Professional Documents
Culture Documents
مذكرة مالكي إيمان
مذكرة مالكي إيمان
السياسي
االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ
الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"
خطب َ
مذكرة مق َدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم اللسان وتحليل الخطاب
السياسي
االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ
الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"
خطب َ
مذكرة مق َدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم اللسان وتحليل الخطاب
السياسي
االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ
الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"
خطب َ
إهداء
إلى نقطت ّي ضعفي ومصدر ّ
ي قوتي
.والد َّ
ي العزيزين
مقدمة:
طفقت النظرية التداولية تتبلور حديثا في إطار اللسانيات فأصبحت موضوعا مألوفا
اهرة الكالمية ،يمتلك أسسه المنهجية كما يمتلك مقوماته ومفاهيمه في تحليل الظ
فإن التداولية " " la pragmatiqueقد اغتدت من أحدث فروع ثم َ ومصطلحاته ،ومن َ
خاص ة ووظائف األقوال اللغوية
ً العلوم اللغوية في اعتنائها بتحليل عمليات الكالم بصفة
وخصائص ها خالل إج راءات التواصل بش كل ع ام ،بمع نى َأنها تنش غل في األس اس
بدراسة فعل الكالم ومعالجة وظ ائف األق وال اللغوية وخصائص ها ،بحيث تجعل ش غلها
األول البحث في تلك الش روط الض رورية والالزمة كي تك ون األق وال اللغوية مقبولة
يتحدث فيه المتكلم .
وناجحة وأيضا مناسبة في الموقف التواصلي الذي َ
إن ظهور هذا الفرع العلمي في الدراسات األلسنية كان وليد طرح جديد في االهتمام
َ
بج انب مهم من التواصل البش ري ،ج اء ليس هم في تفعيل النش اط اللغ وي ووظائفه ،
وذلك ك ون اللَس انيات ظلَت ف ترة طويلة من ال زمن تكتفي بقس مين أساس يين ( :النحو
التركيبي ) و(علم الداللة ) وكان هذان الفرعان يطمحان إلى وصف كل اللغة البشرية ،
ثم أض اف الَلغوي ون قس ما ثالثا أطلق عليه اسم " التداولية " وهو يع نى بعالقة العالمة
ينص ب اهتمامه بالدرجة األولى على البعد
أن االتج اه الت داولي ّ
اللغوية بمس تخدميها أي َ
االس تعمالي واإلنج ازي للكالم وللغة الخط اب آخ ذا بعين االعتب ار كاّل من المتكلم
والسياق الذي ورد فيه .
وتع ُد نظرية أفع ال الكالم و أس لوب الحج اج باإلض افة إلى أس اليب المغالط ة من
المح اور الك برى في اللَس انيات التداولي ة وهي آلي ات مهمة في تحليل الخط اب
السياس ي ،حيث تعت بر خطب الحج اج بن يوس ف من أفض ل النم اذج ال تي ت ترجم ه ذا
العلم الجديد من حيث األفعال الكالمية واألساليب المختلفة التي تتسم بها هذه الخطب ،
وهي األس باب ال تي دفعتنا إلى اختي ار ه ذا البحث ال ذي ارتأينا عنونته بـــ "
1
مقدمة
إن الخط اب السياسي حقل للتعب ير عن اآلراء واق تراح األفك ار والمواقف ح ول
َ
والس لطة وغيرها من القض ايا ال تي تس تهدف أمن
القض ايا السياس ية كالديمقراطية َ
واألم ة ،وهو ما يع ني ارتباطه بحياتنا اليومية ،وليس من بين أن واع
َ ومس تقبل الف رد
الخط اب ما تتجلَى فيه الهيمنة والق وة ومح اوالت الت أثير أك ثر من الخط اب السياسي
والسياسة وهو األمر ال ذي يجعل منه
بمعن اه الخ اص المح َدد ال ذي يتعلَق ب أمور الحكم َ
بالدراسة والتَحليل من
السياسي َ
أن تناول الخطاب َ
موضوعا جديرا بالدراسة ،مع العلم َ
فالسياسة
والسياسة َ ،
الس هل لوال االرتباط الوثيق بين اللَغة َ
الوجهة التداولية ليس باألمر َ
مجرد دال
يتحول من َ
ألن اللَفظ عند اس تخدامنا َإي اه في س ياق سياسي َ
لغة واللَغة سياسة َ
يحيل على مدلول إلى موقف ومن ورائه اختيار كامل مرتسم في واجهة األح داث ،وقد
يكون في استعمال الكلمة أو العبارة ما يتجاوز حدود الواقعة التي نروم اإلفصاح عنها.
إشكالية الدراسة:
إن اختيارنا الخطاب السياسي كنموذج من أجل فهم االستراتيجيات التداولية لم يكن
َ
عما هو م ألوف في مثل ه ذه من محض الص دفة ،ولكن محاولة متواض عة للخ روج َ
غيب من ط رف الب احثين
والتميز في تن اول الخط اب السياسي ال ذي ّ
ّ الدراس ات اللَغوي ة
والن ادر
الدراس ات الغربية ّ
خاص ة منها التداولية ،باس تثناء بعض َ
ّ في دراس اتهم اللَغوية
السياسة والخط اب السياسي ،وله ذا حاولنا
منها في الدراس ات العربية ال تي تح ّدثت عن ّ
منا
في ه ذا البحث أن نمنح الخط اب السياس ي حقّه من الدراسة والتحليل ألنه يس تحق ّ
االهتمام والمجهودات الكافية.
2
مقدمة
كي ف تس اهم اآللي ات التداولية ممثَلة في أفع ال الكالم ،اس تراتيجية اإلقن اع وأس اليب
المغالطة في تحليل الخط اب السياس ي؟ وبعب ارة أخ رى هل يمكن أن يك ون الخط اب
النظرية التداولية ؟
السياسي نموذجا مثاليا لفهم َ
أهداف الدراسة :
إن مطمح ه ذا البحث بالدرجة األولى إثب ات احت واء ال َدرس اللَغ وي الع ربي على
ّ
نؤص ل من خاللها لما يع رف حاليا "باللَس انيات
َ توجه ات تداولي ة يمكنن ا أن
أفك ار ذات ّ
التداولية" ،وال تي يمكن أن تك ون م دخال رحبا لفهم تراثنا العظيم ه ذا على المس توى
أما على المس توى التط بيقي فالدراسة ته دف إلى تتبع االس تراتيجيات التداولية
النظ ريّ ،
محصورة في أفعال الكالم ،الحجاج وأحدث ما جاء في الدراس ات التداولية وهو أس لوب
المغالط ات في الخط اب السياسي باعتب اره أق وى الخطاب ات وأكثرها وقعا على المتلقي،
باإلض افة إلى تق ديم نم اذج حص رناها في ثالث خطب "للحج اج بن يوسف الثقفي" نفهم
تغيره في الواقع السياسي.
من خاللها كيفية ورود اآلليات وما َ
وأما على المس تويين النظ ري والتط بيقي فك ان ه دفنا إف ادة الب احث واث راء المكتبة
ّ
تهتم بالخطاب السياسي. الدراسات الَلغوية التي َ
الجامعية التي تكاد تنعدم من َ
المنهج الوص في :وذلك بتق ديم بعض المف اهيم األساس ية ال تي تخص ه ذا البحث على
غرار مفهوم الفعل الكالمي ،الخطاب السياسي ،التواصل وغيرها من المفاهيم.
3
مقدمة
المنهج التاريخي :وذلك بتتبع ظ اهرة أفع ال الكالم ونظرية الحج اج عند العلم اء الع رب
قديما إلى غاية نضجها مع العلماء الغرب في العصر الحديث.
طة هذا البحث ثالثة فصول :فصلين يمثَالن الجانب النظري وقد عنوناوتضمنت خ َ
َ
األول ب ـ :اس تراتيجيات الخط اب السياس ي ،والث اني ب :اس تراتيجيات الت داول في
الخط اب و هم ا فص لين تن درج تحتهما عن اوين أساس ية تح ّدثنا فيهم عن مفه وم
الس ياق
االس تراتيجية في الخط اب ومفه وم الخط اب السياسي ووظائفه ،باإلض افة إلى َ
فصلنا الحديث في استراتيجيات التداول في الخطاب ودوره في تحديد نمط الخطاب ثم َ
أما الفصل
ممثَلة في االس تراتيجية التوجيهية اس تراتيجية اإلقن اع وأس اليب المغالطة َ ،
الثالث الموسوم ب :تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب االس تراتيجيات التداولية فقد
تم تط بيق كل من االس تراتيجية التوجيهية واس تراتيجية اإلقن اع
ك ان تطبيقيا بحتا حيث َ
للحج اج بن يوسف اقتص رنا فيهاَ باإلض افة إلى أس اليب المغالطة على ثالث خطب
على ( الخطبة التي ألقاها في أهل الكوفة ،خطبة أهل البصرة ،ثم الخطبة التي ألقاها
بعد مقتل ابن الزبير ).
الدراسات السابقة:
إن الكتب واألبح اث األكاديمي ة ال تي تتن اول تحليل الخط اب السياسي تحليال متك امال
َ
جدا خاصة من منظور جوهر اللسانيات التداولية المتمثل في نظرية أفع ال الكالم، نادرة َ
لكننا ص ادفنا بعض الكتب والبح وث ال تي ك انت قد تن اولت جانبا أو أك ثر من ه ذا
َ
الموضوع أهمها:
-كتاب تبسيط التداولية للدكتور" بهاء الدين محمد مزيد "وهو كتاب ثري كان قد تحدث
أدب
تطورها وأهم قض اياها ممثّلة في الت َ
فيه ال دكتور به اء ال دين عن التداولية وكيفية ّ
والكياس ة ،المب دأ التع اوني ،التداولية العامة ،التداولية المقارنة باإلض افة إلى بالغة
أفع ال الكالم في تحليل مجموعة من الخطاب ات منه ا :ال دعاء ،الخط اب السياسي ال ذي
4
مقدمة
ح اول من خالله ال دكتور به اء ال دين لفت انتب اه الدارس ين في مج ال اللَس انيات إلى ه ذا
النوع من الخطابات.
-كت اب لس انيات التلفظ وتداولية الخط اب لألس تاذ الب احث "حمو الح اج ذهبية "وهو يع ّد
كتابا ذا جودة حاول فيه الباحث إبراز نظرية التلَفظ في الخطاب السياسي الجزائري.
-م ذكرة األمانة في الخط اب السياسي للب احث األك اديمي "جالل ال دين بو عايشة "وهي
عب ارة عن م ذكرة ماجيس تير تخصص ترجمة ح اول فيها الب احث رصد قيمة أخالقية
وهي األمانة في نقل الخط اب السياسي الجزائ ري المكت وب باللَغة الفرنس ية إلى اللَغة
العربية .
وفي األخ ير أرج و ال أتم نى أن يك ون ه ذا البحث المتواض ع مرجع ا للط اَلب الج امعي
التداولية،الش غوف باكتشاف خبايا الخطاب السياسي من خالل هذا
َ الباحث في اللَسانيات
العلم الجديد .
5
مقدمة
6
مدخل
مدخل
مدخل
-1مفهوم التداولية:
لغ ة :من الج ذر"دول" يت داول ت داوال ويق ال ت داولنا األم ر أي أخ ذناه بال دول وق الوا
دوالي ك أي مداول ة على األم ر ،وتداولت ه األي دي ،أخذت ه ه ذه م َرة وه ذه م َرة ،وت داولنا
العم ل بينن ا بمع نى تعاون اه فعم ل ه ذا م رة وه ذا م رة وق ال داول اهلل األي ام إذا أدراه ا
وصرفها.1
"البراجماتي ة" أو "البراجماتيكي ة" وهم ا باإلض افة إلى "أعجميتهم ا" َ
ربم ا تؤدي ان إلى خل ط
بالنفعي ة أو الذرائعي ة
بين المقص ود في ه ذا البحث والمدرس ة الفلس فية المعروف ة َ
.
pragmatisme
أم ا اص طالحا فالتداولي ة " "la pragmatiqueهي دراس ة اللَغ ة قي د االس تعمال أو
َ
االستخدام ،بمعنى دراسة اللغة في سياقاتها الواقعية ال في حدودها المعجمية أو تراكيبها
النحوية.
-1ابن منظ ور ،لس ان الع رب ، ،ض بط يوس ف الش يخ محم د البق اعي ،دار الفك ر للطباع ة والنش ر والتوزي ع ،ط،1
بيروت ،لبنان 2003 ،ج 11ص253-252
8
مدخل
هي دراس ة الكلم ات والعب ارات والجم ل كم ا نس تعملها ال كم ا نج دها في الق واميس
والمعاجم و الكما تقترحها كتب النحو التقليدية ،خذ مثال كلمة "شكرا" في لسان العرب
"البن منظ ور""عرف ان باإلحس ان ونش ره "وفي اس تعماالتنا اليومي ة تتج اوز الكلم ة مج رد
العرف ان باإلحس ان ونش ره فتش نأ عنه ا مع ان جدي دة ودالالت تتج اوز ح دودها المعجمي ة
الضيق.1
بالرفض أو التهكم أو َ
الضيقة مهما اتسعت فلربما أوحت َ
المكون التداولي:
َ وترمي التداولية باعتبارها َفنا إلى دراسة الظواهر الراجعة إلى هذا
نح دد التداولي ة باعتباره ا دراس ة اس تعمال اللغ ة في مقاب ل دراس ة النس ق اللغ وي وق د
تطورت بصفة خاصة انطالقا من أبحاث في فلسفة اللغة لـ "جون أوستين" حول أفعال
الَلغة.2
-1بهاء الدين محمد مزيد ،تبسيط التداولية ،من أفعال الكالم إلى بالغة الخطاب السياسي،دار شمس للنشر ط2010
القاهرة ص.18
-2باتريك شارودو ،دومينيك منغنو ،معجم تحليل الخطاب ،ت :عبد القادر المهيري ،حمادي صمود ،دار سيناترا،
تونس ،2008 ،ص.443-442
9
مدخل
والتداولية باعتبارها علما جديدا للتَواصل يدرس الظواهر اللَغوية في مجال االستعمال
تق وم ب دمج مش اريع معرفي ة متع ددة في دراس ة التواص ل اللغ وي وتفس يره 1حيث يق ول
<إن ه من الص عب الح ديث عن التداولي ة ،ألن ه ذه
"م انقونو" في حديث ه عن التداولي ة َ
التعب ير يغطي ه العدي د من التي ارات من عل وم مختلف ة تتقاس م ع ددا من األفك ار...
واللَس انيون ليس وا وح دهم المعن يين بالتداولي ة ب ل تع ني الكث ير من علم اء االجتم اع إلى
المناطقة وتتجاوز اهتماماتها بمجموع األبحاث المتعلقة بالمعنى والتواصل.2
-2مفهوم الخطاب:
يعد مصطلح الخطاب من المصطلحات الحيوية التي اتَسمت بالشيوع واالزدهار في
َ
العدي د من الدراس ات والبح وث اإلنس انية المعاص رة ،إذ طف ق يت داول من المنتص ف
الث اني للق رن العش رين ،وق د تجلى اس تعماله بص فة خاص ة في مج االت األدب والفلس فة
وك ذا في الدراس ات األلس نية الحديث ة ال تي ت أثرت به ا نظري ة األدب والنق د األدبي م ع
أن ه ذا
ظه ور البنوي ة في أواخ ر الس تينيات والس بعينيات من الق رن الماض ي ،غ ير َ
المص طلح ق د تش عب وتع َددت مس الكه ومفاهيم ه غ ير المتناهي ة ف اختلفت ب ذلك دالالت ه
والتبس ت م ع مص طلحات أخ رى كمص طلح النص ،ولع َل من اط االختالف في تحدي د
ثم
المعنى وإ حداثه قد تولد باختالف الفهم وتطوراته لدى الباحثين في النظر إليه ومن َ
فإنه – أي الخطاب -قد استولى على قسط وافر من العناية والمدارسة وذلك باعتباره"َ
محددا في التاريخ ويشغل علما بذاته".3
نمطا من اإلنتاج الدال فهو يحتل موقفا َ
- 1مسعود صحراوي ،التداولية عند العلماء العرب ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت ،يوليو ،2005 ،ص.15
-2خليفة بوجادي ،في اللسانيات التداولية ،ط ،1دار الحكمة .2009 ،ص.63
-3عبد القادر عواد ،مجلة عالمات ،ع ،74شعبان ،1432يوليو ،2011ص .56 – 55
10
مدخل
ويوجد المدلول اللَغوي للخطاب في المعاجم العربية في مادة "خطب" وهي تحليل إلى
عدة معان منها:
وبهذا التفسير تتضح أهمية الفروق الفردية التي تتفاوت من مرسل إلى مرسل أخر،
أم ا "اآلم دي" فق د ع ّرف الخط اب تعريفً ا َبيًِّن ا بع د أن وعى ب أن التعري ف ه و المنطل ق
َ
لمعرفة األحكام الشرعية ،إذ يرى أنه "اللَفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو
متهيئ لفهمه".1
-1عب د اله ادي بن ظ افر الش هري ،اس تراتيجيات الخط اب ،مقارب ة لغوي ة تداولي ة ،دار الكت اب الجدي د ،ط ،1م ارس
،2004ص ص .36-35
-2عبد القادر عواد ،مجلة عالمات ،ص .56 – 55
-3س ارة ميل ز ،ت :بغل ول يوس ف الخط اب ،منش ورات مخ بر الترجم ة في األدب واللس انيات ،جامع ة منت وري
قسنطينة ،2004 ،ص.48
12
مدخل
انتشارا
ً قريبة من اللوغوس ( 1 )logosاليوناني ،وفي اللسانيات أشاعه" ق .قيوم" وشهد
فائق السرعة مع أفول نجم البنيوية وصعود التيارات التداولية.2
2-2خط اب مقاب ل لس ان :ق ال غاردين ار (" :)1989-1932إن التمي يز بين كالم أو
نوج ه
خطاب أو لسان اقترحه ألول مرة "فرديناند دوسوسير" ودقَقته أنا" ،لكن يمكن أن َ
"الخط اب" نح و بع د اجتم اعي أو ب األحرى نح و بع د ذه ني ،ويخت ار "غردين ار" اإلتج اه
األول فالخط اب "ه و االس تعمال بين الن اس لعالم ات ص وتية مركب ة لتبلي غ رغب اتهم أو
آرائهم في األشياء".
و"اللَسان" طبقا لتعريفه بأنه نسق يشترك فيه أعضاء مجموعة لسانية يقابل "الخطاب"
باعتباره استعماال محدود لهذا النسق.
2-3خط اب مقاب ل نص :الخط اب يتص ور باعتب اره إقحام ا لنص في مقام ه ( ظ روف
وتقبله ).3
َ إنتاجه
2-4خطاب مقابل ملفوظ :ه ذا التمي يز الق ريب ج دا من التمي يز الس ابق يس مح بالمقابلة
بين طريق تي نظ ر إلى الوح دات المتج اورة للجمل ة .باعتباره ا وح دة لس انية (ملف وظ)
وباعتباره ا أث ر فع ل تواص ل مح دد اجتماعي ا وتاريخيا وه ذه المقابل ة هي ال تي اعتم دت
من جهة أخرى إلسناد وجهة نظر خصوصية إلى تحليل الخطاب "إن إلقاء نظرة على
.اللوغوس :كلمة يونانية لها مدلوالت متعددة كالخطاب ،اللغة ،العقل الكلي .كلمة اإلله -
1
13
مدخل
نص من حيث هيكلته(في اللسان) يجعل منه ملفوظ ا" والدراسة اللسانية لظروف إنتاج
هذا النص تجعل منه خطابا.4
األول :شيوع هذا المصطلح بلفظه الدخيل و الثاني :كثرة استعماله في ميادين معرفية
وحض ارية مختلف ة وج راء ه ذا اللبس ال ذي اع ترى ه ذا المص طلح نج د أن ل ه مف اهيم
مختلفة.1
-جاء لفظ اس تراتيجية من فن قيادة عملي ات جيش في مي دان القت ال (وهو يقاب ل آن ذاك
حد أنها آلت إلى تعيين جزء من الفنون العسكرية وأمكن لها
الخطة )la tactiqueإلى َ
أن تك ون موض وع تعليم (دروس االس تراتيجية والوس ائل الحربي ة) ،2فهي علم و فن
ينص رفان إلى الخط ط والوس ائل ال تي تع الج الوض ع الكلي للص راع من أج ل تحقي ق
سياسة ما لبلوغ هدف ما.3
-1عبد اهلل البهلول ،الوصايا األدبية إلى القرن الرابع هجريا ،مقاربة أسلوبية حجاجية ،مؤسسة االنتشار العربي
ط 2011 1بيروت لبنان .ص .332
-2باتريك شارودو – دومينيك منغنو ،معجم تحليل الخطاب ،ص .532
-3هيثم األيوبي وآخرون ،الموسوعة العسكرية ،المؤسسة العربية للدراسات ،بيروت ،1981 ،ج ،1ص.66
15
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
وقد ُع رفت االستراتيجية أيضا بكونها "طرق محددة لتناول مشكلة ما أو القيام بمهمة
بأنه ا ت دابير مرس ومة من أج ل ض بط معلوم ات مح َددة و
من المهم ات" ،كم ا ُع رفت َ
التَحكم بها".1
أم ا في تحليل الخطاب نالحظ لهذا المصطلح استعماالت مختلفة وتحديدات مختلفة
َ
ب اختالف تي ارات البحث ،ف "الكلم ات" ق د ت دخل في اس تراتيجيات اجتماعي ة وهي
مؤش رات وأس لحة الس تراتيجيات الفردن ة ،وحس ب رأي "ب وتي وآخ" و وجه ة نظ ر
آخ رين االس تراتيجية من "ش روط إنت اج الخط اب" وحس ب وجه ة نظ ر أخ رى "تتك ون
هيكل ة عم ل اللغ ة من فض اءين :فض اء إكراه ات يتض من المعطي ات ال دنيا ال تي ينبغي
االس تجابة له ا ليك ون عم ل اللغ ة ص حيحا وفض اء اس تراتيجية ليقوموا ب إخراج عم ل
اللغة.2
وه ذا م ا ي راه ال دكتور عب د اهلل البهل ول حيث يق َر أن لالس تراتيجية مفهوم ان ش ائعان
مفه وم أول مق ترن بالمن اورة والموارب ة موص ول بمب دأ انته اج الط رق الملتوي ة وتتب ع
دل في ه االس تراتيجية على مجموع ة
المس لك المالئم وس ط العواص ف ،ومفه وم ث ان ت َ
ظفها في تحقيق المقاصد
يتوسلها المتكلَم ويحدث بينها تفاعال ويو َ
الوسائل اللَغوية التي َ
الصريحة والضمنية.3
َ
أم ا االس تراتيجية عن د الغ رب فق د وردت عن د "ميش ال فوك و" ال ذي ذهب إلى أن
َ
ويعرفها بقوله:
لالستراتيجية معان كثيرة ومتعددة كل معنى منها مع سياق معين َ
وأخ يرا الت دليل على مجم ل األس اليب المس تخدمة في مجابه ة م ا لحرم ان الخص م من
وسائله القتالية و إرغامه على االستسالم ...وعليه تتحدد االستراتيجية باختيار الحلول
الرابحة.2
َ
وتتف ق ه ذه المف اهيم ال تي أعطاه ا "فوك و" لالس تراتيجية في َأنه ا عم ل ذه ني باألس اس
إن اختي ار
بمع نى أن اختي ار الوس ائل المس تخدمة يعتم د على اس تخدام العق ل ،وبه ذا ف َ
االستراتيجية يتميز بالعقالنية.
والكفاي ة اللَغوي ة أح د المص طلحات ال تي وض عها "تشومس كي" في دراس ته للَغ ة وهي
"معرف ة المتكلَم بلغت ه ،ف المتكلم يجب أن يك ون على معرف ة جي دة بلغت ه ،وتش مل ه ذه
المعرفة القواعد األساسية التي بواسطتها يتم تركيب الجمل وصياغتها صياغة ص حيحة"
وهذا يعني َأنه ُينظر للكفاية على َأنها المعرفة المتطلبة لتركيب جمل صحيحة الصياغة
أو فهمها.1
أن مفهوم الكفاية هذا انتقد من طرف العلماء من أمثال "ديل هايمز" الذي استبدل
غير َ
عرفه ا " :بأنه ا مق درة المتكلم على
الكفاي ة اللغوي ة بمص طلح الكفاي ة التواص لية ،حيث َ
إنتاج منطوقات مناسبة ألنماط المواقف االتصالية المختلفة ،ال إنتاج جمل نحوية".2
-1محمد محمد يونس علي ،المعنى وظالل المعنى ،أنظمة الداللة في العربية ،دار المدار اإلسالمي ،ط،2007 ،2
ص.148
-2محمد العبد ،النص والخطاب واالتصال ،األكاديمية الحديثة لكتب الجامعية ط 1القاهرة – .2005ص.49
-3عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجيات الخطاب ،ص.58
18
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
الس ليم للخطاب ات الناتج ة عن تط بيق تل ك القواع د .ونع ني باالس تخدام وض ع الخطاب ات
َ
وأم ا الكفاي ة 1
الس ياقات المناس بة ،فهم ا إذن متكاملت ان من حيث المه ام َ
المختلف ة في َ
التداولي ة ال تي الب َد من توافره ا في مرس ل الخط اب فهي تت داخل م ع الكف اءة التواص لية
وهي تع ني الق درة على التحكم في المب ادئ العام ة للنش اط الخط ابي وال س يما قواع د
توجه إلى آفاق لسانية اجتماعية
تتضمن عند ما َ
َ المحادثة وإ ذا كانت الكفاءة التواصلية -
-تش مل بالدرج ة األولى التحكم في أجن اس الخطاب ات الملموس ة ،ف إن الكف اءة التداولي ة
تشمل مبادئ التَبادل اللَغوي العامة جدا والتي هي مشتركة بين أجناس مختلفة.2
1-2خصائص االستراتيجية:
من خص ائص االس تراتيجية َأنه ا خفي ة متف َردة ،ال تص لح منه ا واح دة لمعرك تين
مختلفتين وهذا االختالف يشرع الحديث عن استراتيجيات مختلفة ويكسب النص األدبي
فرادته.3
تراتيجية مش روط بمب دأين متك املين هم ا :ض بط المقاص د واختي ار
َ والح ديث عن االس
ومكوناته ا
َ إن من أهم خص ائص االس تراتيجية
الوس ائل المناس بة ،وب ذلك يمكن الق ول َ
ط ط ل ه بص فة مس تمرة وش عورية ،فليس ت هي من عف و الكالم يس ير
َأنه ا :خط اب مخ َ
إن ما يصلح منها لحالة قد ثم َ
بصاحبه على غير منهج ،مستسلما لشجونه مفتنا بألوانهَ .
ال يص لح في غيره ا من الح االت .وعلى ه ذا األس اس تتع دد االس تراتيجيات بتع َدد
متغي رة باس تمرار .2وم ا بين ض بط المقاص د واختي ار
ظ روف انعق اد الخط اب ،وهي َ
الوسائل مرحلة خفية قائمة على استباق ردود فعل المخاطب والتنبؤ بمختلف الحاالت
الممكن حدوثها ،وهذا يستوجب معرفة دقيقة بمقام الخطاب ومختلف األبعاد المؤثَرة في
العملية الخطابية.3
-1-3عناصر االستراتيجية:
إن عناص ر االس تراتيجية في مج ال األدب :هي اللغ ة أص واتا ومع اجم وت راكيب
َ
مصممة
َ وصورا مع فارق جوهري هو انتظام جميع العناصر اللسانية في إطار خطة
مدروس ة خالي ة من االعتباطي ة والعفوي ة ،قائم ة على تفاع ل جمي ع تل ك العناص ر
والمكون ات لتحقي ق الغاي ة وإ دراك المقص د المرس وم س لفا ،وعلى ه ذا األس اس يمكنن ا
القول أن لك َل نص خصوصياته ومميزاته من سائر النصوص وإ ن كانت مادة التأليف
إن الظاهرة اللَغوية والبالغية تصدر من الكاتب الواحد يختلف معناها ووقعها
واحدة بل َ
-1باتريك شارودو ،دومينيك منغنو ،معجم تحليل الخطاب ،ص.534 – 533
-2عبد اهلل البهلول ،الوصايا األدبية ،ص.335
-3المرجع نفسه،ص.336
20
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
على النفوس باختالف مقامها وسياقها ،فليس وورودها في ال َشعر مثل ورودها في النثر
وال مجيئها أول النص كمجيئها في نهايته. 1
متى اعتبر المتكلم جميع هذه العناصر واختار األساليب التعبيرية المناسبة ،أمكنه إدراك
الس ابق ،ويتواضع
وي َلين ذو القلب َ
م ا ع َده العرب من األمور عص يا :أن يفهم الجاه لُ ،
ويؤي د المع ارض ،والخط اب -م تى ك ان على ه ذه الص فة -يمكن ه أن يس تميل
المتجب رَ ،
َ
القلوب و به تدرك الغايات .
-1-4أنواع االستراتيجيات:
والنفوذ
"الس لطة" ويتكلَم من مواقع القوة َ
ففي االستراتيجية التَصريحية يكتسب المخاطب َ
الص ريح والمباشر ،وبانفتاحه ينحو
فيصدر األوامر والنواهي وينفتح أمامه باب التَعبير َ
الخطاب منحى تعليميا وتوجيهيا وتتواتر فيها أساليب األمر والنهي والتحذير واإلغراء
أم ا االس تراتيجية التلميحي ة فتب دو أك ثر تعقي دا ،من حيث طرائ ق األداء ،وفي ه ذا
َ
الس ياق يجم ع أغلب الب احثين في التداولي ة على أن المتكلَم يلج أ في ح االت كث يرة إلى
َ
الض مني و يتوس ل طرائ ق إيحائي ة وتلميحي ة أك ثر مم ا يتوس ل طريق ة
أس اليب التَعب ير َ
يتم بما تسميه "أوركيوني"
لعل قانون الخطاب وأصله وجوهره أن َ
الصريح ،بل َ التعبير َ
مب دأ الموارب ة واإللت واء le principe de l'indirection :وهي تع ني ب ذلك :اجتن اب
طلب ،وال رأي نفس ه أش ار إلي ه "س يرل " حين نفى أن يك ون
المباش ر والتَص ريح ب ال َ
أخص خصائص
َ أن التَضمين من
وقرر َ
التَضمين مجرد ظاهرة عرضية في الخطابَ ،
بأن التَصريح هو األقل تواترا ( ،إذ من النادر
أقر َ
اللَغة وأصل من أصولها ،بل َإن ه َ
فكأن التَضمين يصبح أصال في االستعمال ليصبح
مثال أن يحتاج المتكلم إلى التَصريحَ ،
التص ريح فرع ا ل ه ،وه ذه الظ اهرة ال تكمن قيمته ا في ذاته ا ب ل م ا يتول د عنه ا من
ظ واهر أخ رى و في م ا يت وفر بفض لها من إمكان ات في التعب ير لم تكن لتت وفر ل ه من
النص
الض مني أن يسم المعنى في َ
األفعال المباشرة ) ،ومن شأن اختيار مسلك التعبير َ
بالتعدد ويجعل المتكلَم يبلَغ مخاطبه أكثر مما يقوله.
َ
22
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
الض مني مع نى مخصوص اَ ،إن ه إض مار ق ول يقتض يه الخط اب
ويكتس ب مص طلح َ
الدوافع واألسباب ،ففي حاالت عديدة يعمد المخاطب إلى
متعدد َ
إضمارا واعيا مقصودا َ
طلب بوص فهما مك وني الوح دة الحجاجي ة ،وه و -إذ يكتفي
الحج ة أو ال َ
االقتص ار على َ
بالس ؤال عن الحجج ال تي تش َرعه -وه و إذ ي ذكر الحجج في
ب الطلب -يث ير ال َذهن َ
دبر
ملف وظ إخب اري -يبعث على التَس اؤل عن مقص ده من " اإلخب ار " و ي دعو إلى ت َ
يلمح إليه وينطوي عليه ،والقول في هذا
القول وتجاوز ظاهر ما يخبر به إلى حقيقة ما َ
ظفا لغرض اإلفادة ،وهو
المقام مزدوج القيمة والوظيفة ،يبدو في الظاهر إخباريا مو َ
في حقيق ة مقص ده ت أثيري يه دف إلى نق ل المخ اطب من وض ع تفك يري َأول إلى وض ع
تفك يري ث ان ،1وبين الوض ع المنتق ل عن ه والمنتق ل إلي ه أو المرغ وب في ه وس ائل لغوي ة
وبالغية وجملة من الطرائق واآلليات .فما هي أهم وسائل تأدية المعاني الضمنية ؟ من
الس ياق أن نم يز بين ن وعين من المع اني الض منية أولهم ا ه و المع نى
األكي د في ه ذا َ
دس في ب اطن الملف وظ ويحتمي بظالل ه ،ويك ون
االقتض ائي le présupposéال ذي ين َ
يحم ل ص احبه مس ؤولية
من دمجا في اللغ ة ال يقب ل اإلنك ار أو ال رفض أو المناقش ة وال َ
أن المع اني الض منية الموج ودة في الخط اب هي مع ان س ياقية 2
التلف ظ به وه ذا يع ني َ
المتقبل وقدراته العقلية واالستداللية.
َ مقامية مرتبطة بكفاءة
ويمكن اإلش ارة إلى أهم المس َوغات ال تي ت رجح اس تعمال المرس ل لالس تراتيجية
التلميحية وهي كما يلي:
َ
-2إعالء المرس ل لذات ه على حس اب اآلخ رين وإ ض فاء التف َوق عليه ا ب ذكر عي وبهم
واالنتق اص من أق دارهم مث ل ق ول المرس ل :فالن ال يفق ه في أم ور الحي اة ش يئا ،إذ
يستلزم َأنه هو الذي يفقه.
-3رغب ة المرس ل أحيان ا في التملَص والته َرب من مس ؤولية الخط اب يق ول "ب راون
وليفنسون" ( وذلك بجعل الخطاب يحمل أكثر من تأويله).
-4استجابة للخوف ،لذلك يستعمل المرسل هذه االستراتيجية لئال يتخذ المرسل إليه
خطابه دليال عليه.
-5العدول عن محاولة إكراه المرسل إليه أو إحراجه إلنجاز فعل قد يكون غير راغب
في إنجازه.
-6االستغناء عن إنتاج عدد من الخطابات واالكتفاء بإنتاج خطاب واحد ليؤدي معنيين
هما المعنى الحرفي و المعنى المستلزم في اآلن نفسه.1
-2اللَغة والسياسة:
إن الظاهرة اإلدراكية مالزمة للكالم التداولي في كثير من لحظات استعمال اإلنسان
َ
خصيص ة من خص ائص ش عرية اللَغ ة ،
ألن ه َ
للَغ ة ،وهي مالزم ة أك ثر للكالم األدبي َ ،
ط راد الحيرة هو
التردد وا َ
َ ترسخ حتى غدا قناعة حميمة على طول
لكن الذي بدا لنا ثم َ
يجس م هذا البعد اإلدراكي بين أبعاد الظاهرة اللَغوية ً -أي ا كان نمط اللَسان
أن خير ما َ
ال ذي تتش خص ب ه َ -إنم ا ه و الق ول السياس ي ففي األغلبي ة الغالب ة من األحي ان عن د م ا
نك ون حي ال الق ول السياس ي وال س يما في لحظ ة مباش رته األولى أو في لحظ ة إنش ائه
واإلصداح به نبحث عن المعنى فنكتشف أنه ال يوجد في البناء النحوي للكالم ،وال في
الس ياق التركي بي بين الجم ل الس ابقة والجم ل
دالل ة األلف اظ المعجمي ة ،وال يوج د في َ
ولكن ه
الرواب ط العالق ة بين المتكلَم َ
الالحق ة وال ه و موج ود في المق ام الت داولي باعتب ار َ
يوجد خارج الحدث اللَغوي التَواصلي تماما ،وسنقول -بشكل مبدئي وعامَ -إن ه يوجد
مبثوث ا بين شاش ة األح داث الجاري ة وخزان ة الوق ائع الماض ية فه و م زروع على أرض
السياسية المتحركةَ ،إن ه يثوي بين حقيقة تاريخية مضت وحقيقة تاريخية تريد
الذاَكرة َ
أن تنشأ.1
-1عبد السالم المسدي ،اللغة والسياسة ،مجلة ثقافات ،العدد ،2008 ،ص.169
25
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
خطاب الحاكم فهو ساعتئذ امتداح وزهو وتبرير ،وإ ما هو خطاب المحكوم فهو تظلَم
وارتياد إلى األفضل.
والوقوف على الجسر الواصل بين الفعل السياسي والقول اللَغوي الذي انبثق منه قد
يمثَ ل لحظة ممتعة لكل من يستهويهم سرد األخبار أو يغريهم إنعاش ذاكرة األحداث ،
ولكن ه سيمثل لحظة فنية لمن يستدرجهم كشف األسباب التي تقبع خلف الوقائع التاريخية
َ
غيبته نشرات األخبار.1
ولمن يسعدهم إماطة اللَثام عما سكتت عنه وكاالت األنباء أو َ
وقد طرح "ميشال فوكو" نظرة متميزة للخطاب السياسي حين ربطه بالسلطة ،وإ ذا
كان هناك ارتباط وثيق بين السلطة والخطاب ،كما ذهب إلى ذلك "فوكو" فإن ذلك ليس
فالسياسة لغة و اللغة سياسة ألن اللفظ عند استخدامنا إياه فيها يتحول من مجرد دال
يحيل على مدلول إلى موقف ومن ورائه اختيار كامل مرتسم على شاشة األحداث ،وقد
يكون في استعمال الكلمة أو العبارة ما يتجاوز حدود الواقعة التي نروم اإلفصاح عنها
ويصبح حامال ألعباء التاريخ مختزال صراعاته الطويلة في اختيار كلمة واحدة من بين
كلم ات عدي دة أخ رى ك ان يمكن أن ت أتي ب دلها ،فج َل م ا بين اللغ ة والسياس ة إحي اء
وتلميح ،وكم من مف ردة خ رجت من ق اموس اللغ ة ودخلت ق اموس السياس ة فتب دلت
مالمحه ا وغنمت من طاق ات الدالل ة وزن ا لم يكن له ا من قبل 2م ع ه ذا ال ب د أن نش ير
أيض ا إلى أن ه ك ان دائم ا ينظ ر إلى أم ر اللغ ة على أنه ا أداة تلقائي ة ولم يتط رق إليه ا
البحث ب التعمق المطل وب ال ذي ي واكب دوره ا المرك زي والتعقي دات المص احبة لألداء
اللغ وي في الس ياق ه ذه التف اعالت الدولي ة أو االجتماعي ة ،وه ذا يمث ل فج وة بحثي ة على
خريط ة أبح اث ك ل من العل وم السياس ية وعلم العالق ات الدولي ة ،حيث ال توج د س وى
أعم ال قليل ة ج ًدا من قب ل علم اء السياس ة ال تي تن اولت أم ر عالق ة اللغ ة بالممارس ة
السياسية ومن أمثلة هذه األعمال كتاب "مايكل شابيرو" اللغة والفهم السياسي" و"إيدلمان"
في مجموع ة كتب ه السياس ية ،من أح دث أعمال ه في ه ذه الص دد" ،العالق ة بين اللغ ة
والسياسة الحقيقية".
- 1سلوى الشرفي ،تحليل الخطاب الرسائل السياسية في وسائل اإلعالم ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.61
-2عبد السالم المسدي ،اللغة و السياسة ص.171
27
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
ويق َر "وينش تاين" weinstienفي كتاب ه "لغ ة المواطن ة والتبع ات السياس ية الختي ارات
اللغة" بأهمية أن ينتبه الباحثون في علم اللغويات إلى دراسات اللغة في السياق السياسي
(:إن المناقش ات ال دائرة ح ول نظ ام المعلوم ات ال دولي تع الج الرس ائل دون أن
فيق ول َ
تتعمق في الوسيلة الناقلة لهذه المعلومات وهي اللغة).1
إن الخطاب السياسي مدونة خطابية مكونة من بيانات معقدة تشكلها الداللة اللغوية،
ظ ف مقوالته السياسية ويتأسس كخطاب ،والخطاب السياسي له
فهو نتاج اللغة وبها يو َ
مميزات ه وبيانات ه ال تي تم يزه كخط اب ملف وظ م ركب من الجم ل موج ه عن قص د إلى
المتلقي بقص د الت أثير في ه وإ قناع ه بمض مون الخط اب عن طري ق آلي ات منه ا :الش رح،
التحلي ل ،واإلث ارة ،ويتض من ه ذا المض مون أفك ارا سياس ية أو يك ون موض وع ه ذا
الخط اب سياس يا ،ويه دف السياس ي الق ائم بتلف ظ الملف وظ السياس ي الى تغي ير النف وس
والعقول واألفكار والواقع مما يجعله في حالة لها صفات وسمات وهيئة معينة.2
وتنقسم عناصر الخطاب السياسي إلى ثالثة عناصر أساسية وهي :مرسل الخطاب،
الخط اب السياس ي ومتلقي ه أم ا بالنس بة للمتح دث-المرس ل -فه و الفاع ل السياس ي ال ذي
يق وم بإلق اء خطب ة سياس ية أو إج راء ح وار سياس ي أو إج راء تص ريحات سياس ية يق وم
فيه ا بتوص يل رس الة واض حة إلى ه دف أو مجموع ة أه داف بعينه ا حيث يق وم فيه ا
-1حسين محمد وجيه ،مقدمة في علم التفاوض االجتماعي والسياسي ،عالم المعرفة ،ط أكتوبر ،1994ص – 56
.57
-2أحمد بن راسك بن سعيد ،قوة الوصف ،عالم الفكر ،الكويت ،عدد ،1مجلد ،2003 ،132ص
28
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
المتحدث بتحديد محاور الحديث والرسالة وقد يتشاور في ذلك من أجل رسالة واضحة
ومركزة.
كما أن الخطاب يختلف من فرد إلى آخر حسب المواقف والمواقع سواء داخل السلطة
أو خارجه ا مم ا ي دل على أن فاع ل الخط اب ُمهيك ل الثقاف ة وال وعي حيث أن شخص يته
وطبيعته و ثقافته عامال أساسيا في الخطاب السياسي ،وإ ذا كانت صفات وهيئات الفاع ل
السياس ي ال تع َد وال تحص ى ف إن ذل ك راج ع إلى الخط اب السياس ي مرتب ط بالمتح دث
الذي يسعى إلى إبراز خطاب يكشف مقومات واضحة و نفعية كقانون الفعل السياسي.1
-4الممارسة السياسية:
إن الخط اب إنج از في الزم ان والمك ان ،وقيام ه يقتض ي وج ود ش روط من أهمه ا
2
المخاطب ،والخطاب ،وكيان الخطاب وما يتكون منه من أصوات وتراكيب ودالالت.
يبقى الخط اب السياس ي أح د التمظه رات الخطابي ة باعتب ار َأن ه ممارس ة للسياس ة وه و
يتح دد في ق انون الفع ل السياس ي المرس ل من فاع ل إلى منفع ل ،حيث أن الخط اب
السياس ي يتج اوز تل ك العالق ة بين الح اكم وش عبه إلى ممارس ة سياس ية تتعل ق بمس ألة
الهوي ات والدبلوماس يات وقض ايا في النف ط واالقتص اد والتربي ة والتعليم ...إن ه الفع ل
ظم فيه كل الممارسات الخطابية األخرى ،فالخطاب السياسي كممارسة
المهجن الذي تن َ
من الممكن أن يح َول ال دين إلى عقي دة سياس ية والسياس ة إلى عقي دة ديني ة فه و ي ؤمن
بقانون فعل القوة والتمويه واللعب بالكلمات.3
توجد أربع وظائف في أدبيات تحليل الخطاب السياسي ،يسعى الخطاب السياسي إلى
تحقيقها ليست مقصورة عليه لكنها تتجلى فيه بشكل الفت وهي:1
الش رعية أو تجري د اآلخ رين (األع داء والخص وم) منه ا :وذل ك من خالل
-2إض فاء َ
تجميل الذات وتقبيح اآلخر ،ومن خالل َادعاء االنحياز إلى جانب الحق والخير والعدل
في مواجهة من ينحازون إلى الباطل والشر والظلم عن طريق االستشهاد برجال الدين
والرم وز التاريخي ة وإ ض فاء العقالني ة من خالل األرق ام واإلحص ائيات وس رد القص ص
حقيقية كانت أم مزيفة .
-3المقاومة والمواجهة إزاء الخطاب السائد المهيمن ،خصوصا إذا كان خطابا شموليا
ال يراعي إنسانية البشر وال يعدل بينهم.
-4التض ليل :من خالل إخف اء بعض التفاص يل أو الحق ائق لحس اب تفاص يل وحق ائق
أخرى ،أو التركيز على بعض جوانب الواقع دون غيرها تحقيقا لما سبق من غايات.
والخطاب السياسي يمكنه تحقيق غاياته -التي سبق ذكرها -من خالل اللغة ،ومن
آليات ذلك على سبيل التمثيل ال الحصر:2
1
بهاء الدين محمد مزيد ،تبسيط التداولية ،ص - 122-121
2
.بهاء الدين محمد مزيد ،تبسيط التداولية ،ص- 123
30
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
-1االستعارة :لتجسيد فكرة معينة وتقريب مفهومها للمخاطب.
-2التشبيه :ال يبدو أن للتشبيه نفس التأثيرات السياسية والبالغية التي لالستعارة ،ألن
أداة التشبيه تلفت النظر وتستفز السؤال عن حقيقة العالقة بين طرفي التشبيه.
-3االف تراض المس بق :من ذل ك س ؤال "ب وش" في خطاب ه عقب الح ادي عش ر من
س بتمبر الش هير" :لم اذا يكرهونن ا" وه و الق ول ال ذي يف ترض مس بقا ص حة االعتق اد ب أن
العرب والمسلمين يكرهون الواليات المتحدة األمريكية.
لخص "بول تشيلتون" خصائص هذا النوع من الخطاب -أي الخطاب السياسي -بعد
َ
تحليله لعدة نصوص سياسية فيمايلي:1
-يعتمد الخطاب السياسي على اإلشارة إلى الزمان والمكان والمكانة والعالقة والسياق.
-يق وم الخط اب السياس ي على التفاع ل ال ذي تتب دى من خالل ه الح دود ال تي تفص ل
والرواب ط ال تي تجم ع و تفص ل األن ا عن اآلخ ر وتجمعه ا ومن يحالفه ا أو يش بهها أو
ينتمي إليه ا ,وتتب دى من خالل ه ك ذلك المكان ة السياس ية واالجتماعي ة و االقتص ادية
واألدوار التي يلعبها كل طرف في التفاعل أو حوله.
1
.المرجع السابق ،ص- 128
31
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
-يش تمل التفاع ل على ن وع من التف اوض والت داول ،ت داول الواق ع ومراجع ة فرض ياته
المهمة ومحاولة فرض ما نفترض (أو نسلم به) على اآلخرين.
يدبر المنافسون
-يشتمل الخطاب السياسي على توقع ما يفكر فيه اآلخرون والتنبؤ بما َ
ثم تفنيده او إضعافه أو تشويهه وتقبيحه.
وما يؤمن به األعداء و من َ
-يرتك ز الخط اب السياس ي إجم اال على تص نيفات ثنائي ة متعارض ة ،وربم ا متص ارعة
بين الح ق والباط ل ،بين الخ ير والش ر ،بين الع دل والظلم ،ع ادة م ا يك ون ص احب
.
الخطاب في المعسكر األول أعداؤه في "محور الشر"
أن
-يش تمل الخط اب السياس ي على ق در واف ر من التفك ير االس تعاري ،على مع نى َ
للالس تعارة وظيف ة مهم ة في ص ياغة التص ورات وتجس يد المف اهيم واألطروح ات
السياسية.
-هناك ارتباط بين الخطاب السياسي وبعض المشاعر اإلنسانية الغريزية كحب الوطن
والغيرة على الدين والحفاظ على الحرمات .
-الخط اب السياس ي يتس م بكون ه ذا بني ة نظري ة على درج ة من التماس ك وهي بني ة
مستمدة من إيديولوجيا معينة هي اإليديولوجيا التي يتبناها النظام السياسي القائم.
-القص د من الخط اب السياس ي ه و التوجي ه لمن تم ارس علي ه الس لطة ،لتس ويغ
األخطاء واإلخفاقات إن وقعت.
32
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
-يصدر الخط اب السياسي عن السلطة السياسية،الحزبية أو الحكومية ،إلى جهة أدنى
هي الشعب عامة ،لذلك تكون لغة السياسة آمرة كما تميل إلى التذكير بالواجبات حتى
1.
وإ ن حاولت إخفاء ذلك
اهتم محلل و الخط اب بجمي ع الج وانب المتعلق ة بإنش اء خط اب والس ياق واح د من
العناصر األساسية المساهمة في تكوينه وكذا في فهم وتأويل المقصد الذي يحويه إذ تعد
نظري ة الس ياق منهج ا لدراس ة المع نى لم ا تم يزت ب ه من اهتم ام بالعناص ر اللغوي ة
واالجتماعية.2
من بع د "ماليونس كي"ج اء "روج ر ف اولر" ليص نف الس ياق إلى س ياق الجمل ة (الس ياق
اللغوي) وسياق الموقف وسياق الثقافة وهو تصنيف ينتقل من الضيق إلى السعة.4
إن س ياق عنص ر م ا "س" ه و مب دئيا ك ل م ا يحي ط به ذا العنص ر وعن دما تك ون "س"
وكم متغ يرين (ص وت ،ص رف ،كلم ة ،جمل ة) ف إن محي ط "س"
وح دة لغوي ة من طبيع ة َ
يك ون في اآلن نفسه من طبيعة لغوية (المحيط اللغوي) وغير لغوية (السياق المقامي،
إم ا إلى المحي ط اللغ وي
االجتم اعي والثق افي) ،ويس تعمل لف ظ "س ياق " لإلحال ة خاص ة َ
للوح دة أوما يس ميه آخ رون الس ياق المق الي " ,"cotxteوإ َم ا إلى مقام التخاطب .وس واء
أك ان لغوي ا أم غ ير لغ وي فالس ياق يمكن تص وره بطريق ة ض َيقة (الس ياق المباش ر) أو
واسعة (السياق الموسع) مع العلم أن هذا المحور درجات ،ففي ما يتعلق بالسياق غير
اللغ وي ينتمي إلى الس ياق الض يق أو األص غر مثال :اإلط ار الزم اني والمك اني والمق ام
االجتم اعي والمحلي ال ذي ينخ رط في ه التب ادل التواص لي والمش اركون في ه ذا التب ادل
(ع ددهم ،أدوارهم وك ذلك العالق ة القائم ة بينهم ،ون وع ه ذا النش اط المع ني) وينتمي إلى
الس ياق الواس ع أو األك بر جمل ة عناص ر الس ياق المؤسس اتي ،يق ول ك ل من :دوران تي
وغ ودوين " الس ياق يق ولب اللغ ة واللغ ة تق ولب الس ياق ...وليس الس ياق مج رد إك راه
مسلط على اللغة لكنه أيضا نتيجة الستعمالها.2
حدد "فان دايك" مفهوم السياق انطالقا من تحديده لمهام التداولية التي تقوم بصياغة
ش روط نج اح انج از عب ارة ،وك ذا كيفي ة تراب ط ش روط نج اح عب ارة كفع ل انج ازي،
باإلضافة إلى أنها تقوم بوضع األفعال في موقف معين تتحدد في أي موقف تكون فيه
العب ارات ناجح ة ،واس تعمل "ف ان داي ك" الس ياق كمص طلح تق ني يق وم بوص ف مج رد
-1ج .براون ،ج بول ،تحليل ،تر :محمد لطفي الزليكي ،منير التركي ،جامعة الملك سعود ، 1418 ،ص.35
-2باتريك شارودو ،دومينيك منغنو ،معجم تحلبل الخطاب ،ص.133
34
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
لموقف فعل كالمي ،فهو يرى السياق الوسيلة المثلى لتحديد مواقف األفعال الكالمية و
كذا وصفها وصفا دقيقا.1
أم ا "دل ه ايمز" فك انت لمقوالت ه عن الكف اءة التواص لية ال تي تتج اوز مج رد الكف اءة
َ
النحوية والصرفية والصوتية وفهم المفردات المجردة إلى فهم الموقف والسياق تأثيرها
الب الغ في تط ور التداولي ة اللغوي ة ،فمن أطروحات ه المهم ة كالم ه عن الس ياق وعوامل ه
ومتغيراته وفيما يلي بيان وتوضيح ذلك:2
_2المشاركون :من يتحدث إلى من ،وفي حضور من ،وما العالقة التي تربط أطراف
الحوار أو الخطاب.
_3الغاي ات واأله داف :لم اذا نتكلم أو نتح اور أو نكتب ؟ ربم ا بغ رض اإلقن اع أو
اإلخبار أو اإليهام أو الترغيب أو الترهيب أو التحذير أو النصح أو التهذيب وغير ذلك.
_4تتابع وحدات الخطاب /النص و ترابطها :كل خطاب يقع بين خطابين سابق والحق
ويرتبط بهما فقد يعقب االعتذار القبول أو اإلعراض و يعقب التهنئة الشكر.
-5الحال ة النفس ي و نغم ة الح وار /النص :يتج اوز مفه وم النغم ة في ه ذا الس ياق مج رد
الحزن و الكآبة أو البهجة إلى غير ذلك من سخرية أو تهكم أو جدية أو وقار.
-1فان دايك ،النص والسياق ،استقصاء البحث في الخطاب الداللي التداولي ،تر :عبد القادر قنيني ،افريقيا الشرق،
بيروت ،ص.258
-2محمد بهاء الدين ،تبسيط التداولية ،ص.21
35
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
-6آلي ات تحقي ق الغاي ات البالغي ة والخطابي ة ووس ائلها وأدواته ا من مف ردات مخت ارة
بعناي ة وت راكيب مالئم ة وص ور وتع ابير ،وتوظي ف ألص ناف (ص نوف) االتص ال غ ير
اللفظي ال حص ر له ا يمكن أن يس تخدم المتكلم أو الك اتب من أدوات لتحقي ق غايات ه
البالغية والتواصلية.
_7القواعد التي تحكم إنتاج النص/الخطاب و تلقيه من قواعد لغوية خطابية تنسجم مع
جنس الخط اب وغاياته ،والقواعد اإلجتماعية ال تي تنظم اس تخدام اللغة وإ نتاج الخط اب
عموما.
تتض ح مالمح الس ياق عن د الع رب من خالل ثالث بيئ ات مهم ة بدراس ة النص وص
اللغوية وهذه البيئات هي :بيئة المفسرين ،البالغين واألصوليين ،أما أصحاب البيئة
1
المفس ر
َ األولى فتجلت أهمي ة الس ياق عن دهم في وض عهم لش روط يجب ان تت وفر في
وهي أن يكون على قدر من المعرفة بمستويات التحليل (الصوتي ،الصرفي ،التركيبي
2
و المعجمي).
أما البيئة الثانية وهي بيئة البالغيين فنجدهم تحدثوا عن السياق تحت اسم المقام وهو:
"مجموعة العناصر التي تتوافر في موقف تخاطبي معين وأهمها زمان التخاطب ومكانه
وربط البالغيون المقام بالمقال فقالوا ":لكل مقام مقال " ،وصورة المقال تختلف في
نظر البالغيين بحسب المقام ،2وقد تنبه البالغيون إلى دور العناصر المقامية في المقال
وتحدي د خصائص ه ،ومن ض من المص طلحات ال تي أعطيت للمق ام عن د البالغ يين
مصطلحي (مقتضى الحال) و(قرائن األحوال).
أوضح الدكتور "تمام حسان "المقصود بالقرائن بقوله" إن السياق كالطريق ال بد له
من مع الم توض حه والش ك أن مب اني التقس يم وم ا تب دو في ه من ص يغ ص رفية وص ور
شكلية وكذلك مباني التصريف مع ما تبدو به من لواصق مختلفة تقدم قرائن مفيدة جدا
في توض يح منحني ات ه ذا الطري ق ولكن الس ياق رغم وض وح الص يغ واللواص ق يظ ل
بحاج ة إلى الكث ير من الق رائن األخ رى ال تي تتض ح به ا العالق ات العض وية في الس ياق
وتش مل مب اني التقس يم العناص ر التالي ة :االس م والص فة بين الكلم ات".3
والفعل والضمير والظرف واألداة ،في حين تشمل مباني التصريف صور التعبير عن
مع اني الش خص ،الع دد ،الن وع والتع يين ،وق د قس م الق رائن إلى ثالث ة أن واع :ق رائن
عقلية ،قرائن مادية وقرائن التعليق وأوضحها بالمخطط التالي:
القرائن:4
-1أحم د المتوك ل ،المنحى ال وظيفي في الفك ر اللغ وي الع ربي ،األص ول واالمت داد ،ط1427 ،1هـ2006/م ،دار
األمان ،الرباط ،ص.172
-2تمام حسان ،اللغة العربية معناها ومبناها ،ط ،1979 ،2ص.337
-3المرجع نفسه ،ص.134
-4تمام حسان ،اللغة العربية معناها ومبناها ،ص.180
37
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
قرائن التعليق قرائن عقلية قرائن مادية
لفظية معنوية
وتتض افر ه ذه الق رائن إليض اح مع نى النص " ف القرائن كله ا مس ؤولة عن أمن اللبس
وعن وضوح المعنى وال يستعمل واحدة منها بمفردها ،وإ نما تجتمع القرائن متضافرة
لتدل على المعنى وتنتجه".1
وعن دور القرائن اللغوية نجد "ابن جني" يذهب إلى أن نقل المقال ال يكفي لفهم معناه
ويقص د بالمق ال م ا ي روى من أق وال طبيعي ة بم ا فيه ا األش عار كم ا قيلت من ط رف
أصحابها ،بل على دراس الشعر أن يبحث في أحوال الرواة حال نقلهم للشعر وما أحاط
بهم من قرائن لفهم أقوالهم "إذ ليست كل حكاية تروى لنا وال كل خبر ينتقل إلينا يمكننا
أن نشرح به األحوال التابعة له المقترنة به.2
وي برز "عب د الق اهر الجرج اني" دور الق رائن في معرف ة المج از من الكالم وذل ك في
شرحه لبيت ذي اإلصبع :
" كان طريق الحكم عليه بالمجاز أن تعلم اعتقاد التوحيد إما بمعرفة أحوالهم السابقة أو
بأن تجد في كالمهم من بعد إطالق هذا النمو ما يكشف عن قصد المجاز فيه".2
فها هو " جورج مونان " يميز بينهما في معجمه إذ يقول " وينبغي أن نميز بين السياق
الذي هو لساني عن المقام الذي هو الخبرة غير اللسانية ...في المقام نش ير إلى قلم على
الطاولة قائلين:
أعطني إياه ،ونكتب مقابل ذلك ،أعطني القلم الذي على الطاولة ،رادين المقام الغائب
إلى السياق اللساني1فاستعمال عبارة " الذي على الطاولة " كفيل بأن يوضح لنا المقصود
وهو يغني عن استعمال اإلشارات.
والسياق إذا ذو مفهوم لساني ،أما المقام فوضعي غير لساني ،و لذلك إذا قلنا ،سياق
المق ام أو س ياق الموق ف االتص الي ف إن مدلول ه ال يختل ف عن م دلول الس ياق لس انيا ألن
في ذلك دمجا لما هو لساني بما هو غير لساني.2
أم ا البيئ ة الثالث ة ال تي اتض ح عن دها مفه وم الس ياق هي البيئ ة األص ولية ،حيث ت برز
أهمي ة الس ياق في دراس ات األص وليين من خالل مجموع ة من القض ايا ،من ض منها
تنبههم إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية نشأت وتكونت في أحضان المجتمع لتلبية حاجات
اإلنس ان وهي في تص ورهم "ألف اظ دال ة على مع ان ومن حيث هي ك ذلك يمكن اس تمداد
إم ا الحص ول على المع نى المطل ق ال ذي لم يقي د بقي د
المع اني من ألفاظه ا بطريق تينَ :
خارجي عن طريق األلفاظ والعبارات المطلقة وهنا تظهر الداللة األصلية للفظ ،وإ ما
ويتفق العرب المحدثون مع القدماء في أهمية السياق بالنسبة للخطاب إذ يرى "محمد
خطابي" أن ( الخطاب القابل للفهم والتأويل هو الخطاب الذي يوضع في سياقه )....
ثالث ا :العنص ر ال ذواتي :ويش مل المعرف ة المش تركة بين المتخ اطبين أو م ا يس مى
باألرضية المشتركة.4
-1السيد أحمد عبد الغفار ،التصور اللغوي عند األصوليين ،مكتبات عكاظ ،ط ،1981 ،1ص.112
-2السيد أحمد عبد الغفار ،التصور اللغوي عند المحدثين ،ص.114
-3محمد خطابي ،لسانيات النص ،مدخل إلى انسجام النص ،ط ،1المركز الثقافي العربي ،بيروت ،1991ص.51
41
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
-8التواصل:
من المعل وم أن اإلنس ان واس ع اإلدراك ،وبس عة إدراك ه ك ثرت حاجات ه ك ثرة ال
يس تطيع االس تقالل به ا وح ده ،فاحت اج إلى التع اون م ع ب ني قوم ه ولكن ه ذا التع اون
يحت اج إلى واس طة للتواص ل ،فك انت الواس طة هي اللغ ة ،فاللغ ة هي ال تي تح دث
التواصل وبالتواصل يعرف كل فرد ما عند اآلخر وبهذه المعرفة يتحقق التعاون بين
األفراد.
و يظن الكث ير أن التواص ل كعلم ،لم يظه ر إال في العص ر الح ديث م ع كوكب ة من
علماء االتصال ،لينتقل بعدها إلى علم اللغة ،الذي أقر بأنه الوظيفة األساسية للغة ،بل
إن دراس ته عن د اإلنس ان قديم ة ج دا ،ف إن أفالط ون (427/347ق.م) وأرس طو (
385/322ق.م) اعتبراه علما قائما بذاته 1.كما ال يخفى علينا أن البالغة العربية بذلت
جه ودا جب ارة في دراس ة اللغ ة وهي ت ؤدي وظيفته ا األساس ية في المجتم ع عن طري ق
اللغ ة العادي ة أو اللغ ة األدبي ة الموجه ة إلى طبق ة معين ة ،وذل ك عن طري ق اعتن ائهم
بالبالغة وعلومها(البيان ،البديع ،المعاني) إذ يرون بأن معرفة اإلنسان بها تكفل صحة
العملي ة التواص لية ،ال تي تع َرف نظري ا بأنه ا" :العملي ة ال تي تنتق ل بواس طتها المعلوم ات
-4طه عبد الرحمان ،البحث في اللساني والسيميائي ،الدالالت والتداوليات( ،أشكال وحدود) ،كلية اآلداب واللغات
والعلوم اإلنسانية بالرباط ،جامعة محمد الخامس ،المغرب ،ط1995 ،1م 1405 /هـ ،ص.302
-1بلقاسم حمام ،آليات التواصل في الخطاب القرآني ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه ،جامعة الحاج لخضر،
باتنة ،الجزائر ،2003 ،ص.11
42
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
والخبرات بين فرد وآخر أو بين مجموعة من الناس وفق نظام من الرموز ،وخالل قناة
أو قنوات أو طرق تربط بين المصدر أو المرسل و فئة المتلقين".1
ومع ذلك فلفظ التواصل "يظل على تداول األلسنة له ووروده في قطاعات معرفية
مختلف ة ،لفظ ا يكتنف ه العم وم ،واإلجم ال ،إن لم يكتنف ه الغم وض واإلبه ام ،ذل ك ل و أنن ا
أعملنا فكرنا في استعماالته المختلفة لوجدنا أنه يدل على معان ثالثة متمايزة فيما بينها:
أحدها نقل الخبر ،ولنصطلح على تسمية هذا النقل ب ـ (الوصل) نظرا ألن هذا المصطلح
يفيد الجمع بين طرفين ،والثاني ،نقل الخبر مع اعتبار مصدر الخبر الذي هو المتكلم،
ولنطل ق على ه ذا الض رب من النق ل اس م (اإليص ال) والث الث نق ل الخ بر م ع اعتب ار
مصدر الخبر الذي هو المتكلم ،واعتبار مقصده الذي هو المستمع معا ولندع هذا النوع
من النقل باسم (االتصال) 2لكن ما تتفق عليه االصطالحات الثالثة (الوصل ،اإليصال،
االتص ال) ه و قي ام عملي ة التواص ل على عناص ر أساس ية وهي (متكلم ،س امع ،رس الة،
قناة) وعليه فإن هذه العناصر هي التي تكفل لعملية التواصل النجاح ،مع وجود عناص ر
3
أخرى محيطة بها.
ومن هن ا نخلص إلى تس اؤل وجي ه وه و :كي ف ح دد الق دامى مفه وم التواص ل؟ وم ا
مفهومه عند المحدثين؟.
-1أحمد محمد معتوق الحصيلة اللغوية ،سلسلة عالم المعرفة ،د ط .2003 ،ص.71
- 2طه عبد الرحمان ،اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،ط ،2000 ،2ص.254
3
المرجع نفسه ،ص- 245
43
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
8-1مفهوم التواصل في الدرس اللغوي العربي:
ركز العرب في تعريف اللغة والبالغة والبيان على خاصية التواصل "فابن جني"
يع رف اللغ ة بقول ه " أم ا ح دها فأص وات يع بر به ا ك ل ق وم عن أغراض هم " وه و به ذا
يكون قد أعطى للغة سمة الجماعية ،وهي سمة من سمات التواصل ،إذ ال تكون اللغة
ب.1
طْوم َخا َ ٍِ
لغة إال إذا توفر فيها ُم َخاطب ُ
كم ا يظه ر مفه وم التواص ل في ال تراث الع ربي من خالل اإلبان ة عن المع اني ،حيث
يقول "الجاحظ " :والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى ،وهتك الحجاب
دون الض مير ح تى يفض ي الس امع إلى حقيقت ه ....ألن م دار األم ر والغاي ة ال تي إليه ا
يجري القائل والسامع إنما هو الفهم واإلفهام".
يع رف" ش ارل ك ولي" "التواص ل " ق ائال :3التواص ل ه و اآللي ة ال ذي بواس طته توج د
العالقات اإلنسانية وتتطور ،ويتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال
وتعزيزه ا في الزم ان ،ويتض من أيض ا تع ابير الوج ه وهيئ ات الجس م والحرك ات ون برة
الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات وكل ما يشمله آخر ما تم في االكتشافات في
المكان والزمان.
يت بين لن ا من خالل ه ذا التعري ف أن التواص ل ه و ج وهر العالق ات اإلنس انية وتطوره ا
ومنه فالتواصل له وظيفتان:
أ -وظيفة معرفية :تتمثل في نقل الرموز الذهنية و تبليغها بوسائل لغوية أو غير لغوية.
1
.محمد خطابي ،لسانيات النص ،ص- 50
-2المرجع نفسه ،ص51
3
أورتادو ألبير ،أمبارو ،الترجمة ونظرياتها ،ت :المنوفي علي ابراهيم ،المركز القومي للترجمة ،القاهرة 1- ،
،2008ص49
45
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
ب -وظيفة تأثيرية :تقوم على العالقات اإلنسانية.
سمع نطق
ت .تصور
ص.ت ص.ت
ص .صورة سمعية
نطق سمع
يب دو من خالل كالم "مارتيني ه" أن للغ ة ع دة وظ ائف ،لكن التواص ل ربم ا من أهم
وظائفها نظرا إلقامته عالقات متبادلة بين مستعملي اللغة .
وقد قسم " جاكبسون "وظائف اللغة إلى ستة خانات و كل خانة تشير إلى وظيفة معينة
فاإلنفع ال مرتب ط ب المتكلم "الوظيف ة اإلنفعالي ة " ،أم ا المتلقي فق د يك ون عرض ة للزج ر
واألمر والنهي والتوجيه " الوظيفة اإلفهامية " ،أما الشعري فمثواه اإلرسالية " الوظيفة
الش عرية " ،ويتح دد المرج ع من خالل اإلحال ة على الس ياق " الوظيف ة المرجعي ة " و
يرتب ط الس نن باللغ ة الواص فة( الميتالغوي ة) ،وق د ال تتج اوز الواقع ة اإلبالغي ة ح دود
الحفاظ على حالة من التواصل خالل التأكيد على أداة االتصال " الوظيفة اللغوية ".
وتلكم هي الوظ ائف ال تي أش ار إليه ا " جاكبس ون" من خالل ص ياغة نموذج ه
الشكل:2 التواصلي:1
مرجعية
(السياق)
إفهامية–المتلقي- انفعالية–المتكلم-
شعرية– شعري -
لغوية–أداة االتصال-
ونشير إلى أن اللسانيات االجتماعية مثلت أحد الحقول المعرفية التي أولت اهتماما
بالغا وخاصا للخطاب والتواصل السياسيين ،ويكفي هنا اإلشارة إلى "رومان جاكبسون"
الذي يعود إليه الفضل في إضافة مفهوم السياق إلى مخطط التواصل ،وإ ذا كان األمر
كذلك في التواصل بصفة عامة فإن االنكباب على التواصل السياسي خصوصا لم يشهد
بدايته الفعلية إال في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لما عرفته هذه الفترة من أحداث
بارزة كان لها عظيم األثر على شتى المجاالت.1
لم يع رف االهتم ام بالتواص ل السياس ي تط وره الفعلي إال في الف ترة الممت دة من
1970إلى ،1990وسواء زمن النشأة أم في زمن التطور ،فقد ارتبط وبكيفية جوهرية
تجداتها ،وفي ه ذا الس ياق معل وم أن اللس انيات البنوي ة تحدي دا بلغت قم ة
باللس انيات ومس َ
.أورتادو ألبير،أمبارو،الترجمة ونظرياتها ،ص- 59
1
48
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
ازدهارها في الوسط الثقافي الغربي أواخر الستينيات وفي مستهل السبعينيات باعتبارها
فلس فة تعبيري ة ،حيث نتج عن ه ذا االزده ار ،ورافق ه اهتم ام متزاي د بخط اب ش ديد
الخصوصية اختلف الناس حول تسميته بين الخطاب السياسي ،التواصل السياسي ،اللغة
السياس ية ،الخط اب الص راعي ...ومهم ا تع ددت األس ماء يبقى المس مى واح دا :ش كل
خاص من التواصل وممارس ة متميزة للغ ة تس تمد تميزها من شخصية المتكلم ( رئيس
دولة ،الوزير ،الوالي )......ومن السياق الذي تتم فيه ،ومن اللغة المستعملة والمعجم
1
وأمور أخرى.
ونضيف هنا أن ارتقاء الخطاب أو الخطاب السياسي تزامن مع ظهور مواضيع أخرى
تطول النص والبنية التي ارتقت بدورها إلى مرتبة التخصصات.
ويمكن أن نم يز داخ ل ه ذه الف ترة الزمني ة بين مرحل تين تمت د األولى من -1970
1980واهتم فيه ا الب احثون ب إثراء إش كالية التواص ل السياس ي اس تنادا إلى اعتب ارات
لسانية وتاريخية ،ولم يولوا اهتماما بالكلمات والحديث ،بمعنى إنتاج الخطاب وما يميز
موضعه.
أما المرحلة الثانية ( )1990-1981فقد قدمت مجمل اهتماما بالبعد التداولي االجتماعي
للخط اب السياس ي على مختل ف المس تويات الحاض ر منه ا والمس تقبل من حيث
االس تراتيجيات والرهان ات.2و يج در بن ا اإلش ارة هن ا إلى أن اهتم ام المرحل ة األولى ال
يزال يدور حول تحليل التواصل السياسي ،وفي سياق هذا االهتمام تتم مقاربة اشتغال
اللغة في السياسة انطالقا من رؤية الباحث للكلمات على أنها شاهده عل مرحلة ما .
1
المرجع نفسه ،ص- 60
-2المرجع السابق ،ص.62
49
استراتيجيات الخطاب الفصل األول
السياسي
50
الفصل الثاني
استراتيجيات التداول في الخطاب
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
الفصل الثاني :استراتيجيات التداول في الخطاب .
-1االستراتيجية التوجيهية:
إنَ الخطاب الذي ترتسم فيه مالمح الاستراتيجية التوجيهية ،يعد ضغطا وتدخال ،ولو
ب درجات متفاوت ة،على المخ اطب وتوجيه ه لفع ل مس تقبلي معين ،وتنقس م أص ناف
المخاطب ،عند استعمال هذه الاستراتيجية إلى صنفين:
األول :المخ اطب ،المتخي ل ،بمال ه من ص ورة نمطي ة معين ة في الس ياق ،مم ا يؤك د ع دم
حضوره العيني عند إنتاج الخطاب ،أما الثاني :فهو المرسل إليه الحاضر لحظة التلفظ
بالخطاب فيكون معروفا عند المخاطب معرفة جيدة ،ولهذا استبعد الدَارسون للخطاب
أن يك ون التوجي ه مج رد فع ل لغ وي ب ل تج اوز ذل ك باعتب اره إح دى أهم الوظ ائف ال تي
تؤديه ا اللغ ة وه ذا ك ان تص نيف "روم ان جاكبس ون" ،إذ يسمي وظيف ة التوجي ه في اللغ ة
بالوظيفة اإليعازية أو الندائية.1
ويعتمد فعل التوجيه على النظام اللغوي في تحقيق األفعال الدالَ ة على التوجيه ،إال أن
هذا النظام غير كاف مما يستدعي وجود عناصر تعطي للفعل التوجيهي قوته اإلنجازية
وهي:
سلطة المرسل :وهي بالنسبة للحجاج بن يوسف الثقفي مستمدة من كونه واليا.
وق د يع د الفع ل اإلنج ازي -الت وجيهي -من خالل نتيجت ه إلزام ا للمُخ اطَب ألن ه خاض ع
لس لطة المُخ اطِب (المرس ل) ألن األفع ال التوجيهي ة قائم ة على عالق ة س لطوية بين
اطب.2
خ َاطب والمُ َ
خ ِالم َ
ُ
أم ا في التراث النحوي تجلَت مظاهر العبقرية عند بعض النح اة في أنهم لم يفهموا من
َ
اللغة أنها منظومة من القواعد المجرَدة فحسب ،وإ نما فهموا منها أيضا أنها "لفظ معين"،
يؤدي ه "متكلم معين" ألداء "غ رض تواص لي معين" ول ذلك جعل وا من أه داف الدراس ة
النحوية إفادة المخاطب مع الخطاب وإ يصال رسالة ابالغية إليه فقد عرَف "السكاكي"
النح و بأن ه "معرف ة كيفي ة ال تركيب فيم ا بين الكلم لتأدي ة أص ل المع نى ....بمق اييس
مستنبطة من كالم العرب وبين أن من وضع الكلم في التركيب هو حصول الفائدة لدى
المخاطب".1
َ
كما أن نحاتنا القدامى كانوا قد تقبلوا التقسيم المشهور للكالم بأنه إمَ ا خبر وإ مَ ا إنشاء
وصنفوا الجملة أسلوبيا إلى صنفين الجملة الخبرية والجملة اإلنشائية.2
َ
-أم ا البالغي ون الع رب فق د عرض وا مفهوم ا رائ دا للفع ل ،حين م يزوا بين ك ون المتكلم
حاكيا أو واصفا للكالم ،وعدَ (ابن سنان الخفاجي) "الكالم فعال ال يختلف عن الضرب،
التحريك ،اإلسكان....في وصف ما هو عليه في الواقع "ألن أهل اللغة متى علموا أو
متكلم".3
اعتقدوا وقوع الكالم بحسب أحدنا وصفوه بأنه ِّ
أم ا علم اء أص ول الفق ه ،ك انوا ق د اهتم وا بالاس تراتيجية التوجيهي ة عن دما وض عوا
َ
ش روطا إلدراك األحكام الشرعية من الخطاب ،واهتموا بدراسة األدوات التي تستعمل
للتوجيه كاألوامر والنواهي واعتبروها من أقسام الكالم وفي هذا الصدد يقول الغزالي:
وعد األم ر :أن ه الق ول المقتض ي طاع ة
"إن األم ر والنهي قس م من أقس ام الكالم َ "....
المأمور بفعل المأمور به .والنهي هو القول المقتضي ترك الفعل".2
االتج اه األول :ويهتم بالدراس ات ال تي تؤك د على "مب دأ الت أدَب" ويمثَل ه ك ل من "ليتش"
و"روبين الكوف" .وذلك في دراسة "ليتش" لمبادئ التداول ،إذ يفترض في المخاطب أن
يراعي العالقة الودية بينه وبين المخاطب حيث وضع قاعدتين هما:
إال أن اختراق إحدى القاعدتين يؤدي إلى التوجَه لصنف التأدَب السَلبي ،وبذلك يتضح
َ
أن لألفعال التوجيهية صلة عكسية بمبدأ اللباقة عند "ليتش" ،ذلك أن المخاطب قد يتعمد
-1ابن رشد ،الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملَ ة ،نقال عن عبد السالم المسدي ،التفكير اللساني في الحضارة
العربية ،الدار العربية للكتاب ،ط ،1986 ،2ص.287
- 2الغزالي :المستصفى من علم األصول ،نقال عن عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجيات الخطاب ،ص.331
52
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
خرق هذا المبدأ عند استعماله اإلستراتيجية التوجيهية في شكلها األكثر مباشرة للداللة
على قصده مثل استعمال األمر أو النهي الصريحين.1
وق د ك انت "ب انيت" هي من صنَفت الت أدَب اإليج ابي positive politnesse :ال ذي
يتجه إلى تحقيق التماسك ،والتأدب السلبي négative politnesseالذي يجعل أحدهم
يعتدي على اآلخر.
أما الإ تجاه الثاني :فيظهر في الدراسات المعاصرة ألفعال الكالم و تصنيفاته ،وأشهر
َ
ه ذه التص نيفات م ا قدم ه "أوس تين" في أفع ال الكالم ،ثم الدراس ة ال تي ج اء به ا تلمي ذه
"جون سيرل " وهي عبارة عن نقد وإ عادة تصنيف لما جاء به "أوستين".2
يق ول "أوس تين" في فع ل الكالم " :إن فع ل التكلم بش يء م ا ب المعنى الواس ع له ذا
المركب إنَم ا أس ميه ب ل أمنح ه ه ذا اللقب وه و إنج از فع ل الكلام Actومن ه ذا الس ياق
َ
ف إن دراس ة العب ارات المتلف ظ به ا هي في الحقيق ة ،دراس ة الوح دات الش املة لعناص ر
التكلم اللغوي ".3
وق د أص بح مفه وم الفع ل الكالمي speech Actن واة مركزي ة في الكث ير من األعم ال
التداولية ،وفح واه أ َن ه ك ل ملف وظ ينهض على نظ ام ش كلي داللي إنج ازي ت أثيري،
وفض ال عن ذل ك يع د نش اطا مادي ا نحوي ا يتوس ل أفع اال قولي ة Actes Locutoires
وق د قسَم "أوس تين"في آخ ر مرحل ة من مراح ل بحث ه الفع ل الكالمي الكام ل إلى ثالث ة
"أفعال فرعية" على النحو التالي:
أ -فع ل الق ول أو الفع ل اللغ وي :Acte locutoireوي راد ب ه إطالق األلف اظ في جم ل
مفي دة ذات بن اء نح وي س ليم وذات داللة ، 2ففع ل الق ول يقاب ل التلف ظ باألص وات (فع ل
صوتي).3
ب -الفعل المتضمن في القول : Acte illocutoireوهو الفعل اإلنج ازي الحقيقي إذ
أنه "عمل ينجز بقول ما" ،وهذا الص نف من األفعال الكالمية هو المقصود من النظرية
برمتها ،ولذا اقترح "أوستين" تسمية الوظائف اللسانية الثاوية خلف هذه األفعال :القوى
َ
اإلنجازي ة ومن أمثل ة ذل ك :الس ؤال ،إجاب ة الس ؤال ،وع د ،أم ر ،ش هادة ...ف الفرق بين
الفعل األول (أ) والفعل (ب) هو أن الثاني قيام بفعل ضمن قول شيء ،في مقابل األول
الذي هو مجرد قول شيء.4
-أفعال التكليف (الوعدية ) : comessifsتلزم المتكلم ،وعد ،تمن ،التزام بعقد ..
-أفع ال الس لوكات (اإلخباري ات) :comportementauxردود أفع ال ،تعب يرات اتج اه
السلوك :أعتذر ،هنأ ،رحب ...
إن تأمَلنا لهذا التصنيف الذي جاء به "أوستين" في تحديد أنواع أفعال الكالم يفضي بنا
إلى مالحظة بعض التداخل :فيما يحتوي كل صنف من أفعال فمثال "الفعل" "وعد" نجده
مصنفا في "األفعال الحكمية" ومصنَفا في "أفعال التكليف "كذلك ،ولهذا أعاد "جون سيرل
َ
"التصنيف الذي جاء به "جون أوستين" باإلضافة إلى أنه أعاد تقسيم الفعل الكالمي إلى
أربعة أقسام هي:3
-األخب ار ( :assersifsتبلَ غ خ برا ،وهي تمثي ل للواق ع) وتس مى أيض ا التأكي دات،
األفعال الحكمية.
-اإللتزامية( commissifsأفعال التعهَد) وهي أفعال التكليف عند أوستين ،حين يلتزم
المتكلم بفعل شيء معين.
كما أنَ ه وضع اثني عشر مقياسا لنجاح الفعل اإلنجازي منها :غاية الفعل توجيهه،
حالت ه الس يكولوجية ...وسمَاها ش روط النج اح ،وهي تس تند كث يرا إلى ق وانين المحادث ة
"لغ رايس" ،ووس َع مفه وم الفع ل اإلنج ازي ليتج اوز ارتباط ه ب المتكلم إلى الع رف
االجتم اعي اللغ وي ،وجع ل للق وة اإلنجازي ة أدل ة عليه ا( :تق ديم ،ت أخير ،ن بر ،تنغيم،
1
عالمات الترقيم)..
-تصحيح العالقة بين طرفي الخطاب غير المتكافئين في المرتبة وإ عادتها إلى سيرتها
األولى.
-إص رار المخ اطب على تنفي ذ قص ده عن د إنج از الفع ل ،والتأكي د أن ه ال يت وانى عن
تعقب خطابه والتمسك بمدلوله.
-حص ول تح د واض ح للمرس ل أو لتعليمات ه ،أو اإلس اءة إلي ه رغم س لطته ،أو عن دما
يشعر بأن المرسل إليه قد يتجاوز حدوده في النقاش أو الحوار.
-مناسبة السياق التفاعلي الستعمال الاستراتيجية التوجيهية بين الطبيب والمريض مثال
عندما ال يلتفت إلى كون المريض وزيرا ،إذ ينصبَ على التبليغ والمتابعة.
-عدم وجود التكرار في الاتصال بين طرفي الخطاب إذ تنحصر اللقاءات في اللقاءات
الرسمية التي يؤطرها جو العمل مثال.
-2استراتيجية اإلقناع:
تعرفن ا فيم ا س بق على مفه وم الاس تراتيجية التوجيهي ة في الخط اب وعلى آلياته ا
ومس وغات اس تعمالها ،لكن ال ب د أن ننتب ه إلى أن نوعي ة الخط اب هي ال تي تف رض
2-1مفهوم اإلقناع:
يخض ع اإلقن اع للق وانين ال تي تحكم عملي ة اإلدراك والمعرفة ،ل ذا ي رى "محم د عب د
الرحم ان عيس اوي" أن الف رد يمي ل إلى اإلقن اع لإليح اءات ال تي يعتق د أنه ا تص در من
األش خاص ذوي المكان ة االجتماعي ة البراقة ،2أم ا محم د العم ري في كتاب ه" في بالغ ة
الخط اب اإلقن اعي" يح دد مفه وم اإلقن اع بقول ه" :اإلقن اع عملي ة خطابي ة يت وخى به ا
الخطيب تسخير المخاطب لفعل أو ترك بتوجيهه إلى اعتقاد قول يعتبره كل منهما (أو
يعتبره الخطيب)شرطا كافيا للفعل أو الترك".3
وقد حدد مكونات العملية اإلقناعية بطرفي الخطاب وبفعلها في صوغ الحجة وإ بطالها
ووص ل إلى نتيج ة مؤداه ا ض رورة وج ود منهج للعملي ة اإلقناعي ة ب أن تص بح العملي ة
اإلقناعية "صنعة" ،حالها في ذلك حال أي خطاب ينتجه المرسل في كفاءته التداولية.
-ه نريش بليت ،البالغ ة واألس لوبية ،ت :محم د العم ري ،ص ،64نقال عن عب د اله ادي بن ظ افر الش هري ،ص 1
.445
-عبد الرحمان عيسوي ،دراسات في علم النفس االجتماعي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،1974 ،ص.19 2
3
محمد العمري ،في بالغة الخطاب اإلقناعي ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،ط 1406-1986ه،ص- 45
58
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
وهذا يعني أن اإلقناع عملية إيصال األفكار واالتجاهات والقيم والمعلومات إما إيحاء
أو تصريحا ،عبر مراحل معينة ،وفي ظل شروط موضوعية وذاتية مساعدة ،وكل هذا
عن طريق اإليصال حسب "عبد الرحمان عيساوي" أما "محمد العمري" فقد عد عملية
اإلقناع عملية لسانية منطقية.
-ع امر مص باح ،اإلقن اع االجتم اعي خلفيت ه النظري ة ،وآليات ه العلمي ة ،دي وان المطبوع ات الجامعي ة ،الجزائ ر، 1
،2000ص.17
-المرجع نفسه ،ص.18 2
-جيهان أحمد رشتي ،األسس العلمية لنظريات اإلعالم ،دار الفكر العربي ،1975 ،ص.171 3
59
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
تجلت اس تراتيجية اإلقن اع في الثقاف ة العربي ة من خالل المن اظرات والج دل والس جال
َ
الذي كان يحدث بين الشعراء والخطباء في العصر الجاهلي.
أم ا بع د مجيء اإلس الم فق د تجلت أك ثر في الخط اب الق رآني من خالل اس تعمال
الخطاب الكثير من آليات الحجاج ،ثم اقتضت الحاجة في مواصلة فتح البلدان ،والدفاع
عن ال دين اإلس المي إلى اعتم اد الخطب والرس ائل ال تي تس تلزم توجي ه الن اس نح و
المراد ،والتأثير فيهم ليقتنعوا بوجاهة القول أو جدوى العمل فاستعملها الخلفاء والقادة
واألعالم.1
أمَا في البالغة العربية فنجد الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" يحاول وضع نظريته
البالغية (الحجاج واإلقناع) وذلك بدفاعه عن الحوار وثقافته ،ويكون مركز هذه البالغ ة
الخط اب اللغ وي وم ا يص احبه من وس ائل إش ارية ورمزي ة ودالالت لفظي ة وغ ير لفظية
وأساسها مراعاة أحوال المخاطبين.2
ألن "أوَل البالغ ة اجتم اع آل ة البالغ ة ،وذل ك أن يك ون الخطيب راب ط الج أش ،س اكن
الج وارح ،قلي ل الح ظ ،متخ ير اللف ظ ،ال يكلم س يد األم ر بكالم األم ة وال المل وك بكالم
السوقة .3"....
والمالح ظ في تعري ف الجاح ظ للبالغ ة اهتمام ه الواض ح بالخط اب الش فوي كم ا اهتم
بالغاية من الخطاب وهي "اإلقناع" و ذلك باتخاذ وسيلة اللغة.
-عبد الهادي بن ظافر الشهري استراتيجيات الخطاب ،مرجع سابق ،ص.447 1
-محمد سالم محمد األمين الطلبة ،الحجاج في البالغة المعاصرة( ،بحث في بالغة النقد المعاصر) ،دار الكتاب 2
60
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
يع د كت اب "أرس طو" "الخطاب ة" من أب رز الكتب ال تي تح دثت عن اإلقن اع وآليات ه ،
وذلك ألنه ربط اإلقناع بالخطابة واعتبر أن وظيفة الخطابة هي اإلقناع ،وهذا ما يؤكده
قول الفارابي "الخطابة صناعة قياسية غرضها اإلقناع.1
واإلقناع عند أرسطو يرتبط بالحجاج ،وقد تناوله من زاويتين متقابلتين :ينظر إليه من
الزاوية البالغية فيربطه بالجوانب المتعلقة باإلقناع ،ومن الزاوية الجدلية اعتبره عملية
تفكير تتم في بنية حوارية وتنطلق من مقدمات لتصل إلى نتائج ترتبط بها بالضرورة
وتتكام ل هات ان النظرت ان في التحدي د ال ذي يقدم ه لمفه وم الخط اب ،إذ بين ه انطالق ا من
أنواع الحضور والرغبة في اإلقناع.2
2-4وسائل اإلقناع:
يمكن التمييز بين وسائل اإلقناع في الخطاب اإلقناعي العربي وهي :الوسائل المنطقية
– الداللي ة – والوس ائل اللغوي ة حيث تتض افر ه ذه الوس ائل فيم ا بينه ا إلنج اح الوظيف ة
اإلقناعية ،ويضاف إلى هذه الوسائل أدوات أخرى غير لغوية ،لها دورها – أيضا -في
اإلقناع والتأثير ،كالرمز ،اإلشارة و حركة الجسد.
-5الحجاج l’argumentation
يعت بر الحج اج اآللي ة األب رز ال تي يس تعمل المخ اطب فيها اللغة و تتجس د عبره ا
استراتيجية اإلقناع ولهذا ال بد أن نحدد داللته لغة واصطالحا:
-هشام الريفي ،الحجاج عند أرسطو ضمن كتاب (أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم) 1
لفريق من البحث في البالغة والحجاج بإشراف حمادي صمود ،منشورات كلية اآلداب ،تونس ،1998ص.04
-محم د النظري ة الحجاجي ة من خالل الدراس ات البالغي ة والمنطقي ة واللس انية ،دار الثقاف ة ،ال دار البيض اء ،ط ،1 2
،2005ص.15
61
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
5-1الحجاج لغة:
الداللة األولى :التي عليها المدار هي القصد الذي هو من معاني مادة "الحج".
اج) بمعنى
ح ّو(الت َ
َّ ج اج)
الداللة الثانية :المخاصمة والمغالبة قصد الظفر :حيث يأتي (الحِ َ
الخص ومة ،وذل ك باعتب ار م ا في ه ذا المص طلح من المغالب ة وقص د الظف ر ،يق ال:
"حاججت فالنا فحاججته أي غلبته بالحجة وذلك الظفر يكون عند الخصومة.
وقب ل أن نع رج إلى الدالل ة االص طالحية ال ب أس أن نس تأنس بمع اجم لغوي ة أخ رى
حتى ن نزل هذا المصطلح بما يحمله من دالالت ومفاهيم ،قال الزمخش ري" :احتج على
خصمه بحجة شهباء وبحجج شهب وحاج خصمه فحجه ،وفالن خصمه محجوج وكانت
بينهما محاجة ومالجة.3
فالزمخشري قد حصر "الحجاج" في المخاصمة والمغالبة قصد الظفر ،حيث يأتي كل
من الحجاج والمحاجة بمعنى الخصومة قصد المغالبة.
-ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،1دار صادر ،بيروت 1990م ،مادة َح َج َج. 1
2
.المرجع نفسه ،مادة ( حجج) -
-الزمخشري ،أساس البالغة ،ط ،1دار صادر ،بيروت ،1992مادة (حجج). 3
62
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
وق د ورد لف ظ الحج اج في ع دة آي ات من الق رآن الك ريم منه ا :قول ه تع الىَ " :ها أ َْنتُ ْم
ون بِ ِه
اف َما تُ ْش ِر ُك َ
َخ ُ وني ِفي اللّ ِه َوقَ ْد َه َد ِ
ان َوالَ أ َ اج ِّ
ال أَتُ َح ُّ وقوله تعالىَ " :و َح َّ
آجهُ قَ ْو ُمهُ قَ َ
ٍ ِ ِ َّ
ون ".2اء َربِّي َش ْيئاً َوس َع َربِّي ُك َّل َش ْيء عْلماً أَفَالَ تَتَ َذ َّك ُر َِإال أَن َي َش َ
بع د أن عرض نا المفه وم اللغ وي لمفه وم الحج اج .ال ب أس أن نتع رض ك ذلك لدالل ة
الحجاج االصطالحية ،ألن المفهوم اللغوي ال يمكنه وحده استيعاب الحجاج بكونه علما
مستقال بذاته له أركانه وطرائقه.
5-2الحجاج اصطالحا:
3
طه عبد الرحمن ،اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ،ط ،1المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب 1-
،1998.ص226
63
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
وهذا يعني أن الحجاج علم من العلوم له أركانه وطرائقه ووجوهه المميزة له ،المحددة
لماهيت ه وغاي ة ه ذا العلم ه و معرف ة الحقيق ة والتمي يز ال دقيق بين الح ق والباط ل،
والصواب والخطأ وما شابه ذلك من المناقشات.
أم ا ح ديثا فق د اش تغل بالحج اج ثل ة من الدراس ين الع رب ،ن ذكر على س بيل المث ال ال
الحص ر "ط ه عب د ال رحمن" في كتاب ه "اللس ان والم يزان أو التك وثر العقلي" وه و الكت اب
ال ذي ع رض في ه أن واع الحجج وأص ناف الحج اج م ع ترك يزه على (الس لم الحج اجي
بوصفه عمدة في الحجاج ،وقد قام "طه عبد الرحمن" بتحديد مفهوم الحجاج في كتابه
ه ذا ق ائال" :إن الحج اج ه و ك ل منط وق ب ه موج ه إلى الغ ير إلفهام ه دع وى بخص ومة
يحق له االعتراض عليها".1
-الحواس مسعودي ،البنية الحجاجية في القرآن الكريم ،سورة النمل نموذجا ،مجلة اللغة واألدب ،جامعة الجزائر، 2
يفهم من ه ذا التعري ف أن كلا من "بيرلم ان وتيتك ا" ي نزل الحج اج في ص ميم التفاع ل
بين الخطيب وجمهوره ،ويركز على وظيفة الحجاج وهي حمل المتلقي على اإلقناع بم ا
يعرض عليه.
إن الحديث عن الحجاج في اللغة يقتضي منا الوقوف عند مؤلفات (ديكرو) وال سيما
كتابه الحجاج في اللغة " "L'argumentation dans la langueالذي كتبه جون كلود
أنسكونبر (.)J.c.Anscombre
يحدد "ديك رو "مفه وم الحج اج في كتاب ه "الحج اج في اللغ ة "على النح و الت الي" :يق وم
متكلم ما بفعل الحجاج عندما يقول قوال (ق( )1أو مجموعة أقوال) يفضي إلى التسليم
بق ول آخ ر (ق( )2أو مجموع ة أق وال أخ رى) ، 2ف القول (ق )1ه و الحج ة ال تي يص رح
بها المتكلم أما (ق )2فهي التي يستنتجها المستمع ،وهذه النتيجة تكون إما مصرحا بها
أو ض منية .ل ذلك ف إن الحج اج عن د "ديك رو" و "أنس كونبر" ه و إنج از لعملين هم ا :عم ل
التص ريح بالحج ة من ناحي ة ،وعم ل االس تنتاج من ناحي ة أخ رى س واء أك انت النتيج ة
مصرحا بها أو ضمنية.3
1
- perlman et tyteca, traitéde l'argumentation, édition de leniversité de bruxelle 5
l'edition.
2
- Jean claude Anxombre et oswald ducrot, 'argumentation dans la langue, pierre
Mardaga, bruxelles, 1983, p8.
.Ibid p11 - 3
65
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
أما "شكري المبخوت" الذي اجتهد في توضيح نظرية (ديكرو) في الحجاج فقد قال إن
الحج اج حس ب "ديك رو"" :ه و عالق ة داللي ة ترب ط بين األق وال في الخط اب ،تنتج عن
عمل المحاجة ،ولكن هذا العمل محكوم بقيود فال بد أن تتوفر في الحجة (ق )1شروط
مح ددة ح تى ت ؤدي إلى (ق ،)2ل ذلك ف إن الحج اج مس جل في بني ة للغ ة ذاته ا وليس
1
بالمحتوى الخبري لألقوال وال بمعطيات بالغية مقامية
-إ ن تأثيرها التداولي في المرسل إليه أقوى ألنها تنبع من حصول اإلقناع عند المرسل
إليه غالبا.
-تنامي الخطاب بين طرفيه عن طريق استعمال الحجاج فالحجاج شرط في ذلك ،ألن
من شروط التداول اللغوي شرط اإلقناعية.
-إب داع الس لطة ،فاإلقن اع س لطة عن د المرس ل في خطاب ه ولكنه ا س لطة مقبول ة إذا
استطاعت أن تقنع المرسل إليه ،إذ ال تحقق استراتيجية اإلقناع نجاحها إال عند التسليم
بمقتضاها إما قوال أو فعال.
-شمولية استراتيجية اإلقناع إذ تمارس على جميع األصعدة فيمارسها الحاكم والفالح
وكبير القوم والطفل والمرأة كل ذلك بوعي منهم.
-شكري المبخوت ،الحجاج في اللغة ضمن كتاب أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، 1
ص.351
2
.عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجيات الخطاب ،ص - 447-446
66
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
-تحقيقها نتائج تربوية إذ تمارس كثيرا في الدعوة ،كما فعل رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم مثال عند إقناع األعرابي الذي طلب الرخصة الرتكاب الزنا.
-الرغبة في تحصيل اإلقناع ،إذ يغدو هو الهدف األعلى لكثير من أنواع الخطاب .
"يض ع بعض األش خاص المعرف ة في غ ير موض عها عن دما يخطئ ون الوس ائل وعن دما
يرغب ون في التعلم ال ب دافع ترجم ة ميداني ة لم وهبتهم العقالني ة وال للتعب ير عن فض ول
طبيعي وبالبحث عن التنوع والتفرد ،وإ نما لطلب الشهرة والمجد ولتحقيق الربح اآللي
والمصلحة المادية وهذا أكبر األخطاء ومنبع الشرور،خاصة حين ينعكس ذلك سلبا على
العالق ة بين الفك ر واللغ ة وبين الكالم والمع نى :ويص بح ال ذهن منق ادا لس لطة الخط اب
وتتحول اللغة إلى وسيلة مغالطة وفن من فنون التزييف ،ويتم إقحام الكالم البشري في
استراتيجيات الخداع والتضليل التي تعتمدها السلطة".1
لكن حينم ا نش رع في التص ديق الف وري والتط بيق اآللي تظه ر لن ا ع ورات الخطب
وتنكشف قبح الكلمات وفشل المحاوالت وتذهب أحالمنا سدى ويتبين لنا كذب األلسن
وعرج األسلوب ونسقط في حب المغالطات واألقوال المغشوشة .ولذلك ال بد أن نسارع
إلى البحث عن ط رف تحمين ا من معس ول الكالم ومن األفك ار الظني ة المدسوس ة
باالس تدالالت السفس طائية .فم اذا نقص د بالمغالط ات؟ وم ا هي أنواعه ا ومس توياتها؟ وم ا
الفرق بين المغالطة والغلط؟.
-زه ير الخويل دي ،فن المغالط ات والحجج الباطل ة ،مجل ة رواق الفلس فة ،الس بت 25س بتمبر ،2010ت ونس ص 1
.01
67
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
هي عند المنطقيين قياس فاسد إما من جهة الصورة أو من جهة المادة أو من جهتهم ا
معا ،واآلتي بها غالط في نفسه مغالطة لغيره ،ولوال القصور وهو عدم التمييز بين ما
هو هو و بين ماهو غيره لما تم للمغالطة صناعة ،فهي صناعة كاذبة تنفع ب الغرض .إذ
الغرض من معرفتها االحتراز عن الخطَاء ،وربما يمتحن بها من يراد امتحان ه في العلم
ليعلم ب ه بع دم ذه اب الغل ط علي ه وبذهاب ه علي ه قص وره وبه ذا االعتب ار تس مى قياس ا
امتحانيا ،وقد تستعمل في تبكيت من يوهم العوام أنه عالم ليظهر لهم عجزه عن الفرق
بين الصواب والخطأ .فيصدون عن االقتداء به ،وبهذا االعتبار تسمى قياسا عناديا.1
والمغالط ة اخ تراع عبق ري ومه ارة في اس تعمال اللغ ة ترتب ط بالحكم ة ،Sophiaفهي
فكر مخادع باعتبارها استدالل يبدو من حيث الظاهر صارما ومنطقيا ولكنه في الواقع
ليس ص الحا وال مطابقا للحق ،كم ا أنه ا فن الغرض من ه ه و اإليق اع في الخطأ وخداع
اآلخرين.
إذا كانت المغالطة Sophismeتفترض الوعي بالخلل وتوظفه من أجل التمويه ،فإن
الغل ط Paralogismeه و اختالل في االس تدالل ن اتج عن خل ط غ ير مقص ود ودون
وعي من قب ل واض عه ،وال ذي يك ون ض حيته باعتب اره أن ه أول من يق ع في ش ركه ،من
البين أن الغلط Paralogismeهو فعل مضاد للقياس المنطقي يحاول فيه المتكلم عن
حسن نية أن يبرهن عن وجهة رأيه و لكن يقع في الخطأ.2
-التهانوي محمد علي الفاروقي كشاف اصطالحات الفنون .ت .لطفي عبد البديع مراجعة أمين الخولي ،المؤسسة 1
ولكن يمكن أن تفهم المغالطة المنطقية على أنها خطأ في التفكير واالستنتاج وقد تكون
مقنع ة عن د البعض وت ؤدي ب البعض اآلخ ر إلى الوص ول إلى نت ائج زائف ة ،وفي العم وم
هي ص ناعة علمي ة ال تفي د اس تنتاج اليقين في الحج اج بالض رورة طالم ا أن الخص م ق د
يس لم به ا وق د يرفض ها وبالقي اس إلى أنه ا تس مى سفس طة إذا م ا اس تعملت م ع الحكيم
وتدعى مشاغبة إذا ما طُِّبقت مع الجاهل.2
3-3منطق المغالطة:
1
المرجع السابق ،ص- 03
-أحمد دعدوش ،أساليب الدعاية المعاصرة ،العدد .238 2
69
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
إذا ك ان ك ل من س قراط وأفالط ون سعيا إلى مواجه ة المغالط ات وذل ك ببي ان زيفه ا
باالعتماد على منطق غير صارم فإن "أرسطو" سيستعرض في "الدحوض السفسطائية
"مختل ف الحي ل اللغوي ة والوس ائل ال تي ينبغي توخيه ا لدحض ها وس يعمل على بن اء علم
ص وري مهمت ه التمي يز بين االس تعمال المش روع للغ ة واالس تعمال لغ رض التض ليل
والخ داع وبين االس تدالالت العلمي ة واالس تدالالت الظني ة ،ويتمث ل المنط ق في بع ده
الخطابي دائما ،غير أن بعض الخطابات تعد مغالطات زائفة بسبب عدم كفاية المقدمات
أو عدم اتفاقها مع النتائج ويعد "هوميروس" هو الذي علم سائر الشعراء فن االحتياالت
المتقن ة الص نع أع ني المغالط ة ،ف إذا ك ان وق وع واقع ة يس تلزم نتيج ة له ا وج ود وق وع
واقع ة أخ رى ،ف إن الن اس يجنح ون إلى اعتق اد أن ه أينم ا وج د الت الي وج د المق دم
بالضرورة ،ولكن هذا باطل ولهذا فإنه إذا كان المقدم باطال .ولكن كان هناك شيء آخر
يجب أن يوجد أو يقع إذا كان صادقا ،فيجب ضم االثنين ألنه متى كان العقل يعلم هذا
الشيء اآلخر صادق ،فإنه يستنتج من هذا خطأ أن المقدم هو اآلخر صادق.1
هكذا تعمد المغالطة على المنطق التضليلي وعلى خالف الغلط توجد في المغالطة إرادة
نحو الخطأ ورغبة في التزييف .على هذا النحو ينبغي التمييز بين البراهين الصحيحة
والمغالط ات في حال ة النقاش ات الس اخنة .كم ا أن المنط ق التض ليلي ه و منط ق ك اذب
بمعزل عن صدق المسلمات والنتائج.
3-4أصناف المغالطات:
اق ترح "س تيوارت مي ل" في كتابه "نس ق المنط ق" – 1843أربع ة أص ناف للمغالط ات
هي:
70
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
-1مغالط ات التف تيش البس يط والقبلي : inspection Simple:وتض م الب ديهيات
والمشهورات التي ال تحتاج إلى برهنة.
-2التن اقض األخالقي العملي :ويتمث ل في تن اقض أق وال المتكلم وأفعال ه أو اس تنكاره
شيئا يقع فيه.
-3حج اج الق وة :ويتمث ل في حم ل المخ اطب على س لوك معين باالس تناد إلى التهدي د
المعن وي او الجس دي (افع ل ك ذا وإ ال ض ربتك) ونج ده بك ثرة في الخط اب ال ديني
والتربوي والسياسي.
1
- Système de logique, livre 5, les Sophismes dans système: John stuart mill, pierre
mardage, éditeur, Bruxelle. 1988, page 308.
71
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
-4المحاججة بالتجهيل أو االحتكام إلى الجهل :وتقوم على إفحام المخاطب انطالقا من
تعجيزه على أن يدلي بما ينفي الحجة المقدمة له ،وتكمن المغالطة في أنه إن لم يتوفر
للمح اجج دلي ل ينفي حج ة خص مه لحظ ة الح وار فليس معن اه أن الحج ة ص حيحة بش كل
مطلق .
-5السفسطائية :القياس الذي تكون مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة ،ولكنه يبقى مطابقا
لقواع د المنط ق فيج د اإلنس ان نفس ه ع اجزا على دحضه ،ول ذلك يع د الفالس فة ه ذه
المغالطة المنطقية "حكمة مموهة".
-6القياس المغلوط :ويتمثل في التخصيص بعموم اللفظ الذي يجعل الكالم غير محدد
وقابل ألكثر من تأويل مما يضعف الحجة أو ينفيها ،وتعتمد اللغة الخشبية 1على القياس
المغلوط بكثرة.2
-7المصادرة على المطلوب :عندما تكون النتيجة موجودة في المقدمة ويوجد إجماع
في المصادر القديمة والحديثة على اعتبار المصادرة على المطلوب خطأ منطقيا يتمثل
في المص ادرة على النتيج ة ال تي ينبغي الوص ول إليه ا ،وهي ت أتي ع ادة في ش كل حج ة
دائري ة بم ا أن المتكلم يع ود إلى المقدم ة في االس تنتاج ،وتس تعمل حج ة المص ادرة على
المطلوب في السياسة كثيرا.
-اللغة الخشبية : la langue de boisهي لغة متيبِّسة تعتمد القوالب الجاهزة واألحكام المعيارية والشعارات 1
72
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
-9التم اس المش اعر :وهي محاول ة إث ارة المش اعر ب دال من تق ديم حج ة س ليمة وقوي ة،
من المهم المالحظة أن في بعض األحيان قد تثير حجة سليمة منطقيا بعض المشاعر،
أو ان تحتوي على جانب مشاعري ،ولكن تحدث المغالطة عندما تستخدم المشاعر بدال
من الحجة ،أو إلخفاء الضعف في الحجة .
-11االحتك ام إلى س لطة :ه ذا الن وع من المغالط ات ه و األس هل في التع رف علي ه،
ويح دث عن دما يتم إس ناد النتيج ة إلى حكم ش خص أو أش خاص خ براء بموض وع الحج ة
وهي تسمى كذلك بمغالطة التصنيف والتنميط .
-12مغالطة وأنت كذلك :هذه المغالطة تدخل تحت مغالطة الشخص نة ،ولكن تستخدم
كثيرا لذلك تستحق ان تكون في جزء خاص بها فهي تحدث عند تفادي مناقشة الحجة
ومحاولة عكسها على صاحب الحجة.1
-13مغالطة سد الذرائع :وهي ربط حدوث أمرها بحدوث عدد من األمور التي تنتهي
بحدوث سلبي ،ولذلك يجب عدم حدوث األمر األول.
-14مغالط ة الوهمي ات :وهي القض ايا الكاذب ة ال تي يحكم به ا ال وهم في األم ور غ ير
المحسوسة والتي يتعمدها المغالط لدحض حجة خصمه.
73
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
-15مغالط ة تحري ك اله دف :وهي عب ارة عن تغي ير المتطلب ات الالزم ة إلقام ة الحج ة
بعد أن تقام كأن تقول ما كنت أعنيه ليس هذا بل ذلك.)...
-16حجة الكذب :وهي جميع أنواع الحجج المبنية على التلفيق والكذب.
إن ألساليب المغالطة فوائد ال يستهان بها لدى أهل العلم وذلك من ناحيتين:
-1أنه بها قد يتمكن الباحث من النجاة من الوقوع في الغلط ويحفظ نفسه من الباطل،
ألنه إذا عرف مواقع المغالطة ومداخلها يعرف الطريق إلى الهرب من الغلط واالشتباه.
-2أن ه به ا ق د يتمكن من مدافع ة المغ الطين وكش ف م داخل غلطهم وعلى ه ذا ففائ دة
الب احث من تعلم ص ناعة المغالط ة كفائ دة الط بيب في تعلم ه للس موم وخواص ها ،فإن ه
يتمكن ب ذلك من االح تراز منه ا ،ويس تطيع ان ي أمر غ يره ب االحتراز ،وي داوي من
.
يتناولها
كما أن لهذه األساليب فائدة أخرى حيث يمكن للمتكلم مغالطة المغالط ومقابل ة للمغ الطين
بمثل طريقتهم.2
74
استراتيجيات التداول في الفصل الثاني
الخطاب
مع هذا ال بد أن ننتبه إلى أن الخطأ الكبير الذي يمكن أن توقعنا فيه المغالطة ناتج عن
اعتقادن ا بل وغ ج واهر األش ياء و معرف ة األم ور بطريق ة ص حيحة وق درة العق ل البش ري
على تحصيل المطلق وعدم اقتناعنا بالبعد الاستعمالي للغة.
75
الفصل الثالث
تحليل خطب الحجاج بن
يوسف حسب
االستراتيجيات التداولية
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
-11محمد درويش ،الخطابة في صدر اإلسالم ،العصر السياسي عصر الدولة األموية ،دار المعارف ،القاهرة ج
2،1967ص73
– 22المرجع نفسه ،ص.74
77
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
إن هذا العصر عصر سارت فيه الشجاعة وراء البيان ،وملك اللسان منه ما لم يمل ك
الس يف ،وتس ابق الن اس في ه إلى غاي اتهم بحس ب مق االتهم ،وق د رأوا المث ل األعلى في
الحج ة واقتبس وا من لفظ ه
الكت اب العزي ز فتس اموا إلى طريقته في اإلقن اع ،وإ قام ة َ
تعدد األحزاب السياسية هو الذي
واستعانوا بروحه ،فحيوا في بالغتهم حياة جديدة ألن َ
تميزت في هذا العصر بعذوبة ألفاظها ومتانة أسلوبها
بعث على نهضة الخطابة ،التي َ
1
وقوة تأثيرها واقتباسها من القرآن وانتهاجها منهجه في اإلرشاد واإلقناع.
ب-مولده ونشأته:
- 1محمد أبو زهرة ،الخطابة ،أصولها تاريخها في أزهى عصورها عند العرب ،دار الفكر العربي ،القاهرة ص 1
242-241
78
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
وأم اَ القبيلة التي نشأ فيها تدعى "الطائف" موطن قبيلة الحجاج بن يوسف، 1حيث كان
2
ينتمي إلى أسرة فقيرة ،يقال أنه كان معلَما للقرآن.
كان طموح الحجاج بن يوسف كبيرا في الوصول إلى بالط الدولة األموية فكان أول
اتصال له بالسلطة منذ أن عمل في شرطة "روح بن زنباع" وهذا األخير هو مستشار
نص ب الحج اج قائ دا على جيش ه ،وم ا أب داه من
الخليف ة عب د المل ك بن م روان ال ذي َ
إخالص للخالف ة وألهله ا جع ل الخليف ة يث ق ب ه وينتدب ه لقت ال عب د اهلل ابن الزب ير انتهت
3
بانتصار الحجاج بن يوسف.
فنص به واليا
وبعد هذا االنتصار زادت ثقة عبد الملك بن مروان بالحجاج بن يوسف ً
على الحج از واليمن واليمام ة ثم والي ا على الع راق س نة خمس وس بعين للهج رة 75ه،
وكانت عالقة الحجاج بن يوسف مع أهل العراق تتسم بالعنف والبطش والتحامل الشديد
عليهم في خطبه حيث أنه واجه الكثير من الثورات والفتن خاصة ثورات الخوارج .
وقد اشتهر الحجاج بن يوسف بفصاحة لسانه ،وكانت خطبه تمثَ ل أوج العنف الذي
ايميز خطب ه التهدي د والعن ف فه و يص در كل ه عن
أدركت ه الخطاب ة األموي ة ،وأهم م َ
مشبع بصور األشالء والقتل والدمار ،
إحساس عميق بالحقد والنقمة ،وخيال خصيب َ
يعب ر عن حقيق ة م ا في نفس ه ح تى يرس م أمامن ا المش اهد المروع ة ،والش تائم
ويك اد ال َ
-21عمر فروخ ،تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ،دار العلم للماليين ،لبنان كانون الثاني ص 49-48
-32المرجع نفسه ،ص.237
-13أحمد محمد الحوفي ،في أدب السياسة في العصر األموي ص.542
79
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
الس امعين
المقذع ة ،تم َده ق درة عجيب ة على تش خيص المع اني وبعثه ا في يقين َ
1
ووجدانهم .
المقطع األول:
2
متى أضع العمامة تعرفوني أنا ابن جال وطالع الثنايا
اس تبدل المرس ل (المخ اطب) البس ملة والحمدل ة بملف وظ ش عري الش اعر "س حيم بن وثي ل
الرياحي" وقد وظفه "المخاطب" توظيفا أكسبه قوة لم تكن للغته وحدها ولم تكن لمرسله
األص لي وذل ك عائ د إلى مرج ع األداة اللغوي ة ،وه ذه األداة هي إش ارية ال ذات .ض مير
المتكلم "أن ا" ال تي تحت ل ص در الخط اب (ال بيت) فتص بح هي ب ؤرة الخط اب ال تي تتف رع
عنها بقية عناصره أو صفاته.
وال بد أن نشير هنا إلى أن غياب البسملة والحمدلة واستبدالها بالبيت الشعري في خطبة
الحج اج بن يوس ف إلى أه ل الكوف ة ه و غي اب قص دي يه دف إلى تحدي د نم ط الخط اب
الذي سيوجه إلى المخاطب.
المقطع الثاني:
" أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله ،وأحذوه بنعله ،وأجزيه بمثله ،وإ ني أرى رؤوسا قد
أينعت وح ان قطافه ا ،وإ ني لص احبها ،وإ ني ألنظ ر إلى ال دماء ت ترقرق ين العم ائم
واللحي".1
أ-األفعال التوجيهية:
81
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
حيث يخض عه إلى قب ول حجج ه دون نق اش ،ه ذا باإلض افة إلى توظيف ه أفع ال توجيهية
أخ رى" ،إني ألحم ل ،أح ذوه ...أجزي ه ...وإ ني ألرى ...ح ان ...وإ ني ألنظ ر"....
وهي أفع ال كالمي ة مباش رة اس تعملها المتكلم لغ رض التهدي د والوعي د وهي حس ب
تصنيف "سيرل" :أفعال التزاميه غرضها اإلنجازي هو التزام المتكلم بفعل شيء ما في
المستقبل.1
تنقس م البني ة الحجاجي ة للمقط ع الث اني إلى ثالث ة حجج ،والحج ة األولى إلى ثالث
مقدمات ،أما النتيجة فهي ضمنية.
الحجة األولى :أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله ،وأحذوه بنعله ،وأجزيه بمثله
الحجة الثالثة :إني ألنظر إلى الدماء تترقرق فوق العمائم واللحي.
-السكاكي ،مفتاح العلوم ،نعيم زرزور ،دار الكتب العلمية .بيروت .لبنان ط 1987 1ص .369 2
82
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
المادي بإقرانه باأللفاظ (أحمل ،أحذوه ،أجزيه) التي تدل على فعل الداللة المادية وهنا
إشارة من "الحجاج بن يوسف" على أنه قادر على فعل ما يريد ،وباإلضافة إلى ذلك فإن
النص يحم ل قرين ة التنفي ذ ب الحكم الش رعي ،وه ذا إدع اء من "المخ اطب " ليظه ر قوت ه
وبطشه "للمخاطب" ،باستعمال اللفظ الذي يجسد المعنى ماديا .لكن داللته هي التأثير في
المتلقي وإ قناعه بعدم مواجهته ألنه متميز بالقوة والبطش.
الحج ة الثاني ة :إني ألرى رؤوس ا ق د أينعت وح ان قطافه ا إن لف ظ (أينعت) و(قط اف)
يحمالن الدالل ة المادي ة للفع ل ،وك أن "الحج اج بن يوس ف "البس تاني ال ذي يقط ف الثم ار
ال تي نض جت ولكن لف ظ (رؤوس ا) يحم ل الدالل ة على اإلنس ان وه و اللف ظ ال ذي ي درك
المتلقي من خالل ه األبع اد المقص دية للمخ اطب ،فقص د "الحج اج بن يوس ف" إظه ار
ص رامته وجديت ه في تنفي ذ وعي ده المس تقبلي ،وتظه ر القيم ة الحجاجي ة لالس تعارة في
تحقي ق المخ اطب هدف ه الحج اجي ،المتمث ل في الت أثير على المخ اطب ومحاول ة إقناع ه
بعدم مواجهته واإلستعارة في الحجة األولى والثانية ،استعارة حجاجية ألنها" :تهدف إلى
إحداث تغيير في الموقف الفكري والعاطفي للمتلقي " ،إذ يهدف الحجاج بن يوسف إلى
وأن الحجاج هو الوالي الجديد على العراق
تغيير موقف أهل العراق تجاه واليهم خاصة َ
وذلك بالتأثير عليهم وإ قناعهم بالبيان ألنه -غالبا -ما يكون أقوى من السيف.
الحجة الثالثة :إني ألنظر إلى الدماء تترقرق بين العمائم واللَحي.
ظ ف الحج اج في ه ذه الجمل ة الوح دات اللس انية (ال دماء ،العم ائم ،اللحي) ال تي تحم ل
وَ
داللة مادية (فالدماء) توحي إلى الموت و(العمائم) داللة على الحرب ،أما اللحي (داللة
على جنس الرجال ).
ج-السلم الحجاجي:
83
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
الس لم الحج اجي ه و عالق ة ترتيبي ة للحجج وبعب ارة أخ رى ه و فئ ة حجاجي ة موجه ة.
ن ويرمز لها كالتالي:
د
ج
ب
"ن"= النتيج ة "ب"" ،ج"" ،د" حجج وأدل ة تخ دم النتيج ة ويتس م الس لم الحج اجي بالس متين
التاليتين:
أ -كل قول يرد في درجة ما من السلم ،يكون القول الذي يعلوه دليال أقوى منه بالنسبة
للنتيجة "ن".
ب -إذا ك ان الق ول "ب" ي ؤدي إلى النتيج ة "ن " فه ذا يس تلزم أن "ج" أو "د" ال ذي يعل وه
درجة يؤدي إليها والعكس غير صحيح.1
-1ق انون النفي :إذا ك ان ق ول م ا "أ" ينتمي إلى الفئ ة الحجاجي ة المح ددة بواس طة "ن"
فإن "أ" ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة "ال -ن" .
-2قانون القلب :ومقتضاه إذا كانت إحدى الحجتين أقوى من األخرى في التدليل على
نتيج ة معين ة ،ف إن نقيض الحج ة الثاني ة أق وى من نقيض الحج ة األولى في الت دليل على
النتيجة المضادة.
84
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
-3ق انون الخفض :يوض ح ق انون الخفض الفك رة ال تي ت رى أن النفي اللغ وي يك ون
مساويا للعبارة «.» moins que
-3ق انون الخفض :يوض ح ق انون الخفض الفك رة ال تي ت رى أن النفي اللغ وي الوص في
يكون مساويا للعبارة .» mois que «1
وال بد أن نشير في هذا المقام أن القول االستعاري له قوة حجاجية عالية ولهذا يجب أن
يكون في أعلى السلم.
المقطع الثالث:
التمثي ل :لق د تح دثنا س ابقا عن االس تعارة ودوره ا الحج اجي واآلن نتح دث عن التمثي ل
ال ذي بفض له يتم "عق د الص لة بين ص ورتين ليتمكن المخ اطب من االحتج اج وبي ان
حجاجه 2وقد استعمل الحجاج بن يوسف التمثيل في خطبته هذه مخاطبا:
فشمرا
شمرت عن ساقها َ
قد َ
85
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
وال بجزار على ظهر وضم ليس براعي إبل وال غنم
1
مهاجر ليس بأعرابي
وقد علق "محمد العمري" على هذه األبيات قائال " :وتنقلنا الشواهد الشعرية المختلفة
إلى ع الم الرحل ة الش اقة المض نية في الص حراء حيث ي دفع الس واق الحطم (أي الحج اج
نفسه) اإلبل (أهل الكوفة بالتحديد) في مجاهل الصحراء ،بدون شفقة ،وهي أبيات تعلن
الحرب على أهل الكوفة.2
لكن ال ذي ينقلن ا إلى الرحل ة الش اقة على مس توى اللغ ة ه و اس تعمال "المخ اطب "اس م
اإلش ارة "ه ذا " ،األداة ال تي تحت ل ص در ه ذا الملف وظ أو المقط ع ،وتص نف "ه ذا" ضمن
اإلش اريات المكاني ة وهي عناص ر إش ارية إلى أم اكن يعتم د اس تعمالها وتفس يرها على
معرف ة مك ان المخ اطب وقت التكلَم ،أو على مك ان آخ ر مع روف للمخ اطب أو الس امع،
3
ويكون لتحديد المكان أثره في اختيار العناصر التي تشير إليه قربا أو بعدا أو وجهة
الصلة بين الصورة التي تمثل العالقة بين "الحجاج
فبفضل األداة اإلشارية "هذا" تم عقد َ
" و"أه ل الع راق" ،والص ورة الثاني ة ال تي تمث ل العالق ة بين س واق الحطم واإلب ل في
مجاهل الصحراء ،حيث قصد "الحجاج بن يوسف" بالتمثيل إلى مزج الصورتين معا في
-محمود أحمد نحلة ،آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ،ص.21 3
86
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ذهن المخ اطب ،ليك ون الت أثير واإلقن اع مض اعفين بتل ك الص ورة ال تي تحم ل مع اني
التهدي د وال ترهيب ،كم ا أن الفع ل الكالمي "اش تدي" يحم ل ق وة إنجازي ة متض منة وهي
التهديد بإعالن الحرب على أهل الكوفة والتنكيل بهم.
المقطع الرابع:
"إني واهلل ي ا أه ل الع راق ،ومع دن الش قاق والنف اق ،ومس اوئ األخالق م ا أغم ز تغم از
بالش نان ،ولقد قررت عن ذكاء ،ولقد فتشت عن تجربة ،وجريت
التين ،وال يقعقع لي َ
أمرها عودا وأصلبها
كب كنانته ثم عجم عيدانها ،فوجدني َ
إن أمير المؤمنين َ
من الغايةَ ،
فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل،
عم وداَ ،
وسننتم سنن الغي".1
أ-األفعال التوجيهية:
لقد استعان الحجاج بن يوسف في هذا المقطع بالفعل التوجيهي المتمثل في القسم للمرة
الثاني ة في قول ه "إني واهلل ي ا أه ل الع راق "....وه و فع ل كالمي تأكي دي غرض ه تأكي د
الخبر في محاولة منه لإللحاح على التهديد والوعيد.
ِ
المخاطب قدمها
تنقسم بنية هذا الملفوظ أو المقطع إلى خمس حجج ونتيجة وهي حجج َ
"الحجاج" ليبرز سبب اختيار أمير المؤمنين له ليكون واليا على العراق.
َ
-1الجاحظ البيان و التبيين ص .202
87
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
بالشنان.
َ الحجة الثانية :ال يقعقع لي
أمره ا ع ودا
كب كنانت ه ثم عجم عي دانها فوج دني َ
الحج ة الخامس ة :إن أم ير المؤم نين َ
وأصلبها عمودا.
النتيج ة :فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل
وسننتم سنن الغي.
88
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
نجد لفظة "الشنان" داللتها هي القربة البالية ،إلفزاع الناقة حتى تسرع السير ،1حيث نقل
"المخ اطب" ه ذه اإلحال ة المادي ة إلى إحال ة أخ رى معنوي ة ،فالعب ارة كناي ة على ص عوبة
خداع "الحجاج إذ يدرك المتلقي هذه اإلحالة من خالل سمعه للعبارة وهي صفة أخرى
تؤهله بأن يكون واليا على العراق.
مؤهالته التي َ
أضافها الحجاج إلى َ
الش باب و تمام السنن أما العبارة فهي كناية على كمال
إن داللة لفظ "الذكاء" هي نهاية َ
َ
مؤه ل آخ ر لتولي ه ه ذا المنص ب
"الحج اج" بع د أن تج اوز مرحل ة الش باب ،وهي َ
َ عق ل
المتمثل في والية العراق.
الحجة الرابعة :ولق د فتَش ت عن تجرب ة وج ريت من الغاي ة ه ذه الحج ة مركب ة من
مقدمتين:
89
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
إن ه ذه الحج ة ال تي تض منت المق دمتين ك ان ه دفها الت أثير في المخ اطب وإ قناع ه بق درة
َ
مؤهل آخر.
"الحجاج بن يوسف" على بلوغ هدفه مهما كلَف األمر وهي َ
َ
الحجاج نفسه في هذه العبارة بالعود الذي اختاره أمير المؤمنين من كنانته،
صور َ لقد َ
ظ ف استعارة مكنية حضر فيها المشبه (العود) وغاب فيها المشبه به (نبات كما أنه و َ
حجة قوية تدعم الحجج التي قبلها،
الحنظل )....وقد استعملت االستعارة المكنية لتكون َ
تصل بالمخاطب إلى تحقيق هدفه الحجاجي وهو تبرير قضية أمام المخاطب.
ج-السلم الحجاجي:
كانت الحجج المستعملة في المقطع الرابع تسير في اتجاه واحد و تخدم نتيجة ظاهرة
في ه ذا الملف وظ اآلتي" :فوجه ني إليكم ،ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في
مراق د الض الل وس ننتم س نن الغي " وهي نتيج ة إيجابي ة حيث حق ق المخ اطب هدف ه
الحجاجي.
"الحج اج بن
َ أهلت
ويمكن أن نرتَب الحجج على السلم الحجاجي ،حسب الكفاءات التي َ
يوسف " للظفر بمنصب والية العراق كما يلي:
عمودا.
المقطع الخامس:
91
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ظف المخاطب في هذا المقطع أفعاال توجيهية يتصدرها القسم (أما واهلل )...وهو
لقد و َ
فع ل كالمي تأكي دي ي درج مس ؤولية المخ اطب أو المتكلم على ص حة م ا يتلف ظ ب ه وه و
بلغة "سيرل" مندرج ضمن "التقريريات" فالغرض المتضمن لتوظيف القسم هو التقرير.1
...ألعصبنكم ...
َ "أللحونكم
َ كما استعان المخاطب بأفعال توجيهية مباشرة في قوله:
ربنكم "....وهي أفع ال تتض من التهدي د وتنفي ذ الوعي د ،تص َنف ض من األفع ال
ألض َ
االلتزامية التي تجعل المتكلم يلتزم بفعل الشيء وفي هذا المقطع "الحجاج بن يوسف "
يل تزم بتنفي ذ ه ذه األن واع من العق اب (اللح و ،الض رب )....وق د حق ق المتكلم أفعال ه
اإلنجازي ة ه ذه لت وفره على ش روط االس تعالء والس لطة .فمكانت ه االجتماعي ة والسياس ية
هي من خولته إلصدار أفعال التهديد والوعيد.
ب-األساليب اإلقناعية:
فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان
الحجة الرابعة َ :
فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون .
92
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
لق د اس تحوذ التش بيه على ه ذا المقط ع من خالل عالق ات التش ابه ال تي يق ول عنه ا
الطرابلس ي " :هي التق ارب ال ذي يح دث بين الموص وف والص ورة الواص فة رغم
انفصالها في األصل.1
تمثَل "الحجاَج بن يوسف " نفسه في الصورة بأنه سيزيل الجلد عن أجسامهم كما تزال
القشرة عن العصا ،حيث نقلت الداللة المادية للعبارة إلى الداللة المعنوية وهي تصوير
موجهة للمتلقي ليحلل مضمونها وبذلك
التهديد في أشد قسوته .وقد رسم المتكلم الصورة َ
يحدث اإلقناع بقدرة المخاطب على تنفيذ تهديده ووعيده.
يشبه " الحجاج بن يوسف" في هذه الصورة ضربه ألهل العراق بضرب غرائب اإلبل
للتأثير في عواطف المتلقي وإ قناعه بأنه سينفَذ نوعا آخر من العقاب.
الحجة الرابعة :فإنكم لكأهل "قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان
فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ".
-محمد الهادي الطرابلسي ،خصائص األسلوب في الشوقيات ،منشورات الجامعة التونسية 1981ص .142 1
93
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
إن الحج ة في ه ذا المقط ع نص مقتبس من الق رآن الك ريم ،تص َنف ض من الحجج
َ
الج اهزة ،أي َأنه ا س ابقة في خط اب آخ ر فهي ليس ت من إنت اج المرس ل بق در م ا هي
منقولة على لسانه وقد حصر "أرسطو" الحجج الجاهزة في "نصوص القوانين" ومركز
الش هود ،والعق ود وااللتزام ات واالع تراف ال ذي ي أتي تحت ت أثير التع ذيب واليمين ،م ع
وأنه ا مختص ة بص ناعة الخطاب ة ،بحيث يس تطيع الخطيب اإلف ادة
وص فها بغ ير الفني ةَ ،
منها في النصح والتحذير ،وكذلك في االتَهام و الدفاع.1
ويمكن أن نوض ح التش بيه ال ذي أقام ه الحج اج بين مجموع ة من الثنائي ات في الج دول
اآلتي:
إن ترتيب الحجج على السلَم الحجاجي يكون حسب قوتها –كما ذكرنا سابقا – والحجة
َ
الرابعة في أعلى السلم الحجاجي ،ألنها حجة قوية استمدت قوتها من القرآن الك ريم ،إذ
"تكتسب الحجج قوتها من قوة مصادرها ".2
94
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
فإنكم لكأهل القرية "كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان
َ
فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون "
لقد سارت هذه الحجج في اتجاه حجاجي واحد لتخدم نتيجة واحدة وهي تحقيق مقصد
المتكلم المتمثَل في إقناع المتلقي بتنفيذ وعيده و التأثير فيه بإثارة عاطفة الخوف فيه.
المقطع السادس:
"إني واهلل ال أعد إالَ وفيت ،وال أهم إال أمضيت ،وال أخلق إال فريت "
أ-األفعال التوجيهية:
ظف المتكلم في هذا المقطع الفعل التوجيهي الذي كرره أكثر من مرة وهو القسم في
وَ
قول ه "إني واهلل ".....ونحن قلن ا فيم ا س بق أن ه فع ل كالمي يص نف ض من التقري رات
حسب تصنيف "سيرل" ،فهو فعل تقريري كما أن هذا الفعل كان قد سبق بأداة توكيد
س اعدت على بي ان إلح اح المتكلم وتأكي ده لم ا تلف ظ ب ه إلقن اع المتلقي والت أثير في ه ،كم ا
اس تعان ب أداة الحص ر "إالَ" لتقيي د مقاص ده ،وهي " ع امال من العوام ل الحجاجي ة ال تي
تقوم بحصر وتقييد اإلمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما".1
1
.أبو بكر العزاوي ،اللغة والحجاج ،ص- 104
95
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ب-األساليب اإلقناعية:
تقسم بنية هذا المقطع إلى ثالث حجج نتيجتها ضمنية وهي التهديد والوعيد :
َ
ينقسم التركيب اللغوي إلى ثالثة جمل يتكون كل منها من نفس العناصر وهي :حرف
نفي وفعلين ،وأداة حصر كما نوضح في الجدول اآلتي:
نالحظ من الناحية النحوية التأثير الذي يحدث بين األداتين حيث أن "إالَ" أداة اإلستثناء
تتغير وظيفتها النحوية عند دخول أداة النفي "ال" وتنقله إلى وظيفة أخرى هي الحصر
فيك ون الفع ل "أع د" محص ور بالفع ل "وفيت " والفع ل "أهم" محص ور بالفع ل "أمض يت "،
96
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
والفع ل أخل ق " محص ور بالفع ل "ف ريت " ،وهك ذا تش ترك الجم ل الثالث ة على المس توى
اللغ وي في حكمه ا اإلع رابي أم ا على مس توى الملف وظ يص ل به ا المرس ل إلى نتيج ة
مشتركة ،وهي إثبات حججه بأنه سينفذ وعيده و بالتالي يؤثر في المتلقي.
ج-السلم الحجاجي:
المقطع السابع:
تقيمن
"فإي اي وه ذه الجماع ات وق ال وقي ل ،وم ا تقول ون ؟وفيم أنتم وذل ك؟ أم ا واهلل لتس َ
َ
ألدعن لكل رج ل منكم شغال في جس ده ،من وجدت بع د ثالث ة من
َ على طريق الح ق أو
بعث المهلب سفكت دمه ،وانتهبت ماله ".1
أ-األفعال التوجيهية:
ظف "الحجاج بن يوسف" في هذا المقطع فعال كالميا مباشرا وهو التحذير في قوله:
وَ
عرف العرب التحذير بأنه "تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه "
(فإياي )...وقد َ
َ
-الجاحظ ،البيان والتبيين ،ص .203 1
97
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
فيق وم ه ذا الفع ل على أساس التنبي ه واألم ر باالجتن اب كم ا ق ال "س يبويه" أو ال دعوة إلى
الترك وهي الفائدة المرجوة منه.1
الحجة األولى :فإياَي وهذه الجماعات ،وقال وقيل وما تقولون؟ وفيم أنتم وذلك ؟
98
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
الحجة الثالثة :من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه ،وانتهبت ماله.
كما استعمل المتكلم كلمة "الجماعات" للداللة على كثرة الفرق السياسية .أما عبارة "قال
وقيل وما تقولون ؟ "فقد استعملت للداللة على كثرة الفتن.
إن "الحج اج بن يوس ف" ك ان يح ذر أه ل الع راق من اتب اع الف رق السياس ية المعارض ة
َ
للحكم األم وي وتجنب الفتن والدس ائس الس ائدة في الع راق ،وله ذا اس تعان باالس تفهام
الحجاجي للتأثير في المتلقي وإ قناعه باالبتعاد عن كل ما يهدد أمنه.
99
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
وتقس م إلى
َ ه ذه الص يغة اللَغوي ة ش رطية ،تب دأ بالقس م "أم ا واهلل " ال ذي يفي د الش رط،
جمل ة الش رط وج واب الش رط ،وق د اس تعملت عب ارة " طري ق الح ق " للدالل ة على اتب اع
فحولت هذه العبارة من الحكم العام إلى الحكم الخاص ،وعبارة "شغال
الحكم األموي َ ،
في جسده" هي داللة مادية يجسد فيها نوع العقاب ،وهي داللة على شدة وقسوة العقاب،
إذ يل زم المتكلم المتلقي على مس توى الملف وظ بالخض وع إلى الش رط ف المتكلَم يقص د
بأنه سينفَذ عقابه في حالة مخالفة شرطه.
استمالة المتلقي و التأثير فيه ،و إقناعه َ
الحجة الثالثة :من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه ،وانتهبت ماله.
ه ذه الص يغة اللَغوي ة أيض ا ش رطية ،تتك ون من ح رف الش رط "من" وجمل ة الش رط،
وجواب الشرط.
أشار المتكلم إلى اسم شخص "المهلَب" ويقصد به أحد أتباع الشيعة وهو "المهلب بن أبي
ص فرة األزدي " ،كم ا اس تعمل ألف اظ (س فكت ،انتهبت) وداللته ا ت وحي بالقس وة والش دة
حجت ه للم رة الثاني ة على الش رط للت أثير في
في العق اب ،والمتكلَم في ه ذه العب ارة يب ني َ
المتلقي ،وإ قناع ه أن ع دم التزام ه بالش رط س يؤدي إلى تنفي ذ العق اب علي ه من ط رف
المتكلَم.
س ارت ه ذه الحجج في اتج اه حج اجي واح د ،وك انت نتيجته ا ض منية تمثَلت في قص د
المتكلَم الذي يعد بتنفيذ عقابه بشتى أنواعه ،إذا لم يخضع المتلقي إلى أوامره.
ج-السلم الحجاجي:
100
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ذكرن ا فيم ا س بق أن الحجج ترتَب على الس لَم الحج اجي حس ب قوته ا ال تي تتح دد من
فالحج ة األولى اكتفى المتكلَم فيه ا بالتح ذير دون ذك ر أي ن وع من
َ خالل ن وع العق اب،
أم ا الحجة الثانية فصرح فيها بنوع واحد من العقاب ،أما في الحجة الثالثة أشار
العقابَ .
المتكلم فيها إلى نوعين من العقاب ،و تمثَل الحجج على السلم الحجاجي كما يلي:
من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه و انتهبت ماله .
أما واهلل لتستقيمن على طريق الحق أو ألدعن لكل رجل منكم شغال في جسده
فإياي وهذه الجماعات ،وقال وقيل ،وما تقولون ؟ وفيهم أنتم وذلك ؟
-2أساليب المغالطة:
وه ذا ال بيت الاس تهاللي مرك ز إش عاع واس تقطاب في الخطب ة يمهَ د لم ا ورد فيه ا،ويع د
ه ذا ال بيت من األمث ال الس ائرة يض رب للظ اهر ال ذي ال يخفى،والمش هور الع الم ال ذائع
الص يت،وفي ه تحلَ "أن ا" الحج اج مح ل "ابن جال اللي ثي" وق د س مي ك ذلك لوض وح أم ره
حيث ك ان ص احب فت ك يطل ع في الغ ارات من ثني ة الجب ل على أهله ا،وفي الفع ل "جال"
101
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
مع ان لغوي ة عدي دة أهمه ا الكش ف واإلظه ار والبي ان واليقين ،وق د يس تعمل اللَف ظ مج ازا
للداللة على القوة والشجاعة :فيقال ابن أجلى وهو األسد.1
ولعل له ذه المع اني ص لة بمق ام الخطب ة وبشخص ية الخطيب حيث تتأكَ د ه ذه المع اني
َ
بصورة ثانية في البيت مجراة بالكناية "متى أضع العمامة تعرفوني" فالعمامة تلبس في
الحرب وتوضع في السلم.
إنَ هذا البيت الشعري الذي استبدله "الحجاج" بالبسملة التي كانت تعزز التواصل بين
المرس ل والمتلقي آنذاك يكش ف عن مغالطة حجاجي ة اعتمدها الحجاج وتسمى بمغالطة
الاستش هادات وهي كم ا يقدَمها األس تاذ "أحمد دع دوش" اس تخدام االقتباس ات اللَفظي ة من
أجل نقد فكرة أو حدث أو شخص معيَن ويعتمد هذا على مصداقية المنقول عنه للتدليل
على قوة الاقتباس وصالحيته "" 2فالحجاج "استعان بهذا المثل للمفاخرة بقوته أمام أهل
الكوفة ومن ثمة إقناعهم بضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهته.
وهك ذا يفيض ال بيت إيح اء ويلقي بظالل ه على الخطب ة فيرس م أف ق انتظ ار في ذهن
المتقب ل ،ف إذا ه و في أج واء الب أس والشدَة أم ام خطيب يعلن عن منهج ه السياس ي الق ائم
على "قطع األعناق" وتعفير الوجوه واللَحي بالدماء.
وقد كانت الطريقة التي اختارها الحجاج للتعبير عن ذاته قد أثَ رت في الخطاب فورد
مثقلا بق رائن التَوكي د ،ووظَفت في ه ص يغتا الماض ي والمض ارع والخ وف توظيف ا داالَ:
َ
حيث تحدث صيغة المضارع "أرى ،أحمل ،أحذو ،في المقطع الثاني،حالة من التوجَس
أم ا صيغة الماضي "قد أينعت ،حان قطافها "...،فتجعل
والخوف والرَهبة لدى المتلقيَ ،
-1عبد اهلل البهلول ،في بالغة الخطاب األدبي ،ص.83
-2أحمد دع دوش ،أساليب الدعاية المعاصرة ،الغاية تبرر الوسيلة ،مجلة البيان،العدد 238من وكيبيديا الموسوعة
الحرة.
َ
102
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
فعل التهديد كأنَ ه حقيقة واقعة وتجعل الوعيد كأنه فعل منجز ال منتظر،1ولعلَنا نرصد
في ه ذه المع اني مغالط ة حج اج الق وة وهي كم ا تقدَمها األس تاذة "س لوى الش رفي" "حم ل
،وتسمى ه ذه
َ 2
المخ اطب على س لوك معين باالس تناد إلى التهدي د المعن وي أو الجس دي"
المغالطة أيضا "بمغالطة العصا" الستعمال القوة فيها وهو ما نراه مجسَدا في هذا الجزء
من خطب ة الحج اج بن يوس ف ذل ك أن "الحجَ اج" يق وم بتخوي ف جمه ور أه ل الكوف ة
مض منا حجج ه مس تعينا ببعض األس اليب التعبيري ة المتنوع ة من قبي ل اعتم اد الس جع
المتس اوي الفق رات ،وإظه ار ص وت المدَ في ألف اظ عدي دة منه ا ح رف الن داء "ي ا" وأداة
االس تهالل "أم ا" وفي مجموع ة من األفع ال واألس ماء من قبي ل "أرى ،أبص ارا ،أعناق ا،
قطافها ،صاحبها."...
ولصوت المدَ صلة بالموضوع العام الذي قامت عليه الخطبة فهو موصول بمدَ النفوذ
والسَلطة وهن ا نرص د مغالط ة أخ رى وهي مغالط ة االحتك ام إلى السَلطة 3فالحج اج بن
يوس ف يس ند إلى نفس ه كام ل الس لطة في تق ديم حجج ه متأك دا من نج اح النتيج ة وهي
رضوخ أهل الكوفة إلى أوامره ومطالبه.
أَما المقطع الثالث الذي ورد شعرا فإنه يستوقفنا من جهة بنيته اإليقاعية وداللته ألنَ
الحجاج بن يوسف يعود من خالله إلى مغالطة العصا 4فكل األلفاظ التي وردت فيه ت دل
في أص لها اللغ وي على الشدَة والمبالغ ة من ذل ك لفظ ة "زيم" كناي ة عن الح رب ولفظ ة
"وضم" وهي في أصل معناها اللَغوي كل ما قطع عليه اللَحم ومنها لفظ "عصلبي"ومعن اه
اللغوي الشديد القوي.1
ال ش ك أن ه ذه الش دة ال تي تش ترك فيه ا ه ذه األلف اظ تلحَ على المع نى وتكش ف عمَ ا في
نفس الخطيب من رغبة في الانتقام والتَشفي إن لم يرضخ السامع إلى أوامره،ولعلَ هذه
األص وات المنتق اة مالئم ة لمق ام الخطب ة محدث ة في نف وس الس امعين مش اعر الرهب ة
والتوجس.
َ
ويق ول الحج اج بن يوس ف في المقط ع الراب ع من خطبته" :إني واهلل ي ا أه ل الع راق
ومعدن الشقاق والنفاق ومساوئ األخالق"... 2
وهو الكالم الذي نالحظ فيه مدى تصدَع العالقة بين الحجاج بن يوسف وأهل العراق
تمثل ه مغالط ة الشَخص نة 3أو كم ا تس مى
وتوتره ا -ونالح ظ في ه أيض ا أس لوبا ثانوي ا َ
مغالطة القدح الشخصي فالحجَ اج بن يوسف بكالمه هذا يهاجم أهل الكوفة مباشرة من
خالل عدَ مس اوئ ورذائ ل أخالقهم ب دال من تق ديم حجج بإمكانه ا إقن اعهم على الاس تقامة
والاعتدال والخضوع إلى مطالبه.
4
الحج اج بن يوس ف يع ود م رة أخ رى إلى مغالط ة العصا
َ في المقط ع الخ امس نالح ظ
(حجاج القوة) ،وذلك من خالل تهديده ووعيده ألهل الكوفة باللَحو والضَرب في قوله"
أما واهلل أللحوَنكم لحو العصا ،وألعصبنَكم عصب السلمة ،وألضربنَكم ضرب غرائب
اإلبل".
وهي كلها نتائج لعصيان أوامره ،في الجزء الثاني من هذا المقطع يستعين الحجاج بن
يوس ف بحج ة ج اهزة من الق رآن الك ريم ويضمَنها في قول ه" :ف َإنكم لكأه ل قري ة ك انت
آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع
والخ وف بم ا ك انوا يص نعون "...وهي المغالط ة الحجاجي ة ال تي اعتم دها للم رة الثاني ة
"مغالطة االستشهاد" 1وهي كما قدمناها سابقا "استخدام االقتباسات"اللفظية من أجل نقد
فكرة أو حدث أو شخص معين ويعتمد هذا على مصداقية المنقول عنه للتدليل على قوة
.
االقتباس وصالحيته
الحج اج بن يوسف"
أمَ ا بالنس بة لك ل من المقط ع السَادس والسَابع نالح ظ بق اء اعتم اد " َ
ألس لوب الق وة والش دة في كالم ه ويظه ر ذل ك جليَ ا في قول ه":إني واهلل ال أع د إال
وفيت...،فإيَ اي وه ذه الجماع ات وقال وقي ل ......أم ا واهلل لتس تقيمن على طري ق الح ق
أو ألدعن لك ل رج ل منكم ش غال في جس د ".....وه و الكالم ال ذي تتجس د في ه مغالط ة
العصا ألن الحجاج يصرَح بتهديده ووعيده لبثَ الرَعب والخوف في نفوس أهل الكوفة
ب دل أن يق دم حجج ا يقبله ا السَامع ،ولعلَ ه ذا التك رار ال ذي ش هدته المع اني في ه ذه
الخطب ة يش كل في حدَ ذات ه أس لوب مغالط ة ذل ك أن التك رار يحوَل ه ذه المع اني إلى م ا
يمكن اعتباره جزءا من الحقيقة،كما أننا نرصد بعد مالحظتنا لكامل هذه الخطبة مغالط ة
عامة -إن صح التعبير -وهي مغالطة سدَ الذرائع 2وهي كما ذكرنا آنفا – ربط حدوث
أمر ما بحدوث عدد من األمور التي تنتهي بحدث سلبي ،وهو ما نالحظه جليا من أول
كلمة في هذه الخطبة إلى آخر كلمة فيها فالحجاج بن يوسف يربط طاعة أهل الكوفة له
بح دوث أم ور س لبية كالض رب واللَح و والخ وف والج وع وغيره ا من المآس ي إن لم
تتحقق هذه الطاعة .
106
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
خطب الحجاج بن يوسف خطبته الوعظية التي سنعرضها بالبصرة ،وهي خطبة حاول
حدة وإ رشادهم
وأخف َ
َ "الحجاج" التأثير في أهل البصرة وإ قناعهم بأسلوب أق َل قسوة
َ فيها
إلى القيم األخالقية التي جاء بها اإلسالم ،مبتدئا بحمد اهلل والثناء عليه.
المقطع األول:
"إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب اآلخرة ،فليته كفانا مؤونة اآلخرة وأمرنا بطلب
َ
الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهَالكم ال يتعلمون وشراركم ال يتوبون ،مالي أراكم
تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم".1
أ-االستراتيجية التوجيهية:
"إن اهلل
جس ده "أس لوب التأكي د" في قول ه َ
"الحج اج بن يوس ف" فعال توجيهي ا َ
َ ظف
وَ
عرف ه
كفان ا )...وه و فع ل كالمي ين درج ض من" التقريري ات" حس ب "س يرل" ،وق د َ
بأن ه :غ رض تواص لي يس تخدمه المتكلم لتث بيت الش يء في نفس
علماؤن ا الق دامى َ
المخاطب وإ زالة ما علق بها من شكوك وإ ماطة ما خالجها من شبهات" ولع َل غرض
"الحجاج" من تأكيده هذا هو لفت انتباه السامع لكالمه ومنعه من الغفلة عنه.
َ
-سالمة موسى ،أشهر الخطب ومشاهير الخطباء ،كلمات عربية للترجمة والنشر ط 2011ص.26 1
107
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
تمنى أن
"الحج اج" حيث َ
َ بمعنى أن يطلب المتكلم م ا هو ممتنع الوقوع .وهو ما طلبه
نعيش اآلخرة ونطلب الدنيا مع علمه أن هذا األمر غير ممكن حصوله .ولعل غرضه
من هذا التمني تنبيه السامع وإ رشاده إلى العمل لآلخرة في الحياة الدنيا.
ب-األساليب اإلقناعية:
تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى أربعة حجج تخدم نتيجة واحدة ،أي أنها تسير
في اتجاه حجاجي واحد.
النتيج ة :إن اهلل كفان ا مؤون ة ال دنيا وأمرن ا بطلب اآلخ رة( .العم ل لآلخ رة والزه د عن
الدنيا)
أورد الحج اج بن يوس ف أرب ع حجج ليخ دم النتيج ة أو الرس الة ال تي أراد أن يوص لها
إلى المخ اطب ،والنتيج ة هي العم ل لآلخ رة باألعم ال الص الحة ممثل ة في طلب العلم و
تربية العلماء والتوبة عند الخطيئة والحرص على ما أمر اهلل تعالى به ،ذلك أنه رأى
أه ل البص رة ع ل عكس م ا يجب أن يكون وا علي ه فعلم اؤهم ذهب وا وجهَ الهم ال يتعلم ون
وش َرارهم ال يتوب ون ،كم ا َأنهم يحرص ون على ال دنيا ويض يعون م ا به ا أم روا وله ذا
تمنى في النتيجة التي قدمها أن يمنحنا اهلل اآلخرة ويأمرنا بطلب الدنيا.
َ
108
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ج-السلم الحجاجي:
إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا و أمرنا بطلب اآلخرة (العمل لآلخرة)
َ
شراركم ال يتوبون
َ
جهَالكم ال يتعلمون.
المقطع الثاني:
"إن العلم يوش ك أن يرف ع ،ورفع ه ذه اب العلم اء ،أال وإ ني أعلم بش َراركم من البيط ار
بالفرس الذين ال يقرأون القرآن ،إال هجرا ،وال يأتون الصالة إال دبرا".1
أ-األفعال التوجيهية:
"إن
"الحج اج" للم رة الثاني ة بأس لوب التأكي د بتوظيف ه أدوات التوكي د في قول هَ :
َ اس تعان
العلم َ ........إني أعلم "....وكم ا قلن ا آنف ا فأس لوب التأكي د يع د من األفع ال الكالمي ة
109
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
"الحج اج
َ باعتباره ينتمي إلى صنف "التقريريات حسب تصنيف "سيرل" ،ولع َل توظيف
بن يوسف" ألسلوب التأكيد هو إدراج مسؤوليته عن صحة ما يتلفظ به.
ب-األساليب اإلقناعية:
تنقس م البني ة الحجاجي ة في ه ذا المقط ع إلى ثالث ة حجج ونتيج ة ح اول "الحج اج بن
يوس ف" من خالله ا أن ي ؤثر في المخ اطب ويقنع ه بأفك اره ومعتقدات ه متوس ال مجموع ة
من الحجج.
110
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ج-السلم الحجاجي:
المقطع الثالث:
"أال وإ َن ال دنيا ع رض حاض ر يأك ل منه ا ال َبر والف اجر أال وإ َن اآلخ رة أج ل مس تأخر
يحكم فيه ا مل ك ق ادر ،أال ف اعلموا وأنتم من اهلل على ح ذر واعلم وا أنكم مالق وه ليج زي
الذين أساءوا بما عملوا ،ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.1
أ-األفعال التوجيهية:
-سالمة موسى ،أشهر الخطب ومشاهير الخطباء ،ص27 1
111
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
ظ ف الحج اج بن يوس ف في ه ذا المقط ع أفع اال أمري ة متض َمنة في قول ه" :أال
لق د و َ
ف اعلموا .......واعلم وا " وه و األس لوب ال ذي يعرف ه الش ريف الجرج اني " بأن ه طلب
الفعل غير الكف" ،1و تعد هذه األفعال أفعال مباشرة حسب تصنيف "سيرل" 2غرضها
النص ح واإلرش اد،أراد المتكلم به ا إقن اع أه ل البص رة بمعتقدات ه وأفك اره ،كم ا أن ه ذا
َ
المتضمن في
َ المقطع الخطابي يشكل "رواية " لخبر يندرج ضمن "درجة الشدة للغرض
الق ول" ف المخبر عن ه في ه ذا المقط ع أم را عام ا ال يختص بمعين وه و بلغ ة "س يرل"
يندرج ضمن صنف التقريريات .3assertifs
ب-األساليب اإلقناعية:
تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى نتيجة و حجتين تخدمان هذه النتيجة.
النتيج ة :أال وإ ن ال دنيا ع رض حاض ر يأك ل منه ا ال بر والف اجر أال وإ ن اآلخ رة أج ل
مستأخر يحكم فيها ملك قادر.
الحجة الثانية :اعلموا َأنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسنى.
1
مسعود صحراوي ،التداولية عند العلماء العرب ،ص - 107
-المرجع نفسه ،ص .187 2
112
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
لقوتها في
ولالستعارة -كما قلنا آنفا -أثرها البالغ في نفس السامع وقدرتها على إقناعه َ
تجسيد الداللة المعنوية.
أراد الحج اج من خالل ه ذه العب ارة أن يلفت إلي ه االنتب اه ب أداة االس تفتاح "أال" ف القوة
بأن ه "الطلب بلين ورفق".1
عرفه العلماء َ
المتضمنة في هذا الحرف هي "العرض " وقد َ
َ
عز و جل ،والغرض من
"فالحجاج بن يوسف" يطلب من أهل البصر الحذر من الرقيب َ
طلبه هذا النصح و اإلرشاد.
الحجة الثانية :اعلمو أنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسنى.
لق د ك َرر "الحج اج بن يوس ف" لفظ ة "اعلم وا" وه و تك رار يطل ق علي ه علم اء النح و
التوكيد اللفظي ،الغرض منه منع المتكلم غفلة السامع عنه ،2حيث أراد الحجاج أن يذكر
جل ليحاسبهم على أعمالهم.
عز و َ
أهل البصرة بأنهم سيلتقون اهلل َ
الحج ة حجة تفسيرية للحجة التي قبلها ،فالمخاطب أراد أن يخبر السامع ماذا
تعد هذه َ
سيحدث عند لقاء الخالق بخلقه باعتبار أن اهلل تعالى سيجزي الذين أساءوا بما عملوا .
113
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
تعد هذه الحجة أيضا حجة تفسيرية أخرى تمنح السامع تعليال آخر لما سيحصل يوم
الحساب ألن اهلل سبحانه وتعالى سيكافئ الذين أحسنوا بالحسنى و يجزيهم على ما فعلوا
من خير.
ج-السلم الحجاجي:
اعلم وا أنكم مالق وه ليج زي ال ذين أس اءوا بم ا عمل وا ويج زي ال ذين أحس نوا
بالحسنى.
المقطع الرابع:
أ-األفعال التوجيهية:
114
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
وهما جميعا أي اإلغراء والتحذير ،من األفعال الكالمية باعتبارهما يهدفان إلى التأثير
في المخاطب وحمله على أداء فعل ما فإذا رغب المتكلم من المخاطب أن يجتنب أمرا
إن أس لوبي "اإلغ راء
مكروه ا أدى رغبت ه تل ك بالتح ذير ،وبمص طلحات "س يرل " ف َ
والتحذير" ينتميان إلى صنف األمريات.1
وقد أعاد إيراد أسلوبي اإلغراء والتحذير اقتباسا من القرآن الكريم في قوله" :أال من
يعمل من مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل من مثقال ذرة شرا يره " ،2وقد كان الغرض
من ذل ك النص ح واإلرش اد والتوجي ه ومحاول ة إلقن اع "أه ل البص رة" .ه ذا باإلض افة إلى
"الحجاج بن يوسف "بالدعاء في قوله "استغفر اهلل لي ولكم ".
َ استعانة
ب-األساليب اإلقناعية:
الجنة.
الحجة األولى :أال وإ َن الخير كله بحذافيره في َ
2
.سورة الزلزلة ،اآلية - 9-8
-3مسعود صحراوي ،التداولية عند العلماء العرب .207
115
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
الحجة الثالثة:أال ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
لقد استوحى "الحجاج بن يوسف" معاني هذه الحجج كلها من القرآن الكريم موظفا إياها
في خطابه ألهل البصرة.
الجنة .
وأن الخير كلَه بحذافيره في َ
الحجة األولى :أال َ
أي
أن ك ل س لوك خ ير يص در من َ
أراد "الحج اج " به ذه الحج ة أن يقن ع أه ل البص رة ب َ
"إن" ليضفي قوة على كالمه.
جنة الخلد ،مستعينا بأداة التوكيد َ
عراقي هو الطريق إلى َ
الحجة الثالثة :أال وإ ن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
مقدمة أولى +مقدمة ثانية.
116
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
تنسب هذه الحجة إلى الحجج الجاهزة فهي ليست من إنتاج المرسل (المخاطب) بقدر ما
هي منقولة عن لسانه فهي نص قرآني استشهد به "الحجاج بن يوسف" لمالءمته المعنى
العام للخطاب وتوفره على المقاصد التي أراد "المخاطب أن يوصلها ألهل البصرة من
ت رغيب وت رهيب ومحاول ة للت أثير فيهم وإ قن اعهم بمبادئ ه ومعتقدات ه وترس يخ فك رة في
أن اهلل ع َز و ج َل ي رى ك ل واح د منهم س واء أك ان ه ذا العم ل حس نا أم
أذه انهم وهي َ
سيئا .مستعينا بأداة التوكيد "إن" لتأكيد ذلك.
يمكن أن نص َنف ه ذه العب ارة ال تي ج اءت بص يغة "ال دعاء" -أيض ا – ض من الحجج
الج اهزة باعتباره ا ملفوظ ا لم ينتج ه المتكلم وإ نم ا نقل ه على لس انه ألن ه ي ؤدي غرض ا
"الحج اج"
َ قصده "الحجاج بن يوسف" وهو طلب المغفرة ،ولع َل هذه الحجة التي أوردها
كان يرمي من ورائها إلى إقناع أهل البصرة بأنه جزء منهم وأنه وال راع لمصالحهم.
السلم الحجاجي:
"الحجاج" أهل البصرة بالقيم األخالقية التي أمر بها اهلل تعالى عباده
َ تذكير
وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .
أال َ
117
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
الجنة.
أال وإ َن الخير كلَه بحذافيره في َ
-2أساليب المغالطة:
أما في المقطع الثالث نالحظ المخاطب يعود إلى مغالطة التماس المشاعر وكذا مغالطة
الاحتكام إلى السَلطة مع الاستعانة بمغالطة االستشهاد حيث يقول":أال وإن الدنيا عرض
حاضر يأكل منها البرَ والفاجر أال وأن اآلخرة أجل مستأخر يحكم فيها ملك قادر".
إنَ ه ذه المقابل ة ال تي عق دها المخ اطب بين ال دنيا واآلخ رة م ا هي إال حجَ ة ج اهزة
الحج اج بن يوسف" من مع اني الق رآن الك ريم وضمَنها في خطبت ه ه ذه،وذل ك
اقتبس ها " َ
من أج ل إث ارة مش اعر المتلقي ،ورغم أنن ا نصنَف ه ذه الجمل ة ض من الحجج الج اهزة
"الحجاج" إال أنها تبقى في جزء منها مغالطة الهدف منها استمالة أهل
َ التي استشهد بها
البصرة.
يتابع الحجاج مقابلته هذه في قوله ":أال فاعلموا وأنتم من اهلل على حذر واعلموا أنكم
مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "وهو القول الذي
119
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
يحتكم في ه المخ اطب إلى سلطة اهلل عز وج ل مرة أخ رى،محاوال ترهيب أهل البصرة
من النَ ار وت رغيبهم في الجن ة،وبالت الي اقن اعهم بأفك اره ومبادئ ه األخالقي ة وحنكت ه
السياسية،التي أراد أن يقرَرها في أذهان أهل البصرة.
في المقطع الرابع يبقى الحجاج سائرا في اتجاهه السياسي الوعظي الذي انتهجه من
أول خطبت ه مصرَا على تق ديم مغالطات ه المنطقي ة أو ب األحرى مغالطات ه الحجاجي ة
قائال":أال وإن الخير كله بحذافيره في الجنة،أال وإن الشرَ كله بحذافيره في النار،أال وإن
من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره واستغفروا اهلل لي ولكم"
وهي الحجة المقتبسة في جزء منها من سورة"الزلزلة"والتي استشهد بها الحجاج تعزيزا
لموقفه وحججه.
والمتتبع للخطاب السياسي يجده مشبعا بالمفاهيم الدينية باعتبارها السَلطة العليا التي
ال يمكن الحي اد عنه ا،وق د وظَ ف الحج اج بن يوس ف اآلي ات القرآني ة في خطبت ه ه ذه
توظيفا سياسيا نفعيا،إذ وضعت قوته التأثيرية في خدمة أغراض سياسية وهو التوظيف
ال ذي تمثَل ه مغالط ة الاحتك ام إلى الس لطة ،فالحج اج يحتكم إلى س لطة اهلل ع ز وج ل من
خالل اآلية التي تضمَنها خطابه ،والتي تعني أن العامل للخير مأواه الجنة والعامل للشر
مأواه جهنَم وهو األمر الذي نستخلص منه التالي :أن هذه اآلية القرآنية جاءت كردَ فعل
على فع ل اجتم اعي غ ير مرغ وب فيه 1وله ذا على أه ل البص رة أن يعمل وا على الخ ير
ويجتنبوا الشر.
الن اس
الحج اج َ
ارتجت م َكة بالبكاء فأمر َ
الحجاج بن يوسف "عبد اهلل ابن الزبير" َ
لما قتل َ
َ
فجمعوا بالمسجد ،ثم صعد المنبر فحمد اهلل وأثنى عليه ثم قال خطبته هذه .
المقطع األول:
" يا أهل مكة :بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم قتل "عبد اهلل ابن الزبير" ،أال وإ َن ابن
األم ة ،ح تى رغب في الخالف ة ،ون ازع فيه ا أهله ا ،فخل ع
الزب ير ك ان من خي ار ه ذه َ
1
واستكن بحرم اهلل "
َ طاعة اهلل
أ-األفعال التوجيهية:
النداء لفت انتباه أهل م َكة لما سيقوله المخاطب ،ويمكن أن
وقد كان الغرض من هذا َ
الن داء" باعتب اره فعال كالمي ا ض من م ا يس مى ( الطلبي ات) حس ب تص نيف
نص َنف " َ
"الحج اج" بأسلوب التوكيد
َ المتضمن فيه هو طلب اإلقتناع ،كما استعان
َ "سيرل " فالفعل
الس امع
في قول ه " :أال وإ َن الزب ير "..وه و فع ل كالمي يتض َمن تقري ر الق ول في نفس َ
يندرج ضمن " التقريريات" حسب تصنيف " سيرل ".
ه ذا باإلض افة إلى توظيف ه أس لوب الم دح وه و أس لوب إنش ائي أحدث ه وأنش ئه المتكلَم
الس ابق ال ذي
األمة "...ليؤثَر في قوة الفعل الكالمي َ
"إن الزبير كان من خيار هذه َ
بقوله َ
معدا للمدح .
النداء حيث يعد هذا القول شرطا َ
مثَله أسلوب َ
تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى ثالث حجج و كانت النتيجة ضمنية وهي تبرير
مقتل الحجاج .
الحجة األولى :يا أهل م َكة بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم قتل "عبد اهلل ابن الزبير"
األمة .
الحجة الثانية :أال وإ َن ابن الزبير كان من خيار هذه َ
الحجة الثالثة :حتَى رغب في الخالف ة ون ازع فيه ا أهله ا فخل ع طاع ة اهلل ،واس تكن
بحرم اهلل.
لق د اتس مت ه ذه الحجج الثالث ب القوة في طرحه ا وذل ك من خالل األدوات الحجاجية
أن "عبد اهلل ابن
الحج اج ابن يوسف " إلقناع أهل م َك ة بالنتيجة وهي َ
التي استعان بها " َ
لتمرده على قوانين الخالفة .
الزبير "يستحق القتل َ
"الحج اج ابن يوسف " كانت واضحة في هذا المقطع وهي إصراره
َ نالحظ أن َرسالة
"وأن ه بريء
حق في قضية قتله " عبد اهلل ابن الزبير َ
بأن ه صاحب َ
على اقناع أهل م َك ة َ
يظنون ،وإلثبات ذلك قام بتقديم مجموعة من الحجج التي كانت لها وقعا قويا على
مما َ
نف وس المس تمعين ،وال تي اس تعان فيه ا بمجموع ة من الرواب ط الحجاجي ة على غ رار
الرابط " حتَى في الحجة الثالثة وتحديدا في قوله " :حتى رغب في الخالفة ونازع فيها
أهلها "...
بد أن
ولتحديد أهمية هذا الرابط في إيصال المقصد الذي كان يرمي إليه " المتكلم "ال َ
مي ز
نراج ع م ا قدم ه " أزفال د ديك رو "فيم ا يخص الرواب ط و العوام ل الحجاجي ة ،حيث َ
هذا األخير بين صنفين من المؤشرات و األدوات الحجاجية :
وق د اس تعان المخ اطب في ه ذا المقط ع بالراب ط "حتَى" في الحج ة الثالث ة وتحدي دا في
قول ه " :ح تى رغب في الخالف ة ونازع فيها أهله ا ،"...وهو راب ط ي د َل على الغاية ف
"الحج اج بن يوس ف " ك انت غايت ه الجل وس على
َ "عب د اهلل ابن الزب ير" حس ب مقص د
يمكن أن نرتب الحجج على السلم الحجاجي حسب قوة كل حجة كمايلي :
حتى رغب في الخالفة ونازع فيها أهلها،فخلع طاعة اهلل واستكن بحرم
اهلل.
األمة.
أال وإ َن ابن الزبير كان من خيار هذه َ
يا أهل م َكة بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم "قتل عبد اهلل ابن الزبير".
المقطع الثاني:
المفه وم ال ذي تح َدث عن ه فالس فة اللغ ة العادي ة في الق وة اإلنجازي ة للكالم " force
ة "force وة الحجاجي ه عن الق رو" في حديث د ديك "illocutoireو"أزفال
الحج اج 1
" argumentativeوهي الق وة ال تي نرص دها في ه ذا المقط ع من خط اب " َ
قص ة آدم علي ه
الحج ة الج اهزة اس تعارها من َ
تعم د المخ اطب توظي ف َ
بن يوس ف" حيث َ
الجنة واسقاطها على السياق ال ذي ورد فيه
عز وجل و حرمانه من َ
السالم ومعصيته هلل َ
الحج اج " لتبرير مقتل " عبد اهلل
قدمها " َ
خطابه والذي كان في مجمله عبارة عن حجج َ
قوة عظيمة
وأن للكلمات َ
ابن الزبير " وهذا كلَه يبين أن للكالم سلطانا ما بعده سلطان َ ،
ال تخفى ،وتأثيرا قويا ال ينكر .
المقطع الثالث:
اس تعان "المخ اطب" في ه ذا المق ام بالفع ل الكالمي "اذك رو" وه و فع ل يتض َمن مع اني
(موجه ة أله ل م َك ة) الغاي ة منه ا نس يان حادث ة مقت ل " عب د اهلل ابن
َ النص ح واإلرش اد
أن هذا الفعل الكالمي كان قد
الزبير"وااللتفات إلى الشؤون التي تخدم مكة ،والشك َ
الحج اج بن يوس ف " في حس ن التخلَص من خطاب ه ه ذا بأس لوب يخ دم مقص ده
س اعد " َ
من مجمل هذا الخطاب .
-2أساليب المغالطة:
ظفها
إن القارئ الدقيق والمتأمل في هذه الخطبة يالحظ األدوات اللغوية المؤثَرة التي و َ
َ
وتقب ِل فعله إن صح
"الحجاج" من أجل إقناع أهل مكة بحقه في قتل عبد اهلل بن الزبير ُّ ،
َ
هذا التعبير.
126
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
والمتأمل لهذه الخطبة يرى أن "الحجاج" استعان بما ورد في القرآن الكريم من أمثلة
َ
وقصص حيث تكاد هذه الخطبة أن تكون إعادة لصوغ قصة آدم ،وهذا أمر طبيعي في
خطب ة ألقيت ك ان الغ رض منه ا تض ليل الجمه ور المس تمع ،فالحج اج بن يوس ف غال ط
ألن ه حاول من خالل هذاأهل مكة بحججه االستشهادية التي استقاها من القرآن الكريمَ ،
االستشهاد أن يصل إلى النقطة التي يشترك فيها آدم عليه السالم مع عبد اهلل بن الزبير
ممثَّلة في المعصية ويظهر ذلك في قوله ":ولو كان شيء مانع للعصاة لمنعت آدم حرمة
الجنة ألن اهلل تعالى خلقه بيده ،ونفخ فيه من روحه ،وأسجد له مالئكته ،وأباحه كرامته
َ
وأسكنه جنته ،فلما عصا أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على اهلل من ابن الزبير،
والجن ة أعظم حرم ة من الكعب ة" ،وه و الكالم ال ذي يح اول في ه المس تمع ذهني ا ان يض ع
عبد اهلل بن الزبير موضع آدم وبالتالي ينجح الحجاج بن يوسف في إقناع أهل البصرة
بأن َعبد اهلل بن الزبير يستحق القتل نتيجة لمعصيته.
ظفها الحجاج في هذا المقطع وهي االحتكام إلى الس لطة العلي ا
ولعل هذه المغالطة التي و ّ
ترج َمتْهَ ا االستش هادات الم أخوذة من الق رآن الك ريم ك ان له ا األث ر الب الغ والوق ع
ال تي َ
القوي على نفوس أهل مكة.
إن الخطاب السياسي على وعي تام بخطر "الـخصم" والذي مثَله في هذه الخطبة عبد َ
اهلل بن الزب ير ،ل ذا يب دأ في في تفعي ل بعض االس تعارات االس تراتيجية في المقارن ة بين
"الحجاج بن يوسف و" اآلخر" الذي
َ سلطة الدولة التي تسير على خطى الطريق المستقيم
يق ود إلى الهالك ،فيمكن أن نتحص ل على مفه وم األق وال أو األفع ال (تح رك) بحيث يتم
انتق ال الكالم (الش ائعة) إلى الغ ير ،مم ا ي ؤدي إلى تغ يرات اجتماعي ة س لبية فتك ون ه ذه
الجنة.
تحركا إلى النار وإ َن القضاء عليها ينجم عنه تحرك إلى َ
األفعال ُّ
128
تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات الفصل الثالث
التداولية
129
خاتمة
خاتمة
الخاتمة:
نظرن ا في الفص ل األول في مفه وم االس تراتيجية داخ ل الخط اب باعتباره ا مجموع ة
األساليب الحجاجية المتحيزة والوسائل اللغوية المتفاعلة فيما بينها التي تهدف إلى حمل
اج ل ه على تص ديق ال رأي المق ترح علي ه وتج اوز مرحل ة التص ديق واالقتن اع إلى المح ّ
مرحل ة ثاني ة يك ون فيه ا التلقي عازم ا على إنج از الفع ل المطل وب إنج ازه ،كم ا تطرقن ا
إلى تحديد مفهوم الخطاب السياسي والخطاب السياسي األموي الذي كان مولودا جديدا
الس احة األدبي ة آن ذاك ،حيث رص دنا جوانب ه
ورحبت ب ه ّ
ّ أنجبت ه الظ روف السياس ية
المساعدة في فهم النظرية التداولية من خالل الكشف عن غاياته السياسية ،هذا باإلضافة
إلى محاولتن ا لبي ان دور الس ياق في تحقي ق التواص ل بين المخ اطب والمتلقي وتحدي د
المعنى الذي يترجمه هذا التواصل.
أم ا في الفص ل الث اني فق د تعرفن ا على االس تراتيجيات التداولي ة ممثل ة في االس تراتيجية
التوجيهية التي ترجمتها أفع ال الكالم ،استراتيجية اإلقناع التي مثلها الحجاج كآلية من
آلياتها ،واستراتيجية المغالطات التي ترتبط بالخطب السياسية.
ونظرنا في الفصل الثالث الذي اتسم إلى المقاصد الضمنية واآلليات اإلقناعية وأساليب
المغالطة التي يحملها الخطاب السياسي بين سطوره مع بيان وقعها على المتلقي.
و يمكن أن نشير إلى أبرز "النتائج" التي توصل إليها هذا البحث.
-إن المنهج التداولي في دراسة اللغة يمثل مصدرا ثريا يمكن أن يغني البحث اللغوي
في مناهج عديدة.
131
خاتمة
-إن التراث اللغوي العربي كان له األسبقية في البحث عن ظاهرة أفعال الكالم ضمن
نظري ة الخ بر واإلنش اء وك ذا في نظري ة الحج اج ض من علم البالغ ة باعتبارهم ا أهم
االستراتيجيات التداولية في العصر الحديث.
-إن تتب ع الخط اب السياس ي في العص ر األم وي ممثال في خطب الحج اج بن يوس ف
يؤكد وجود رغبة في المزاوجة بين عصر المفاخرة والمنافرة والسيف وعصر الحوار
والمناظرة واإلقناع.
-إن النقط ة المش تركة في خطب الحج اج بن يوس ف هي اعتم اده على أس لوبي األم ر
والنهي بكثرة نظرا لمكانته في السلطة.
-إن تحلي ل بني ة الخط اب السياس ي األم وي أب رز مظ اهر االنس جام بين الخطب ة
والنصوص المنقولة (القرآن الكريم ،الشعر).
-يحتل النص القرآني (باعتباره حجة جاهزة) على السلم الحجاجي المرتبة األعلى ألنه
يستمد قوته الحجاجية من قوة مصدره وما يحتويه من إعجاز لغوي.
-إن المخ ِ
اطب السياس ي يتوس ل المغالط ات القولي ة ال تي ته دف إلى تض ليل المتلقي من
أجل تحقيق غايته السياسية وأبرزها :مغالطة سد الذرائع ،االحتكام إلى السلطة ،مغالطة
الشخصنة ،مغالطة العصا (حجاج القوة) .
132
الملحق
خطب الحجاج بن يوسف الملحق
الثقفي
أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله ،وأحذوه بنعله ،وأجزيه بمثله ،وإ ني ألرى رؤوسنا قد
أينعت وحان قطافها،وإ ني لصاحبها،وإ ني ألنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحي.
قد لفها الليل بسواق حطم هذا أوان الشد فاشتدي زيم
وال بجزار على ظهر وضم ليس براعي إبل وال غنم
إني واهلل ي ا أه ل الع راق ،ومع دن الش قاق والنف اق ،ومس اوئ األخالق ،م ا أغم ز تغم از
ال تين ،وال يقعق ع لي بالش نان ،ولق د ق ررت عن ذك اء ،ولق د فتش ت عن تجرب ة ،وج ريت
من الغابة إن أمير المؤمنين كب كنانته ثم عجم عيدانها ،فوجدني أمرها عودا وأصلبها
عم ودا ،فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل
وس ننتم س نن الغي ،أم ا واهلل أللح وَنكم لح و العص ا ،وألعص بنَكم عص ب الس لمة،
وألضربنَكم ض رب غ رائب اإلب ل ،ف إنَكم لكأه ل قري ة ك انت آمن ة مطمئن ة يأتيه ا رزقه ا
134
خطب الحجاج بن يوسف الملحق
الثقفي
إني واهلل ال أع د إال وفيت ،وال أهم إال أمض يت ،وال أخل ق إال ف ريت ،فإي اي وه ذه
الجماعات وقال وقيل وما تقولون ،وفيم أنتم وذلك؟ أما واهلل لتستقيمن على طري ق الحق
أو ألدعن لكل رجل منكم شغال في جسده من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت
دمه وانتهبت ماله.2
-خطب الحجاج بن يوسف خطبته هذه بعد أن حمد اهلل وأثنى عليه ثم قال:
"إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب اآلخرة ،فليته كفانا مؤونة اآلخرة وأمرنا بطلب
َ
الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم ال يتعلمون،وشرَاركم ال يتوبون ،مالي أراكم
تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم،إنَ العلم يوشك أن يرفع ورفعه ذهاب
العلم اء،أال وإني أعلم بش راركم من البيط ار ب الفرس،ال ذين ال يق رأون الق رآن إال
هجرا.وال يأتون الصالة إال دبرا.أالوإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرَ والفاجر،أال
وإ ن اآلخ رة أج ل مس تأخر يحكم فيه ا مل ك ق ادر،أال ف اعلموا وأنتم من اهلل على ح ذر
واعلموا أنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا،ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.أال
كل ه بح ذافيره في الن ار،أال وإن من
وإن الخ ير كلَ ه بح ذافيره في الجن ة،أال وإن الشرَ ،
يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ،واستغفر اهلل لي ولكم".3
قام الحجاج بن يوسف بإلقاء خطبة بعد مقتل "عبد اهلل بن الزبير رضي اهلل عنه" وهي
ردة فع ل مك ة إزاء ه ذا َّ
"الحجاج" ّ ولم ا الح ظ
ارتجت له ا مك ة بالبك اءَ ،
الحادث ة ال تي َ
فج ِمعوا بالمسجد ثم صعد المنبر فحمد اهلل وأثنى عليه ثم
الحدث العظيم أمر أهل مكة ُ
قال:
" يا أهل مكة :بلغني بكاؤكم وأسفكم ،واستظاعكم قتل عبد اهلل بن الزبير ،أال وإ ن ابن
الزبير كان من خيار هذه األمة ،حتى رغب في الخالفة ،ونازع فيها أهلها ،فخلع طاعة
ألن اهلل
الجن ة َ
تكن بح رم اهلل ،ول و ك ان ش يء م انع للعص اة لمنعت آدم حرم ة َ
اهلل ،واس ّ
تعالى خلقه بيده ،ونفخ فيه من روحه ،وأسجد له مالئكته ،وأباحه كرامته وأسكنه جنته،
فلما عصا أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على اهلل من ابن الزبير ،والجنة أعظم
حرمة من الكعبة فاذكروا اهلل يذكركم".1
-أحمد محمد معتوق ،الحصيلة اللغوية ،سلسلة عالم المعرفة ،ط .2003
-أحم د المتوك ل المنحى ال وظيفي في الفك ر اللغ وي ،الع ربي ،األص ول والامت داد ط
،1دار األمان ،الرباط .2006
-أحمد محمد الجوفي ،في أدب السياسة في العصر األموي ،دار القلم ،بيروت دط.
-أوبيير دريفوس و بول ديبينوف ،ميشال فوكو مسيرة فلسفية ،ت جورج أبي صالح
مراجعة وشروح مطاع الصفدي ،مركز اإلنماء القومي بيروت لبنان .
-أمير بن محمد المددي ،الحجاج بن يوسف الثقفي مواقف من حياته (دماء وعطاء)
-إيليا الحاوي ،فن الخطابة و تطوره عند العرب ،دار الثقافة ،بيروت ،لبنان .د.
-باتري ك ش ارودو ،دوميني ك منغن و ،معجم تحلي ل الخط اب ،ت عب د الق ادر المه يري،
حمادي صمود ،دار سيناترا ،تونس .2008
-بدوي طبانة ،النقد األدبي عند اليونان ،مكتبة أنجلو المصرية .مصر . 1967
-بلقاس م حم ام ،آلي ات التواص ل في الخط اب الق رآني ،أطروح ة مقدم ة لني ل ش هادة
الدكتوراه ،جامعة الحاج لخضر،باتنة،الجزائر.
138
قائمة المصادر والمراجع1
-بهاء الدين محمد مزيد ،تبسيط التداولية من أفعال الكالم إلى بالغة الخطاب السياسي
دار شمس ط 1القاهرة .2010
-الته انوي محم د علي الف اروقي كش اف اص طالحات الفن ون .ت .لطفي عب د الب ديع
مراجعة أمين الخولي ،المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.
-الجاح ظ (أب و عثم ان عم رو بن بح ر) ،البي ان والتب يين ،ت وش رح عب د الس الم محم د
هارون ،دار الفكر ط ،2دت .
-ابن جني ،الخصائص ،تح محمد علي النجار ،المكتبة العلمية ج.1
-جون براون ،جون بول ،تحليل الخطاب ،ت ،محمد لطفي الزليكي ومنير التريكي،
جامعة الملك سعود د.ط 1418ه.
-جيهان أحمد رشي ،األسس العلمية لنظريات اإلعالم ،دار الفكر العربي ط .1994
-حم و الح اج ذهبي ة،لس انيات التلف ظ وتداولي ة الخط اب ،دار األم ل للطباع ة والنشرط 2
دت.
-حس ام أحم د قاس م ،تح والت الطلب ومح ددات الدالل ة ،م دخل إلى تحلي ل الخط اب
النبوي الشريف ،دار اآلفاق العربية القاهرة ط 1428ه2007/م.
-حسين محمد وجيه ،مقدمة في علم التفاوض االجتماعي والسياسي ،عالم المعرفة ط
أكتوبر.1994
139
قائمة المصادر والمراجع1
-عبد الرحمان عيسوي ،دراسات في علم النفس االجتماعي،دار النهضة العربية ط 3
. 1947
-الزمخشري (محمود بن عمر) ،أساس البالغة ،تح،عبد الرحيم محمود .دار المعرفة
بيروت .
-الزواوي بعوزة ،مفهوم الخطاب في فلسفة فوكو ،المجلس األعلى للثقافة ط1مصر2
.000
-س ارة ميل ز .ت.بغل ول يوس ف،الخط اب ،منش ورات مخ بر الترجم ة ف بي األدب
واللسانيات ،جامعة منتوري قسنطينة .2004
-سالمة موسى ،أشهر الخطباء ومشاهير الخطباء ،كلمات عربية للترجمة والنشر ط
.2011
-سلوى الشرفي ،تحليل الخطاب ،الرسائل السياسية في وسائل اإلعالم مركز النشر
الجامعي تونس .2010
-الس كاكي (أب و يعق وب يوس ف ابن أب و بك ر /محم د بن علي) مفت اح العل وم ،نعم
زرزور ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ط.1.1987
-عبد السالم المسدي ،التفكير اللساني في الحضارة العربية ،الدار العربية للكتاب ط2
.1986
-السيوطي ( جالل الدين ) اإلتقان في علوم القرآن بأسفل الصحائف إعجاز القرآن،
القاضي أبو بكر الباقالني ،دار المعرفة ،بيروت ،لبنان .
140
قائمة المصادر والمراجع1
-السيد أحمد الغفار،التصور اللغوي عند األصوليين ،مكتبات عكاظ ط.1981 ،1
-ش كري المبخ وت ،الحج اج في اللغ ة ض من كت اب أهم نظري ات الحج اج في التقالي د
الغربية من أرسطو إلى اليوم .
-ص الح اس ماعيل عب د الح ق ،التحلي ل اللغ وي عن د مدرس ة أوكس فورد ،دار التن وير
للطباعة والنشر ط 1بيروت .1993
-ط ه عب د الرحم ان ،اللس ان والم يزان أو التك وثر العقلي ،المرك ز الثق افي الع ربي
،المغرب ط.2.2002
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط ،جامعة محمد الخامس ،المغرب ط1405 .1ه/
1995م.
-عمر فروخ ،تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ،دارالعلم للماليين ،لبنان 4أفريل
.1983
-ف ان داي ك،النص والس ياق ،استقص اء البحث في الخط اب ال داللي الت داولي ت عب د
القادر قنيني ،افريقيا الشرق ،بيروت.
-الفيروز أبادي( محمد بن يعقوب) ،القاموس المحيط ،دار الكتب العلمية ط1415ه/
1995م بيروت – لبنان.
141
قائمة المصادر والمراجع1
-عب د الق اهر الجرج اني ،أس رار البالغ ة ،تح محم د الفاض لي ،المكتب ة العص رية ،
بيروت ط. 1999، 2
-عب د الق اهر الجرج اني ،دالئ ل اإلعج از تح محم د الش جي ،دار الكت اب الع ربي
،بيروت ط.1992 ،3
-عبد اهلل البهلول ،الوصايا األدبية إلى القرن الرابع هجريا ،مقارنة أسلوبية حجاجية،
مؤسسة االنتشار العربي ط ، 1بيروت -لبنان ..2011
-عب د اهلل البهل ول ،في بالغ ة الخط اب السياس ي ،بحث في سياس ة الق ول ،منت ديات
األزبكية ،د.ت .
-ابن منظور ،لسان العرب ،ض بط الشيخ محمد البقاعي ،دار الفكر للطباعة ،والنشر
والتوزيع ط.1بيروت .2003،
-مسعود صحراوي ،التداولية عند العلماء العرب تداولية لظاهر األفعال الكالمية في
التراث اللساني العربي ،دار الطليعة للطباعة والنشر .يوليو ،بيروت .2005
-محم د محم د ي ونس علي ،المع نى وظالل المع نى .أنظم ة الدالل ة في العربي ة دار
المدار اإلسالمية ط.2007، 2
-محمد العبد ،النص والخطاب و اإلتصال ،األكاديمية الحديثة ،للكتب الجامعية ،ط1
القاهرة . 2005 -
-محمد خطابي لسانيات النص ،مدخل إلى انسجام النص ،المركز الثقافي العربي ط1
بيروت .1991
-محمد العمري في بالغة الخطاب اإلقناعي ،دار الثقافة ط 1الدار البيضاء 1986م.
142
قائمة المصادر والمراجع1
-محم د اله ادي الطرابلس ي ،خص ائص األس لوب في الش وقيات ،منش ورات الجامع ة
التونسية .1981
-محم د س الم ،محم د األمين طلب ة ،الحج اج في البالغ ة المعاص رة (بحث في بالغ ة
النقد المعاصر ،دار الكتاب الجديد ط. 2008، 1
-محمد أبو زهرة ،الخطابة أصولها ،تاريخها في أزهى عصورها عند العرب ،دار
الفكر العربي ،القاهرة .
-محم ود الس عران ،علم اللغ ة /مقدم ة للق ارئ الع ربي ،دار المع ارف ،االس كندرية ،ط
.1962
-عبد المنعم الهاشمي ،الخالفة األموية ،دار ابن حزم ط ،1لبنان .2002
-عب د اله ادي بن ظ افر الش هري ،اس تراتيجيات الخط اب ،مقارن ة لغوي ة تداولي ة ،دار
الكتاب الجديد ،ط 1مارس .2004
-هش ام ال ريفي ،الحج اج عن د أرس طو ،ض من كت اب (أهم نظري ات الحج اج في التقالي د
الغربي ة من أرس طو الي وم ) لفري ق من البحث في البالغ ة والحج اج بإش راف حم ادي
صمود ،منشورات كلية اآلداب تونس .1998
143
قائمة المصادر والمراجع1
-أحم د دع دوش ،أس اليب الدعاي ة المعاص رة ،الغاي ة ت برر الوس يلة ،مجل ة البي ان ،
العدد 238من ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
-بشير إبرير في تعليمية الخطاب العلمي ،مجلة التواصل جامعة باجي مختار عنابة،
العدد 8جوان .2001
-الح واس مس عودي ،البني ة الحجاجي ة في الق رآن الك ريم س ورة النم ل ،أنموذج ا ،مجل ة
اللغة واألدب ،جامعة الجزائر العدد 1997 ،12م.
-زه ير الخويل دي ،فن المغالط ات والحجج الباطل ة ،مجل ة رواق الفلس فة ،الس بت 25
سبتمبر تونس .2010
-د .عبد السالم المسدي ،اللغة والسياسة ،مجلة ثقافات العدد .2008، 169
-موريس أبوناصر ،لغة الخطاب السياسي ،بين اإليديولوجيا والحقيقة ،مجلة الحياة ،
23فبراير 1998م 1418/ه .
المواقع االكترونية:
-ادريس مقب ول ،األس س االبس تمولوجية والتداولي ة للنظ ر النح وي عن د س بويه ،ع الم
الكتب الحديث ط1994www.pdffatorg.com ،1
144
1قائمة المصادر والمراجع
145
فهرس احملتوايت
الصفحة املوضوع
أ املقدمة .................................................................................................................
08 مدخل ................................................................................................................
الفصل األول :اسرتاتيجيات اخلطاب السيايس.
15 -1اسرتاتيجية اخلطاب واخلطاب السيايس ...................................................................
15 1-1مفهوم الاسرتاتيجية يف اخلطاب .........................................................................
19 1-2خصائص الاسرتاتيجية .................................................................................
20 1-3عنارص الاسرتاتيجية .................................... ................................................
21 1-4أنواع الاسرتاتيجيات ....................................................................................
25 -2اللغة
28 والسياسة ..................................................................................................
29 -3مفهوم اخلطاب السيايس -....................................................................................
29 -4املامرسة السياسية ...........................................................................................
31 -5وظائف اخلطاب السيايس .....................................................................................
32 -6خصائص اخلطاب السيايس ..................................................................................
32 -7السياق والتواصل السيايس-.................................................................................
35 1-7السياق ودوره يف حتديد املعىن .........................................................................
41 7-2السياق يف ادلرس اللغوي العريب
42 ..........................................................................
44 -8التواصل ..................................................................................................
46 8-1مفهوم التواصل يف ادلرس اللغوي العريب .......................................................
8-2مفهوم التواصل يف ادلرس اللساين الغريب ..........................................................
50 8-3التواصل والتواصل السيايس ...........................................................................
51 الفصل الثاين :اسرتاتيجيات التداول يف اخلطاب
52 -1الاسرتاتيجية
56 التوجهيية ..........................................................................................
57 1-1مالمح الاسرتاتيجية التوجهيية يف ادلرس اللغوي
58 العريب ..............................................
59 1-2الاسرتاتيجية التوجهيية يف ادلراسات
60 الغربية ............................................................
61 مسوغات الاسرتاتيجية التوجهيية ...................................................................... ِّ 1-3
61 -2اسرتاتيجية
61 اإلقناع ................................................................................................
63 2-1مفهوم اإلقناع ...................................................................................................
64 2-2اإلقناع يف ادلرس اللغوي العريب
65 .........................................................................
66 2-3اإلقناع يف ادلرس اللساين الغريب ..................................................................
67 2-4وسائل اإلقناع.........................................................................................
67 احلجاج ...............................................................................................
69 أ-لغة ....................................................................................................................
70 ب-اصطالحا .........................................................................................................
70 ج -مفهوم احلجاج عند اللسانيني الغربيني......................................................................
73 مسوغات استعامل اسرتاتيجية اإلقناع ..................................................................... دِّ -
-3أساليب املغالطة ابللغة القولية.................................................................................
75 3-1مفهوم املغالطة ..................................................................................................
76 3-2الفرق بني الغلط واملغالطة ...................................................................................
76 3 -3منطق املغالطة .............................................................................................
77 3-4أصناف املغالطات ..........................................................................................
3-5أساليب املغالطات والتضليل احلجايج ..............................................................
78 3-6فوائدا استعامل أساليب املغالطة ......................................................................
103 الفصل الثالث :حتليل خطب حلجاج بن يوسف حسب الاسرتاتيجيات التداولية................
116 -1اخلطاب السيايس يف العرص
125 األ موي .........................................................................
أ-احلجاج بن يوسف الثقفي .....................................................................................
130
ب -مودله ونشأ ته................................................................................................
ج-عالقة احلجاج بن يوسف ابلسلطة األ موية................................................................
-2الاسرتاتيجية التوجهيية ،اإلقناعية وأساليب املغالطة يف خطب
140 احلجاج.............................
-أوال :خطبة أهل الكوفة ........................................................................................
-اثنيا :خطبة أهل البرصة ...................................................................................... .
-اثلثا :خطبة مقتل عبد هللا بن الزبري ........................................................................ .
اخلامتة.................................................................................................................
.ملحق البحث .......................................................................................................
-خطبة أهل الكوفة ..............................................................................................
-خطبة أهل البرصة ..............................................................................................
-خطبة مقتل عبد هللا ابن الزبري ...............................................................................
قامئة املصادر
واملراجع ...............................................................................................