجوع إلى أهل العلم
وثمة مطلقات دالة على لزوم الرجوع إلى العالم ،ويمكن ذكر بعض اإلطالقات
القرآنية:
اآلية األولى :قوله تعالى ﴿ :ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ
ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﴾(((.
وتقريب االستدالل بهذه اآلية:
أوالً :إنّها د ّلت على وجوب النفر ومطلوبيته ،كما ّ
يدل عليه استخدام «لوال» التحضيض ّية.
ثاني ًا :د ّلت على وجوب التفقه في الدين واإلنذار ،ألنهما الغاية الداعية للنفر ،وإذا
شكك في وجوب غاية الواجب دائم ًا((( ،فإنه ال ينبغي التشكيك في أنّه لوال وجوبهما للغى
وجوب النفر.
أن االستدالل ال يتوقف على إثبات وجوب النفر وال وجوب وفي كل األحوال ،فأعتقد ّ
التفقه ،وإنما يتوقف على إثبات وجوب التحذر عند اإلنذار ،فلنفرض أن النفر والتفقه
مستحبان ،لكن ما الدليل على حجية قول المنذر والمتفقه؟ وهو ما نبحثه في النقطة التالية.
((( بحوث في علم األصول ،ج ،4ص .375ودروس في علم األصول ،الحلقة الثالثة ،مبحث حجية
خبر الواحد.
((( دروس في علم األصول ،الحلقة الثالثة ،المبحث نفسه.
(( ( المصدر نفسه.
357 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
السبع للمدافعة عن نفسه أو ماله يقال :إنه تحذر فهو فعل اختياري وليس بمعنى الخوف كما
مر وقد دلت اآلية المباركة على وجوبه»(((..
إن قلتّ :
إن اآلية خاطبت المؤمنين ،وأمرتهم بأن ينفر بعضهم ألجل التفقه واإلنذار،
أن الفقيه والمنذر هو من المؤمنين ،كما يظهر من مرجع الضمائر في وعليه فهي تفترض ّ
﴿ ﲹ ﴾ ﴿ ،ﳆ ﳇ ﴾ ،وبالتالي فهي ال تشمل من لم يكن مؤمن ًا.
والجوابّ :
إن المؤمن في القرآن الكريم ال يراد به المؤمن بالمعنى المصطلح ،وهذا ما
مر الحديث عنه مفص ً
ال في الباب األول. ّ
اآلية الثانية :قوله تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ
ﱏ ﱐ ﴾(((.
أن اآلية «د ّلت على وجوب السؤال عند الجهل ،ومن الظاهر أن وذلك بتقريبّ ،
الذكر ،ألجل أن تعملوا على طبقالسؤال مقدمة للعمل ،فمعنى اآلية المباركة :فاسألوا أهل ّ
أن المقصود األصلي هو السؤال في نفسه ،لوضوح أنه لغو ال أثر له ،فال مصحح الجواب ،ال ّ
لألمر به لو لم يكن مقدمة للعمل .فتدلنا اآلية المباركة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم
وهو المع ّبر عنه بالتقليد ،وعلى حجية فتوى العالم على الجاهل ،ألنه لو لم يكن قول العالم
حجة على السائل ألصبح األمر بالسؤال عنه لغو ًا ظاهر ًا»(((.
إن السؤال هو ألجل تحصيل العلم ،ال ألجل العمل ،وذلك بنا ًء ولكن يمكن القولّ :
على ّ
أن اآلية ناظرة إلى الرجوع إلى العالم في قضايا العقيدة كما سيأتي ،وهذا ما يعترف به
الس ّيد الخوئي -رحمه الله.-
وقد سجل على داللة اآلية عدة اعتراضات ،ومن أهمها:
أوالًّ :
«إن مقتضى سياق اآلية ،ومالحظة مقطعها الواقع فيه هذه اآلية هو أنّها في مقام
لنبوة الرسول (ص) ،المتخ ّيل ّ
أن االحتجاج مع الخصم الجاهل بأصول النبوة ،المنكر ّ
الرسول ينبغي أن يكون من جنس آخر غير اإلنسان ،فهذا األمر ليس صادر ًا من المولى بما
هو مولى ومتقمص ًا قميص المولو ّية ،كي يحمل على األمر المولوي ،وإنّما هو صادر منه بما
آية السؤال بمعنى الرسالة كانت هذه قرينة أخرى -غير ما مضى في اإلشكال الثاني -على
فإن المقصود كون اآلية واردة في أصل من أصول الرسالة ،وأنّه ال إطالق فيها لألحكامّ .
الذكر ،أي أهل الرسالة بالخطاب من ال يعرف أصول الرسالة وداللته على السؤال عن أهل ّ
أن ما ذكرناه من المعنى للذكر ليس بأبعد أقل من ّ والكتاب العارفين بأصول الرسالة .وال ّ
من تفسيره بالعلم»(((.
ون»((( .ونحوه غيره.وقد َق َالَ :ق َال((( بِ َي ِده إِ َلى َصدْ ِره :ن َْح ُن َأ ْه ُل ِّ
الذك ِْر ون َْح ُن ا ْل َم ْس ُؤو ُل َ
أن النبي (ص) هو الذكر ،واألئمة أهله ،فال بد من رفع اليد عن قرينة تضمن بعضها ّ
السياق بذلك» .
(((
(( ( صحيح البخاري ،ج ،4ص .145وسنن الدارمي ،ج ،1ص ،136وغيرهما من المصادر.
((( ومنهم السيد الخوئي قال -رحمه الله« :-فالمتحصل إلى هنا أنه لم يدلنا دليل لفظي معتبر على شرطية
ألن حجية الفتوى في اإليمان في المق َّلد ،بل مقتضى إطالق األدلة والسيرة العقالئية عدم االعتبارّ ،
أن السيرة جارية على الرجوع إلى العالم مطلق ًا،
األدلة اللفظية غير مقيدة باإليمان وال باإلسالم ،كما ّ
سواء أكان واجد ًا لإليمان واإلسالم أم لم يكن وهذا يتراءى من سيرتهم بوضوح ،ألنهم يراجعون
األطباء والمهندسين أو غيرهم من أهل الخبرة واالطالع ولو مع العلم بكفرهم» ،انظر ،موسوعة السيد
الخوئي/التقليد ،ج ،1ص .183
363 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
3 -3درا�سة �أدلة �شرط الإمامية في المفتي
لكن هل من دليل على تقييد تلك المطلقات؟
ما استدل به لشرط اإلمامية مما يصلح دلي ً
ال على تقييد المطلقات هو عدة وجوه:
الوجه األول :اإلجماع المدعى
نقل اإلجماع عن السيد ابن زهرة((( ،وقال السيد الحكيم« :نعم ،حكي عليه إجماع
السلف الصالح والخلف ،وهو العمدة فيه»(((.
أن اإلجماع المدعى «ليس من اإلجماعات ويمكن المناقشة فيه :بما ذكره السيد الخوئي من ّ
التعبدية حتى يستكشف به قول المعصوم ،الحتمال أن يكون مستند ًا إلى أحد الوجوه اآلتية
في االستدالل ،ومعه ال مجال لالعتماد عليه»((( .نعم ،قد يستكشف من اإلجماع وجود ارتكاز
متشرعي رافض لألخذ بفتوى الفقيه غير اإلمامي ،ولك ّن هذا أمر آخر غير اإلجماع ،وستأتي
دراسته ،فال يصح اإليراد بذلك على السيد الخوئي(((.
الوجه الثاني :األخبار
واألخبار التي يمكن االستدالل بها لذلك هي على مجموعات:
المجموعة األولى :ما ورد بعنوان «ال تأخذ معالم دينك إال من شيعتنا» ،وهو روايتان:
الرواية األولى :ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير ،قاال :حدثنا محمد
ابن إسماعيل الرازي ،قال :حدثني علي بن حبيب المدائني ،عن علي بن سويد السائي ،قال:
«وأما ما ذكرت يا علي ممن
إلي أبو الحسن األول [اإلمام الكاظم] وهو في السجنّ : كتب ّ
تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا ،فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن
ّ تأخذ معالم دينك :ال
الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ،إنّهم اؤتمنوا على كتاب الله جل وعال
فحرفوه.(((»..
واعترض عليها:
= الفقه اإلسالمي ،ص .25والذي روى عنه هو صفوان بن يحيى ،انظر :معجم رجال الحديث ،ج ،14
ترجمة عمر بن حنظلة.
(( ( وقد اعتمد السيد على الفاني -رحمه الله -على هذا الطريق في إثبات وثاقة عمر بن حنظلة ،انظر:
كتابه بحوث في فقه الرجال ،ص .217وكذلك السيد الشهيد -رحمه الله -حيث قال« :قد روى عنه
صفوان بن يحيى -وهو أحد الثالثة -بسند معتبر في باب كفارة الصوم من الكافي ،فنثبت بذلك
وثاقته وبروايته نثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيض ًا ،فالمقبولة صحيحة سند ًا» ،انظر :بحوث في علم
األصول ،ج ،7ص .370
((( موسوعة السيد الخوئي /التقليد ،ص .181
«فإن اعتبار الرجولية في القاضي الذي يرجع إليه المترافعان والزمه تح ّقق ّ (( ( قال الشيخ اللنكراني:
َّ
التشافه ال داللة فيه على اعتبارها في المرجع الذي ال يكون المهم إل آراءه وأنظاره ،ور ّبما تكون
أن القاضي المجموعة في رسالة منتشرة ال يحتاج المق ِّلد إلى الرجوع إلى شخصه طيلة حياته ،مع ّ
ال حتى يمكن له حفظ التعادل ،وال يقع متأ ّثر ًا عن دعوى المدّ عى أو إنكار المنكر،
بدّ وأن يكون رج ً
والنساء بعيدة عن المتانة وعدم التأ ّثر بمراحل ،وأين هذا من المرجعية التي ال يعتبر فيها شيء من
ذلك ،فقيام الدليل على اعتبار الرجولية في القاضي ال يالزم الداللة على اعتبارها في باب اإلفتاء
بوجه» ،انظر :تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة /التقليد ،ص . 80
367 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ولم يحكم بحكمهم فال قيمة لحكمه ،فكون القاضي «منكم» ليس له خصوصية إال من جهة
أنّه يحكم طبق ًا للقواعد التي يعتمد عليها مذهب أهل البيت ،فال موضوعية إلماميته وإنما
شرطه كان على نحو الطريقية ،فالحظ قوله « َفإِ َذا َحك ََم بِ ُحك ِْمنَا َف َل ْم َي ْق َب ْله ِمنْه َفإِن ََّما بِ ُح ْك ِم ال َّله
ف و َع َل ْينَا َر َّد» ،تجده واضح ًا فيما قلناه ،من أنّه ال يجوز ر ّد الحكم الذي يكون وفق َق ِد ْاستَخَ َّ
أن شخص ًا من ثقات أصحابهم و ّلي القضاء فحكم بحكمهم الموازين المعتمدة عندهم ،فلو ّ
ولكنه لم يكن مؤمن ًا بإمامتهم على النحو الخاص لكنه كان معتقد ًا بمرجعيتهم الفكرية ،من
أمثال السكوني وطلحة بن زيد ..وغيرهما ،فهذا يجب تنفيذ حكمه وال يجوز ر ّده ،والراد له
راد لحكمهم .قال السيد الخوئي تعليق ًا على المقبولة ورواية أبي خديجة اآلتية« :على أنهما
دلتا على اعتبار كون القاضي من الشيعة نظر ًا إلى ّ
أن غير الشيعة ال يروي عنهم وإنما
وعمن اعتنق به في عقيدته ،أو لو روى عنهم لم يكن يحكم
يروي عن المفتين في مذهبه ّ
بحكمهم وال أنه عارف بأحكامهم وقضاياهم عادة ،ال أن ذلك حكم تعبدي صدر عنهم
وعلى الجملةّ ،
إن اعتبار االيمان في الروايتين من جهة أن الموضوع للحكم بالحجية فيهما
هو ما إذا حكم الحاكم بحكمهم ألنه ا َّلذي جعله حاكم ًا على الناس ،وغير االثني عشري
إنما يحكمون بأحكام أنفسهم ال بحكمهم فإذا فرضنا في مورد أن المفتي من غير الشيعة
َّإل أنه يحكم بحكمهم لعرفانه بأحكامهم وقضاياهم كما هو مفروض الكالم لم يكن وجه
ألن تشمله الروايتان»(((.
الرواية الثانية :ما رواه المشايخ الثالثة باإلسناد إلى أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال
قال:قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق « :إياكم أن يحاكم بعضكم بعض ًا إلى أهل
الجور ،ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئ ًا من قضايانا (قضائنا) فاجعلوه بينكم ،فإنّي قد
جعلته قاضي ًا فتحاكموا إليه»(((.
وهذه الرواية يمكن االعتراض عليها:
أوالً :ضعف السندّ ،
فإن الرواية مع كونها معروفة بالمشهورة ،لكنها قد تضعف سند ًا.
والتحقيق في ذلك أنّه ليس في السند من يستشكل فيه إال ثالثة أسماء:
((( هذا مما نقله الشيخ الحسين بن روح -رضي الله عنه -عن اإلمام العسكري ،فإنّه لما ُسئل عن
كتب ابن أبي العزاقر بعدما ُذ َّم وخرجت فيه اللعنة ،فقيل له :فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها مالء؟
فقال :أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي -صلوات الله عليهما -وقد سئل عن كتب بني
فضال ،فقالوا :كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها مالء؟ فقال -صلوات الله عليه« :-خذوا بما رووا
وذروا ما رأوا» .الغيبة ،للشيخ الطوسي ،ص .389
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 372
اإلسالمية ودراسة ألصولها فال يحصل الوهن المشار إليهّ .
إن افتراض وجود مرجع ّية عابرة
للمذاهب واالنقسامات المذهبية يمنع من تحقق الوهن المشار إليه.
وجوه أخرى
ال لألمانة ،فليس يحصل بأن غير اإلمامي ليس مح ً «وقد استدل بعضهم على ذلك ّ
وألن فتواه بحسب مذهبه أنّه حكم بغير ما أنزل ال َّله فهو غير عالم بها ،وألنه
ّ الوثوق بفتواه،
فاسق ظالم ،والفاسق ال ُيقبل قوله ،لوجوب التثبت فيه .والظالم ال يركن إليه لقوله تعالى:
﴿ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾((( ،والعمل بفتواه ركون إليه .ولقوله تعالى ﴿ :ﳉ ﱮ ﱷ
ﳉ ﱤ ﱥ ﱦ ﴾((( ،واإلفتاء نوع من السبيل عليه ،خصوص ًا إذا أعملها في الرئاسة.
ولهتك حرمة المذهب بالرجوع لغير أهله في مسائله»(((.
وهذا االستدالل يرجع إلى عدة وجوه ،كما ال يخفى ،ولكنها محل تأمل وإشكال
بأجمعها:
--1أ ّما ّ
إن «غير اإلمامي ليس مح ً
ال لألمانة فال يحصل الوثوق بفتواه» ،فهو خروج عن
ّ
فمحل الكالم في الفقيه المأمون على محل الكالم ،وليس صحيح ًا على إطالقه،
الفتوى طبق الضوابط والحجج الشرعية.
--2وأ ّما إنّه «فاسق ظالم» فهذا قد عرفت ضعفه فيما سبق ،فالحكم بفسقه إنما يصح في
المقصر غير القاطع ،دون العالم المقتنع بما هو عليه .هذا
ّ العالم الجاحد أو الجاهل
من جهة ،ومن جهة أخرى ،فإنّه حتى لو قيل بفسقه ،فمانعية الفسق بعنوانه عن تقليد
المفتي هي محل بحث ،وإن كان هو المشهور والمتسالم عليه(((.
إن اإلفتاء نوع من السبيل المنفي ،فهو استدالل غريب ،وممنوع ّ
ألن السبيل المنفي --3وأ ّما ّ
هو أن يكون للكافر سبيل على المسلم ،وكالمنا ليس في الكافر بل في المسلم ،والحكم
بكفر من لم يكن موالي ًا ألهل البيت مرفوض كما أسلفنا ،على أنّه تمكن المناقشة في
أن اإلفتاء ليس سلطة ،وارتباط المق ّلد بالمرجع هو عبارة
مر من ّ
كون اإلفتاء سبيالً ،لما ّ
في هذا المحور الرابع ،نبحث في بعض الفتاوى التي تنفي المسؤولية الشرعية تجاه
الفقراء من الطوائف اإلسالمية األخرى ،ألن واليتهم ألهل البيت شرط في استحقاقهم
للحقوق المالية ،ويندرج في هذا المحور عنوانان:
أوالً :شرط اإلمامية في مستحق الزكاة
--1أقوال الفقهاء عرض وتقييم.
--2أدلة القول باشتراط اإلمامية.
--3الرأي اآلخر في المسألة.
ثاني ًا :شرط اإلمامية في مصرف الهدي
الف�صل الأول
أن المستحقين للزكاة (زكاة المال المعروف بين فقهاء الشيعة ،بل ادعي عليه اإلجماعّ ،
وزكاة الفطرة) ال بد أن يتصفوا بوصف اإليمان ،وإال فال يعطون منها شيئ ًا ،والمراد باإليمان:
معناه الخاص أي أن يكون إمامي ًا.
تم ،كما استثنوا من شرط
هذا وربما يقال باستثناء المؤلفة قلوبهم من هذا الشرط ،لو ّ
اإلسالم ،فالمؤلفة قلوبهم يعطون ولو كانوا غير مؤمنين كما يعطون لو كانوا غير مسلمين،
ّ
ألن هؤالء إنما تؤلف قلوبهم ،إ ّما ألنّهم ضعيفو اإليمان والتدين ،أو ألنهم من الكفار الذين
يرجى بإعطائهم الزكاة استمالتهم إلى اإلسالم(((.
ولكن ربما يقالّ :
إن تأليف القلوب إنما هو لغير المسلمين الذين يعطون لترغيبهم في
اإلسالم ،وال مجال له داخل الدائرة اإلسالمية بتنوعاتها المذهبية ،والمسألة تحتاج إلى مزيد
بحث وتحقيق ،ليس هذا مجاله.
((( هذا ولك ّن للخليفة الثاني رأي ًا آخر في المسألة ،فقد ألغى سهم المؤلفة قلوبهم ،بحجة أنهم كانوا
يعطون عندما كان اإلسالم ضعيف ًا ،وكانت هناك حاجة للتودد إليهم واستمالتهم ،ليأمن المسلمون
شرهم ،أ ّما بعد أن قوي اإلسالم واشتد عوده فال معنى لتأليف أحد ،ولذا ألغى سهم المؤلفة قلوبهم،
ألن القوي يحتاج أحيان ًا إلى أن يؤلف نفوس البعض ،والتشريع اإلسالميوهذا اجتهاد غير صحيحّ ،
بحسب الظاهر أراد من إعطاء هؤالء أن يحقق أحد غرضين :أن يأمن شرهم أو أن يستميلهم إلى
ألن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها ،واستمالتهم إلى اإلسالم ال يفرق فيها بين ما اإلسالمّ ،
لو كان اإلسالم قوي ًا أو ضعيف ًا ،ولهذا فال مجال للموافقة على هذا االجتهاد ،ألنه من أجلى مصاديق
االجتهاد في مقابل النص ،وبعض علماء الشيعة -رحمه الله -قال بمثل هذا الرأي ،واستشكل في
زماننا هذا في بقاء العمل بسهم المؤلفة قلوبهم .انظر :قضايا إسالمية ،العدد ،5ص .8وإذا كان نظره
أن السهم المذكور موكول إلى السلطة الشرعية فلكالمه وجه. إلى ّ
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 378
وشرط اإلمامية بالمعنى المذكور انسحب على مصرف الهدي في الحج ،فقد أفتى
الفقهاء بأنّه ال يعطى لغير المؤمن الشيعي ،كما سيأتي.
وبحث المسألة سيتم من خالل المراحل التالية:
--1أقوال الفقهاء عرض وتقييم.
--2أدلة القول باشتراط اإلمامية.
--3الرأي اآلخر في المسألة.
إن دعوتهم على ما أنت عليه لم يتورعوا عن ذبحك بيان :قوله« :وكان والله الذبح» ،أي ّ
وقتلك .وقد جاء في الوافي بدل العبارة المذكورة ما يلي« :وكان وال ّله أربح» ،وع ّلق عليها:
أن بعثها إلى بلد األولياء أربح من إعطائها أهل البلد الذين هذا حالهم» ،وأضاف «يعني ّ
الفيض الكاشاني« :وفي بعض النسخ «وكان وال ّله الذبح» ،ولعل المراد به أنّك إن أعطيت
أهل البلد لم تجد من يعينك ،وفي ذلك القتل بأيدي األعداء إن ظهر أمرك»(((.
الرواية الثالثة :مكاتبة علي بن بالل الصحيحة ،قال« :كتبت إليه أسأله :هل يجوز أن
أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب :ال تعط الصدقة والزكاة إال
ألصحابك»(((.
والرواية مضمرة ،ولم يذكر فيها اسم المسؤول ،فربما كان شخص ًا غير اإلمام ،لكن
األردبيلي استظهر أنّه اإلمام ،قال« :والظاهر أنه عن اإلمام .(((»
الكافي ،ج ،3ص .547ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،2ص .22وتهذيب األحكام ،ج ،4ص .52وعنه (
((
وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،221الحديث 1من الباب 5من أبواب المستحقين للزكاة.
الكافي ،ج ،3ص .555وعنه وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،222الحديث 3من الباب 5من أبواب (( (
المستحقين للزكاة.
الوافي ،ج ،10ص .188 (( (
تهذيب األحكام ،ج ،4ص .53وعنه وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،222الحديث 4من الباب 5من أبواب (((
المستحقين للزكاة.
مجمع الفائدة والبرهان ،ج ،4ص .152 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 384
الرواية الرابعة :خبر عمر بن يزيد« ،سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية؟ فقال:
ال تصدّ ق عليهم بشيء ،وال تسقهم من الماء إن استطعت ،وقال :الزيدية هم النصاب»(((.
ولكن يالحظ على الرواية:
أوالً :ضعف السند((( ،وهي كسابقتها مضمرة ،وال يحصل لنا الوثوق بكون المسؤول
هو اإلمام .هذا ولكن الغريب أن األردبيلي مع أنّه في موضع قال« :وفي الطريق ،محمد
ابن عمر ،المشترك ،مع اإلضمار»((( ،نجده في موضع آخر وصف الرواية بالصحيحة(((.
أن الصدقة فيها ناظرة إلى الصدقة المستحبة أو شاملة لها ،بقرينة «وال ثاني ًا :الظاهر ّ
ألن الصدقة المستحبةتسقهم من الماء إن استطعت» ،وعليه ،فال يسعنا إال ر ّد هذا الحديثّ ،
جائزة لكل محتاج ولو لم يكن مسلم ًا وال مؤمن ًا ،فما تضمنه الخبر من النهي حتى عن تقديم
مما ال يمكن التصديق بصدوره عنهم ،بل هو «مناف لما هو المعروف من الماء لهم ّ
معاملة المعصومين مع أعدائهم ،بل مع معاملة النبي (ص) مع الكفار ،و مناف مع اآلية
الشريفة ﴿ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ (((﴾ ..فال بد من ر ّد العلم بها إلى أهله»((( .فالحديث مردود
لمنافاته للمعروف من سيرتهم ،أما منافاته للكتاب ،ألنه -أعني الكتاب -أمر ِّ
بالبر إلى
كل من لم يكن محارب ًا .وأما منافاته لسيرتهم ،فألن ما ورد عنهم هو خالف ذلك ،ففي
وصية اإلمام علي البنه الحسن أكّد عليه أن يطعموا قاتله ويسقوه(((.
تهذيب األحكام ،ج ،4ص .53وعنه وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،223الحديث 5من الباب 5من أبواب (((
المستحقين للزكاة.
قال المحقق األردبيلي« :وفي الطريق ،محمد بن عمر ،المشترك ،مع االضمار» ،انظر :مجمع الفائدة (((
والبرهان ،ج ،4ص .168وقال المجلسي« :مجهول» ،انظر :مالذ األخيار ،ج ،6ص .143
مجمع الفائدة والبرهان ،ج ،4ص .168 (( (
المصدر نفسه ،ج ن ،ص.272 (( (
سورة الممتحنة ،اآلية .8 (((
جامع المدارك ،ج ،4ص .61 (((
فقد ذكر أبو الحسن البكري في مقتل أمير المؤمنين :بإسناده عن لوط بن يحيى ،عن أشياخه، (( (
وساق القصة إلى أن ذكر في وصاياه إلى الحسن « :وقال له :ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه،
وأحسن إليه وأشفق عليه ،أال ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه ،وقلبه يرجف خوف ًا ورعب ًا وفزع ًا،
فقال له الحسن : يا أباه قد قتلك هذا اللعين الفاجر وأفجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟! فقال
له :نعم يا بني نحن أهل بيت ال نزداد على الذنب إلينا إال كرم ًا وعفو ًا ،والرحمة والشفقة من شيمتنا ال
من شيمته ،بحقي عليك ،فأطعمه يا بني مما تأكل ،واسقه مما تشرب ،»..انظر :بحار األنوار ،ج =،42
385 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ثالث ًا :وثمة أمر مريب وهو ما تضمنته الرواية حول إدراج الزيدية في النصاب ،مع
أنّهم ال ينصبون العداء ألمير المؤمنين وال لألئمة من أهل البيت غاية األمر أنهم ال
أن «المراد به النصاب من يؤمنون بإمامة الباقر ومن بعده؟! وقد احتمل بعض الفقهاء ّ
الزيدية ال الكل ،أو أريد به معنى آخر»((( وقال المجلسي« :قيل :المراد البتر ّية من الزيدية،
بأن النصاب هم الذين قدموا فالن ًا على علي .(((»
لتصريحهم ّ
رابع ًاّ :
إن الرواية أخص من المدعىّ ،
ألن غاية ما تدل عليه هو منع الناصبي منها.
الرواية الخامسة :صحيحة ابن أبي يعفور قال« :قلت ألبي عبد الله ُ :ج ُ
علت فداك
ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال :هي ألصحابك ،قال :قلت :فإن فضل عنهم ،فقال :فأعد
عليهم ،قال :قلت :فإن فضل عنهم ،قال :فأعد عليهم ،قال :قلت :فإن فضل عنهم ،قال :فأعد
السؤال (يعني المتسولين) منها شيئ ًا؟ قال :فقال :ال والله إال التراب إال
عليهم ،قلت :فنعطي ّ
أن ترحمهم (تعطيهم شفقة) فإن رحمتهم فأعطهم كسرة ،ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على
رؤوس أصابعه»(((.
وعبارة« :أومأ بيده فوضع إبهامه على رؤوس أصابعه» هي إشارة تفسير وبيان للكسرة،
فكأنّه أراد إعطاءهم ما يسدّ رمقهم حتى ال يموتوا جوع ًا.
الرواية السادسة :خبر إبراهيم األوسي عن الرضا قال (أي الرضا) :سمعت أبي (أي
((( الكاظم) يقول :كنت عند أبي (أي الصادق) يوم ًا فأتاه ٌ
رجل ،فقال :إني رجل من أهل الري
ص .288ومستدرك الوسائل ،ج ،18ص .256وذكر الموفق الخوارزمي« :لما ضرب علي تلك =
فإن عشت فأنا أولى بحقي، الضربة قال :فما فعل ضاربي ،أطعموه من طعامي واسقوه من شرابيْ ،
وإن مت فاضربوه وال تزيدوه» ،انظر المناقب ،ص .388ونقله في كشف الغمة في معرفة األئمة ،ج ،2 ْ
ص .60وفي حروب أمير المؤمنين نجد أنّه لم يكن يمنع أهل حربه من الماء رغم أنّهم كانوا
يمنعونه منه ،وهذا ما جرى في صفين وغيرها ،وفي بعض الروايات أن الذين حاصروا عثمان منعوه
الماء فقال« :أال أحد يبلغ علي ًا فيسقينا ماء ،فبلغ ذلك علي ًا ،فبعث إليه بثالث قرب مملوءة» ،الثقات
البن حبان ،ج ،2ص .261
مجمع الفائدة ،ج ،4ص .169 (((
مالذ األخيار في فهم تهذيب األخبار ،ج ،6ص .143 (( (
تهذيب األحكام ،ج ،4ص .53وعنه وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،222الحديث 6من الباب 5من أبواب (( (
المستحقين للزكاة.
بيان :الري :منطقة تقع في جنوب طهران اليوم ،وفيها مدفن السيد عبد العظيم الحسني المعروف (((
بالشاه عبد العظيم -رضوان الله عليه.-
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 386
ولي زكاة ،فإلى من أدفعها؟ فقال :إلينا ،فقال :أليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال :بلى ،إذا
دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا ،فقال :إني ال أعرف لها أحد ًا؟ قال :فانتظر بها سنة ،فقال:
فإن لم أصب لها أحد ًا؟ قال :انتظر بها سنتين ،حتى بلغ أربع سنين ،ثم قال له :إن لم تصب ْ
لها أحد ًا فصرها صرر ًا واطرحها في البحر فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا على
عدونا»(((.
وقد ر ّدها السيد الخوئي رحمه الله معترض ًا عليها بعدة وجوه:
المستحق
ّ أوالً« :ال يمكن العمل بها جزم ًا ،لعدم الصغرى لها ّأوالً ،إذ كيف يتّفق فقد
لمدّ ة أربع سنوات؟! ومع تسليم اتّفاقه ،فلتصرف في سائر األصناف كالرقاب ،وال ّ
أقل من
مرجو
ّ فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخالئق ،بل يجب ذلك إذا لم يكن سهم سبيل اللهّ ،
الوجود بعد ذلك ،ولم يتمكَّن من الصرف في سائر المصارف».
وثاني ًا« :إنّه كيف يؤمر بالطرح في البحر ،وهو إتالف للمال غير الجائز على ّ
كل حال؟!
بل غايته أن تودع عنده إلى أن يوجد لها مصرف ،ال أنّها تعدم وتتلف».
«إن السند ضعيف ،لإلرسال ،مضاف ًا إلى عدم توثيق ّ
محمد بن جمهور (والد) وثالث ًاّ :
إبراهيم األوسي ،فهي مخدوشة من جهات وال يمكن التعويل عليها لتنهض للمقاومة مع
صحيحة ضريس((( المتقدّ مة»(((.
أن من الممكن أن يكون نظر أقول :قد يمكن التعليق على مناقشته األولى ،لجهة ّ
السائل إلى فقد بعض األصناف وهم الفقراء ،وهذا ليس بمستحيل وال نادر ،فلربما لم
يوجدوا في تلك المحلة ،لغنى أهلها ،وربما كانوا موجودين ولكن لم يطلع عليهم ،لذا
قد وقع الحديث في الروايات((( وفي الفتاوى((( عن حكم نقل الزكاة إلى بلد آخر في
حال عدم وجود المستحق لها في بلد المكلف .ولكن يكفي في رد الرواية المناقشتان
الثانية والثالثة.
وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،223الحديث 8من الباب 5من أبواب المستحقين للزكاة. (( (
فإن رواية ضريس التي تقدمت بعنوان الرواية الثانية دلت على تعيين مصرفها وهو أهل الوالية ،فال (( (
تصلح هذه الدالة على رميها بالبحر لمعارضتها.
موسوعة السيد الخوئي ،ج ،24ص .226 - 225 (((
انظر :وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،282الباب 37من أبواب المستحقين للزكاة. (( (
انظر على سبيل المثال :الخالف للشيخ ،ج ،4ص .228وتذكرة الفقهاء ،ج ،5ص .341 (((
387 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الرواية السابعة :موثقة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهما
قاال« :الزكاة ألهل الوالية قد َب َّين الله لكم موضعها من كتابه»(((.
نصت على ّ
أن موضع الزكاة وهم الشيعة مب ّين في ولكن يالحظ على االستدالل بها أنّها ّ
القرآن الكريم! ولكن أين ذلك من الكتاب؟ ال وجود لمثل هذا الشرط فيه ،فآية الزكاة وهي
قوله تعالى ﴿ :ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ
ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾((( مطلقة وال
تعرض فيها للهو ّية الدين ّية لمستحقي الزكاة وال سيما الفقراء والمساكين؟!
ّ
أن «الظاهر ّ
أن المراد قوله تعالى ﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ وقد ذهب بعض الفقهاء((( إلى ّ
إن الدفع إلى من ليس موالي ًا
ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾((( .وكأنه أراد القولّ :
ألهل البيت هو نوع مودة له ،واآلية نهت عن مودته ،ألنّه ممن يحاد الله ورسوله (ص).
ولكن يالحظ عليه:
إن دفع الزكاة ألحد ليس مواالة وال مودة له ،وال يدور صرفها مدار المودة ألحد، أوالًّ :
فقد تدفع الزكاة لمن تو ّده وقد تدفعها لشخص ال توده ،كما في دفعها إلى المؤلفة قلوبهم أو
إلى بعض الفقراء ممن ال يو ّدهم الدافع ،وإنما يدفعها امتثاالً ألمر الله تعالى.
أن دفع الزكاة هو ٍ
تول ومودة للمدفوع إليه ،بيد ّ
أن اآلية إنما نهت عن تولي من ثاني ًا :س ّلمنا ّ
يحاد الله ورسوله(ص) .ومن لم يكن موالي ًا لهم ليس محاد ًا ومعادي ًا لله ولرسوله(ص)،
نعم قد ينطبق على الناصبي أنّه محا ٌد للرسول (ص) فيما لو كان عالم ًا بدعوة الرسول (ص)
إلى مودة أهل بيته ومع ذلك رفض مودتهم.
وألجل ما تقدم يرد احتمال حصول شيء من التشويش في نقل الرواية ،فربما كان
األساس هو توجيه سؤال إلى اإلمامين عن كون الزكاة ألهل الوالية؟ فأجابا ّ
بأن الله
تعالى قد ب ّين موضعها في كتابه ،وهذا ما الحظناه في رواية علي بن جعفر قال« :وسألته عن
الزكاة ،هل هي ألهل الوالية؟ قال «قد ب ّين ذلك لكم في طائفة من الكتاب»((( .وهذا التعبير
وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،224الحديث 9من الباب 5من أبواب المستحقين للزكاة. (( (
سورة التوبة ،اآلية .60 (( (
محاضرات في فقه اإلمامية/الزكاة ،السيد الميالني ،ج ،2ص .136 (( (
سورة المجادلة ،اآلية .22 (((
قرب اإلسناد ،ص .228 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 388
قد يكون شاهد ًا على عكس المدعى وأنها ليست لخصوص أهل الواليةّ ،
ألن الكتاب ال
يحصر الزكاة بالموالي ألهل البيت .
الرواية الثامنة :ما رواه الكليني عن علي بن سويد ،أنه كتب إلى أبي الحسن موسى
كتاب ًا وهو في الحبس يسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ،فأجابه بجواب طويل يقول فيه:
َان ِمن ال َّزك ِ َاة فِ ِ
ت ع ِن ال َّزك ِ
َاة يه ْم( ،يقصد أتباع المذاهب اإلسالمية األخرى) َف َما ك َ َ «وس َأ ْل َ َ َ
َان» .
((( َ ِ ك َلك ُْم َم ْن ك َ
َان منْك ُْم وأ ْي َن ك َ ِ
َف َأ ْنت ُْم أ َح ُّق بِه ،ألنَّا َقدْ َح َّل ْلنَا َذل َ
َ َ
السند ال بأس به ،قال المجلسي« :رواه بثالثة أسانيد في األول ضعف ،والثاني حسن
كالصحيح ،وفي الثالث ضعف أو جهالة ،لكن مجموع األسانيد لتقوي بعضها ببعض في قوة
الصحيح ،ورواه الصدوق بسند صحيح»(((.
ولك ّن داللة الحديث غير تامة لسببين:
أحق بها» ليس ظاهر ًا في منع اآلخرين وإن احتمل ذلك، إن قوله « :فأنتم ّ األولّ :
ألن «أحق» هي «أفعل التفضيل» ،أال ترى أنه يقال: وإنّما غاية داللته هو إعطاؤهم األولويةّ ،
«إن أرحامك أحق بالمعروف» ،مع أن ذلك غير متع ّين كما ال يخفى ،وقد ورد هذا التعبير في ّ
يم َ ق َالَ :س َأ ْلتُه َع ْن َصدَ َق ِة ا ْل ِف ْط َر ِة ِ
ار َع ْن َأبِي إِ ْب َراه َ اق ْب ِن َع َّم ٍ
زكاة الفطرة ،ففي موثقة إِ ْس َح َ
الش ْه َر ِة»(((. ان َأ َح ُّق بِ َها لِ َمك ِ
َان ُّ ج َير ُُأ ْعطِ َيها َغ ْي َر َأ ْه ِل َو َل َيتِي ِم ْن ُف َق َر ِاء ِج َيرانِي؟ َق َالَ :ن َع ْم ا ْل ِ
َان» ،هو وأ ْي َن ك َ َان ِمنْك ُْم َ
ك َلك ُْم َم ْن ك َ إن تعليله لألحق ّية بقوله« :ألَنَّا َقدْ َح َّل ْلنَا َذلِ َ الثانيّ :
ألن صرف الزكاة ال يحتاج إلى تحليل خاص ،فينسجم مع الصحيحة تعليل يناسب التدبيريةّ ،
اآلتية الحق ًا ،ويكون المعنى أننا أحللنا لكم من موقع واليتنا أن تقتصروا في صرف الزكاة
عليكم دون سواكم.
وربما كان غرضه من هذا التحليل هو ترخيصهم في تولي الصرفّ ،
ألن الزكاة من
حيث الحكم األولي إنما تتولى أمرها جمع ًا وتوزيع ًا على المستحقين الحكومة الشرعية.
ويرد احتمال آخر وهو نظره إلى الترخيص بدفعها إلى كافة المؤمنين الموالين ولو
(( ( الكافي ،ج ،3ص .496وتهذيب األحكام ،ج ،4ص .49ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،2ص .5وعنه
وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،209الحديث 1من الباب 1من أبواب المستحقين للزكاة.
((( الكافي ،ج ،8ص .125
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 392
إن وظيفة اإلمام هي غير وظيفة الفرد ،فوظيفة اإلمام إعطاء كل من وخالصة القولّ :
يقر له بالطاعة ،أما الفرد فيعطي أهل واليته.
كان تحت واليته ممن ّ
--2الفلسفة العامة لإلنفاق في اإلسالم
ومما يعزز النتيجة التي توصلنا إليها ،من عدم انحصار مصرف الزكاة بالشيعة اإلمامية،
هو مالحظة الفلسفة العامة لإلنفاق في اإلسالم .وهذه الفلسفة مستقاة من كتاب الله ،الذي
أن نظام الضرائب المالية في التشريع اإلسالمي وعلى رأسها الزكاة قد استهدف: أكد على ّ
أوالً :عدم تركيز الثروة في يد األغنياء ،ألن ذلك له العديد من المخاطر االقتصادية
واالجتماعية التي تهدد بتفكيك المجتمع وتحويله إلى طبقتين :طبقة المترفين ،وطبقة
المعدمين ،وهذا ما عبر عنه قوله تعالى ﴿ :ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ
ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﴾((( .إن الزكاة التي تطال
رأس المال كل عام ستسهم في تفتيت الثروة وتحول دون تكدّ سها في أيدي بعض األثرياء،
وبذلك يتحرك المال في المجتمع.
ثاني ًا :الهدف الثاني األساس في هذا المجال ،هو تأمين مصارف الفقراء والمحتاجين
وسدّ االحتياجات العامة ،وهذا ما أشارت إليه آية الزكاة بشكل واضح ال لبس فيه ،قال تعالى:
﴿ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ
ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﴾(((.
ويستفاد هذا الهدف من الروايات الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته ،وهي روايات
أن الله فرض الزكاة ألجل سد حاجة المحتاجين والفقراء، مستفيضة وصحيحة وتؤكد على ّ
وإليك بعض هذه الروايات:
الرواية األولى :صحيحة ُز َر َار َة و ُم َح َّم ِد ْب ِن ُم ْس ِل ٍم المتقدمة َأن َُّه َما َقاال ألَبِي َع ْب ِد ال َّله :
ك َل َي َس ُع ُه ْم َلزَا َد ُه ْم إِن َُّه ْماء َما َي َس ُع ُه ْم و َل ْو َعلِ َم َأ َّن َذلِ َ
ال األَغْنِي ِ
َ
اء فِي م ِ
َ
«..إِ َّن ال َّله َفر َض لِ ْل ُف َقر ِ
َ َ
ِ ِ ِ ِ
يضة ال َّله و َلك ْن ُأتُوا م ْن َمنْ ِع َم ْن َمنَ َع ُه ْم َح َّق ُه ْم َل م َّما َف َر َض ال َّله َل ُه ْم و َل ْو َأ َّن َل ْم ُي ْؤت َْوا ِم ْن ق َب ِل َف ِر َ
ِ
ِِ
َّاس َأ َّد ْوا ُح ُقو َق ُه ْم َلكَانُوا َعائش َ
ين بِخَ ْي ٍر»(((. الن َ
((( مبدأ الذمية ليس هو النظام الوحيد في اإلسالم لتنظيم العالقة مع اآلخر الديني.
((( فقه اإلمام جعفر الصادق ،ج ،2ص .85
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 396
إن ما ذكره مفهوم وقد يكون صحيح ًا عندما ينظر إلى المسألة وتعليق ًا على كالمه نقولّ :
من زواية تكليف الفرد ،ال من زاوية تكليف الدولة ،فعندما يكون المتولي ألمر الزكاة هم
أفراد الناس ولو من خالل مؤسسات خاصة ،فمن المفهوم أن يقال لهم :ادفعوا هذا المال
إلى أقاربكم وأرحامكم وجماعتكم الدينية أو غيرها ،وأما عندما نتحدث عن الضريبة المالية
التي تشكّل الرقم الصعب في ميزانية الدولة التي يفترض بها أن تعول كل مواطنيها وليس
خصوص أتباع دين أو مذهب معين فال وجه لما ذكره حينها ،فالدولة مسؤولة عن الجميع،
وك ُّلهم مواطنوها وليس أحدهم أجنبي ًا واآلخر مواطن ًا ،والدولة كما تأخذ الضريبة من الجميع
ال -زكاة أموال المسلمين ال بدّ أن تعطي الجميع ،وهل يعقل أن يأخذ الحاكم الشرعي -مث ً
من سائر المذاهب وال يعطيهم منها شيئ ًا ،وإنما يصرفها على خصوص الشيعة؟!
--3وظيفة الحاكم العادل
وبذلك اتضح أننا عندما نقارب المسألة من زاوية بيان تكليف الحاكم وليس الفرد
العادي فسوف تتغ ّير النتيجة ،فعند قيام الدولة اإلسالمية وكون المتصدي ألمر الزكاة جمع ًا
وتوزيع ًا هو الحاكم فعليه توزيع الزكاة على كل من يدفع الزكاة إليه ،وهو يأخذها من كل
المسلمين على اختالف مذاهبهم ،فمن الطبيعي أن يعطيهم جميع ًا ألنهم ينضوون تحت
سلطته ،بصرف النظر عن مذاهبهم ،ما يعني أن القيد الذي ذكرته سائر الروايات وأفتى به
الفقهاء وهو قيد اإلمامية هو قيد استثنائي أملته ظروف طارئة ،وهو ابتعاد األئمة عن موقع
الحكم مع ما كانت تقوم به الحكومات الجائرة من تضييق على المؤمنين الموالين لهم
ومحاصرتهم اقتصادي ًا ،ففي هذا الظرف قال األئمة ألتباعهم :وزعوا صدقاتكم على
فإن المال عصب الحياة ،وهو عامل مساعد على أنفسكم وإخوانكم وال تعطوها لآلخرينّ ،
استمرار األشخاص والجماعات ،وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص)« :كاد الفقر أن
يكون كفر ًا»(((.
ويشهد الختالف تكليف الدولة عن تكليف الفرد:
الشاهد األول :هو الروايات ،ونشير في هذا المجال إلى عدة أخبار:
إل َما َم ُي ْعطِي
الرواية األولى :صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والتي جاء فيها« :إِ َّن ا ِ
ون َله بِال َّطا َع ِة».
َه ُؤ َل ِء َج ِميع ًا ،ألَن َُّه ْم ُي ِق ُّر َ
((( الكافي ،ج ،2ص .307رواه بإسناده عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله .
397 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الرواية الثانية :خبر حفص بن غياث قال« :سمعت أبا عبد الله يقول وسئل عن قسم
أسوي بينهم في العطاء ،وفضائلهم بينهمبيت المال ،فقال :أهل االسالم هم أبناء اإلسالمّ ،
نفضل أحد ًا منهم لفضله وصالحه في الميراث على وبين الله ،أجع ُلهم كبني رجل واحد ال ّ
آخر ضعيف منقوص ،وقال :هذا هو فعل رسول الله (ص) في بدو أمره ،وقد قال غيرنا:
فضلهم الله بسوابقهم في اإلسالم إذا كانوا في اإلسالم أصابواُأقدِّ ُمهم في العطاء بما قد ّ
ذلكَ ،فأن َْز َلهم على مواريث ذوي األرحام بعضهم أقرب من بعض وأوفر نصيب ًا لقربه من
أن بيت المال الميت ،وإنما ورثوا برحمهم وكذلك كان عمر يفعله»((( .فقد ّ
دل الخبر على ّ
هو للمسلمين جميع ًا ،وعلى من يدير بيت المال أن يعطي جميع المسلمين ،وال يخفى ّ
أن
بيت المال مكون من أصناف من األموال ،والزكاة هي واحدة منها.
دل على أمر آخر ،وهو لزوم التسوية في العطاء بين المسلمين إن هذا الخبر ّأجلّ ،
واالمتناع عن تفضيل بعضهم على البعض اآلخر ،وقد اعترض الشيخ يوسف البحراني على
أن ما كان ماالًلزوم التسوية ،فقال« :وال يخفى ما في هذا الخبر من اإلشكال ،فإنّه ظاهر في ّ
لله سبحانه كمال الخراج والزكاة فإنه يقسم على السوية ،والتفضيل إنما يكون في الصدقات
ال إال ما يظهر من المحدث الكاشاني المستحبة التي هي من مال اإلنسان .ولم أر بمضمونه قائ ً
في الوافي ..والمسألة ال تخلو من اإلشكال ،لما عرفت من اتفاق األصحاب سلف ًا وخلف ًا
على جواز التفضيل ..والظاهر حمل الخبر المذكور على التخصيص بمال الخراج ،وهو
الذي ُعلم من النبي (ص) وعلي في زمن خالفته تسوية الناس في قسمته» ،ثم استشهد
ببعض الروايات الدالة على جواز التفضيل(((.
ويمكن طرح وجه آخر في هذا الصدد ،وهو ّ
أن حكم الفقهاء بجواز التفضيل ناظر إلى
بيان حكم المكلف إذا كان هو المتصدي للتوزيع ،وما ورد في بعض الروايات فهو ناظر إلى
هذه الصورة أيض ًا ،وأ ّما حكم اإلمام فهو لزوم المساواة إال بوجه حق ،وسيأتي عما قليل ّ
أن
اإلمام المهدي يساوي أيض ًا بين الناس ،وهذا بحسب الظاهر ليس تكليفه بالخصوص
بل هو تكليف الحاكم العادل.
الرواية الثالثة :خبر جابر قال :أقبل رجل إلى أبي جعفر وأنا حاضر ،فقال :رحمك
وإننا نقرأ في نهج البالغة أنّه وجه تعاليم خاصة إلى بعض عماله عندما أرسله إلى جباية الزكاة ،وقد (( (
ذكر الرضي كتاب ًا له إلى «بعض عماله وقد بعثه على الصدقة» ،انظر :نهج البالغة ،ج ،3ص .26
وله كتاب آخر وجهه إلى عامل آخر من عمال الصدقة ،وأعطاه فيه تعاليم كثيرة حول هذا الموضوع،
مرت اإلشارة سابق ًا إلى بعض فقراته.
وقد ّ
سورة الحجرات ،اآلية .13 (((
مسند أحمد ،ج ،5ص .411والمعجم األوسط للطبراني ،ج ،5ص .86 (( (
مناقب آل أبي طالب ،ج ،1ص .378ودعائم اإلسالم ،ج ،1ص .384 (((
401 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ان ا ْلبج ِلي َعن إِسم ِ ِ ِ
اع َيل ْب ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ُم َح َّمد ْب ِن َعل ٍّي َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ُس َل ْي َم َ َ َ ِّ ْ ْ َ
اق ا ْل َمدَ ِائنِ ِّي َع ْن َر ُج ٍل َع ْن َأبِي يم ْب ِن إِ ْس َح َ ِ
ار َع ْن إِ ْب َراه َ ب ْب ِن ِمي َث ٍم الت ََّّم ِ اع َيل ْب ِن ُش َع ْي ِ إِسم ِ
ْ َ
ِ
الشي َعةَ ،ف َقا ُلوا: ِ
ات ال َّله َع َل ْيه َر ْه ٌط م َن ِّ ِم ْخنَف األ ْزد ِّيَ ،ق َال :أتَى أم َير ا ْل ُم ْؤمني َن َص َل َو ُ
ِ ِ ِ َ َ ِ َ ٍ
اف اء واألَ ْشر ِ يا َأ ِمير ا ْلمؤ ِمنِين َلو َأ ْخرجت ه ِذه األَمو َال َف َفر ْقتَها فِي هؤ َل ِء الرؤس ِ
َ ُّ َ َ َ ُ َّ َ َْ َ ُْ َ ْ َ ْ َ َ َ
ِ
ور عُدْ َت إِ َلى َأ ْف َض ِل َما َع َّو َد َك ال َّله م َن ا ْل َق ْس ِم ِ
است َْو َس َقت األُ ُم ُ و َف َّض ْلت َُه ْم َع َل ْينَا َحتَّى إِ َذا ْ
ِِ ِ بِالس ِوي ِة وا ْلعدْ ِل فِي ِ ِ
ب الرع َّية؟! َف َق َال َأم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن :أت َْأ ُم ُرونِّي َو ْي َحك ُْم َأ ْن َأ ْط ُل َ َّ َ َّ َّ
ِ ِ ِ
ُون َذل َك َما َس َم َر اإل ْس َل ِم َل وال َّله َل َيك ُ يت َع َل ْيه م ْن َأ ْه ِل ِ يم ْن ُو ِّل ُ الن َّْص َر بِال ُّظ ْل ِم وا ْل َج ْو ِر ف َ
ِ ِ ِ ِ
ف َت َأ ْم َوا ُل ُه ْم َمالي َل َس َ
او ْي ُت َب ْين َُه ْم َف َك ْي َ الس َماء ن َْجم ًا وال َّله َل ْو كَان ْ السم ُير و َما َر َأ ْي ُت في َّ َّ
وإِن ََّما ه َي َأ ْم َوا ُل ُه ْم .(((»..ونحوه ما رواه الشريف الرضي في النهج :قال« :ومن كالم ِ
ِ
يم ْن ب الن َّْص َر بِا ْل َج ْو ِر ،ف َ له - لما عوتب على التسوية في العطاءَ « :-أت َْأ ُم ُرونِّي َأ ْن َأ ْط ُل َ
اء ن َْجم ًا(((َ ،ل ْو ك َ
َان و ِّليت ع َليه ،وال َّله َل َأ ُطور بِه ما سمر س ِمير ،وما َأم نَجم فِي السم ِ
َّ َ ُ َ َ َ َ َ ٌ َ َّ ْ ٌ ُ ُ َ ْ
ف وإِن ََّما ا ْل َم ُال َم ُال الله» .
َّ (((
ا ْل َم ُال لِي َل َس َّو ْي ُت َب ْين َُه ْمَ ،ف َك ْي َ
أن أمير المؤمنين - كما جاء في بعض األحاديث -لم يمنع الخوارج من بيت --3على ّ
المال ،بل كان يعطيهم إلى أن خرجوا وشقوا عصا الطاعة وأخلوا بالنظام .فمع أنّهم
إن لكم عندنا ثالث ًا ما
ك ّفروه فقد كان يعطيهم حقهم من بيت المال ،وقال لهم« :أما ّ
صحبتمونا :ال نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ،وال نمنعكم الفيء ما دامت
أيديكم مع أيدينا ،وال نقاتلكم حتى تبدأونا»((( .وفي كالم آخر له « :قفوا حيث
ال أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم شئتم ،بيننا وبينكم أال تسفكوا دم ًا حرام ًا أو تقطعوا سبي ً
فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إن الله ال يحب الخائنين»(((.
الكافي ،ج ،4ص .31ورواه الشيخ في أماليه وجاء فيه« :والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف (((
وإنما هو أموالهم» .انظر :أمالي الشيخ الطوسي ،ص .194وهكذا أمالي المفيد ،ص .176والغارات
للثقفي ،ج ،1ص .76
«ما أطور به ،من طار يطور :حام حول الشيء ،أي ما أمر به وال أقار به ،مبالغة في االبتعاد عن العمل (((
بما يقولون .وما سمر سمير أي مدى الدهر أي ما قصد نجم نجم ًا» ،انظر :حاشية نهج البالغة ،للشيخ
محمد عبده.
نهج البالغة ،ج ،2ص .7 (((
تاريخ الطبري ،ج ،4ص .53وتجارب األمم البن مسكويه ،ج ،1ص .557والكامل في التاريخ ،ج ،6 (( (
ص .335
مسند أبي يعلى الموصلي ،ج ،1ص .369ومسند أحمد ،ج ،1ص .87والمستدرك للحاكم ،ج ،2 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 402
--4على أنّه لو كان علي يعطي خصوص الشيعة من الزكاة الشتهر األمر وذاع وذكر
واستغله الخصوم ضده ،مع أننا ال نجد شيئ ًا من ذلك وحتى األئمة الذين روي
عنهم شرط اإلمامية في مصرف الزكاة لم يشيروا إلى أن سيرة جدهم في األمر كانت
كذلك ،مع ّ
أن العادة في مثل هذه الموارد أنّهم كانوا يستشهدون بسيرته .
مسؤولية الدولة اإلسالمية عن غير المسلمين
ويستفاد من سيرة اإلمام علي أنه لم يعط خصوص المسلمين ،بل كان يعطي غير
المسلمين أيض ًا ،ويشهد له ما جاء في الخبر (وإن كان ال يصح سند ًا) الذي رواه الشيخ
الطوسي في كتاب التهذيب« ،بإسناده عن محمد بن أحمد ،عن محمد بن عيسى عن أحمد
مر شيخ مكفوف ابن عائذ عن محمد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين قالّ :
كبير يسأل فقال أمير المؤمنين :ما هذا؟ فقالوا :يا أمير المؤمنين نصراني ،قال :فقال أمير
المؤمنين :استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال»(((.
وهذا ليس أمر ًا مستبعد ًا وال ُيظ ّن ّ
أن الحاكم اإلسالمي كان يمنع أهل الذمة من العطاء
من بيت المال ،ألنّه مسؤول عن كل الرعايا الموجودين في نطاق سلطته والذين يلتزمون
يقرهم التشريع اإلسالمي على دينهم وشعائرهم ويلزمهم بدفع بالقوانين ،وهل يعقل أن ّ
ثم يحرمهم من سدّ خالتهم وإعالة فقرائهم؟!
الجزية والضريبة إلى بيت مال المسلمين ّ
ص .153والسنن الكبرى للبيهقي ،ج ،8ص .180والبداية والنهاية البن كثير ،ج ،7ص .311
((( تهذيب األحكام ،ج ،6ص .293
الف�صل الثاني
ذكر جمع من الفقهاء أن الفقير الذي ُيعطى من الهدي ال بدّ أن يكون إمامي ًا ،والسؤال:
ما هو الدليل على شرط اإلمامية في مصرف الهدي؟
ونحن نبحث المسألة من خالل وقفتين:
((( تهذيب األحكام ،ج ،4ص .53وعنه وسائل الشيعة ،ج ،9ص ،222الحديث 6من الباب 5من أبواب
المستحقين للزكاة.
((( ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى المنع من إعطاء الزكاة للمتسولين ،قال السيد اليزدي« :الظاهر
أنه ال مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه ،وكذا في الفطرة ،ومن منع من ذلك كالمجلسي في زاد
المعاد في باب زكاة الفطرة لعل نظره إلى حرمة السؤال واشتراط العدالة في الفقير وإال فال دليل عليه
بالخصوص ،بل قال المحقق القمي لم أر من استثناه فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في
زاد المعاد ،قال :ولعله سهو منه ،وكأنه كان يريد االحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى» ،انظر :العروة
التسول
ّ الوثقى ،ج ،4ص .194هذا ولكن المحشين على العروة وافقوا المجلسي فيما إذا كان يحترف
التسول ،فقال السيد أبو الحسن األصفهاني« :الظاهر أن ّ أو كان صاحب حرفة ومع ذلك لجأ إلى
المراد به من كان حرفته االستعطاء من الناس» وقال السيد الحكيم« :أو إلى صورة اتخاذ السؤال حرفة
أو إلى النهي عن إعطائه في بعض األخبار» .وع ّلق األصفهاني أيض ًا« :ويمكن أن يكون نظره إلى أنه
داخل في المحترف التي تفي حرفته بمؤنته» .وع ّلق الشيخ علي الجواهري« :إذا اتخذ السؤال حرفة
«المتسولين» بل
ّ فال يبعد عدم جواز إعطائه» .انظر :المصدر نفسه ،أقول :ونالحظ ّ
أن الرواية لم تذكر
«السؤال» ،وهي صيغة مبالغة فتكون ناظرة إلى امتهان التسول واتخاذه حرفة ،وعليه فربما كانّ ذكرت
التسول مع قدرته على العمل ،وهذا ال يعطى من= ّ محترف إلى الزكاة إعطاء منع في المجلسي نظر
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 406
إما لعدم صدق الفقر عليه ،أو لما ورد عنهم من ّ
أن الزكاة ال تعطى لذي «مرة سوي»((( ،أو
ّ
ألن اإلمام يريد محاربة هذه الظاهرة.
إن قلت :إنّه وبقرينة ما جاء في صدر الرواية من تأكيد اإلمام على أنّه يعطي الزكاة
ألصحابه فال محالة يكون نظر ابن أبي يعفور في سؤاله عن المتسولين إلى غير الشيعة منهم،
ألنّه ال وجه لسؤاله عن المتسولين الشيعة.
قلت :ليس بالضرورة أن يكون األمر كذلك ،فربما يرد في ذهن الراوي ّ
أن هؤالء
المتسولين حتى لو كانوا من الشيعة لك ّن تسولهم يمنع من إعطائهم ،لما قلناه من ّ
أن هؤالء قد
التسول ،فاندفع الراوي إلى
ّ ال يحرز فقرهم أو قد يكونوا قادرين على العمل لكنهم احترفوا
السؤال عنهم ،وهذا االحتمال في تفسير الرواية إن لم يكن هو األقوى ،فال أقل من أنّه يساوي
احتمال أن يكون الراوي وبعد أن علم من اإلمام ّ
أن غير الشيعي ال يعطى منها اندفع إلى
السؤال عن حكم السائل غير الشيعي لسوء حاله ،ومع تساوي االحتمالين تكون الفقرة مجملة.
السؤال من غير الشيعة ،لكن غايته منع السؤال منهم، ثاني ًا :مع التسليم ّ
بأن النظر إلى ُّ
السؤال .وأ ّما تفسير المتسولين بعموم
دون سواهم ،لما عرفت من صعوبة إلغاء خصوصية ُّ
غير الموالين ألهل البيت فهو خالف الظاهر جد ًا فال يصغى إليه.
الدليل الثاني :روايات المنع من إعطاء الصدقة
من قبيل :صحيح علي بن بالل ،قال :كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال
تعط الصدقة والزكاة إال ألصحابك»(((. والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب« :ال ِ
دل على عدم إعطاء الصدقة لغير المؤمن ،والصدقة عنوان عام قال الس ّيد الخوئي« :فإنّه ّ
يشمل الصدقة في باب الهدي ،خصوص ًا من [مع] ذكرها في قبال الزكاة ،والمستفاد منه منع
إعطاء الصدقات إلى المخالف خرجنا عن ذلك في خصوص الصدقات المندوبة للنص،
وأما مطلق الصدقات الواجبة ومنها صدقة الهدي مشمول للمنع المذكور في النص ،ويكفينا
ذلك في المنع بعد عدم الدليل على الجواز»(((.
= الزكاة بإجماع الفقهاء ألنّه ليس فقير ًا ،وعليه فال موجب لحمل كالمه على أنّه من سهو القلم ،كما ذكر
الميرزا القمي ،ووافقه السيد الخوئي .انظر :موسوعة السيد الخوئي الفقهية ،ج ،24ص .350
الصدقة لغني ،وال لذي مرة سوي ،وال لمحترف وال (( ( في صحيحة زرارة عن أبي جعفر « :ال تحل ّ
لقوي» .انظر :الكافي ،ج ،3ص .560
((( تهذيب األحكام ،ج ،4ص .53
((( موسوعة السيد الخوئي/شرح المناسك ،ج ،29ص .313
407 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
ويالحظ عليه:
أوالً :الرواية -كما يالحظ -مضمرة ،واالعتماد على هذه المضمرة ال يخلو من إشكال.
ثاني ًا :ال يبعد انصراف الصدقة إلى المندوبة منها ،كما ّ
أن التعبير عن الهدي بالصدقة
غير مألوف ،أجل ّ
إن ثلثها يتصدق به على الفقراء وليس جميعها.
ثالث ًا :لو ُس ّلم بشمول الصدقة للهدي ،فسيأتي في الوقفة الثانية ما يصلح لتقييد الرواية
بغير الهدي من الصدقات.
الدليل الثالث :اإلجماع
قال الشيخ يوسف البحراني« :وكيف كان فيجب تقييده بالمؤمن ،كما عليه ظاهر اتفاق
كلمة األصحاب»(((.
هذا ولكن يمكن النقاش في دعوى اإلجماع وذلك:
أوالً :لعدم ثبوت اإلجماع صغروي ًاّ ،
ألن التأمل في كلمات الفقهاء المتقدمين ال تساعد
المعول
ّ على ذلك ،لخلو الكثير منها -بحسب التتبع -من هذا الشرط ،ومعلوم ّ
أن اإلجماع
عليه هو إجماع المتقدمين« ،وال طريق لنا إلى ثبوت اإلجماع بين فقهائنا المتقدمين الذين
ال بعصر أصحاب األئمة في نهاية المطاف ،حيث ال قيمة لإلجماع يكون عصرهم متص ً
بين المتأخرين إذا لم يكن بين المتقدمين»(((.
ثاني ًا :وعلى فرض التو ّثق من حصول إجماع فال يحرز كونه إجماع ًا تعبدي ًا كاشف ًا عن
رأي المعصوم ،فربما اعتمد المجمعون على بعض الوجوه االجتهادية كالتي تقدمت.
((( الكافي ،ج ،4ص .449ورواه الصدوق مرسالً ،انظر :من ال يحضره الفقيه ،ج ،2ص .493
((( قال المجلسي في مرآة العقول ،ج ،18ص «: 181مجهول».
(( ( انظر :كتاب الحج للسيد الشاهرودي ،ج ،4ص .173تفصيل الشريعة في شرح وسائل تحرير الوسيلة
(كتاب الحج) ،ج ،5ص .257وفي رياض المسائل قال «القريب من الصحة» ،انظر :رياض المسائل،
ج ،6ص .451وكذلك في جواهر الكالم ،ج ،19ص .159
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 410
ال في صحة دعوى انصرافه إلى محمد ابن القاسم وهذا ما خلص إليه السيد الخوئي((( ،متأم ً
ابن الفضيل الثقة ،كما استظهره األردبيلي في جامع الرواة(((.
وبصرف النظر عن السندّ ،
فإن السيد الخوئي قد اعترض على داللتها« :أ ّما ما ورد
من إعطاء علي بن الحسين والباقر ثلث األضاحي صدقة على جيرانهم مع أنه ال يخلو
جيرانهم من المخالفين فليس من الهدي ،وإنما هو من األضحية المستحبة ،كما هو واضح
جد ًا فال ينبغي الريب في الحكم المذكور»(((.
أن األضحية وإن كانت تطلق على األضحية المستحبة ،لكنها تطلق ويالحظ عليهّ :
أيض ًا على األضحية الواجبة «كهدي التمتع والمنذور»(((.
ثمة قرينة في الرواية تشعر بالنظر إلى األضحية المستحبة ،وهي تقسيم األضحيةأجلّ ،
وإعطاء ثلث منها لجيرانه ،وثلث ألهل بيته ،فاإلمامان السجاد والباقر لم يكونا ساكنين
في منى أو في مكة ليقسما على جيرانهما وأهل بيتهما.
اللهم إال أن يقال :إنهما كان يعطيان جيرانهما في السكن سواء في مكة أو في
المشاعر ،والجار يصدق على ذلك ولو كانت اإلقامة مؤقتة ،وأما أهل بيتهما فهم كانوا
يصطحبونهم معهم.
وتجدر اإلشارة إلى أنه قد ورد في الخبر الصحيح ،عن ابن سنان ،عن أبي عبد الله :
«أنه كره أن يطعم المشرك لحوم األضاحي»(((.
والتعبير بالكراهة إن لم يكن ظاهر ًا في الكراهة المصطلحة فليس ظاهر ًا في الحرمة،
فيكون مستخدم ًا في مطلق المبغوضية ،والقدر المتيقن منه هو الكراهة.
ولكن ثمة تساؤل ُيطرح في المقام ،وهو أنّه بلحاظ الواقع التاريخي فمكة المكرمة في
زمن اإلمام الصادق بل وقبله لم يكن فيها مشركون ،وكذا المدينة ومعظم بالد الحجاز،
ولحوم األضاحي في العادة ال تخرج من مكة ،بل هناك نهي عن نقلها خارج مكة ،فأي
((( فقد روى القاضي نعمان عن جعفر بن محمد أنه قال« :نهى رسول الله (ص) أن يطعم المشرك
من األضحية ،ألنها قربة إلى الله عز وجل» ،انظر :دعائم اإلسالم ،ج ،2ص .187وفي نقل المستدرك
«كره» ،بدل «نهى».
((( تعاليق مبسوطة ،ج ،10ص .562والتهذيب في مناسك العمرة والحج ،ج ،3ص .259
المحور الخام�س
الدروس الشرعية ،ج ،2ص .411والحمل على الكراهة تبناه المقداد السيوري في التنقيح الرائع، (( (
ج ،4ص .19
ففي معتبرة محمد بن قيس ،نص على حلية ذبيحة كل من دان باإلسالم. (((
الروضة البهية ،ج ،7ص .211 (( (
ذكرنا هذا األمر في دراسة مستقلة عن الحكم التدبيري والحكم الشرعي. (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 422
ذبائح أهل الكتاب ،كما ال يبعد ،اكتفا ًء بالتسمية ،فيحكم بح ّلية ذبيحة اآلخر المذهبي
باألولوية ،للقطع بأنه ليس أسوأ حاالً من الكتابي بعد التزامه بالتسمية.
5 -5ذبيحة النا�صب
أن مشهور الفقهاء قالوا بحرمة ذبيحة الناصبي ،وهذا يحتاج إلى دليل ،ألن عرفت ّ
القاعدة المتقدمة بمستوييها المشار إليهما قاضية بحل ّية ذبائحهم ،أما بمستواها األول
ّ
فألن فألنها ال تشترط أكثر من التسمية ،وهي متوفرة حسب الفرض ،وأ ّما بمستواها الثاني
الناصبي معلن بالشهادتين ،فالحظ معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر « :قال
أمير المؤمنين :ذبيحة من دان بكلمة االسالم وصام وصلى لكم حالل إذا ذكر اسم الله
عليه»((( .والناصبي يدين بكلمة اإلسالم ،وأ ّما قوله« :صام وصلى» ،فالظاهر أنّه مجرد أمارة
على إسالمه وإال فهو غير معتبر يقين ًا ،ولم يحتمل أحدٌ من الفقهاء اعتباره.
= الكتابي مع إحراز التسمية» ،منهاج الصالحين ج 2ص ،365وانظر :موسوعته الفقهية فقه الصادق،
ج ،24ص ،9وما بعدها ،ومال إلى ذلك السيد تقي القمي في بحثه العلمي ،حيث خلص في نتيجة
البحث إلى أن «الجمع بين األخبار يقتضي أن يقال :إنّه تحل ذبيحة الكافر مع تحقق التسمية» ،مباني
منهاج الصالحين ،ج ،10ص .656
(( ( االستبصار ،ج ،4ص .87
((( تهذيب األحكام ،ج ،9ص .71واالستبصار ،ج ،4ص .87
((( قال في كتاب األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ،ص 545بشأن سند الرواية« :في سندها
من لم أعرفه».
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 424
الراوي افترض أنهم يمثلون أهل السوق ،ومن المستبعد أن يكون أهل السوق بعامتهم من
النصاب ،وال سيما بمالحظة ّ
أن النصب في األزمنة المتأخرة قد تراجع وكان أفراده نادرين.
أن الناصبي يطلق دائم ًا على المخالف،
وهذا صحيح ،لكن هذا ال يصلح شاهد ًا على ّ
التجوز -في كالم الراوي وليس اإلمام .
ّ ٍ
بضرب من وعلى فرضه ّ
فإن ذلك وارد -
الرواية الثالثة :موثق أبي بصير أيض ًا ،عن أبي جعفر ،أنه قال« :لم تحل ذبائح
أن الحرورية (الخوارج) هم من أبرز مصاديق المعادين لعلي الحرورية»((( .بنا ًء على ّ
فهم نصاب.
حرمة ذبائح أهل الكتاب ،ص ،74ووصف الرواية بالصحيحة ،ولكن جاء فيه« :عمران» ،بدل (((
«حمران» وهو خطأ من النساخ.
التهذيب للشيخ ،ج ،9ص .272والخصال ،ص .8 (((
الكافي ،ج ،2ص .384 (((
رجال الشيخ ،ص .132 (( (
المصدر نفسه ،ص .194 (( (
رسالة أبي غالب الزراري ،ص .3 (( (
الغيبة ،ص .209 (((
معجم رجال الحديث ،ج ،7ص .273 (( (
وقد بنى السيد الخوئي في كتبه على وثاقته .انظر :الموسوعة ،ج ،27ص .402وج ،28ص 375 (( (
وغيرها.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 426
المشتركين فله روايات في كتب السنة ،وعدّ ه ابن حبان في الثقات((( .وفي كتاب ألحمد
ابن حنبل« :سألت يحيى عن عبد الملك بن أعين فقال :كوفي ليس به بأس ،فقلت له :أخوه
حمران بن أعين ،فقال :هو من الشيعة الكبار»((( .وشخص ّية كهذه لها هذا الحضور ال يكون
كذاب ًا أوغير مقبول الرواية ،وإال لعرف أمره وانتشر ،فال يكون مرضي ًا ،وفي ضوء ما تقدّ م،
فقول األردبيلي فيه تبع ًا للعالمة في الخالصة((( «مشكور» ال يوفيه حقه.
الرواية الثانية :رواية بشير (بشر) بن أبي غيالن الشيباني ،قال :سألت أبا عبد الله
عن ذبائح اليهود والنصارى والنصاب؟ قال :فلوى شدقه((( وقال« :كلها إلى يوم ما»(((.
وهذه ضعيفة السند.
الرواية الثالثة وعن حمران عن أبي جعفر قال سمعته يقول« :ال تأكل ذبيحة الناصب
إال أن تسمعه يسمي»((( .ويحتمل اتحادها مع الرواية األولى ،مع تصرف من الراوي.
والسند فيه حمران ،وقد وصفها الشهيد الثاني بالحسنة((( ،بينما وصفها آخرون
أن مرد وصفها بالحسنة في كالم الشهيد ليس بسبب حمران ،كيف وقد بالصحيحة((( .والظاهر ّ
وصف روايته المتقدمة بالصحيحة ،وإنما يرجح أنه بسبب أحمد بن محمد بن يحيى العطار
الواقع في سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى ،فأحمد هذا ال توثيق له ،وإن عدّ العالمة
حديثه صحيح ًا((( ،وأما بقية رجال السند فهم ثقات( .((1ولكن يمكن التغلب على ذلك:
وع ّلق النراقي على الرواية األولى والرابعة أنّه وبسبب «مخالفتهما لإلجماع ظاهر ًا وال
أقل من شهرة القدماء ال تصلحان للحجية ومعارضة ما مر ،مع أنهما موافقتان للعامة ،كما
تشعر به الصحيحة»(((.
= أما والده فهو ثقة عين ،كما يقول النجاشي ،وأما رجال السند من ابن عيسى إلى حمران فهم ثقات
وحمران قد رجحنا وثاقته.
((( مباحث األصول ،ج ،3ص .240
((( الكافي ،ج ،6ص .236ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .329واالستبصار ،ج ،4ص .88وتهذيب
األحكام ،ج ،9ص .72
(( ( مستند الشيعة ،ج ،15ص .388
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 428
ج) الموازنة بين األخبار
أقول :في الجمع بين الطائفتين يمكن أن يطرح وجهان عرفيان:
إن مقتضى القاعدة في المقام وأمثاله هو الحكم بالحلية وذلك بحمل الوجه األولّ :
الروايات النافية للحل ّية على الكراهة ،بقرينة الروايات الظاهرة في الحل ّية.
أجل ّ
إن حمل التعبير بـ «ال تحل» على الكراهة بعيد ،ولذا فالخبران متعارضان.
ِ
المحرمة على صورة عدم التسمية ،وهذا ما تشهد به الوجه الثاني :حمل الروايات
روايات الحلية ،فقد حكمت -كما في الرواية األولى والثالثة -بالحرمة إال مع التسم ّية،
إن الروايات المحرمة مطلقة سمى أو لم يسم ،أما الروايات المحللة فهي وبعبارة أخرىّ :
أخص منها وتدل على حلية األكل في صورة التسمية ،والقاعدة تقتضي حمل العام على
الخاص والمطلق على المق ّيد.
وال يخفى أنّه مع إمكان الجمع العرفي بهذا الوجه فال يصل األمر إلى الترجيح.
الترجيح لصالح روايات الحل ّية
ولو فرض وصل األمر إلى الترجيح ،فالمرجح الكتابي يقضي بتقديم الروايات
المحللة لموافقتها للكتاب ،حيث أكّدت على شرطية التسميةّ ،
وأن الحكم بالحل ّية يدور
نص عليه القرآن الكريم.
مدار التسمية ،وهو ما ّ
ومنه تعرف أنّه ال مجال لألخذ بالمرجح اآلخر في باب التعارض وهو األخذ بما
خالف العامة ،ألنه في طول المرجح بموافقة الكتاب.
ولكن قد يقال بضرورة ترجيح روايات الحرمة ،وذلك:
أن صحيحة الحلبي تم ّثل قرينة على التقية،
--1إما لما ذكره النراقي في كالمه اآلنف من ّ
وهكذا فقد اعتبرت الرواية الثانية قرينة على التقية ،كما في كالم الشيخ الطوسي(((.
أن صحيحة الحلبي ناهية عن ذبيحة الخارجي والمرجئ ،وهذا ليس موضع وفيه ّ
وقر واستقر حتى يكون أن قوله ْ
«كل ّ التقية (((،وإنما تتصور التقية في ذبيحة المخالف .على ّ
ما يكون» ال يوحي بالتقية ،بل هو على خالف التقية ،ألنّه وبتقييده للحلية بقوله« :حتى يكون
= المرجئة« :صنفان من هذه األمة ليس لهما في اإلسالم نصيب :المرجئة والقدرية» ،انظر :سنن ابن
ماجة ،ج ،1ص .24
(( ( فقه الصادق ،ج ،24ص .25والتسالم واالتفاق على الحرمة في موضوع الخارجي هو الذي أوقف
بعض الفقهاء المعاصرين عن اإلفتاء بالجواز ،انظر :مباني منهاج الصالحين ،ج ،10ص .662
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 430
أن األشهر استثناء الناصبي مطلق ًا ،والحروري ّ
بالحل ،إال ّ مناسبتان لروايات الكتابي ،وأولى
من جملته ،لنصبه العداوة لعلي كغيره من فرق الخوارج»(((.
وقال في الجواهر بعد نقل كالمه« :وظاهره الميل إلى حل ذبيحته في الجملة ،ولم أره
لغيره ،كما أني لم أر نسبته إلى األشهر القاضية بكون الحل مشهور ًا أيض ًا لغيره أيض ًا»(((.
قال الشيخ الفياض« :وقد تسأل هل ّ
تحل ذبيحة الناصبي وإخوانه الخوارج وبعض
أصناف الغالة؟
والجواب :ال تحل.
وقد تسأل هل ُّ
تحل ذبيحتهم إذا ذكروا اسم الله تعالى عليها؟
والجوابّ :
إن الحل ّية في هذه الصورة غير بعيدة ،وإن كان األحوط واألجدر االجتناب»(((.
واالحتياط بترك أكل ذبيحة الناصبي هو الذي قال به بعض الفقهاء المعاصرين((( ،بعد
أن رأى ّ
أن القاعدة تقتضي الجواز مع التسمية.
6 -6ذبيحة الغالة
وأما الغالة فيمكن -أيض ًا -القول بحلية ذبائحهم ،بمقتضى القاعدة بمستواها األول،
فيما لو سموا على الذبيحة ،وكذا بمستواها الثاني ،إذا دانوا بكلمة اإلسالم .والخروج عن
مقتضى القاعدة يحتاج على دليل.
واالستدالل على ذلك بكفرهم وإشراكهم بالله تعالى ودعواهم ربوبية بعض عباد الله
ال يصلح في المقام لتحريم ذبائحهم ،وذلك ألنّه ال دليل على حرمة ذبيحة كل كافر ،بل
الدليل قائم على ذبيحة ما ذكر اسم الله عليه.
((( انظر :تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة/كتاب الحج ،ج ،5ص .254
((( االستبصار ،ج ،4ص .،82وتهذيب األحكام ،ج ،9ص .65وسلمة مجهول ،لم يذكره النجاشي وال
الشيخ ،ولذا ال يصح التعويل على أخباره ،وقد ضعف القوم رواياته .انظر :موسوعة السيد الخوئي،
ج ،28ص .76
المحور ال�ساد�س
--1أقوال الفقهاء
--2مقتضى القاعدة
--3أدلة القول بعدم جواز زواج اإلمامية بغير اإلمامي
تزوج اإلمامية من المسلم غير اإلمامي
--4أدلة جواز ّ
تدور أبحاث هذا المحور حول الكفاءة الدينية على صعيد الزواجّ ،
فإن الرأي الفقهي
لدى فقهاء الشيعة قائم على جواز العقد على المرأة المسلمة من سائر المذاهب اإلسالمية،
ولكن وقع الكالم في أنه هل يصح عقد المسلمة الموالية ألهل البيت على اآلخر من
سائر المذاهب؟ أم يكون العقد باطالً ،أو يقال بالحرمة التكليفية مع االلتزام بصحة العقد؟
المهمة ،وقد تناولها الفقهاء في أبحاثهم الفقه ّية
ّ وهذه المسألة من المسائل االبتالئية
ال للكالم والخالف بين الفقهاء ،فمنهم من منع كما أ ّلفت فيها رسائل خاصة .وقد وقعت مح ً
فصل بين من يخاف على عقيدتها فال يصح بقول مطلق ،ومنهم من أطلق الجواز ،ومنهم من ّ
زواجها وإال صح.
وحيث إنّه تارة يقع الكالم عن زواج الشيعي من المسلمة األخرى ،وتارة يقع عن زواج
المرأة الموالية ألهل البيت من المسلم اآلخر ،فيقع الكالم في الصورتين ،والمهم هنا
بيان حكم زواج المسلمة الشيعية من المسلم الذي ال ينتمي إلى مدرسة أهل البيت ،ومع
اتضاح حكم هذه الصورة سيتضح العكس ،وهو زواج المسلم الشيعي من المسلمة األخرى.
�1 -1أقوال الفقهاء
قال الشيخ المفيد« :والمسلمون األحرار يتكافؤون باإلسالم والحرية في النكاح وإن
تفاضلوا في الشرف باألنساب ،كما يتكافؤون في الدماء والقصاص ،فالمسلم إذا كان واجد ًا
طوالً لإلنفاق بحسب الحاجة على األزواج ،مستطيع ًا للنكاح ،مأمون ًا على األنفس واألموال،
أن الكفاءة فيولم يكن به آفة في عقله ،وال سفه في الرأي ،فهو كفو في النكاح»((( .فيالحظ ّ
الدين أخذ فيها عنوان المسلم وليس المؤمن ليحمل على المؤمن بالمعنى األخص.
وفي النهاية للشيخ الطوسي« :المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض في عقد النكاح كما أنهم
(( ( كما يستفاد من كالم ابن إدريس حيث قابل بين اإليمان والكفر ،يقول« :فعندنا أن الكفاءة المعتبرة
في النكاح أمران :اإليمان ،واليسار بقدر ما يقوم بأمرها ،واإلنفاق عليها ،وال يراعى ما وراء ذلك من
األنساب والصنايع .واألولى أن يقال :إن اليسار ليس بشرط في صحة العقد ،وإنما للمرأة الخيار إذا
لم يكن موسر ًا بنفقتها ،وال يكون العقد باطالً ،بل الخيار إليها ،وليس كذلك خالف اإليمان الذي
إن ابن إدريس هو الكفر إذا بان كافر ًا ،فإن العقد باطل» ،السرائر ،ج ،2ص .557اللهم إال أن يقالّ :
ال يقصد باإليمان ما يشمل المسلم اآلخر ،بل خصوص اإلمامي ،ألنه يحكم بكفر من لم يكن شيعي ًا،
قال« :والمخالف للحق كافر ،»..المصدر نفسه ،ج ،1ص.356
(( ( جامع المقاصد ،ج ،12ص .128
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 440
إال المؤمن الشيعي ،قال الشيخ الطوسي« :الكفاءة معتبرة في النكاح ،وهي عندنا شيئان.
أحدهما :اإليمان .واآلخر :إمكان القيام بالنفقة»(((.
أن شرط الكفاءة في الزواج قد توسع به الفقهاء توسع ًا غير مبرر لدرجة تالمس والواقع ّ
العنصرية ،فقد اعتبر بعضهم فيها النسب والحرية والسالمة من العيوب((( ،وكل ذلك ال دليل
تزوج األئمة اإلماء ،وزوجوا من غير بني هاشم، عليه ،بل الدليل على العكس قائم ،فقد ّ
فإن القيام بالنفقة المذكور في كالم الشيخ أعاله ليس شرط ًا في صحة العقد ،وتحقيق وكذا ّ
ذلك في محله .وأ ّما أخذ قيد اإليمان في الكفاءة فيحتاج إلى دليل ،وما يمكن أن يستدل به
لذلك هو ما روي عن النبي (ص) «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» ،فقد ذكر الكليني قال:
ِ
وج َّل َل ْم َيت ُْر ْك َش ْيئ ًا« َب ْع ُض َأ ْص َحابِنَا َس َق َط َعنِّي إِ ْسنَا ُده َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َال :إِ َّن ال َّله َع َّز َ
ات َي ْوم َف َح ِمدَ ال َّله يمه إِ َّياه َأنَّه َص ِعدَ ا ْل ِمنْ َب َر َذ َ َان ِمن َتع ِل ِ
َاج إِ َل ْيه إِ َّل َع َّل َمه نَبِ َّيه (ص)َ ،فك َ ْ ْ م َّما ُي ْحت ُ
ِ
َار بِ َمن ِْز َل ِة ِ ِ ِ ِ
َّاس إِ َّن َج ْب َرائ َيل َأتَاني َع ِن ال َّلطيف ا ْل َخبِ ِير َف َق َال :إِ َّن األَ ْبك َ و َأ ْثنَى َع َل ْيه ُث َّم َق َالَ :أ ُّي َها الن ُ
َار إِ َذا ِ الش َج ِر إِ َذا َأ ْد َر َك َث َم ُره َف َل ْم ُي ْج َتنَى َأ ْف َسدَ تْه َّ ال َّث َم ِر َع َلى َّ
اح وك ََذل َك األَ ْبك ُ الش ْم ُس و َن َث َرتْه ِّ
الر َي ُ
َأ ْد َر ْك َن َما ُيدْ ِر ُك الن َِّسا ُء َف َل ْي َس َل ُه َّن َد َوا ٌء إِ َّل ا ْل ُب ُعو َل ُة وإِ َّل َل ْم ُي ْؤ َم ْن َع َل ْي ِه َّن ا ْل َف َسا ُد ألَن َُّه َّن َب َش ٌر،
ول ال َّله و َم ِن ول ال َّله َف َم ْن ن َُز ِّو ُج؟ َف َق َال :األَ ْك َفا َءَ .ف َق َالَ :يا َر ُس َ َق َالَ :ف َقا َم إِ َل ْيه َر ُج ٌل َف َق َالَ :يا َر ُس َ
ض»(((. ُون َب ْع ُض ُه ْم َأ ْك َفا ُء َب ْع ٍض ا ْل ُم ْؤ ِمن َ ُون َب ْع ُض ُه ْم َأ ْك َفا ُء َب ْع ٍ األَ ْك َفا ُء؟ َف َق َال :ا ْل ُم ْؤ ِمن َ
ورواه الصدوق قال :حدثنا أبي -رضي الله عنه -قال :حدثنا القاسم بن محمد بن علي
ابن إبراهيم النهاوندي عن صالح بن راهويه عن أبي حيون مولى الرضا قال :نزل جبرائيل
إن ربك يقرئك السالم ويقولّ :
إن األبكار من النساء بمنزلة على النبي (ص) فقال :يا محمد ّ
عيون أخبار الرضا ،ج ،1ص .260وعلل الشرائع ،ج ،2ص .578 (( (
من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .393 (( (
سورة األنفال ،اآلية .73 (( (
الكافي ،ج ،3ص .347وصححه في المرآة ،ج ،20ص .47وكذا الحديث الذي يليه. (((
سورة األنفال ،اآلية .73 (( (
الكافي ،ج ،5ص .347 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 442
أوالً :ربما يقال :إنّه ال مفهوم لهذه الجملة ،ألن الشرط مسوق لتحقق الموضوع ،فهي
على غرار «إذا رزقت ولد ًا فاختنه» ،فإذا لم يأت من هو مرضي الخلق والدين فال معنى لعدم
تزويجه ،ألنّه من السالبة بانتفاء الموضوع.
ولكن ال يخفى وجود الفارق بين الجملتين ،فجملة «إذا رزقت ولد ًا فاختنه» يكون
الشرط فيها وهو رزق الولد هو األسلوب الوحيد لتحقق الموضوع ،وأما جملة «إذا جاءكم
من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» ال يكون مجيء مرضي الخلق والدين هو األسلوب الوحيد
لتحقق الموضوع ،إذ يمكن تحقق الموضوع بعدم مجيئه والذي يعني مجيء غير مرضي
الخلق والدين.
إن الجملة المذكورة تدل على المطلوب استناد ًا إلى مفهوم اللقب أو مفهوم أجلّ ،
أن مفهوم اللقب هو من أضعف المفاهيم كماالوصف ،وليس استناد ًا إلى مفهوم الشرط ،بيد ّ
هو معلوم ،ومفهوم الوصف ليس حجة شرع ًا كما حقق في محله.
ألن الجملة تدعو إلى تزويج من كان مرضي الخلق والدين ثاني ًا :إن االستدالل ال يتمّ ،
«الخلق» فإنّه ليس شرط ًا
ُ وعدم ر ّده (واألمر فيها سواء قلنا إنه لالستحباب ،ويؤيده ذكر
إلزامي ًا في الزواج ،أو قلنا إنّه للوجوب ،كما يستفاد من االستشهاد باآليةّ ،
فإن الفساد والفتنة
ال تترتب إال على ترك الواجب دون المستحب) فال تدل على حرمة تزويج من لم يكن
مرضي الدين ،وإنما غاية داللتها هو انتفاء الوجوب أو االستحباب عند مجيء من ليس
مرضي الخلق والدين ،وهذا ال يستفاد منه النهي عن تزويج من لم يكن كذلك.
ثالث ًا :وال يبعد القولّ :
إن الدين في الرواية هو اإلسالم ،قال تعالى ﴿ :ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ
ﱬ ﴾((( ،وقال سبحانه أيض ًا ﴿ :ﱵ يَـبْـت َ ِغ ﱛ ﱬ ﲂ ﱤ ﱥ ﱦ ﴾((( ،فالسني وكذا
الزيدي هو على دين اإلسالم ،ويصدق عليه أنه مرضي الدين .نعم ،يمكن أن ينفى عنه كمال
وثمة قرينة في صحيح ابن مهزيار على ذلك ،وهي أنّه شكى إلى اإلمام
الدين ال أصلهّ .
أنّه ال يجد من هو مثله ،أي في معتقده وهو الوالء ألهل البيت ،واإلمام أجابه :ال
عليك إذا جاءك من ترضى خلقه ودينه فزوجه ،فهذا شاهد على ّ
أن المقصود بالدين هو
اإلسالم ،ولهذا تكون الرواية على العكس أدل.
((( انظر حول ذلك كتابنا :أبحاث حول السيد عائشة -رؤية شيعية معاصرة ،ص 275وما بعدها.
((( ممن أنكره الشيخ المفيد في المسائل السروية ،ص .86
451 الباب الثالث :دراسة تفصيلية في فتاوى القطيعة
الزواج ال مجال له ،فقد ورد ذلك في صحاح األخبار الواردة عن األئمة ،(((كما ّ
أن حمل
ذلك على اإلكراه((( بعيد جد ًا ،فمن يجبر ويكره علي ًا على تزويج بنته؟!
ثالث ًا :سكينة بنت اإلمام الحسين ،تزوجها مصعب بن الزبير.
قال الشهيد في المسالك مستدالً على عدم اشتراط الكفاءة في غير اإلسالم« :وزوج
النبي (ص) ابنته عثمان ،وزوج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع ،وليسا من بني هاشم.
وكذلك زوج علي ابنته أم كلثوم من عمر ،وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت
الحسين ،وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة ،وكلهم من غير بني هاشم وأوضع نسب ًا»(((.
ار َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله َ ق َال َس َأ ْلتُه َع ِن ا ْل َم ْر َأ ِة (( ( فقد روى الكليني والشيخ في الموثق عن ُم َع ِ
او َي َة ْبن َع َّم ٍ
ا ْل ُمت ََو َّفى َعن َْها َز ْو ُج َها أ َت ْعتَدُّ فِي َب ْيتِ َها َأ ْو َح ْي ُث َشا َء ْت َق َال َب ْل َح ْي ُث َشا َء ْت إ َّن َعل ّي ًا َ ل َّما ت ُُو ِّف َي ُع َم ُر َأتَى
ِ ِ
ُأ َّم ُك ْل ُثو ٍم َفا ْن َط َل َق بِ َها إِ َلى َب ْيتِه» ،ونحوه صحيح هشام بن سالم ،انظر :الكافي ،ج ،6ص .115وتهذيب
األحكام ،ج ،8ص .161وروى الشيخ بإسناده عن القداح عن جعفر عن أبيه قال« :ماتت أم كلثوم
بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة ال يدرى أيهما هلك قبل ،فلم يورث
أحدهما من اآلخر وصلى عليهما جميع ًا» ،تهذيب األحكام ،ج ،9ص .362وقد اعتمد الفقهاء على
هذا الخبر في باب الصالة على األموات ،وباب الميراث .انظر :مسالك األفهام ،ج ،13ص ..270
وروى الشيخ في (الخالف) عن عمار بن ياسر قال« :أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد
ابن عمر ،وفي الجنازة الحسن والحسين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة ،فوضعوا
السنة» .انظر :الخالف ،ج ،1ص .169 جنازة الغالم مما يلي اإلمام والمرأة وراءه ،وقالوا :هذا هو ُّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ
ب إ َل ْيه َق َال َله أم ُير ا ْل ُم ْؤمني َن إن ََّها َصب َّي ٌة وفي صحيح ه َشا ِم ْب ِن َسالم َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َالَ « :ل َّما َخ َط َ
ِ
يك َف َر َّدني َأ َما وال َّله ِ
اك؟ َق َالَ :خ َط ْب ُت إِ َلى ا ْب ِن َأخ َ ِ
اس َف َق َال َله َما لي أبِي َب ْأ ٌس؟ َق َال :و َما َذ َ ِ
َق َال َف َلق َي ا ْل َع َّب َ
اهدَ ْي ِن بِ َأنَّه َس َر َق وألَ ْق َط َع َّن َي ِمينَهَ ،ف َأتَاه
ول َأدع َلكُم مكْرم ًة إِ َّل َهدَ متُها وألُ ِقيمن َع َليه َش ِ
َ َّ ْ ْ َ ألُ َع ِّو َر َّن َز ْم َز َم َ َ ُ ْ َ ُ َ
ِ ِ
وس َأ َله َأ ْن َي ْج َع َل األَ ْم َر إ َل ْيه َف َج َع َله إ َل ْيه» .انظر :الكافي ،ج ،5ص ،346وهذا ال يدل على اس َف َأ ْخ َب َره َ ا ْل َع َّب ُ
أنه تزوجها باإلجبار واإلكراه ورغم ًا عن إرادتها ورفض أبيها أمير المؤمنين كيف وقد فوض
األمر إلى العباس ،فهذه الصحيحة تدل على كراهية اإلمام لهذا الزواج ثم تفويضه األمر إلى عمه
ال لما قبل به ،وال يمكن إرغامه عليه. العباس ،ولو كان الزواج باط ً
((( تبناه السيد المرتضى قال« :والذي يجب أن يعتمد في نكاح أم كلثوم ،أن هذا النكاح لم يكن عن اختيار
وال إيثار ،ولكن بعد مراجعة ومدافعة كادت تفضي إلى المخارجة والمجاهرة» انظر :رسائل الشريف
المرتضى ،ج ،3ص .149واستند في ذلك إلى ما رواه ُز َر َار َة َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله فِي ت َْز ِويجِ ُأ ِّم ُك ْل ُثو ٍم َف َق َال:
إِ َّن َذلِ َك َف ْر ٌج ُغ ِص ْبنَاه» ،انظر :الكافي ،ج ،5ص .346وال بد من حمله على ما جاء في صحيح هشام بن
أن علي ًا كان كاره ًا لذلك لكن بعد إصرار عمر وتهديده وافق أن يجعل أمر بنته إلى سالم المتقدمة من ّ
ال وتكون مقيمة على حرام معاذ الله! وإن لم يقبل هذا التوجيه فال بدّ من العباس ،فعليه ال يكون زواج ًا باط ً
ر ّد الرواية ألنه ال تستلزم اإلقرار بقبول علي لما ال يمكن قبوله من الرضا بوقوع ابنته بالزواج الباطل.
(( ( مسالك األفهام ،ج ،7ص .409ونظيرها في تذكرة الفقهاء طبعة حجرية ،ج ،2ص ،604وهو موجود=
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 452
إن هذه الوجوه الثالثة األخيرة (أ ّما الوجه األول ،فقد عرفت عدموخالصة القولّ :
تماميته) ،تنفي البطالن (بطالن زواج اإلمامية بغير اإلمامي) قطع ًا كما أنّها تنفي الحرمة
األعم من الحليتين
ّ دلت على الحل ّية ،وهي إما مستعملة في التكليفيةّ ،
ألن الروايات كما قلنا ّ
أن اإلطالق المقامي يكفي إلثبات ذلك ،والسيرة أيض ًا تدل على التكليفية والوضع ّية ،وإما ّ
الحل ّية والصحة ،وال أقل من الصحة ،وعليه فال مجال للتشكيك في هذا الحكم.
الزواج وحصول الضالل
أجلّ ،
إن الفقهاء المتأخرين استثنوا من ذلك ما إذا خيف على المرأة من أن تترك
عقيدتها حول إمامة أهل البيت ،بسبب زواجها من غير اإلمامي ،وقد عمموا الحكم إلى
الرجل أيض ًا ،فقالوا :إذا خيف عليه ترك عقيدته في حال الزواج من امرأة من مذهب آخر
فيحرم عليه اإلقدام على هذا الزواج.
وظاهرهم أنّه في حال حصول الخشية الحقيقية بترك العقيدة فيحكم بالحرمة التكليفية
دون الوضعية ،والوجه في ذلك أنّه ال دليل على بطالن هذا الزواج ،فهو مشمول لعمومات
وإطالقات اإلباحة والحلية.
وأما المستند لهذا االستثناء عند الفقهاء فهو -باإلضافة إلى ما جاء في رواية «ال تزوجوا
من الشكاك وال تزوجوهم» بنا ًء على فهمهم لها -أنّه على مقتضى القاعدةّ ،
فإن اإلقدام على ما
يعلم بتسببه بالتخلي عن العقيدة الصحيحة هو أمر محرم ،كما لو علم أن سفره إلى بلد معين
سيؤدي إلى ضالله أو أن صداقته مع جماعة معينة ستؤدي إلى انحرافه السلوكي أو العقدي،
أو ارتباطه بامرأة معينة سيؤدي إلى النتيجة نفسها فيحرم هذا االرتباط وذاك السفر والصداقة.
إن الحكم بحرمة الزواج واضح في حال العلم بالتخلي عن العقيدةّ ،
فإن أجل قد يقالّ :
ما يعلم بترتب الحرام عليه يكون محرم ًا ،ولكن المالحظ أنّهم قالوا بالحرمة حتى في حال
أن خطورة المحتمل -أعني«الخشية من االنحراف» ،وهذا ال وجه له إال إذا كان النظر إلى ّ
االنحراف -تحتّم ترتيب األثر ،وهو االمتناع عن الزواج حتى في صورة االحتمال.
في المغني البن قدامة ،ج ،7ص .376وهكذا نجده في جواهر الكالم ،ج ،30ص .101وقال السيد =
ال مع أن مصعب بنأحمد الخونساري« :فهل ترى نكاح سكينة بنت الحسين صلوات الله عليه باط ً
زبير حاله معلومة» .انظر :جامع المدارك ،ج ،4ص .259
المالحق
الملحق رقم ()1
النوفلي ،هو الحسين بن يزيد ،وقد اختلف علماء الرجال في شأنه ،فبعضهم اعتبر
رواياته موثقة ((( ،وبعضهم ض ّعف رواياته لعدم وجود توثيق له.
1 -1النوفلي والغلو
قال النجاشي فيه« :كان شاعر ًا أديب ًا وسكن الري ومات بها ،وقال قوم من القميين :إنه
غال في آخر عمره ،والله أعلم ،وما رأينا له رواية تدل على هذا.»..
وألجل غلوه فقد توقف العالمة الحلي في رواياته ،قال في خالصة األقوال بعد نقل
كالم النجاشي« :وأ ّما عندي :في روايته توقف ،لمجرد ما نقله عن القميين وعدم الظفر
بتعديل األصحاب له»(((.
والظاهر ّ
أن غلوه غير ثابت لقرينتين:
األولى :ما أشار إليه النجاشي في كالمه المتقدم من خلو رواياته مما يدل على الغلو،
وهذه قرينة جيدة.
إن الرجل أك َث َر من الرواية عن السكوني وهو رجل سني ،ويبعد حصول هذه
الثانيةّ :
فإن النوفلي قد روى مئات الروايات عن السكوني ،ومن ٍ
مغال وسني؛ ّ الصحبة العلمية بين
النادر أن نجد رواية للسكوني ال يكون النوفلي راويها.
اللهم إال أن يقال :إن دعوى غلوه على فرض صحتها تتحدث عن حصول ذلك في آخر
عمره ،فال ينافي صحبته قبل ذلك للسكوني وأخذه عنه.
فإن الغلو ال يقدح في الوثاقة لو ثبتت ،وال س ّيما ّ
أن للقميين ومع صرف النظر عن ذلكّ ،
(( ( منهم :الشيخ محمد ابن العالمة الحلي المعروف بفخر المحققين ،راجع خاتمة المستدرك ،ج ،4ص .159
(( ( خالصة األقوال ،ص .339
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 456
إن نفي السهو عن النبي يعتبر عندهم أو عند بعضهم غلو ًا! على
ميزان ًا خاص ًا في الغلو بحيث ّ
أن الغلو حصل في آخر عمره فال يضر بما رواه قبل ذلك. ّ
محاور البحث:
--1األخبار محل البحث.
--2معايير الثواب والعقاب.
--3المالك في تفاوت المعاصي.
--4هل إن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة؟
--5نماذج من الروايات المبالغة في الثواب.
--6نماذج من األخبار المبالغة في العقوبة.
--7اختالف الروايات في ثواب أو عقاب عمل واحد.
راجع للتوسع حول ذلك كتاب :هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ ،ص ،92وما بعدها. (( (
وهو الشيخ محمد تقي المجلسي وسيأتي نقل كالمه ،انظر :روضة المتقين ،ج ،19ص .115 (( (
سورة البقرة ،اآلية .25 (((
سورة النساء ،اآليات .124 - 122 (( (
سورة األنعام ،اآلية .132 (( (
ومضمونها أن من نوى الحسنة ولم يفعلها كتبت له ،وقد أوردنا هذه الروايات في كتاب :هل الجنة (( (
للمسلمين وحدهم؟.
461 المالحق
على العمل ولو ّ
انفك عن اإليمان ،شريطة عدم الجحود به ،وقد تناولنا هذه القض ّية بالبحث
في محل آخر.
الضابط الثالث :حسن العدل وقبح الظلم
والضابط األساس الذي يحكم مسألة العقوبة والمؤاخذة هو قانون العدل ،فمعاقبة
الظالم والعاصي من حيث األصل ال تعدّ ظلم ًا له ،بل هي منسجمة مع مبدأ العدل ،بينما
معاقبة المؤمن العامل وغير العاصي تعدّ ظلم ًا ،وهو قبيح عقالً ،وهذا المقدار يبدو عند
العدلية واضح ًا وال غبار عليه ،وهذا المعيار مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين،
يتفرع عليها ،ولك ْن حيث فمع إنكارها -كما عليه األشاعرة -ينهدم هذا المعيار وكل ما ّ
إننا نؤمن بهذه القاعدة فال بدّ من أخذها بعين االعتبار كأساس ضروري في محاكمة كل
الموروث الروائي الذي يتصل بمسألة الحساب األخروي ،عقاب ًا وثواب ًا .وهذه القاعدة الهامة
يتفرع عليها الكثير من النتائج والثمرات ،وبعض نتائجها تمثل قوانين معيارية ومبادئ عامة،
ويمكن عدّ كل واحدة منها قاعدة برأسها ،وهذه أهمها:
((( صرح بذلك الشهيد الثاني ،انظر :المقاصد العل ّية في شرح الرسالة األلفية ،ص .29
(( ( سورة النساء ،اآلية .95
463 المالحق
فإن القائلين بتصنيف الذنوب إلى صغائر وكبائر ،يرون أن المخل بالعدالة هو ارتكاب الكبيرة ،أما (( (
فمعفو عنها لمن اجتنب الكبائر ،وال يخل ارتكابها بالعدالة ،وأ ّما بنا ًء على إنكار التقسيم المذكور
ٌ الصغيرة
ٍ
وااللتزام بكون الذنوب جميعها كبائر ،كما يرى بعض الفقهاء ،فيكون ارتكاب أي ذنب مخ ً
ال بالعدالة.
عقد المحدثون باب ًا خاص ًا في كتبهم بعنوان باب الكبائر .انظر على سبيل المثال :الكافي ،ج ،2 (((
ص .276
قال تعالى ﴿ :ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ [البقرة .]191 :وفي الحديث «الغيبة أشد من الزنا» .انظر :وسائل (((
الشيعة ،ج ،12ص ،281الحديث ،9الباب 152من أبواب أحكام العشرة.
قال تعالى ﴿ :ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﴾ [البقرة.]217 : (( (
سورة النساء ،اآلية .48 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 466
ج) وهناك المعيار المعروف فيما بينهم ،وهو أن كل ما أوعد الله عليه بالنار فهو كبيرة،
بخالف ما لم يوعد عليه بالنار ،وهو معيار منصوص(((.
د) أن يحصل لنا القطع بمناسبات الحكم والموضوعّ ،
أن هذا الذنب ال يبلغ في اإلثم
والعقوبة ما يبلغه ذنب آخر.
فإن ذلك قد يكون مؤشر ًا
أقر التشريع عليها حد ًاّ ، هـ) ومن المؤشرات أيض ًا ّ
أن المعصية إذا ّ
على أشديتها على ما لم يستوجب مثل هذا الحد.
و ) وربما ذكر معيار آخر ،وهو أن الذنب إذا م ّثل اعتدا ًء على العبادّ ،
فإن إثمه قد يكون
دل على ّ
أن أعظم عند الله من الذنب الذي يمثل اعتدا ًء وتجاوز ًا لحق الله فقط .لما ّ
تجاوز حقوق العبد هو أعظم عند الله تعالى من تجاوز حقوق الله سبحانه.
وفي ضوء المعايير والضوابط المتقدمة سوف تتم محاكمة النصوص المبالغة في
الثواب أو العقاب ،وهذا ما نبينه في الوقفات التالية.
رابع ًا :هل �إن ثواب الفري�ضة يزيد على ثواب النافلة؟
وثمة مسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق للتثبت من معياريتها في أصل المسألة ،وهي
أن ثواب الفريضة أزيد من ثواب النافلة ،أم يمكن أن يكون ثواب أنه هل ثمة ما يدل على ّ
النافلة أكبر؟ فإذا ثبت بالدليل أن ثواب الفريضة يزيد على ثواب النافلة فسوف نكون أمام
معيار آخر يتم بموجبه محاكمة الروايات التي ترفع ثواب بعض المستحبات على ثواب
الواجبات والفرائض ،ويجعلها معارضة للدليل ،وعندها فإ ّما أن تخصصه على فرض قابليته
للتخصيص وإال ر ّدت .فهل يمكن إثبات أفضلية الفريضة ثواب ًا على النافلة؟
(( ( مطارح األنظار ،األنصاري الشيخ مرتضى1281( ،هـ) ،الطبعة :األولى ،طبع حجري/كتاب نسخه
خطي ( گلپايگاني .)8/166ص .141
469 المالحق
الوجه الثانيّ :
إن الفريضة أكثر مشقة من النافلة ،والعقل الذي أرشد إليه الشرع يحكم
بأن أفضل األعمال أحمزها وأشدها مشقة.
ويالحظ عليهّ :
أن ذلك غير محرز على إطالقه ،فربما كانت النافلة أكثر مشقة،
كصالة الليل التي هي أكثر مشقة من صالة الظهر مثالً .وكون الواجب ال رخصة
ٍ
حينئذ قد جاءت من اإللزام الشرعي ال من في تركه ال يجعله أكثر مشقة ،فإن مشقته
العمل نفسه.
الوجه الثالثّ :
إن تفضيل النافلة على الفريضة في الثواب ،يشجع الناس على ترك
الفريضة واالكتفاء بالنافلة.
لكن يالحظ عليه :إنّه على القول باألفضل ّية فثمة شروط لذلك ،منها شرط عدم إهمال
فإن تارك الفريضة ال يعلم تقبل الله لنوافله ،ألنّه كما قال تعالى ﴿ :ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ الفرائضّ ،
تضر النافلة بالفريضةّ ،
ألن النافلة في حال أضرت بالفريضة ﲌ ﴾ ،ومنها شرط أن ال ّ
(((
فال تبقى مطلوبة ،ولعله عائد إلى الشرط األول ،ويؤيده ما روي عن اإلمام علي « إِ َذا
ت الن ََّوافِ ُل بِا ْل َف َرائِ ِ
ض َف ْار ُف ُض َ
وها»(((. َأ َضر ِ
َّ
وعليه ،قد نفهم زيادة ثواب زيارة نبي أو إمام على حج بيت الله الحرام ،ما لم يقم دليل
على غير ذلك.
في النصوص
وأما مقاربة المسألة من جهة النصوص ،فيالحظ ّ
أن بعض النصوص قد يستفاد منها
أفضلية الفريضة على النافلة ،وبعضها قد يستدل بها على العكس:
أما النصوص التي استفاد بعض العلماء منها زيادة ثواب الفريضة على ثواب النافلة،
فهي:
بمثل ِ
ِ
أداء ما إلي عبديالرواية األولى :الحديث القدسي القائل« :ما تقرب ّ
افترضت عليه» .وهذا الحديث هو أهم دليل روائي في المقام ،وقد استدل به علما ٌء
قال الشهيد األول« :الواجب أفضل من الندب غالب ًا ،الختصاصه بمصلحة زائدة .ولقوله (ص) في (( (
إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ،وقال العيني« :وأجر الفرض أكثر الحديث القدسي« :ما تقرب ّ
إلي
أحب ّ
إلي عبدي بشيء ّ من النفل ،لقوله (ص) فيما رواه أبو هريرة عن الرب ،عز وجل« :وما تقرب ّ
مما افترضت عليه» .انظر :عمدة القاري ،ج ،8ص .312
لم نجد ذكر ًا لهذا الحديث في شيء من المصادر بل لم يذكره -بحسب التتبع -أحد غيره .انظر: (((
المقاصد العلية في شرح الرسالة األلفية ،ص .29وربما كان حديث ًا منقوالً بالمعنى والله العالم.
المصدر نفسه ،ص .28 (( (
ال :أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حياة الفقيه ببلخ ،قال: رواها الصدوق قائ ً (((
حدثنا محمد بن عثمان الهروي ،قال :حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن مهاجر قال :حدثنا
هشام بن خالد ،قال :حدثنا الحسن بن يحيى الحنيني ،قال حدثنا صدقة بن عبد الله ،عن هشام،
عن أنس عن النبي (ص) ،عن جبرائيل ،عن الله عز وجل» .انظر :التوحيد ،ص .389وعلل
الشرائع ،ج ،1ص .12وهذا السند في معظمه مجاهيل ،والحديث مروي في مسند أحمد ،ج ،6
ص .256قال الهيثمي« :رواه أحمد وفيه عبد الواحد بن قيس بن عروة وثقه أبو زرعة والعجلي
وابن معين في إحدى الروايتين وضعفه غيره» مجمع الزوائد للهيثمي ،ج ،2ص .248ورواها
البيهقي في محل آخر «عن ميمونة زوج النبي (ص) أن رسول الله (ص) قال :قال الله عز وجل:
«من آذى لي ولي ًا فقد استحل محاربتي وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء فريضتي وإنه ليتقرب إلى
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي ينطق
به وقلبه الذي يعقل به إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي
عن موته وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءلته» .رواه أبو يعلى وفيه يوسف بن خالد السمتي
وهو كذاب» ،انظر :مجمع الزوائد للبيهقي ،ج ،10ص .269
471 المالحق
مستحب والرد واجب ،فقد روي عن اإلمام علي ،وروي عن ابنه اإلمام الحسين :
«للسالم [السالم] سبعون حسنة ،تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد»((( ،وروي ّ
أن للمبتدئ
تسع ًا وتسعين حسنة وللراد واحدة(((.
أن إبراء المعسر من المال (مع كونه مستحب ًا) هو أكثر ثواب ًا من دل على ّ الرواية الثانية :ما ّ
أن اإلنظار واجب ،وهو ما رواه الكليني عن ِعدَّ ة ِم ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َس ْه ِل ْب ِن إنظاره وإمهاله مع ّ
وب َع ْن َي ْح َيى ْب ِن َع ْب ِد ال َّله ْب ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن ا ْل َح َس ِن َع ْن َأبِي َع ْب ِد ال َّله ِزي ٍ
اد َع ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن َم ْح ُب ٍ َ
وص َّلى َع َلى َأنْبِ َي ِائه َص َّلى ِ
ات َي ْو ٍم َف َحمدَ ال َّله و َأ ْثنَى َع َل ْيه َ ول ال َّله (ص) ا ْل ِمنْ َب َر َذ َ «ص ِعدَ َر ُس ُ
َق َالَ :
َان َله َع َلى بَ ،أ َل و َم ْن َأ ْن َظ َر ُم ْع ِسر ًا ك َ ِ ال َّله َع َلي ِهم ُثم َق َالَ :أيها النَّاس لِيب ِّل ِغ َّ ِ ِ
الشاهدُ منْك ُُم ا ْل َغائ َ ُ َُ ُّ َ ْ ْ َّ
ال َأ ُبو َع ْبد ال َّله ﴿ :ﲶ ﲷ
ِ وج َّل فِي ك ُِّل َي ْو ٍم َصدَ َق ٌة بِ ِم ْث ِل َمالِه َحتَّى َي ْست َْوفِ َيه ُث َّم َق َ
ال َّله َع َّز َ
ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﴾((( إِنَّه ُم ْع ِس ٌر َفت ََصدَّ ُقوا
َع َل ْيه بِ َمالِك ُْم َف ُه َو َخ ْي ٌر َلك ُْم»((( .بنا ًء على أن الخيرية ناظرة أو شاملة إلى الثواب األخروي كما
ال يبعد .وقد نبه على ذلك بعض الفقهاء(((.
رواها مرسلة عن أبي عبد الله الحسين في تحف العقول عن آل الرسول ،ص .248وعنه في بحار (( (
األنوار ،ج ،75ص .120ورواها مرسلة عن علي سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة األنوار في غرر
األخبار ،ص ،346عن كتاب المحاسن للبرقي ،ونقلها المجلسي في بحار األنوار ،ج ،73ص ،11نق ً
ال
عن جامع األخبار ،ومروية عنه في كتاب معارج اليقين في أصول الدين للشيخ محمد السبزواري،
ص .230وذكر بعض الفقهاء مضمون الرواية في كتبهم الفقهية .انظر :مفاتيح الشرائع ،ج ،2ص ،13
ورواه المولى محمد تقي المجلسي على النحو التالي« :وروي أن بينهما (المبتدئ والمجيب) مائة
رحمة ،تسعة وتسعون للبادي وواحدة للراد» .انظر :روضة المتقين ،ج ،3ص ،179ويبدو أن النقل
بالمعنى ،ووجد هذا المعنى في بعض مصادر الزيدية ،مع اختالف في درجة ثواب المجيب ،ففي شرح
األزهار« :وقد روي في األثر القوي أن المبتدئ بالسالم له سبعون حسنة وللمجيب عشر والمبتدي
فاعل مندوب والمجيب فاعل واجب» .شرح األزهار ،ج ،1ص .280
في مستدرك الوسائل« :الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عن النبي (ص) أنه قال« :بين المسلم والمجيب (((
مئة حسنة تسعة وتسعون منها لمن يسلم وواحدة لمن يجيب» .انظر :مستدرك الوسائل ،ج ،8ص ،357
الباب 31من أبواب أحكام العشرة ،الحديث .7
سورة البقرة ،اآلية .280 (((
الكافي ،ج ،4ص .36ورواه الصدوق في من ال يحضره الفقيه ،ج ،2ص ،59 (((
قال المجلسي األول« :وهذا من األمور المستحبة التي تفضل على الواجب» .انظر :روضة المتقين في (( (
شرح من ال يحضره الفقيه ،ج ،3ص .179
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 472
إلى غير ذلك من الموارد المنصوصة ،أشار إليها الشهيد األول((( ،وتبعه غير واحد من
األعالم ممن تقدمت كلماتهم.
ولكن هذه الموارد -كما ذكرنا -هي موارد جزئية ،ال يستفاد منها قاعدة عامة في
أفضلية النافلة مطلق ًا من جهة الثواب على الفريضة ،على أنها خاضعة للنقاش من قبل بعض
األعالم ،بما ال يجعلها خارجة من تحت القاعدة(((.
وقد تقدم أيض ًا أنه ال دليل على أفضل ّية الفريضة مطلق ًا على النافلة ،ولذا قال الشهيد
الثاني« :وبالجملة فال قاطع على أفضلية مطلق الواجب على جميع المندوبات ،وللنظر فيه
مجال»(((.
وهكذا اتضح أن ال قاعدة معيارية في هذا الباب.
خامس ًا :نماذج من الروايات المبالغة في الثواب
أما الروايات المبالغة في الثواب واألجر على أعمال ال يبدو -بحسب معايير الثواب
التي يحكم بها العقل والنقل -أن ثوابها يبلغ ذلك القدر ،ما قد يدفع إلى رسم أكثر من عالمة
استفهام إزاءها ،وإليك بعض النماذج لهذا النوع:
نبي أو إما ٍم من ّ
األئمة تعادل في الثواب عند النموذج األول :ما ورد من جعل زيارة قبر ّ
ال من الوالدين ،والجهاد في سبيل الله»((( ،فكيف تكون الزيارة أو األذان أعظم أجر ًا وفض ً
المرات!؟
الجهاد واالستشهاد في سبيل الله بآالف ّ
ثم أال يمثِل هذا النمط من الروايات التي ترفع ثواب األذان أو الزيارة إلى هذا الحدّ
ّ
أن للزيارة من والحج والعمرة ،بل وتشجيع ًا على فعل المعاصي؟! فما دام ّ
ّ تزهيد ًا في الجهاد
ٍ
ومعتمر فسوف يندفع البعض إليها تارك ًا حاج
الثواب ما يعادل أجر ألف شهيد ،ومائة ألف ٍّ
الجهاد في سبيل الله والدّ فاع عن أهله وأوطانه .وقد قلنا :إن الحكيم ال يفعل ذلك ،ألنه ال
ينقض غرضه.
خامس ًا :نماذج للروايات المبالغة في العقوبة
وأما األخبار التي تبالغ في إقرار العقاب على أعمال ال تستوجب هذا القدر من العذاب،
فيمكن أن نذكر لها بعض النماذج:
كذب بغير ٍ
عذر النموذج األول :من قبيل ما روي عن رسول الله (ص)« :المؤمن إذا ّ
لعنه سبعون ألف ملك ،وخرج من قلبه نتن يبلغ العرش ،فيلعنه حملة العرش ،وكتب الله
فإن هذا المضمون ال يمكن عليه بتلك الكذبة سبعين زنية ،أهونها كمن يزني مع أمه»(((ّ ،
قبوله ،وهو ينافي ما جاء في معيار متقدم من ضرورة تناسب العقاب مع الذنب ،وكما ّ
أن
من غير المعقول أن يكون إثم الكذب أعظم وبهذه الدرجات من إثم الزنا باألم ،بدليل أنّه لو
أكره الشخص على الزنا باألم أو أن يكذب كذبة عادية فال يجوز له اختيار الزنا ،ولعله لهذا
قد رفض الس ّيد الخوئي المضمون الوارد في الخبر معتبر ًا ّ
أن العقل ال يؤمن به(((.
أن «درهم ِربا النموذج الثاني :والتشكيك نفسه يمكن أن ينسحب على ما ُروي من ّ
حرم في بيت الله الحرام»((( .وروى الكليني في أعظم عند الله من سبعين زنية ك ّلها بذات َم َ
يسى َع ِن ا ْب ِن َأبِي ُع َم ْي ٍر َع ْن ِه َشا ِم ِ ِ ِ ِ
الصحيح عن عدَّ ة م ْن َأ ْص َحابِنَا َع ْن َأ ْح َمدَ ْب ِن ُم َح َّمد ْب ِن ع َ
الكافي ،ج ،2ص .348والرواية رواها السكوني وهي معتبرة على بعض المسالك الرجالية. (((
المصدر نفسه ،ج ن ،ص .158 (( (
بحار األنوار ،ج ،69ص .263 (((
محاضرات في الفقه الجعفري ،ج ،1ص .457 (( (
الخصال للصدوق ،ص .584ومن ال يحضره الفقيه ،ج ،4ص .367وسائل الشيعة ،ج ،18ص ،118 (( (
الباب 1من أبواب تحريم الربا.
«درهم ِربا َأ َشدُّ ِمن سب ِعين َز ْني ًة ُك ُّلها بِ َذ ِ
ِ ِ ِ
ات َم ْح َرم»(((ّ .
فإن ْ َ ْ َ َ َ ا ْب ِن َسال ٍم َع ْن َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َالً ٌ َ ْ :
هذا المضمون يصعب التصديق به بل يمكن الجزم ببطالنه ،والشاهد على ذلك أنّه لو أكره
اإلنسان إ ّما على الزنا بذات المحرم في بيت الله الحرام ،أو على أكل درهم ربا ،لتع ّين عليه
عما لو أكره على سبعين زنية. ال ّ اختيار الثاني فض ً
النموذج الثالث :ما روي عن أنس قال خطبنا رسول الله (ص) فذكر الربا وع ّظم شأنه
فقال« :إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية
يزنيها الرجل»(((.
يقول بعض الفقهاء تعليق ًا على هذا الحديث« :ولكنه نبوي مرسل ال يمكن االعتماد
عليه ،بل لو كان حديث ًا صحيح ًا ،لكان الالزم تأويله لو لم يمكن طرحه ،للجزم بأن الغيبة ال
تكون أشد حرمة ووزر ًا من زنية واحدة ،فض ً
ال عن الثالثين .ولذا لو أكره على الزنا أو الغيبة
أن درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها تعين اختيار الثاني ،وذكرنا نظير ذلك فيما ورد من ّ
بذات محرم»(((.
ولك ْن قد يناقش في كالمه بأنّه ال وجه الستبعاد أن تكون الغيبة عند الله أشدّ من الزنا
ال للحم األخ ميت ًا،من ناحية الوزر واإلثم ،كيف وقد أغلظ الله أمر الغيبة وشدده واعتبره أك ً
وال يخفى أن نتائج الغيبة خطيرة على االجتماع البشري ،فهي تساهم في تفكك المجتمع
وتوتير العالقات بين أبنائه وشحن النفوس وإذكاء نار العداوة وإيقاظ الفتن .وأما أنّه إذا أكره
نص على ذلك ،وإنما على الغيبة أو الزنا تعين عليه اختيار الغيبة ،فالظاهر أنه لم ينطلق من ّ
انطلق من تشخيصه أن الزنا أعظم عند الله من الغيبة.
نص عليه القرآن الكريم ،قال تعالى ﴿ :ﱺ ولكن قد يقالّ :
إن الزنا من الفواحش كما ّ
ﱻ ﱼ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﴾((( ،وهو موجب للحد جلد ًا على الزاني والزانية
إن لم يكونا محصنين ،ورجم ًا -كما هو الرأي المشهور -إذا كانا محصنين ،وعليه فكيف
يقاس به أمر الغيبة ،كما أنه يوجب اختالل األنساب وضياعها ،وكل ذلك يؤشر على عظيم
خطره ووزره عند الله تعالى.
((( انظر :حول هذه األخبار كتاب كامل الزيارات ،ص 316وما بعدها .وكتاب الوسائل ،ج ،14الباب 38
من أبواب المزار .والوافي للفيض الكاشاني ،ج ،14ص .1459
(( ( روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه ،ج ،19ص .115 - 114
479 المالحق
المثوبات) هو مما انتشر فيه الوضع ،ألغراض شتى ،وقام به أشخاص كثيرون ،إ ّما عن
حسن نية ،تشجيع ًا للناس على فعل الخيرات ،وإ ّما عن سوء ن ّيةّ ،
ولعل من الثاني (سوء
النية) سعي بعض الجماعات الباطنية إلى تزهيد الناس بالفرائض ،أو محاولة البعض اآلخر
أن مدرسة أهل البيت ال تهتمإظهار تناقض كلمات األئمة بشكل واضح ،أو إبراز ّ
بالفرائض اإلسالمية ،عندما ترفع أجر زيارة اإلمام على ثواب الحج بآالف المرات.
والسنة والتي تقدمت اإلشارة إليها ،ومنها:
ب) مراعاة معايير الثواب المستقاة من الكتاب ُّ
على سبيل المثال :مبدأ «أفضل األعمال أحمزها» ،فإذا زاد ثواب عمل مستحب
ال -والذي ال يعادله في الثواب عمل (بحسب ما جاء في كالزيارة على الجهاد -مث ً
والسنة) ،فال بدّ من ردها أو ر ّد علمها إلى أهلها ،أو حملها على صورة ما
الكتاب ُّ
السنة وطمس إذا كانت الزيارة هي نوع جهاد لتكريس المبدأ في مقابل من يريد محو ُّ
الشعيرة الدينية المتمثلة بزيارة اإلمام الحسين .
ج) ومع عدم وجود مشكلة في السند وال في المضمون ،فقد يمكن الحمل على اختالف
حاالت األشخاص وظروفهم ،إما لجهة خلوص نياتهم ونبل مقاصدهم وأهدافهم،
أو لجهة تأثير العمل على حياتهم وتغييره في سلوكهم ،أو لجهة اختالف وعيهم
ومعرفتهم باإلمام ،أو لجهة اختالفهم في المشاق والصعوبات واألعباء المالية المترتبة
على الزيارة أو العمل والتي تختلف من شخص آلخر ومن مكان آلخر وزمان آلخر ،أو
لجهة اختالف الظروف ،فعندما تكون الزيارة في زمن الشدة والخوف والعسرة فيكون
ثوابها أعظم عند الله تعالى من ثوابها في حالة األمن والرخاء ،وقد نجد في الروايات
بعض الشواهد على مثل هذا التوجيه أو الحمل ،كما نجد ذلك في بعض األخبار
الواردة في ثواب زيارة اإلمام الرضا حيث ذكرت ثواب ًا معين ًا لزيارته ،ثم ضاعفت
الرواية نفسها الثواب للزائر العارف بحقه(((.
وذكر الشهيد الثاني مثاالً الختالف الروايات في الثواب ،وقدّ م اإلجابة عينها نق ً
ال عن
أن« :أفضل األعمال الصالة لوقتها». النبي من ّ
العلماء المحققين ،والمثال هو «ما روي عن ّ
أن« :أفضله الجهاد في سبيل أن« :أفضل األعمال ّبر الوالدين» .وروى عنه ّ وروى عنه ّ
((( أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال :قرأت كتاب أبي الحسن الرضا أبلغ شيعتنا أن زيارتي
تعدل عند الله ألف حجة ،قال :فقلت ألبي جعفر ابنه :ألف حجة ؟ قال :إي والله ألف ألف
حجة لمن زاره عارف ًا بحقه» .انظر :عيون أخبار الرضا ،ج ،2ص .287
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 480
ثم أضاف« :وقد ّنزله المح ّققون على اختالف ذلك باختالف األشخاص ال َّله» ،إلى غير ذلكّ .
السائلين ،فإ ّن ُه طبيب النفوس ،فيعطي ّ
كل مريض ما يوافقه من الدواء ويميله إلى الشفاء»(((.
ومن وجوه الجمع التي تؤخذ بالحسبان أيض ًا ،ما نبهنا عليه سابق ًا ،لدى اختالف األخبار في
تقدير الثواب على العمل الواحد ،وهو حمل الثواب األقل على االستحقاق واألكثر على التفضل.
اختالف األخبار في عقوبة عمل واحد
من أمثلتها ما ورد في الربا ،ففي الحديث المتقدم «إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا
أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثالثين زنية يزنيها الرجل»(((.
ولكن ورد في أخبار أخرى ما يقدره بسبعين زنية ،كما في صحيح ِه َشا ِم ْب ِن َسالِ ٍم َع ْن
«درهم ِربا َأ َشدُّ ِمن سب ِعين َز ْني ًة ُك ُّلها بِ َذ ِ
ِ ِ
ات َم ْح َرمٍ»(((. ْ َ ْ َ َ َ َأبِي َع ْبد ال َّله َ ق َالً ٌ َ ْ :
ومنها ما يقدره بعشرين زنية ،كما في صحيح سعيد بن يسار قال :قال أبو عبد الله :
«درهم واحد ربا أعظم عند الله من عشرين زنية كلها بذات محرم»(((.
وعليه ،يقع التنافي بين األخبار األمر الذي يثير الريبة فيها ،ولكن لو فرض صحتها فقد
تطرح بعض الوجوه حول الجمع بينها :منها ما احتمله السيد اليزدي في ملحقات العروة،
«ولعل اختالف األخبار إنّما هو بالنسبة إلى اختالف األمكنة واألوقات والحاالت ّ قال:
واألشخاص والكيف ّيات» .
(((
اشتهر على األلسن حديث يقول« :تخلقوا بأخالق الله» فهل يصح هذا الحديث أم ال؟
والجواب :لنا وقفتان حول هذا الحديث:
الوقفة األولى :إننا وبعد التتبع لم نعثر على هذا الحديث منسوب ًا إلى النبي (ص) في
المعول عليها عند الفريقين .ونقل عن ابن القيم أنه وصفه باألثرّ شيء من المصادر الحديثية
الباطل ،فقال« :ورووا في ذلك أثر ًا باطالً :تخلقوا بأخالق الله».
أجل ،أورده المولى محمد تقي المجلسي ( 1070هـ) في شرحه على من ال يحضره
ال ،كما ورد في بعض التفاسير ،منها تفسير الفخرالفقيه((( وأرسله إلى النبي (ص) إرسا ً
الرازي الذي أورده في أكثر من موضع من تفسيره(((.
وكثير ًا ما تردد في كلمات العرفاء منسوب ًا إلى رسول الله (ص) فنالحظ أنه قد ورد في
كالم ابن عربي (ت638 :هـ) قال« :ورد في األخبار الندب إلى التخلق بأخالق الله قال :
«ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم» ،وما من وصف وصف الحق به نفسه إال وقد
ندبنا إلى االتصاف به ،وهذا معنى التخلق واالقتداء واالئتمام»(((.
ونسبه إليه (ص) السيد حيدر اآلملي (من علماء القرن الثامن الهجري) في كتابه جامع
األسرار ومنبع األنوار((( ،وهكذا ابن الفناري في مصباح األنس(((.
انظر :روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه ،ج ،1ص 312؛ وج ،3ص 13؛ وج ،6ص .402 (((
انظر :التفسير الكبير ،ج ،7ص ،72في تفسير اآلية 269من سورة البقرة .وراجع :ج ،9ص 64؛ وج (( (
،11ص 58؛ وج ،16ص .101
ابن عربي (ت638 :هـ) الفتوحات المكية ،ج ،6ص .453 (((
جامع األسرار ومنبع األنوار ،سيد حيد اآلملي ،ص .363 (( (
مصباح األنس بين المعقول والمشهود ،الفناري (ت834 :هـ) ،ص .306 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 482
وهكذا فقد استدل به المال صدرا (1050هـ) في األسفار ناسب ًا إياه إلى الرسول
األكرم (ص)(((.
ولكن يبدو ّ
أن بعض العلماء ،لم تثبت عندهم نسبته إلى النبي (ص) ،فنسبوه إلى القيل،
ومنهم الغزالي((( ،والفيض الكاشاني(((.
هذا ولكن نقل الشيخ األحمدي في مكاتيب النبي (ص) كتاب ًا له (ص) إلى الوالة ،جاء
فإن الله تعالى يحب معالي األخالق فيه« :وحدهم [وخذهم] بأخالق الله وأحم ْلهم عليهاّ ،
[و] يبغض مدامها [مذامها]»(((.
كما أن بعضهم روى أنّه جاء في الحديث القدسي« :أوحى الله تعالى إلى داود :
تخلق بأخالقيّ ،
وإن من أخالقي الصبر»(((.
الوقفة الثانية :بصرف النظر عن صحة هذه الفقرة سند ًا ومبنى ،فهل تصح معنًى أم ال؟
أقول يوجد احتماالن في تفسير هذه الرواية:
األول :أن يكون المراد به« :تخلقوا باألخالق التي أمر بها الله» ،على حذف المضاف.
الثاني :ما ذكره السيد حيدر اآلملي بقوله« :اتصفوا بصفاته»((( ،وهذا هو التفسير
المتداول أو الفهم السائد لهذه الفقرة.
ويؤيد ما جاء في الحديث فيما ناجى الله به عيسى « :ثم طوبى لك يا ابن مريم ،ثم
أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحم ًا»((( ،وورد في بعض األدعية َ إن
طوبى لكْ ،
اهيم َخ ِل ِيل َك ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ «واج َع ْلنِي ِم َّم ْن َي ْل َق َ
ود ِ
ين الس ْم َحة م َّلة إِ ْب َر َ
اك َع َلى ا ْل َحنيف َّية َّ ْ ّ
أن الداعي يقول:
اشتهر على األلسن حديث ينسب إلى اإلمام الصادق يقول فيه« :ولدني أبو بكر
مرتين» .فهل يصح هذا الحديث؟ وما المراد منه؟ هذه األسئلة وسواها نحاول اإلجابة عليها
في النقاط التالية:
أن اإلمام الصادق تو ّلد منإن المراد بالحديث على فرض صحته هو ّ أوالًّ :
أبي بكر بواسطتين من طرف األم ،وذلك ّ
ألن والدته «أم فروة» منتسبة إلى أبي بكر من
طرفين؛ فأبوها هو القاسم بن محمد بن أبي بكر ،وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي
بكر .وهذا ما دفع اإلمام - بناء على صحة الرواية -للقول «ولدني أبو بكر مرتين»(((.
ثاني ًا :لم نعثر على الحديث في المصادر الحديثية الشيعية ،ولم يرد -بحسب
تتبعنا -في كتب السنة الحديثية أو التاريخية األساسية .أجل ،الحديث مروي في
السنة وتحديد ًا المصادر الرجالية((( ،كما ورد في بعض كتب
بعض مصادر أهل ُّ
الشيعة ،كعمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب((( ،ورواه أيض ًا األربلي في كشف
الغمة عن الحافظ الجنابدي دون أن ير ّده أو يعترض عليه((( .وتردد الحديث في
ج ،1ص.71 ((( انظر :كتاب رياض السالكين في شرح الصحيفة السجادية للسيد علي خان المدني،
واستشهد به بعض فقهائنا في كتاب الخمس إلثبات صدق ولدية ابن البنت -أي كونه ولد ًا ،-ومن
هؤالء السيد الخوئي ،راجع :موسوعة السيد الخوئي ،ج ،25ص .97والشيخ أحمد بن صالح آل طوق
القطيفي في رسائله ،ج ،2ص .394ومنهم الشيخ محمد تقي اآلملي في موسوعته الفقهية مصباح
الهدى في شرح العروة الوثقى ،ج ،11ص .180وهكذا أوردة المحقق التستري في ملحقات قاموس
الرجال بما ظاهره الجزم بصدوره عن اإلمام الصادق .انظر :قاموس الرجال ،ج ،12ص .213
وهكذا السيد الميالني في كتابه :قادتنا كيف نعرفهم؟ ج ،4ص .85
((( منهم الشيخ الكليني ،قال« :وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت
عبد الرحمن بن أبي بكر» ،الكافي ،ج ،1ص .472ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة ،ص .473ووافقه
الشيخ الطوسي في تهذيب األحكام ،ج ،4ص .76والعالمة الحلي في تحرير األحكام ،ج ،2ص .123
وابن الخشاب البغدادي في كتابه تاريخ األئمة ووفياتهم ،ص .176والطبري اإلمامي في دالئل
اإلمامة ،ص .248والفيض الكاشاني في الوافي ،ج ،3ص .189والشيخ البحراني في الحدائق ،ج ،14
ص .430والشيخ جعفر آل كاشف الغطاء في كتابه كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ،ج ،1
ص .99
ّ
((( رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا حيث يصرح بأن أم اإلمام الصادق هي أم فروة بنت
أيضا في كمال الدين وإتمام النعمة ،ص.307
القاسم بن محمد بن أبي بكر ،ورواه ً
الملحق رقم ()5
ورد في األحاديث عن األئمة أكثر من زيارة لإلمام الحسين يوم عاشوراء ،منها
زيارة معروفة ومنتشرة ،غلب عليها اسم زيارة عاشوراء ،وهي -بلحاظ ما جاء في بعض
مصادرها -مشتملة في آخرها على فقرة تضمنت -بحسب ما فهم منها -لعن بعض الرموز،
وقد تقدمت اإلشارة إليها في ثنايا مبحث اللعن من هذا الكتاب ،وقد وعدنا ببحثها سند ًا
ومتن ًا .وفقرة اللعن المقصودة ،هي قوله« :اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به
أوالً ،ثم الثاني ثم الثالث والرابع ،اللهم اللعن يزيد خامس ًا ،والعن عبيد الله بن زياد وابن
مرجانة وعمر بن سعد وشمر ًا وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة»((( .وبحثنا
سيتم من خالل النقاط التالية.
أوالً :محل البحث والكالم
أن جمع ًا من الفقهاء والعلماء المتأخرين لديهم اعتقاد كبير بصحة هذه الزيارة ومع ّ
واهتموا بها اهتمام ًا بالغ ًا ،وشرحها غير واحد منهم((( ،ما جعل البعض يتحاشى عن التعرض
للكالم في سندها ،بل يالحظ أنّه قد استخدمت أساليب غير علمية في مواجهة من شكك
أن ذلك لم يمنع وال ينبغي أن يمنع من مالحظة ما أثير حولها من في سندها أو في متنها ،إال ّ
إشكاالت في سندها ومتنها ومضمونها .والمنهج ّية العلم ّية تحتّم علينا أن نباعد بين مشاعرنا
وبين ما يقودنا إليه الدليل والبحث العلمي.
والزيارة المذكورة قد رواها الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه القمي (367هـ) في
((( هكذا واألصح« :الرجل نفسه» ،وكذلك عبارة «نفس الكتب»ّ ،
فإن األصح «الكتب نفسها».
((( موسوعة السيد الخوئي/كتاب الصوم ،ج ،22ص .316
489 المالحق
اب ،ال ُي ْل َت َف ُت إليه»(((، له النجاشي والشيخ ولم يوثقاه((( ،وقال ابن الغضائري« :غالّ ،
كذ ٌ
وتبعه العالمة وابن داود على ذلك((( ،ولو لم يؤخذ بتضعيف ابن الغضائري لعدم ثبوت
(((
نسبة الكتاب إليه((( ،فال يضر في المقام ،ألنّه ال توثيق لصالح ،وأما توثيق السيد الخوئي له
لكونه من رجال كامل الزيارات ورجال تفسير القمي ،فال نوافقه عليه ،على أنه قد تراجع عنه
في خصوص وثاقة مشايخ ابن قولويه غير المباشرين.
وصالح روى عن والده ،وهو عقبة بن قيس ،وهو مجهول الحال بنص جمع من الرجاليين(((.
والنتيجة ّ
أن السند األول ضعيف.
أن من القريب أن يكون السند المذكور هو سند للثواب المذكوروتجدر اإلشارة إلى ّ
فإن ما يذكره بعد السند المذكور هو ثواب الزيارة دون أي ٍ
نص للزيارة ،دون الزيارة نفسهاّ ،
خاص لها ،فيكون سندها ما سيأتي.
السند الثاني :وهو ما ذكره الشيخ بعد نقل فقرة الثواب ،حيث قال« :قال :صالح بن
عقبة وسيف بن عميرة :قال علقمة بن محمد الحضرمي :قلت ألبي جعفر :علمني دعا ًء
أدعو به ذلك اليوم إذا لم أزره من قرب وأومأت من بعد البالد ومن داري بالسالم إليه»(((.
وهذا السند فيما يبدو -كما ذكرنا قبل قليل -هو سند الزيارة -دون سابقه -ألنّه وبعد ذكره
إن استطعت أن تزوره ثم ختم قائالً« :قال علقمة :قال أبو جعفر ْ :لهذا السند أورد الزيارةّ ،
في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل ،ولك ثواب جميع ذلك» .وهذا يؤشر إلى ما قلناه
(((
انظر :رجال النجاشي ،ص .200رجال الطوسي ،ص .227ومعجم رجال الحديث ،ج ،10ص .84 (( (
رجال ابن الغضائري ،ص .69 (( (
ً
خالصة األقوال ،ص .360وقال ابن داود نقال عن ابن الغضائري« :ليس حديثه بشيء ،كذاب غال كثير (((
المناكير» .رجال ابن داود ،ص .250
كما هو رأي السيد الخوئي ،انظر :على سبيل المثال معجم رجال الحديث ،ج ،10ص .85وموسوعة (( (
السيد الخوئي الفقهية ،ج ،2ص .263
معجم رجال الحديث ،ج ،10ص .85 (( (
منهم :الشيخ في رجاله ،ص .142قال بعد حكمه بجهالة بعض الرواة« :عقبة بن قيس مثله» ،أي (( (
ونص على جهالته ابن داود في رجاله ،ص .258والسيد الخوئي في معجم رجال الحديث، مجهولّ .
ج ،12ص .171
مصباح المتهجد ،ص .773 (( (
المصدر نفسه ،ص .776 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 490
وكيف كان ،فهذا السند يشترك -بحسب الظاهر -مع سابقه في المقطع األول ،فيبتلي
ألن في عرضه بما ابتُلي به ،وأما المقطع الثاني ،فال يضيره اشتماله على صالح بن عقبةّ ،
شخص ًا آخر وهو سيف بن عميرة وهو ثقة((( ،كما أنه -وخالف ًا لسابقه -ال يشتمل على عقبة
والد صالح ،أجل ،هو يشتمل على علقمة بن مالك الحضرمي ،وهو ال توثيق((( له إال بنا ًء
(((
على مبنى السيد الخوئي القديم في توثيق رجال كامل الزيارات((( ،وقد روى الكشي رواية
تدل على حسن اعتقاده ،ولك ْن ال يستفاد منها التوثيق ،ناهيك عن كونها ضعيفة السند(((.
السند الثالث :وهو ما ذكره الشيخ بعد نقل الزيارة ،قال« :وروى محمد بن خالد
الطيالسي عن سيف بن عميرة قال :خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وعندنا جماعة
من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد الله ،فسرنا من الحيرة إلى المدينة ،فلما
فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين ،فقال لنا :تزورون
الحسين من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين ،من ههنا أومأ إليه أبو عبد الله
الصادق وأنا معه .قال :فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن
أبي جعفر في يوم عاشوراء»(((.
ناشئ عنٌ أن «المناقشة في سندهما صرح بقطعية صدور زيارة عاشوراء والزيارة الجامعة معتبر ًا ّ
ّ (( (
الجهل وعدم العلم» ،انظر :التكفير في ضوء الفقه الشيعي ،ص .38وهذا القطع ال وجه له.
سئل« :ما هي أصح الزيارات الواردة ،وما درجة صحة زيارة عاشوراء ودعاء الندبة؟ فأجاب :بعض (((
الزيارات معتبرة كزيارة أمين الله .وزيارة عاشوراء مروية عن مزار المشهدي ومضمونها صحيح قطع ًا
وكذا بعض الزيارات األخرى كزيارة الجامعة المعروفة ،والله العالم» ،صراط النجاة ،ج ،5ص .303
حصل هذا االختالف بين العالمة المجلسي ووالده ،ففي حين رجح االبن أن كتاب «مصباح الحقيقة» (( (
أن متن هذاالمنسوب إلى اإلمام الصادق هو من تأليف بعض الصوفية ،نرى أن الوالد قد رأى ّ
الكتاب يدل على صحته .انظر :أصول االجتهاد الكالمي ،ص .378
شرح زيارة عاشوراء ،الفاضل المازندراني (ت 1325هـ) ،ص .51 (( (
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 494
يصرح في كالمه -قد صارت من المشهورات إن الزيارة -كما ّ ويالحظ عليهّ :
والمسلمات ،فهي لم تكن أو لم يثبت أنها كانت كذلك في األزمنة الغابرة ،كما يشهد به
خلو الكتب الحديث األربعة منها ،ومنها كتاب التهذيب للشيخ نفسه ،مع أنه أورد فيه بعض
زيارات اإلمام الحسين ،ومنها زيارة األربعين والتي أوردها (أعني زيارة األربعين) في
تهذيب األحكام ،مع أنّه أوردها في المصباح أيض ًا ،وكذلك سائر كتب الصدوق نجدها خالية
منها ،وكذلك كتاب المزار للشيخ المفيد وسائر كتبه ،وعليه ،فالتسالم على الزيارة متأخر،
وكذلك الشهرة .والتسالم والشهرة المتأخران ال يجبران ضعف السند ،كما أن الضرورة
المتأخرة ال تخرج المسألة عن كونها نظرية وال تمنع من البحث والنقاش فيها(((.
أخبار من بلغ
أوضحُ ،ث ّم
فاألمر َ
ُ ِ
أخبار الب ُلوغِ ،أ َّما مع ُمالح َظتها « ُث َّم هذا ُك ّله َمع قط ِع الن ِ
َّظر عن
أوضح»(((.
أن اللجوء إلى أخبار من بلغ هو اعتراف بضعف السند .وبصرف النظر عن وال يخفى ّ
ذلك ،فيالحظ عليهّ :
بأن قاعدة التسامح ليست تامة في نفسها ،ولو تمت فهي إنما تتم في
السنن ،وهي في المقام زيارة الحسين نفسها ،وأما ما تضمنته الزيارة من دالالت ذات
طابع عقدي أو فقهي أو غير ذلك فال يمكن التسامح في إثباتها ،بل بعض القضايا -كقضايا
االعتقاد -تحتاج إلى دليل قطعي.
رابع ًا :متن الزيارة
خص ّأول
وأما المتن فيعنينا منه في المقام الوقوف عند فقرة اللعن التي تقول« :اللهم ّ
ظالم باللعن مني ،وابد ْأ به أوالً ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ،اللهم الع ْن يزيد خامس ًا» ،فهل
هذه الفقرة واردة في أصل الزيارة فع ً
ال أم ال؟
ثمة ما يريب في األمر ،وقد جزم بعض الفضالء((( أن هذه الفقرة مقحمة على الزيارة
ّ
أن الزيارة تعرضت للتحريف ،ومستنده في ذلك خلو الكثير من وأنها ليست منها ،مؤكد ًا ّ
النسخ القديمة والمعتبرة لكتاب مصباح الشيخ من الفقرة المذكورة .فقد راجع (الفاضل
(( ( بحثنا مسألة حجية الضرورة المتأخرة في كتاب :أصول االجتهاد الكالمي ،ص .120
(( ( شرح زيارة عاشوراء للمازندراني ،ص .51
(( ( هو الشيخ حسين الراضي ،انظر :كتابه زيارة عاشوراء في الميزان ،ص 143وما بعدها.
495 المالحق
المذكور) عشرات النسخ الخط ّية القديمة والقيمة((( لكتاب المصباح والحظ خلو متن
الكثير منها من الفقرة المذكورة ،وإنما أقحمت في الهامش وبخط مغاير لخط المتن(((.
وبعض الشواهد التي ذكرها ال تخلو من إشكال ،منها ما جزم به من خلو نسخة
مصباح المتهجد التي كانت بحوزة السيد ابن طاوس من فقرة اللعن المذكورة ،استناد ًا إلى
أن عبارة السيد ابن طاوس ال تدل تصريح ابن طاوس نفسه في كتابه «مصباح الزائر» ،مع ّ
فإن خلو النسخ المتعددة والقديمة من كتاب على مدعاه((( .لك ْن بصرف النظر عن ذلكّ ،
بأن الفقرة المذكورة مقحمةوإن لم يبعث على االطمئنان التام ّ
المصباح من الفقرة المذكورة ْ
على الزيارة ،وال سيما أنّها موجودة في مزار المشهدي((( (القرن السادس الهجري) ،وغيره،
لكن بضم ذلك إلى خلو الكتاب األقدم زمني ًا ،وهو كتاب «كامل الزيارات»((( من الفقرة
فإن الشك واحتمال اإلقحام سيكون وارد ًا بالمستوى الذي ال يوثق معه بكون المذكورةّ ،
الفقرة المذكورة من أصل الزيارة ،وأضف إليه أن بعض األعالم وهو المحقق التستري يرى
أن خبر زيارة عاشوراء قد تعرض في سنده وشرحه للتصحيف والخلط والوهم(((. ّ
وكون هذه الفقرة مقحمة ال يعني اتهام أحد من العلماء األجالء بوضعها ،فلربما
أضافها أحد النساخ في الهامش مجتهد ًا في األمر العتقاده ّ
بأن هؤالء هم األحق باللعن
ظن بعض الذين جاؤوا من بعدهثم وبمرور الزمن ّ مثالً ،أو لغير ذلك من األسباب ،ومن ّ
بدء ًا بنسخة «الن ّقاش الرازي» المؤرخة سنة 502هـ ،وهو قريب عهد من الشيخ الطوسي ،إلى غيرها (((
من النسخ.
وقد حصل هذا األمر (أعني اإلضافة في الحواشي) مع منهاج الصالح للعالمة الحلي ،فقد لوحظ (((
أن فقرة اللعن المذكورة أضيفت في الهامش في بعض النسخ الخطية للكتاب المذكور .انظر :زيارة
عاشوراء في الميزان ،ص ،565والحال أنه في المطبوع من الكتاب لم تتم اإلشارة إلى خلو بعض
النسخ منها ،انظر :منهاج الصالح ،ص .450
قال السيد ابن طاوس بعد نقل الزيارة بما فيها فقرة اللعن المشار إليها« :هذه الرواية نقلناها بإسنادنا من (((
المصباح الكبير ،وهو مقابل بخط مصنفه (ره) ولم يكن في ألفاظ الزيارة الفصالن اللذان يكرران مائة
مرة ،وإنما نقلنا الزيادة [الزيارة] من المصباح الصغير» ،مصباح الزائر ،ص .278وعنه بحار األنوار،
أن النسخة التي بين يديه كانت خالية من خصوص الفقرتين اللتين ج ،98ص ،303وظاهر كالمه ّ
خص أنت أول ظالم.».. تكرران مائة مرة ،دون فقرة «اللهم ّ
المزار ،ص .484 (( (
كامل الزيارات ،ص .111 - 110 (( (
األخبار الدخيلة ،ج ،1ص .252 (((
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 496
أنّها جزء من أصل الزيارة فأدرجوها في المتن ،وهذا أمر له نظائر ،كما ال يخفى على
المطلع على أحوال النسخ الخطية ،فما أكثر الحاالت التي يذكر فيها الراوي أو غيره فقرة
شارحة بين السطور أو في الهوامش ،ثم تنتقل بعد ذلك نتيجة الغفلة وعدم الخبرة إلى
أن مقامنا (األدعية والزيارات) مبني -لدى مشهور داخل السطور والمتون ،وال سيما ّ
الفقهاء -على قاعدة التسامح ،وقد ق ّلت العناية فيه بالقياس إلى عالم األخبار الواردة في
مجالي األصول والفروع ،وقد ن ّبه المحدث النوري إلى تعرض بعض كتب األدعية في
زمانه للتحريف والزيادة(((.
وفي ضوء ذلك ،فال مجال لتطبيق القاعدة المعروفة عندهم ،وهي أنّه عند اختالف
النقل في الزيادة والنقيصة فتقدم أصالة عدم الزيادة((( على أصالة عدم النقيصة ،والوجه في
أن موردها هو صورة انتفاء االحتمال القوي باإلقحام.عدم انطباق القاعدة في المقام ،هو ّ
إن خلو بعض النسخ من الفقرة المذكورة له ما يبرره وهو مراعاة جو التق ّية من إن قلتّ :
قبل الناسخ ،حفظ ًا لنفسه أو لجماعة المؤمنين الذين يعتمدون على كتابه.
قلناّ :
إن األمانة العلم ّية تقتضي أن يأتي المصنف في هذه الحالة بعبارة توحي
بالحذف ،كأن يسجل نقاط ًا تشير إلى وجود تتمة للكالم ،كما ُيفعل في زماننا ،أو
يأتي بعبارة «إلى آخره» ،أو كلمة «الحديث» إذا كان الحذف من اآلخر ،أو عبارة «في
حديث» إذا كان الحذف من األول ،أو عبارة «إلى أن قال» إذا كان الحذف من الوسط،
أو نحو ذلك.
(( ( في كتابه اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر تحدث الشيخ النوري عن أنه قد «أصبح شائع ًا بين
زائري الحرم المنور لسيد الشهداء» زيادة فقرة على الزيارة ،وأنها دخلت في بعض كتب الزيارة وهو
كتاب «مفتاح الجنان» حتى إنه رأى بعض الطلبة يقرأ تلك «األكاذيب القبيحة في زيارة الشهداء»،
والزيادة هي« :السالم على أبيضكم وأسودكم وعلى من كان في الحاير منكم وعلى من لم يكن في
الحاير معكم خصوص ًا سيدي وموالي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين والقاسم بن الحسن،»..
أن في هذا الكذب جرأة على الله ورسوله واألئمة ،ومع ذلك «ليس هناك من يعترض على فاعتبر ّ
ذلك وال من ينهى عن ارتكاب مثل هذه المعصية!» .انظر :اللؤلوء والمرجان ،ص .140 - 134وانظر
أيض ًا :مرآة الكمال للمامقاني ،ج ،3ص .234وتحفة العالم في شرح خطبة المعالم ،ج ،1ص .302
(( ( ومعنى أصالة عدم الزيادة أن الراوي لم يضف من عنده شيئ ًا ،فالفقرة المذكورة ليست موضوعة وال
مقحمة ،بخالف أصالة عدم النقيصة التي تعني أن الراوي لم ينقص من كالم اإلمام شيئ ًا ما يعني
أن الفقرة المذكورة تكون بحكم الموضوعة فال يرتب عليها أثر.
497 المالحق
خامس ًا :مضمون الزيارة
سجل عليه من جهتين:
فثمة إشكال ّ
وأما المضمونّ ،
الجهة األولى :ما تضمنته الزيارة من اعتماد وتكريس أسلوب اللعن تجاه ورموز
اآلخرين ،وهو األمر الذي دفع بعض العلماء المحققين إلى إعالن تحفظهم عليها(((.
وتشكيك هذا المحقق في صدور اللعن أو في صدور الزيارة برمتها بسبب اللعن ينبغي
(( ( ممن تحفظ على مضمونها السيد مرتضى العسكري ،ما دفع بعض العلماء إلى الر ّد عليه بطريقة قاسية
فقد وجه استفتاء باسم «عدد من طالب الحوزة العلمية في قم» إلى أحد الفقهاء بتاريخ 2004/4/28م،
يقول« :ألقى العالمة العسكري محاضرة في المدرسة العلمية المعصومية سالم الله عليها ،طرح فيها
عدة شبهات :أثارت استغراب الحاضرين :فحين رده على سؤال أصحاب الكساء ،أجاب لألسف:
«إن هذا الحديث المذكور والمعروف في كتبنا ،غير صحيح» ،أو عن زيارة عاشوراء واللعنة والبراءة
من أعداء أهل البيت قال« :ال يوجد في سيرة أئمتنا هذا الشيء وكل ما ورد بهذا الخصوص في
زيارة عاشوراء غير صحيح ،وإني أشك في أصل زيارة عاشوراء ،وفي هذا الزمن وهذه الظروف ،ال
معنى للبراءة واللعن!» أردنا أن نطلع على رأيكم حول هذه األقاويل ونرجو أن تنيروا قلبونا المنكسرة
من محبي الوالية .ونسأل الله تعالى أن يؤيد مراجعنا العظام.
فكان جواب المرجع المذكور( السيد محمد صادق الروحاني) هو التالي :ثالثة أمور قد اعترض
عليها السيد العسكري :حديث الكساء ،وزيارة عاشوراء ،ولعن أعداء أهل البيت .هذه الموارد
من أسس وأصول معتقدات الشيعة ،وكل من يتتبع الروايات في هذا الشأن ولو باختصار ،لن تبقى له
أدنى شك وترديد في هذا المجال .أما عن السيد العسكري ال بد أن نقول :إنه إما أصيب بحالة النسيان،
(وهذا أفضل محمل نأخذه به) ،وإما قد أجبر بواسطة بعض التيارات السياسية ليهين بمعتقدات الشيعة
حول كل الخدمات التي بهذه الصورة ،وإما ال سمح الله ،....على العموم ،إنه بهذه المحاضرة قد ّ
قدمها بواسطة تأليفاته جعلها هبا ًء منثور ًا ،وال أدري إن لم يستغفر ربه وجاءه األجل ،ماذا سيلحق به؟!
في الختام أنصح جميع الطلبة المهتمين :أن يستمروا في طريقهم الذي بدأوا به في التصدي ألعداء
الشيعة وأهل البيت ،فإنها من أعلى وأجل العبادات اإللهية ،وذلك استمرار ًا لسيرة األئمة .
يعوض نفسه عاجالً 21 .ربيع األول 1425هـ. وأوصي السيد العسكري أن يتوب بسرعة وأن ّ
أن صدى كالم السيد العسكري قد تردد وقتها في الحوزة العلم ّية في قم ،لكن لم يصلنا نص أقول :مع ّ
ما قاله حرفي ًا ،ولكن فيما يتصل بحديث الكساء فهو لم يشكك في الحديث المشهور والمعروف أبد ًا
كيف وهو قد أ ّلف رسالة خاصة مطبوعة يثبت فيه صحة هذا الحديث وشهرته في مصادر الفريقين،
انظر رسالته :حديث الثقلين في كتب مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ،وإنما شكك في
قصة متداولة بين العامة من الشيعة بشأن هذا الحديث ،وهي تتلى في بعض المجالس ،فهذه القصة
للحديث لم ترد في كتب األحاديث واألخبار ،وقد ألمح -رحمه الله -إلى ذلك في ختام رسالته
أول من نقل الحديث وفق ًا لهذه الصيغة هو الطريحي في المنتخب ،أجل المذكورة ص .44ولعل ّ
ً
ينقل الشيخ عباس القمي كالما بعنوان القيل ،بـ«إن حديث الكساء المشهور الذي يعد من متفردات
منتخب الطريحي موجود في غرر هذا الشيخ» ،يقصد الديلمي .انظر :الكنى واأللقاب للشيخ عباس=
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 498
التعامل معه بطريقة علم ّية ،فالتشكيك بهذه الزيارة ال يعني التشكيك بأصول الدين وال
أصول المذهب ومسلماته .والتأمل في الفقرة المنقولة عن هذا المحقق تظهر أنّه مشكك في
أصل الزيارة ،كما أنه ال يرى معنى للعن في هذا الزمن.
فلديه كالمان:
الكالم األول :الشك في أصل الزيارة ،وفي المنقول من كالمه لم يتضح وجه التشكيك،
فهل مرجع الشك إلى الجانب السندي؟ أم ّ
إن مرجعه إلى استبعاده اعتماد األئمة لهذا
أن الذي يوحي به سياق كالمه األسلوب في مواجهة اآلخرين؟ كال األمرين محتمالن ،مع ّ
(بحسب المنقول) هو التركيز على الثاني ،وهنا يرد السؤال :ما هو الوجه في استبعاده -رحمه
الله -صدور اللعن عنهم ؟
إن احتمال أن يكون لألمر عالقة بأصل صدور اللعن عن المعصوم ضعيف ،إذ يدفعه ّ
والسنة في الجملة ،أجل ،قد يكون الوجه في استبعاده هو في ّ
أن أن اللعن وار ٌد في الكتاب ُّ ّ
المشار إليهم في فقرة اللعن هم أشخاص معروفون ويمثلون رموز ًا لدى مدرسة إسالمية
واسعة االنتشار ما يجعل من المستبعد لجوء األئمة إلى تكريس لعنهم في طقس ديني،
وهو الزيارة التي يتلوها المؤمنون صبح ًا ومسي ًاّ ،
فإن هذا إن لم يؤد إلى إثارة الشحناء والفتنة
بين المسلمين ،فإنه -على أقل تقدير -يوجب نفرة أتباعهم عن خط أهل البيت .
الكالم الثاني :إنه ال معنى للعن في هذا الزمان ،وهذا الكالم ناظر بحسب الظاهر إلى
العنوان الثانوي المشار إليه للتو ،بمعنى ما يترتب على لعن هؤالء الرموز من مفاسد كبيرة
على وحدة األمة واستقرارها الداخلي.
الجهة الثانية :من جهة الثواب المذكور فيها وهو ثواب عظيم يتجاوز بآالف المرات كل
أعمال الحج والعمرة والجهاد بين أيدي األنبياء جميع ًا((( ،وهذا اإلشكال هو فيما يبدو ما
= القمي ،ج ،2ص ،238وكتاب المنتخب للطريحي ليس بذاك االعتبار عند األعالم .انظر :ما ذكرناه
حوله في كتابنا الحسين مصلح ًا وثائر ًا ،ص .249
((( قال الشيخ :شرح زيارة أبي عبد الله في يوم عاشوراء من قرب أو بعد :روى محمد بن إسماعيل بن
بزيع عن صالح بن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر قال« :من زار الحسين بن علي في يوم عاشوراء
من المحرم حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة،
ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص) ومع األئمة الراشدين.
قال :قلت :جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البالد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك=
499 المالحق
يشير إليه المحقق التستري في كتابه «قاموس الرجال» ،ففي ترجمة صالح بن عقبة ذكر ّ
أن ابن
اليوم قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطح ًا مرتفع ًا في داره وأومأ إليه بالسالم واجتهد في =
الدعاء على قاتله وصلى من بعد ركعتين ،وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ،ثم ليندب
الحسين ويبكيه ويأمر من في داره ممن ال يتقيه بالبكاء عليه ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه
وليعز بعضهم بعض ًا بمصابهم بالحسين وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله تعالى جميع ذلك،
قلت :جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟ قال :أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك.
قلت :فكيف يعزي بعضنا بعض ًا؟ قال :تقولون :أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين وجعلنا وإياكم
من الطالبين بثأره مع وليه اإلمام المهدي من آل محمد .وإن استطعت أن ال تنتشر يومك في
حاجة فافعل فإنه يوم نحس ال تقضى فيه حاجة مؤمن ،فإن قضيت لم يبارك ولم ير فيها رشد ًا ،وال
يدخرن أحدكم لمنزله فيه شيئ ًا ،فمن ادخر في ذلك اليوم شيئ ًا لم يبارك له فيما ادخره ولم يبارك له
في أهله .فإذا فعلوا ذلك كتب الله تعالى لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة كلها مع
رسول الله (ص) ،وكان له أجر وثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل
منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة .قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة :قال علقمة بن محمد
الحضرمي قلت ألبي جعفر : علمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب ودعاء أدعو به
إذا لم أزه من قرب وأومأت من بعد البالد ومن داري بالسالم إليه .قال :فقال لي :يا علقمة ! إذا أنت
صليت الركعتين بعد أن تومي إليه بالسالم فقل بعد اإليماء إليه من بعد التكبير هذا القول ،فإنك إذا
قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زواره من المالئكة ،وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة ،وكنت
كمن استشهد مع الحسين حتى تشاركهم في درجاتهم وال تعرف إال في الشهداء الذين استشهدوا
معه ،وكتب لك ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين منذ يوم قتل
وعلى أهل بيته» .انظر :مصباح المتهجد ،ص .773 - 772
ويظهر من هذه العبارة الطويلة ّ
أن هناك ثالثة أنواع من الثواب:
النوع األول :الثواب على خصوص الزيارة ،وهو ما جاء في قوله « :من زار الحسين بن علي
في يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم يلقاه بثواب ألفي حجة وألفي
عمرة وألفي غزوة ،ثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص)
ومع األئمة الراشدين» ،هذا ما في المصباح للشيخ ،وأما في كامل الزيارات ،فالثواب هو أكثر من
ذلك ،قال « :من زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكي ًا لقي الله عز وجل يوم القيامة
بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة ،وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب
من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (ص) ومع األئمة الراشدين .»كامل الزيارات ،ص .326وقد
ع ّلق المحقق التستري على هذا االختالف قائالً« :وكيف كان فأحدهما تصحيف ،والظاهر تحريف
فإن الشيخ متأخر فال بدّ أنه رأى الكامل ورآه وهم ًا ،وألنه ذكر ذلك في كتابين ( المصباح «الكامل»ّ ،
ّ
الكبير والمصباح الصغير) وألن رواية كتب الشيخ وتداولها أكثر من كتب ابن قولويه ،وألن ما فيه
أقل غرابة» .األخبار الدخيلة ،ج ،1ص .253فالحظ كيف حكم بغرابة الثواب في المصدرين وإن عدّ
الثواب المذكور في مصباح الشيخ أقل غرابة.
ً
النوع الثاني :ثواب على تعزية المؤمنين بعضهم بعضا ،وهو ما جاء في قوله بعد ذكر التعزية« :فإذا
فعلوا ذلك كتب الله تعالى لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة كلها مع رسول الله (ص)=،
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 500
كذاب ال ُيلتَفت إليه» ،وع ّلق قائالً« :ويمكن تأييده بوقوعه في طريق ٍ
«غال ّ الغضائري قال فيه:
ّ
ثواب زيارة عاشوراء وفي شرحه أمور منكرة» ،وقال أيض ًا في ترجمة محمد بن موسى
((( (((
وضاعيته غير بعيد ،فورد في طريق ثواب زيارة عاشوراء وفيه شرح منكر الهمداني(((« :فأصل ّ
أن األمر المنكر بنظره هو ثواب الزيارة ،بل ظاهره أن هذا متناقض»((( .فيستفاد من كالميه ّ
الثواب موضوع حيث ّفرع على ما ذكره من كون الهمداني وضاع ًا بأنه ورد في طريق ثواب
زيارة عاشوراء ،وقد تحدث عن غرابة الثواب المذكور في الزيارة في كتابه «األخبار الدخيلة»،
معتبر ًا أن ما ذكر في «مصباح» الشيخ أقل غرابة مما ذكر في «كامل الزيارات»(((.
وهذا المعنى ال وجه له إال استناد ًا إلى ما تقدّ م ما في ملحق سابق من أن الثواب ليس
اعتباطي ًا وله معايير خاصة ،مستفادة من العقل والنقل ،فالحظ.
وكان له أجر وثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا =
إلى أن تقوم الساعة» ،هذا ما في مصباح الشيخ ،وأما في كامل الزيارات فهذا الثواب المعد على
التعزية هو أكثر بكثير مما رواه الشيخ ،قال « :فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف
ألف عمرة وألف ألف غزوة كلها مع رسول الله (ص)» .كامل الزيارات ،ص .237وقد رجح المحقق
أن ما في «كامل الزيارات» من تضاعف الثواب في الموردين قد تعرض للتحريف ،انظر: التستري ّ
األخبار الدخيلة ،ج ،1ص .253
النوع الثالث :ثواب الدعاء وصالة الزيارة ،وهو ما جاء في قوله « :فإنك إذا قلت ذلك فقد
دعوت بما يدعو به زواره من المالئكة ،وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة ،وكنت كمن استشهد مع
الحسين حتى تشاركهم في درجاتهم وال تعرف إال في الشهداء الذين استشهدوا معه ،وكتب لك
ثواب زيارة كل نبي وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين منذ يوم قتل وعلى أهل بيته»،
هذا ما في «المصباح» وأما في «الكامل» ،فالثواب هنا تضاعف ،حيث جاء فيه« :فإنك إذا قلت ذلك
فقد دعوت بما يدعو به من زاره من المالئكة ،وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ومحى عنك ألف
ألف سيئة ورفع لك مائة ألف ألف درجة ،وكنت كمن استشهد مع الحسين بن علي حتى تشاركهم في
درجاتهم ،وال تعرف اال في الشهداء الذين استشهدوا معه ،وكتب لك ثواب كل نبي ورسول وزيارة
من زار الحسين بن علي منذ يوم قتل» .كامل الزيارات ،ص .328وما ذكر في كامل الزيارات مما
ال يمكن قبوله ،إذ ال يعقل -كما قال التستري « -أن يكون غير النبي في درجة النبي ولو أدنى النبيين
فكيف جميعه!» انظر :األخبار الدخيلة ،ج ،1ص .255
يقصد في شرح زيارة عاشوراء حسبما ع ّبر الشيخ الطوسي في مستهل نقله للزيارة ،قال« :شرح زيارة (( (
أبي عبد الله في يوم عاشوراء من قرب أو بعد» .مصباح المتهجد ،ص .772
قاموس الرجال ،ج ،5ص .466 (((
ورد في الزيارة بحسب سند كامل الزيارات ،ص .325 (((
قاموس الرجال ،ج ،9ص .616 (((
األخبار الدخيلة ،ج ،1ص .253 (((
501 المالحق
وربما أضاف بعضهم قرينة أخرى تؤيد ما تقدم ،وهي ّ
أن الفقرة المذكورة قد تضمنت
توجيه اللعن من قبل اإلمام الصادق إلى أبي بكر (وهو المقصود باألول في فقرة اللعن
أن أبا بكر هو أحد أجداد اإلمام الصادق ألمه ،كما أسلفنا في الملحق المذكورة) مع ّ
(رقم )7فال يظ ّن به أن يلعنه لهذا االعتبار ،إذ ال يليق باإلنسان أن يلعن أحد العمودين
وإن عال كالجد والجدة ،ألب كانا أو ألم ،إال إذا فرض أنه مات على الشرك ،لقوله تعالى:
﴿ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ
ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﴾((( ،على أنه حتى لو مات على الشرك فهو منهي عن االستغفار له،
ولكنه ليس مأمور ًا بالدعاء عليه ،فتأمل.
تأويل األسماء التي طالها اللعن
فسر األسماء األربعة الذينهذا وتجدر اإلشارة إلى أنه نُقل عن الشيخ الطوسي أنه ّ
تناولهم اللعن تفسير ًا مغاير ًا لما هو المعروف ،فقد حكى السيد نعمة الله الجزائري
(1112هـ) والسيد مهدي بحر العلوم (1212هـ)« :أنه وشي بالشيخ إلى الخليفة العباسي أنه
وأصحابه يسبون الصحابة ،وكتابه المصباح يشهد بذلك ،فإنه ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء:
«اللهم خص أول ظالم باللعن مني ،وابد ْأ به أوالً ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ،اللهم العن
يزيد خامس ًا» ،فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب ،فلما حضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه
الله تعالى أن قال :ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنته السعاة ،بل المراد باألول :قابيل ،قاتل
هابيل ،وهو أول من س ّن القتل والظلم .وبالثاني :قيدار ،عاقر ناقة صالح ،وبالثالث :قاتل
يحيى بن زكريا قتله ألجل بغي من بغايا بني إسرائيل ،وبالرابع :عبد الرحمان بن ملجم
قاتل علي بن أبي طالب ،فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ورفع شأنه،
وانتقم من الساعي وأهانه»(((.
أقول :باإلضافة إلى أننا لم نعثر على سند متصل يوثق صحة هذه القصة واتصالها
بالشيخ فعالًّ ،
فإن هذا النحو من التأويل ال يالئم السياق كما ال يخفى ،وناقل هذا التأويل فيما
يبدو مقر بذلك ،وإنما يعتبر ذلك من فطنة الشيخ وبداهته في التخلص من األسئلة العويصة.
--1القرآن الكريم.
--2آغا بزرك ،الشيخ محمد محسن الطهراني ،الذريعة إلى تصانيف الشيعة ،دار األضواء ،بيروت،
الطبعة الثالثة1403 ،هـ1983 /م.
--3آل راضي ،الشيخ حسين ( معاصر) ،زيارة عاشوراء في الميزان ،دار المحجة البيضاء ،الطبعة
األولى1429 ،هـ2008 /م.
--4اآللوسي ،محمود بن عبد الله الحسيني (ت1270 :هـ) ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني المعروف بـ تفسير اآللوسي.
--5اآلملي ،السيد حيدر ،جامع األسرار ومنبع األنوار ،مع مقدمتي هنرى كربان وعثمان إسماعيل
يحيى ،الطبعة الثانية1368 ،هـ .ش .الناشر :شركت انتشارات علمى وفرهنگى وابسته به وزارت
فرهنگ و آموزش عالى وانجمن ايرانشناسى فرانسه.
--6اآلملي ،الشيخ محمد تقي (ت1391 :هـ) ،مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى ،مطبعة الفردوسي،
الطبعة األولى ،إيران1377 ،هـ.
--7ابن أبي الحديد المعتزلي (ت656 :هـ ) ،شرح نهج البالغة ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم،
المؤسسة الجامعية للدراسات اإلسالمية.
--8ابن أبي شيبة ،إبراهيم بن عثمان الكوفي العبسي (ت235 :هـ) ،المصنف ،تعليق وتحقيق :سعيد
اللحام ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى1989 ،م.
--9ابن األثير ،المبارك بن محمد المعروف بـ «ابن األثير» (ت606 :هـ) ،النهاية في غريب الحديث
واألثر ،إسماعيليان -باألوفست عن طبعة بيروت ،قم ،إيران ،الطبعة العاشرة1364 ،هـ.
--10ابن األثير( ،بن أبي الكرم) ،محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد المعروف بالشيباني
(ت360 :هـ) ،الكامل في التاريخ ،دار صادر للطباعة والنشر -بيروت1386 ،هـ1966 /م.
--11ابن أنس ،مالك (ت179 :هـ) ،الموطأ ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت -لبنان1406 ،هـ.
--12ابن تيم ّية ،الفتاوى الكبرى ،تحقيق وتعليق وتقديم :محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر
عطا ،دار الكتب العلم ّية ،بيروت ،الطبعة األولى1408 ،هـ1987 /م.
--13ابن حبان ،محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي (المتوفى سنة 354هـ965 /م)،
الثقات ،طبع بإعانة وزارة الحكومة العالية الهندية ،تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 510
مدير دائرة المعارف العثمانية ،الطبعة األولى ،بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد
الدكن الهند1393 ،هـ1973 /م.
--14ابن حبان ،نفسه ،صحيح ابن حبان ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الثانية،
1993م.
--15ابن حجر ،أحمد بن علي (ت852 :هـ) ،لسان الميزان ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت-
لبنان ،الطبعة الثانية1390 ،هـ1971 /م.
--16ابن حنبل ،اإلمام أحمد( ،ت241 :هـ) ،مسند أحمد ،دار صادر ،بيروت.
--17ابن حزم ،علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي الظاهري (ت456 :هـ) ،المحلى ،طبعة
مصححة قوبلت على النسخة التي حققها األستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر ،بيروت ،دار الفكر.
--18ابن حزم ،نفسه ،اإلحكام في أصول األحكام ،قوبلت على نسخة أشرف على طبعها األستاذ العالمة
أحمد شاكر رحمه الله ،الناشر :زكريا علي يوسف ،مطبعة العاصمة بالقاهرة.
--19ابن الخشاب ،محمد عبد الله ابن النصر البغدادي (ت567 :هـ) ،تاريخ األئمة ووفياتهم ،مكتبة
آية الله المرعشي النجفي ،قم -إيران1406 ،هـ.
--20ابن سعد ،محمد بن سعد( ،ت230 :هـ) ،الطبقات الكبرى ،دار صادر -بيروت.
--21ابن شهر آشوب ،محمد بن علي المازندراني (ت588 :هـ) ،مناقب آل أبي طالب ،تحقيق :السيد
هاشم الرسولي المحالتي ،انتشارات عالمة ،قم -إيران.
--22ابن شهر آشوب ،نفسه ،معالم العلماء ،قم ،ال.ت.
--23ابن شهر آشوب ،نفسه ،متشابه القرآن ومختلفه ،طبع :إيران1328 ،هـ .ش.
--24ابن طاوس ،علي بن موسى بن جعفر (ت664 :هـ) ،إقبال األعمال ،تحقيق :جواد القيومي ،مكتب
اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى1414 ،هـ.
--25ابن طاوس ،نفسه ،الملهوف على قتلى الطفوف ،تحقيق :الشيخ فارس تبريزيان ،دار األسوة للطباعة
والنشر ،الطبعة األولى1414 ،هـ .ق.
--26ابن عبد البر ،يوسف بن عبد الله النمري ( 463هـ) ،االستيعاب في معرفة األصحاب ،تحقيق :علي
محمد البجاوي ،دار الجيل ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1412 ،هـ.
--27ابن عبد البر ،نفسه ،التمهيد ،مصطفى بن أحمد العلوي -محمد عبد الكبير البكري ،وزارة عموم
األوقاف والشؤون اإلسالمية1387 ،هـ.
--28ابن عربي (ت638 :هـ ) الفتوحات المكية ،تحقيق وتقديم :د .عثمان يحيى ،تصدير ومراجعة:
د .إبراهيم مدكور ،المجلس األعلى لرعاية الفنون واآلداب والعلوم االجتماعية ،مصر ،القاهرة،
1978م.
--29ابن عساكر ،علي بن الحسن بن هبة الله (ت571 :هـ) ،تاريخ مدينة دمشق ،تحقيق :علي شيري ،دار
الفكر -بيروت1995 ،م.
--30ابن عنبة ،السيد أحمد بن علي الحسيني المعروف بـ ابن عنبة (ت828 :هـ) ،عمدة الطالب في
أنساب آل أبي طالب.
511 فهرس المصادر والمراجع
--31ابن فارس ،أحمد بن فارس (ت395 :هـ) ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون،
مكتب اإلعالم اإلسالمي ،قم -إيران1404 ،هـ.
--32ابن قدامة ،عبد الله بن أحمد المقدسي (ت620 :هـ) ،المغني ،دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع،
بيروت -لبنان.
--33ابن قولويه القمي ،جعفر بن محمد (ت368 :هـ) ،كامل الزيارات ،تحقيق :الشيخ جواد القيومي،
مؤسسة نشر الفقاهة ،قم -إيران ،الطبعة األولى1417 ،هـ.
--34ابن كثير ،إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774 :هـ) ،البداية والنهاية ،تحقيق :علي شيري ،دار إحياء
التراث العربي -بيروت ،الطبعة األولى1988 ،م.
--35ابن كثير ،نفسه ،تفسير القرآن العظيم المعروف بـ تفسير ابن كثير ،تقديم :يوسف عبد العظيم
المرعشلي ،دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان1412 ،هـ.
--36ابن ماجة ،محمد بن يزيد القزويني (ت275 :هـ) ،سنن ابن ماجة ،تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي،
دار الفكر ،بيروت.
--37ابن منظور ،محمد بن مكرم اإلفريقي المصري (ت711 :هـ) ،لسان العرب ،نشر أدب الحوزة،
قم -إيران1405 ،هـ.
--38ابن هشام ،محمد بن إسحاق(ت151 :هـ) السيرة النبوية ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد،
مكتبة محمد علي صبيح وأوالده ،مصر1383 ،هـ.
--39أبو داود ،سليمان بن األشعث السجستاني (ت275 :هـ) ،سنن أبي داود ،تحقيق :سعيد محمد
اللحام ،دار الفكر1410 ،هـ 1990/م.
--40أبو الفداء ،عماد الدين إسماعيل (ت732 :هـ) ،المختصر في أخبار البشر المعروف بـ تاريخ أبي
الفداء ،دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان.
--41األردبيلي ،محمد علي األردبيلي (ت1101 :هـ) ،جامع الرواة ،مكتبة آية الله العظمى المرعشي
النجفي -قم -إيران 1403هـ.
--42األردبيلي ،أحمد بن محمد المعروف بالمحقق األردبيلي (ت993 :هـ) ،مجمع الفائدة والبرهان في
شرح إرشاد األذهان ،تحقيق :عدة من العلماء ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين،
قم ،الطبعة األولى1416 1402- ،هـ.
األردبيلي ،نفسه ،زبدة البيان في أحكام القرآن ،تحقيق :محمد باقر البهبودي ،المكتبة المرتضوية
ّ --43
إلحياء اآلثار الجعفرية ،ال.ط ،ال.ت ،طهران ـ إيران.
--44األصفهاني ،الحسين بن محمد المعروف بالراغب األصفهاني (ت425 :هـ) ،مفردات ألفاظ القرآن
الكريم ،تحقيق :صفوان عدنان داوودي ،الطبعة :الثانية1427 ،هـ ،طليعة النور.
--45األصفهاني ،الشيخ محمد حسين (ت1361 :هـ .ق) ،بحوث في الفقه /صالة الجماعة ،مؤسسة
النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1409 ،هـ.
--46األصفهاني ،نفسه ،بحوث في األصول (رسالة االجتهاد والتقليد) ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة الثانية1409 ،هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 512
--47األصفهاني ،السيد أبو الحسن الموسوي (ت1365 :هـ) ،وسيلة النجاة (مع تعليقة السيد
الكلبيكاني) ،طبع بإشراف السيد أحمد الحسيني ،الطبعة األولى ،قم -إيران1393 ،هـ.
--48األصفهاني ،نفسه ،وسيلة النجاة (مع تعليقة اإلمام الخميني) ،تنظيم ونشر :آثار اإلمام الخميني،
الطبعة األولى1412 ،هـ.
--49األنصاري ،الشيخ مرتضى بن محمد أمين الدزفولي (ت1281 :هـ) ،القضاء والشهادات ،لجنة
تحقيق تراث الشيخ األعظم ،قم ـ إيران ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
--50األنصاري ،نفسه ،المكاسب المحرمة ،لجنة تحقيق تراث الشيخ ،الطبعة األولى ،قم -إيران،
1415هـ.
--51األنصاري ،نفسه ،موسوعة الشيخ األنصاري (كتاب الطهارة /الخمس ،ضمن موسوعة تراث
الشيخ األعظم) ،إعداد :لجنة تحقيق تراث الشيخ ،نشر :مجمع الفكر اإلسالمي ،الطبعة الثانية،
قم -إيران1424 ،هـ.
--52األنصاري ،نفسه ،كتاب المكاسب ،مجمع الفكر اإلسالمي ،إعداد :لجنة تحقيق تراث الشيخ
األعظم ،ال .ط ،قم -إيران1420 ،هـ.
--53األنصاري ،نفسه (1281 1214-هـ) ،فرائد األصول ،إعداد :لجنة منبثقة عن مؤتمر الشيخ
األنصاري ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
--54األنصاري ،الشيخ محمد رضا ،التكفير في ضوء الفقه الشيعي ،تقرير ًا ألبحاث المرجع الديني
الشيخ الوحيد الخراساني ،دار الغري للطباعة ،الطبعة األولى1438 ،هـ.2017 /
--55األبطحي ،السيد محمد علي (معاصر) ،تاريخ آل زرارة ،قم -إيران1399 ،هـ.
--56األحسائي ،ابن أبي جمهور( ،توفي حدود سنة880هـ ) ،عوالي الآللي العزيزية في األحاديث
الدينية ،تحقيق :الشيخ مجتبى العراقي ،مكتبة آية الله المرعشي ،الطبعة األولى ،قم -إيران،
1403هـ 1983 -م.
--57األحمدي ،الشيخ علي الميانجي ( 2000م) ،مكاتيب النبي ،دار الحديث ،الطبعة األولى ،قم-
إيران1998 ،م.
--58األربلي ،علي بن أبي الفتح (ت693 :هـ) ،كشف الغمة في معرفة األئمة ،دار األضواء ،بيروت -
لبنان.
--59األسترابادي ،محمد أمين (ت1023 :هـ) ،الفوائد المدنية والشواهد المكية ،تحقيق :الشيخ رحمة
الله الرحمتي اآلراكي ،مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى1424 ،هـ.
--60اإلسكافي ،أبو جعفر محمد بن عبد الله (ت220 :هـ) ،المعيار والموازنة ،تحقيق :الشيخ محمد
باقر المحمودي ،الطبعة األولى1402 ،هـ.
ورام بن أبي فراس (ت605 :هـ) ،تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ،دار الكتب اإلسالمية، --61األشتريّ ،
طهران -إيران ،الطبعة الثانية1368 ،هـ .ش.
--62االشتهاردي ،الشيخ علي بناه (ت1429 :هـ) ،مدارك العروة ،دار األسوة للطباعة والنشر ،الطبعة
األولى ،قم -إيران1417 ،هـ.
513 فهرس المصادر والمراجع
--63األشعري ،اإلمام أبي الحسن علي بن اسماعيل (ت324 :هـ) ،مقاالت اإلسالميين واختالف
المصلين ،تصحيح :هلموت ريتر ،دار النشر فرانز شتاينر بفيسبادن ،الطبعة الثانية1382 ،هـ/
1963م.
--64األلباني ،محمد ناصر الدين (ت1999 :م) ،إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ،إشراف:
زهير الشاويش ،المكتب اإلسالمي ،الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان1985 ،م.
--65األندلسي ،محمد بن يوسف بن علي الشهير بأبي حيان األندلسي (ت745 :هـ) ،تفسير البحر
المحيط ،تحقيق :الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض ،دار الكتب
العلمية ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان2001 ،م.
--66األهوازي ،الحسين بن سعيد (القرن الثالث) ،كتاب المؤمن ،مؤسسة اإلمام المهدي ،الطبعة
األولى ،قم -إيران1404 ،هـ.
--67اإليجي ،عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد ،المواقف ،تحقيق :عبد الرحمن عميرة ،دار الجيل،
بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1997 ،م.
--68اإليرواني ،الحاج ميرزا علي الغروي (ت1354 :هـ) ،المكاسب المحرمة ،الطبعة الثانية ،طبع في
طهران بمطبعة رشدية باألفست1379 ،هـ.
--69اإليرواني ،نفسه ،حاشية كتاب المكاسب ،الطبعة الثانية (حجرية) ،طهران1379 ،هـ.
--70البجنوردي ،السيد محمد حسن( 1396هـ) ،القواعد الفقهية ،تحقيق :محمد حسن الدرايتي -
مهدي المهريزي ،نشر الهادي ،الطبعة األولى1419 ،هـ.
--71بحر العلوم ،السيد جعفر آل بحر العلوم (1298 - 1281هـ) ،تحفة العالم في شرح خطبة المعالم،
مكتبة الصادق -طهران ،الطبعة الثانية1401 ،هـ.
--72بحر العلوم ،السيد عز الدين (ت1411 :هـ) ،بحوث فقهية( ،تقرير ًا لدروس الشيخ حسين الحلي)،
دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1373 ،هـ.
--73بحر العلوم ،السيد محمد بحر العلوم (ت1326 :هـ) ،بلغة الفقيه ،تحقيق :السيد محمد تقي آل بحر
العلوم ،منشورات مكتبة الصادق -طهران ،الطبعة الرابعة 1362 ،ش1403 /هـ1984/م.
--74البحراني ،الشيخ حسين آل عصفور (ت1216 :هـ) ،األنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع،
تحقيق :محسن آل عصفور ،قم -إيران.
--75البحراني ،نفسه ،عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة ،مؤسسة النشر اإلسالمي التبعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى1410 ،هـ.
--76البحراني ،الشيخ يوسف( 1186هـ) ،الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ،مؤسسة النشر
اإلسالمي ،قم -إيران ،ال.ت.
--77البحراني ،نفسه ،الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية ،تحقيق ونشر :شركة المصطفى (ص)
إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،بيروت2002 ،م.
--78البحراني ،نفسه ،الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،الطبعة
األولى ،قم -إيران1419 ،هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 514
--79البخاري ،محمد بن إسماعيل (ت256 :هـ) ،صحيح البخاري ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة الثامنة،
1981م.
--80البخاري ،نفسه ،التاريخ الصغير ،تحقيق ،محمد إبراهيم زايد ،دار المعرفة ،الطبعة األولى ،بيروت-
لبنان1406 ،هـ.
--81البرقي ،أحمد بن محمد بن خالد (ت274 :هـ) ،المحاسن ،تحقيق :السيد جالل الدين الحسيني،
دار الكتب اإلسالمية -إيران.
--82البروجردي ،السيد حسين الطبطبائي (ت1383 :هـ) ،جامع أحاديث الشيعة ،المطبعة العلمية ،قم-
إيران1399 ،هـ.
--83البروجردي ،السيد علي (ت1313 :هـ) ،طرائف المقال ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مكتبة آية
الله المرعشي النجفي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1410 ،هـ.
--84البروجردي ،الشيخ مرتضى ،شرح العروة الوثقى( ،موسوعة السيد الخوئي) ،مؤسسة إحياء آثار
اإلمام الخوئي ،الطبعة الثانية2005 ،م.
--85البغدادي ،أحمد بن علي الخطيب (ت463 :هـ) ،تاريخ بغداد أو مدينة السالم ،تحقيق :مصطفى
عبد القادر عطا ،دار الكتب العلمية -بيروت ،الطبعة األولى1997 ،م.
--86البغدادي ،عبد القاهر بن طاهر (ت429 :هـ) ،الفرق بين الفرق ،اعتنى به وع ّلق عليه :الشيخ إبراهيم
رمضان ،دار المعرفة للطباعة والنشر ،الطبعة األولى ،بيروت لبنان1994 ،م.
--87البكري الدمياطي ،أبو بكر ابن السيد محمد شطا المعروف بـ السيد البكري (ت1310 :هـ) ،إعانة
الطالبين ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1997 ،م.
--88البالذري ،أحمد بن يحيي بن جابر (ت279 :هـ) ،أنساب األشراف ،تحقيق :الشيخ محمد باقر
المحمودي ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1394 ،هـ1974 /م.
--89البالغي ،الشيخ محمد جواد (ت1352 :هـ) ،آالء الرحمن في تفسير القرآن ،مطبعة العرفان ،صيدا-
لبنان1933 ،م.
--90البهائي ،محمد بن الحسين بن عبد الصمد ( 1301هـ) ،مشرق الشمسين وإكسير السعادتين( ،ت:
1031هـ) ،منشورات مكتبة بصيرتي ،قم ،طبعة حجرية.
--91البهائي ،نفسه ،الحبل المتين ،منشورات مكتبة بصيرتي ،قم -إيران.
--92البهبهاني ،محمد باقر (ت1205 :هـ) ،الحاشية على مدارك األحكام ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل
البيت إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،قم -إيران1420 ،هـ.
--93البهبهاني ،نفسه ،تعليقة على منهاج المقال.
--94البهبهاني ،نفسه ،مصابيح الظالم ،مؤسسة العالمة المجدد الوحيد البهبهاني ،الطبعة األولى ،قم-
إيران1424 ،هـ.
--95البهسودي ،السيد محمد سرور الحسيني ،مصباح األصول ،تقرير ًا لبحث السيد الخوئي في
األصول ،مكتبة الداوري ،قم -إيران ،ط1417 ،5هـ.
515 فهرس المصادر والمراجع
--96البهوتي ،منصور بن يونس (ت1051 :هـ) ،كشف القناع ،دار الكتب العلم ّية ،بيروت -لبنان ،ط،1
1418هـ 1997م.
--97البيهقي ،أحمد بن الحسين بن علي (ت458 :هـ) ،السنن الكبرى ،دار الفكر -بيروت.
--98التبريزي ،جواد (ت1427 :هـ) ،إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب ،مؤسسة إسماعيليان،
الطبعة الثاينة ،قم -إيران1411 ،هـ.
--99التبريزي ،نفسه ،التهذيب في مناسك العمرة والحج ،دار التفسير ،الطبعة األولى ،قم -إيران،
1423هـ.
--100التبريزي ،نفسه ،تنقيح مباني العروة (كتاب االجتهاد والتقليد الطهارة ) ،دار الصديقة الشهيدة،
الطبعة الثانية ،قم -إيران1429 ،هـ.
--101التبريزي ،نفسه ،أسس القضاء والشهادة ،الطبعة األولى ،قم -إيران1415 ،هـ.
--102التبريزي ،محمد بن عبد الله (ت741 :هـ) ،اإلكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ،الناشر:
مؤسسة آل البيت ،قم -إيران.
--103الترمذي ،محمد بن عيسى (ت279 :هـ) ،الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذي ،تحقيق :عبد
الوهاب عبد اللطيف ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة الثانية1403 ،هـ.
--104التستري ،الشيخ محمد تقي ( 1415هـ) ،قاموس الرجال ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،الطبعة الرابعة،
قم ـ إيران 1430 ،هـ.
--105التستري ،نفسه ،األخبار الدخيلة ،مكتبة الصدوق ،طهران ،الطبعة الثانية1401 ،هـ .ق.
--106التوحيدي ،محمد علي التبريزي ،مصباح الفقاهة ،تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي رحمه الله،
إسماعيليان ،قم1996 -م1417 /هـ.
--107الثعلبي427( ،هـ) ،الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) ،تحقيق :محمد بن عاشور،
دار إحياء التراث العربي ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان2002 ،م.
--108الثقفي ،إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هالل (ت283 :هـ) ،الغارات ،تحقيق :السيد جالل الدين
المحدث ،إيران.
--109الجزائري ،السيد نعمة الله (ت1112 :هـ) ،األنوار النعمانية ،مطبعة شركة جاب ،تبريز -إيران.
--110الجبعي ،الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الجبعي1103 -1014 ( ،هـ) الدر المنثور
من المأثور وغير المأثور ،تحقيق :السيد أحمد الحسيني ،مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي،
الطبعة األولى ،قم -إيران 1398هـ .
--111الجرجاني ،ابن عدي( ،ت365 :هـ) ،الكامل ،تحقيق :يحيى مختار غزاوي ،دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع ،الطبعة الثالثة ،بيروت -لبنان1998 ،م.
--112الجزائري ،نفسه ،كشف األسرار في شرح االستبصار ،تحقيق :السيد طيب الموسوي الجزائري،
مؤسسة دار الكتاب ،الطبعة األولى ،قم -إيران1413 ،هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 516
--113الجزيني ،محمد بن مكي الجزيني المعروف بـ الشهيد األول (ت786 :هـ) ،الدروس الشرعية في
فقه اإلمامية ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1414 ،هـ.
--114الجزيني ،نفسه ،الدروس الشرعية في فقه اإلمامية ،طبعة مؤسسة النشر التابعة للحضرة الرضوية.
--115الجزيني ،نفسه ،ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل البيت إلحياء
التراث،الطبعة األولى ،قم -إيران1419 ،هـ.
--116الجزيني ،نفسه ،البيان ،مجمع الذخائر اإلسالمية ،قم -إيران (طبعة حجرية).
--117الجصاص ،أحمد ابن علي الرازي (ت370 :هـ) ،أحكام القرآن ،تحقيق :عبد السالم محمد علي
شاهين ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1994 ،م.
--118الجواد الكاظمي ،محمد الجواد (القرن ،)11مسالك األفهام إلى آيات األحكام ،تحقيق :الشيخ
محمد باقر شريف زاده ،المكتبة المرتضوية إلحياء اآلثار الجعفرية ،قم -إيران.
--119الجوهري ،إسماعيل بن حماد ( 393هـ) ،الصحاح ،تاج اللغة وصحاح العربية ،دار العلم للماليين،
تحقيق :أحمد عبد الغفور عطار ،الطبعة الرابعة ،بيروت -لبنان1376 ،هـ1956 /م.
--120الحائري ،السيد كاظم ( معاصر ) ،القضاء في الفقه اإلسالمي ،مجمع الفكر اإلسالمي ،قم ـ إيران،
الطبعة األولى1415 ،هـ.
--121الحائري ،نفسه ،الفتاوى المنتخبة ،دار البشير ،الطبعة األولى ،قم1430 ،هـ.
--122الحائري ،نفسه ،مباحث األصول ،تقرير ًا لدروس السيد الشهيد محمد باقر الصدر ،إيران ،الطبعة
األولى1407 ،هـ.
--123الحائري ،الشيخ مرتضى (ت1406 :هـ) ،الخمس ،تحقيق :الشيخ محمد حسين أمر اللهي ،مؤسسة
النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1418 ،هـ.
--124الحائري ،نفسه ،شرح العروة الوثقى ،تحقيق :الشيخ محمد حسين أمر اللهي ،مؤسسة النشر
اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1425 ،هـ.
--125الحائري ،الشيخ محمد حسين الحائري المعروف بصاحب الفصول ( ت 1250هـ) ،الفصول
الغروية في األصول الفقهية.
--126الحائري ،محمد بن إسماعيل المازندراني (1216هـ) ،منتهى المقال في أحوال الرجال ،مؤسسة آل
البيت إلحياء التراث1416 ،هـ.
--127الحر العاملي ،الشيخ محمد بن الحسن (1104هـ) ،تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل
الشريعة المعروف اختصار ًا بـ «وسائل الشيعة» ،مؤسسة آل البيت إلحياء التراث -قم ،الطبعة
الثانية1414 ،هـ.
--128الحر العاملي ،نفسه ،الجواهر السنية في األحاديث القدسية ،مطبعة النعمان -النجف األشرف.
--129الحر العاملي ،نفسه ،أمل اآلمل في علماء جبل عامل ،تحقيق :السيد أحمد الحسيني ،مطبعة
اآلداب ،النجف األشرف ،الطبعة األولى.
517 فهرس المصادر والمراجع
--130الحر العاملي ،نفسه ،الفوائد الطوسية ،تعليق وتصحيح :السيد مهدي الالزوردي والشيخ محمد
درودي ،المطبعة العلمية ،قم -إيران1403 ،هـ.
--131الحراني ،الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ( القرن الرابع) ،تحف العقول عن آل الرسول (ص)،
تحقيق ،علي أكبرالغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،قم -إيران ،الطبعة
الثانية1404 ،هـ.
--132الحسكاني ،الحافظ عبيد الله بن أحمد (القرن الخامس الهجري) ،شواهد التنزيل لقواعد التفضيل،
تحقيق :الشيخ محمد باقر المحمودي ،مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة واإلرشاد
اإلسالمي ،الطبعة األولى ،طهران -إيران1411 ،هـ1990 /م.
--133الحسيني العاملي ،محمد جواد ،مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة ،مؤسسة النشر اإلسالمي
التابعة لجماعة المدرسين ،تحقيق :الشيخ محمد باقر الخالصي ،الطبعة األولى ،قم -إيران،
1419هـ.
--134الحكيم ،السيد عبد الهادي بن السيد محمد تقي (معاصر) ،الفقه للمغتربين (وفق فتاوى سماحة
السيد السيستاني).
--135الحكيم ،السيد محسن (ت1390 :هـ) ،مستمسك العروة الوثقى ،مكتبة المرعشي ،قم1404 ،هـ.
--136الحكيم ،نفسه ،نهج الفقاهة ،انتشارات بيستو دو بهمن ،قم.
--137الحكيم ،نفسه ،منهاج الصالحين ،دار التعارف للمطبوعات ،بيروت -لبنان1410 ،هـ.
--138الحكيم ،السيد محمد تقي (ت1423 :هـ) ،األصول العامة للفقه المقارن ،مؤسسة آل البيت للطباعة
والنشر ،الطبعة الثانية1979 ،م.
--139الحكيم ،السيد محمد سعيد( معاصر) ،مصباح المنهاج /التقليد ،مؤسسة المنار للطباعة والنشر،
الطبعة األولى ،قم -إيران1415 ،هـ.
--140الحلي ،ابن داود (ت740 :هـ) ،رجال ابن داود ،تحقيق :السيد محمد صادق بحر العلوم ،منشورات
المطبعة الحيدرية ،النجف األشرف1972 ،م.
--141الحلي ،أحمد بن فهد (ت841 :هـ) ،عدة الداعي ونجاح الساعي ،تحقيق :أحمد الموحدي القمي،
مكتبة وجداني ،قم -إيران.
--142الحلي ،جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق (ت676 :هـ) ،شرائع اإلسالم ،تعليق :السيد صادق
الشيرازي ،الناشر :استقالل ،طهران ،الطبعة الثانية1409 ،هـ.
--143الحلي ،نفسه ،الرسائل التسع ،تحقيق :رضا األستاذي ،الطبعة األولى ،مكتبة آية الله المرعشي
النجفين قم -إيران1413 ،هـ.
--144الحلي ،نفسه ،المعتبر ،تحقيق :جمع من األفاضل بإشراف آية الله السيد ناصر مكارم الشيرازي،
مؤسسة سيد الشهداء ،قم -إيران ،ال.ت.
--145الحلي ،الشيخ حسن بن سليمان (من أوائل علماء القرن التاسع الهجري) ،مختصر بصائر الدرجات،
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 518
1950 -م الناشر :منشورات المطبعة الحيدرية -النجف األشرف ،انتشارات الرسول المصطفى
(ص) -قم ،الطبعة األولى ،سنة الطبع 1370 :هـ.
--146الحلي ،الشيخ حسين (ت1394 :هـ) ،دليل العروة الوثقى ،تقرير :حسن سعيد ،مطبعة النجف،
1379هـ.
--147الحلي ،الحسن بن يوسف بن المطهر األسدي المعروف بالعالمة الحلي (726 -648هـ) ،تحرير
األحكام ،تحقيق :الشيخ إبراهيم البهادري ،مؤسسة اإلمام الصادق ،قم -إيران ،الطبعة األولى،
1422هـ.
--148الحلي ،نفسه ،منهاج الصالح ،تحقيق :السيد عبد الحميد الميردامادي ،منشورات :العالمة
المجلسي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1430 ،هـ.
--149الحلي ،نفسه ،نهاية اإلحكام في معرفة األحكام ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مؤسسة إسماعيليان
للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1410 ،هـ.
--150الحلي ،نفسه ،خالصة األقوال في معرفة الرجال ،تحقيق :الشيخ جواد القيومي ،مؤسسة نشر
الفقاهة ،الطبعة األولى1417 ،هـ.
--151الحلي ،نفسه ،تذكرة الفقهاء ،طبعة حجرية.
--152الحلي ،نفسه ،مختلف الشيعة ،مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم إيران،
1412هـ.
--153الحلي ،نفسه ،منتهى المطلب ،تحقيق :قسم الفقه في مجمع البحوث اإلسالمية ،الناشر :مؤسسة
الطبع والنشر في األستانة الرضوية المقدسة ،الطبعة األولى1412 ،هـ.
--154الحلي ،نفسه ،قواعد األحكام ،تحقيق :مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم ،الطبعة األولى1413 ،هـ.
--155الحلي ،نفسه ،أجوبة المسائل المهنائية ،مطبعة الخيام ،قم -إيران1401 ،هـ.
--156الحلي ،محمد بن أحمد بن إدريس العجلي (ت598 :هـ) ،مستطرفات السرائر ،مؤسسة النشر
اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1411 ،هـ .الحلي ،نفسه ،السرائر،
مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1410 ،هـ.
--157الحلي ،محمد بن جعفر بن أبي البقاء بن نما (ت645 :هـ) ،مثير األحزان ،المطبعة الحيدرية،
النجف األشرف.
--158الحلي ،يحيى بن سعيد الحلي (ت689 :هـ) ،الجامع للشرائع ،تحقيق :تحقيق وتخريج :جمع من
الفضالء ،إشراف :الشيخ جعفر السبحاني ،الناشر :مؤسسة سيد الشهداء -العلمية ،قم1405 ،هـ.
--159الحلبي ،السيد حمزة بن علي بن زهرة (ت585 :هـ) ،غنية النزوع إلى علمي األصول والفروع،
تحقيق :الشيخ إبراهيم البهادري ،مؤسسة اإلمام الصادق ،قم -إيران ،الطبعة األولى1417 ،هـ.
--160الحلبي ،علي بن إبراهيم (ت1044 :هـ) ،إنسان العيون في سيرة النبي المأمون المعروف بـ السيرة
الحلبية ،دار المعرفة ،بيروت -لبان1400 ،هـ.
519 فهرس المصادر والمراجع
--161الحميري ،عبد الله بن جعفر (القرن الثالث الهجري) قرب اإلسناد ،تحقيق :مؤسسة آل البيت
(عليهم السالم) إلحياء التراث ،الطبعة األولى قم ـ إيران 1413هــ.
--162الخاجوئي ،محمد إسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني (ت1173 :هـ) ،الرسائل
الفقهية ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،دار الكتاب اإلسالمي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1411 ،هـ.
--163الخراساني ،محمد واعظ زاده ،نداء الوحدة والتقريب بين المسلمين ،رابطة الثقافة والعالقات
اإلسالمية ،إيران ،الطبعة األولى1418 ،هـ.
--164الخشن ،حسين أحمد ،هل الجنة للمسلمين وحدهم؟ المركز اإلسالمي الثقافي -مجمع اإلمامين
الحسنين ،بيروت ،الطبعة األولى2004 ،م.
--165الخشن ،نفسه ،العقل التكفيري قراءة في المنهج اإلقصائي ،المركز الثقافي اإلسالمي ،بيروت-
لبنان ،الطبعة األولى2014 ،م.
--166الخشن ،نفسه ،الحسين مصلح ًا وثائر ًا ،منارات ،الطبعة األولى2017 ،م1438 /هـ.
--167الخشن ،نفسه ،المرأة في النص الديني -قراءة نقدية في روايات ذم المرأة ،االنتشار العربي ،الطبعة
األولى ،بيروت -لبنان2017 ،م.
--168الخشن ،نفسه ،فقه السالمة الصحية -التدخين نموذج ًا -دار التآخي للطباعة والنشر والتوزيع،
الطبعة الثانية1430 ،هـ2009 /م.
--169الخشن ،نفسه ،اإلسالم والبيئة -خطوات نحو فقه بيئي ،منارات ،الطبعة الثالثة2017 ،م1438 /هـ.
--170الخشن ،نفسه ،أصول االجتهاد الكالمي ،المركز اإلسالمي الثقافي ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى،
.2015
--171الخشن ،نفسه ،الشريعة تواكب الحياة ،دار الهادي ،بيروت ،الطبعة األولى2004 ،م.
--172الخشن ،نفسه ،الفقه الجنائي في اإلسالم الردة نموذج ًا ،االنتشار العربي ،الطبعة األولى بيروت -
لبنان2015 ،م.
--173الخشن ،نفسه ،تنزيه زوجات األنبياء عن الفاحشة ،منارات ،الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان 2018 ،م.
--174الخلخالي ،السيد رضا ،المعتمد في شرح المناسك ،تقرير ًا لبحوث الس ّيد الخوئي ،نشر لطفي،
الطبعة األولى ،قم ـ إيران 1409 ،هـ
--175الخلخالي ،السيد محمد مهدي الموسوي ،فقه الشيعة ،تقرير ًا لدروس السيد الخوئي ،مؤسسة
اآلفاق ،الطبعة الثالثة ،قم -إيران1999 ،م.
--176الخميني ،روح الله الموسوي ( 1989م) ،المكاسب المحرمة ،إسماعيليان ،قم -إيران ،الطبعة
الثانية1410 ،هـ.
--177الخميني ،نفسه ،كتاب الطهارة ،مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني ،إيران ،الطبعة األولى،
1421هـ.
--178الخميني ،نفسه ،األربعون حديث ًا ،دار التعارف للمطبوعات ،بيروت1991 -م.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 520
--179الخميني ،نفسه ،االجتهاد والتقليد ،مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني ،الطبعة األولى،
1418هـ.
--180الخميني ،نفسه ،الرسائل ،تحقيق :مجتبى الطهراني ،مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع،
قم -إيران1385 ،هـ.
--181الخميني ،نفسه ،الرسائل العشر ،مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--182الخميني ،نفسه ،كتاب الخلل في الصالة ،مطبعة مهر ،قم -إيران.
--183الخوارزمي ،الموفِق بن أحمد بن محمد المكي (ت568 :هـ) ،المناقب ،تحقيق :مالك المحمودي،
الطبعة الثانية ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،قم1411 ،هـ.
--184الخوئي ،السيد أبو القاسم الموسوي (ت1413 :هـ) ،صراط النجاة (استفتاءات) ،الطبعة األولى،
قم1416 ،هـ.
--185الخوئي ،نفسه ،أجود التقريرات (تقرير ًا لبحث المحقق النائيني) ،منشورات مصطفوي ،الطبعة
الثانية ،قم -إيران1368 ،هـ .ش.
--186الخوئي ،نفسه ،معجم رجال الحديث ،الطبعة الخامسة1413 ،هـ1992 /م.
--187الخوئي ،نفسه ،مباني منهاج الصالحين ،المطبعة العلمية ،قم المقدسة ،الطبعة الثانية1369 ،هـ.
--188الخوئي ،نفسه ،منهاج الصالحين ،نشر مدينة العلم ،الطبعة الثامنة والعشرون ،قم -إيران1410 ،هـ.
--189الخوئي ،نفسه ،منية السائل ،جمع :الشيخ موسى عاصي1991 ،م.
--190الخوئي ،الميرزا حبيب الله الهاشمي (ت1324 :هـ) ،منهاج البراعة في شرح نهج البالغة ،تحقيق:
السيد إبراهيم الميانجي ،بنياد فرهنكي اإلمام المهدي ،الطبعة الرابعة ،طهران.
--191الخوانساري ،السيد أحمد ( 1405هـ) ،جامع المدارك ،مكتبة الصدوق -طهران ،الطبعة الثانية،
1355هـ .ش.
--192الدارقطني ،الحافظ علي بن عمر (ت385 :هـ) ،سنن الدارقطني ،دار الكتب العلمية ،بيروت-
لبنان ،الطبعة األولى1996 ،م.
--193الدميري ،محمد بن موسى (ت808 :هـ) ،حياة الحيوان الكبرى ،دار الكتب العلمية ،بيروت،
الطبعة الثانية1424 ،هـ.
--194الدويش ،أحمد بن عبد الرزاق (معاصر) ،فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،دار
المؤيد ،الرياض -المملكة العربية السعودية.
--195الديلمي ،الحسن بن محمد (ت :ق ،)8إرشاد القلوب ،انتشارات الشريف الرضي ،قم -إيران،
1415هـ.
--196الذهبي ،محمد بن أحمد بن عثمان (ت748 :هـ) ،سير أعالم النبالء ،إشراف وتخريج :شعيب
األرنؤوط ،تحقيق :علي أبو زيد ،الطبعة التاسعة ،الناشر :مؤسسة الرسالة ،بيروت -لبنان،
1413هـ1993 /م.
521 فهرس المصادر والمراجع
--197الذهبي ،نفسه ،ميزان االعتدال ،تحقيق :علي محمد البجاوي ،دار المعرفة للطباعة والنشر،
بيروت -لبنان.
--198الذهبي ،نفسه ،تذكرة الحفاظ ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت -لبنان.
--199الرازي ،أحمد بن محمد مسكويه (ت421 :هـ) ،تجارب األمم ،تحقيق :الدكتور أبو القاسم إمامي،
دار سروش للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،طهران1422 ،هـ .ق.
--200الرازي ،محمد بن أبي بكر( ،ت721 :هـ) ،مختار الصحاح ،ضبط وتصحيح :أحمد شمس الدين،
الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية ،بيروت -لبنان1994 ،م.
--201الرازي ،محمد بن عمر المعروف بالفخر الرازي (ت 606 :هـ) ،التفسير الكبير ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ـ لبنان ،ط ،3ال.ت.
--202الراوندي ،سعيد بن هبة الدين (ت573 :هـ) ،الدعوات ،تحقيق ونشر :مدرسة اإلمام المهدي،
الطبعة األولى ،قم -إيران1407 ،هـ.
--203الروحاني ،السيد محمد صادق (معاصر) ،فقه الصادق ،مؤسسة دار الكتاب -قم ،الطبعة الثالثة،
قم1412 ،هـ.
--204الروحاني ،نفسه ،منهاج الفقاهة ،الطبعة الرابعة ،قم -إيران1418 ،هـ.
--205الروحاني ،نفسه ،منهاج الصالحين ،إيران.
--206الزبيدي ،محمد مرتضى الحسيني الواسطي ،تاج العروس من جواهر القاموس ،تحقيق :علي
شري ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--207الزمخشري ،محمود بن عمر (ت538 :هـ) ربيع األبرار ونصوص األخبار ،تحقيق :عبد األمير مهنا،
الناشر :مؤسسة األعلمي للمطبوعات الطبعة األولى ،بيروت1412 ،هـ1992 /م.
--208الزمخشري ،نفسه ،الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل ،شركة
مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده ،مصر1966 ،م.
--209السبحاني ،الشيخ جعفر ( معاصر) ،اإليمان والكفر في الكتاب والسنة ،مؤسسة اإلمام الصادق ،قم
ـ إيران ،الطبعة األولى 1416 ،هـ.
--210السبحاني ،نفسه ،الحديث النبوي بين الرواية والدراية ،مؤسسة اإلمام الصادق ،الطبعة األولى،
قم -إيران1419 ،هـ.
--211السبزواري ،السيد عبد األعلى الموسوي ( 1414هـ) ،مهذب األحكام في بيان الحالل والحرام،
دفتر آية الله العظمى السيد السبزواري ،الطبعة الرابعة ،قم -إيران1416 ،هـ.
--212السبزواري ،محمد باقر (ت1090 :هـ) ،ذخيرة المعاد ،مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،قم -
إيران ،طبعة حجرية ،ال.ت.
--213السبزواري ،نفسه ،كفاية األحكام ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة
األولى ،قم -إيران1423 ،هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 522
--214السبزواري ،نفسه ،كفاية الفقه ،تحقيق :الشيخ مرتضى الواعظي اآلراكي ،مؤسسة النشر اإلسالمي
التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1423 ،هـ.
--215السرخسي ،محمد بن أبي سهيل (ت483 :هـ) ،المبسوط ،دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت-
لبنان.
--216السلمي(ت412 :هـ) ،تفسير السلمي ،تحقيق :سيد عمران ،الطبعة األولى ،الناشر :دار الكتب
العلمية ،لبنان -بيروت2001 - 1421 ،م.
--217السمعاني ،عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت562 :هـ) ،األنساب ،تحقيق :عبد الله عمر
البارودي ،دار الجنان للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان1988 ،م.
--218السيد سابق ،فقه السنة ،دار الكتاب العربي ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة1977 ،م.
--219السيستاني ،السيد علي الحسيني ،منهاج الصالحين ،الناشر :مكتب آية الله العظمى السيد
السيستاني -قم ،الطبعة األولى1414 ،هـ.
--220السيستاني ،نفسه ،المسائل المنتخبة ،مكتب آية الله السيد السيستاني ،الطبعة الثالثة ،قم1414 ،هـ.
--221السيوري ،جمال الدين المقداد بن عبدالله (ت826 :هـ) ،كنز العرفان في فقه القرآن ،إشراف:
الشيخ واعظ زاده الخراساني ،تحقيق :السيد محمد القاضي ،الناشر المجمع العالمي للتقريب بين
المذاهب اإلسالمية ،دار الهدى والتوزيع والنشر الدولي ،الطبعة األولى1377 ،هـ ش1419 /هـ ق.
--222السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911 :هـ) ،الجامع الصغير ،دار الفكر للطباعة
والنشر ،بيروت ،الطبعة األولى1401 ،هـ.
--223السيوطي ،نفسه ،تاريخ الخلفاء ،دار التعاون ،مكة المكرمة ،ال .ت.
--224السيوطي ،نفسه ،الدر المنثور في التفسير بالمأثور ،دار المعرفة ،بيروت -لبنان.
--225الشافعي ،محمد بن إدريس( ،ت204 :هـ) ،كتاب األم ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة الثامنة1983 ،م.
--226الشامي ،محمد بن يوسف الصالحي (ت942 :هـ) ،سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد،
تحقيق :الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض ،دار الكتب العلمية ،
بيروت -لبنان1993 ،م.
--227الشامي ،يوسف بن حاتم المشغري (ت664 :هـ) ،الدر النظيم في مناقب األئمة اللهاميم ،مؤسسة
النشر اإلسالمي لجماعة المدرسين ،قم.
--228الشاهرودي ،آية الله السيد محمود الهاشمي ( معاصر) ،كتاب الخمس ،مؤسسة دائرة معارف الفقه
اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1425 ،هـ2005 /م.
--229الشاهرودي ،نفسه ،بحوث في علم األصول ،تقرير ًا لدروس السيد الشهيد محمد باقر الصدر،
مؤسسة دائرة معارف الفقه اإلسالمي طبق ًا لمذهب أهل البيت ،الطبعة الثالثة ،قم -إيران،
1426هـ.
--230الشاهرودي ،السيد علي الحسيني (حدود 1376هـ) ،محاضرات في الفقه الجعفري( ،تقرير ًا
لبحوث السيد الخوئي) ،دار الكتاب اإلسالمي ،قم ـ إيران ،الطبعة األولى 1409 ،هـ.
523 فهرس المصادر والمراجع
--231شرف الدين ،السيد عبد الحسين (ت1377 :هـ) ،أجوبة مسائل جار الله ،مطبعة العرفان ،الطبعة
الثانية ،صيدا -لبنان.
--232الشريف الرضي ،محمد بن الحسين (ت406 :هـ) ،نهج البالغة ،تعليق وشرح :الشيخ محمد عبده،
دار الذخائر ،قم -إيران ،الطبعة األولى1410 ،هـ.
--233الشريف الرضي ،نفسه ،المجازات النبوية ،تحقيق :طه محمد الزيني ،بصيرتي ،قم -إيران ،ال .ط،
ال .ت.
--234شلتوت ،الشيخ محمود ( 1963م) ،اإلسالم عقيدة وشريعة ،دار الشروق ،الطبعة السابعة عشرة،
1411هـ1991 /م.
--235شمس الدين ،الشيخ محمد مهدي ( 2001م) ،االجتهاد والتجديد في الفقه اإلسالمي ،المؤسسة
الدولية ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1419 ،هـ1999 /م.
--236الشهرستاني( ،ت548 :هـ) ،الملل والنحل ،تحقيق :محمد سيد كيالني ،دار المعرفة ،بيروت-
لبنان.
--237الشهيد الثاني ،زين الدين الجبعي (ت965 :هـ) ،مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم ،مؤسسة
المعارف اإلسالمية -قم ،الطبعة األولى1413 ،هـ.
--238الشهيد الثاني ،نفسه ،الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ،الناشر :الداوري -قم ،الطبعة
األولى1410 ،هـ.
--239الشهيد الثاني ،نفسه ،مسكن الفؤاد عند فقد األحبة واألوالد ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل البيت إلحياء
التراث ،الطبعة األولى ،قم -إيران1407 ،هـ.
--240الشهيد الثاني ،نفسه ،روض الجنان في شرح إرشاد األذهان ،تحقيق :مركز األبحاث والدراسات
اإلسالمية ،الطبعة األولى ،قم -إيران1422 ،هـ.
--241الشهيد الثاني ،نفسه ،المقاصد العلية في شرح الرسالة األلفية ،تحقيق :محمد الحسون ،مركز النشر
التابع لمكتب اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1420 ،هـ.
--242الشهيد الثاني ،نفسه ،الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية ،تحقيق ونشر :مركز النشر التابع لمكتب
اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1420 ،هـ.
--243الشهيد الثاني ،نفسه ،فوائد القواعد ،تحقيق :السيد أبو الحسن المطلبي ،مركز النشر التابع لمكتب
اإلعالم اإلسالمي1419 ،هـ.
--244الشهيد الثاني ،نفسه ،حقائق اإليمان ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي والسيد محمود المرعشي،
مكتبة آية الله المرعشي ،قم ،الطبعة األولى1409 ،هـ.
--245الشهيد الثاني ،نفسه ،كشف الريبة عن أحكام الغيبة ،انتشارات مرتضوي ،طهران -إيران ،الطبعة
الرابعة1376 ،هـ ش.
--246الشهيد الثاني ،نفسه ،الرعاية في علم الدراية ،تحقيق :عبد الحسين محمد علي بقال ،مكتبة آية الله
المرعشي النجفي ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1408 ،هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 524
--247الشهيدي ،الميرزا عبد الفتاح التبريزي (ت1372 :هـ) ،هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ،مؤسسة
دار الكتاب للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1375 ،هـ .ش.
--248الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد (ت1250 :هـ) ،فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من
علم التفسير ،عالم الكتب.
--249الشيرازي ،السيد محمد (ت1422 :هـ) ،توضيح نهج البالغة ،دار تراث الشيعة ،طهران -إيران.
--250الشيرازي ،الشيخ ناصر مكارم ( معاصر) ،القواعد الفقهية ،مدرسة اإلمام أمير المؤمنين ،الطبعة
الثالثة ،قم -إيران1411 ،هـ.
--251الشيرازي ،نفسه ،األمثل في تفسير كتاب الله المنزل.
--252الشيرازي ،صدر الدين محمد الشيرازي (ت1050 :هـ) الحكمة المتعالية في األسفار العقلية
األربعة ،الطبعة :الثالثة 1981 ،م دار إحياء التراث العربي -بيروت -لبنان.
--253الصادق ،اإلمام جعفر ،مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة( ،المنسوب لإلمام الصادق ،)
مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1980 ،م.
--254الصدر ،السيد رضا (ت1415 :هـ) ،االجتهاد والتقليد ،مركز النشر التابع التابع لمركز النشر التابع
لمكتب اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--255الصدر ،السيد محمد محمد صادق ( 1999م) ،ما وراء الفقه ،دار األضواء ،بيروت ـ لبنان،الطبعة
األولى1993 ،م1413 /هـ.
--256الصدر ،السيد موسى ،مسيرة اإلمام موسى الصدر ،إعداد يعقوب ضاهر ،دار بالل للنشر ،الطبعة
الثانية ،بيروت -لبنان2014 ،م.
--257الصدر ،محمد باقر المعروف بالشهيد الصدر (ت1400 :هـ) ،الفتاوى الواضحة ،دار الكتاب
اللبناني ،الطبعة الثالثة ،بيروت1977 ،م.
--258الصدر ،نفسه ،بحوث في شرح العروة الوثقى ،مطبعة اآلداب ،الطبعة األولى ،العراق -النجف
األشرف1391 ،هـ1971 /م.
--259الصدر ،نفسه ،دروس في علم األصول المعروف بـ الحلقات (الحلقة الثانية والثالثة) ،دار الكتاب
اللبناني ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1406 ،هـ1986 /م.
--260الصدر ،نفسه ،تعليقته على منهاج الصالحين للسيد الحكيم ،دار التعارف للمطبوعات ،بيروت-
لبنان1410 ،هـ.
--261الصـدوق ،الشيخ محمـد بن علـي بن بابويـه (ت 381 :هـ) ،األمالـي ،مؤسسـة البعثـة ،قم ـ إيران،
الطبعة األولى1917 ،هـ.
--262الصدوق ،نفسه ،من ال يحضره الفقيه ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم ـ
إيران ،ال.ط ،ال.ت.
--263الصدوق ،نفسه ،فضائل الشيعة ،كانوني انتشارات عابدي ،طهران.
--264الصدوق ،نفسه ،الخصال ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،جماعة المدرسين -قم1403 ،هـ.
525 فهرس المصادر والمراجع
--265الصدوق ،نفسه ،الهداية ،مؤسسة اإلمام الهادي ،قم1418 ،هـ.
--266الصدوق ،نفسه ،صفات الشيعة ،كانوني انتشارات عابدي ،طهران.
--267الصدوق ،نفسه ،عقاب األعمال ،تحقيق :السيد محمد مهدي الخرساني ،منشورات الشريف
الرضي ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1368 ،هـ .ش.
--268الصدوق ،نفسه ،االعتقادات في دين اإلمامية ،تحقيق :عصام عبد السيد ،دار المفيد للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1414 ،هـ1993 .م.
--269الصدوق ،نفسه ،المقنع ،تحقيق ونشر :مؤسسة اإلمام الهادي ،قم -إيران1415 ،هـ.
--270الصدوق ،نفسه ،كمال الدين وتمام النعمة ،مؤسسة النشر الإلسالمي ،قم -إيران ،ال .ط ،ال .ت.
--271الصدوق ،نفسه ،علل الشرائع ،المكتبة الحيدرية ،العراق -النجف األشرف1966 ،م.
--272الصدوق ،نفسه ،عيون أخبار الرضا ،مؤسسة األعلمي -بيروت لبنان1404 ،هـ.
--273الصدوق ،نفسه ،معاني األخبار ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران،
1379هـ.
--274الصدوق ،نفسه ،التوحيد ،تحقيق :السيد هاشم الحسيني الطهراني ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم-
إيران1387 ،هـ.ش.
--275الصدوق ،نفسه ،ثواب األعمال وعقاب األعمال ،تقديم :السيد محمد مهدي الخرسان ،الطبعة
الثانية ،منشورات الشريف الرضي ،قم1368 ،هـ .ش.
--276الصيمري ،الشيخ مفلح بن حسن بن رشيد (القرن السابع) ،تلخيص الخالف وخالصة االختالف،
تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مكتبة المرعشي النجفي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1408 ،هـ.
--277الطبراني ،سليمان بن أحمد (ت360 :هـ) ،المعجم الكبير ،تحقيق :حمدي عبد المجيد ،دار إحياء
التراث العربي ،مكتبة ابن تيمية -القاهرة.
--278الطبراني ،نفسه ،المعجم األوسط ،تحقيق :قسم التحقيق بدار الحرمين ،الناشر :دار الحرمين
للطباعة والنشر والتوزيع ،مصر -القاهرة1995 ،م.
--279الطبرسي ،أحمد بن علي (ت560:هـ) ،االحتجاج ،تحقيق :محمد باقر الخرسان ،دار النعمان-
النجف1966 ،م.
--280الطبرسي ،نفسه ،اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر ،تعريب :الشيخ إبراهيم البدوي ،دار
البالغة ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى2003 ،م.
--281الطبرسي ،الحسن بن الفضل (من أعالم القرن السادس الهجري) ،مكارم األخالق ،الناشر:
منشورات الشريف الرضي ،الطبعة السادسة1392 ،هـ1972 /م.
--282الطبرسي ،الفضل بن الحسن (ت548 :هـ) ،مجمع البيان في تفسير القرآن ،مؤسسة األعلمي
للمطبوعات ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى 1415هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 526
--283الطبرسي ،نفسه ،إعالم الورى بأعالم الهدى ،مؤسسة أهل البيت إلحياء التراث ،قم -إيران،
الطبعة األولى1417 ،هـ.
--284الطبرسي ،نفسه ،جوامع الجامـع ،مؤسسـة النشـر اإلسالمـي ،قم ـ إيران 1418 ،هـ.
--285الطبري ،محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير (من أعالم القرن الخامس الهجري) ،دالئل
اإلمامة ،تحقيق :قسم الدراسات اإلسالمية مؤسسة البعثة ،قم ،الطبعة األولى1413 ،هـ.
--286الطبري ،محمد بن جرير(ت310:هـ) ،جامع البيان عن تأويل آي القرآن المعروف بـ تفسير الطبري،
ضبط وتوثيق وتخريج :صدقي جميل العطار ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت -لبنان،
1415هـ 1995-م.
--287الطبري ،نفسه ،تاريخ الطبري ،نخبة من العلماء األجالء ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت-
لبنان.
--288الطبري ،محمد بن علي (القرن السادس هجري) ،بشارة المصطفى ،تحقيق :جواد القيومي
األصفهاني ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،الطبعة األولى1420 ،هـ.
--289الطباطبائي ،السيد علي (ت1231:هـ) ،رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدالئل ،مؤسسة
النشر اإلسالمي ،الطبعة األولى1412 ،هـ.
--290الطباطبائي ،السيد عبد العزيز (ت1416 :هـ) ،أهل البيت في المكتبة العربية ،مؤسسة آل البيت
إلحياء التراث ،الطبعة األولى1417 ،هـ.
--291الطباطبائي ،السيد محمد علي المعروف بـ السيد المجاهد (ت1241 :هـ) ،المناهل ،طبعة حجرية.
--292الطباطبائي ،محمد مهدي المعروف بـ»بحر العلوم (1212 -1155هـ) ،الفوائد الرجالية المعروف
بـرجال السيد بحر العلوم ،مكتبة الصادق ،طهران -إيران1363 ،هـ.
--293الطرابلسي ،عبد العزيز ابن البراج (ت481 :هـ) ،المهذب ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة
المدرسين ،قم -إيران1406 ،هـ.
ٍ
النجفي (ت1085 :هـ) ،مجمع البحرين، --294الطريحي ،فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح
ترتيب :محمود عادل ،الناشر :مكتب نشر الثقافة اإلسالمية -إيران ،الطبعة الثانية1408 ،هـ.
--295الطريحي ،نفسه ،المنتخب في جمع المراثي والخطب ،دار األضواء ،بيروت -لبنان.
--296الطوسي ،ابن حمزة (ت560 :هـ) ،الوسيلة ،تحقيق :الشيخ محمد الحسون ،مكتبة آية الله العظمى
المرعشي النجفي ،قم ،الطبعة األولى1408 ،هـ.
--297الطوسي ،الشيخ محمد بن الحسن ،الجمل والعقود في العبادات ،تصحيح وترجمة :محمد واعظ
زاده الخرساني ،دانشكاه مشهد1347 ،هـ .ش.
--298الطوسي ،نفسه ،رجال الطوسي ،تحقيق :جواد القيومي األصفهاني ،مؤسسة النشر اإلسالمي
التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1415 ،هـ.
--299الطوسي نفسه /والمحقق الحلي ،النهاية ونكتها ،تحقيق ونشر :مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران.1412 ،
527 فهرس المصادر والمراجع
--300الطوسي ،نفسه ،الغيبة ،تحقيق :الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح ،مؤسسة
المعارف اإلسالمية ،قم -إيران ،الطبعة األولى1411 ،هـ.
--301الطوسي ،نفسه ،االقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد ،منشورات مكتبة جامع تشهل ستون ،طهران،
1400هـ.
--302الطوسي ،نفسه ،النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ،انتشارات قدس محمدي ،قم -إيران.
--303الطوسي ،نفسه ،التبيان في تفسير القرآن ،تحقيق :أحمد حبيب قصير العاملي ،الناشر :مكتب
اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى1409 ،هـ.
--304الطوسي نفسه ،الخالف ،تحقيق :السيد علي الخراساني ،والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي
نجف ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة الثانية ،قم إيران1420 ،هـ.
--305الطوسي ،نفسه ،العدة في أصول الفقه ،تحقيق :الشيخ محمد رضا األنصاري ،قم ،الطبعة األولى،
1517هـ.
--306الطوسي ،نفسه ،األمالي ،مؤسسة البعثة ،قم ـ إيران ،ط1414 ،1هـ.
--307الطوسي ،نفسه ،تهذيب األحكام ،تحقيق :السيد حسن الخرسان ،دار الكتب اإلسالمية -إيران،
1365هـ.
--308الطوسي ،نفسه ،مصباح المتهجد ،مؤسسة فقه الشيعة ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى1411 ،هـ.
--309الطوسي ،نفسه ،االستبصار في ما اختلف من األخبار ،تحقيق :السيد حسن الموسوي الخرسان،
دار الكتب اإلسالمية ،طهران ،الطبعة الرابعة1363 ،هـ .ش.
--310الطوسي ،نفسه ،اختيار معرفة الرجال للكشي( ،رجال الكشي) ،تعليق السيد الميرداماد االسترابادي،
تحقيق ،السيد مهدي الرجائي ،مؤسسة آل البيت إلحياء التراث،قم -إيران1404 ،هـ.
--311العاملي ،الشيخ حسن بن زين الدين ،التحرير الطاووسي (ت1011 :هـ) ،تحقيق :فاضل الجواهري،
مكتبة المرعشي النجفي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1411 ،هـ.
--312العاملي ،الشيخ ،نفسه ،معالم الدين ومالذ المجتهدين ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة
المدرسين ،الطبعة الثانية عشر1417 ،هـ.
--313العاملي ،نفسه ،منتقى الجمان في األحاديث الصحاح والحسان ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،جامعة
المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1362 ،هـ .ش
--314العاملي ،علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين ،الدر المنثور من المأثور وتفسير المأثور ،تحقيق:
منصور اإلبراهيمي ،المركز العالي للعلوم والثقافة اإلسالمية مركز إحياء التراث اإلسالمي ،طهران،
الطبعة األولى1433 ،ق2012 /م.
--315العاملي ،السيد محسن األمين( ،ت1371 :هـ) ،كشف االرتياب ألتباع محمد بن عبد الوهاب.
--316العاملي ،السيد محسن ،نفسه ،نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق واألوهام ،الغدير للطباعة
والنشر ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1422 ،هـ2001 /م.
--317األمين ،السيد محسن ،نفسه ،أعيان الشيعة ،دار المعارف للمطبوعات -بيروت1983 ،م.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 528
--318العاملي ،السيد محمد جواد (ت1226 :هـ) ،مفتاح الكرامة في شرح قواعد العالمة ،تحقيق الشيخ
محمد باقر الخالصي ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1424 ،هـ.
--319العاملي ،السيد محمد (ت1009 :هـ) ،نهاية المرام في تتميم مجمع الفائدة والبرهان ،تحقيق:
مجتبى العراقي والشيخ علي بناه االشتهاردي وحسين اليزدي ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1413 ،هـ.
--320العاملي ،نفسه ،مدارك األحكام ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،الطبعة األولى،
قم -إيران1410 ،هـ.
--321العاملي ،الشيخ محمد بن الحسن ابن الشهيد الثاني (ت1030 :هـ) ،استقصاء االعتبار في شرح
االستبصار ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،قم -إيران1420 ،هـ.
--322العجلوني ،إسماعيل بن محمد (ت1162 :هـ) ،كشف الخفاء ومزيل اإللباس ،دار الكتب العلمية،
بيروت -لبنان ،الطبعة الثالثة1408 ،هـ.
--323العراقي ،ضياء الدين (ت1361 :هـ) ،شرح تبصرة المتعلمين (كتاب القضاء) ،تحقيق :محمد هادي
معرفة ،مطبعة مهر ،قم -إيران.
--324العسقالني ،أحمد بن علي بن محمد بن حجر (ت852 :هـ) ،فتح الباري في شرح صحيح البخاري،
دار المعرفة للطباعة والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية.
--325العسقالني ،نفسه ،تهذيب التهذيب ،تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا ،دار الكتب العلم ّية بيروت،
لبنان ،الطبعة األولى 1994م.
--326العسكري ،أبو هالل ( 395هـ) ،والسيد نور الدين الجزائري ( 1158هـ) معجم الفروق اللغوية
ٍ
وجزء من كتاب السيد نور الدين الجزائري) ،مؤسسة النشر (الحاوي لكتاب أبي هالل العسكري
اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين بـ قم المشرفة ،ط ،1قم -إيران1412 ،هـ.
--327العسكري ،السيد مرتضى ،حديث الكساء في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ،الطبعة الثانية،
إيران.
--328العلوي ،السيد عادل (ت1411 :هـ) ،القصاص على ضوء القرآن والسنة ( ،تقرير ًا لدروس السيد
المرعشي النجفي ) ،الناشر :مكتبة آية الله العظمى المرعشي ،الطبعة األولى ،قم -إيران 1415هـ .
--329العياشي ،محمد بن مسعود السمرقندي (ت320 :هـ) ،تفسير العياشي ،تحقيق :هاشم الرسولي
المحالتي ،المكتبة العلمية اإلسالمية ،طهران.
--330العيني ،محمود بن أحمد (ت855 :هـ) ،عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت.
--331الغروي ،الميرزا علي 1419 ( ،هـ) التنقيح في شرح العروة الوثقى كتاب الطهارة تقرير ًا ألبحاث
السيد الخوئي ،دار الهادي ،الطبعة الثالثة ،قم1410 -هـ.
--332الغروي ،نفسه ،كتاب الطهارة تقرير ًا ألبحاث السيد الخوئي ،دار الهادي ،الطبعة الثالثة ،قم-
1410هـ.
529 فهرس المصادر والمراجع
--333الغروي ،نفسه ،االجتهاد والتقليد ،تقرير ًا لبحث السيد الخوئي (موسوعة اإلمام الخوئي) ،مؤسسة
إحياء آثار اإلمام الخوئي ،قم ـ إيران ،ط1426 ،2هـ.
--334الغزالي ،الشيخ محمد الطوسي( ،ت 505 :هـ) ،إحياء علوم الدين ،الناشر :دار الكتاب العربي -
بيروت.
--335الغضائري ،أحمد ابن الحسين الواطي البغدادي (القرن الخامس) ،رجال ابن الغضائري ،تحقيق:
السيد محمد رضا الجاللي ،دار الحديث ،الطبعة األولى ،قم -إيران1422 ،هـ.
--336الفراهيدي ،الخليل بن أحمد (ت175 :هـ) ،كتاب العين ،تحقيق :الدكتور مهدي المخزومي
والدكتور إبراهيم السامرائي ،مؤسسة دار الهجرة ،قم -إيران ،الطبعة الثانية1409 ،هـ.
--337فضل الله ،السيد محمد حسين ( 2010م) ،المسائل الشرعية ،دار المالك ،الطبعة األولى ،بيروت-
لبنان1430 ،هـ2009 /م.
--338فضل الله ،نفسه ،ثمار البحر (نظرة فقهية جديدة) ،دار المالك ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان،
1431هـ2010 /م.
--339فضل الله ،نفسه ،كتاب الصيد والذباحة (بحث علمي فقهي) ،الطبعة األولى1419 ،هـ1998 /م.
--340الفناري ،محمد بن حمزة (ت834 :هـ) ،مصباح األنس بين المعقول والمشهود ،تحقيق :تصحيح
وتقديم :محمد خواجوي ،الطبعة :األولى ،سنة الطبع 1374 - 1416 :ش ،الناشر :انتشارات
مولى -طهران -إيران.
--341الفياض ،الشيخ إسحاق (معاصر) ،تعاليق مبسوطة ،الطبعة األولى ،قم -إيران 1418هـ.
--342الفيروزآبادي ،محمد بن يعقوب الشيرازي(ت817 :هـ) ،القاموس المحيط( ،ت817 :هـ) .ال .ت،
ال .ط .ال .ن.
--343الفيروزكوهي ،الشيخ عبد الرسول المازندراني الفيروزكوهي المشهور بالفاضل المازندراني
(ت1325 :هـ) ،شرح زيارة عاشوراء ،تحقيق :الس ّيد حسن الموسوي الدُّ َرازي ،دار الصديقة
الشهيدة ،الطبعة األولى ،قم -إيران1430 ،هـ 2009 /م.
--344القرطبي ،محمد بن أحمد األنصاري (ت671 :هـ) ،الجامع ألحكام القرآن ،مؤسسة التاريخ
العربي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت1405 ،هـ.
--345القزويني ،السيد عباس (ت1383 :هـ) ،زبدة المقال في خمس الرسول واآلل (تقرير ًا لبحوث السيد
البروجردي) ،المطبعة العلمية ،قم -إيران.
--346القضاعي ،القاضي محمد بن سالمة (ت404 :هـ) ،مسند الشهاب ،تحقيق :حمدي عبد المجيد
السلفي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة األولى.
--347القطيفي ،الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق (توفى بعد 1225هـ) ،رسائل آل طوق ،تحقيق:
شركة دار المصطفى (ص) إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،بيروت2001 ،م.
--348القمي ،الشيخ عباس (ت1359 :هـ) ،الكنى واأللقاب ،مكتبة الصدر ،طهران ،الطبعة الخامسة،
1459هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 530
--349القمي ،الشيخ محمد المؤمن (معاصر) ،مباني تحرير الوسيلة ،مؤسسة تنظيم ونشر آثار اإلمام
الخميني ،الطبعة األولى1422 ،هـ.
--350القمي ،علي بن إبراهيم القمي ( 329هـ) ،تفسير القمي ،تصحيح :السيد طيب الجزائري ،مؤسسة
دار الكتاب للطباعة والنشر ،الطبعة الثالثة1404 ،هـ.
--351القمي ،علي بن محمد الخزاز (ت400 :هـ) ،كفاية األثر ،تحقيق :السيد عبد اللطيف الحسيني
الكوهكمري ،انتشارات بيدار ،قم -إيران1401 ،هـ.
--352القمي ،الميرزا أبو القاسم( ،ت1231:هـ) ،غنائم األيام في مسائل الحالل والحرام ،تحقيق :عباس
تبريزيان ،مركز النشر التابع لمكتب اإلعالم اإلسالمي ،قم ،الطبعة األولى1417 ،هـ1375 /ش.
--353الكاساني ،عالء الدين بن مسعود (ت587 :هـ) ،كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ،المكتبة
الحبيبية ،باكستان ،الطبعة األولى1409 ،هـ1989 /م.
--354الكاشاني ،محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني (ت1091:هـ) ،الوافي ،مكتبة أمير
المؤمنين ،أصفهان1406 ،هـ.
--355الكاشاني ،نفسه ،مفاتيح الشرائع ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مجمع الذخائر اإلسالمية ،قم،
1401هـ.
--356الكاشاني ،نفسه ،المحجة البيضاء في تهذيب األحياء ،تحقيق وتصحيح وتعليق :علي أكبر
الغفاري ،الطبعة :الثانية ،قم إيران ،الناشر ،دفتر النشر االسالمى التابع لجماعة المدرسين.
--357كاشف الغطاء ،الشيخ جعفر النجفي (ت1228 :هـ) ،كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء،
مكتب اإلعالم اإلسالمي ،الطبعة األولى1422 ،هـ.
--358كاشف الغطاء ،الشيخ علي (ت 1253 :هـ) ،النور الساطع في الفقه النافع ،مطبعة اآلداب ،النجف
األشرف1964 ،م.
--359كاشف الغطاء ،محمد حسين (ت1373 :هـ) ،أصل الشيعة وأصولها ،طبع دار القرآن الكريم ،قم-
إيران1410 ،هـ.
--360الكاظمي ،محمد أمين بن محمد علي ( القرن الثاني عشر الهجري) ،هداية المحدثين إلى طريقة
المحمدين ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي،
قم -إيران1405 ،هـ.
--361الكاظمي ،محمد علي الخراساني (ت1365 :هـ .ق) ،كتاب الصالة (تقرير ًا لدروس الشيخ
النائيني) ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى ،قم -إيران1411 ،هـ.
--362الكركي ،علي بن الحسين العاملي(ت940 :هـ) ،جامع المقاصد ،مؤسسة آل البيت إلحياء
التراث ،قم1408 ،هـ.
--363الكركي ،نفسه ،رسائل المحقق الكركي ،تحقيق :الشيخ محمد الحسون ،مكتبة آية الله المرعشي
النجفي ،الطبعة األولى1409 ،هـ.
--364الكفعمي ،الشيخ إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح العاملي 905 0هـ) ،المصباح
531 فهرس المصادر والمراجع
(جنة األمان الواقية وجنة اإليمان الباقية) ،منشورات مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت-
لبنان ،الطبعة الثالثة1403 ،هـ1983 /م.
--365الكفوي ،أيوب بن موسى الحسيني المعروف بـ أبي البقاء (ت1094 :هـ) ،الكليات ،مؤسسة
الرسالة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1998 ،م.
--366الكلباسي ،أبو المعالي محمد بن محمد إبراهيم (ت1315 :هـ) ،الرسائل الرجالية ،تحقيق :محمد
حسين الدرايتي ،دار الحديث للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1428 ،هـ.
--367الكلباسي ،أبو الهدى (ت1356 :هـ) ،سماء المقال في علم الرجال ،تحقيق :السيد محمد الحسيني
القزويني ،نشر :مؤسسة ولي العصر للدراسات اإلسالمي ،الطبعة األولى ،قم -إيران1419 ،هـ.
--368الكلبيكاني ،السيد محمد رضا (ت1414 :هـ) ،كتاب الطهارة ،تقرير :محمد هادي المقدس
النجفي ،دار القرآن الكريم ،الطبعة األولى ،قم -إيران.
--369الكلبيكاني ،نفسه ،نتائج األفكار في نجاسة الكفار ،تقرير :الشيخ علي الكريمي الجهرمي ،دار
القرآن الكريم ،الطبعة األولى ،قم -إيران1413 ،هـ.
--370الكليني ،محمد بن يعقوب (ت329 :هـ) ،الكافي ،تحقيق :علي أكبر الغفاري ،دار الكتب اإلسالمية،
إيران1388 ،هـ.
--371الكوفي ،أحمد بن أعثم (ت314 :هـ) ،كتاب الفتوح ،تحقيق :علي شيري ،دار األضواء للطباعة
والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1411 ،هـ.
--372الكوفي ،فرات (ق ،)3 :تفسير فرات ،الطبعة األولى1410 ،هـ.
--373الكيدري ،قطب الدين البيهقي (من أعالم القرن السادس) ،إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ،تحقيق:
الشيخ إبراهيم البهادري ،مؤسسة اإلمام الصادق ،الطبعة األولى ،قم -إيران1416 ،هـ.
--374اللنكراني ،الشيخ محمد الفاضل (ت1428 :هـ) ،نهاية التقرير ،من تقرير لبحوث آية الله السيد
البروجردي ،تحقيق ونشر :مركز فقه األئمة األطهار ،الطبعة الثالثة ،قم -إيران1420 ،هـ.
--375اللنكراني ،نفسه ،تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (الحج ،الطالق والمواريث) ،مركز فقه
األئمة األطهار ،الطبعة األولى ،قم-إيران1421 ،هـ.
--376اللنكراني ،نفسه ،تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (التقليد) ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1414 ،هـ.
--377المامقاني ،الشيخ عبد الله ( 1351هـ) ،مرآة الكمال لمن رام مصالح األعمال ،تحقيق :الشيخ محي
محمد رضا المامقاني ،الطبعة الثانية1413 ،هـ.
الدين المامقاني ،نشر :الشيخ ّ
--378المازندراني ،علي أكبر السيفي (معاصر) ،مباني الفقه الفعال ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المدرسين ،الطبعة األولى1425 ،هـ.
--379المازندراني ،المولى محمد صالح (ت1081 :هـ) ،شرح أصول الكافي ،تعليق :الميرزا أبو الحسن
الشعراني ،ضبط وتصحيح :علي عاشور ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،الطبعة األولى،
1421هـ.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 532
--380المتقي الهندي ،عالء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي975- 888( ،هـ) ،كنز العمال
في سنن األقوال واألفعال ،تحقيق :بكري ح ّياني وصفوة السقا ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة
الخامسة1985 ،م1405 /هـ.
--381المجلسي ،محمد تقي بن مال مقصود (1003هـ 1070 -هـ) ،روضة المتقين في شرح من ال
يحضره الفقيه ،تحقيق :السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه اإلشتهاردي ،الناشر:
بنياد فرهنك اسالمي حاج محمد حسين كوشانپور ،إيران الطبعة األولى1413 ،هـ.
--382المجلسي ،الشيخ محمد تقي ،روضة المتقين في شرح من ال يحضره الفقيه ،تحقيق :محمد أحمد
الشيخ محمد صالح ،منشورات شركة دار المصطفى إلحياء التراث ،بيروت -لبنان ،الطبعة األولى،
1430هـ2009 /م.
--383المجلسي ،محمد تقي نفسه ،لوامع صاحبقرانى (شرح الفقيه) ،مؤسسة دار التفسير -قم -ايران،
الطبعة األولى1416 ،هـ ق.
--384المجلسي ،محمد باقر (ت1111:هـ) ،بحار األنوار ،مؤسسة الوفاء -بيروت ،الطبعة الثانية1983 ،م.
--385المجلسي ،نفسه ،مرآة العقول في شرح أخبار الرسول ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران1398 ،ق/
1356ش.
--386المجلسي ،نفسه ،مالذ األخيار في فهم تهذيب األخبار ،تحقيق :السيد مهدي الرجائي ،مكتبة آية
الله المرعشي ،قم -إيران1407 ،هـ.
--387المحسني ،محمد آصف ،القواعد األصولية والفقهية في المستمسك ،تصحيح وتحقيق :مهدي
النيازي الشاهرودي ،الناشر :بيام مهر ،قم ،الطبعة األولى1382 ،هـ.
--388المحسني ،نفسه ،الفقه والمسائل الطبية ،الطبعة األولى.
--389المحسني ،نفسه ،حدود الشريعة ،الطبعة الثانية ،،قم -إيران1363 ،هـ .ش.
--390المحسني ،نفسه ،األحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ،الناشر :صبح صادق ،الطبعة
األولى ،قم1430 ،هـ .ق1387 /ش.
--391المدني ،السيد علي خان الشيرازي (ت1120 :هـ) ،الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ،تقديم:
السيد محمد صادق بحر العلوم ،منشورات بصيرتي ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1397 ،هـ.
--392المدني ، ،نفسه ،رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين ،تجقيق :السيد محسن الحسيني
األميني ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،الطبعة الرابعة ،قم -إيران1415 ،هـ.
--393المرتضى ،السيد علي بن الحسين بن موسى المعروف بـ الشريف المرتضى (ت436 :هـ) ،الشافي
في اإلمامة ،تحقيق :عبد الزهراء الحسيني الخطيب ،الطبعة الثانية ،مؤسسة إسماعليان قم -إيران،
1410هـ.
--394المرتضى ،نفسه ،الناصريات ،تحقيق :مركز البحوث والدراسات العلمية ،رابطة الثقافة والعالقات
اإلسالمية مديرية الترجمة والنشر1417 ،هـ.
533 فهرس المصادر والمراجع
--395المرتضى ،نفسه ،رسائل الشريف المرتضى ،إعداد :السيد مهدي الرجائي ،دار القرآن الكريم ،قم-
إيران1405 ،هـ.
--396المرتضى ،نفسه ،االنتصار ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران1415 ،هـ.
المزي ،يوسف ( 742هـ) ،تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،تحقيق :الدكتور بشار عواد معروف، ّ --397
مؤسسة الرسالة ،بيروت -لبنان ،الطبعة الرابعة1406 ،هـ 1985م.
--398المسعودي ،علي بن الحسين ابن علي (ت346 :هـ) ،التنبيه واإلشراف ،دار صعب ،بيروت -لبنان.
--399المسعودي ،نفسه ،مروج الذهب ومعادن الجوهر ،وضع فهارسه األستاذ يوسف أسعد داغر ،دار
الهجرة ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1984 ،هـ.
--400المشهدي محمد بن جعفر( ،الوفاة :ق )6المزار ،تحقيق :جواد القيومي االصفهاني الطبعة:
األولى1419 ،هـ قم إيران ،مؤسسة النشر اإلسالمي.
--401المشهدي ،الميرزا محمد (توفي حدود 1125هـ) ،تفسير كنز الدقائق ،مؤسسة النشر اإلسالمي،
قم ـ إيران ،ط 1407 ،1هـ.
--402المصري ،القاضي نعمان بن محمد بن منصور المغربي التميمي (ت363 :هـ) ،دعائم اإلسالم،
تحقيق آصف بن علي أصغر فيض ،دار المعارف ،القاهرة1963 ،م.
--403المظفر ،الشيخ محمد حسن (ت1375 :هـ) ،دالئل الصدق لنهج الحق ،تحقيق ونشر :مؤسسة آل
البيت إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،قم -إيران1422 ،هـ.
--404مغنية ،الشيخ محمد جواد(ت1400 :هـ) ،التفسير الكاشف ،دار العلم للماليين ،بيروت -لبنان،
الطبعة الثانية1978 ،م.
--405مغنية ، ،نفسه ،فقه اإلمام جعفر الصادق ،مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية ،قم-
إيران1421 ،هـ.
--406المفيد ،محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (413 -326هـ) ،اإلرشاد في معرفة حجج
الله على العباد ،تحقيق :مؤسسة آل البيت إلحياء التراث ،الناشر :المؤتمر العالمي أللفية الشيخ
المفيد ،قم -إيران ،الطبعة األولى1413 ،هـ1993 /م.
--407المفيد ،نفسه ،أجوبة المسائل الحاجبية أو المسائل العكبرية ،تحقيق :علي أكبر اإللهي الخراساني،
مجمع البحوث اإلسالمية ،الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان1435 ،ق1392 /.ش.
--408المفيد ،نفسه ،المسائل السروية ،تحقيق :صائب عبد الحميد ،دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع،
الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان1414 ،هـ.
--409المفيد ،نفسه ،جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية ،تحقيق :الشيخ مهدي نجف ،دار المفيد
للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية ،بيروت -لبنان1414 ،هـ.
--410المفيد ، ،نفسه ،الجمل ،الطبعة الثانية ،مكتبة الداوري -قم -ايران.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 534
--411المفيد ،نفسه ،تحريم ذبائح أهل الكتاب ،تحقيق :الشيخ مهدي نجف ،دار المفيد للطباعة والنشر
والتوزيع ،الطبعة الثانية1414 ،هـ.
--412المفيد ،نفسه ،األمالي ،تحقيق :الحسين استاذ ولي وعلي أكبر الغفاري ،مؤسسة النشر اإلسالمي،
قم -إيران1414 ،هـ.
المقنعة ،مؤسسة النشر اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين ،قم -إيران1410 ،هـ.
--413المفيد ،نفسهُ ،
--414المفيد ،نفسه ،تصحيح اعتقادات اإلمامية ،تحقيق :حسين درگاهي ،دار المفيد للطباعة والنشر ،قم
ـ إيران ،ط1414 ،2هـ.
--415المفيد ،نفسه ،الفصول المختارة ،تحقيق :السيد علي مير شريفي ،دار المفيد للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1414 ،هـ1993 /م.
--416المفيد ،نفسه ،االختصاص ،تحقيق :علي أكبر الغفاري -السيد محمود الزرندي ،دار المفيد للطباعة
والنشر ،بيروت -لبنان ،الطبعة الثانية1414 ،هـ1993 /م.
--417المقداد السيوري ،مقداد بن عبد الله (ت826 :هـ) ،التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ،تحقيق :السيد
عبد اللطيف الكوه كمري ،الطبعة األولى ،مكتبة المرعشي ،قم1404 ،هـ.
--418المقريزي ،أحمد بن علي بن عبد القادر (ت845 :هـ) ،إمتاع األسماع ،تحقيق وتعليق :محمد عبد
الحميد النميسي ،دار الكتب العلمية ،الطبعة األولى ،بيروت -لبنان1999 ،م.
--419المناوي ،محمد عبد الرؤوف (ت1031 :هـ) ،فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير
النذير ،تصحيح :أحمد عبد السالم ،دار الكتب العلمية ،بيروت1994 ،م.
--420المنتظري ،الشيخ حسين علي(ت2009 :م) ،دراسات في والية الفقيه ،المركز العالمي للدراسات
اإلسالمية ،الطبعة الثانية1409 ،هـ.
--421المنتظري ،نفسه ،البدر الزاهر في صالة الجمعة والمسافر (تقرير ًا لدروس السيد البروجردي)،
مكتب آية الله المنتظري ،الطبعة الثالثة1416 ،هـ.
--422المنقري ،نصر ابن مزاحم (ت212 :هـ) ،وقعة صفين ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،المؤسسة
العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية ،مصر -القاهرة1382 ،هـ.
--423الموصلي ،أحمد بن علي التميمي (ت307:هـ) ،مسند أبي يعلي الموصلي ،تحقيق :حسين سليم
أسد ،دار المأمون للتراث.
--424الميالني ،السيد محمد هادي (ت1395 :هـ) ،قادتنا كيف نعرفهم؟ تحقيق :السيد محمد علي
الميالني ،الطبعة األولى ،قم -إيران1426 ،هـ.
--425الميالني ،نفسه ،محاضرات في فقه اإلمامية (الزكاة) ،جمع وتعليق :السيد فاضل الحسيني
الميالني ،انتشارات دانشكاه فردوسي ،مشهد -إيران.
--426النجاشي ،أحمد بن علي بن أحمد بن العباس األسدي (ت450 :هـ) ،الفهرست المعروف بـ رجال
النجاشي ،تحقيق :السيد موسى الزنجاني ،جماعة المدرسين ،ق1407 ،هـ.
535 فهرس المصادر والمراجع
--427النجاشي ،أحمد بن علي بن أحمد بن العباس (ت450 :هـ) ،رجال النجاشي ،مؤسسة النشر
اإلسالمي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرقة ،الطبعة الخامسة1416 ،هـ.
--428النجفي ،محمد حسن (ت ،)1266:جواهر الكالم ،تحقيق :الشيخ عباس القوجاني ،دار الكتب
اإلسالمية -إيران ،الطبعة الثالثة1367 ،هـ .ش.
--429النجفي ،محمد هادي ،كتاب الحدود والتعزيرات (تقرير ًا لبحوث السيد الكلبيكاني) ،غير مطبوع،
منشور في مكتبة آل البيت االلكترونية.
--430النحاس ،أبو جعفر (ت338 :هـ) ،معاني القرآن ،تحقيق :الشيخ محمد علي الصابوني ،جامعة أم
القرى ،الطبعة األولى ،المملكة العربية السعودية1409 ،هـ.
--431النراقي ،أحمد بن محمد مهدي (ت1245 :هـ) ،مستند الشيعة في أحكام الشريعة ،تحقيق :مؤسسة
آل البيت إلحياء التراث ،قم -إيران ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
--432النراقي ،محمد مهدي (ت1209 :هـ) ،جامع السعادات ،تحقيق :السيد محمد كلنتر ،دار النعمان
للطباعة والنشر ،النجف األشرف.
--433النسائي ،أحمد بن شعيب (ت303 :هـ) ،السنن ،دار الفكر -بيروت ،الطبعة األولى1930 ،م.
--434النسفي ،عبد الله بن أحمد بن محمود (ت710 :هـ) ،مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـ
تفسير النسفي.
--435النعماني ،الشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بالنعماني (ت360 :هـ) ،الغيبة،
تحقيق :فارس حسن كريم ،الناشر :مدين ،الطبعة األولى1404 ،هـ.
--436النمازي ،الشيخ علي الشاهرودي (ت1405 :هـ) ،مستدركات علم الرجال ،الطبعة األولى ،طهران،
1412هـ.
--437النميري ،عمر بن شبة (262 -173هـ) ،تاريخ المدينة المنورة ،تحقيق :فهيم محمد شلتوت ،دار
الفكر ،الطبعة الثانية ،قم -إيران1410 ،هـ.
--438النوري ،الميرزا حسين الطبرسي (ت1320 :هـ) ،مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ،مؤسسة آل
البيت إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،قم1408 -هـ.
--439النوري ،نفسه ،خاتمة المستدرك ،مؤسسة أهل البيت ،قم -إيران ،الطبعة األولى1415 ،هـ.
--440النووي ،يحيى بن شرف بن مري (ت676 :هـ) ،المجموع في شرح المهذب ،دار الفكر ،بيروت ـ
لبنان ،ال.ت ،ال.ط.
--441النووي ،نفسه ،شرح صحيح مسلم ،دار الكتاب العربي ،لبنان1987 ،م.
--442النيسابوري ،مسلم بن الحجاج( ،ت261 :هـ) ،صحيح مسلم ،دار الفكر -بيروت.
--443النيسابوري ،محمد بن عبد الله الحاكم (ت405:هـ) ،المستدرك على الصحيحين ،تحقيق :يوسف
عبد الرحمن المرعشلي ،دار المعرفة ،بيروت -لبنان ال.ط.
--444الهاشمي ،السيد محمود الهاشمي ،منهاج الصالحين ،الطبعة ،2دار الغدير ،بيروت لبنان 2011م.
فقه العالقة مع اآلخر المذهبي -دراسة في فتاوى القطيعة 536
--445الهمداني ،آغا رضا (ت1322 :هـ) ،مصباح الفقيه ،إيران ،طبعة حجرية1318 ،هـ.
--446الهمداني ،نفسه ،مصباح الفقيه ،تحقيق :المؤسسة الجعفرية إلحياء التراث ،الطبعة األولى ،إيران،
1422هـ.
--447الهندي ،محمد بن الحسن األصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (ت1137:هـ) ،كشف اللثام عن
قواعد األحكام ،مؤسسة النشر اإلسالمي ،قم -إيران ،الطبعة األولى1416 ،هـ.
--448الهيثمي ،أحمد ابن حجر (ت974 :هـ) ،الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ،تعليق
وتقديم :عبد الوهاب عبد المطلب ،مكتبة القاهرة ،الطبعة الثانية1965 ،هـ.
--449الهيثمي ،الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر( ،ت807 :هـ) ،مجمع الزوائد ،دار الكتب العلمية-
بيروت1988 ،م.
--450الواحدي ،علي بن أحمد النيسابوري (ت468 :هـ) ،أسباب نزول اآليات ،مؤسسة الحلبي للنشر
والتوزيع ،القاهرة1968 ،هـ.
السادس الهجري) ،عيون الحكم والمواعظ ،تحقيق:--451الواسطي ،علي بن محمد الليثي (القرن ّ
الشيخ حسين البيرجندي ،دار الحديث ،قم ـ إيران ،ط 1376 ،1هـ ش.
--452الواقدي ،محمد بن عمر بن واقد (ت207 :هـ) ،كتاب المغازي ،تحقيق :الدكتور مارسيدن جونس،
دانش إسالمي ،إيران1405 ،هـ.
--453اليحصبي ،القاضي عياض (544هـ) ،الشفا بتعريف حقوق المصطفى ،دار الفكر للطباعة والنشر
والتوزيع ،بيروت ،لبنان1988 ،م.
--454اليزدي ،السيد محمد كاظم الطبطبائي (ت1337 :هـ) ،العروة الوثقى ،تحقيق وطبع :جماعة
المدرسين -قم ،الطبعة األولى ،قم1420 -هـ.
--455اليعقوبي ،أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر المعروف باليعقوبي (ت284 :هـ) ،تاريخ اليعقوبي ،دار
صادر ،بيروت -لبنان.