Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 158

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة زيان عاشور بالجلفة‬


‫كلية اآلداب واللغات والعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‬
‫مدرسة الدكتوراه علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫السياسي‬
‫االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ‬
‫الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"‬
‫خطب َ‬
‫مذكرة مق َدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫خويلد محمد األمين‬ ‫‪ -‬مالكي إميان‬

‫الرقم الجامعي‪ :‬م د ع ل ت خ ‪1203‬‬


‫العام الدراسي‪2015-2014‬‬
‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫جامعة زيان عاشور بالجلفة‬
‫كلية اآلداب واللغات والعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‬
‫مدرسة الدكتوراه علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫السياسي‬
‫االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ‬
‫الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"‬
‫خطب َ‬
‫مذكرة مق َدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫خويلد محمد األمين‬ ‫‪ -‬مالكي إميان‬

‫الرقم الجامعي‪ :‬م د ع ل ت خ ‪1203‬‬


‫العام الدراسي‪2015-2014‬‬
‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫جامعة زيان عاشور بالجلفة‬
‫كلية اآلداب واللغات والعلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‬
‫مدرسة الدكتوراه علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫السياسي‬
‫االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب ّ‬
‫الح ّجاج بن يوسف "أنموذجا"‬
‫خطب َ‬

‫مذكرة مق َدمة لنيل شهادة الماجستير في علوم اللسان وتحليل الخطاب‬

‫إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬

‫خويلد محمد األمين‬ ‫‪ -‬مالكي إميان‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬


‫الصفة‬ ‫االسم واللقب‬
‫رئيسا‬ ‫د‪ .‬بن عبد اهلل نور الدين‬
‫مقررا‬
‫ِّ‬ ‫د‪ .‬خويلد حممد األمني‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬لطرش بولرباح‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬حجاج مصطفى‬
‫الرقم الجامعي‪ :‬م د ع ل ت خ ‪1203‬‬
‫العام الدراسي‪2015-2014‬‬
‫شكر وعرفان‬
‫أحمد هللا على جزيل نعمه وأشكره شكر المعترف بمننه وآالئه على‬
‫‪ .‬توفيقه لي في إنجاز هذه المذكرة‬

‫يسرني أن أتقدم بعظيم الشكر لألستاذ المشرف خويلد محمد األمين‬


‫َ‬
‫على مجهوداته المبذولة= من تصحيح ومراجعة وتدقيق لغوي من أجل‬
‫‪ .‬والدة عمل جاد ومفيد‬

‫يشرفني أن أتقدم بجزيل الشكر إلى كل أساتذة قسم اللغة العربية‬


‫كما َ‬
‫وآدابها وأخص بالذكر كل من األستاذ ‪ :‬بن المسعود= العربي ‪ ،‬لطرش‬
‫‪ .‬بولرباح على دعمهما العلمي لي‬

‫إهداء‬
‫إلى نقطت ّي ضعفي ومصدر ّ‬
‫ي قوتي‬
‫‪.‬والد َّ‬
‫ي العزيزين‬

‫‪.‬الى سندالنجاح زوجي الحبيب‬

‫‪.‬إلى س َر اإلرادة إخوتي وأخواتي‬

‫‪ .‬إلى وجوه البراءة أوالدهم وبناتهم‬


‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫طفقت النظرية التداولية تتبلور حديثا في إطار اللسانيات فأصبحت موضوعا مألوفا‬
‫اهرة الكالمية ‪ ،‬يمتلك أسسه المنهجية كما يمتلك مقوماته ومفاهيمه‬ ‫في تحليل الظ‬
‫فإن التداولية "‪ " la pragmatique‬قد اغتدت من أحدث فروع‬ ‫ثم َ‬ ‫ومصطلحاته ‪ ،‬ومن َ‬
‫خاص ة ووظائف األقوال اللغوية‬
‫ً‬ ‫العلوم اللغوية في اعتنائها بتحليل عمليات الكالم بصفة‬
‫وخصائص ها خالل إج راءات التواصل بش كل ع ام ‪ ،‬بمع نى َأنها تنش غل في األس اس‬
‫بدراسة فعل الكالم ومعالجة وظ ائف األق وال اللغوية وخصائص ها ‪ ،‬بحيث تجعل ش غلها‬
‫األول البحث في تلك الش روط الض رورية والالزمة كي تك ون األق وال اللغوية مقبولة‬
‫يتحدث فيه المتكلم ‪.‬‬
‫وناجحة وأيضا مناسبة في الموقف التواصلي الذي َ‬

‫إن ظهور هذا الفرع العلمي في الدراسات األلسنية كان وليد طرح جديد في االهتمام‬
‫َ‬
‫بج انب مهم من التواصل البش ري ‪ ،‬ج اء ليس هم في تفعيل النش اط اللغ وي ووظائفه ‪،‬‬
‫وذلك ك ون اللَس انيات ظلَت ف ترة طويلة من ال زمن تكتفي بقس مين أساس يين ‪ ( :‬النحو‬
‫التركيبي ) و(علم الداللة ) وكان هذان الفرعان يطمحان إلى وصف كل اللغة البشرية ‪،‬‬
‫ثم أض اف الَلغوي ون قس ما ثالثا أطلق عليه اسم " التداولية " وهو يع نى بعالقة العالمة‬
‫ينص ب اهتمامه بالدرجة األولى على البعد‬
‫أن االتج اه الت داولي ّ‬
‫اللغوية بمس تخدميها أي َ‬
‫االس تعمالي واإلنج ازي للكالم وللغة الخط اب آخ ذا بعين االعتب ار كاّل من المتكلم‬
‫والسياق الذي ورد فيه ‪.‬‬

‫وتع ُد نظرية أفع ال الكالم و أس لوب الحج اج باإلض افة إلى أس اليب المغالط ة من‬
‫المح اور الك برى في اللَس انيات التداولي ة وهي آلي ات مهمة في تحليل الخط اب‬
‫السياس ي‪ ،‬حيث تعت بر خطب الحج اج بن يوس ف من أفض ل النم اذج ال تي ت ترجم ه ذا‬
‫العلم الجديد من حيث األفعال الكالمية واألساليب المختلفة التي تتسم بها هذه الخطب ‪،‬‬
‫وهي األس باب ال تي دفعتنا إلى اختي ار ه ذا البحث ال ذي ارتأينا عنونته بـــ "‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫االستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب السياسي خطب الحجاج بن يوسف أنموذجا‬


‫"‪.‬‬

‫أهمية البحث ‪:‬‬

‫إن الخط اب السياسي حقل للتعب ير عن اآلراء واق تراح األفك ار والمواقف ح ول‬
‫َ‬
‫والس لطة وغيرها من القض ايا ال تي تس تهدف أمن‬
‫القض ايا السياس ية كالديمقراطية َ‬
‫واألم ة ‪ ،‬وهو ما يع ني ارتباطه بحياتنا اليومية ‪ ،‬وليس من بين أن واع‬
‫َ‬ ‫ومس تقبل الف رد‬
‫الخط اب ما تتجلَى فيه الهيمنة والق وة ومح اوالت الت أثير أك ثر من الخط اب السياسي‬
‫والسياسة وهو األمر ال ذي يجعل منه‬
‫بمعن اه الخ اص المح َدد ال ذي يتعلَق ب أمور الحكم َ‬
‫بالدراسة والتَحليل من‬
‫السياسي َ‬
‫أن تناول الخطاب َ‬
‫موضوعا جديرا بالدراسة ‪ ،‬مع العلم َ‬
‫فالسياسة‬
‫والسياسة ‪َ ،‬‬
‫الس هل لوال االرتباط الوثيق بين اللَغة َ‬
‫الوجهة التداولية ليس باألمر َ‬
‫مجرد دال‬
‫يتحول من َ‬
‫ألن اللَفظ عند اس تخدامنا َإي اه في س ياق سياسي َ‬
‫لغة واللَغة سياسة َ‬
‫يحيل على مدلول إلى موقف ومن ورائه اختيار كامل مرتسم في واجهة األح داث ‪ ،‬وقد‬
‫يكون في استعمال الكلمة أو العبارة ما يتجاوز حدود الواقعة التي نروم اإلفصاح عنها‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫إن اختيارنا الخطاب السياسي كنموذج من أجل فهم االستراتيجيات التداولية لم يكن‬
‫َ‬
‫عما هو م ألوف في مثل ه ذه‬ ‫من محض الص دفة ‪ ،‬ولكن محاولة متواض عة للخ روج َ‬
‫غيب من ط رف الب احثين‬
‫والتميز في تن اول الخط اب السياسي ال ذي ّ‬
‫ّ‬ ‫الدراس ات اللَغوي ة‬
‫والن ادر‬
‫الدراس ات الغربية ّ‬
‫خاص ة منها التداولية ‪ ،‬باس تثناء بعض َ‬
‫ّ‬ ‫في دراس اتهم اللَغوية‬
‫السياسة والخط اب السياسي ‪ ،‬وله ذا حاولنا‬
‫منها في الدراس ات العربية ال تي تح ّدثت عن ّ‬
‫منا‬
‫في ه ذا البحث أن نمنح الخط اب السياس ي حقّه من الدراسة والتحليل ألنه يس تحق ّ‬
‫االهتمام والمجهودات الكافية‪.‬‬

‫تم تحديد إشكالية محورية على النحو التّالي‪:‬‬


‫ونظرا للبحث في مشروعنا هذا ّ‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫كي ف تس اهم اآللي ات التداولية ممثَلة في أفع ال الكالم‪ ،‬اس تراتيجية اإلقن اع وأس اليب‬
‫المغالطة في تحليل الخط اب السياس ي؟ وبعب ارة أخ رى هل يمكن أن يك ون الخط اب‬
‫النظرية التداولية ؟‬
‫السياسي نموذجا مثاليا لفهم َ‬
‫أهداف الدراسة ‪:‬‬

‫إن مطمح ه ذا البحث بالدرجة األولى إثب ات احت واء ال َدرس اللَغ وي الع ربي على‬
‫ّ‬
‫نؤص ل من خاللها لما يع رف حاليا "باللَس انيات‬
‫َ‬ ‫توجه ات تداولي ة يمكنن ا أن‬
‫أفك ار ذات ّ‬
‫التداولية" ‪ ،‬وال تي يمكن أن تك ون م دخال رحبا لفهم تراثنا العظيم ه ذا على المس توى‬
‫أما على المس توى التط بيقي فالدراسة ته دف إلى تتبع االس تراتيجيات التداولية‬
‫النظ ري‪ّ ،‬‬
‫محصورة في أفعال الكالم‪ ،‬الحجاج وأحدث ما جاء في الدراس ات التداولية وهو أس لوب‬
‫المغالط ات في الخط اب السياسي باعتب اره أق وى الخطاب ات وأكثرها وقعا على المتلقي‪،‬‬
‫باإلض افة إلى تق ديم نم اذج حص رناها في ثالث خطب "للحج اج بن يوسف الثقفي" نفهم‬
‫تغيره في الواقع السياسي‪.‬‬
‫من خاللها كيفية ورود اآلليات وما َ‬
‫وأما على المس تويين النظ ري والتط بيقي فك ان ه دفنا إف ادة الب احث واث راء المكتبة‬
‫ّ‬
‫تهتم بالخطاب السياسي‪.‬‬ ‫الدراسات الَلغوية التي َ‬
‫الجامعية التي تكاد تنعدم من َ‬

‫منهج الدراسة وخطتها‪:‬‬

‫اعتم دنا في مش روعنا ه ذا على ‪ :‬المنهج الوص في ‪ ،‬المنهج التحليلي والمنهج‬


‫التاريخي‪.‬‬

‫المنهج الوص في‪ :‬وذلك بتق ديم بعض المف اهيم األساس ية ال تي تخص ه ذا البحث على‬
‫غرار مفهوم الفعل الكالمي ‪ ،‬الخطاب السياسي ‪ ،‬التواصل وغيرها من المفاهيم‪.‬‬

‫المنهج التحليلي‪ :‬وذلك بدراسة النموذج (الخطاب السياسي) وتحليله‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫المنهج التاريخي‪ :‬وذلك بتتبع ظ اهرة أفع ال الكالم ونظرية الحج اج عند العلم اء الع رب‬
‫قديما إلى غاية نضجها مع العلماء الغرب في العصر الحديث‪.‬‬

‫طة هذا البحث ثالثة فصول‪ :‬فصلين يمثَالن الجانب النظري وقد عنونا‬‫وتضمنت خ َ‬
‫َ‬
‫األول ب ـ ‪ :‬اس تراتيجيات الخط اب السياس ي ‪ ،‬والث اني ب‪ :‬اس تراتيجيات الت داول في‬
‫الخط اب و هم ا فص لين تن درج تحتهما عن اوين أساس ية تح ّدثنا فيهم عن مفه وم‬
‫الس ياق‬
‫االس تراتيجية في الخط اب ومفه وم الخط اب السياسي ووظائفه ‪ ،‬باإلض افة إلى َ‬
‫فصلنا الحديث في استراتيجيات التداول في الخطاب‬ ‫ودوره في تحديد نمط الخطاب ثم َ‬
‫أما الفصل‬
‫ممثَلة في االس تراتيجية التوجيهية اس تراتيجية اإلقن اع وأس اليب المغالطة ‪َ ،‬‬
‫الثالث الموسوم ب‪ :‬تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب االس تراتيجيات التداولية فقد‬
‫تم تط بيق كل من االس تراتيجية التوجيهية واس تراتيجية اإلقن اع‬
‫ك ان تطبيقيا بحتا حيث َ‬
‫للحج اج بن يوسف اقتص رنا فيها‬‫َ‬ ‫باإلض افة إلى أس اليب المغالطة على ثالث خطب‬
‫على ( الخطبة التي ألقاها في أهل الكوفة ‪ ،‬خطبة أهل البصرة ‪ ،‬ثم الخطبة التي ألقاها‬
‫بعد مقتل ابن الزبير )‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫إن الكتب واألبح اث األكاديمي ة ال تي تتن اول تحليل الخط اب السياسي تحليال متك امال‬
‫َ‬
‫جدا خاصة من منظور جوهر اللسانيات التداولية المتمثل في نظرية أفع ال الكالم‪،‬‬ ‫نادرة َ‬
‫لكننا ص ادفنا بعض الكتب والبح وث ال تي ك انت قد تن اولت جانبا أو أك ثر من ه ذا‬
‫َ‬
‫الموضوع أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬كتاب تبسيط التداولية للدكتور" بهاء الدين محمد مزيد "وهو كتاب ثري كان قد تحدث‬
‫أدب‬
‫تطورها وأهم قض اياها ممثّلة في الت َ‬
‫فيه ال دكتور به اء ال دين عن التداولية وكيفية ّ‬
‫والكياس ة‪ ،‬المب دأ التع اوني‪ ،‬التداولية العامة ‪ ،‬التداولية المقارنة باإلض افة إلى بالغة‬
‫أفع ال الكالم في تحليل مجموعة من الخطاب ات منه ا‪ :‬ال دعاء ‪،‬الخط اب السياسي ال ذي‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة‬

‫ح اول من خالله ال دكتور به اء ال دين لفت انتب اه الدارس ين في مج ال اللَس انيات إلى ه ذا‬
‫النوع من الخطابات‪.‬‬

‫‪ -‬كت اب لس انيات التلفظ وتداولية الخط اب لألس تاذ الب احث "حمو الح اج ذهبية "وهو يع ّد‬
‫كتابا ذا جودة حاول فيه الباحث إبراز نظرية التلَفظ في الخطاب السياسي الجزائري‪.‬‬

‫‪ -‬م ذكرة األمانة في الخط اب السياسي للب احث األك اديمي "جالل ال دين بو عايشة "وهي‬
‫عب ارة عن م ذكرة ماجيس تير تخصص ترجمة ح اول فيها الب احث رصد قيمة أخالقية‬
‫وهي األمانة في نقل الخط اب السياسي الجزائ ري المكت وب باللَغة الفرنس ية إلى اللَغة‬
‫العربية ‪.‬‬

‫وفي األخ ير أرج و ال أتم نى أن يك ون ه ذا البحث المتواض ع مرجع ا للط اَلب الج امعي‬
‫التداولية‪،‬الش غوف باكتشاف خبايا الخطاب السياسي من خالل هذا‬
‫َ‬ ‫الباحث في اللَسانيات‬
‫العلم الجديد ‪.‬‬

‫الجلفة في‪2014-09-25 :‬‬

‫الطالبة‪ :‬مالكي إيمان‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‬

‫‪6‬‬
‫مدخل‬
‫مدخل‬

‫مدخل‬

‫‪ -1‬مفهوم التداولية‪:‬‬

‫لغ ة‪ :‬من الج ذر"دول" يت داول ت داوال ويق ال ت داولنا األم ر أي أخ ذناه بال دول وق الوا‬
‫دوالي ك أي مداول ة على األم ر‪ ،‬وتداولت ه األي دي‪ ،‬أخذت ه ه ذه م َرة وه ذه م َرة‪ ،‬وت داولنا‬
‫العم ل بينن ا بمع نى تعاون اه فعم ل ه ذا م رة وه ذا م رة وق ال داول اهلل األي ام إذا أدراه ا‬
‫وصرفها‪.1‬‬

‫ومس تقبل‪ُ ،‬متكلَم‬


‫والت داول تفاع ل وك ل تفاع ل يلزم ه طرف ان على أق ل تق دير ُمرس ل ُ‬
‫وس امع أو مس تمع ‪ ،‬ك اتب وق ارئ على مع نى أن م دار اش تغال التداولي ة ه و مقاص د‬
‫المتكلَم وغايات ه‪ ،‬وكي ف تبلَ غ مس تمعا أو متلقي ا ‪ ،‬وك ل ت داول تحكم ه ظ روف وآلي ات‬
‫وعوامل تحيط به‪ ،‬فالترجمة لها ما يبرزها ويبدو أنها قد استقرت بالفع ل على حساب‬

‫"البراجماتي ة" أو "البراجماتيكي ة" وهم ا باإلض افة إلى "أعجميتهم ا" َ‬
‫ربم ا تؤدي ان إلى خل ط‬
‫بالنفعي ة أو الذرائعي ة‬
‫بين المقص ود في ه ذا البحث والمدرس ة الفلس فية المعروف ة َ‬
‫‪.‬‬
‫‪pragmatisme‬‬

‫أم ا اص طالحا فالتداولي ة "‪ "la pragmatique‬هي دراس ة اللَغ ة قي د االس تعمال أو‬
‫َ‬
‫االستخدام‪ ،‬بمعنى دراسة اللغة في سياقاتها الواقعية ال في حدودها المعجمية أو تراكيبها‬
‫النحوية‪.‬‬

‫‪ -1‬ابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب‪ ، ،‬ض بط يوس ف الش يخ محم د البق اعي‪ ،‬دار الفك ر للطباع ة والنش ر والتوزي ع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬ج ‪ 11‬ص‪253-252‬‬
‫‪8‬‬
‫مدخل‬

‫هي دراس ة الكلم ات والعب ارات والجم ل كم ا نس تعملها ال كم ا نج دها في الق واميس‬
‫والمعاجم و الكما تقترحها كتب النحو التقليدية‪ ،‬خذ مثال كلمة "شكرا" في لسان العرب‬
‫"البن منظ ور""عرف ان باإلحس ان ونش ره "وفي اس تعماالتنا اليومي ة تتج اوز الكلم ة مج رد‬
‫العرف ان باإلحس ان ونش ره فتش نأ عنه ا مع ان جدي دة ودالالت تتج اوز ح دودها المعجمي ة‬
‫الضيق‪.1‬‬
‫بالرفض أو التهكم أو َ‬
‫الضيقة مهما اتسعت فلربما أوحت َ‬

‫والمكون التركيبي وقد‬


‫َ‬ ‫المكون الداللي‬
‫َ‬ ‫مكونا للغة بجانب‬ ‫ويمكن أن َّ‬
‫تعين التداولية ‪َ ،‬‬
‫يمي ز في تطور كل لغة‬
‫جاء هذا المفهوم من تقسيم "شارل موريس" الثالثي الذي كان َ‬
‫وتهم عالق ة العالم ات بالعالم ات‬
‫ش كلية ك انت أو طبيعي ة بين ثالث ة مي ادين‪ :‬التركيبي ة َ‬
‫وتهتم بعالقة العالمات بمستعمليها‬
‫َ‬ ‫األخرى ‪،‬الداللية وتدرس عالقاتها بالواقع ‪ ،‬التداولية‬
‫أعم فنحن عن دما نتكلم الي وم عن مك َون ت داولي أو حين‬
‫واس تعمالها وآثاره ا‪ ،‬وبص فة َ‬
‫المكون الذي يدرس‬
‫َ‬ ‫إن ظاهرة ما خاضعة لـ"عوامل تداولية" فإننا نشير بذلك إلى‬
‫نقول َ‬
‫مسارات تأويل الملفوظات في مقام ما ‪ ،‬سواء تعلق بالقوة الالقولي ة للملفوظ أو بكفالة‬
‫بالضمنيات التي يفسح مجالها أو بالروابط ‪...‬‬
‫َ‬ ‫المتكلم له أو‬

‫المكون التداولي‪:‬‬
‫َ‬ ‫وترمي التداولية باعتبارها َفنا إلى دراسة الظواهر الراجعة إلى هذا‬
‫نح دد التداولي ة باعتباره ا دراس ة اس تعمال اللغ ة في مقاب ل دراس ة النس ق اللغ وي وق د‬
‫تطورت بصفة خاصة انطالقا من أبحاث في فلسفة اللغة لـ "جون أوستين" حول أفعال‬
‫الَلغة‪.2‬‬

‫‪-1‬بهاء الدين محمد مزيد ‪ ،‬تبسيط التداولية‪ ،‬من أفعال الكالم إلى بالغة الخطاب السياسي‪،‬دار شمس للنشر ط‪2010‬‬
‫القاهرة ص‪.18‬‬
‫‪ -2‬باتريك شارودو‪ ،‬دومينيك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ت‪ :‬عبد القادر المهيري‪ ،‬حمادي صمود‪ ،‬دار سيناترا‪،‬‬
‫تونس‪ ،2008 ،‬ص‪.443-442‬‬
‫‪9‬‬
‫مدخل‬

‫والتداولية باعتبارها علما جديدا للتَواصل يدرس الظواهر اللَغوية في مجال االستعمال‬
‫تق وم ب دمج مش اريع معرفي ة متع ددة في دراس ة التواص ل اللغ وي وتفس يره‪ 1‬حيث يق ول‬
‫<إن ه من الص عب الح ديث عن التداولي ة‪ ،‬ألن ه ذه‬
‫"م انقونو" في حديث ه عن التداولي ة َ‬
‫التعب ير يغطي ه العدي د من التي ارات من عل وم مختلف ة تتقاس م ع ددا من األفك ار‪...‬‬
‫واللَس انيون ليس وا وح دهم المعن يين بالتداولي ة ب ل تع ني الكث ير من علم اء االجتم اع إلى‬
‫المناطقة وتتجاوز اهتماماتها بمجموع األبحاث المتعلقة بالمعنى والتواصل‪.2‬‬

‫‪ -2‬مفهوم الخطاب‪:‬‬

‫يعد مصطلح الخطاب من المصطلحات الحيوية التي اتَسمت بالشيوع واالزدهار في‬
‫َ‬
‫العدي د من الدراس ات والبح وث اإلنس انية المعاص رة ‪ ،‬إذ طف ق يت داول من المنتص ف‬
‫الث اني للق رن العش رين‪ ،‬وق د تجلى اس تعماله بص فة خاص ة في مج االت األدب والفلس فة‬
‫وك ذا في الدراس ات األلس نية الحديث ة ال تي ت أثرت به ا نظري ة األدب والنق د األدبي م ع‬
‫أن ه ذا‬
‫ظه ور البنوي ة في أواخ ر الس تينيات والس بعينيات من الق رن الماض ي‪ ،‬غ ير َ‬
‫المص طلح ق د تش عب وتع َددت مس الكه ومفاهيم ه غ ير المتناهي ة ف اختلفت ب ذلك دالالت ه‬
‫والتبس ت م ع مص طلحات أخ رى كمص طلح النص ‪ ،‬ولع َل من اط االختالف في تحدي د‬
‫ثم‬
‫المعنى وإ حداثه قد تولد باختالف الفهم وتطوراته لدى الباحثين في النظر إليه ومن َ‬
‫فإنه – أي الخطاب‪ -‬قد استولى على قسط وافر من العناية والمدارسة وذلك باعتباره"‬‫َ‬
‫محددا في التاريخ ويشغل علما بذاته"‪.3‬‬
‫نمطا من اإلنتاج الدال فهو يحتل موقفا َ‬

‫‪ - 1‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬يوليو‪ ،2005 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ -2‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الحكمة‪ .2009 ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ -3‬عبد القادر عواد‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬ع ‪ ،74‬شعبان ‪ ،1432‬يوليو ‪ ،2011‬ص ‪.56 – 55‬‬
‫‪10‬‬
‫مدخل‬

‫ويوجد المدلول اللَغوي للخطاب في المعاجم العربية في مادة "خطب" وهي تحليل إلى‬
‫عدة معان منها‪:‬‬

‫‪ .1‬الش أن أو األم ر ال ذي تق ع في ه المخاطب ة س واء ص غر األم ر أو عظم فيق ال‪ :‬خطب‪،‬‬


‫وخط وب وقي ل‪ :‬ه و س بب األم ر‪ ,‬يق ال م ا خطب ك؟ أي م ا أم رك‪ ،‬وتق ول‪ :‬ه ذا خطب‬
‫جليل وخطب يسير‪.1‬‬

‫‪ .2‬المواجهة بالكالم‪ 2‬أو مراجعة الكالم‪.3‬‬


‫‪ .3‬والمخاطب ة مفاعل ة من الخط اب والمش اورة ‪،‬والخطب ة اس م للكالم ال ذي يتكلم ب ه‬
‫الخطيب فيوض ع موض ع المص در والخط اب والمخاطب ة مراجع ة الكالم وق د خاطب ه‬
‫بالكالم مخاطبة وخطابا وهما يتخاطبان‪.4‬‬
‫وق د ورد لف ظ الخط اب في الق رآن الك ريم بص يغ متع ددة منه ا ص يغة الفع ل في قول ه‬
‫(ر ُّ‬
‫ب‬ ‫الى‪:‬‬ ‫تع‬ ‫ه‬ ‫قول‬ ‫في‬ ‫در‬ ‫والمص‬ ‫‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫ون قَ الُوا َس اَل ًما)‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الج اهلُ َ‬
‫طَبهُ ُم َ‬‫الى‪(:‬وإِ َذا َخ ا َ‬
‫َ‬ ‫تع‬
‫ط ًاب ا)‪ ،6‬وفي قول ه تع الى عن داود علي ه الس الم‪:‬‬‫ون ِم ْن هُ ِخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواأل َْرضِ اَل َي ْمل ُك َ‬ ‫َّ‬
‫عد "الرازي" صفة فصل الخطاب‬ ‫‪7‬‬
‫اب) ‪ ،‬فقد َ‬ ‫ط ِ‬ ‫الح ْكم ةَ وفَص َل ِ‬
‫الخ َ‬ ‫(و َش َد ْدَنا مْل َكه وآتَْيَن اه ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ‬
‫من الص فات ال تي أعطاه ا اهلل ل داود معت برا َإياه ا من عالم ات حص ول ق درة اإلدراك‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.360‬‬


‫‪ -2‬الزمخش ري ‪ ،‬أس اس البالغ ة‪ ،‬حقق ه د‪ .‬مزي د نعيم وش وقي المع ري‪ ،‬مكتب ة لبن ان‪ ،‬ط ‪ ،1‬ب يروت‪ ،‬لبن ان‪،1998 ،‬‬
‫ص ‪.320‬‬
‫‪ - 3‬الفيروز أبادي محمد يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1415/1995 ،1‬‬
‫‪ -4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫‪5‬‬
‫‪.‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪- 63‬‬
‫‪6‬‬
‫‪.‬سورة النبأ ‪ ،‬اآلية ‪- 37‬‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬سورة ص ‪،‬اآلية ‪- 19‬‬
‫‪11‬‬
‫مدخل‬

‫الن اس مختلفون في‬


‫والشعور التي يمتاز بها اإلنسان على أجسام العالم األخرى‪ ،‬بيد أن َ‬
‫عما في الضمير‪.‬‬
‫مراتب القدرة على التَعبير َ‬

‫وبهذا التفسير تتضح أهمية الفروق الفردية التي تتفاوت من مرسل إلى مرسل أخر‪،‬‬
‫أم ا "اآلم دي" فق د ع ّرف الخط اب تعريفً ا َبيًِّن ا بع د أن وعى ب أن التعري ف ه و المنطل ق‬
‫َ‬
‫لمعرفة األحكام الشرعية ‪ ،‬إذ يرى أنه "اللَفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو‬
‫متهيئ لفهمه"‪.1‬‬

‫يعب ر عنه بما يقع به التخاطب‪،‬‬


‫وهذا يعني أنه توجيه الكالم نحو الغير لإلفهام وقد َ‬
‫لع َل ه ذه التحدي دات ذات الط ابع المعجمي تتواف ق إلى ح َد م ا م ع أح د المف اهيم‬
‫االصطالحية الحديثة في كون الخطاب هو‪" :‬الصيغة التي نختارها لتوصيل أفكارنا إلى‬
‫إن الخطاب يتجاوز هذا المفهوم الضيق‬
‫اآلخرين والصيغة التي نتلقى بها أفكارهم ‪َ ...‬‬
‫ليد َل على ما يصدر من الكالم أو إشارة أو إبداع فني‪ ،‬وهو ما يمكن أن يشكل صيغة‬
‫التفاعل بين طرفين أو أكثر في عملية التَلفظ أحدهما يرسل الكالم واآلخر يتلقاه‪.2‬‬

‫مؤسساتية أي له ا ت أثير عميق على‬


‫إن الخط اب إ ًذا مجموعة من العب ارات له ا قوة َ‬
‫َ‬
‫الطريقة التي يف َكر بها األشخاص‪ ,‬وعلى الكيفية التي يسلكونها‪.3‬‬

‫أن مفهوم "الخطاب" مستعمال في الفلسفة الكالسيكية حيث تقابل‬


‫بد أن نشير إلى َ‬
‫وال َ‬
‫المعرف ة الخطابي ة عن طري ق تسلس ل أس باب المعرف ة الحدس ية‪ ،‬وك انت قيمت ه إذ ذاك‬

‫‪ -1‬عب د اله ادي بن ظ افر الش هري‪ ،‬اس تراتيجيات الخط اب‪ ،‬مقارب ة لغوي ة تداولي ة‪ ،‬دار الكت اب الجدي د‪ ،‬ط ‪ ،1‬م ارس‬
‫‪ ،2004‬ص ص ‪.36-35‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر عواد‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬ص ‪.56 – 55‬‬
‫‪ -3‬س ارة ميل ز‪ ،‬ت‪ :‬بغل ول يوس ف الخط اب‪ ،‬منش ورات مخ بر الترجم ة في األدب واللس انيات‪ ،‬جامع ة منت وري‬
‫قسنطينة‪ ،2004 ،‬ص‪.48‬‬
‫‪12‬‬
‫مدخل‬

‫انتشارا‬
‫ً‬ ‫قريبة من اللوغوس (‪ 1 )logos‬اليوناني‪ ،‬وفي اللسانيات أشاعه" ق‪ .‬قيوم" وشهد‬
‫فائق السرعة مع أفول نجم البنيوية وصعود التيارات التداولية‪.2‬‬

‫ويندرج "الخطاب" ضمن سلسلة من المقابالت الكالسيكية وخاصة‪:‬‬

‫‪ 2-1‬خطاب مقاب ل جمل ة‪ :‬يمثَ ل الخط اب وح دة لس انية متكون ة من جم ل متعاقب ة وه ذا‬


‫هو المعنى الذي يقصده"زليغ هاريس "عندما يتحدث عن تحليل الخطاب‪.‬‬

‫‪ 2-2‬خط اب مقاب ل لس ان‪ :‬ق ال غاردين ار (‪" :)1989-1932‬إن التمي يز بين كالم أو‬
‫نوج ه‬
‫خطاب أو لسان اقترحه ألول مرة "فرديناند دوسوسير" ودقَقته أنا"‪ ،‬لكن يمكن أن َ‬
‫"الخط اب" نح و بع د اجتم اعي أو ب األحرى نح و بع د ذه ني‪ ،‬ويخت ار "غردين ار" اإلتج اه‬
‫األول فالخط اب "ه و االس تعمال بين الن اس لعالم ات ص وتية مركب ة لتبلي غ رغب اتهم أو‬
‫آرائهم في األشياء"‪.‬‬

‫و"اللَسان" طبقا لتعريفه بأنه نسق يشترك فيه أعضاء مجموعة لسانية يقابل "الخطاب"‬
‫باعتباره استعماال محدود لهذا النسق‪.‬‬

‫‪ 2-3‬خط اب مقاب ل نص‪ :‬الخط اب يتص ور باعتب اره إقحام ا لنص في مقام ه ( ظ روف‬
‫وتقبله )‪.3‬‬
‫َ‬ ‫إنتاجه‬

‫‪ 2-4‬خطاب مقابل ملفوظ‪ :‬ه ذا التمي يز الق ريب ج دا من التمي يز الس ابق يس مح بالمقابلة‬
‫بين طريق تي نظ ر إلى الوح دات المتج اورة للجمل ة‪ .‬باعتباره ا وح دة لس انية (ملف وظ)‬
‫وباعتباره ا أث ر فع ل تواص ل مح دد اجتماعي ا وتاريخيا وه ذه المقابل ة هي ال تي اعتم دت‬
‫من جهة أخرى إلسناد وجهة نظر خصوصية إلى تحليل الخطاب "إن إلقاء نظرة على‬

‫‪ .‬اللوغوس ‪ :‬كلمة يونانية لها مدلوالت متعددة كالخطاب ‪ ،‬اللغة ‪ ،‬العقل الكلي ‪.‬كلمة اإلله ‪-‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬باتريك شارودو – دومنيك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ص‪.180‬‬


‫السابق‪ ،‬ص ‪.181 – 180‬‬
‫‪ -‬المرجع َ‬
‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫مدخل‬

‫نص من حيث هيكلته(في اللسان) يجعل منه ملفوظ ا" والدراسة اللسانية لظروف إنتاج‬
‫هذا النص تجعل منه خطابا‪.4‬‬

‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.181‬‬


‫‪14‬‬
‫الفصل األول‬
‫استراتيجيات الخطاب‬
‫السياسي‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫الفصل األول‪ :‬استراتيجيات الخطاب السيلسي‪.‬‬

‫‪-1‬استراتيجية الخطاب والخطاب السياسي‪:‬‬

‫‪1-1‬مفهوم االستراتيجية في الخطاب‪:‬‬

‫يحقَ ق اإلنس ان أهداف ه من خالل األفع ال ال تي يمارس ها في حيات ه اليومي ة ‪ ،‬وترتب ط‬


‫معين‪ ،‬وبم ا أن أفعال ه مختلف ة فإن ه يس عى إلى اتَب اع ط رق متباين ة‬
‫ه ذه األفع ال بس ياق َ‬
‫تتناسب والسياق لتحقيق أهدافه ‪ ،‬وتسمى هذه الطرق "االستراتيجية" وهي على العموم‬
‫تطلق على الطرق أو الخطط الموضوعية من طرف الهيئات العسكرية لتحقيق سياس ة‬
‫معين ة ‪ ،‬وق د تع دى ه ذا المفه وم ليش مل ويتس ع من حيث االس تعمال علوم ا معرفي ة‬
‫كثيرة ‪.‬وفي اللغة العربية الفصحى المعاصرة أصبح يحمل قدرا من اللَبس لسببين ‪:‬‬

‫األول‪ :‬شيوع هذا المصطلح بلفظه الدخيل و الثاني‪ :‬كثرة استعماله في ميادين معرفية‬
‫وحض ارية مختلف ة وج راء ه ذا اللبس ال ذي اع ترى ه ذا المص طلح نج د أن ل ه مف اهيم‬
‫مختلفة‪.1‬‬

‫‪ -‬جاء لفظ اس تراتيجية من فن قيادة عملي ات جيش في مي دان القت ال (وهو يقاب ل آن ذاك‬
‫حد أنها آلت إلى تعيين جزء من الفنون العسكرية وأمكن لها‬
‫الخطة ‪ )la tactique‬إلى َ‬
‫أن تك ون موض وع تعليم (دروس االس تراتيجية والوس ائل الحربي ة)‪ ،2‬فهي علم و فن‬
‫ينص رفان إلى الخط ط والوس ائل ال تي تع الج الوض ع الكلي للص راع من أج ل تحقي ق‬
‫سياسة ما لبلوغ هدف ما‪.3‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل البهلول ‪ ،‬الوصايا األدبية إلى القرن الرابع هجريا ‪ ،‬مقاربة أسلوبية حجاجية‪ ،‬مؤسسة االنتشار العربي‬
‫ط‪ 2011 1‬بيروت لبنان ‪ .‬ص ‪.332‬‬
‫‪ -2‬باتريك شارودو – دومينيك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ص ‪.532‬‬
‫‪ -3‬هيثم األيوبي وآخرون‪ ،‬الموسوعة العسكرية‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‪ ،‬بيروت‪ ،1981 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.66‬‬
‫‪15‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫وقد ُع رفت االستراتيجية أيضا بكونها "طرق محددة لتناول مشكلة ما أو القيام بمهمة‬
‫بأنه ا ت دابير مرس ومة من أج ل ض بط معلوم ات مح َددة و‬
‫من المهم ات"‪ ،‬كم ا ُع رفت َ‬
‫التَحكم بها"‪.1‬‬

‫أم ا في تحليل الخطاب نالحظ لهذا المصطلح استعماالت مختلفة وتحديدات مختلفة‬
‫َ‬
‫ب اختالف تي ارات البحث‪ ،‬ف "الكلم ات" ق د ت دخل في اس تراتيجيات اجتماعي ة وهي‬
‫مؤش رات وأس لحة الس تراتيجيات الفردن ة ‪ ،‬وحس ب رأي "ب وتي وآخ" و وجه ة نظ ر‬
‫آخ رين االس تراتيجية من "ش روط إنت اج الخط اب" وحس ب وجه ة نظ ر أخ رى "تتك ون‬
‫هيكل ة عم ل اللغ ة من فض اءين‪ :‬فض اء إكراه ات يتض من المعطي ات ال دنيا ال تي ينبغي‬
‫االس تجابة له ا ليك ون عم ل اللغ ة ص حيحا وفض اء اس تراتيجية ليقوموا ب إخراج عم ل‬
‫اللغة‪.2‬‬

‫وه ذا م ا ي راه ال دكتور عب د اهلل البهل ول حيث يق َر أن لالس تراتيجية مفهوم ان ش ائعان‬
‫مفه وم أول مق ترن بالمن اورة والموارب ة موص ول بمب دأ انته اج الط رق الملتوي ة وتتب ع‬
‫دل في ه االس تراتيجية على مجموع ة‬
‫المس لك المالئم وس ط العواص ف‪ ،‬ومفه وم ث ان ت َ‬
‫ظفها في تحقيق المقاصد‬
‫يتوسلها المتكلَم ويحدث بينها تفاعال ويو َ‬
‫الوسائل اللَغوية التي َ‬
‫الصريحة والضمنية‪.3‬‬
‫َ‬

‫أن االستراتيجية تتعلق بإعداد الخطط بالدرجة األولى‪،‬‬


‫ومن خالل هذه المفاهيم نجد َ‬
‫وهذه الخطط هي السبيل إلى تحقيق األهداف‪ ،‬وبما َأنها خطة فهي ذات بعدين‪:‬‬

‫األول‪ :‬بعد تخطيطي ويتحقق في المستوى الذهني‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استرتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ -2‬باتريك شارودو – دومينييك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ص‪.533‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬الوصايا األدبية ‪ ،‬ص‪.332‬‬
‫‪16‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫يجس د االس تراتيجية لتتبل ور فعال‪ ،‬ويرتك ز البع دان على‬
‫الث اني‪ :‬البع د الم ادي وال ذي َ‬
‫الفاعل الرئيسي فهو الذي يحلَل الَسياق ويخطط لفعله‪ ،‬ليختار من اإلمكانات ما يفي بما‬
‫يريد فعله حقَا‪ ،‬ويضمن له تحقيق أهدافه‪.1‬‬

‫أم ا االس تراتيجية عن د الغ رب فق د وردت عن د "ميش ال فوك و" ال ذي ذهب إلى أن‬
‫َ‬
‫ويعرفها بقوله‪:‬‬
‫لالستراتيجية معان كثيرة ومتعددة كل معنى منها مع سياق معين َ‬

‫نستعمل كلمة إستراتيجية عادة لثالثة معان ‪ ،‬هي‪:‬‬

‫معينة تبعا لما يعتقد‬


‫أوال‪ :‬للتدليل على الطريقة التي يتصرف بها أحد الشركاء في لعبة َ‬
‫َأنه سيكون تصرف اآلخرين‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬اختصار الطريقة التي تحاول بها التأثير على الغير‪.‬‬

‫وأخ يرا الت دليل على مجم ل األس اليب المس تخدمة في مجابه ة م ا لحرم ان الخص م من‬
‫وسائله القتالية و إرغامه على االستسالم ‪ ...‬وعليه تتحدد االستراتيجية باختيار الحلول‬
‫الرابحة‪.2‬‬
‫َ‬

‫وتتف ق ه ذه المف اهيم ال تي أعطاه ا "فوك و" لالس تراتيجية في َأنه ا عم ل ذه ني باألس اس‬
‫إن اختي ار‬
‫بمع نى أن اختي ار الوس ائل المس تخدمة يعتم د على اس تخدام العق ل‪ ،‬وبه ذا ف َ‬
‫االستراتيجية يتميز بالعقالنية‪.‬‬

‫‪ -1‬عبدالهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب ‪ ،‬ص‪,53‬‬


‫‪ - 2‬أوبييردريفوس وبول رابينوف‪ ،‬ميشيل فوكو (مسيرة فلسفية)‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج أبي صالح‪ ،‬مراجعة وشروح مطاع‬
‫الصفدي‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫‪17‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫أما عن مفهوم االستراتيجية في الخطاب فقد ارتبط به لكونه عملية يقوم بها المرسل‬
‫َ‬
‫الس ياق المناس ب‪ ،‬فه و قب ل التَلف ظ‬
‫باختي ار العب ارات والكلم ات المناس بة‪ ،‬وك ذا اختي ار َ‬
‫ط ط لكيفي ة إنتاج ه وك ذا كيفي ة إيص ال معن اه إلى المرس ل إلي ه‪ ،‬فالمرس ل‬
‫بخطاب ه يخ َ‬
‫والس ياق‪ ،‬وحتَى يتمكن‬
‫كل الحرص على استعمال اللغة استعماال دقيقا يتواءم َ‬
‫يحرص َ‬
‫البد أن يمتلك كفاية لغوية باإلضافة إلى الكفاية التداولية‪.‬‬
‫من القيام بهذه العمليات َ‬

‫والكفاي ة اللَغوي ة أح د المص طلحات ال تي وض عها "تشومس كي" في دراس ته للَغ ة وهي‬
‫"معرف ة المتكلَم بلغت ه ‪ ،‬ف المتكلم يجب أن يك ون على معرف ة جي دة بلغت ه‪ ،‬وتش مل ه ذه‬
‫المعرفة القواعد األساسية التي بواسطتها يتم تركيب الجمل وصياغتها صياغة ص حيحة"‬
‫وهذا يعني َأنه ُينظر للكفاية على َأنها المعرفة المتطلبة لتركيب جمل صحيحة الصياغة‬
‫أو فهمها‪.1‬‬

‫أن مفهوم الكفاية هذا انتقد من طرف العلماء من أمثال "ديل هايمز" الذي استبدل‬
‫غير َ‬
‫عرفه ا ‪ " :‬بأنه ا مق درة المتكلم على‬
‫الكفاي ة اللغوي ة بمص طلح الكفاي ة التواص لية‪ ،‬حيث َ‬
‫إنتاج منطوقات مناسبة ألنماط المواقف االتصالية المختلفة‪ ،‬ال إنتاج جمل نحوية"‪.2‬‬

‫يتَضح من التفريق بين كل من الكفاية اللغوية و الكفاية التواصلية أن الكفاية اللغوية‬


‫ال تكفي وح دها للقي ام بعملي ة التواص ل ب ل يجب أن ت دعم بالكفاي ة التواص لية‪ ،‬ألن‬
‫"القوانين اللغوية تصف ما يستطيع أن يفعله المرسل والمرسل إليه في لغة معينة‪ ،‬أما‬
‫معين‬ ‫‪3‬‬
‫قوانين التواصل فإنها تصف ما يستحسن فعله ‪ ،‬فكل كفاية من الكفايتين لها دور َ‬
‫أم ا الثاني ة فتح َدد كيفي ة االس تخدام‬
‫تؤدي ه‪ ،‬األولى‪ :‬تخص كيفي ة اس تخدام قواع د معين ة‪َ ،‬‬

‫‪ -1‬محمد محمد يونس علي‪ ،‬المعنى وظالل المعنى‪ ،‬أنظمة الداللة في العربية‪ ،‬دار المدار اإلسالمي‪ ،‬ط‪،2007 ،2‬‬
‫ص‪.148‬‬
‫‪ -2‬محمد العبد‪ ،‬النص والخطاب واالتصال‪ ،‬األكاديمية الحديثة لكتب الجامعية ط‪ 1‬القاهرة – ‪ .2005‬ص‪.49‬‬
‫‪ -3‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪18‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫الس ليم للخطاب ات الناتج ة عن تط بيق تل ك القواع د‪ .‬ونع ني باالس تخدام وض ع الخطاب ات‬
‫َ‬
‫وأم ا الكفاي ة‬ ‫‪1‬‬
‫الس ياقات المناس بة‪ ،‬فهم ا إذن متكاملت ان من حيث المه ام َ‬
‫المختلف ة في َ‬
‫التداولي ة ال تي الب َد من توافره ا في مرس ل الخط اب فهي تت داخل م ع الكف اءة التواص لية‬
‫وهي تع ني الق درة على التحكم في المب ادئ العام ة للنش اط الخط ابي وال س يما قواع د‬
‫توجه إلى آفاق لسانية اجتماعية‬
‫تتضمن عند ما َ‬
‫َ‬ ‫المحادثة وإ ذا كانت الكفاءة التواصلية ‪-‬‬
‫‪-‬تش مل بالدرج ة األولى التحكم في أجن اس الخطاب ات الملموس ة‪ ،‬ف إن الكف اءة التداولي ة‬
‫تشمل مبادئ التَبادل اللَغوي العامة جدا والتي هي مشتركة بين أجناس مختلفة‪.2‬‬

‫‪ 1-2‬خصائص االستراتيجية‪:‬‬

‫من خص ائص االس تراتيجية َأنه ا خفي ة متف َردة‪ ،‬ال تص لح منه ا واح دة لمعرك تين‬
‫مختلفتين وهذا االختالف يشرع الحديث عن استراتيجيات مختلفة ويكسب النص األدبي‬
‫فرادته‪.3‬‬

‫أن االستراتيجيات راجعة‬


‫كما أنه يتراءى لنا بالنظر إلى مختلف تحديدات االستراتيجية َ‬
‫تحم ل على اختيار (عن وعي أو عن غير وعي) عدد من‬
‫إلى ذات (فردية أو جماعية) َ‬
‫العملي ات اللغوي ة‪ ،‬وأن ه ليس للح ديث عن االس تراتيجية من مع نى إالَ بالنس بة إلى إط ار‬
‫من اإلكراه ات س واء قواع د أو مع ايير أو مواض عات‪ ،‬وفي نظ ر "ش ارودو" ال يمكن‬
‫الس لوكات‬
‫اس تعمال مفه وم االس تراتيجية إالَ بالنس بة إلى إط ار تعاق دي يض من اس تقرار َ‬
‫إم ا في‬
‫إم ا م ع معطي ات العق د و َ‬
‫وقابليته ا للتوقَ ع بحيث يمكن للف رد أن يت دخل فيتعام ل َ‬
‫أن "ه ذه االس تراتيجيات تتط ور ح ول‬
‫ص لبها‪،‬وهك ذا ي ذهب "ش ارودو" إلى ح َد اإلق تراح َ‬
‫ثالثة رهانات ال يقصي بعضها البعض‪ ،‬ولكن يتميز مع ذلك بعضها عن بعض بطبيعة‬

‫‪ -1‬محمد محمد يونس علي‪ ،‬ص‪.149‬‬


‫‪ -2‬باتريك شارودو‪ ،‬دومينيك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ص‪.113-112‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬في بالغة الخطاب األدبي‪ ،‬بحث في سياسة القول‪ ،‬منتديات األزبكية‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪19‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫الرامي إلى تحقي ق س لطة الف رد ‪...‬ره ان المص داقية‬
‫غائيته ا‪ :‬ره ان تحقي ق المش روعية َ‬
‫الرامي إلى إدخال طرف‬
‫الص دق ورهان االستهواء َ‬
‫الرامي إلى تحديد موقع الفرد من َ‬
‫التبادل التواصلي في إطار تفكير الذات المتكلمة‪.1‬‬

‫تراتيجية مش روط بمب دأين متك املين هم ا‪ :‬ض بط المقاص د واختي ار‬
‫َ‬ ‫والح ديث عن االس‬
‫ومكوناته ا‬
‫َ‬ ‫إن من أهم خص ائص االس تراتيجية‬
‫الوس ائل المناس بة ‪ ،‬وب ذلك يمكن الق ول َ‬
‫ط ط ل ه بص فة مس تمرة وش عورية‪ ،‬فليس ت هي من عف و الكالم يس ير‬
‫َأنه ا‪ :‬خط اب مخ َ‬
‫إن ما يصلح منها لحالة قد‬ ‫ثم َ‬
‫بصاحبه على غير منهج‪ ،‬مستسلما لشجونه مفتنا بألوانه‪َ .‬‬
‫ال يص لح في غيره ا من الح االت‪ .‬وعلى ه ذا األس اس تتع دد االس تراتيجيات بتع َدد‬
‫متغي رة باس تمرار‪ .2‬وم ا بين ض بط المقاص د واختي ار‬
‫ظ روف انعق اد الخط اب‪ ،‬وهي َ‬
‫الوسائل مرحلة خفية قائمة على استباق ردود فعل المخاطب والتنبؤ بمختلف الحاالت‬
‫الممكن حدوثها‪ ،‬وهذا يستوجب معرفة دقيقة بمقام الخطاب ومختلف األبعاد المؤثَرة في‬
‫العملية الخطابية‪.3‬‬

‫‪ -1-3‬عناصر االستراتيجية‪:‬‬

‫إن عناص ر االس تراتيجية في مج ال األدب ‪ :‬هي اللغ ة أص واتا ومع اجم وت راكيب‬
‫َ‬
‫مصممة‬
‫َ‬ ‫وصورا مع فارق جوهري هو انتظام جميع العناصر اللسانية في إطار خطة‬
‫مدروس ة خالي ة من االعتباطي ة والعفوي ة‪ ،‬قائم ة على تفاع ل جمي ع تل ك العناص ر‬
‫والمكون ات لتحقي ق الغاي ة وإ دراك المقص د المرس وم س لفا‪ ،‬وعلى ه ذا األس اس يمكنن ا‬
‫القول أن لك َل نص خصوصياته ومميزاته من سائر النصوص وإ ن كانت مادة التأليف‬
‫إن الظاهرة اللَغوية والبالغية تصدر من الكاتب الواحد يختلف معناها ووقعها‬
‫واحدة بل َ‬
‫‪ -1‬باتريك شارودو‪ ،‬دومينيك منغنو‪ ،‬معجم تحليل الخطاب‪ ،‬ص‪.534 – 533‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬الوصايا األدبية‪ ،‬ص‪.335‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪،‬ص‪.336‬‬
‫‪20‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫على النفوس باختالف مقامها وسياقها‪ ،‬فليس وورودها في ال َشعر مثل ورودها في النثر‬
‫وال مجيئها أول النص كمجيئها في نهايته‪. 1‬‬

‫متى اعتبر المتكلم جميع هذه العناصر واختار األساليب التعبيرية المناسبة‪ ،‬أمكنه إدراك‬
‫الس ابق‪ ،‬ويتواضع‬
‫وي َلين ذو القلب َ‬
‫م ا ع َده العرب من األمور عص يا‪ :‬أن يفهم الجاه ل‪ُ ،‬‬
‫ويؤي د المع ارض‪ ،‬والخط اب ‪-‬م تى ك ان على ه ذه الص فة‪ -‬يمكن ه أن يس تميل‬
‫المتجب ر‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫القلوب و به تدرك الغايات ‪.‬‬

‫النصوص و اختالفها من حيث أنواع االستراتيجيات المعتمدة فيها‬


‫تمي ز َ‬
‫أن َ‬‫وال شك َ‬
‫وكيفي ة تص ريفها العناص ر اللغوي ة‪ ،‬ولكن ذل ك ال يع ني انفالت العق د المنهجي وغي اب‬
‫تصور عام يسمح بتحليل األثر الحاسم الذي ينجزه القول في كل مناسبة من مناسباته‪،‬‬
‫وال تج دينا في ه ذا المق ام مص َنفات الص ور في البالغ ة القديم ة مثلم ا ال تس عفنا س ائر‬
‫الحجج ال واردة في الخطاب ورتَبته ا ألن المسألة موص ولة باس تعمال اللغة‪ ،‬مهما يجهد‬
‫إن اإلس تراتيجية تت َأبى على التعقي د‬
‫الب احث الفك ر في تقص ي طرائقه ا وأس اليبها ف َ‬
‫والتصنيف‪.2‬‬

‫‪ -1-4‬أنواع االستراتيجيات‪:‬‬

‫تصريحية واستراتيجية تلميحية وهما‬


‫َ‬ ‫االستراتيجيات في الخطاب نوعان‪ :‬استراتيجية‬
‫متفاوتتان شيوعا وأهمية‪.‬‬

‫والنفوذ‬
‫"الس لطة" ويتكلَم من مواقع القوة َ‬
‫ففي االستراتيجية التَصريحية يكتسب المخاطب َ‬
‫الص ريح والمباشر‪ ،‬وبانفتاحه ينحو‬
‫فيصدر األوامر والنواهي وينفتح أمامه باب التَعبير َ‬
‫الخطاب منحى تعليميا وتوجيهيا وتتواتر فيها أساليب األمر والنهي والتحذير واإلغراء‬

‫‪ -1‬عبد اهلل البهلول ‪ ،‬الوصايا األدبية ‪ ،‬ص‪.334‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.335‬‬
‫‪21‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫مؤك دة دور الس لطة االجتماعي ة في منح ف رد أو مجموع ة من أفراده ا نف وذا تجلي ه‬
‫األدوات اللغوي ة‪ ،‬ويب دو المخ اطب آم را‪ ،‬ويب دو المخ اطب ملزم ا ‪ -‬بحكم المؤسس ة‬
‫االجتماعية والقيمية ‪ -‬باالمتثال له وتنفيذ أوامره‪ .‬ولهذه االستراتيجية دوافعها‪ ،‬إذ توجد‬
‫س ياقات ال تناسبها الخطابات المرنة التي تمنح األولوية لمبدأ التهذيب وعوامل التخلق‬
‫بل تستدعي عالقة سلطوية متفاوتة من التباين الشديد حتى التقارب الملموس‪. 1‬‬

‫أم ا االس تراتيجية التلميحي ة فتب دو أك ثر تعقي دا‪ ،‬من حيث طرائ ق األداء ‪ ،‬وفي ه ذا‬
‫َ‬
‫الس ياق يجم ع أغلب الب احثين في التداولي ة على أن المتكلَم يلج أ في ح االت كث يرة إلى‬
‫َ‬
‫الض مني و يتوس ل طرائ ق إيحائي ة وتلميحي ة أك ثر مم ا يتوس ل طريق ة‬
‫أس اليب التَعب ير َ‬
‫يتم بما تسميه "أوركيوني"‬
‫لعل قانون الخطاب وأصله وجوهره أن َ‬
‫الصريح‪ ،‬بل َ‬ ‫التعبير َ‬
‫مب دأ الموارب ة واإللت واء‪ le principe de l'indirection :‬وهي تع ني ب ذلك‪ :‬اجتن اب‬
‫طلب‪ ،‬وال رأي نفس ه أش ار إلي ه "س يرل " حين نفى أن يك ون‬
‫المباش ر والتَص ريح ب ال َ‬
‫أخص خصائص‬
‫َ‬ ‫أن التَضمين من‬
‫وقرر َ‬
‫التَضمين مجرد ظاهرة عرضية في الخطاب‪َ ،‬‬
‫بأن التَصريح هو األقل تواترا ‪ ( ،‬إذ من النادر‬
‫أقر َ‬
‫اللَغة وأصل من أصولها‪ ،‬بل َإن ه َ‬
‫فكأن التَضمين يصبح أصال في االستعمال ليصبح‬
‫مثال أن يحتاج المتكلم إلى التَصريح‪َ ،‬‬
‫التص ريح فرع ا ل ه‪ ،‬وه ذه الظ اهرة ال تكمن قيمته ا في ذاته ا ب ل م ا يتول د عنه ا من‬
‫ظ واهر أخ رى و في م ا يت وفر بفض لها من إمكان ات في التعب ير لم تكن لتت وفر ل ه من‬
‫النص‬
‫الض مني أن يسم المعنى في َ‬
‫األفعال المباشرة ) ‪ ،‬ومن شأن اختيار مسلك التعبير َ‬
‫بالتعدد ويجعل المتكلَم يبلَغ مخاطبه أكثر مما يقوله‪.‬‬
‫َ‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.335‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫الض مني مع نى مخصوص ا‪َ ،‬إن ه إض مار ق ول يقتض يه الخط اب‬
‫ويكتس ب مص طلح َ‬
‫الدوافع واألسباب‪ ،‬ففي حاالت عديدة يعمد المخاطب إلى‬
‫متعدد َ‬
‫إضمارا واعيا مقصودا َ‬
‫طلب بوص فهما مك وني الوح دة الحجاجي ة‪ ،‬وه و‪ -‬إذ يكتفي‬
‫الحج ة أو ال َ‬
‫االقتص ار على َ‬
‫بالس ؤال عن الحجج ال تي تش َرعه ‪ -‬وه و إذ ي ذكر الحجج في‬
‫ب الطلب ‪ -‬يث ير ال َذهن َ‬
‫دبر‬
‫ملف وظ إخب اري‪ -‬يبعث على التَس اؤل عن مقص ده من " اإلخب ار " و ي دعو إلى ت َ‬
‫يلمح إليه وينطوي عليه‪ ،‬والقول في هذا‬
‫القول وتجاوز ظاهر ما يخبر به إلى حقيقة ما َ‬
‫ظفا لغرض اإلفادة ‪ ،‬وهو‬
‫المقام مزدوج القيمة والوظيفة‪ ،‬يبدو في الظاهر إخباريا مو َ‬
‫في حقيق ة مقص ده ت أثيري يه دف إلى نق ل المخ اطب من وض ع تفك يري َأول إلى وض ع‬
‫تفك يري ث ان‪ ،1‬وبين الوض ع المنتق ل عن ه والمنتق ل إلي ه أو المرغ وب في ه وس ائل لغوي ة‬
‫وبالغية وجملة من الطرائق واآلليات‪ .‬فما هي أهم وسائل تأدية المعاني الضمنية ؟ من‬
‫الس ياق أن نم يز بين ن وعين من المع اني الض منية أولهم ا ه و المع نى‬
‫األكي د في ه ذا َ‬
‫دس في ب اطن الملف وظ ويحتمي بظالل ه‪ ،‬ويك ون‬
‫االقتض ائي ‪ le présupposé‬ال ذي ين َ‬
‫يحم ل ص احبه مس ؤولية‬
‫من دمجا في اللغ ة ال يقب ل اإلنك ار أو ال رفض أو المناقش ة وال َ‬
‫أن المع اني الض منية الموج ودة في الخط اب هي مع ان س ياقية‬ ‫‪2‬‬
‫التلف ظ به وه ذا يع ني َ‬
‫المتقبل وقدراته العقلية واالستداللية‪.‬‬
‫َ‬ ‫مقامية مرتبطة بكفاءة‬

‫ويمكن اإلش ارة إلى أهم المس َوغات ال تي ت رجح اس تعمال المرس ل لالس تراتيجية‬
‫التلميحية وهي كما يلي‪:‬‬
‫َ‬

‫‪ -1‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬الوصايا األدبية‪ ،‬ص‪.346‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.349‬‬
‫‪23‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪-‬التأدب في الخطاب‪ ،‬وهو من أهم األسباب إذ يستعملها المرسل مراعاة لما تقتضيه‬
‫‪َ 1‬‬
‫بعض األبع اد مث ل البع د الش رعي وم ا يملي ه من ض رورة اط راح ف احش الق ول‪ ،‬والبع د‬
‫االجتم اعي بض رورة اح ترام أذواق اآلخ رين‪ ،‬والبع د ال ذاتي وه و ص يانة ال ذات عن‬
‫"يعد من أبرز الدوافع الستعمال‬
‫فالتأدب حسب ما يؤكد "سيرل" َ‬
‫َ‬ ‫التلفَظ بما يسيء إليها ‪،‬‬
‫طلب"‪.‬‬
‫االستراتيجية غير المباشرة في ال َ‬

‫‪ -2‬إعالء المرس ل لذات ه على حس اب اآلخ رين وإ ض فاء التف َوق عليه ا ب ذكر عي وبهم‬
‫واالنتق اص من أق دارهم مث ل ق ول المرس ل ‪ :‬فالن ال يفق ه في أم ور الحي اة ش يئا‪ ،‬إذ‬
‫يستلزم َأنه هو الذي يفقه‪.‬‬

‫‪ -3‬رغب ة المرس ل أحيان ا في التملَص والته َرب من مس ؤولية الخط اب يق ول "ب راون‬
‫وليفنسون" ( وذلك بجعل الخطاب يحمل أكثر من تأويله)‪.‬‬

‫‪ -4‬استجابة للخوف ‪ ،‬لذلك يستعمل المرسل هذه االستراتيجية لئال يتخذ المرسل إليه‬
‫خطابه دليال عليه‪.‬‬

‫‪ -5‬العدول عن محاولة إكراه المرسل إليه أو إحراجه إلنجاز فعل قد يكون غير راغب‬
‫في إنجازه‪.‬‬

‫‪ -6‬االستغناء عن إنتاج عدد من الخطابات واالكتفاء بإنتاج خطاب واحد ليؤدي معنيين‬
‫هما المعنى الحرفي و المعنى المستلزم في اآلن نفسه‪.1‬‬

‫‪ -1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص ‪.373 – 371‬‬


‫‪24‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬

‫‪ -2‬اللَغة والسياسة‪:‬‬

‫إن الظاهرة اإلدراكية مالزمة للكالم التداولي في كثير من لحظات استعمال اإلنسان‬
‫َ‬
‫خصيص ة من خص ائص ش عرية اللَغ ة ‪،‬‬
‫ألن ه َ‬
‫للَغ ة‪ ،‬وهي مالزم ة أك ثر للكالم األدبي ‪َ ،‬‬
‫ط راد الحيرة هو‬
‫التردد وا َ‬
‫َ‬ ‫ترسخ حتى غدا قناعة حميمة على طول‬
‫لكن الذي بدا لنا ثم َ‬
‫يجس م هذا البعد اإلدراكي بين أبعاد الظاهرة اللَغوية ‪ً -‬أي ا كان نمط اللَسان‬
‫أن خير ما َ‬
‫ال ذي تتش خص ب ه ‪َ -‬إنم ا ه و الق ول السياس ي ففي األغلبي ة الغالب ة من األحي ان عن د م ا‬
‫نك ون حي ال الق ول السياس ي وال س يما في لحظ ة مباش رته األولى أو في لحظ ة إنش ائه‬
‫واإلصداح به نبحث عن المعنى فنكتشف أنه ال يوجد في البناء النحوي للكالم‪ ،‬وال في‬
‫الس ياق التركي بي بين الجم ل الس ابقة والجم ل‬
‫دالل ة األلف اظ المعجمي ة‪ ،‬وال يوج د في َ‬
‫ولكن ه‬
‫الرواب ط العالق ة بين المتكلَم َ‬
‫الالحق ة وال ه و موج ود في المق ام الت داولي باعتب ار َ‬
‫يوجد خارج الحدث اللَغوي التَواصلي تماما‪ ،‬وسنقول ‪ -‬بشكل مبدئي وعام‪َ -‬إن ه يوجد‬
‫مبثوث ا بين شاش ة األح داث الجاري ة وخزان ة الوق ائع الماض ية فه و م زروع على أرض‬
‫السياسية المتحركة‪َ ،‬إن ه يثوي بين حقيقة تاريخية مضت وحقيقة تاريخية تريد‬
‫الذاَكرة َ‬
‫أن تنشأ‪.1‬‬

‫السياس ة واللَغ ة قرين ان متالزم ان حيثم ا رأيت الواح د ب دا ل ك‬


‫أن َ‬‫وال ب َد أن نش ير إلى َ‬
‫السياسة إال‬
‫اآلخر‪ ،‬فإن لم يكتشف لك بوجهه فاعلم أنه وراء قرينة‪ ،‬وليس من قول في َ‬
‫ألن المش تغلين ال ينش دون أش عارا وهم يسوس ون‪ ،‬وال يطمح ون إلى‬
‫خلف ه فع ل سياس ي َ‬
‫صنع الجمال وهم يحكمون‪ ،‬وما من فعل سياسي إالَ وهو ينتج بالضرورة خطابا‪ ،‬فإما‬

‫‪ -1‬عبد السالم المسدي‪ ،‬اللغة والسياسة‪ ،‬مجلة ثقافات‪ ،‬العدد‪ ،2008 ،‬ص‪.169‬‬
‫‪25‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫خطاب الحاكم فهو ساعتئذ امتداح وزهو وتبرير‪ ،‬وإ ما هو خطاب المحكوم فهو تظلَم‬
‫وارتياد إلى األفضل‪.‬‬

‫والوقوف على الجسر الواصل بين الفعل السياسي والقول اللَغوي الذي انبثق منه قد‬
‫يمثَ ل لحظة ممتعة لكل من يستهويهم سرد األخبار أو يغريهم إنعاش ذاكرة األحداث ‪،‬‬
‫ولكن ه سيمثل لحظة فنية لمن يستدرجهم كشف األسباب التي تقبع خلف الوقائع التاريخية‬
‫َ‬
‫غيبته نشرات األخبار‪.1‬‬
‫ولمن يسعدهم إماطة اللَثام عما سكتت عنه وكاالت األنباء أو َ‬

‫السياس ة يكفين ا أن نق ف عن د الكالم‬


‫بع د لحظ ة ال وعي األولى بس لطة اللَغ ة في مج ال َ‬
‫السياق كل عبارة‬
‫السياسي على َأنه نص يحكي صدى من المعاني‪ ،‬ويكفينا أن نستل من َ‬
‫َ‬
‫طاها تعاقب األحداث‪.2‬‬
‫صنعت دهشتنا في برهة ثم غمرها سبيل األخبار وغ َ‬

‫فأم ا اللَغ ة فاإلنس ان‬


‫والسياس ة هي الس لطة ب ذاتها ول ذاتها َ‬
‫إن اللَغ ة س لطة في ذاته ا َ‬
‫َ‬
‫السياسة‬
‫وكثيرا ماال يكون واعيا بسلطتها وال بخطرها‪ ،‬وأم ا َ‬
‫ً‬ ‫يفعل بها الفعل على الناس‬
‫فأص حابها ال يتص ورون أنفس هم إال وهم يفعل ون األفع ال بالن اس على الن اس وبعض هم‬
‫يم ارس اللغ ة وه و واع بقوته ا إذ تش د أزر س لطته‪ ،‬فالسياس ة هي الس لطة الحاض رة‬
‫واللغة هي السلطة الغائبة‪ 3‬وهذا يعني أن الخطاب سلطة‪.‬‬

‫وقد طرح "ميشال فوكو" نظرة متميزة للخطاب السياسي حين ربطه بالسلطة‪ ،‬وإ ذا‬
‫كان هناك ارتباط وثيق بين السلطة والخطاب‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك "فوكو" فإن ذلك ليس‬

‫‪ -1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.170‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه ص‪.172‬‬
‫‪26‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫مج رد تخطي ط‪ ،‬وتنظيم من قب ل الس لطة فحس ب‪ ،‬وإ نم ا عالق ة تجم ع بين اللغ ة وأنم اط‬
‫الهيئة االجتماعية ككل‪.1‬‬

‫فالسياسة لغة و اللغة سياسة ألن اللفظ عند استخدامنا إياه فيها يتحول من مجرد دال‬
‫يحيل على مدلول إلى موقف ومن ورائه اختيار كامل مرتسم على شاشة األحداث‪ ،‬وقد‬
‫يكون في استعمال الكلمة أو العبارة ما يتجاوز حدود الواقعة التي نروم اإلفصاح عنها‬
‫ويصبح حامال ألعباء التاريخ مختزال صراعاته الطويلة في اختيار كلمة واحدة من بين‬
‫كلم ات عدي دة أخ رى ك ان يمكن أن ت أتي ب دلها‪ ،‬فج َل م ا بين اللغ ة والسياس ة إحي اء‬
‫وتلميح‪ ،‬وكم من مف ردة خ رجت من ق اموس اللغ ة ودخلت ق اموس السياس ة فتب دلت‬
‫مالمحه ا وغنمت من طاق ات الدالل ة وزن ا لم يكن له ا من قبل‪ 2‬م ع ه ذا ال ب د أن نش ير‬
‫أيض ا إلى أن ه ك ان دائم ا ينظ ر إلى أم ر اللغ ة على أنه ا أداة تلقائي ة ولم يتط رق إليه ا‬
‫البحث ب التعمق المطل وب ال ذي ي واكب دوره ا المرك زي والتعقي دات المص احبة لألداء‬
‫اللغ وي في الس ياق ه ذه التف اعالت الدولي ة أو االجتماعي ة‪ ،‬وه ذا يمث ل فج وة بحثي ة على‬
‫خريط ة أبح اث ك ل من العل وم السياس ية وعلم العالق ات الدولي ة‪ ،‬حيث ال توج د س وى‬
‫أعم ال قليل ة ج ًدا من قب ل علم اء السياس ة ال تي تن اولت أم ر عالق ة اللغ ة بالممارس ة‬
‫السياسية ومن أمثلة هذه األعمال كتاب "مايكل شابيرو" اللغة والفهم السياسي" و"إيدلمان"‬
‫في مجموع ة كتب ه السياس ية ‪ ،‬من أح دث أعمال ه في ه ذه الص دد‪" ،‬العالق ة بين اللغ ة‬
‫والسياسة الحقيقية"‪.‬‬

‫‪ - 1‬سلوى الشرفي‪ ،‬تحليل الخطاب الرسائل السياسية في وسائل اإلعالم‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ -2‬عبد السالم المسدي‪ ،‬اللغة و السياسة ص‪.171‬‬
‫‪27‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫ويق َر "وينش تاين" ‪ weinstien‬في كتاب ه "لغ ة المواطن ة والتبع ات السياس ية الختي ارات‬
‫اللغة" بأهمية أن ينتبه الباحثون في علم اللغويات إلى دراسات اللغة في السياق السياسي‬
‫‪(:‬إن المناقش ات ال دائرة ح ول نظ ام المعلوم ات ال دولي تع الج الرس ائل دون أن‬
‫فيق ول َ‬
‫تتعمق في الوسيلة الناقلة لهذه المعلومات وهي اللغة)‪.1‬‬

‫‪ -3‬مفهوم الخطاب السياسي‪:‬‬

‫إن الخطاب السياسي مدونة خطابية مكونة من بيانات معقدة تشكلها الداللة اللغوية‪،‬‬
‫ظ ف مقوالته السياسية ويتأسس كخطاب‪ ،‬والخطاب السياسي له‬
‫فهو نتاج اللغة وبها يو َ‬
‫مميزات ه وبيانات ه ال تي تم يزه كخط اب ملف وظ م ركب من الجم ل موج ه عن قص د إلى‬
‫المتلقي بقص د الت أثير في ه وإ قناع ه بمض مون الخط اب عن طري ق آلي ات منه ا‪ :‬الش رح‪،‬‬
‫التحلي ل‪ ،‬واإلث ارة ‪ ،‬ويتض من ه ذا المض مون أفك ارا سياس ية أو يك ون موض وع ه ذا‬
‫الخط اب سياس يا‪ ،‬ويه دف السياس ي الق ائم بتلف ظ الملف وظ السياس ي الى تغي ير النف وس‬
‫والعقول واألفكار والواقع مما يجعله في حالة لها صفات وسمات وهيئة معينة‪.2‬‬

‫وتنقسم عناصر الخطاب السياسي إلى ثالثة عناصر أساسية وهي‪ :‬مرسل الخطاب‪،‬‬
‫الخط اب السياس ي ومتلقي ه أم ا بالنس بة للمتح دث‪-‬المرس ل‪ -‬فه و الفاع ل السياس ي ال ذي‬
‫يق وم بإلق اء خطب ة سياس ية أو إج راء ح وار سياس ي أو إج راء تص ريحات سياس ية يق وم‬
‫فيه ا بتوص يل رس الة واض حة إلى ه دف أو مجموع ة أه داف بعينه ا حيث يق وم فيه ا‬

‫‪ -1‬حسين محمد وجيه‪ ،‬مقدمة في علم التفاوض االجتماعي والسياسي‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬ط أكتوبر ‪ ،1994‬ص ‪– 56‬‬
‫‪.57‬‬
‫‪ -2‬أحمد بن راسك بن سعيد‪ ،‬قوة الوصف‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪ ،1‬مجلد ‪ ،2003 ،132‬ص‬
‫‪28‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫المتحدث بتحديد محاور الحديث والرسالة وقد يتشاور في ذلك من أجل رسالة واضحة‬
‫ومركزة‪.‬‬

‫كما أن الخطاب يختلف من فرد إلى آخر حسب المواقف والمواقع سواء داخل السلطة‬
‫أو خارجه ا مم ا ي دل على أن فاع ل الخط اب ُمهيك ل الثقاف ة وال وعي حيث أن شخص يته‬
‫وطبيعته و ثقافته عامال أساسيا في الخطاب السياسي‪ ،‬وإ ذا كانت صفات وهيئات الفاع ل‬
‫السياس ي ال تع َد وال تحص ى ف إن ذل ك راج ع إلى الخط اب السياس ي مرتب ط بالمتح دث‬
‫الذي يسعى إلى إبراز خطاب يكشف مقومات واضحة و نفعية كقانون الفعل السياسي‪.1‬‬

‫‪-4‬الممارسة السياسية‪:‬‬

‫إن الخط اب إنج از في الزم ان والمك ان‪ ،‬وقيام ه يقتض ي وج ود ش روط من أهمه ا‬
‫‪2‬‬
‫المخاطب‪ ،‬والخطاب‪ ،‬وكيان الخطاب وما يتكون منه من أصوات وتراكيب ودالالت‪.‬‬
‫يبقى الخط اب السياس ي أح د التمظه رات الخطابي ة باعتب ار َأن ه ممارس ة للسياس ة وه و‬
‫يتح دد في ق انون الفع ل السياس ي المرس ل من فاع ل إلى منفع ل ‪ ،‬حيث أن الخط اب‬
‫السياس ي يتج اوز تل ك العالق ة بين الح اكم وش عبه إلى ممارس ة سياس ية تتعل ق بمس ألة‬
‫الهوي ات والدبلوماس يات وقض ايا في النف ط واالقتص اد والتربي ة والتعليم ‪...‬إن ه الفع ل‬
‫ظم فيه كل الممارسات الخطابية األخرى‪ ،‬فالخطاب السياسي كممارسة‬
‫المهجن الذي تن َ‬
‫من الممكن أن يح َول ال دين إلى عقي دة سياس ية والسياس ة إلى عقي دة ديني ة فه و ي ؤمن‬
‫بقانون فعل القوة والتمويه واللعب بالكلمات‪.3‬‬

‫‪ -1‬موقع الجزيرة نت‪ ،‬اللغة كوسيلة للسلطة‪.3/10/2004 ،‬‬


‫‪ -2‬الزواوي بغورة‪ ،‬مفهوم الخطاب في فلسفة فوكو‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة في مصر‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -3‬م وريس أبوناص ر‪ ،‬لغ ة الخط اب السياس ي بين اإلي ديولوجيا والحقيق ة‪ ،‬الحي اة‪ 23 ،‬ف براير ‪ 26 ،1998‬أكت وبر‬
‫‪1418‬ه‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪29‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ -5‬وظائف الخطاب السياسي‪:‬‬

‫توجد أربع وظائف في أدبيات تحليل الخطاب السياسي‪ ،‬يسعى الخطاب السياسي إلى‬
‫تحقيقها ليست مقصورة عليه لكنها تتجلى فيه بشكل الفت وهي‪:1‬‬

‫والتمرد ‪ :‬وذل ك من خالل ف رض الق وانين واألحك ام والعقوب ات والتنظيم ات‪،‬‬


‫َ‬ ‫‪ -1‬القم ع‬
‫وشن الحروب‪ ،‬والتهديد وفرض األوامر والتعليمات وما إليها‪.‬‬
‫َ‬

‫الش رعية أو تجري د اآلخ رين (األع داء والخص وم) منه ا‪ :‬وذل ك من خالل‬
‫‪ -2‬إض فاء َ‬
‫تجميل الذات وتقبيح اآلخر‪ ،‬ومن خالل َادعاء االنحياز إلى جانب الحق والخير والعدل‬
‫في مواجهة من ينحازون إلى الباطل والشر والظلم عن طريق االستشهاد برجال الدين‬
‫والرم وز التاريخي ة وإ ض فاء العقالني ة من خالل األرق ام واإلحص ائيات وس رد القص ص‬
‫حقيقية كانت أم مزيفة ‪.‬‬

‫‪ -3‬المقاومة والمواجهة إزاء الخطاب السائد المهيمن‪ ،‬خصوصا إذا كان خطابا شموليا‬
‫ال يراعي إنسانية البشر وال يعدل بينهم‪.‬‬

‫‪ -4‬التض ليل‪ :‬من خالل إخف اء بعض التفاص يل أو الحق ائق لحس اب تفاص يل وحق ائق‬
‫أخرى‪ ،‬أو التركيز على بعض جوانب الواقع دون غيرها تحقيقا لما سبق من غايات‪.‬‬

‫والخطاب السياسي يمكنه تحقيق غاياته ‪ -‬التي سبق ذكرها ‪ -‬من خالل اللغة‪ ،‬ومن‬
‫آليات ذلك على سبيل التمثيل ال الحصر‪:2‬‬
‫‪1‬‬
‫بهاء الدين محمد مزيد‪ ،‬تبسيط التداولية ‪ ،‬ص ‪- 122-121‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬بهاء الدين محمد مزيد‪ ،‬تبسيط التداولية‪ ،‬ص‪- 123‬‬
‫‪30‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ -1‬االستعارة‪ :‬لتجسيد فكرة معينة وتقريب مفهومها للمخاطب‪.‬‬

‫‪ -2‬التشبيه‪ :‬ال يبدو أن للتشبيه نفس التأثيرات السياسية والبالغية التي لالستعارة‪ ،‬ألن‬
‫أداة التشبيه تلفت النظر وتستفز السؤال عن حقيقة العالقة بين طرفي التشبيه‪.‬‬

‫‪ -3‬االف تراض المس بق‪ :‬من ذل ك س ؤال "ب وش" في خطاب ه عقب الح ادي عش ر من‬
‫س بتمبر الش هير‪" :‬لم اذا يكرهونن ا" وه و الق ول ال ذي يف ترض مس بقا ص حة االعتق اد ب أن‬
‫العرب والمسلمين يكرهون الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪ -4‬التجمي ل‪ :‬من ذل ك التعب ير عن االحتالل ب التحرير والقتلى بالخس ائر في األرواح‬


‫وعن األخطاء الغبية بالنيران الصديقة ‪...‬‬

‫‪-5‬التقبيح‪ :‬وتمثله الشتائم بكل أنواعها‪.‬‬

‫‪-6‬خصائص الخطاب السياسي‪:‬‬

‫لخص "بول تشيلتون" خصائص هذا النوع من الخطاب ‪-‬أي الخطاب السياسي‪ -‬بعد‬
‫َ‬
‫تحليله لعدة نصوص سياسية فيمايلي‪:1‬‬

‫‪-‬يعتمد الخطاب السياسي على اإلشارة إلى الزمان والمكان والمكانة والعالقة والسياق‪.‬‬

‫‪ -‬يق وم الخط اب السياس ي على التفاع ل ال ذي تتب دى من خالل ه الح دود ال تي تفص ل‬
‫والرواب ط ال تي تجم ع و تفص ل األن ا عن اآلخ ر وتجمعه ا ومن يحالفه ا أو يش بهها أو‬
‫ينتمي إليه ا‪ ,‬وتتب دى من خالل ه ك ذلك المكان ة السياس ية واالجتماعي ة و االقتص ادية‬
‫واألدوار التي يلعبها كل طرف في التفاعل أو حوله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪- 128‬‬
‫‪31‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ -‬يش تمل التفاع ل على ن وع من التف اوض والت داول‪ ،‬ت داول الواق ع ومراجع ة فرض ياته‬
‫المهمة ومحاولة فرض ما نفترض (أو نسلم به) على اآلخرين‪.‬‬

‫يدبر المنافسون‬
‫‪ -‬يشتمل الخطاب السياسي على توقع ما يفكر فيه اآلخرون والتنبؤ بما َ‬
‫ثم تفنيده او إضعافه أو تشويهه وتقبيحه‪.‬‬
‫وما يؤمن به األعداء و من َ‬

‫‪ -‬يرتك ز الخط اب السياس ي إجم اال على تص نيفات ثنائي ة متعارض ة‪ ،‬وربم ا متص ارعة‬
‫بين الح ق والباط ل‪ ،‬بين الخ ير والش ر‪ ،‬بين الع دل والظلم ‪،‬ع ادة م ا يك ون ص احب‬
‫‪.‬‬
‫الخطاب في المعسكر األول أعداؤه في "محور الشر"‬

‫أن‬
‫‪ -‬يش تمل الخط اب السياس ي على ق در واف ر من التفك ير االس تعاري‪ ،‬على مع نى َ‬
‫للالس تعارة وظيف ة مهم ة في ص ياغة التص ورات وتجس يد المف اهيم واألطروح ات‬
‫السياسية‪.‬‬

‫‪ -‬هناك ارتباط بين الخطاب السياسي وبعض المشاعر اإلنسانية الغريزية كحب الوطن‬
‫والغيرة على الدين والحفاظ على الحرمات ‪.‬‬

‫ويضيف" دومينيك منغنو" ‪ mangneau Dominique‬بعض الخصائص أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬الخط اب السياس ي يتس م بكون ه ذا بني ة نظري ة على درج ة من التماس ك وهي بني ة‬
‫مستمدة من إيديولوجيا معينة هي اإليديولوجيا التي يتبناها النظام السياسي القائم‪.‬‬

‫‪ -‬القص د من الخط اب السياس ي ه و التوجي ه لمن تم ارس علي ه الس لطة ‪ ،‬لتس ويغ‬
‫األخطاء واإلخفاقات إن وقعت‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ -‬يصدر الخط اب السياسي عن السلطة السياسية‪،‬الحزبية أو الحكومية‪ ،‬إلى جهة أدنى‬
‫هي الشعب عامة‪ ،‬لذلك تكون لغة السياسة آمرة كما تميل إلى التذكير بالواجبات حتى‬
‫‪1.‬‬
‫وإ ن حاولت إخفاء ذلك‬

‫‪-7‬السياق والتواصل السياسي ‪:‬‬

‫‪ 7-1‬السياق ودوره في تحديد المعنى‪:‬‬

‫اهتم محلل و الخط اب بجمي ع الج وانب المتعلق ة بإنش اء خط اب والس ياق واح د من‬
‫العناصر األساسية المساهمة في تكوينه وكذا في فهم وتأويل المقصد الذي يحويه إذ تعد‬
‫نظري ة الس ياق منهج ا لدراس ة المع نى لم ا تم يزت ب ه من اهتم ام بالعناص ر اللغوي ة‬
‫واالجتماعية‪.2‬‬

‫و ارتبطت فكرة السياق بالعالم األنثروبولوجي (مالينوسكي) الذي اعتبر أن التواصل‬


‫والتعبير عن األفكار ليس الوظيفة الوحيدة للغة بل لها وظائف عدة باعتبارها نوعا من‬
‫السلوك‪. 3‬‬

‫من بع د "ماليونس كي"ج اء "روج ر ف اولر" ليص نف الس ياق إلى س ياق الجمل ة (الس ياق‬
‫اللغوي) وسياق الموقف وسياق الثقافة وهو تصنيف ينتقل من الضيق إلى السعة‪.4‬‬

‫‪ -11‬سلوى الشرفي ‪ ،‬تحليل الخطاب ‪ ،‬ص‪65‬‬


‫‪ -22‬بشير إبرير‪ ،‬في تعليمية الخطاب العلمي‪ ،‬مجلة التواصل‪ ،‬جامعة باجي مختار‪ ،‬عنابة‪ ،‬العدد ‪8‬جوان ‪،2001‬‬
‫ص‪.77‬‬
‫‪ -3‬محمود السعران‪ ،‬علم اللغة‪ ،/‬مقدمة للقارئ العربي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1962 ،‬ص‪.338‬‬
‫‪ -4‬محمد بهاء الدين مزيد‪ ،‬تبسيط التداولية‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪33‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫وله ذا ذهب ك ل من "ب راون" و "ي ول" إلى أن محلَ ل الخط اب ينبغي أن يأخ ذ بعين‬
‫االعتب ار الس ياق ال ذي ورد في ه مقط ع م ا من الخط اب‪ 1‬فكي ف يتم تحدي د الس ياق ؟‬
‫وما دوره في عملية فهم الخطاب ؟‬

‫إن س ياق عنص ر م ا "س" ه و مب دئيا ك ل م ا يحي ط به ذا العنص ر وعن دما تك ون "س"‬
‫وكم متغ يرين (ص وت‪ ،‬ص رف‪ ،‬كلم ة‪ ،‬جمل ة) ف إن محي ط "س"‬
‫وح دة لغوي ة من طبيع ة َ‬
‫يك ون في اآلن نفسه من طبيعة لغوية (المحيط اللغوي) وغير لغوية (السياق المقامي‪،‬‬
‫إم ا إلى المحي ط اللغ وي‬
‫االجتم اعي والثق افي)‪ ،‬ويس تعمل لف ظ "س ياق " لإلحال ة خاص ة َ‬
‫للوح دة أوما يس ميه آخ رون الس ياق المق الي "‪ ,"cotxte‬وإ َم ا إلى مقام التخاطب‪ .‬وس واء‬
‫أك ان لغوي ا أم غ ير لغ وي فالس ياق يمكن تص وره بطريق ة ض َيقة (الس ياق المباش ر) أو‬
‫واسعة (السياق الموسع) مع العلم أن هذا المحور درجات‪ ،‬ففي ما يتعلق بالسياق غير‬
‫اللغ وي ينتمي إلى الس ياق الض يق أو األص غر مثال‪ :‬اإلط ار الزم اني والمك اني والمق ام‬
‫االجتم اعي والمحلي ال ذي ينخ رط في ه التب ادل التواص لي والمش اركون في ه ذا التب ادل‬
‫(ع ددهم‪ ،‬أدوارهم وك ذلك العالق ة القائم ة بينهم‪ ،‬ون وع ه ذا النش اط المع ني) وينتمي إلى‬
‫الس ياق الواس ع أو األك بر جمل ة عناص ر الس ياق المؤسس اتي‪ ،‬يق ول ك ل من‪ :‬دوران تي‬
‫وغ ودوين " الس ياق يق ولب اللغ ة واللغ ة تق ولب الس ياق ‪ ...‬وليس الس ياق مج رد إك راه‬
‫مسلط على اللغة لكنه أيضا نتيجة الستعمالها‪.2‬‬

‫حدد "فان دايك" مفهوم السياق انطالقا من تحديده لمهام التداولية التي تقوم بصياغة‬
‫ش روط نج اح انج از عب ارة‪ ،‬وك ذا كيفي ة تراب ط ش روط نج اح عب ارة كفع ل انج ازي‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أنها تقوم بوضع األفعال في موقف معين تتحدد في أي موقف تكون فيه‬
‫العب ارات ناجح ة ‪ ،‬واس تعمل "ف ان داي ك" الس ياق كمص طلح تق ني يق وم بوص ف مج رد‬

‫‪ -1‬ج‪ .‬براون‪ ،‬ج بول‪ ،‬تحليل‪ ،‬تر‪ :‬محمد لطفي الزليكي‪ ،‬منير التركي‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ، 1418 ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ -2‬باتريك شارودو ‪ ،‬دومينيك منغنو‪ ،‬معجم تحلبل الخطاب‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪34‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫لموقف فعل كالمي‪ ،‬فهو يرى السياق الوسيلة المثلى لتحديد مواقف األفعال الكالمية و‬
‫كذا وصفها وصفا دقيقا‪.1‬‬

‫أم ا "دل ه ايمز" فك انت لمقوالت ه عن الكف اءة التواص لية ال تي تتج اوز مج رد الكف اءة‬
‫َ‬
‫النحوية والصرفية والصوتية وفهم المفردات المجردة إلى فهم الموقف والسياق تأثيرها‬
‫الب الغ في تط ور التداولي ة اللغوي ة‪ ،‬فمن أطروحات ه المهم ة كالم ه عن الس ياق وعوامل ه‬
‫ومتغيراته وفيما يلي بيان وتوضيح ذلك‪:2‬‬

‫‪ -1‬المكان والزمان‪ :‬ما يقال في البيت ربما ال يجوز أن يق ال في المس جد أو الجامعة‬


‫وما يمكن أن نقبله في توقيت بعينه ربما ال نقبله في غيره‪.‬‬

‫‪ _2‬المشاركون‪ :‬من يتحدث إلى من‪ ،‬وفي حضور من‪ ،‬وما العالقة التي تربط أطراف‬
‫الحوار أو الخطاب‪.‬‬

‫‪ _3‬الغاي ات واأله داف‪ :‬لم اذا نتكلم أو نتح اور أو نكتب ؟ ربم ا بغ رض اإلقن اع أو‬
‫اإلخبار أو اإليهام أو الترغيب أو الترهيب أو التحذير أو النصح أو التهذيب وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ _4‬تتابع وحدات الخطاب ‪/‬النص و ترابطها‪ :‬كل خطاب يقع بين خطابين سابق والحق‬
‫ويرتبط بهما فقد يعقب االعتذار القبول أو اإلعراض و يعقب التهنئة الشكر‪.‬‬

‫‪-5‬الحال ة النفس ي و نغم ة الح وار‪ /‬النص‪ :‬يتج اوز مفه وم النغم ة في ه ذا الس ياق مج رد‬
‫الحزن و الكآبة أو البهجة إلى غير ذلك من سخرية أو تهكم أو جدية أو وقار‪.‬‬

‫‪ -1‬فان دايك‪ ،‬النص والسياق‪ ،‬استقصاء البحث في الخطاب الداللي التداولي‪ ،‬تر‪ :‬عبد القادر قنيني‪ ،‬افريقيا الشرق‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ص‪.258‬‬
‫‪ -2‬محمد بهاء الدين‪ ،‬تبسيط التداولية‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪35‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ -6‬آلي ات تحقي ق الغاي ات البالغي ة والخطابي ة ووس ائلها وأدواته ا من مف ردات مخت ارة‬
‫بعناي ة وت راكيب مالئم ة وص ور وتع ابير‪ ،‬وتوظي ف ألص ناف (ص نوف) االتص ال غ ير‬
‫اللفظي ال حص ر له ا يمكن أن يس تخدم المتكلم أو الك اتب من أدوات لتحقي ق غايات ه‬
‫البالغية والتواصلية‪.‬‬

‫‪ _7‬القواعد التي تحكم إنتاج النص‪/‬الخطاب و تلقيه من قواعد لغوية خطابية تنسجم مع‬
‫جنس الخط اب وغاياته‪ ،‬والقواعد اإلجتماعية ال تي تنظم اس تخدام اللغة وإ نتاج الخط اب‬
‫عموما‪.‬‬

‫‪ 2 -7‬السياق في الدرس اللغوي العربي‪:‬‬

‫تتض ح مالمح الس ياق عن د الع رب من خالل ثالث بيئ ات مهم ة بدراس ة النص وص‬
‫اللغوية وهذه البيئات هي‪ :‬بيئة المفسرين ‪ ،‬البالغين واألصوليين ‪ ،‬أما أصحاب البيئة‬
‫‪1‬‬
‫المفس ر‬
‫َ‬ ‫األولى فتجلت أهمي ة الس ياق عن دهم في وض عهم لش روط يجب ان تت وفر في‬
‫وهي أن يكون على قدر من المعرفة بمستويات التحليل (الصوتي‪ ،‬الصرفي ‪،‬التركيبي‬
‫‪2‬‬
‫و المعجمي)‪.‬‬

‫أما البيئة الثانية وهي بيئة البالغيين فنجدهم تحدثوا عن السياق تحت اسم المقام وهو‪:‬‬
‫"مجموعة العناصر التي تتوافر في موقف تخاطبي معين وأهمها زمان التخاطب ومكانه‬

‫‪ - 1‬طاهر سلمان حمودة‪ ،‬دراسة المعنى عند األصوليين‪،‬الدار الجامعية اإلسكندرية‪،‬ص‪.213‬‬


‫‪ -2‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن ‪ ،‬ص‪. 229‬‬
‫‪36‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫وعالقة المتكلم بالمخاطب وخاصة الوضع التواصلي القائم بينهما أي مجموعة المعارف‬
‫التي تشكل مخزون كل منهما أثناء عملية التخاطب‪.1‬‬

‫وربط البالغيون المقام بالمقال فقالوا‪ ":‬لكل مقام مقال " ‪ ،‬وصورة المقال تختلف في‬
‫نظر البالغيين بحسب المقام‪ ،2‬وقد تنبه البالغيون إلى دور العناصر المقامية في المقال‬
‫وتحدي د خصائص ه‪ ،‬ومن ض من المص طلحات ال تي أعطيت للمق ام عن د البالغ يين‬
‫مصطلحي (مقتضى الحال) و(قرائن األحوال)‪.‬‬

‫أوضح الدكتور "تمام حسان "المقصود بالقرائن بقوله" إن السياق كالطريق ال بد له‬
‫من مع الم توض حه والش ك أن مب اني التقس يم وم ا تب دو في ه من ص يغ ص رفية وص ور‬
‫شكلية وكذلك مباني التصريف مع ما تبدو به من لواصق مختلفة تقدم قرائن مفيدة جدا‬
‫في توض يح منحني ات ه ذا الطري ق ولكن الس ياق رغم وض وح الص يغ واللواص ق يظ ل‬
‫بحاج ة إلى الكث ير من الق رائن األخ رى ال تي تتض ح به ا العالق ات العض وية في الس ياق‬
‫وتش مل مب اني التقس يم العناص ر التالي ة‪ :‬االس م والص فة‬ ‫بين الكلم ات"‪.3‬‬
‫والفعل والضمير والظرف واألداة ‪ ،‬في حين تشمل مباني التصريف صور التعبير عن‬
‫مع اني الش خص ‪ ،‬الع دد‪ ،‬الن وع والتع يين‪ ،‬وق د قس م الق رائن إلى ثالث ة أن واع‪ :‬ق رائن‬
‫عقلية‪ ،‬قرائن مادية وقرائن التعليق وأوضحها بالمخطط التالي‪:‬‬

‫القرائن‪:4‬‬

‫‪ -1‬أحم د المتوك ل‪ ،‬المنحى ال وظيفي في الفك ر اللغ وي الع ربي‪ ،‬األص ول واالمت داد‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هـ‪2006/‬م‪ ،‬دار‬
‫األمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪ -2‬تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ ،‬ط‪ ،1979 ،2‬ص‪.337‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫‪ -4‬تمام حسان ‪،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫‪37‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫قرائن التعليق‬ ‫قرائن عقلية‬ ‫قرائن مادية‬

‫حالية‬ ‫مقالية‬ ‫منطقية‬ ‫ذهنية‬

‫لفظية‬ ‫معنوية‬

‫وتتض افر ه ذه الق رائن إليض اح مع نى النص " ف القرائن كله ا مس ؤولة عن أمن اللبس‬
‫وعن وضوح المعنى وال يستعمل واحدة منها بمفردها‪ ،‬وإ نما تجتمع القرائن متضافرة‬
‫لتدل على المعنى وتنتجه"‪.1‬‬

‫وعن دور القرائن اللغوية نجد "ابن جني" يذهب إلى أن نقل المقال ال يكفي لفهم معناه‬
‫ويقص د بالمق ال م ا ي روى من أق وال طبيعي ة بم ا فيه ا األش عار كم ا قيلت من ط رف‬
‫أصحابها‪ ،‬بل على دراس الشعر أن يبحث في أحوال الرواة حال نقلهم للشعر وما أحاط‬
‫بهم من قرائن لفهم أقوالهم "إذ ليست كل حكاية تروى لنا وال كل خبر ينتقل إلينا يمكننا‬
‫أن نشرح به األحوال التابعة له المقترنة به‪.2‬‬

‫‪ -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.232‬‬


‫‪ -2‬ابن جني( أبو الفتح عثمان)‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تح‪ ،‬محمد علي النجار‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.246‬‬
‫‪38‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫المروي ة تحمل معها معلومات ولكنها غير كافية لتشكيل المعنى وما يتم عمل‬
‫َ‬ ‫األقوال‬
‫ه ذه المعلوم ات ه و م ا يحمل ه الس ياق من ق رائن تس اهم في الكش ف عن المع نى كم ا أن‬
‫الجم ل والملفوظ ات بلغ ة الت داوليين تحت اج إلى التم ام الس ياقي‪ ،‬أي أن تك ون الجمل ة أو‬
‫الملفوظ غير كاملة في حد ذاتها‪ ,‬لكنها كاملة إذا اخذ سياقها بعين االعتبار‪.1‬‬

‫وي برز "عب د الق اهر الجرج اني" دور الق رائن في معرف ة المج از من الكالم وذل ك في‬
‫شرحه لبيت ذي اإلصبع ‪:‬‬

‫والدهر يغدو مصمما جذعا‬ ‫أهلكنا الليل و النهار معا‬

‫" كان طريق الحكم عليه بالمجاز أن تعلم اعتقاد التوحيد إما بمعرفة أحوالهم السابقة أو‬
‫بأن تجد في كالمهم من بعد إطالق هذا النمو ما يكشف عن قصد المجاز فيه"‪.2‬‬

‫يتض ح من ه ذا أن ح ال المتكلم أثن اء التلف ظ بالخط اب من أهم العناص ر ال تي تس مح‬


‫وتبين نوعه ‪ ،‬هذا ويتضح اهتمام‬
‫للمستمع الكشف عن معنى الخطاب وكذا الحكم عليه َ‬
‫البالغ يين بالس ياق في دراس ة ت ركيب اللغ ة أو م ا س ماه"عب د الق اهر الجرج اني" ب النظم "‬
‫"واعلم أن ليس النظم ش يئا إال ت وخي مع اني النح و وأحكام ه وج وهره وفروق ه فيم ا بين‬
‫معاني الكلم‪."3‬‬

‫‪ -1‬ادريس مقبول‪ ،‬األسس األبستمولوجية والتداولية‪ ،‬ص‪.304‬‬


‫‪ -2‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬تح‪ :‬محمد الفاضلي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1999 ،2‬ص‪.286‬‬
‫‪ -3‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تح‪ :‬محمد الشجي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1999 ،3‬ص‪.382‬‬
‫‪39‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫وال ب د هن ا أن نش ير إلى الف رق بين الس ياق والمق ام حيث يعت بر ه ذا التفري ق من أهم‬
‫م اعرض ل ه الدارس ون إلزال ة اللبس ال ذي وق ع في ه الكث يرون باعتب ار أن لهم ا م دلوال‬
‫واحدا‪،‬‬

‫فها هو " جورج مونان " يميز بينهما في معجمه إذ يقول " وينبغي أن نميز بين السياق‬
‫الذي هو لساني عن المقام الذي هو الخبرة غير اللسانية ‪...‬في المقام نش ير إلى قلم على‬
‫الطاولة قائلين‪:‬‬

‫أعطني إياه ‪ ،‬ونكتب مقابل ذلك ‪ ،‬أعطني القلم الذي على الطاولة‪ ،‬رادين المقام الغائب‬
‫إلى السياق اللساني‪1‬فاستعمال عبارة " الذي على الطاولة " كفيل بأن يوضح لنا المقصود‬
‫وهو يغني عن استعمال اإلشارات‪.‬‬

‫والسياق إذا ذو مفهوم لساني‪ ،‬أما المقام فوضعي غير لساني ‪ ،‬و لذلك إذا قلنا‪ ،‬سياق‬
‫المق ام أو س ياق الموق ف االتص الي ف إن مدلول ه ال يختل ف عن م دلول الس ياق لس انيا ألن‬
‫في ذلك دمجا لما هو لساني بما هو غير لساني‪.2‬‬

‫أم ا البيئ ة الثالث ة ال تي اتض ح عن دها مفه وم الس ياق هي البيئ ة األص ولية‪ ،‬حيث ت برز‬
‫أهمي ة الس ياق في دراس ات األص وليين من خالل مجموع ة من القض ايا‪ ،‬من ض منها‬
‫تنبههم إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية نشأت وتكونت في أحضان المجتمع لتلبية حاجات‬
‫اإلنس ان وهي في تص ورهم "ألف اظ دال ة على مع ان ومن حيث هي ك ذلك يمكن اس تمداد‬
‫إم ا الحص ول على المع نى المطل ق ال ذي لم يقي د بقي د‬
‫المع اني من ألفاظه ا بطريق تين‪َ :‬‬
‫خارجي عن طريق األلفاظ والعبارات المطلقة وهنا تظهر الداللة األصلية للفظ ‪ ،‬وإ ما‬

‫‪Georges mounin: Dictionnaire de linguistique; quardige, PVF, édition 1974 -1‬‬


‫‪ -2‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬بيت الحكمة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.117 – 116‬‬
‫‪40‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫بالوص ول إلى المع نى عن طري ق األلف اظ والعب ارات المقي دة وهن ا تظه ر الدالل ة‬
‫التابعة"‪1‬وذلك من خالل الكشف عن المعنى باأللفاظ المكونة للخطاب وبه نحصل على‬
‫أما باللَجوء إلى ألفاظ أخرى مرتبطة‬ ‫المعنى الح رفي‪.‬‬
‫باأللف اظ األص لية للخط اب نحص ل على مع نى الت ابع أو المكم ل للمع نى الح رفي‬
‫فاألص وليين يهتم ون بمض مون الخط اب ال بش كله ومهمتهم هي اس تنباط األحك ام من‬
‫الخطاب عن طريق فهم القصد منه‪.2‬‬

‫ويتفق العرب المحدثون مع القدماء في أهمية السياق بالنسبة للخطاب إذ يرى "محمد‬
‫خطابي" أن ( الخطاب القابل للفهم والتأويل هو الخطاب الذي يوضع في سياقه ‪)....‬‬

‫إذ كث يرا م ا يك ون المتلقي أم ام خط اب بس يط للغاي ة من حيث لغت ه و لكن ه ق د يتض من‬


‫ق رائن (ض مائر ظ روف) تجعل ه غامض ا غ ير مفه وم إذا لم نحي ط بس ياقه ومن ثم ف إن‬
‫للس ياق دورا فع اال في تواص لية الخط اب وفي انس جامه أساسا‪ 3‬والخط اب دون س ياق‬
‫خطاب غامض الداللة‪.‬‬

‫وقد حدد طه عبد الرحمان عناصر السياق في ثالثة عناصر هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬العنصر الذاتي ويشمل معتقدات المتكلم مقاصده اهتماماته ورغباته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العنصر الموضوعي ويشمل كل الوقائع الخارجية (الظروف الزمانية والمكانية)‪.‬‬

‫ثالث ا‪ :‬العنص ر ال ذواتي‪ :‬ويش مل المعرف ة المش تركة بين المتخ اطبين أو م ا يس مى‬
‫باألرضية المشتركة‪.4‬‬

‫‪ -1‬السيد أحمد عبد الغفار‪ ،‬التصور اللغوي عند األصوليين‪ ،‬مكتبات عكاظ‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص‪.112‬‬
‫‪ -2‬السيد أحمد عبد الغفار ‪ ،‬التصور اللغوي عند المحدثين‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ -3‬محمد خطابي‪ ،‬لسانيات النص‪ ،‬مدخل إلى انسجام النص‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،1991‬ص‪.51‬‬
‫‪41‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬

‫‪ -8‬التواصل‪:‬‬

‫من المعل وم أن اإلنس ان واس ع اإلدراك ‪ ،‬وبس عة إدراك ه ك ثرت حاجات ه ك ثرة ال‬
‫يس تطيع االس تقالل به ا وح ده ‪ ،‬فاحت اج إلى التع اون م ع ب ني قوم ه ولكن ه ذا التع اون‬
‫يحت اج إلى واس طة للتواص ل ‪ ،‬فك انت الواس طة هي اللغ ة‪ ،‬فاللغ ة هي ال تي تح دث‬
‫التواصل وبالتواصل يعرف كل فرد ما عند اآلخر وبهذه المعرفة يتحقق التعاون بين‬
‫األفراد‪.‬‬

‫و يظن الكث ير أن التواص ل كعلم‪ ،‬لم يظه ر إال في العص ر الح ديث م ع كوكب ة من‬
‫علماء االتصال ‪ ،‬لينتقل بعدها إلى علم اللغة‪ ،‬الذي أقر بأنه الوظيفة األساسية للغة‪ ،‬بل‬
‫إن دراس ته عن د اإلنس ان قديم ة ج دا‪ ،‬ف إن أفالط ون (‪427/347‬ق‪.‬م) وأرس طو (‬
‫‪385/322‬ق‪.‬م) اعتبراه علما قائما بذاته‪ 1.‬كما ال يخفى علينا أن البالغة العربية بذلت‬
‫جه ودا جب ارة في دراس ة اللغ ة وهي ت ؤدي وظيفته ا األساس ية في المجتم ع عن طري ق‬
‫اللغ ة العادي ة أو اللغ ة األدبي ة الموجه ة إلى طبق ة معين ة ‪ ،‬وذل ك عن طري ق اعتن ائهم‬
‫بالبالغة وعلومها(البيان ‪ ،‬البديع ‪،‬المعاني) إذ يرون بأن معرفة اإلنسان بها تكفل صحة‬
‫العملي ة التواص لية‪ ،‬ال تي تع َرف نظري ا بأنه ا‪" :‬العملي ة ال تي تنتق ل بواس طتها المعلوم ات‬

‫‪ -4‬طه عبد الرحمان‪ ،‬البحث في اللساني والسيميائي‪ ،‬الدالالت والتداوليات‪( ،‬أشكال وحدود)‪ ،‬كلية اآلداب واللغات‬
‫والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م ‪1405 /‬هـ‪ ،‬ص‪.302‬‬
‫‪ -1‬بلقاسم حمام‪ ،‬آليات التواصل في الخطاب القرآني‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪،‬‬
‫باتنة‪ ،‬الجزائر‪ ،2003 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪42‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫والخبرات بين فرد وآخر أو بين مجموعة من الناس وفق نظام من الرموز‪ ،‬وخالل قناة‬
‫أو قنوات أو طرق تربط بين المصدر أو المرسل و فئة المتلقين"‪.1‬‬

‫ومع ذلك فلفظ التواصل "يظل على تداول األلسنة له ووروده في قطاعات معرفية‬
‫مختلف ة‪ ،‬لفظ ا يكتنف ه العم وم‪ ،‬واإلجم ال‪ ،‬إن لم يكتنف ه الغم وض واإلبه ام‪ ،‬ذل ك ل و أنن ا‬
‫أعملنا فكرنا في استعماالته المختلفة لوجدنا أنه يدل على معان ثالثة متمايزة فيما بينها‪:‬‬
‫أحدها نقل الخبر‪ ،‬ولنصطلح على تسمية هذا النقل ب ـ (الوصل) نظرا ألن هذا المصطلح‬
‫يفيد الجمع بين طرفين‪ ،‬والثاني‪ ،‬نقل الخبر مع اعتبار مصدر الخبر الذي هو المتكلم‪،‬‬
‫ولنطل ق على ه ذا الض رب من النق ل اس م (اإليص ال) والث الث نق ل الخ بر م ع اعتب ار‬
‫مصدر الخبر الذي هو المتكلم‪ ،‬واعتبار مقصده الذي هو المستمع معا ولندع هذا النوع‬
‫من النقل باسم (االتصال)‪ 2‬لكن ما تتفق عليه االصطالحات الثالثة (الوصل‪ ،‬اإليصال‪،‬‬
‫االتص ال) ه و قي ام عملي ة التواص ل على عناص ر أساس ية وهي (متكلم‪ ،‬س امع‪ ،‬رس الة‪،‬‬
‫قناة) وعليه فإن هذه العناصر هي التي تكفل لعملية التواصل النجاح‪ ،‬مع وجود عناص ر‬
‫‪3‬‬
‫أخرى محيطة بها‪.‬‬

‫ومن هن ا نخلص إلى تس اؤل وجي ه وه و‪ :‬كي ف ح دد الق دامى مفه وم التواص ل؟ وم ا‬
‫مفهومه عند المحدثين؟‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد محمد معتوق الحصيلة اللغوية‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬د ط‪ .2003 ،‬ص‪.71‬‬
‫‪ - 2‬طه عبد الرحمان‪ ،‬اللسان والميزان أو التكوثر العقلي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪ ،2000 ،2‬ص‪.254‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪- 245‬‬
‫‪43‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫‪ 8-1‬مفهوم التواصل في الدرس اللغوي العربي‪:‬‬

‫ركز العرب في تعريف اللغة والبالغة والبيان على خاصية التواصل "فابن جني"‬
‫يع رف اللغ ة بقول ه " أم ا ح دها فأص وات يع بر به ا ك ل ق وم عن أغراض هم " وه و به ذا‬
‫يكون قد أعطى للغة سمة الجماعية‪ ،‬وهي سمة من سمات التواصل‪ ،‬إذ ال تكون اللغة‬
‫ب‪.1‬‬
‫طْ‬‫وم َخا َ‬ ‫ٍِ‬
‫لغة إال إذا توفر فيها ُم َخاطب ُ‬

‫كم ا يظه ر مفه وم التواص ل في ال تراث الع ربي من خالل اإلبان ة عن المع اني‪ ،‬حيث‬
‫يقول "الجاحظ "‪ :‬والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى‪ ،‬وهتك الحجاب‬
‫دون الض مير ح تى يفض ي الس امع إلى حقيقت ه ‪ ....‬ألن م دار األم ر والغاي ة ال تي إليه ا‬
‫يجري القائل والسامع إنما هو الفهم واإلفهام"‪.‬‬

‫إن الجاح ظ بكالم ه عن البي ان ال ذي يقص د ب ه اإلبان ة يك ون ق د ح دد خمس ة عناصر‬


‫للعملي ة التواص لية وهي (المتكلم‪ ،‬الس امع‪ ،‬الرس الة‪ ،‬القن اة والش فرة) فالرس الة تص ل من‬
‫متكلم إلى س امع وغاي ة ك ل منهم ا الفهم واإلفه ام عن طري ق اللغ ة ‪ ،‬وأم ا‬
‫الوضع( الشفرة) فهو كشف قناع المعنى وهتك الحجاب‪.‬‬

‫ب ل إن الجاح ظ أخ رج التواص ل من دائرت ه الض يقة ال تي تعتم د على المنط وق فق ط‬


‫فجع ل جمي ع أص ناف ال دالالت على المع اني من لف ظ وغ ير لف ظ خمس ة أش ياء ال تنقص‬
‫وال تزيد أولها اللفظ ثم اإلشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال التي تسمى النصبة‪.2‬‬

‫‪ -1‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ -2‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪44‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫أما العرب المحدثون فيتفقون مع القدماء في أهمية السياق بالنسبة للخطاب ‪ ،‬إذ يرى‬
‫"محم د خط ابي" أن الخط اب القاب ل للفهم و التأوي ل ه و الخط اب ال ذي يوض ع في‬
‫‪1‬‬
‫سياقه ‪"...‬‬

‫إذ كث يرا م ا يك ون المتلقي أم ام خط اب بس يط للغاي ة من حيث لغت ه‪ ،‬ولكن ه ق د يتض من‬


‫قرائن (ظروف ‪ ،‬ضمائر ) تجعله غامضا غير مفهوم إذا لم نحط بسياقه‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫للسياق دورا فعاال في تواصلية الخطاب وفي انسجامه أساسا ألن الخطاب بدون سياق‬
‫‪2‬‬
‫غامض الداللة ‪.‬‬

‫‪ 8-2‬مفهوم التواصل في الدرس اللساني الغربي‪:‬‬

‫يع رف" ش ارل ك ولي" "التواص ل " ق ائال‪ :3‬التواص ل ه و اآللي ة ال ذي بواس طته توج د‬
‫العالقات اإلنسانية وتتطور‪ ،‬ويتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال‬
‫وتعزيزه ا في الزم ان‪ ،‬ويتض من أيض ا تع ابير الوج ه وهيئ ات الجس م والحرك ات ون برة‬
‫الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات وكل ما يشمله آخر ما تم في االكتشافات في‬
‫المكان والزمان‪.‬‬

‫يت بين لن ا من خالل ه ذا التعري ف أن التواص ل ه و ج وهر العالق ات اإلنس انية وتطوره ا‬
‫ومنه فالتواصل له وظيفتان‪:‬‬

‫أ‪ -‬وظيفة معرفية‪ :‬تتمثل في نقل الرموز الذهنية و تبليغها بوسائل لغوية أو غير لغوية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬محمد خطابي ‪،‬لسانيات النص ‪ ،‬ص‪- 50‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪51‬‬

‫‪3‬‬
‫أورتادو ألبير ‪ ،‬أمبارو ‪ ،‬الترجمة ونظرياتها ‪ ،‬ت‪ :‬المنوفي علي ابراهيم ‪ ،‬المركز القومي للترجمة ‪ ،‬القاهرة ‪1- ،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪49‬‬
‫‪45‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫ب‪ -‬وظيفة تأثيرية‪ :‬تقوم على العالقات اإلنسانية‪.‬‬

‫كما ترتكز الصورة المجردة للتواصل على ثالثة عوامل أساسية‪:‬‬

‫‪-1‬الموضوع وهو اإلعالم‪.‬‬

‫‪ -2‬اآللية التي تتمثل في السلوكات اللفظية وغير اللفظية‪.‬‬

‫‪ -3‬الغائية أي الهدف من التواصل و المقصود البارز‪.‬‬

‫أم ا اللغوي ون فق د وص فوا عملي ة التواص ل من خالل تع ريفهم للغ ة إذ وص فها"‬


‫دوسوسير"بين (أ) و(ب) وهما يتبادالن حديثهما فيما بينهما على النحو التالي‪:1‬‬

‫سمع‬ ‫نطق‬
‫ت‪ .‬تصور‬
‫ص‪.‬ت‬ ‫ص‪.‬ت‬
‫ص‪ .‬صورة سمعية‬
‫نطق‬ ‫سمع‬

‫من هن ا ن رى أن دوسوس ير ق د ح دد دورة تخاطبي ة بين ط رفي الخط اب‪،‬انطالق ا من‬


‫التص ور إلى الص ورة الس معية المنتقل ة من ص ورة كالمي ة بالنس بة للمتكلم إلى س مع‬
‫بالنسبة للسامع‪.‬‬

‫‪ -1‬سعيد بنكراد‪ ،‬استراتيجيات التواصل‪ ،‬ص‪.08‬‬


‫‪46‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫أما "مارتينيه" فيرى أن إحدى وظائف اللغة " التواصل " وهي الوسيلة الوحيدة التي‬
‫تس مح لمس تعمليها ال دخول في عالق ات م ع بعض هم البعض ‪ ،‬وهي ال تي تض من التف اهم‬
‫المتبادل ‪.‬‬

‫يب دو من خالل كالم "مارتيني ه" أن للغ ة ع دة وظ ائف ‪ ،‬لكن التواص ل ربم ا من أهم‬
‫وظائفها نظرا إلقامته عالقات متبادلة بين مستعملي اللغة ‪.‬‬

‫وقد قسم " جاكبسون "وظائف اللغة إلى ستة خانات و كل خانة تشير إلى وظيفة معينة‬
‫فاإلنفع ال مرتب ط ب المتكلم "الوظيف ة اإلنفعالي ة "‪ ،‬أم ا المتلقي فق د يك ون عرض ة للزج ر‬
‫واألمر والنهي والتوجيه " الوظيفة اإلفهامية "‪ ،‬أما الشعري فمثواه اإلرسالية " الوظيفة‬
‫الش عرية "‪ ،‬ويتح دد المرج ع من خالل اإلحال ة على الس ياق " الوظيف ة المرجعي ة "‪ ‬و‬
‫يرتب ط الس نن باللغ ة الواص فة( الميتالغوي ة) ‪ ،‬وق د ال تتج اوز الواقع ة اإلبالغي ة ح دود‬
‫الحفاظ على حالة من التواصل خالل التأكيد على أداة االتصال " الوظيفة اللغوية "‪.‬‬

‫وتلكم هي الوظ ائف ال تي أش ار إليه ا " جاكبس ون" من خالل ص ياغة نموذج ه‬
‫الشكل‪:2‬‬ ‫التواصلي‪:1‬‬

‫مرجعية‬
‫(السياق)‬

‫إفهامية–المتلقي‪-‬‬ ‫انفعالية–المتكلم‪-‬‬
‫شعرية– شعري ‪-‬‬

‫لغوية–أداة االتصال‪-‬‬

‫‪ -1‬عبد الجليل مرتاض‪ ،‬اللغة والتواصل‪ ،‬ص‪.80‬‬


‫‪ -2‬سعيد بنكراد‪ ،‬استراتيجيات التواصل‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪47‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫ميتالغوية– السنن‪-‬‬

‫‪ 8-3‬التواصل والتواصل السياسي‪:‬‬

‫تى التغ يرات ال تي عرفه ا‬


‫إن البحث في التواص ل وفي نظريت ه ح ديث تراف ق م ع ش َ‬
‫العالم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد عرف البحث في التواصل كذلك‬
‫قفزة نوعية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وذلك نتيجة التعاون العلمي‬
‫بين المهتمين بالرياضيات ومهندسي التواصل عبر المسافات‪ ،‬وإ ذا كان هذا التعاون قد‬
‫أثم ر من جه ة و أولى مس اهمات ذات أهمي ة في المج الين مع ا ‪ ،‬فق د أملى من جه ة‬
‫أخ رى النظ ر في جمي ع الخصوص يات النظري ة ال تي تتس م به ا مجم ل أنس اق اإلش ارات‬
‫والعالم ات المس تعملة ألغ راض تواص لية‪ ،‬وم ع تدش ين ه ذا المج ال المع رفي الح ديث‬
‫انكب منظ روا التواص ل على التواص ل اللس اني بمنظ ور جدي د س اهمت في إثرائ ه‬
‫مستجدات الفكر والنظر في حقل اللسانيات‪.‬‬
‫َ‬

‫ونشير إلى أن اللسانيات االجتماعية مثلت أحد الحقول المعرفية التي أولت اهتماما‬
‫بالغا وخاصا للخطاب والتواصل السياسيين‪ ،‬ويكفي هنا اإلشارة إلى "رومان جاكبسون"‬
‫الذي يعود إليه الفضل في إضافة مفهوم السياق إلى مخطط التواصل‪ ،‬وإ ذا كان األمر‬
‫كذلك في التواصل بصفة عامة فإن االنكباب على التواصل السياسي خصوصا لم يشهد‬
‫بدايته الفعلية إال في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لما عرفته هذه الفترة من أحداث‬
‫بارزة كان لها عظيم األثر على شتى المجاالت‪.1‬‬

‫لم يع رف االهتم ام بالتواص ل السياس ي تط وره الفعلي إال في الف ترة الممت دة من‬
‫‪1970‬إلى ‪ ،1990‬وسواء زمن النشأة أم في زمن التطور‪ ،‬فقد ارتبط وبكيفية جوهرية‬
‫تجداتها‪ ،‬وفي ه ذا الس ياق معل وم أن اللس انيات البنوي ة تحدي دا بلغت قم ة‬
‫باللس انيات ومس َ‬
‫‪.‬أورتادو ألبير‪،‬أمبارو‪،‬الترجمة ونظرياتها ‪،‬ص‪- 59‬‬
‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬
‫ازدهارها في الوسط الثقافي الغربي أواخر الستينيات وفي مستهل السبعينيات باعتبارها‬
‫فلس فة تعبيري ة ‪ ،‬حيث نتج عن ه ذا االزده ار‪ ،‬ورافق ه اهتم ام متزاي د بخط اب ش ديد‬
‫الخصوصية اختلف الناس حول تسميته بين الخطاب السياسي‪ ،‬التواصل السياسي‪ ،‬اللغة‬
‫السياس ية‪ ،‬الخط اب الص راعي ‪ ...‬ومهم ا تع ددت األس ماء يبقى المس مى واح دا‪ :‬ش كل‬
‫خاص من التواصل وممارس ة متميزة للغ ة تس تمد تميزها من شخصية المتكلم ( رئيس‬
‫دولة‪ ،‬الوزير‪ ،‬الوالي ‪ )......‬ومن السياق الذي تتم فيه ‪ ،‬ومن اللغة المستعملة والمعجم‬
‫‪1‬‬
‫وأمور أخرى‪.‬‬

‫ونضيف هنا أن ارتقاء الخطاب أو الخطاب السياسي تزامن مع ظهور مواضيع أخرى‬
‫تطول النص والبنية التي ارتقت بدورها إلى مرتبة التخصصات‪.‬‬

‫ويمكن أن نم يز داخ ل ه ذه الف ترة الزمني ة بين مرحل تين تمت د األولى من ‪-1970‬‬
‫‪ 1980‬واهتم فيه ا الب احثون ب إثراء إش كالية التواص ل السياس ي اس تنادا إلى اعتب ارات‬
‫لسانية وتاريخية‪ ،‬ولم يولوا اهتماما بالكلمات والحديث‪ ،‬بمعنى إنتاج الخطاب وما يميز‬
‫موضعه‪.‬‬

‫أما المرحلة الثانية (‪ )1990-1981‬فقد قدمت مجمل اهتماما بالبعد التداولي االجتماعي‬
‫للخط اب السياس ي على مختل ف المس تويات الحاض ر منه ا والمس تقبل من حيث‬
‫االس تراتيجيات والرهان ات‪.2‬و يج در بن ا اإلش ارة هن ا إلى أن اهتم ام المرحل ة األولى ال‬
‫يزال يدور حول تحليل التواصل السياسي‪ ،‬وفي سياق هذا االهتمام تتم مقاربة اشتغال‬
‫اللغة في السياسة انطالقا من رؤية الباحث للكلمات على أنها شاهده عل مرحلة ما ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪- 60‬‬
‫‪ -2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪49‬‬
‫استراتيجيات الخطاب‬ ‫الفصل األول‬
‫السياسي‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫استراتيجيات التداول في الخطاب‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬استراتيجيات التداول في الخطاب ‪.‬‬

‫‪-1‬االستراتيجية التوجيهية‪:‬‬

‫إنَ الخطاب الذي ترتسم فيه مالمح الاستراتيجية التوجيهية‪ ،‬يعد ضغطا وتدخال‪ ،‬ولو‬
‫ب درجات متفاوت ة‪،‬على المخ اطب وتوجيه ه لفع ل مس تقبلي معين‪ ،‬وتنقس م أص ناف‬
‫المخاطب‪ ،‬عند استعمال هذه الاستراتيجية إلى صنفين‪:‬‬

‫األول‪ :‬المخ اطب‪ ،‬المتخي ل‪ ،‬بمال ه من ص ورة نمطي ة معين ة في الس ياق‪ ،‬مم ا يؤك د ع دم‬
‫حضوره العيني عند إنتاج الخطاب‪ ،‬أما الثاني‪ :‬فهو المرسل إليه الحاضر لحظة التلفظ‬
‫بالخطاب فيكون معروفا عند المخاطب معرفة جيدة‪ ،‬ولهذا استبعد الدَارسون للخطاب‬
‫أن يك ون التوجي ه مج رد فع ل لغ وي ب ل تج اوز ذل ك باعتب اره إح دى أهم الوظ ائف ال تي‬
‫تؤديه ا اللغ ة وه ذا ك ان تص نيف "روم ان جاكبس ون"‪ ،‬إذ يسمي وظيف ة التوجي ه في اللغ ة‬
‫بالوظيفة اإليعازية أو الندائية‪.1‬‬

‫ويعتمد فعل التوجيه على النظام اللغوي في تحقيق األفعال الدالَ ة على التوجيه ‪،‬إال أن‬
‫هذا النظام غير كاف مما يستدعي وجود عناصر تعطي للفعل التوجيهي قوته اإلنجازية‬
‫وهي‪:‬‬

‫سلطة المرسل‪ :‬وهي بالنسبة للحجاج بن يوسف الثقفي مستمدة من كونه واليا‪.‬‬

‫وق د يع د الفع ل اإلنج ازي ‪-‬الت وجيهي‪ -‬من خالل نتيجت ه إلزام ا للمُخ اطَب ألن ه خاض ع‬
‫لس لطة المُخ اطِب (المرس ل) ألن األفع ال التوجيهي ة قائم ة على عالق ة س لطوية بين‬
‫اطب‪.2‬‬
‫خ َ‬‫اطب والمُ َ‬
‫خ ِ‬‫الم َ‬
‫ُ‬

‫‪ -1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.324‬‬


‫‪ -2‬حس ام أحم د قاس م‪ ،‬تح والت الطلب ومح ددات الدالل ة‪ ،‬م دخل إلى تحلي ل الخط اب النب وي الش ريف‪ ،‬دار اآلف اق‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1428‬م‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.56-55‬‬
‫‪50‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ 1-1‬مالمح الاستراتيجية التوجيهية في الدرس اللغوي العربي‪:‬‬

‫تتض ح مالمح الاس تراتيجية التوجيهي ة عن د الع رب في ال تراث النح وي والبالغي‬


‫واألصولي‪.‬‬

‫أم ا في التراث النحوي تجلَت مظاهر العبقرية عند بعض النح اة في أنهم لم يفهموا من‬
‫َ‬
‫اللغة أنها منظومة من القواعد المجرَدة فحسب‪ ،‬وإ نما فهموا منها أيضا أنها "لفظ معين"‪،‬‬
‫يؤدي ه "متكلم معين" ألداء "غ رض تواص لي معين" ول ذلك جعل وا من أه داف الدراس ة‬
‫النحوية إفادة المخاطب مع الخطاب وإ يصال رسالة ابالغية إليه فقد عرَف "السكاكي"‬
‫النح و بأن ه "معرف ة كيفي ة ال تركيب فيم ا بين الكلم لتأدي ة أص ل المع نى ‪....‬بمق اييس‬
‫مستنبطة من كالم العرب وبين أن من وضع الكلم في التركيب هو حصول الفائدة لدى‬
‫المخاطب"‪.1‬‬
‫َ‬

‫كما أن نحاتنا القدامى كانوا قد تقبلوا التقسيم المشهور للكالم بأنه إمَ ا خبر وإ مَ ا إنشاء‬
‫وصنفوا الجملة أسلوبيا إلى صنفين الجملة الخبرية والجملة اإلنشائية‪.2‬‬
‫َ‬

‫‪-‬أم ا البالغي ون الع رب فق د عرض وا مفهوم ا رائ دا للفع ل‪ ،‬حين م يزوا بين ك ون المتكلم‬
‫حاكيا أو واصفا للكالم‪ ،‬وعدَ (ابن سنان الخفاجي) "الكالم فعال ال يختلف عن الضرب‪،‬‬
‫التحريك ‪،‬اإلسكان‪....‬في وصف ما هو عليه في الواقع "ألن أهل اللغة متى علموا أو‬
‫متكلم"‪.3‬‬
‫اعتقدوا وقوع الكالم بحسب أحدنا وصفوه بأنه ِّ‬

‫‪ -1‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬ص‪.174‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه ص ‪.175‬‬
‫‪ -3‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪51‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫والفكرة نفسها لدى "ابن رشد" حيث يربط الكالم بالفعل يقول "الكالم ليس شيئا أكثر من‬
‫أن يفعل المتكلم فعال يدل به المخاطب علم العلم الذي في نفسه"‪.1‬‬

‫أم ا علم اء أص ول الفق ه‪ ،‬ك انوا ق د اهتم وا بالاس تراتيجية التوجيهي ة عن دما وض عوا‬
‫َ‬
‫ش روطا إلدراك األحكام الشرعية من الخطاب‪ ،‬واهتموا بدراسة األدوات التي تستعمل‬
‫للتوجيه كاألوامر والنواهي واعتبروها من أقسام الكالم وفي هذا الصدد يقول الغزالي‪:‬‬
‫وعد األم ر‪ :‬أن ه الق ول المقتض ي طاع ة‬
‫"إن األم ر والنهي قس م من أقس ام الكالم ‪َ "....‬‬
‫المأمور بفعل المأمور به‪ .‬والنهي هو القول المقتضي ترك الفعل"‪.2‬‬

‫‪ 1-2‬الاستراتيجية التوجيهية في الدراسات الغربية‪:‬‬

‫لقد اتَجه العلماء في دراسة اإلستراتيجية التوجيهية إلى اتجاهين‪:‬‬

‫االتج اه األول‪ :‬ويهتم بالدراس ات ال تي تؤك د على "مب دأ الت أدَب" ويمثَل ه ك ل من "ليتش"‬
‫و"روبين الكوف"‪ .‬وذلك في دراسة "ليتش" لمبادئ التداول‪ ،‬إذ يفترض في المخاطب أن‬
‫يراعي العالقة الودية بينه وبين المخاطب حيث وضع قاعدتين هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬قاعدة اللباقة‪ ،‬وصورتها‪ :‬أكثر ربح الغير‪.‬‬

‫ب‪ -‬قاعدة السخاء وصورتها‪ :‬قلل ربح الذات‪.‬‬

‫إال أن اختراق إحدى القاعدتين يؤدي إلى التوجَه لصنف التأدَب السَلبي‪ ،‬وبذلك يتضح‬
‫َ‬
‫أن لألفعال التوجيهية صلة عكسية بمبدأ اللباقة عند "ليتش"‪ ،‬ذلك أن المخاطب قد يتعمد‬

‫‪ -1‬ابن رشد‪ ،‬الكشف عن مناهج األدلة في عقائد الملَ ة‪ ،‬نقال عن عبد السالم المسدي‪ ،‬التفكير اللساني في الحضارة‬
‫العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ط‪ ،1986 ،2‬ص‪.287‬‬
‫‪ - 2‬الغزالي‪ :‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬نقال عن عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫‪52‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫خرق هذا المبدأ عند استعماله اإلستراتيجية التوجيهية في شكلها األكثر مباشرة للداللة‬
‫على قصده مثل استعمال األمر أو النهي الصريحين‪.1‬‬

‫وق د ك انت "ب انيت" هي من صنَفت الت أدَب اإليج ابي‪ positive politnesse :‬ال ذي‬
‫يتجه إلى تحقيق التماسك‪ ،‬والتأدب السلبي ‪ négative politnesse‬الذي يجعل أحدهم‬
‫يعتدي على اآلخر‪.‬‬

‫أما الإ تجاه الثاني‪ :‬فيظهر في الدراسات المعاصرة ألفعال الكالم و تصنيفاته‪ ،‬وأشهر‬
‫َ‬
‫ه ذه التص نيفات م ا قدم ه "أوس تين" في أفع ال الكالم‪ ،‬ثم الدراس ة ال تي ج اء به ا تلمي ذه‬
‫"جون سيرل " وهي عبارة عن نقد وإ عادة تصنيف لما جاء به "أوستين"‪.2‬‬

‫يق ول "أوس تين" في فع ل الكالم ‪" :‬إن فع ل التكلم بش يء م ا ب المعنى الواس ع له ذا‬
‫المركب إنَم ا أس ميه ب ل أمنح ه ه ذا اللقب وه و إنج از فع ل الكلام ‪ Act‬ومن ه ذا الس ياق‬
‫َ‬
‫ف إن دراس ة العب ارات المتلف ظ به ا هي في الحقيق ة‪ ،‬دراس ة الوح دات الش املة لعناص ر‬
‫التكلم اللغوي "‪.3‬‬

‫وق د أص بح مفه وم الفع ل الكالمي ‪ speech Act‬ن واة مركزي ة في الكث ير من األعم ال‬
‫التداولية‪ ،‬وفح واه أ َن ه ك ل ملف وظ ينهض على نظ ام ش كلي داللي إنج ازي ت أثيري‪،‬‬
‫وفض ال عن ذل ك يع د نش اطا مادي ا نحوي ا يتوس ل أفع اال قولي ة ‪Actes Locutoires‬‬

‫‪ -1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.333 – 332‬‬


‫‪ -2‬صالح اسماعيل عبد الحق‪ ،‬التحليل اللغوي عند مدرسة أوكسفورد‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1993‬ص‪.223‬‬
‫‪Austin (johnlangshow), Quand dire c'est faire, traduction francaise de: Gilles lane, -3‬‬
‫‪postface de: fronçais Récanti, paris, editions de seuil 1970, p107‬‬
‫‪53‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫لتحقي ق أغ راض إنجازية‪( Actes illocutoires‬الطلب واألم ر والوع د والوعي د ‪)...‬‬
‫تخص ردود فعل المتلقي‪.1‬‬
‫َ‬ ‫وغايات تأثيرية ‪Actes perlocutoires‬‬

‫وق د قسَم "أوس تين"في آخ ر مرحل ة من مراح ل بحث ه الفع ل الكالمي الكام ل إلى ثالث ة‬
‫"أفعال فرعية" على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬فع ل الق ول أو الفع ل اللغ وي ‪ :Acte locutoire‬وي راد ب ه إطالق األلف اظ في جم ل‬
‫مفي دة ذات بن اء نح وي س ليم وذات داللة‪ ، 2‬ففع ل الق ول يقاب ل التلف ظ باألص وات (فع ل‬
‫صوتي)‪.3‬‬

‫ب‪ -‬الفعل المتضمن في القول ‪ : Acte illocutoire‬وهو الفعل اإلنج ازي الحقيقي إذ‬
‫أنه "عمل ينجز بقول ما"‪ ،‬وهذا الص نف من األفعال الكالمية هو المقصود من النظرية‬
‫برمتها‪ ،‬ولذا اقترح "أوستين" تسمية الوظائف اللسانية الثاوية خلف هذه األفعال‪ :‬القوى‬
‫َ‬
‫اإلنجازي ة ومن أمثل ة ذل ك‪ :‬الس ؤال ‪ ،‬إجاب ة الس ؤال‪ ،‬وع د‪ ،‬أم ر‪ ،‬ش هادة ‪...‬ف الفرق بين‬
‫الفعل األول (أ) والفعل (ب) هو أن الثاني قيام بفعل ضمن قول شيء‪ ،‬في مقابل األول‬
‫الذي هو مجرد قول شيء‪.4‬‬

‫ج – الفعل الناتج عن القول ‪ : Acte perlocutoire‬وأخيرا يرى أوستين أنه مع القيام‬


‫بفعل القول‪ ،‬وما يصحبه من فعل متضمن في القول (القوة)‪ ،‬فقد يكون الفاعل (وهو هن ا‬

‫‪ -1‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬ص‪.40‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Austin, Quand dire c'est faire, p109.‬‬
‫‪DauminitiqueMaingueneau, pragmatique pour le dixourslittèraire, collection lettres, -3‬‬
‫‪.SUP, Dunod, paris France 1997, p06‬‬
‫‪ -4‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪54‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫الشخص المتكلَم ) قائما بفعل ثالث هو" التسبب في نشوء آثار في المشاعر والفكر ومن‬
‫‪1‬‬
‫أمثلة تلك اآلثار‪ :‬اإلقناع‪ ،‬التضليل‪ ،‬اإلرشاد ‪.....‬‬

‫ميز "أوستين" بين خمسة أنواع لألفعال الكالمية‪:2‬‬


‫واستنادا إلى مفهوم القوة اإلنجازية َ‬

‫‪-‬األفعال الحكمية (اإلقرارية) ‪ :verdictifs‬حكم‪،‬وعد‪،‬وصف‪....‬‬

‫‪-‬األفعال التمرَسية ‪ :exersitifs‬إصدار قرار لصالح أو ضد‪ ،‬أمر‪ ،‬طلب ‪....‬‬

‫‪-‬أفعال التكليف (الوعدية ) ‪ : comessifs‬تلزم المتكلم ‪ ،‬وعد‪ ،‬تمن ‪،‬التزام بعقد ‪..‬‬

‫‪ -‬األفع ال العرض ية (التعبيرية)‪ ، expositifs‬ع رض مف اهيم منفص لة (أك د‪ ،‬أنك ر‪،‬‬


‫أجاب‪ ،‬وهب)‪.‬‬

‫‪ -‬أفع ال الس لوكات (اإلخباري ات) ‪:comportementaux‬ردود أفع ال‪ ،‬تعب يرات اتج اه‬
‫السلوك‪ :‬أعتذر‪ ،‬هنأ‪ ،‬رحب ‪...‬‬

‫إن تأمَلنا لهذا التصنيف الذي جاء به "أوستين" في تحديد أنواع أفعال الكالم يفضي بنا‬
‫إلى مالحظة بعض التداخل‪ :‬فيما يحتوي كل صنف من أفعال فمثال "الفعل" "وعد" نجده‬
‫مصنفا في "األفعال الحكمية" ومصنَفا في "أفعال التكليف "كذلك‪ ،‬ولهذا أعاد "جون سيرل‬
‫َ‬
‫"التصنيف الذي جاء به "جون أوستين" باإلضافة إلى أنه أعاد تقسيم الفعل الكالمي إلى‬
‫أربعة أقسام هي‪:3‬‬

‫‪ -‬فعل التلفَظ (الصوتي والتركيبي)‪.‬‬

‫‪ -‬الفعل القضوي (اإلحالي والجملي) ‪.‬‬

‫‪ -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫‪ -2‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ -3‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪55‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -‬الفعل اإلنجازي (على نحو ما فعل أوستين) ‪.‬‬

‫‪ -‬الفعل التأثيري‪(:‬على نحو ما فعل أوستين)‪.‬‬

‫وأمَا الاقتراح الذي جاء به في تصنيف أفعال الكالم فكان كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬األخب ار ‪( :assersifs‬تبلَ غ خ برا‪ ،‬وهي تمثي ل للواق ع) وتس مى أيض ا التأكي دات‪،‬‬
‫األفعال الحكمية‪.‬‬

‫‪ -‬األوامر ‪( directifs‬تحمل المخاطب على فعل معين)‪.‬‬

‫‪ -‬اإللتزامية‪( commissifs‬أفعال التعهَد) وهي أفعال التكليف عند أوستين ‪،‬حين يلتزم‬
‫المتكلم بفعل شيء معين‪.‬‬

‫‪ -‬التصريحات ‪ :experssifs‬وهي األفعال التمرَسية عند أوستين وتعبَ ر عن حالة مع‬


‫شروط صدقها‪.‬‬

‫(اإلدالءات) تكون حين التلفظ ذاته‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪-‬اإلنجازيات ‪Déclarations‬‬

‫كما أنَ ه وضع اثني عشر مقياسا لنجاح الفعل اإلنجازي منها‪ :‬غاية الفعل توجيهه‪،‬‬
‫حالت ه الس يكولوجية ‪...‬وسمَاها ش روط النج اح‪ ،‬وهي تس تند كث يرا إلى ق وانين المحادث ة‬
‫"لغ رايس"‪ ،‬ووس َع مفه وم الفع ل اإلنج ازي ليتج اوز ارتباط ه ب المتكلم إلى الع رف‬
‫االجتم اعي اللغ وي‪ ،‬وجع ل للق وة اإلنجازي ة أدل ة عليه ا‪( :‬تق ديم‪ ،‬ت أخير‪ ،‬ن بر‪ ،‬تنغيم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫عالمات الترقيم‪)..‬‬

‫‪ 1-3‬مسوَغات استعمال االستراتيجية التوجيهية‪:‬‬

‫‪ -1‬خليفة بوجادي‪ ،‬في اللسانيات التداولية‪ ،‬ص ‪.100 – 99‬‬


‫‪56‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫هناك عدد من المسوغات التي ترجح استعمال الاستراتيجية التوجيهية‪.1‬‬

‫‪ -‬تهميش م ا ق د يحدث ه اس تعمال ه ذه الاس تراتيجية من أث ر ع اطفي س لبي على المرس ل‬


‫إلي ه (المخ اطب)‪ ،‬فيقص ى المخ اطب اعتب ار ه ذه الت أثيرات على نفس ية المرس ل إلي ه‬
‫متجاهال إيَاها‪.‬‬

‫‪ -‬تصحيح العالقة بين طرفي الخطاب غير المتكافئين في المرتبة وإ عادتها إلى سيرتها‬
‫األولى‪.‬‬

‫‪ -‬رغبة المخاطب في الاستعالء أو الإرتفاع بمنزلته الذاتية‪.‬‬

‫‪ -‬إص رار المخ اطب على تنفي ذ قص ده عن د إنج از الفع ل‪ ،‬والتأكي د أن ه ال يت وانى عن‬
‫تعقب خطابه والتمسك بمدلوله‪.‬‬

‫‪ -‬حص ول تح د واض ح للمرس ل أو لتعليمات ه‪ ،‬أو اإلس اءة إلي ه رغم س لطته‪ ،‬أو عن دما‬
‫يشعر بأن المرسل إليه قد يتجاوز حدوده في النقاش أو الحوار‪.‬‬

‫‪ -‬مناسبة السياق التفاعلي الستعمال الاستراتيجية التوجيهية بين الطبيب والمريض مثال‬
‫عندما ال يلتفت إلى كون المريض وزيرا‪ ،‬إذ ينصبَ على التبليغ والمتابعة‪.‬‬

‫‪ -‬عدم وجود التكرار في الاتصال بين طرفي الخطاب إذ تنحصر اللقاءات في اللقاءات‬
‫الرسمية التي يؤطرها جو العمل مثال‪.‬‬

‫‪ -2‬استراتيجية اإلقناع‪:‬‬

‫تعرفن ا فيم ا س بق على مفه وم الاس تراتيجية التوجيهي ة في الخط اب وعلى آلياته ا‬
‫ومس وغات اس تعمالها‪ ،‬لكن ال ب د أن ننتب ه إلى أن نوعي ة الخط اب هي ال تي تف رض‬

‫‪ -1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص‪.328‬‬


‫‪57‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫الاس تراتيجية ال تي تناس به‪ ،‬وال ش ك أن الخط اب السياس ي يع د من أك ثر أن واع الخط اب‬
‫تعطشا لهذه الاستراتيجية‪ ،‬لكن إذا شعر الرجل السياسي بضعف موقفه وقوبل بالرفض‬
‫من ط رف المخ اطب تص بح الاس تراتيجية التوجيهي ة غ ير كافي ة لتحقي ق أه داف خطاب ه‪،‬‬
‫وبالت الي س يلجأ إلى اس تراتيجية تحق ق ل ه هدف ه وهي اس تراتيجية اإلقن اع " فاله دف‬
‫الرئيس ي للرج ل السياس ي ه و إقن اع المخ اطب بأفك اره ومعتقدات ه وقوانين ه ونظام ه‪،‬‬
‫فتحقيق هدف اإلقناع هو "إحداث تغيير في الموقف الفكري والعاطفي"‪ 1‬لدى المخاطب‪.‬‬
‫ونظرا ألهميته البالغة في إحداث هذا التغيير سنحاول تحديد مدلوله‪.‬‬

‫‪ 2-1‬مفهوم اإلقناع‪:‬‬

‫يخض ع اإلقن اع للق وانين ال تي تحكم عملي ة اإلدراك والمعرفة‪ ،‬ل ذا ي رى "محم د عب د‬
‫الرحم ان عيس اوي" أن الف رد يمي ل إلى اإلقن اع لإليح اءات ال تي يعتق د أنه ا تص در من‬
‫األش خاص ذوي المكان ة االجتماعي ة البراقة‪ ،2‬أم ا محم د العم ري في كتاب ه" في بالغ ة‬
‫الخط اب اإلقن اعي" يح دد مفه وم اإلقن اع بقول ه‪" :‬اإلقن اع عملي ة خطابي ة يت وخى به ا‬
‫الخطيب تسخير المخاطب لفعل أو ترك بتوجيهه إلى اعتقاد قول يعتبره كل منهما (أو‬
‫يعتبره الخطيب)شرطا كافيا للفعل أو الترك"‪.3‬‬

‫وقد حدد مكونات العملية اإلقناعية بطرفي الخطاب وبفعلها في صوغ الحجة وإ بطالها‬
‫ووص ل إلى نتيج ة مؤداه ا ض رورة وج ود منهج للعملي ة اإلقناعي ة ب أن تص بح العملي ة‬
‫اإلقناعية "صنعة"‪ ،‬حالها في ذلك حال أي خطاب ينتجه المرسل في كفاءته التداولية‪.‬‬

‫‪ -‬ه نريش بليت‪ ،‬البالغ ة واألس لوبية‪ ،‬ت‪ :‬محم د العم ري‪ ،‬ص‪ ،64‬نقال عن عب د اله ادي بن ظ افر الش هري‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.445‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان عيسوي‪ ،‬دراسات في علم النفس االجتماعي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1974 ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫محمد العمري ‪ ،‬في بالغة الخطاب اإلقناعي ‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء ‪،‬ط ‪1406-1986‬ه‪،‬ص‪- 45‬‬
‫‪58‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫وهذا يعني أن اإلقناع عملية إيصال األفكار واالتجاهات والقيم والمعلومات إما إيحاء‬
‫أو تصريحا‪ ،‬عبر مراحل معينة‪ ،‬وفي ظل شروط موضوعية وذاتية مساعدة‪ ،‬وكل هذا‬
‫عن طريق اإليصال حسب "عبد الرحمان عيساوي" أما "محمد العمري" فقد عد عملية‬
‫اإلقناع عملية لسانية منطقية‪.‬‬

‫من جه ة أخ رى ال ب د من اإلش ارة إلى أن مفه وم اإلقن اع يرتب ط بمفه وم آخ ر وه و‬


‫"الت أثير" ويك اد ه ذان المفهوم ان أن يكون ا متالزمين ‪ ،‬فظ اهر لف ظ "الت أثير" يش ير إلى‬
‫عملية تبدأ من المصدر لتصل إلى المستقبل مع توفر إرادة ل ذلك في حين أن مصطلح‬
‫"التأثر" يشير إلى الحالة التي يؤول إليها المتلقي بعد التعرض لعملية اإلقناع واستقبال‬
‫الخطاب وتفاعله معه‪ ... 1‬فالتأثير إرادة وفعل لتغيير السلوك واالعتقادات واآلراء‪ ،‬أو‬
‫على األقل تعديلها أو ترسيخ قيم وأفكار جديدة‪ ،‬أما التأثر فهو النتيجة المحققة من وراء‬
‫‪2‬‬
‫عملي ة الت أثير و به ذا ن درك أن الت أثير م رادف "لإلقن اع "و الت أثر م رادف "لإلقتن اع"‬
‫ونس تنتج من ه ذا أن اإلقن اع يمث ل عملي ة تتقاس مها ع دة مراح ل ح تى يص ل إلى النتيج ة‬
‫المرجوة‪ ،‬وهي التأثير في سلوك الفرد‪ ،‬إما بتغي ير هذا السلوك أو بتعديله‪ ،‬أو بناء رأي‬
‫أو اتج اه جدي د ول ذلك نج د عملية االتص ال تتض من بعض المعلوم ات ال تي ت ؤدي‬
‫بالمستقبل إلى إعادة تقييم إدراكه لمحيطه أو النظر في حاجاته أو عالقاته االجتماعية أو‬
‫معتقداته أو اتجاهاته‪.3‬‬

‫‪2-2‬اإلقناع في الدرس اللغوي العربي ‪:‬‬

‫‪ -‬ع امر مص باح‪ ،‬اإلقن اع االجتم اعي خلفيت ه النظري ة‪ ،‬وآليات ه العلمي ة‪ ،‬دي وان المطبوع ات الجامعي ة‪ ،‬الجزائ ر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،2000‬ص‪.17‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬جيهان أحمد رشتي‪ ،‬األسس العلمية لنظريات اإلعالم‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،1975 ،‬ص‪.171‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪59‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫تجلت اس تراتيجية اإلقن اع في الثقاف ة العربي ة من خالل المن اظرات والج دل والس جال‬
‫َ‬
‫الذي كان يحدث بين الشعراء والخطباء في العصر الجاهلي‪.‬‬

‫أم ا بع د مجيء اإلس الم فق د تجلت أك ثر في الخط اب الق رآني من خالل اس تعمال‬
‫الخطاب الكثير من آليات الحجاج‪ ،‬ثم اقتضت الحاجة في مواصلة فتح البلدان‪ ،‬والدفاع‬
‫عن ال دين اإلس المي إلى اعتم اد الخطب والرس ائل ال تي تس تلزم توجي ه الن اس نح و‬
‫المراد‪ ،‬والتأثير فيهم ليقتنعوا بوجاهة القول أو جدوى العمل فاستعملها الخلفاء والقادة‬
‫واألعالم‪.1‬‬

‫أمَا في البالغة العربية فنجد الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" يحاول وضع نظريته‬
‫البالغية (الحجاج واإلقناع) وذلك بدفاعه عن الحوار وثقافته‪ ،‬ويكون مركز هذه البالغ ة‬
‫الخط اب اللغ وي وم ا يص احبه من وس ائل إش ارية ورمزي ة ودالالت لفظي ة وغ ير لفظية‬
‫وأساسها مراعاة أحوال المخاطبين‪.2‬‬

‫ألن "أوَل البالغ ة اجتم اع آل ة البالغ ة‪ ،‬وذل ك أن يك ون الخطيب راب ط الج أش‪ ،‬س اكن‬
‫الج وارح‪ ،‬قلي ل الح ظ‪ ،‬متخ ير اللف ظ‪ ،‬ال يكلم س يد األم ر بكالم األم ة وال المل وك بكالم‬
‫السوقة ‪.3"....‬‬

‫والمالح ظ في تعري ف الجاح ظ للبالغ ة اهتمام ه الواض ح بالخط اب الش فوي كم ا اهتم‬
‫بالغاية من الخطاب وهي "اإلقناع" و ذلك باتخاذ وسيلة اللغة‪.‬‬

‫‪ 2-3‬اإلقناع في الدرس اللساني الغربي ‪:‬‬

‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري استراتيجيات الخطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.447‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد سالم محمد األمين الطلبة‪ ،‬الحجاج في البالغة المعاصرة‪( ،‬بحث في بالغة النقد المعاصر)‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫‪2‬‬

‫الجديد‪ ،‬مج‪ ،1‬ج‪ ،1‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.211‬‬


‫‪ -‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ط‪ ،22‬ص‪.71‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫يع د كت اب "أرس طو" "الخطاب ة" من أب رز الكتب ال تي تح دثت عن اإلقن اع وآليات ه ‪،‬‬
‫وذلك ألنه ربط اإلقناع بالخطابة واعتبر أن وظيفة الخطابة هي اإلقناع‪ ،‬وهذا ما يؤكده‬
‫قول الفارابي "الخطابة صناعة قياسية غرضها اإلقناع‪.1‬‬

‫واإلقناع عند أرسطو يرتبط بالحجاج‪ ،‬وقد تناوله من زاويتين متقابلتين‪ :‬ينظر إليه من‬
‫الزاوية البالغية فيربطه بالجوانب المتعلقة باإلقناع‪ ،‬ومن الزاوية الجدلية اعتبره عملية‬
‫تفكير تتم في بنية حوارية وتنطلق من مقدمات لتصل إلى نتائج ترتبط بها بالضرورة‬
‫وتتكام ل هات ان النظرت ان في التحدي د ال ذي يقدم ه لمفه وم الخط اب‪ ،‬إذ بين ه انطالق ا من‬
‫أنواع الحضور والرغبة في اإلقناع‪.2‬‬

‫‪ 2-4‬وسائل اإلقناع‪:‬‬

‫يمكن التمييز بين وسائل اإلقناع في الخطاب اإلقناعي العربي وهي‪ :‬الوسائل المنطقية‬
‫– الداللي ة – والوس ائل اللغوي ة حيث تتض افر ه ذه الوس ائل فيم ا بينه ا إلنج اح الوظيف ة‬
‫اإلقناعية‪ ،‬ويضاف إلى هذه الوسائل أدوات أخرى غير لغوية‪ ،‬لها دورها – أيضا‪ -‬في‬
‫اإلقناع والتأثير‪ ،‬كالرمز ‪ ،‬اإلشارة و حركة الجسد‪.‬‬

‫‪ -5‬الحجاج ‪l’argumentation‬‬

‫يعت بر الحج اج اآللي ة األب رز ال تي يس تعمل المخ اطب فيها اللغة و تتجس د عبره ا‬
‫استراتيجية اإلقناع ولهذا ال بد أن نحدد داللته لغة واصطالحا‪:‬‬

‫‪ -‬هشام الريفي‪ ،‬الحجاج عند أرسطو ضمن كتاب (أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم)‬ ‫‪1‬‬

‫لفريق من البحث في البالغة والحجاج بإشراف حمادي صمود‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪ ،‬تونس ‪ ،1998‬ص‪.04‬‬
‫‪ -‬محم د النظري ة الحجاجي ة من خالل الدراس ات البالغي ة والمنطقي ة واللس انية‪ ،‬دار الثقاف ة‪ ،‬ال دار البيض اء‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2005‬ص‪.15‬‬
‫‪61‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪5-1‬الحجاج لغة‪:‬‬

‫جا قصده ورجل‬


‫ح ًّ‬
‫جُه َ‬
‫ح ًّ‬
‫جه يَ ُ‬
‫وح َّ‬
‫حج إلينا فالن أي َقِدم‪َ ،‬‬
‫ج القصد‪َّ ،‬‬
‫"الح ُّ‬
‫قال ابن منظور‪َ :‬‬
‫َم ْح ُجوج أي مقصود وقد حج بنو فالن فالنا إذا أطالوا االختالف إليه ويقول في موضع‬
‫آخر‪ " :‬الحجة البرهان وقيل الحجة ما دوفع بها الخصم ‪ ...‬والحجة الوجه الذي يكون‬
‫محاجة‬
‫َّ‬ ‫جج وحجاج وحاجَّه‬
‫التحاج التخاصم وجمع الحجة حُ َ‬
‫ّ‬ ‫به الظفر عند الخصومة و‬
‫الحجة ‪ .....‬والحجة الدليل والبرهان‪ ،‬وهو رجل محجاج أي جدل‪.1‬‬
‫َّ‬ ‫وحجاجا نازعه‬
‫ً‬

‫من الممكن أن يستخلص المتأمل في نص ابن منظور الدالالت اآلتية‪:2‬‬

‫الداللة األولى‪ :‬التي عليها المدار هي القصد الذي هو من معاني مادة "الحج"‪.‬‬

‫اج) بمعنى‬
‫ح ّ‬‫و(الت َ‬
‫َّ‬ ‫ج اج)‬
‫الداللة الثانية‪ :‬المخاصمة والمغالبة قصد الظفر‪ :‬حيث يأتي (الحِ َ‬
‫الخص ومة‪ ،‬وذل ك باعتب ار م ا في ه ذا المص طلح من المغالب ة وقص د الظف ر‪ ،‬يق ال‪:‬‬
‫"حاججت فالنا فحاججته أي غلبته بالحجة وذلك الظفر يكون عند الخصومة‪.‬‬

‫وقب ل أن نع رج إلى الدالل ة االص طالحية ال ب أس أن نس تأنس بمع اجم لغوي ة أخ رى‬
‫حتى ن نزل هذا المصطلح بما يحمله من دالالت ومفاهيم‪ ،‬قال الزمخش ري‪" :‬احتج على‬
‫خصمه بحجة شهباء وبحجج شهب وحاج خصمه فحجه‪ ،‬وفالن خصمه محجوج وكانت‬
‫بينهما محاجة ومالجة‪.3‬‬

‫فالزمخشري قد حصر "الحجاج" في المخاصمة والمغالبة قصد الظفر‪ ،‬حيث يأتي كل‬
‫من الحجاج والمحاجة بمعنى الخصومة قصد المغالبة‪.‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪1990‬م‪ ،‬مادة َح َج َج‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬المرجع نفسه ‪ ،‬مادة ( حجج) ‪-‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪ ،1992‬مادة (حجج)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫وق د ورد لف ظ الحج اج في ع دة آي ات من الق رآن الك ريم منه ا ‪:‬قول ه تع الى‪َ " :‬ها أ َْنتُ ْم‬

‫يما لَْي َس لَ ُك ْم بِ ِه ِعْل ٌم َواللَّهُ َي ْعلَ ُم َوأ َْنتُ ْم اَل‬ ‫اج ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫يما لَ ُك ْم بِ ه عْل ٌم َفل َم تُ َح ُّ َ‬
‫ون ف َ‬
‫ِ‬
‫اج ْجتُ ْم ف َ‬
‫ِ‬
‫َٰه ُؤاَل ء َح َ‬
‫ون"‪.1‬‬
‫تَ ْعلَ ُم َ‬

‫ون بِ ِه‬
‫اف َما تُ ْش ِر ُك َ‬
‫َخ ُ‬ ‫وني ِفي اللّ ِه َوقَ ْد َه َد ِ‬
‫ان َوالَ أ َ‬ ‫اج ِّ‬
‫ال أَتُ َح ُّ‬ ‫وقوله تعالى‪َ " :‬و َح َّ‬
‫آجهُ قَ ْو ُمهُ قَ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ون "‪.2‬‬‫اء َربِّي َش ْيئاً َوس َع َربِّي ُك َّل َش ْيء عْلماً أَفَالَ تَتَ َذ َّك ُر َ‬‫ِإال أَن َي َش َ‬

‫بع د أن عرض نا المفه وم اللغ وي لمفه وم الحج اج‪ .‬ال ب أس أن نتع رض ك ذلك لدالل ة‬
‫الحجاج االصطالحية‪ ،‬ألن المفهوم اللغوي ال يمكنه وحده استيعاب الحجاج بكونه علما‬
‫مستقال بذاته له أركانه وطرائقه‪.‬‬

‫‪ 5-2‬الحجاج اصطالحا‪:‬‬

‫لمعرف ة الدالل ة االص طالحية للحج اج يج در بن ا أن نس تأنس بم ا قال ه علماؤن ا ق ديما‬


‫وح ديثا ق ال‪ :‬أب و الولي د الب اجي "وه ذا العلم من أرف ع العل وم ق درا وأعظمه ا ش أنا‪ ،‬ألن ه‬
‫السبيل إلى معرفة االستدالل وتمييز الحق من المحال‪ ،‬ولوال تصحيح الوض ع في الج دل‬
‫لم ا ق امت حج ة وال اتض حت محج ة وال علم الص حيح من الس قيم وال المع وج من‬
‫المستقيم"‪.3‬‬

‫‪ -‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.66‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.80‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫طه عبد الرحمن ‪ ،‬اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ‪،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬الدار البيضاء ‪ ،‬المغرب ‪1-‬‬
‫‪ ،1998.‬ص‪226‬‬
‫‪63‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫وهذا يعني أن الحجاج علم من العلوم له أركانه وطرائقه ووجوهه المميزة له‪ ،‬المحددة‬
‫لماهيت ه وغاي ة ه ذا العلم ه و معرف ة الحقيق ة والتمي يز ال دقيق بين الح ق والباط ل‪،‬‬
‫والصواب والخطأ وما شابه ذلك من المناقشات‪.‬‬

‫أم ا ح ديثا فق د اش تغل بالحج اج ثل ة من الدراس ين الع رب‪ ،‬ن ذكر على س بيل المث ال ال‬
‫الحص ر "ط ه عب د ال رحمن" في كتاب ه "اللس ان والم يزان أو التك وثر العقلي" وه و الكت اب‬
‫ال ذي ع رض في ه أن واع الحجج وأص ناف الحج اج م ع ترك يزه على (الس لم الحج اجي‬
‫بوصفه عمدة في الحجاج‪ ،‬وقد قام "طه عبد الرحمن" بتحديد مفهوم الحجاج في كتابه‬
‫ه ذا ق ائال‪" :‬إن الحج اج ه و ك ل منط وق ب ه موج ه إلى الغ ير إلفهام ه دع وى بخص ومة‬
‫يحق له االعتراض عليها"‪.1‬‬

‫فالحج اج في نظ ره ه و اآللي ة األب رز ال تي يس تعمل المرس ل فيه ا اللغ ة ويتجس د من‬


‫خالله ا اإلقن اع وهي الفك رة ال تي يؤك دها ال دكتور "الح واس مس عودي" ال ذي ي رى أن‬
‫"الخط اب الحج اجي ه و خط اب موج ه وك ل خط اب يه دف إلى اإلقن اع يك ون ل ه‬
‫‪2‬‬
‫بالضرورة بعد حجاجي"‬

‫‪ 5-3‬مفهوم الحجاج عند اللسانيين الغربيين‪:‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم الحجاج عند بيرلم ان (‪ perlman‬وتيتك ا (‪ -) tyteca‬البالغ ة الجدي دة –‬


‫رب ط ك ل من "بيرلم ان وتيتكا" الحج اج بالخط اب باعتب اره فن اإلقن اع حيث عرف اه في‬

‫‪ -‬المرجع نفسه ص ‪.227‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الحواس مسعودي‪ ،‬البنية الحجاجية في القرآن الكريم‪ ،‬سورة النمل نموذجا‪ ،‬مجلة اللغة واألدب‪ ،‬جامعة الجزائر‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫عدد ‪ 12‬ديسمبر ‪1997‬م‪ ،‬ص‪.330‬‬


‫‪64‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫كتابهما ب أن "موض وع نظري ة الحج اج ه و درس التقني ات الخطابي ة ال تي ب دورها ت دفع‬
‫باألذهان إلى التسليم لما يعرض عليها من أطروحات أو الزيادة في حجم ذلك التسليم"‪.1‬‬

‫يفهم من ه ذا التعري ف أن كلا من "بيرلم ان وتيتك ا" ي نزل الحج اج في ص ميم التفاع ل‬
‫بين الخطيب وجمهوره‪ ،‬ويركز على وظيفة الحجاج وهي حمل المتلقي على اإلقناع بم ا‬
‫يعرض عليه‪.‬‬

‫ب‪ -‬مفهوم الحجاج عند أزفالد ديكرو (‪ )Ducrot‬وأنسكومبر (‪:)Anscombre‬‬

‫إن الحديث عن الحجاج في اللغة يقتضي منا الوقوف عند مؤلفات (ديكرو) وال سيما‬
‫كتابه الحجاج في اللغة "‪ "L'argumentation dans la langue‬الذي كتبه جون كلود‬
‫أنسكونبر (‪.)J.c.Anscombre‬‬

‫يحدد "ديك رو "مفه وم الحج اج في كتاب ه "الحج اج في اللغ ة "على النح و الت الي‪" :‬يق وم‬
‫متكلم ما بفعل الحجاج عندما يقول قوال (ق‪( )1‬أو مجموعة أقوال) يفضي إلى التسليم‬
‫بق ول آخ ر (ق‪( )2‬أو مجموع ة أق وال أخ رى)‪ ، 2‬ف القول (ق‪ )1‬ه و الحج ة ال تي يص رح‬
‫بها المتكلم أما (ق‪ )2‬فهي التي يستنتجها المستمع ‪،‬وهذه النتيجة تكون إما مصرحا بها‬
‫أو ض منية‪ .‬ل ذلك ف إن الحج اج عن د "ديك رو" و "أنس كونبر" ه و إنج از لعملين هم ا‪ :‬عم ل‬
‫التص ريح بالحج ة من ناحي ة‪ ،‬وعم ل االس تنتاج من ناحي ة أخ رى س واء أك انت النتيج ة‬
‫مصرحا بها أو ضمنية‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- perlman et tyteca, traitéde l'argumentation, édition de leniversité de bruxelle 5‬‬
‫‪l'edition.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Jean claude Anxombre et oswald ducrot, 'argumentation dans la langue, pierre‬‬
‫‪Mardaga, bruxelles, 1983, p8.‬‬
‫‪.Ibid p11 -‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪65‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫أما "شكري المبخوت" الذي اجتهد في توضيح نظرية (ديكرو) في الحجاج فقد قال إن‬
‫الحج اج حس ب "ديك رو"‪" :‬ه و عالق ة داللي ة ترب ط بين األق وال في الخط اب‪ ،‬تنتج عن‬
‫عمل المحاجة‪ ،‬ولكن هذا العمل محكوم بقيود فال بد أن تتوفر في الحجة (ق‪ )1‬شروط‬
‫مح ددة ح تى ت ؤدي إلى (ق‪ ،)2‬ل ذلك ف إن الحج اج مس جل في بني ة للغ ة ذاته ا وليس‬
‫‪1‬‬
‫بالمحتوى الخبري لألقوال وال بمعطيات بالغية مقامية‬

‫‪ -6‬مسوغات استعمال استيراتيجية اإلقناع‪:‬‬

‫هناك عدد من المسوغات التي ترجح استعمال استراتيجية اإلقناع وهي‪:2‬‬

‫‪ -‬إ ن تأثيرها التداولي في المرسل إليه أقوى ألنها تنبع من حصول اإلقناع عند المرسل‬
‫إليه غالبا‪.‬‬

‫‪ -‬تنامي الخطاب بين طرفيه عن طريق استعمال الحجاج فالحجاج شرط في ذلك‪ ،‬ألن‬
‫من شروط التداول اللغوي شرط اإلقناعية‪.‬‬

‫‪ -‬إب داع الس لطة‪ ،‬فاإلقن اع س لطة عن د المرس ل في خطاب ه ولكنه ا س لطة مقبول ة إذا‬
‫استطاعت أن تقنع المرسل إليه‪ ،‬إذ ال تحقق استراتيجية اإلقناع نجاحها إال عند التسليم‬
‫بمقتضاها إما قوال أو فعال‪.‬‬

‫‪ -‬شمولية استراتيجية اإلقناع إذ تمارس على جميع األصعدة فيمارسها الحاكم والفالح‬
‫وكبير القوم والطفل والمرأة كل ذلك بوعي منهم‪.‬‬

‫‪ -‬شكري المبخوت‪ ،‬الحجاج في اللغة ضمن كتاب أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.351‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب ‪ ،‬ص ‪- 447-446‬‬
‫‪66‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -‬تحقيقها نتائج تربوية إذ تمارس كثيرا في الدعوة‪ ،‬كما فعل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم مثال عند إقناع األعرابي الذي طلب الرخصة الرتكاب الزنا‪.‬‬

‫‪ -‬الرغبة في تحصيل اإلقناع ‪ ،‬إذ يغدو هو الهدف األعلى لكثير من أنواع الخطاب ‪.‬‬

‫‪ -3‬أساليب المغالطة باللغة القولية‪:‬‬

‫"يض ع بعض األش خاص المعرف ة في غ ير موض عها عن دما يخطئ ون الوس ائل وعن دما‬
‫يرغب ون في التعلم ال ب دافع ترجم ة ميداني ة لم وهبتهم العقالني ة وال للتعب ير عن فض ول‬
‫طبيعي وبالبحث عن التنوع والتفرد‪ ،‬وإ نما لطلب الشهرة والمجد ولتحقيق الربح اآللي‬
‫والمصلحة المادية وهذا أكبر األخطاء ومنبع الشرور‪،‬خاصة حين ينعكس ذلك سلبا على‬
‫العالق ة بين الفك ر واللغ ة وبين الكالم والمع نى‪ :‬ويص بح ال ذهن منق ادا لس لطة الخط اب‬
‫وتتحول اللغة إلى وسيلة مغالطة وفن من فنون التزييف‪ ،‬ويتم إقحام الكالم البشري في‬
‫استراتيجيات الخداع والتضليل التي تعتمدها السلطة"‪.1‬‬

‫لكن حينم ا نش رع في التص ديق الف وري والتط بيق اآللي تظه ر لن ا ع ورات الخطب‬
‫وتنكشف قبح الكلمات وفشل المحاوالت وتذهب أحالمنا سدى ويتبين لنا كذب األلسن‬
‫وعرج األسلوب ونسقط في حب المغالطات واألقوال المغشوشة‪ .‬ولذلك ال بد أن نسارع‬
‫إلى البحث عن ط رف تحمين ا من معس ول الكالم ومن األفك ار الظني ة المدسوس ة‬
‫باالس تدالالت السفس طائية‪ .‬فم اذا نقص د بالمغالط ات؟ وم ا هي أنواعه ا ومس توياتها؟ وم ا‬
‫الفرق بين المغالطة والغلط؟‪.‬‬

‫‪ 3-1‬مفهوم المغالطة ‪:Sophisme‬‬

‫‪ -‬زه ير الخويل دي‪ ،‬فن المغالط ات والحجج الباطل ة‪ ،‬مجل ة رواق الفلس فة‪ ،‬الس بت ‪ 25‬س بتمبر ‪ ،2010‬ت ونس ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.01‬‬
‫‪67‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫هي عند المنطقيين قياس فاسد إما من جهة الصورة أو من جهة المادة أو من جهتهم ا‬
‫معا‪ ،‬واآلتي بها غالط في نفسه مغالطة لغيره ‪،‬ولوال القصور وهو عدم التمييز بين ما‬
‫هو هو و بين ماهو غيره لما تم للمغالطة صناعة‪ ،‬فهي صناعة كاذبة تنفع ب الغرض‪ .‬إذ‬
‫الغرض من معرفتها االحتراز عن الخطَاء‪ ،‬وربما يمتحن بها من يراد امتحان ه في العلم‬
‫ليعلم ب ه بع دم ذه اب الغل ط علي ه وبذهاب ه علي ه قص وره وبه ذا االعتب ار تس مى قياس ا‬
‫امتحانيا‪ ،‬وقد تستعمل في تبكيت من يوهم العوام أنه عالم ليظهر لهم عجزه عن الفرق‬
‫بين الصواب والخطأ‪ .‬فيصدون عن االقتداء به‪ ،‬وبهذا االعتبار تسمى قياسا عناديا‪.1‬‬

‫والمغالط ة اخ تراع عبق ري ومه ارة في اس تعمال اللغ ة ترتب ط بالحكم ة ‪ ،Sophia‬فهي‬
‫فكر مخادع باعتبارها استدالل يبدو من حيث الظاهر صارما ومنطقيا ولكنه في الواقع‬
‫ليس ص الحا وال مطابقا للحق‪ ،‬كم ا أنه ا فن الغرض من ه ه و اإليق اع في الخطأ وخداع‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪ 3-2‬الفرق بين الغلط و المغالطة‪:‬‬

‫إذا كانت المغالطة ‪ Sophisme‬تفترض الوعي بالخلل وتوظفه من أجل التمويه‪ ،‬فإن‬
‫الغل ط ‪ Paralogisme‬ه و اختالل في االس تدالل ن اتج عن خل ط غ ير مقص ود ودون‬
‫وعي من قب ل واض عه‪ ،‬وال ذي يك ون ض حيته باعتب اره أن ه أول من يق ع في ش ركه‪ ،‬من‬
‫البين أن الغلط ‪ Paralogisme‬هو فعل مضاد للقياس المنطقي يحاول فيه المتكلم عن‬
‫حسن نية أن يبرهن عن وجهة رأيه و لكن يقع في الخطأ‪.2‬‬

‫‪ -‬التهانوي محمد علي الفاروقي كشاف اصطالحات الفنون ‪.‬ت‪ .‬لطفي عبد البديع مراجعة أمين الخولي‪ ،‬المؤسسة‬ ‫‪1‬‬

‫المصرية العامة للتأليف والنشر‪ ،‬ص‪. 1602‬‬


‫‪2‬‬
‫زهير الخويلدي ‪ ،‬فن المغالطات والحجج الباطلة ‪،‬ص‪- 02‬‬
‫‪68‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫إن الغل ط ه و الق درة على فع ل م واز للمنط ق و لكن دون أن يك ون متفق ا م ع القواع د‬
‫السليمة للتفكير ودون أن تكون النتائج مستخلصة من المقدمات بطريقة علمي ة ‪ ..‬ويمكن‬
‫أن نشبه الغلط بأنه اختيار مسار عشوائي للتفكير أو التفكير عن طريق الصدفة والحظ‬
‫والخروج عن قواعد المنطق نتيجة الغفلة أو الجهل أو السهو‪ ،‬في حين أن المغالطة هي‬
‫التفك ير باس تعمال المك ر والغ در واالحتي ال م ع دراي ة ب القوانين المنطقي ة والتفنن في‬
‫اس تعمالها من أج ل إنت اج الك ذب وإ يق اع اآلخ ر في الزي ف‪ ،‬وقلب الحقيق ة إلى وهم‪،‬‬
‫وتتعم د إيج اد اإلقن اع عن طري ق اإلبه ار والدهش ة واس تخراج الحقيق ة من اإلح راج‬
‫والمعضلة التي يقع فيها المحاور‪.1‬‬

‫نفهم من ه ذا الكالم أن ك ل مغالط ة هي غل ط ولكن ليس ك ل غل ط ه و مغالط ة الن ه ذه‬


‫األخيرة تتضمن سوء نية‪ ،‬فالغلط خطأ غير إرادي في االستدالل‪ ،‬هكذا ننتهي إلى أن‬
‫المغالط ة هي االس تدالل المخت ل ال ذي يتعم د منتج ه إخف اء عيوب ه وإ ظه ار تماس كه ح تى‬
‫يتمكن من التأثير في المصغين وإ سقاطهم في مصيدة الغلط‪.‬‬

‫ولكن يمكن أن تفهم المغالطة المنطقية على أنها خطأ في التفكير واالستنتاج وقد تكون‬
‫مقنع ة عن د البعض وت ؤدي ب البعض اآلخ ر إلى الوص ول إلى نت ائج زائف ة‪ ،‬وفي العم وم‬
‫هي ص ناعة علمي ة ال تفي د اس تنتاج اليقين في الحج اج بالض رورة طالم ا أن الخص م ق د‬
‫يس لم به ا وق د يرفض ها وبالقي اس إلى أنه ا تس مى سفس طة إذا م ا اس تعملت م ع الحكيم‬
‫وتدعى مشاغبة إذا ما طُِّبقت مع الجاهل‪.2‬‬

‫‪ 3-3‬منطق المغالطة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪- 03‬‬
‫‪ -‬أحمد دعدوش ‪ ،‬أساليب الدعاية المعاصرة ‪ ،‬العدد ‪.238‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪69‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫إذا ك ان ك ل من س قراط وأفالط ون سعيا إلى مواجه ة المغالط ات وذل ك ببي ان زيفه ا‬
‫باالعتماد على منطق غير صارم فإن "أرسطو" سيستعرض في "الدحوض السفسطائية‬
‫"مختل ف الحي ل اللغوي ة والوس ائل ال تي ينبغي توخيه ا لدحض ها وس يعمل على بن اء علم‬
‫ص وري مهمت ه التمي يز بين االس تعمال المش روع للغ ة واالس تعمال لغ رض التض ليل‬
‫والخ داع وبين االس تدالالت العلمي ة واالس تدالالت الظني ة‪ ،‬ويتمث ل المنط ق في بع ده‬
‫الخطابي دائما‪ ،‬غير أن بعض الخطابات تعد مغالطات زائفة بسبب عدم كفاية المقدمات‬
‫أو عدم اتفاقها مع النتائج ويعد "هوميروس" هو الذي علم سائر الشعراء فن االحتياالت‬
‫المتقن ة الص نع أع ني المغالط ة‪ ،‬ف إذا ك ان وق وع واقع ة يس تلزم نتيج ة له ا وج ود وق وع‬
‫واقع ة أخ رى‪ ،‬ف إن الن اس يجنح ون إلى اعتق اد أن ه أينم ا وج د الت الي وج د المق دم‬
‫بالضرورة‪ ،‬ولكن هذا باطل ولهذا فإنه إذا كان المقدم باطال‪ .‬ولكن كان هناك شيء آخر‬
‫يجب أن يوجد أو يقع إذا كان صادقا‪ ،‬فيجب ضم االثنين ألنه متى كان العقل يعلم هذا‬
‫الشيء اآلخر صادق‪ ،‬فإنه يستنتج من هذا خطأ أن المقدم هو اآلخر صادق‪.1‬‬

‫هكذا تعمد المغالطة على المنطق التضليلي وعلى خالف الغلط توجد في المغالطة إرادة‬
‫نحو الخطأ ورغبة في التزييف‪ .‬على هذا النحو ينبغي التمييز بين البراهين الصحيحة‬
‫والمغالط ات في حال ة النقاش ات الس اخنة‪ .‬كم ا أن المنط ق التض ليلي ه و منط ق ك اذب‬
‫بمعزل عن صدق المسلمات والنتائج‪.‬‬

‫‪ 3-4‬أصناف المغالطات‪:‬‬

‫اق ترح "س تيوارت مي ل" في كتابه "نس ق المنط ق" ‪ – 1843‬أربع ة أص ناف للمغالط ات‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ -‬زهير الخويلدي‪ ،‬فن المغالطات والحجج الباطلة ‪.04‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪70‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -1‬مغالط ات التف تيش البس يط والقبلي‪ : inspection Simple:‬وتض م الب ديهيات‬
‫والمشهورات التي ال تحتاج إلى برهنة‪.‬‬

‫‪ -2‬مغالطات المالحظة ‪ :Obeservation‬وهي أخطاء في االستدالل ووقوع المرء في‬


‫الزلل عند عملية البرهنة‪.‬‬

‫‪ -3‬مغالط ات التعميم ‪ :généralisation‬وهي األك ثر ش هرة وناتج ة عن اعتب ار فك رة‬


‫جزئية قاعدة عامة تنطبق على كل العمليات وتصلح في جميع ميادين المعرفة‪.‬‬

‫‪ -4‬مغالطات الخلط ‪ :comfusion‬وهي ناتجة عن تصور فضفاض وتقدير سيء لقيمة‬


‫برهان معين والتباس في المعايير واألبعاد والمقادير‪.1‬‬

‫‪ 3-5‬أساليب المغالطات والتضليل الحجاجي‪:‬‬

‫من أهم أساليب المغالطات‪:‬‬

‫‪ -1‬التناقض القولي ‪ :‬وهو قول ال يراعي فيه المتكلم السالمة المنطقية‪.‬‬

‫‪ -2‬التن اقض األخالقي العملي‪ :‬ويتمث ل في تن اقض أق وال المتكلم وأفعال ه أو اس تنكاره‬
‫شيئا يقع فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬حج اج الق وة‪ :‬ويتمث ل في حم ل المخ اطب على س لوك معين باالس تناد إلى التهدي د‬
‫المعن وي او الجس دي (افع ل ك ذا وإ ال ض ربتك) ونج ده بك ثرة في الخط اب ال ديني‬
‫والتربوي والسياسي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Système de logique, livre 5, les Sophismes dans système: John stuart mill, pierre‬‬
‫‪mardage, éditeur, Bruxelle. 1988, page 308.‬‬
‫‪71‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -4‬المحاججة بالتجهيل أو االحتكام إلى الجهل‪ :‬وتقوم على إفحام المخاطب انطالقا من‬
‫تعجيزه على أن يدلي بما ينفي الحجة المقدمة له‪ ،‬وتكمن المغالطة في أنه إن لم يتوفر‬
‫للمح اجج دلي ل ينفي حج ة خص مه لحظ ة الح وار فليس معن اه أن الحج ة ص حيحة بش كل‬
‫مطلق ‪.‬‬

‫‪-5‬السفسطائية‪ :‬القياس الذي تكون مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة‪ ،‬ولكنه يبقى مطابقا‬
‫لقواع د المنط ق فيج د اإلنس ان نفس ه ع اجزا على دحضه‪ ،‬ول ذلك يع د الفالس فة ه ذه‬
‫المغالطة المنطقية "حكمة مموهة"‪.‬‬

‫‪ -6‬القياس المغلوط‪ :‬ويتمثل في التخصيص بعموم اللفظ الذي يجعل الكالم غير محدد‬
‫وقابل ألكثر من تأويل مما يضعف الحجة أو ينفيها‪ ،‬وتعتمد اللغة الخشبية‪ 1‬على القياس‬
‫المغلوط بكثرة‪.2‬‬

‫‪ -7‬المصادرة على المطلوب‪ :‬عندما تكون النتيجة موجودة في المقدمة ويوجد إجماع‬
‫في المصادر القديمة والحديثة على اعتبار المصادرة على المطلوب خطأ منطقيا يتمثل‬
‫في المص ادرة على النتيج ة ال تي ينبغي الوص ول إليه ا‪ ،‬وهي ت أتي ع ادة في ش كل حج ة‬
‫دائري ة بم ا أن المتكلم يع ود إلى المقدم ة في االس تنتاج‪ ،‬وتس تعمل حج ة المص ادرة على‬
‫المطلوب في السياسة كثيرا‪.‬‬

‫‪ -8‬غياب المصدر‪ :‬أو عدم وضوحه أو ضعفه يضعف الحجاج‪.3‬‬

‫‪ -‬اللغة الخشبية ‪ : la langue de bois‬هي لغة متيبِّسة تعتمد القوالب الجاهزة واألحكام المعيارية والشعارات‬ ‫‪1‬‬

‫والعبارات الجاهزة ‪Expression figée .....‬‬


‫‪ -‬سلوى الشرفي‪ ،‬تحليل الخطاب‪ ،‬ص ‪.133 – 132‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.137 – 135‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪72‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -9‬التم اس المش اعر‪ :‬وهي محاول ة إث ارة المش اعر ب دال من تق ديم حج ة س ليمة وقوي ة‪،‬‬
‫من المهم المالحظة أن في بعض األحيان قد تثير حجة سليمة منطقيا بعض المشاعر‪،‬‬
‫أو ان تحتوي على جانب مشاعري‪ ،‬ولكن تحدث المغالطة عندما تستخدم المشاعر بدال‬
‫من الحجة‪ ،‬أو إلخفاء الضعف في الحجة ‪.‬‬

‫‪ -10‬الق دح الشخص ي أو الشخص نة‪ :‬مغالط ة الشخص نة تح دث عن دما ي رد على حج ة‬


‫بالهجوم على صاحب الحجة بدال من الحجة نفسها‪ ،‬ويجب التنويه أن اإلهانة بحد ذاتها‬
‫ال تع د مغالط ة‪ ،‬ولكن إذا أطل ق على الحج ة أنه ا غ ير ص حيحة فق ط ‪،‬وتس تخدم ه ذه‬
‫المغالطة إلضعاف حجة الخصم بدون مناقشة الحجة نفسها‪.‬‬

‫‪ -11‬االحتك ام إلى س لطة‪ :‬ه ذا الن وع من المغالط ات ه و األس هل في التع رف علي ه‪،‬‬
‫ويح دث عن دما يتم إس ناد النتيج ة إلى حكم ش خص أو أش خاص خ براء بموض وع الحج ة‬
‫وهي تسمى كذلك بمغالطة التصنيف والتنميط ‪.‬‬

‫‪ -12‬مغالطة وأنت كذلك‪ :‬هذه المغالطة تدخل تحت مغالطة الشخص نة‪ ،‬ولكن تستخدم‬
‫كثيرا لذلك تستحق ان تكون في جزء خاص بها فهي تحدث عند تفادي مناقشة الحجة‬
‫ومحاولة عكسها على صاحب الحجة‪.1‬‬

‫‪ -13‬مغالطة سد الذرائع‪ :‬وهي ربط حدوث أمرها بحدوث عدد من األمور التي تنتهي‬
‫بحدوث سلبي‪ ،‬ولذلك يجب عدم حدوث األمر األول‪.‬‬

‫‪ -14‬مغالط ة الوهمي ات‪ :‬وهي القض ايا الكاذب ة ال تي يحكم به ا ال وهم في األم ور غ ير‬
‫المحسوسة والتي يتعمدها المغالط لدحض حجة خصمه‪.‬‬

‫‪ -‬زهير الخويلدي‪ ،‬فن المغالطات والحجج الباطلة‪ ،‬ص‪.09‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪73‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫‪ -15‬مغالط ة تحري ك اله دف‪ :‬وهي عب ارة عن تغي ير المتطلب ات الالزم ة إلقام ة الحج ة‬
‫بعد أن تقام كأن تقول ما كنت أعنيه ليس هذا بل ذلك‪.)...‬‬

‫‪ -16‬حجة الكذب‪ :‬وهي جميع أنواع الحجج المبنية على التلفيق والكذب‪.‬‬

‫‪ -17‬مغالط ة رج ل القش‪ :‬وهي عب ارة عن تحري ر موق ف الخص م من اج ل تس هيل‬


‫الهجوم عليه‪.1‬‬

‫‪ 3-6‬فوائد استعمال أساليب المغالطة (التضليل)‪.‬‬

‫إن ألساليب المغالطة فوائد ال يستهان بها لدى أهل العلم وذلك من ناحيتين‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه بها قد يتمكن الباحث من النجاة من الوقوع في الغلط ويحفظ نفسه من الباطل‪،‬‬
‫ألنه إذا عرف مواقع المغالطة ومداخلها يعرف الطريق إلى الهرب من الغلط واالشتباه‪.‬‬

‫‪ -2‬أن ه به ا ق د يتمكن من مدافع ة المغ الطين وكش ف م داخل غلطهم وعلى ه ذا ففائ دة‬
‫الب احث من تعلم ص ناعة المغالط ة كفائ دة الط بيب في تعلم ه للس موم وخواص ها‪ ،‬فإن ه‬
‫يتمكن ب ذلك من االح تراز منه ا‪ ،‬ويس تطيع ان ي أمر غ يره ب االحتراز‪ ،‬وي داوي من‬
‫‪.‬‬
‫يتناولها‬

‫كما أن لهذه األساليب فائدة أخرى حيث يمكن للمتكلم مغالطة المغالط ومقابل ة للمغ الطين‬
‫بمثل طريقتهم‪.2‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أحمد دعدوش أساليب الدعاية المعاصرة العدد ‪.238‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪74‬‬
‫استراتيجيات التداول في‬ ‫الفصل الثاني‬
‫الخطاب‬
‫مع هذا ال بد أن ننتبه إلى أن الخطأ الكبير الذي يمكن أن توقعنا فيه المغالطة ناتج عن‬
‫اعتقادن ا بل وغ ج واهر األش ياء و معرف ة األم ور بطريق ة ص حيحة وق درة العق ل البش ري‬
‫على تحصيل المطلق وعدم اقتناعنا بالبعد الاستعمالي للغة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫تحليل خطب الحجاج بن‬
‫يوسف حسب‬
‫االستراتيجيات التداولية‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬تحليل خطاب الحجاج بن يوسف حسب االستراتيجيات التداولية‪.‬‬

‫الخطاب السياسي في العصر األموي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫ازدهرت الخطبة في العصر األموي (‪40‬ه‪132-‬ه) حيث كانت المصدر اإلعالمي‬


‫الس واء ‪ ،‬وق د ك انت هن اك أس باب عدي دة س اهمت في‬
‫للدول ة األموي ة وخص ومها على َ‬
‫ورقيه ا ومن بين ه ذه األس باب ن ذكر الظ روف االجتماعي ة والاقتص ادية‬
‫َ‬ ‫ازدهاره ا‬
‫والسياسية وال سيما الصراع القائم بين األحزاب السياسية أهمها ‪:‬حزب بني أمية وهو‬
‫الح زب الح اكم وأح زاب المعارض ة للحكم األم وي أبرزها‪ :‬ح زب الخ وارج‪،‬ح زب‬
‫الشيعة ‪،‬حزب الزبيريين‪.‬‬

‫مفوه ون ي دافعون عن مص الح الح زب وحقَ ه في الخالف ة ‪ ،‬وفي‬


‫ولك ل ح زب خطب اء َ‬
‫وس ط ه ذا الص راع المس تعر وتل ك الخص ومات العنيف ة بين ه ذه األح زاب تص دى ك ل‬
‫ح زب لنش ر مبادئ ه وال دفاع عن عقيدت ه ودحض حجج خص ومه والقض اء عليهم بم ا‬
‫وس عه من وس ائل‪ 1.‬وج دت الخطاب ة في العص ر األم وي في محي ط ه ذه األح زاب خ ير‬
‫‪2‬‬
‫بيئة تحتضنها وتغ َذيها أسباب النماء والنضوج والقوة واالزدهار والعظمة ‪.‬‬

‫‪ -11‬محمد درويش ‪،‬الخطابة في صدر اإلسالم ‪،‬العصر السياسي عصر الدولة األموية ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ج‬
‫‪2،1967‬ص‪73‬‬
‫‪ – 22‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪77‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫إن هذا العصر عصر سارت فيه الشجاعة وراء البيان‪ ،‬وملك اللسان منه ما لم يمل ك‬
‫الس يف‪ ،‬وتس ابق الن اس في ه إلى غاي اتهم بحس ب مق االتهم ‪ ،‬وق د رأوا المث ل األعلى في‬
‫الحج ة واقتبس وا من لفظ ه‬
‫الكت اب العزي ز فتس اموا إلى طريقته في اإلقن اع‪ ،‬وإ قام ة َ‬
‫تعدد األحزاب السياسية هو الذي‬
‫واستعانوا بروحه ‪ ،‬فحيوا في بالغتهم حياة جديدة ألن َ‬
‫تميزت في هذا العصر بعذوبة ألفاظها ومتانة أسلوبها‬
‫بعث على نهضة الخطابة‪ ،‬التي َ‬
‫‪1‬‬
‫وقوة تأثيرها واقتباسها من القرآن وانتهاجها منهجه في اإلرشاد واإلقناع‪.‬‬

‫أ‪-‬الحجاج بن يوسف الثقفي‪:‬‬

‫تحدث المؤرخون واألدباء‬


‫تعد شخصية الحجاج بن يوسف من أهم الشخصيات التي َ‬
‫َ‬
‫عنها‪ ،‬فال تك اد تج د كتاب ا عن ت اريخ الدول ة األموي ة أو األدب في العص ر األم وي‬
‫وخاصة األدب السياسي‪ ،‬إال وذكر اسم الحجاج بن يوسف ‪.‬‬

‫ب‪-‬مولده ونشأته‪:‬‬

‫ه و أب و محم د الحجَ اج بن يوس ف بن الحكم بن أبي عقي ل بن مس عود بن ع امر بن‬


‫وأم ه الفارغ ة بنت‬
‫قس ي ‪َ ،‬‬
‫معتب ابن مال ك بن كعب بن عم رو بن س عد بن ع وف بن َ‬
‫هم ام بن ع روة بن مس عود الثقفي ‪ ،‬اختل ف العلم اء في ت اريخ مول ده فمنهم من ذك ر َأن ه‬
‫َ‬
‫ول د س نة تس ع وثالثين‪ ،‬وقي ل أربعين ‪،‬وقي ل س نة إح دى وأربعين في قبيل ة ت دعى ثقيف‬

‫‪ - 1‬محمد أبو زهرة‪ ،‬الخطابة ‪ ،‬أصولها تاريخها في أزهى عصورها عند العرب ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪،‬القاهرة ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪242-241‬‬
‫‪78‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫وأم اَ القبيلة التي نشأ فيها تدعى "الطائف" موطن قبيلة الحجاج بن يوسف‪، 1‬حيث كان‬
‫‪2‬‬
‫ينتمي إلى أسرة فقيرة ‪ ،‬يقال أنه كان معلَما للقرآن‪.‬‬

‫ج‪-‬عالقة الحجاج بن يوسف بالسلطة األموية‪:‬‬

‫كان طموح الحجاج بن يوسف كبيرا في الوصول إلى بالط الدولة األموية فكان أول‬
‫اتصال له بالسلطة منذ أن عمل في شرطة "روح بن زنباع" وهذا األخير هو مستشار‬
‫نص ب الحج اج قائ دا على جيش ه‪ ،‬وم ا أب داه من‬
‫الخليف ة عب د المل ك بن م روان ال ذي َ‬
‫إخالص للخالف ة وألهله ا جع ل الخليف ة يث ق ب ه وينتدب ه لقت ال عب د اهلل ابن الزب ير انتهت‬
‫‪3‬‬
‫بانتصار الحجاج بن يوسف‪.‬‬

‫فنص به واليا‬
‫وبعد هذا االنتصار زادت ثقة عبد الملك بن مروان بالحجاج بن يوسف ً‬
‫على الحج از واليمن واليمام ة ثم والي ا على الع راق س نة خمس وس بعين للهج رة ‪75‬ه‪،‬‬
‫وكانت عالقة الحجاج بن يوسف مع أهل العراق تتسم بالعنف والبطش والتحامل الشديد‬
‫عليهم في خطبه حيث أنه واجه الكثير من الثورات والفتن خاصة ثورات الخوارج ‪.‬‬

‫وقد اشتهر الحجاج بن يوسف بفصاحة لسانه ‪ ،‬وكانت خطبه تمثَ ل أوج العنف الذي‬
‫ايميز خطب ه التهدي د والعن ف فه و يص در كل ه عن‬
‫أدركت ه الخطاب ة األموي ة ‪ ،‬وأهم م َ‬
‫مشبع بصور األشالء والقتل والدمار ‪،‬‬
‫إحساس عميق بالحقد والنقمة ‪ ،‬وخيال خصيب َ‬
‫يعب ر عن حقيق ة م ا في نفس ه ح تى يرس م أمامن ا المش اهد المروع ة ‪ ،‬والش تائم‬
‫ويك اد ال َ‬

‫‪-21‬عمر فروخ‪ ،‬تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪،‬لبنان كانون الثاني ص ‪49-48‬‬
‫‪ -32‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫‪-13‬أحمد محمد الحوفي ‪،‬في أدب السياسة في العصر األموي ص‪.542‬‬
‫‪79‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الس امعين‬
‫المقذع ة ‪ ،‬تم َده ق درة عجيب ة على تش خيص المع اني وبعثه ا في يقين َ‬
‫‪1‬‬
‫ووجدانهم ‪.‬‬

‫‪-2‬االستراتيجية التوجيهية‪،‬اإلقناعية‪ ‬وأساليب المغالطة في خطب الحجاَج بن يوسف‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬خطبة أهل الكوفة‪.‬‬

‫يوج ه خطبت ه ه ذه إلى أه ل الكوف ة (المخ اطب)‪،‬‬


‫إن الحج اج بن يوس ف (المخ اطب) َ‬
‫َ‬
‫حيث يه دف بخطاب ه ه ذا إلى اس تمالة المتلقي والت أثير في ه‪ ،‬وإ قناع ه بأفك اره ومواقف ه‪،‬‬
‫وذلك باعتماد بعض األفعال التوجيهية واآلليات اإلقناعية التي تعددت في كل مرة بين‬
‫استحض ار النص وص القرآني ة‪ ،‬واألبي ات الش عرية‪ ،‬وه ذه األن واع من النص وص تش كل‬
‫الخلفية الثقافية المشتركة بين الخطيب وأهل الكوفة (العراق)‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪ -1‬االستراتيجية التوجيهية واالقناعية‬

‫المقطع األول‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫متى أضع العمامة تعرفوني‬ ‫أنا ابن جال وطالع الثنايا‬

‫وتطوره عند العرب ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان د‪.‬ت ص‪/277‬‬


‫َ‬ ‫‪-21‬إيليا الحاوي‪ ،‬فن الخطابة‬
‫‪ - 2‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيان‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪80‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫اس تبدل المرس ل (المخ اطب) البس ملة والحمدل ة بملف وظ ش عري الش اعر "س حيم بن وثي ل‬
‫الرياحي" وقد وظفه "المخاطب" توظيفا أكسبه قوة لم تكن للغته وحدها ولم تكن لمرسله‬
‫األص لي وذل ك عائ د إلى مرج ع األداة اللغوي ة‪ ،‬وه ذه األداة هي إش ارية ال ذات‪ .‬ض مير‬
‫المتكلم "أن ا" ال تي تحت ل ص در الخط اب (ال بيت) فتص بح هي ب ؤرة الخط اب ال تي تتف رع‬
‫عنها بقية عناصره أو صفاته‪.‬‬

‫وال بد أن نشير هنا إلى أن غياب البسملة والحمدلة واستبدالها بالبيت الشعري في خطبة‬
‫الحج اج بن يوس ف إلى أه ل الكوف ة ه و غي اب قص دي يه دف إلى تحدي د نم ط الخط اب‬
‫الذي سيوجه إلى المخاطب‪.‬‬

‫المقطع الثاني‪:‬‬

‫" أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله‪ ،‬وأحذوه بنعله‪ ،‬وأجزيه بمثله‪ ،‬وإ ني أرى رؤوسا قد‬
‫أينعت وح ان قطافه ا‪ ،‬وإ ني لص احبها‪ ،‬وإ ني ألنظ ر إلى ال دماء ت ترقرق ين العم ائم‬
‫واللحي"‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫ظ ف الحج اج في ه ذا المقط ع مجموع ة من األفع ال التوجيهي ة أوله ا "القس م "في‬


‫لق د و َ‬
‫قول ه "واهلل ‪ "...‬وه و فع ل كالمي تأكي دي غرض ه تأكي د الخ بر ين درج ض من‬
‫"التقريري ات"‪ ،2‬وه و م ا يع ني أن " الحج اج بن يوس ف "ي درج مس ؤوليته عن ص حة م ا‬
‫يتلفظ به ألنه يستوفي شرط االستعالء والسلطة‪ ،‬فتوكيده له تأثير مباشر على المتلقي‪،‬‬
‫‪ -‬الجاحظ‪ ،‬البيان و التبيين ‪،‬ص ‪.202‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي ‪.‬التداولية عند العلماء العرب ‪.‬ص ‪.207‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪81‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫حيث يخض عه إلى قب ول حجج ه دون نق اش‪ ،‬ه ذا باإلض افة إلى توظيف ه أفع ال توجيهية‬
‫أخ رى‪" ،‬إني ألحم ل‪ ،‬أح ذوه ‪ ...‬أجزي ه ‪ ...‬وإ ني ألرى ‪ ...‬ح ان ‪ ...‬وإ ني ألنظ ر‪"....‬‬
‫وهي أفع ال كالمي ة مباش رة اس تعملها المتكلم لغ رض التهدي د والوعي د وهي حس ب‬
‫تصنيف "سيرل"‪ :‬أفعال التزاميه غرضها اإلنجازي هو التزام المتكلم بفعل شيء ما في‬
‫المستقبل‪.1‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية ‪:‬‬

‫تنقس م البني ة الحجاجي ة للمقط ع الث اني إلى ثالث ة حجج‪ ،‬والحج ة األولى إلى ثالث‬
‫مقدمات‪ ،‬أما النتيجة فهي ضمنية‪.‬‬

‫الحجة األولى‪ :‬أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله‪ ،‬وأحذوه بنعله‪ ،‬وأجزيه بمثله‬

‫الحجة الثانية‪ :‬إني ألرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬إني ألنظر إلى الدماء تترقرق فوق العمائم واللحي‪.‬‬

‫الس كاكي بقوله‪:‬‬


‫ويعرفها َ‬
‫فكل من الحجة األولى والحجة والثانية عبارة عن استعارات‪َ ،‬‬
‫"أن ت ذكر أح د ط رفي التش بيه وتري د ب ه الط رف اآلخ ر‪ ،‬م دعيا دخ ول المش به في جنس‬
‫المشبه به داال ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به "‪ ،2‬وقد استعملها "المخاطب "في‬
‫التركيب ة اللغوي ة في لف ظ" الش ر "ال ذي ل ه دالل ة معنوي ة وال ذي ينقل ه المتكلم إلى المج ال‬

‫‪ -‬خليفة بوجادي في اللسانيات التداولية" ص ‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السكاكي ‪،‬مفتاح العلوم‪ ،‬نعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪.‬بيروت ‪ .‬لبنان ط‪ 1987 1‬ص ‪.369‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪82‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫المادي بإقرانه باأللفاظ (أحمل‪ ،‬أحذوه‪ ،‬أجزيه) التي تدل على فعل الداللة المادية وهنا‬
‫إشارة من "الحجاج بن يوسف" على أنه قادر على فعل ما يريد‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك فإن‬
‫النص يحم ل قرين ة التنفي ذ ب الحكم الش رعي‪ ،‬وه ذا إدع اء من "المخ اطب " ليظه ر قوت ه‬
‫وبطشه "للمخاطب"‪ ،‬باستعمال اللفظ الذي يجسد المعنى ماديا‪ .‬لكن داللته هي التأثير في‬
‫المتلقي وإ قناعه بعدم مواجهته ألنه متميز بالقوة والبطش‪.‬‬

‫الحج ة الثاني ة‪ :‬إني ألرى رؤوس ا ق د أينعت وح ان قطافه ا إن لف ظ (أينعت) و(قط اف)‬
‫يحمالن الدالل ة المادي ة للفع ل‪ ،‬وك أن "الحج اج بن يوس ف "البس تاني ال ذي يقط ف الثم ار‬
‫ال تي نض جت ولكن لف ظ (رؤوس ا) يحم ل الدالل ة على اإلنس ان وه و اللف ظ ال ذي ي درك‬
‫المتلقي من خالل ه األبع اد المقص دية للمخ اطب‪ ،‬فقص د "الحج اج بن يوس ف" إظه ار‬
‫ص رامته وجديت ه في تنفي ذ وعي ده المس تقبلي‪ ،‬وتظه ر القيم ة الحجاجي ة لالس تعارة في‬
‫تحقي ق المخ اطب هدف ه الحج اجي‪ ،‬المتمث ل في الت أثير على المخ اطب ومحاول ة إقناع ه‬
‫بعدم مواجهته واإلستعارة في الحجة األولى والثانية‪ ،‬استعارة حجاجية ألنها‪" :‬تهدف إلى‬
‫إحداث تغيير في الموقف الفكري والعاطفي للمتلقي "‪ ،‬إذ يهدف الحجاج بن يوسف إلى‬
‫وأن الحجاج هو الوالي الجديد على العراق‬
‫تغيير موقف أهل العراق تجاه واليهم خاصة َ‬
‫وذلك بالتأثير عليهم وإ قناعهم بالبيان ألنه ‪ -‬غالبا ‪ -‬ما يكون أقوى من السيف‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬إني ألنظر إلى الدماء تترقرق بين العمائم واللَحي‪.‬‬

‫ظ ف الحج اج في ه ذه الجمل ة الوح دات اللس انية (ال دماء‪ ،‬العم ائم‪ ،‬اللحي) ال تي تحم ل‬
‫وَ‬
‫داللة مادية (فالدماء) توحي إلى الموت و(العمائم) داللة على الحرب‪ ،‬أما اللحي (داللة‬
‫على جنس الرجال )‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬
‫‪83‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الس لم الحج اجي ه و عالق ة ترتيبي ة للحجج وبعب ارة أخ رى ه و فئ ة حجاجي ة موجه ة‪.‬‬
‫ن‬ ‫ويرمز لها كالتالي‪:‬‬

‫د‬

‫ج‬

‫ب‬

‫"ن"= النتيج ة "ب"‪" ،‬ج"‪" ،‬د" حجج وأدل ة تخ دم النتيج ة ويتس م الس لم الحج اجي بالس متين‬
‫التاليتين‪:‬‬

‫أ‪ -‬كل قول يرد في درجة ما من السلم‪ ،‬يكون القول الذي يعلوه دليال أقوى منه بالنسبة‬
‫للنتيجة "ن"‪.‬‬

‫ب‪ -‬إذا ك ان الق ول "ب" ي ؤدي إلى النتيج ة "ن " فه ذا يس تلزم أن "ج" أو "د" ال ذي يعل وه‬
‫درجة يؤدي إليها والعكس غير صحيح‪.1‬‬

‫قوانينه‪ :‬وأهم هذه القوانين ثالثة ‪:‬‬

‫‪ -1‬ق انون النفي‪ :‬إذا ك ان ق ول م ا "أ" ينتمي إلى الفئ ة الحجاجي ة المح ددة بواس طة "ن"‬
‫فإن "أ" ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة "ال‪ -‬ن" ‪.‬‬

‫‪ -2‬قانون القلب‪ :‬ومقتضاه إذا كانت إحدى الحجتين أقوى من األخرى في التدليل على‬
‫نتيج ة معين ة‪ ،‬ف إن نقيض الحج ة الثاني ة أق وى من نقيض الحج ة األولى في الت دليل على‬
‫النتيجة المضادة‪.‬‬

‫‪ -‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة والحجاج ص ‪.21-20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪84‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫‪ -3‬ق انون الخفض‪ :‬يوض ح ق انون الخفض الفك رة ال تي ت رى أن النفي اللغ وي يك ون‬
‫مساويا للعبارة «‪.» moins que ‬‬

‫‪ -3‬ق انون الخفض‪ :‬يوض ح ق انون الخفض الفك رة ال تي ت رى أن النفي اللغ وي الوص في‬
‫يكون مساويا للعبارة ‪.» mois que «1‬‬

‫وتمثل الحجج في المقطع الثاني كما يلي‪:‬‬

‫تنفيذ التهديد والوعيد‬

‫إني ألحمل الشر بحمله‪ ،‬وأحذوه‪ ،‬بنعله‪ ،‬وأجزيه بمثله‪.‬‬

‫إني ألرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها‪.‬‬

‫إني ألنظر إلى الدماء تترقرق فوق العمائم واللحي‪.‬‬

‫وال بد أن نشير في هذا المقام أن القول االستعاري له قوة حجاجية عالية ولهذا يجب أن‬
‫يكون في أعلى السلم‪.‬‬

‫المقطع الثالث‪:‬‬

‫التمثي ل‪ :‬لق د تح دثنا س ابقا عن االس تعارة ودوره ا الحج اجي واآلن نتح دث عن التمثي ل‬
‫ال ذي بفض له يتم "عق د الص لة بين ص ورتين ليتمكن المخ اطب من االحتج اج وبي ان‬
‫حجاجه‪ 2‬وقد استعمل الحجاج بن يوسف التمثيل في خطبته هذه مخاطبا‪:‬‬

‫فشمرا‬
‫شمرت عن ساقها َ‬
‫قد َ‬

‫‪ -‬المرجع نفسه ص ‪.22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪85‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫قد لفَها اللَيل بسواق حطم‬ ‫الشد فاشتدي زيم‬


‫هذا أوان َ‬

‫وال بجزار على ظهر وضم‬ ‫ليس براعي إبل وال غنم‬

‫أروع جراح من الدوى‬ ‫قد لفَها الَليل بعصلبي‬

‫‪1‬‬
‫مهاجر ليس بأعرابي‬

‫وقد علق "محمد العمري" على هذه األبيات قائال ‪ " :‬وتنقلنا الشواهد الشعرية المختلفة‬
‫إلى ع الم الرحل ة الش اقة المض نية في الص حراء حيث ي دفع الس واق الحطم (أي الحج اج‬
‫نفسه) اإلبل (أهل الكوفة بالتحديد) في مجاهل الصحراء ‪ ،‬بدون شفقة‪ ،‬وهي أبيات تعلن‬
‫الحرب على أهل الكوفة‪.2‬‬

‫لكن ال ذي ينقلن ا إلى الرحل ة الش اقة على مس توى اللغ ة ه و اس تعمال "المخ اطب "اس م‬
‫اإلش ارة "ه ذا "‪ ،‬األداة ال تي تحت ل ص در ه ذا الملف وظ أو المقط ع‪ ،‬وتص نف "ه ذا" ضمن‬
‫اإلش اريات المكاني ة وهي عناص ر إش ارية إلى أم اكن يعتم د اس تعمالها وتفس يرها على‬
‫معرف ة مك ان المخ اطب وقت التكلَم‪ ،‬أو على مك ان آخ ر مع روف للمخ اطب أو الس امع‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ويكون لتحديد المكان أثره في اختيار العناصر التي تشير إليه قربا أو بعدا أو وجهة‬
‫الصلة بين الصورة التي تمثل العالقة بين "الحجاج‬
‫فبفضل األداة اإلشارية "هذا" تم عقد َ‬
‫" و"أه ل الع راق"‪ ،‬والص ورة الثاني ة ال تي تمث ل العالق ة بين س واق الحطم واإلب ل في‬
‫مجاهل الصحراء‪ ،‬حيث قصد "الحجاج بن يوسف" بالتمثيل إلى مزج الصورتين معا في‬

‫‪ -‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ص ‪.202‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬محمد العمري‪ ،‬في بالغة الخطاب اإلقناعي ص ‪.107‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬محمود أحمد نحلة‪ ،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪86‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ذهن المخ اطب‪ ،‬ليك ون الت أثير واإلقن اع مض اعفين بتل ك الص ورة ال تي تحم ل مع اني‬
‫التهدي د وال ترهيب‪ ،‬كم ا أن الفع ل الكالمي "اش تدي" يحم ل ق وة إنجازي ة متض منة وهي‬
‫التهديد بإعالن الحرب على أهل الكوفة والتنكيل بهم‪.‬‬

‫المقطع الرابع‪:‬‬

‫"إني واهلل ي ا أه ل الع راق‪ ،‬ومع دن الش قاق والنف اق‪ ،‬ومس اوئ األخالق م ا أغم ز تغم از‬
‫بالش نان‪ ،‬ولقد قررت عن ذكاء‪ ،‬ولقد فتشت عن تجربة‪ ،‬وجريت‬
‫التين‪ ،‬وال يقعقع لي َ‬
‫أمرها عودا وأصلبها‬
‫كب كنانته ثم عجم عيدانها‪ ،‬فوجدني َ‬
‫إن أمير المؤمنين َ‬
‫من الغاية‪َ ،‬‬
‫فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل‪،‬‬
‫عم ودا‪َ ،‬‬
‫وسننتم سنن الغي"‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫لقد استعان الحجاج بن يوسف في هذا المقطع بالفعل التوجيهي المتمثل في القسم للمرة‬
‫الثاني ة في قول ه "إني واهلل ي ا أه ل الع راق ‪ "....‬وه و فع ل كالمي تأكي دي غرض ه تأكي د‬
‫الخبر في محاولة منه لإللحاح على التهديد والوعيد‪.‬‬

‫ب‪ -‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫ِ‬
‫المخاطب‬ ‫قدمها‬
‫تنقسم بنية هذا الملفوظ أو المقطع إلى خمس حجج ونتيجة وهي حجج َ‬
‫"الحجاج" ليبرز سبب اختيار أمير المؤمنين له ليكون واليا على العراق‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -1‬الجاحظ البيان و التبيين ص ‪.202‬‬
‫‪87‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الحجة األولى‪ :‬ما أغمز تغماز التين‪.‬‬

‫بالشنان‪.‬‬
‫َ‬ ‫الحجة الثانية‪ :‬ال يقعقع لي‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬لقد قررت من ذكاء‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬لقد فتشت عن تجربة ‪ /‬وجريت من الغاية‪.‬‬

‫أمره ا ع ودا‬
‫كب كنانت ه ثم عجم عي دانها فوج دني َ‬
‫الحج ة الخامس ة‪ :‬إن أم ير المؤم نين َ‬
‫وأصلبها عمودا‪.‬‬

‫النتيج ة‪ :‬فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل‬
‫وسننتم سنن الغي‪.‬‬

‫يعرفه ا الس كاكي‬


‫ظفه ا المخ اطب كله ا اعتم دت على الكناي ة ال تي َ‬
‫إن ه ذه الحجج ال تي و َ‬
‫َ‬
‫بقول ه‪" :‬الكناي ة هي ت رك التص ريح ب ذكر الش يء إلى م ا يلزم ه‪ ،‬لينتق ل من الم ذكور إلى‬
‫المتروك"‪.1‬‬

‫الحجة األولى ‪ :‬ما أغمز تغماز التين‪.‬‬

‫ه ذه العب ارة كناي ة عن فطن ة "الحج اج بن يوس ف" ال تي تم َكن ه من كش ف ومواجه ة‬


‫مؤهالت ه ال تي‬
‫الدس ائس والفتن المنتش رة في الع راق وهي حج ة أراد به ا اإلع راب عن َ‬
‫جعلته واليا على العراق‪.‬‬

‫الحجة الثانية‪ :‬ال يقعقع لي بالشنان‪.‬‬

‫السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم ‪،‬ص ‪.402‬‬


‫‪َ -‬‬
‫‪1‬‬

‫‪88‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫نجد لفظة "الشنان" داللتها هي القربة البالية‪ ،‬إلفزاع الناقة حتى تسرع السير‪ ،1‬حيث نقل‬
‫"المخ اطب" ه ذه اإلحال ة المادي ة إلى إحال ة أخ رى معنوي ة‪ ،‬فالعب ارة كناي ة على ص عوبة‬
‫خداع "الحجاج إذ يدرك المتلقي هذه اإلحالة من خالل سمعه للعبارة وهي صفة أخرى‬
‫تؤهله بأن يكون واليا على العراق‪.‬‬
‫مؤهالته التي َ‬
‫أضافها الحجاج إلى َ‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬لقد قررت عن ذكاء‪.‬‬

‫الش باب و تمام السنن أما العبارة فهي كناية على كمال‬
‫إن داللة لفظ "الذكاء" هي نهاية َ‬
‫َ‬
‫مؤه ل آخ ر لتولي ه ه ذا المنص ب‬
‫"الحج اج" بع د أن تج اوز مرحل ة الش باب‪ ،‬وهي َ‬
‫َ‬ ‫عق ل‬
‫المتمثل في والية العراق‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬ولق د فتَش ت عن تجرب ة وج ريت من الغاي ة ه ذه الحج ة مركب ة من‬
‫مقدمتين‪:‬‬

‫* المقدمة األولى‪ :‬لقد فتشت عن تجربة‪.‬‬

‫"الحج اج بن يوس ف " ص احب تجرب ة واس عة تمكن ه من‬


‫َ‬ ‫فلفظ ة "تجرب ة " تش ير إلى أن‬
‫التعامل مع مختلف الظروف مهما كانت صعبة في العراق وتحديدا في الكوفة‪.‬‬

‫* المقدمة الثانية‪ :‬وجريت من الغاية ‪.‬‬

‫‪ -‬الهامش‪ ،‬الجاحظ البيان والتبيين ص ‪.202‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪89‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫السباق‪ 1‬إذ مثَ ل‬


‫تنصب في الموضع الذي يحدد مسافة َ‬
‫إن لفظة "الغاية" معناها‪ " :‬قصبة َ‬
‫"الحج اج " نفس ه بالمتس ابق الس ريع ال ذي يص ل إلى مك ان انته اء الس باق قب ل وص ول‬
‫َ‬
‫المتسابقين معه‪ ،‬وهي كناية عن قدرته على بلوغ هدفه بسرعة‪.‬‬

‫إن ه ذه الحج ة ال تي تض منت المق دمتين ك ان ه دفها الت أثير في المخ اطب وإ قناع ه بق درة‬
‫َ‬
‫مؤهل آخر‪.‬‬
‫"الحجاج بن يوسف" على بلوغ هدفه مهما كلَف األمر وهي َ‬
‫َ‬

‫كب كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا‪،‬‬


‫إن أمير المؤمنين َ‬
‫الحجة الخامسة ‪َ :‬‬
‫وأصلبها عمودا‪.‬‬

‫الحجاج نفسه في هذه العبارة بالعود الذي اختاره أمير المؤمنين من كنانته‪،‬‬
‫صور َ‬ ‫لقد َ‬
‫ظ ف استعارة مكنية حضر فيها المشبه (العود) وغاب فيها المشبه به (نبات‬ ‫كما أنه و َ‬
‫حجة قوية تدعم الحجج التي قبلها‪،‬‬
‫الحنظل ‪ )....‬وقد استعملت االستعارة المكنية لتكون َ‬
‫تصل بالمخاطب إلى تحقيق هدفه الحجاجي وهو تبرير قضية أمام المخاطب‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫كانت الحجج المستعملة في المقطع الرابع تسير في اتجاه واحد و تخدم نتيجة ظاهرة‬
‫في ه ذا الملف وظ اآلتي‪" :‬فوجه ني إليكم‪ ،‬ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في‬
‫مراق د الض الل وس ننتم س نن الغي " وهي نتيج ة إيجابي ة حيث حق ق المخ اطب هدف ه‬
‫الحجاجي‪.‬‬

‫"الحج اج بن‬
‫َ‬ ‫أهلت‬
‫ويمكن أن نرتَب الحجج على السلم الحجاجي‪ ،‬حسب الكفاءات التي َ‬
‫يوسف " للظفر بمنصب والية العراق كما يلي‪:‬‬

‫‪ 11‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين ‪،‬ص‪203‬‬


‫‪90‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫مؤهالت الحجاج بن يوسف‬

‫كب كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا‪ ،‬وأصلبها‬


‫إن أمير المؤمنين َ‬
‫َ‬

‫عمودا‪.‬‬

‫لقد فتشت عن تجربة‪ ،‬وجريت من الغاية‪.‬‬

‫لقد قررت عن ذكاء‪.‬‬

‫ال يقعقع لي بالشنان‪.‬‬

‫ما أغمز تغماز التين‬

‫المقطع الخامس‪:‬‬

‫وألضربنكم ضرب غرائب‬


‫َ‬ ‫وألعصبنكم عصب السلمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أللحونكم لحو العصا‬
‫َ‬ ‫" أما واهلل‬
‫اإلبل‪ ،‬فإنكم لكأهل القرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت‬
‫بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع والخوف بما كانو يصنعون"‪.1‬‬

‫األفعال التوجيهية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -‬الجاحظ ‪،‬البيان و التبيين ص‪.202.203‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪91‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ظف المخاطب في هذا المقطع أفعاال توجيهية يتصدرها القسم (أما واهلل ‪ )...‬وهو‬
‫لقد و َ‬
‫فع ل كالمي تأكي دي ي درج مس ؤولية المخ اطب أو المتكلم على ص حة م ا يتلف ظ ب ه وه و‬
‫بلغة "سيرل" مندرج ضمن "التقريريات" فالغرض المتضمن لتوظيف القسم هو التقرير‪.1‬‬

‫‪...‬ألعصبنكم ‪...‬‬
‫َ‬ ‫"أللحونكم‬
‫َ‬ ‫كما استعان المخاطب بأفعال توجيهية مباشرة في قوله‪:‬‬
‫ربنكم‪ "....‬وهي أفع ال تتض من التهدي د وتنفي ذ الوعي د‪ ،‬تص َنف ض من األفع ال‬
‫ألض َ‬
‫االلتزامية التي تجعل المتكلم يلتزم بفعل الشيء وفي هذا المقطع "الحجاج بن يوسف "‬
‫يل تزم بتنفي ذ ه ذه األن واع من العق اب (اللح و‪ ،‬الض رب‪ )....‬وق د حق ق المتكلم أفعال ه‬
‫اإلنجازي ة ه ذه لت وفره على ش روط االس تعالء والس لطة‪ .‬فمكانت ه االجتماعي ة والسياس ية‬
‫هي من خولته إلصدار أفعال التهديد والوعيد‪.‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫يمكن أن تقسم حجج هذا المقطع فيما يلي‪:‬‬

‫أللحونكم لحو العصا‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة األولى‪:‬‬

‫ألعصبنكم عصب السلمة ‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة الثانية‪:‬‬

‫ألضربنكم ضرب غرائب اإلبل ‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة الثالثة‪:‬‬

‫فإنكم لكأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان‬
‫الحجة الرابعة ‪َ :‬‬
‫فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ‪.‬‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص‪.207،208‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪92‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫لق د اس تحوذ التش بيه على ه ذا المقط ع من خالل عالق ات التش ابه ال تي يق ول عنه ا‬
‫الطرابلس ي ‪" :‬هي التق ارب ال ذي يح دث بين الموص وف والص ورة الواص فة رغم‬
‫انفصالها في األصل‪.1‬‬

‫وسأتتبع األبعاد الحجاجية للتشبيه فيما يلي‪:‬‬

‫أللحونكم لحو العصا‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة األولى‪:‬‬

‫تمثَل "الحجاَج بن يوسف " نفسه في الصورة بأنه سيزيل الجلد عن أجسامهم كما تزال‬
‫القشرة عن العصا‪ ،‬حيث نقلت الداللة المادية للعبارة إلى الداللة المعنوية وهي تصوير‬
‫موجهة للمتلقي ليحلل مضمونها وبذلك‬
‫التهديد في أشد قسوته‪ .‬وقد رسم المتكلم الصورة َ‬
‫يحدث اإلقناع بقدرة المخاطب على تنفيذ تهديده ووعيده‪.‬‬

‫ألعصبنكم عصب السلمة ‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة الثانية‪:‬‬

‫أم ا داللتها في العبارة هي خطورتها‬


‫"الس لمة" داللتها هي شجرة ذات شوك‪َ ،‬‬
‫إن لفظة َ‬
‫َ‬
‫وتجس د خط ورة‬
‫َ‬ ‫ألنه ا ش جرة تحم ل أش واكها فهي ت بين‬
‫على اإلنس ان ال ذي يق ترب منه ا َ‬
‫عقاب "الحجاج بن يوسف "‪.‬‬

‫ألضربنكم ضرب غرائب اإلبل ‪.‬‬


‫َ‬ ‫الحجة الثالثة‪:‬‬

‫يشبه " الحجاج بن يوسف" في هذه الصورة ضربه ألهل العراق بضرب غرائب اإلبل‬
‫للتأثير في عواطف المتلقي وإ قناعه بأنه سينفَذ نوعا آخر من العقاب‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬فإنكم لكأهل "قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان‬
‫فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون "‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الهادي الطرابلسي ‪،‬خصائص األسلوب في الشوقيات‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية ‪ 1981‬ص ‪.142‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪93‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫إن الحج ة في ه ذا المقط ع نص مقتبس من الق رآن الك ريم ‪ ،‬تص َنف ض من الحجج‬
‫َ‬
‫الج اهزة ‪ ،‬أي َأنه ا س ابقة في خط اب آخ ر فهي ليس ت من إنت اج المرس ل بق در م ا هي‬
‫منقولة على لسانه وقد حصر "أرسطو" الحجج الجاهزة في "نصوص القوانين" ومركز‬
‫الش هود‪ ،‬والعق ود وااللتزام ات واالع تراف ال ذي ي أتي تحت ت أثير التع ذيب واليمين‪ ،‬م ع‬
‫وأنه ا مختص ة بص ناعة الخطاب ة‪ ،‬بحيث يس تطيع الخطيب اإلف ادة‬
‫وص فها بغ ير الفني ة‪َ ،‬‬
‫منها في النصح والتحذير‪ ،‬وكذلك في االتَهام و الدفاع‪.1‬‬

‫ويمكن أن نوض ح التش بيه ال ذي أقام ه الحج اج بين مجموع ة من الثنائي ات في الج دول‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫النتيجة‬ ‫حرف التشبيه‬ ‫النص القرآني‬


‫العراق‬ ‫الكاف‬ ‫القرية‬
‫أهل العراق‬ ‫الكاف‬ ‫أهل القرية‬
‫جح ود أه ل الع راق بنعم‬ ‫الكاف‬ ‫كفر أهل القرية بنعم اهلل‬
‫والتهم‪.‬‬
‫عق اب الحج اج بن يوس ف‬ ‫الكاف‬ ‫عقاب اهلل عز وجل‬
‫الجوع و الخوف‬ ‫الكاف‬ ‫الجوع و الخوف‬
‫ج‪ -‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫إن ترتيب الحجج على السلَم الحجاجي يكون حسب قوتها –كما ذكرنا سابقا – والحجة‬
‫َ‬
‫الرابعة في أعلى السلم الحجاجي‪ ،‬ألنها حجة قوية استمدت قوتها من القرآن الك ريم‪ ،‬إذ‬
‫"تكتسب الحجج قوتها من قوة مصادرها "‪.2‬‬

‫‪ -‬بدوي طبانة‪ ،‬النقد األدبي عند اليونان ‪،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب ‪،‬ص ‪.544‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪94‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫تهديد "الحجاج بن يوسف" بتنفيذ بعض األنواع من العقاب‪.‬‬

‫فإنكم لكأهل القرية "كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان‬
‫َ‬

‫فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون "‬

‫ألضربنكم ضرب غرائب اإلبل ‪.‬‬


‫َ‬

‫ألعصبنكم عصب السلمة‪.‬‬


‫َ‬

‫أللحونكم لحو العصا‪.‬‬


‫َ‬

‫لقد سارت هذه الحجج في اتجاه حجاجي واحد لتخدم نتيجة واحدة وهي تحقيق مقصد‬
‫المتكلم المتمثَل في إقناع المتلقي بتنفيذ وعيده و التأثير فيه بإثارة عاطفة الخوف فيه‪.‬‬

‫المقطع السادس‪:‬‬

‫"إني واهلل ال أعد إالَ وفيت‪ ،‬وال أهم إال أمضيت‪ ،‬وال أخلق إال فريت "‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫ظف المتكلم في هذا المقطع الفعل التوجيهي الذي كرره أكثر من مرة وهو القسم في‬
‫وَ‬
‫قول ه "إني واهلل ‪ ".....‬ونحن قلن ا فيم ا س بق أن ه فع ل كالمي يص نف ض من التقري رات‬
‫حسب تصنيف "سيرل"‪ ،‬فهو فعل تقريري كما أن هذا الفعل كان قد سبق بأداة توكيد‬
‫س اعدت على بي ان إلح اح المتكلم وتأكي ده لم ا تلف ظ ب ه إلقن اع المتلقي والت أثير في ه‪ ،‬كم ا‬
‫اس تعان ب أداة الحص ر "إالَ" لتقيي د مقاص ده ‪ ،‬وهي " ع امال من العوام ل الحجاجي ة ال تي‬
‫تقوم بحصر وتقييد اإلمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما"‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬أبو بكر العزاوي ‪ ،‬اللغة والحجاج ‪،‬ص‪- 104‬‬
‫‪95‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫تقسم بنية هذا المقطع إلى ثالث حجج نتيجتها ضمنية وهي التهديد والوعيد ‪:‬‬
‫َ‬

‫الحجة األولى‪ :‬ال أعد إالَ وفيت‪.‬‬

‫الحجة الثانية‪ :‬ال أهم إالَ أمضيت‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬ال أخلق إال فريت‪.‬‬

‫*التركيبة اللغوية للحجج ‪:‬‬

‫ينقسم التركيب اللغوي إلى ثالثة جمل يتكون كل منها من نفس العناصر وهي‪ :‬حرف‬
‫نفي وفعلين‪ ،‬وأداة حصر كما نوضح في الجدول اآلتي‪:‬‬

‫فعل ‪ +‬تاء المتكلم‬ ‫أداة حصر‬ ‫فعل‬ ‫حرف نفي‬


‫وفيت‬ ‫إال‬ ‫أعد‬ ‫ال‬
‫أمضيت‬ ‫إال‬ ‫أهم‬ ‫ال‬
‫فريت‬ ‫إال‬ ‫أخلق‬ ‫ال‬

‫نالحظ من الناحية النحوية التأثير الذي يحدث بين األداتين حيث أن "إالَ" أداة اإلستثناء‬
‫تتغير وظيفتها النحوية عند دخول أداة النفي "ال" وتنقله إلى وظيفة أخرى هي الحصر‬
‫فيك ون الفع ل "أع د" محص ور بالفع ل "وفيت " والفع ل "أهم" محص ور بالفع ل "أمض يت "‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫والفع ل أخل ق " محص ور بالفع ل "ف ريت "‪ ،‬وهك ذا تش ترك الجم ل الثالث ة على المس توى‬
‫اللغ وي في حكمه ا اإلع رابي أم ا على مس توى الملف وظ يص ل به ا المرس ل إلى نتيج ة‬
‫مشتركة‪ ،‬وهي إثبات حججه بأنه سينفذ وعيده و بالتالي يؤثر في المتلقي‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫يمكن تمثيل حجج المقطع السادس كما يلي‪:‬‬

‫تنفيذ "الحجاج بن يوسف " لتهديده و وعيده‬

‫‪ -‬ال أخلق إال فريت‪.‬‬

‫‪ -‬ال أهم إال أمضيت‪.‬‬

‫‪ -‬ال أعد إال وفيت‪.‬‬

‫المقطع السابع‪:‬‬

‫تقيمن‬
‫"فإي اي وه ذه الجماع ات وق ال وقي ل‪ ،‬وم ا تقول ون ؟وفيم أنتم وذل ك؟ أم ا واهلل لتس َ‬
‫َ‬
‫ألدعن لكل رج ل منكم شغال في جس ده‪ ،‬من وجدت بع د ثالث ة من‬
‫َ‬ ‫على طريق الح ق أو‬
‫بعث المهلب سفكت دمه‪ ،‬وانتهبت ماله "‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫ظف "الحجاج بن يوسف" في هذا المقطع فعال كالميا مباشرا وهو التحذير في قوله‪:‬‬
‫وَ‬
‫عرف العرب التحذير بأنه "تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه "‬
‫(فإياي ‪ )...‬وقد َ‬
‫َ‬
‫‪ -‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪97‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫فيق وم ه ذا الفع ل على أساس التنبي ه واألم ر باالجتن اب كم ا ق ال "س يبويه" أو ال دعوة إلى‬
‫الترك وهي الفائدة المرجوة منه‪.1‬‬

‫أن االس تفهام ال ذي اس تعان ب ه "الحج اج بن يوس ف " ه و غ رض في‬


‫وال ب د أن نش ير َ‬
‫ص يغة األم ر‪ ،‬فه و فع ل كالمي ين درج ض من األوام ر – حس ب "س يرل"– ال تي تحم ل‬
‫المخاطب على فعل شيء معين‪ ،‬وقد استغل الحجاج بن يوسف سلطته ومكانته السياس ية‬
‫ظ ف أفعاال توجيهية‬
‫واالجتماعية للتأثير في المتلقي وإ قناعه بصيغ أمرية ‪ ،‬كما َأن ه و َ‬
‫أخرى مثل "القسم" في قوله "أما واهلل ‪ "....‬وهو فعل كالمي تأكيدي غرضه تأكيد الخبر‬
‫يصنف ضمن "التقريريات"حسب تصنيف سيرل "‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الفعل الكالمي في‬
‫َ‬
‫"ألدعن ‪ " ...‬وهو فعل كالمي يتضمن التهديد والوعيد يندرج ضمن "اإللتزاميات"‬
‫َ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫تم عصيانه‪،‬‬ ‫"الحج اج" من خالل قوله هذا يلتزم بتنفيذ العقاب في المستقبل إذا َ‬
‫َ‬ ‫حيث أن‬
‫الرعب فيهم وإ قناعهم‬‫وبث َ‬
‫وهو يحاول بأسلوبه هذا إثارة عاطفة الخوف لدى العراقيين َ‬
‫بتصرفاته تجاههم‪.‬‬

‫ب‪ -‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫الس ابقة حيث نج د ألس لوبي‬


‫ينقس م ه ذا المقط ع إلى ثالث ة حجج تختل ف عن الحجج َ‬
‫االستفهام والشرط دور حجاجي‪.‬‬

‫الحجة األولى‪ :‬فإياَي وهذه الجماعات‪ ،‬وقال وقيل وما تقولون؟ وفيم أنتم وذلك ؟‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي _التداولية عند العلماء العرب ‪،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪98‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ألدعن لكل رجل منكم شغال في‬


‫َ‬ ‫لتستقيمن على طريق الحق أو‬
‫َ‬ ‫الحجة الثانية‪ :‬أما واهلل‬
‫جسده‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه‪ ،‬وانتهبت ماله‪.‬‬

‫الحجة األولى‪ :‬وتنقسم إلى مقدمتين‪:‬‬

‫فإياي و هذه الجماعات وقال وقيل‪ ،‬وما تقولون؟‬


‫المقدمة األولى‪َ :‬‬

‫"إياي" تقديرها "حذار"‪ ،‬فاالستفهام في العبارة جاء لغرض التحذير‬


‫إن الوحدة اللغوية َ‬
‫َ‬
‫بالكف عن قضية معينة‪.‬‬
‫َ‬ ‫السامع ويأمره‬
‫في صيغة األمر‪ ،‬ألن المتكلم يح َذر َ‬

‫كما استعمل المتكلم كلمة "الجماعات" للداللة على كثرة الفرق السياسية‪ .‬أما عبارة "قال‬
‫وقيل وما تقولون ؟ "فقد استعملت للداللة على كثرة الفتن‪.‬‬

‫إن "الحج اج بن يوس ف" ك ان يح ذر أه ل الع راق من اتب اع الف رق السياس ية المعارض ة‬
‫َ‬
‫للحكم األم وي وتجنب الفتن والدس ائس الس ائدة في الع راق‪ ،‬وله ذا اس تعان باالس تفهام‬
‫الحجاجي للتأثير في المتلقي وإ قناعه باالبتعاد عن كل ما يهدد أمنه‪.‬‬

‫المقدمة الثانية‪ :‬وفيم أنتم وذلك ؟‬

‫إن ه دف المخ اطب من ط رح ه ذا الس ؤال ه و معرف ة موق ف المتلقي من الوض ع‬


‫َ‬
‫السياس ي ال ذي تس وده الفتن ‪ ،‬وال ذي ح َدد العالق ة بين المتلقي وه ذا الوض ع السياس ي‬
‫المضطرب هو إشارية الذات "أنتم " "أهل العراق "‪ ،‬وإ شارية المكان "ذلك" وقصد بها‬
‫المتكلَم مكان صراع األحزاب السياسية ومنبع الفتن‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ألدعن لكل رجل منكم شغال في‬


‫َ‬ ‫لتستقيمن على طريق الحق أو‬
‫َ‬ ‫الحجة الثانية‪ :‬أما واهلل‬
‫جسده ‪.‬‬

‫وتقس م إلى‬
‫َ‬ ‫ه ذه الص يغة اللَغوي ة ش رطية ‪ ،‬تب دأ بالقس م "أم ا واهلل " ال ذي يفي د الش رط‪،‬‬
‫جمل ة الش رط وج واب الش رط‪ ،‬وق د اس تعملت عب ارة " طري ق الح ق " للدالل ة على اتب اع‬
‫فحولت هذه العبارة من الحكم العام إلى الحكم الخاص ‪ ،‬وعبارة "شغال‬
‫الحكم األموي ‪َ ،‬‬
‫في جسده" هي داللة مادية يجسد فيها نوع العقاب‪ ،‬وهي داللة على شدة وقسوة العقاب‪،‬‬
‫إذ يل زم المتكلم المتلقي على مس توى الملف وظ بالخض وع إلى الش رط ف المتكلَم يقص د‬
‫بأنه سينفَذ عقابه في حالة مخالفة شرطه‪.‬‬
‫استمالة المتلقي و التأثير فيه‪ ،‬و إقناعه َ‬

‫الحجة الثالثة ‪ :‬من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه‪ ،‬وانتهبت ماله‪.‬‬

‫ه ذه الص يغة اللَغوي ة أيض ا ش رطية‪ ،‬تتك ون من ح رف الش رط "من" وجمل ة الش رط‪،‬‬
‫وجواب الشرط‪.‬‬

‫أشار المتكلم إلى اسم شخص "المهلَب" ويقصد به أحد أتباع الشيعة وهو "المهلب بن أبي‬
‫ص فرة األزدي " ‪ ،‬كم ا اس تعمل ألف اظ (س فكت‪ ،‬انتهبت) وداللته ا ت وحي بالقس وة والش دة‬
‫حجت ه للم رة الثاني ة على الش رط للت أثير في‬
‫في العق اب‪ ،‬والمتكلَم في ه ذه العب ارة يب ني َ‬
‫المتلقي‪ ،‬وإ قناع ه أن ع دم التزام ه بالش رط س يؤدي إلى تنفي ذ العق اب علي ه من ط رف‬
‫المتكلَم‪.‬‬

‫س ارت ه ذه الحجج في اتج اه حج اجي واح د‪ ،‬وك انت نتيجته ا ض منية تمثَلت في قص د‬
‫المتكلَم الذي يعد بتنفيذ عقابه بشتى أنواعه‪ ،‬إذا لم يخضع المتلقي إلى أوامره‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ذكرن ا فيم ا س بق أن الحجج ترتَب على الس لَم الحج اجي حس ب قوته ا ال تي تتح دد من‬
‫فالحج ة األولى اكتفى المتكلَم فيه ا بالتح ذير دون ذك ر أي ن وع من‬
‫َ‬ ‫خالل ن وع العق اب‪،‬‬
‫أم ا الحجة الثانية فصرح فيها بنوع واحد من العقاب‪ ،‬أما في الحجة الثالثة أشار‬
‫العقاب‪َ .‬‬
‫المتكلم فيها إلى نوعين من العقاب‪ ،‬و تمثَل الحجج على السلم الحجاجي كما يلي‪:‬‬

‫الوعد بتنفيذ العقاب إذا لم يتم الخضوع ألوامر الحجاج ‪.‬‬

‫من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه و انتهبت ماله ‪.‬‬

‫أما واهلل لتستقيمن على طريق الحق أو ألدعن لكل رجل منكم شغال في جسده‬

‫فإياي وهذه الجماعات‪ ،‬وقال وقيل‪ ،‬وما تقولون ؟ وفيهم أنتم وذلك ؟‬

‫‪ -2‬أساليب المغالطة‪:‬‬

‫إن أول م ا يلفت انتباهن ا في ه ذه الخطب ة ال تي وجَهه ا الحج اج بن يوس ف إلى‬


‫َ‬
‫جمهور"الكوفة" هو غياب البسملة واستبدالها ببيت "لسحيم بن وثيل" تمثَ ل به الحجاج في‬
‫قوله‪:‬‬

‫متى أضع العمامة تعرفوني‬ ‫أنا ابن جال وطالع الثنايا‬

‫وه ذا ال بيت الاس تهاللي مرك ز إش عاع واس تقطاب في الخطب ة يمهَ د لم ا ورد فيه ا‪،‬ويع د‬
‫ه ذا ال بيت من األمث ال الس ائرة يض رب للظ اهر ال ذي ال يخفى‪،‬والمش هور الع الم ال ذائع‬
‫الص يت‪،‬وفي ه تحلَ "أن ا" الحج اج مح ل "ابن جال اللي ثي" وق د س مي ك ذلك لوض وح أم ره‬
‫حيث ك ان ص احب فت ك يطل ع في الغ ارات من ثني ة الجب ل على أهله ا‪،‬وفي الفع ل "جال"‬

‫‪101‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫مع ان لغوي ة عدي دة أهمه ا الكش ف واإلظه ار والبي ان واليقين‪ ،‬وق د يس تعمل اللَف ظ مج ازا‬
‫للداللة على القوة والشجاعة‪ :‬فيقال ابن أجلى وهو األسد‪.1‬‬

‫ولعل له ذه المع اني ص لة بمق ام الخطب ة وبشخص ية الخطيب حيث تتأكَ د ه ذه المع اني‬
‫َ‬
‫بصورة ثانية في البيت مجراة بالكناية "متى أضع العمامة تعرفوني" فالعمامة تلبس في‬
‫الحرب وتوضع في السلم‪.‬‬

‫إنَ هذا البيت الشعري الذي استبدله "الحجاج" بالبسملة التي كانت تعزز التواصل بين‬
‫المرس ل والمتلقي آنذاك يكش ف عن مغالطة حجاجي ة اعتمدها الحجاج وتسمى بمغالطة‬
‫الاستش هادات وهي كم ا يقدَمها األس تاذ "أحمد دع دوش" اس تخدام االقتباس ات اللَفظي ة من‬
‫أجل نقد فكرة أو حدث أو شخص معيَن ويعتمد هذا على مصداقية المنقول عنه للتدليل‬
‫على قوة الاقتباس وصالحيته "‪" 2‬فالحجاج "استعان بهذا المثل للمفاخرة بقوته أمام أهل‬
‫الكوفة ومن ثمة إقناعهم بضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهته‪.‬‬

‫وهك ذا يفيض ال بيت إيح اء ويلقي بظالل ه على الخطب ة فيرس م أف ق انتظ ار في ذهن‬
‫المتقب ل‪ ،‬ف إذا ه و في أج واء الب أس والشدَة أم ام خطيب يعلن عن منهج ه السياس ي الق ائم‬
‫على "قطع األعناق" وتعفير الوجوه واللَحي بالدماء‪.‬‬

‫وقد كانت الطريقة التي اختارها الحجاج للتعبير عن ذاته قد أثَ رت في الخطاب فورد‬
‫مثقلا بق رائن التَوكي د‪ ،‬ووظَفت في ه ص يغتا الماض ي والمض ارع والخ وف توظيف ا داالَ‪:‬‬
‫َ‬
‫حيث تحدث صيغة المضارع "أرى‪ ،‬أحمل‪ ،‬أحذو ‪،‬في المقطع الثاني‪،‬حالة من التوجَس‬
‫أم ا صيغة الماضي "قد أينعت‪ ،‬حان قطافها‪ "...،‬فتجعل‬
‫والخوف والرَهبة لدى المتلقي‪َ ،‬‬
‫‪ -1‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬في بالغة الخطاب األدبي‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪ -2‬أحمد دع دوش‪ ،‬أساليب الدعاية المعاصرة‪ ،‬الغاية تبرر الوسيلة‪ ،‬مجلة البيان‪،‬العدد ‪ 238‬من وكيبيديا الموسوعة‬
‫الحرة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪102‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫فعل التهديد كأنَ ه حقيقة واقعة وتجعل الوعيد كأنه فعل منجز ال منتظر‪،1‬ولعلَنا نرصد‬
‫في ه ذه المع اني مغالط ة حج اج الق وة وهي كم ا تقدَمها األس تاذة "س لوى الش رفي" "حم ل‬
‫‪،‬وتسمى ه ذه‬
‫َ‬ ‫‪2‬‬
‫المخ اطب على س لوك معين باالس تناد إلى التهدي د المعن وي أو الجس دي"‬
‫المغالطة أيضا "بمغالطة العصا" الستعمال القوة فيها وهو ما نراه مجسَدا في هذا الجزء‬
‫من خطب ة الحج اج بن يوس ف ذل ك أن "الحجَ اج" يق وم بتخوي ف جمه ور أه ل الكوف ة‬
‫مض منا حجج ه مس تعينا ببعض األس اليب التعبيري ة المتنوع ة من قبي ل اعتم اد الس جع‬
‫المتس اوي الفق رات‪ ،‬وإظه ار ص وت المدَ في ألف اظ عدي دة منه ا ح رف الن داء "ي ا" وأداة‬
‫االس تهالل "أم ا" وفي مجموع ة من األفع ال واألس ماء من قبي ل "أرى‪ ،‬أبص ارا‪ ،‬أعناق ا‪،‬‬
‫قطافها‪ ،‬صاحبها‪."...‬‬

‫ولصوت المدَ صلة بالموضوع العام الذي قامت عليه الخطبة فهو موصول بمدَ النفوذ‬
‫والسَلطة وهن ا نرص د مغالط ة أخ رى وهي مغالط ة االحتك ام إلى السَلطة‪ 3‬فالحج اج بن‬
‫يوس ف يس ند إلى نفس ه كام ل الس لطة في تق ديم حجج ه متأك دا من نج اح النتيج ة وهي‬
‫رضوخ أهل الكوفة إلى أوامره ومطالبه‪.‬‬

‫أَما المقطع الثالث الذي ورد شعرا فإنه يستوقفنا من جهة بنيته اإليقاعية وداللته ألنَ‬
‫الحجاج بن يوسف يعود من خالله إلى مغالطة العصا‪ 4‬فكل األلفاظ التي وردت فيه ت دل‬
‫في أص لها اللغ وي على الشدَة والمبالغ ة من ذل ك لفظ ة "زيم" كناي ة عن الح رب ولفظ ة‬

‫‪ -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.84‬‬


‫‪ -2‬سلوى الشرفي‪ ،‬تحليل الخطاب‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪ -3‬زهير الخويلدي‪ ،‬فن المغالطة والحجج الباطلة‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ .‬ص‪.09‬‬
‫‪103‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫"وضم" وهي في أصل معناها اللَغوي كل ما قطع عليه اللَحم ومنها لفظ "عصلبي"ومعن اه‬
‫اللغوي الشديد القوي‪.1‬‬

‫ال ش ك أن ه ذه الش دة ال تي تش ترك فيه ا ه ذه األلف اظ تلحَ على المع نى وتكش ف عمَ ا في‬
‫نفس الخطيب من رغبة في الانتقام والتَشفي إن لم يرضخ السامع إلى أوامره‪،‬ولعلَ هذه‬
‫األص وات المنتق اة مالئم ة لمق ام الخطب ة محدث ة في نف وس الس امعين مش اعر الرهب ة‬
‫والتوجس‪.‬‬
‫َ‬

‫ويق ول الحج اج بن يوس ف في المقط ع الراب ع من خطبته‪" :‬إني واهلل ي ا أه ل الع راق‬
‫ومعدن الشقاق والنفاق ومساوئ األخالق‪"... 2‬‬

‫وهو الكالم الذي نالحظ فيه مدى تصدَع العالقة بين الحجاج بن يوسف وأهل العراق‬
‫تمثل ه مغالط ة الشَخص نة‪ 3‬أو كم ا تس مى‬
‫وتوتره ا ‪-‬ونالح ظ في ه أيض ا أس لوبا ثانوي ا َ‬
‫مغالطة القدح الشخصي فالحجَ اج بن يوسف بكالمه هذا يهاجم أهل الكوفة مباشرة من‬
‫خالل عدَ مس اوئ ورذائ ل أخالقهم ب دال من تق ديم حجج بإمكانه ا إقن اعهم على الاس تقامة‬
‫والاعتدال والخضوع إلى مطالبه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الحج اج بن يوس ف يع ود م رة أخ رى إلى مغالط ة العصا‬
‫َ‬ ‫في المقط ع الخ امس نالح ظ‬
‫(حجاج القوة) ‪ ،‬وذلك من خالل تهديده ووعيده ألهل الكوفة باللَحو والضَرب في قوله"‬
‫أما واهلل أللحوَنكم لحو العصا‪ ،‬وألعصبنَكم عصب السلمة‪ ،‬وألضربنَكم ضرب غرائب‬
‫اإلبل"‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬في بالغة الخطاب األدبي‪ ،‬ص‪.85‬‬


‫‪ -2‬الجاحظ البيان والتبيين‪ ،‬ص‪.203‬‬
‫‪-3‬أحمد دعدوش ‪،‬أساليب الدعاية المعاصرة ‪ ،‬العدد‪.238‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬المرجع السابق ‪ ،‬العدد ‪- 238‬‬
‫‪104‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫وهي كلها نتائج لعصيان أوامره‪ ،‬في الجزء الثاني من هذا المقطع يستعين الحجاج بن‬
‫يوس ف بحج ة ج اهزة من الق رآن الك ريم ويضمَنها في قول ه‪" :‬ف َإنكم لكأه ل قري ة ك انت‬
‫آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم اهلل فأذاقها اهلل لباس الجوع‬
‫والخ وف بم ا ك انوا يص نعون‪ "...‬وهي المغالط ة الحجاجي ة ال تي اعتم دها للم رة الثاني ة‬
‫"مغالطة االستشهاد" ‪ 1‬وهي كما قدمناها سابقا "استخدام االقتباسات"اللفظية من أجل نقد‬
‫فكرة أو حدث أو شخص معين ويعتمد هذا على مصداقية المنقول عنه للتدليل على قوة‬
‫‪.‬‬
‫االقتباس وصالحيته‬

‫الحج اج بن يوسف"‬
‫أمَ ا بالنس بة لك ل من المقط ع السَادس والسَابع نالح ظ بق اء اعتم اد " َ‬
‫ألس لوب الق وة والش دة في كالم ه ويظه ر ذل ك جليَ ا في قول ه‪":‬إني واهلل ال أع د إال‬
‫وفيت‪...،‬فإيَ اي وه ذه الجماع ات وقال وقي ل ‪......‬أم ا واهلل لتس تقيمن على طري ق الح ق‬
‫أو ألدعن لك ل رج ل منكم ش غال في جس د‪ ".....‬وه و الكالم ال ذي تتجس د في ه مغالط ة‬
‫العصا ألن الحجاج يصرَح بتهديده ووعيده لبثَ الرَعب والخوف في نفوس أهل الكوفة‬
‫ب دل أن يق دم حجج ا يقبله ا السَامع‪ ،‬ولعلَ ه ذا التك رار ال ذي ش هدته المع اني في ه ذه‬
‫الخطب ة يش كل في حدَ ذات ه أس لوب مغالط ة ذل ك أن التك رار يحوَل ه ذه المع اني إلى م ا‬
‫يمكن اعتباره جزءا من الحقيقة‪،‬كما أننا نرصد بعد مالحظتنا لكامل هذه الخطبة مغالط ة‬
‫عامة ‪ -‬إن صح التعبير‪ -‬وهي مغالطة سدَ الذرائع‪ 2‬وهي كما ذكرنا آنفا – ربط حدوث‬
‫أمر ما بحدوث عدد من األمور التي تنتهي بحدث سلبي‪ ،‬وهو ما نالحظه جليا من أول‬
‫كلمة في هذه الخطبة إلى آخر كلمة فيها فالحجاج بن يوسف يربط طاعة أهل الكوفة له‬

‫المرجع نفسه ‪ ،‬العدد‪- 238‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ -2‬زهير الخويلدي‪ ،‬فن المغالطة والحجج الباطلة‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪105‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫بح دوث أم ور س لبية كالض رب واللَح و والخ وف والج وع وغيره ا من المآس ي إن لم‬
‫تتحقق هذه الطاعة ‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬خطبة أهل البصرة ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫خطب الحجاج بن يوسف خطبته الوعظية التي سنعرضها بالبصرة‪ ،‬وهي خطبة حاول‬
‫حدة وإ رشادهم‬
‫وأخف َ‬
‫َ‬ ‫"الحجاج" التأثير في أهل البصرة وإ قناعهم بأسلوب أق َل قسوة‬
‫َ‬ ‫فيها‬
‫إلى القيم األخالقية التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬مبتدئا بحمد اهلل والثناء عليه‪.‬‬

‫‪ -1‬االستراتيجية التوجيهية واإلقناعية‪:‬‬

‫المقطع األول‪:‬‬

‫"إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب اآلخرة‪ ،‬فليته كفانا مؤونة اآلخرة وأمرنا بطلب‬
‫َ‬
‫الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهَالكم ال يتعلمون‪ ‬وشراركم ال يتوبون‪ ،‬مالي أراكم‬
‫تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم"‪.1‬‬

‫أ‪-‬االستراتيجية التوجيهية‪:‬‬

‫"إن اهلل‬
‫جس ده "أس لوب التأكي د" في قول ه َ‬
‫"الحج اج بن يوس ف" فعال توجيهي ا َ‬
‫َ‬ ‫ظف‬
‫وَ‬
‫عرف ه‬
‫كفان ا ‪ )...‬وه و فع ل كالمي ين درج ض من" التقريري ات" حس ب "س يرل"‪ ،‬وق د َ‬
‫بأن ه‪ :‬غ رض تواص لي يس تخدمه المتكلم لتث بيت الش يء في نفس‬
‫علماؤن ا الق دامى َ‬
‫المخاطب وإ زالة ما علق بها من شكوك وإ ماطة ما خالجها من شبهات" ولع َل غرض‬
‫"الحجاج" من تأكيده هذا هو لفت انتباه السامع لكالمه ومنعه من الغفلة عنه‪.‬‬
‫َ‬

‫جسده "أسلوب التمني" في قوله‪":‬فليته كفانا‪"...‬‬


‫"الحجاج" بفعل كالمي آخر َ‬
‫َ‬ ‫كما استعان‬
‫السكاكي "أن نطلب كون غير الواقع فيما مض ى‬
‫يعرفه َ‬
‫وهو ‪-‬أي أسلوب التمني ‪ -‬كما َ‬
‫واقعا فيه مع حكم العقل بامتناعه "‪.2‬‬

‫‪ -‬سالمة موسى‪ ،‬أشهر الخطب ومشاهير الخطباء‪ ،‬كلمات عربية للترجمة والنشر ط ‪ 2011‬ص‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي ‪.‬التداولية عند العلماء العرب ‪،‬ص ‪.206‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪107‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫تمنى أن‬
‫"الحج اج" حيث َ‬
‫َ‬ ‫بمعنى أن يطلب المتكلم م ا هو ممتنع الوقوع‪ .‬وهو ما طلبه‬
‫نعيش اآلخرة ونطلب الدنيا مع علمه أن هذا األمر غير ممكن حصوله‪ .‬ولعل غرضه‬
‫من هذا التمني تنبيه السامع وإ رشاده إلى العمل لآلخرة في الحياة الدنيا‪.‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى أربعة حجج تخدم نتيجة واحدة‪ ،‬أي أنها تسير‬
‫في اتجاه حجاجي واحد‪.‬‬

‫النتيج ة‪ :‬إن اهلل كفان ا مؤون ة ال دنيا وأمرن ا بطلب اآلخ رة‪( .‬العم ل لآلخ رة والزه د عن‬
‫الدنيا)‬

‫الحجة األولى‪ :‬مالي أرى علماء كم يذهبون‪.‬‬

‫الحجة الثانية‪ :‬جهالكم ال يتعلمون‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬شراركم ال يتوبون‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬مالي أراكم تحرصون على ما كفيتم و تضيعون ما به أمرتم‪.‬‬

‫أورد الحج اج بن يوس ف أرب ع حجج ليخ دم النتيج ة أو الرس الة ال تي أراد أن يوص لها‬
‫إلى المخ اطب‪ ،‬والنتيج ة هي العم ل لآلخ رة باألعم ال الص الحة ممثل ة في طلب العلم و‬
‫تربية العلماء والتوبة عند الخطيئة والحرص على ما أمر اهلل تعالى به‪ ،‬ذلك أنه رأى‬
‫أه ل البص رة ع ل عكس م ا يجب أن يكون وا علي ه فعلم اؤهم ذهب وا وجهَ الهم ال يتعلم ون‬
‫وش َرارهم ال يتوب ون‪ ،‬كم ا َأنهم يحرص ون على ال دنيا ويض يعون م ا به ا أم روا وله ذا‬
‫تمنى في النتيجة التي قدمها أن يمنحنا اهلل اآلخرة ويأمرنا بطلب الدنيا‪.‬‬
‫َ‬

‫‪108‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫يمكن أن نمثل حجج المقطع األول كما يلي ‪:‬‬

‫إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا و أمرنا بطلب اآلخرة (العمل لآلخرة)‬
‫َ‬

‫مالي أراكم تحرصون على ما كفيتم و تضيعون ما به أمرتم‪.‬‬

‫شراركم ال يتوبون‬
‫َ‬

‫جهَالكم ال يتعلمون‪.‬‬

‫مالي أرى علماءكم يذهبون‪.‬‬

‫المقطع الثاني‪:‬‬

‫"إن العلم يوش ك أن يرف ع‪ ،‬ورفع ه ذه اب العلم اء‪ ،‬أال وإ ني أعلم بش َراركم من البيط ار‬
‫بالفرس الذين ال يقرأون القرآن‪ ،‬إال هجرا‪ ،‬وال يأتون الصالة إال دبرا"‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫"إن‬
‫"الحج اج" للم رة الثاني ة بأس لوب التأكي د بتوظيف ه أدوات التوكي د في قول ه‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫اس تعان‬
‫العلم ‪َ ........‬إني أعلم ‪ "....‬وكم ا قلن ا آنف ا فأس لوب التأكي د يع د من األفع ال الكالمي ة‬

‫‪ -‬سالمة موسى‪ ،‬أشهر الخطباء ومشاهير الخطباء‪ ،‬ص‪26‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪109‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫"الحج اج‬
‫َ‬ ‫باعتباره ينتمي إلى صنف "التقريريات حسب تصنيف "سيرل"‪ ،‬ولع َل توظيف‬
‫بن يوسف" ألسلوب التأكيد هو إدراج مسؤوليته عن صحة ما يتلفظ به‪.‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫تنقس م البني ة الحجاجي ة في ه ذا المقط ع إلى ثالث ة حجج ونتيج ة ح اول "الحج اج بن‬
‫يوس ف" من خالله ا أن ي ؤثر في المخ اطب ويقنع ه بأفك اره ومعتقدات ه متوس ال مجموع ة‬
‫من الحجج‪.‬‬

‫إن العلم يوشك أن يرفع‪ ،‬ورفعه ذهاب العلماء‪.‬‬


‫النتيجة‪َ :‬‬

‫بشراركم من البيطار بالفرس‪.‬‬


‫الحجة األولى‪َ :‬إني أعلم َ‬

‫الحجة الثانية‪ :‬الذين ال يقرأون القرآن إالَ هجرا‪.‬‬

‫الحجة الثالثة ‪ :‬ال يأتون الصالة إال دبرا ‪.‬‬

‫بشراركم من البيطار بالفرس‪.‬‬


‫الحجة األولى‪ :‬إني أعلم َ‬

‫ألن ه استمدها من الواقع‬


‫حج ة واقعية َ‬
‫"الحج اج بن يوسف" َ‬
‫َ‬ ‫كانت هذه الحجة التي قَدمها‬
‫واس تند فيه ا على علم ه وعلم أه ل البص رة بأه ل البيط ار ب الفرس وهم ق وم –حس به– ال‬
‫يقرأون القرآن وال يقيمون الصالة‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫بالحج ة األولى أراد‬


‫َ‬ ‫حجتان لهما عالقة حجاجية تفسيرية‬
‫الحجة الثانية والثالثة فهما َ‬
‫أما َ‬‫َ‬
‫البد‬
‫بأن العلم زال ولهذا َ‬
‫بهما " المخاطب الوصول إلى النتيجة وهي إقناع أهل البصرة َ‬
‫من العودة إلى االرتقاء بالعلم واحترام مرتبة العلماء وقدسية الصالة‪.‬‬

‫وال ب د أن نش ير إلى أن " الحج اج " ق د رب ط حجج ه ه ذه براب ط مثَل ه ح رف العط ف‬


‫"الواو"‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫زوال العلم وذهاب العلماء‪.‬‬

‫ال يأتون الصالة إال دبرا‪.‬‬

‫الذين ال يقرأون القرآن إال هجرا‪.‬‬

‫بشراركم من البيطار بالفرس‪.‬‬


‫إني أعلم َ‬

‫المقطع الثالث‪:‬‬

‫"أال وإ َن ال دنيا ع رض حاض ر يأك ل منه ا ال َبر والف اجر أال وإ َن اآلخ رة أج ل مس تأخر‬
‫يحكم فيه ا مل ك ق ادر‪ ،‬أال ف اعلموا وأنتم من اهلل على ح ذر واعلم وا أنكم مالق وه ليج زي‬
‫الذين أساءوا بما عملوا‪ ،‬ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬
‫‪ -‬سالمة موسى‪ ،‬أشهر الخطب ومشاهير الخطباء‪ ،‬ص‪27‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪111‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ظ ف الحج اج بن يوس ف في ه ذا المقط ع أفع اال أمري ة متض َمنة في قول ه‪" :‬أال‬
‫لق د و َ‬
‫ف اعلموا ‪ .......‬واعلم وا " وه و األس لوب ال ذي يعرف ه الش ريف الجرج اني " بأن ه طلب‬
‫الفعل غير الكف"‪ ،1‬و تعد هذه األفعال أفعال مباشرة حسب تصنيف "سيرل"‪ 2‬غرضها‬
‫النص ح واإلرش اد‪،‬أراد المتكلم به ا إقن اع أه ل البص رة بمعتقدات ه وأفك اره ‪،‬كم ا أن ه ذا‬
‫َ‬
‫المتضمن في‬
‫َ‬ ‫المقطع الخطابي يشكل "رواية " لخبر يندرج ضمن "درجة الشدة للغرض‬
‫الق ول" ف المخبر عن ه في ه ذا المقط ع أم را عام ا ال يختص بمعين وه و بلغ ة "س يرل"‬
‫يندرج ضمن صنف التقريريات ‪.3assertifs‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى نتيجة و حجتين تخدمان هذه النتيجة‪.‬‬

‫النتيج ة‪ :‬أال وإ ن ال دنيا ع رض حاض ر يأك ل منه ا ال بر والف اجر أال وإ ن اآلخ رة أج ل‬
‫مستأخر يحكم فيها ملك قادر‪.‬‬

‫الحجة األولى‪ :‬أال فاعلموا وأنتم من اهلل على حذر‪.‬‬

‫الحجة الثانية‪ :‬اعلموا َأنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا‬
‫بالحسنى‪.‬‬

‫الحج اج بن يوسف " في تقديمه للنتيجة "باإلستعارة" في قوله‪...":‬يأكل‬


‫لقد استعان " َ‬
‫منه ا ال َبر و الف اجر " وك أن ال دنيا طع ام يأك ل من ه التَقي والعاص ي هلل ع َز وج َل‬

‫‪1‬‬
‫مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص ‪- 107‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص ‪.136-135‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪112‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫لقوتها في‬
‫ولالستعارة ‪-‬كما قلنا آنفا‪ -‬أثرها البالغ في نفس السامع وقدرتها على إقناعه َ‬
‫تجسيد الداللة المعنوية‪.‬‬

‫الحجة األولى‪ :‬أال فاعلموا وأنتم من اهلل على حذر‪.‬‬

‫أراد الحج اج من خالل ه ذه العب ارة أن يلفت إلي ه االنتب اه ب أداة االس تفتاح "أال" ف القوة‬
‫بأن ه "الطلب بلين ورفق"‪.1‬‬
‫عرفه العلماء َ‬
‫المتضمنة في هذا الحرف هي "العرض " وقد َ‬
‫َ‬
‫عز و جل‪ ،‬والغرض من‬
‫"فالحجاج بن يوسف" يطلب من أهل البصر الحذر من الرقيب َ‬
‫طلبه هذا النصح و اإلرشاد‪.‬‬

‫الحجة الثانية‪ :‬اعلمو أنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا‬
‫بالحسنى‪.‬‬

‫المقدمة األولى ‪ :‬اعلموا َأنكم مالقوه ‪.‬‬

‫لق د ك َرر "الحج اج بن يوس ف" لفظ ة "اعلم وا" وه و تك رار يطل ق علي ه علم اء النح و‬
‫التوكيد اللفظي‪ ،‬الغرض منه منع المتكلم غفلة السامع عنه‪ ،2‬حيث أراد الحجاج أن يذكر‬
‫جل ليحاسبهم على أعمالهم‪.‬‬
‫عز و َ‬
‫أهل البصرة بأنهم سيلتقون اهلل َ‬

‫المقدمة الثانية‪ :‬ليجزي الذين أساءوا بما عملوا‪.‬‬

‫الحج ة حجة تفسيرية للحجة التي قبلها‪ ،‬فالمخاطب أراد أن يخبر السامع ماذا‬
‫تعد هذه َ‬
‫سيحدث عند لقاء الخالق بخلقه باعتبار أن اهلل تعالى سيجزي الذين أساءوا بما عملوا ‪.‬‬

‫المقدمة الثالثة‪ :‬ويجزي الذي أحسنوا بالحسنى‪.‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.206‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪113‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫تعد هذه الحجة أيضا حجة تفسيرية أخرى تمنح السامع تعليال آخر لما سيحصل يوم‬
‫الحساب ألن اهلل سبحانه وتعالى سيكافئ الذين أحسنوا بالحسنى و يجزيهم على ما فعلوا‬
‫من خير‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي‪:‬‬

‫تمثل حجج المقطع الثالث في السلم الحجاجي كما يلي‪:‬‬

‫العمل في الدنيا من أجل اآلخرة‪.‬‬

‫اعلم وا أنكم مالق وه ليج زي ال ذين أس اءوا بم ا عمل وا ويج زي ال ذين أحس نوا‬
‫بالحسنى‪.‬‬

‫أال فاعلموا وأنتم من اهلل على حذر‪.‬‬

‫المقطع الرابع‪:‬‬

‫الجن ة‪ ،‬أال وإ َن من يعم ل مثق ال ذرة خ يرا ي ره‪ ،‬ومن‬


‫وأن الخ ير كلَ ه بح ذافيره في َ‬
‫"أال َ‬
‫يعمل مثقال ذرة شرا يره‪ ،‬واستغفر اهلل لي ولكم"‪.1‬‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫استعان المخاطب في مقطعه األخير من الخطاب بأسلوبي اإلغراء والتحذير‪ ،‬فاإلغراء‬


‫يعرف ه "ابن هش ام" ‪:‬‬
‫الجن ة " وهو كم ا َ‬
‫وأن الخ ير كل ه بح ذافيره في َ‬
‫ورد في قول ه ‪" :‬أال َ‬
‫"تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه‪ ،‬أو ليفعله‪.2‬‬

‫‪ -‬سالمة موسى أشهر الخطب ومشاهير الخطباءص‪.27‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬د‪.‬مسعود صحراوي ‪.‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪114‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الشر كلَ ه بحذافيره في النار ‪ "...‬وهو ‪ -‬كما‬


‫وأن َ‬‫أما التحذير فقد ورد في قوله‪" :‬أال َ‬
‫َ‬
‫ورد تعريفه سابقا ‪ -‬تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه‪.‬‬

‫وهما جميعا أي اإلغراء والتحذير‪ ،‬من األفعال الكالمية باعتبارهما يهدفان إلى التأثير‬
‫في المخاطب وحمله على أداء فعل ما فإذا رغب المتكلم من المخاطب أن يجتنب أمرا‬
‫إن أس لوبي "اإلغ راء‬
‫مكروه ا أدى رغبت ه تل ك بالتح ذير‪ ،‬وبمص طلحات "س يرل " ف َ‬
‫والتحذير" ينتميان إلى صنف األمريات‪.1‬‬

‫وقد أعاد إيراد أسلوبي اإلغراء والتحذير اقتباسا من القرآن الكريم في قوله‪" :‬أال من‬
‫يعمل من مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل من مثقال ذرة شرا يره "‪ ،2‬وقد كان الغرض‬
‫من ذل ك النص ح واإلرش اد والتوجي ه ومحاول ة إلقن اع "أه ل البص رة"‪ .‬ه ذا باإلض افة إلى‬
‫"الحجاج بن يوسف "بالدعاء في قوله "استغفر اهلل لي ولكم "‪.‬‬
‫َ‬ ‫استعانة‬

‫يعرف ه "نجم ال دين الك اتبي" "يس مى األم ر دع اء إذا خض ع المتكلم‬


‫وال دعاء كم ا َ‬
‫للمخاطب "‪ ،‬فالمخاطب أو المتكلم في هذه العبارة يطلب من اهلل عز وجل المغفرة وهو‬
‫خاضع إليه‪،‬وخروج األمر إلى الدعاء حسب معايير "سيرل" يكون المعيار المطبق فيه‬
‫هو معيار "الشروط المعدة" ‪.3 conditions préparatoires‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية‪:‬‬

‫تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى ثالث حجج ‪:‬‬

‫الجنة‪.‬‬
‫الحجة األولى‪ :‬أال وإ َن الخير كله بحذافيره في َ‬

‫‪ -‬المرجع نفسه ص ‪.213‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.‬سورة الزلزلة ‪،‬اآلية ‪- 9-8‬‬
‫‪ -3‬مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪.207‬‬
‫‪115‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الحجة الثانية‪ :‬أال وإ َن الشر كله بحذافيره في النار‪.‬‬

‫الحجة الثالثة‪:‬أال ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ‪.‬‬

‫وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره‪.‬‬


‫المقدمة األولى‪ :‬أال َ‬

‫المقدمة الثانية‪ :‬من يعمل مثقال ذرة شرا يره‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬استغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫لقد استوحى "الحجاج بن يوسف" معاني هذه الحجج كلها من القرآن الكريم موظفا إياها‬
‫في خطابه ألهل البصرة‪.‬‬

‫الجنة ‪.‬‬
‫وأن الخير كلَه بحذافيره في َ‬
‫الحجة األولى‪ :‬أال َ‬

‫أي‬
‫أن ك ل س لوك خ ير يص در من َ‬
‫أراد "الحج اج " به ذه الحج ة أن يقن ع أه ل البص رة ب َ‬
‫"إن" ليضفي قوة على كالمه‪.‬‬
‫جنة الخلد‪ ،‬مستعينا بأداة التوكيد َ‬
‫عراقي هو الطريق إلى َ‬

‫الشر كلَه بحذافيره في النار‪.‬‬


‫وأن َ‬
‫الحجة الثانية‪ :‬أال َ‬

‫المؤدي إلى نار جهنم مستعينا‬


‫َ‬ ‫الشر هو الطريق‬
‫أن َ‬ ‫يؤ َكد "المخاطب "في هذه العبارة َ‬
‫كذلك بأداة التوكيد "إن "‪ ،‬كما أننا نستشعر أن في هذه العبارة أسلوب "الترهيب " عكس‬
‫ما جاء في الحجة األولى التي اتسمت بأسلوب "الترغيب " حيث حاول "المخاطب" تنبيه‬
‫والشر‪.‬‬
‫َ‬ ‫أهل البصرة على التزام طريق الحق والخير واجتناب طريق الباطل‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬أال وإ ن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‪.‬‬
‫مقدمة أولى ‪ +‬مقدمة ثانية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫تنسب هذه الحجة إلى الحجج الجاهزة فهي ليست من إنتاج المرسل (المخاطب) بقدر ما‬
‫هي منقولة عن لسانه فهي نص قرآني استشهد به "الحجاج بن يوسف" لمالءمته المعنى‬
‫العام للخطاب وتوفره على المقاصد التي أراد "المخاطب أن يوصلها ألهل البصرة من‬
‫ت رغيب وت رهيب ومحاول ة للت أثير فيهم وإ قن اعهم بمبادئ ه ومعتقدات ه وترس يخ فك رة في‬
‫أن اهلل ع َز و ج َل ي رى ك ل واح د منهم س واء أك ان ه ذا العم ل حس نا أم‬
‫أذه انهم وهي َ‬
‫سيئا‪ .‬مستعينا بأداة التوكيد "إن" لتأكيد ذلك‪.‬‬

‫الحجة الرابعة‪ :‬استغفر اهلل لي ولكم‪.‬‬

‫يمكن أن نص َنف ه ذه العب ارة ال تي ج اءت بص يغة "ال دعاء" ‪ -‬أيض ا – ض من الحجج‬
‫الج اهزة باعتباره ا ملفوظ ا لم ينتج ه المتكلم وإ نم ا نقل ه على لس انه ألن ه ي ؤدي غرض ا‬
‫"الحج اج"‬
‫َ‬ ‫قصده "الحجاج بن يوسف" وهو طلب المغفرة‪ ،‬ولع َل هذه الحجة التي أوردها‬
‫كان يرمي من ورائها إلى إقناع أهل البصرة بأنه جزء منهم وأنه وال راع لمصالحهم‪.‬‬

‫السلم الحجاجي‪:‬‬

‫قوة هذه الحجج على السلم الحجاجي كاآلتي ‪:‬‬


‫يمكن أن نصنف َ‬

‫"الحجاج" أهل البصرة بالقيم األخالقية التي أمر بها اهلل تعالى عباده‬
‫َ‬ ‫تذكير‬

‫وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ‪.‬‬
‫أال َ‬

‫استغفر اهلل لي و لكم‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫أال إن الشر كلَه بحذافيره في النار‪.‬‬

‫الجنة‪.‬‬
‫أال وإ َن الخير كلَه بحذافيره في َ‬

‫‪ -2‬أساليب المغالطة‪:‬‬

‫أن ك ل ق ارئ له ذه الخطب ة يك ون ق د اطل ع على خطب "الحج اج بن يوس ف"‬


‫ال شكَ َ‬
‫العدي دة في أه ل الع راق والكوف ة يش عر بق وة الإختالف في أس لوبها والتَم ايز في ألفاظه ا‬
‫ومعانيها مقارنة بتلك الخطب‪ ،‬فالمالحظ أن "الحجاج" في هذه الخطبة أخف بطش ا وأقل‬
‫حدة وأك ثر لطفا‪ ،‬وه ذا أم ر ط بيعي إذا م ا تمَ تص نيف ه ذه الخطب ة ض من الخطب‬
‫َ‬
‫الوعظية السياسية أو الخطبة الوعظية التي لها هدف سياسي – إن صح هذا التعبير–‬
‫إال أن هذه الخطبة ال تخلو من المغالطات الحجاجية التي اعتمدها "الحجاج" إلقناع أهل‬
‫البص رة والت أثير في نفوس هم واس تمالة عق ولهم وأول أس لوب مغالط ة يمكنن ا أن نكش ف‬
‫‪1‬‬
‫عن ه موج ود في أول مقط ع من ه ذه الخطب ة ش كلته مغالط ة "الاحتك ام إلى الس لطة"‬
‫فالحج اج بن يوسف يحتكم إلى سلطة اهلل سبحانه وتعالى ليؤثَر في نفوس أهل البصرة‬
‫َ‬
‫ولعل هذه‬
‫َ‬ ‫ويكسب اقتناعهم بقوله‪":‬إنَ اهلل كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب اآلخرة ‪"....‬‬
‫الجملة التي جاءت في بداية الخطبة كان لها وقع قوي على نفس السَامع البصري ألن‬
‫السامع إليه من أوَل وهلة يلقي‬
‫اعتماد "الحجاج" سلطة اهلل عزَ وجل يجعله متيقنا من شدَ َ‬
‫فيها خطابه‪.‬‬

‫يواص ل الحج اج خطاب ه بمغالط ة حجاجي ة أخ رى في ه ذا المقط ع مجس دا مغالط ة‬


‫حجاجي ة أخ رى وهي مغالط ة "التم اس المش اعر"‪َ 2‬‬
‫مثلته ا النص ائح ال تي قدَمها الحج اج‬

‫‪ -1‬زهير الخويلدي‪ ،‬فن المغالطة والحجج الباطلة‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ -2‬المرجع السابق ص‪. 11‬‬
‫‪118‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫وجه الكم ال يتعلم ون وشرَاركم ال‬


‫أله ل البص رة في قول ه‪ ":‬م الي أرى علماءكم ي ذهبون َ‬
‫يتوب ون‪ ،‬م الي أراكم تحرص ون على م ا كفيتم‪،‬وتضيَعون م ا ب ه أم رتم"‪ ،‬وال تي ش ملت‬
‫"إن العلم يوشك أن يرفع ورفعه ذهاب‬
‫كذلك الجزء األول من المقطع الثاني في قوله‪َ :‬‬
‫العلماء"‪-‬فالمخاطب يقدم حججه مغالطا بإثارة مشاعر السامع و استهوائه ‪.‬‬

‫بشراركم من البيط ار‬


‫في المقط ع الث اني من الخطب ة يق ول الحج اج‪" :‬أال وإ ني أعلم َ‬
‫بالفرس الذين ال يقرأون القرآن إال هجرا وال يأتون الصالة إال دب را‪ "......‬وهو الكالم‬
‫الذي تظهر فيه مغالطة الشَخص نة أو القدح الشخصي جليَ ة وواضحة ذلك أن المخاطب‬
‫يقوم بتوجيه نقد وقدح مباشر ألشخاص البيطار والفرس بدل من أن يأتي بحجة مقنعة‬
‫وه و األم ر ال ذي نلمس في ه التمي يز الط ائفي ال ذي ش هده العص ر األم وي‪ ،‬فالحج اج بن‬
‫يوسف يحاول إقناع أهل البصرة بما فيهم من مساوئ وجعلهم يعترفون بها‪.‬‬

‫أما في المقطع الثالث نالحظ المخاطب يعود إلى مغالطة التماس المشاعر وكذا مغالطة‬
‫الاحتكام إلى السَلطة مع الاستعانة بمغالطة االستشهاد حيث يقول‪":‬أال وإن الدنيا عرض‬
‫حاضر يأكل منها البرَ والفاجر أال وأن اآلخرة أجل مستأخر يحكم فيها ملك قادر"‪.‬‬

‫إنَ ه ذه المقابل ة ال تي عق دها المخ اطب بين ال دنيا واآلخ رة م ا هي إال حجَ ة ج اهزة‬
‫الحج اج بن يوسف" من مع اني الق رآن الك ريم وضمَنها في خطبت ه ه ذه‪،‬وذل ك‬
‫اقتبس ها " َ‬
‫من أج ل إث ارة مش اعر المتلقي‪ ،‬ورغم أنن ا نصنَف ه ذه الجمل ة ض من الحجج الج اهزة‬
‫"الحجاج" إال أنها تبقى في جزء منها مغالطة الهدف منها استمالة أهل‬
‫َ‬ ‫التي استشهد بها‬
‫البصرة‪.‬‬

‫يتابع الحجاج مقابلته هذه في قوله ‪":‬أال فاعلموا وأنتم من اهلل على حذر واعلموا أنكم‬
‫مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "وهو القول الذي‬
‫‪119‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫يحتكم في ه المخ اطب إلى سلطة اهلل عز وج ل مرة أخ رى‪،‬محاوال ترهيب أهل البصرة‬
‫من النَ ار وت رغيبهم في الجن ة‪،‬وبالت الي اقن اعهم بأفك اره ومبادئ ه األخالقي ة وحنكت ه‬
‫السياسية‪،‬التي أراد أن يقرَرها في أذهان أهل البصرة‪.‬‬

‫في المقطع الرابع يبقى الحجاج سائرا في اتجاهه السياسي الوعظي الذي انتهجه من‬
‫أول خطبت ه مصرَا على تق ديم مغالطات ه المنطقي ة أو ب األحرى مغالطات ه الحجاجي ة‬
‫قائال‪":‬أال وإن الخير كله بحذافيره في الجنة‪،‬أال وإن الشرَ كله بحذافيره في النار‪،‬أال وإن‬
‫من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره واستغفروا اهلل لي ولكم"‬
‫وهي الحجة المقتبسة في جزء منها من سورة"الزلزلة"والتي استشهد بها الحجاج تعزيزا‬
‫لموقفه وحججه‪.‬‬

‫والمتتبع للخطاب السياسي يجده مشبعا بالمفاهيم الدينية باعتبارها السَلطة العليا التي‬
‫ال يمكن الحي اد عنه ا‪،‬وق د وظَ ف الحج اج بن يوس ف اآلي ات القرآني ة في خطبت ه ه ذه‬
‫توظيفا سياسيا نفعيا‪،‬إذ وضعت قوته التأثيرية في خدمة أغراض سياسية وهو التوظيف‬
‫ال ذي تمثَل ه مغالط ة الاحتك ام إلى الس لطة‪ ،‬فالحج اج يحتكم إلى س لطة اهلل ع ز وج ل من‬
‫خالل اآلية التي تضمَنها خطابه‪ ،‬والتي تعني أن العامل للخير مأواه الجنة والعامل للشر‬
‫مأواه جهنَم وهو األمر الذي نستخلص منه التالي‪ :‬أن هذه اآلية القرآنية جاءت كردَ فعل‬
‫على فع ل اجتم اعي غ ير مرغ وب فيه‪ 1‬وله ذا على أه ل البص رة أن يعمل وا على الخ ير‬
‫ويجتنبوا الشر‪.‬‬

‫ثالثا‪-‬خطبة الحجاج بن يوسف في مقتل "عبد اهلل ابن الزبير"‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الحراصي‪ ،‬دراسات في االستعارة المفهومية‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫‪120‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الن اس‬
‫الحج اج َ‬
‫ارتجت م َكة بالبكاء فأمر َ‬
‫الحجاج بن يوسف "عبد اهلل ابن الزبير" َ‬
‫لما قتل َ‬
‫َ‬
‫فجمعوا بالمسجد ‪ ،‬ثم صعد المنبر فحمد اهلل وأثنى عليه ثم قال خطبته هذه ‪.‬‬

‫‪ -1‬االستراتيجية التوجيهية واالقناعية ‪:‬‬

‫المقطع األول‪:‬‬

‫" يا أهل مكة ‪ :‬بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم قتل "عبد اهلل ابن الزبير"‪ ،‬أال وإ َن ابن‬
‫األم ة ‪ ،‬ح تى رغب في الخالف ة ‪ ،‬ون ازع فيه ا أهله ا ‪ ،‬فخل ع‬
‫الزب ير ك ان من خي ار ه ذه َ‬
‫‪1‬‬
‫واستكن بحرم اهلل "‬
‫َ‬ ‫طاعة اهلل‬

‫أ‪-‬األفعال التوجيهية‪:‬‬

‫الن داء في قول ه ‪" :‬ي ا‬


‫"الحج اج بن يوس ف" في ه ذا المقط ع من خطاب ه أس لوب َ‬
‫َ‬ ‫ظف‬
‫وَ‬
‫الن داء يقتضى (يطلب) به َأوال‬
‫"فإن َ‬
‫يعرفه الفارابي بقوله‪َ :‬‬
‫أهل م َكة ‪ ، "...‬وهو أسلوب َ‬
‫‪2‬‬
‫النداء "‬
‫من الذي نودي اإلقبال بسمعه وذهنه على الذي ناداه منتظرا لما يخاطبه به بعد َ‬

‫النداء لفت انتباه أهل م َكة لما سيقوله المخاطب ‪ ،‬ويمكن أن‬
‫وقد كان الغرض من هذا َ‬
‫الن داء" باعتب اره فعال كالمي ا ض من م ا يس مى ( الطلبي ات) حس ب تص نيف‬
‫نص َنف " َ‬
‫"الحج اج" بأسلوب التوكيد‬
‫َ‬ ‫المتضمن فيه هو طلب اإلقتناع ‪ ،‬كما استعان‬
‫َ‬ ‫"سيرل " فالفعل‬
‫الس امع‬
‫في قول ه‪ " :‬أال وإ َن الزب ير ‪ "..‬وه و فع ل كالمي يتض َمن تقري ر الق ول في نفس َ‬
‫يندرج ضمن " التقريريات" حسب تصنيف " سيرل "‪.‬‬

‫‪ -11‬أمير بن محمد المددي ‪،‬الحجاج بن يوسف الثقفي ‪(،‬دماء وعطاء) ص‪44-43‬‬


‫‪ -22‬مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص‪115‬‬
‫‪121‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ه ذا باإلض افة إلى توظيف ه أس لوب الم دح وه و أس لوب إنش ائي أحدث ه وأنش ئه المتكلَم‬
‫الس ابق ال ذي‬
‫األمة ‪ "...‬ليؤثَر في قوة الفعل الكالمي َ‬
‫"إن الزبير كان من خيار هذه َ‬
‫بقوله َ‬
‫معدا للمدح ‪.‬‬
‫النداء حيث يعد هذا القول شرطا َ‬
‫مثَله أسلوب َ‬

‫أهم المب ادئ ال تي ت ؤثَر في هوي ة األفع ال‬


‫ومب دأ "الش روط المع َدة "يعت بره "س يرل "من َ‬
‫خاص ة‬
‫َ‬ ‫معينة ‪،‬‬
‫قوتها وتصنيفها أيضا‪ ،‬وفحواه أن تجتمع ظروف تداولية َ‬ ‫الكالمية وفي َ‬
‫ثم على " الخطاب "وتجعل من‬
‫قوة أحدهما ‪ ،‬وتؤثَر من َ‬
‫فتغير من َ‬
‫بالمتكلم أو المخاطب َ‬
‫الفعل فعال كالميا ناجحا أو فاشال ‪.1‬‬

‫ب‪-‬األساليب اإلقناعية ‪:‬‬

‫تنقسم البنية الحجاجية لهذا المقطع إلى ثالث حجج و كانت النتيجة ضمنية وهي تبرير‬
‫مقتل الحجاج ‪.‬‬

‫الحجة األولى ‪ :‬يا أهل م َكة بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم قتل "عبد اهلل ابن الزبير"‬

‫األمة ‪.‬‬
‫الحجة الثانية ‪ :‬أال وإ َن ابن الزبير كان من خيار هذه َ‬

‫الحجة الثالثة‪ :‬حتَى رغب في الخالف ة ون ازع فيه ا أهله ا فخل ع طاع ة اهلل ‪ ،‬واس تكن‬
‫بحرم اهلل‪.‬‬

‫لق د اتس مت ه ذه الحجج الثالث ب القوة في طرحه ا وذل ك من خالل األدوات الحجاجية‬
‫أن "عبد اهلل ابن‬
‫الحج اج ابن يوسف " إلقناع أهل م َك ة بالنتيجة وهي َ‬
‫التي استعان بها " َ‬
‫لتمرده على قوانين الخالفة ‪.‬‬
‫الزبير "يستحق القتل َ‬

‫‪ -11‬مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب ‪ ،‬ص‪. 77‬‬


‫‪122‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫"الحج اج ابن يوسف " كانت واضحة في هذا المقطع وهي إصراره‬
‫َ‬ ‫نالحظ أن َرسالة‬
‫"وأن ه بريء‬
‫حق في قضية قتله " عبد اهلل ابن الزبير َ‬
‫بأن ه صاحب َ‬
‫على اقناع أهل م َك ة َ‬
‫يظنون ‪ ،‬وإلثبات ذلك قام بتقديم مجموعة من الحجج التي كانت لها وقعا قويا على‬
‫مما َ‬
‫نف وس المس تمعين ‪ ،‬وال تي اس تعان فيه ا بمجموع ة من الرواب ط الحجاجي ة على غ رار‬
‫الرابط " حتَى في الحجة الثالثة وتحديدا في قوله ‪" :‬حتى رغب في الخالفة ونازع فيها‬
‫أهلها ‪"...‬‬

‫بد أن‬
‫ولتحديد أهمية هذا الرابط في إيصال المقصد الذي كان يرمي إليه " المتكلم "ال َ‬
‫مي ز‬
‫نراج ع م ا قدم ه " أزفال د ديك رو "فيم ا يخص الرواب ط و العوام ل الحجاجي ة ‪ ،‬حيث َ‬
‫هذا األخير بين صنفين من المؤشرات و األدوات الحجاجية ‪:‬‬

‫متغيرات حجاجية ( أي بين‬


‫العوامل الحجاجية ‪ : les opérateurs‬وهي ال تربط بين َ‬
‫ولكنه ا تق وم بحص ر وتقيي د اإلمكان ات الحجاجي ة ال تي‬
‫حج ة ونتيج ة أو بين مجموع ة ) َ‬
‫َ‬
‫ربم ا‪ ،‬تقريب ا‪ ،‬ك اد‪ ،‬إالَ ‪ ...‬وج ل أدوات‬
‫تك ون لق ول م ا وتض م َاألدوات التالي ة ‪َ ( :‬‬
‫القصر )‬

‫حج تين على‬


‫الرواب ط الحجاجي ة ‪: les connecteurs‬فترب ط بين ق ولين أو بين َ‬
‫أم ا َ‬
‫َ‬
‫األص ح ( أو أك ثر)‪ ،‬وتس ند لك ل ق ول دورا مح َددا داخ ل االس تراتيجية الحجاجي ة العام ة‬
‫‪1‬‬
‫ويمكن التمثيل للروابط باألدوات التالية ‪ (:‬حتى‪،‬لكن‪،‬ال سيما إذن‪.)...‬‬

‫وق د اس تعان المخ اطب في ه ذا المقط ع بالراب ط "حتَى" في الحج ة الثالث ة وتحدي دا في‬
‫قول ه ‪" :‬ح تى رغب في الخالف ة ونازع فيها أهله ا ‪ ،"...‬وهو راب ط ي د َل على الغاية ف‬
‫"الحج اج بن يوس ف " ك انت غايت ه الجل وس على‬
‫َ‬ ‫"عب د اهلل ابن الزب ير" حس ب مقص د‬

‫‪ -11‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة والحجاج‪ ،‬ص‪. 27‬‬


‫‪123‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫والبد أن نشير هنا إلى أن‬


‫َ‬ ‫كرسي الخالفة والدليل على ذلك َأنه نازع أهل الخالفة فيها‪،‬‬
‫َالرابط "حتَى"يدرج الحجة األقوى حسب اصطالح النظرية الحجاجية‪ ،1‬كما َأن ه يستعمل‬
‫للحج اج واإلقن اع لتحقيقه ا االنس جام الت داولي والحج اجي وه و م ا أراده الحج اج من‬
‫خطابه هذا ‪.‬‬

‫ج‪-‬السلم الحجاجي ‪:‬‬

‫يمكن أن نرتب الحجج على السلم الحجاجي حسب قوة كل حجة كمايلي ‪:‬‬

‫دواعي قتل "عبد اهلل ابن الزبير"‬

‫حتى رغب في الخالفة ونازع فيها أهلها‪،‬فخلع طاعة اهلل واستكن بحرم‬
‫اهلل‪.‬‬

‫األمة‪.‬‬
‫أال وإ َن ابن الزبير كان من خيار هذه َ‬

‫يا أهل م َكة بلغني بكاؤكم وأسفكم واستظاعكم "قتل عبد اهلل ابن الزبير"‪.‬‬

‫المقطع الثاني‪:‬‬

‫ألن اهلل تعالى خلقه‪ ،‬بيده ‪ ،‬ونفخ‬


‫الجنة َ‬
‫"ولو كان شيء مانع للعصاة لمنعت آدم حرمة َ‬
‫جنته‪،‬فلما عصا أخرجه من‬
‫فيه من روحه‪ ،‬وأسجد له مالئكته وأباحه كرامته وأسكنه َ‬
‫‪2‬‬
‫الجنة بخطيئته "‬
‫َ‬

‫أن المخاطب كان قد انتهج أسلوبا‬


‫تأملية لهذا المقطع من الخطاب نالحظ َ‬
‫بعد قراءة َ‬
‫حجت ه‪ ،‬وذل ك من خالل اعتم اده على الق وة "‪ "la force‬في كالم ه وه و‬
‫آخ ر في تق ديم َ‬
‫‪ -11‬المرجع السابق ص‪181،‬‬
‫‪ -22‬أمير بن محمد المددي ‪،‬الحجاج بن يوسف الثقفي ‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪124‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫المفه وم ال ذي تح َدث عن ه فالس فة اللغ ة العادي ة في الق وة اإلنجازي ة للكالم " ‪force‬‬
‫ة "‪force‬‬ ‫وة الحجاجي‬ ‫ه عن الق‬ ‫رو" في حديث‬ ‫د ديك‬ ‫‪ "illocutoire‬و"أزفال‬
‫الحج اج‬ ‫‪1‬‬
‫‪ " argumentative‬وهي الق وة ال تي نرص دها في ه ذا المقط ع من خط اب " َ‬
‫قص ة آدم علي ه‬
‫الحج ة الج اهزة اس تعارها من َ‬
‫تعم د المخ اطب توظي ف َ‬
‫بن يوس ف" حيث َ‬
‫الجنة واسقاطها على السياق ال ذي ورد فيه‬
‫عز وجل و حرمانه من َ‬
‫السالم ومعصيته هلل َ‬
‫الحج اج " لتبرير مقتل " عبد اهلل‬
‫قدمها " َ‬
‫خطابه والذي كان في مجمله عبارة عن حجج َ‬
‫قوة عظيمة‬
‫وأن للكلمات َ‬
‫ابن الزبير " وهذا كلَه يبين أن للكالم سلطانا ما بعده سلطان ‪َ ،‬‬
‫ال تخفى ‪ ،‬وتأثيرا قويا ال ينكر ‪.‬‬

‫ظ ف مظه را من مظ اهر اس تراتيجيات الخط اب وه و‬


‫"الحج اج "و َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ه ذا باإلض افة إلى َ‬
‫"المص داقية ‪ "crédibilité‬ال تي تتمثَ ل عن د المتكلَم في تحدي د (موق ع ص دق) بحيث‬
‫الحج اج بن يوسف" نفسه في‬ ‫‪2‬‬
‫الجد" ولتحقيق هذه الغاية وضع " َ‬
‫يمكن ‪...‬أن يؤخذ مأخذ َ‬
‫وضعية تلفَظية تتَسم بالحياد وهو وضع يحمله في طريقة احتجاجه على محو ك َل أثر‬
‫حجت ه الج اهزة ال تي اس تعارها من‬
‫لحكم أو تق ييم شخص ي حيث نلمس ذل ك في تق ديم َ‬
‫قصة آدم عليه السالم ‪.‬‬
‫َ‬

‫المقطع الثالث‪:‬‬

‫والجن ة أعظم حرم ة من الكعب ة ف اذكروا اهلل‬


‫َ‬ ‫" وآدم أك رم على اللَ ه من ابن الزب ير‪،‬‬
‫يذكركم‪" .‬‬

‫‪ -31‬أبو بكر العزاوي ‪ ،‬اللغة والحجاج ‪،‬ص‪.134‬‬


‫‪ -12‬باتريك شارودو ‪ ،‬دومينيك منغنو ‪ ،‬تحليل الخطاب ‪،‬ص ‪.151‬‬
‫‪125‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫الحج اج بن يوسف" كان قد‬


‫أن مسار الخطاب الذي ألقاه " َ‬
‫رأينا في المقطع الذي سبق َ‬
‫الحج ة الجاهزة ‪ ،‬ونحن اآلن‬
‫تغيرا كبيرا من خالل اعتماد القوة الحجاجية وتقديم َ‬
‫عرف َ‬
‫"الحج اج بن يوس ف"‬
‫َ‬ ‫التغي ر وذل ك من خالل رص د‬
‫في ه ذا المقط ع نالح ظ امت داد ه ذا َ‬
‫"الجنة"و"والكعبة"‪ ،‬باإلضافة إلى اعتماده‬
‫َ‬ ‫لوجه االختالف الكبير بين "آدم" و"ابن الزبير"و‬
‫والجن ة أعظم حرمة من‬
‫َ‬ ‫أسلوب التفضيل في قوله‪":‬و آدم أكرم على اهلل من ابن الزبير‪،‬‬
‫أن أسلوب التفضيل صفة دالة‬
‫كحج ة قوية إلقناع أهل م َك ة باعتبار َ‬
‫الكعبة " وتقديمهما َ‬
‫على المشاركة والزيادة ‪ ،‬وله من القوة في التأثير على النفوس الشيء الكبير ‪.‬‬

‫اس تعان "المخ اطب" في ه ذا المق ام بالفع ل الكالمي "اذك رو" وه و فع ل يتض َمن مع اني‬
‫(موجه ة أله ل م َك ة) الغاي ة منه ا نس يان حادث ة مقت ل " عب د اهلل ابن‬
‫َ‬ ‫النص ح واإلرش اد‬
‫أن هذا الفعل الكالمي كان قد‬
‫الزبير"وااللتفات إلى الشؤون التي تخدم مكة ‪ ،‬والشك َ‬
‫الحج اج بن يوس ف " في حس ن التخلَص من خطاب ه ه ذا بأس لوب يخ دم مقص ده‬
‫س اعد " َ‬
‫من مجمل هذا الخطاب ‪.‬‬

‫‪ -2‬أساليب المغالطة‪:‬‬

‫ظفها‬
‫إن القارئ الدقيق والمتأمل في هذه الخطبة يالحظ األدوات اللغوية المؤثَرة التي و َ‬
‫َ‬
‫وتقب ِل فعله إن صح‬
‫"الحجاج" من أجل إقناع أهل مكة بحقه في قتل عبد اهلل بن الزبير ‪ُّ ،‬‬
‫َ‬
‫هذا التعبير‪.‬‬

‫البد من تحليلها على مستوى‬


‫الحجاج بن يوسف التي ّ‬
‫أهم خطب ّ‬
‫ولعل هذه الخطبة من َ‬
‫َ‬
‫المغالطات باعتبارها خطبة سياسية غرضها تحوير جريمة سياسية في حق ٍ‬
‫وال شرعي‬
‫محنك مثل "الحجاج بن يوسف"‪.‬‬
‫لصالح سياسي َ‬

‫‪126‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫ردة فع ل أه ل مك ة تُج اه مقت ل عب د اهلل بن‬


‫لق د أورد "الحج اج" في بداي ة ه ذا المقط ع َ‬
‫الزبير رضي اهلل عنه وذلك في قوله‪ ":‬يا أهل مكة بلغني بكاؤكم وأسفكم‪ ،‬واستظاعكم‬
‫الش اعرية األس اس ال ذي س يبني علي ه‬
‫قت ل عب د اهلل بن الزب ير"‪ ،‬وق د ك انت ه ذه البداي ة َ‬
‫مغالطاته الحجاجية حيث وفَ ق فيها الحجاج في لفت انتباه جمهور أهل مكة نظرا لما‬
‫تحتوي ه من عواط ف مختلف ة ‪ ،‬ولع َل أول مغالط ة نرص دها في ه ده الخطب ة مغالط ة‬
‫التن اقض الق ولي‪ ،1‬وال تي تظه ر جلي ة في ق ول المخ اطب‪ ":‬أال وإ ن ابن الزب ير ك ان من‬
‫خيار هذه األمة‪ ،‬حتى رغب في الخالفة" ليناقض كالمه هذا بقوله‪ ":‬ونازع فيها أهلها‪،‬‬
‫واستكن بحرم اهلل"‪ ،‬فالمالحظ أن الجزء األول مدح فيه الحجاج "عبد‬
‫ّ‬ ‫فخلع طاعة اهلل‪،‬‬
‫عدد فيه مساوئ‬
‫بقدح ّ‬
‫األمة ليخالف مدحه هذا ٍ‬
‫بأنه خيرة َ‬ ‫اهلل بن الزبير" رضي اهلل عنه َ‬
‫ٍ‬
‫عاص هلل عز وجل) وهو أسلوب مغال طٌ آخر تمثَله‬ ‫ٌّ‬
‫(محب للسلطة‪،‬‬ ‫عبد اهلل بن الزبير‬
‫الحجاج هاجم شخص "ابن الزبير" لتشويه صورته لدى المستمع‪.‬‬
‫ألن َ‬‫مغالطة ال َشخصنة َ‬
‫وقدح لعبد اهلل بن‬
‫ٍ‬ ‫مدح‬
‫أن هذا التناقض الذي وقع فيه الحجاج بن يوسف بين ٍ‬ ‫ك َ‬‫وال ش َ‬
‫المشوهة التي أصبح‬
‫َ‬ ‫الزبير ما هو إال محاولة منه لتضليل أهل مكة وإ قناعهم بالصورة‬
‫عليها عبد اهلل بن الزبير بعد توليه لمنصب الخالفة‪.‬‬

‫والمتأمل لهذه الخطبة يرى أن "الحجاج" استعان بما ورد في القرآن الكريم من أمثلة‬
‫َ‬
‫وقصص حيث تكاد هذه الخطبة أن تكون إعادة لصوغ قصة آدم‪ ،‬وهذا أمر طبيعي في‬
‫خطب ة ألقيت ك ان الغ رض منه ا تض ليل الجمه ور المس تمع‪ ،‬فالحج اج بن يوس ف غال ط‬
‫ألن ه حاول من خالل هذا‬‫أهل مكة بحججه االستشهادية التي استقاها من القرآن الكريم‪َ ،‬‬
‫االستشهاد أن يصل إلى النقطة التي يشترك فيها آدم عليه السالم مع عبد اهلل بن الزبير‬
‫ممثَّلة في المعصية ويظهر ذلك في قوله‪ ":‬ولو كان شيء مانع للعصاة لمنعت آدم حرمة‬
‫الجنة ألن اهلل تعالى خلقه بيده‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬وأسجد له مالئكته‪ ،‬وأباحه كرامته‬
‫َ‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الحراصي‪ ،‬دراسات في االستعارة المفهومية‪ ،‬ص‪.100‬‬


‫‪127‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫وأسكنه جنته‪ ،‬فلما عصا أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على اهلل من ابن الزبير‪،‬‬
‫والجن ة أعظم حرم ة من الكعب ة"‪ ،‬وه و الكالم ال ذي يح اول في ه المس تمع ذهني ا ان يض ع‬
‫عبد اهلل بن الزبير موضع آدم وبالتالي ينجح الحجاج بن يوسف في إقناع أهل البصرة‬
‫بأن َعبد اهلل بن الزبير يستحق القتل نتيجة لمعصيته‪.‬‬

‫ظفها الحجاج في هذا المقطع وهي االحتكام إلى الس لطة العلي ا‬
‫ولعل هذه المغالطة التي و ّ‬
‫ترج َمتْهَ ا االستش هادات الم أخوذة من الق رآن الك ريم ك ان له ا األث ر الب الغ والوق ع‬
‫ال تي َ‬
‫القوي على نفوس أهل مكة‪.‬‬

‫إن الخطاب السياسي على وعي تام بخطر "الـخصم" والذي مثَله في هذه الخطبة عبد‬ ‫َ‬
‫اهلل بن الزب ير‪ ،‬ل ذا يب دأ في في تفعي ل بعض االس تعارات االس تراتيجية في المقارن ة بين‬
‫"الحجاج بن يوسف و" اآلخر" الذي‬
‫َ‬ ‫سلطة الدولة التي تسير على خطى الطريق المستقيم‬
‫يق ود إلى الهالك‪ ،‬فيمكن أن نتحص ل على مفه وم األق وال أو األفع ال (تح رك) بحيث يتم‬
‫انتق ال الكالم (الش ائعة) إلى الغ ير‪ ،‬مم ا ي ؤدي إلى تغ يرات اجتماعي ة س لبية فتك ون ه ذه‬
‫الجنة‪.‬‬
‫تحركا إلى النار وإ َن القضاء عليها ينجم عنه تحرك إلى َ‬
‫األفعال ُّ‬

‫ألن ه يعلم‬ ‫ِ‬


‫المخاطب السياسي يستغل توظيف السلطة العليا َ‬ ‫البد أن ننتبه إلى أن‬
‫ولهذا َ‬
‫وأن ه‬
‫وأن اإلس الم فض اء بال ح دود َ‬ ‫ِّ‬
‫أن ال دين اإلس المي ن ور َ‬
‫يقين ا أن المس تمع يس لم ب َ‬
‫والتصورات التي جاء بها وهو ما يفضي إلى تعزيز‬
‫َ‬ ‫رحمة‪ ،‬ونحن نؤمن بكل المبادئ‬
‫تسير الجمهور نحو الطريق المستقيم‪.‬‬
‫شرعية الدولة التي َ‬

‫‪128‬‬
‫تحليل خطب الحجاج بن يوسف حسب اإلستراتيجيات‬ ‫الفصل الثالث‬
‫التداولية‬

‫‪129‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫س عينا في ه ذا البحث إلى بي ان بعض أس رار الخط اب السياس ي في نم اذج من خطب‬


‫الحجاج بن يوس ف الثقفي‪ ،‬وأقمن ا البحث على منطلق مبدئي قوام ه النظر في األس اليب‬
‫الخطابي ة المختلف ة والمرتبط ة بالمقاص د التأثيري ة واإلقناعي ة وم ا تحتوي ه من مغالط ات‬
‫منطقية‪.‬‬

‫نظرن ا في الفص ل األول في مفه وم االس تراتيجية داخ ل الخط اب باعتباره ا مجموع ة‬
‫األساليب الحجاجية المتحيزة والوسائل اللغوية المتفاعلة فيما بينها التي تهدف إلى حمل‬
‫اج ل ه على تص ديق ال رأي المق ترح علي ه وتج اوز مرحل ة التص ديق واالقتن اع إلى‬ ‫المح ّ‬
‫مرحل ة ثاني ة يك ون فيه ا التلقي عازم ا على إنج از الفع ل المطل وب إنج ازه‪ ،‬كم ا تطرقن ا‬
‫إلى تحديد مفهوم الخطاب السياسي والخطاب السياسي األموي الذي كان مولودا جديدا‬
‫الس احة األدبي ة آن ذاك‪ ،‬حيث رص دنا جوانب ه‬
‫ورحبت ب ه ّ‬
‫ّ‬ ‫أنجبت ه الظ روف السياس ية‬
‫المساعدة في فهم النظرية التداولية من خالل الكشف عن غاياته السياسية‪ ،‬هذا باإلضافة‬
‫إلى محاولتن ا لبي ان دور الس ياق في تحقي ق التواص ل بين المخ اطب والمتلقي وتحدي د‬
‫المعنى الذي يترجمه هذا التواصل‪.‬‬

‫أم ا في الفص ل الث اني فق د تعرفن ا على االس تراتيجيات التداولي ة ممثل ة في االس تراتيجية‬
‫التوجيهية التي ترجمتها أفع ال الكالم‪ ،‬استراتيجية اإلقناع التي مثلها الحجاج كآلية من‬
‫آلياتها‪ ،‬واستراتيجية المغالطات التي ترتبط بالخطب السياسية‪.‬‬

‫ونظرنا في الفصل الثالث الذي اتسم إلى المقاصد الضمنية واآلليات اإلقناعية وأساليب‬
‫المغالطة التي يحملها الخطاب السياسي بين سطوره مع بيان وقعها على المتلقي‪.‬‬

‫و يمكن أن نشير إلى أبرز "النتائج" التي توصل إليها هذا البحث‪.‬‬

‫‪ -‬إن المنهج التداولي في دراسة اللغة يمثل مصدرا ثريا يمكن أن يغني البحث اللغوي‬
‫في مناهج عديدة‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫خاتمة‬

‫‪ -‬إن التراث اللغوي العربي كان له األسبقية في البحث عن ظاهرة أفعال الكالم ضمن‬
‫نظري ة الخ بر واإلنش اء وك ذا في نظري ة الحج اج ض من علم البالغ ة باعتبارهم ا أهم‬
‫االستراتيجيات التداولية في العصر الحديث‪.‬‬

‫‪ -‬إن تتب ع الخط اب السياس ي في العص ر األم وي ممثال في خطب الحج اج بن يوس ف‬
‫يؤكد وجود رغبة في المزاوجة بين عصر المفاخرة والمنافرة والسيف وعصر الحوار‬
‫والمناظرة واإلقناع‪.‬‬

‫‪ -‬إن النقط ة المش تركة في خطب الحج اج بن يوس ف هي اعتم اده على أس لوبي األم ر‬
‫والنهي بكثرة نظرا لمكانته في السلطة‪.‬‬

‫‪ -‬إن أهم م ا يم يز اس تراتيجية اإلقن اع في الخط اب السياس ي ه و تفاع ل الج وانب‬


‫الحجاجية مع اآلليات البالغية‪.‬‬

‫‪ -‬إن تحلي ل بني ة الخط اب السياس ي األم وي أب رز مظ اهر االنس جام بين الخطب ة‬
‫والنصوص المنقولة (القرآن الكريم‪ ،‬الشعر)‪.‬‬

‫‪ -‬يحتل النص القرآني (باعتباره حجة جاهزة) على السلم الحجاجي المرتبة األعلى ألنه‬
‫يستمد قوته الحجاجية من قوة مصدره وما يحتويه من إعجاز لغوي‪.‬‬

‫‪ -‬إن المخ ِ‬
‫اطب السياس ي يتوس ل المغالط ات القولي ة ال تي ته دف إلى تض ليل المتلقي من‬
‫أجل تحقيق غايته السياسية وأبرزها‪ :‬مغالطة سد الذرائع‪ ،‬االحتكام إلى السلطة‪ ،‬مغالطة‬
‫الشخصنة‪ ،‬مغالطة العصا (حجاج القوة) ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الملحق‬
‫خطب الحجاج بن يوسف‬ ‫الملحق‬
‫الثقفي‬

‫خطبة أهل الكوفة‪:‬‬

‫متى أضع العمامة تعرفوني‬ ‫أنا ابن جال و طالع الثنايا‬

‫أما واهلل إني ألحمل الشر بحمله‪ ،‬وأحذوه بنعله‪ ،‬وأجزيه بمثله‪ ،‬وإ ني ألرى رؤوسنا قد‬
‫أينعت وحان قطافها‪،‬وإ ني لصاحبها‪،‬وإ ني ألنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحي‪.‬‬

‫قد شمرت عن ساقها فشمرا‬

‫قد لفها الليل بسواق حطم‬ ‫هذا أوان الشد فاشتدي زيم‬

‫وال بجزار على ظهر وضم‬ ‫ليس براعي إبل وال غنم‬

‫أروع جراح من الدوى‬ ‫قد لفها الليل بعصلبي‬

‫مهاجر ليس بأعرابي‬

‫إني واهلل ي ا أه ل الع راق‪ ،‬ومع دن الش قاق والنف اق‪ ،‬ومس اوئ األخالق‪ ،‬م ا أغم ز تغم از‬
‫ال تين‪ ،‬وال يقعق ع لي بالش نان‪ ،‬ولق د ق ررت عن ذك اء‪ ،‬ولق د فتش ت عن تجرب ة‪ ،‬وج ريت‬
‫من الغابة إن أمير المؤمنين كب كنانته ثم عجم عيدانها‪ ،‬فوجدني أمرها عودا وأصلبها‬
‫عم ودا‪ ،‬فوجه ني إليكم ف إنكم طالم ا أوض عتم في الفتن واض طجعتم في مراق د الض الل‬
‫وس ننتم س نن الغي‪ ،‬أم ا واهلل أللح وَنكم لح و العص ا‪ ،‬وألعص بنَكم عص ب الس لمة‪،‬‬
‫وألضربنَكم ض رب غ رائب اإلب ل‪ ،‬ف إنَكم لكأه ل قري ة ك انت آمن ة مطمئن ة يأتيه ا رزقه ا‬

‫‪134‬‬
‫خطب الحجاج بن يوسف‬ ‫الملحق‬
‫الثقفي‬

‫رغ دا من ك ل مك ان فكف رت ب أنعم اهلل فأذاقه ا اهلل لب اس الج وع والخ وف بم ا ك انوا‬


‫يصنعون‪.1‬‬

‫إني واهلل ال أع د إال وفيت‪ ،‬وال أهم إال أمض يت‪ ،‬وال أخل ق إال ف ريت ‪،‬فإي اي وه ذه‬
‫الجماعات وقال وقيل وما تقولون‪ ،‬وفيم أنتم وذلك؟ أما واهلل لتستقيمن على طري ق الحق‬
‫أو ألدعن لكل رجل منكم شغال في جسده من وجدت بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت‬
‫دمه وانتهبت ماله‪.2‬‬

‫خطبة أهل البصرة‪:‬‬

‫‪ -‬خطب الحجاج بن يوسف خطبته هذه بعد أن حمد اهلل وأثنى عليه ثم قال‪:‬‬

‫"إن اهلل كفانا مؤونة الدنيا وأمرنا بطلب اآلخرة‪ ،‬فليته كفانا مؤونة اآلخرة وأمرنا بطلب‬
‫َ‬
‫الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم ال يتعلمون‪،‬وشرَاركم ال يتوبون‪ ،‬مالي أراكم‬
‫تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم‪،‬إنَ العلم يوشك أن يرفع ورفعه ذهاب‬
‫العلم اء‪،‬أال وإني أعلم بش راركم من البيط ار ب الفرس‪،‬ال ذين ال يق رأون الق رآن إال‬
‫هجرا‪.‬وال يأتون الصالة إال دبرا‪.‬أالوإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البرَ والفاجر‪،‬أال‬
‫وإ ن اآلخ رة أج ل مس تأخر يحكم فيه ا مل ك ق ادر‪،‬أال ف اعلموا وأنتم من اهلل على ح ذر‬
‫واعلموا أنكم مالقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا‪،‬ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى‪.‬أال‬
‫كل ه بح ذافيره في الن ار‪،‬أال وإن من‬
‫وإن الخ ير كلَ ه بح ذافيره في الجن ة‪،‬أال وإن الشر‪َ ،‬‬
‫يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‪ ،‬واستغفر اهلل لي ولكم"‪.3‬‬

‫‪ -1‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ص ‪.203‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.203‬‬
‫‪ -3‬سالمة موسى‪ ،‬أشهر الخطب ومشاهير الخطباء‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪135‬‬
‫خطب الحجاج بن يوسف‬ ‫الملحق‬
‫الثقفي‬

‫خطبة مقتل عبد اهلل بن الزبير ابن العوام‪:‬‬

‫قام الحجاج بن يوسف بإلقاء خطبة بعد مقتل "عبد اهلل بن الزبير رضي اهلل عنه" وهي‬
‫ردة فع ل مك ة إزاء ه ذا‬ ‫َّ‬
‫"الحجاج" ّ‬ ‫ولم ا الح ظ‬
‫ارتجت له ا مك ة بالبك اء‪َ ،‬‬
‫الحادث ة ال تي َ‬
‫فج ِمعوا بالمسجد ثم صعد المنبر فحمد اهلل وأثنى عليه ثم‬
‫الحدث العظيم أمر أهل مكة ُ‬
‫قال‪:‬‬

‫" يا أهل مكة‪ :‬بلغني بكاؤكم وأسفكم‪ ،‬واستظاعكم قتل عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬أال وإ ن ابن‬
‫الزبير كان من خيار هذه األمة‪ ،‬حتى رغب في الخالفة‪ ،‬ونازع فيها أهلها‪ ،‬فخلع طاعة‬
‫ألن اهلل‬
‫الجن ة َ‬
‫تكن بح رم اهلل‪ ،‬ول و ك ان ش يء م انع للعص اة لمنعت آدم حرم ة َ‬
‫اهلل‪ ،‬واس ّ‬
‫تعالى خلقه بيده‪ ،‬ونفخ فيه من روحه‪ ،‬وأسجد له مالئكته‪ ،‬وأباحه كرامته وأسكنه جنته‪،‬‬
‫فلما عصا أخرجه من الجنة بخطيئته وآدم أكرم على اهلل من ابن الزبير‪ ،‬والجنة أعظم‬
‫حرمة من الكعبة فاذكروا اهلل يذكركم"‪.1‬‬

‫‪ -1‬أمير بن محمد المددي ‪ ،‬الحجاج بن يوسف ص‪.44-43‬‬


‫‪136‬‬
‫قائمة المصادر‬
‫والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع العربية ‪:‬‬

‫‪ -‬أحمد محمد معتوق‪ ،‬الحصيلة اللغوية ‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،‬ط ‪.2003‬‬

‫‪ -‬أحمد بن راسك بن سعيد ‪ ،‬قوة الوصف ط‪ 1‬عالم الفكر ‪،‬الكويت ‪.2003‬‬

‫‪ -‬أحم د المتوك ل المنحى ال وظيفي في الفك ر اللغ وي ‪،‬الع ربي ‪ ،‬األص ول والامت داد ط‬
‫‪،1‬دار األمان ‪،‬الرباط ‪.2006‬‬

‫‪ -‬أحمد محمد الجوفي‪ ،‬في أدب السياسة في العصر األموي‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬بيروت دط‪.‬‬

‫‪ -‬أوبيير دريفوس و بول ديبينوف‪ ،‬ميشال فوكو مسيرة فلسفية‪ ،‬ت جورج أبي صالح‬
‫مراجعة وشروح مطاع الصفدي ‪ ،‬مركز اإلنماء القومي بيروت لبنان ‪.‬‬

‫‪ -‬أورتاد و ألبيرأمبارو‪،‬الترجمة ونظرياتها‪ ،‬ت المنوفي علي ابراهيم ‪ ،‬المركز القومي‬


‫للترجمة ‪ ،‬القاهرة ‪.2008‬‬

‫‪ -‬أمير بن محمد المددي ‪،‬الحجاج بن يوسف الثقفي مواقف من حياته (دماء وعطاء)‬

‫‪ -‬إيليا الحاوي ‪ ،‬فن الخطابة و تطوره عند العرب ‪،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪.‬د‪.‬‬

‫‪ -‬باتري ك ش ارودو‪ ،‬دوميني ك منغن و‪ ،‬معجم تحلي ل الخط اب‪ ،‬ت عب د الق ادر المه يري‪،‬‬
‫حمادي صمود ‪ ،‬دار سيناترا ‪ ،‬تونس ‪.2008‬‬

‫‪ -‬بدوي طبانة ‪،‬النقد األدبي عند اليونان ‪،‬مكتبة أنجلو المصرية ‪.‬مصر ‪. 1967‬‬

‫‪-‬أبو بكر العزاوي‪،‬اللغة والحجاج‪ ،‬العمدة في الطبع‪ ،‬ط‪.2006 1‬‬

‫‪ -‬بلقاس م حم ام ‪ ،‬آلي ات التواص ل في الخط اب الق رآني ‪ ،‬أطروح ة مقدم ة لني ل ش هادة‬
‫الدكتوراه ‪،‬جامعة الحاج لخضر‪،‬باتنة‪،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪ -‬بهاء الدين محمد مزيد‪ ،‬تبسيط التداولية من أفعال الكالم إلى بالغة الخطاب السياسي‬
‫دار شمس ط‪ 1‬القاهرة ‪.2010‬‬

‫‪ -‬تمام حسان ‪ ،‬اللغة العربية ‪ ،‬معناها ومبناها ط‪.1997 2‬‬

‫‪ -‬الته انوي محم د علي الف اروقي كش اف اص طالحات الفن ون ‪.‬ت‪ .‬لطفي عب د الب ديع‬
‫مراجعة أمين الخولي‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر‪.‬‬

‫‪ -‬الجاح ظ (أب و عثم ان عم رو بن بح ر)‪ ،‬البي ان والتب يين‪ ،‬ت وش رح عب د الس الم محم د‬
‫هارون‪ ،‬دار الفكر ط‪ ،2‬دت ‪.‬‬

‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تح محمد علي النجار‪ ،‬المكتبة العلمية ج‪.1‬‬

‫‪-‬جون براون ‪،‬جون بول ‪ ،‬تحليل الخطاب ‪،‬ت‪ ،‬محمد لطفي الزليكي ومنير التريكي‪،‬‬
‫جامعة الملك سعود د‪.‬ط ‪ 1418‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬جيهان أحمد رشي ‪،‬األسس العلمية لنظريات اإلعالم ‪ ،‬دار الفكر العربي ط ‪.1994‬‬

‫‪ -‬حم و الح اج ذهبي ة‪،‬لس انيات التلف ظ وتداولي ة الخط اب‪ ،‬دار األم ل للطباع ة والنشرط ‪2‬‬
‫دت‪.‬‬

‫‪ -‬حس ام أحم د قاس م ‪ ،‬تح والت الطلب ومح ددات الدالل ة‪ ،‬م دخل إلى تحلي ل الخط اب‬
‫النبوي الشريف ‪ ،‬دار اآلفاق العربية القاهرة ط ‪1428‬ه‪2007/‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حسين محمد وجيه‪ ،‬مقدمة في علم التفاوض االجتماعي والسياسي‪ ،‬عالم المعرفة ط‬
‫أكتوبر‪.1994‬‬

‫‪ -‬خليفة بوجادي ‪ ،‬في اللسانيات التداولية ‪ ،‬دار الحكمة ط‪.1،2009‬‬

‫‪139‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمان عيسوي‪ ،‬دراسات في علم النفس االجتماعي‪،‬دار النهضة العربية ط ‪3‬‬
‫‪. 1947‬‬

‫‪ -‬الزمخشري (محمود بن عمر)‪ ،‬أساس البالغة ‪،‬تح‪،‬عبد الرحيم محمود ‪.‬دار المعرفة‬
‫بيروت ‪.‬‬

‫‪ -‬الزواوي بعوزة‪ ،‬مفهوم الخطاب في فلسفة فوكو‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة ط‪1‬مصر‪2‬‬
‫‪.000‬‬

‫‪ -‬س ارة ميل ز‪ .‬ت‪.‬بغل ول يوس ف‪،‬الخط اب‪ ،‬منش ورات مخ بر الترجم ة ف بي األدب‬
‫واللسانيات‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪.2004‬‬

‫‪ -‬سعيد بنكراد‪ ،‬استراتيجيات التواصل ‪،‬دار الحوار‪ ،‬سوريا ‪.2006‬‬

‫‪ -‬سالمة موسى‪ ،‬أشهر الخطباء ومشاهير الخطباء ‪،‬كلمات عربية للترجمة والنشر ط‬
‫‪.2011‬‬

‫‪ -‬سلوى الشرفي ‪ ،‬تحليل الخطاب ‪ ،‬الرسائل السياسية في وسائل اإلعالم مركز النشر‬
‫الجامعي تونس ‪.2010‬‬

‫‪ -‬الس كاكي (أب و يعق وب يوس ف ابن أب و بك ر‪ /‬محم د بن علي) مفت اح العل وم‪ ،‬نعم‬
‫زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬بيروت‪ ،‬لبنان ط‪.1.1987‬‬

‫‪ -‬عبد السالم المسدي ‪،‬التفكير اللساني في الحضارة العربية ‪ ،‬الدار العربية للكتاب ط‪2‬‬

‫‪.1986‬‬

‫‪ -‬السيوطي ( جالل الدين ) اإلتقان في علوم القرآن بأسفل الصحائف إعجاز القرآن‪،‬‬
‫القاضي أبو بكر الباقالني ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪ -‬السيد أحمد الغفار‪،‬التصور اللغوي عند األصوليين ‪ ،‬مكتبات عكاظ ط‪.1981 ،1‬‬

‫‪ -‬ش كري المبخ وت‪ ،‬الحج اج في اللغ ة ض من كت اب أهم نظري ات الحج اج في التقالي د‬
‫الغربية من أرسطو إلى اليوم ‪.‬‬

‫‪ -‬ص الح اس ماعيل عب د الح ق‪ ،‬التحلي ل اللغ وي عن د مدرس ة أوكس فورد ‪،‬دار التن وير‬
‫للطباعة والنشر ط‪ 1‬بيروت ‪.1993‬‬

‫‪ -‬ط ه عب د الرحم ان ‪،‬اللس ان والم يزان أو التك وثر العقلي‪ ،‬المرك ز الثق افي الع ربي‬
‫‪،‬المغرب ط‪.2.2002‬‬

‫‪ -‬طه ع بد الرحمان ‪،‬البحث اللساني والسيميائي‪ ،‬الدالليات والتداوليات (أشكال وحدود)‬

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط ‪،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬المغرب ط‪1405 .1‬ه‪/‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عامر مصباح ‪ ،‬اإلقناع اإلجتماعي خلفيته النظرية وآلياته العلمية‪،‬ديوان المطبوعات‬


‫الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪.2000‬‬

‫‪ -‬عمر فروخ ‪ ،‬تاريخ صدر اإلسالم والدولة األموية ‪ ،‬دارالعلم للماليين‪ ،‬لبنان ‪4‬أفريل‬
‫‪.1983‬‬

‫‪ -‬ف ان داي ك‪،‬النص والس ياق‪ ،‬استقص اء البحث في الخط اب ال داللي الت داولي ت عب د‬
‫القادر قنيني ‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬الفيروز أبادي( محمد بن يعقوب)‪ ،‬القاموس المحيط ‪،‬دار الكتب العلمية ط‪1415‬ه‪/‬‬
‫‪1995‬م بيروت – لبنان‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪-‬عب د الق اهر الجرج اني ‪ ،‬أس رار البالغ ة ‪،‬تح محم د الفاض لي ‪،‬المكتب ة العص رية ‪،‬‬
‫بيروت ط‪. 1999، 2‬‬

‫‪ -‬عب د الق اهر الجرج اني ‪ ،‬دالئ ل اإلعج از تح محم د الش جي ‪ ،‬دار الكت اب الع ربي‬
‫‪،‬بيروت ط‪.1992 ،3‬‬

‫‪ -‬عبد اهلل البهلول‪ ،‬الوصايا األدبية إلى القرن الرابع هجريا‪ ،‬مقارنة أسلوبية حجاجية‪،‬‬
‫مؤسسة االنتشار العربي ط‪ ، 1‬بيروت‪ -‬لبنان ‪..2011‬‬

‫‪ -‬عب د اهلل البهل ول ‪ ،‬في بالغ ة الخط اب السياس ي ‪ ،‬بحث في سياس ة الق ول‪ ،‬منت ديات‬
‫األزبكية ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬

‫‪ -‬ابن منظور ‪،‬لسان العرب ‪،‬ض بط الشيخ محمد البقاعي ‪،‬دار الفكر للطباعة ‪،‬والنشر‬
‫والتوزيع ط‪.1‬بيروت ‪.2003،‬‬

‫‪ -‬مسعود صحراوي ‪ ،‬التداولية عند العلماء العرب تداولية لظاهر األفعال الكالمية في‬
‫التراث اللساني العربي ‪،‬دار الطليعة للطباعة والنشر ‪.‬يوليو ‪ ،‬بيروت ‪.2005‬‬

‫‪ -‬محم د محم د ي ونس علي ‪ ،‬المع نى وظالل المع نى ‪.‬أنظم ة الدالل ة في العربي ة دار‬
‫المدار اإلسالمية ط‪.2007، 2‬‬

‫‪ -‬محمد العبد ‪،‬النص والخطاب و اإلتصال ‪،‬األكاديمية الحديثة ‪ ،‬للكتب الجامعية ‪،‬ط‪1‬‬
‫القاهرة ‪. 2005 -‬‬

‫‪ -‬محمد خطابي لسانيات النص ‪،‬مدخل إلى انسجام النص ‪ ،‬المركز الثقافي العربي ط‪1‬‬
‫بيروت ‪.1991‬‬

‫‪ -‬محمد العمري في بالغة الخطاب اإلقناعي ‪ ،‬دار الثقافة ط‪ 1‬الدار البيضاء ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪ -‬محمود أحمد نحلة ‪،‬آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر‬

‫‪ -‬محم د اله ادي الطرابلس ي ‪ ،‬خص ائص األس لوب في الش وقيات ‪ ،‬منش ورات الجامع ة‬
‫التونسية ‪.1981‬‬

‫‪ -‬محم د س الم ‪ ،‬محم د األمين طلب ة ‪،‬الحج اج في البالغ ة المعاص رة (بحث في بالغ ة‬
‫النقد المعاصر ‪ ،‬دار الكتاب الجديد ط‪. 2008، 1‬‬

‫‪ -‬محمد أبو زهرة ‪ ،‬الخطابة أصولها ‪ ،‬تاريخها في أزهى عصورها عند العرب ‪،‬دار‬
‫الفكر العربي ‪،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ -‬محم د درويش ‪ ،‬الخطاب ة في ص در اإلس الم ‪،‬العص ر السياس ي ‪،‬عص ر الدول ة‬


‫األموية ‪ ،‬دار المعارف ‪،‬ط‪ 2‬القاهرة ‪.1967‬‬

‫‪ -‬محمد طروس ‪،‬النظرية الحجاجية من خالل الدراسات البالغية والمنطقية واللسانية‬


‫دار الثقافة ‪ ،‬ط‪ 1‬الدار البيضاء ‪. 2005‬‬

‫‪-‬محم ود الس عران‪ ،‬علم اللغ ة ‪/‬مقدم ة للق ارئ الع ربي ‪ ،‬دار المع ارف ‪ ،‬االس كندرية‪ ،‬ط‬
‫‪.1962‬‬

‫‪ -‬عبد المنعم الهاشمي ‪ ،‬الخالفة األموية ‪ ،‬دار ابن حزم ط‪ ،1‬لبنان ‪.2002‬‬

‫‪ -‬عب د اله ادي بن ظ افر الش هري‪ ،‬اس تراتيجيات الخط اب‪ ،‬مقارن ة لغوي ة تداولي ة ‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الجديد ‪ ،‬ط‪ 1‬مارس ‪.2004‬‬

‫‪ -‬هش ام ال ريفي ‪،‬الحج اج عن د أرس طو‪ ،‬ض من كت اب (أهم نظري ات الحج اج في التقالي د‬
‫الغربي ة من أرس طو الي وم ) لفري ق من البحث في البالغ ة والحج اج بإش راف حم ادي‬
‫صمود ‪،‬منشورات كلية اآلداب تونس ‪.1998‬‬

‫‪143‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪1‬‬

‫‪ -‬هيثم األيوبي وآخرون ‪،‬الموسوعة العسكرية ‪،‬المؤسسة العربية للدراسات ‪ 17‬بيروت‬


‫‪.1981‬‬

‫قائمة المجالت ‪:‬‬

‫‪ -‬أحم د دع دوش ‪ ،‬أس اليب الدعاي ة المعاص رة ‪ ،‬الغاي ة ت برر الوس يلة ‪ ،‬مجل ة البي ان ‪،‬‬
‫العدد ‪ 238‬من ويكيبيديا الموسوعة الحرة ‪.‬‬

‫‪ -‬بشير إبرير في تعليمية الخطاب العلمي ‪ ،‬مجلة التواصل جامعة باجي مختار عنابة‪،‬‬
‫العدد ‪8‬جوان ‪.2001‬‬

‫‪ -‬الح واس مس عودي ‪،‬البني ة الحجاجي ة في الق رآن الك ريم س ورة النم ل ‪،‬أنموذج ا ‪،‬مجل ة‬
‫اللغة واألدب‪ ،‬جامعة الجزائر العدد ‪1997 ،12‬م‪.‬‬

‫‪ -‬زه ير الخويل دي ‪ ،‬فن المغالط ات والحجج الباطل ة ‪،‬مجل ة رواق الفلس فة ‪ ،‬الس بت ‪25‬‬
‫سبتمبر تونس ‪.2010‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬عبد السالم المسدي‪ ،‬اللغة والسياسة ‪ ،‬مجلة ثقافات العدد ‪.2008، 169‬‬

‫‪ -‬عبد القادر عواد ‪ ،‬مجلة عالمات ع ‪ 74‬شعبان ‪ ،1432‬يوليو ‪.2011‬‬

‫‪ -‬موريس أبوناصر ‪ ،‬لغة الخطاب السياسي ‪ ،‬بين اإليديولوجيا والحقيقة‪ ،‬مجلة الحياة ‪،‬‬
‫‪23‬فبراير ‪1998‬م ‪1418/‬ه ‪.‬‬

‫المواقع االكترونية‪:‬‬

‫‪ -‬ادريس مقب ول ‪ ،‬األس س االبس تمولوجية والتداولي ة للنظ ر النح وي عن د س بويه ‪ ،‬ع الم‬
‫الكتب الحديث ط‪1994www.pdffatorg.com ،1‬‬

‫‪144‬‬
1‫قائمة المصادر والمراجع‬

.03/10/2004 ‫ اللغة كوسيلة للسلطة‬، ‫ موقع الجزيرة نت‬-

:‫قائمة المراجع باللغة الفرنسية‬

- georges mounin : Dictionnaire de la linguistique; quardige pvf


édition 1974.
- J ean claude Anxombre et aswald ducrot , L' argumentation dans
la langue , pierre mardaga , bruxelles 1983.
- perlman et tycteca traité de l'argumentation édition de l'université
de bruxelle l'édétions.

145
‫فهرس احملتوايت‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫أ‬ ‫املقدمة ‪.................................................................................................................‬‬
‫‪08‬‬ ‫مدخل ‪................................................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اسرتاتيجيات اخلطاب السيايس‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -1‬اسرتاتيجية اخلطاب واخلطاب السيايس ‪...................................................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪1-1‬مفهوم الاسرتاتيجية يف اخلطاب ‪.........................................................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ 1-2‬خصائص الاسرتاتيجية ‪.................................................................................‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪ 1-3‬عنارص الاسرتاتيجية ‪.................................... ................................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ 1-4‬أنواع الاسرتاتيجيات ‪....................................................................................‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ -2‬اللغة‬
‫‪28‬‬ ‫والسياسة ‪..................................................................................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫‪ -3‬مفهوم اخلطاب السيايس ‪-....................................................................................‬‬
‫‪29‬‬ ‫‪-4‬املامرسة السياسية ‪...........................................................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -5‬وظائف اخلطاب السيايس ‪.....................................................................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪-6‬خصائص اخلطاب السيايس ‪..................................................................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪-7‬السياق والتواصل السيايس‪-.................................................................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪1-7‬السياق ودوره يف حتديد املعىن ‪.........................................................................‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪ 7-2‬السياق يف ادلرس اللغوي العريب‬
‫‪42‬‬ ‫‪..........................................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫‪ -8‬التواصل ‪..................................................................................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪8-1‬مفهوم التواصل يف ادلرس اللغوي العريب ‪.......................................................‬‬
‫‪ 8-2‬مفهوم التواصل يف ادلرس اللساين الغريب ‪..........................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 8-3‬التواصل والتواصل السيايس ‪...........................................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬اسرتاتيجيات التداول يف اخلطاب‬
‫‪52‬‬ ‫‪-1‬الاسرتاتيجية‬
‫‪56‬‬ ‫التوجهيية ‪..........................................................................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪1-1‬مالمح الاسرتاتيجية التوجهيية يف ادلرس اللغوي‬
‫‪58‬‬ ‫العريب ‪..............................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪1-2‬الاسرتاتيجية التوجهيية يف ادلراسات‬
‫‪60‬‬ ‫الغربية ‪............................................................‬‬
‫‪61‬‬ ‫مسوغات الاسرتاتيجية التوجهيية ‪......................................................................‬‬ ‫‪ِّ 1-3‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪-2‬اسرتاتيجية‬
‫‪61‬‬ ‫اإلقناع ‪................................................................................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪2-1‬مفهوم اإلقناع ‪...................................................................................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫‪ 2-2‬اإلقناع يف ادلرس اللغوي العريب‬
‫‪65‬‬ ‫‪.........................................................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪2-3‬اإلقناع يف ادلرس اللساين الغريب ‪..................................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ 2-4‬وسائل اإلقناع‪.........................................................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫احلجاج ‪...............................................................................................‬‬
‫‪69‬‬ ‫أ‪-‬لغة ‪....................................................................................................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫ب‪-‬اصطالحا ‪.........................................................................................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫ج‪ -‬مفهوم احلجاج عند اللسانيني الغربيني‪......................................................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫مسوغات استعامل اسرتاتيجية اإلقناع ‪.....................................................................‬‬ ‫د‪ِّ -‬‬
‫‪-3‬أساليب املغالطة ابللغة القولية‪.................................................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫‪3-1‬مفهوم املغالطة ‪..................................................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪3-2‬الفرق بني الغلط واملغالطة ‪...................................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ 3 -3‬منطق املغالطة ‪.............................................................................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ 3-4‬أصناف املغالطات ‪..........................................................................................‬‬
‫‪ 3-5‬أساليب املغالطات والتضليل احلجايج ‪..............................................................‬‬
‫‪78‬‬ ‫‪ 3-6‬فوائدا استعامل أساليب املغالطة ‪......................................................................‬‬
‫‪103‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬حتليل خطب حلجاج بن يوسف حسب الاسرتاتيجيات التداولية‪................‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪-1‬اخلطاب السيايس يف العرص‬
‫‪125‬‬ ‫األ موي ‪.........................................................................‬‬
‫أ‪-‬احلجاج بن يوسف الثقفي ‪.....................................................................................‬‬
‫‪130‬‬
‫ب‪ -‬مودله ونشأ ته‪................................................................................................‬‬
‫ج‪-‬عالقة احلجاج بن يوسف ابلسلطة األ موية‪................................................................‬‬
‫‪-2‬الاسرتاتيجية التوجهيية ‪ ،‬اإلقناعية وأساليب املغالطة يف خطب‬
‫‪140‬‬ ‫احلجاج‪.............................‬‬
‫‪ -‬أوال ‪ :‬خطبة أهل الكوفة ‪........................................................................................‬‬
‫‪ -‬اثنيا‪ :‬خطبة أهل البرصة ‪...................................................................................... .‬‬
‫‪ -‬اثلثا‪ :‬خطبة مقتل عبد هللا بن الزبري ‪........................................................................ .‬‬
‫اخلامتة‪.................................................................................................................‬‬
‫‪.‬ملحق البحث ‪.......................................................................................................‬‬
‫‪ -‬خطبة أهل الكوفة ‪..............................................................................................‬‬
‫‪ -‬خطبة أهل البرصة ‪..............................................................................................‬‬
‫‪ -‬خطبة مقتل عبد هللا ابن الزبري ‪...............................................................................‬‬
‫قامئة املصادر‬
‫واملراجع ‪...............................................................................................‬‬

You might also like