Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫المرأة والسلوك الجنسي في النثر العباسي‬

‫عمر يوسف سليمان‬

‫خاص ألف‬

‫‪2010-12-15‬‬

‫ال تتضح معالم الجنس في النثر العباسي كفن ناضج ليُطلق عليه اسم الفن األيروتيكي‪ ،‬بل يأخذ صفة الشمول والعشوائية‬
‫شأنه شأن أي نوع من الفنون النثرية في هذا العصر‪ ،‬حيث لم تكن فكرة األدب المنثور متبلورة بعد‪ ،‬بل كانت محاوالت‬
‫متفرقة دون مالمح واضحة‪ ،‬وهو من جهة أخرى يعكس بصورة مباشرة كيفية التفكير الجنسي المتداول بين أبناء هذا‬
‫العصر ابتدا ًء من الخلفاء وانتهاء بالسوقة‪ ،‬وسوف نتناول هنا جانبا ً من جوانب التفكير الجنسي عن طريق ما وصلنا من‬
‫النثر العباسي وهو طريقة تعبير المرأة عن أفكارها وميولها الجنسية‪ ،‬وكيف كانت تتعامل رغبات الرجال بجسدها‪ ،‬وقد‬
‫اخترنا النثر ألنه الطريقة األوسع واألكثر خصوبة‪ ،‬فهو كما نعلم لم يكن قد أخذ صفة التصنيف بل الجمع والشمولية‪.‬‬
‫تبدو أهمية دراسة السلوك الجنسي عند المرأة في العصر العباسي من عدة جوانب‪ ،‬فهذا العصر لم ينتج نساء كاتبات لذلك‬
‫لم يصلنا إال القليل في ظل السلطة الذكورية بالنسبة إلى الكتابة‪ ،‬كما أن السلوك الجنسي هو األكثر غموضا ً وإبهاما ً في‬
‫كافة العصور العربية باستثناء العصر العباسي الذي كان األكثر وضوحاً‪ ،‬فعندما‪ K‬نجد المرأة في العصر العباسي تتجاوز‬
‫التابو الجنسي فإن في ذلك إشارات إلى أمور أبعد‪.‬‬
‫الجنس في العلن‪ :‬المرأة ومن يعاكسها‪K‬‬
‫ب الثالب وعتب العاتب‬‫ذكر أبو حيان التوحيدي في الجزء الرابع من كتابه (البصائر والذخائر)‪ ،‬والذي خصصه (لثل ِ‬
‫والحجج الدامغة واأللفاظ الحرة‪ ،)...‬ما يلي‪( :‬وجاء بعض الخلعاء إلى باب الجوهري فدق فقالت امرأته‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬أنا‬
‫فالن‪ ،‬قالت‪ :‬ما تريد؟ قال‪ :‬افتحي حتى أدخل وأنظر أنت أطيب في النيك أم امرأتي؟ قالت‪ :‬وما أحوجك إلى ذلك؟ سل‬
‫عمراً عن ذلك فإنه قد ناكني وناكها‪ ،‬فخجل الرجل وانصرف)‪.‬‬
‫وفي البصائر والذخائر أيضا ً نقرأ (نظر الفرزدق إلى جارية مليحة بالمدينة فقال لها‪ :‬أيري في أستك‪ ،‬فقالت له‪ :‬يا بغيض‪،‬‬
‫مايضرك أن تضعه في يدي فأضعه‪ K‬حيث أشتهي‪ ،‬فقال‪ :‬قد وضعته في يدك‪ ،‬قالت‪ :‬فإني قد وضعته في حر أمك)‪.‬‬
‫ال تأخذ الحادثتان اآلنفتان مكانتهما‪ K‬من حيث ذكر أسماء األشخاص ورد المرأة الالذع في العلن ليصبح قولُها نادرة سائرة‬
‫فحسب‪ ،‬بل حين يذكر هاتين الحادثتين عالم صوفي معتزلي كالتوحيدي في كتاب عالج فيه عالقة اإلنسان باهلل!‪ ،‬كما‬
‫عرض آلالف من أهم القطع والنوادر األدبية في عصره‪ ،‬لنفهم أن المرأة بر ِّدها الجنسي ال تلقى توبيخا ً وتصبح موضع‬
‫فضيحة بين الناس بل تستحوذ على اهتمام العالِم‪.‬‬
‫أما تشخيص نوادر الجنس على لسان النساء بجرأة مترافقة مع توظيفٍ يحمل في طياته الثورة على التكتم والخوف من‬
‫كان يهزأ في كثير من األحيان مِن َمن يس َت ْخفُون ويستحون‬
‫التعبير عن الرغبة‪ ،‬فأكثر ما ظهرت معالمه عند الجاحظ الذي َ‬
‫عند تسمية األعضاء الجنسية بشكل صريح في العلن ويصفهم بأنهم األكثر إشانة وإحاطة باألفعال الجنسية الشاذة‪...‬‬
‫وحين ي َّتبع الجاحظ في هذين الكتابين‬
‫َ‬ ‫في كتا َبي (الحيوان) و(الرسائل) نجد مكانا ً خصبا ً لنوادر أقوال النساء في الجنس‪،‬‬
‫طريقته المعتادة بذكر بعض األخبار المتعلقة بالعقيدة بشكل عابر دون تعقيب عليها أو سبب واضح لذكرها‪ ،‬بما يشبه‬
‫التلميح إلى شيء ما‪ ،‬فيضمِّن بهذه الطريقة آراءه الخارجة عن السائد وتابو السلطة دون أن يستطيع أحد إدانته‪ ،‬ث َّم عند‬
‫ذكره لخبر متعلق بسلوك المرأة الجنسي ال يفعل ذلك‪ ،‬نستنتج أن األمر عادي في ذلك العصر‪ ،‬ويشفع لرأينا هذا أننا نجد‬
‫أخباراً شبيهة عند ك َّتاب غير الجاحظ دون تحفظ‪.‬‬
‫جارية لقوم‪ ،‬فراوغَ ْته فلم ينقطع عنها‪ّ ،‬‬
‫فحث ْ‬
‫ت في المشي فلم ينقطع عنها‪ ،‬فلمّا‬ ‫ً‬ ‫(وزعم أبو الحسن المدائني أن رجالً تبع‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫قوم قالت‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬لي طريق ولهذا طريق‪ ،‬وموالي ينيكني؛ ف َسلوا هذا ما يريد مني؟)‪(.‬الحيوان‪-‬الجزء‬ ‫ت بمجلس ٍ‬ ‫جاز ْ‬
‫َ‬
‫السادس‪ :‬الخطوط ومرافقها)‪.‬‬
‫في هذا الخبر وعشرات أخرى تشبهه من كتاب الحيوان نجد المرأة‪-‬الجارية‪ -‬تعبر عن استغرابها ممن يريد معاشرتها‪K‬‬
‫ٌ‬
‫جارية‪ ،‬فرأينا فيها ال ِكب َْر‬ ‫(وز َع َم أيضا ً أن سيَّاراً البرقيّ قال‪ :‬م ّرت بنا‬
‫‪-‬على الرغم من صدها له‪ -‬وتقوم بذلك أمام الناس‪َ :‬‬
‫والتجبُّر‪ ،‬فقال بعضنا‪ :‬ينبغي أن يكون مولى هذه الجارية ينيكها قالت‪ :‬كما يكون) (الحيوان‪ -‬الجزء السادس‪ :‬الخطوط‬
‫ومرافقها)‪.‬‬
‫نجد مثل هذه األخبار أيضا ً في كتاب (محاضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء) للراغب األصفهاني‪ ،‬الذي ذكر‬
‫كثيراً من حوادث المعاكسات في ذلك الزمان مما يتم تداوله في أيامنا هذه على لسان البعض في المجالس الخاصة ضمن‬
‫النكت الشعبية‪ ،‬في حين أدرجها األصفهاني في كتاب هام‪ ،‬وحين نسحب هذا التكتم في الكالم عن الحادثة إلى الكالم ضمن‬
‫الحادثة‪ ،‬أي إلى تعبير المرأة عن شعورها إزاء َم ن يعترضها سواء بالقبول أو الرفض سنجد المرأة في أيامنا أيضا ً متكتمة‬
‫وحائرة‪ ،‬ففي مشاهد المعاكسات‪ K‬اليومية عند مواقف الباصات واألرصفة واألسواق العامة‪ K‬ال تحرك المرأة المُرهقة‬
‫والمثقلة بالماكياج والزينة والتمظهر بكل ما يخص اإلثارة وهي تعيش الحياة االزدواجية المليئة بالصراع بين العبء‬
‫اليومي وعبء البريستيج لتلحق بركب المُعترف بهن في عالم الرجال‪ ،‬ال تحرك المرأة أمام هذا الواقع لسانها أمام من‬
‫يعاكسها‪ K،‬بل تكتفي بالذهاب كاتمة احتقانها وخوفها واشمئزازها الداخلي‪.‬‬
‫(ونظر رجل إلى امرأة فقالت له‪ :‬يا سيدي تريد النيك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬اقعد حتى يجيء موالي لعله ينيكك)‪( ،‬وراود‬
‫َّ‬
‫النظام جارية وتبعها فقالت‪ :‬إن لي صاحبا ً ينيكني‪ ،‬ولي زوج ال يتركني عشرة‪ ،‬ولي صديق أنا أعشقه‪ ،‬ولي حبة ال تفتر‬
‫عن النساء‪ .‬فإن وجدت في حري فضلة فافعل)‪( .‬محاضرات األدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)‪.‬‬
‫الميول الجنسية عند النساء‪:‬‬
‫ال نجد في مصنفات العصر العباسي معالم واضحة للهويات الجنسية أو ما يُعرف في عصرنا بمصطلح (الجندر) ((‬
‫‪ gender‬فيما يخص الدراسات حول حياة النساء الجنسية‪ ،‬بل نجد إشارات نستشف منها النزعات الجنسية في الحياة‬
‫العامة‪ K،‬علما ً أن هذه المصنفات أثارت صراعا ً بين الكتاب التنويريين في العصر العباسي وفقهائه‪ ،‬كما استخدم البعض‬
‫الهوية الجنسية التي ُتعد لدى المتزمتين الدينيين انحرافا ً كسالح لمهاجمة بعض الفرق اإلسالمية مثل القرامطة الذين‬
‫اتهمهم‪ K‬مؤرخ كبير كابن الجوزي باالنحالل في موسوعته عن تاريخ الملوك واألمم‪ ،‬وذلك في سياق التعصب المذهبي‬
‫والسياسي‪.‬‬
‫من هذه اإلشارات حول الميول الجنسية عند المرأة والتي كان يتم تداولها في العلن ما نجده في كتاب (الرسائل)‪ ،‬الذي ذكر‬
‫فيه الجاحظ كثيراً من الحوادث المعبرة عن واقع الحياة الجنسية‪ ،‬كتبادل الزوجات والمثلية الجنسية بين النساء أو حتى‬
‫ممارسة الجنس بين رجل يقوم بدور المرأة وامرأة تقوم بدور الرجل‪( ،‬كانت بالمدينة امرأة ماجنة يقال لها سالَّمة‪K‬‬
‫ث وهي تنيكه بكير ْنج‪ ،‬فرُفعت‪ K‬إلى الوالي فأوجعها ضربا ً وطاف بها على جمل‪ ،‬فنظر إليها‬ ‫الخضراء‪ ،‬فأُخذت‪ K‬مع مخ َّن ٍ‬
‫ت‪ ،‬ما في الدُّنيا أظل ُم من الرجال‪ ،‬أنتم تنيكونا الدَّهر كلَّه فلمَّا نكناكم‬
‫رج ٌل يعرفها فقال‪ :‬ما هذا يا سالَّمة؟ فقالت‪ :‬باهلل اس ُك ْ‬
‫مرَّ ة واحدة قتلتمونا) (الرسائل)‪.‬‬
‫كما لم يغف ِِل الجاحظ في هذا الكتاب مقاييس الرغبة الجنسية واإلثارة التي ترغب بها المرأة كضخامة القضيب ومحاولتها‬
‫لتضخيم عجيزتها‪ ،‬نقرأ في (رسالة مفاخرة الجواري والغلمان)‪( :‬نظر رج ٌل إلى امرأ ٍة جميلة سريّة‪ ،‬ورج ٌل في دارها دميم‬
‫مشوّ هٌ يأمر وينهي‪ ،‬فظنَّ أ ّن ه عبدها‪ ،‬فسألها عنه فقالت‪ :‬زوجي‪ .‬قال‪ :‬يا سبحان هللا‪ ،‬مثلك في نعمة هللا عليك تتزوَّ جين مثل‬
‫كشفت عن فخذها فإذا فيه بُقع ُخضْ ر‪ ،‬فقالت‪ :‬هذا خطاؤه‬
‫ْ‪K‬‬ ‫هذا؟ فقالت‪ :‬لو استدبرك بما يستقبلني به لعظم في عينك‪ .‬ثم‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فكيف إصابته)‪ ،‬وفي موضع آخر من هذه الرسالة ‪( :‬تزوّ ج رج ٌل امرأة وكان معه أي ٌر عظيم جدا‪ ،‬فلمَّا ناكها أدخله كله في‬
‫حرها‪ ،‬ولم تكن تقوى عليه امرأة‪ ،‬فلم تتكلَّم‪ ،‬فقال لها‪ :‬أيُّ شي ٍء حالك خرج من خلفك بعد؟ قالت‪ :‬بأبي أنت وهل أدخلته؟)‪.‬‬
‫وقد تصل هذه األخبار حوادث مرت بالجاحظ نفسه ( مررت بامرأة قائمة كبيرة العجيزة‪ ،‬فقلت لبعض من معي‪ :‬ما أعظم‬
‫عجيزتها إذا لم تكن عليها معظمة‪ .‬فكشفت عن عجيزتها وقالت‪ :‬انظر إلى الحق وال تكن من الممترين)‪.‬‬
‫السلوك الجنسي لم يكن سريا ً في مجتمع العصر العباسي لذلك لم يكن سريا ً في مصنفاته!‪ ،‬ومع أن تدوين هذه المصنفات‬
‫كان بدائيا ً ال يرتقي إلى الفن بحكم المرحلة‪ ،‬إال أنه وصل إلى ما لم يصل إليه ك َّتاب األلفية الثالثة‪ ،‬ففي عصر ما بعد‬
‫الحداثة الراهن الذي تلعب فيه الصورة قبل الكلمة دور المؤثر يقتصر األمر في أقصى تجاوزاته على نكت جنسية تطلقها‬
‫بعض النساء مع الحرص على التصريح بأسماء‪ K‬األعضاء التناسلية‪ ،‬لكن كل هذا يضم تحت خانة (االدعاء)‪ ،‬ألن النكتة ال‬
‫تصنع فنا ً‪ ،‬وعالوة على ذلك فإن المخرج يقوم بمسح الصوت عندما تتلفظ المرأة باسم عضو تناسلي‪ ،‬أما ميول المرأة‬
‫العربية الجنسية والمقاييس التي تثيرها عند الرجل والتي تنم عما هو أبعد‪ :‬تفكير المرأة وتكوينها السيكولوجي فما زالت‬
‫متداولة في السر أو يُك َّت م عليها بشكل تام حتى بين المرأة وزوجها للحفاظ على المظهر الذي يرسمه المجتمع المحكوم‬
‫بالتزمت‪ ،‬شأنها في ذلك شأن كتمان المرأة لصوتها أمام من يعاكسها‪ K‬أو يدعوها صراحة‪.‬‬

You might also like