Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 133

‫كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي‬

‫‪ - 3‬ابن عربی و مؤلفاته ‪:‬‬


‫ولدينا اخیرا محيي الدين بن عربی ‪ ،‬و هو أقرب المصادر إلى الجيلى ‪ ،‬وأكثرها تفصيال ‪ .‬وقد نقل عنه‬
‫الجيلي في ( المناظر ) عدة‬

‫تقول ‪ ،‬وذكره باالسم عدة مرات ‪ ،‬والجيلى يقر البن عربى بالمشيخة العلمية ‪ ،‬ولكنه خالفه في قضايا‬
‫كثيرة ‪ ،‬واتفق معه في بعض القضايا ‪ ،‬فصلناها في دراسة أخرى ( ‪ ، ) ۱‬والمقام هنا ال يتسع إلعادتها ‪ ۰‬و‬
‫من المؤکد آن الچیلی قرأ معظم مؤلفات ابن عربی ‪ :‬کالفتوحات ‪ ،‬والفصوص ‪ ،‬والتجليات ‪ ،‬وهى تذخر‬
‫بالعديد من القضايا والفكر الروحية والصوفية التي تناولها الجيلي في مناظرة وفي مؤلفاته االًخری ‪ ۰‬ولکن‬
‫الچیلی على العموم ‪ ،‬أخذ الکثیر من ابن عربی ‪ ،‬من حيث المصطلحات ‪ ،‬واألفكار والقضايا ‪ ،‬وأعطاها‬
‫طابعه الخاص الشخصى الروحى ‪ ،‬فأصبحت في مولدها الجديد ‪ :‬مصطلحات جديدة وأفكارا وقضايا جديدة‬
‫كل الجدة خاصة حين تمتزج بردود فعل بدنية شديدة من جانب الجيلي ‪ ،‬عند ممارستها و معايشتها ‪ ،‬وكثيرا‬
‫ما يفعل ؟‬
‫وال ابن عربي حين يعرض فكرة ‪ ،‬يعرضها بهدوء ‪ ،‬وفي أناة ورصانة ‪،‬‬
‫أما الجيلى ‪ ،‬فإن هذه الفكرة نفسها تتحول على يديه إلى مظاهرة صاخبة ‪ ،‬عالية الصوت ‪ ،‬كثيرة الضجة ‪،‬‬
‫وعلى سبيل المثال هال فكرة" صلصلة الجرس " وكيف تحولت الى اعصار شديد على يد الجيلى ‪ ،‬پینما هی‬
‫فی إشارات ابن عربی ‪ ،‬فکرة هادئة ‪ ،‬کغیرها من الفکر(‪ ۰ )۲‬ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فالجيلي وحده ‪ ،‬من‬
‫بين العديد من شخصيات مدرسة ابن عربی ‪ ،‬هو الذي نقد ابن عربی و قضایا فکریة وروحية كثيرة (‪، )٢‬‬
‫ووجه الكثير منها توجيهات عديدة جديدة ‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )۱‬انظر ‪ :‬دراستنا عن الچیلی ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ج ‪ ( 3‬مذهب الجيلي )‪ ،‬مواضيع متفرقة‬
‫(‪ )۲‬انظر ‪ :‬الفتوحات ‪ ،‬چه ‪ ، ۱‬ص ‪۰ ۹۵۲‬‬
‫(‪ )۳‬انظر ‪ :‬االنسان الکامل ‪ :‬ج ‪ ۱‬ص ‪ 83 ،82 ، 81 ،76‬ومواضع أخرى ‪۰‬‬

‫القول أن فكر الجيلى ‪ ،‬بما فيه من جرأة واندفاع فى فهم وشرح غوامض األفكار المترددة البن عربي‬
‫ومدرسته ـ يعتبر من المفاتيح الرئيسية لتوضيح أفكار الشيخ األكبر و مدرسته‪.‬‬
‫و کتاب المناظر اإللهية من أبرز کتب الچیلی التي تبیین طابعة‬
‫الشخصى ‪ ،‬ومنحاه الذاتي ‪ ،‬في السلوك الروحي ‪ ،‬والفهم الصوفي للقضايا واألفكار الصوفية ‪ ، .‬وهو سلوك‬
‫وفهم ان كان ظاهرهما " التعليم والتقرير ‪ ،‬فباطنهما يموج بالجذب والشطح ‪ ،‬على النحو الذى سنراه في‬
‫مواضعه بعد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪  - 4‬شروط الجيلي في القارئ ‪ ،‬وكيفية‪ $‬فهم الكتاب ‪:‬‬
‫نصائح وارشادات من الجيلي للقارئ‬
‫فهذا الكتاب ‪ -‬المناظر اإللهية ــ تسجيل دقيق لرحلة الجيلى الروحية ‪ . ،‬التى قام بها في حياته السلوكية‬
‫الصوفية ‪ .،‬منذ البدايات ‪ ،‬حتى النهايات ‪ ،‬أو الغايات ‪.‬‬
‫وهى رحلة خطرة للغاية ‪ ،‬في مطلعها ‪ ،.‬وفي منتهاها ‪ ،‬وفي وتضعيفها ‪ ،‬بل في كل خطوة من خطواتها ‪،‬‬
‫ولعظم هذه الخطورة ‪ ،‬يبادر الجيلي فيشرح لنا كل مرحلة ‪ ،‬أو كل خطوة من خطواتها ‪.‬‬
‫فی قالب منظر من مناظر الکتاب ‪ ،‬البالغ عددها الواحد بعد المائة ‪.‬‬
‫وهو يعرفنا بعثرة كل خطوة يخطوها السالك ‪ ،‬وقصور كل مرحلة يقطعها الصوفي ‪ ،‬وعيب كل منظر‬
‫يشهده العبد ‪ :‬في هيئة ( آفة ) يذكرها لنا في نهاية كل منظر ‪.‬‬
‫ويؤكد لنا أن اآلفات ملحقة بالعبد ‪ ،‬كما أن المناظر ملحقة باهلل ‪.‬‬
‫وال ينسى أن يتيه القارئ إلى أن تخطيه هذه اآلفة ‪ ،‬هو شرط للترقية الى المنظر التالى ‪.‬‬
‫كما ال ينسى أن ينبه القراء ‪ ،‬في خطبة الكتاب ‪ ،‬إلى أن هذه المناظر اإللهية ‪ ،‬ما هى اال محاضر الجمال‬
‫العلوم اللدنية ‪.‬‬
‫ومن هنا فان تفصيلها ال يكون إال عن " موهبة ثابتة إلهية " ‪ ،‬وليس كسبا يصطنعه العبد بجده واجتهاده ‪.‬‬
‫وهذه الموهبة اإللهية ‪ :‬قد يدركها العبد وهو " في نفس المنظر األعلى‪..‬ـ " ‪.‬‬
‫وقد يتأخر عليه ذلك اإلدراك ‪ ،‬أو" تفصيل تلك العلوم "‪ ،‬إلى ما ال بعد نزوله عن تلك المناظر "‪.‬‬
‫وفي الحال األول ‪:‬‬
‫يتيسر له اإلدراك عن طريق اإليحاء اإللهى ‪،‬‬
‫أو عن طريق " حقيقة اتصاف من الصفة العلمية » اإللهية ‪ ،‬وثمرة ذلك على العبد ‪ :‬هو استيفاؤه أداء آداب‬
‫الحال والمقال الالزمين لمقام كل منظر ‪.‬‬
‫أما في الحال الثانية ‪:‬‬
‫فان العبد إذا لم يتيسر له االلهام االلهي ‪ ،‬فالبد له من شيخ مرب ‪ ،‬له معرفة كشفية بالمناظر اإللهية "‬
‫مكاشف بالمناظر اإللهية" ييسر له فهم هذه المناظر ‪.‬‬
‫"وإدراك تفاصيلها ‪ ،‬وثمرة ذلك على العبد ‪ :‬هو توفية " الوقت الذي هو فيه أدبه "‪ .‬ولكن بالطبع ‪ -‬يفوته‬
‫أدب تلك المناظر‪   ،‬لفوات وقوعها ‪ ،‬وانقضاء معايشتها ‪ ،‬وليست الحكاية كالمعايشة ‪ ،‬ألن التجلي الواحد‪ ،‬أو‬
‫المنظر الواحد ‪،‬ال یبقی زمانین ‪۰‬أما من لم يتيسر له الوهاب اإللهي ‪ ،‬سواء أكان ذلك إيحاء إليها ‪ ،‬أم بحقيقة‬
‫اتصاف من الصفة العلمية ‪ ،‬أم بأعالم شيخ مربي مكاشف بالمناظر اإللهية ‪.‬‬
‫ـ فانه إذا جذب إلى بعض المناظر اإللهية ‪ ،‬وخرج منها ‪ ،‬أنكر حاله فيها ‪ ،‬ودهش من أوصافها لو سمع بها ‪،‬‬
‫لضعف علمه ‪ ،‬وقصور فهمه ‪.‬‬
‫وإذن فهذه الرحلة الروحية للجيلي ‪ ،‬هي رحلة خاصة ‪ ،‬فى عالم مخصوص ‪ ،‬هو عالم المشاهد ‪ ،‬أو المناظر‬
‫االلهية ‪ ،‬أو التجليات اإللهية ‪ ،‬من طريق األسماء والصفات ‪ ،‬قام بها صوفي ذو تكوين روحى خاص ‪ ،‬وهو‬
‫الجيلى ‪ ،‬سجلها في دقة وأناة ‪ ،‬ليقرأها قراء من نوع روحى خاص ‪  .‬تيسر لهم ما ذكره الجيلى من شروط‬
‫وعدة روحية خاصة ‪۰‬‬
‫و من هنا ‪ ،‬فإننا نرى الجيلي يردد کثیرا عبارات ذات مغزى ‪ ،‬في مواضع عديدة متفرقة من كتابه ‪ ،‬من مثل‬
‫‪:‬‬
‫"وهذا كالم ال يفهمه اال الغرباء ‪ ".....‬و "‪ ...‬وال يعرف ذوق ما قلناه اال ‪ ‬الغرباء …‪ ».‬و" …… ولقد اشم‬
‫رائحة من وراء‬
‫هذا السر ‪ ،‬ال يحل نشرها ‪ ،‬إذ ال يمكن بثها ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فعليك بك ‪ ،‬وهللا المستعان » و « ‪ ...‬فوا أسفاه عليك ‪ :‬كيف يكون فهمك لهذا الکالم ! » ‪ ، .‬و « ‪ ...‬وال‬
‫یعرف ما قلناه إال من وقع في هذا المشهد ‪ ))...‬انظر ‪ :‬منظر ‪ 93 ، 74 ، 69 ، 68، 22‬وغيرها‪.‬‬
‫– ضوابط قراءة الكتاب ‪:‬‬
‫والجيلى ال يكتفي بذلك ‪ ،‬يل أنه ‪ -‬زيادة في الحيطة ـ بيضع للقراء ضوابط منهجية وعقدية ‪  :‬تصبون الناظر‬
‫في هذا‪ .‬الكتاب عن الزيغ والزلل ‪ ،‬وتمنعه عن الخطأ والخطل ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬خطبة الکتاب ‪ ۰‬وهو یری ‪ -‬بادئ ذي بدء ‪ -‬أن طالبی معرفة علم الحقائق ‪ ،‬آی التصوف ‪ ،‬عليه "‬
‫أن يقيس العلوم الواردة إليه على األصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة فما وجده من تلك العلوم‬
‫موافقا للشريعة ‪ ،‬اعتقده و تحلى به ‪ .‬وما یجده مخالفا توقف عن استعماله ‪...‬ـ إلى أن يفتح هللا تعالى يما يؤيده‬
‫من الشريعة ‪ ،‬فيستعمله حينئذ "‪..‬‬
‫و مبدأ تقويم علم الحقائق بمقاييس الشرع هو مبدأ مشترك بين شيوخ التصوف كلهم ‪ ،‬ما قیل ابن عربی و ما‬
‫بعده ‪.‬‬
‫ثم يضع الجيلى ‪ ،‬باالضافة الى المبداً العام السابق ‪ ،‬أصوال أربعة البد من االلتزام بها لكل ناظر فى هذا‬
‫الكتاب ‪ ،‬وخالصتها اآلتى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ االعتقاد في التنزيه المطلق هلل تعالى ‪:‬‬
‫‪ - 2‬االعتقاد في أفضلية محمد صلى هللا عليه وسلم على كل المقربين واکمليته على رسل رب العالمين‬
‫وختمه للمرسلين‪.‬‬
‫‪ - 3‬االعتقاد بصحة ما جاء به محمد به ‪ ،‬و ما حواه من عقائد سمعية وغيرها ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ينبغي للناظر أن يجعل طلبه لهذا العلم ‪- :‬خالصا لمعرفة هللا ‪ ،‬خالصا لوجهه "‬
‫‪ ،‬ولكونه أهال ألن يعرف ‪ ،‬وليس للوصول إليه أو معرفته! ‪..‬‬
‫ومن هنا فعليه تزكية نفسه ‪ ،‬وتطهيرها حتى يمكنه هللا تعالى من ذلك‪.‬‬
‫والچیلی یذکرنا بهذه األصول والمبادئ طوال مناظر کتابه ‪ ،‬في المواضيعـ التي يشعر فيها بخطورة‬
‫الفكرة ‪ ، ،‬أو الخطرة ‪ ، ،‬أو اللطيفة ‪ ،‬أو الرقيقة ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫" … ‪  ‬كما يشاء هللا تعالى ‪ ،‬من غير تشبيه ‪ ،‬وال حلول ‪ ،‬وال نوع من النقائص " منظر ‪ ( 28‬الحق ) ‪.‬‬
‫ويقول في موضیع آخر ‪:‬‬
‫" … تچلت أنواره ق الوجودات ‪ ،‬بغير حلولی ‪ ،‬وال مزج ‪ ،‬وال شائبة نقص‪ "...‬منظر‪ ( 30‬الواحدة )‪ ۰‬و‬
‫یقول ‪:‬‬
‫" … ‪ ‬وهللا تعالى كذلك ‪ ،‬ومن وراء ذلك ‪ ،‬وبخالف ذلك ‪ "… ‬منظر ‪ ( 76‬الصورة ) ‪۰‬‬
‫و یقول ‪:‬‬
‫" … ‪ ‬فالحق تعالى هو القائم بمعنی صور الموجودات والتجلي فیھا ‪ ،‬بغير حلول ‪ ،‬وال مزج ‪ ،‬بل هو کما‬
‫هو أهله ‪ "… ‬منظر ‪ ( 77‬العتی ) ‪۰‬‬
‫و یقول ‪:‬‬
‫" … وهللا ‪ .‬تعالى منزه عن الشرك واالتحاد ‪ ،‬تعالى الواحد سبحانه و تعالی … " منظر ‪ ( 80‬المعية ) ‪،‬‬
‫وغير ذلك من المناظر ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫كتاب المناظر اإللهية‬
‫العارف باهلل الشيخ عبد الكريم الجيلي‬

‫مقدمة الجيلي رضي هللا عنه هللا تعالي عنه‬


‫وصلى هللا على سيدنا محمد وآله ‪ ،‬وصحبه ‪ ،‬وسلم ‪ .‬الحمد هلل ‪ ،‬ذي المناظر العلية ‪ ،‬والمحاضر السنية ‪،‬‬
‫والمشاهد القيومية ‪ ،‬والمحامد الديمومية ‪ ،‬األحد ‪ ،‬فى أحدية ذاته ‪.‬‬
‫الواحد ‪ ،‬فى واجدية أسمائه وصفاته‪ ،‬الكبير ‪ ،‬الذي جل عن المحل ‪ ،‬فال يوصف بالمكان ‪.‬‬
‫القدیم ‪ ،‬الذي تنزه عن الحدوث ‪ ،‬فال يلحقه الزمان ‪ ۰‬الظاهر ‪ ،‬المتجلي في لباس الظاهر ‪ ،‬بما شاعر من‬
‫تجليات الجمال ‪ ۰‬الباطن ‪ ،‬الذي خفي ادراکه عن بصیرة کل باصر ‪ ،‬فال يوصف بغير مطلق الکمال ‪۰‬‬
‫الحت على وجوه الموجودات محاسن أنواره ‪ ،‬فعبدت ‪ ،‬بالضرورة ‪ ،‬لما فيها من آثاره‪.‬‬
‫أحمده حمد من حمده ‪ ،‬بمطلق تجليات مقتضيات شئونه ‪،‬فى كل يوم ‪.‬‬
‫فأدى من حقوق العبودية كل حق ‪ ،‬يجل عن مظان الدوم ‪.‬‬
‫وأشهد أن ال هللا اال هللا ‪ ،‬بتحقيق شهود أن ال موجود حقيقة سواه ‪۰‬‬
‫وأشهد أن سيدنا محمدا محل نظره ‪ ،‬من العالم المخصوص ‪ ،‬بمجامع محامده ‪ ،‬الموجودة فی بنی آدم‬
‫صلی هللا عليه ‪ ،‬و علی آله وصاحبه وسلم‪.‬‬

‫أما بعد ‪ :‬فإن المناظر اإللهية ‪ ،‬محاضر اجمال العلوم اللدنية ‪ ،‬وأن تفصيلها ال يكون إال عن موهبة نابتة‬
‫إلهية ‪.‬‬
‫فقد يدرك تلك الموهبة العبد ‪ :‬فی نفس المنظر( ‪ ) ۱‬العلی ‪ :‬ايحاء إلهيا ‪.‬‬
‫أو بحقيقة اتصافه من الصفة العلمية ‪ ،‬فيوفي المقام ما يستحقه من آداب الحال والمقال ‪.‬‬
‫وقد يتأخر علیه تفصیل تلك العلوم التي يعد نزوله عن تلك المناظر ‪ ،‬فيفهم ما كان فيها الهاما إلهيا ‪ ،‬أو‬
‫بإعالم شیخ مربى ‪ ،‬مکاشف بالمناظر االلهیة فیوفي الوقت الذي هو فیه أدبه ‪۰‬‬
‫ولکن فاته أدب تل المناظر ‪ ،‬لفواتها‪.‬‬
‫الن التچلی الواحد ال یبقی زمانین ‪ ،‬بل هللا تعالی فی کل زمان تچل مخصوص ‪ ،‬من مسیر قوله ‪.‬کل يوم هو‬
‫في شأن ‪۰‬‬
‫ومن الناس من يجذب إلى بعض المناظر اإللهية ‪ ،‬فيخرج منها ‪،‬وهو ال یدری ‪ :‬این کان ؟‬
‫ولو سمع بأوصاف المناظر التي کان هو فيها ‪ :‬تعجب ‪ ،‬وأنكر ما كان عليه ‪.‬‬
‫وذلك لضعف علمه ‪ ،‬وقصور فهمه ‪ ،‬فإن الدهش ال يطرأ اال على الضعفاء ‪.‬‬
‫واعلم ‪ :‬أن لكل منظر آفة ‪ ،‬تمنع الداخل فيها عما فوقها ‪ ،‬و تمسکه عندها ‪ ،‬ما لم يعلم تلك اآلفة‪.‬‬
‫فإذا اطلع عليها ترقى عن ذلك المنظر إلى غيره ‪.‬‬
‫وهذه اآلفة ملحقة بالعبد ‪ ،‬كما أن المناظر ملحقة باهلل تعالى ‪.‬‬
‫وها أنا أذكر لك ‪ :‬مائة منظر ومنظرا عليا ‪ ،‬وأشرح‪.‬‬
‫ما أمكن من حال كل منظره ثم أذكر آخرة ‪ ،‬آفة حال العبد فى ذلك المنظر‪ ،‬ليتبصر بذلك من وفقه هللا‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫فيقيس بهذه المناظر ما فوقها ‪ ،‬وما دونها ‪.‬‬
‫وهللا الموفق للصواب ‪ ،‬وإليه المرجع والمآب ‪.‬‬
‫كتاب المناظر االلهية تعني الفناء فى المشاهدة القدسية‬

‫‪4‬‬
‫وفتحنا فيه على طريق الفهوانية مغاليق إشارات بأحسن عبارات ليستدل الناظر بجميع ذلك على نفسه‪.‬‬
‫فيعرف من هو؟ وما هو؟‬
‫ويفهم ما أشرنا إليه‪ ،‬ولو ألغزنا القول فى بعض المواضع لضرورة الوقت‪.‬‬
‫فقد ألفنا ً كتابا ً فتحنا فيه باب معرفة الكالم وفهمه على طريق التأويل وسميناه‪:‬‬
‫(غنية أرباب السماع فى كشف القناع عن وجوه االستماع)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فصل "األصول التي تصون الناظر لهذا الكتاب"‬
‫أردنا أن نضيع ‪ ،‬في هذا الموضع ‪ ،‬أصوال ‪ ،‬تصون الناظر فى هذا الكتاب ‪.‬‬
‫عن الزيغ والزلل ‪ ،‬وتمنعه عن الخطأ والخطل ‪.‬‬
‫فإنه ‪ :‬ما ‪ ‬كل أحد من الطالبين ‪ ،‬تكون عنده القواعد من أصول الدين ‪.‬‬
‫فقلنا لك ‪ ، :‬أيها األخ أعلم ‪ ،‬وفقك هللا تعالى ‪ :‬أن الحقائق ‪ ،‬هي أصول الشرائع ‪ ،‬وأن الشرائع ‪ ،‬هي أصول‬
‫المطالب لمعرفة الحقائق ‪.‬‬
‫فالبد لمن يقصد معرفة علمنا هذا ‪ ،‬أما تعلما كسبيا ‪ ،‬أو بطلبه من طريق اإللهام ‪ ،‬بشروطه ‪ :‬أن يقيس العلوم‬
‫الواردة إليه ‪ ،‬على األصول المشروعة ‪ ،‬التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والجماعة ‪ ،‬فما وجده من تلك العلوم‬
‫موافقا للشريعة ‪ ،‬اعتقده ‪ ،‬وتحلى به ‪۰‬‬
‫و ما وجده مخالفا توقف عن استعماله ‪ ،‬إلى أن يفتح هللا تعالى بما يؤيده من الشريعة ‪ ،‬فيستعمله ومن ثم قال‬
‫اإلمام األكمل "ابن عربي" ‪ :‬كل حقيقة ال تؤيدها شريعة ‪ ،‬فهي زندقة ‪ ۰‬یرید ‪ :‬أن کلی علم یرد علیك من‬
‫الحقائق التي ال تؤيدها ‪ ‬الشرائع ‪ ،‬فاستعمال ذلك العلم زندقة منك ‪.‬‬
‫ألنك تفعل خالف الشرائع ‪ ،‬ال أن الحقائق فيها زندقة ‪ ،‬إذ ليس فى الحقائق مسألة إال وقد أيدها الكتاب والسنة‬
‫‪ .‬فينبغى أن تجعل لك أصوال أربعة ‪:‬‬
‫‪ ‬األصل األول ‪:‬‬
‫‪ ‬تعتقد ‪ ‬أن هللا تعالى قديم ‪ ،‬واحد ‪ ،‬ال شبيه له ‪ ،‬وال مثل له ‪ ،‬وال شريك له ‪ ،‬غیر ملحق باالمکان ‪.‬‬
‫وال مسبوق بالعدم ‪ ۰‬ليس بجسم ‪ ،‬وال روح ‪ ،‬وال معنى ‪ ،‬وال صورة ‪ ،‬هو شىء ال كاألشياء ‪. ‬‬
‫ال يحل شيئا وال يحله شيء ‪ ،‬وال یمازج شيئا ‪ ،‬وال يمازجه شیء منزه عن الجهة ‪ ،‬والحد ‪ ،‬والحصر ‪ ،‬أزلي‬
‫‪ ،‬أبدي ‪.‬‬
‫‪ ‬األصل الثانى ‪: ‬‬
‫تعتقد ‪ :‬أن محمدا ‪ ‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أفضل المقربين ‪ ،‬و اکمل راسل رب العالمین ‪ ۰‬جاء بالحق‬
‫المبين ‪ ،‬و نطق بالصدق اليقين ‪.‬‬
‫لم يترك مكرمة إال وقد نبه عليها بأنواع التنبيهات ‪.‬‬
‫ولم يدع قربة ‪ ،‬إال وقد دعا إليها بأنواع الدالالت ‪.‬‬
‫خاتم المرسلين ‪ ،‬و تاج المقربین ‪ ،‬صلی هللا علیه ‪ ،‬وعلی اله ‪ ،‬وصحبه ‪ ،‬اجمعين ‪.‬‬
‫األصل الثالث ‪:‬‬
‫تعتقد صحة ما جاء به محمد‪، ،‬صلی هللا علیه وسلم ‪ ،‬من كتاب هللا فتؤمن بالبعث ‪ ،‬و النشور ‪ ،‬والقيامة ‪.‬‬
‫والحساب ‪ ،‬إلى غیر ذلك مما أخبر به ‪ ،‬من الوعد والوعيد ‪ ،‬واآليات الظاهرة ‪ ،‬عند انصرام أحكام هذه‬
‫الدار ‪.‬‬

‫األصل الرابع ‪:‬‬


‫ينبغي لك أن تجعل طلبك لهذا العلم ‪ ،‬خالصا لمعرفة هللا تعالى ‪.‬‬
‫خالصا لوجهه ‪.‬‬
‫وتجعل طلبك لمعرفته ‪ ،‬لكونه أهال ألن یعرف ‪.‬‬
‫فال تطلب معرفته ‪ ،‬لکی تصل اليه ‪ ،‬او تعرفه ‪.‬‬
‫فينبغي لك تزكية النفس ‪ ،‬والعمل فى تطهيرها ‪ ،‬إلى أن يمكنك هللا تعالى منها ‪" ۰‬‬
‫وقد أن ألوان الشروع فى الكتاب ‪ ،‬وهللا الموفق للصواب ‪.‬‬

‫‪6‬‬
7
‫وهذه فهرسة المناظر‬
‫‪ 2‬ـ منظر المراقبة ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ منظر أعبد هللا كأنك تراه ‪.‬‬
‫‪ - 4‬منظر الشهود ‪۰‬‬ ‫‪ - 3‬منظر التجلي على االطالق ‪.‬‬
‫‪ - 6‬منظر تجلی االفعال ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬منظر الوجود‬
‫‪  - 8‬منظر اترك نفسك وتعال ‪۰‬‬ ‫‪ - 7‬منظر تجلی الصفات‪.‬‬
‫‪ - 10‬منظر الفناء الذاتي ‪.‬‬ ‫‪ - 9‬منظر محاضرات األسماء والصفات‪.‬ـ‬
‫‪  - 12‬منظر البقاء ‪۰‬‬ ‫‪ - 11‬منظر الفناء عن الفناء ‪.‬‬
‫‪ - 14‬منظر التمکين ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬منظر التلوين ‪۰‬‬
‫‪  - 16‬منظر المسامرة ‪.‬‬ ‫‪ - 15‬منظر المكالمة ‪. ‬‬
‫‪ - 18‬منظر المحادثة‪.‬‬ ‫‪  -17‬منظر المخاطب ٔه‪.‬‬
‫‪ - 20‬منظر التعلیم ‪۰‬‬ ‫‪ - 19‬منظر المسایرة‬
‫‪ - 21‬منظر الوقوف‪ - 22                                 .‬منظر السیر‪.‬‬
‫‪ - 23‬منظر الرجوع ‪ - 24                               .‬منظر البشاير‪.‬‬
‫‪ - 25‬منظر النذاير ‪ - 26                                  .‬منظر العلم ‪.‬‬
‫‪ - 27‬منظر العين ‪ - 28                                   .‬منظر الحق‪.‬‬
‫‪ - 29‬منظر الحقيقة ‪ - 30                                .‬منظر الوحدة‪.‬‬
‫‪ - 31‬منظر اإلبهام ‪ - 32                                .‬منظر الفتق‪.‬‬
‫‪ - 33‬منظر اإلجمال‪ - 34                              .‬منظر التفصیل‪.‬ـ‬
‫‪ - 35‬منظر اإلطالق ‪ - 36                              .‬منظر التقييد‪.‬‬
‫‪ - 37‬منظره الوصال‪ - 38                              .‬منظ الفصال‪.‬‬
‫‪ - 39‬منظر التجريد ‪ - 40                              .‬منظر التفريد‪.‬‬
‫‪ - 41‬منظر خلع العذار‪ - 42                           .‬منظر ستر الحال‪.‬‬
‫‪ - 43‬منظر التالمت‪ - 44                              .‬منظر التصوف‪.‬ـ‬
‫‪ - 45‬منظر التزندق ‪ - 46                             .‬منظر الوقوف مع المراسم‪.‬‬
‫‪ - 47‬منظر الكفر‪ - 48                                .‬منظر االیمان‪.‬‬
‫‪ - 49‬منظر االحسان‪ - 50                             .‬منظر الشهادة ‪.‬‬
‫‪ - 51‬منظر تعبد "الصديقية"‪ - 52                    .‬منظر القربة‪.‬‬
‫‪ - 53‬منظر البداية‪ - 54                              .‬منظر الهداية‪.‬‬
‫‪ - 55‬منظر البداية‪ - 56                               .‬منظر النهایة‪.‬‬
‫‪ - 57‬منظر الغاية ‪ - 58                              .‬منظر الجمال‪.‬‬
‫‪ - 59‬منظر الحالل‪ - 60                              .‬منظر الكمال‪.‬‬
‫‪ - 61‬منظر االستواء‪ - 62                             .‬االستيالء‪.‬‬
‫‪ - 63‬منظر اللذة السارية‪ - 64                         .‬منظر الكشف والعيان‪.‬‬
‫‪ - 65‬منظر الستر‪ - 66                                 .‬منظر المراتب‪.‬‬
‫‪ - 67‬منظر الحضاير ‪ - 68                            .‬منظر الخلع و المواهب‪.‬ـ‬
‫‪ - 69‬منظر االسرار ‪ - 70                             .‬منظر الطرق المختلفة ‪.‬‬
‫‪ - 71‬منظر الصراط المستقيم‪  - 72                     .‬منظر العناية ‪.‬‬
‫‪ - 73‬منظر المملكة ‪ - 74                              .‬منظر الحرف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ - 75‬منظر الکالم ‪ - 76                               .‬منظر الصورة ‪.‬‬
‫‪ - 77‬منظر المعنی‪ - 78                               .‬منظر المعارف ‪.‬‬
‫‪ - 79‬منظر السکر‪ - 80                               .‬منظر المعیة ‪.‬‬
‫‪ - 81‬منظر العندية ‪ ،‬بالنون ‪ - 82                   .‬منظر استغفر هللا‪.‬‬
‫‪ - 83‬منظر سبحان هللا‪ - 84                          .‬منظر الحمد هلل ‪۰‬‬
‫‪ - 85‬منظر ال اله اال هللا ‪  86                       .‬ـ منظر هللا أكبر ‪.‬‬
‫‪ - 87‬منظر ال حول وال قوة اال باهلل‪ -88          .‬منظر المالئکة المهيمن ‪۰‬‬
‫‪ - 89‬منظر العرش‪.‬ـ ‪  - 90                           ‬منظر الکرسی ‪.‬‬
‫‪ - 91‬منظر آلقلم‪ - 92                               .‬منظر الکون ‪.‬‬
‫‪ - 93‬منظر اللوح‪ - 94                             .‬منظر سدرة المنتهى‪.‬ـ‬
‫‪ - 95‬منظر من أنت ‪ - 96                         .‬منظر من أنا ‪.‬‬
‫‪  - 97‬منظر اإلشارة ‪ - 98                        .‬منظر البهت ‪۰‬‬
‫‪ - 99‬منظر وإن من شيء إال عندنا خزائنه‪   .‬‬
‫‪- 100‬منظر کن فیکون‪.‬‬
‫‪ - 101‬منظر العجز عن درك اإلدراك إدراك‪.‬‬
‫وهذا ما انتهى إليه فهرسة المناظر ‪.‬‬
‫أعلم ‪ :‬أنا لم نرتب جميعه ‪ ،‬على ترتيب ما یحصل فی النازالت ‪ ،‬عند الفتح ‪ ،‬ألهل هللا تعالى ‪ ،‬بل رتبناه‬
‫على حسب ما أمرنا به ‪.‬‬
‫فى وضع هذا الكتاب ‪ :‬فبعضه على ترتيب المنازلة ‪ ،‬وبعضه على غير ذلك ‪ ،‬ترتيبا إلهيا ‪ ،‬ليس لنا فيه‬
‫اعتراض ‪ ،‬وال شائبة ‪ ،‬فعل هللا ‪.‬‬
‫و هللا المسئول أن ينفع به قارئه ‪ ،‬ويمن بفضله علي حامله ‪ ،‬فهو حسبي ‪ ،‬ونعم الرب ربي ‪ ،‬وصلى هللا على‬
‫سيدنا محمد و آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المنظر األول منظر أعبد هللا کأنك تراه‬

‫وهو باب المناظر کلها ‪ ،‬فیه تهب نفحات الرحمن على المتعرضينـ لها بقوابلهم ‪ ،‬فيؤخذ العبد من استعماله ‪،‬‬
‫في ظاهر أعماله ‪ ،‬بارکان العبادات ‪ ،‬إلى هذا المنظر العلی‪ .‬والمشهد السنی ‪ ،‬فتتصور له حضرة الحق‬
‫تعالى ‪ ،‬بكبريائه وعظمته ‪.‬‬
‫فال يأتي عمال إال ‪ ‬وهو مأخوذ عن ذلك العمل ‪ ،‬لغلبة حال الدهش على قلبه ‪ .‬ويكون سائر أحواله ‪ ،‬وأفعاله ‪،‬‬
‫وأقواله كلها عبادات ‪.‬‬
‫ألنه مأخوذ عنها إلى تصور الحضرة اإللهية ‪ ،‬فهو مشاهد لذلك التصور به حقیقته ‪ ،‬فی سائر أموره ‪۰‬‬
‫وفی هذا المنظر يفتح عليه بعلوم االصطالم ‪ ،‬ویکشف له عن أسرار الحق تعالی فی ظواهر المخلوقات ‪.‬‬
‫فيقرأ رقوم كتابة أسماء هللا ‪ ،‬تعالی ‪ ،‬علی صفحات وجوه المخلوقات ‪.‬‬
‫ویعلم السر الذی اخذ بالعالم الی ما اخدهم ‪ ،‬فیما هم علیه ‪ ،‬فال یری قبیحا فی الوجود بأسره ‪۰‬‬

‫آفة هذا المنظر‪:‬‬


‫هو ذلك التصور ‪ ،‬ألنه تعمل ‪ ،‬ولو كان ضروريا ‪ ،‬فإنه ال على الكشف ‪ ،‬بل هو على الحجاب وألجل ذلك‬
‫يتحقق هو فى نفسه ‪ ،‬أنه مشاهد لما يشاهده بإيمانه ‪ ،‬ال بقلبه ‪ ،‬فلیس فیه من الشهود إال وهو الیقین بعلم ما‬
‫آمن به ‪ ،‬وهو حجاب ‪۰‬‬
‫و منه ينتقل الى المراقبة ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــ‬
‫عرف أبو الحسن الهجویری االصطالم بقوله ‪ « :‬هو شهود تجليات الحق التي تجعل اإلنسان مقهورا ‪ ،‬حتى‬
‫یکون عدما » ‪ ۰‬انظر ‪ :‬کشف الحجوب ‪ ،‬ص ‪- ۷۳‬‬
‫أما عبد الرزاق الکاشانی في حرفه بقوله ‪ " :‬االصطالم ‪ :‬هو نعت وله برد على القلب ‪ ،‬فيسكن تحت سلطانه‬
‫‪ ،‬فان دام ذلك بالعبد حتى سلبه عن نفسه ‪ ،‬وأخذه عن حسه ‪ ،‬بحيث لم يبق منه اسما "‪ ،‬وال أثرا ‪ ،‬وال‬
‫عينا ‪ ،‬وال طلال ‪ ،‬حتى صار مسلوبا عن المكونات بأسرها ‪.‬‬
‫فما دام اعيد كذلك فهو ممحو اآلثار ‪ ،‬فهذا ال يجري عليه أحكام التكليف ‪ ،‬وال يوصف بتحسين ‪ ،‬وال يخص‬
‫بتشريف اللهم إال أن یرد لما يجرى علیه ‪ ،‬من غير قصد شئ منه فیکون فی ظنون الخلق متصرفا ‪ ،‬وفي‬
‫التحقيق مصرفا ‪ ،‬قال تعالى‬
‫‪" :‬وتحسبهم أيقاظا وهم رقود‪ ،‬ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " ‪.‬‬
‫وأنشدوا ‪:‬‬
‫ترى المحبين صرعى في ديارهم ‪ ..… ‬کفتیة الکهف ال يدرون کم لبثوا‬

‫‪11‬‬
‫المنظر الثاني ‪ ‬منظر المراقبة‬
‫هو شهود العبد ‪ ،‬بقلبه ‪ ،‬لحضرة الحق تعالى ‪ ،‬فتظهر له ‪ ،‬حينئذ ‪ ،‬حقارة نفسه ‪ ،‬وعجزها ‪ ،‬وصغرها ‪،‬‬
‫وذلها ‪ ،‬تحت بروز عظمة الحق تعالى ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬وکبریائه ‪ ،‬وعزته ‪ ۰‬فيأخذه الصعق فی هذا المشهد ‪.‬‬
‫فإذا رجع عنه إلى نفسه ‪ ،‬وجد عنده من العلوم ‪ :‬معرفة قدر هللا تعالی ‪ ،‬علی قدر قوة ماله من القابلية ‪.‬‬
‫فتكون عنده من العلوم ‪ :‬معرفة عجز المخلوقين ‪ ،‬و حقارتهم ‪ ،‬ویفتح علیه من هذه المعانی بأنواع العلوم‬
‫الذوقية ‪.‬‬
‫وهذا المنظر تفصیل المنظر الذی قبله ‪:‬‬
‫فإن الشاهد في ذلك المشهد األول ‪ ،‬ال يقع عنده من حضرة الحق إال اإلجمالي ‪.‬‬
‫و فی هذا المشهد ‪ ،‬يقع عنده تفصيل ذلك ‪ ..‬فمثل صاحب هذا المنظر المتقدم ‪ ،‬مثل من علم أن ملك الروم‬
‫موجود ‪ ،‬وأنه فى حضرته ‪ ،‬فيتصور ذلك أمر اجماال‪.‬‬
‫ومثل صاحب هذا المشهد ‪ ،‬مثل من يطلع على حال الملك ‪ ،‬بين عساكره ‪ ،‬وحشمه ‪ ،‬فيتصور عنده من‬
‫ضروريات هيبة الملك ‪ ،‬ما يتصور ‪ ،‬على قدر قوة القابلية ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو ذهوله عن المتجلي في المنظر ‪ ،‬بحال المنظر ‪ .‬فیشتغل بالمقام ‪ ،‬عن صاحب المقام ‪.‬‬
‫و ما ذاك إال ألنه ال يرى اال المقام ‪ ،‬والحضرة ‪ ،‬ال صاحب الحضرة ‪.‬‬
‫وسر ذلك ‪ :‬كون هذا المنظر ‪ ،‬أثر عکس المنظر اإللهي ‪ ،‬ال لنفسه ‪.‬‬
‫فان الحضرة اإللهية يسطع نورها على سر العبد ‪ ،‬فيقع خيال ذلك ‪ ،‬وعكسه ‪ ،‬فى قلبه ‪ ،‬فال يشاهد إال الخيال‬
‫‪ ،‬والعكس ‪ ،‬ال نفس الصورة ‪.‬‬
‫و من هذا المنظر ‪ ،‬ينتقل إلى ما بعده ‪ :‬وهو منظر التجلي على إطالق ‪۰‬‬
‫وال يصح له من هذا المنظر إال رائحة مما فوقه ‪.‬‬
‫وكل المناظر بهذه المثابة ‪ :‬ال تصح إال بلمعات مما فوقها ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫عرف عند الرزاق الکاشانی الصعق بأنه " في اصطالح الطائفة عبارة عن الفناء عند التجلي الرباني " ‪.‬‬
‫لطائف األعالم ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫وفى ( اصطالحات الصوفية ) له كذلك يعرفه بأنه " هو الفناء في الحق بالتجلي الذاتي "‪ .‬ص ‪140‬‬

‫كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي‬

‫‪12‬‬
‫المنظر الثالث منظر التجلي على االطالق‬
‫إذا استقام قلب العبد ‪ ،‬فى حضارة اإليمان ‪ ،‬يتصور ما هللا تعالى ‪ ،‬یطفح على قلبه ‪ ،‬من قلبه ‪ ‬نور‬
‫شعشعاني ‪ ،‬فیتجلی عليه ‪ ،‬من باطن ذلك ‪ ،‬معنى إلهي ‪ ،‬فيقع عنده ‪ ،‬بالضرورة ‪ ،‬أنه نور تجل إلهي ‪.‬‬
‫فيذهب حينئذ عن محسوساته ‪ ،‬إلى ذلك النور ‪ ،‬ويؤخذ فيه عن سائر معلوماته ‪ .‬وقد تتواتر عليه سطعات‬
‫األنوار ‪ ،‬فيشاهدها بعين رأسه ‪ ،‬التحاد البصر بالبصيرة ‪ .‬كما تتشكل األمور الخيالية ‪ ،‬أحيانا ‪ ،‬فى الحس ‪،‬‬
‫فيشاهدها الناظر ببصره ‪.‬‬
‫وفی هذا المنظر تکون البواده ‪ ،‬واللوامع ‪۰‬والبوادي ‪،‬و السواطع ‪،‬واللوامح‪ ،‬في أول األمر‪.‬‬
‫فإذا تواترت علیه ‪ ،‬و أعقب المثل مثال ‪ ،‬فقد است قلبه في هذا المشهد ‪.‬‬
‫وفى هذا المشهد يفتح عليه من العلوم والواردات ‪:‬علم نور الحق تعالى‪ ،‬و تالشی العالم ‪ ۰‬ویکون لدیه من‬
‫المعارف توحید الظاهر في المظاهر‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو شهود نفس تلك األنوار ‪ ،‬فإن الحق تعالى منزه ذلك ‪۰‬‬
‫وإنما هي أنوار إيمانية باهلل تعالى ‪ ،‬تتجلى علیه فيرتتق عليه األمر ‪ ،‬فيظنها أنوار هللا تعالى ‪ ،‬وهي نور‬
‫االيمان‪.‬‬
‫على أنه فى الحقيقة كل األنوار ‪ ،‬بل كل شىء ‪ .‬هو نور هللا تعالى ‪ ،‬ولو بواسطة شيئية ذلك الشىء ‪ ،‬وهو‬
‫يظنه بال واسطة ‪ ،‬فهو محجوبپ ‪.‬‬
‫و من هذا النظر ينتقل إلى منظر الشهود‪ ،‬ترتیپا الهيا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫و یعرف القشیری البواده بقوله ‪:‬‬
‫" ‪ ...‬ما یفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهله أما موجب فرح أو موجب ترح "الرسالة ص ‪ ، 44‬ص‬
‫تعريف الكاشانى نفسه مع تغيير العبارة األخيرة الى " فيوجب بسطا أو قبضا " وهو بمعنى * اصطالحات‬
‫الصوفية ‪ ،‬ص ‪• 38‬‬
‫اللوامع يعرفها الکاشانی بقوله ‪: ‬‬
‫"هي األنوار التي يشاهدها صاحب القلب الطاهر ‪ ،‬ببصره الظاهر ‪ ،‬مبتدئة عن آثار المصادمات ‪ ،‬الحاصلة‬
‫بين حديد بصيرته الذاكرة ‪ ،‬بتوجهها إلى المذكور الحق وبین حجرية قلبه القابلة للهبوط ‪ ،‬من خشية‬
‫مذكوره ‪ ،‬وتجليه فيه ‪ ،‬فيتنور بذلك النور ما حوله ‪ ،‬فيشاهد البصر أنوارا ساطعة ‪ ،‬مثل أنوار الكواكب‬
‫واألقمار والشموس ‪ ،‬فتسمى تلك األنوار اللوامع " لطائفه االعالم ق ‪140 ‬ظ ‪.‬‬
‫البادي ‪ " :‬هو الذي يبدو على القلب فی الحین من حیث حال العبد فإذا بدا بادي الحق يبيد كل باد غير الحق‬
‫" ‪ .‬انظر ‪ :‬اللمع ‪ ،‬ص ‪• 418‬‬
‫و من هنا فإن الطوالع لدی الهجویری هی ‪ " :‬طلوع أنوار المعارف على القلب " ‪ ،‬ص ‪۰ 467‬‬
‫ولدی السراج الطوسی ‪( :‬أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة بتشعشعها ‪ ،‬فيطمئن ما في القلوب من‬
‫األنوار ‪ ،‬بسلطان نورها ‪ ،‬كالشمس الطالعة اذا طلعت ‪ ،‬يخفى على الناظر من سطوة نورها أنوار الكواكب ‪،‬‬
‫وهي في أماكنها "‬
‫قال الحسين بن منصور الحالج ا فى هذا المعنى ‪:‬‬
‫قـد تجلت طوالـع زاهرات ‪   ..… ‬يتشعشعن فى لوامع برق‬
‫خصني وإحدى بتوحيد صدق …‪ ...‬ما إليها من المسالك طرق‬

‫‪13‬‬
‫اللمع ‪ ،‬ص ‪ ۲۲‬و ‪. ۰‬‬
‫ولدی الکاشانی ‪ « :‬الطوالع ‪ :‬أول ما يبدو من تجليات األسماء اإللهية على باطن العبد ‪ ،‬فيحسن أخالقه‬
‫وصفاته بتنوير باطنه " ‪ .‬اصطالحات ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫وانظر ‪ :‬الرسالة القشيرية ‪ ،‬ص‪٤٤ - ٤٢‬‬
‫اللوامح غیر موجود فی المصادر الصوفیة ‪ ،‬و هی نحت الجیلی‬
‫كالسواطع ‪ ،‬وهى قريبة المعنى من اللوائح‬
‫واللوائح هى ‪ " :‬ما يلوح لألسرار الظاهرة لزيادة السمو واالنتقال من حال إلى حال أعلى من ذلك ‪" . .‬‬
‫اللمع ‪ ،‬ص ‪. ٤١٢‬‬
‫وعند الكاشاني ‪ « :‬اللوائح جمع الئحة ‪ ،‬وقد يطلق على ما يلوح للحس من عالم المثال ‪ ،‬كحال سارية ‪،‬‬
‫رحمه هللا ‪ ،‬لعمر ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬وهو من الکشف الصوري ‪ ۰‬وبالمعنى األول من الكشف المعنوي‬
‫الحاصل من الجناب األقدس " اصطالحات ‪ ،‬ص ‪73 ‬‬
‫والوارد ‪ :‬ما يرد على القلوب بعد البادي فیستغرقه والوارد له فعل ‪ ۰‬ولیس لبادی فعل ‪ :‬الن البوادی بداية‬
‫الواردات ‪ "..‬اللمع ‪ ،‬ص ‪.418‬‬

‫فیرتتق‪ ۰ $‬رتق الشی و رتقا ‪ :‬سده او الحمه او اصلحه ‪.‬‬


‫الشىء رتقا ‪ :‬انسد والتام ‪ .‬أنظر المعجم الوسيط ‪ ،‬مادة رضى ‪،‬‬
‫والمعني الثاني هو المقصود ‪ :‬ای التبس عليه األمر ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫المنظر الرابع منظر الشهود‬
‫يشهدك هللا تعالى ‪ ،‬فى هذا المنظر ‪ ،‬ظهوره فى سائر مخلوقاته ‪ .‬وهذا المنظر أول المناظر الحقيقية ‪ ،‬التي‬
‫ليس فيها التباس ‪ ،‬وال تخييل ‪ ،‬وال تصور ‪ ،‬وال بطالن ‪.‬‬
‫بل يشهد الحق تعالی فی سائر موجوداته ‪.‬‬
‫وفی هذا المنظر ثالث غرف ‪ ،‬بین کل غرفة من المدارج والمعارج ما ال يحصى ‪:‬‬
‫الغرفة األولى ‪:‬‬
‫شهوده تعالی فی کل شیء ‪ ،‬بعد وقوع نظره في ذلك الشيء ‪.‬‬
‫الغرفة الثانية ‪:‬‬
‫شهوده تعالى في کل شیء ‪ ،‬عند وقوع النظر على ذلك الشيء من غير مهلة ‪.‬‬
‫الغرفة الثالثة ‪:‬‬
‫شهوده تعالى قبل وقوع النظر على ما تشهده فیه ‪۰‬‬
‫وليعلم أن هذا الشهود من غير حلول ‪ ،‬وال ممازجة ‪ ،‬وال مماسة ‪ ،‬وال نوع من أنواع التجسيم والتشبيه‪، $‬‬
‫وال شيء من ذلك ‪.‬‬
‫بل يتجلى کما شاء ‪ ،‬على ما هو علیه من التنزيه و الکمال والتعالي ‪ ،‬فیما شاء من الظاھر ۔‬
‫تلك سنة هللا ‪ ،‬التي قد خلت في عباده من أوليائه ‪ :‬یتجلی علیهم ‪ ،‬فیما یشاء ‪ ،‬کما یشاء ‪.‬‬
‫أال ترى إلى تجلية ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬لموسى في النار المخلوق ٔه ‪ ،‬التي رآها الى جانب الشجرة ‪ ،‬فسمع لندائه‬
‫أنه ‪( :‬أنا هللا ال إله إال أنا) ‪ ،‬قلم ینکر تجلية في النار ‪ ،‬بل آمن وصدق ‪۰‬‬
‫وقد ذکرنا بعضا من األحوال الموسوية فى كتابنا المسمى بـ (المملكة الربانية ‪ ،‬المودعة فى النشأة‬
‫اإلنسانية) ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو شهودك للخلق مع شهود الحق ‪ ،‬ألنك إنما تشهده في مظاهره الخلقية ‪ ‬فالبد من شهود الظاهر متميزا وال‬
‫وجود لشيء سواه ‪۰‬‬
‫ومن هذا المنظر ‪ ،‬ينتقل إلى منظر الوجود ‪ ،‬ترتيبا‪ .‬الهيا ‪ ،‬فيما یتعرف به الی اولیائه‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المنظر الخامس منظر الوجود‬
‫يتجلى الحق تعالى فى هذا المنظر بأعيان المظاهر ‪.‬‬
‫فيكون عين الظاهر ‪ ،‬وعين المظهر ‪ ،‬وهذا أول مجالى الصفة الواحدية ‪،‬‬
‫ال يشهد صاحب هذا المنظر ‪ ،‬الشىء في العالم وجودا البتة ‪.‬‬
‫فال يبقى للحادثات عنده أثر ‪.‬‬
‫وهذا المنظر ‪ ،‬ال تعمل للعبد فيه ‪ ،‬بل بمحض الجذبات اإللهية ‪.‬‬
‫ومن ثم قال الجنيد ‪ ،‬رحمه هللا تعالى ‪ " :‬المحدث إذا قورن بالقديم لم يبق له آثار " ‪ .‬فأتى بصيغة " قورن "‬
‫ليصرف فعل المقارنة الی هللا تعالی ‪.‬‬
‫تنبيها إلى أن ذلك راجع إلى الجذبات اإللهية ‪.‬‬
‫فمتى كان للعبد فيه تعمل ‪ ،‬فليس هو فى هذا المشهد ‪.‬‬
‫وفی هذا المنظر ينفتح على الداخل فیه ‪ ،‬علوم تنوعات التجلي ‪۰‬‬
‫ویکشف له عن العالم کله ‪ ،‬تجلي فی تجلي ‪ ،‬لیسی شیء غیر ذلك ‪ ،‬ویکون عنده من العلوم‪ :‬علم التحول‬
‫فى الصور ‪ ،‬وعلم توحيد الوجود ‪ ،‬وعلم المقادير ‪.‬‬
‫فال يرى على أحد مما يصدر منه ‪،‬ويطلع في هذا المنظر على السر الذي عبدت به المخلوقات من دون هللا‪۰‬‬
‫فال يخطىء رای احد فی ‪ ،‬بل یتصویب عنده جميع أعمال الثقلين من االنس والجن اجمعين ‪۰‬‬
‫وفی هذا المشهد‪ ،‬يطلع على السر االلهى‪ ،‬الذى یکون شافعا ‪ ،‬لمن شاء هللا تعالى ‪ ،‬من عبدة األوثان ‪،‬‬
‫والمشركين ‪ ،‬وغيرهم من أهل النحل والملل الماضية ‪ -‬فيحصلون فى حقيقة اإليمان ‪ ،‬قبل الموت ‪ ،‬أو يعده ‪،‬‬
‫و يحشرون فى زمرة الموحدين ‪ ،‬وهو‬
‫طوا ِمنْ َرحْ َم ِة هَّللا ِ إِنَّ هَّللا َ َي ْغ ِف ُر ُّ‬
‫الذ ُن َ‬
‫وب َجمِيعًا‬ ‫ِين أَسْ َرفُوا َع َلى أ ْنفُسِ ِه ْم اَل َت ْق َن ُ‬
‫َ‬ ‫ِي الَّذ َ‬
‫سر قوله تعالی ‪ ":‬قُ ْل يَاعِ َباد َ‬
‫إِ َّن ُه ه َُو ْال َغفُو ُر الرَّ حِي ُم (‪  ")53‬سورة الزمر‬
‫‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫تلك البقية التي بها يشهد الظاهر والمظهر ‪ ،‬فنفسه ‪ ،‬فى هذا المنظر ‪ ،‬باقية على األنانية ‪ ،‬وهو ال يشعر ‪.‬‬
‫ومن هذا المنظر ينتقل إلى تجلى األفعال ‪ ،‬فيذهب عن أنانيته ادعاء الفعل ال غير ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المنظر السادس منظر تجلى األفعال‬
‫اعلم أن هذا المنظر ‪ ،‬هو والمنظر الذي بعده ‪ ،‬تفصيل إلجمال ‪ ،‬و تكمیل ذوق المنظر الوجودی ‪ ،‬السابق‬
‫ذکره ‪۰‬‬
‫فهذه المناظر الثالثة ‪ ،‬هي كالمدارج فى المنظر الوجودي ‪ ،‬فال يكمل المنظر الوجودي إال بقطع هذه المناظر‬
‫الثالثة ‪ ، ‬فهي من عين المنظر الوجودی ‪۰‬‬
‫فأما تجلی األفعال ‪:‬‬
‫فإن الحق تعالى ‪ ،‬إذا کشف عن بصر بصيرة العبد ‪ ،‬فبصره بتجلي الواحدية في العالم ‪ ،‬فإنه أول ما يقع‬
‫عنده من تفصيل ذلك اإلجمال ‪ :‬إرجاع أفعاله إلى الحق تعالى ‪ ،‬فینسیها إليه سبحانه ‪ ،‬یعین ما کان ينسبها‬
‫إلى نفسه ‪۰‬‬
‫وفى هذا المشهد ة يسلب فعل العبد ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬وقدرته ‪ ،‬وإرادته ‪ ،‬فال يبقى له فعل ‪ ،‬وال قوة ‪ ،‬وال قدرة ‪ ،‬وال‬
‫إرادة ‪ ،‬بل هو كسائر الجمادات –‬
‫فهو في هذا المنظر ال فعل له البتة ‪ :‬فلو تكلم ‪ ،‬وسألته عن كالمه ‪ ،‬لقال ‪ :‬لم أتكلم فى هذا المشهد !‬
‫وقد يفوت ‪ ،‬ما يفوت من الفرائض ‪ ،‬وغيرها على من لم يحفظها هللا تعالى عليه ‪ ،‬من أوليائه ‪.‬‬
‫وقد يصدر ما يصدر عليه من شان العاصي ‪ ،‬فيقال ‪ :‬عصى ‪ ،‬و ترك ما وجب علیه من الفرائض ‪ ،‬وهو‬
‫بريء من ذلك ‪ ،‬مسلوب القوة ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬والفعل واإلرادة ‪ ،‬تقليه يد األقدار ‪ ،‬کیف شاء هللا تعالى ‪ ،‬يمينا‬
‫وشماال‪.‬‬
‫ِين‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫"و َتحْ َس ُب ُه ْم أ ْي َقاظا َو ُه ْم ُرقُو ٌد َو ُن َقل ُب ُه ْم ذ َ‬
‫ات ال َيم ِ‬ ‫وإلى مثل هذا أشار تعالى ‪ ،‬في قوله ‪ ،‬عن أهل الكهف ‪َ :‬‬
‫ال " ‪ 25‬سورة الكهف‬ ‫َو َذ َ‬
‫ات ال ِّش َم ِ‬
‫و فی هذا المنظر يفتح هللا تعالی علی النازل فیه ‪ :‬علم األقدار ‪ ،‬فیکشف له عن جریان القدرة في األشياء ‪،‬‬
‫ويشهد جريانها في أفعال الموجودات ‪.‬‬
‫ويكشف له عن اللوح المحفوظ ‪ ،‬فيشاهد ما يريده هللا تعالى منه ‪ ،‬قبل وقوع الفعل علیه و علی غیره ‪ ،‬بمثابة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫فيشهد هذا المحل من اللوح المحفوظ ‪ ،‬فيطلع على سر القدر ‪ :‬فيشهد بال شهود ‪ ،‬ينسب إليه ‪.‬‬
‫ويعلم بال علم‪ ،‬ويرى بال رؤية ‪ ،‬ويفعل بال فعل ‪ ،‬يضاف إليه ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫شغله بالقدر عن القادر تعالى‪ ،‬فهو مع الفعال بواسطة الفعل‪ ،‬وهذه الواسطة حجاب‪.‬‬
‫ومن هذا المحل ينتقل إلى منظر تجلي الصفات ‪ ،‬إذا أشرف على اآلفة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المنظر السابع منظر تجلي الصفات‬
‫في هذا التجلي تشهد صفات الحق تعالى‪ ،‬النفسية ‪۰‬‬
‫فكلما ظهرت لك صفة من صفاته النفسية‪ ،‬فنيت صفة من صفاتك‪ ،‬إلى أن تفنى جميع صفاتك النفسیة‪.‬‬
‫فإذا فنی وصفك‪ ،‬شهدت وصفه‪.‬‬
‫فتعلم حينئذ‪ ،‬أن حياتك ‪ ،‬و علمك ‪ ،‬و إرادتك ‪ ،‬وقدرتك ‪ ،‬وسمعك ‪ ،‬وبصرك ‪ ،‬وكالمك ‪ ،‬جميع ذلك ‪،‬‬
‫منسوب إليه ‪.‬‬
‫على حد ما كان منسوبا اليك‪.‬‬
‫فتكون‪ ‬بال صفة لك‪ ،‬بل تكون صفاتك‪ ،‬صفات هللا ‪.‬‬
‫فتحقق أن ال حياة لك‪ ،‬بل الحياة حياته ‪.‬‬
‫وأن ال علم لك‪ ،‬بل العلم علمه‪.‬‬
‫وأن ال إرادة لك‪ ،‬بل اإلرادة إرادته‪.‬‬
‫وأن ال‪ ‬قدرة لك ‪ ،‬بل القدرة قدرته ‪.‬‬
‫وأن ال سمع لك ‪ ،‬بل السمع سمعه ‪.‬‬
‫وأن ال بصر لك ‪ ،‬بل البصر بصره ‪.‬‬
‫وأن ال كالم لك ‪ ،‬بل الكالم كالمه ‪.‬‬
‫وفی هذا المنظر ‪:‬‬
‫یجیب هللا من دعاك بهذه الصفات ‪،‬‬
‫فال تشهد وقوعها اال علیه‪.‬‬
‫فأنت بريء من شهود دعوى صفاتك ‪ ‬لشهودك أنها هلل ‪ ‬تعالى ‪ ،‬کشفا وعيانا ‪۰‬‬
‫یفتح هللا ‪ ‬علیك فی هذا المجلی بمعرفة الوجود الساري ‪،‬ويكون عندك هذا العلم من علوم التوحيد ‪ ،‬وباهلل‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هي تلك البقية التي نسبت بها الصفات النفسية إلیك ‪ ،‬وهذا حجاب ‪ ،‬لکون تلك البقية ‪ ،‬باقیة فیك ‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫القول في تجلي الصفات صفة ‪ ،‬صفة ‪ ،‬في كتابنا الموسوم بـ ( اإلنسان الکامل ) ‪.‬‬
‫و ذکرنا کیفیة ذلك في کتابنا المرسوم بـ ( قطب العجائب ‪ ،‬وفلك الغرائب ) فإن أردت تحقيق ذلك ‪ ،‬فطالع‬
‫في أيهما شئت ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المنظر الثامن منظر اترك نفسك وتعالى‬
‫ترك النفس ‪ :‬انما هو بجحود اآلنية وإثبات الهوية اإللهية عوض انيتك ‪.‬‬
‫فتكون أنت ال أنت ‪ ،‬بل أنت هو ‪ ،‬بل ما أنت هو ‪ ،‬ألنه هو هو ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬تضاف أسماء الحق تعالى إليك ‪ ،‬فنجيب الداعين بها ‪.‬‬
‫فإذا قال قائل يا هللا ! أجبته أنت‪.‬‬
‫لبيك وسعديك ا وما أنت المجيب ‪ ،‬بل هللا الذى أجاب من دعاه ‪".‬علي لسانك وقلبك"‬
‫لطيفة الهية ‪ ،‬ال يعرفها اال الواقع فيها ‪ ،‬ذوقا وجوديا ‪ ،‬وكشفا حقيقيا ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬تتنزل عليك األسماء اإللهية ‪ ،‬إسما فإسما ‪.‬‬
‫والصفات الرحمانية ‪ ،‬صفة صفة ‪.‬‬
‫وأنت تقبل منها يقدر ما يقتضيه حالك من قوة القابلية ‪ ،‬وتحقيق الكشف ‪.‬‬
‫فيكون عندك من العلوم اللدنية ‪ :‬علم الحضرة النفسية ‪ ،‬وما يتعلق بها من الشئون ‪ ،‬والمقتضيات ‪،‬‬
‫واالضافات ‪ ،‬والنسب ‪ ،‬والظهور ‪ ،‬والبطون ‪ ،‬واألولية ‪ ،‬واآلخرية إلى غير ذلك ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو احتجابك بأنوار األسماء والصفات ‪ ،‬في االتصاف بها ‪ ،‬عن حضراتها ‪ ،‬و مخاطباتها ‪ ،‬بعضها لبعض‪.‬‬
‫بما فی مطاوی حقائقها ‪ ،‬مما هو هلل تعالی ‪۰‬‬
‫وهذا حجاب ‪ ،‬فاذا خرقته انتقلت الى محاضرات األسماء والصفات ‪ ،‬وسمعت مخاطبات بعضها مع بعض ‪،‬‬
‫علی حساب ما فی قوة قابليتك ‪۰‬‬
‫وهللا المعین ‪ ،‬ال رب غیره‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المنظر التاسع منظر محاضرات األسماء والصفات ومخاطبات بعضها لبعض‬
‫وفى هذا المشهد ‪:‬‬
‫يخاطبك كل اسم وصفة ‪ ،‬بما يقتضيه من حقائق الجمال والجالل والكمال ‪.‬‬
‫وتسمع مخاطبات بعضها لبعض ‪ ،‬وتتنزل عليك المعانى االلهية ‪ ،‬أطوارا بعد أطوار ‪ ،‬وأدوارا بعد أدوار ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫يفتح عليك بأسرار الهية ‪ ،‬ال يسع شرحها ‪ ،‬من علوم األحدية والواحدية ‪ ،‬ومن علوم األلوهية والرحمانية و‬
‫خصائص االسماء ‪۰‬‬
‫و تشرفه من هذا المحل علی حقاتق الراتب الكمالية ‪:‬‬
‫فال تمر باسم صفة ‪ ،‬وال نعت وصف ‪ ،‬وال صفة فعل ‪ ،‬وال أسم ذاته ـ اال يناجيك بحقيقة ما فيه من‬
‫الكماالت االلهية ‪.‬‬
‫وكلما ناجتك حقيقة بما فيها ‪ ،‬انطبع فيك ما بلغته اليك من تلك األمور الكمالية ‪ ،‬المودعة فيها ‪ ،‬على قدر‬
‫قابليتك‪.‬‬
‫فتعلم حينئذ حقيقة أنهم لم يحملوا تلك المعاني الكمالية ألنفسهم ‪ ،‬بل حملوها لذاتك‪.‬‬
‫و لهذا الشهد طرفان ‪ :‬أدنی ‪ ،‬و أعلی ‪۰‬‬
‫فمن کان فی طرفه األدنى = فانه يجد ما يجد ‪ ،‬من حضرات األسماء ‪ ،‬متعلقة بالذات االلهية ‪ ،‬ويسمع ما‬
‫يسمع ‪ ،‬من مخاطبات الصفات ‪ ،‬بما تقتضيه حقائقها ‪ ،‬من حيث ما هي صفات الحق مطلقا ‪.‬‬
‫ومن کان فی طرفه االعلی ‪:‬‬
‫‪ ۰‬فانه یجد جمیع تلك ‪ ،‬األسماع والصفات ‪ ،‬من حيث أنها أسماؤه وصفاته ‪ ،‬لما تقتضيه حقیقته ‪ ،‬تبارك‬
‫وتعالی ‪.‬‬
‫فهی له یتصرف فی مقتضیاتها ‪ ،‬بلذة علم أحوال تلك المخاطبات والمسامرات ‪ ،‬لذة المالك فيما يملك ‪،‬‬
‫والمتصرفـ فيما يتصرف ‪..‬‬
‫فان كمل ‪ ،‬والفناه هذا المشهد ‪ ،‬عن سائر البقايا الذاتية البشرية ‪ ،‬وتطهر عن نقائص وجوده ‪ ،‬فانه يرتقى من‬
‫هذا المشهد الی الفناء الذاتی ‪ ،‬المعبر عنه بالسحق ثم المحق ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجابه ‪ .‬بمحاضرات األسماء والصفات ‪ ،‬عن اعطاء حقائقها حقوقها ‪ ،‬كل اسم بما هو عليه ‪ ،‬وكل‬
‫صفة بما هى عنيها ‪،‬من معانی الجالل والجمال‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في ( اصطالحات الصوفية ) للكاشانى ‪:‬‬
‫والسحق هو ذهاب تركيب العبد تحت القهر عند عظمة سلطان الحقيقة ‪.‬‬
‫والمحق ‪ :‬هو فناء وجود العبد في ذات الحق‬
‫والمحق يعرفه بأنه ‪ :‬فناؤك في عينه ‪ ،‬أى في عين الحق ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المنظر العاشر منظر الفناء الذاتی‬
‫تضمحل فى هذا المنظر ذاتك ‪ ،‬وتفنى عن صفاتك ‪ ،‬وعنك ‪ ،‬وعن كل ما ينسب اليك من النعوت ‪ ،‬واألفعال‬
‫واآلثار ‪.‬‬
‫فيتالشى وجودك ‪ ،‬وينعدم تركيبك ‪ ،‬فال تشاهد لك جسما ‪ ،‬وال روحا ‪ ،‬وال قلبا ‪ ،‬وال سرا ‪ ،‬وال صورة ‪ ،‬وال‬
‫معنى ‪.‬‬
‫بل يتجلى الحق عليك فى جميع ذاتك ‪ ،‬فتنعدم تحت تجليه من جميع جهاتك ‪.‬‬
‫فال يبقى لك علم ‪ ،‬وال عين ‪ ،‬وال عمل ‪ ،‬وال حق ‪ ،‬وال حقيقة ‪.‬‬
‫قد أخذك عنك ‪ ،‬له ‪ ،‬فال شیء منك بجهة من الجهات باق ‪.‬‬
‫و تلی علیك فی هذا المنظر ‪:‬‬
‫" کل شیء هالك اال وجهه له الحکم " وهـذا هو السحق ‪ ،‬وهللا الموفق ‪.‬‬
‫آفة ‪ ‬هذا المنظر ‪:‬‬
‫بقیة شعور تبقی فیك ‪ ،‬تدرك به ‪ ،‬انك فاني‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ ‬المنظر الحادی عشر منظر الفناء عن الفناء‬
‫فی هذا المشهد یتحقق فیك حکم المحق‪ ،‬والطمس ‪ ،‬والمحو ‪ ،‬واالنعدام ‪.‬‬
‫فتفنى أوال عن ذاتك ‪ ،‬وجميع ما ينسب اليها ‪.‬‬
‫ثم تفنى عن الفناء ‪ ،‬فيأخذك أمر ضروري ‪ ،‬الى ذات واجب الوجود ‪.‬‬
‫فيكون مشهدك في هللا ‪ ،‬مشهده فيه ‪.‬‬
‫وأنت كما قال تعالى ‪" :‬هل أتى على االنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا"‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو هذا الحجاب ‪ ،‬الذى سلط عليك ‪ ،‬من شهودك فنائك ‪ ،‬وانت موجودك ‪.‬‬
‫فشهود الموجود ‪ ،‬فانیا ‪ ،‬منعدما ‪ ،‬هو حجاب ‪.‬‬
‫لکنك ‪ ،‬اذا أخذ هللا بیدك ‪ ،‬فی هذا الشهد ‪ ،‬ورفاك ‪ ،‬من بين يديه الى عنده ‪ ،‬أبقيت ببقائه ‪.‬‬
‫………………‪..‬‬
‫المحو والطمس والمحق واالنعدام ‪.‬‬
‫ويعرف الكمشخانوى الطمس ‪:‬‬
‫بأنه هو ذهاب رسوم السيار بالكلية في صفات نور االنوار ‪.‬‬
‫‪ ۰‬ویعرفه الکاشانی بانه ‪:‬‬
‫ذهاب ظلمه السیار فی تجلى نور األنوار ‪ ،‬بحيث لم ييق المنور من ظلمته رسما ‪ ،‬وال اثرا …‪".‬‬
‫يعرف الكمشخانوى المحو بأنه ‪ :‬فناء الكثرة في الوحدة ‪ .‬وهذا هو محو الجمع والمحو الحقيقي ‪.‬‬
‫أما محو أرباب الظاهر فهو رفع أوصاف العادات والخصال الذميمة ‪.‬‬
‫أما محو أرباب السرائر فهو ‪ :‬ازالة العلل و اآلفات ‪۰‬‬
‫و یذکر الکاشانی ان ‪ :‬الطمس فوق المحو ‪ ،‬ألن المحو ‪ :‬رفع أوصاف العادة ‪.‬‬
‫والطمس ‪ :‬رفع جميع األوصاف ‪.‬‬
‫وفوقه المحق ‪ :‬الذى هو رفع الذات ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المنظر الثانى عشر منظر البقاء‬
‫يبقيك الحق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بنوره الذاتي ‪ ،‬فيرد عليك وجودك ‪.‬‬
‫كما كان أو ‪ :‬فتشهد سمعك ‪ ،‬وبصدرك ‪ ،‬وعلمك ‪ ،‬وقدرتك ‪ ،‬وقوتك ‪ ،‬وحياتك ‪ ،‬وكالمك ‪ ،‬وفعلك ‪ ،‬وحالك‬
‫‪ ،‬كلها منسوبة اليك ‪.‬‬
‫وتعلم حقيقة ‪ :‬أن حياة هللا ‪ ،‬وعلمه ‪ ،‬وسمعه ‪ ،‬ويصره ‪ ،‬وارادته‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وكالمه ‪ ‬غير علمك ‪ ،‬وحياتك‪،‬‬
‫وقدرتك‪ ،‬وأمثال ذلك ‪.‬‬
‫وتتميز صفات هللا‪ ،‬تعالى‪ ،‬عن صفاتك‪.‬‬
‫فتلحق الكماالت به ‪ ،‬وتلحق بك ‪ ،‬ما هو منسوب اليك ‪ ،‬من الكمال والنقص‪.‬‬
‫فتشهد الحق حقا ‪ ،‬وتتبعه ‪ .‬وتشهد الباطل باطال ‪ ،‬وتجتنبه‪.‬‬
‫یعنی ‪ :‬تشهد مخلوقيتك ‪ ،‬ونفسك و ذاتك ‪ ،‬فتجتنبها ‪.‬‬
‫ولهذا قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬أصدق كلمة قالتها العرب شعرا ‪:‬‬
‫اال کل شيء ما مخاال هللا باطل ‪.‬‬
‫ثم علمنا فی قوله ‪ ":‬اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطال ‪ ،‬وارزقنا اجتنابه "‪.‬‬
‫واتباع الحق ‪ ،‬فى هذا المشاهد ‪:‬‬
‫أن تنسب اليه ما يستحقه من الكماالت‪ ،‬وتنزهه عما ال‪ ‬یلیق بکبریائه تعالی‪.‬‬
‫ومن هذا المشهد ‪ :‬يكون بداية أهل حق اليقين ‪ ،‬في اعطائهم الحق حقه ‪۰‬‬
‫و من هو دون هذا الشهد ‪ ،‬فلیس هو من أهل حق اليقين ‪ ،‬بل هو من أهل عن اليقين ‪ ،‬او علم الیقین ‪.‬‬
‫وسیأتی بیان هذه الثالث المراتب ‪ ،‬فيما بعد ‪ ،‬ان شاء هللا تعالى‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫اشتغالك بذات هللا ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬عن صفاته‪.‬‬
‫فأنت اذا محجوب به عنه ‪.‬‬
‫و من هذا الشهد ‪ ،‬ترتقى إلی التلوين ‪.‬‬

‫………………‬
‫وكل نعيم ال محالة زائل ‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبى سلمة‪ ،‬عن ابی هریرة رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ‪:‬‬
‫اال كل شيء ما خال هللا باطل ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المنظر الثالث عشر منظر التلوين‬
‫هو مشهد ذاتی ‪ ،‬تتلون فیه ‪ ،‬بمعانی االسماء و الصفات ‪۰‬‬
‫فيغلب عليك فى كل زمان حكم صفة ‪ ،‬فتكون فى لون غير ما كنت علیه قبل ‪۰‬‬
‫وفى هذا المشهد ‪ :‬تجد من اللذة االلهية ‪ ،‬ما يسرى في جميع اجزائك ‪ ،‬الى أن تكاد أن تخرج روحك من‬
‫عالم التركيب ‪ ،‬الى عالم االرواح ‪ ،‬لشدة اللذة المنطبعة فيك ‪ .‬تجدها ‪ ،‬حكم الضرورة ‪ ،‬محسوسة‪ ،‬كما تجـد‬
‫لذة المحسوسسات ‪.‬‬
‫وقد أخذت هذه اللذة فقيرا عن محسوساته‪.‬‬
‫حتى غاب عن الكون ‪ ،‬وما فيه ‪ ،‬فلما رجع الی نفسه ‪ ،‬وجده قد أمنى ‪ ،‬لما سرت فيه اللذة الروحانية ‪.‬‬
‫فعملت الروح والقلب ‪ ،‬ثم أفاضت على بشرة جسده ‪ ،‬فأعطاه الجسد حكم بشریته ‪،‬فكان ما کان‪۰‬‬
‫وقد أنكر هذا الحال ‪ ،‬بعض المشايخ المتقدمين ‪ ،‬من علماء الصوفية ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ذلك للبقايا التي فيه من‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫وأين البشرية منه ‪ ،‬فى هذا المقام ؟!‬
‫بل انما هو بحكم البشرية في هيكله الجسماني ال لبقاياها في نفسه المطهرة ‪ ،‬فاعلم‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪-:‬‬
‫هو انقهارك تحت حكم مقتضيات الحال ‪ ،‬بحسب الصفة المتجلي فیك ظهورها ‪ ،‬ولیس هذا شأن الکمال‬
‫االلهي ‪۰‬‬

‫‪24‬‬
‫المنظر الرابع عشر منظر التمكين‬
‫فى هذا المشهد ‪ :‬يتجلى الحق تعالى للعبد ‪ ،‬بذاته ‪ ،‬من حضراته‪.‬‬
‫فیتصف حينئذ بأسمائه وصفاته ‪۰‬‬
‫فیمكنه بنصب الحضرة اإللهية بين يدى العبد ‪ ،‬فيأخذ منها ما شاء ‪ ،‬ويترك ما شاء ويظهر أثر ما شاء ‪،‬‬
‫متى شاء‪.‬‬
‫وعند الدخول فى هـــذا المشهد ‪ ،‬يسمع العبد "صلصلة الجرس" ‪. ‬‬
‫وعند التوسط فيه ‪ ،‬يرى الرفرف ‪ ،‬والنعلين ‪ ،‬والتاج ‪ ،‬والسرير ‪ ،‬و المتجلي في ذلك ‪ ،‬على الصورة‬
‫المذكورة في الحديث النبوي‪۰‬‬
‫وهذا المنظر ‪:‬‬
‫أول مقامات الوصول ‪ ،‬عند الكمل ‪.‬‬
‫وعلى الحقيقة ‪:‬‬
‫فما‪ .‬ثم مقام ينتهى إليه الواصل ‪ ،‬بحيث االستقرار ‪ ،‬ألن هللا تعالى ‪ ،‬ال نهاية له ‪ .‬فكذلك الذاهب بمعارفه‬
‫اإللهية ‪ ،‬ال نهاية لمقاماته ‪.‬‬
‫وليس فوق هذا المقام ‪ ،‬المسمى بالتمكين ‪ ،‬مقام اال ‪ :‬القربة ‪ ،‬فالخلة ‪ ،‬فمقام الحب ‪ ،‬فالعبودية المحضة ‪،‬‬
‫وبين كل مقامين ‪ ،‬من هذه المقامات ‪ ،‬من المناظرة ما ال نهاية له ‪.‬‬
‫وفيها يتفاوت الكمل ‪ :‬کل أحد ‪ ،‬علی قدر قوة علمه ‪ ،‬و وفور عزمه ‪ ،‬وعلو همته ‪ ،‬وحسن قابليته ‪،‬‬
‫وصدق نفوذه فى ذهابه ‪ ،‬وظهور أثر باطنه علی ظاهر اهابه ‪ ،‬فاعلم ‪.‬‬
‫نزلنا علی حكم الترتيب ‪ ،‬إلى تفصيل ما أمرنا الحق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬بتوقيعه ‪ ،‬فى هذا الكتاب ‪ ،‬على حسب الوضع‬
‫الحقيقي االلهي ‪.‬‬
‫وهللا الموفق ‪ ،‬ال رب غيره ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪-:‬‬


‫هو أن العبد ال يدرك نهاية الصفات ‪ ،‬التى قد اتصف بها ‪ ،‬من صفات هللا تعالى ‪ ،‬ال كلها ‪ ،‬وال واحدة منها ‪.‬‬
‫وإن حصلت له االدراکات ‪ ،‬ففي الشأن اإللهي به علی طریقة االجمال ‪ ،‬مع شهود التفصيل في االجمال ‪،‬‬
‫حكما ‪ ،‬ال عينا ‪.‬‬
‫وهذا نقص‪ ،‬لألن الحق تعالى يدرك صفاته ‪ ،‬وما اقتضته كل صفة من اآلثار ‪ ،‬اجماال و تفصیال ‪ ،‬وجودیا و‬
‫عینیا‪ ،‬لیس عنده فی ذلك شائبة خفاء ‪ ،‬وال عجز ‪ .‬وهذا ال سبيل الى استيفائه ‪ ،‬ألحد من خلق هللا تعالى ‪،‬‬
‫ولکن الکمل متفاوتون فی ذلك‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫( ‪ ) 1‬عبارة " صلصلة الجرس" هي عبارة مشهورة في التراث اإلسالمي بصلتها بالوحي النبوي فقد سئل‬
‫الرسول صلى هللا علیه وسلم كيف يأتيك الوحى؟‬
‫فقال ‪ :‬أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي ‪ ،‬فيفصم عني ‪ ،‬وقد وعيت عنه ما قال ‪ ...‬الحديث‬
‫)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬صحيح البخاري ج ‪ 1‬باب کیف کان بدء الوحي ‪.‬‬
‫أما الجيلي فيعرف صلصلة الجرس هذه بأنها ( انكشاف الصفة القادرية عن ساق بطريق التجلي بها علی‬
‫ضرب من العظمة ‪ ،‬أی بروز الهيبة القادری ٔه ) ‪.‬‬
‫اما متى وكيف يحدث ذلك ؟‬
‫‪25‬‬
‫يجيب الجيلي بقوله ‪ " :‬وذلك أن العبد االلهي اذا أخذ يتحقق بالحقيقة القادرية برزت له في مباديها صلصلة‬
‫الجرس ‪ ،‬فيجد أمرا يقهره بطريق القوة العظموتية ‪ ،‬فيسمع لذلك أطيطا من تصادم الحقائق بعضها على‬
‫بعض ‪ ،‬كأنها صلصلة الجرس في الخارج "‪ .‬انظر ‪ :‬االنسان الکامل ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪. 107‬‬
‫وسيعرض الجيلي لهذا المصطلح بعد عند حديثه عن ( منظر الجالل ) ‪.‬‬
‫يقصد الجيلي بالرفرف األعلى ‪ " :‬المكانة االلهية من الموجودات ومن االمور الذاتية التى اقتضتها االلوهية‬
‫بنفسها" انظر ‪ :‬االنسان الكامل ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪. 3‬‬
‫أما النعالن ‪ " :‬فهما الوصفان المتضادان كالرحمة والنقمة والرضا والغضب وأمثال ذلك " ‪.‬‬
‫أنظر ‪ :‬االنسان الكامل ج ‪ ٢‬ص‪. 5‬‬
‫والسرير ‪ :‬هدى المرتبة الرحمانية التى هى في المكانة اإللهية ‪:‬االنسان الكامل ‪ ‬ج ‪ ٢‬ص ‪. 5‬‬

‫أما التاج "ا فهو عبارة عن عدم التناهى ‪ ،‬وهو المعبر عنه بصورة شاب في التحديث المشهور النبوى ‪:‬‬
‫"انه رأى ربه في صورة شاب أمرد على سرير من كذا وكذا وفى رجله كذا وكذا …‪ "..‬الحديث ‪.‬‬
‫ألن الصورة يلزمها التناهي ‪ ،‬وهو ال نهاية له ‪.‬‬
‫فذكر التاج الذى هو فوق الرأس اشارة الى ماهية الذات التي ال نهاية لها " ‪ .‬ج ‪ 2‬ص ‪   . 5-4‬‬

‫القربة ‪ ،‬فالخلة ‪ ،‬فمقام الحب ‪ ،‬فالعبودية المحضة ‪ ،‬وبين كل مقامين ‪ ،‬من هذه المقامات ‪ ،‬من المناظرة ما‬
‫ال نهاية له ‪.‬‬
‫وفيها يتفاوت الکمل ‪ :‬کل أحد ‪ ،‬علی قدر قوة علمه ‪ ،‬و وفور عزمه ‪ ،‬وعلو همته ‪ ،‬وحسن قابليته ‪،‬‬
‫وصدق نفوذه فى ذهابه ‪ ،‬وظهور أثر باطنه علی ظاهر اهابه ‪ ،‬فاعلم ‪.‬‬
‫نزلنا علی حکم الترتیب ‪ ،‬إلى تفصيل ما أمرنا الحق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬بتوقيعه ‪ ،‬فى هذا الكتاب ‪ ،‬على حسب‬
‫الوضع الحقيقى االلهى ‪.‬‬
‫وهللا الموفق ‪ ،‬ال رب غيره ‪.‬‬

‫يعرف الكمشخانوى القرب ‪ :‬بأنه عبارة عن الفناء بما سبق فى األزل من العهد الذي بين الحق والعبد فى‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬ألست بربكم ؟ قالوا بلی"‪.‬‬
‫وقد یخصں بمقام قاب قوسين " ‪ ،‬ص ‪ ٦٦‬وأنظر ‪ :‬اصطالحات الصوفية للكاشاني ص ‪. 148‬‬
‫أما الخلة ‪ :‬فيعرفها الكمشخانوى بأنها " تحقق العبد بصفات الحق بحيث يتخلله الحق وال يخلى منه ما يظهر‬
‫علیه شیء عن صفاته فیکون مرآة للحق "‪.‬‬
‫ص ‪ 59‬والنظر ‪ :‬اصطالحات الصوفية ‪.  161‬‬

‫(‪ )19‬والعبوده يعرف الكمشخانوى العبودية بأنها ‪ " :‬للخاصة الذين صححوا النسبة الى هللا والصدق اليه‬
‫في سلوك طريقه " ‪ .‬ص ‪64‬‬
‫قد وورد ذكر للحديث في وغيرها‬
‫األسماء والصفات للبيهقي (‪)364 /2‬‬
‫كشف الخفاء ط المقدسي (‪)436 /1‬‬
‫مشكل الحديث وبيانه (ص‪)362 :‬‬
‫األجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية (‪)320 /1‬‬
‫شرح كتاب نقد متون السنة للدميني ‪ -‬محمد حسن عبد الغفار‬
‫‪26‬‬
‫والحديث لم أعثر عليه ‪ .‬في كتب السنة‬
‫األسماء والصفات للبيهقي (‪)364 /2‬‬
‫عن األسود بن عامر بإسناده أن محمدا صلى هللا عليه وسلم رأى ربه في صورة شاب أمرد‪ ،‬دونه ستر من‬
‫لؤلؤ قدميه ـ أو قال‪ :‬رجليه ـ في خضرة‪[ .‬ص‪]365:‬‬
‫مشكل الحديث وبيانه (ص‪)362 :‬‬
‫فإن قال قائل فما تقولون فيما روى عكرمة عن ابن عباس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫رأيت ربي في صورة شاب أمرد عليه حلة حمراء‬
‫وفي بعض األخبار أن عبد هللا بن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله هل كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫رأى ربه‬
‫فأرسل إليه عبد هللا بن عباس فقال نعم قد رآه في صورته على كرسي من ذهب محتجب بفراش من ذهب في‬
‫صورة شاب رجل‬
‫وفي خبر آخر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى‬
‫كشف الخفاء ط المقدسي (‪)436 /1‬‬
‫وروى في صورة شاب أمرد‪ ،‬قال ابن صدقة عن أبي زرعة حديث ابن عباس ال ينكره إال معتزلي وروى‬
‫في بعضها بفؤاده والحديث إن حمل على رؤية المنام فال إشكال‪ ،‬وإن حمل على يقظة فأجاب عنه ابن الهمام‬
‫أن هذا حجاب الصورة‪،‬ـ قال القاري كأنه أراد بهذا التجلي الصوري‪ ،‬وهلل تعالى أنواع من التجليات بحسب‬
‫الذات والصفات لكنه تعالى منزه عن الجسم والصورةـ بحسب الذات‪ ،‬وأما ما قاله السبكي في الحديث فإن‬
‫أراد أن في سنده ما يدل على وضعه فمسلم وإال فباب التأويل واسع انتهى ملخصا‪.‬‬
‫األجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية (‪)320 /1‬‬
‫وعن ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه رأى ربه عز وجل شاب أمرد‪ ،‬جعد‪ ،‬قطط‪ ،‬في حلة‬
‫خضراء‪ .‬أخرجه الدارقطني أيضا‪ .‬وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" وقال‪ :‬إنه ال يثبت‪.‬‬
‫وعند الترمذي في جامعة وقال‪ :‬حسن غريب عن ابن عباس أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬رأيت ربي‬
‫عز وجل في أحسن صورة فقال لي‪ :‬يا محمد! قلت‪ :‬لبيك وسعديك قال‪ :‬فيما يختصم المأل األعلى" وذكر‬
‫الحديث‪ .‬قال البيهقي‪ :‬وري من أوجه كلها ضعيفة‪.‬‬
‫شرح كتاب نقد متون السنة للدميني ‪ -‬محمد حسن عبد الغفار (‪ ،9 /9‬بترقيم الشاملة آليا)‬
‫نقد حديث‪( :‬أن النبي رأى ربه في المنام في أحسن صورة شابا ً موقوراً)‬
‫أيضا ً من هذه األحاديث التي رويت عن النبي صلى هللا عليه وسلم ظلما ً وعدوانا ً وزوراً‪( :‬أن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم رأى ربه في المنام في أحسن صورة شابا ً موقوراً‪ ،‬رجاله في خضر‪ ،‬عليه نعالن من ذهب‪ ،‬في‬
‫وجهه فراش من ذهب)‪.‬‬
‫وهذا الحديث روي من وجه آخر‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬أتاني ربي في صورة شاب أمرد)‪،‬‬
‫وهذا الحديث قيل بأن شيخ‪ $‬اإلسالم ابن تيمية‪ $‬صححه‪ ،‬لكن لو راجعت لشيخ اإلسالم ابن تيمية في بعض‬
‫األقاويل فقد يتوهم اإلنسان بأنه صحح هذا الحديث‪.‬‬
‫لكن الصحيح الراجح أن هذا الحديث باطل ال أصل له‪.‬‬
‫وهو موضوع على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وكفى في ركاكة لفظه أنه شبه الخالق بالمخلوق‪ ،‬ونقول‪ :‬إن هللا جل وعال يأتي على صورة‪ ،‬وذلك لحديث‬
‫اآلخرة‪( :‬فيأتيهم على غير الصورة التي يعرفونها فيقول‪ :‬أنا ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ باهلل منك لست بربنا‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬بينكم وبينه عالمة؟ فيقولون‪ :‬نعم‪ ،‬فيأتيهم هللا على الصورةـ التي يعرفونها)‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فأوالً جاءهم على الصورةـ التي ال يعرفونها‪ ،‬ثم جاءهم في المرة الثانية على الصورة التي يعرفونها‪ ،‬فهذه‬
‫داللة على بطالن حديث‪( :‬أتاني ربي في صورة شاب أمرد)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المنظر الخامس عشر منظر المكالمة‬
‫كالم الحق تعالى ‪ ،‬يسمعه العبد ‪ ،‬بسمع هللا تعالى ‪ :‬فيكون مع الکالم بکلیة جسده ‪ ،‬وقلبه ‪ ،‬فتذهب کلیته فی‬
‫سماع الكالم‪.‬‬
‫وفی هذا المشهد ‪ :‬يقرب العبد ‪ ،‬فیؤتی به إلى حضرات االصطفاء ‪.:‬‬
‫فتارة يسمع الكالم من كل جهة فال يتقيد سماعه بجهة ‪ ،‬دون أخرى ‪.‬‬
‫وهذا النوع يسمى ( المكالمة ) ‪.‬‬
‫وتارة يسمع من جهة ‪ ،‬على لسان الخلق ‪ ،‬ويعلم أن هللا لضرورة كالم هللا تعالى ‪ ،‬كما في النار ‪ ،‬والشجرة‬
‫الموسوية ‪ -‬وهذا النوع يسمى ( المخاطبة ) ‪.‬‬
‫وتارة يسمع من جهة ‪ ،‬لكن ال على لسان الخلق ‪ ،‬بل يسمع كالم الحق ‪ ،‬من الحق ‪ ،‬بالحق ‪ .‬وهذه الجهة‬
‫غير مقيدة بالجهات الست المخلوقة ‪.‬‬
‫بل هي من جهة القدس األعلى ‪ ،‬المنزه عن الجهة المخلوقة ‪ ،‬تعالى شأن من هي له وهذا النوع يسمى‬
‫(المحادثة) ‪.‬‬
‫و تارة یسمع من قلبه کالما ‪ ،‬يعلم أن هللا هو المتكلم به ضرورة ‪ .‬وهذا النوع يسمى ( المسامرة ) ‪.‬‬
‫وسيأتي بيان هذه األنواع ‪ ،‬فيما بعد ‪ ،‬ان شاء هللا تعالى ‪.‬‬
‫وقد بينا أنواع المكلمين ‪ ،‬فى كتابنا الموسوم بــ ( االنسان الكامل ) ‪ ،‬وشرحنا كيفية أحوالهم في مناظرهم ‪.‬‬
‫فمن أراد معرفة ذلك ‪ ،‬فليطالع فیه ‪۰‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪:‬‬
‫غییت عنی ‪ ،‬فسمعت بکلیتی ‪ ،‬لکن باهلل تعالى ‪ ،‬وانا یومئذ مبتدء فی سلوك طریق القوم ‪۰‬‬
‫سمعت يافالن ! انت محبوبنا‪ ،‬و کل احببنا و طلبنا ‪۰‬‬
‫ولکن ‪ ،‬نحن أحببناك ‪ ،‬و طلبناك ‪.‬‬
‫فبعد أن رجعت إلى محسوساتي ‪ ،‬أخذني هيمان لشدة ما بقى عندي من حال األثر تلك اللذة ‪ ،‬فقعدت عن‬
‫الطعام والشراب ‪ ،‬ما شاء هللا ‪.‬‬
‫وكنت احيانا اذا طرأ ذلك على ‪ ،‬یحصل عندي ‪ ،‬بعد رجوعي الى الحس ‪ ،‬مثل ما کان یحصل علی فی‬
‫مغیبي‪.‬‬
‫و کنت اظنه من جنسه ‪ ،‬فلما كشف الغطاء ‪ ،‬تحققنا أن الحاصل عندنا ‪ ،‬بعد الرجوع إلى اإلحساس‪.‬‬
‫إنما هو من مخاطبات الروحانيين العلويين ‪ ،‬کان يشتبه علی ‪ ،‬لعدم التمییز ‪ ۰‬فالحذر ‪ ،‬الحذر ‪ ،‬من الوقوع‬
‫في مثل هذا التشبيه والبقاء عليه ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪-:‬‬


‫هو ان المكالمة ‪ ،‬وسائر ما تحتها ‪ ،‬من هذه في حالة واحدة ‪ -‬وسبب ذلك ‪:‬‬
‫أن المشـاهدة تقتضي الفناء واالنعدام ‪.‬‬
‫والمكالمة تقتضي الوجود والبقاء ‪.‬‬
‫ويبقى من الشخص ما يسمع به ‪ .‬فال تكون المكالمة اال من ظل وراء حجاب ‪.‬‬
‫قال هللا تعالى ‪ ( :‬وما كان لبشر أن يكلمه هللا أال وحيا أو من وراء حجاب )‪.‬‬
‫هللا المتكلم بها ‪ ،‬فان للمحل حكما في قبول الفيض على قدر قابليته ‪. ‬فافهم !‬

‫‪29‬‬
30
‫المنظر السادس عشر منظر المسامرة‬
‫هو أعلى المناظر ‪ ،‬في باب سماع ‪ ‬کالم ‪ -‬هللا تعالی ‪ ،‬ألن المسامرة عبارة عن ‪ :‬سماح كالم هللا ‪ ،‬تعالى ‪،‬‬
‫فى قلب العبد ‪ ،‬من غیر جهة ‪۰‬‬
‫وبقية األنواع ليست كذلك ‪ ،‬بل شىء على لسان المخلوقات ‪ ،‬وشىء على غيره ‪ ،‬من كل جهة ‪ ،‬كما سبق‬
‫بيانه في المنظر المتقدم ‪.‬‬
‫والقلب عرش هللا ‪ ،‬فسماع كالمه على عرشه ‪ ،‬أعلى ‪ ،‬وأشرف من سماع کالمه علی غیره من المشاهد‪.‬‬
‫وقد ورد أن هللا تعالى یقول ‪" :‬ال یسعني أرضي وال سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن "‪۰‬‬
‫و بالضرورة ال يرد على القلب من المكالمات ‪ ،‬اال بقدر قابليته ‪.‬‬
‫وفرق كبیر ‪ ،‬بين قابلية قلب المؤمن و بین قابلیة غیره من العوالم ‪۰‬‬
‫فالبد أن تكون العلوم الواردة ‪ ،‬بطريق المكالمة ‪ ،‬على القلب ‪ ،‬أشرف من سائر العلوم الواردة على السنة‬
‫المخلوقات ‪ ،‬ولو كان هللا المتكلم بها ‪.‬‬
‫فان للمحل حكما في قبول الفيض على قدر قابليته ‪. ‬فافهم !‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو الحجاب المتقدم ذكره ‪ ".‬للمحل حكما في قبول الفيض على قدر قابليته "‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(حديث) "ما وسعني سمائي وال أرضي‪ ،‬ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" ‪.‬‬
‫ذكره االمام ابو حامد الغزاليـ باالحياء ‪:‬‬
‫قال الحافظ ‪:‬لم نجده بهذا اللفظ‪ ،‬وهو بمعنى ما يروى‪ :‬قال هللا تعالى‪" :‬لم تسعني أرضي وال سمائي‬
‫ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع" قاله الحافظ العراقي في تخريجه لإلحياء"‪"15 /3‬لم أر له أصاًل ‪.‬‬
‫الشواهد على صحة معني الحديث السابق ‪:‬‬
‫ما رواه اإلمام أحمد بن حنبل عن وهب بن منبه‪.‬‬
‫فت عن أن تسعني‪ ،‬ووسعني قلب المؤمن"‬ ‫ض ُع ْ‬‫"إنَّ السموات واألرض َ‬
‫في هذا إشارة إلى أن المؤمن أفضل من السموات واألرض؛ ألن قلبه أوسع منهما‪ ،‬وفيه ما تقدم والخالف في‬
‫ذلك بين السلف‪ ،‬والخلف‪ .‬فعلى اإلنسان أن يؤمن بذلك‪ ،‬ويسلم‪.‬‬
‫‪ -1‬أخرج اإلمام أحمد في الزهد عن وهب بن منبه‪$:‬‬
‫"إن هللا فتح السماوات لحزقيل حتى نظر إلى العرش‪،‬‬
‫فقال حزقيل‪ :‬سبحانك ما أعظمك يا رب!‬
‫فقال هللا‪ :‬إن السماوات واألرض ضعفن عن أن يسعنني ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين"‪.‬‬
‫‪ - 2‬كتاب فيض القدير للمناوي(‪)496 /2‬‬
‫‪ "- 3926‬إن هلل تعالى آنية من أهل األرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها"‬
‫آنيه = وعاء‬
‫حكم األلباني ‪(  :‬حسن) انظر حديث رقم‪ 2163 :‬في صحيح الجامع‬
‫‪ - 3‬سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (‪)263 /4‬‬
‫‪ " - 1691‬إن هلل آنية من أهل األرض‪ ،‬وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين‪ ،‬وأحبها إليه‬
‫ألينها وأرقها "‪.‬‬
‫أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ق ‪ - 1 / 40‬المنتقى منه) ‪ :‬حدثنا جعفر ابن محمد الفريابي قال‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن راهويه قال‪ :‬أنبأ بقية بن الوليد قال ‪ :‬حدثني محمد بن زياد عن أبي عنبة الخوالني يرفعه‬
‫إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬فذكره‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا إسناد قوي‪ ،‬رجاله كلهم ثقات أثبات غير بقية‪ ،‬وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء كما قال‬
‫الحافظ‪ ،‬وهو هنا قد صرح بالتحديث كما ترى‪ ،‬فأمنا‬
‫بذلك شر تدليسه‪ .‬ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج اإلحياء " (‪ " : )154 / 2‬رواه الطبراني وإسناده‬
‫جيد "‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫المنظر السابع عشر منظر المخاطبة‬
‫يسمع العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬مخاطبات الحق ‪ ،‬على ألسنة المخلوقات ‪ ،‬حكمة الهية ‪.‬‬
‫والعجب أن العبد قد يسمع كالم الحق تعالى ‪ ،‬على لسان متكلم ‪ ‬و المتكلم في تلك الحال ‪ ،‬متكلم بكالم غير ما‬
‫يسمعه المخاطب ‪.‬‬
‫وهذا ال يكون فى كل المخاطبات ‪ ،‬بل يتفق هذا على قدر ما يريده هللا تعالى في بعض مخاطباته ‪ ، ‬فيما‬
‫يتعرف به الى عبيده ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجابه بالكالم‪ ،‬عن الشهود‪ ،‬لما سبق بیانه ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫في المنظر الثامن عشر منظر المحادثة‬
‫هذا المنظر ال يمكر أحد كذا أن يستقيم فيه ‪ ،‬و عنده بقية من محسوساته ‪ ،‬بل يغيب العبد عن عالم األجسام‬
‫بالكلية ‪.‬‬
‫فيذهب به فی عوالم الملکوتـ ‪ ،‬کل علی قدر ما یخصه ‪ ،‬هللا تعالی ويصطفيه‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪ :‬يوضع ألهل المناظر منابر النور ‪ ،‬ويضرب عليها سرادق األنوار ‪ ،‬وترفع ‪ ‬ألهله‬
‫معارج األنوار ‪ -‬فيرتقون فيها ‪.‬‬
‫ويرزق فيها ‪ ،‬من يرزق ‪ ،‬أجنحة كالمالئكة ‪ ،‬فيطير في جوف الفلك الى أن يبلغ السماء األولى ‪ ،‬فالثانية ‪،‬‬
‫فالثالثة ‪۰‬‬
‫و اليزال يرقى إلى أن وصل سدرة المنتهى ‪:‬‬
‫‪ .‬فمنهم من ینادي بعلوم األكوان‪.‬‬
‫‪ .‬و منهم من ینادي بعلوم القدر‪.‬‬
‫‪ .‬ومنهم من ينادي بعلوم أهل اآلخرة ‪.‬‬
‫‪.‬و منهم من ینادي بعلوم التوحيد ‪۰‬‬
‫وهذا المنظر ليس فيه سؤال ‪ ،‬بل كله ابتداء الهى يفجأ العبد ‪ ،‬ال يكون فيه سؤال عن شيء البتة ‪.‬‬
‫والمناظر التي فيها السؤال ‪ ،‬هي المتقدم ذكرها ‪:‬‬
‫من منظر المكالمة ‪ ،‬والمسامرة والمخاطبة ‪.‬‬
‫وأما هذا المنظر فليس فيه سؤال من العبد ‪ ،‬بل كله ابتداء ‪.‬‬
‫فإذا رجع من هذا المنظر إلى محسوساته ‪ ،‬سأل ‪ ،‬فإذا علم هللا سؤاله ‪ ،‬وأراد أن يجيبه ‪ ،‬أخذه عن‬
‫محسوساته ‪ ،‬فابتدأه بجواب ذلك ‪ ،‬في ھذا المنظر ‪.‬‬
‫وشرط هذا المنظر ‪:‬‬
‫أن العبد ال يسمع من جهة مخصوصة البتة ‪ ،‬وال يدرى من أي جهة جاء الخطاب‪   .‬ألنه ال جهة له ‪ ،‬بل‬
‫يتحقق ‪ .‬بالضرورةـ أنه كالم هللا تعالى‬
‫آفة هذا المنظر ‪-:‬‬
‫هي تلك الغيبوبة ‪ ،‬وذلك الحجاب المتقدم ذكره ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المنظر التاسع عشر منظر المسايرة‬
‫يخرج الحق تعالى للعبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬درجا ‪ ،‬يقرأ فيه ما سطرته يدى القدرة للعبد فى األزل‪.‬‬
‫فيقرأ سابقته حرفا حرفا ‪ ،‬ويعلم مجمله وتفصيله ‪.‬‬
‫فان تحقق بذلك ‪ ،‬جيء إليه بنهر من الحوض الكوثر ‪ ،‬الذي هو حوض النبي ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫فيشرب منه شربة ‪ ،‬ال يظمأ بعدها ‪.‬‬
‫فاذا سكر بلذة ذلك الشراب الطهور ‪ ،‬أبرز الحق تعالى له أسمائه وصفاته ‪ ،‬فيجاريه ‪ ‬العبد في ذلك ‪.‬‬
‫فال يظهر الحق تعالى له صفة ‪ ،‬وال يجاريه العبد في ذلك ‪ ،‬حكمة الهية ! ألنه ال يطلعه ‪ ،‬في هـذا المنظر ‪.‬‬
‫اال على الصفات التي سایره العبد فیها ‪ ،‬ویکتم عنه ما يستأثر اتصافه تعالى ‪ ،‬اكراما للعبد في هذا المشهد ‪.‬‬
‫فيخرج العبد من هذا المنظر ‪ ،‬وقد ساير الحق تعالی ‪ ،‬فی جمیع ما علمه فیه ‪ ،‬من أسمائه و صفاته ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو وجودك في حضرة الحق تعالى ‪ ،‬وذلك حجاب ‪.‬‬
‫فقد قيل شعرا ‪:‬‬
‫وجودك ذنب ال یقاس به ذنب‬

‫‪35‬‬
‫المنظر العشرون منظر التعليم‬
‫يؤدب الحق تعالى عباده ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بأنواع األدب ‪ ،‬فيتعلمون فيه من الحق ‪ :‬كيفية ‪ .‬الدخول في‬
‫الحضارات ‪.‬‬
‫وكيفية الخروج عنها ‪ ،‬وكيفية الوقوف في كل حضره ‪ ،‬وكيفية العمل الالئق بكل مقام ‪ ،‬وكل حال ‪.‬‬
‫ويتعلمون فيه من الحق علوما تجل عن الكشف ‪ ،‬فال نرقع لها سترا ‪.‬‬
‫وفي هذه الحضرة ‪:‬‬
‫من التحف ما ال يخطر على قلب بشر ‪ ،‬وال حضرة نبي ‪ ،‬وال ملك ‪.‬‬
‫رأيت عباد هللا ‪ ،‬في هذا المنظر على أمكنة مختلفة ‪:‬‬
‫فمنهم من يذهب هللا تعالى به ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬عشر درجات‪.‬‬
‫ومنهم من يذهب به عشرين درجة ‪ ،‬وثالثين ‪ ،‬وأربعين ‪ ،‬و خمسین ‪ ،‬إلی ما ال نهایة له من الدرجات ‪.‬‬
‫وکلما ‪ ‬وصل درجة ‪ ،‬وجد فيها مفتاح خزانة من المعلوم االلهية ‪.‬‬
‫فإذا ترقى منها ‪ ،‬ترك ذلك المفتاح ‪ ،‬في تلك الدرجة ‪ ،‬لمن يصل بعده ‪ ،‬فيمر عليها وهكذا جميع درجات هذا‬
‫المنظر ‪،‬‬
‫سألت عن آخر هذه الدرجات ‪ ،‬فقيل إلى ‪ :‬ال حد آلخرها وال نهاية لغايتها ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬قد تبلغ هذه الدرجات الی الحق ؟‬
‫فقیل لی ‪ :‬نعم ! والی آسمائه ‪ ،‬وصفاته !‬
‫فقلت ‪ :‬هل تبلغ الى الرحمانية ؟‬
‫فقیل ‪ :‬نعم ! والی االلوهیة !‬
‫فقلت ‪ :‬هل تبلغ إلى الواحدية ؟‬
‫فقیل لی ‪ :‬نعم ! والی األحدیة !‬
‫فقلت فما بعد ذلك ‪ ،‬و األحدية تنحل فيها العلوم وتمحي فيها الرسوم ؟‬
‫فقیل لی ‪ :‬والی الذات ‪ ،‬وال نهایة للذات‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪-:‬‬
‫هو ذلك التعلم‪ ،‬وهو حجاب ‪ .‬ألن العالم ال يحتاج الى تعليم ‪.‬‬
‫واألديب ال يحتاج الى تأديب ‪.‬‬
‫و التعليم ‪ ‬والتأديب ‪ ،‬ال يكون اال عن حجاب ‪ ،‬ولو کان رقيقا ‪ ،‬فهو حجاب ‪۰‬‬

‫‪36‬‬
‫المنظر الحادي والعشرون منظر الوقوف‬
‫ال يوقف بين المقامين اال من يريد هللا تكميله ‪ .‬والوقفة بين المقامين ‪ ،‬دليل على قوة سير العارف ‪.‬‬
‫فان من ال وقفة له ‪ ،‬سکران بخمار المقام الذي خرج عنه ‪ ،‬وهو ال يدري ‪.‬‬
‫فيزعم أنه في السير ‪ ،‬للسكرة التي هو فيها ‪ ،‬فهو واقف من حيث ال يشعر ‪.‬‬
‫وهذا دليل على بطيه في الطريق ‪.‬‬
‫وسر الوقفة بين المقامين ‪:‬‬
‫هو أن يميز العارف بها ما قد مضى ‪ ،‬ويعرف بها أدب المقام ‪ ،‬الذي هو مقصد لدخوله ‪ ،‬فكل وأقف ادیب ‪.‬‬
‫وعلى الحقيقة ‪ ،‬ما للعارف وقفة ‪ ،‬ألنه دائم السير‪.‬‬
‫فيعلم علما في السكر‪ ،‬ثم يعلم علما في الصحو ‪.‬‬
‫وال يزال ينتقل من سكر إلى صحو ‪ ،‬ومن صحو الى سكر ‪.‬‬
‫فحينئذ ‪ ،‬تكون الوقفة عبارة عن ‪:‬‬
‫الوقوف بين يدي هللا تعالى ‪ ،‬في منظر من المناظر ‪ ،‬أما صحوا ‪ ،‬واما سكرا ‪ ،‬فافهم!‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو تعاقب السكر والصحو ‪ ،‬بحكم االنفراد ‪ ،‬وهذا نقص ‪.‬‬
‫وليس الرجل اال من كان ذا سكر في صحو ‪ ،‬وذا صحو في سكر ‪.‬‬
‫فال يتعاقبان عليه ‪ ،‬بل ال يفارقانه أبدا ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫المنظر الثاني والعشرون ‪ ‬منظر السير‬
‫السيارون في هللا ‪ :‬هم األفراد الواصلونـ إلى هللا تعالى ‪.‬‬
‫يجدون فيه لذة ذاتية ‪ ،‬تأخذهم ‪ ،‬بحكم الضرورة‪ ،‬إلى قطع افالك كل سماء صفة ذاتية ‪ ،‬أو اسمية ‪ ،‬او فعلية ‪.‬‬
‫فيستوفون منازل كل برج من ابراج مقتضیات تلك الصفة ‪ ،‬بالذوق الحالي ‪ ،‬ال باالتصاف الذوقي ‪.‬‬
‫وبينهما تفاوت ‪ ،‬ال يعلمه اال واجده ‪.‬‬
‫وهذا كالم ال يفهمه اال الغرباء ‪. .‬‬
‫واما السير ‪ ،‬فانه عبارة عن ‪:‬‬
‫تجاوز المقامات ‪ ،‬وقطعها ‪ ،‬بغیر مكث في شيء منها وبحكم العائق ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن السير ال يكون اال لمحدود محصور ‪ ،‬في طريق كان غائبا عنها ‪ ،‬وليس ذلك من شأن الكمال اإللهي ‪،‬‬
‫الذي يمنحه كامل عباده ‪.‬‬
‫والسيار في درجة النقص عن صاحب الشأن الكمالي ‪ ،‬بهذا االعتبار ‪ ،‬واعلم أن الفرق بين السيار والطيار ‪،‬‬
‫ال يكون إال في الذهاب الى هللا ‪ ،‬ال في الذهاب في هللا‪.‬‬
‫فالطيار في الذهاب إلى هللا ‪:‬‬
‫هو الذي يتجاوز المقامات ‪ ،‬ويقطع منازل المنازالت ‪ ،‬والتعرفات اإللهية ‪ ،‬من غير عائق ‪ ،‬وال مانع ‪.‬‬
‫والسيار في الذهاب إلى هللا تعالى ‪:‬‬
‫هو الذي يقطع مقامات الطريق ‪ ،‬التي هي كالزهد ‪ ،‬والتوكل ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪.‬‬
‫ويقطع منازل المنازالت ‪ ،‬التي هي كالمراقبة ‪ ، ‬والتجلي ‪ ،‬والشهود ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ .‬يقطعها مع البطئ في‬
‫الطريق ‪ ،‬والمكث فيه ‪ ،‬بحكم العائق الماسك له ‪ ،‬بسبب ما فيه من العوائق القلبية ‪ ،‬و القالبية ‪ ،‬والفعلية ‪،‬‬
‫والحالية ‪.‬‬
‫فاذا وصل إلى التجلي ‪ ،‬الذي يسمى فيه أهله ‪:‬‬
‫واصلين ‪ ،‬واال فال وصول ‪ ،‬ألنه ال يبقی لطيرانه حكم ‪ ،‬بل يصير من جملة السائرين في هللا تعالى ‪،‬‬
‫فافهم !‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الزهد هو « بغض الدنيا واالعراض عنها ‪.‬‬
‫‪   ‬وقيل هو ‪ :‬ترك راحة الدنيا طلبا لراحة اآلخرة ‪.‬‬
‫‪  ‬وقيل هو ‪ :‬أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك »‪ ،‬تعریفات مادة زهد‪.‬‬
‫التوكل هو « الثقة بما عند هللا ‪ ،‬واليأس عما في أيدي الناس » ‪ .‬تعريفات ‪ ،‬مادة توکل ‪.‬‬
‫المراقبة هي ‪ « :‬استدامة علم العبد باطالع الرب عليه في جميع أحواله »‪ .‬تعريفات ‪ ،‬مادة مراقبة ‪.‬‬
‫التجلي هو ‪ « :‬ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب » ‪ .‬تعريفات ‪ ،‬مادة تجلي •‬
‫الشهود هو "رؤية الحق بالحق" ‪ .‬تعريفات ‪ ،‬مادة شهود‬
‫المنظر الثالث والعشرون منظر الرجوع‬
‫هذا المنظر ‪ :‬ترجع فيه إلى المحتد األصلى ‪ ،‬الذى خلقت منه ‪.‬‬
‫وهو ذلك النور الذاتي اإللهي ‪ ،‬الذي نزل من حضرة علمه ‪ ،‬إلى حضرة العين ‪ .‬وتتصف من األوصاف ‪،‬‬
‫بقدر ما تجلى هللا عليك حين خلقك ‪.‬‬
‫فترجع إلى هللا تعالى ‪ ،‬كما قال ‪" :‬كل شيء هالك اال وجهه ‪ ،‬له الحكم ‪ ،‬واليه ترجعون " ‪.‬‬
‫قوله ‪" :‬كل شيء هالك " يعنى‪ .‬من الوجود الخلقي ‪ ،‬الذي تتوهمه لك ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫" اال وجهه "‪ ،‬يعنى ‪ :‬وجه هللا ‪ ،‬فانه باق ‪ ،‬من وجودك فيه ‪ ،‬بغير حلول ‪ ،‬وال ممازجة ‪ ،‬وال مماسة ‪ ،‬وال‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫" له الحكم " ‪ ،‬يعني ‪ :‬هلل الحكم في وجودك ‪ ،‬فال لوجودك حكم اذا عرفته بل على الحقيقة‪ ، .‬ليس الحكم اال‬
‫له ‪.‬‬
‫" واليه ترجعون " ‪ :‬طوعا ‪ ،‬او كرها ‪ .‬في الدنيا ‪ ،‬او في اآلخرة ‪.‬‬
‫بعد دخول الجنة ‪ ،‬أو دخول النار ‪ ،‬البد من الرجوع اليه ‪ ،‬فيحصل لك ما سبقت العناية االلهية به ‪ ،‬عند‬
‫تجليه عليك ‪ ،‬يوم خلقك بالشأن االلهى ‪ ،‬فافهم !‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو حدوث التغيير عليك ‪ ،‬من الذهاب والرجوع ‪ .‬وليس ذلك من شروط اإللهيين في الكمال ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المنظر الرابع والعشرون منظر البشائر‬
‫تتواتر البشائر اإللهية على العبد‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬فيبشرونه بالكماالت اإللهية ‪ ،‬والمقامات القطبية ‪،‬‬
‫واالختصاصات االصطفائية ‪ ،‬إلى ما ال يخطر بالبال ‪ ،‬وال يمكن شرحه بشيء من المقال ‪..‬‬
‫فيجد لتلك البشائر ‪ ،‬الواردة في نفسه ‪ ،‬من عالمات صحة وقوعها ‪ ،‬ما ال يحتاج إلى زيادة تأكيد‪.‬‬
‫و ورود هذه البشائر على ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫النوع األكمل ‪ :‬هو أن يكشف هللا تعالى لك ‪ ،‬أوال ‪ ،‬عن ما أودعك من اسراره ‪ ،‬التي استعدت قابليتك لقبول‬
‫فیض ما إلهی ‪.‬‬
‫ثم يبشرك بأخباره من طريق المكالمة ‪ ،‬أو المحادثة ‪ ،‬أو المخاطبة ‪ ،‬أو المسامرة ‪ -‬انه يبلغ ذاك المقام ‪ ،‬فهذه‬
‫بشارة اكمل البشائر ‪.‬‬
‫وأما النوع المتوسط ‪:‬‬
‫فهو أن يحصل األخبار االلهي للعبد من غير أن يكشف له عن سره ‪ ،‬الذى‪.‬‬
‫تستعد به القابلية على قبول الفيض الالئق بذلك المقام ‪ ،‬الموعود به له ‪.‬‬
‫فهذا يحتمل فيه الوصول إلى ما وعد به على طريق ال َملًك ‪ ،‬ويحتمل فيه للوصول على طريق العارية ‪،‬‬
‫ويحتمل فيه الوقوع على األمر اجماال ‪:‬‬
‫فقد شاهدنا فقيرا ‪ ،‬قيل له ستبلغ الى مقام القطبانية‪ ،‬ثم مات قبل ذلك ‪ ،‬ولم ينل ذلك المقام ‪ ‬و قريبا منه ‪.‬‬
‫على أن هذا الفقير كان وارده حقا ‪ ،‬ال ريبة فيه ‪ ،‬ولكنه وصل الى تجلى اسم إلهی ‪ ،‬وتجلى اسم هللا تعالى ‪:‬‬
‫قطب رحى العالم ‪.‬‬
‫ألن العالم باجمعه ‪ ،‬ال يدور اال على تجلی أسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫عبر له عن ذلك التجلي ‪ ،‬بمقام القطبية ‪ ،‬وقد بلغه ‪ ،‬وكان عنده من مفهوم البشارة خالفها ‪.‬‬
‫وأما النوع الثالث من البشائر ‪:‬‬
‫فهو ما يرد عليك ‪ ،‬في هذه األنواع من البشارة ‪ ،‬بطريق مخاطبات المالئكة ‪ ،‬أو منام تراه ‪ ،‬او پري لك ‪ ،‬او‬
‫بتصريح ولی ‪ ،‬جرت سنة هللا ان تصدقه في كشفه ‪ .‬وأخبار الولي أعلى من أخبار الملك‪ ،‬ومن سائر الرؤيا ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو أن البشائر ال تكون اال قبل حصول الشيء ‪ ،‬وهذا نقص في حق الكمل ‪ ،‬فإن الكامل ال يفوته شيء ‪.‬‬
‫فمتى ورد عليك شيء من أنواع البشائر ‪ ،‬فاعلم أنه لضعف فيك ‪ ،‬أو نقص عندك ‪ .‬وليس ذلك دأب فحول‬
‫أهل هللا تعالى ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المنظر الخامس والعشرون منظر النذائر‬
‫يطلع العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على تقلبات القلوب ‪،‬وما تقتضيه كل تقليبة من البعد عن هللا تعالى‪.‬‬
‫ويتحقق بعلم اآلخرة ‪ :‬فينظر األعمال جميعها ‪ ،‬حاال ومالبس على ذات العامل ‪ .‬ويرى األخالق كلها ‪،‬‬
‫صورا لصاحبها ‪.‬‬
‫ويطلع على زيغ القلوب واألبصار ‪ ،‬الشدة وقوع أهوال اآلخرة ‪.‬‬
‫ويرى ما فيه من المواضع‪،‬ـ التي تقتضي الخوف ألجلها ‪ ،‬فترد عليه مالئكة المقام ‪ ،‬بأنواع النذائر‪.‬ـ‬
‫وتبصره بأحوال طريقه ‪ ،‬فيحصل عنده من الخوف ‪ ،‬ما يكاد أن يذيب كبده ‪ ،‬وشحمه ‪ ،‬وكاله ‪.‬‬
‫فيموت من يموت في هذا المقام ‪ ،‬لشدة الخوف ‪ ،‬ويختل من يختل عقله ‪ ،‬ويرجع من يرجع ‪ ،‬من المعارف‬
‫‪ ،‬إلى السلوك ‪ .‬ويحفظ هللا من اراد تكميله ‪.‬‬
‫ومن حكمة هللا أن جرت سنته في النذائر ‪ ،‬أن ال يتوعد العبد بها من طريق المكالمة ‪ ،‬والمحادثة ‪ ،‬وأمثال‬
‫ذلك من اإلخبارات اإللهية التي هي بال واسطة ‪.‬‬
‫بل البد وأن تكون بواسطة منه ‪ ،‬وفضال ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو أن الخوف ‪ ،‬والنذائر ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ ،‬من لوازم المقامات الخلقية ‪.‬‬
‫والكامل ‪ :‬من ال يكون عنده من مقامه الخلقى أثر ‪ ،‬سوى من حيث االطالع اإللهی ‪ ،‬فافهم !‪.‬‬
‫وما ورد عن رسول هللا ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪ ( :‬أنا أعرفكم باهلل ‪ ،‬وأشدكم خوفا منه ‪) ..‬‬
‫فليس من هذا القبيل ‪ ،‬بل تلك من الخصوصيات النبوية المحمدية ‪ ،‬التي بها يتم له مقام الوسيلة ‪ ،‬وهي‬
‫الشفاعة الكبرى ‪.‬‬
‫فخوفه من هللا تعالى إنما هو على أمته ‪ ،‬ال على نفسه ‪ ،‬ألنه الموعود بتمام النعمة ‪ ،‬في نص القرآن ‪ ،‬فليس‬
‫خوفه من قبيل خوفنا ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المنظر السادس والعشرون منظر في العلم‬
‫اعلم أن علم اليقين عبارة عن ‪:‬‬
‫معرفة هللا الخاصة الذوقية ‪ ،‬التي يمنحها من شاء من عباده ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو احتجابه بعلم اليقين ‪ ،‬عن عين اليقين ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫المنظر السابع والعشرون منظر العين‬
‫اعلم أن منظر عين اليقين ‪ ،‬عبارة عن ‪:‬‬
‫شهود تجليات هللا تعالى الصفاتية ‪ ،‬واألسمائية ‪ ،‬والذاتية ‪ ،‬بحكم الوجدان واالطالع التفصيلي ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو احتجابه بعين اليقين عن حق اليقين ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫المنظر الثامن والعشرون منظر الحق‬
‫حق اليقين ‪:‬‬
‫هو االنصاف بتلك التجليات اإللهية ‪ ،‬منك فيك بال واسطة اسم‪ ،‬أو فعل ‪.‬‬
‫بل بذاتك ‪ ،‬في ذاتك لذاتك ‪ ،‬كما يشاء هللا تعالى ‪.‬‬
‫من غير تشبيه ‪ ،‬وال حلول ‪ ،‬وال نوع من النقائص‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو احتجابك بحق اليقين ‪ ،‬عن حقيقة حق اليقين ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫المنظر التاسع والعشرون منظر الحقيقة‬
‫حقيقة حق اليقين ‪:‬‬
‫هو إعطاء كل حق إلهي حقه ‪ ،‬مما يتصف به العبد من أسماء هللا تعالى ‪ ،‬وصفاته ‪ .‬فيظهر أثر كل اسم‬
‫وصفة ‪ ،‬بما يستحقه من التصريف في األكوان ‪ ،‬على ظاهر العبد المنصف ‪.‬‬
‫فاذا أعطى األسماء اإللهية حقائقها ‪ ،‬باظهار آثارها على هيكله ‪ ،‬فذلك هو العبد حقيقة ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫رجوعه من التجلي الذاتي ‪ ،‬إلى التجلي الفعلي واإلسمي والوصفي ‪.‬‬
‫فإن ظهور األثر ‪ ،‬الزم للرجوع من الذات إلى األسماء والصفات واألفعال ‪.‬‬
‫وهذا ‪ ،‬في حق العبد ‪ ،‬نقص ‪ ،‬ال في حق هللا تعالى ‪.‬‬
‫فان بقاء العبد مع هللا في التجلي الذاتي ‪ ،‬أكمل وأعلى ‪ ،‬من بقائه في التجليات الصفاتية والفعلية ‪.‬‬
‫هذا لمن ظهرت آثارها عليه ‪ ،‬وأما قبل ذلك ‪ ،‬فهو‪ ،‬اذا باق على نقصه ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫المنظر الثالثون منظر الوحدة‬

‫للوحدة منظر يجل عن أن يدركه المخلوق ‪.‬‬


‫فليس للمخلوق فيه راحة ‪ ،‬بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪:‬‬
‫يسلب الحق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬العالم ‪ ،‬ما ألبسهم من حلل الدعاوى الكاذبة ‪ ،‬المشعرة بوجود موجود سواه ‪.‬‬
‫فاذا‪ ،‬تعروا عن ذلك ‪ ،‬تجلت أنواره في الموجودات ‪ ،‬بغير حلول ‪ ،‬وال مزج ‪ ،‬وال شائبة نقص ‪ ،‬بل بحكم‬
‫الوحدة االلهية ‪ ،‬التي هو عليها منذ كان ‪.‬‬
‫يطلع العبد على هذا المنظر ‪ ،‬بعد أن تسلب عنه عبديته ‪ ،‬وموجوديته ‪ ،‬فيكون ما ال يدخل في العبارة ‪.‬‬
‫فهو يدرك ما يدرك ‪ ،‬بال وجود له ‪ ،‬وال ادراك ‪ ،‬وهذا في العقل محال ‪.‬‬
‫وقد وجدناه ‪:‬‬
‫ذوقا ‪ ،‬وعيانا ‪ ،‬و حقا ‪ ،‬وحقيقة ‪ ( ،‬فمن شاء فليؤمن ‪ ،‬ومن شاء فليكفر )‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر‬


‫في حق العبد ‪ :‬انعدام األسماء والصفات عنده ‪ ،‬فال يشهدها ‪ ،‬وهو حجاب ‪.‬‬

‫كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره   ‬

‫‪46‬‬
‫المنظر الحادي والثالثون منظر اإليهام‬
‫هو عبارة عن ‪:‬‬
‫تجلي الهی يشهدك الحق ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬فيه ‪ ،‬اسراره المودعة في مخلوقاته ‪.‬‬
‫ويطلعك على تداخل األسماء والصفات ‪:‬‬
‫كيف يفضل بعضها بعضا من وجه ‪ ،‬ثم يصير الفاضل مفضوال من وجه ‪.‬‬
‫وكيف يثبت النفي ‪،‬وينفى االثبات ‪ ،‬في مسألة واحدة‪ ،‬من وجه واحد ‪ ،‬ومن وجوه مختلفة ‪.‬‬
‫ويطلع على العلوم الدينية ‪ ،‬كحقائق العالم ‪ ،‬فتشهدها من الغيب اإللهي ‪ ،‬في الكينونة العلمية ‪ ،‬من حيث‬
‫أعيانها الثابتة ‪  .‬‬
‫ثم تشهد طمسا تحت نور األحدية ‪ ،‬في ذلك المقام ‪ ،‬وتنعدم عنك األعيان الثابتة بالكلية ‪.‬‬
‫فينبهم "فيبهم" األمر عليك‪.‬‬
‫في سائر امورك كلها ‪ ،‬حتی ال تكاد تنفذ أمرا من أمورك ‪ ،‬وال تعمل عمال من األعمال ‪.‬‬
‫ألنك ترى الشيء ونقيضه ‪ ،‬فتحكم في المسألة الواحدة ‪ ،‬من وجه واحد ‪ ،‬بحكم انت حاكم فيها بنقيضه ‪.‬‬
‫وقد تتوقف ‪ ،‬لتناقض األمور عندك ‪ ،‬فال تستطيع الثناء ‪ ،‬وال الذم ‪ ،‬وال يمكنك النفي ‪ ،‬وال اإلثبات‪ ،‬وهو مقام‬
‫من مقامات الحيرة ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو الحيرة الطارئة عليك ‪،‬من إنبهام األمر ‪.‬‬
‫ألن الكمال اإللهي منزه عن ذلك ‪ ،‬وصفة العارف صفة معروفة ‪ ،‬فالحائر محجوب‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في ( لطائف االعالم ) ‪ « :‬العين الثابتة ‪ :‬هي حقيقة المعلوم الثابت في المرتبة الثانية المسماة بحضرة العلم ‪.‬‬
‫وسميت هذه المعلومات أعيانا ثابتة لثبوتها في المرتبة الثانية ‪ ،‬لم تبرح منها ‪ ،‬ولم يظهر بالوجود العيني اال‬
‫لوازمها وأحكامها وعوارضها المتعلقة بمراتب الكون ‪ .‬فان حقيقة كل موجود إنما هي عبارة عن نسبة تعينه‬
‫في علم ربه ازال ‪.‬‬
‫وتسمی باصطالح المحققين من أهل هللا ‪ :‬عينا ثابتة ‪.‬‬
‫و بإصطالح الحكماء ‪ :‬ماهية ‪.‬‬
‫و باصطالح األصوليين ‪ :‬المعلوم المعدوم ‪ ،‬والشيء الثابت ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وبالجملة فاألعيان الثابتة والماهيات واألشياء إنما هي عبارة عن ‪:‬‬
‫تعيينات الحق الكلية التفصيلية »‪.‬‬
‫انظر‪:‬مادة عين ثابتة ‪.‬‬
‫وفي ( اصطالحات الصوفية ) لنفس المؤلف ‪:‬‬
‫« العين الثابتة ‪ :‬هي حقيقة الشيء في الحضرة العلمية ‪ ،‬ليست بموجودة ‪ ،‬بل معدومة ثابتة في علم هللا ‪،‬‬
‫وهي المرتبة الثانية من الوجود الحقيقي » ‪.‬‬
‫مادة العين الثابتة ‪.‬‬
‫وانظر ‪ :‬الكمشخانوى‪ ،‬مادة عين ثابتة ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يعرف الكاشاني « الطمس » بأنه ‪ " :‬ذهاب ظلمة السيار في تجلی نور األنوار ‪ ،‬بحيث لم يبق النور من‬
‫ظلمته رسما ‪ ،‬وال أثرا ‪"۰۰‬‬

‫‪48‬‬
‫المنظر الثاني والثالثون منظر الفتق‬
‫يتجلى هللا تعالى عليك في هذا المنظر بتجل ‪ :‬‬
‫يفتق‪ ‬فيه ما‪ ‬ارتتق‪ ‬عليك ‪ ،‬أو على غيرك ‪ ،‬من العلوم االلهية ‪ ،‬والمعارف الربانية ‪ ،‬وتعلم محل التباس‬
‫األمور ‪.‬‬
‫يكشف لك في هذا التجلي ‪ :‬‬
‫عن تداخل العلوم والمعلومات بعضها في بعض ‪ ،‬فترى المسألة الواحدة المعقولة في ضد ما يقال ‪ ،‬بعينها في‬
‫ضده ‪ ،‬لكن من جهة أخرى ‪ ،‬لتداخل حضراتها في بعضها بعض‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر يفتح عليك بتمييز‪ $‬الفهم عن هللا ‪ ،‬تعالى‪ ، ‬وتعلم الخاطر األول ‪ ،‬الذي يسميه سهل بن عبد‬
‫هللا التستري بالسبب األول ‪ ،‬و هو خاطر إلهی ال يكون إال حقا‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو أن الفتق ال يطرا اال على محل الرتق ‪ ،‬وال يكون الفتق والرتق اال لمن هو دون مرتبة الكمال ‪ .‬ألن‬
‫العلوم عندنا صور ثابتة متميزة ‪.‬‬
‫ليس لشيء منها بشيء التباس ‪ ،‬وال امتزاج ‪ ،‬وال إرتتاق يحتاج إلى إفتقاق ‪ ،‬بل أعيان قائمة ‪ ،‬مشهودة‬
‫بحقائقها ‪ ،‬اجماال وتفصيال ‪ ،‬سمعا وعيانا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ ‬رتق الفتق‪ : ‬برتقه رتقا ‪ :‬ضمه وألمه ‪ .‬‬
‫والرتق ‪ :‬الضم خلقة كان او صنعة ‪ ..‬وفي القرآن ‪ ( :‬أو لم ير الذين كفروا أن السموات واالرض كانتا رتقا‬
‫ففتقناهما )‪ ‬األنبياء ‪ ،‬آية ‪ . ۳۰‬‬
‫ای كانتا ذاتی رتق او مرتوقتين ‪ » ..‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم ألفاظ القرآن الكريم ‪ ،‬مادة رتق ‪ :‬وفي‪ ‬اصطالحات الصوفية ‪ :‬‬
‫الفتق ‪ :‬ما يقابل الرتق من تفصيل المادة المطلقة بصورها النوعية ‪.‬‬
‫‪  ‬او ظهور كل ما بطن في الحضرة الواحدية من النسب األسمائية ‪ ،‬وبروز كل ما كمن في الذات األحدية من‬
‫الشؤون الذاتية كالحقائق الكونية بعد تعيينها في الخارج »‪ .‬مادة الفتق ‪ .‬‬
‫أما الرتق ‪  :‬فهو اجمال المادة الوحدانية المسماة بالعنصر األعظم المطلق ‪ :‬المرتوق ‪ ،‬قبل خلق السموات‬
‫واالرض ‪ ،‬المفتوق ‪ ،‬بعد تعينها بالخلق ‪ .‬‬
‫وقد يطلق على نسب الحضرة الواحدية باعتبار ال ظهورها ‪ ،‬وعلى كل بطون وغيبة ‪ .‬‬
‫كالحقائق المكنونة في الذات األحدية ‪ ،‬قبل تفاصيلها في الحضرة الواحدية ‪ ،‬مثل الشجرة في النواة "‪ .‬‬
‫مادة رتق ‪ .‬وانظر ‪ :‬الكمشخانوي ‪ ،‬ولطائف االعالم في‪ : ‬رتق ‪ ،‬وفتق ‪.‬‬
‫(‪  - )7‬يعرف الكمشخانوى‪ « ‬الخاطر »‪ ‬بأنه ‪ « :‬ما يرد على القلب من الخطاب أو الوارد الذي ال عمل‬
‫للعبد فيه ‪ .‬‬
‫وما كان خطابا ‪ ،‬فهو على أربعة اقسام ‪ :‬‬
‫ربانی‪ ، ‬وهو أول الخواطر ‪ ،‬ويسميه سهل ( السبب األول ) ‪ ،‬وهو ال يخطيء أبدا ‪ ،‬ويعرف بالقوة والتسلط‬
‫وعدم االندفاع بالدفع ‪ .‬‬
‫وملكي ‪ ،‬وهو الباعث على مندوب ‪ ،‬أو مفروض ‪ ،‬أو كل ما فيه صالح ‪ ،‬ويسمى إلهاما ‪ .‬‬
‫ونفساني ‪ ،‬وهو ما فيه حظ النفس ‪ ،‬ويسمى هاجسا ‪،‬‬
‫‪ ‬وشيطاني‪ ، ‬وهو ما يدعو إلى مخالفة الحق ‪.‬‬
‫‪ ‬قال هللا تعالى ‪ " :‬الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء "‪ . ‬‬
‫‪49‬‬
‫وقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬الشيطان تكذيب بالحق ‪ ،‬وابعاد بالشر ‪ ،‬و يسمى وسواسا ‪ ،‬ويوزن‬
‫بميزان الشرع ‪ ،‬فما فيه قربة ‪ ،‬فهو من األولين ‪ ،‬وما فيه كراهة ‪ ،‬أو مخالفة شرع فهو من اآلخرين ‪.‬‬
‫‪  ‬والعارف الصاف القلب ‪ ،‬الحاضر مع الحق ‪ ،‬يسهل عليه الفرق بينها ‪ ،‬بتيسير هللا وتوفيقه »‪ .‬انظر ‪ :‬جامع‬
‫األصول ‪ ،‬مادة ( الخاطر ) ‪ .‬‬
‫وانظر كذلك ‪ ( :‬اصطالحات الصوفية ) و ( لطائف االعالم ) للكاشاني ‪ ،‬مادة الخاطر ‪ .‬‬
‫ونالحظ أن الجيلى يزيد في أقسام الخاطر ما يسميه ب‪" ‬الخاطر العقلی"‪ ، ‬وهو نحت جیلی صرف ‪ .‬سهل‬
‫التستري ‪ :‬من صوفية الطبقة الثانية ‪ ،‬توفي سنة ‪ 283‬هـ ‪ .‬‬
‫يصفه السلمي بأنه‪ " ‬أحد أئمة القوم وعلمائهم ‪ ،‬والمتكلمين في علوم الرياضيات ‪ ،‬واالخالص ‪ ،‬وعيوب‬
‫األفعال "‪ .‬‬
‫(‪ )9‬السبب األول هو في اصطالح الطائفة ‪ :‬عبارة عن‪ ‬الخاطر األول‪ ‬الذي يدعو الى أمر الهی ‪ ،‬وعالمته‬
‫أن ال يخطئ أبدا‪.‬‬
‫مادة ( السبب األول ) ‪ ،‬وما أورده الجيلي قريب جدا من هذا‪  ‬التعريف ‪.‬‬
‫(‪ )12‬يعرف الكاشاني‪ " ‬البقاء "‪ ‬بقوله ‪ « :‬البقاء ‪ :‬يطلق ‪ ،‬ويراد به رؤية‪ $‬العبد قيام هللا على كل شيء‪ . ‬‬
‫فالبقاء أحد المقامات العشرة‪ ‬التي تشتمل عليها قسم النهايات ألهل السلوك في منازل السير إلى الحق‬
‫جالله ‪ ،‬وهو مقام أرباب التمكين في التلوين ‪ ...‬‬
‫وعند حصول هذا التمكين ‪ ،‬لم تبق غلبة االسم ‪ ،‬وال العبادة ‪ ،‬وال اإلشارة ‪ ،‬ليؤذن ذلك بتميز او اضافة ‪،‬‬
‫فيبقى من لم يزل ‪ ،‬ويفني من لم يكن ‪ .‬‬
‫ولهذا كان مقام البقاء بعد الحالة المسماة بالفناء ‪ ...‬والبقاء مرتبة من يسمع بالحق ‪ ،‬ويبصر به ‪ ،‬المشار إلى‬
‫هذه المرتبة بقوله ‪ :‬بې يسمع ‪ ،‬وبي يبصر‪ ..$‬الحديث »‪ .‬‬

‫‪50‬‬
‫المنظر الثالث والثالثون منظر االجمالى الكلى‬
‫هو مشهد يريك الحق تعالى فيه كليات األمور‪ ، ‬فتشهدها بقوة الواحدية اإللهية ‪ ،‬حتى تنطبع انت في أعيان‬
‫سائر الموجودات ‪ ،‬بما هي عليه ‪ .‬‬
‫فتذوق فيك حالها ‪ ،‬وما هي عليه جملة ‪ .‬‬
‫وأن حصل لك اإلمداد في هذا المشهد ‪ ،‬فصلت في اإلجمال‪ . ‬‬
‫فكان علم األشياء لك فيه باالجمال عيانا ‪ ،‬وبالتفصيل حكما ‪ .‬‬
‫ومن هذا المشهد تنتقل إلى منظر التفصيل ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو انك تعلم األشياء ‪ ،‬وان سألت عن شيء واحد لم تستطع الجواب‪ ،‬كما هو عليه ‪ ،‬ألنك لم تحصل في‬
‫التفصيل الجزئي‪،  ‬‬
‫‪ ‬فافهم ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫المنظر الرابع والثالثون منظر التفصيل الجزئي‬
‫في هذا المنظر تعلم حقائق األشياء ‪ ،‬كما هي عليه ‪ .‬فيكشف لك عن أمر اآلخرة ‪ ،‬والبرزخ ‪ ،‬وكيفية‬
‫الموت ‪ ،‬وما هية هذه األشياء ‪ ،‬وما هي هذه العوارض ‪ ،‬في هذه المواضع ‪.‬‬
‫وتتحقق بعلم أحوال الناس ‪ ،‬فتعرف كال سيماه ‪ ،‬وأن المقام المخلوق ‪ ،‬هو للقيام فيه ‪ ،‬ليصير ذلك باقامته‬
‫فيه‪ .‬مقاما ‪ ،‬وفي أي طبقة من طبقات الجنة ‪ ،‬أو درك من دركات النار ‪ ،‬أو درجة من درجات القرب ‪-‬‬
‫يكون مستقره ‪.‬‬
‫ويكشف لك في هذا المنظر ‪:‬‬
‫عن أحوال المالئكة ‪ ،‬و أشخاصهم ‪ ،‬وانواعهم ‪ ،‬وعباداتهم ‪ ،‬وما هم عليه ‪ .‬وتعلم ما الفرق بين مالئكة‬
‫التسخير ‪ ،‬ومالئكة العبادة ‪ ،‬ومالئكة المناظرة ‪ ،‬ومالئكة االصطفاء ‪ ،‬الذين هم المقربون ‪ ،‬وتعلم الثمانية‬
‫الذين هم حملة العرش يوم القيامة ‪ ،‬ولم هم اآلن اربعة ‪.‬‬
‫وتعلم أسماء المالئكة ‪:‬‬
‫فال يعرض عليك ملك ‪ ،‬وال انسان ‪ ،‬وال جني ‪ ،‬وال شيء من األشياء ‪ ،‬إال وتعلم اسمه بسيماه‪.‬‬
‫ولهذا المنظر ثالثة مقامات ‪:‬‬
‫المقام األول تقول أنت فيه االشياء ‪:‬‬
‫انك عينها ! فتعطيها نفسك بالكلية ‪.‬‬
‫فإذا صدقتك بان تقبضك إليها ‪ ،‬اعطتك علومها على ما هي عليه ‪.‬‬
‫المقام الثاني وهو األوسط ‪:‬‬
‫تقول لك األشياء فيه‪:‬انها هي عينك ‪ ،‬فتعطيك نفسها بالكلية ‪ ،‬فإذا قبضتها اليك ‪ ،‬تصرفت فيها ‪ ،‬فعلمتها على‬
‫ما هي عليه ‪ ،‬فال يخفى عليك من أمرها شيء ‪ ،‬اذا حققت هي‬
‫ثم المقام الثالث ‪:‬‬
‫وهو اعلى ما يكون في هذا الباب ‪ .‬فيه تتحقق األشياء ‪ ،‬كما هي عليه ‪ ،‬حق تحقيقها الغيبي ‪،‬بالغين المعجمة‪.‬‬
‫وفي هذا المقام ال تقول هي ‪:‬‬
‫انك عينها ‪.‬‬
‫وال انت تقول انت ‪ :‬انها عينك ‪.‬‬
‫بل تشهدها في مقامها ‪ ،‬على الحال الذي اوجدها هللا تعالى فيه ‪.‬‬
‫فال يفوتك شيء من أمرها ‪ ،‬تجد ذلك مسطورا مشهودا ‪.‬‬
‫افة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو انك مع اطالعك التفصيليـ على حقائق األشياء ‪ ،‬ال ينزل من عالم غيبك ‪ ،‬الى عالم شهادتك ‪ ،‬من العلوم‬
‫الغيبية ‪ ،‬إال ما استشرفت الى تفصيله في عالم الشهادة ‪ ،‬فإذا توجهت اليه حصلت علمه عندك ‪ ،‬على ما هو‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وقد تمر بالشيء وانت جاهل له في عالم الشهادة ‪ ،‬وقد حققته في عالم الغيب ‪ ،‬فتعلمه وال تعلمه ‪ ،‬النك غير‬
‫محیط به في محل الشهادة ‪..‬‬
‫وهذه هي اآلفة ‪ ،‬وهو موضع ظهور عجز المخلوقين ‪ ،‬ال يحصلون فيه على غير ذلك ‪.‬‬
‫وما تمام االحاطة ‪ ،‬غيبا وشهادة ‪ ،‬بسائر الموجودات اال هلل وحده ‪ ،‬تفصيال وإجماال ‪ ،‬جزئيا وكليا ‪.‬‬
‫وهذا ال سبيل إلى استيفائه ال لملك مقرب ‪ ،‬وال لنبي مرسل ‪ ،‬ألن اللوح المحفوظ ال يحيط به على اإلطالق ‪.‬‬
‫وإنما يوجد في اللوح المحفوظ علم رقعة من الوجود ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫الى أن يدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار ‪ ،‬ويبقى ما وراء ذلك ‪.‬‬
‫وهلل علوم في الخلق ‪ ،‬وراء هذين المقامين ‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫كعلوم التجليات ‪ ،‬وعلوم األسرار اإللهية ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ ،‬مما ال يسعد اللوح ‪ ،‬وال الملك ‪ ،‬وال اإلنسان ‪ ،‬بل‬
‫هو من خصوصياته تعالى ‪.‬‬
‫وهذا هو الفرق بين مقام العز ‪ ،‬ومقام العجز ‪ ،‬فافهم !‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يعرف الجرجاني البرزخ بأنه ‪ " :‬هو الحائل بين الشيئين" ‪.‬‬
‫ويعبر به عن عالم المثال ‪.‬‬
‫أعني ‪ :‬الحاجز من األجسام الكثيفة وعالم األرواح المجردة ‪.‬‬
‫أعني ‪ :‬الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬التعريفات ‪ ،‬مادة ( البرزخ )‬

‫‪53‬‬
‫المنظر الخامس والثالثون منظر اإلطالق‬
‫المطلق عبارة عن ‪ :‬من أطلقه هللا تعالى في تجلياته ‪ ،‬فلم يتقيد مع هللا باسم ‪ ،‬وال صفة ‪ ،‬بل هو مع هللا تعالى‬
‫بكل اسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬يكون لك التمكين في التلوين ‪ ،‬وتتصف بما شئت من صفاته ‪ ،‬وتتسمی بها‪.‬‬
‫فأنت ‪ ،‬اذا ‪ ،‬الحي العليم ‪ ،‬المريد ‪ ،‬القادر ‪ ،‬السميع ‪ ،‬البصير ‪ ،‬المتكلم ‪ ،‬الى غير ذلك ‪ .‬فال يقيدك اسم ‪ ،‬وال‬
‫صفة ‪ ،‬وال تتقيد انت ‪ ،‬حينئذ ‪ ،‬بفعل ‪ ،‬وال عمل مخصوص ‪ ،‬بل أعمالك بحكم تجلياتك ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫تقيدك بالمنظر االطالقي عن المنظر التقييدي ‪.‬‬
‫فأنت ‪ ،‬إذا ‪ ،‬مقيد باإلطالق ‪ .‬وأيضا فالتلوين‪ ،‬الذي هو عبارة عن االتصاف ‪ ،‬هو من لوازم الخلق ‪ ،‬ال من‬
‫صفات الحق ‪.‬‬
‫فأنت ‪ ،‬إذا ‪ ،‬مقيم في مرتبة النقص الخلقي‪ ،‬وليس ذلك شأن الكمال االلهي ‪.‬‬
‫فالتغيير والتلوين من خصائص البشرية ‪ ،‬وهي في الولی مشعرة بالبقايا ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بعرف الكاشاني التمكن بانه ‪ " :‬عبارة عن غاية االستقرار في كل مقام ‪ ،‬بحيث يصح لصاحبه القدرة على‬
‫التصرف في الفعل والترك"‪.‬‬
‫وأكثر ما يطلق في اصطالح الطائفة ‪ ،‬على من حصل له البقاء بعد الفناء ‪.‬‬
‫وتارة يطلق التمكن على ما قبل ذلك من المقامات ‪.‬‬
‫ولهذا جعلوا التمكن على مراتب ‪:‬‬
‫تمكن المريد‬
‫تمكن السالك‬
‫تمكن العارف ‪..‬‬
‫لطائف االعالم ‪ ،‬مادة‪ :‬تمكن ‪.‬‬
‫اما التلوين فهو ‪ « :‬تنقل العبد في أحواله ‪،‬‬
‫قال الشيخ في الفتوحات ‪ :‬أنه عند األكثرين مقام ناقص ‪ ،‬وعندنا هو أكمل المقامات‪ :‬حال العبد فيه حال قوله‬
‫تعالى (كل يوم هو في شأن) ‪..‬‬
‫وهو على ثالث مراتب ‪:‬‬
‫مرتبة تلوين التجلي الظاهري‬
‫ومرتبة تلوين التجلي الباطني‬
‫ومرتبة تلوين التجلي الجمعي ‪ .‬مادة تلوين ‪.‬‬
‫أما التمكين ‪ :‬فهو « عند الشيخ ‪ ،‬عبارة عن ‪ :‬التمكن في تلوين ‪ .‬وغير الشيخ ‪ ،‬يعبر به عن ‪ .‬حال أه‬
‫الوصول ‪.‬‬
‫فمراتب التمكين أيضا ثالث ‪ ،‬كما كانت مراتب التلوين أيضا ‪:‬‬
‫التمكين في تلوينات التجليات الظاهرية ‪.‬‬
‫التمكين في تلوينات التجليات الباطنية ‪.‬‬
‫التمكين في تلوينات التجليات الجمعية ‪.‬‬
‫لطائف ‪ ،‬مادة تمكين ‪.‬‬
‫والمرتبة الثالثة من مراتب التمكين ‪:‬‬
‫هي التي تسمى بمقام ( التمكين في التلوين ) ‪ ،‬سميت بذلك ‪:‬‬
‫‪54‬‬
‫إلستجماعها التمكين في جميع التلونات ‪ ،‬بخالف األول والثاني ‪ ،‬ولهذا سمي كل واحد منهما بالتمكين الرتبي‬
‫والنسبي ‪.‬‬
‫ويسمى هذا الثالث بالتمكين الجمعي الحقيقي ‪..‬‬
‫وهو مقام التمكين عند غلبات التلوين ‪ ،‬الحاصل من تعاقب التجليات ‪ ،‬الكائنة في البرزخية الجامعة بين‬
‫الظاهر والباطن ‪.‬‬
‫فعند حصول السائر في حاق البرزخ بينهما ‪ ،‬فذلك هو مقام التمكين ‪ ،‬ألنه حينئذ يتمكن من الجمع بين‬
‫أحكامها ‪ ،‬ويفرق بينهما ‪ ،‬فال يحجبه شان عن شان » ‪.‬‬
‫لطائف مادة التمكين في تلوينات التجليات الجمعية ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫المنظر السادس والثالثون منظر التقييد‬
‫التقيد بحكم ما يقتضيه التجلي ‪ ،‬هو ‪:‬‬
‫من اعطاء الحقائق فقها ‪ .‬فصاحب هذا المشهد ال يقع في تجل ‪ ،‬إال ويظهر على هيكله أثر ما هو فيه ‪ ،‬بحكم‬
‫تقييده بما يقتضيه مشهده ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو ان اثر األمور الباطنية ‪ ،‬ال تظهر اال على هيكل الضعفاء ‪.‬‬
‫وأما األقوياء ‪ ،‬فال يظهر على ظواهرهم اثر مما في بواطنهم البتة ‪:‬‬
‫وذلك هو أن القوي ال يقيده مشهد عن مشهد ‪ ،‬وال منظر عن منظر ‪ ،‬بل يكون في المشاهد كلها على ما‬
‫ينبغي ‪ ،‬وهو في مشهد مخصوص ‪ ،‬يعطيه حكمه غير مقيدة ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫المنظر السابع والثالثون منظر الوصال‬
‫الوصال ‪ ،‬هو عبارة عن ‪:‬‬
‫دوام الوصلة بال إنقطاع ‪ ،‬وال فتور ‪ ،‬بتواتر تجليات الحق تعالى على العبد في هذا المشهد ‪ ،‬من غير رجوع‬
‫الى النفس ‪.‬‬
‫فالوصال هو ‪ :‬لحوق العبد باهلل تعالى ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن الوصال مشعر بالغرية واالثنينية ‪ ،‬واألمر منزه عن ذلك ‪.‬‬
‫فالواصل محجوب ‪ ،‬إذ ال وصول ‪ ،‬ألنه ال فراق ‪ :‬وقد ورد عن بعض الشيوخ انه قيل له ‪ :‬أن فالنا يزعم أنه‬
‫قد وصل‬
‫فقال ‪ :‬الى سفر !‪ .‬يريد أن هللا ال نهاية له ‪ ،‬فما ثمة وصول ‪.‬‬
‫واعلم أن الوصال المعبر عنه بتواتر التجليات الحقية ‪ ،‬ال يكون إال في حق الضعفاء المحجوبين ‪.‬‬
‫واما الكامل فان ذاته منزهة عن تجلی صفات الغير عليها ‪ ،‬بل هو المتجلى في ذاته بصفاته ‪ ،‬فافهم !‬

‫‪57‬‬
‫المنظر الثامن والثالثون منظر الفصال‬
‫الفصال أعلى من الوصال ‪ ،‬ألن الحق اذا فصلك عن تجلياته ‪ ،‬أبقاك ‪.‬‬
‫واذا وصلك بها ‪ ،‬افناك ‪.‬‬
‫فالفصال ‪ :‬هو التجلي بمقتضيات التجلي ‪.‬‬
‫والوصال ‪ :‬هو التالشي ‪ ،‬المعبر عنه ‪ :‬بالتخلي لورود التجلي ‪.‬‬
‫فالموصول فان ‪ ،‬والمفصول باق ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو استناد األسماء والصفات اإللهية الى ذاتك ‪.‬‬
‫وانست لو اطلعت على حقيقتك االلهية ‪ ،‬فأنت أنت ‪ ..‬ولهذا تجدها لك عيانا ‪ ،‬وال تقدر على اظهار اثرها ‪،‬‬
‫تصرفا وبيانا ‪.‬‬
‫ومن هذا المشهد تترقى إلى التجريد‬

‫‪58‬‬
‫المنظر التاسع والثالثون منظر التجريد‬
‫المتجرد عن األسماء والصفات ‪ ،‬يكون هو في نفسه ذاتا ساذجا ‪.‬‬
‫فال يكون بينه وبين ذات هللا ‪ :‬واسطة اسم ‪ ،‬وال صفة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو ذلك التجرد عن األسماء والصفات ‪ ،‬والبد له منها‪ :‬وذلك أن هللا تعالى له أسماء وصفات ‪ ،‬مستأثرات‬
‫عنده ‪ ،‬غير هذه ‪ ،‬األسماء والصفات ‪ ،‬التي هي بين أيدينا اليوم‪ .‬فإذا تجلى باسم أو صفة ‪ ،‬من تلك المستأثرة‬
‫‪ ،‬جهل العبد ذلك االسم والصفة ‪ ،‬إذا لم يكن كامال ‪.‬‬
‫فحينئذ يقول ‪ :‬انه مع هللا بال واسطة اسم ‪ ،‬وال صفة ‪.‬‬
‫وهو معه بها‪ ،‬وهذا حجاب ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫المنظر األربعون منظر التفريد‬
‫ينفرد العبد في هذا التجلی بحقائق الكماالت االلهية ‪ ،‬وهو من المشاهد الالحقة بقوله ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫( لى وقت مع هللا ال يسعني فيه ملك مقرب ‪ ،‬وال نبی مرسل )‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجاب حقائق األنبياء واألولياء ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬الذي انفردت فيه بالكماالت اإللهية ‪.‬‬
‫ولو كشف لك عن حقائقهم ‪ ،‬لما حصلت هذا المشهد ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫المنظر الحادي واألربعون منظر خلع العذار‬
‫يتجلى الحق تعالى على العبد بتجل ‪ ،‬يقتضي حقيقة ذلك التجلی منه ‪ ،‬أن يتحدى به ‪ ،‬فيظهر منه الشطحات‬
‫في هذا المشهد ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬قبض الحالج ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ .‬اجتمعت به ‪ ،‬في غير هذا المنظر ‪ ،‬وسألته عن سبب‬
‫التحدي ؟‬
‫فأخذ بيدي ‪ ،‬وانصرفنا الى هذا المنظر ‪ ،‬فلما ولجناه ‪ ،‬أقام به للتحدى ‪.‬‬
‫رفعني هللا عن هذا المنظر ‪ ،‬الى فقر العبودية ‪ ،‬فوقفت دون الحجاب ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر تحدى كل ولي بتحد ‪ :‬فمنهم من العذار في ذلك التحدي ‪ :‬كالحالج ‪ ،‬وعين القضاة ‪.‬‬
‫ومنهم من رفع العذار ‪ ،‬ولم يخلعه ‪ ،‬كالشيخ عبد القادر الكيالني ‪ ،‬وكأبی یزید ‪ ،‬وأبي الغيث بن جميل ‪،‬‬
‫رضي هللا عنهم أجمعين ‪ ،‬وغيرهم من األولياء ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن ظل هذه الدار ضيقة على ظهور الحقائق االلهية التي يتحدى بها الولی ‪ ،‬فال يسعها اال الدار اآلخرة ‪.‬‬
‫وتحديه انما هو استعجال امر مؤخر ‪ ،‬فهو من قبيل وضع الشيء في غير موضعه ‪ ،‬وال يكون ذلك إال عن‬
‫نقص ‪ ،‬فإن الحكمة االلهية بخالفه ‪.‬‬
‫وايضا فان هذه الدار محل التزيد والتحصيل ‪ ،‬وبالتحدي يزول التزيد والتحصيل فيفوته أمر خطير كثير ‪.‬‬
‫ما زاد حتى أتى بتقديم ما هوله ‪.‬‬
‫وال فائدة في ذلك ‪ ،‬ولهذا قال اكمل كمل اهل هذا المقام ‪(:‬انما انا بشر مثلكم)‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫خلع العذار ‪ :‬خلع الحياء وركب هواه اواالنهماك فيما يريد ‪.‬يقصد به الشيخ هتا وضع الشيء في غير‬
‫موضعه والقيام بافعال واقوال فى غير آوانها وتجاوز السماح واالمهال مستغرقا فيما يراه في الحب ‪.‬‬
‫هو الحسين بن منصور الحالج ‪ ،‬من اهل بيضاء فارس ‪ ،‬ونشأ بواسط والعراق ‪ .‬من صوفية الطبقة الثالثة‬
‫من طبقات الصوفية للسلمی ‪ ،‬من أصحاب الشطح ‪ ،‬قتل ببغداد سنة ‪ ۳۰۹‬ه ‪ .‬انظر ‪ :‬طبقات السلمي ‪ ،‬ص‬
‫‪ ۳۰۷‬وما بعدها ‪ ،‬وانظر مراجع ترجمته التي أوردها المحقق‪.‬‬

‫عين القضاة الهمذاني ‪ :‬هو عبد هللا بن محمد بن على ابن الحسن بن على المبانحی ‪ ،‬من أهل خراسان ‪،‬‬
‫تتلمذ على محمد الجويني واحمد الغزالي ‪ .‬كانت له شطحات صوفية أخذت عليه ‪ ،‬وقتل صلبا في همدان عام‬
‫‪ ۵۲۵‬ه‪ .‬انظر ‪ :‬طبقات الشافعية للسبكي ‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪. ۲۳۹‬‬
‫وانظر كذلك ‪, 173. :‬‬
‫محي الدين عبد القادر الكيالني ‪ :‬المتوفى عام ‪ ۰۹۱‬ه ببغداد ‪ ،‬وهو صوفي وفقيه حنبلی ‪ ،‬وهو مؤسس‬
‫الطريقة القادرية ‪ .‬انظر الشعرانی ‪ :‬طبقات ج‪ ۱‬ص ‪ ۱۰۸‬وما سينيون ‪20 , 219 :‬‬
‫أبو يزيد البسطامی ‪ ،‬المتوفى عام ‪ ۲۹۱‬ه‪ .‬صوفي من الطبقة االولى من طبقات السلمي ‪ .‬من أصحاب‬
‫الشطح والجنبات ‪ .‬انظر ‪ :‬طبقات السلمی ‪ ،‬ص ‪ ۹۷‬وانظر مصادر المحقق ‪.‬‬
‫ابو الغيث بن جميل ‪ :‬صوفي يمني ‪ ،‬من اکابر صوفية اليمن ‪ ،‬يلقب بشمس الشموس ‪ ،‬وله كرامات كثيرة ‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ ۱۵۱‬هـ ودفن ببيت عطاء باليمن ‪ .‬انظر ‪ :‬يوسف النبهاني ‪ :‬جامع کرامات األولياء ‪ ،‬ج‪ ۱‬ص ‪۱۹‬‬
‫‪۰۶۷۱ -‬‬
‫انما انا بشر مثلكم‪ :‬المقصود به بالطبع ‪ ،‬هو الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪61‬‬

62
‫المنظر الثاني واألربعون منظر ستر الحال بالحال‬
‫كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره‬

‫ستر الحال بحال ‪ ،‬هو داب المحققين ‪ ،‬وهم المسمون بالمالمتية ال غيرهم ‪.‬‬
‫يتلونون مع كل طائفة ‪ ،‬بما يصلح أن تكون تلك الطائفة عليه ‪.‬‬
‫وهم متمكنون في الحضرة الكمالية بما تقتضيه شؤون الذات االلهية ‪.‬‬
‫فيتلبسون بمالبس أحوال العوام معهم ‪ ،‬ويعاملونهم بما يعامل بعضهم بعضا ‪.‬‬
‫فال يظهر على هياكلهم المظهرة اثر مما في بواطنهم بحال ‪ .‬فهم األدباء األمناء ‪..‬‬

‫افة هذا المنظر ‪:‬‬


‫هو النزول عن الحق الى الخلق بالحق ‪ .‬هذا المشهد ‪ ،‬ولو كان من جملة الكماالت االنسانية ‪ ،‬فليس هو من‬
‫جملة الكماالت الرحمانية ‪ ،‬وذلك هو المطلوب ‪.‬‬
‫فالوقوف مع الكماالت اإلنسانية حجاب ‪ ،‬ألن هللا بخالف ذلك ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يعرفنا الكاشاني بالمالمتية ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫« االمناء ‪ :‬هم المالمتية ‪ ،‬وهم الذين لم يظهر على ظواهرهم مما في بواطنهم أثر البتة ‪ ،‬وهم اعال الطائفة ‪.‬‬
‫وتالمذتهم يتقلبون في اطوار الرجولية ‪ ،‬وسمو بالمالمتية لكونهم دائمی المالمة ألنفسهم ‪.‬‬
‫فهم ‪ ،‬مع انهم اعلى القوم علما وعمال ‪ ،‬وحاال ومقاما ‪ -‬فانهم ال يرون انفسهم كذلك ‪ ،‬فلهذا ال ينفكون عن‬
‫المالمة النفسهم وقد ذكر الشيخ في الفتوح المكي بابا في ذكر هذه الطائفة ‪ ،‬وشرح فيه ما قد خصهم هللا به‬
‫من المقامات العلية والعلوم االلهية » ‪ .‬لطائف األعالم‪ ،‬مادة األمناء ‪.‬‬
‫وانظر كذلك ‪ :‬اصطالحات الصوفية لنفس المؤلف ‪ ،‬وانظر تعليق المحقق على المادة ‪ .‬وانظر الكمشخانوى‬
‫في نفس المادة ‪ .‬واخيرا انظر الدراسة الجيدة التي قدمها د‪ .‬أبو العال عفيفي بعنوان ( المالمتية والصوفية‬
‫واهل الفتوة )‪ ،‬مع نشر ( رسالة المالمتية ) للسلمي ‪ .‬القاهرة ‪. 1985‬‬
‫وربما كان شاطحا أو مجذوبا ‪ .‬وهذا ما سيعرضه الجيلي في المنظر التالي ( التالمت ) ‪.‬‬
‫وانظر ‪ :‬تعريفات الجرجاني ‪ ،‬مادة ( المحمية ) ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الجيلى هنا لم يأخذ بتعريفات الكاشاني و الكمشخانوى والجرجانی حرفيا ‪ ،‬ولم يقف عند‬
‫حدودها ‪ ،‬بل اضاف اليها فكرة ( مداراة الخلق )‪،‬‬
‫ولعله في ذلك موافق لما أورده السلمي في رسالته عنهم من تعريفه بعضهم بقوله ‪ « :‬وأهل المالمة أظهروا‬
‫للخلق ما يليق بهم من أنواع المعامالت واألخالق ‪ ،‬وما هو نتائج الطباع ‪ :‬وصانوا ما للحق عندهم من‬
‫ودائعه المكنونة » ‪ .‬انظر ‪ :‬د‪ .‬أبو العال عفيفي ‪ ( :‬المالمتية والصوفية ) ص ‪. ۱۹‬‬

‫فالجيلى إذن يعتبر أن المالمتي الكامل أو األديب األمين ‪:‬‬


‫هو من يستر حاله مع هللا ‪ ،‬ويتلون مع طوائف الخلق بما يليق بكل طائفة من سلوك وأحوال ‪.‬‬
‫أما من ال يتيسر له أحد الشرطين فهو ليس بمالمتی‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫المنظر الثالث واألربعون منظر التالمت‬
‫كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره‬
‫يتجلى الحق تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بتجل تتغرب فيه أحوال العبد على الخلق ‪.‬‬
‫فال يظهر منه فعل وال قول ‪ ،‬وال يكون على حال ‪ ،‬اال وهو موجب لمالمتهم عليه ‪ ،‬ألنه قد بعد عليهم فهم ما‬
‫هو عليه ‪ ،‬فسموه فيما لم يوافق مرادهم من أمره ‪ ،‬جهال بحاله ‪ ،‬وليس في أمره موافقا لهم ‪.‬‬
‫فهم يلومونه تارة بحكم النقل ‪ ،‬وتارة بحكم العقل ‪ ،‬وتارة بحكم العادة ‪.‬‬
‫فهؤالء ‪ ،‬ولو كانوا ملومين ‪ ،‬فليسوا الذين نعني بالمالمتية األدباء االمناء ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫ظهور حكم ذلك التجلي الذي تغربوا به عن الناس ‪ ،‬فبرز حكم بواطنهم على أجسامهم ‪ ،‬حتى صدر منهم ما‬
‫صدر ‪ ،‬مما اوجب المالمة عليهم ‪ ،‬فهم ضعفاء لظهور أثر ذلك في ظواهرهم‪.‬‬
‫ولهذا نزلوا عن درجة األمانة ‪ ،‬التي اختص بها المالمتية ‪ :‬األمناء ‪ ،‬الخلفاء ‪ ،‬الذين هم محل نظر هللا تعالى‬
‫من هذا العالم ‪ .‬وان صدقت فراستي ‪ ،‬فمنهم سيدي الشيخ شرف الدين اسماعيل بن ابراهيم الجبرتي (و‪ ،‬نفع‬
‫هللا به ‪ ،‬وال نعلم أحدا ممن أدركناه على طريقه ‪ ،‬فهو غريب األولياء ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشيخ اسماعيل الجبرتي ‪:‬‬
‫من كبار صوفية اليمن في عصره ‪ ،‬وهو اهم شيوخ الجيلي المباشرين في الطريق الصوفي ‪ ،‬توفي سنة‬
‫‪ ۸۰۹‬ه ‪ .‬ترجم له ابن حجر في ( كتاب المجمع المؤسس ) ص ‪ ، ۳۷۹‬وفي ( إنباء الغمر ) ج ‪ ۲‬ص ‪۲۷۲‬‬
‫‪ .. ۲۷۳ -‬والخزرجي في ( فراز أعالم الزمن ) مخط‪ ،‬ج ‪ ۲‬ص ‪ ، ۳۹۳‬وفي ( العقود اللؤلؤية ) ج‪ ۲‬ص‬
‫‪ ۱۵۵‬وغيرها ‪ .‬والشرجي الزبيدي في ( طبقات الخواص ) ص ‪ • ۲۷‬ويوسف النبهاني في ( جامع کرامات‬
‫األولياء ) ج‪ ۱‬ص ‪ ، ۵۱۲‬وغير ذلك من المصادر ‪ .‬وانظر ما أوردناه عنه في دراستنا عن الجيلي ( عبد‬
‫الكريم الجيلي ومكانته في الفكر اإلسالمي الصوفي ) ج ‪ ۱‬ص ‪۰۹۲ - ۷۳‬‬

‫‪64‬‬
‫المنظر الرابع واألربعون مظهر التصوف‬
‫الصوفي ‪ :‬من صفا من كدورات البشرية ‪ ،‬بأسماء الحق ‪ ،‬وصفاته ‪،‬وذاته ‪ ،‬فهو مصفی مما سوى الحق‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ولهذا قال بعض المتقدمين من مشايخ العجم ‪" :‬الصوفي هو هللا "‪.‬‬
‫يريد ان مجلي الحق تعالى على قلب الصوفي ‪ ،‬من حيث األلوهية ‪ ،‬ال من حيث ما تحتها من األسماء ‪ ،‬فهو‬
‫أعلى تجليات الحق ‪ ،‬فيما يمنحه عباده ‪.‬‬
‫ولقد روى لي من أثق بروايته ‪" ،‬في رؤيا له" عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أنه قال ‪ ( :‬الصوفي هو هللا )‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لعله اسم کالولی ‪ ،‬يقع على هللا ‪ ،‬ويقع على العبد ‪.‬‬
‫ومن ثم قال شيخنا ‪ ( :‬التصوف كله خلق ) ‪ ،‬يعني األخالق االلهية ‪.‬‬
‫فالتصوف هو التخلق بها ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن التخلق واالتصاف تحصل ‪ ،‬وال يكون إال للغير ‪ ،‬في صفات الغير ‪ ،‬وهذا حجاب ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هللا الحق ‪ :‬ويالحظ أن تعريف الجيلي للصوفي يتفق في صدره مع العديد من التعريفات التقليدية ‪ .‬اما عجز‬
‫تعريف الجيلي فهو جديد في هذا الميدان ‪ ،‬ألنه يستخدم فيه « أسماء الحق وصفاته وذاته »‪،‬‬
‫وإن كان في النهاية يتفق مع عموم المعنى في التعريفات التقليدية ‪.‬‬
‫ومن هذه التعريفات تعريف بشر الحافي ‪ « :‬التصوف من صفا قلبه هللا » ‪.‬‬
‫وسهل التستري ‪ « :‬الصوفي من صفا من الكدر ‪ ،‬وامتأل من الفكر ‪ ،‬وانقطع إلى هللا من البشر ‪ ،‬واستوى‬
‫عنده الذهب والمدر » ‪.‬‬
‫وأبي الحسين النوري ‪ « :‬الصوفية قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية ‪ ،‬وآفات النفوس ‪ ،‬وتحرروا من‬
‫شهواتهم حتى صاروا في الصف األول والدرجة العليا مع الحق ‪ .‬فلما تركوا كل ما سوی الحق صاروا ال‬
‫مالكين وال مملوكين »‪.‬‬
‫والجنيد البغدادي « التصوف‪ ،‬أن يختص هللا بالصفاء فمن اصطفى من كل ما سوى هللا ‪ ،‬فهو الصوفي »‬
‫والجنيد كذلك ‪ « :‬الصوفية قائمون باهلل ال يعلمهم إال هو » ‪ .‬وهكذا ‪ .‬انظر ‪ .‬د‪ .‬أبو العال عفيفي ‪ ،‬في‬
‫التصوف اإلسالمي وتاريخه ‪ ،‬مجموعة بالجون مترجمة عن اإلنكليزية للمستشرق االنجليزى نیکولسون ‪،‬‬
‫ص ‪ ۳۳ ، ۳۱ ،۳۰ ، ۲۹‬ونالحظ في التعريف األول للجنيد قربه من عجز تعريف الجيلى ‪.‬‬
‫ومثله التعريف الذي نقله السراج الطوسي عن أحد الصوفية ‪ ،‬وهو « معنى الصوفي ‪ :‬أن العبد اذا تحقق‬
‫بالعبودية ‪ ،‬وصافاه الحق حتى صفا من كدر البشرية ‪ ،‬نزل منازل الحقيقة ‪ ،‬وقارن أحكام الشريعة ‪ ،‬فإذا‬
‫فعل ذلك فهو صوفي ‪ ،‬ألنه قد صوفی » ‪ .‬اللمع ‪ ،‬ص ‪. ۶۷‬‬
‫ويبقى للجيلي فضل استخدام اسماء هللا وصفاته وذاته ‪.‬‬
‫ال وجود لهذا الحديث بالطبع وانه "في رؤيا له" ‪ ،‬ألن مصطلح " صوفي " لم يكن موجودا ‪ ،‬بالمعنى‬
‫المتعارف عليه ‪ ،‬في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫هذا التخريج لالسم ( هللا ) هو تخريج متعسف للجيلي ال يشاركه فيه أحد من اهل السنة ‪.‬‬
‫فيقول اإلمام الغزالي ‪ " :‬معاني سائر األسماء يتصور أن يتصف العبد بثبوت منها ‪ ،‬حتى ينطلق عليه االسم‬
‫كالرحيم والعليم ‪....‬ـ الخ ‪ ،‬وإن كان اطالق االسم عليه على وجه آخر يباين اطالقه على هللا ‪ .‬وأما معنى هذا‬
‫االسم هللا فخاص خصوصا ال يتصور فيه مشاركة ال بالمجاز ‪ ،‬وال بالحقيقة »‪ .‬انظر ‪ :‬المقصد األسنى ‪،‬‬
‫ص ‪. 48‬‬
‫وال يبتعد القشيري عما قاله الغزالي ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫‪65‬‬
‫« ‪ ...‬ولم يسم به ای االسم هللا غيره تعالى وتقدس ‪ ،‬ولهذا قال بعض المشايخ ‪ :‬كل اسم من اسمائه يصلح‬
‫للتخلق به اال هذا االسم فانه للتعلق دون التخلق »‪ .‬انظر ‪ :‬التحبير في التذكير ‪ ،‬ص ‪۲۰‬‬
‫‪ ۰‬وتعبير الغزالی تعبير مبسط عما عبر عنه القشيري اصطالحا بالتعلق والتخلق ‪.‬‬
‫ويعرفنا الكاشاني بمدلول هذين االصطالحين فيقول ‪ :‬التخلق ‪ :‬هو معرفة معنى االسم بالنسبة الى الحق ‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى العبد » ‪.‬‬
‫أما التعلق فهو ‪:‬‬
‫« افتقار العبد إلى االسم مطلقا ‪ ،‬من حيث داللته على الذات أقدس تعالی » انظر ‪ :‬لطائف األعالم ‪ ،‬مادة‬
‫تخلق وتعلق ‪ ،‬وهذا يعني أن التخلق هو مشاركة مجازية عن طريق المعرفة بالنسبة ‪ ،‬أما التعلق فهو افتقار‬
‫مطلق من جانب العبد الى داللة االسم على الذات ‪ ،‬ای افتقار مطلق للمعرفة ‪.‬‬
‫وإذا انتفت المعرفة ‪ ،‬انتفى مجرد االشتراك المجازي ‪ ،‬كما يعني أن االسم هللا مقصور على الحق تعالى ‪،‬‬
‫وليس في وسع العبد التخلق به ‪ ،‬ومن ثم فهو في افتقار مطلق اليه ‪ .‬وهذا تنزيه الذات ‪ ،‬وهو ما لم ياخذ به‬
‫الجيلي ‪.‬‬
‫( التصوف كله خلق )‪:‬‬
‫هذا التعريف وارد وشائع في مصادر التصوف السني ‪ ،‬وكذلك في مصادر مدرسة ابن عربی ‪ ،‬بصيغ‬
‫مختلفة ‪ :‬فيذكر ابو محمد الجريري ‪ ،‬وقد سئل عن التصوفـ ‪ ،‬فقال ‪ « :‬الدخول في كل خلق سنی ‪،‬‬
‫والخروج من كل خلق دني » ‪.‬‬
‫وكذلك فعل محمد بن علي القصاب ‪ ،‬وهو استاذ الجنيد ‪ ،‬حين سئل عن التصوف ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أخالق كريمة ‪،‬‬
‫ظهرت في زمان کریم ‪ ،‬من رجل كريم ‪ ،‬مع قوم كرام" ‪ .‬انظر ‪ :‬اللمع ‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫وعن أبي حفص الحداد ‪ « :‬التصوف تمام األدب »‪.‬‬
‫وعن أبي بكر الكتاني ‪:‬‬
‫« التصوف خلق ‪ :‬فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء »‪ .‬انظر ‪ :‬أبو العال عفيفي ‪ ،‬المرجع‬
‫السابق ‪ ،‬ص ‪• ۳۰ ، ۲۹‬‬
‫ولدى الكاشاني ‪ ،‬من مدرسة ابن عربی ‪ « :‬التصوف ‪ :‬هو التخلق باألخالق االلهية » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اصطالحات الصوفية ‪ ،‬مادة تصوف ‪ .‬وانظر كذلك لطائف األعالم ‪ ،‬و الكمشخانوی ‪ ،‬نفس المادة ‪.‬‬
‫ورغم ذلك ‪ ،‬فان الجيلى قفز الى هذه النتيجة من مقدمة ال تؤدى الى ذلك ‪ ،‬فهي متعسفة بدورها ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫المنظر الخامس واألربعون منظر التزندق‬
‫يتجلى الحق تعالى على ‪ ‬الولي بتجل مخصوص ‪ ،‬يظهر أثره عليه ‪ ،‬بحكم الغلبة ‪ .‬فيزندقه كل من يراه ‪ ،‬أو‬
‫يسمع به ‪ ،‬أو يعلمه في تلك الحالة ‪.‬‬
‫ومن ثم قال الجنيد ‪( :‬ال يكون الصديق صديقا ‪ ،‬حتى يشهد له في حقه سبعون صديقا ‪ ،‬أنه زنديق)‪.‬‬
‫فهم يشهدون على ظاهره بما ظهر من حاله ‪ .‬ألن الصديق بعطى الظاهر حكم الظاهر ‪ ،‬ويعطي الباطن حكم‬
‫الباطن ‪ ،‬فال يتلبسون بالباطن على الظاهر‪ ،‬وال بالظاهر على الباطن ‪.‬‬
‫فهم يشهدون أنه زنديق ظاهرا ‪ ،‬كما يعلمون أنه صديق باطنا ‪ ،‬لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم ‪.‬‬
‫ومن ثم قيل للفقيه حسن بن أبي السرور ‪" :‬لو كشفنا للخلق عنك لرجموك ! "‬
‫فقال ‪" :‬ولو كشفت لهم عن رحمتك لما عبدوك ‪"..‬‬
‫فقيل له ‪" :‬یا حسن ! ال تقول ‪ ،‬وال نقول ‪"..‬‬
‫يريد بقوله ‪ « :‬لو كشفت لهم عن رحمتك » إظهار سر الربوبية‪.‬ـ‬
‫القول سهل بن عبد هللا ‪ ،‬أن ‪" :‬الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية" ‪ ‬‬
‫والمراد بقوله ‪ " :‬لو كشفنا للخلق عنك لرجموك "‬
‫هو إظهار حقيقة ما هو عليه قلب الولي ‪ .‬فإن الخلق لو عرفوا الولي بذلك لرجموه ‪ ،‬وزندقوه ‪ ،‬وكفروه ‪.‬‬
‫ومن ثم قال زين العابدين شعرا ‪:‬‬
‫يارب جوهر علم لو ابوح به ‪ ……   ‬لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا‬
‫يرون أقبح ما يأتونه حسنا‬ ‫وال ستحل رجال مسلمون دمي ‪..…  ‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫أن من ظهر عليه ‪ ،‬بحكم الغلبة أثر ما تجلی به الحق عليه باطنا ‪ ،‬فهو ضعيف ‪ ،‬غير متمكن ‪.‬‬

‫ألن القوى ال يغلبه غالب ‪ ،‬والمتمكن منصرف باالختيار ‪.‬‬


‫فمن ظهر عليه األثر بحكم الغلبة ‪ ،‬فهو محجوب ‪ ،‬والمحجوب ناقص عن درجة الكمال ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أورد ابن عربی هذا القول بصيغة مختلفة ‪:‬‬
‫« قال الجنيد ‪ :‬ال يبلغ الحد درج الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق » ‪ .‬انظر ‪ :‬الفتوحات ‪ ،‬د ‪،۳‬‬
‫ص ‪. ۲۶۸ - ۲۶۷‬‬
‫والصديق ‪ « :‬هو الكثير الصدق ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬سكيت وصريع إذا كثر منه ذلك ‪ .‬والصديق من الناس من كان‬
‫كامال في تصديقه لما جاءت به رسل هللا علما وعمال ‪ ،‬قوال وفعال ‪ ،‬وال يعلو على مقام الصديقية إال مقام‬
‫النبوة ‪ ،‬بحيث انه من تخطى مقام الصديقية حصل في مقام النبوة ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ ( :‬فأولئك الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقينـ والشهداء والصالحين ) فلم يجعل سبحانه‬
‫وتعالى بين مرتبتي النبوة والصديقية مرتبة أخرى يتخللهما ‪.‬‬
‫وإليه اإلشارة بقوله عليه السالم ‪ ( :‬كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان ‪ ،‬فلو سبقني آلمنت به ‪ ،‬ولكن سبقته‬
‫فآمن بي ) ‪ » ...‬انظر ‪ :‬لطائف األعالم ‪ ،‬مادة صديق ‪ ،‬وكذلك اصطالحات الصوفية ‪ ،‬والكمشخانوی ‪،‬‬
‫نفس المادة ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وسواء كان حسن او حسين بن أبي السرور ‪ ،‬فإننا لم نعثر له على ترجمة ‪.‬‬
‫ومن الواضح أنه صوفي يمنی ‪ ،‬معاصر الجيلى أو سابق له ‪.‬‬
‫وقد اعتادت المصادر اليمنية التي تترجم للصوفية ‪ ،‬على إطالق لقب الفقيه على كل منهم ‪ ،‬والجيلى يسير‬
‫على نفس المنهج ‪ :‬انظر ‪ :‬القسم األول من دراستنا ( عبد الكريم الجيلي ومكانته في الفكر اإلسالمي الصوفي‬
‫)•‬

‫"الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية"‪  $‬هذه العبارة المنسوبة لسهل التستري وردت في العديد من‬
‫المصادر الصوفية بصيغ مختلفة ‪.‬‬
‫ولكن الجيلى هنا بنقل عن مدرسة ابن عربی ‪ :‬فيذكر الكاشاني أن ‪« :‬سر الربوبية ‪ :‬هو ما أشار إليه سهل ‪،‬‬
‫رحمة هللا عليه ‪.‬‬
‫بقوله ‪ ":‬أن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية "‪.‬‬
‫سر الربوبية ‪ :‬هو ما أشار إليه سهل بن عبد هَّللا ‪ ،‬بقوله ‪ :‬إن للربوبية سرا ‪ ،‬لو ظهر لبطلت الربوبية ‪،‬‬
‫ومعناه أن المربوب لما كان هو الذى يبقى على الرب ربوبيته ‪ ،‬لكون الربوبية نسبة بين الرب والممكن‬
‫"العبد ‪ -‬المخلوق" ‪ ،‬فلو ظهر هذا السر للخلق لبطل عندهم ما يترتب عليه الربوبية ‪.‬‬
‫لطائف األعالم ‪ ،‬مادة « سر الربوبية »‪ .‬وانظر نفس المادة في ‪ :‬اصطالحات الصوفية ‪ ،‬والحظ التعقيب‬
‫الوافي لسعادة المحقق الدكتور كمال جعفر ‪ ،‬حيث تتبع نص التستري في (قوت القلوب) ألبي طالب المكي ‪،‬‬
‫و (الكهف والرقيم) للجيلي ‪ ،‬و ( كشاف ) التهانوی ‪ ،‬و ( طبقات ) الشعراني‪ ،‬وفي ( فتوحات ) ابن عربی ‪،‬‬
‫و ( فصوصه )‪ ،‬وفي دراسة للمحقق‬
‫األبيات الشعرية لإلمام على بن الحسين زين العابدين ‪ .‬توفي علم ‪ 14‬هـ ‪.‬‬
‫وقد أورد ابن عربي هذه األبيات في ( الفتوحات ) منسوبة مرة لزين العابدين ‪ ،‬ج ‪ ۳‬ص ‪ ۲۶۹‬فق ‪ ۲۱۸‬ب‪.‬‬
‫ومنسوبة مرة أخرى للشريف الرضي‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫المنظر السادس واألربعون منظر الوقوف مع المراسم‬

‫الوقوف مع المراسم ‪:‬‬


‫هو سريان الولي في أفالك األسماء والصفات ‪ ،‬إلى أن يقف عند مقتضى كل اسم وصفة ‪ ،‬بما هي عليه من‬
‫الذات المقدسة ‪.‬‬

‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬


‫يعلم هللا عبيده األولياء كيفية اإلتصاف باألسماء ‪ ،‬والصفات ‪ ،‬فيظهرون بها بين خلقه ‪ ،‬تخلقا وتصرفا ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫هو ذلك الذهاب في حقائق األسماء والصفات الذي عبر عنه بسريان الولي في فلك األسماء‪.‬‬

‫وليس هذا من شأن صفات الحق تعالى ‪ ،‬فإن هللا تعالى منزه عن الذهاب واإلياب ‪ ،‬ووصف العارف وصف‬
‫المعروف ‪ ،‬فالكامل منزه عن ذلك ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫لو قطع الولی ‪ ،‬اربا اربا‪ ،‬ليظهر أسرار هللا تعالى‪ ،‬لما فعل ‪ ،‬لوقوفه مع المراسم ‪ .‬وصاحب هذا المنظر ‪ ،‬ال‬
‫يصدر منه ما ينكره الشرع ‪ ،‬و يخله العقل ‪ ،‬وال ما تستبعده العادة ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫المنظر السابع واألربعون منظر الكفر ‪ ‬‬

‫البد للموحد أن يمر على قنطرة الكفر ‪ ،‬في ترقيه الى حضرة التوحيد ‪ ،‬وإال فال توحيد وصل ‪.‬‬
‫اال ترى إلى كلمة التوحيد ‪ :‬وقفت على النصف األول منها ‪ ،‬كان كفرا ‪.‬‬
‫فال يجوز أن تقول ‪" :‬ال إله " وتقف عنده ‪ ،‬والبد من قوله مردوفا با " إال هللا" ‪.‬‬
‫فما وصلت كلمة التوحيد اال بعد كلمة الكفر ‪.‬‬
‫اذا كان هذا في الظاهر ‪ ،‬فما قولك فى الباطن ‪ ،‬والظاهر عنوان الباطن ‪.‬‬
‫ومن ثمة ‪ ،‬قال الحسين بن منصور الحالج ‪ ،‬رحمه هللا ‪ ،‬لبعض تالمذته ‪:‬‬
‫( كشف هللا عنك شر الكفر فإن فيه حقيقة اإليمان ‪ .‬وحجب عنك سر االيمان ‪ ،‬فان فيه حق الكفر )‪.‬‬

‫يتجلى الحق تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بتجل يستتر عنه حقائق ما يجب اإليمان به لظهور سبحات‬
‫الجمال ‪.‬‬
‫فيقال ‪ :‬كافر بمعنی ‪ :‬ساتر ‪ .‬والى هذا التجلي اشرنا في قولنا ‪ « :‬البد للموحد يمر على قنطرة الكفر ‪،‬‬
‫فافهم !‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫هو ذهوله بأنوار السبحات ‪ ،‬واشتغاله بها ‪ ،‬عن حقائق و يجب اإليمان به ‪.‬‬
‫فان الذهول الزم للضعيف ‪ ،‬ولوال الحجاب ‪ ،‬كان عنده كفر ‪ ،‬وال إيمان ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫المنظر الثامن واألربعون ‪ ‬منظر االيمان‬
‫لإليمان منظر ‪ ،‬من تجلى هللا تعالى عليه به ‪ ،‬أدرك به سائر العلوم واألسرار‪.‬‬
‫ووصل إلى سائر المقامات العلية ‪ ،‬وقطع به سائر المنازل ‪ ،‬بنفس واحد ‪.‬‬
‫فال يفوته علم ما يورده عليه ‪ ،‬بای بطریق آورد به عليه ‪ ،‬وال يتغرب عليه حكمه ‪ ،‬وال صنيعه ‪ ،‬وال عمل ‪.‬‬

‫فيكاد أن يحيط بتفاصيل االشياء لسعة فلكه ‪ ،‬ووفور حظه من هللا تعالى ‪.‬‬
‫وكنت قد سطرت كلمات في هذا المنظر‪ ،‬من قبيل ما يجده صاحب هذا المنظر ‪ ،‬وأسندته على حسب ما فتح‬
‫هللا به على ‪ ،‬فيما بيني وبينه تعالى ‪.‬‬
‫فوجدت هذا ال يكاد العقل يقبله ‪ ،‬وربما علمت به نزاعا من بعض علمائنا في ذلك‪.‬‬
‫فاستخرت هللا تعالى ‪ ،‬وعزمت على ذلك ‪ ،‬وعلمت أن هللا تعالى لم يكتم ذلك ‪ ،‬اال غيرة عليه ممن ليس من‬
‫أهله ‪.‬‬
‫وجملة حاصل ما كان غرضي أن أثبته ‪ ،‬في هذا المنظر‪ ،‬هو أن يعلم أن هللا تعالى جعل هذا المنظر هیولی‬
‫سائر المناظر* ‪.‬‬
‫فجعل له هيمنة على المناظر االلهية ‪.‬‬
‫فمن تجلی عليه في هذا المنظر وحصل له كمال اإليمان ‪ ،‬ال يحجب عنه سر ‪ ،‬وال يرد له اثر ‪ :‬وكان هو‬
‫اإلنسان الكامل ‪ ،‬المحيط األواخر واألوائل *‪.‬‬
‫ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم ‪ « :‬اتقوا فراسة المؤمن »* ‪.‬‬
‫ولم يقل ‪ « :‬اتقوا فراسة المسلم » ‪ ،‬وال « فراسة المحسن » ‪.‬‬
‫الن االيمان نور هللا ‪.‬‬
‫ولهذا قال ‪ ...« :‬فإنه ينظر بنور هللا به " ‪۰‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن اإليمان متعلق بالغائب ‪ ،‬والغائب محجوب عمن غاب عنه ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* الهيولى يعرفها الجرجاني بقوله ‪:‬‬
‫« الهيولى ‪ :‬لفظ يوناني ‪ :‬بمعنى األصل والمادة ‪.‬‬
‫وفي االصطالح هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من االتصال واالنفصال محل للصورتينـ‬
‫الجسمية والنوعية » ‪.‬‬
‫* انظر التعريفات ‪ ،‬مادة هيولى ‪ .‬وانظر دراستنا عن الجيلى ‪ ،‬ص ‪ ۸۲۹‬وما بعدها ‪.‬‬
‫* انظر عنوان کتاب الجيلي ( اإلنسان الكامل في معرفة األواخر واالوائل ) ‪.‬‬
‫* أخرجه الترمذي في باب التفسير من جامعه ‪ 140‬وقال حديث حسن ‪.‬‬
‫وفي ( المقاصد الحسنة ) للسخاوي ‪ ،‬أن أسانيده كلها ضعيفة‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫المنظر التاسع واألربعون منظر اإلحسان‬
‫يتحد البصر بالبصيرة ‪ ،‬فيشهدك الحق تعالى أنوار عظمته ساطعة على الوجود ‪ ،‬فياخذك الصعق‪.‬‬
‫فحينئذ تبدو عليك شموس الجالل ‪ ،‬واقمار الجمال ‪ ،‬من فلك الكمال ‪ ،‬على وفق مقتضى الحال ‪ ،‬مما ال يدخل‬
‫تحت المقال ‪.‬‬
‫فتشهدها ببصيرتك ‪ ،‬كأنك ناظر إليها بالبصر‪ ،‬التحادها بقوة أحدية نور اليقين ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫اتحاد البصر بالبصيرة ‪ ،‬وهي حجاب ‪.‬‬
‫ألن الشيئين ال يصيرا شيئا واحدا اال في المجاز ‪ ،‬وعلى المحجوب يفوت ذلك ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫المنظر الخمسون منظر الشهادة‬
‫الشهيد من فتكت به سبحات الجمال والجالل ‪ ،‬فأفنته عنه ‪.‬‬
‫فهو مقتول في حركة صدمات التجليات ‪ ،‬أخرس ال ينطق ‪ ،‬أعمى ال ينظر‪ ،‬ميت ال يحى ‪.‬‬
‫أولئك الممحوقين بعد السحق ‪ ،‬مطموسين بعد المحق ‪.‬‬
‫ال يرجعون الى انفسهم ‪ ،‬وال الى هللا تعالى ‪ ،‬بل ليسوا شيئا مذكورا ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجابهم بالحق عن الخلق ‪ ،‬ويخشى على صاحب هذا المنظر فوات الشرائع‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫المنظر الحادي والخمسون منظر الصديقية‬
‫هو مقام وجودك حقائق األسماء االلهية ‪ ،‬والصفات الربانية ‪ ،‬منك فيك ‪ ،‬كما كشف ‪ ‬هللا تعالى ‪ :‬علما ‪،‬‬
‫وعيانا ‪ ،‬وتحقيق ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫قصوره عن إعطاء األسماء والصفات حقها ‪ ،‬بما يقتضيه حقيقة معانيها ‪ ،‬تصرفا وتوصفا ‪.‬‬
‫ألن العبد ‪ ،‬وما يلحق به ‪ ،‬البد أن يكون له نهاية ‪.‬‬
‫فلو حصل من االتصاف ‪ ،‬ماذا عسى أن يحصله ‪ ،‬فإن هللا تعالى من وراء ذلك ‪ ،‬مما النهاية له ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في فهرسة الجيلي في بداية الكتاب ‪ ،‬ذكر الجيلى انها ( منظر تعبد )‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫المنظر الثاني والخمسون منظر القربة‬
‫يتجلى هللا تعالى على عبده ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بتجل يستقدر به على إظهار آثار األسماء والصفات فيظهر‬
‫على هيكله ‪ ،‬كل عضو بما يستحقه ‪.‬‬
‫مثال ‪ :‬فالرجل للخطوة واللسان للكلمة ‪ ،‬وامثال ذلك من سائر أعضائه ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫عجزه عن استيفاء ما اتصف به ‪ ،‬مما في مطاوي األسماء والصفات‪ ،‬فال يظهر على الهيكل إال قطرة من‬
‫نهر ‪ ،‬أو موجة من بحر ألن الحكمة اقتضت ذلك ‪.‬‬
‫فكما أن دار الدنيا ال تسع ظهور الحق تعالى ‪ ،‬كمال الظهور ‪ ،‬كذلك جسم اإلنسان ال يسع ظهور آثار جميع‬
‫ما يتصف به هو من هللا تعالى في باطنه ‪ ،‬فيعجز عن إظهار ذلك الكمال على جسده من مقتضياته حتما‬
‫مقضيا ‪.‬‬
‫ولوال ذلك ‪ ،‬لما مات ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫المنظر الثالث والخمسون منظر العبودية‬
‫يرجع العبد من الحق ‪ ،‬الى الخلق ‪ ،‬بالحق ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬وقد تمكن من التصرف بحقائق مقتضيات‬
‫األسماء والصفات ‪.‬‬
‫فيقف بعد الكشف ‪ ،‬دون الحجاب ‪.‬‬
‫وما كل من رجع من الحق الى الخلق ‪ ،‬يرجع من هذا المقام ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫ذلك الرجوع الى الخلق ‪ ،‬ولو كان بالحق ‪ ،‬فإنه رجوع من العالم الجبروتي ‪ ،‬إلى العالم الناسوتي ‪.‬‬
‫ولكن فيه لطيفة ‪ ،‬وهي لتحقيق المقام االلهي ‪ ،‬في هذا العالم الجسماني ‪.‬‬
‫ولوال القصور والحجاب لما طلب ذلك التحقق ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫المنظر الرابع والخمسون منظر الهداية‬
‫من أقامه هللا في هذا المنظر ‪ ،‬يشهد المعاني واألحكام ‪ ،‬صورا وجوبية عينية ‪ ،‬فال يعتريه تسهيل في األمور‬
‫االلهية ‪،‬وال تأخذه فترة عن الترقي في الكماالت االنسانية‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على قلب عبده ‪ ،‬بتجل يقيمه في سنن صراط هللا ‪ ،‬فيتصف بما وصف‬
‫هللا به ‪.‬‬
‫وكلما فقد شيئا ‪ ،‬تجلی هللا عليه بتجل يعلمه ما فقد من تلك الكماالت اإللهية ‪ ،‬فيستعد لذلك بطلبه‪.‬‬
‫ثم يتجلى هللا عليه ‪ ،‬فيوجده ما فقده ‪.‬‬
‫ثم يفتقد العبد ذاته ‪ ،‬فيجده فقد شيئا من صفات هللا تعالى ‪ ،‬فيتجلى هللا عليه بتجلي يعلمه ما فقده ‪.‬‬
‫ثم يستعد لذلك ‪ ،‬فيتجلى هللا عليه بتجلي يوجده ما كان فقده‪.‬‬
‫هكذا ال يزال صاحب هذا المقام ‪ ،‬في هذه التجليات ‪ ،‬إلى ما ال نهاية له ‪.‬‬
‫" ذلك هدى هللا يهدى به من يشاء من عباده" ‪ .‬االنعام ‪ ،‬آیه ‪۸۸‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫ذلك الفقدان ‪ ،‬الذي يحصل الوجدان بعده ‪ ،‬ولوال ذلك الفقدان لما اهتدى ‪.‬‬
‫وليس ذلك من صفات الكمال اإللهي ‪ ،‬والشأن الذاتي ‪.‬‬
‫فالحجاب الزم لمقام الهداية أصال ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫المنظر السادس والخمسون منظر النهاية‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على قلب العبد بتجلي ‪ ،‬يعرف فيه قدر هللا تعالى ‪ ،‬فيشم رائحة من‬
‫الكماالت االلهية ‪ ،‬فيقول عندها بالعجز عن اداء حقوق الكمال ‪ .‬فنهاية العبد رجوعه الى العجز الكلي ‪:‬‬
‫سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ‪ ،‬ألنا عرفنا أن لك معرفة مخصوصة ‪ ،‬ال يجوز لعالم التركيب أن يعرفوك‬
‫بها ‪.‬‬
‫ونحن من عالم التركيب ‪ ،‬فعرفنا أنا ما عرفناك حق معرفتك ‪.‬‬
‫يشهد الحق تعالى عبده ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬كماالته ‪ ،‬في مقام العندية ‪ ،‬بالنون ‪ ،‬ثم يرسله الى عالم التركيب ‪.‬‬
‫فيقول له ‪ :‬صف ما رأيت ‪ ،‬وأثنى بما علمت !‬
‫فيقول ‪ « :‬ال أحصى ثناء عليك » ‪،‬ألن مقام التركيب ال يسع ظهور ما هو في مقام العندية ‪ ،‬بالنون ‪.‬‬
‫« انت كما اثنيت على نفسك »‪ ،‬مما علمتنيه ‪ ،‬و أشهدتني إياه عندك ‪ ،‬انه لك ‪ ،‬فال يكون ظهور ذلك‬
‫بكماله ‪ ،‬إال في مقام العندية ‪ ،‬وهو لك ‪.‬‬
‫وأما مقام التركيب ‪ ،‬وعالم الكون ‪ ،‬فال يسع ذلك ‪ ،‬إذ ال قابلية له به ‪ .‬فيرجع العبد الى االعتراف بالعجز‬
‫ضرورة ‪ ،‬وذلك نهايته ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫هو ذلك العجز المنافي لوصف هللا تعالى ‪ ،‬فلوال الحجاب لما كان عاجزا ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫المنظر السابع والخمسون منظر الغاية‬

‫انت غاية كل غاية ‪ ،‬ونهاية كل نهاية ‪ ،‬وحقيقة كل مقصود ‪ ،‬وبك وجود كل موجود ‪ .‬فال تخرج عنك ‪ ،‬وال‬
‫تتشوف الى غير حالتك ‪.‬‬
‫وقل ‪ :‬تعاليت يامن ال نهاية له !‬
‫وهو غاية كل غاية ‪ ،‬فسبحان الكبير المتعال ‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬على قلب العبد ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بتجلي يرى ما ال يدركه ‪ ،‬ويجد ما ال يعرفه ‪ ،‬ويعرف‬
‫ما ال يراه ‪.‬‬
‫فيفوته الضبط ‪ ،‬وال يستقر عنده وجود ‪ ،‬وال علم ‪ ،‬وال رواية ‪ ،‬وال رؤية ‪ ،‬وال إدراك ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬ما يدرى ما يقول ‪.‬‬
‫ویری ‪ :‬ما یدری ما یری ‪.‬‬
‫ويفوت عنه ‪ :‬ما يدري ما يفوت عنه‪.‬‬
‫فيسمع من كل جهة ‪ " :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون " ‪.‬‬
‫ويجيب ‪ ،‬بكل لسان ‪" :‬وما قدروا هللا حق قدره "‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫عدم االستقرار ‪ ،‬الذي هو االستيالء ‪ ،‬وهو مناف لصفات الكمال ‪.‬‬
‫فلوال النقص ‪ ،‬لما فانه ما فاته ‪ ،‬وال بد من ذلك الفوات ‪ ،‬ألن هللا تعالى ال نهاية له‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫المنظر الثامن والخمسون منظر الجمال‬
‫تتنوع تجليات الحق تعالى ‪ ،‬في منظر الجمال ‪ :‬فتارة يتجلى باللطف ‪ ،‬وتارة بالرحمة ‪ ،‬وتارة بالعلم ‪ ،‬وتارة‬
‫بالفضل ‪ ،‬وتارة بالجود ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪ ،‬إلى ما ال نهاية له من تجلياته ‪..‬‬
‫ثم إن تجليات هللا تعالى على قلوب عباده كلها ‪ :‬اما جمال الجالل ‪ ،‬وإما جالل الجمال ‪.‬‬
‫وقد أوسعنا القول في هذا المعنی ‪ ،‬في كتابنا الموسوم به ( اإلنسان الكامل ) ‪.‬‬
‫واعلم أن هللا تعالى ‪ ،‬إذا تجلى لعبده ‪ ،‬في منظر الجمال ‪ ،‬رای ذلك العبد جميع األشياء ملحقة باهلل ‪.‬‬
‫فال يمر بحجر ‪ ،‬وال مدر ‪ ،‬وال حيوان ‪ ،‬وال شيء من األشياء ‪ ،‬إال وتلوح له تجليات الجمال من تلك األشياء‬
‫‪ ،‬بال حلول ‪ ،‬وال اتحاد ‪ ،‬بل على التنزيه الالئق به ‪ .‬وذلك ألن هللا تعالى يكشف له عن محتد الموجودات ‪،‬‬
‫فال يمر بموجود اال ويكشف له عن محتده ‪ ،‬من جمال هللا تعالى* ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫يسمع العبد من هللا ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬آیه ‪ ( :‬فأينما تولوا فثم وجه هللا ) ‪.‬‬
‫صاحب هذا المنظر ‪:‬‬
‫يكون عنده علم توحيد الحق في سائر المخلوقات ‪ ،‬وترد عليه مالئكة الحقائق بأنواع علوم التوحيد ‪ ،‬في هذا‬
‫المنظر ‪.‬‬
‫فال تزال تهديه إلى الحق تعالى ‪ ،‬حتى يترقى عنها ‪ ،‬وعن نفسه ‪ ،‬وعن علومها ‪ .‬فيفني عن جميع‬
‫ذلك ‪ ،‬ثم يفنى عن الفناء ‪ ،‬ثم يبقى ببقاء هللا تعالى ‪.‬‬
‫فإذا صار باقيا باهلل ‪ ،‬شم رائحة من الجالل ‪ ،‬فينتقل من منظر الجمال ‪ ،‬الى منظر الجالل‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫احتجابه بالجمال عن الجالل ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* هذه الفقرة هامة للغاية ‪ ،‬من حيث أنها تبين وجهة نظر الجيلى ‪ ،‬فيما فهم عنه ‪ ،‬ونسب إليه ‪ ،‬من الزعم‬
‫باعتقاده بربوبية كل شيء من جماد ونبات وحيوان وإنسان ‪.‬‬
‫وصاحب هذا الفهم هو ‪ :‬الحسين بن عبد الرحمن األهدل اليمني المتوفى ‪ 835‬هـ ‪.‬‬
‫وهو معاصر للجيلي ‪ ،‬والوحيد الذي ذكره في نص نادر طريف ‪ ،‬يقول ‪ .. « :‬وكان من أهلكم في هذا البحر‬
‫" الشطح والحلول واالتحاد ‪ : "۰۰‬عبد الكريم الجيالني العجمی ‪ .‬اجتمعت به قبل أن أعرف مذهبه بأبيات‬
‫حسين ‪ ،‬وبها توفي ‪.‬‬

‫وهو مدفون في تربة الشيخ إبراهيم الجيلي ‪.‬‬


‫حكي لي عنه فقيه صادق متقن ‪ ،‬انه صاحبه في بعض أسفاره ‪ ،‬فسمع منه الثناء العظيم على ابن عربی‬
‫وعلومه وكتبه ‪ ،‬وسمع منه التصريح بربوبية كل من يلقاه في الطريق ‪ :‬من انسان ‪ ،‬او طائر ‪ ،‬أو شجر ‪...‬‬
‫»‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬كشف الغطاء عن حقائق التوحيد ‪ .‬ق ‪ ۱۸۶‬ظ مخط مج طلعت ‪ • ۳۶۸‬وقد بشره الدكتور أحمد‬
‫بكير ‪ ،‬تونس ‪ ،‬دون تاریخ ‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫ومن الواضح أن الفقيه الذي نقل عن الجيلى ‪ ،‬لم يحسن النقل ‪ ،‬أو لم يفهم مقصوده ‪ .‬فما فهمه على أنه‬
‫( وحدة ربوبية ) ال يخرج عن كونه ( وحدة جمال ) ‪ ،‬وشتان ما بين االثنين ‪.‬‬

‫وتسمية الجيلى وحدة الجمال ب ( علم توحيد الحق في سائر المخلوقات ) هي تسمية خطيرة ‪.‬‬

‫راجع دراستنا عن الجيلى ‪ ،‬انظر ‪ ( :‬عبد الكريم الجيلي ومكانته ‪...‬ـ الخ ) ومواضع اخرى ‪..‬‬

‫‪81‬‬
‫المنظر الخامس والخمسون منظر البداية‬

‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على قلب العبد ‪ ،‬بتجلي يعيده الى المحل العلمي اإللهي ‪ ،‬الذي بدا منه ‪،‬‬
‫الى العالم العيني ‪.‬‬
‫فال يكون لهذا العبد ‪ ،‬في العالم العيني ‪ ،‬وجود البتة ‪ ،‬بل يفنی سائر وجوده ‪ ،‬ويضمحل تركيبه ‪ ،‬ويذهب في‬
‫الذاهبين ‪.‬‬
‫فيرجع الى المحل العلمي ‪ ،‬فال يكون موجودا إال في علم هللا وحده ‪ ،‬ال يعلمه غير هللا تعالى ‪ ،‬وال يعلم هو‬
‫نفسه ‪ ،‬وال يعلمه غيره ‪.‬‬
‫بل ينقطع وجوده من عالم األكوان ‪ ،‬انقطاعا اطالقيا ‪ ،‬فال يوجد إال في علم هللا ‪ .‬ذلك هو الولي الغائب عن‬
‫وجوده ‪ ،‬والوجود غائب عنه ‪ ،‬فال يعرف من هو ‪ ،‬وال يفهم أحد ما يقول ‪ ،‬وال يعلمه إال هللا تعالى ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫تلك الغيبوبة ‪ ،‬وذلك الفناء ‪ ،‬اللذان ليسا هما من وصف هللا تعالى ‪ :‬ولوال الحجاب ‪ ،‬لما كان هذا العبد‬
‫موصوفا بهما‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫المنظر التاسع والخمسون منظر الجالل‬

‫يتجلى الحق سبحانه وتعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بصفات القهر والكبرياء والعظمة والقدرة‬
‫والجبروت ‪ ،‬فيندك جبله ‪ ،‬وتصعق نفسه ‪ ،‬فيقع في بحار من الهيبة ‪ ،‬تتالطم أمواجها بالنار ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬يسمع العبد صلصلة الجرس ‪.‬‬
‫وأول بدؤه في الكشف ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬يسمع تصادم الحقائق ‪ ،‬بعضها مع بعض ‪ ،‬فيجد لها أطيطا ‪ ،‬يمأل‬
‫ما بين السماء واألرض ‪.‬‬
‫ثم اذا تقوى ‪ ،‬وثبت لسماع ذلك ‪ ،‬يترقى ويسمع صلصلة الجرس ‪ ،‬عند رفع الستر عن الصفة القاهرية ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫يتصف األولياء بالصفة القادرية ‪ ،‬فيخترع الرجل منهم ما شاء من عجائب القدرة ‪ ،‬والتكوينات التي ال يسع‬
‫شرحها ‪.‬‬
‫ومادام العبد في تجليات الجالل ‪ ،‬فإنه ال يمكنه أن يبرز شيئا من عالم غيبته الى عالم شهادته ‪ ،‬اآلن عالم‬
‫الشهادة يضيق عن حمل ذلك ‪ .‬فال تكون اختراعاته ‪ ،‬وانفعاالته ‪ ،‬و خرقه للعوائد ‪ ،‬إال في عالم غيبه ‪ ،‬حتى‬
‫ينتقل من هذا المنظر ‪ ،‬الى منظر الكمال ‪ ،‬فتتنزل حقائقه ‪ ،‬من سره إلى روحه ‪.‬‬
‫ثم تفيض روحه على قلبه ‪ ،‬ثم يفيض قلبه على نفسه ‪ ،‬ثم تفيض نفسه على هيكله ‪ .‬فتبرز آثار ما اتصف به‬
‫في عالم شهادته ‪ ،‬على التدريج والحكمة ‪ ،‬ألن دار الدنيا دار حكمة ‪ ،‬فال تبرز تلك األشياء فيها ‪ ،‬إال على‬
‫طريق الحكمة ‪ ،‬في القالب االنسانی ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫احتجابه بالجالل عن الكمال ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫المنظر الستون منظر الكمال‬

‫يتجلى الحق تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على العبد بأسماء المرتبة ‪ ،‬فيكشف له عن التجلي الرحمانی مں فوق‬
‫عرش الربوبية ‪ ،‬فيتصنف بصفة االستواء ‪.‬‬
‫في هذا المنظر ‪:‬‬
‫تتعشق األمور الكمالية بالعبد ‪ ،‬تعشقا ذاتيا ‪ ،‬فتكون ذاته مستوعبة للكماالت ‪ ،‬من حيث اقتضأتها ‪ ،‬فال‬
‫كمال ‪ ،‬وال جمال ‪ ،‬وال جالل ‪ ،‬وال نعت ‪ ،‬وال صفة ‪ ،‬وال أمر على ‪ ،‬وال مشهد جلی ‪ ،‬اال وهو مضاف الى‬
‫صاحب هذا المنظر ‪.‬‬
‫وفي هذا المحل ‪:‬‬
‫يعطى العبد من مفاتيح الغيب ‪ ،‬التي هي عند هللا تعالى ‪ ،‬على قدر قوة قابلية روحه ‪ ،‬وتحققه فيما اتصف‬
‫به ‪ .‬ألن هذا العبد قد صار في مقام العندية ‪ ،‬بالنون ‪ ،‬ومن كان عند هللا تعالي في هذه العندية ‪ ،‬آتاه هللا تعالى‬
‫ذلك ‪ ،‬كما فعل مع نبيه ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬حين أتاه جبريل بمفاتيح خزائن األرض ‪ ،‬فاختار الفقر ‪.‬‬
‫ومفاتيح خزائن األرض من جملة مفاتيح الغيب ‪ ،‬ألن خزائنها غيب ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫احتجابه بتجليات اسم المرتبة ‪ ،‬عن التجلي الذاتي المخصوص باهلل تعالى ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعرف الكاشاني ( مفاتيح الغيب ) بأنها‬


‫‪ " :‬هي معاني أصول األسماء ‪ ،‬أو قل ‪ :‬هي باطن أصول أئمة األسماء ‪ ،‬التي هي عين التجلي األول ‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ( ال يعلمها إال هو ) ‪ ..‬وهي األسماء األول الذاتية التي ال يعلمها إال هو ‪...‬ـ وهي أصول‬
‫األسماء والصفات باعتبار تعيينها في البطن السابع الذي هو ابطن كل باطن وبطون " لطائف االعالم ‪ :‬مادة‬
‫( مفاتح الغيب )‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المنظر الحادي والستون منظر االستواء‬

‫في هذا المنظر ‪:‬‬


‫يستوى اتصاف العبد بصفات هللا تعالى ‪ ،‬واتصافه بصفات نفسه ‪ ،‬فال يجد في شيء منها تكلف ‪ ،‬وال يحتاج‬
‫الى تعمل ‪.‬‬
‫فيكون في أوصاف هللا تعالى ‪ ،‬كما هو في اوصاف نفسه ‪ :‬يتصف بما شاء ‪ ،‬فيظهر أثره ‪ ،‬ويترك ما شاء ‪،‬‬
‫فيظهر اثره ‪ ،‬ويترك ما شاء ‪ ،‬وهو له ‪ ،‬فيخفي أثره ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫عدم االستيالء ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي "العرش ‪ :‬هو كل موجود يوجد فيه ذات هللا سبحانه وتعالى بحكم االستيالء "‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫المنظر الثاني والستون منظر االستيالء‬

‫اذا استولت الصفات االلهية ‪ ،‬واألسماء الذاتية ‪ ،‬سائر العبد ‪ ،‬بأن يتحقق جسمه ‪ ،‬الذي هو هيكله ‪ ،‬بما هو‬
‫متحقق به في روحه ‪ -‬فقد استعد لهذا المنظر ‪.‬‬

‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬


‫من العجائب والغرائب ‪ ،‬ما ال يسع شرحه ‪ ،‬مما يؤتاه الولی‪.‬ـ‬

‫فيكون جسمه له حكم ‪ ،‬حقيقته ‪ :‬ما لروح غيره من العارفين ‪.‬‬

‫وهذا المشهد هو المسمى بالتجلي الرحمانی ‪ ،‬وهو في اإلنسان نسخة ما في الوجود ‪ ،‬من آیتی ‪ " :‬الرحمان‬
‫على العرش استوی ‪ .‬له ما في السموات ‪ ،‬وما في األرض ‪ ،‬وما بينهما ‪ ،‬وما تحت الثرى "‪.‬‬
‫حينئذ يستولى حكم الحق تعالى على العبد ‪ ،‬فال يبقى لبشريته اثر ‪ :‬ذلك هو الولي ‪ ،‬الذي يحيي الموتى ‪ ،‬وهو‬
‫على كل شيء قدير* ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬


‫عدم استيفاء ظهور كل ما تحققت به روحه على جسده ‪.‬‬
‫فان اتمام ذلك غير ممكن البتة ‪ ،‬فالبد من نقص الجسد عن درجة الروح ‪.‬‬
‫والبد من نقص درجة الروح عن درجة مطلق الكماالت االلهية ‪ ،‬وهذا حجاب ‪ ،‬ونقص ‪ ،‬فهو آفة هذا المقام‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫* هذه الجملة اقتباس من قوله تعالى ‪ ( :‬فاهلل هو الولي ‪ ،‬وهو يحيي الموتى ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير )‬
‫الشورى ‪ ،‬آية ‪9‬‬
‫يقول الشيخ األكبر ابن العربي الحاتمي ‪ :‬االستواء الذي هو االستقرار إلى االستواء الذي هو االستيالء‪.‬‬
‫يقول الشيخ ابو حامد الغزالي ‪ :‬واالستيالء يتم بالقدرة والعلم ‪ ،‬وعليه يدل قوله تعالى ‪ ":‬وكان هللا على كل‬
‫شيء مقيتا " ‪ ،‬أي مطلعا قادرا ‪ .‬فيكون معناه راجعا إلى القدرة والعلم‪.‬‬
‫ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي ‪ " :‬البسط إعطاء العبد حقيقته العلمية على تمامها ‪ ،‬والقبض ظهور‬
‫االستيالء اإللهي على تلك الحقيقة لنقصان ظهورها "‬
‫يقول الشيخ األكبر ابن العربي الحاتمي الطائي عن االستواء اإللهي و االستواء الرحماني‬
‫وهكذا يتضح أنه في االستواء اإللهي حصل اإلستواء في نقطة الدائرة ‪ ،‬بينما في االستواء الثاني كان الحق‬
‫محيطا بالدائرة التي هي العرش ‪.‬‬
‫ففي األول " االستواء اإللهي " ‪ :‬القلب وسع الحق ‪.‬‬
‫بينما في الثاني " االستواء الرحماني " الحق وسع العرش وأستوى عليه ‪.‬‬
‫فالحق في االستواء اإللهي بمثابة العرش في اإلستواء الرحماني ‪ ،‬والقلب بمثابة الحق ‪.‬‬
‫إذن ‪:‬‬
‫‪ .1‬االستواء اإللهي ‪:‬‬
‫هو تجلي الحق على القلب اإلنساني ‪ ،‬واتساع هذا األخير له ‪ ،‬فالحق يتجلى على قلب العبد ‪ ،‬وقلب العبد‬
‫يدور مع الحق اينما دار ‪ ،‬وهذا التقلب الذي هو صفة للقلب مكنه من اإلتساع للحق ‪ ،‬فال مخلوق يتسع لتوالي‬
‫تجليات الحق سوى هذا القلب اإلنساني ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ .2‬االستواء الرحماني ‪:‬‬
‫هو استقرار وإستيالء الحق على العرش ‪.‬‬
‫وقد خص الشيخ األكير ابن العربي االستواء الرحماني بالعرش ‪ ،‬ألن العرش هو الموجودات التي يمدها‬
‫بالوجود "‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫المنظر الثالث والستون منظر اللذة السارية‬
‫يتجلى الحق تعالى بتجلي يكشف فيه للعبد بمكانه من الحقائق االلهية ‪ ،‬فيظهر له من هللا ما لم يكن يحتسب ‪.‬‬
‫ويؤتى من التحف والطرف ما ال يخطر على قلب بشر ‪ :‬فيجد ‪ -‬لوجود تلك المعاني االلهية ‪ ،‬بكشف عوالمها‬
‫من نفسه ‪ -‬لذة سارية ‪ ،‬في جميع أجزائه ‪ ،‬مستولية على جوارحه واعضائه ‪ ،‬إلى أن يغشي عليه من قوة تلك‬
‫اللذة ‪ ،‬وهي لذة محسوسة ‪ ،‬موجودة ‪.‬‬
‫غير انها منزهة عن أن يماثلها ‪ ،‬أو يقرب منها ‪ ،‬شیء من لذات الدارين ‪.‬‬
‫* غيبت في هذا المنظر "الشيخ عبد الكريم يتكلم عن نفسه"عن العالم الكوني ‪ ،‬فكشف لي عن عوالم األسماء‬
‫والصفات ‪ ،‬وكيفيتها ‪ ،‬في عالم ذاتی ‪.‬‬
‫ووجدت كل ذرة من وجودی ‪ ،‬حاملة من المعارف الكمالية ‪ ،‬ما ال يمكن شرحه ‪ .‬فأعطتني عوالي كل اسم ‪،‬‬
‫وصفة ‪ ،‬ومعنى ‪ ،‬ومرتبة ‪ ،‬ما ال نهاية لها ‪.‬‬
‫فلما وجدت ما وجدت ‪ ،‬مرت في لذة الهية ‪ ،‬حتى ذقت أمرا محسوسا ‪ ،‬تكاد الروح أن تذهب لوجدانه ‪.‬‬
‫فلما رجعت الى عالم األكوان ‪ ،‬حدث في حادث ‪ ،‬وكنت يومئذ مبتدئا في هذه الطريق ‪ ،‬فلزمني البدء ‪ ،‬أن‬
‫أعرض قصتي على رجل كنت أعرفه ‪ ،‬من أهل هللا تعالى ‪ ،‬فلما عرضت عليه أمر الحادث ‪.‬‬

‫فقال لي ‪ :‬إن حصول الحادث لوجود بقية بشرية ‪ ،‬ولكنه عالمة صحة هذا المشهد‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫تلك اللذة ‪ ،‬فإنها تأخذ العبد إليها بالضرورة ‪.‬‬
‫وأسباب العبد إليها ‪ ،‬بحسب الضرورةـ ‪ ،‬نقص ‪.‬‬
‫ألن المضطر ينافي القدرة االلهية ‪ ،‬التي هي صفة العارف ‪ ،‬وذلك حجاب الزم ‪ ،‬وهو من أجل بقية بشرية ‪،‬‬
‫وهي التي أشار إليها الرجل ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬في تربيته لي‪.‬‬
‫فال يتوهم متوهم ‪ ،‬أن من وجد تلك اللذة ‪ ،‬ولم يحدث به ذلك الحادث ‪ ،‬كان أكمل ممن وجده ‪ ،‬ثم حدث به‬
‫الحادث ‪ ،‬ألن البقية الزمة للذة تلك ‪.‬‬
‫وال يوصل إلى تحقق مقام تلك اللذة ‪ ،‬إال بذلك الحادث ‪ ،‬فمن لم يحدث به ذلك الحادث ‪ ،‬لم تتم له اللذة ‪ ،‬بل‬
‫ما عنده اال طرف منها ‪.‬‬
‫ألن اللذة المستولية عليه ‪ ،‬إذا غمت الحس ‪ ،‬وأخذت صاحبها بكليته ‪ ،‬ال يجد بدا من أن يمني ‪.‬‬
‫ولهذا وجب الغسل على الميت ‪ ،‬ألن الروح اذا أخذت في عالم الملكوت ‪ ،‬واتسعت من هذا المضيق‬
‫الجسماني‪.‬‬
‫تجد لذلك لذة كلية تسري في هيكله ‪،‬آخر نفس في النزاع "األخير"‪ ،‬فال يجد بدا من أن يمني‪.‬‬
‫فلهذا أوجب الشارع غسل الميت ‪ ،‬حتى ان من لم يبلغ الحلم ‪ ،‬البد أن يخرج منه ‪ ،‬عند موته ‪ ،‬شيء يكون‬
‫بمنزلة المني من غيره ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫المنظر الرابع والستون منظر الكشف والعيان‬
‫ينفتح للعبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬حول عينه دائرتان ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬تسمى دائرة العين الصغرى ‪ ،‬فيها يرى المحسوسات ‪ ،‬من وراء كنائف الحجب الحسية ‪ ،‬أشخاصا‬
‫معينة ‪.‬‬
‫فال تحجبه الجدارات ‪ ،‬وال البعد ‪ ،‬وال شيء من ذلك ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬تسمى دائرة العين الكبرى ‪ ،‬فيها يري البرزخ ‪ ،‬والملكوت ‪ ،‬وعوالم األرواح ‪ ،‬ويطلع على الجنان ‪،‬‬
‫والنيران ‪ ،‬وأنواع النعيم ‪ ،‬والعذاب ‪.‬‬
‫ويعرف أجناس المالئكة ‪ ،‬وفي أي وظيفة أقام الحق تعالى كل نوع من هذه المالئكة ‪ ،‬وتخاطبه‬
‫الروحانيات ‪ ،‬بما فيها من األسرار االلهية ‪ ،‬ويلقي إليه من سؤاالت العلوم اللدنية ‪ ،‬واجوبتها ‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫مما يطول شرحه‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بمنظر العيان والكشف ‪ ،‬عن منظر الوجدان والشم ‪.‬‬
‫فاذا اردت الفرق ما بين المنظرين ‪ ،‬فتأمل الدائرة الصغرى ‪ ،‬كيف هي حاصلة لكل ما ينتقل من الدنيا الى‬
‫البرزخ ‪.‬‬
‫فإنه إذا صار السالك من عالم األرواح ‪ ،‬لم تحجبه المحسوسات مع كثائفها ‪ ،‬بل يشهد البعيد ‪.‬‬
‫كما يشهد القريب ‪ :‬فما زاد صاحبها بان ضيع حاصل وقته ‪ ،‬بالوقوف مع اجتالب وأما الدائرة الكبرى ‪،‬‬
‫فملحق بالثانية ‪ ،‬ألن الشخص إذا انتقل من البرزخ ‪ ،‬الى الجنة ‪ ،‬أو النار ‪ -‬وجد تلك الدائرة بعينها ‪.‬‬
‫فما زاد صاحبها اال بان حصل الحاصل ‪ ،‬وليس مطلوب أهل هللا تعالى ‪ ،‬إال العلم باهلل تعالى ‪ ،‬وبه يعلم‬
‫األشياء شما ووجدانا ‪.‬‬
‫وسیاتی بیان ذلك في المنظر التالي ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المنظر الخامس والستون منظر الستر‬

‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬على العبد ‪ ،‬بتجلي تستتر عنه سائر العوالم الكونية ‪ ،‬فال يعلم لألكوان علما ‪.‬‬
‫فهو كأحد عوام الناس في االطالع على األشياء ‪ ،‬ال يعلم ما تحت جنبيه ‪.‬‬

‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬


‫قال سيد أهل هللا تعالى ‪ " :‬وما أدري ما يفعل بي وال بكم (‪.")9‬سورة األحقاف ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫في حقنا ‪ ،‬ال في حق النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬هو اشتغالنا بالحق عن الخلق ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫المنظر السادس والستون منظر الشم‬
‫يتجلى الحق تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بتجل يعلم به ‪ ،‬من العلم الخاص باهلل ‪ ،‬على قدر قوة‬
‫قابليته ‪.‬‬
‫وهذا العلم هو الحاصل بطريق الوجدان ‪ ،‬والشم ‪ ،‬فال يسمى عيانا وال كشفا ‪ ،‬اال على سبيل المجاز ‪.‬‬
‫وأما على الحقيقة ‪ :‬فليس هو اال وجدان ‪ ،‬وشم ‪ ،‬ويقين ‪ ،‬وعلم ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫يعلم أحوال الممكنات ‪ ،‬بما هي عليه من المقتضيات ‪ ،‬والشئون والتقلبات ‪ ،‬وال يعزب عنه أمر يريد كشفه ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو أن هذا العلم الحاصل ال يتفق األحد ‪ ،‬على سبيل الشمول ‪ ،‬والحيطة ‪ ،‬إال في العالم الغيبي ‪ ،‬من حيث‬
‫الشأن اإللهي العلمي ‪ ،‬ولكنه ال يفصل في عالم الشهادة‬
‫اال نبذة منه ‪..‬‬
‫وال يمكنه االستيفاء بوجه من الوجوه ‪ .‬وذلك نقص ‪ ،‬ألن هللا تعالى صفته ان غيبه شهادته ‪ ،‬وشهادته غيبه ‪،‬‬
‫وال يفوته علم شيء من ذلك ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫المنظر السابع والستون منظر الحضائر‬
‫هللا عباد سماهم " اهل الحضائر " قد تجلى عليهم بتجليات متعينة ‪ ،‬أكسبتهم تلك التجليات ‪:‬‬
‫معارف آداب الدخول في الحضرات ‪ ،‬فاذا اراد احدهم دخول حضرة الحق تعالى ‪ ،‬استحضر تلك المعارف ‪،‬‬
‫وتأدب بآدابها ‪ ،‬فيفتح له باب الى حضرة الحق تعالى ‪ ،‬فيقف بين يدي الحق ‪ ،‬بما شاء هللا تعالى ‪.‬‬
‫وهؤالء هم نوع من العارفين ‪ ،‬يخرجون عن محاضرهم اإللهية ‪،‬لمصالحهم الخلفية‪.‬‬
‫فاذا فرغوا منها ‪ ،‬رجعوا إلى هللا تعالى ‪ ،‬ودخلوا حضرة الحق تعالى ‪.‬‬
‫قد جرت سنة هللا تعالى ‪ ،‬أن ال يمنعهم الدخول ‪ ،‬متى شاؤه ‪.‬‬
‫فهم مأذون لهم بالدخول والخروج الى حضراتهم المخصوصة بهم ‪،‬ال الى ما فوقها‪.‬‬
‫وقد شاهدت طائفة من هذه الطبقة ‪ ،‬منهم ‪:‬‬
‫أخونا العارف ‪ ،‬لسان المعارف "أبو بكر بن محمد الحكاك"* رحمه هللا تعالى ‪ ،‬واعرف من أولياء زماننا‬
‫هذا جماعة ‪ ،.‬هم في هذه الطبقة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫ذلك االستحضار لتلك المعارف‪ ، ،‬ليتأدب بما هو في مطاويها ‪.‬‬


‫وهذا نقص ‪ ،‬ألن الولي حاضر ‪ ،‬ال مستحضر ‪ ،‬أديب ‪ ،‬ال متأدب ‪.‬‬
‫واالحتياج الى االستحضار عجز وحجاب ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*هو فخر الدين أبو بكر بن محمد الحكاك ‪ ،‬صوفی یمنی شاعر ‪ ،‬توفي بعد عام ‪ ۷۱۷‬ه ‪ .‬له ( ديوان القصائد‬
‫الخميسيات والمكسرات ) ‪ .‬انظر بروكلمان ح ‪ ۲‬ملحق ‪ ،‬ص ‪.۳‬‬
‫وانظر فهرس بانکيبور ‪ ،‬د ‪ ، ۲۳‬ص ‪ . ۵۰ - 49‬وانظر ( عبدالكريم الجيلي ومكانته ‪) ..‬‬

‫‪92‬‬
‫المنظر الثامن والستون منظر الخلع والمواهب‬
‫في هذا المنظر ‪ ،‬نعرف مراتب األولياء فمنهم ‪:‬‬
‫من واليته من حيث المواهب االلهية ‪ ،‬بحكم ما يورده الوقت والمال ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من واليته من حيث الخلع ‪ ،‬بحكم ما تقتضيه الصفات الذاتية ‪.‬‬
‫وهم أخص ‪ ،‬واعلى ‪ ،‬من اهل المواهب والمنح ‪:‬‬
‫‪ -‬فإن تجليات الحق على أهل المواهب ‪ :‬سكرة من شراب ممزوج ‪.‬‬
‫‪ -‬وتجليه على أهل الخلع ‪ :‬صرف ‪.‬‬
‫‪ -‬فأهل الخلع ‪ :‬أهل عين التسنيم وهو الكافور يمزج منه ألهل المواهب ‪.‬‬
‫‪ -‬وأهل المواهب ‪ :‬هم الذين يشربون من الممزوج ‪.‬‬

‫حيث قال هللا تعالى ‪" :‬إن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا "‪.‬‬

‫فأهل المواهب والمنح ال توجد عندهم هذه الخلع ‪.‬‬


‫واهل الخلع ‪ ،‬توجد عندهم المواهب والمنح ‪.‬‬
‫وخلعه كل ولی کامل ‪ :‬صفة الهية يتلبس بها ‪ ،‬ويكون األغلب على حاله ‪ ،‬أثر تلك الصفة ‪ :‬كصفة القدرة ‪،‬‬
‫كانت خلعه الشيخ عبد القادر الجيالني ‪ ،‬الغلبة ظهور أثرها عليه ‪.‬‬

‫وكما كانت صفة العظمة والهيبة غالبة على أحوال الشيخ أبي يزيد البسطامي ‪ .‬و كصفة العلم الذي كان غالبا‬
‫على أحوال سيدي الشيخ محيي الدين بن العربي ‪ ،‬رضي هللا عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫صرف الوقت بجهة من الحقائق ‪ ،‬دون الحيطة ‪ ،‬والجمع الذاتي ‪.‬‬


‫فان صاحب المنظر الكمالي ‪ ،‬ال يغلب على حاله ‪ ،‬إال ما اقتضاه شأن الحق في ذلك الحال ‪.‬‬
‫فال يظهر عليه صفة ‪ ،‬وال اسم ‪ ،‬بل يكون أثر هللا تعالی ظاهرا عليه ‪ ،‬في كل وقت ‪ ،‬بما يقتضيه الوقت ‪.‬‬
‫وهؤالء هم أهل المراتب ‪ ،‬ولذلك كانت صفة الكمال ظاهرة على سيدنا محمد ‪,‬بما نهى وأمر‪ ،‬وأخبر ‪،‬‬
‫واخترق العادات ‪ ،‬وهدالی ‪ ،‬وقطع ‪ ،‬ووصل ‪.‬‬
‫ولم يختص بظهور شيء دون شيء ‪ ،‬بل ظهرت عليه اثار سائر الكماالت ‪.‬‬

‫فبذلك استحق التقدم على سائر االنبياء واألولياء وليس على هذا القدم الكمالي المحمدی‪ ،‬إال آحاد ‪ ‬اآلحاد ‪،‬‬
‫من األقطاب واألفراد ‪.‬‬
‫أولئك أهل لواء الحمد ‪ ،‬يحشرون مع النبي ‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬تحت ذلك اللواء ‪ ،‬هم ومن كان على هذا‬
‫القدم ‪ ،‬من األنبياء واألولياء ‪.‬‬
‫وال يعرف ذوق ما قلناه إال الغرباء‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫* سنام البعير ‪ .‬أعلى ظهره ‪ .‬وسنام كل شيء ‪ :‬أعاله ‪.‬‬


‫وسنم الشيء تسنيما ‪ :‬رفعه وأعاله ‪.‬‬
‫وتسنيم ‪ :‬عين في الجنة ‪ ،‬وكانها سميت بذلك لعلو مكانها ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وفي القرآن الكريم ‪ " :‬ومزاجه من تسنيم ‪ .‬عينا يشرب بها المقربون "‬
‫المطففين ‪ ،‬آية ‪. 28 - 27‬‬
‫انظر ‪ :‬معجم ألفاظ القرآن الكريم ‪ .‬ج‪ 1‬ص ‪ . 602‬مادة سنم ‪.‬‬
‫* الكافور ‪ :‬مادة عطرية الرائحة ‪ ،‬مرة الطعم ‪ ،‬شفافة ‪ ،‬بلورية الشكل ‪ ،‬يميل لونها الى البياض ‪ ،‬تتخذ من‬
‫شجر كبير ينبت في الهند والصين ‪.‬‬
‫وقيل إن المراد في ‪ :‬كافورا ‪ ( :‬أن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) االنسان ‪ ،‬آية ‪5‬‬
‫‪ -‬هو طيب له رائحة عطرية کرائحة كافور الدنيا ‪.‬‬
‫وقيل أن المراد به عين في الجنة ماؤها بتبه كافور الدنيا في لونه ورائحته وبرده ‪ ،‬وليس في طعمه مرارة‬
‫كافور الدنيا ‪ ،‬ولكنه اذا مزج بغيره جعل طعمه لذيذا ‪ ،‬وهللا اعلم ‪ .‬انظر ‪ :‬معجم ألفاظ القرآن الكريم ‪ ،‬ج ‪2‬‬
‫ص ‪ ، 326‬مادة الكافور ‪.‬‬
‫* ‪  ‬الشيخ عبد القادر الجيالني ‪ :‬هو ابن موسی بن عبد هللا بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود الجون ‪ .‬صوفي‬
‫ومؤسس الطريقة القادرية ‪ .‬ولد عام ‪ 470‬هـ ‪ ،‬وتوفي ‪ 561‬ھ ‪ ،‬ودفن ببغداد ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في طبقات الشعراني ‪،‬ج ‪ 1‬ص ‪۰ 108‬‬
‫* أبو يزيد البسطامي ‪ :‬هو طيفور بن عيسى بن سروشان ‪ .‬صوفي مشهور من أصحاب الشطح والجذب ‪۰‬‬
‫توفی ‪ 261‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في طبقات السلمی ‪ ،‬ص ‪ ، 67‬وانظر المصادر التي ذكرها المحقق ‪.‬‬

‫* ابن العربي ‪ : ‬من أكبر صوفية اإلسالم ‪ ،‬وأغزرهم تأليفا ‪ .‬وهو أشهر من أن يعرف به ‪ .‬توفي سنة ‪683‬‬
‫هـ ‪ .‬انظر ‪ :‬طبقات الشعراني‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 163‬‬

‫‪94‬‬
‫المنظر التاسع والستون ‪ ‬منظر األسرار‬

‫السر الذي بين العبد وبين الرب ‪ ،‬مما أشار الحديث النبوي إليه أنه ‪" :‬ال يطلع عليه ملك مقرب ‪ ،‬وال نبي‬
‫مرسل "‪.‬‬
‫هو ذات العبد ‪ ،‬وهيئته ‪ ،‬وما فيها من مقتضيات شؤونه االلهية ‪،‬التي ليس للمخلوق أن يعلم كنهها ‪ ،‬وماهيتها‪.‬‬

‫فال يعلم ما هو إال هو ‪ ،‬فال يعلم ملك مقرب ‪ ،‬وال نبي مرسل ‪ :‬ما ذلك الشيء ‪.‬‬
‫ويعلم العبد الذي هو سره ألن هللا تعالى قد جعله مظهرا لذلك ‪ ،‬فهو قابل لعلمه ‪ ،‬إذا أعلمه هللا تعالى ‪.‬‬
‫فمن الناس من يعلمه ‪ ،‬ومن الناس من ال يعلمه ‪.‬‬
‫وكل تحفة ‪ ،‬أو سر طرفة ‪ ،‬او خلعة ‪ ،‬او موهبة ‪ ،‬أو والية ‪ ،‬يشرف هللا بها عبده ‪ -‬فإنها جميعها مما قد‬
‫جعله هللا تعالى ‪ ،‬من األزل ‪ ،‬في سره ‪.‬‬
‫فال يحصل للعبد خبر ‪ ،‬بمعنى من المعاني ‪ ،‬وال في وقت من األوقات ‪ ،‬اال مما قد جعله هللا في مره من‬
‫األزل ‪.‬‬
‫فال عنده ‪ ،‬إال ما منه ‪ ،‬ويبقى ما هو هلل تعالى ‪ ،‬من وراء ما هو سر هذا العبد ‪ ،‬ال يعلمه إال هو‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫قصور العبد على ما هو عنده من السر االلهى ‪ ،‬عما هو هلل خارجا عن مودع مره ‪ .‬فبنفسه ‪ ،‬احتجب عن‬
‫ربه ‪ ،‬وهذا نقص ‪.‬‬
‫ولقد أشم رائحة من وراء هذا السر ‪ ،‬ال يحل نشرها‪ ،‬إذ ال يمكن بثها ‪.‬‬
‫فعليك بك ‪ ،‬وهللا المستعان ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫المنظر السبعون منظر الطرق المختلفة‬
‫الكل الى هللا ‪ ،‬في الصراط المستقیم ‪ ،‬منهج ‪ ،‬هو طريقه ‪ ،‬يذهب فيه إلى ربه ‪ ،‬من حيثه ‪ ،‬بما يقتضيه شأن‬
‫الصفة ‪ ،‬التي هي عين سره ‪ ،‬الذي هو عينه ‪ ،‬ال يذهب في ذلك المنهج غيره ‪.‬‬
‫وأهل هذا المنظر ‪:‬‬
‫على سبيل هللا ‪ ،‬الذي هو صراط هللا المستقيم ‪ ،‬وليسوا على السبل المتفرقة التي ذكرها هللا تعالى ‪،‬في قوله ‪:‬‬
‫" وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " يعني عن سبيل الصراط المستقيم المحمدی ‪.‬‬
‫ولكنه سبيل صراط غير محمد ‪ ،‬وإنما ورد األمر اإللهي باتباع السبيل المحمدی ‪،‬ألن طريقه اقرب الطرق‬
‫الى هللا تعالى ‪ ،‬وطريق غيره فيه البعد ‪.‬‬
‫ثم ان الطريق المحمدی ‪ ،‬مع قرب مسافته ‪ ،‬مفضي الى حقائق الكماالت االلهية ‪ ،‬وغير ذلك من الطرق ال‬
‫يفضي اال الى هللا مطلقا‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بتجل ينجذب إليه أهل الطرق‪ ،‬من حيث تلك المناهج التي فطروا عليها‪.‬‬
‫فال يمكن ألحد في طريق مخصوص ‪ ،‬أن يذهب من غير طريقه ‪ ،‬الذي خلق هللا سره مجبوال عليه‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫هو أن السلوك والسفر من لوازم أحكام العبد ‪ ،‬وهللا تعالى منزه عن االنتقال والتغير‪.‬‬
‫فالسالك إلى هللا ‪ ،‬والذاهب في هللا ‪ :‬محجوبون عما قبلهم من المواطن ‪.‬‬
‫وليس ذلك من شأن الكمال ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫المنظر الحادي والسبعون منظر الصراط المستقيم‬
‫الصراط المستقيم ‪ :‬هو صراط هللا ‪ ،‬الذي هو تنوعات ‪ ‬تجليه في ذاته ‪ ،‬لذاته ‪.‬‬
‫فمن حصن في هذا الصراط ‪ ،‬واستقام على علم كيفية االتصاف بأسماء هللا تعالى وصفاته ‪ ،‬فيتنوع بتجلياتها‬
‫في العالم ‪ ،‬على حسب مقتضى الشأن ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫ذلك الحصول في الصراط ‪ ،‬وعلم تلك الكيفية ‪ ،‬فإن صاحبها غني عن ذلك جميعه‪ .‬ألن هللا تعالى متجلی بما‬
‫هو عليه ‪ ،‬كما يريد ‪ ،‬مما يقتضيه شانه االلهي في الوجود ‪ :‬فبسط ‪ ، ‬وقبض ‪.‬‬
‫وجمال ‪ ، ‬وجالل ‪ ، ‬وهيبة ‪ ،‬وانس ‪ ،‬وعظمة ‪ ،‬ولطف ‪ -‬كل ذلك من غير علة ‪ ،‬وال ضرورةـ ‪ ،‬وحاجة ‪.‬‬
‫بل الكمال االلهي يختص به تعالى ‪ ،‬فسبحانه !‬
‫ما أعظم شأنه ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يعرف السراج الطوسي القبض والبسط بقوله ‪ « :‬حاالن شريفان ألهل المعرفة ‪ ،‬إذا قبضهم الحق احشمهم‬
‫عن تناول القوام والمباحات واألكل والشرب والكالم ‪ .‬واذا بسطهم ردهم الى هذه األشياء ‪ ،‬وتولی حفظهم‬
‫في ذلك ‪.‬‬
‫فالقبض ‪ :‬حال رجل عارف ‪ ،‬ليس فيه فضل لشيء غير معرفته ‪.‬‬
‫والبسط ‪ :‬حال رجل عارف بسطه الحق ‪ ،‬وتولى حفظه ‪ ،‬حتى يتأدب الخلق به ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ ( :‬وهللا‬
‫يقبض ويبسط وإليه ترجعون )‪.‬‬
‫وقال الجنيد ‪ ،‬رحمه هللا في معنى القبض والبسط ‪:‬‬
‫يعنی الخوف والرجاء ‪ ،‬فالرجاء يبسط الى الطاعة ‪ ،‬والخوف يقبض عن المعصية ‪ » ...‬انظر اللمع ‪ ،‬ص‬
‫‪. 420 - 419‬‬
‫على أن القشیری بری رأيا آخر غير رای الجنيد ‪ ،‬وذلك حين يعرفها بقوله ‪ « :‬وهما حالتان بعد ترقی العبد‬
‫عن حالة الخوف والرجاء ‪.‬‬
‫فالقبض للعارف ‪ :‬بمنزلة وجمال الخوف للمستأنف‪.‬‬
‫والبسط للعارف ‪ :‬بمنزلة الرجاء المستأنف ‪.‬‬
‫ومن الفصل بين القبض والخوف ‪ ،‬والبسط والرجاء ‪ :‬أن الخوف إنما يكون من شیء في المستقبل ‪ ،‬إما أن‬
‫يخاف فوت محبوب ‪ ،‬أو هجوم محذور ‪.‬‬
‫وكذلك الرجاء ‪ ،‬إنما يكون بتاميل محبوب في المستقبل ‪ ،‬أو بتطلع زوال محذور ‪ ،‬وكفاية مكروه في‬
‫المستأنف ‪.‬‬
‫وأما القبض ‪ :‬فلمعنی حاصل في الوقت ‪..‬‬
‫وكذلك البسط ‪ :‬فصاحب الخوف والرجاء ‪ ،‬تعلق قلبه في حالتيه بأجله ‪.‬‬
‫وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله ‪.‬‬
‫ثم تتفاوت نعوتهم ‪ ،‬في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم ‪ » ...‬انظر ‪ :‬الرسالة ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫أما الكاشاني من مدرسة ابن عربی فيستدل بالعارف وبالمستانف ‪ -‬لدى القشيري ‪ -‬القلب والنفس والحق ‪.‬‬

‫فيقول ‪ « :‬البسط ‪ :‬في مقام القلب بمثابة الرجاء في مقام النفس ‪ .‬وهو وارد يقتضيه اشارة الى قبول ولطف‬
‫ورحمة وأنس ‪ ،‬ويقابله وارد القبض كالخوف في مقابلة الرجاء في مقام النفس ‪.‬‬
‫والبسط في مقام الحق ‪ :‬هو ان يبسط هللا العبد مع الخلف ظاهرا ‪ ،‬و يقبضه هللا إليه باطنا ‪ ،‬رحمة للخلق ‪،‬‬
‫‪97‬‬
‫وهو يسع األشياء ‪ ،‬وال يسعه شیء ‪ ،‬ويؤثر في كل شيء ‪ ،‬وال يؤثر فيه شيء » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬اصطالحات ‪ ،‬مادة البسط ‪.‬‬
‫على حين أن القبض باهلل « هو اخذ القلب بوارد بشير الى ما يوحشه من الصد والهجران وأمثال ذلك ‪...‬‬
‫واكثرها يقع عقيب البسط ‪ ،‬بسوء أدب يصدر من المسالك في حال البسط ‪.‬‬
‫والفرق بينهما وبين الخوف والرجاء ‪ :‬ان تعلق الخوف والرجاء بالمكروه والمرغوب المتوقع في مقام النفس‬
‫‪ ،‬والقبض والبسط إنما يتعلقان بالوقت الحاضر ‪ ،‬ال تعلق لهما باالجل » ‪.‬‬
‫اصطالحات ‪ ،‬مادة قبض ‪ .‬وواضح أنه يأخذ في االعتبار هنا رای القشيري ‪ .‬وانظر ‪ :‬لطائف األعالم ‪ ،‬وما‬
‫أورده من تفاصيل كثيرة ‪ ،‬وكذلك الكمشخانوی ‪.‬‬
‫الجالل ‪ :‬هو احتجاب الحق تعالی عنا بعزته ‪ ،‬أن نعرفه بحقيقته وهويته ‪ ،‬كما يعرف هو ذاته ‪ .‬فان ذاته‬
‫سبحانه ‪ ،‬ال يراها الحد‪ ،‬على ما هي عليه ‪ ،‬إال هو » ‪.‬‬
‫اصطالحات ‪ ،‬مادة جالل والجمال ‪ « :‬هو تجليه تعالی بوجهه لذاته ‪ .‬فلجماله المطلق جالل ‪ ،‬هو قهاريته‬
‫للكل عند تجليه بوجهه ‪ ،‬فلم يبق احد حتى يراه ‪ ،‬وهو علو الجمال ‪ .‬وله دنو يدنو به منا ‪ ،‬وهو ‪ :‬ظهوره في‬
‫الكل ‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬

‫جمالك في كل الحقائق سافر وليس له اال جاللك س اتر‬

‫ولهذا الجمال جالل ‪ ،‬هو احتجابه بتعينات األكوان ‪ :‬فلكل جمال جالل ‪ ،‬ووراء كل جالل جمال ‪ .‬ولما كان‬
‫في الجالل ونعوته ‪ :‬معني االحتجاب والعزة ‪ ،‬لزمه العلو والقهر من الحضرة االلهية ‪ ،‬والخضوع والهيبة‬
‫منا ‪ .‬ولما كان في الجمال ونعوته ‪ :‬معنى الدنو والمسفور ‪ ،‬الزمه اللطف والرحمة والعطف من الحضرة‬
‫االلهية ‪ ،‬واألنس منا » ‪ .‬اصطالحات ‪ ،‬مادة جمال ‪ .‬وانظر كذلك ‪ :‬الكمشخانوی ‪ ،‬وتصويباته العديدة‬
‫واضافانه لنص االصطالحات ‪ .‬وانظر كذلك ‪ :‬لطائف األعالم ‪ ،‬وما أورده من تفصيالت اضافية ‪.‬‬

‫الهيبة واألنس ‪ ،‬عرفهما القشیری بانهما ‪... « :‬ـ فوق القبض والبسط ‪ :‬فكما إن القبض فوق رتبة الخوف ‪،‬‬
‫والبسط فوق منزلة الرجاء ‪ -‬فالهيبة أعلى من القبض ‪ ،‬واالنس اتم من البسط ‪.‬‬
‫وحق الهيبة ‪ :‬الغيبة ‪ ،‬فكل هائب غائب ‪ ،‬ثم الهائبون يتفاوتون في الهيبة على حسب تباينهم في الغيبة ‪۰۰۰‬‬
‫وحق االنس ‪ :‬صحو بحق ‪ ،‬فكل مستأنس صاح ‪ ،‬ثم يتباينون حسب تباينهم في الشرب ‪ .‬ولهذا قالوا ‪ :‬أدني‬
‫محل األنس ‪ :‬أنه لو طرح في لظى لم يتكدر عليه أنسه » ‪..‬‬
‫الرسالة ‪ ،‬ص ‪ ، 36‬مادة هيبة وانس ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫المنظر الثاني والسبعون منظر العناية‬

‫سبقت العناية اإللهية للنوع االنساني بالكمال الرحماني ‪ ،‬حيث قال ‪" :‬إني جاعل في األرض خليفة "‪.‬‬

‫ثم ورث األبناء ما لآلباء ‪ ،‬بنص كتابه ‪.‬‬


‫فكل فرد من أفراد النوع اإلنساني خليفة هللا في العالم ‪ ،‬ألنه متصف بصفاته ‪ ،‬وذاته من نور ذاته ‪ .‬فهذه هي‬
‫الخالفة !‬
‫فأما نفوذ األمر بالتصرف في األكوان ‪ ،‬فانما هو أثر الخالفة ‪ ،‬ال عين الخالفة ‪ .‬والناس في تحصيل ظهور‬
‫األثر المذكور مختلفون ‪ ،‬وفي ذلك يكون التفاوت هنا ‪ ،‬وفي الدار اآلخرة ‪:‬‬

‫‪ -‬فمنهم من ظهر أثرها عليه بأدنى سعی ‪ ،‬وذلك هو السعيد المنعم ‪ ،‬في طريق ظهور أثر خالفته ‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهم من شقی ‪ ،‬بأن تعب في ظهور أثرها ‪ ،‬فلم تظهر عليه حتى يتعذب بأنواع العذاب ‪ ،‬وصفة الخلق في‬
‫هذا المعنى صفة ملوك األرض ‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهم من تحصل له المملكة ‪ .‬بغير تعب وال نصب ‪.‬‬

‫‪ -‬ومنهم من يتعب اوال بأنواع التعب واالفالم والفاقة ‪ ،‬ثم يتعذب بأنواع الحروب ‪ ،‬والضروب ‪ ،‬وخوض‬
‫المهالك ‪ ،‬وضيق المسالك ‪ ،‬حتى ينال الملك ‪.‬‬

‫فالسعادة والشقاوة إنما هما باعتبار الطريق الذي يكون فيه الوصول الى هللا تعالى ‪ ،‬وإال فسائر النوع‬
‫اإلنساني ‪ ،‬من حيث الذات اإللهية وصفاتها ‪ ،‬خلفاء الكمال ‪ ،‬متصفون بانواع الجمال والجالل ‪.‬‬
‫ومن ثم قيل ‪" :‬من سبقت له العناية ‪ ،‬لم تضره الجناية" ‪.‬‬
‫يعني ‪ :‬أن النوع االنساني المسبوق له بالعناية المشار إليها في قوله تعالى‪" :‬ونفخت فيه من روحي "‪.‬‬

‫وقوله تعالى ‪ ":‬ولقد کرمنا بني آدم " ‪.‬‬

‫وقوله تعالى ‪ " :‬إني جاعل في األرض خليفة " ‪.‬‬

‫‪ -‬لم تضره الجنايات ‪ ،‬التي يتعذب بها في طريق وصوله ‪ ،‬الذى خلقه هللا تعالى مجبوال عليه ‪.‬‬
‫فإذا وصل ‪ ،‬لم يجد ‪ ،‬لما مضى من التعب ‪ ،‬ألما ‪.‬‬

‫قال الشاعر شعرا ‪:‬‬


‫أنساهم الربح ما أعياهم السفر‬ ‫أن التجار اذا عادوا وقد ربحوا ‪……   ‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫ذلك الذهاب والرجوع ‪ ،‬فإنه ما خرج منه حتى يدخل إليه ‪ ،‬وال انفصل عنه حتى يتصل ‪ ،‬وال مضی حتى‬
‫يرجع ‪.‬‬
‫فرجوعه إنما هو إلى نفسه ‪ ،‬وذهابه إنما هو فيها ‪ ،‬ووصله إنما هو بذات نفسه ‪ .‬والكمال منزه عن مقتضيات‬
‫هذه المعاني جميعها ‪ ،‬فال تحصل هذه األشياء إال عن حجاب ‪ ،‬وترفعه العناية اإللهية لمن أهله هللا تعالى‬

‫‪99‬‬
‫للكمال ‪ ،‬فيترقی عنها ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعرفنا الكاشاني بالخليفة الكامل ‪ ،‬فيقول ‪ « :‬من كمل من البشر كآكابر األولياء وأولي العزم من الرسل ‪،‬‬
‫عليهم السالم ‪ ،‬الذين من شأنهم الصبر والثبات في حاق الوسط ‪ ،‬بين الخلق والحق ‪ ،‬لياخذون المدد من الحق‬
‫بال واسطة ‪ ،‬بل بحقيتهم ‪ ،‬ويعطون الخلق بخلقيتهم ‪.‬‬
‫فال يميلون إلى طرف ‪ ،‬فيهملون الطرف اآلخر ‪ ،‬كما هو عليه الحال فيمن غلبت عليه حقيته الستهالكه في‬
‫نور الحق ‪ ،‬أو لقيته بانحجابه بظلمة الخلق » ‪.‬‬
‫أما الخليفة غير الكامل ‪ « :‬فهو خليفة هللا بواسطة من هو تبع له من أولي العزم والخلفاء والكمل ‪ ،‬وكل‬
‫كامل خليفه لكامل » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬لطائف اإلعالم ‪ .‬المادتين المذكورتينـ ‪.‬‬
‫فالخليفة الكامل ‪ ،‬إذن ‪ ،‬هو من كان مدده بال واسطة ‪ .‬وغير الكامل من كان مدده بواسطة ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الجيلي يتجاهل هذا التصنيف ‪ ،‬ألنه يجعل كل فرد من أفراد النوع اإلنساني خليفة هللا في‬
‫العالم ‪ ،‬ويبرر ذلك باتصاف الفرد بصفات هللا ‪ ،‬وانبثاق ذاته من نور ذات هللا ‪ ،‬وهذا تعميم خطير ‪.‬‬
‫واخطر منه مزاوجته االيحائية بين ذلك ‪ ،‬وبين ما ذكره من وراثة األبناء ما اآلباء ‪ ..‬فهو هنا يقيس الغائب‬
‫على الشاهد دون تحفظ ما ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫المنظر الثالث والسبعون منظر المملكة‬

‫لهذا المنظر خاصية عجيبة ‪ ،‬الزمة لكل من جعل في هذا المشهد ‪ :‬أن يدير بذاته العوالم بأسرها ‪ ،‬فتدور‬
‫األفالك بانفاسه ‪.‬‬

‫وتجري األمور على قدر قياسه ‪ ،‬وتقع الواقعات ‪ ،‬وتحدث الحوادث ‪ ،‬ويصعد الطالع ‪ ،‬ويهبط النازل ‪،‬‬
‫ويكمل الناقص ‪ ،‬وينقص الكامل ‪ ،‬وتختلج الذرات ‪ ،‬وتهب الذاريات ‪ -‬بتصريف هلل ‪.‬‬

‫منسوب الى ذات هذا الولي ‪ ،‬الذي تجلی هللا عليه في منظر المملكة ‪ ،‬فبقی أثر ذلك التجلي عليه ‪ :‬جميع ما‬
‫ذكرناه من سائر الكماالت ‪ ،‬الى ما لم نذكره ‪ ،‬وهللا يؤتي فضله من يشاء ‪" ،‬وهللا واسع عليم " ‪...‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫تنزل صاحبه عن مجلى قاب قوسين أو أدنى ‪ ،‬الذي هو عبارة عن ‪ :‬التجلي الذاتي المخصوص األقدس ‪.‬‬
‫إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬الذي هو عبارة عن ‪ :‬تجليات المراتب االلهية ‪.‬‬

‫والبقاء مع ذات هللا اعز واعلى ‪ ،‬في حق العبد ‪ ،‬من البقاء مع مراتبه ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المصطلحـ في األصل قرآني لقوله تعالى ‪ " :‬ثم دنا فتدلى ‪ .‬فكان قاب قوسين أو أدنى " النجم ‪ ،‬آية ‪..9‬‬
‫واستخدمه صوفية مدرسة الشيخ األكبر ابن العربی ‪.‬‬
‫ويعرفه الكاشاني بقوله ‪ « :‬قاب قوسين ‪ :‬هو مقام القرب األسمائی ‪ ،‬باعتبار التقابل بين األسماء ‪ ،‬في األمر‬
‫اإللهي ‪ ،‬المسمى "دائرة الوجود "‪ :‬كاالبداء واالعادة ‪ ،‬والنزول والعروج ‪ ،‬والفاعلية والقابلية ‪ ،‬وهو االتحاد‬
‫بالحق ‪ ،‬مع بقاء التميز واالثنينية ‪ ،‬المعبر عنه باالتصال ‪.‬‬
‫وال مقام اعلى من هذا المقام اال مقام ( أو أدنى ) ‪ ،‬وهو أحدية عين الجمع الذاتية ‪ ،‬المعبر عنه بقوله ( أو‬
‫أدنى )‪ ،‬الرتفاع التميز واالثنينية االعتبارية هناك بالفناء المحض والطمس الكلي للرسوم كلها » ‪.‬‬
‫اصطالحات ‪ ،‬مادة ( قاب قوسين ) ‪ .‬وانظر الكمشخانوى ‪ ،‬ولطائف اإلعالم ‪ ،‬وتعريفات الجرجاني ‪ ،‬نفس‬
‫المادة ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن كل هذه المصادر تفرق بين مقام ( قاب قوسين ) وهو عبارة عن ‪ :‬االتحاد بالحق مع‬
‫ارتفاع التميز واالثنينية بالفناء والطمسـ ‪.‬‬
‫او بعبارة الكاشاني « أحدية عين الجمع الذاتية ‪ ،‬الرتفاع التميز واالثنينية االعتبارية هناك بالفناء المحض‬
‫والطمس الكلي للرسوم كلها » ‪.‬‬
‫فهما إذن مقامان مختلفان‪ .‬لكي الجيلى هنا بعتبرهما مقاما واحدا ‪ ،‬ويعرفه بأنه عبارة عن ‪ « :‬التجلي الذاتي‬
‫المخصوص األقدس »‪ .‬وهذه وثبة من وثبات الجيلي الروحية ‪.‬‬

‫(‪ )۱۰‬وهذا بدوره مصطلح قرآنى ‪ ،‬لقوله تعالى ‪" :‬ولقد رآه نزلة أخرى ‪ .‬عند سدرة المنتهى " النجم ‪ ،‬آية‬
‫‪. 14‬‬

‫ويعرفها الكاشاني بانها ‪ « :‬هي البرزخية الكبرى التي ينتهي اليها سير الكل وأعمالهم وعلومهم ‪ .‬وهي‬
‫نهاية المراتب األسمائية التي ال تعلوها رتبة » ‪ .‬اصطالحات ‪ ،‬مادة ( سدرة المنتهى )‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وفي لطائف األعالم‪ « :‬سدرة المنتهى ‪ :‬هي المقام الذي تنتهي إليه أعمال الخالئق وعلومهم ‪ ،‬وهي البرزخية‬
‫الكبرى لكونها هي غاية الغايات ‪ ،‬ونهاية المنتهى ‪.‬‬
‫وقد يصطلح بالسدرة "وحدها" على نهاية المراتب التي هي دون هذه الرتبة العالية التي ال نهاية لعلوها » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬المادة نفسها ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫المنظر الرابع والسبعون منظر الحرف‬

‫الحرف ‪ :‬هو عينك الثابت في العلم ‪.‬‬


‫من تجلى هللا عليه ‪ ،‬في المنظر الحرفي ‪ :‬اطلع على حقيقة كينونته في العلم اإللهي ‪ ،‬بای صفة ‪ ،‬وعلى أي‬
‫حال ‪.‬‬
‫وفي أي مرتبة ‪ ،‬أقامه هللا تعالى في علمه‪.‬‬

‫وخاصية هذا المنظر ‪ :‬أن يحصل عند ‪ ‬من حصل فيه ‪ :‬تقدم ذاتي ‪ ،‬وتنزه صفاتی ‪ .‬فال يوجد عنده إال ما‬
‫يعلم هو حسنه ‪ ،‬ويطلع بالكشف على نكتة الجمال فيه ‪.‬‬
‫ويكون صاحب هذا المنظر عنده ‪ :‬علم محتد "محامد" المخلوقات ‪ ،‬ويعلم این بلوغ كل من الكمال ‪ ،‬وأين‬
‫وقوفه من سرادق الجالل والجمال ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫ذلك التعيين ‪  ‬في العلم االلهي ‪ ،‬فإنه الزم للحد فيك ‪ .‬فكل متعين محدود ‪ ،‬والحق ‪ -‬تعالى سبحانه ‪ -‬بخالف‬
‫ذلك ‪ .‬فوا أسفاه عليك !‬
‫كيف يكون فهمك لهذا الكالم ‪ ،‬فاذا علمت أن كل متعين محدود ‪ ،‬فاعلم أن كل محدود مقصور على حده ‪،‬‬
‫وكل مقصور محجوب ‪ ،‬وذلك مناف لصفات الكمال ‪ ،‬التي هي مشروع فحول الرجال ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعرف الكاشاني " العين الثابتة "بأنها ‪ « :‬هي حقيقة الشيء في الحضرة العلمية ‪ ،‬ليست بموجودة في‬
‫الخارج ‪ ،‬بل معدومة ثابتة في علم هللا ‪ ،‬وهي المرتبة الثانية من الوجود الحقيقي »‪ .‬اصطالحات ‪ ،‬وانظر‬
‫الكمشخانوى ‪ ،‬وتعريفات الجرجاني ‪ .‬وفي لطائف األعالم ‪ .. « :‬وسميت هذه المعلومات أعيانا ثابتة ‪:‬‬
‫لثبوتها في حضرة العلم ‪ ،‬لم تبرح منها ‪ ،‬ولم يظهر بالوجود العيني إال لوازمها وأحكامها وعوارضهاـ‬
‫المتعلقة بمراتب الكون ‪ .‬فان حقيقة كل موجود إنما هي عبارة عن نسبة تعيينه في علم ربه أزال ‪.‬‬
‫وتسمى باصطالح المحققين من أهل هللا ‪ :‬عينا ثابتة ‪ :‬و باصطالح الحكماء‪:‬ماهية ‪.‬و باصطالح األصوليين‪:‬ـ‬
‫المعلوم المعدوم‪ ،‬والشيء الثابت ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ .‬وبالجملة ‪ ،‬فاألعيان الثابتة والماهيات واألشياء إنما هي‬
‫عبارة عن تعيينات الحق الكلية التفصيلية » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬مادة ( العين الثابتة ) ‪ :‬وهذا المصطلح له اهميته وثقله في مدرسة ابن العربی ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫المنظر الخامس والسبعون منظر الكالم‬
‫كالم هللا تعالى لعباده ‪ ،‬منزه عن ‪ :‬الحرف والصوتـ والجهة ‪.‬‬
‫ومستمعوه إنما يستمعونه بالكلية ‪ ،‬باهلل ‪ ،‬فافهم !‬
‫وأما كلمات الحق تعالى‪ ،‬فهى مخلوقاته في العالم العينى ‪ ‬بالنون ‪ ،‬فكما أن المعنى الموجود في النفس من‬
‫الكلمة ‪ ،‬ال يسمى كلمة ‪ ،‬كذلك األعيان الثابتة ‪ ،‬في العلم اإللهي ‪ ،‬ال تسمي كلمات ‪ ،‬فلهذا سميت حروفا ‪.‬‬
‫ولهذا قال سيدي الشيخ محيي الدين بن العربی شعرا ‪:‬‬
‫كنا حروفا عاليات لم نقل ‪ .…  ‬متعلقات في ذرى اعلى القلل‬
‫انا انت فيه ونحن انت وانت هو ‪ ..…  ‬والكل في هو هو فصل عمن وصل‬
‫وكما أن المتكلم بالكلمة ‪ ،‬البد أن تكون عين تلك الكلمة ‪ -‬قبل ذلك –‬
‫موجودة في علمه ‪ ،‬كذلك ‪.‬‬
‫الحق تعالى يعلم المخلوقات قبل إيجادها‪.‬‬
‫تخصيص الكلمة بالظهور على نسق معین ‪ -‬كذلك الحق ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬البد للموجود من ارادة ايجاد‬
‫الحق له ‪.‬‬
‫وكما أن الكلمة البد لها من نفس خارج بها من المصدر الى محل تكوين الحروف ‪ -‬كذلك صفة القدرة ‪ ،‬البد‬
‫من تعلقها بالمخلوق ليوجد في العالم ‪.‬‬
‫وكما أن الكلمة ‪ ،‬البد من التلفظ بها بالفهوانية ‪ -‬كذلك كلمة الحضرة ‪ ،‬البد من توجيهها إلى ما يريد هللا تعالى‬
‫إيجاده ‪.‬‬
‫وذلك لقوله تعالى ‪ " :‬إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون "‪.‬‬
‫فالبد للمخلوق ‪ :‬من تعلق اإلرادة ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬وكلمة الحضرة ‪ -‬بإيجاد ‪ ،‬فحينئذ يوجد‪.‬‬
‫وقد بسطنا القول في التجليات الكالمية ‪ ،‬في كتابنا الموسوم ب " االنسان الكامل" ‪ ،‬وتحدثنا عليها بعبارة‬
‫أخرى ‪ ،‬من غير تلك الجهة ‪ ،‬في الكتاب الموسوم ب " قطب العجائب ‪ ،‬وفلك الغرائب " ‪.‬‬
‫ومن تجلى هللا عليه في هذا المنظر ‪ :‬علم حقيقة قول‬
‫القائل ‪ :‬الكالم صفة المتكلم ‪ ،‬وشاهد كشفا وعيانا ‪ :‬صورة الموجود بما هي عليه ‪ .‬وحقق وجودا ويقينا ‪.‬‬
‫أن روحها القائم بها هو هللا تعالى ‪.‬‬
‫صاحب هذا المنظر ‪:‬‬
‫يكون عنده علوم تنوعات التجلي ‪ ،‬والتحول في الصدر ‪ .‬فال ينكره اذا تحول في صورة التنكر يوم القيامة ‪،‬‬
‫كما ينكره من ال يعرفه ‪ ،‬بهذه المعرفة ‪ ،‬عند تحوله في غير صورة المعتقد ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بمعارفه عن ذاته ‪ ،‬وشغله بتجلياته عن االتصاف بصفاته ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ :1 )1‬الحلق ‪ .‬د ‪ :‬الحروف ‪ )2( .‬د‪ :‬المعنى ‪.‬‬
‫(‪ )3‬يعرف الكاشاني ( الحروف العاليات ) فيقول ‪:‬‬
‫« الحروف العاليات ‪ :‬يعنون به أعيان الكائنات من حيث تعينها في أعلى مراتب التعيينات‪ ،‬الذي هو الوحدة‪.‬‬

‫فان الكائنات هنالك إنما هي شؤون الذات التي ال يصح فيها تكثر في ذاتها ‪ ،‬وال تكثير لغيرها ‪ ،‬الستحالة‬
‫ذلك في الوحدة الحقيقية ‪ ،‬مع اشتمالها على جميع ما يظهر عنها ‪ ،‬فتسمى نسب تعيينات المبدعات في هذه‬
‫المرتبة العلية ‪ :‬بالحروف العلوية ‪ ،‬وبالحروف العاليات ‪.‬‬
‫وهذا هو معنى قول الشيخ في كتابه المسمى ب ( المنازل االنسانية )‪:‬‬
‫‪104‬‬
‫انا انت فيه ونحن انت وانت هو ‪ .…    ‬والكل في هو هو فصل عمن وصل‬
‫وذلك الستحالة الكثرة في أول الرتب لمنافاة الوحدة لها ‪. » .‬‬
‫أنظر ‪ ( :‬لطائف األعالم )‪.‬‬
‫وانظر نفس المادة في ( اصطالحات الصوفية ) ‪ ،‬مع التعليقات الجيدة للمحقق ‪.‬‬
‫المقصود بالفهوانية ‪ ،‬هو ‪ « :‬خطاب الحق بطريق المكافحة في عالم المثال »‬
‫انظر ‪ :‬لطائف ‪ ،‬واصطالحات ‪ ،‬والكمشخانوی ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫المنظر السادس والسبعون منظر الصورة‬
‫التجليات الحق تعالى صوره ‪ ،‬تظهر منها عليهم ‪ ،‬أعني على عباده ‪..‬‬
‫وهي غير مكيفة ‪ ،‬وال محدودة ‪ ،‬وال مشبهة ‪ -‬بل على ما يقتضيه كماله ‪.‬‬
‫وهذه الصورة التي للتجليات ‪ ،‬ليست صور المعتقدات ‪ ،‬بل هي صور(ة) التجليات ‪ ،‬كما ورد في قوله ‪" :‬‬
‫رأيت ربي في صورة كذا وكذا ‪ ..‬الحديث " ‪.‬‬
‫وله تجل في صورة المعتقدات‪ ،‬وهي أيضا ليس جميعها على حال واحد ‪ -‬بل تتنوع على قدر معتقدات العباد‬
‫‪ .‬فصورة تجليه عليهم ‪ ،‬على نفس المعتقدات والعقائد ‪ .‬فالعقيدة مظهر ‪ ،‬والمعتقد به ظاهر في المظهر ‪.‬‬
‫فإذا تحول في صورة معتقده ‪ ،‬بنكره من كان معتقده في هللا ضد تلك الصورة ‪.‬‬
‫مثاله ‪:‬‬
‫الحنبلي يعتقد التجسيم‪.‬‬
‫واألشعري يعتقد التنزيه ‪.‬‬
‫فإذا ظهر على األشعري ‪ ،‬من حيث معتقد الحنبلي ‪ ،‬بان برزت أنوار كماله في صورة تجسيم ‪ -‬عرفه بها‬
‫الحنبلي ‪ ،‬وأنكره االشعری ‪.‬‬
‫وكذلك لو ظهرت انوار كبريائه في مطلق التنزيه ‪ ،‬على ما يقتضيه التجلی األقدس ‪ -‬عرفه بها األشعري ‪،‬‬
‫وأنكره الحنبلي ‪.‬‬
‫والمعتقدات بعضها أعلى من بعض ‪ ،‬حتى أن بعض من بعتقد له جميع الصور ‪ ،‬لو برز له على بخالف‬
‫المعتقد الذي له ‪ -‬أنكره‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬البد له من حيطة جميع صور المعتقدات ونسبتها إليه ‪.‬‬
‫وهللا تعالى كذلك ‪ ،‬ومن وراء خلك ‪ ،‬وبخالف ذلك ‪.‬‬
‫وال يبعد عليك معنی تنوع تجلياته ‪ ،‬في صورة المعتقدات ‪.‬‬
‫اال تراهم اليوم في الدنيا ‪ :‬كيف ينكر بعضهم معتقد بعض ‪ ،‬وال يعرف هللا تعالى إال من حيث معتقد نفسه ‪.‬‬
‫كذلك في الدار اآلخرة ‪ ،‬تظهر هذه المعاني صورا ‪.‬‬
‫فهذه صور تجليات المعتقدات ‪ ،‬وهي خالف صور التجليات االلهية ‪ ،‬التي هي له ‪ ،‬ولو لم يكن ثم خالف ‪،‬‬
‫لكنها ليست من هذا القبيل ‪.‬‬
‫فأولياء صور التجليات اإللهية ‪ ،‬أعلى من أولياء تجليات صور المعتقدات ‪ ،‬ولو كانت ايضا الهية ‪.‬‬
‫فان التفاوت عظيم ‪ :‬فاهل صور التجليات االلهية ‪ ،‬تبرز لهم اوال ‪ :‬الكماالت االلهية ‪ ،‬في هيئة تقتضي‬
‫صورة من صور التجليات ‪ ،‬غير مشبهة ‪ ،‬وال محدودة ‪.‬‬
‫فيتبعون ذلك المقتضى ‪ ،‬إلى أن تتجلى تلك الصورة الكمالية لهم ‪ ،‬على حسب ما علموه ‪ ،‬من مقتضى‬
‫الكماالت االلهية ‪.‬‬
‫فهم سائرون في عالم الجبروت ‪ ،‬بحكم ما تقتضيه الصفات االلهية ‪.‬‬
‫فعقيدة هذه الطبقة ‪ ،‬أعلى من طبقة أهل المعتقدات ‪ ،‬وانزل من األفراد ‪ ،‬فهي الطبقة الوسطى ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجابهم بالصور عن المعاني التي ال تدخل تحت حکم التصوير ‪ ،‬وكل معنى يدخل في صورة فهي‬
‫داخلة في حكم التصوير‪.‬‬
‫وكال الطائفتين محجوبون بالصور عن المعاني االلهية ‪.‬‬
‫وهذا نقص والحق من وراء ذلك ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ذكر الجيلى هذا الحديث في مواضع عدة في كتابه ( اإلنسان الكامل )‪ ،‬انظر ج ‪ 2‬ص ‪ « 4‬رای ربه في‬
‫صورة شاب امرد على سرير من كذا وكذا ‪ ..‬الحديث » وقد أشار اليه كذلك في المنظر الرابع عشر‬
‫( التمكين )‪.‬‬
‫والحقيقة أنه ال وجود له في كتب الحديث المصدرية ‪ ،‬وقد ناقش االمام البيهقي في ( األسماء والصفات )‬
‫استحالة أن يكون للبارئ صورة ‪ ،‬وإال كان مخلوقا ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬باب ما ذكر في الصورة ‪ ،‬ص ‪ . ۲۸۹‬فالحديث إذن ليس له وجود إال في دوائر‬
‫صوفية مدرسة ابن عربی ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫المنظر السابع والسبعون منظر المعنى‬
‫صور الموجودات جميعها لها معنى منسوب إلى هللا تعالى ‪.‬‬
‫وهو في نسبته إلى الحق ‪ ،‬منزه أن يكون حادثا‪.‬‬
‫فالحق تعالى هو القائم بمعنی صور الموجودات ‪ ،‬و المتجلي فيها ‪ ،‬بغير حقول ‪ ،‬وال مزج ‪ ،‬بل كما هو اهله‬
‫‪.‬‬
‫اعلم أن هذا المنظر ‪ ،‬وإن سمي بالمعنى ‪ ،‬فليس هو مطلق المعنى ‪.‬‬
‫بل هو اسم منظر مخصوص من المتجلي ‪ ،‬لواجب الوجود ‪ ،‬الظاهر بمعاني الكمال ‪ ،‬في سائر صور‬
‫الوجود‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على أوليائه ‪ ،‬فيعرفونه ‪ ،‬بمعرفة دقيقة ‪ ،‬تجل عن العبارة ‪ ،‬إذ هي من‬
‫التجليات االلهية ‪ ،‬المعروفة عند أهلها ‪ ،‬بتجليات المعنى ‪ ،‬ال صورة لها ‪.‬‬
‫فتأخذهم الحيرة ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬ولهم فيه هيمان مخصوص ‪ ،‬ال يعرفه غيرهم‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجابهم بالمعاني الكمالية ‪ ،‬عن الذات اإللهية ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫المنظر الثامن والسبعون منظر المعارف‬

‫هو تجليه على عباده في األسماء والصفات ‪ ،‬التي تعرف بها إليهم ‪.‬‬
‫فاذا تجلى بها ‪ ،‬عرفه عباده ‪.‬‬
‫فمشهد تجلیات سائر األسماء والصفات ‪ ،‬التي هي بأيدينا ‪ ،‬هي منظر المعرفة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫على الحاصل فيه ‪ ،‬هو احتجابه بما يعرفه من األسماء والصفات ‪ ،‬عما استأثر به لنفسه في غيبه ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫المنظر التاسع والسبعون منظر التنكير‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬باألسماء والصفات المستأثرة عنده ‪ ،‬ويطلقها للعبد عن القيد ‪ ،‬فيعرفه‬
‫العبد بها ‪.‬‬
‫وهي داخلة تحت ما أشار اليه الحديث بقوله ‪ " :‬بكل اسم هو لك ‪ ،‬استأثرت به في علم الغيب عندك ‪ ،‬أو‬
‫علمته أحدا من خلقك " ‪.‬‬
‫فمن األسماء المستأثرة ‪ ،‬ما يجوز تعليم الحق اياه لخواص عباده ‪.‬‬
‫اعلم أن األسماء الحسنى ‪ ،‬التي هي اسماء اإلحصاء ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬جميعها ‪ -‬هو ما تعرف به إلينا من األسماء‬
‫والصفات ‪ ،‬فيما يتجلى بها على عبده ‪.‬‬
‫والمستأثرة ‪:‬‬
‫هي عبارة عن األسماء والصفات التي لم يتعرف إلينا بها ‪.‬‬
‫وهي له ‪ ،‬يتجلى بها على من يشاء من عباده ‪ ،‬فهي مستأثرة عنده ال يعلمها إال هو ‪ ،‬ويعلمها من يشاء من‬
‫عباده ‪.‬‬
‫وشممت رائحة من هذا المحل ‪ ،‬فحصلت في تجلي له بأيدينا اسم ‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬يارب ! ما اسم هذا التجلي ؟‬
‫فقال لي ‪ :‬اسم‬
‫وقتك ‪ ،‬وحالك الظاهر ‪ ،‬الذي أنت فيه ‪ ،‬اسمه ‪.‬‬
‫ففهمت ما أراد ‪ ،‬وفتح لي إلى علم المستاثرات بابا ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو نقص ما تعلمه بما تعلمه ‪ ،‬فإن كل ما علمك بما استأثر به عنده ‪ ،‬إنما هو مما استأثر به سواك ‪ ،‬ال عنك‬
‫‪ -‬كان ما استأثر به عنك ‪ ،‬غير ذلك ‪.‬‬
‫فأنت حاصل في المستأثر ‪ ،‬غير حاصل فيه ‪ ،‬عالم به ‪ ،‬جاهل عنه ‪ ،‬وذلك من لوازم النقص والحجاب ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫المنظر الثمانون منظر المعية‬

‫يتجلى الحق تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬فال يفارق الحق ‪ ،‬أعني ‪ :‬ال يفارق حضرة شهود التجليات‬
‫االلهية ‪ ،‬واال فما ثمة فراق ‪ ،‬وال وصال ‪.‬‬
‫فهو مع هللا أينما كان العبد ‪.‬‬
‫واما قوله ‪ " :‬وهو معكم أينما كنتم " ‪ -‬فإن هذه المعية ‪ ،‬المذكورة في اآلية ‪ ،‬بخالف ذلك ‪.‬‬
‫ألن هذه المعية منسوبة الى هللا تعالى ‪ ،‬وليس للعبد فيها شيء ‪.‬‬
‫فهى ولو كانت أعلى في مرتبة الوجود ‪ ،‬لنسبتها إلى هللا تعالى ‪ ،‬فإن من كان مع هللا ‪ ،‬كان أشرف من مطلق‬
‫كل من كان هللا معه ‪.‬‬
‫ألن هللا تعالى واسع عليم ‪ ،‬فهو مع الغافل ‪ ،‬ومع الحاضر ‪.‬‬
‫وأما العبد فال يكون مع هللا اال على الحضور ‪.‬‬
‫فمعية العبد مع هللا هنا ‪ ،‬أعلى من مطلق معية هللا مع العبد ‪..‬‬
‫ألن األول ال يخلو من الثاني ‪ ،‬والثاني قد يخلو من األول ‪.‬‬
‫أعني ‪ :‬معية الحق قد تخلو من معية العبد ‪ ،‬ومعية العبد ال تخلو من معية الحق ‪ .‬وثم وجه ثان ‪ ،‬يكون من‬
‫كان هللا معه ‪ ،‬أفضل ممن كان مع هللا ‪.‬‬
‫ألن من كان مع هللا ‪ ،‬حاصله ‪ :‬أنه حاضر معه سبحانه ‪ ،‬في تجلياته ‪ ،‬غير غافل عنها‪.‬‬
‫ومن كان هللا معه ‪ ،‬حاصله ‪ :‬أن هللا قد صار مع العبد التصافه بصفاته كلها ‪ ،‬فهو معه ال يفارق اتصافه ‪.‬‬
‫ومن ثم قيل ‪ " :‬يدور الحق مع عمر حيث ما دار " ‪.‬‬
‫ولسنا نعني هذه المعية ‪ ،‬بل نعنى المعية المطلقة ‪ ،‬المذكورة في اآلية ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬وهو معكم أينما كنتم" ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫وجود االثنينية في المعية ‪ ،‬أو حصول االتحاد ‪.‬‬
‫وهللا تعالى منزه عن الشرك واالتحاد ‪ ،‬تعالى الواحد سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ورد في سنن أبي داود ‪ « :‬جعل هللا الحق على لسان عمر وقلبه » امارة ‪ ، ۱۸‬وكذلك سنن الترمذي ‪ :‬مناقب‬
‫‪19 : 17‬‬

‫‪111‬‬
‫المنظر الحادي والثمانون منظر العندية "بالنون"‬
‫العندية ‪ :‬عبارة عن حضرة العلم اإللهي ‪ .‬يتجلى هللا ‪ ،‬على أهل هذا المنظر ‪ ،‬بما يعلمه لنفسه ‪ ،‬فهم عنده في‬
‫علمه ‪.‬‬
‫فتجليه على هذه الطائفة أعلى من سائر التجليات على العباد ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابهم بتجلياته عن تجلياتهم ‪ ،‬فيما اتصفوا به من الكماالت‪ ،‬وتحققوا به من األسماء والصفات ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫المنظر الثاني والثمانون منظر أستغفر هللا‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬على العبد ‪ ،‬بتجل ‪ ،‬يستتر فيه وجود العبد ‪ ،‬فيغفر ذات العبد ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يسترها بذاته ‪.‬‬
‫فال يشهد في الوجود إال هللا وحده ‪.‬‬
‫ومن التجليات المختصة بهذا المنظر ‪ ،‬ما يستر ‪ ،‬فيغفر صفات العبد بصفات هللا ‪ ،‬وأسمائه بأسمائه ‪.‬‬
‫فتكون ذاته موجودة ‪ ،‬ولكن ليس له اسم وال صفة ‪ ،‬بل أسماء هللا تعالى وصفاته ‪.‬‬
‫من التجليات المختصة بهذا المنظر ‪ ،‬ما يستر ‪ ،‬فيغفر أفعال العبد بأفعال هللا وصفاته من التجليات ‪ :‬فال يرى‬
‫فاعال في الوجود إال هللا في الخير والشر‪.‬‬
‫يشهده العبد عند وقوع الفعل فهو حاضر مع الفاعل بما فعل ‪.‬‬
‫ومن التجليات المختصة بهذا المنظر ‪ ،‬ما يستر ‪ ،‬فيغفر قبائح األشكال والمعاني بالحسن المطلق ‪.‬‬
‫فال يرى العبد إال حسنا في العالم بأسره‪.‬‬
‫وأعلى تجلیات هذا المنظر ‪ ،‬ما يستر ذات العيد أعني ‪ :‬وجوده ‪.‬‬
‫فقال القائل شعرا ‪:‬‬
‫وجودك ذنب ال يقاس به ذنب ‪ .… ‬فغفرانه أعظم الغفران‬
‫وانزل من ذلك ‪ :‬ما يستر به ‪ ،‬فیغفر الصفة ‪ ،‬فاالسم ‪ ،‬فالفعل ‪ ،‬فالقبح ‪ ،‬فالذنب ‪ -‬وهو حظ سائر العوام من‬
‫الناس ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو دعواك الوجود من دونه ‪ ،‬فلو لم تكن مدعيا لذلك ‪ ،‬لما احتجب الستر ‪.‬‬
‫هذا لمن هو في مقام الفناء ‪ ،‬وهو في مقام البقاء ‪ ،‬نقص ايضا ‪.‬‬
‫ألن الستر الذي هو الغفران ‪ :‬حجاب ‪ ،‬والمحجوب ناقص ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫المنظر الثالث والثمانون منظر سبحان هللا‬
‫في هذا المنظر ‪ :‬يتجلى هللا تعالى على العبد بتجلي ‪ ،‬تتعشق به حضرة التنزيه ‪ ،‬ويتعشق بها ‪.‬‬
‫فال يدخل قلبه الكون ‪ ،‬وال يلحق به نقص ‪ ،‬وال ينتمي إليه تحديد وال حصر ‪.‬‬
‫فيه ‪ :‬يجحد الولي أباه واألبناء ‪ ،‬ويفقد أعداءه واأللداء ‪ ،‬وينكر حكم العناصر عليه ‪ ،‬وينفي وقوع حكم القبلية‬
‫والبعدية عليه ‪.‬‬
‫من تجلى هللا عليه ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬أقام منزه الذات ‪ ،‬مقدس الصفات ‪ ،‬ال يلحق به شيء من لوازم‬
‫المحدثات ‪.‬‬
‫فيه قال اإلمام أبو يزيد "البسطامي" رضي هللا عنه ‪ " :‬سبحاني ما أعظم شاني"‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بالتنزيه عن التشبيه ‪ ،‬ووقوفه مع العز عن درجة العجز‪.‬‬
‫وذلك في حق الولي نقص وحجاب ‪۰‬‬

‫‪114‬‬
‫المنظر الرابع والثمانون منظر الحمد هلل‬
‫هو أعلى المناظر المذكورة ‪ ،‬في هذا الكتاب جميعها ‪.‬‬
‫فيه يتجلى هللا على العبد ‪ ،‬بتجل ‪ ،‬يحمد هللا فيه نفسه بنفسه ‪ ،‬عن العبد‪.‬‬
‫وحمده لنفسه ‪ :‬تجليه فيما يستحقه من الكماالت االلهية ‪ ،‬والشؤون الذاتية ‪ ،‬والمقتضيات الصفاتية ‪ ،‬باعطاء‬
‫كل شيء حقه ‪.‬‬
‫في هذا المنظر ‪:‬‬
‫يشهد العبد حقائق الكماالت االلهية ‪ ،‬متصفا بها ‪ ،‬وذلك من حيث اعطاء الحق حقه ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫يعلم العبد كيفية االتصاف ‪ ،‬ويجد لذة األلوهية سارية فيه ‪ ،‬وبسريانها يتجلى بالعظمة والكبرياء ‪ ،‬متصفا‬
‫بها ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد من التحف والطرف ما ال يسع هذا العالم ذكره ‪.‬‬
‫والقائم في هذا المشهد ‪ ،‬هو القائل ‪،‬من حيث الحال ‪ " :‬أنت كما أثنيت على نفسك "‪.‬‬
‫وهذا معنى قولي في أول هذا المنظر ‪:‬‬
‫ان هللا تعالى يحمد نفسه بنفسه عن هذا العبد ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫قصور العبد عن أداء الحمد ‪ ،‬ألنه القائل ‪ ،‬حاال و مأال ‪ " :‬ال أحصي ثناء عليك " والعاجز محجوب قاصر ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫المنظر الخامس والثمانون منظر ال اله اال هللا‬
‫يتجلى هللا على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬بتجل ‪ ،‬تضمحل فيه األكوان فتنعدم رأسا ‪ ،‬وينعدم وجود العبد ‪.‬‬
‫في هذا المشهد ‪ :‬يكشف هللا تعالى حقيقة "كان هللا وال شيء معه ‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه كان " ‪.‬‬
‫فيكون هللا كما لم يزل ‪ ،‬ويكون العبد كما لم يكن ‪.‬‬
‫فيه يقول الحق تعالى ‪ " :‬لمن الملك اليوم "‪.‬‬
‫فيجيب نفسه بنفسه ‪ " :‬هلل الواحد القهار "‪.‬‬
‫يعنی ‪" :‬الواحد" ‪ ‬من غير مشاركة موجود ثان ‪.‬‬
‫"القهار" ‪ :‬الرب قهر الموجودات ‪ ،‬بظهوره عليها ‪ ،‬فانعدمت تحت سلطان جالله ‪.‬‬
‫فالعبد في هذا المشهد ‪ :‬ممحوق ‪ ،‬مطموس ‪ ،‬معدوم ‪ ،‬ال وجود له ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بالحق عن الخلق ‪ ،‬وذهابه عنه به ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫المنظر السادس والثمانون منظر هللا أكبر‬
‫تتجلى المعاني االلهية الكمالية على العبد في هذا المشهد ‪ ،‬وهو مع الذات ‪ ،‬وكلما تجلى عليه بصفة‬
‫كمال‪،‬رجع عنها الى الذات بما هو أكمل ‪ ،‬ونفي الصفة األولى ‪.‬‬
‫ال تزال تبدو عليه بوادى الكماالت ‪ ،‬شيئا فشيئا ‪.‬‬
‫وهو كلما تحقق بصفة ‪ ،‬امتنع من قبولها ‪ ،‬بشهود ما هو أعلى ‪ ،‬فال يزال هذا دأبه‪ .‬وفي هذا المشهد ‪:‬‬
‫رأيت اإلمام أبا الحسين النوري رضي هللا عنه ‪ ،‬وفيه مات ‪ ،‬وعليه قبض‪.‬‬
‫وهو كان حاله في سماع البيت ‪:‬‬
‫مازلت أنزل من ودادك منزال ‪ ..…   ‬تتحير األلباب دون نزوله‬
‫و رأيت معروف الكرخي فيه أيضا ‪ ،‬هو وجماعة من المشايخ ‪ ،‬رضي هللا عنهم ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو احتجاب العبد عن سائر الصفات بما هو األعلى فاألعلى ‪.‬‬
‫والكامل شامل ومحيط ‪ ،‬وهللا ال نهاية له ‪.‬‬
‫والمقتصرـ على وجدان صفة من ذات الحق ‪ ،‬دون غيرها ‪ -‬محجوب عما سواها ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫*هو أحمد بن محمد أبو الحسين النوري ‪ ،‬بغدادي المولد والمنشأ ‪ ،‬خراسانی األصل ‪ ،‬يعرف بابن البغوي ‪.‬‬
‫كان من أجل مشايخ الصوفية في عصره ‪ .‬توفي عام ‪ 295‬هـ ‪.‬‬
‫‪.‬انظر ‪ :‬طبقات السلمی ‪ ،‬ص ‪ . 169 - 164‬وانظر مصادر ترجمته التي أوردها المحقق في الحاشية‪.‬‬
‫* ورد هذا البيت على هذا النحو في كتاب نشر المحاسن اليافعى اليمنى ‪ ،‬ص ‪313‬‬
‫*أما السراج الطوسي في ( اللمع ) فيستبدل « عند » بـ « دون » في عجز البيت فيقول ‪ " :‬تتحير األلباب‬
‫عند نزوله "‪.‬‬
‫ويحكي السراج ما حصل للنوري عند سماعه هذا البيت ‪ ... « :‬فقام ‪ ،‬وتواجد ‪ ،‬وهام على وجهه ‪ ،‬فوقع في‬
‫اجمة قصب قد كسحت وبقي أصولها مثل السيوف ‪ .‬فأقبل يمشي عليها ‪ ،‬ويعيد البيت الى الغداة ‪ ،‬والدم‬
‫يخرج من رجليه ‪ ،‬ثم ورمت قدماه وساقاه ‪ ،‬وعاش بعد ذلك أياما قالئل ومات » ص ‪. 363‬‬
‫*هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي ‪.‬‬
‫من كبار الصوفية ‪ ،‬صنفه السلمي في الطبقة األولى ‪ ،‬كان استاذا للسري السقطي ‪ ،‬توفي عام ‪ 200‬هـ ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الطبقات السلمی ‪ ،‬ص ‪. 83‬‬
‫وقد نقل القشيري عن المسرى السقطي قوله ‪ « :‬رایت معروفا الكرخي في النوم ‪ ،‬كأنه تحت العرش فيقول‬
‫هللا عز وجل لمالئكته ‪ :‬من هذا ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬أنت اعلم يارب !‬
‫فيقول ‪ :‬هذا معروف الكرخي !‬
‫سكر من حبى ‪ ،‬فال يفيق إال بلقائي » ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الرسالة القشيرية ‪ ،‬ص ‪۰10‬‬
‫والسكر الروحي إحدى ثمرات السماع ‪ ،‬ومن هنا فإن الكرخي ينطبق عليه ما ذكر بشأن النوری ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫المنظر السابع والثمانون منظر ال حول وال قوة اال باهلل العلى العظيم‬
‫يتجلى هللا تعالی ‪ ،‬بتجل ‪ ،‬يسلب فيه ‪ :‬قواه ‪ ،‬وحوله ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬وقدرته ‪ ،‬وفعله ‪ ،‬وحركته ‪ ،‬وإرادته ‪ ،‬فهو‬
‫مسلوب الحول ‪ ،‬والقوة ‪ ،‬والقدرة ‪ ،‬فالفعل ‪ ،‬واإلرادة ‪ ،‬والحركة ‪ -‬لظهور عظمة العلی تعالى فيه ‪.‬‬
‫يقول سيد أهل هذا المقام ‪ " :‬وما أدري ما يفعل بي وال بكم "‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪ :‬تكون تجليات األفعال مشهودة للعبد ‪ ،‬فيكون مع هللا تعالى بواسطتها ‪.‬‬
‫ومن ثم ‪ ،‬يقال لصاحب هذا المشهد ‪ :‬قم !‬
‫فيقول ‪ :‬ال اقدر ‪..‬‬
‫تكلم ؛ فيقول ‪ :‬ال أعلم ‪..‬‬
‫اسمع ! فيقول ‪ :‬ال افهم ! ‪.‬‬
‫ما كان ؟! فيقول ‪ :‬ال أدري ‪..‬‬
‫ومع هذا كله تصدر األفعال منه ‪ ،‬وانت تشهدها تجرى عليه ‪ ،‬وهو يرى عن فاعليتها ‪.‬‬
‫فلو رايته ياكل شيئا ‪ ،‬وقلت له ‪ :‬انت تاكل كذا وكذا !‬
‫لقال ‪ :‬ال !‬
‫وأقسم أنه لم يأكل ‪ ،‬ولم يفعل شيئا ‪ ،‬لدهشته بفعل هللا تعالى ‪ ،‬وشغله بذلك ‪ ،‬عن فعل نفسه ‪.‬‬
‫فال يعلم لنفسه فعال ‪ :‬إذ ال ارادة ‪ ،‬وال قوة ‪ ،‬وال قدرة ‪ ،‬وال حول ‪ ،‬وال فعل له ‪.‬‬
‫فال يشهد أفعال العالم جميعها إال باهلل تعالى ‪ ،‬وال ينسب إليه ‪ ،‬من تلك الحركات والسكنات ‪ ،‬شيئا ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بتجليات األفعال ‪ ،‬عن تجليات األسماء والصفات ‪.‬‬
‫وقد وضعنا لكل من ذلك بابا ‪ ،‬في كتابنا الموسوم بـ " االنسان الكامل في معرفة األواخر واألوائل " ‪.‬‬
‫وتحدثنا عن هذه التجليات بحديث ‪ ،‬لم يفصح احد من العارفين عنه ‪ ،‬ولم يسمح به في مصنفاته ‪.‬‬
‫ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بـ " قطب العجائب ‪ ،‬وملك الغرائب " ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫المنظر الثامن والثمانون منظر المالئكة المهيمين‬
‫هللا مالئكة مهيمون في مناظر التجليات االلهية ‪:‬‬
‫فمنهم من دهش ‪ ،‬ومنهم من ضعف ‪ ،‬ومنهم المشاهد ‪ ،‬والمتكلم ‪ ،‬والمتحرك ‪ ،‬والساكن ‪.‬‬
‫وهم كلهم من المأل األعلى‪ ،‬ليسوا عنصريين ‪ ،‬وال موجودين من الطبائع ‪.‬‬
‫بل هم انوار مجردة ‪ ،‬خلقهم هللا تعاني من نور اسمائه وصفاته ‪ ،‬وكل من خلق من نور اسم ‪ ،‬فهو مهيم فيه ‪،‬‬
‫ال يعرف هللا إال به ‪ ،‬وال يعرف إال به ‪ ،‬وال يعرف غير ذلك االسم ‪.‬‬
‫رأيت في هذا المشهد ‪ :‬خلقا من هذا النوع الكريم ‪ ،‬ال يمكن شرحهم ‪ ،‬قد البسهم هللا تعالى مالبس الهيبة‬
‫والعظمة ‪ ،‬فال يراهم أحد اال ويخرج عن حاله ‪ ،‬إلى حال آخر ‪ .‬ورأيت لهم مائة ملك مقدمين عليهم ‪ ،‬ورأيت‬
‫عليهم مقدما ‪ -‬كلهم تحت حيطة اسمه القائل له مع كل ملك وجه خاص ‪.‬‬
‫ولهذا الملك من التمكنات والحيطة ‪ ،‬واالتساع ‪ -‬ما ال يمكن شرحه ‪.‬‬
‫وهو الملك المسمى بالروح ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ " :‬يوم يقوم الروح والمالئكة صفا "‪.‬‬
‫فيكون هذا الملك وحده صفا ‪ ،‬وباقی المالئكة جميعا صفا ‪.‬‬
‫وقد بوبنا له بابا ‪ ،‬شرحنا فيه عجائبه ‪ ،‬وغرائبه ‪ ،‬في كتابنا الموسوم بـ " االنسان الكامل " ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر ‪:‬‬
‫رایت جماعة من األولياء ‪ ،‬كل شخص مع ملك ‪ ،‬ذلك اال احدهما أو كالهما ‪.‬‬
‫وفي هذا المنظر من عجائب آثار هللا ‪ ،‬ما ال يمكن شرحه ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجاب العبد فيه ‪ ،‬بما هو عليه من الحق تعالى ‪ ،‬عن بواقي الكماالت اإللهية ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫المنظر التاسع والثمانون منظر العرش‬
‫عرش الرحمن ‪ :‬هو الربوبية النافذة في حق الوجود المطلق ‪ ،‬باحدية الوجود ‪ ،‬الساري فيه ‪.‬‬
‫فيتجلى فيها ‪ :‬جماال وجالال ‪ ،‬بالبسط ‪ ،‬والقبض ‪ ،‬والعطاء ‪ ،‬والمنع ‪ ،‬وااليجاد ‪ ،‬واالعدام ‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ :‬بتجل يتمكن فيه العبد من العالم الكوني ‪.‬‬
‫فيفعل ما يشاء ‪ ،‬كما يريد ‪.‬‬
‫فحينئذ يستوي العبد ‪ ،‬أعني ‪ :‬روحه المقدسة ‪ -‬على عرش األسماء والصفات ‪ :‬فيتصف بما شاء من الصفات‬
‫‪ ،‬ويترك ما شاء مدخرا في الذات ‪.‬‬
‫أعني ‪ :‬يظهر أثر ما شاء ‪ ،‬ويخفى أثر ما شاء ‪ ،‬فافهم !‬
‫واعلم أنا لم نتعرض لذكر العرش المطلق المذكور باالحاطة للوجود ‪ ،‬ولكن أحلنا معرفته على قلبك ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في " اإلنسان الكامل " جميع ذلك ‪ ،‬فاطلبه هنالك ‪.‬‬
‫فافهم ! وافهم ! حتى تفهم ما يفهم !‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجاب العبد عن تجلی االلهية ‪ ،‬بتجلى الربوبية ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫المنظر التسعون منظر الكرسي‬
‫من تجلی هللا عليه في الكرسي ‪ ،‬اتصف من هللا تعالى بسائر الصفات المتقابلة الفعلية ‪ ،‬وبها يكشف له عن‬
‫تجلی القدمين والنعلين ‪ ،‬قبضا وبسطا ‪ ،‬ونعمة ونقمة ‪ ،‬وهيبة وانسا ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بإتصافه بالصفات الفعلية ‪ ،‬عن االتصاف باالسماء الذاتية ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫المنظر الحادي والتسعون منظر القلم األعلى‬
‫هو نور مخلوق من حضرة اقتضاءات األسماء والصفات ‪ ،‬الظهور مؤثراتها لظهور األثر ‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى على العبد ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بتجل علمی ‪ ،‬فيه بحكم الولي على الموجودات بما تقتضيه‬
‫صفات الحق تعالى فيها ‪ ،‬من االقتضاءات المختلفة ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ :‬بتعرف العبد بالعقل األول ‪ ،‬فيدركه حقيقة اإلدراك ‪..‬‬
‫وال يعرف هذا ‪ ،‬غير الرجل الحاصل في هذا المنظر ‪ ،‬ما هو العقل األول ‪ ،‬على حقيقة ما ينبغى ‪. ‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بمقتضيات الصفات ‪ ،‬عن مقتضيات الذات ‪ .‬فعلم مقتضيات الصفات ‪ ،‬هي المعبر عنها بالكتاب‬
‫المبين ‪.‬‬
‫وعلم مقتضيات الذات ‪ :‬هي المعبر عنها بأم الكتاب " يمحو هللا ما يشاء " من علم مقتضيات الصفات ‪ ،‬بعلم‬
‫مقتضيات الذات‪.‬‬
‫"وعنده أم الكتاب" يعني ‪ :‬علم مقتضيات الذات ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫المنظر الثاني والتسعون منظر الكون‬
‫اعلم أن الكون عبارة عما ‪ :‬سوى هللا تعالى ‪ .‬فكل ما في الوجود مما سوى هللا تعالى ‪ ،‬يسمي كونا ‪.‬‬
‫يتجلى هللا تعالى ‪ ،‬من حيث اسمه الظاهر ‪ ،‬للعبد ‪.‬‬
‫في هذا المنظر ‪ ،‬فيشهد األكوان جميعا عين الحق ‪.‬‬
‫وال يفرق بين شيء منها ‪ ،‬قد أسمعه هللا تعالى حقيقة قوله ‪ " :‬فأينما تولوا فثم وجه هللا " ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بالحق عن الخلق ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫المنظر الثالث والتسعون منظر اللوح‬
‫اعلم ان اللوح مجمال ‪ :‬مجلى تعيين نبذة من علم هللا في المحدثات ‪.‬‬
‫من تجلی هللا عليه ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬تحقق بعلم ما كان ‪ ،‬وما سيكون ‪ ،‬الى يوم القيامة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫أن الناظر في اللوح ال يفصل ‪ ‬من مجمالت علومه ‪ ،‬إال ما يلهمه هللا تعالى إلرادة ‪ ‬تفصيله ‪.‬‬
‫ويبقى ما ال يلهم تفصيله ‪ :‬مجمال ‪.‬‬
‫فال يعلمه في الشهادة ‪.‬‬
‫ولو سألته عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ال أدري ا‬
‫ويعلمه في عالم الغيب ‪ :‬حكما وجوديا ‪.‬‬
‫وال يعرف ما قلناه ‪ ،‬إال من وقع في هذا المشهد ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫المنظر الرابع والتسعون منظر سدرة المنتهى‬
‫سدرة منتهى العارفين ‪ :‬فناء األوصاف الكونية من ذواتهم ‪ ،‬ببقاء األوصاف االلهية ‪ ،‬واتصافهم بها ‪.‬‬
‫فهذا غاية ما ينتهي إليه السالك في هللا تعالی ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫بقاء االثنينية ‪ ،‬في عجزه عما ال يمكنه االتصاف ‪ ،‬به‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫المنظر الخامس والتسعون منظر من انت ؟‬
‫يتجلى الحق تعالى على العارف بنجل يكشف له عن حقيقة ذات العارف ‪.‬‬
‫فيقال له ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ :‬من أنت ؟‬
‫فيقول ‪ ،‬ما قاله الحالج *‪ ،‬وأبو يزيد "البسطامي"وغيرهما من أهل هذا المقام ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجابه بحقيقته ‪ ،‬عن أنيته ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* لعله يشير الى قولة الحالج المشهورة " انا الحق " ‪ ،‬وال يبتعد ابو يزيد البسطامي عن ذلك كثيرا‬

‫‪126‬‬
‫المنظر السادس والتسعون منظر من أنا ؟‬
‫يتجلى الحق سبحانه وتعالى ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بتجل يكشف للعبد فيه عن حقيقة الذات المقدمة ‪.‬‬
‫فال يجد العبد إال ذات نفسه ‪ ،‬لذهوله ‪ ‬عن الحيطة ‪ ،‬بشهود الحق تعالى ‪ ،‬ووجوده في آنية العبد ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪ ،‬يقول العبد ‪ :‬ما ثم إال أنا ! وحق ما قال ‪ ،‬وصحيح ما ادعى لكن أين مقام العبودية ‪ ،‬من‬
‫مقام الربوبية !‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫احتجاب بأنوار الربوبية عن ‪ ‬آثار العبودية ‪.‬‬
‫إشاراتنا ‪ ،‬ويعرف آفة ما فيها من عباراتنا ‪ ،‬إال من هو نحن ‪ ،‬ونحن هو ‪ ،‬فافهم !‬
‫واليه االشارة بقول الجنيد شعرا *‪:‬‬
‫فغنيت كما غنی‬ ‫وغنى لى مني قلبي ‪..…     ‬‬
‫وكنا حيث ما كانوا ‪ ..…      ‬وكانوا حيث ما كنا‬
‫ولقد أردف الشيخ العالم الرباني شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الرداد *هذه األبيات ‪ :‬بيتا ثالثا ‪ ،‬فقال شعرا ‪:‬‬
‫……‪     .‬و ال بانوا و ال بنا‬ ‫فما ‪ ‬بنا و ال ‪ ‬بانوا‬
‫ولعمري أشار إلى معنى غریب ‪ ،‬لوال المقام مقام اإلشارة ‪ ،‬ألفصحنا عنه العبارة ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* وردت هذه األبيات لدى القشيري ‪ ،‬في المباني التالي ‪ ... « :‬سئل الجنيد عن التوحيد ‪ .‬فقال ‪ :‬سمعت قائال‬
‫يقول ‪:‬‬
‫وغنى لى مني قلبي ‪ .… ‬وغنيت كما غنی‬
‫وكنا حيثما كانوا ‪ .…    ‬وكانوا حيثما كنا‬
‫فقال السائل ‪ :‬أهلك القرآن واألخبار ؟‬
‫فقال ‪ :‬ال !‬
‫ولكن الموحد ياخذ اعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره » ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الرسالة القشيرية ‪ ،‬ص ‪. ۱۵۰‬‬
‫* أحمد بن أبي بكر الرداد ‪ ،‬من كبار صوفية اليمن المعاصرين للجيلي ‪ ،‬ولد ‪ 15‬جمادى األولى عام ‪748‬‬
‫هـ ‪ .‬وتوفي في ذي القعدة عام ‪ 821‬هـ ‪.‬‬
‫ترجم له ابن حجر في ( المعجم المفهرس ) ص ‪ ، 362‬وفي ( إنباء الغمر ) ج‪ 3‬ص ‪.178- 177‬‬
‫والسخاوي في ( الضوء الالمع ) ج‪ ،1‬ص ‪. 263 - 260‬‬
‫وذكر الجيلى أنه كان يتردد على بيت الرداد ‪ ،‬ويحضر مجالس المماع التي كان يقيمها ‪ .‬انظر ‪ ( :‬االنسان‬
‫الكامل ) ج ‪ 2‬ص ‪. 39‬‬

‫‪127‬‬
‫المنظر السابع والتسعون منظر االشارة‬

‫لالشارة منظر جلی ‪ ،‬ومشهد على ‪ ،‬ومعنى عزيز سنی ‪.‬‬

‫أنت المراد بها على كل حال ‪ ،‬وهو المشار اليه في كل مقال ‪.‬‬
‫أنت العين ‪ ،‬وهو الحكم ‪.‬‬
‫أنت الوجود ‪ ،‬وهو الشهود ‪.‬‬
‫انت الجوهر ‪ ،‬وهو العرض ‪.‬‬
‫انت هو ‪ ،‬وهو انت ‪.‬‬
‫أنت الموصوف ‪ ،‬وهو الصفة ‪ ،‬لكنه الموصوفـ ‪ ،‬وانت األثر ‪.‬‬
‫هو األم ‪ ،‬وأنت الولد‪.‬‬
‫لكن أنت الروح وهو الجسد‪.‬‬
‫انت حاصل كنوزه ‪ ،‬انت معنى رموزه ‪ ،‬انت صریح ملغوزه ‪ -‬هذا كله منك وفيك ‪ ،‬وهللا يتعالی عن اإلشارة‬
‫والعبارة ‪ ،‬وهو الكبير المتعال ‪.‬‬
‫فاشحذ فهمك ‪ ،‬وجرد همك ‪ ،‬و افتق ما رتقناه عليك ‪ ،‬ليسهل فهم ما أشرنا إليك ‪ ،‬كالمنا ال يفهم ‪ ،‬وحالنا ال‬
‫يعلم ‪ « :‬ای جنان ای دوست » وهي جملة بالفارسية تعني ‪ « ‬هكذا يكون ايها الصديق » ‪.‬‬

‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬

‫عدم استيفاء أداء األمانة ‪ ،‬وال وقوع لصاحبه في خيانة لم يكشف لك برقع هذه العبارة ‪ ،‬ألن الكالم عن‬
‫الحقائق باالشارة ‪.‬‬
‫وال يفهم إشاراتنا ‪ ،‬ويعرف آفة ما فيها من عباراتنا ‪ ،‬إال من هو نحن ‪ ،‬ونحن هو ‪ ،‬فافهم !‬

‫واليه االشارة بقول الجنيد شعرا ‪:‬‬


‫فغنيت كما غنی‬ ‫وغنى لى مني قلبي ‪..…     ‬‬
‫وكنا حيث ما كانوا ‪ ..…      ‬وكانوا حيث ما كنا‬

‫ولقد أردف الشيخ العالم الرباني شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الرداد هذه األبيات ‪ :‬بيتا ثالثا ‪ ،‬فقال شعرا ‪:‬‬
‫……‪     .‬و ال بانوا و ال بنا‬ ‫فما ‪ ‬بنا و ال ‪ ‬بانوا‬

‫ولعمري أشار إلى معنى غریب ‪ ،‬لوال المقام مقام اإلشارة ‪ ،‬ألفصحنا عنه العبارة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫* هذه عبارة باللغة الفارسية ‪ ،‬معناها ‪ « :‬هكذا يكون ايها الصديق » ‪.‬‬

‫* وردت هذه األبيات لدى القشيري ‪ ،‬في المباني التالي ‪ ... « :‬سئل الجنيد عن التوحيد ‪ .‬فقال ‪ :‬سمعت قائال‬
‫يقول ‪:‬‬
‫وغنى لى مني قلبي ‪ .… ‬وغنيت كما غنی‬
‫وكنا حيثما كانوا ‪ .…    ‬وكانوا حيثما كنا‬

‫فقال السائل ‪ :‬أهلك القرآن واألخبار ؟‬


‫‪128‬‬
‫فقال ‪ :‬ال !‬

‫ولكن الموحد ياخذ اعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره » ‪.‬‬


‫انظر ‪ :‬الرسالة القشيرية ‪ ،‬ص ‪. ۱۵۰‬‬

‫‪ * 15‬أحمد بن أبي بكر الرداد ‪ ،‬من كبار صوفية اليمن المعاصرين للجيلي ‪ ،‬ولد ‪ 15‬جمادى األولى عام‬
‫‪ 748‬هـ ‪ .‬وتوفي في ذي القعدة عام ‪ 821‬هـ ‪.‬‬
‫ترجم له ابن حجر في ( المعجم المفهرس ) ص ‪ ، 362‬وفي ( إنباء الغمر ) ج‪ 3‬ص ‪.178- 177‬‬
‫والسخاوي في ( الضوء الالمع ) ج‪ ،1‬ص ‪. 263 - 260‬‬

‫‪ .‬والشرجي الزبيدي ‪ ،‬في ( طبقات الخواص ) ص ‪ . ۳۲ - ۳۰‬والخزرجي اليمني في ( طراز اعالم‬


‫الزمن") د ‪ ،۲‬ص ‪ ، ۲۹۷ – ۲۹۰‬والمذحجي النسابة اليمني في ( رسالة في انساب القبائل التي سكنت زبيد‬
‫باليمن ) میکرو مخط ‪ ،‬لوحة ‪ ۰۱‬وعبد الرؤوف المناوي في ( الكواكب الدرية ) مخط ‪ ،‬د ‪ ،۳‬ق ‪ ۲۸۰‬و ظ‪.‬‬

‫وذكر الجيلى أنه كان يتردد على بيت الرداد ‪ ،‬ويحضر مجالس المماع التي كان يقيمها ‪ .‬انظر ‪ ( :‬االنسان‬
‫الكامل ) ج ‪ 2‬ص ‪. 39‬‬

‫واخيرا انظر دراستنا عن الجيلي ‪ :‬ج ‪ ۱‬ص ‪ ۹۳‬وما بعدها ز اخوانه في الطريق الصوفي )‬

‫‪129‬‬
‫المنظر الثامن والتسعون منظر البهت*‬
‫يتجلى هللا تعالى على العبد بتجل يذهب فيه لبه ‪ ،‬و يزيل عقله ‪ ،‬وتنعدم فيه معارفه ‪ ،‬فيبهت مصطلما ‪ ،‬تحت‬
‫نوار وجدان الحق تعالى ‪.‬‬
‫وهذا التجلي المخصوص تجلی ذاتی ‪ ،‬ليس لالسماء والصفات التي تعرفها ‪ ،‬فيه ‪ ‬محرج وال مسرح ‪.‬‬
‫ومن الفحول من يحفظ هللا عليه عقله ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬لكنه يكون مبهوتا ‪ :‬ان سالته ‪ ،‬لم يستطع الجواب ‪،‬‬
‫وان خاطبته لم يقدر على الخطاب ‪.‬‬
‫فعجزه إنما هو من حيث قدرته ‪ ,‬ال من حيث ذهاب العقل ‪ ,‬حتى أنه لو أراد أن يرفع طرفه من محل الى‬
‫غيره ‪ ،‬لم يستطع في غالب أوقاته ‪.‬‬
‫وفي هذا المشهد ‪:‬‬
‫رأيت رجال من الشيوخ ببلدة تسمی األنفة ‪ ،‬هو الفقيه األجل العارف جمال الدين محمد بن إسماعیل بن‬
‫المكدش*‪ ،‬نفع هللا به !‬
‫توفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ‪ ‬بقرية المذكورة ‪ .‬ورأيت من هذا المذكور ‪ ،‬في زيارتي له أيام بدایتی ‪-‬‬
‫بركات كثيرة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو العجز الظاهر على روحانية هذا العبد ‪ ،‬فإن الكامل ال يبالي بما عسى ان يتغشاه من أنواع التجليات ‪.‬‬
‫ألن هللا قد كمل ذاته ‪ ،‬فهو مستعد کامل ‪ ،‬لما يرد عليه من ذلك الجناب ‪.‬‬
‫والعاجز ناقص ومحجوب ‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* بهته الشيء بهتا ‪ :‬أدهشه وحيره ‪ .‬بهت فالنا بهتا ‪ ،‬و بهته ‪ ،‬وبهتانا ‪ :‬قذفه بالباطل ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬المعجم الوسيط ‪ ،‬ج‪ ،1‬مادة بهت ‪.‬‬
‫والمقصود هنا هو المعنى األول ‪ :‬أي الدهشة والحيرة ‪.‬‬
‫*هو أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن يوسف المكدش ‪ ،‬صوفي يمني معاصر للجيلي ‪ ،‬كان‬
‫يقطن بقرية ( األنفة )‪ ،‬من قرى وادي سهام ‪.‬‬
‫ترجم له الشرجي اليمني وذكر أنه توفي عام ‪ 778‬هـ‪.‬‬
‫ولكن الجيلي هنا يذكر تاريخا آخر لوفاته ‪ 789‬هـ‬

‫‪130‬‬
‫المنظر التاسع والتسعون منظر وان من شيء إال عندنا خزائنه‪$‬‬
‫يتجلى هللا تعالى على العبد بتجل يكشف له فيه عن مفاتيح الغيب ‪ ،‬التي أودعها هللا تعالى في اإلنسان‬
‫الكامل ‪ ،‬فيفتح بها اقفال غيب ذاته ‪ ،‬فيلج في خزائن الملكوت ‪ ،‬ويرى ما أودع هللا فيها من أسرار‬
‫الجبروت ‪ ،‬ما ال يدخل تحت الحد ‪ ،‬وال يعرفه اال هللا تعالی ‪.‬‬
‫وحينئذ يعلم حقيقة قوله تعالى " وإن من شيء إال عندنا خزائنه"‪.‬‬
‫من تجلى هللا عليه ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬حل رموز العام من ذات نفسه ‪ ،‬وعالم هيكله ‪ ،‬بجميع ما فيه ‪ ،‬كل ذرة‬
‫منه ‪ ،‬روحانية عالم من العوالم الوجودية الشهادية ‪.‬‬
‫فإن أراد تدبير ذلك العالم ‪ ،‬أو تحريکه ‪ ،‬حرك من نفسه ذلك الرمز ‪ ،‬الذي هو روح ذلك العالم ‪ ،‬فتحرك‬
‫أجزاء ذلك العالم ‪ ،‬في عالم الشهادة ‪ ،‬والملك والملكوتـ ‪ ،‬بتحريك ذلك الرمز ‪ ،‬فإن الجسد تابع للروح ‪.‬‬
‫وفد علمت أن ذرات ‪ ‬وجود االنسان الكامل أرواح لسائر الموجودات ‪.‬‬
‫وقد وضعنا لمعرفة هذه الرموز ‪ ،‬التي في اإلنسان الكامل ‪ ،‬كتابا سميناه ( قطب العجائب ‪ ،‬وفلك الغرائب )‪.‬‬
‫وبسطنا القول في ذلك مما أذن لنا واعلمنا ‪.‬‬
‫واعلم أنه لم يضع ذلك العلم احد في كتاب قبلنا فالحمد هلل على أن جعلني اول واسع لذلك العلم االلهي في‬
‫عالم الشهادة ‪.‬‬
‫ليستدل من ذلك الكتاب ‪ ،‬في هذا الفن ‪ ،‬من أيده هللا تعالی بروح منه ‪ ،‬وجعله من عباده المقربين ‪.‬‬
‫وقد تحققت بهذا المشهد في سنة ثالثة وثمانين وسبعمائة ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫وقوفه مع الرمز والرموز ‪ ،‬وتحريك المخلوق بالمخلوق ‪.‬‬
‫وليس الفخر اال في تحريك العالم باهلل تعالى ‪.‬‬
‫وهذا حجاب صاحب هذا المشهد ‪ ،‬آن اقتصر على ظاهره ‪ ،‬وهللا أعلم ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫المنظر المائة منظر كن فيكون‬
‫اول ما يتصف العبد بالتكوين في عالم الغيب ‪ ،‬فيكون األشياء في الملكوت ‪ ،‬وال يستطيع على تكوينها في‬
‫الملك ‪.‬‬
‫فمثله مثل أن يستطيع تصوير الخياالت في عقله وال يقدر عليها في محسوسه ‪.‬‬
‫فاذا استقام رجله ‪ ،‬في هذا المنظر ‪ ،‬ثم اتصف حما ‪ ،‬بصفتي القدرة واالرادة ‪ -‬تجلی هللا تعالى عليه بتجلى‬
‫الهي يكسبه نفوذ األمر في عالم األكوان جميعها‪ .‬الغيبية والشهادة ‪.‬‬
‫حينئذ يقول للشيء ‪ :‬كن فيكون ! غيبا وشهادة ‪.‬‬
‫والناس في هذا المقام متفاوتون ‪ - :‬فمنهم من يظهر أثر أمره على الفور ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من يتاخر ظهور أثر أمره ‪ ،‬لسر يريده هللا تعالى ‪.‬‬
‫وأمر نافذ بقدرة هللا تعالى ‪ ،‬وإرادته ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫هو ادعاء العبد ما ليس له ‪ ،‬ألن مقام التكوين للرب تعالى ‪ ،‬ومقام الكون للعبد ‪.‬‬
‫فإذا قال العبد لشيء ‪ :‬كن ! فكان‬
‫فقد ادعى مقام الربوبية وليست له ‪.‬‬
‫وكل مدع ما ليس له ‪ :‬فهو كذاب‪.‬‬
‫وتحت هذه الكماالت إشارات ‪ ،‬يعرف أهلها ما هي ‪ ،‬والسالم ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫المنظر الحادي بعد المائة منظر العجز عن درك اإلدراك إدراك*‬

‫في هذا المنظر ‪ :‬سئل الجنيد ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬عن النهاية ‪ ،‬فقال ‪ « :‬الرجوع الى البداية »‪.‬‬
‫ألن العبد مخلوق من العدم ‪ ،‬والعجز‬
‫الحق بالعدم فاذا رجع ‪ ،‬بعد تحصيل الكماالت اإللهية ‪ ،‬الى العجز والعدم ‪ -‬فقد صار على طرف النهاية ‪.‬‬
‫يتجلى الحق تعالى ‪ ،‬في هذا المشهد ‪ ،‬بتجل يكشف فيه للعبد ‪ ،‬عما اودعه في روحه من الكماالت اإللهية ‪،‬‬
‫التي ‪ ‬يعجز الكون ‪ ،‬بما فيه ‪ ،‬عما فيه ‪ -‬عن حمله ‪.‬‬
‫فإذا أشرف عليها شم ‪ ،‬بقوة األحدية ‪ ،‬ما فاته من علم ما فيه ‪ ،‬من تلك الكماالت االلهية ‪ ،‬واالتصاف بها ‪.‬‬
‫فلم يدركها‪ ,‬إذ ال يمكن درك ما ال يتناهى ‪.‬‬
‫آفة هذا المنظر ‪:‬‬
‫لحوق العجز بالولى في مقام الكمال االلهي ‪ .‬وما ذلك إال نقص‪ ،‬ألنه قابل صفات هللا تعالى بذات نفسه ‪.‬‬
‫فلو قابلها بذات هللا تعالى ‪ ،‬لما قال بالعجر ‪ ،‬ألن هللا تعالى ال يلحق به عجز ‪ ،‬فهو الكمال المطلق ‪.‬‬

‫تمت المناظر االلهية ‪ ،‬بعون هللا تعالى ‪.‬‬


‫والحمد هلل اوال واخرا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* هذه العبارة المشهورة في األوساط الصوفية تنسب لسيدنا أبي بكر الصديق ‪ .‬ويذكر ابن عربی هذه العبارة‬
‫في سياق حديثه عن العلم فيقول ‪ “ :‬فإن قيل لك ‪ :‬فما هو العلم ؟‬
‫فقل ‪ :‬العلم هو درك المدرك على ما هو عليه في نفسه ‪ ،‬إذا كان دركه غير ممتنع ‪ ،‬وأما ما يمتنع درکه ‪،‬‬
‫فالعلم به هو ال درکه ! “‬
‫كما قال الصديق ‪ ( :‬العجز عن درك اإلدراك ادراك )‬
‫فجعل ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪ ،‬العلم باهلل هو ‪ :‬و ادراکه ‪ .‬فاعلم ذلك ‪.‬‬
‫ولكن ( الدرکه ) من جهة كسب العقل كما يعلمه غيره ‪ ،‬ولكن ( درکه ) مر جوده وكرمه ووهبه ‪ ،‬كما‬
‫يعرفه العارفون أهل الشهود ‪. ،‬‬
‫من قوة العقل من حيث نظره » ‪ .‬الفتوحات ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 85 - 84‬‬
‫وواضح ان ابن عربی أن كان يرى ادراك هللا مستحيال عن طريق العقل ‪ ،‬فهو ‪ :‬سمح بهذا االدراك عن‬
‫طريق الشهود للعارفين کرما من هللا وجودا ‪.‬‬
‫والجيلى ال يوافق على ذلك ‪ ،‬بل يري ان االدراك مستحيل ‪ ،‬إذ ال يمكن درك ما اليتناهى ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فالعبارة السابقة اقتبسها الصوفية بصيغ مختلفة ‪ :‬فنسب إلى أبي سعيد الخراز والغزالي‬
‫‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬قولهم ‪ « :‬ال يعرف هللا اال هللا »‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬الفتوحات ‪ ،‬ج ‪ ،۲‬ص‪ ،.  398‬فق ‪. ۹۱۷‬‬
‫ونقل القشيري عن الجنيد قوله ‪ « :‬اشرف كلمة في التوحيد ‪ ،‬ما قاله أبو بكر الصديق ‪ ،‬رضي هللا عنه ‪:‬‬
‫سبحان من لم يجعل لخلقه سبيال إلى معرفته إال بالعجز عن معرفته ‪ » ...‬الرسالة ‪ ،‬ص ‪. 149‬‬
‫ورد ذلك بالمعنى في تعقيب القشيري على نص الجنيد السابق ‪ ،‬انظر ‪ :‬الرسالة ‪ ،‬ص ‪. 149‬‬

‫‪133‬‬

You might also like