Professional Documents
Culture Documents
Kalibra 100
Kalibra 100
1النخر (بالبلتينية ]nocrosis :ىو الموت المبكر لخبليا الجسـ الحية ،يحدث النخر نتيجة أسباب خارجية كاإلنتاف وااللتياب والسموـ
والرضح ،بعكس االستموات (الموت المبرمج) الذي يكوف ألسباب داخمية .ال ترسؿ الخبليا التي تموت نتيجة النخر إشارات كيميائية
إلى جياز المناعة كما تفعؿ الخبليا التي تموت نتيجة االستموات ،مما يعرقؿ الخبليا البالعة عف إزالة الخبليا الميتة .مما يؤدي إلى
َّخر ؛ البِمى ؛
تكوف نسيج ميت يكوف بيئة خصبة لبلنتانات ويستدعي إزالة ىذا النسيج الميت جراحيا .والبادئة necroسابقة بمعنى الن َ
الرَّمة( .أماني).
الموت ؛ ِّ
NecropoliticsJ.-A. Mbembé, Libby MeintjesPublic Culture, Volume 15, Number 1, Winter 2003, pp. 2
1
يشكؿ حدود السيادة وسماتيا األساسية .أف تمارس السيادة يعني ممارسة السيطرة عمى الوفيات
وأف تحدد الحياة بوصفيا نشر السمطة ومظاىرىا .يمكف لممرء أف يمخص المصطمحات المذكورة
6
أعبله في ما يعنيو ميشيؿ فوكو بالسمطة الحياتية :مجاؿ الحياة الذي سيطرت عميو السمطة.
ولكف تحت أي ظروؼ عممية يمارس الحؽ في القتؿ ،والسماح بالعيش ،أو التعريض لمموت؟ مف
ىي الذات التي ستمارس ىذا الحؽ؟ ماذا يخبرنا تنفيذ مثؿ ىذا الحؽ عف الشخص الذي يتـ
تعينو لمموت وعف عبلقة العداوة التي تضع ىذا الشخص في مواجية قاتمو؟ ىؿ أف مفيوـ
االسمطة الحياتية كافيا لتناوؿ الطرؽ المعاصرة ،التي تجعؿ السياسي ،تحت ستار الحرب ،أو
المقاومة ،أو الكفاح ضد اإلرىاب ،يجعؿ قتؿ العدو ىدفو األساسي والمطمؽ؟ الحرب ،بعد كؿ
شيء ،بقدر ما أنيا وسيمة تحقيؽ السيادة ،وسيمة لممارسة الحؽ في القتؿ .يجبرنا تخيؿ السياسة
كشكؿ مف أشكاؿ الحرب عمى أف نسأؿ :ما ىو المكاف الذي يعطى لمحياة ،والموت ،وجسد
اإلنساف (وال سيما الجرحى أو الجثث الميتة)؟ كيؼ يتـ تسجيميـ في ترتيبات السمطة؟
السياسات ،عمل الموت ،وأن "تصبح ذاتا"
مف أجؿ اإلجابة عمى ىذه األسئمة ،يعتمد ىذا المقاؿ عمى مفيوـ السمطة الحياتية ويستكشؼ
عبلقتو بمفاىيـ السيادة (السمطة المطمقة) وحالة االستثناء .7يثير ىذا التحميؿ عددا مف األسئمة
التجريبية والفمسفية التي أود أف أتناوليا بإيجاز .وكما ىو معروؼ جيدا ،فإف مفيوـ حالة
االستثناء قد نوقش في كثير مف األحياف فيما يتعمؽ بالنازية ،والشمولية ،ومعسكرات االعتقاؿ
واإلبادة .وتـ تفسير معسكرات الموت عمى وجو الخصوص عمى نحو مختمؼ بوصفيا االستعارة
المركزية لمعنؼ السيادي والمدمر كما أنيا العبلمة القصوى لمسمطة السمبية المطمقة.
حنا أرندت":ال يوجد نظير لمحياة في معسكرات االعتقاؿ .ال يمكف لمخياؿ أف يتقبؿ رعبيا
تقوؿ ّ
بسبب أنيا تقؼ خارج الحياة والموت " .8وألف سكانيا يسمبوف الوضع السياسي ويختزلوف إلى
الحياة العارية ،فإف المعسكرات ،بالنسبة لجورجيو أغامبيف" ،المكاف الذي تتحؽ فيو أكثر ظروؼ
الػ ػ إنسانية يمكف أف تظير عمى وجو األرض عمى االطبلؽ" 9.وفي التركيب السياسي-القانوني
لممعسكر ،يقوؿ ،تتوقؼ حالة االستثناء عف أف تكوف تعميؽ زمني مؤقت لمقانوف.
6
Foucault, Il faut défendre la société, 213–34.
7
On the state of exception, see Carl Schmitt, La dictature, trans. Mira Köller and Dominique
Séglard (Paris: Seuil, 2000), 210–28, 235–36, 250–51, 255–56; La notion de politique. Théorie du
partisan, trans. Marie-Louise Steinhauser (Paris: Flammarion, 1992).
Hannah Arendt, The Origins of Totalitarianism (New York: Harvest, 1966), 444. 8
9
Giorgio Agamben, Moyens sans fins. Notes sur la politique (Paris: Payot & Rivages, 1995), 50–51.
2
ووفقا ألغامبيف ،فإنيا تتحصؿ عمى ترتيب مكاني دائـ يبقى باستمرار خارج حالة القانوف العادية.
واليدؼ مف ىذا المقاؿ ليس مناقشة خصوصية إبادة الييود أو جعميا أنموذجا .10ىنا سأبدأ مف
فكرة أف الحداثة كانت في أصؿ مفاىيـ متعددة لمسيادة -وبالتالي لمسياسيات الحياتية .وبغض
النظر عف ىذه التعددية ،منح النقد السياسي في نيايات حقبة الحداثة لؤلسؼ امتيازات لنظريات
معيارية لمديمقراطية وجعؿ مفيوـ العقؿ أحد أىـ عناصر كؿ مف مشروع الحداثة وأماكف
السيادة .11ومف ىذا المنظور ،فإف منتيى التعبير عف السيادة ىو إنتاج معايير عامة مف قبؿ
ىيئة (الشعب) تتألؼ مف رجاؿ ونساء أحرار ومتساوييف .وىؤالء الرجاؿ والنساء ذوات كاممة
قادرة عمى الفيـ والوعي والتمثيؿ الذاتي .وبالتالي ،تحدد السياسة بأنيا ذات شقيف :مشروع
اإلستقبللية وتحقيؽ اتفاؽ بيف الجماعات عف طريؽ االتصاؿ واالعتراؼ .وقيؿ لنا إف ىذا ما
يميزىا عف الحرب.12
وبعبارة أخرى ،تمكف النقد في الحداثة المتأخرة مف صياغة فكرة معينة عف السياسية والمجتمع
والذات أو ،بشكؿ أساسي ،عف ما الذي تعنيو الحياة الجيدة وكيفية تحقيقيا وأف تصبح ضمف
العممية فاعبل أخبلقيا بشكؿ كامؿ ،عمى أساس التمييز بيف العقؿ وغير العقؿ (العاطفة،
والخياؿ) .العقؿ ضمف ىذا النموذج ىو حقيقة الذات ،والسياسة ىي ممارسة العقؿ في المجاؿ
العاـ .وممارسة العقؿ ىي قيمة لممارسة الحرية ،وعنصر أساسي لبلستقبللية الفردية .تتكئ
رومانسية السيادة ،في ىذه الحالة ،عمى االعتقاد بأف الذات ىو السيد والمؤلؼ المسيطر عمى
معناه الخاص .وتحدد السيادة بالتالي بوصفيا عممية مزدوجة مف التكويف الذاتي والقيود الذاتية
(تحديد حدود الفرد لنفسو).
وتتكوف ممارسة السيادة بدورىا مف قدرة المجتمع عمى اإلبداع الذاتي مف خبلؿ اإلستعانة
بمؤسسات تستميـ دالالت اجتماعية وخيالية محددة .13كانت ىذه القراءة المعيارية بقوة لسياسة
10
On these debates, see Saul Friedlander, ed., Probing the Limits of Representation: Nazism and
the “Final Solution” (Cambridge: Harvard University Press, 1992); and, more recently, Bertrand
Ogilvie, “Comparer l’incomparable,” Multitudes, no. 7 (2001): 130–66.
11
See James Bohman and William Rehg, eds., Deliberative Democracy: Essays on Reason and
Politics (Cambridge: MIT Press, 1997); Jürgen Habermas, Between Facts and Norms (Cambridge:
MIT Press, 1996).
12
James Schmidt, ed., What Is Enlightenment? Eighteenth-Century Answers and Twentieth-Century
Questions (Berkeley: University of California Press, 1996).
13
Cornelius Castoriadis, L’institution imaginaire de la société (Paris: Seuil, 1975) and Figures du
pensable (Paris: Seuil, 1999).
3
السيادة ىدؼ العديد مف االنتقادات التي لف أكررىا ىنا .14فشاغمي ىو مظاىر ورموز السيادة
التي ال يتمثؿ مشروعيا األساسي في الكفاح مف أجؿ االستقبللية ،ولكف التوظيؼ األداتي المعمـ
لموجود البشري والتدمير المادي لؤلجساد البشرية والسكاف .مظاىر السيادة ىذه بعيدة عف كونيا
نموذجا مف الجنوف المذىؿ أو التعبير عف تمزؽ بيف دوافع ومصالح الجسـ والعقؿ .في الواقع،
المكاف السياسي الذي ما زلنا نعيش فيو. nomos ىي ،مثؿ معسكرات الموت ،ما يشكؿ قانوف
وعبلوة عمى ذلؾ ،تشير التجارب المعاصرة لمتدمير البشري إلى أنو مف الممكف تطوير قراءة
لمسياسة والسيادة والذات مختمفة عف تمؾ التي ورثناىا مف الخطاب الفمسفي الحداثي .فبدال مف
اعتبار العقؿ حقيقة ىذه الذات ،يمكننا أف ننظر إلى فئات أساسية أخرى أقؿ تجريدا وأكثر لمسا،
مثؿ الحياة والموت .ومف الميـ بالنسبة لمثؿ ىذا المشروع مناقشة ىيغؿ لمعبلقة بيف الموت و"أف
تصبح ذاتا ".
ي تركز تناوؿ ىيغؿ لمموت عمى ثنائية مفيوـ السمبية .أوال ،اإلنساف ينفي الطبيعة (نفي موجو
لمخارج في جيود اإلنساف لتطويع الطبيعة الحتياجاتو الخاصة)؛ وثانيا ،أنو يحوؿ العنصر
المنفي مف خبلؿ العمؿ والنضاؿ .في تحويؿ الطبيعة ،يخمؽ اإلنساف عالما؛ ولكف في ىذه
العممية ،يتعرض أيضا لسمبيتو الخاصة .موت اإلنساف ،ضمف الباراديـ اليجيمي ،طوعي في
األساس .وىو نتيجة لممخاطر التي تفترضيا الذات الواعية .ووفقا لييجؿ ،فإف "الحيواف" الذي
يشكؿ الكينونة الطبيعية لمذات اإلنسانية قد ىزـ في ىذه المخاطر .وبعبارة أخرى ،يصبح اإلنساف
ذاتا حقا -أي ينفصؿ عف الحيواف -في النضاؿ والعمؿ الذي يواجو مف خبللو الموت (يفيـ
عمى أنو عنؼ السمبية) .ومف خبلؿ ىذه المواجية مع الموت يقذؼ اإلنساف في حركة التاريخ
المستمرة .وبالتالي ،تفترض سيرورة (أف تصبح ذاتا) دعـ عمؿ الموت .ودعـ عمؿ الموت ىو
بالضبط كيؼ يحدد ىيجؿ حياة الروح .فحياة الروح ،كما يقوؿ ،ليست ىي الحياة التي تخاؼ مف
الموت ،وتخمص نفسيا مف الدمار ،ولكف تمؾ الحياة التي تفترض الموت وتعيش معو .فالروح ال
تصؿ إلى حقيقتيا إال مف خبلؿ إيجاد نفسيا في قطع أو بتر تاـ.15السياسات إذا ىي الموت
الذي يعيش حياة إنسانية .وىذا يعنى ،مثؿ تعريؼ المعرفة المطمقة والسيادة :المخاطرة بمجمؿ
14
See, in particular, Paul Gilroy, The Black Atlantic: Modernity and Double Consciousness
(Cambridge: Harvard University Press, 1993), especially chap. 2.
15
G. W. F. Hegel, Phénoménologie de l’esprit, trans. J. P. Lefebvre (Paris: Aubier, 1991). See also
the critique by Alexandre Kojève, Introduction à la lecture de Hegel (Paris: Gallimard, 1947),
especially Appendix II, “L’idée de la mort dans la philosophie de Hegel”; and Georges Bataille,
Oeuvres complètes XII (Paris: Gallimard, 1988), especially “Hegel, la mort et le sacrifice,” 326–48,
and “Hegel,l’homme et l’histoire,” 349–69.
4
حياة الفرد .يقدـ جورج باتاي أيضا رؤى نقدية حوؿ كيؼ يييكؿ الموت فكرة السيادة والسياسة
والذات .يستبدؿ باتاي مفيوـ ىيجؿ عف الروابط بيف الموت والسيادة والذات بثبلثة طرؽ عمى
األقؿ .أوال ،يفسر الموت والسيادة عمى أنيما نوبات مف المبادلة والغ ازرة -أو ،بتوظيؼ
مصطمحاتو الخاصة :الفيض .بالنسبة لباتاي ،الحياة ىي معيبة فقط عندما يأخذىا الموت رىينة.
الحياة نفسيا موجودة فقط في دفقات وفي تبادؿ مع الموت .16ويقوؿ إف الموت ىو تعفف الحياة،
الرائحة النتنة التي ىي المصدر والشرط المقيت لمحياة في الوقت نفسو .وبالتالي ،وعمى الرغـ مف
أنو يدمر ما كاف ،ويطمس ما كاف مف المفترض أف يستمر في الوجود ،ويقمؿ إلى ال شيء الفرد
الذي يأخذه ،فإف الموت ال ينحدر إلى إبادة نقية لموجود .بؿ ىو في جوىره وعيا ذاتيا .وعبلوة
عمى ذلؾ ،ىو أفخـ شكؿ مف أشكاؿ الحياة ،بمعنى أنو التدفؽ والغ ازرة :قوة االنتشار .وبطريقة
أكثر جذرية ،يسحب باتاي الموت مف أفؽ المعنى .وعمى النقيض مف ىيجؿ ،الذي ال شيء
بالنسبة لو يفقد بشكؿ نيائي في الموت؛ فإف الموت في الواقع يحمؿ داللة كبيرة بوصفو واسطة
الحقيقة .
ثانيا ،يرسخ باتاي بقوة الموت في مجاؿ البذؿ (اإلنفاؽ المطمؽ ،السمة األخرى لمسيادة) ،في
حيف يحاوؿ ىيجؿ الحفاظ عمى الموت داخؿ اقتصاد المعرفة المطمقة والمعنى .الحياة أبعد مف
الفائدة ،يقوؿ باتاي ،الموت ىو مجاؿ السيادة .وبالتالي ،فإف الموت في ىذه الحالة ،ىو نقطة
يشكؿ فييا التدمير والقمع والتضحية بذال راديكاليا ال رجعة فيو -أي بذال دوف احتياطي –
بحيث لـ يعد ممكنا أف يحدد بوصفو سمبيا.
الموت ،تبعا لذلؾ ،ىو مبدأ الفيض الخاص ،ضد االقتصاد .ومف ىنا استعارة الترؼ والطابع
الفاخر لمموت .ثالثا ،يقيـ باتاي عبلقة بيف الموت والسيادة والجنسانية .وترتبط الجنسانية ارتباطا
وثيقا بالعنؼ وبانحبلؿ الحدود بيف الجسـ والنفس عف طريؽ نبضات ماجنة وب ارزية .وىكذا تيتـ
الجنسانية بشكميف رئيسييف مف نبضات اإلنساف المستقطبة ػ اإلفراز واالستيبلء ػ وكذلؾ نظاـ
التابوىات المحيطة بيا.17
تكمف حقيقة الجنس وخصائصو القاتمة في تجربة فقداف الحدود التي تفصؿ بيف الواقع واألحداث
والموضوعات الفنتازية .وبالنسبة لباتاي ،فإف لمسيادة أشكاؿ كثيرة .ولكنيا في نياية المطاؼ
رفض قبوؿ الحدود التي يفرض الخوؼ مف الموت عمى الذات احتراميا .إف العالـ السيادي،
16
See Jean Baudrillard, “Death in Bataille,” in Bataille: A Critical Reader, ed. Fred Botting and
Scott Wilson (Oxford: Blackwell, 1998), especially 139–41.
17
Georges Bataille, Visions of Excess: Selected Writings, 1927–1939, trans. A. Stoekl (Minneapolis:
University of Minnesota Press, 1985), 94–95.
5
عرؼ عالـيقوؿ باتاي" :ىو العالـ الذي يمغى فيو حد الموت .الموت موجود فيو ،ووجوده ي ّ
العنؼ ،ولكف في حيف أف الموت موجود ،إال أنو ىناؾ فقط كي يتـ انكاره ،ال لشيء إال لذلؾ.
فالسيد ،يقوؿ باتاي" ،ىو الذي ،كما لو أف لموت ليس موجودا ....ال يضع أي اعتبار لحدود
اليوية أكثر مما يفعمو لحدود الموت ،أولنقؿ أف ىذه الحدود ىي نفسيا؛ ىو المتجاوز أو المنتيؾ
لكؿ ىذه الحدود " .وحيث أف المجاؿ الطبيعي لمحظر يشمؿ الموت ،مف بيف أمور أخرى (عمى
سبيؿ المثاؿ ،الجنسانية ،القذارة ،البراز) ،تتطمب السيادة "قوة النتياؾ الحظر ضد القتؿ ،عمى
الرغـ مف أف ىذا سيكوف في ظؿ ظروؼ تحددىا العادات والتقاليد" .وخبلفا لمتبعية التي ىي
دائما متجذرة في الضرورة والحاجة المزعومة إلى تجنب الموت ،فإف السيادة تدعو بالتأكيد إلى
خطر الموت18 .وبتناولو لمسيادة بوصفيا انتياؾ المحظورات ،يعيد باتاي فتح مسألة حدود
السياسة .السياسة ،في ىذه الحالة ،ليست حركة جسورة جدلية لمعقؿ .ال يمكف اف يقتفى أثر
السياسة إال بوصفيا انتياكا لولبيا ،مثؿ ذلؾ اإلختبلؼ الذي يشوش فكرة الحد األقصى .السياسة
بصورة أكثر تحديدا ،ىي الفرؽ الذي يعمؿ مف خبلؿ انتياؾ تابو.19
السمطة الحياتية وعالقة العداوة.
وبعد أف قدمت قراءة لمسياسة بوصفيا عمؿ الموت ،أنتقؿ اآلف إلى السيادة ،كما طرحت في
الغالب بوصفيا الحؽ في القتؿ .وألغراض حجتي ،أربط فكرة فوكو عف السمطة الحياتية
بمفيوميف آخريف :حالة االستثناء وحالة الحصار .20وأدرس تمؾ المسارات التي توضح كيؼ أف
حالة االستثناء وعبلقة العداوة أصبحت األساس المعياري لمحؽ في القتؿ .في مثؿ ىذه الحاالت،
تشير السمطة (وليس بالضرورة سمطة الدولة) بشكؿ مستمر /وتدعو إلى االستثناء والطوارئ
والفكرة المتخيمة عف العدو .كما أنيا تعمؿ عمى إنتاج نفس االستثناء والطوارئ والعدو المتخيؿ.
وبعبارة أخرى ،فإف الس ؤاؿ ىو :ما ىي العبلقة بيف السياسة والموت في تمؾ النظـ التي يمكف أف
تعمؿ فقط في حالة الطوارئ؟ وفي صياغة فوكو ،تعمؿ السمطة الحياتية ،عمى ما يبدو ،مف
خبلؿ تقسيـ الناس إلى أولئؾ الذيف يجب أف يعيشوا والذيف يجب أف يموتوا .وحيف تعمؿ عمى
أساس اإلنقساـ بيف العيش والموت ،فإف ىذه السمطة تعرؼ نفسيا مف خبلؿ العبلقة مع حقؿ
البيولوجيا -الذي تسيطر عميو وتثبت نفسيا فيو .تفترض ىذه السيطرة توزيع األنواع البشرية في
18
Fred Botting and Scott Wilson, eds., The Bataille Reader (Oxford: Blackwell, 1997), 318–19.
See also Georges Bataille, The Accursed Share: An Essay on General Economy, vol. 1,
Consumption,trans. Robert Hurley (New York: Zone, 1988), and Erotism: Death & Sensuality, trans.
Mary Dalwood(San Francisco: City Lights, 1986).
Bataille, Accursed Share, vol. 2, The History of Eroticism; vol. 3, Sovereignty. 19
20
On the state of siege, see Schmitt, La dictature, chap. 6.
6
مجموعات ،وتقسيـ السكاف إلى مجموعات فرعية ،وانشاء قطيعة بيولوجية بيف الواحدة واألخرى.
وىذا ما يصفو فوكو بمصطمح (يبدو مألوفا لموىمة األولى) العنصرية أو العرقية .21ذلؾ العرؽ
(أو العنصرية بوصفيا ذات صمة بيذه المسألة) والذي يظير بشكؿ بارز في حساب التفاضؿ
والتكامؿ لمسمطة الحياتية لو ما يبرره تماما .كاف لمعرؽ ،أكثر مف الفكر الطبقي (األيديولوجية
الذي تعرؼ التاريخ عمى أنو نضاؿ اقتصادي لمطبقات) ،ظبل دائما في الفكر والممارسة السياسية
الغربية ،خاصة إذا تعمؽ األمر بتخيؿ ال-إنسانية /أو حكـ الشعوب األجنبية .باالشارة إلى
الحضور الكمي والشبيو بالشبحي لعالـ العرؽ بشكؿ عاـ ،تموضع أرندت جذوره في الخبرة
المتشظية لآلخرية(الغيرية) وتقترح أف سياسة العرؽ مرتبطة في نياية المطاؼ بسياسة الموت.22
وفي الواقع ،وبمصطمحات فوكو ،فإف العنصرية ،قبؿ كؿ شيء ،ىي تكنولوجيا تيدؼ إلى
23
وفي اقتصاد السياسات السماح بممارسة السمطة الحياتية" ،و" الحؽ السيادي القديـ بالموت "
الحياتية ،فإف وظيفة العنصرية ىي تنظيـ توزيع الموت وتمكيف الدولة مف ظيفة القتؿ .ىي ،كما
يقوؿ" ،شرط القبوؿ بالقتؿ " .24يقوؿ فوكو بوضوح إف الحؽ السيادي في القتؿ (droit de
25
) glaiveوميكانزمات السمطة الحياتية مدرجة في الطريقة التي تعمؿ بيا جميع الدوؿ الحديثة؛
بؿ ويمكف اعتبارىا عناصر تأسيسية لسمطة الدولة في الحداثة .وفقا لفوكو ،كانت الدولة النازية
المثاؿ األكثر اكتماال لمدولة التي تمارس حؽ القتؿ .ىذه الدولة ،كما يدعي ،جعمت اإلدارة،
والحماية ،وتثقيؼ أو تيذيب الحياة تتعايش مع الحؽ السيادي في القتؿ .وبواسطة االستقراء
البيولوجي حوؿ موضوع العدو السياسي ،وتنظيـ الحرب ضد خصوميا ،وفي الوقت نفسو،
تعريض مواطنييا لمحرب ،دشنت الدولة النازية الطريؽ لمتوطيد اليائؿ لمحؽ في القتؿ الذي توج
بمشروع "الحؿ النيائي" .وبفعميا ىذا أصبحت النموذج األصمي لتشكيؿ السمطة التي تجمع بيف
خصائص الدولة العنصرية ،والدولة القاتمة ،والدولة االنتحارية .ويقاؿ إف الخمط الكامؿ بيف
الحرب والسياسة (والعنصرية والقتؿ واالنتحار) ،طالما أنو ال يمكف تمييزىا عف بعضيا البعض،
ىو أمر فريد مف نوعو خاص بالدولة النازية .إف تصور وجود اآلخر كمحاولة إعتداء عمى
حياتي ،كتيديد مميت أو خطر مطمؽ مف شأف اقصائو البيوفيزيائي أف يعزز قدرتي عمى الحياة
واألمف -وىذا ،في رأيي ،واحد مف العديد مف خياالت السيادة المميزة لكؿ مف الحداثة المبكرة
21
See Foucault, Il faut défendre la société, 57–74.
22
“Race is, politically speaking, not the beginning of humanity but its end... , not the natural
birth of man but his unnatural death.” Arendt, Origins of Totalitarianism, 157.
23
Foucault, Il faut défendre la société, 214.
24
Foucault, Il faut défendre la société, 228.
25
Foucault, Il faut défendre la société, 227–32.
7
والمتأخرة نفسيا .يدعـ االعتراؼ بيذا التصور إلى حد كبير معظـ االنتقادات التقميدية لمحداثة،
سواء كانت تتعامؿ مع العدمية واعبلنيا عف إرادة السمطة باعتبارىا جوىر الوجود؛ والفيـ
التشييئ لئلنساف بتحويمو إلى شيء أو موضوع ؛ أو إخضاع كؿ شيء لممنطؽ غير الشخصي،
ولسيطرة الحسابات والعقبلنية األداتية .26والواقع ،مف منظور أنثروبولوجي ،إف ما تمثمو ىذه
االنتقادات ضمنا ىو تعريؼ السياسة باعتبارىا العبلقة الحربية بامتياز .كما أنيا تتحدى فكرة أف
حساب التفاضؿ والتكامؿ لمحياة يمر بالضرورة مف خبلؿ موت اآلخر؛ أو أف السيادة تتكوف مف
اإلرادة والقدرة عمى أف تقتؿ مف أجؿ أف تعيش .ومف وجية نظر تاريخية ،جادؿ عدد مف
المحمميف بأف البنى المادية لئلبادة النازية توجد في اإلمبريالية االستعمارية مف ناحية ،وفي
تسمسؿ الميكانيزمات التقنية لقتؿ الناس مف ناحية أخرى ػ ػ الميكانيزمات التي جرى تطويرىا بيف
الثورة الصناعية والحرب العالمية األولى .ووفقا إلينزو ترافرسو ،كانت غرؼ الغاز واألفراف
تتويجا لعممية طويمة مف التجريد مف اإلنسانية وصناعة الموت ،التي كانت أحد سماتيا األصمية
دمج العقبلنية األداتية مع العقبلنية اإلنتاجية واإلدارية لمعالـ الغربي الحداثي (المصنع،
والبيروقراطية ،والسجف ،والجيش) .وبعد أف أصبح آلية ،تـ تحويؿ اإلعداـ المتسمسؿ إلى إجراء
فني بحت ،ال شخصي وصامت وسريع.
وقد ساعد جزئيا في ىذا التطور القوالب النمطية العنصرية وازدىار العنصرية القائمة عمى الطبقة
التي أدت ،عند ترجمة الصراعات االجتماعية في العالـ الصناعي بمصطمحات العنصرية ،إلى
مقارنة الطبقات العاممة و"األشخاص عديمي الجنسية" في العالـ الصناعي ب "المتوحشيف
األغبلظ" في العالـ االستعماري.27
والواقع أف الروابط بيف الحداثة واإلرىاب تنبع مف مصادر متعددة .بعضيا موجود في الممارسات
السياسية لمنظاـ القديـ .ومف ىذا المنظور ،فإف التوتر بيف شغؼ الجميور بالدـ ومفاىيـ الثأر
واالنتقاـ والعدالة أمر بالغ األىمية .يبيف فوكو في (المراقبة والمعاقبة) كيؼ أف أعداـ داميف الذي
كاف سيكوف قاتؿ الممؾ استمر لساعات لنيؿ رضا الحشد 28.ومف المعروؼ جيدا الموكب الطويؿ
مف المدانيف في الشوارع قبؿ التنفيذ ،واستعراض أجزاء الجسـ -الطقس التي أصبح سمة قياسية
لمعنؼ الشعبي -والعرض النيائي لمرأس المقطوع مثبتا عمى رمح .يمثؿ ظيور المقصمة في
فرنسا مرحمة جديدة في "إضفاء الطابع الديمقراطي" عمى وسائؿ التخمص مف أعداء الدولة.
26
See Jürgen Habermas, The Philosophical Discourse of Modernity: Twelve Lectures , trans.
Frederick G. Lawrence (Cambridge: MIT Press, 1987), especially chaps. 3, 5, 6.
27
Enzo Traverso, La violence nazie: Une généalogie européenne (Paris: La Fabrique Editions,
2002).
28
Michel Foucault, Discipline and Punish: The Birth of the Prison (New York: Pantheon, 1977).
8
والواقع أف ىذا الشكؿ مف أشكاؿ اإلعداـ التي كانت في السابؽ حقا مقصو ار عمى النببلء امتد
إلى جميع المواطنيف .وفي سياؽ ينظر فيو إلى قطع الرأس بوصفو أقؿ ميانة مف الشنؽ ،فإف
االبتكارات في تكنولوجيات القتؿ ال تيدؼ فقط إلى "تيذيب أو تمديف " طرؽ القتؿ .ولكنيا تيدؼ
أيضا إلى التخمص مف عدد كبير مف الضحايا في فترة زمنية قصيرة نسبيا .وفي الوقت نفسو،
تظير حساسية ثقافية جديدة يكوف فييا قتؿ عدو الدولة امتدادا لمعبة ،لتظير أشكاؿ مف القسوة
أكثر حميمية ،ورىبة ،وبطئا .ولكف لـ يتبد الخمط بيف العقؿ واإلرىاب بشكؿ واضح جدا في أي
مكاف كما ىو الحاؿ خبلؿ الثورة الفرنسية .29يفسر اإلرىاب خبلؿ الثورة الفرنسية ،عمى أنو جزء
ضروري تقريبا مف السياسة .ويزعـ أف الشفافية المطمقة موجودة بيف الدولة والشعب .وبوصفو فئة
سياسية ،يتحوؿ "الشعب" تدريجيا مف واقع ممموس إلى رمز ببلغي .وكما بيف ديفيد بيتس ،يعتقد
منظمو اإلرىاب أنو مف الممكف التمييز بيف التعبيرات األصيمة لمسيادة وأعماؿ العدو .كما
يعتقدوف أنو مف الممكف التمييز بيف "خطأ" المواطف و "جريمة" الثورة المضادة في المجاؿ
السياسي .وىكذا يصبح اإلرىاب وسيمة لوسـ االنحراؼ في الجسـ السياسي ،وتق أر السياسية
بوصفيا القوة المتنقمة لمعقؿ والمحاولة التائية لخمؽ مساحة حيث يقمؿ "الخطأ" ،وتعزز الحقيقة،
ويطرد منيا العدو عمى حد سواء .30وأخيرا ،فإف اإلرىاب ال يرتبط فقط باالعتقاد الطوباوي بالقدرة
غير المقيدة لمعقؿ اإلنساني ،ولكنو يرتبط بوضوح بسرديات مختمفة عف التمكف والتحرر ،يرتكز
معظميا عمى فيـ التنوير لمحقيقة والخطأ" ،الحقيقي" والرمزي .يخمط ماركس ،عمى سبيؿ المثاؿ،
بيف الكدح (دورة ال نياية ليا مف اإلنتاج واالستيبلؾ البلزمة لمحفاظ عمى حياة اإلنساف) والعمؿ
(خمؽ التحؼ الدائمة التي تضيؼ إلى عالـ األشياء) .وينظر إلى الكدح بوصفو أداة لمخمؽ
الذاتي التاريخي لمبشرية .إف الخمؽ الذاتي التاريخي لمبشرية ىو في حد ذاتو صراع الحياة
والموت ،أي صراع حوؿ المسارات التي ينبغي أف تؤدي إلى حقيقة التاريخ :التغمب عمى
الرأسمالية والشكؿ السمعي والتناقضات المرتبطة بيما .وفقا لماركس ،مع ظيور الشيوعية والغاء
عبلقات التبادؿ ،سوؼ تظير األمور كما ىي عمية في الواقع؛ وسيقدـ "الحقيقي" نفسو كما ىو
في الواقع ،وسيتـ تجاوز التمييز بيف الذات والموضوع أو الوجود والوعي .31ولكف بجعؿ التحرر
29
See Robert Wokler, “Contextualizing Hegel’s Phenomenology of the French Revolution and
the Terror,” Political Theory 26 (1998): 33–55.
30
David W. Bates, Enlightenment Aberrations: Error and Revolution in France (Ithaca, N.Y.:
Cornell University Press, 2002), chap. 6.
31
Karl Marx, Capital: A Critique of Political Economy, vol. 3 (London: Lawrence & Wishart,
1984), 817. See also Capital, vol. 1, trans. Ben Fowkes (Harmondsworth, England: Penguin, 1986),
172.
9
البشري يعتمد عمى إلغاء إنتاج السمع ،يطمس ماركس االنقسامات اليامة بيف عالـ الحرية الذي
صنعو اإلنساف ،ومجاؿ الضرورة الذي تحدد الطبيعة ،وشرطية التاريخ .إف االلتزاـ بإلغاء إنتاج
السمع األساسية وحمـ الوصوؿ المباشر ودوف وسيط إلى "الحقيقي" يجعؿ مف ىذه العمميات -
تحقيؽ ما يسمى بمنطؽ التاريخ وتصنيع الجنس البشري -عمميات عنيفة بالضرورة تقريبا .وكما
ّبيف ستيفف لو ،فإف المبادئ المركزية لمماركسية الكبلسيكية ال تترؾ أي خيار سوى "محاولة
إدخاؿ الشيوعية عف طريؽ األوامر اإلدارية ،وىو ما يعني عمميا أنو يجب نزع تسميع العبلقات
االجتماعية بقوة" .32تاريخيا ،اتخذت ىذه المحاوالت أشكاال مثؿ عسكرة العمؿ ،وانييار التمييز
بيف الدولة والمجتمع ،واإلرىاب الثوري .33ويمكف القوؿ إف ىذه التدابير تيدؼ إلى استئصاؿ
حالة التعددية اإلنسانية األساسية .في الواقع ،فإف التغمب عمى االنقسامات الطبقية ،وذوباف
الدولة ،وازدىار اإلرادة العامة يفترض مسبقا أف التعددية البشرية ىي العقبة الرئيسية أماـ تحقيؽ
الغايات التاريخية المحددة سمفا .وبعبارة أخرى ،فإف الذات في الحداثة الماركسية ىي ،في
األساس ،ذات تعتزـ إثبات سيادتيا مف خبلؿ شف قتاؿ حتى الموت .وكما ىو الحاؿ مع ىيجؿ،
فإف سردية السيطرة والتحرر ىنا ترتبط بوضوح بسردية الحقيقة والموت .إف اإلرىاب والقتؿ
يصبحاف وسيمة لتحقيؽ الغايات الحتمية تاريخيا.
يحتاج أي تناوؿ تاريخي لظيور اإلرىاب الحداثي إلى تناوؿ الرؽ أو العبودية ،وىي ما يمكف
الزرعي وعواقبو الشكؿ
اعتباره مف أولى حاالت التجريب السياسي الحياتي .يظير ىيكؿ النظاـ ا
الرمزي والمتناقض لحالة اإلستثناء .34وىذا االشكؿ متناقض ىنا لسببيف .أوال ،في سياؽ المزرعة،
تظير إنسانية الرقيؽ(العبد) باعتباره الرمز المثالي لمظؿ .والواقع أف حالة الرقيؽ تنجـ عف خسارة
32
Stephen Louw, “In the Shadow of the Pharaohs: The Militarization of Labour Debate and
Classical Marxist Theory,” Economy and Society (29) 2000: 240.
33
On labor militarization and the transition to communism, see Nikolai Bukharin, The Politics
;)and Economics of the Transition Period, trans. Oliver Field (London: Routledge & Kegan Paul, 1979
and Leon Trotsky, Terrorism and Communism: A Reply to Karl Kautsky (Ann Arbor: University of
Michigan Press, 1961). On the collapse of the distinction between state and society, see Karl Marx,
The Civil War in France (Moscow: Progress, 1972); and Vladimir Il’ich Lenin, Selected Works in
Three Volumes, vol. 2 (Moscow: Progress, 1977). For a critique of “revolutionary terror,” see Maurice
Merleau- Ponty, Humanism and Terror: An Essay on the Communist Problem, trans. John O’Neill
(Boston: Beacon, 1969). For a more recent example of “revolutionary terror,” see Steve J. Stern, ed.,
Shining and Other Paths:War and Society in Peru, 1980–1995 (Durham, N.C.: Duke University
Press, 1998).
34
See Saidiya V. Hartman, Scenes of Subjection: Terror, Slavery, and Self-Making in Nineteenth-
Century America (Oxford: Oxford University Press, 1997); and Manuel Moreno Fraginals, The
Sugarmill: The Socioeconomic Complex of Sugar in Cuba, 1760–1860 (New York: Monthly Review
Press, 1976).
11
ثبلثية :فقداف "الوطف" ،وفقداف الحقوؽ عمى جسده ،وفقداف الحالة السياسية .وىذه الخسارة
الثبلثية متطابقة مع الييمنة المطمقة ،واالغتراب منذ الوالدة ،والموت االجتماعي (الطرد مف
اإلنسانية كمية) .ومف المؤكد أف المزرعة ،بوصفيا ىيكبل سياسيا وقانونيا ،ىي المكاف الذي
ينتمي فيو الرقيؽ لسيد .فيي ليست مجتمعا ألف المجتمع بحكـ تعريفو ينطوي عمى ممارسة
سمطة الكبلـ والفكر .وكما يقوؿ بوؿ غيمروي" ،إف أنماط التواصؿ المتطرفة التي تحددىا مؤسسة
االستعباد الزراعي تممي عمينا أف نعترؼ بالتداعيات الخارجة عف المغة والمناىضة لمخطاب
لمسمطة الفاعمة في تشكيؿ األفعاؿ التواصمية .قد ال يكوف ىناؾ ،عمى اإلطبلؽ ،أي معاممة
تبادلية في المزرعة خارج إمكانيات التمرد واالنتحار ،والفرار ،والحداد الصامت ،وليس ىناؾ
بالتأكيد أي وحدة قواعدية نحوية لمكبلـ لتكوف وسيطا لمعقؿ التواصمي .وفي العديد مف النواحي،
يعيش سكاف المزرعة بشكؿ غير متزامف " .35وبوصفو اداة كادحة ،فإف لمعبد ثمف .وبوصفو مف
الممتمكات فإف لو قيمة .ىناؾ حاجة إلى عممو .فضبل عف استغبلؿ عممو .وبالتالي يبقى العبد
حيا ولكف في حالة غبف واىانة ،في عالـ شبو شبحي مف األىواؿ والقسوة الشديدة والبذاءة.
ويتجمى اإلتجاه العنيؼ لحياة العبد مف خبلؿ رغبة المشرؼ أف يتصرؼ بطريقة قاسية وغير
معتادة وفي مشيد األلـ الذي يمحؽ بجسد العبد .36ويصبح العنؼ ،ىنا ،عنص ار في السموؾ،37
مثؿ الجمد أو قتؿ الرقيؽ في حد ذاتو :عمبل مف أعماؿ التدمير الخالص الذي ييدؼ إلى تثبيت
الرعب .38حياة الرقيؽ ،بطرؽ عديدة ،ىي شكؿ مف أشكاؿ الموت في الحياة .وكما تقترح سوزاف
باؾ -مورس ،فإف حالة الرقيؽ تنتج تناقضا بيف حرية التممؾ وحرية الفرد .تنشأ عبلقة غير
متكافئة تسير جنبا إلى جنب مع عدـ المساواة في السمطة عمى الحياة .ىذه السمطة عمى حياة
أخرى تأخذ شكؿ التجارة :تنحؿ إنسانية اإلنساف إلى درجة يمكف معيا القوؿ إف حياة العبد
يمتمكيا السيد .39وألف حياة العبد مثؿ "شيء" ،تمتمؾ مف قبؿ شخص آخر ،يظير وجود الرقيؽ
كشكؿ أو كرمز مثالي لمظؿ .وعمى الرغـ مف اإلرىاب والعزؿ الرمزي لمرقيؽ ،فإنو يحتفظ
35
Gilroy, Black Atlantic, 57.
36
See Frederick Douglass, Narrative of the Life of Frederick Douglass, an American Slave , ed.
Houston A. Baker (New York: Penguin, 1986).
37
يستخدـ مصطمح " " mannersالوسائؿ أو الطرؽ ىنا لمداللة عمى الصبلت بيف الرضا االجتماعي والسيطرة االجتماعية .وفقا ؿ
نوربرت إلياس ،تجسد الطرؽ أو األساليب ما "يعتبر سموكا مقبوال اجتماعيا" "مبادئ السموؾ" ،واطار " ." convivialityانظر” The :
History of Manners, vol. 1, The Civilizing Process, trans. Edmund Jephcott (New York: Pantheon,
1978), chap. 2.
38
"وكمما عبل صراخيا ،كمما جمدىا بقسوة أكبر .وكمما ساؿ الدـ بشكؿ أسرع ،ىناؾ جمدىا ألطوؿ مدة ،يقوؿ دوغبلس في روايتو عف جمد عمتو مف
قبؿ السيد بمومر .كاف يجمدىا ليجعميا تصرخ ،ويجمدىا لتصمت .وليس حتى يغمبو التعب ،حينيا يتوقؼ عف جمد جمد البقرة الذي تخثر بالدـ ....كاف
أشد المشاىد فظاعة ".Douglass, Narrative of the Life, 51. On the random killing of slaves, see 67–68 .
Susan Buck-Morss, “Hegel and Haiti,” Critical Inquiry 26 (2000): 821–66. 39
11
بوجيات نظر بديمة نحو الوقت والعمؿ والنفس .وىذا ىو العنصر الثاني المتناقض في عالـ
المزارع بوصفو دليبل عمى حالة االستثناء .إذ بالرغـ مف معاممتو كما لو أنو غير موجود إال كأداة
إنتاج ،فإف الرقيؽ قادر عمى جر أي موضوع أو أداة أو لغة أو لفتة إلى األداء ومف ثـ أسمبتيا.
مخترقا باقتبلع الجذور وعالـ األشياء الخالص الذي ىو ليس إال شظية منو ،يستطيع العبد أف
يثبت القدرات المتمونة لمروابط البشرية مف خبلؿ الموسيقى والجسـ نفسو الذي يفترض أنو ممؾ
آلخر .40واذا كانت العبلقات بيف الحياة والموت ،وسياسة القسوة ورموز البذاءة غير واضحة في
نظاـ المزرعة ،إال أنو في المستعمرة وفي ظؿ نظاـ الفصؿ العنصري يظير إلى حيز الوجود
تشكيبل إرىابيا خاصا سأنتقؿ إليو اآلف .41سمة مف سمات ىذا التشكيؿ اإلرىابي ىو تسمسؿ
السمطة وحالة االستثناء وحالة الحصار .ومف األمور الحاسمة في ىذاالتسمسؿ ،مرة أخرى،
العرؽ.42
وفي الواقع ،وجد اختيار األعراؽ ،وحظر الزيجات المختمطة ،والتعقيـ القسري ،وحتى إبادة
الشعوب الميزومة ،في معظـ الحاالت ،أوؿ أرضية تجريبية لو في العالـ االستعماري .وىنا نرى
أوؿ التوليفات بيف المجزرة والبيروقراطية ،التوليفة التي تجسد العقبلنية الغربية .43وضعت أرندت
أطروحة تقوؿ إ ف ىناؾ صمة بيف االشتراكية القومية واإلمبريالية التقميدية .ووفقا ليا ،فإف الغزو
االستعماري كشؼ عف احتماؿ وقوع عنؼ لـ يكف معروفا مف قبؿ .فما شيده المرء في الحرب
العالمية الثانية ىو توسيع نطاؽ األساليب التي كانت محجوزة سابقا لؿ "متوحشيف البرابرة غير
المتمدنيف" لتطاؿ الشعوب "المتحضرة" في أوروبا .ففكرة أف التكنولوجيات التي انتيت بانتاج
النازية كاف ينبغي أف تنشأ في المزرعة أو في المستعمرة ،أو ،عمى العكس مف ذلؾ -كما في
أطروحة فوكو -أف النازية والستالينية لـ تفعؿ أكثر مف تضخيـ سمسمة مف اآلليات التي كانت
40
Roger D. Abrahams, Singing the Master: The Emergence of African American Culture in the
Plantation South (New York: Pantheon, 1992).
41
وفي ما يمي ،أدرؾ أف األشكاؿ االستعمارية مف السيادة كانت دائما مجزأة .وكانت معقدة" ،أقؿ اىتماما بإضفاء الشرعية عمى
وجودىا وأكثر عنفا بشكؿ مفرط مف أشكاليا األوروبية" .واألىـ مف ذلؾ أف "الدوؿ األوروبية لـ تكف تيدؼ أبدا إلى حكـ األقاليـ
االستعمارية بنفس التماثؿ والكثافة المطبقة عمى سكانياT. B. Hansen and Finn Stepputat, “Sovereign Bodies: .
.)Citizens, Migrants and States in the Postcolonial World” (paper, 2002
42
وفي قضية الدولة العنصرية () ،)(Malden, Mass: Blackwell, 2002يقوؿ ديفيد ثيو غولدبيرغ إنو منذ القرف التاسع عشر،
ىناؾ عمى األقؿ اثنيف مف التقاليد التاريخية المتنافسة لمعقبلنية العنصرية :ا( naturismعمى أساس ادعاء الدونية) وhistoricism
(عمى أساس االدعاءب "عدـ النضج" التاريخي -وبالتالي "التعميـ" عند السكاف االصمييف ) .وفي تواصؿ خاص ( 23آب /أغسطس
،) 2002يقوؿ إف ىذيف التقميديف طبقا بطريقتيف مختمفتيف عندما يتعمؽ األمر بمسائؿ السيادة ،وحاالت االستثناء ،وأشكاؿ سمطة
الموت .وفي أريو ،يمكف أف تتخذ سمطة الموت أشكاال متعددة :رعب الموت الفعمي؛ أو شكؿ "أكثر طيبة " -الذي ينتج عنو تدمير
ثقافة مف أجؿ "إنقاذ الشعب" مف نفسو.
43
Arendt, Origins of Totalitarianism, 185–221.
12
موجودة بالفعؿ في التشكيبلت االجتماعية والسياسية في أوروبا الغربية (إخضاع الجسـ ،والموائح
الصحية ،والداروينية االجتماعية ،وتحسيف النسؿ ،والنظريات الطبية القانونية عمى الوراثة،
والتنكس أو اإلنحطاط ،والعرؽ) ىي ،في النياية ،غير ذات صمة .الحقيقة ،عمى الرغـ مف ذلؾ،
ىي أف المستعمرة في الفكر الفمسفي الحداثي والممارسة والخياؿ السياسي األوروبي تمثؿ المكاف
الذي تتشكؿ فيو السيادة بشكؿ أساسي مف ممارسة السمطة خارج القانوف ( ab legibus
)solutusوالمكاف حيث االحتماالت األكبر ألف يأخذ "السبلـ" وجو "حرب ببل نياية" .والواقع أف
ىذا الرأي يتفؽ مع تعريؼ كارؿ شميت لمسيادة في بداية القرف العشريف ،أي سمطة البت في
حالة االستثناء .ولتقييـ فعالية المستعمرة بشكؿ صحيح بوصفيا شكبل مف أشكاؿ اإلرىاب ،يتعيف
عمينا أف نمتفت إلى الخياؿ األوروبي نفسو مف حيث صمتو بالمسألة الحاسمة المتمثمة في تدجيف
الحرب وانشاء نظاـ قضائي أوروبي ( .)Jus publicum Europaeumوعمى أساس ىذا
الترتيب كاف ىناؾ مبدآف رئيسياف .يفترض أوليا المساواة القانونية بيف جميع الدوؿ .وقد طبقت
ىذه المساواة بشكؿ ممحوظ عمى الحؽ في شف الحرب (أخذ الحياة) .والحؽ في شف الحرب يعني
أمريف .فمف ناحية ،جرى االعتراؼ بأف القتؿ أو إبراـ السبلـ ىو أحد المياـ البارزة ألي دولة.
وجرى ذلؾ جنبا إلى جنب مع االعتراؼ بحقيقة أنو ال يمكف ألي دولة أف تطالب بحكـ خارج
حدودىا .ولكف أيضا ،عمى العكس مف ذلؾ ،ال يمكف لمدولة أف تعترؼ بأي سمطة فوقيا داخؿ
حدودىا .ومف ناحية أخرى ،تعيدت الدولة مف جانبيا ب "بتمديف" طرؽ القتؿ واعطاء أىداؼ
عقبلنية لفعؿ القتؿ ذاتو .ويتعمؽ المبدأ الثاني بإضفاء الطابع اإلقميمي territorializationعمى
الدولة ذات السيادة ،أي تحديد حدودىا في إطار نظاـ عالمي فرض حديثا .وفي ىذا السياؽ،
أخذ نظاـ الحقوؽ القانونية التي يتمتع بيا كؿ المواطنيف " Jus publicumجوس ببميكوـ "
بسرعة شكؿ التمييز بيف تمؾ األجزاء مف العالـ المتاحة لبلستيبلء مف قبؿ االستعماري مف
ناحية ،ومف ناحية أخرى ،أوروبا نفسيا (حيث كاف مف المفترض أف يسود الجوس بوبميكوـ).44
أمر حاسما مف حيث تقييـ فعالية المستعمرة بوصفيا شكبل إرىابيا.
يعد ىذا التمييز ،كما سنرى ،ا
فبشكؿ عاـ ،وتحت "الجوس ببميكوـ" تكوف الحرب المشروعة ،إلى حد كبير ،حربا تقوـ بيا دولة
ضد دولة أخرى ،أو عمى وجو أدؽ ،حربا بيف دوؿ "متحضرة" .إف مركزية الدولة في حساب
التفاضؿ والتكامؿ لمحرب مستمدة مف حقيقة أف الدولة ىي نموذج الوحدة السياسية ،ومبدأ التنظيـ
العقبلني ،وتجسيد فكرة العبلمة العالمية واألخبلقية .وفي نفس السياؽ ،تشبو المستعمرات الحدود.
يقطنيا "المتوحشوف" .إف ىذه المستعمرات ليست منظمة في شكؿ دولة ولـ تنشئ عالما بشريا.
وال تشكؿ جيوشيا كيانا متميزا ،كما أف حروبيا ليست حروبا بيف الجيوش النظامية .فيي ال تعني
44
Etienne Balibar, “Prolégomènes à la souveraineté: La frontière, l’Etat, le peuple,” Les temps
modernes 610 (2000): 54–55.
13
تعبئة الذوات السيادية (المواطنيف) الذيف يحترموف بعضيـ البعض كأعداء .وال تميز بيف
المقاتميف وغير المقاتميف ،أو مرة أخرى بيف "العدو" و "المجرـ" .45ومف ثـ يتعذر التوصؿ إلى
سبلـ معيا .وباختصار ،فإف المستعمرات ىي المناطؽ التي تقؼ فييا الحرب واالضطرابات،
والرموز الداخمية والخارجية لمسياسة ،جنبا إلى جنب أو بالتبادؿ مع بعضيا البعض .وعمى ىذا
النحو ،فإف المستعمرة ىي المنطقة بامتياز حيث يمكف وقؼ ضوابط وضمانات النظاـ القضائي
-المنطقة حيث يعتبر أف عنؼ حالة االستثناء يعمؿ في خدمة "الحضارة".
ويمكف أف تحكـ ىذه المستعمرات في ظؿ انعداـ مطمؽ لمقانوف ينبع مف اإلنكار العنصري ألي
رابطة مشتركة بيف الغزاة والسكاف األصمييف .في نظر الغزاة ،الحياة الوحشية ىي مجرد شكؿ
آخر مف أشكاؿ الحياة الحيوانية ،تجربة مرعبة ،شيء غريب وراء الخياؿ أو الفيـ .في الواقع،
وفقا ألرندت ،فإف ما يجعؿ المتوحشيف مختمفيف عف البشر اآلخريف ىو الخوؼ مف أف يتصرفوا
كجزء مف الطبيعة أكثر مف لوف بشرتيـ ،وأنيـ يعامموف الطبيعة كما سيدىـ ببل منازع .وىكذا
تظؿ الطبيعة ،بكؿ جبللتيا ،حقيقة ساحقة مقارنة بما يبدو أنيـ أشباح وغير واقعيييف ويشبيوف
األرواح .إف المتوحشيف ىـ ،أو كما لو أنيـ ،بشر طبيعيوف" يفتقروف إلى الطابع اإلنساني عمى
وجو الخصوص" ،ولذلؾ عندما ذبحيـ األوروبيوف لـ يكونوا مدركيف أنيـ قد ارتكبوا جريمة
قتؿ" .46لكؿ ما سبؽ فإف الحؽ السيادي في القتؿ ال يخضع ألي قاعدة في المستعمرات .في
المستعمرات ،قد يقتؿ السيد في أي وقت أو بأي شكؿ مف األشكاؿ .فالحرب االستعمارية ال
تخضع لقواعد قانونية ومؤسساتية .وىي ليست نشاطا مقننا قانونيا .بدال مف ذلؾ ،يتشابؾ
اإلرىاب االستعماري باستمرار مع األوىاـ الناشئة استعماريا عف البرية والموت والخياؿ لخمؽ
تأثير الواقع .47السبلـ ليس بالضرورة النتيجة الطبيعية لمحرب االستعمارية .والواقع أف التمييز
بيف الحرب والسبلـ ال ينفع .والحروب االستعمارية تصور عمى أنيا تعبير عف عدائية مطمقة
تضع الغازي في مواجية عدو مطمؽ .48وتجد جميع مظاىر الحرب والعداء التي تـ تيميشيا في
المخيمة القانونية األوروبية مكانا إلعادة الظيور في المستعم ارت .ىنا ،تنيار قصة التمييز بيف
"غايات الحرب" و "وسائؿ الحرب"؛ وكذلؾ قصة أف الحرب تعمؿ كمنافسو تحكميا القاعدة ،بدال
مف الذبح النقي دوف مخاطر أو تبرير أداتي .ومف ثـ ،يصبح مف غير المجدي محاولة حؿ أحد
45
Eugene Victor Walter, Terror and Resistance: A Study of Political Violence with Case Studies of
Some Primitive African Communities (Oxford: Oxford University Press, 1969).
Arendt, Origins of Totalitarianism, 192. 46
47
For a powerful rendition of this process, see Michael Taussig, Shamanism, Colonialism, and
the Wild Man: A Study in Terror and Healing (Chicago: University of Chicago Press, 1987).
48
On the “enemy,” see L’ennemi, special issue, Raisons politiques, no. 5 (2002).
14
المفارقات المستعصية لمحرب التي التقطيا ببراعة ألكسندر كوجيؼ في إعادة تفسيره
ؿ(فينومينولوجيا الروح) لييغؿ :وىي تزامف المثالية والبل ػ ػ إنسانية الظاىرة.49
سمطة الموت واالحتالالت االستعمارية في الحداثة المتأخرة.
وربما يعتقد أحد أف األفكار المطروحة أعبله تتصؿ بماضي بعيد .في الماضي ،في الواقع،
كانت الحروب اإلمبريالية تيدؼ إلى تدمير القوى المحمية ،وتثبيت القوات ،ووضع نماذج جديدة
مف السيطرة العسكرية عمى السكاف المدنييف .ويمكف أف تساعد مجموعة مف المساعديف المحمييف
في إدارة األراضي المغتصبة الممحقة باإلمبراطورية .منح السكاف الميزوموف ،ضمف
اإلمبراطورية ،وضعا يكرس نبذىـ .وفي ىذه التشكيبلت ،يشكؿ العنؼ الشكؿ األصمي لمحؽ،
ويوفر االستثناء ىيكؿ السيادة .وشممت كؿ مرحمة مف مراحؿ اإلمبريالية أيضا بعض
التكنولوجيات الرئيسية (القارب المدفعي ،والكينيف ،وخطوط البواخر ،وكاببلت التمغراؼ الغواصة،
والسكؾ الحديدية االستعمارية) .50وكاف االحتبلؿ االستعماري نفسو قضية االستيبلء عمى
المنطقة الجغرافية الفعمية ،ورسـ حدودىا ،وتأكيد السيطرة عمى أرض جغرافية وسف مجموعة
جديدة مف العبلقات االجتماعية والمكانية عمى أرض الواقع .كانت كتابة عبلقات مكانية جديدة
(إضفاء الطابع اإلقميمي) ،في نياية المطاؼ ،بمثابة إنتاج الحدود والتسمسؿ اليرمي ،والمناطؽ
والجيوب؛ وتخريب ترتيبات الممتمكات القائمة؛ وتصنيؼ الناس وفقا لفئات مختمفة؛ واستخراج
الموارد؛ وأخيرا ،تصنيع مخزوف كبير مف الخياؿ الثقافي .أعطت ىذه الخياالت معنى إلصدار
حقوؽ متباينة لفئات مختمفة مف األشخاص ألغراض مختمفة داخؿ نفس المساحة؛ وباختصار،
ممارسة السيادة .ولذلؾ فإف المكاف ىو المادة األولية لمسيادة والعنؼ الذي تحممو معيا .فالسيادة
تعني االحتبلؿ ،واالحتبلؿ يعني اقصاء المستع َمريف إلى منطقة ثالثة بيف الذاتية والموضوعية.
وىذا ىو الحاؿ بالنسبة لنظاـ الفصؿ العنصري في جنوب افريقيا .ىنا ،كانت البمدة (الضاحية)
townshipىي الشكؿ الييكمي أو البنيوي وأصبحت مناطؽ السود homelandsمصدر
االحتياطيات (القواعد الريفية) حيث يمكف تنظيـ تدفؽ العمالة الوافدة ،وتقيد التحضر في
أفريقيا .51وكما بينت بميندا بوزولي ،كانت البمدة عمى وجو الخصوص مكانا حيث " يختبر القير
52
" .وبمواصفاتيا االجتماعية والسياسية والثقافية والفقر القاسياف عمى أساس عنصري وطبقي
Township: An Economic Study of African Poverty and Rehousing in a South African City (Cape
Town:Juta, 1975).
52
Belinda Bozzoli, “Why Were the 1980s ‘Millenarian’? Style, Repertoire, Space and Authority
15
واالقتصادية ،كانت البمدة مؤسسة مكانية غريبة مخططة عمميا ألغ ارض السيطرة .53استتبع
تشكيؿ البمدات ومواطف السود قيودا شديدة عمى اإلنتاج لمسوؽ مف قبؿ السود في المناطؽ
البيضاء ،وانياء ممكية األراضي مف قبؿ السود إال في المناطؽ االحتياطية ،وعدـ قانونية إقامة
السود في مزارع البيض (إال إذا كانوا خدما لدى األبيض) ،والسيطرة عمى التدفؽ الحضري ،ثـ
الحقا حرماف األفارقة مف المواطنة.54
يصؼ فرانتز فانوف تحييز spatializationاالحتبلؿ االستعماري بمصطمحات حيوية بارعة.
بالنسبة لو ،ينطوي االحتبلؿ االستعماري أوال وقبؿ كؿ شيء عمى تقسيـ المكاف إلى مقصورات.
وينطوي أيضا عمى وضع تخوـ وحدود داخمية تتجمى في الثكنات ومراكز الشرطة؛ كما أنو ينظـ
مف قبؿ لغة قوة خالصة ،وحضور فوري ،وعمؿ متكرر ومباشر ،فضبل عف أنو يرتكز عمى مبدأ
اإلقتصارية أو الحصرية exclusivityالتبادلية .55ولكف األىـ مف ذلؾ ،ىو الطريقة التي تعمؿ
بيا سمطة الموت" :المدينة التي ينتمي إلييا الشعب المستع َمر ...مكاف سيئ السمعة ،مؤىوؿ
برجاؿ شريريف .يولدوف ىناؾ ،وال ييـ كثي ار أيف أو كيؼ؛ يموتوف ىناؾ ،ال ييـ أيف وال كيؼ.
إنيا عالـ ببل رحابة؛ الرجاؿ يعيشوف ىناؾ واحد عمى رأس اآلخر .البمدة األصمية ىي بمدة
جائعة ،محرومة مف الخبز والمحوـ واألحذية والفحـ والضوء .البمدة األصمية ىي قرية راكدة ،وىي
مدينة جاثية عمى ركبتييا " .56وفي ىذه الحالة ،تعني السيادة القدرة عمى تحديد مف ييـ ومف
الييـ ،ومف الذي يمكف التخمص منو ومف ال يمكف التخمص منو .ويختمؼ االحتبلؿ االستعماري
في الحداثة المتأخر في نواح كثيرة عف االحتبلؿ في الحداثة المبكرة ،وال سيما في دمجو بيف
االنضباط والسياسات الحياتية ،وسياسية الموت .والشكؿ األكمؿ ليذا االحتبلؿ ىو سياسات
الموت في االحتبلؿ االستعماري لفمسطيف .ىنا ،تستمد الدولة االستعمارية مطالبتيا األساسية
بالسيادة والشرعية مف سمطة سردىا الخاص لمتاريخ واليوية .ىذه الرواية نفسيا مدعومة بفكرة أف
لمدولة حؽ إليي مقدس في الوجود .يتنافس سرد مع آخر عمى الفضاء المقدس ذاتو .وألف
السرديف غير متوافقيف ،وألف كبل الشعبيف متداخبلف بشكؿ ال ينفصـ ،فإف أي ترسيـ لؤلرض
عمى أساس اليوية الخالصة أمر شبو مستحيؿ .فالعنؼ والسيادة ،في ىذه الحالة ،يدعياف
in South Africa’s Black Cities,” Journal of Historical Sociology 13 (2000): 79.
53
”?’Bozzoli, “Why Were the 1980s ‘Millenarian
54
See Herman Giliomee, ed., Up against the Fences: Poverty, Passes and Privileges in South
Africa (Cape Town: David Philip, 1985); Francis Wilson, Migrant Labour in South Africa
(Johannesburg:Christian Institute of Southern Africa, 1972).
55
Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, trans. C. Farrington (New York: Grove Weidenfeld,
1991), 39.
Fanon, Wretched of the Earth, 37–39. 56
16
األساس اإلليي :والشعب ( )peoplehoodفي حد ذاتو مجبوؿ عمى عبادة معبود واحد ،وتصور
اليوية الوطنية عمى أنيا ىوية ضد اآلخر ،ضد اآللو األخرى .ومف المفترض أف يدعـ التاريخ
والجغرافيا والخرائط واألركيولوجيا ىذه المزاعـ ،وبالتالي أف تربط اليوية بشكؿ وثيؽ
بالطوبوغرافيا.57
ونتيجة لذلؾ ،فإف العنؼ واالحتبلؿ االستعمارييف يكتسباف بشكؿ عميؽ مف خبلؿ إرىاب الحقيقة
المقدس والحصرية (الطرد الجماعي ،واعادة توطيف األشخاص "عديمي الجنسية" في مخيمات
البلجئيف ،وانشاء المستعمرات الجديدة) .ويرقد تحت إرىاب المقدس التنقيب المستمر عف العظاـ
المفقودة؛ الذكرى الدائمة لمجسد الممزؽ إلى ألؼ قطعة والذي ال مثيؿ لو عمى اإلطبلؽ؛ الحدود،
أو لنقؿ ،عجز المرء عف تمثيؿ "الجريمة األصمية" لنفسو؛ الموت الذي ال يوصؼ :إرىاب
اليولوكوست .58
وعودة إلى القراءة المكانية لػ "فانوف" لبلحتبلؿ االستعماري ،فإف االحتبلؿ االستعماري في الحداثة
المتأخرة لغزة والضفة الغربية يقدـ ثبلث خصائص رئيسية فيما يتعمؽ بعمؿ التشكيؿ اإلرىابي
المحدد الذي أطمقت عميو سمطة الموت (السمطة النكرووية) .األولى ىي ديناميكية التفتيت
اإلقميمي ،إغبلؽ وتوسيع المستوطنات .واليدؼ مف ىذه العممية ذو شقيف :جعؿ أي حركة
مستحيمة وتنفيذ االنفصاؿ عمى غرار نموذج دولة الفصؿ العنصري .وبالتالي فإف األراضي
المحتمة مقسمة إلى شبكة معقدة مف الحدود الداخمية وخبليا معزولة مختمفة .وفقا إلياؿ وايزماف،
مف خبلؿ الخروج مف التقسيـ المستو لؤلرض واإلحتفاء بمبدأ خمؽ حدود ثبلثية األبعاد عبر
البؤر السيادية ،فإف ىذا التشتت والتقسيـ يعيد تعريؼ العبلقة بيف السيادة والمكاف .59وبالنسبة
لوايزماف ،تشكؿ ىذه اإلجراءات "سياسات عمودية "the politics of verticalityويمكف أف
يطمؽ عمى السيادة الناجمة عنيا "السيادة العمودية " vertical sovereigntyوتحت نظاـ
السيادة العمودية ،يعمؿ االحتبلؿ االستعماري مف خبلؿ مخططات الطرؽ السفمية والعموية،
وفصؿ المجاؿ الجوي عف األرض .األرض نفسيا مقسمة إلى قشرة وجوؼ .كما أف االحتبلؿ
االستعماري محكوـ بسبب طبيعة التضاريس وتنوعيا الطوبوغرافي (قمـ التبلؿ والودياف والجباؿ
وتجمعات المياه) .وبالتالي ،تقدـ األرض المرتفعة األصوؿ االستراتيجية غير المتحققة في
57
See Regina M. Schwartz, The Curse of Cain: The Violent Legacy of Monotheism (Chicago:
University of Chicago Press, 1997).
58
See Lydia Flem, L’Art et la mémoire des camps: Représenter exterminer , ed. Jean-Luc Nancy
)(Paris: Seuil, 2001
59
See Eyal Weizman, “The Politics of Verticality,” Open Democracy (Web publication at
www.openDemocracy.net), 25 April 2002.
17
الودياف (فعالية البصر ،والحماية الذاتية ،والتحصيف البانوبتيكي الذي يمنح النظر إلى العديد مف
النيايات المختمفة) .يقوؿ وايزماف " :يمكف اعتبار المستوطنات أجيزة بصرية حضرية لممراقبة
وممارسة السمطة" .وفي ظؿ ظروؼ االحتبلؿ االستعماري في الحداثة المتأخرة ،توجو المراقبة
نحو الداخؿ والخارج عمى حد سواء ،والعيف بمثابة سبلح والعكس بالعكس .وبدال مف التقسيـ
القاطع بيف دولتيف عبر خط الحدود" ،فإف تنظيـ التضاريس الخاص في الضفة الغربية قد خمؽ
عدة عمميات فصؿ ،وحدود مفترضة تتصؿ ببعضيا البعض مف خبلؿ المراقبة والسيطرة " كما
يقوؿ وايزماف .وفي ظؿ ىذه الظروؼ ،فإف االحتبلؿ االستعماري ليس فقط أقرب إلى السيطرة،
والمراقبة ،والفصؿ ،بؿ ىو أيضا بمثابة العزؿ .إنو احتبلؿ تشظية وتفتيت splintering
،occupationعمى غرار التشظي الحضري المميز لمحداثة المتأخرة (جيوب الضواحي أو
المجتمعات المسورة).60
مف وجية نظر البنية التحتية ،فإف نموذج التشظية لبلحتبلؿ االستعماري يتميز بشبكة مف الطرؽ
االلتفافية السريعة والجسور واألنفاؽ التي تنسج فوؽ وتحت بعضيا البعض في محاولة لمحفاظ
عمى "مبدأ الحصرية التبادلية" .يقوؿ وايزماف" ،تحاوؿ الطرؽ االلتفافية فصؿ شبكات المرور
اإلسرائيمية عف الشبكات الفمسطينية ،ويفضؿ أف يتـ ذلؾ دوف السماح ليـ بالمرور أبدا وعمى
اإلطبلؽ .ولذلؾ فيي تؤكد عمى تداخؿ منطقتيف منفصمتيف تعيشاف في المكاف نفسو .في النقاط
حيث تتقاطع الشبكات ،يتـ إنشاء فصؿ مؤقت .في معظـ األحياف ،طرؽ رممية صغيرة مف أجؿ
السماح لمفمسطينييف بالعبور تحت الطرؽ السريعة الواسعة التي تندفع فييا العربات والشاحنات
العسكرية اإلسرائيمية بيف المستوطنات ".61
وفي ظؿ ظروؼ السيادة الرأسية والتشظية التي يمارسيا االحتبلؿ االستعماري ،يتـ فصؿ
المجتمعات عبر المحور الصادي(المحور الرأسي) .وىذا يؤدي إلى انتشار مواقع العنؼ .ال تقع
ساحات القتاؿ فقط عمى سطح األرض .ويتحوؿ تحت األرض وكذلؾ المجاؿ الجوي إلى مناطؽ
صراع .ليس ىناؾ استم اررية بيف األرض والسماء .وحتى الحدود في المجاؿ الجوي تنقسـ بيف
الطبقات الدنيا والعميا .في كؿ مكاف ،يتـ تأكيد رموز األعمى (الذي ىو فوؽ) .وبالتالي يكتسب
احتبلؿ السماء أىمية حاسمة ،ألف معظـ أعماؿ الشرطة تتـ مف الجو .ويتـ حشد تكنولوجيات
أخرى مختمفة لتحقيؽ ىذا الغرض :أجيزة االستشعار عمى متف الطائرات بدوف طيار )،(UAVs
وطائرات االستطبلع الجوي ،وطائرات اإلنذار المبكر ،وطائرات اليميكوبتر اليجومية ،سواتؿ
رصد األرض ،وال تقنيات "اليولوغراماتية" .يصبح القتؿ استيدافا بدقة .وتضاؼ ىذه الدقة إلى
60
See Stephen Graham and Simon Marvin, Splintering Urbanism: Networked Infrastructures,
Technological Mobility and the Urban Condition (London: Routledge, 2001).
61
”Weizman, “Politics of Verticality.
18
تكتيكات حرب الحصار في العصور الوسطى التي كيفت مع التوسع الشبكي لمخيمات البلجئيف
في المناطؽ الحضرية .ومف شأف التخريب المنظـ والمنيجي لشبكة البنية التحتية المجتمعية
والحضرية لمعدو أف يكمؿ االستيبلء عمى موارد األراضي والمياه والمجاؿ الجوي .التجريؼ
bulldozingأيضا مف األمور الحاسمة في تقنيات تعطيؿ العدو :ىدـ المنازؿ والمدف؛ واقتبلع
أشجار الزيتوف؛ واطبلؽ النار عمى خزانات المياه ؛ وقصؼ وتشويش االتصاالت اإللكترونية؛
وتحفير الطرؽ؛ وتدمير محوالت الكيرباء؛ وتخريب مدارج المطار؛ وتعطيؿ أجيزة اإلرساؿ
التمفزيوني واإلذاعي؛ وتحطيـ أجيزة الكمبيوتر؛ وسمب الرموز الثقافية والسياسية -البيروقراطية
لمدولة الفمسطينية الموعودة؛ ونيب المعدات الطبية .وبعبارة أخرى ،حرب البنية التحتية- .62
وبينما تستخدـ طائرة ىميكوبتر مف طراز أباتشي ألعماؿ الشرطة في اليواء والقتؿ مف أعمى،
تستخدـ الجرافة المدرعة (كاتربيبلر )D-9عمى األرض كسبلح مف أسمحة الحرب والتخويؼ.
وعمى النقيض مف االحتبلؿ االستعماري في الحداثة المبكرة ،أسس ىذاف السبلحاف تفوؽ أدوات
التكنولوجيا الفائقة في إرىاب الحداثة المتاخرة .63وكما تبيف الحالة الفمسطينية ،فإف االحتبلؿ
االستعماري في الحداثة المتأخرة ىو تسمسؿ سمطات متعددة :اإلنضباطية والسياسيات الحياتية
وسياسات الموت.
يضمف الجمع بيف الثبلثة لمسمطة االستعمارية سيطرة مطمقة عمى سكاف األرض المحتمة .وحالة
الحصار ىي في حد ذاتيا مؤسسة عسكرية .إنيا تسمح بطريقة قتؿ ال تميز بيف العدو الخارجي
والداخمي .فجميع السكاف ىـ ىدؼ السيادة .والقرى والبمدات المحاصرة مغمقة ومعزولة عف
العالـ .ويجري عسكرة الحياة اليومية .وتعطى الحرية لمقادة العسكرييف المحمييف الستخداـ
سمطتيـ التقديرية فيما يتعمؽ بموعد إطبلؽ النار وعمى مف تطمؽ .وتتطمب الحركة بيف الخبليا
اإلقميمية تصاريح رسمية .وتدمر المؤسسات المدنية المحمية بصورة منيجية .ويحرـ السكاف
المحاصروف مف وسائؿ دخميـ .ويضاؼ القتؿ غير المرئي إلى عمميات اإلعداـ الصريحة في
ميداف المعركة.
62
See Stephen Graham, “‘Clean Territory’: Urbicide in the West Bank,” Open Democracy (Web
publication at www.openDemocracy.net), 7 August 2002.
63
مقارنة مع مجموعة مف القنابؿ الجديدة التي نشرتيا الواليات المتحدة خبلؿ حرب الخميج و الحرب في كوسوفو ،ومعظميا تيدؼ
إلى القاء بمورات الجرافيت لتعطيؿ محطات انتاج وتوزيع الطاقة الكيربائية بشكؿ شامؿ Michael Ignatieff, Virtual War (New
)،York: Metropolitan Books 2000
19
آالت الحرب و التبعية
وبعد أف درست أعماؿ سمطة الموت في ظؿ ظروؼ االحتبلؿ االستعماري في الحداثة المتاخرة،
أود أف أنتقؿ اآلف إلى الحروب المعاصرة .فالحروب المعاصرة تنتمي إلى لحظة جديدة ،ويمكف
فيميا بالكاد مف خبلؿ النظريات السابقة "لمعنؼ التعاقدي" أو أنماط الحروب "العادلة" و
"الظالمة" أو حتى ذرائعية كارؿ فوف كبلوسفيتز .64ووفقا لزيغمونت بوماف ،ال تضع حروب
عصر العولمة الغزو ،واالستحواذ ،واالستيبلء عمى األراضي ضمف أىدافيا .ومف الناحية
المثالية ،فإنيا تقوـ عمى قاعدة اضرب واىرب .إف الفجوة المتزايدة بيف وسائؿ التكنولوجيا الفائقة
والتكنولوجيا الدنيا لـ تكف أبدا واضحة كما كانت في حرب الخميج وحممة كوسوفو .وفي كمتا
الحالتيف ،تـ تطبيؽ مذىب "القوة الساحقة أو الحاسمة" بشكؿ كامؿ بفضؿ الثورة العسكرية
التكنولوجية التي ضاعفت القدرة عمى التدمير بطرؽ لـ يسبؽ ليا مثيؿ .65والحرب الجوية مف
حيث عبلقتيا باالرتفاع والذخائر والرؤية واالستخبارات ىنا مثاؿ عمى ذلؾ .وخبلؿ حرب الخميج،
أدى االستخداـ المشترؾ لمقنابؿ والقنابؿ الذكية المغمفة باليورانيوـ المستنفد ( ،)DUواألسمحة
المقاومة لمتكنولوجيا الفائقة ،وأجيزة االستشعار اإللكترونية ،والصواريخ الموجية بالميزر ،والقنابؿ
العنقودية وقنابؿ االختناؽ ،والقدرات التسممية ،والمركبات الجوية بدوف طيار ،والذكاء السيبراني
إلى شمؿ قدرات العدو بسرعة .وفي كوسوفو ،اتخذ "تفتيت" القدرات الصربية شكؿ حرب البنى
التحتية األساسية التي استيدفت ودمرت الجسور والسكؾ الحديدية والطرؽ السريعة وشبكات
االتصاالت ومستودعات تخزيف النفط ومحطات التدفئة ومحطات توليد الكيرباء ومرافؽ معالجة
المياه .ويمكننا أف نخمف ،أف تنفيذ ىذه االستراتيجية العسكرية ،ال سيما عندما يقترف بفرض
ا لعقوبات ،يؤدي إلى إغبلؽ نظاـ دعـ الحياة لمعدو .إف الضرر الدائـ الذي لحؽ بالحياة المدنية
أمر قاطع بشكؿ خاص .فعمى سبيؿ المثاؿ ،ترؾ تدمير مجمع بانسيفو لمبتروكيماويات في
ضواحي بمغراد خبلؿ حممة كوسوفو "المنطقة المجاورة سمية جدا بكموريد الفينيؿ واألمونيا والزئبؽ
والنفتا والديوكسيف التي تسببت في طمب السيدات الحوامؿ اإلجياض ،ونصح جميع النساء في
المنطقة تجنب الحمؿ لمدة عاميف " .66تيدؼ حروب عصر العولمة إلى إجبار العدو عمى
64
See Michael Walzer, Just and Unjust Wars: A Moral Argument with Historical Illustrations (New
York: Basic Books, 1977).
65
Benjamin Ederington and Michael J. Mazarr, eds., Turning Point: The Gulf War and U.S. Military
Strategy (Boulder, Colo.: Westview, 1994).
66
”Thomas W. Smith, “The New Law of War: Legitimizing Hi-Tech and Infrastructural Violence,
International Studies Quarterly 46 (2002): 367. On Iraq, see G. L. Simons, The Scourging of
21
الخضوع بغض النظر عف العواقب المباشرة ،واآلثار الجانبية ،و"األضرار المبلزمة " لؤلعماؿ
العسكرية .وبيذا المعنى ،فإف الحروب المعاصرة تذكرنا باستراتيجية الحرب التي يتبعيا البدو
الرحؿ أكثر مف الدوؿ المستقرة أو الحروب اإلقميمية لمحداثة "الغزو واإللحاؽ" .في كممات بوماف:
"إنيـ ينشروف تفوقيـ عمى السكاف المستقريف بسرعة حركتيـ الخاصة؛ وقدرتيـ عمى النزوؿ مف
أي مكاف دوف سابؽ إنذار والتبلشي مرة أخرى دوف سابؽ إنذار ،وقدرتيـ عمى السفر بخفة وعدـ
اإلىتماـ بنوع ممتمكاتيـ التي تقيد التنقؿ والقدرة عمى المناورة لمسكاف المقيميف."67
وىذه المحظة الجديدة ىي واحدة مف التنقمية(سيولة الحركة والتنقؿ ) global mobilityالعالمية .ومف
السمات اليامة في عصر التنقمية العالمي أف العمميات العسكرية وممارسة الحؽ في القتؿ لـ تعد
االحتكار الوحيد لمدوؿ ،ولـ يعد "الجيش النظامي" ىو األسموب الفريد لتنفيذ ىذه المياـ .وال يمكف
بسيولة المطالبة بالسمطة المطمقة أو النيائية في حيز سياسي معيف .وبدال مف ذلؾ ،يبرز خميط
مف الحقوؽ المتداخمة وغير المكتممة لمحكـ ،متشابؾ ومتداخؿ بشكؿ ال ينفصـ ،تتشابؾ فيو
افيا حاالت قانونية مختمفة بحكـ األمر الواقع ،وتترابط الوالءات التعددية ،والسمطات غير
جغر ً
المتناظرة ،والجيوب .68في ىذه المنظمة غير المتجانسة مف الحقوؽ والمطالبات اإلقميمية ،فإنو
مف غير المعقوؿ اإلصرار عمى التمييز بيف العوالـ السياسية "الداخمية" و "الخارجية" ،المفصولة
بحدود واضحة بشكؿ واضح .فمنأخذ أفريقيا كمثاؿ عمى ذلؾ .ىنا ،تغير االقتصاد السياسي
لمدولة بشكؿ كبير خبلؿ الربع األخير مف القرف العشريف .ولـ يعد بإمكاف العديد مف الدوؿ
األفريقية المطالبة باحتكار العنؼ وبوسائؿ اإلكراه واإلجبار والقسر داخؿ أراضييا .كما أنيا ال
تستطيع المطالبة باحتكار الحدود اإلقميمية .وأصبح اإلكراه نفسو سمعة سوقية .يتـ شراء وبيع
القوى العاممة العسكرية في سوؽ ال تعني فييا ىوية المورديف والمشتريف شيئا تقريبا .والميميشيات
الحضرية ،والجيوش الخاصة ،وجيوش الموردات اإلقميمية ،والشرکات األمنية الخاصة ،وجيوش
Iraq: Sanctions, Law and Natural Justice , 2d ed. (New York: St. Martin’s, 1998); see also A.
Shehabaldin and W. M. Laughlin Jr., “Economic Sanctions against Iraq: Human and Economic
Costs,” International Journal of Human Rights 3, no. 4 (2000): 1–18.
67
Zygmunt Bauman, “Wars of the Globalization Era,” European Journal of Social Theory 4, no.
" 1 (2001): 15.بعيدوف عف "أىدافيـ"،مسرعيف فوؽ اولئؾ الذيف يضربونيـ بحيث ال يمكنيـ مف أف يروا بأـ أعينيـ الدمار الذي
تسببوا بو والدـ الذي أسالوه ،الطياروف الذيف تحولو إلى مشغمي الكمبيوتر بالكاد لدييـ فرصة لمتفرس في وجوه ضحاياىـ في وجييـ
ورؤية البؤس اإلنساني الذي زرعوه".يضيؼ بوماف" .ال يرى المينيوف العسكريوف في عصرنا أي جثث وال جروح .قد يناموف جيدا ؛ ال
وخزات ضمير تبقييـ مستيقظيف "( .)27انظر أيضا“Penser la guerre aujourd’hui,” Cahiers de la Villa Gillet no. :
16 (2002): 75–152.
68
Achille Mbembe, “At the Edge of the World: Boundaries, Territoriality, and Sovereignty in
Africa,” Public Culture 12 (2000): 259–84.
21
الدولة کميا تدعي الحؽ في ممارسة العنؼ أو القتؿ .تستأجر الدوؿ المجاورة أو حركات
المتمرديف الجيوش لمدوؿ الفقيرة .فناشرو العنؼ مف غير المواطنيف يوردوف مصدريف قسرييف
حاسميف ىما :اليد العاممة والمعادف .وتتألؼ الغالبية العظمى مف الجيوش بصورة متزايدة مف
الجنود المواطنيف ،والجنود األطفاؿ ،والمرتزقة ،والقراصنة أو مراكب القرصنة.69 privateers
وىكذا ظيرت الجيوش جنبا إلى جنب مع ما يمكف أف نشير إليو ،وفقا لدولوز وغواتاري ،آالت
لمحرب .70 war machinesوتتكوف آالت الحرب مف قطاعات مف الرجاؿ المسمحيف الذيف
ينقسموف أو يندمجوف مع بعضيـ البعض تبعا لممياـ التي يتعيف عمييـ القياـ بيا وظروؼ
تنفيذىا .وبوصفيا منظمات منتشرة ومتعددة األشكاؿ ،تتميز آالت الحرب بقدرتيا عمى اإلنسبلخ
والتحوؿ .عبلقتيا مع المكاف عبلقة جوالة .وفي بعض األحياف يتمتعوف بروابط معقدة مع أشكاؿ
الدولة (مف الحكـ الذاتي إلى الدمج والتأسيس) .وقد تقوـ الدولة ،مف تمقاء نفسيا ،بتحويؿ نفسيا
إلى آلة حرب .وقد يكوف مناسبا ليا أيضا اف تخصص لنفسيا آلة الحرب القائمة أو تساعد عمى
خمؽ واحدة .تعمؿ آالت الحرب عف طريؽ االقتراض مف الجيوش النظامية مع دمج عناصر
جديدة تتكيؼ بشكؿ جيد مع مبدأ التجزئة ونزع الحدود .الجيوش النظامية ،بدورىا ،قد تكيؼ
بسيولة بعض خصائص آالت الحرب .تجمع آلة الحرب عددا وفي ار مف الوظائؼ .لدييا مبلمح
منظمة سياسية وشركة تجارية .وتعمؿ مف خبلؿ اإلستيبلء والسمب والنيب بؿ وحتى يمكنيا أف
تصؾ عممتيا الخاصة .ومف أجؿ تمويؿ استخراج وتصدير الموارد الطبيعية الموجودة في
األراضي التي تسيطر عمييا ،تقوـ آالت الحرب بإقامة روابط مباشرة مع الشبكات عبر الوطنية.
ظيرت آالت الحرب في أفريقيا خبلؿ الربع األخير مف القرف العشريف في عبلقة مباشرة بتآكؿ
قدرة دولة ما بعد االستعمار عمى بناء األسس االقتصادية لمسمطة والنظاـ السياسي .وتشمؿ ىذه
القدرة زيادة اإليرادات وقيادة وتنظيـ الوصوؿ إلى الموارد الطبيعية داخؿ إقميـ محدد جيدا .وفي
منتصؼ السبعينات ،عندما بدت الدولة عاجزة عف تحقيؽ ىذه االستحقاقات ،ظيرت صمة
واضحة بيف عدـ االستقرار النقدي والتفتت المكاني .في الثمانينيات ،أصبحت التجربة القاسية
لفقد الماؿ قيمتو فجأة أكثر شيوعا ،مع بمداف مختمفة تمر بدورات تضخـ مالي ( شممت التجارب
69
في القانوف الدولي ،تعرؼ "سفف أو مراكب القرصنة " بأنيا "سفف ممموكة ألصحابيا بشكؿ خاص تبحر في ظؿ سمسار الحرب
تمكف الشخص الذي منحت لو أف تيرتكب جميع أشكاؿ العداء المسموح بو في البحر مف خبلؿ استخدامات الحرب " .ووظفت
المصطمح ىنا ليعني التشكيبلت المسمحة التي تعمؿ بشكؿ مستقؿ عف أي مجتمع منظـ سياسيا ،في السعي لتحقيؽ مصالح خاصة،
سواء تحت قناع الدولة أـ ال .انظر:
Janice Thomson, Mercenaries, Pirates, and Sovereigns (Princeton, N.J.: Princeton University Press,
1997).
70
Gilles Deleuze and Felix Guattari, Capitalisme et schizophrénie (Paris: Editions de minuit,
1980), 434–527.
22
القاسية اجراءات جريئة مثؿ االستبداؿ المفاجئ لمعممة) .خبلؿ العقود األخيرة مف القرف العشريف،
أثر التداوؿ النقدي عمى الدولة والمجتمع بطريقتيف مختمفتيف عمى األقؿ .أوال ،شيدنا تجفيفا عاما
لمسيولة وتركيزىا التدريجي عمى قنوات معينة ،خضع الوصوؿ إلييا لظروؼ شديدة القسوة عمى
نحو متزايد .ونتيجة لذلؾ ،انخفض فجأة عدد األفراد الذيف منحوا الوسائؿ المادية لمسيطرة عمى
التابعيف مف خبلؿ الديوف .ومف الناحية التاريخية ،كاف سبي وتثبيت التابعيف مف خبلؿ آلية
الديف دائما جانبا محوريا في إنتاج الناس وتكويف العبلقات السياسية .71مثؿ ىذه العبلقات
حاسمة في تحديد قيمة األشخاص وقياس قيمتيـ وفائدتيـ .وعندما ال يتـ إثبات قيمتيـ وفائدتيـ،
يمكف التخمص منيـ كعبيد أو رىائف أو عمبلء .ثانيا ،أدى التحكـ في تدفؽ وحركة األمواؿ إلى
المناطؽ التي يتـ فييا استخراج موارد محددة إلى تمكيف إنشاء اقتصادات جيبية وغير حسابات
التفاضؿ والتكامؿ القديمة بيف الناس واألشياء .أدى تركيز األنشطة المتصمة باستخراج الموارد
القيمة حوؿ ىذه الجيوب ،في المقابؿ ،إلى تحويؿ الجيوب إلى أماكف ذات امتيازات فيما يتعمؽ
بالحرب والموت .فالحرب نفسيا تموليا زيادة مبيعات المنتجات المستخرجة .72وىكذا ظيرت
روابط جديدة بيف صناع الحرب ،وآالت الحرب ،واستخراج الموارد .73وتتورط آالت الحرب بدرجة
عالية في تكويف االقتصادات المحمية أو اإلقميمية عبر الوطنية .ففي معظـ األماكف ،يؤدي
االنييار الرسمي في المؤسسات السياسية تحت ضغط العنؼ إلى تشكيؿ اقتصاديات الميميشيات.
تصبح آالت الحرب (في ىذه الحالة ميميشيات أو حركات المتمرديف) بسرعة آليات منظمة لمغاية
لبلستيبلء عمى /وفرض الضرائب عمى األراضي والسكاف الذيف تحتميـ وتستفيد مف مجموعة مف
الشبكات عبر الوطنية والمغتربيف الذيف يقدموف الدعـ المادي والمالي .ويرتبط الشكؿ الجغرافي
الجديد الستخراج الموارد بظيور شكؿ غير مسبوؽ مف الحاكمية governmentalityالذي
يتكوف مف إدارة الجمع .يسير استخراج ونيب الموارد الطبيعية مف قبؿ آالت الحرب جنبا إلى
جنب مع محاوالت وحشية لشؿ وتثبيت فئات كاممة مف الناس مكانيا أو ،مف المفارقات ،إطبلؽ
–Joseph C. Miller, Way of Death: Merchant Capitalism and the Angolan Slave Trade, 1730
71
1830 (Madison: University of Wisconsin Press, 1988), especially chaps. 2 and 4.
72
See Jakkie Cilliers and Christian Dietrich, eds., Angola’s War Economy: The Role of Oil and
Diamonds (Pretoria: Institute for Security Studies, 2000).
73
See, for example, “Rapport du Groupe d’experts sur l’exploitation illégale des ressources
naturelles et autres richesses de la République démocratique du Congo,” United Nations Report No.
2/2001/357, submitted by the Secretary-General to the Security Council, 12 April 2001. See also
Richard Snyder, “Does Lootable Wealth Breed Disorder? States, Regimes, and the Political Economy
of Extraction” (paper).
23
العناف ليـ ،إلجبارىـ عمى التشتت في مناطؽ واسعة لـ تعد ضمف حدود دولة إقميمية.
وباعتبارىـ فئة سياسية ،يتـ تصنيؼ السكاف إلى المتمرديف والجنود األطفاؿ والضحايا أو
البلجئيف ،أو المدنييف المقعديف بالبتر أو المذبوحيف عمى غرار نماذج التضحيات ،في حيف أف
"الناجيف" ،بعد الخروج المروع ،محصوريف في المخيمات ومناطؽ اإلستثناء .74يختمؼ ىذا
الشكؿ مف الحاكمية عف القيادة االستعمارية .75فقد استبدلت تقنيات الشرطة واالنضباط واالختيار
بيف الطاعة والمحاكاة التي ميزت الحكـ في االستعمار وما بعد االستعمار تدريجيا ببديؿ أكثر
مأساوية ألنو أكثر تطرفا .أصبحت تقنيات التدمير ممموسة وتشريحية وحسية بصورة أكبر في
سياؽ يكوف فيو االختيار بيف الحياة والموت.76
ولئف ظمت السمطة تعتمد عمى سيطرة صارمة عمى األجساد (أو عمى تركيزىـ في المخيمات)،
فإف التكنولوجيات الجديدة لمتدمير ىي أقؿ اىتماما بإدراج األجساد في الجاىزيات اإلنضباطية
ألف ادراجيـ ،عندما يحيف الوقت ،سيكوف داخؿ ترتيب االقتصاد األقصى الذي تمثمو اآلف
"المذبحة" .قد أدى تعميـ انعداـ األمف إلى تعميؽ التمييز االجتماعي بيف اؤلئؾ الذيف يحمموف
أسمحة وأولئؾ الذيف ال يفعموف ( .)loi de repartition des armesوبصورة متزايدة ،لـ تعد
الحرب تشف بيف جيوش دولتيف ذاتي سيادة .بؿ يتـ شنيا مف قبؿ جماعات مسمحة تعمؿ خمؼ
قناع الدولة ضد جماعات مسمحة ليس ليا دولة بؿ تسيطر عمى مناطؽ متميزة جدا؛ ويتخذ كبل
الجانبيف السكاف المدنييف غير المسمحيف أو المنظميف في الميميشيات ىدفا لو .وفي الحاالت
حيف يفشؿ المنشقوف المسمحوف في االستيبلء الكامؿ عمى سمطة الدولة ،فإنيـ يحرضوف عمى
تقسيمات إقميمية وينجحوف في السيطرة عمى مناطؽ بأكمميا يديرونيا عمى غرار اإلقطاعات،
وخاصة حيف يكوف ىناؾ احتياطي مف المعادف .77لـ تختمؼ طرؽ القتؿ كثيرا .في حالة
المجازر عمى وجو الخصوص ،تختزؿ األجساد بعد أف تفارؽ الحياة بسرعة إلى وضع ىياكؿ
74
See Loren B. Landau, “The Humanitarian Hangover: Transnationalization of Governmental
–Practice in Tanzania’s Refugee-Populated Areas,” Refugee Survey Quarterly 21, no. 1 (2002): 260
99, especially 281–87.
75
On the commandement, see Achille Mbembe, On the Postcolony (Berkeley: University of California
Press, 2001), chaps. 1–3.
76
See Leisel Talley, Paul B. Spiegel, and Mona Girgis, “An Investigation of Increasing Mortality
among Congolese Refugees in Lugufu Camp, Tanzania, May-June 1999,” Journal of Refugee
Studies 14, no. 4 (2001): 412–27.
77
See Leisel Talley, Paul B. Spiegel, and Mona Girgis, “An Investigation of Increasing Mortality
among Congolese Refugees in Lugufu Camp, Tanzania, May-June 1999,” Journal of Refugee
Studies 14, no. 4 (2001): 412–27.
24
عظمية بسيطة .ومف ثـ فإف المورفولوجيا الخاصة تدرجيا في سجؿ العموميات غير المتمايزة:
آثار بسيطة مف ألـ غير مدفوف ،أجساد فارغة ببل معنى ،رواسب غريبة غارقة في ذىوؿ قاسي.
ما يمفت النظر في حالة اإلبادة الجماعية في رواندا -حيث تـ الحفاظ عمى عدد مف اليياكؿ
العظمية في حالة واضحة مرئية ،ىذا إف لـ تكف قد نبشت -ىو التوتر بيف تحجر العظاـ
وبرودتيا الغريبة مف جية ،وجموحيا الذي يريد أف يقوؿ ،أف يدلؿ عمى شيء ما ،مف جية
أخرى .في ىذه الفتافيت اليائمة مف العظاـ،ال تظير أي أتراكسيا :ال شيء سوى الرفض الوىمي
لمموت الذي حدث بالفعؿ .في حاالت أخرى ،حيث يحؿ البتر البدني محؿ الموت الفوري ،يفتح
بتر األطراؼ الطريؽ لنشر تقنيات الشؽ واالجتثاث والختاف التي يكوف ىدفيا العظاـ أيضا.
تستمر آثار ىذه الجراحة الترميمية لفترة طويمة ،في شكؿ ىيئات بشرية عمى قيد الحياة ،ولكف
كماليا الجسدي قد استبدؿ بقطع ،وشظايا ،وطيات ،وحتى بجروح ىائمة عصية عمى االلتئاـ.
وظيفتيا ىي أف يبقى مشيد القطع المروع أماـ عيوف الضحية -والناس مف حوليا -حيا.
عن الحركة والمعادن
فمنعود إلى مثاؿ فمسطيف حيث يتواجو منطقاف ال يمكف التوفيؽ بينيما :منطؽ االستشياد ومنطؽ
البقاء .وعند دراسة ىذيف المنطقيف ،أود أف أتأمؿ في القضيتيف التوأميف الموت واإلرىاب مف
جية واإلرىاب والحرية مف جية أخرى .في المواجية بيف ىذيف المنطقيف ،اإلرىاب ليس في
جانب والموت في الجانب اآلخر .اإلرىاب والموت ىما في صميـ كؿ منيما .كما يذكرنا إلياس
كانيتي ،الناجي ىو الذي ،بعد أف صمد في طريؽ الموت ،وشاىد العديد مف الوفيات ،ووقؼ
وسط الساقطيف ،ال يزاؿ عمى قيد الحياة .أو بتحديد أكثر ،الناجي ىو الذي حارب حزمة كاممة
مف األعداء وتمكف ليس فقط مف اليروب والبقاء عمى قيد الحياة ،بؿ وقتؿ مياجميو أيضا .وىذا
ىو السبب ،إلى حد كبير ،في أف أدنى شكؿ مف أشكاؿ البقاء عمى قيد الحياة ىو القتؿ .يشير
كانيتي إلى أنو في منطؽ البقاء عمى قيد الحياة" ،كؿ رجؿ ىو عدو كؿ آخر" .بؿ وأكثر جذرية،
يتحوؿ جزع المرء الموت إلى ارتياح ألف شخصا آخر ىو الذي مات .إنو موت اآلخر ،وجوده
المادي كما الجثة ،ىو ما يجعؿ الناجي يشعر أنو فريد ومتميز .مع قتؿ كؿ عدو يشعر الناجي
بأماف أكثر .78يسير منطؽ االستشياد بطريقة مختمفة .إنو يتجسد بييئة "االنتحاري" الذي يثير
بحد ذاتو عددا مف األسئمة .ما الفرؽ الجوىري ىنا بيف القتؿ بصاروخ مروحية أو دبابة والقتؿ
بجسده ؟ ىؿ التمييز بيف األسمحة المستخدمة إللحاؽ الموت يمنع إنشاء نظاـ لمتبادؿ العاـ بيف
طريقة القتؿ وطريقة الموت؟ ال يرتدي" االنتحاري" الزي العسكري العادي وال يعرض سبلحا.
78
See Elias Canetti, Crowds and Power, trans. C. Stewart (New York: Farrar Straus Giroux,
1984), 227–80.
25
يطارد المرشح لمشيادة أىدافو .والعدو ىو الفريسة التي نصب ليا الفخ .ومف األمور اليامة في
ىذا الصدد موقع الكميف :محطة لمحافبلت ،المقيى ،الديسكو ،السوؽ ،الحاجز ،والطريؽ،
وباختصار مساحات الحياة اليومية .يضاؼ ايقاع الفريسة في الشرؾ إلى موقع الكميف .يحوؿ
المرشح لمشيادة جسده إلى قناع يخفي السبلح الذي سينفجر عما قريب .وخبلفا لمدبابات أو
الصاروخ الذي ىو واضح لمعياف ،فإف السبلح الذي يحمؿ في الجسد غير مرئي .وبإخفائو ،فإنو
يشكؿ جزءا مف الجسد .جزء مف الجسد بشكؿ وثيؽ لدرجة أنو في وقت التفجير يمغي جسـ
حاممو ،الذي يحمؿ معو أجساد اآلخريف عندما ال يفتتيا إلى أشبلء .والجسد ال يمغي السبلح
ببساطة .الجسد يتحوؿ إلى سبلح ،وليس بالمعنى المجازي ولكف بالمعنى القذائفي حقيقية .في
ىذه الحالة ،يسير موتي جنبا إلى جنب مع موت اآلخر .ويتـ القتؿ واالنتحار في الفعؿ نفسو.
المقاومة والتدمير الذاتي مترادفتاف إلى حد كبير .ولذلؾ ،فإف توزيع الموت ىو تقميص أو اختزاؿ
اآلخر والنفس إلى وضع قطع لحـ خامؿ ،متناثرة في كؿ مكاف ،يصعب تجميعيا قبؿ الدفف .في
ىذه الحالة ،الحرب ىي حرب الجسد عمى الجسد ( .)guerre au corps-à-corpsلمقتؿ،
يجب عمى المرء أف يقترب قدر اإلمكاف مف جسـ العدو .وتفجير القنبمة يتطمب حؿ مسألة
المسافة ،مف خبلؿ االقتراب واإلخفاء .كيؼ لنا أف نفسر ىذه الطريقة مف إسالة الدـ التي ال
79
يكوف فييا الموت مجرد موتي ببساطة ،ولكنو دائما يسير جنبا إلى جنب مع موت اآلخر؟
كيؼ يختمؼ عف الموت الذي يحدث نتيجة صاروخ أو دبابة ،في سياؽ تحسب فيو تكمفة بقائي
عمى قيد الحياة بمصطمحات قدرتي واستعدادي لقتؿ آخر؟ في منطؽ الشيادة تمتحـ ارادة الموت
مع ارادة أخذ عدو معي ،بمعنى ،مع اغبلؽ الباب عمى امكانية الحياة لمجميع .يبدو ىذا
المنطؽ معارضا لمنطؽ آخر ،وىو الرغبة في فرض الموت عمى اآلخريف بينما تحمي حياتؾ
أنت .يصؼ كانتي لحظة البقاء عمى قيد الحياة ىذه كمحظة سمطة .في مثؿ ىذه الحالة ،يتطور
اإلنتصار مف امكانية وجودؾ ىناؾ بينما اآلخريف (األعداء في ىذه الحالة) لـ يعودوا ىناؾ.
يشبو ىذا المنطؽ منطؽ البطولة كما تفيـ كبلسيكيا :أف تقتؿ األخريف فيما تبقى موتؾ بعيدا .في
منطؽ الشيادة ،تبزع سيميائية جديدة لمقتؿ .ليس بالضرورة اف تستند عمى العبلقة بيف الشكؿ
والجوىر .وكما أشرت سابقا ،يصبح الجسد ىو زي الشييد الخاص .ولكف الجسد عمى ىذا النحو
ليس موضوعا لمحماية مف الخطر والموت فحسب ،الجسد بحد ذاتو ببل سمطة أو قيمة .سمطتو
وقيمتو ىي نتيجة سيرورة التجريد المستندة عمى الرغبة في الخمود .وبيذا المعنى ،فإف الشييد
الذي يؤسس لمحظة تفوؽ تتجاوز فييا الذات موتيا الخاص ،يمكف أف يرى بوصفو عامبل تحت
عبلمة المستقبؿ .وبعبارة أخرى ،في الموت ،يتياوى المستقبؿ في سبيؿ الحاضر ورغبتو في
79
Martin Heidegger, Etre et temps (Paris: Gallimard, 1986), 289–322. 76. Heidegger, Etre et temps.
26
الخمود ،ويمر الجسد المحاصر بمرحمتيف .أوال ،يتحوؿ إلى مجرد شيء ،مادة طيعة .وثانيا،
الطريقة التي يذىب بيا الجسد لمموت -االنتحار -تمنحو داللة مطمقة .جوىر الجسد ومادتو،
أو مرة أخرى المادة التي ىي الجسد ،يتـ استثمارىا مف أجؿ خصائص ال يمكف استخبلصيا مف
طابعيا كشيء ،ولكف مف نوموس متجاوز خارجيا .يصبح الجسـ المحاصر قطعة مف المعدف
وظيفتيا ،مف خبلؿ التضحية ،تحقيؽ وجود الحياة األبدية .الجسـ يكرر نفسو ،وفي الموت،
حرفيا ومجازيا ،ييرب مف حالة الحصار واالحتبلؿ .دعوني أستكشؼ ،في الختاـ ،العبلقة بيف
اإلرىاب والحرية والتضحية .يقوؿ مارتف ىايدغر إف اإلنساف " ييروؿ إلى الموت" وىذا ىو شرط
رئيسي لحرية البشرية الحقيقة .80وبعبارة أخرى ،إف االنساف حر في أف يعيش حياتو ألنو حر في
وجوديا لجري اإلنساف نحو الموت
ً أف يموت موتو .وفي حيف أف ىايدغر يفترض جدال وضعا
ويعتبره حدثا لمحرية ،يرى باتاي أف "التضحية في الواقع تكشؼ ال شيء" .إنيا بكؿ بساطة
المظير المطمؽ لمسمبية .بؿ ىي أيضا كوميديا .بالنسبة لباتاي يكشؼ الموت ،عف الجانب
الحيواني مف الذات البشرية ،والذي يشير إليو عبلوة عمى ذلؾ بوصفو "الوجود الطبيعي" لمذات.
"لكي يكشؼ المرء عف نفسو في النياية ،فانو يجب أف يموت ،ولكنو مضطر أف يفعؿ ذلؾ بينما
ىو عمى قيد الحياة -مف خبلؿ النظر إلى نفسو منقطعا عف الوجود " .وبعبارة أخرى ،يجب أف
تكوف الذات البشرية حية تماما في لحظة الموت ذاتيا ،لتكوف عمى بينة مف موتيا ،لتعيش مع
انطباع الموت فعبل وفي الحقيقة.
الموت نفسو يجب أف يصبح وعيا بالذات في الوقت نفسو عندما يتخمص مف الوجود الواعي.
"بمعنى ،ىذا ما يحدث (ما يكوف عمى األقؿ عند نقطة الحدوث ،أو ما يحدث بطريقة فادحة
مارقة ) بالحيمة والخداع في التضحية ،في التضحية تتماىى الضحية مع الحيواف عند نقطة
الموت .وىكذا يموت وىو يرى نفسو يموت ،وحتى ،بمعنى ما ،بإرادتو ،مرة واحدة بسبلح
التضحية .ولكف ىذه لعبة!" .وبالنسبة لباتاي ،المعب ىو بصورة أو بأخرى وسيمة "تخدع بيا
الذات نفسيا طوعا." 81
كيؼ يرتبط مفيوـ المعب والخداع ب "االنتحاري"؟ ليس ىناؾ شؾ أنو في حالة االنتحاري تتكوف
التضحية مف قتؿ النفس بشكؿ ميوؿ ودرامي ،مف أف يصبح ضحية نفسو (التضحية بالذات).
يتقدـ المضحي بنفسو لتولي السمطة عمى موتو واالقتراب منو مباشرة .وربما أف ىذه السمطة
مشتقة مف االعتقاد بأف تدمير جسد المرء ال يؤثر عمى استم اررية الوجود .والفكرة ىي أف الوجود
خارجنا .التضحية بالنفس تتكوف ،ىنا ،مف إزالة حظر ثنائي التضعيؼ :القرباف الذاتي (االنتحار)
والقتؿ .وعمى عكس التضحيات البدئية ،مع ذلؾ ،ال يوجد حيواف ليكوف بديبل لؤلضحية .الموت
80
Heidegger, Etre et temps.
Bataille, Oeuvres complètes, 336. 81
27
ىنا يحقؽ طابع التجاوز .ولكف عمى عكس الصمب ،ببل بعد تكفيري .ال عبلقة لو بالنماذج
الييجيمية عف الييبة أو االعتراؼ .والواقع أف شخصا ميتا ال يستطيع أف يعترؼ بقاتمو ،الذي ىو
أيضا ميت .ىؿ ىذا يعني أف الموت يحدث ىنا بوصفو إبادة نقية وعدما ،فائضا وفضيحة؟
وسواء نظر إلييما مف منظور الرؽ أو اإلحتبلؿ االستعماري ،فإف الموت والحرية متشابكاف
بشكؿ ال رجعة فيو .وكما رأينا ،اإلرىاب ىو سمة تعريفية لكؿ مف نظاـ الرؽ والنظاـ االستعماري
في الحداثة المتأخرة .كبل النظاميف أيضا لحظتاف وخبرتاف خاصتاف لبل ػ حرية .أف تعيش تحت
االحتبلؿ في الحداثة المتأخرة ىو أف تختبر حالة دائمة مف "الوجود في األلـ" :اليياكؿ
المحصنة ،والوحدات العسكرية ،وحواجز الطرؽ في كؿ مكاف؛ المباني التي تستدعي الذكريات
المؤلمة مف اإلذالؿ واالستجواب والضرب؛ حظر التجوؿ الذي يسجف مئات اآلالؼ في منازليـ
الضيقة كؿ ليمة مف الغسؽ إلى الفجر؛ الجنود الذيف يجوبوف الشوارع المعتمة بدورياتيـ ،مرتعبوف
مف ظبلليـ ؛ األطفاؿ الذيف اصيبو بالعمى مف الرصاص المطاطي؛ اآلباء الذيف يضربوف أماـ
عائبلتيـ؛ الجنود الذيف يتبولوف عمى األسوار ،واطبلؽ النار عمى خزانات المياه عمى األسطح
فقط لممتعة؛ وىتافات الشعارات الحماسية بصوت عاؿ؛ وطرؽ أبواب القصدير اليشة لتخويؼ
األطفاؿ؛ ومصادرة األوراؽ الثبوتية ،أو إلقاء القمامة في وسط حي سكني؛ حرس الحدودوىـ
يركموف بسطة خضار أويغمقوف الحدود؛ عظاـ مكسورة؛ واطبلؽ النار والوفيات – جنوف مف نوع
خاص .82في مثؿ ىذه الظروؼ ،يتسـ انضباط الحياة وضرورات المشقة (الحكـ بالموت)
بالفيض.
ما يربط اإلرىاب والموت والحرية ىو المفيوـ النشووي لمزمانية والسياسة .المستقبؿ ،ىنا ،يمكف
أف يكوف متوقعا بشكؿ أصيؿ ،ولكف ليس في الحاضر .والحاضر نفسو ليس سوى لحظة رؤيةػ
رؤية لحرية لـ تأت بعد .الموت في الوقت الحاضر ىو وسيط الخبلص .بعيدا عف كونو لقاء مع
حد ،أوحافة ،أو حاجز ،يختبر الموت بوصفو "الخبلص اإلرىاب والعبودية" .83كما يبلحظ
جيمروي ،ىذا التفضيؿ لمموت عمى استمرار العبودية ىو تعميؽ عمى طبيعة الحرية نفسيا (أو
فقدىا) .واذا كاف ىذا الفقد ىو طبيعة ما يعنيو أف توجد بالنسبة لمعبد أو المستعمر ،فإف النقص
نفسو ىو أيضا عمى وجو التحديد الطريؽ الذي ييتـ بوفاتو .وباإلشارة إلى ممارسة االنتحار
الفردي أو الجماعي مف قبؿ العبيد الذيف حشروا في الزواية عمى يد صائدي العبيد ،يقترح
82
For what precedes, see Amira Hass, Drinking the Sea at Gaza: Days and Nights in a Land
under Siege (New York: Henry Holt, 1996).
83
Gilroy, Black Atlantic, 63.
28
جيمروي أف الموت ،في ىذه الحالة ،يمكف تمثيمو بوصفو قوة .agencyألف الموت ىو ما أستمد
منو وعميو السمطة .ولكف ىذا ىو أيضا المكاف حيث تعمؿ الحرية والنفي.
االستنتاج
في ىذا المقاؿ ،جادلت بأف األشكاؿ المعاصرة إلخضاع الحياة لقوة الموت (سياسات الموت-
السياسات النكرووية ) تعيد تشكيؿ العبلقات بيف المقاومة والتضحية واإلرىاب بشكؿ عميؽ .لقد
أثبتت أف فكرة السمطة الحياتية غير كافية لمراعاة األشكاؿ المعاصرة إلخضاع الحياة لقوة
الموت .وعبلوة عمى ذلؾ فقد طرحت فكرة "سياسات الموت" و"سمطة الموت " لمراعاة الطرؽ
المختمفة التي يتـ بيا ،في عالمنا المعاصر ،نشر األسمحة لصالح أقصى قدر مف الدمار
لؤلشخاص وخمؽ عوالـ الموت ،وأشكاؿ جديدة وفريدة مف نوعيا مف الوجود االجتماعي ،يتعرض
فييا عدد ميوؿ مف السكاف لظروؼ الحياة التي تمنح ليـ وضع الحي الميت .وقد أوجز المقاؿ
أيضا بعض الطوبوغرافيات المقموعة مف القسوة (المزرعة والمستعمرة عمى وجو الخصوص)،
واقترحت أف الخطوط بيف المقاومة واالنتحار والتضحية والفداء والشيادة والحرية ،تحت ظروؼ
سمطة الموت ،غير واضحة البتة.
****
أشيؿ مبيمبي باحث رئيس في معيد أبحاث الشؤوف االجتماعية واالقتصادية في جامعة
ويتواترسراند .وتشمؿ منشوراتو األخيرة (في ما بعد االستعمار )2001 ،و (الصيغ االفريقية
لمكتابة الذاتية) في دورية الثقافة العامة (شتاء.)2002،
أماني أبو رحمة :باحثة ومترجمة تعيش في غزة .متخصصة أكاديميا بالتكنولوجيا الحيوية
وتطبيقاتيا البيئية والطبية ،وميتمة بنظرية ما بعد الحداثة .أحدث كتبيا (أبعد مف فوكو:
السياسات الحياتية في عصر الجينوـ.)2017 ،
29