Professional Documents
Culture Documents
كتاب المناظر الإلهية عبد الكريم الجيلي وورد
كتاب المناظر الإلهية عبد الكريم الجيلي وورد
تقول ،وذكره باالسم عدة مرات ،والجيلى يقر البن عربى بالمشيخة العلمية ،ولكنه خالفه في قضايا
كثيرة ،واتفق معه في بعض القضايا ،فصلناها في دراسة أخرى ( ، ) ۱والمقام هنا ال يتسع إلعادتها ۰و
من المؤکد آن الچیلی قرأ معظم مؤلفات ابن عربی :کالفتوحات ،والفصوص ،والتجليات ،وهى تذخر
بالعديد من القضايا والفكر الروحية والصوفية التي تناولها الجيلي في مناظرة وفي مؤلفاته االًخری ۰ولکن
الچیلی على العموم ،أخذ الکثیر من ابن عربی ،من حيث المصطلحات ،واألفكار والقضايا ،وأعطاها
طابعه الخاص الشخصى الروحى ،فأصبحت في مولدها الجديد :مصطلحات جديدة وأفكارا وقضايا جديدة
كل الجدة خاصة حين تمتزج بردود فعل بدنية شديدة من جانب الجيلي ،عند ممارستها و معايشتها ،وكثيرا
ما يفعل ؟
وال ابن عربي حين يعرض فكرة ،يعرضها بهدوء ،وفي أناة ورصانة ،
أما الجيلى ،فإن هذه الفكرة نفسها تتحول على يديه إلى مظاهرة صاخبة ،عالية الصوت ،كثيرة الضجة ،
وعلى سبيل المثال هال فكرة" صلصلة الجرس " وكيف تحولت الى اعصار شديد على يد الجيلى ،پینما هی
فی إشارات ابن عربی ،فکرة هادئة ،کغیرها من الفکر( ۰ )۲ومهما يكن من أمر ،فالجيلي وحده ،من
بين العديد من شخصيات مدرسة ابن عربی ،هو الذي نقد ابن عربی و قضایا فکریة وروحية كثيرة (، )٢
ووجه الكثير منها توجيهات عديدة جديدة ،بحيث يمكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )۱انظر :دراستنا عن الچیلی ،ج ، 2ج ( 3مذهب الجيلي ) ،مواضيع متفرقة
( )۲انظر :الفتوحات ،چه ، ۱ص ۰ ۹۵۲
( )۳انظر :االنسان الکامل :ج ۱ص 83 ،82 ، 81 ،76ومواضع أخرى ۰
القول أن فكر الجيلى ،بما فيه من جرأة واندفاع فى فهم وشرح غوامض األفكار المترددة البن عربي
ومدرسته ـ يعتبر من المفاتيح الرئيسية لتوضيح أفكار الشيخ األكبر و مدرسته.
و کتاب المناظر اإللهية من أبرز کتب الچیلی التي تبیین طابعة
الشخصى ،ومنحاه الذاتي ،في السلوك الروحي ،والفهم الصوفي للقضايا واألفكار الصوفية ، .وهو سلوك
وفهم ان كان ظاهرهما " التعليم والتقرير ،فباطنهما يموج بالجذب والشطح ،على النحو الذى سنراه في
مواضعه بعد.
1
- 4شروط الجيلي في القارئ ،وكيفية $فهم الكتاب :
نصائح وارشادات من الجيلي للقارئ
فهذا الكتاب -المناظر اإللهية ــ تسجيل دقيق لرحلة الجيلى الروحية . ،التى قام بها في حياته السلوكية
الصوفية .،منذ البدايات ،حتى النهايات ،أو الغايات .
وهى رحلة خطرة للغاية ،في مطلعها ،.وفي منتهاها ،وفي وتضعيفها ،بل في كل خطوة من خطواتها ،
ولعظم هذه الخطورة ،يبادر الجيلي فيشرح لنا كل مرحلة ،أو كل خطوة من خطواتها .
فی قالب منظر من مناظر الکتاب ،البالغ عددها الواحد بعد المائة .
وهو يعرفنا بعثرة كل خطوة يخطوها السالك ،وقصور كل مرحلة يقطعها الصوفي ،وعيب كل منظر
يشهده العبد :في هيئة ( آفة ) يذكرها لنا في نهاية كل منظر .
ويؤكد لنا أن اآلفات ملحقة بالعبد ،كما أن المناظر ملحقة باهلل .
وال ينسى أن يتيه القارئ إلى أن تخطيه هذه اآلفة ،هو شرط للترقية الى المنظر التالى .
كما ال ينسى أن ينبه القراء ،في خطبة الكتاب ،إلى أن هذه المناظر اإللهية ،ما هى اال محاضر الجمال
العلوم اللدنية .
ومن هنا فان تفصيلها ال يكون إال عن " موهبة ثابتة إلهية " ،وليس كسبا يصطنعه العبد بجده واجتهاده .
وهذه الموهبة اإللهية :قد يدركها العبد وهو " في نفس المنظر األعلى..ـ " .
وقد يتأخر عليه ذلك اإلدراك ،أو" تفصيل تلك العلوم " ،إلى ما ال بعد نزوله عن تلك المناظر ".
وفي الحال األول :
يتيسر له اإلدراك عن طريق اإليحاء اإللهى ،
أو عن طريق " حقيقة اتصاف من الصفة العلمية » اإللهية ،وثمرة ذلك على العبد :هو استيفاؤه أداء آداب
الحال والمقال الالزمين لمقام كل منظر .
أما في الحال الثانية :
فان العبد إذا لم يتيسر له االلهام االلهي ،فالبد له من شيخ مرب ،له معرفة كشفية بالمناظر اإللهية "
مكاشف بالمناظر اإللهية" ييسر له فهم هذه المناظر .
"وإدراك تفاصيلها ،وثمرة ذلك على العبد :هو توفية " الوقت الذي هو فيه أدبه " .ولكن بالطبع -يفوته
أدب تلك المناظر ،لفوات وقوعها ،وانقضاء معايشتها ،وليست الحكاية كالمعايشة ،ألن التجلي الواحد ،أو
المنظر الواحد ،ال یبقی زمانین ۰أما من لم يتيسر له الوهاب اإللهي ،سواء أكان ذلك إيحاء إليها ،أم بحقيقة
اتصاف من الصفة العلمية ،أم بأعالم شيخ مربي مكاشف بالمناظر اإللهية .
ـ فانه إذا جذب إلى بعض المناظر اإللهية ،وخرج منها ،أنكر حاله فيها ،ودهش من أوصافها لو سمع بها ،
لضعف علمه ،وقصور فهمه .
وإذن فهذه الرحلة الروحية للجيلي ،هي رحلة خاصة ،فى عالم مخصوص ،هو عالم المشاهد ،أو المناظر
االلهية ،أو التجليات اإللهية ،من طريق األسماء والصفات ،قام بها صوفي ذو تكوين روحى خاص ،وهو
الجيلى ،سجلها في دقة وأناة ،ليقرأها قراء من نوع روحى خاص .تيسر لهم ما ذكره الجيلى من شروط
وعدة روحية خاصة ۰
و من هنا ،فإننا نرى الجيلي يردد کثیرا عبارات ذات مغزى ،في مواضع عديدة متفرقة من كتابه ،من مثل
:
"وهذا كالم ال يفهمه اال الغرباء ".....و " ...وال يعرف ذوق ما قلناه اال الغرباء … ».و" …… ولقد اشم
رائحة من وراء
هذا السر ،ال يحل نشرها ،إذ ال يمكن بثها .
2
فعليك بك ،وهللا المستعان » و « ...فوا أسفاه عليك :كيف يكون فهمك لهذا الکالم ! » ، .و « ...وال
یعرف ما قلناه إال من وقع في هذا المشهد ))...انظر :منظر 93 ، 74 ، 69 ، 68، 22وغيرها.
– ضوابط قراءة الكتاب :
والجيلى ال يكتفي بذلك ،يل أنه -زيادة في الحيطة ـ بيضع للقراء ضوابط منهجية وعقدية :تصبون الناظر
في هذا .الكتاب عن الزيغ والزلل ،وتمنعه عن الخطأ والخطل .
انظر :خطبة الکتاب ۰وهو یری -بادئ ذي بدء -أن طالبی معرفة علم الحقائق ،آی التصوف ،عليه "
أن يقيس العلوم الواردة إليه على األصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة فما وجده من تلك العلوم
موافقا للشريعة ،اعتقده و تحلى به .وما یجده مخالفا توقف عن استعماله ...ـ إلى أن يفتح هللا تعالى يما يؤيده
من الشريعة ،فيستعمله حينئذ "..
و مبدأ تقويم علم الحقائق بمقاييس الشرع هو مبدأ مشترك بين شيوخ التصوف كلهم ،ما قیل ابن عربی و ما
بعده .
ثم يضع الجيلى ،باالضافة الى المبداً العام السابق ،أصوال أربعة البد من االلتزام بها لكل ناظر فى هذا
الكتاب ،وخالصتها اآلتى :
1ـ االعتقاد في التنزيه المطلق هلل تعالى :
- 2االعتقاد في أفضلية محمد صلى هللا عليه وسلم على كل المقربين واکمليته على رسل رب العالمين
وختمه للمرسلين.
- 3االعتقاد بصحة ما جاء به محمد به ،و ما حواه من عقائد سمعية وغيرها .
- 4ينبغي للناظر أن يجعل طلبه لهذا العلم - :خالصا لمعرفة هللا ،خالصا لوجهه "
،ولكونه أهال ألن يعرف ،وليس للوصول إليه أو معرفته! ..
ومن هنا فعليه تزكية نفسه ،وتطهيرها حتى يمكنه هللا تعالى من ذلك.
والچیلی یذکرنا بهذه األصول والمبادئ طوال مناظر کتابه ،في المواضيعـ التي يشعر فيها بخطورة
الفكرة ، ،أو الخطرة ، ،أو اللطيفة ،أو الرقيقة ،فيقول :
" … كما يشاء هللا تعالى ،من غير تشبيه ،وال حلول ،وال نوع من النقائص " منظر ( 28الحق ) .
ويقول في موضیع آخر :
" … تچلت أنواره ق الوجودات ،بغير حلولی ،وال مزج ،وال شائبة نقص "...منظر ( 30الواحدة ) ۰و
یقول :
" … وهللا تعالى كذلك ،ومن وراء ذلك ،وبخالف ذلك "… منظر ( 76الصورة ) ۰
و یقول :
" … فالحق تعالى هو القائم بمعنی صور الموجودات والتجلي فیھا ،بغير حلول ،وال مزج ،بل هو کما
هو أهله "… منظر ( 77العتی ) ۰
و یقول :
" … وهللا .تعالى منزه عن الشرك واالتحاد ،تعالى الواحد سبحانه و تعالی … " منظر ( 80المعية ) ،
وغير ذلك من المناظر .
3
كتاب المناظر اإللهية
العارف باهلل الشيخ عبد الكريم الجيلي
أما بعد :فإن المناظر اإللهية ،محاضر اجمال العلوم اللدنية ،وأن تفصيلها ال يكون إال عن موهبة نابتة
إلهية .
فقد يدرك تلك الموهبة العبد :فی نفس المنظر( ) ۱العلی :ايحاء إلهيا .
أو بحقيقة اتصافه من الصفة العلمية ،فيوفي المقام ما يستحقه من آداب الحال والمقال .
وقد يتأخر علیه تفصیل تلك العلوم التي يعد نزوله عن تلك المناظر ،فيفهم ما كان فيها الهاما إلهيا ،أو
بإعالم شیخ مربى ،مکاشف بالمناظر االلهیة فیوفي الوقت الذي هو فیه أدبه ۰
ولکن فاته أدب تل المناظر ،لفواتها.
الن التچلی الواحد ال یبقی زمانین ،بل هللا تعالی فی کل زمان تچل مخصوص ،من مسیر قوله .کل يوم هو
في شأن ۰
ومن الناس من يجذب إلى بعض المناظر اإللهية ،فيخرج منها ،وهو ال یدری :این کان ؟
ولو سمع بأوصاف المناظر التي کان هو فيها :تعجب ،وأنكر ما كان عليه .
وذلك لضعف علمه ،وقصور فهمه ،فإن الدهش ال يطرأ اال على الضعفاء .
واعلم :أن لكل منظر آفة ،تمنع الداخل فيها عما فوقها ،و تمسکه عندها ،ما لم يعلم تلك اآلفة.
فإذا اطلع عليها ترقى عن ذلك المنظر إلى غيره .
وهذه اآلفة ملحقة بالعبد ،كما أن المناظر ملحقة باهلل تعالى .
وها أنا أذكر لك :مائة منظر ومنظرا عليا ،وأشرح.
ما أمكن من حال كل منظره ثم أذكر آخرة ،آفة حال العبد فى ذلك المنظر ،ليتبصر بذلك من وفقه هللا
تعالى .
فيقيس بهذه المناظر ما فوقها ،وما دونها .
وهللا الموفق للصواب ،وإليه المرجع والمآب .
كتاب المناظر االلهية تعني الفناء فى المشاهدة القدسية
4
وفتحنا فيه على طريق الفهوانية مغاليق إشارات بأحسن عبارات ليستدل الناظر بجميع ذلك على نفسه.
فيعرف من هو؟ وما هو؟
ويفهم ما أشرنا إليه ،ولو ألغزنا القول فى بعض المواضع لضرورة الوقت.
فقد ألفنا ً كتابا ً فتحنا فيه باب معرفة الكالم وفهمه على طريق التأويل وسميناه:
(غنية أرباب السماع فى كشف القناع عن وجوه االستماع).
5
فصل "األصول التي تصون الناظر لهذا الكتاب"
أردنا أن نضيع ،في هذا الموضع ،أصوال ،تصون الناظر فى هذا الكتاب .
عن الزيغ والزلل ،وتمنعه عن الخطأ والخطل .
فإنه :ما كل أحد من الطالبين ،تكون عنده القواعد من أصول الدين .
فقلنا لك ، :أيها األخ أعلم ،وفقك هللا تعالى :أن الحقائق ،هي أصول الشرائع ،وأن الشرائع ،هي أصول
المطالب لمعرفة الحقائق .
فالبد لمن يقصد معرفة علمنا هذا ،أما تعلما كسبيا ،أو بطلبه من طريق اإللهام ،بشروطه :أن يقيس العلوم
الواردة إليه ،على األصول المشروعة ،التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والجماعة ،فما وجده من تلك العلوم
موافقا للشريعة ،اعتقده ،وتحلى به ۰
و ما وجده مخالفا توقف عن استعماله ،إلى أن يفتح هللا تعالى بما يؤيده من الشريعة ،فيستعمله ومن ثم قال
اإلمام األكمل "ابن عربي" :كل حقيقة ال تؤيدها شريعة ،فهي زندقة ۰یرید :أن کلی علم یرد علیك من
الحقائق التي ال تؤيدها الشرائع ،فاستعمال ذلك العلم زندقة منك .
ألنك تفعل خالف الشرائع ،ال أن الحقائق فيها زندقة ،إذ ليس فى الحقائق مسألة إال وقد أيدها الكتاب والسنة
.فينبغى أن تجعل لك أصوال أربعة :
األصل األول :
تعتقد أن هللا تعالى قديم ،واحد ،ال شبيه له ،وال مثل له ،وال شريك له ،غیر ملحق باالمکان .
وال مسبوق بالعدم ۰ليس بجسم ،وال روح ،وال معنى ،وال صورة ،هو شىء ال كاألشياء .
ال يحل شيئا وال يحله شيء ،وال یمازج شيئا ،وال يمازجه شیء منزه عن الجهة ،والحد ،والحصر ،أزلي
،أبدي .
األصل الثانى :
تعتقد :أن محمدا صلى هللا عليه وسلم ،أفضل المقربين ،و اکمل راسل رب العالمین ۰جاء بالحق
المبين ،و نطق بالصدق اليقين .
لم يترك مكرمة إال وقد نبه عليها بأنواع التنبيهات .
ولم يدع قربة ،إال وقد دعا إليها بأنواع الدالالت .
خاتم المرسلين ،و تاج المقربین ،صلی هللا علیه ،وعلی اله ،وصحبه ،اجمعين .
األصل الثالث :
تعتقد صحة ما جاء به محمد، ،صلی هللا علیه وسلم ،من كتاب هللا فتؤمن بالبعث ،و النشور ،والقيامة .
والحساب ،إلى غیر ذلك مما أخبر به ،من الوعد والوعيد ،واآليات الظاهرة ،عند انصرام أحكام هذه
الدار .
6
7
وهذه فهرسة المناظر
2ـ منظر المراقبة . 1ـ منظر أعبد هللا كأنك تراه .
- 4منظر الشهود ۰ - 3منظر التجلي على االطالق .
- 6منظر تجلی االفعال . - 5منظر الوجود
- 8منظر اترك نفسك وتعال ۰ - 7منظر تجلی الصفات.
- 10منظر الفناء الذاتي . - 9منظر محاضرات األسماء والصفات.ـ
- 12منظر البقاء ۰ - 11منظر الفناء عن الفناء .
- 14منظر التمکين . - 13منظر التلوين ۰
- 16منظر المسامرة . - 15منظر المكالمة .
- 18منظر المحادثة. -17منظر المخاطب ٔه.
- 20منظر التعلیم ۰ - 19منظر المسایرة
- 21منظر الوقوف - 22 .منظر السیر.
- 23منظر الرجوع - 24 .منظر البشاير.
- 25منظر النذاير - 26 .منظر العلم .
- 27منظر العين - 28 .منظر الحق.
- 29منظر الحقيقة - 30 .منظر الوحدة.
- 31منظر اإلبهام - 32 .منظر الفتق.
- 33منظر اإلجمال - 34 .منظر التفصیل.ـ
- 35منظر اإلطالق - 36 .منظر التقييد.
- 37منظره الوصال - 38 .منظ الفصال.
- 39منظر التجريد - 40 .منظر التفريد.
- 41منظر خلع العذار - 42 .منظر ستر الحال.
- 43منظر التالمت - 44 .منظر التصوف.ـ
- 45منظر التزندق - 46 .منظر الوقوف مع المراسم.
- 47منظر الكفر - 48 .منظر االیمان.
- 49منظر االحسان - 50 .منظر الشهادة .
- 51منظر تعبد "الصديقية" - 52 .منظر القربة.
- 53منظر البداية - 54 .منظر الهداية.
- 55منظر البداية - 56 .منظر النهایة.
- 57منظر الغاية - 58 .منظر الجمال.
- 59منظر الحالل - 60 .منظر الكمال.
- 61منظر االستواء - 62 .االستيالء.
- 63منظر اللذة السارية - 64 .منظر الكشف والعيان.
- 65منظر الستر - 66 .منظر المراتب.
- 67منظر الحضاير - 68 .منظر الخلع و المواهب.ـ
- 69منظر االسرار - 70 .منظر الطرق المختلفة .
- 71منظر الصراط المستقيم - 72 .منظر العناية .
- 73منظر المملكة - 74 .منظر الحرف.
8
- 75منظر الکالم - 76 .منظر الصورة .
- 77منظر المعنی - 78 .منظر المعارف .
- 79منظر السکر - 80 .منظر المعیة .
- 81منظر العندية ،بالنون - 82 .منظر استغفر هللا.
- 83منظر سبحان هللا - 84 .منظر الحمد هلل ۰
- 85منظر ال اله اال هللا 86 .ـ منظر هللا أكبر .
- 87منظر ال حول وال قوة اال باهلل -88 .منظر المالئکة المهيمن ۰
- 89منظر العرش.ـ - 90 منظر الکرسی .
- 91منظر آلقلم - 92 .منظر الکون .
- 93منظر اللوح - 94 .منظر سدرة المنتهى.ـ
- 95منظر من أنت - 96 .منظر من أنا .
- 97منظر اإلشارة - 98 .منظر البهت ۰
- 99منظر وإن من شيء إال عندنا خزائنه .
- 100منظر کن فیکون.
- 101منظر العجز عن درك اإلدراك إدراك.
وهذا ما انتهى إليه فهرسة المناظر .
أعلم :أنا لم نرتب جميعه ،على ترتيب ما یحصل فی النازالت ،عند الفتح ،ألهل هللا تعالى ،بل رتبناه
على حسب ما أمرنا به .
فى وضع هذا الكتاب :فبعضه على ترتيب المنازلة ،وبعضه على غير ذلك ،ترتيبا إلهيا ،ليس لنا فيه
اعتراض ،وال شائبة ،فعل هللا .
و هللا المسئول أن ينفع به قارئه ،ويمن بفضله علي حامله ،فهو حسبي ،ونعم الرب ربي ،وصلى هللا على
سيدنا محمد و آله وصحبه وسلم.
9
المنظر األول منظر أعبد هللا کأنك تراه
وهو باب المناظر کلها ،فیه تهب نفحات الرحمن على المتعرضينـ لها بقوابلهم ،فيؤخذ العبد من استعماله ،
في ظاهر أعماله ،بارکان العبادات ،إلى هذا المنظر العلی .والمشهد السنی ،فتتصور له حضرة الحق
تعالى ،بكبريائه وعظمته .
فال يأتي عمال إال وهو مأخوذ عن ذلك العمل ،لغلبة حال الدهش على قلبه .ويكون سائر أحواله ،وأفعاله ،
وأقواله كلها عبادات .
ألنه مأخوذ عنها إلى تصور الحضرة اإللهية ،فهو مشاهد لذلك التصور به حقیقته ،فی سائر أموره ۰
وفی هذا المنظر يفتح عليه بعلوم االصطالم ،ویکشف له عن أسرار الحق تعالی فی ظواهر المخلوقات .
فيقرأ رقوم كتابة أسماء هللا ،تعالی ،علی صفحات وجوه المخلوقات .
ویعلم السر الذی اخذ بالعالم الی ما اخدهم ،فیما هم علیه ،فال یری قبیحا فی الوجود بأسره ۰
10
ــــــــــــــــــــــ
عرف أبو الحسن الهجویری االصطالم بقوله « :هو شهود تجليات الحق التي تجعل اإلنسان مقهورا ،حتى
یکون عدما » ۰انظر :کشف الحجوب ،ص - ۷۳
أما عبد الرزاق الکاشانی في حرفه بقوله " :االصطالم :هو نعت وله برد على القلب ،فيسكن تحت سلطانه
،فان دام ذلك بالعبد حتى سلبه عن نفسه ،وأخذه عن حسه ،بحيث لم يبق منه اسما " ،وال أثرا ،وال
عينا ،وال طلال ،حتى صار مسلوبا عن المكونات بأسرها .
فما دام اعيد كذلك فهو ممحو اآلثار ،فهذا ال يجري عليه أحكام التكليف ،وال يوصف بتحسين ،وال يخص
بتشريف اللهم إال أن یرد لما يجرى علیه ،من غير قصد شئ منه فیکون فی ظنون الخلق متصرفا ،وفي
التحقيق مصرفا ،قال تعالى
" :وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ،ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال " .
وأنشدوا :
ترى المحبين صرعى في ديارهم ..… کفتیة الکهف ال يدرون کم لبثوا
11
المنظر الثاني منظر المراقبة
هو شهود العبد ،بقلبه ،لحضرة الحق تعالى ،فتظهر له ،حينئذ ،حقارة نفسه ،وعجزها ،وصغرها ،
وذلها ،تحت بروز عظمة الحق تعالى ،وقوته ،وکبریائه ،وعزته ۰فيأخذه الصعق فی هذا المشهد .
فإذا رجع عنه إلى نفسه ،وجد عنده من العلوم :معرفة قدر هللا تعالی ،علی قدر قوة ماله من القابلية .
فتكون عنده من العلوم :معرفة عجز المخلوقين ،و حقارتهم ،ویفتح علیه من هذه المعانی بأنواع العلوم
الذوقية .
وهذا المنظر تفصیل المنظر الذی قبله :
فإن الشاهد في ذلك المشهد األول ،ال يقع عنده من حضرة الحق إال اإلجمالي .
و فی هذا المشهد ،يقع عنده تفصيل ذلك ..فمثل صاحب هذا المنظر المتقدم ،مثل من علم أن ملك الروم
موجود ،وأنه فى حضرته ،فيتصور ذلك أمر اجماال.
ومثل صاحب هذا المشهد ،مثل من يطلع على حال الملك ،بين عساكره ،وحشمه ،فيتصور عنده من
ضروريات هيبة الملك ،ما يتصور ،على قدر قوة القابلية .
آفة هذا المنظر :
هو ذهوله عن المتجلي في المنظر ،بحال المنظر .فیشتغل بالمقام ،عن صاحب المقام .
و ما ذاك إال ألنه ال يرى اال المقام ،والحضرة ،ال صاحب الحضرة .
وسر ذلك :كون هذا المنظر ،أثر عکس المنظر اإللهي ،ال لنفسه .
فان الحضرة اإللهية يسطع نورها على سر العبد ،فيقع خيال ذلك ،وعكسه ،فى قلبه ،فال يشاهد إال الخيال
،والعكس ،ال نفس الصورة .
و من هذا المنظر ،ينتقل إلى ما بعده :وهو منظر التجلي على إطالق ۰
وال يصح له من هذا المنظر إال رائحة مما فوقه .
وكل المناظر بهذه المثابة :ال تصح إال بلمعات مما فوقها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرف عند الرزاق الکاشانی الصعق بأنه " في اصطالح الطائفة عبارة عن الفناء عند التجلي الرباني " .
لطائف األعالم ،ص . 10
وفى ( اصطالحات الصوفية ) له كذلك يعرفه بأنه " هو الفناء في الحق بالتجلي الذاتي " .ص 140
12
المنظر الثالث منظر التجلي على االطالق
إذا استقام قلب العبد ،فى حضارة اإليمان ،يتصور ما هللا تعالى ،یطفح على قلبه ،من قلبه نور
شعشعاني ،فیتجلی عليه ،من باطن ذلك ،معنى إلهي ،فيقع عنده ،بالضرورة ،أنه نور تجل إلهي .
فيذهب حينئذ عن محسوساته ،إلى ذلك النور ،ويؤخذ فيه عن سائر معلوماته .وقد تتواتر عليه سطعات
األنوار ،فيشاهدها بعين رأسه ،التحاد البصر بالبصيرة .كما تتشكل األمور الخيالية ،أحيانا ،فى الحس ،
فيشاهدها الناظر ببصره .
وفی هذا المنظر تکون البواده ،واللوامع ۰والبوادي ،و السواطع ،واللوامح ،في أول األمر.
فإذا تواترت علیه ،و أعقب المثل مثال ،فقد است قلبه في هذا المشهد .
وفى هذا المشهد يفتح عليه من العلوم والواردات :علم نور الحق تعالى ،و تالشی العالم ۰ویکون لدیه من
المعارف توحید الظاهر في المظاهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و یعرف القشیری البواده بقوله :
" ...ما یفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهله أما موجب فرح أو موجب ترح "الرسالة ص ، 44ص
تعريف الكاشانى نفسه مع تغيير العبارة األخيرة الى " فيوجب بسطا أو قبضا " وهو بمعنى * اصطالحات
الصوفية ،ص • 38
اللوامع يعرفها الکاشانی بقوله :
"هي األنوار التي يشاهدها صاحب القلب الطاهر ،ببصره الظاهر ،مبتدئة عن آثار المصادمات ،الحاصلة
بين حديد بصيرته الذاكرة ،بتوجهها إلى المذكور الحق وبین حجرية قلبه القابلة للهبوط ،من خشية
مذكوره ،وتجليه فيه ،فيتنور بذلك النور ما حوله ،فيشاهد البصر أنوارا ساطعة ،مثل أنوار الكواكب
واألقمار والشموس ،فتسمى تلك األنوار اللوامع " لطائفه االعالم ق 140 ظ .
البادي " :هو الذي يبدو على القلب فی الحین من حیث حال العبد فإذا بدا بادي الحق يبيد كل باد غير الحق
" .انظر :اللمع ،ص • 418
و من هنا فإن الطوالع لدی الهجویری هی " :طلوع أنوار المعارف على القلب " ،ص ۰ 467
ولدی السراج الطوسی ( :أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة بتشعشعها ،فيطمئن ما في القلوب من
األنوار ،بسلطان نورها ،كالشمس الطالعة اذا طلعت ،يخفى على الناظر من سطوة نورها أنوار الكواكب ،
وهي في أماكنها "
قال الحسين بن منصور الحالج ا فى هذا المعنى :
قـد تجلت طوالـع زاهرات ..… يتشعشعن فى لوامع برق
خصني وإحدى بتوحيد صدق … ...ما إليها من المسالك طرق
13
اللمع ،ص ۲۲و . ۰
ولدی الکاشانی « :الطوالع :أول ما يبدو من تجليات األسماء اإللهية على باطن العبد ،فيحسن أخالقه
وصفاته بتنوير باطنه " .اصطالحات ،ص . 14
وانظر :الرسالة القشيرية ،ص٤٤ - ٤٢
اللوامح غیر موجود فی المصادر الصوفیة ،و هی نحت الجیلی
كالسواطع ،وهى قريبة المعنى من اللوائح
واللوائح هى " :ما يلوح لألسرار الظاهرة لزيادة السمو واالنتقال من حال إلى حال أعلى من ذلك " . .
اللمع ،ص . ٤١٢
وعند الكاشاني « :اللوائح جمع الئحة ،وقد يطلق على ما يلوح للحس من عالم المثال ،كحال سارية ،
رحمه هللا ،لعمر ،رضي هللا عنه ،وهو من الکشف الصوري ۰وبالمعنى األول من الكشف المعنوي
الحاصل من الجناب األقدس " اصطالحات ،ص 73
والوارد :ما يرد على القلوب بعد البادي فیستغرقه والوارد له فعل ۰ولیس لبادی فعل :الن البوادی بداية
الواردات "..اللمع ،ص .418
14
المنظر الرابع منظر الشهود
يشهدك هللا تعالى ،فى هذا المنظر ،ظهوره فى سائر مخلوقاته .وهذا المنظر أول المناظر الحقيقية ،التي
ليس فيها التباس ،وال تخييل ،وال تصور ،وال بطالن .
بل يشهد الحق تعالی فی سائر موجوداته .
وفی هذا المنظر ثالث غرف ،بین کل غرفة من المدارج والمعارج ما ال يحصى :
الغرفة األولى :
شهوده تعالی فی کل شیء ،بعد وقوع نظره في ذلك الشيء .
الغرفة الثانية :
شهوده تعالى في کل شیء ،عند وقوع النظر على ذلك الشيء من غير مهلة .
الغرفة الثالثة :
شهوده تعالى قبل وقوع النظر على ما تشهده فیه ۰
وليعلم أن هذا الشهود من غير حلول ،وال ممازجة ،وال مماسة ،وال نوع من أنواع التجسيم والتشبيه، $
وال شيء من ذلك .
بل يتجلى کما شاء ،على ما هو علیه من التنزيه و الکمال والتعالي ،فیما شاء من الظاھر ۔
تلك سنة هللا ،التي قد خلت في عباده من أوليائه :یتجلی علیهم ،فیما یشاء ،کما یشاء .
أال ترى إلى تجلية ،سبحانه وتعالى ،لموسى في النار المخلوق ٔه ،التي رآها الى جانب الشجرة ،فسمع لندائه
أنه ( :أنا هللا ال إله إال أنا) ،قلم ینکر تجلية في النار ،بل آمن وصدق ۰
وقد ذکرنا بعضا من األحوال الموسوية فى كتابنا المسمى بـ (المملكة الربانية ،المودعة فى النشأة
اإلنسانية) .
آفة هذا المنظر :
هو شهودك للخلق مع شهود الحق ،ألنك إنما تشهده في مظاهره الخلقية فالبد من شهود الظاهر متميزا وال
وجود لشيء سواه ۰
ومن هذا المنظر ،ينتقل إلى منظر الوجود ،ترتيبا .الهيا ،فيما یتعرف به الی اولیائه.
15
المنظر الخامس منظر الوجود
يتجلى الحق تعالى فى هذا المنظر بأعيان المظاهر .
فيكون عين الظاهر ،وعين المظهر ،وهذا أول مجالى الصفة الواحدية ،
ال يشهد صاحب هذا المنظر ،الشىء في العالم وجودا البتة .
فال يبقى للحادثات عنده أثر .
وهذا المنظر ،ال تعمل للعبد فيه ،بل بمحض الجذبات اإللهية .
ومن ثم قال الجنيد ،رحمه هللا تعالى " :المحدث إذا قورن بالقديم لم يبق له آثار " .فأتى بصيغة " قورن "
ليصرف فعل المقارنة الی هللا تعالی .
تنبيها إلى أن ذلك راجع إلى الجذبات اإللهية .
فمتى كان للعبد فيه تعمل ،فليس هو فى هذا المشهد .
وفی هذا المنظر ينفتح على الداخل فیه ،علوم تنوعات التجلي ۰
ویکشف له عن العالم کله ،تجلي فی تجلي ،لیسی شیء غیر ذلك ،ویکون عنده من العلوم :علم التحول
فى الصور ،وعلم توحيد الوجود ،وعلم المقادير .
فال يرى على أحد مما يصدر منه ،ويطلع في هذا المنظر على السر الذي عبدت به المخلوقات من دون هللا۰
فال يخطىء رای احد فی ،بل یتصویب عنده جميع أعمال الثقلين من االنس والجن اجمعين ۰
وفی هذا المشهد ،يطلع على السر االلهى ،الذى یکون شافعا ،لمن شاء هللا تعالى ،من عبدة األوثان ،
والمشركين ،وغيرهم من أهل النحل والملل الماضية -فيحصلون فى حقيقة اإليمان ،قبل الموت ،أو يعده ،
و يحشرون فى زمرة الموحدين ،وهو
طوا ِمنْ َرحْ َم ِة هَّللا ِ إِنَّ هَّللا َ َي ْغ ِف ُر ُّ
الذ ُن َ
وب َجمِيعًا ِين أَسْ َرفُوا َع َلى أ ْنفُسِ ِه ْم اَل َت ْق َن ُ
َ ِي الَّذ َ
سر قوله تعالی ":قُ ْل يَاعِ َباد َ
إِ َّن ُه ه َُو ْال َغفُو ُر الرَّ حِي ُم ( ")53سورة الزمر
.
آفة هذا المنظر :
تلك البقية التي بها يشهد الظاهر والمظهر ،فنفسه ،فى هذا المنظر ،باقية على األنانية ،وهو ال يشعر .
ومن هذا المنظر ينتقل إلى تجلى األفعال ،فيذهب عن أنانيته ادعاء الفعل ال غير .
16
المنظر السادس منظر تجلى األفعال
اعلم أن هذا المنظر ،هو والمنظر الذي بعده ،تفصيل إلجمال ،و تكمیل ذوق المنظر الوجودی ،السابق
ذکره ۰
فهذه المناظر الثالثة ،هي كالمدارج فى المنظر الوجودي ،فال يكمل المنظر الوجودي إال بقطع هذه المناظر
الثالثة ، فهي من عين المنظر الوجودی ۰
فأما تجلی األفعال :
فإن الحق تعالى ،إذا کشف عن بصر بصيرة العبد ،فبصره بتجلي الواحدية في العالم ،فإنه أول ما يقع
عنده من تفصيل ذلك اإلجمال :إرجاع أفعاله إلى الحق تعالى ،فینسیها إليه سبحانه ،یعین ما کان ينسبها
إلى نفسه ۰
وفى هذا المشهد ة يسلب فعل العبد ،وقوته ،وقدرته ،وإرادته ،فال يبقى له فعل ،وال قوة ،وال قدرة ،وال
إرادة ،بل هو كسائر الجمادات –
فهو في هذا المنظر ال فعل له البتة :فلو تكلم ،وسألته عن كالمه ،لقال :لم أتكلم فى هذا المشهد !
وقد يفوت ،ما يفوت من الفرائض ،وغيرها على من لم يحفظها هللا تعالى عليه ،من أوليائه .
وقد يصدر ما يصدر عليه من شان العاصي ،فيقال :عصى ،و ترك ما وجب علیه من الفرائض ،وهو
بريء من ذلك ،مسلوب القوة ،والقدرة ،والفعل واإلرادة ،تقليه يد األقدار ،کیف شاء هللا تعالى ،يمينا
وشماال.
ِين ْ َ ِّ ً َ
"و َتحْ َس ُب ُه ْم أ ْي َقاظا َو ُه ْم ُرقُو ٌد َو ُن َقل ُب ُه ْم ذ َ
ات ال َيم ِ وإلى مثل هذا أشار تعالى ،في قوله ،عن أهل الكهف َ :
ال " 25سورة الكهف َو َذ َ
ات ال ِّش َم ِ
و فی هذا المنظر يفتح هللا تعالی علی النازل فیه :علم األقدار ،فیکشف له عن جریان القدرة في األشياء ،
ويشهد جريانها في أفعال الموجودات .
ويكشف له عن اللوح المحفوظ ،فيشاهد ما يريده هللا تعالى منه ،قبل وقوع الفعل علیه و علی غیره ،بمثابة
واحدة.
فيشهد هذا المحل من اللوح المحفوظ ،فيطلع على سر القدر :فيشهد بال شهود ،ينسب إليه .
ويعلم بال علم ،ويرى بال رؤية ،ويفعل بال فعل ،يضاف إليه .
.
آفة هذا المنظر :
شغله بالقدر عن القادر تعالى ،فهو مع الفعال بواسطة الفعل ،وهذه الواسطة حجاب.
ومن هذا المحل ينتقل إلى منظر تجلي الصفات ،إذا أشرف على اآلفة.
17
المنظر السابع منظر تجلي الصفات
في هذا التجلي تشهد صفات الحق تعالى ،النفسية ۰
فكلما ظهرت لك صفة من صفاته النفسية ،فنيت صفة من صفاتك ،إلى أن تفنى جميع صفاتك النفسیة.
فإذا فنی وصفك ،شهدت وصفه.
فتعلم حينئذ ،أن حياتك ،و علمك ،و إرادتك ،وقدرتك ،وسمعك ،وبصرك ،وكالمك ،جميع ذلك ،
منسوب إليه .
على حد ما كان منسوبا اليك.
فتكون بال صفة لك ،بل تكون صفاتك ،صفات هللا .
فتحقق أن ال حياة لك ،بل الحياة حياته .
وأن ال علم لك ،بل العلم علمه.
وأن ال إرادة لك ،بل اإلرادة إرادته.
وأن ال قدرة لك ،بل القدرة قدرته .
وأن ال سمع لك ،بل السمع سمعه .
وأن ال بصر لك ،بل البصر بصره .
وأن ال كالم لك ،بل الكالم كالمه .
وفی هذا المنظر :
یجیب هللا من دعاك بهذه الصفات ،
فال تشهد وقوعها اال علیه.
فأنت بريء من شهود دعوى صفاتك لشهودك أنها هلل تعالى ،کشفا وعيانا ۰
یفتح هللا علیك فی هذا المجلی بمعرفة الوجود الساري ،ويكون عندك هذا العلم من علوم التوحيد ،وباهلل
التوفيق.
.
آفة هذا المنظر :
هي تلك البقية التي نسبت بها الصفات النفسية إلیك ،وهذا حجاب ،لکون تلك البقية ،باقیة فیك ،وقد ذكرنا
القول في تجلي الصفات صفة ،صفة ،في كتابنا الموسوم بـ ( اإلنسان الکامل ) .
و ذکرنا کیفیة ذلك في کتابنا المرسوم بـ ( قطب العجائب ،وفلك الغرائب ) فإن أردت تحقيق ذلك ،فطالع
في أيهما شئت .
18
المنظر الثامن منظر اترك نفسك وتعالى
ترك النفس :انما هو بجحود اآلنية وإثبات الهوية اإللهية عوض انيتك .
فتكون أنت ال أنت ،بل أنت هو ،بل ما أنت هو ،ألنه هو هو .
وفي هذا المشهد :تضاف أسماء الحق تعالى إليك ،فنجيب الداعين بها .
فإذا قال قائل يا هللا ! أجبته أنت.
لبيك وسعديك ا وما أنت المجيب ،بل هللا الذى أجاب من دعاه ".علي لسانك وقلبك"
لطيفة الهية ،ال يعرفها اال الواقع فيها ،ذوقا وجوديا ،وكشفا حقيقيا .
وفي هذا المشهد :تتنزل عليك األسماء اإللهية ،إسما فإسما .
والصفات الرحمانية ،صفة صفة .
وأنت تقبل منها يقدر ما يقتضيه حالك من قوة القابلية ،وتحقيق الكشف .
فيكون عندك من العلوم اللدنية :علم الحضرة النفسية ،وما يتعلق بها من الشئون ،والمقتضيات ،
واالضافات ،والنسب ،والظهور ،والبطون ،واألولية ،واآلخرية إلى غير ذلك .
19
المنظر التاسع منظر محاضرات األسماء والصفات ومخاطبات بعضها لبعض
وفى هذا المشهد :
يخاطبك كل اسم وصفة ،بما يقتضيه من حقائق الجمال والجالل والكمال .
وتسمع مخاطبات بعضها لبعض ،وتتنزل عليك المعانى االلهية ،أطوارا بعد أطوار ،وأدوارا بعد أدوار .
وفي هذا المنظر :
يفتح عليك بأسرار الهية ،ال يسع شرحها ،من علوم األحدية والواحدية ،ومن علوم األلوهية والرحمانية و
خصائص االسماء ۰
و تشرفه من هذا المحل علی حقاتق الراتب الكمالية :
فال تمر باسم صفة ،وال نعت وصف ،وال صفة فعل ،وال أسم ذاته ـ اال يناجيك بحقيقة ما فيه من
الكماالت االلهية .
وكلما ناجتك حقيقة بما فيها ،انطبع فيك ما بلغته اليك من تلك األمور الكمالية ،المودعة فيها ،على قدر
قابليتك.
فتعلم حينئذ حقيقة أنهم لم يحملوا تلك المعاني الكمالية ألنفسهم ،بل حملوها لذاتك.
و لهذا الشهد طرفان :أدنی ،و أعلی ۰
فمن کان فی طرفه األدنى = فانه يجد ما يجد ،من حضرات األسماء ،متعلقة بالذات االلهية ،ويسمع ما
يسمع ،من مخاطبات الصفات ،بما تقتضيه حقائقها ،من حيث ما هي صفات الحق مطلقا .
ومن کان فی طرفه االعلی :
۰فانه یجد جمیع تلك ،األسماع والصفات ،من حيث أنها أسماؤه وصفاته ،لما تقتضيه حقیقته ،تبارك
وتعالی .
فهی له یتصرف فی مقتضیاتها ،بلذة علم أحوال تلك المخاطبات والمسامرات ،لذة المالك فيما يملك ،
والمتصرفـ فيما يتصرف ..
فان كمل ،والفناه هذا المشهد ،عن سائر البقايا الذاتية البشرية ،وتطهر عن نقائص وجوده ،فانه يرتقى من
هذا المشهد الی الفناء الذاتی ،المعبر عنه بالسحق ثم المحق .
آفة هذا المنظر :
هو احتجابه .بمحاضرات األسماء والصفات ،عن اعطاء حقائقها حقوقها ،كل اسم بما هو عليه ،وكل
صفة بما هى عنيها ،من معانی الجالل والجمال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ( اصطالحات الصوفية ) للكاشانى :
والسحق هو ذهاب تركيب العبد تحت القهر عند عظمة سلطان الحقيقة .
والمحق :هو فناء وجود العبد في ذات الحق
والمحق يعرفه بأنه :فناؤك في عينه ،أى في عين الحق .
20
المنظر العاشر منظر الفناء الذاتی
تضمحل فى هذا المنظر ذاتك ،وتفنى عن صفاتك ،وعنك ،وعن كل ما ينسب اليك من النعوت ،واألفعال
واآلثار .
فيتالشى وجودك ،وينعدم تركيبك ،فال تشاهد لك جسما ،وال روحا ،وال قلبا ،وال سرا ،وال صورة ،وال
معنى .
بل يتجلى الحق عليك فى جميع ذاتك ،فتنعدم تحت تجليه من جميع جهاتك .
فال يبقى لك علم ،وال عين ،وال عمل ،وال حق ،وال حقيقة .
قد أخذك عنك ،له ،فال شیء منك بجهة من الجهات باق .
و تلی علیك فی هذا المنظر :
" کل شیء هالك اال وجهه له الحکم " وهـذا هو السحق ،وهللا الموفق .
آفة هذا المنظر :
بقیة شعور تبقی فیك ،تدرك به ،انك فاني.
21
المنظر الحادی عشر منظر الفناء عن الفناء
فی هذا المشهد یتحقق فیك حکم المحق ،والطمس ،والمحو ،واالنعدام .
فتفنى أوال عن ذاتك ،وجميع ما ينسب اليها .
ثم تفنى عن الفناء ،فيأخذك أمر ضروري ،الى ذات واجب الوجود .
فيكون مشهدك في هللا ،مشهده فيه .
وأنت كما قال تعالى " :هل أتى على االنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا".
آفة هذا المنظر :
هو هذا الحجاب ،الذى سلط عليك ،من شهودك فنائك ،وانت موجودك .
فشهود الموجود ،فانیا ،منعدما ،هو حجاب .
لکنك ،اذا أخذ هللا بیدك ،فی هذا الشهد ،ورفاك ،من بين يديه الى عنده ،أبقيت ببقائه .
………………..
المحو والطمس والمحق واالنعدام .
ويعرف الكمشخانوى الطمس :
بأنه هو ذهاب رسوم السيار بالكلية في صفات نور االنوار .
۰ویعرفه الکاشانی بانه :
ذهاب ظلمه السیار فی تجلى نور األنوار ،بحيث لم ييق المنور من ظلمته رسما ،وال اثرا …".
يعرف الكمشخانوى المحو بأنه :فناء الكثرة في الوحدة .وهذا هو محو الجمع والمحو الحقيقي .
أما محو أرباب الظاهر فهو رفع أوصاف العادات والخصال الذميمة .
أما محو أرباب السرائر فهو :ازالة العلل و اآلفات ۰
و یذکر الکاشانی ان :الطمس فوق المحو ،ألن المحو :رفع أوصاف العادة .
والطمس :رفع جميع األوصاف .
وفوقه المحق :الذى هو رفع الذات .
22
المنظر الثانى عشر منظر البقاء
يبقيك الحق ،تعالى ،في هذا المشهد ،بنوره الذاتي ،فيرد عليك وجودك .
كما كان أو :فتشهد سمعك ،وبصدرك ،وعلمك ،وقدرتك ،وقوتك ،وحياتك ،وكالمك ،وفعلك ،وحالك
،كلها منسوبة اليك .
وتعلم حقيقة :أن حياة هللا ،وعلمه ،وسمعه ،ويصره ،وارادته ،وقدرته ،وكالمه غير علمك ،وحياتك،
وقدرتك ،وأمثال ذلك .
وتتميز صفات هللا ،تعالى ،عن صفاتك.
فتلحق الكماالت به ،وتلحق بك ،ما هو منسوب اليك ،من الكمال والنقص.
فتشهد الحق حقا ،وتتبعه .وتشهد الباطل باطال ،وتجتنبه.
یعنی :تشهد مخلوقيتك ،ونفسك و ذاتك ،فتجتنبها .
ولهذا قال عليه الصالة والسالم " :أصدق كلمة قالتها العرب شعرا :
اال کل شيء ما مخاال هللا باطل .
ثم علمنا فی قوله ":اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ،وأرنا الباطل باطال ،وارزقنا اجتنابه ".
واتباع الحق ،فى هذا المشاهد :
أن تنسب اليه ما يستحقه من الكماالت ،وتنزهه عما ال یلیق بکبریائه تعالی.
ومن هذا المشهد :يكون بداية أهل حق اليقين ،في اعطائهم الحق حقه ۰
و من هو دون هذا الشهد ،فلیس هو من أهل حق اليقين ،بل هو من أهل عن اليقين ،او علم الیقین .
وسیأتی بیان هذه الثالث المراتب ،فيما بعد ،ان شاء هللا تعالى.
………………
وكل نعيم ال محالة زائل .
وفي صحيح البخاري عن أبى سلمة ،عن ابی هریرة رضي هللا عنه قال :قال النبي صلى هللا عليه وسلم :
أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :
اال كل شيء ما خال هللا باطل .
23
المنظر الثالث عشر منظر التلوين
هو مشهد ذاتی ،تتلون فیه ،بمعانی االسماء و الصفات ۰
فيغلب عليك فى كل زمان حكم صفة ،فتكون فى لون غير ما كنت علیه قبل ۰
وفى هذا المشهد :تجد من اللذة االلهية ،ما يسرى في جميع اجزائك ،الى أن تكاد أن تخرج روحك من
عالم التركيب ،الى عالم االرواح ،لشدة اللذة المنطبعة فيك .تجدها ،حكم الضرورة ،محسوسة ،كما تجـد
لذة المحسوسسات .
وقد أخذت هذه اللذة فقيرا عن محسوساته.
حتى غاب عن الكون ،وما فيه ،فلما رجع الی نفسه ،وجده قد أمنى ،لما سرت فيه اللذة الروحانية .
فعملت الروح والقلب ،ثم أفاضت على بشرة جسده ،فأعطاه الجسد حكم بشریته ،فكان ما کان۰
وقد أنكر هذا الحال ،بعض المشايخ المتقدمين ،من علماء الصوفية ،فقال :إن ذلك للبقايا التي فيه من
البشرية .
وأين البشرية منه ،فى هذا المقام ؟!
بل انما هو بحكم البشرية في هيكله الجسماني ال لبقاياها في نفسه المطهرة ،فاعلم.
آفة هذا المنظر -:
هو انقهارك تحت حكم مقتضيات الحال ،بحسب الصفة المتجلي فیك ظهورها ،ولیس هذا شأن الکمال
االلهي ۰
24
المنظر الرابع عشر منظر التمكين
فى هذا المشهد :يتجلى الحق تعالى للعبد ،بذاته ،من حضراته.
فیتصف حينئذ بأسمائه وصفاته ۰
فیمكنه بنصب الحضرة اإللهية بين يدى العبد ،فيأخذ منها ما شاء ،ويترك ما شاء ويظهر أثر ما شاء ،
متى شاء.
وعند الدخول فى هـــذا المشهد ،يسمع العبد "صلصلة الجرس" .
وعند التوسط فيه ،يرى الرفرف ،والنعلين ،والتاج ،والسرير ،و المتجلي في ذلك ،على الصورة
المذكورة في الحديث النبوي۰
وهذا المنظر :
أول مقامات الوصول ،عند الكمل .
وعلى الحقيقة :
فما .ثم مقام ينتهى إليه الواصل ،بحيث االستقرار ،ألن هللا تعالى ،ال نهاية له .فكذلك الذاهب بمعارفه
اإللهية ،ال نهاية لمقاماته .
وليس فوق هذا المقام ،المسمى بالتمكين ،مقام اال :القربة ،فالخلة ،فمقام الحب ،فالعبودية المحضة ،
وبين كل مقامين ،من هذه المقامات ،من المناظرة ما ال نهاية له .
وفيها يتفاوت الكمل :کل أحد ،علی قدر قوة علمه ،و وفور عزمه ،وعلو همته ،وحسن قابليته ،
وصدق نفوذه فى ذهابه ،وظهور أثر باطنه علی ظاهر اهابه ،فاعلم .
نزلنا علی حكم الترتيب ،إلى تفصيل ما أمرنا الحق ،تعالى ،بتوقيعه ،فى هذا الكتاب ،على حسب الوضع
الحقيقي االلهي .
وهللا الموفق ،ال رب غيره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) 1عبارة " صلصلة الجرس" هي عبارة مشهورة في التراث اإلسالمي بصلتها بالوحي النبوي فقد سئل
الرسول صلى هللا علیه وسلم كيف يأتيك الوحى؟
فقال :أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي ،فيفصم عني ،وقد وعيت عنه ما قال ...الحديث
).
انظر :صحيح البخاري ج 1باب کیف کان بدء الوحي .
أما الجيلي فيعرف صلصلة الجرس هذه بأنها ( انكشاف الصفة القادرية عن ساق بطريق التجلي بها علی
ضرب من العظمة ،أی بروز الهيبة القادری ٔه ) .
اما متى وكيف يحدث ذلك ؟
25
يجيب الجيلي بقوله " :وذلك أن العبد االلهي اذا أخذ يتحقق بالحقيقة القادرية برزت له في مباديها صلصلة
الجرس ،فيجد أمرا يقهره بطريق القوة العظموتية ،فيسمع لذلك أطيطا من تصادم الحقائق بعضها على
بعض ،كأنها صلصلة الجرس في الخارج " .انظر :االنسان الکامل ،ج 1ص . 107
وسيعرض الجيلي لهذا المصطلح بعد عند حديثه عن ( منظر الجالل ) .
يقصد الجيلي بالرفرف األعلى " :المكانة االلهية من الموجودات ومن االمور الذاتية التى اقتضتها االلوهية
بنفسها" انظر :االنسان الكامل ،ج 2ص . 3
أما النعالن " :فهما الوصفان المتضادان كالرحمة والنقمة والرضا والغضب وأمثال ذلك " .
أنظر :االنسان الكامل ج ٢ص. 5
والسرير :هدى المرتبة الرحمانية التى هى في المكانة اإللهية :االنسان الكامل ج ٢ص . 5
أما التاج "ا فهو عبارة عن عدم التناهى ،وهو المعبر عنه بصورة شاب في التحديث المشهور النبوى :
"انه رأى ربه في صورة شاب أمرد على سرير من كذا وكذا وفى رجله كذا وكذا … "..الحديث .
ألن الصورة يلزمها التناهي ،وهو ال نهاية له .
فذكر التاج الذى هو فوق الرأس اشارة الى ماهية الذات التي ال نهاية لها " .ج 2ص . 5-4
القربة ،فالخلة ،فمقام الحب ،فالعبودية المحضة ،وبين كل مقامين ،من هذه المقامات ،من المناظرة ما
ال نهاية له .
وفيها يتفاوت الکمل :کل أحد ،علی قدر قوة علمه ،و وفور عزمه ،وعلو همته ،وحسن قابليته ،
وصدق نفوذه فى ذهابه ،وظهور أثر باطنه علی ظاهر اهابه ،فاعلم .
نزلنا علی حکم الترتیب ،إلى تفصيل ما أمرنا الحق ،تعالى ،بتوقيعه ،فى هذا الكتاب ،على حسب
الوضع الحقيقى االلهى .
وهللا الموفق ،ال رب غيره .
يعرف الكمشخانوى القرب :بأنه عبارة عن الفناء بما سبق فى األزل من العهد الذي بين الحق والعبد فى
قوله تعالى " :ألست بربكم ؟ قالوا بلی".
وقد یخصں بمقام قاب قوسين " ،ص ٦٦وأنظر :اصطالحات الصوفية للكاشاني ص . 148
أما الخلة :فيعرفها الكمشخانوى بأنها " تحقق العبد بصفات الحق بحيث يتخلله الحق وال يخلى منه ما يظهر
علیه شیء عن صفاته فیکون مرآة للحق ".
ص 59والنظر :اصطالحات الصوفية . 161
( )19والعبوده يعرف الكمشخانوى العبودية بأنها " :للخاصة الذين صححوا النسبة الى هللا والصدق اليه
في سلوك طريقه " .ص 64
قد وورد ذكر للحديث في وغيرها
األسماء والصفات للبيهقي ()364 /2
كشف الخفاء ط المقدسي ()436 /1
مشكل الحديث وبيانه (ص)362 :
األجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية ()320 /1
شرح كتاب نقد متون السنة للدميني -محمد حسن عبد الغفار
26
والحديث لم أعثر عليه .في كتب السنة
األسماء والصفات للبيهقي ()364 /2
عن األسود بن عامر بإسناده أن محمدا صلى هللا عليه وسلم رأى ربه في صورة شاب أمرد ،دونه ستر من
لؤلؤ قدميه ـ أو قال :رجليه ـ في خضرة[ .ص]365:
مشكل الحديث وبيانه (ص)362 :
فإن قال قائل فما تقولون فيما روى عكرمة عن ابن عباس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال
رأيت ربي في صورة شاب أمرد عليه حلة حمراء
وفي بعض األخبار أن عبد هللا بن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله هل كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
رأى ربه
فأرسل إليه عبد هللا بن عباس فقال نعم قد رآه في صورته على كرسي من ذهب محتجب بفراش من ذهب في
صورة شاب رجل
وفي خبر آخر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى
كشف الخفاء ط المقدسي ()436 /1
وروى في صورة شاب أمرد ،قال ابن صدقة عن أبي زرعة حديث ابن عباس ال ينكره إال معتزلي وروى
في بعضها بفؤاده والحديث إن حمل على رؤية المنام فال إشكال ،وإن حمل على يقظة فأجاب عنه ابن الهمام
أن هذا حجاب الصورة،ـ قال القاري كأنه أراد بهذا التجلي الصوري ،وهلل تعالى أنواع من التجليات بحسب
الذات والصفات لكنه تعالى منزه عن الجسم والصورةـ بحسب الذات ،وأما ما قاله السبكي في الحديث فإن
أراد أن في سنده ما يدل على وضعه فمسلم وإال فباب التأويل واسع انتهى ملخصا.
األجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من األحاديث النبوية ()320 /1
وعن ابن عباس عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه رأى ربه عز وجل شاب أمرد ،جعد ،قطط ،في حلة
خضراء .أخرجه الدارقطني أيضا .وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" وقال :إنه ال يثبت.
وعند الترمذي في جامعة وقال :حسن غريب عن ابن عباس أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال" :رأيت ربي
عز وجل في أحسن صورة فقال لي :يا محمد! قلت :لبيك وسعديك قال :فيما يختصم المأل األعلى" وذكر
الحديث .قال البيهقي :وري من أوجه كلها ضعيفة.
شرح كتاب نقد متون السنة للدميني -محمد حسن عبد الغفار ( ،9 /9بترقيم الشاملة آليا)
نقد حديث( :أن النبي رأى ربه في المنام في أحسن صورة شابا ً موقوراً)
أيضا ً من هذه األحاديث التي رويت عن النبي صلى هللا عليه وسلم ظلما ً وعدوانا ً وزوراً( :أن النبي صلى هللا
عليه وسلم رأى ربه في المنام في أحسن صورة شابا ً موقوراً ،رجاله في خضر ،عليه نعالن من ذهب ،في
وجهه فراش من ذهب).
وهذا الحديث روي من وجه آخر :أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال( :أتاني ربي في صورة شاب أمرد)،
وهذا الحديث قيل بأن شيخ $اإلسالم ابن تيمية $صححه ،لكن لو راجعت لشيخ اإلسالم ابن تيمية في بعض
األقاويل فقد يتوهم اإلنسان بأنه صحح هذا الحديث.
لكن الصحيح الراجح أن هذا الحديث باطل ال أصل له.
وهو موضوع على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
وكفى في ركاكة لفظه أنه شبه الخالق بالمخلوق ،ونقول :إن هللا جل وعال يأتي على صورة ،وذلك لحديث
اآلخرة( :فيأتيهم على غير الصورة التي يعرفونها فيقول :أنا ربكم ،فيقولون :نعوذ باهلل منك لست بربنا،
فيقول :بينكم وبينه عالمة؟ فيقولون :نعم ،فيأتيهم هللا على الصورةـ التي يعرفونها).
27
فأوالً جاءهم على الصورةـ التي ال يعرفونها ،ثم جاءهم في المرة الثانية على الصورة التي يعرفونها ،فهذه
داللة على بطالن حديث( :أتاني ربي في صورة شاب أمرد).
28
المنظر الخامس عشر منظر المكالمة
كالم الحق تعالى ،يسمعه العبد ،بسمع هللا تعالى :فيكون مع الکالم بکلیة جسده ،وقلبه ،فتذهب کلیته فی
سماع الكالم.
وفی هذا المشهد :يقرب العبد ،فیؤتی به إلى حضرات االصطفاء .:
فتارة يسمع الكالم من كل جهة فال يتقيد سماعه بجهة ،دون أخرى .
وهذا النوع يسمى ( المكالمة ) .
وتارة يسمع من جهة ،على لسان الخلق ،ويعلم أن هللا لضرورة كالم هللا تعالى ،كما في النار ،والشجرة
الموسوية -وهذا النوع يسمى ( المخاطبة ) .
وتارة يسمع من جهة ،لكن ال على لسان الخلق ،بل يسمع كالم الحق ،من الحق ،بالحق .وهذه الجهة
غير مقيدة بالجهات الست المخلوقة .
بل هي من جهة القدس األعلى ،المنزه عن الجهة المخلوقة ،تعالى شأن من هي له وهذا النوع يسمى
(المحادثة) .
و تارة یسمع من قلبه کالما ،يعلم أن هللا هو المتكلم به ضرورة .وهذا النوع يسمى ( المسامرة ) .
وسيأتي بيان هذه األنواع ،فيما بعد ،ان شاء هللا تعالى .
وقد بينا أنواع المكلمين ،فى كتابنا الموسوم بــ ( االنسان الكامل ) ،وشرحنا كيفية أحوالهم في مناظرهم .
فمن أراد معرفة ذلك ،فليطالع فیه ۰
وفي هذا المشهد :
غییت عنی ،فسمعت بکلیتی ،لکن باهلل تعالى ،وانا یومئذ مبتدء فی سلوك طریق القوم ۰
سمعت يافالن ! انت محبوبنا ،و کل احببنا و طلبنا ۰
ولکن ،نحن أحببناك ،و طلبناك .
فبعد أن رجعت إلى محسوساتي ،أخذني هيمان لشدة ما بقى عندي من حال األثر تلك اللذة ،فقعدت عن
الطعام والشراب ،ما شاء هللا .
وكنت احيانا اذا طرأ ذلك على ،یحصل عندي ،بعد رجوعي الى الحس ،مثل ما کان یحصل علی فی
مغیبي.
و کنت اظنه من جنسه ،فلما كشف الغطاء ،تحققنا أن الحاصل عندنا ،بعد الرجوع إلى اإلحساس.
إنما هو من مخاطبات الروحانيين العلويين ،کان يشتبه علی ،لعدم التمییز ۰فالحذر ،الحذر ،من الوقوع
في مثل هذا التشبيه والبقاء عليه .
29
30
المنظر السادس عشر منظر المسامرة
هو أعلى المناظر ،في باب سماع کالم -هللا تعالی ،ألن المسامرة عبارة عن :سماح كالم هللا ،تعالى ،
فى قلب العبد ،من غیر جهة ۰
وبقية األنواع ليست كذلك ،بل شىء على لسان المخلوقات ،وشىء على غيره ،من كل جهة ،كما سبق
بيانه في المنظر المتقدم .
والقلب عرش هللا ،فسماع كالمه على عرشه ،أعلى ،وأشرف من سماع کالمه علی غیره من المشاهد.
وقد ورد أن هللا تعالى یقول " :ال یسعني أرضي وال سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن "۰
و بالضرورة ال يرد على القلب من المكالمات ،اال بقدر قابليته .
وفرق كبیر ،بين قابلية قلب المؤمن و بین قابلیة غیره من العوالم ۰
فالبد أن تكون العلوم الواردة ،بطريق المكالمة ،على القلب ،أشرف من سائر العلوم الواردة على السنة
المخلوقات ،ولو كان هللا المتكلم بها .
فان للمحل حكما في قبول الفيض على قدر قابليته . فافهم !
آفة هذا المنظر :
هو الحجاب المتقدم ذكره ".للمحل حكما في قبول الفيض على قدر قابليته "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حديث) "ما وسعني سمائي وال أرضي ،ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" .
ذكره االمام ابو حامد الغزاليـ باالحياء :
قال الحافظ :لم نجده بهذا اللفظ ،وهو بمعنى ما يروى :قال هللا تعالى" :لم تسعني أرضي وال سمائي
ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع" قاله الحافظ العراقي في تخريجه لإلحياء""15 /3لم أر له أصاًل .
الشواهد على صحة معني الحديث السابق :
ما رواه اإلمام أحمد بن حنبل عن وهب بن منبه.
فت عن أن تسعني ،ووسعني قلب المؤمن" ض ُع ْ"إنَّ السموات واألرض َ
في هذا إشارة إلى أن المؤمن أفضل من السموات واألرض؛ ألن قلبه أوسع منهما ،وفيه ما تقدم والخالف في
ذلك بين السلف ،والخلف .فعلى اإلنسان أن يؤمن بذلك ،ويسلم.
-1أخرج اإلمام أحمد في الزهد عن وهب بن منبه$:
"إن هللا فتح السماوات لحزقيل حتى نظر إلى العرش،
فقال حزقيل :سبحانك ما أعظمك يا رب!
فقال هللا :إن السماوات واألرض ضعفن عن أن يسعنني ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين".
- 2كتاب فيض القدير للمناوي()496 /2
"- 3926إن هلل تعالى آنية من أهل األرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها"
آنيه = وعاء
حكم األلباني ( :حسن) انظر حديث رقم 2163 :في صحيح الجامع
- 3سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ()263 /4
" - 1691إن هلل آنية من أهل األرض ،وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين ،وأحبها إليه
ألينها وأرقها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ق - 1 / 40المنتقى منه) :حدثنا جعفر ابن محمد الفريابي قال:
حدثنا إسحاق بن راهويه قال :أنبأ بقية بن الوليد قال :حدثني محمد بن زياد عن أبي عنبة الخوالني يرفعه
إلى النبي صلى هللا عليه وسلم :فذكره.
31
قلت :وهذا إسناد قوي ،رجاله كلهم ثقات أثبات غير بقية ،وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء كما قال
الحافظ ،وهو هنا قد صرح بالتحديث كما ترى ،فأمنا
بذلك شر تدليسه .ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج اإلحياء " ( " : )154 / 2رواه الطبراني وإسناده
جيد ".
32
المنظر السابع عشر منظر المخاطبة
يسمع العبد ،في هذا المنظر ،مخاطبات الحق ،على ألسنة المخلوقات ،حكمة الهية .
والعجب أن العبد قد يسمع كالم الحق تعالى ،على لسان متكلم و المتكلم في تلك الحال ،متكلم بكالم غير ما
يسمعه المخاطب .
وهذا ال يكون فى كل المخاطبات ،بل يتفق هذا على قدر ما يريده هللا تعالى في بعض مخاطباته ، فيما
يتعرف به الى عبيده .
آفة هذا المنظر :
هو احتجابه بالكالم ،عن الشهود ،لما سبق بیانه .
33
في المنظر الثامن عشر منظر المحادثة
هذا المنظر ال يمكر أحد كذا أن يستقيم فيه ،و عنده بقية من محسوساته ،بل يغيب العبد عن عالم األجسام
بالكلية .
فيذهب به فی عوالم الملکوتـ ،کل علی قدر ما یخصه ،هللا تعالی ويصطفيه.
وفي هذا المنظر :يوضع ألهل المناظر منابر النور ،ويضرب عليها سرادق األنوار ،وترفع ألهله
معارج األنوار -فيرتقون فيها .
ويرزق فيها ،من يرزق ،أجنحة كالمالئكة ،فيطير في جوف الفلك الى أن يبلغ السماء األولى ،فالثانية ،
فالثالثة ۰
و اليزال يرقى إلى أن وصل سدرة المنتهى :
.فمنهم من ینادي بعلوم األكوان.
.و منهم من ینادي بعلوم القدر.
.ومنهم من ينادي بعلوم أهل اآلخرة .
.و منهم من ینادي بعلوم التوحيد ۰
وهذا المنظر ليس فيه سؤال ،بل كله ابتداء الهى يفجأ العبد ،ال يكون فيه سؤال عن شيء البتة .
والمناظر التي فيها السؤال ،هي المتقدم ذكرها :
من منظر المكالمة ،والمسامرة والمخاطبة .
وأما هذا المنظر فليس فيه سؤال من العبد ،بل كله ابتداء .
فإذا رجع من هذا المنظر إلى محسوساته ،سأل ،فإذا علم هللا سؤاله ،وأراد أن يجيبه ،أخذه عن
محسوساته ،فابتدأه بجواب ذلك ،في ھذا المنظر .
وشرط هذا المنظر :
أن العبد ال يسمع من جهة مخصوصة البتة ،وال يدرى من أي جهة جاء الخطاب .ألنه ال جهة له ،بل
يتحقق .بالضرورةـ أنه كالم هللا تعالى
آفة هذا المنظر -:
هي تلك الغيبوبة ،وذلك الحجاب المتقدم ذكره .
34
المنظر التاسع عشر منظر المسايرة
يخرج الحق تعالى للعبد ،في هذا المنظر ،درجا ،يقرأ فيه ما سطرته يدى القدرة للعبد فى األزل.
فيقرأ سابقته حرفا حرفا ،ويعلم مجمله وتفصيله .
فان تحقق بذلك ،جيء إليه بنهر من الحوض الكوثر ،الذي هو حوض النبي ،صلى هللا عليه وسلم ،
فيشرب منه شربة ،ال يظمأ بعدها .
فاذا سكر بلذة ذلك الشراب الطهور ،أبرز الحق تعالى له أسمائه وصفاته ،فيجاريه العبد في ذلك .
فال يظهر الحق تعالى له صفة ،وال يجاريه العبد في ذلك ،حكمة الهية ! ألنه ال يطلعه ،في هـذا المنظر .
اال على الصفات التي سایره العبد فیها ،ویکتم عنه ما يستأثر اتصافه تعالى ،اكراما للعبد في هذا المشهد .
فيخرج العبد من هذا المنظر ،وقد ساير الحق تعالی ،فی جمیع ما علمه فیه ،من أسمائه و صفاته .
آفة هذا المنظر :
هو وجودك في حضرة الحق تعالى ،وذلك حجاب .
فقد قيل شعرا :
وجودك ذنب ال یقاس به ذنب
35
المنظر العشرون منظر التعليم
يؤدب الحق تعالى عباده ،في هذا المشهد ،بأنواع األدب ،فيتعلمون فيه من الحق :كيفية .الدخول في
الحضارات .
وكيفية الخروج عنها ،وكيفية الوقوف في كل حضره ،وكيفية العمل الالئق بكل مقام ،وكل حال .
ويتعلمون فيه من الحق علوما تجل عن الكشف ،فال نرقع لها سترا .
وفي هذه الحضرة :
من التحف ما ال يخطر على قلب بشر ،وال حضرة نبي ،وال ملك .
رأيت عباد هللا ،في هذا المنظر على أمكنة مختلفة :
فمنهم من يذهب هللا تعالى به ،في هذا المنظر ،عشر درجات.
ومنهم من يذهب به عشرين درجة ،وثالثين ،وأربعين ،و خمسین ،إلی ما ال نهایة له من الدرجات .
وکلما وصل درجة ،وجد فيها مفتاح خزانة من المعلوم االلهية .
فإذا ترقى منها ،ترك ذلك المفتاح ،في تلك الدرجة ،لمن يصل بعده ،فيمر عليها وهكذا جميع درجات هذا
المنظر ،
سألت عن آخر هذه الدرجات ،فقيل إلى :ال حد آلخرها وال نهاية لغايتها .
فقلت :قد تبلغ هذه الدرجات الی الحق ؟
فقیل لی :نعم ! والی آسمائه ،وصفاته !
فقلت :هل تبلغ الى الرحمانية ؟
فقیل :نعم ! والی االلوهیة !
فقلت :هل تبلغ إلى الواحدية ؟
فقیل لی :نعم ! والی األحدیة !
فقلت فما بعد ذلك ،و األحدية تنحل فيها العلوم وتمحي فيها الرسوم ؟
فقیل لی :والی الذات ،وال نهایة للذات.
آفة هذا المنظر -:
هو ذلك التعلم ،وهو حجاب .ألن العالم ال يحتاج الى تعليم .
واألديب ال يحتاج الى تأديب .
و التعليم والتأديب ،ال يكون اال عن حجاب ،ولو کان رقيقا ،فهو حجاب ۰
36
المنظر الحادي والعشرون منظر الوقوف
ال يوقف بين المقامين اال من يريد هللا تكميله .والوقفة بين المقامين ،دليل على قوة سير العارف .
فان من ال وقفة له ،سکران بخمار المقام الذي خرج عنه ،وهو ال يدري .
فيزعم أنه في السير ،للسكرة التي هو فيها ،فهو واقف من حيث ال يشعر .
وهذا دليل على بطيه في الطريق .
وسر الوقفة بين المقامين :
هو أن يميز العارف بها ما قد مضى ،ويعرف بها أدب المقام ،الذي هو مقصد لدخوله ،فكل وأقف ادیب .
وعلى الحقيقة ،ما للعارف وقفة ،ألنه دائم السير.
فيعلم علما في السكر ،ثم يعلم علما في الصحو .
وال يزال ينتقل من سكر إلى صحو ،ومن صحو الى سكر .
فحينئذ ،تكون الوقفة عبارة عن :
الوقوف بين يدي هللا تعالى ،في منظر من المناظر ،أما صحوا ،واما سكرا ،فافهم!
37
المنظر الثاني والعشرون منظر السير
السيارون في هللا :هم األفراد الواصلونـ إلى هللا تعالى .
يجدون فيه لذة ذاتية ،تأخذهم ،بحكم الضرورة ،إلى قطع افالك كل سماء صفة ذاتية ،أو اسمية ،او فعلية .
فيستوفون منازل كل برج من ابراج مقتضیات تلك الصفة ،بالذوق الحالي ،ال باالتصاف الذوقي .
وبينهما تفاوت ،ال يعلمه اال واجده .
وهذا كالم ال يفهمه اال الغرباء . .
واما السير ،فانه عبارة عن :
تجاوز المقامات ،وقطعها ،بغیر مكث في شيء منها وبحكم العائق .
آفة هذا المنظر :
هو أن السير ال يكون اال لمحدود محصور ،في طريق كان غائبا عنها ،وليس ذلك من شأن الكمال اإللهي ،
الذي يمنحه كامل عباده .
والسيار في درجة النقص عن صاحب الشأن الكمالي ،بهذا االعتبار ،واعلم أن الفرق بين السيار والطيار ،
ال يكون إال في الذهاب الى هللا ،ال في الذهاب في هللا.
فالطيار في الذهاب إلى هللا :
هو الذي يتجاوز المقامات ،ويقطع منازل المنازالت ،والتعرفات اإللهية ،من غير عائق ،وال مانع .
والسيار في الذهاب إلى هللا تعالى :
هو الذي يقطع مقامات الطريق ،التي هي كالزهد ،والتوكل ،وأمثال ذلك .
ويقطع منازل المنازالت ،التي هي كالمراقبة ، والتجلي ،والشهود ،وأمثال ذلك .يقطعها مع البطئ في
الطريق ،والمكث فيه ،بحكم العائق الماسك له ،بسبب ما فيه من العوائق القلبية ،و القالبية ،والفعلية ،
والحالية .
فاذا وصل إلى التجلي ،الذي يسمى فيه أهله :
واصلين ،واال فال وصول ،ألنه ال يبقی لطيرانه حكم ،بل يصير من جملة السائرين في هللا تعالى ،
فافهم !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزهد هو « بغض الدنيا واالعراض عنها .
وقيل هو :ترك راحة الدنيا طلبا لراحة اآلخرة .
وقيل هو :أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك » ،تعریفات مادة زهد.
التوكل هو « الثقة بما عند هللا ،واليأس عما في أيدي الناس » .تعريفات ،مادة توکل .
المراقبة هي « :استدامة علم العبد باطالع الرب عليه في جميع أحواله » .تعريفات ،مادة مراقبة .
التجلي هو « :ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب » .تعريفات ،مادة تجلي •
الشهود هو "رؤية الحق بالحق" .تعريفات ،مادة شهود
المنظر الثالث والعشرون منظر الرجوع
هذا المنظر :ترجع فيه إلى المحتد األصلى ،الذى خلقت منه .
وهو ذلك النور الذاتي اإللهي ،الذي نزل من حضرة علمه ،إلى حضرة العين .وتتصف من األوصاف ،
بقدر ما تجلى هللا عليك حين خلقك .
فترجع إلى هللا تعالى ،كما قال " :كل شيء هالك اال وجهه ،له الحكم ،واليه ترجعون " .
قوله " :كل شيء هالك " يعنى .من الوجود الخلقي ،الذي تتوهمه لك .
38
" اال وجهه " ،يعنى :وجه هللا ،فانه باق ،من وجودك فيه ،بغير حلول ،وال ممازجة ،وال مماسة ،وال
غيرها .
" له الحكم " ،يعني :هلل الحكم في وجودك ،فال لوجودك حكم اذا عرفته بل على الحقيقة ، .ليس الحكم اال
له .
" واليه ترجعون " :طوعا ،او كرها .في الدنيا ،او في اآلخرة .
بعد دخول الجنة ،أو دخول النار ،البد من الرجوع اليه ،فيحصل لك ما سبقت العناية االلهية به ،عند
تجليه عليك ،يوم خلقك بالشأن االلهى ،فافهم !
39
المنظر الرابع والعشرون منظر البشائر
تتواتر البشائر اإللهية على العبد ،في هذا المنظر ،فيبشرونه بالكماالت اإللهية ،والمقامات القطبية ،
واالختصاصات االصطفائية ،إلى ما ال يخطر بالبال ،وال يمكن شرحه بشيء من المقال ..
فيجد لتلك البشائر ،الواردة في نفسه ،من عالمات صحة وقوعها ،ما ال يحتاج إلى زيادة تأكيد.
و ورود هذه البشائر على ثالثة أنواع :
النوع األكمل :هو أن يكشف هللا تعالى لك ،أوال ،عن ما أودعك من اسراره ،التي استعدت قابليتك لقبول
فیض ما إلهی .
ثم يبشرك بأخباره من طريق المكالمة ،أو المحادثة ،أو المخاطبة ،أو المسامرة -انه يبلغ ذاك المقام ،فهذه
بشارة اكمل البشائر .
وأما النوع المتوسط :
فهو أن يحصل األخبار االلهي للعبد من غير أن يكشف له عن سره ،الذى.
تستعد به القابلية على قبول الفيض الالئق بذلك المقام ،الموعود به له .
فهذا يحتمل فيه الوصول إلى ما وعد به على طريق ال َملًك ،ويحتمل فيه للوصول على طريق العارية ،
ويحتمل فيه الوقوع على األمر اجماال :
فقد شاهدنا فقيرا ،قيل له ستبلغ الى مقام القطبانية ،ثم مات قبل ذلك ،ولم ينل ذلك المقام و قريبا منه .
على أن هذا الفقير كان وارده حقا ،ال ريبة فيه ،ولكنه وصل الى تجلى اسم إلهی ،وتجلى اسم هللا تعالى :
قطب رحى العالم .
ألن العالم باجمعه ،ال يدور اال على تجلی أسمائه وصفاته .
عبر له عن ذلك التجلي ،بمقام القطبية ،وقد بلغه ،وكان عنده من مفهوم البشارة خالفها .
وأما النوع الثالث من البشائر :
فهو ما يرد عليك ،في هذه األنواع من البشارة ،بطريق مخاطبات المالئكة ،أو منام تراه ،او پري لك ،او
بتصريح ولی ،جرت سنة هللا ان تصدقه في كشفه .وأخبار الولي أعلى من أخبار الملك ،ومن سائر الرؤيا .
40
المنظر الخامس والعشرون منظر النذائر
يطلع العبد ،في هذا المنظر ،على تقلبات القلوب ،وما تقتضيه كل تقليبة من البعد عن هللا تعالى.
ويتحقق بعلم اآلخرة :فينظر األعمال جميعها ،حاال ومالبس على ذات العامل .ويرى األخالق كلها ،
صورا لصاحبها .
ويطلع على زيغ القلوب واألبصار ،الشدة وقوع أهوال اآلخرة .
ويرى ما فيه من المواضع،ـ التي تقتضي الخوف ألجلها ،فترد عليه مالئكة المقام ،بأنواع النذائر.ـ
وتبصره بأحوال طريقه ،فيحصل عنده من الخوف ،ما يكاد أن يذيب كبده ،وشحمه ،وكاله .
فيموت من يموت في هذا المقام ،لشدة الخوف ،ويختل من يختل عقله ،ويرجع من يرجع ،من المعارف
،إلى السلوك .ويحفظ هللا من اراد تكميله .
ومن حكمة هللا أن جرت سنته في النذائر ،أن ال يتوعد العبد بها من طريق المكالمة ،والمحادثة ،وأمثال
ذلك من اإلخبارات اإللهية التي هي بال واسطة .
بل البد وأن تكون بواسطة منه ،وفضال .
41
المنظر السادس والعشرون منظر في العلم
اعلم أن علم اليقين عبارة عن :
معرفة هللا الخاصة الذوقية ،التي يمنحها من شاء من عباده .
42
المنظر السابع والعشرون منظر العين
اعلم أن منظر عين اليقين ،عبارة عن :
شهود تجليات هللا تعالى الصفاتية ،واألسمائية ،والذاتية ،بحكم الوجدان واالطالع التفصيلي .
43
المنظر الثامن والعشرون منظر الحق
حق اليقين :
هو االنصاف بتلك التجليات اإللهية ،منك فيك بال واسطة اسم ،أو فعل .
بل بذاتك ،في ذاتك لذاتك ،كما يشاء هللا تعالى .
من غير تشبيه ،وال حلول ،وال نوع من النقائص.
44
المنظر التاسع والعشرون منظر الحقيقة
حقيقة حق اليقين :
هو إعطاء كل حق إلهي حقه ،مما يتصف به العبد من أسماء هللا تعالى ،وصفاته .فيظهر أثر كل اسم
وصفة ،بما يستحقه من التصريف في األكوان ،على ظاهر العبد المنصف .
فاذا أعطى األسماء اإللهية حقائقها ،باظهار آثارها على هيكله ،فذلك هو العبد حقيقة .
45
المنظر الثالثون منظر الوحدة
كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره
46
المنظر الحادي والثالثون منظر اإليهام
هو عبارة عن :
تجلي الهی يشهدك الحق ،تعالى ،فيه ،اسراره المودعة في مخلوقاته .
ويطلعك على تداخل األسماء والصفات :
كيف يفضل بعضها بعضا من وجه ،ثم يصير الفاضل مفضوال من وجه .
وكيف يثبت النفي ،وينفى االثبات ،في مسألة واحدة ،من وجه واحد ،ومن وجوه مختلفة .
ويطلع على العلوم الدينية ،كحقائق العالم ،فتشهدها من الغيب اإللهي ،في الكينونة العلمية ،من حيث
أعيانها الثابتة .
ثم تشهد طمسا تحت نور األحدية ،في ذلك المقام ،وتنعدم عنك األعيان الثابتة بالكلية .
فينبهم "فيبهم" األمر عليك.
في سائر امورك كلها ،حتی ال تكاد تنفذ أمرا من أمورك ،وال تعمل عمال من األعمال .
ألنك ترى الشيء ونقيضه ،فتحكم في المسألة الواحدة ،من وجه واحد ،بحكم انت حاكم فيها بنقيضه .
وقد تتوقف ،لتناقض األمور عندك ،فال تستطيع الثناء ،وال الذم ،وال يمكنك النفي ،وال اإلثبات ،وهو مقام
من مقامات الحيرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ( لطائف االعالم ) « :العين الثابتة :هي حقيقة المعلوم الثابت في المرتبة الثانية المسماة بحضرة العلم .
وسميت هذه المعلومات أعيانا ثابتة لثبوتها في المرتبة الثانية ،لم تبرح منها ،ولم يظهر بالوجود العيني اال
لوازمها وأحكامها وعوارضها المتعلقة بمراتب الكون .فان حقيقة كل موجود إنما هي عبارة عن نسبة تعينه
في علم ربه ازال .
وتسمی باصطالح المحققين من أهل هللا :عينا ثابتة .
و بإصطالح الحكماء :ماهية .
و باصطالح األصوليين :المعلوم المعدوم ،والشيء الثابت ،ونحو ذلك.
وبالجملة فاألعيان الثابتة والماهيات واألشياء إنما هي عبارة عن :
تعيينات الحق الكلية التفصيلية ».
انظر:مادة عين ثابتة .
وفي ( اصطالحات الصوفية ) لنفس المؤلف :
« العين الثابتة :هي حقيقة الشيء في الحضرة العلمية ،ليست بموجودة ،بل معدومة ثابتة في علم هللا ،
وهي المرتبة الثانية من الوجود الحقيقي » .
مادة العين الثابتة .
وانظر :الكمشخانوى ،مادة عين ثابتة .
47
يعرف الكاشاني « الطمس » بأنه " :ذهاب ظلمة السيار في تجلی نور األنوار ،بحيث لم يبق النور من
ظلمته رسما ،وال أثرا "۰۰
48
المنظر الثاني والثالثون منظر الفتق
يتجلى هللا تعالى عليك في هذا المنظر بتجل :
يفتق فيه ما ارتتق عليك ،أو على غيرك ،من العلوم االلهية ،والمعارف الربانية ،وتعلم محل التباس
األمور .
يكشف لك في هذا التجلي :
عن تداخل العلوم والمعلومات بعضها في بعض ،فترى المسألة الواحدة المعقولة في ضد ما يقال ،بعينها في
ضده ،لكن من جهة أخرى ،لتداخل حضراتها في بعضها بعض.
وفي هذا المنظر يفتح عليك بتمييز $الفهم عن هللا ،تعالى ، وتعلم الخاطر األول ،الذي يسميه سهل بن عبد
هللا التستري بالسبب األول ،و هو خاطر إلهی ال يكون إال حقا.
50
المنظر الثالث والثالثون منظر االجمالى الكلى
هو مشهد يريك الحق تعالى فيه كليات األمور ، فتشهدها بقوة الواحدية اإللهية ،حتى تنطبع انت في أعيان
سائر الموجودات ،بما هي عليه .
فتذوق فيك حالها ،وما هي عليه جملة .
وأن حصل لك اإلمداد في هذا المشهد ،فصلت في اإلجمال .
فكان علم األشياء لك فيه باالجمال عيانا ،وبالتفصيل حكما .
ومن هذا المشهد تنتقل إلى منظر التفصيل .
51
المنظر الرابع والثالثون منظر التفصيل الجزئي
في هذا المنظر تعلم حقائق األشياء ،كما هي عليه .فيكشف لك عن أمر اآلخرة ،والبرزخ ،وكيفية
الموت ،وما هية هذه األشياء ،وما هي هذه العوارض ،في هذه المواضع .
وتتحقق بعلم أحوال الناس ،فتعرف كال سيماه ،وأن المقام المخلوق ،هو للقيام فيه ،ليصير ذلك باقامته
فيه .مقاما ،وفي أي طبقة من طبقات الجنة ،أو درك من دركات النار ،أو درجة من درجات القرب -
يكون مستقره .
ويكشف لك في هذا المنظر :
عن أحوال المالئكة ،و أشخاصهم ،وانواعهم ،وعباداتهم ،وما هم عليه .وتعلم ما الفرق بين مالئكة
التسخير ،ومالئكة العبادة ،ومالئكة المناظرة ،ومالئكة االصطفاء ،الذين هم المقربون ،وتعلم الثمانية
الذين هم حملة العرش يوم القيامة ،ولم هم اآلن اربعة .
وتعلم أسماء المالئكة :
فال يعرض عليك ملك ،وال انسان ،وال جني ،وال شيء من األشياء ،إال وتعلم اسمه بسيماه.
ولهذا المنظر ثالثة مقامات :
المقام األول تقول أنت فيه االشياء :
انك عينها ! فتعطيها نفسك بالكلية .
فإذا صدقتك بان تقبضك إليها ،اعطتك علومها على ما هي عليه .
المقام الثاني وهو األوسط :
تقول لك األشياء فيه:انها هي عينك ،فتعطيك نفسها بالكلية ،فإذا قبضتها اليك ،تصرفت فيها ،فعلمتها على
ما هي عليه ،فال يخفى عليك من أمرها شيء ،اذا حققت هي
ثم المقام الثالث :
وهو اعلى ما يكون في هذا الباب .فيه تتحقق األشياء ،كما هي عليه ،حق تحقيقها الغيبي ،بالغين المعجمة.
وفي هذا المقام ال تقول هي :
انك عينها .
وال انت تقول انت :انها عينك .
بل تشهدها في مقامها ،على الحال الذي اوجدها هللا تعالى فيه .
فال يفوتك شيء من أمرها ،تجد ذلك مسطورا مشهودا .
افة هذا المنظر :
هو انك مع اطالعك التفصيليـ على حقائق األشياء ،ال ينزل من عالم غيبك ،الى عالم شهادتك ،من العلوم
الغيبية ،إال ما استشرفت الى تفصيله في عالم الشهادة ،فإذا توجهت اليه حصلت علمه عندك ،على ما هو
عليه .
وقد تمر بالشيء وانت جاهل له في عالم الشهادة ،وقد حققته في عالم الغيب ،فتعلمه وال تعلمه ،النك غير
محیط به في محل الشهادة ..
وهذه هي اآلفة ،وهو موضع ظهور عجز المخلوقين ،ال يحصلون فيه على غير ذلك .
وما تمام االحاطة ،غيبا وشهادة ،بسائر الموجودات اال هلل وحده ،تفصيال وإجماال ،جزئيا وكليا .
وهذا ال سبيل إلى استيفائه ال لملك مقرب ،وال لنبي مرسل ،ألن اللوح المحفوظ ال يحيط به على اإلطالق .
وإنما يوجد في اللوح المحفوظ علم رقعة من الوجود ،وهو:
الى أن يدخل أهل الجنة الجنة ،وأهل النار النار ،ويبقى ما وراء ذلك .
وهلل علوم في الخلق ،وراء هذين المقامين :
52
كعلوم التجليات ،وعلوم األسرار اإللهية ،إلى غير ذلك ،مما ال يسعد اللوح ،وال الملك ،وال اإلنسان ،بل
هو من خصوصياته تعالى .
وهذا هو الفرق بين مقام العز ،ومقام العجز ،فافهم !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعرف الجرجاني البرزخ بأنه " :هو الحائل بين الشيئين" .
ويعبر به عن عالم المثال .
أعني :الحاجز من األجسام الكثيفة وعالم األرواح المجردة .
أعني :الدنيا واآلخرة.
انظر :التعريفات ،مادة ( البرزخ )
53
المنظر الخامس والثالثون منظر اإلطالق
المطلق عبارة عن :من أطلقه هللا تعالى في تجلياته ،فلم يتقيد مع هللا باسم ،وال صفة ،بل هو مع هللا تعالى
بكل اسمائه وصفاته .
وفي هذا المشهد :يكون لك التمكين في التلوين ،وتتصف بما شئت من صفاته ،وتتسمی بها.
فأنت ،اذا ،الحي العليم ،المريد ،القادر ،السميع ،البصير ،المتكلم ،الى غير ذلك .فال يقيدك اسم ،وال
صفة ،وال تتقيد انت ،حينئذ ،بفعل ،وال عمل مخصوص ،بل أعمالك بحكم تجلياتك .
آفة هذا المنظر :
تقيدك بالمنظر االطالقي عن المنظر التقييدي .
فأنت ،إذا ،مقيد باإلطالق .وأيضا فالتلوين ،الذي هو عبارة عن االتصاف ،هو من لوازم الخلق ،ال من
صفات الحق .
فأنت ،إذا ،مقيم في مرتبة النقص الخلقي ،وليس ذلك شأن الكمال االلهي .
فالتغيير والتلوين من خصائص البشرية ،وهي في الولی مشعرة بالبقايا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعرف الكاشاني التمكن بانه " :عبارة عن غاية االستقرار في كل مقام ،بحيث يصح لصاحبه القدرة على
التصرف في الفعل والترك".
وأكثر ما يطلق في اصطالح الطائفة ،على من حصل له البقاء بعد الفناء .
وتارة يطلق التمكن على ما قبل ذلك من المقامات .
ولهذا جعلوا التمكن على مراتب :
تمكن المريد
تمكن السالك
تمكن العارف ..
لطائف االعالم ،مادة :تمكن .
اما التلوين فهو « :تنقل العبد في أحواله ،
قال الشيخ في الفتوحات :أنه عند األكثرين مقام ناقص ،وعندنا هو أكمل المقامات :حال العبد فيه حال قوله
تعالى (كل يوم هو في شأن) ..
وهو على ثالث مراتب :
مرتبة تلوين التجلي الظاهري
ومرتبة تلوين التجلي الباطني
ومرتبة تلوين التجلي الجمعي .مادة تلوين .
أما التمكين :فهو « عند الشيخ ،عبارة عن :التمكن في تلوين .وغير الشيخ ،يعبر به عن .حال أه
الوصول .
فمراتب التمكين أيضا ثالث ،كما كانت مراتب التلوين أيضا :
التمكين في تلوينات التجليات الظاهرية .
التمكين في تلوينات التجليات الباطنية .
التمكين في تلوينات التجليات الجمعية .
لطائف ،مادة تمكين .
والمرتبة الثالثة من مراتب التمكين :
هي التي تسمى بمقام ( التمكين في التلوين ) ،سميت بذلك :
54
إلستجماعها التمكين في جميع التلونات ،بخالف األول والثاني ،ولهذا سمي كل واحد منهما بالتمكين الرتبي
والنسبي .
ويسمى هذا الثالث بالتمكين الجمعي الحقيقي ..
وهو مقام التمكين عند غلبات التلوين ،الحاصل من تعاقب التجليات ،الكائنة في البرزخية الجامعة بين
الظاهر والباطن .
فعند حصول السائر في حاق البرزخ بينهما ،فذلك هو مقام التمكين ،ألنه حينئذ يتمكن من الجمع بين
أحكامها ،ويفرق بينهما ،فال يحجبه شان عن شان » .
لطائف مادة التمكين في تلوينات التجليات الجمعية .
55
المنظر السادس والثالثون منظر التقييد
التقيد بحكم ما يقتضيه التجلي ،هو :
من اعطاء الحقائق فقها .فصاحب هذا المشهد ال يقع في تجل ،إال ويظهر على هيكله أثر ما هو فيه ،بحكم
تقييده بما يقتضيه مشهده .
آفة هذا المنظر :
هو ان اثر األمور الباطنية ،ال تظهر اال على هيكل الضعفاء .
وأما األقوياء ،فال يظهر على ظواهرهم اثر مما في بواطنهم البتة :
وذلك هو أن القوي ال يقيده مشهد عن مشهد ،وال منظر عن منظر ،بل يكون في المشاهد كلها على ما
ينبغي ،وهو في مشهد مخصوص ،يعطيه حكمه غير مقيدة .
56
المنظر السابع والثالثون منظر الوصال
الوصال ،هو عبارة عن :
دوام الوصلة بال إنقطاع ،وال فتور ،بتواتر تجليات الحق تعالى على العبد في هذا المشهد ،من غير رجوع
الى النفس .
فالوصال هو :لحوق العبد باهلل تعالى .
آفة هذا المنظر :
هو أن الوصال مشعر بالغرية واالثنينية ،واألمر منزه عن ذلك .
فالواصل محجوب ،إذ ال وصول ،ألنه ال فراق :وقد ورد عن بعض الشيوخ انه قيل له :أن فالنا يزعم أنه
قد وصل
فقال :الى سفر ! .يريد أن هللا ال نهاية له ،فما ثمة وصول .
واعلم أن الوصال المعبر عنه بتواتر التجليات الحقية ،ال يكون إال في حق الضعفاء المحجوبين .
واما الكامل فان ذاته منزهة عن تجلی صفات الغير عليها ،بل هو المتجلى في ذاته بصفاته ،فافهم !
57
المنظر الثامن والثالثون منظر الفصال
الفصال أعلى من الوصال ،ألن الحق اذا فصلك عن تجلياته ،أبقاك .
واذا وصلك بها ،افناك .
فالفصال :هو التجلي بمقتضيات التجلي .
والوصال :هو التالشي ،المعبر عنه :بالتخلي لورود التجلي .
فالموصول فان ،والمفصول باق .
آفة هذا المنظر :
هو استناد األسماء والصفات اإللهية الى ذاتك .
وانست لو اطلعت على حقيقتك االلهية ،فأنت أنت ..ولهذا تجدها لك عيانا ،وال تقدر على اظهار اثرها ،
تصرفا وبيانا .
ومن هذا المشهد تترقى إلى التجريد
58
المنظر التاسع والثالثون منظر التجريد
المتجرد عن األسماء والصفات ،يكون هو في نفسه ذاتا ساذجا .
فال يكون بينه وبين ذات هللا :واسطة اسم ،وال صفة .
آفة هذا المنظر :
هو ذلك التجرد عن األسماء والصفات ،والبد له منها :وذلك أن هللا تعالى له أسماء وصفات ،مستأثرات
عنده ،غير هذه ،األسماء والصفات ،التي هي بين أيدينا اليوم .فإذا تجلى باسم أو صفة ،من تلك المستأثرة
،جهل العبد ذلك االسم والصفة ،إذا لم يكن كامال .
فحينئذ يقول :انه مع هللا بال واسطة اسم ،وال صفة .
وهو معه بها ،وهذا حجاب .
59
المنظر األربعون منظر التفريد
ينفرد العبد في هذا التجلی بحقائق الكماالت االلهية ،وهو من المشاهد الالحقة بقوله ،صلى هللا عليه وسلم :
( لى وقت مع هللا ال يسعني فيه ملك مقرب ،وال نبی مرسل ).
آفة هذا المنظر :
هو احتجاب حقائق األنبياء واألولياء ،في هذا المشهد ،الذي انفردت فيه بالكماالت اإللهية .
ولو كشف لك عن حقائقهم ،لما حصلت هذا المشهد .
60
المنظر الحادي واألربعون منظر خلع العذار
يتجلى الحق تعالى على العبد بتجل ،يقتضي حقيقة ذلك التجلی منه ،أن يتحدى به ،فيظهر منه الشطحات
في هذا المشهد .
وفي هذا المشهد :قبض الحالج ،رضي هللا عنه .اجتمعت به ،في غير هذا المنظر ،وسألته عن سبب
التحدي ؟
فأخذ بيدي ،وانصرفنا الى هذا المنظر ،فلما ولجناه ،أقام به للتحدى .
رفعني هللا عن هذا المنظر ،الى فقر العبودية ،فوقفت دون الحجاب .
وفي هذا المنظر تحدى كل ولي بتحد :فمنهم من العذار في ذلك التحدي :كالحالج ،وعين القضاة .
ومنهم من رفع العذار ،ولم يخلعه ،كالشيخ عبد القادر الكيالني ،وكأبی یزید ،وأبي الغيث بن جميل ،
رضي هللا عنهم أجمعين ،وغيرهم من األولياء .
آفة هذا المنظر :
هو أن ظل هذه الدار ضيقة على ظهور الحقائق االلهية التي يتحدى بها الولی ،فال يسعها اال الدار اآلخرة .
وتحديه انما هو استعجال امر مؤخر ،فهو من قبيل وضع الشيء في غير موضعه ،وال يكون ذلك إال عن
نقص ،فإن الحكمة االلهية بخالفه .
وايضا فان هذه الدار محل التزيد والتحصيل ،وبالتحدي يزول التزيد والتحصيل فيفوته أمر خطير كثير .
ما زاد حتى أتى بتقديم ما هوله .
وال فائدة في ذلك ،ولهذا قال اكمل كمل اهل هذا المقام (:انما انا بشر مثلكم)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلع العذار :خلع الحياء وركب هواه اواالنهماك فيما يريد .يقصد به الشيخ هتا وضع الشيء في غير
موضعه والقيام بافعال واقوال فى غير آوانها وتجاوز السماح واالمهال مستغرقا فيما يراه في الحب .
هو الحسين بن منصور الحالج ،من اهل بيضاء فارس ،ونشأ بواسط والعراق .من صوفية الطبقة الثالثة
من طبقات الصوفية للسلمی ،من أصحاب الشطح ،قتل ببغداد سنة ۳۰۹ه .انظر :طبقات السلمي ،ص
۳۰۷وما بعدها ،وانظر مراجع ترجمته التي أوردها المحقق.
عين القضاة الهمذاني :هو عبد هللا بن محمد بن على ابن الحسن بن على المبانحی ،من أهل خراسان ،
تتلمذ على محمد الجويني واحمد الغزالي .كانت له شطحات صوفية أخذت عليه ،وقتل صلبا في همدان عام
۵۲۵ه .انظر :طبقات الشافعية للسبكي ،ج 4ص . ۲۳۹
وانظر كذلك , 173. :
محي الدين عبد القادر الكيالني :المتوفى عام ۰۹۱ه ببغداد ،وهو صوفي وفقيه حنبلی ،وهو مؤسس
الطريقة القادرية .انظر الشعرانی :طبقات ج ۱ص ۱۰۸وما سينيون 20 , 219 :
أبو يزيد البسطامی ،المتوفى عام ۲۹۱ه .صوفي من الطبقة االولى من طبقات السلمي .من أصحاب
الشطح والجنبات .انظر :طبقات السلمی ،ص ۹۷وانظر مصادر المحقق .
ابو الغيث بن جميل :صوفي يمني ،من اکابر صوفية اليمن ،يلقب بشمس الشموس ،وله كرامات كثيرة ،
توفي سنة ۱۵۱هـ ودفن ببيت عطاء باليمن .انظر :يوسف النبهاني :جامع کرامات األولياء ،ج ۱ص ۱۹
۰۶۷۱ -
انما انا بشر مثلكم :المقصود به بالطبع ،هو الرسول صلى هللا عليه وسلم .
61
62
المنظر الثاني واألربعون منظر ستر الحال بالحال
كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره
ستر الحال بحال ،هو داب المحققين ،وهم المسمون بالمالمتية ال غيرهم .
يتلونون مع كل طائفة ،بما يصلح أن تكون تلك الطائفة عليه .
وهم متمكنون في الحضرة الكمالية بما تقتضيه شؤون الذات االلهية .
فيتلبسون بمالبس أحوال العوام معهم ،ويعاملونهم بما يعامل بعضهم بعضا .
فال يظهر على هياكلهم المظهرة اثر مما في بواطنهم بحال .فهم األدباء األمناء ..
63
المنظر الثالث واألربعون منظر التالمت
كتاب المناظر اإللهية سيدي العارف باهلل عبد الكريم الجيلي قدس هللا سره
يتجلى الحق تعالى على العبد ،في هذا المشهد ،بتجل تتغرب فيه أحوال العبد على الخلق .
فال يظهر منه فعل وال قول ،وال يكون على حال ،اال وهو موجب لمالمتهم عليه ،ألنه قد بعد عليهم فهم ما
هو عليه ،فسموه فيما لم يوافق مرادهم من أمره ،جهال بحاله ،وليس في أمره موافقا لهم .
فهم يلومونه تارة بحكم النقل ،وتارة بحكم العقل ،وتارة بحكم العادة .
فهؤالء ،ولو كانوا ملومين ،فليسوا الذين نعني بالمالمتية األدباء االمناء .
آفة هذا المنظر :
ظهور حكم ذلك التجلي الذي تغربوا به عن الناس ،فبرز حكم بواطنهم على أجسامهم ،حتى صدر منهم ما
صدر ،مما اوجب المالمة عليهم ،فهم ضعفاء لظهور أثر ذلك في ظواهرهم.
ولهذا نزلوا عن درجة األمانة ،التي اختص بها المالمتية :األمناء ،الخلفاء ،الذين هم محل نظر هللا تعالى
من هذا العالم .وان صدقت فراستي ،فمنهم سيدي الشيخ شرف الدين اسماعيل بن ابراهيم الجبرتي (و ،نفع
هللا به ،وال نعلم أحدا ممن أدركناه على طريقه ،فهو غريب األولياء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ اسماعيل الجبرتي :
من كبار صوفية اليمن في عصره ،وهو اهم شيوخ الجيلي المباشرين في الطريق الصوفي ،توفي سنة
۸۰۹ه .ترجم له ابن حجر في ( كتاب المجمع المؤسس ) ص ، ۳۷۹وفي ( إنباء الغمر ) ج ۲ص ۲۷۲
.. ۲۷۳ -والخزرجي في ( فراز أعالم الزمن ) مخط ،ج ۲ص ، ۳۹۳وفي ( العقود اللؤلؤية ) ج ۲ص
۱۵۵وغيرها .والشرجي الزبيدي في ( طبقات الخواص ) ص • ۲۷ويوسف النبهاني في ( جامع کرامات
األولياء ) ج ۱ص ، ۵۱۲وغير ذلك من المصادر .وانظر ما أوردناه عنه في دراستنا عن الجيلي ( عبد
الكريم الجيلي ومكانته في الفكر اإلسالمي الصوفي ) ج ۱ص ۰۹۲ - ۷۳
64
المنظر الرابع واألربعون مظهر التصوف
الصوفي :من صفا من كدورات البشرية ،بأسماء الحق ،وصفاته ،وذاته ،فهو مصفی مما سوى الحق
تعالى.
ولهذا قال بعض المتقدمين من مشايخ العجم " :الصوفي هو هللا ".
يريد ان مجلي الحق تعالى على قلب الصوفي ،من حيث األلوهية ،ال من حيث ما تحتها من األسماء ،فهو
أعلى تجليات الحق ،فيما يمنحه عباده .
ولقد روى لي من أثق بروايته " ،في رؤيا له" عن النبي صلى هللا عليه وسلم ،أنه قال ( :الصوفي هو هللا ).
قلت :لعله اسم کالولی ،يقع على هللا ،ويقع على العبد .
ومن ثم قال شيخنا ( :التصوف كله خلق ) ،يعني األخالق االلهية .
فالتصوف هو التخلق بها .
آفة هذا المنظر :
هو أن التخلق واالتصاف تحصل ،وال يكون إال للغير ،في صفات الغير ،وهذا حجاب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هللا الحق :ويالحظ أن تعريف الجيلي للصوفي يتفق في صدره مع العديد من التعريفات التقليدية .اما عجز
تعريف الجيلي فهو جديد في هذا الميدان ،ألنه يستخدم فيه « أسماء الحق وصفاته وذاته »،
وإن كان في النهاية يتفق مع عموم المعنى في التعريفات التقليدية .
ومن هذه التعريفات تعريف بشر الحافي « :التصوف من صفا قلبه هللا » .
وسهل التستري « :الصوفي من صفا من الكدر ،وامتأل من الفكر ،وانقطع إلى هللا من البشر ،واستوى
عنده الذهب والمدر » .
وأبي الحسين النوري « :الصوفية قوم صفت قلوبهم من كدورات البشرية ،وآفات النفوس ،وتحرروا من
شهواتهم حتى صاروا في الصف األول والدرجة العليا مع الحق .فلما تركوا كل ما سوی الحق صاروا ال
مالكين وال مملوكين ».
والجنيد البغدادي « التصوف ،أن يختص هللا بالصفاء فمن اصطفى من كل ما سوى هللا ،فهو الصوفي »
والجنيد كذلك « :الصوفية قائمون باهلل ال يعلمهم إال هو » .وهكذا .انظر .د .أبو العال عفيفي ،في
التصوف اإلسالمي وتاريخه ،مجموعة بالجون مترجمة عن اإلنكليزية للمستشرق االنجليزى نیکولسون ،
ص ۳۳ ، ۳۱ ،۳۰ ، ۲۹ونالحظ في التعريف األول للجنيد قربه من عجز تعريف الجيلى .
ومثله التعريف الذي نقله السراج الطوسي عن أحد الصوفية ،وهو « معنى الصوفي :أن العبد اذا تحقق
بالعبودية ،وصافاه الحق حتى صفا من كدر البشرية ،نزل منازل الحقيقة ،وقارن أحكام الشريعة ،فإذا
فعل ذلك فهو صوفي ،ألنه قد صوفی » .اللمع ،ص . ۶۷
ويبقى للجيلي فضل استخدام اسماء هللا وصفاته وذاته .
ال وجود لهذا الحديث بالطبع وانه "في رؤيا له" ،ألن مصطلح " صوفي " لم يكن موجودا ،بالمعنى
المتعارف عليه ،في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم .
هذا التخريج لالسم ( هللا ) هو تخريج متعسف للجيلي ال يشاركه فيه أحد من اهل السنة .
فيقول اإلمام الغزالي " :معاني سائر األسماء يتصور أن يتصف العبد بثبوت منها ،حتى ينطلق عليه االسم
كالرحيم والعليم ....ـ الخ ،وإن كان اطالق االسم عليه على وجه آخر يباين اطالقه على هللا .وأما معنى هذا
االسم هللا فخاص خصوصا ال يتصور فيه مشاركة ال بالمجاز ،وال بالحقيقة » .انظر :المقصد األسنى ،
ص . 48
وال يبتعد القشيري عما قاله الغزالي ،وهو يقول :
65
« ...ولم يسم به ای االسم هللا غيره تعالى وتقدس ،ولهذا قال بعض المشايخ :كل اسم من اسمائه يصلح
للتخلق به اال هذا االسم فانه للتعلق دون التخلق » .انظر :التحبير في التذكير ،ص ۲۰
۰وتعبير الغزالی تعبير مبسط عما عبر عنه القشيري اصطالحا بالتعلق والتخلق .
ويعرفنا الكاشاني بمدلول هذين االصطالحين فيقول :التخلق :هو معرفة معنى االسم بالنسبة الى الحق ،
وبالنسبة إلى العبد » .
أما التعلق فهو :
« افتقار العبد إلى االسم مطلقا ،من حيث داللته على الذات أقدس تعالی » انظر :لطائف األعالم ،مادة
تخلق وتعلق ،وهذا يعني أن التخلق هو مشاركة مجازية عن طريق المعرفة بالنسبة ،أما التعلق فهو افتقار
مطلق من جانب العبد الى داللة االسم على الذات ،ای افتقار مطلق للمعرفة .
وإذا انتفت المعرفة ،انتفى مجرد االشتراك المجازي ،كما يعني أن االسم هللا مقصور على الحق تعالى ،
وليس في وسع العبد التخلق به ،ومن ثم فهو في افتقار مطلق اليه .وهذا تنزيه الذات ،وهو ما لم ياخذ به
الجيلي .
( التصوف كله خلق ):
هذا التعريف وارد وشائع في مصادر التصوف السني ،وكذلك في مصادر مدرسة ابن عربی ،بصيغ
مختلفة :فيذكر ابو محمد الجريري ،وقد سئل عن التصوفـ ،فقال « :الدخول في كل خلق سنی ،
والخروج من كل خلق دني » .
وكذلك فعل محمد بن علي القصاب ،وهو استاذ الجنيد ،حين سئل عن التصوف ،فقال " :أخالق كريمة ،
ظهرت في زمان کریم ،من رجل كريم ،مع قوم كرام" .انظر :اللمع ،ص . 45
وعن أبي حفص الحداد « :التصوف تمام األدب ».
وعن أبي بكر الكتاني :
« التصوف خلق :فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء » .انظر :أبو العال عفيفي ،المرجع
السابق ،ص • ۳۰ ، ۲۹
ولدى الكاشاني ،من مدرسة ابن عربی « :التصوف :هو التخلق باألخالق االلهية » .
انظر :اصطالحات الصوفية ،مادة تصوف .وانظر كذلك لطائف األعالم ،و الكمشخانوی ،نفس المادة .
ورغم ذلك ،فان الجيلى قفز الى هذه النتيجة من مقدمة ال تؤدى الى ذلك ،فهي متعسفة بدورها .
66
المنظر الخامس واألربعون منظر التزندق
يتجلى الحق تعالى على الولي بتجل مخصوص ،يظهر أثره عليه ،بحكم الغلبة .فيزندقه كل من يراه ،أو
يسمع به ،أو يعلمه في تلك الحالة .
ومن ثم قال الجنيد ( :ال يكون الصديق صديقا ،حتى يشهد له في حقه سبعون صديقا ،أنه زنديق).
فهم يشهدون على ظاهره بما ظهر من حاله .ألن الصديق بعطى الظاهر حكم الظاهر ،ويعطي الباطن حكم
الباطن ،فال يتلبسون بالباطن على الظاهر ،وال بالظاهر على الباطن .
فهم يشهدون أنه زنديق ظاهرا ،كما يعلمون أنه صديق باطنا ،لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم .
ومن ثم قيل للفقيه حسن بن أبي السرور " :لو كشفنا للخلق عنك لرجموك ! "
فقال " :ولو كشفت لهم عن رحمتك لما عبدوك "..
فقيل له " :یا حسن ! ال تقول ،وال نقول "..
يريد بقوله « :لو كشفت لهم عن رحمتك » إظهار سر الربوبية.ـ
القول سهل بن عبد هللا ،أن " :الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية"
والمراد بقوله " :لو كشفنا للخلق عنك لرجموك "
هو إظهار حقيقة ما هو عليه قلب الولي .فإن الخلق لو عرفوا الولي بذلك لرجموه ،وزندقوه ،وكفروه .
ومن ثم قال زين العابدين شعرا :
يارب جوهر علم لو ابوح به …… لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
يرون أقبح ما يأتونه حسنا وال ستحل رجال مسلمون دمي ..…
أن من ظهر عليه ،بحكم الغلبة أثر ما تجلی به الحق عليه باطنا ،فهو ضعيف ،غير متمكن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أورد ابن عربی هذا القول بصيغة مختلفة :
« قال الجنيد :ال يبلغ الحد درج الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق » .انظر :الفتوحات ،د ،۳
ص . ۲۶۸ - ۲۶۷
والصديق « :هو الكثير الصدق ،كما يقال :سكيت وصريع إذا كثر منه ذلك .والصديق من الناس من كان
كامال في تصديقه لما جاءت به رسل هللا علما وعمال ،قوال وفعال ،وال يعلو على مقام الصديقية إال مقام
النبوة ،بحيث انه من تخطى مقام الصديقية حصل في مقام النبوة .
قال تعالى ( :فأولئك الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقينـ والشهداء والصالحين ) فلم يجعل سبحانه
وتعالى بين مرتبتي النبوة والصديقية مرتبة أخرى يتخللهما .
وإليه اإلشارة بقوله عليه السالم ( :كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان ،فلو سبقني آلمنت به ،ولكن سبقته
فآمن بي ) » ...انظر :لطائف األعالم ،مادة صديق ،وكذلك اصطالحات الصوفية ،والكمشخانوی ،
نفس المادة .
67
وسواء كان حسن او حسين بن أبي السرور ،فإننا لم نعثر له على ترجمة .
ومن الواضح أنه صوفي يمنی ،معاصر الجيلى أو سابق له .
وقد اعتادت المصادر اليمنية التي تترجم للصوفية ،على إطالق لقب الفقيه على كل منهم ،والجيلى يسير
على نفس المنهج :انظر :القسم األول من دراستنا ( عبد الكريم الجيلي ومكانته في الفكر اإلسالمي الصوفي
)•
"الربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية" $هذه العبارة المنسوبة لسهل التستري وردت في العديد من
المصادر الصوفية بصيغ مختلفة .
ولكن الجيلى هنا بنقل عن مدرسة ابن عربی :فيذكر الكاشاني أن « :سر الربوبية :هو ما أشار إليه سهل ،
رحمة هللا عليه .
بقوله ":أن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ".
سر الربوبية :هو ما أشار إليه سهل بن عبد هَّللا ،بقوله :إن للربوبية سرا ،لو ظهر لبطلت الربوبية ،
ومعناه أن المربوب لما كان هو الذى يبقى على الرب ربوبيته ،لكون الربوبية نسبة بين الرب والممكن
"العبد -المخلوق" ،فلو ظهر هذا السر للخلق لبطل عندهم ما يترتب عليه الربوبية .
لطائف األعالم ،مادة « سر الربوبية » .وانظر نفس المادة في :اصطالحات الصوفية ،والحظ التعقيب
الوافي لسعادة المحقق الدكتور كمال جعفر ،حيث تتبع نص التستري في (قوت القلوب) ألبي طالب المكي ،
و (الكهف والرقيم) للجيلي ،و ( كشاف ) التهانوی ،و ( طبقات ) الشعراني ،وفي ( فتوحات ) ابن عربی ،
و ( فصوصه ) ،وفي دراسة للمحقق
األبيات الشعرية لإلمام على بن الحسين زين العابدين .توفي علم 14هـ .
وقد أورد ابن عربي هذه األبيات في ( الفتوحات ) منسوبة مرة لزين العابدين ،ج ۳ص ۲۶۹فق ۲۱۸ب.
ومنسوبة مرة أخرى للشريف الرضي.
68
المنظر السادس واألربعون منظر الوقوف مع المراسم
هو ذلك الذهاب في حقائق األسماء والصفات الذي عبر عنه بسريان الولي في فلك األسماء.
وليس هذا من شأن صفات الحق تعالى ،فإن هللا تعالى منزه عن الذهاب واإلياب ،ووصف العارف وصف
المعروف ،فالكامل منزه عن ذلك .
وفي هذا المنظر :
لو قطع الولی ،اربا اربا ،ليظهر أسرار هللا تعالى ،لما فعل ،لوقوفه مع المراسم .وصاحب هذا المنظر ،ال
يصدر منه ما ينكره الشرع ،و يخله العقل ،وال ما تستبعده العادة .
69
المنظر السابع واألربعون منظر الكفر
البد للموحد أن يمر على قنطرة الكفر ،في ترقيه الى حضرة التوحيد ،وإال فال توحيد وصل .
اال ترى إلى كلمة التوحيد :وقفت على النصف األول منها ،كان كفرا .
فال يجوز أن تقول " :ال إله " وتقف عنده ،والبد من قوله مردوفا با " إال هللا" .
فما وصلت كلمة التوحيد اال بعد كلمة الكفر .
اذا كان هذا في الظاهر ،فما قولك فى الباطن ،والظاهر عنوان الباطن .
ومن ثمة ،قال الحسين بن منصور الحالج ،رحمه هللا ،لبعض تالمذته :
( كشف هللا عنك شر الكفر فإن فيه حقيقة اإليمان .وحجب عنك سر االيمان ،فان فيه حق الكفر ).
يتجلى الحق تعالى على العبد ،في هذا المنظر ،بتجل يستتر عنه حقائق ما يجب اإليمان به لظهور سبحات
الجمال .
فيقال :كافر بمعنی :ساتر .والى هذا التجلي اشرنا في قولنا « :البد للموحد يمر على قنطرة الكفر ،
فافهم !
هو ذهوله بأنوار السبحات ،واشتغاله بها ،عن حقائق و يجب اإليمان به .
فان الذهول الزم للضعيف ،ولوال الحجاب ،كان عنده كفر ،وال إيمان .
70
المنظر الثامن واألربعون منظر االيمان
لإليمان منظر ،من تجلى هللا تعالى عليه به ،أدرك به سائر العلوم واألسرار.
ووصل إلى سائر المقامات العلية ،وقطع به سائر المنازل ،بنفس واحد .
فال يفوته علم ما يورده عليه ،بای بطریق آورد به عليه ،وال يتغرب عليه حكمه ،وال صنيعه ،وال عمل .
فيكاد أن يحيط بتفاصيل االشياء لسعة فلكه ،ووفور حظه من هللا تعالى .
وكنت قد سطرت كلمات في هذا المنظر ،من قبيل ما يجده صاحب هذا المنظر ،وأسندته على حسب ما فتح
هللا به على ،فيما بيني وبينه تعالى .
فوجدت هذا ال يكاد العقل يقبله ،وربما علمت به نزاعا من بعض علمائنا في ذلك.
فاستخرت هللا تعالى ،وعزمت على ذلك ،وعلمت أن هللا تعالى لم يكتم ذلك ،اال غيرة عليه ممن ليس من
أهله .
وجملة حاصل ما كان غرضي أن أثبته ،في هذا المنظر ،هو أن يعلم أن هللا تعالى جعل هذا المنظر هیولی
سائر المناظر* .
فجعل له هيمنة على المناظر االلهية .
فمن تجلی عليه في هذا المنظر وحصل له كمال اإليمان ،ال يحجب عنه سر ،وال يرد له اثر :وكان هو
اإلنسان الكامل ،المحيط األواخر واألوائل *.
ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم « :اتقوا فراسة المؤمن »* .
ولم يقل « :اتقوا فراسة المسلم » ،وال « فراسة المحسن » .
الن االيمان نور هللا .
ولهذا قال ...« :فإنه ينظر بنور هللا به " ۰
آفة هذا المنظر :
هو أن اإليمان متعلق بالغائب ،والغائب محجوب عمن غاب عنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الهيولى يعرفها الجرجاني بقوله :
« الهيولى :لفظ يوناني :بمعنى األصل والمادة .
وفي االصطالح هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من االتصال واالنفصال محل للصورتينـ
الجسمية والنوعية » .
* انظر التعريفات ،مادة هيولى .وانظر دراستنا عن الجيلى ،ص ۸۲۹وما بعدها .
* انظر عنوان کتاب الجيلي ( اإلنسان الكامل في معرفة األواخر واالوائل ) .
* أخرجه الترمذي في باب التفسير من جامعه 140وقال حديث حسن .
وفي ( المقاصد الحسنة ) للسخاوي ،أن أسانيده كلها ضعيفة.
71
المنظر التاسع واألربعون منظر اإلحسان
يتحد البصر بالبصيرة ،فيشهدك الحق تعالى أنوار عظمته ساطعة على الوجود ،فياخذك الصعق.
فحينئذ تبدو عليك شموس الجالل ،واقمار الجمال ،من فلك الكمال ،على وفق مقتضى الحال ،مما ال يدخل
تحت المقال .
فتشهدها ببصيرتك ،كأنك ناظر إليها بالبصر ،التحادها بقوة أحدية نور اليقين .
آفة هذا المنظر :
اتحاد البصر بالبصيرة ،وهي حجاب .
ألن الشيئين ال يصيرا شيئا واحدا اال في المجاز ،وعلى المحجوب يفوت ذلك .
72
المنظر الخمسون منظر الشهادة
الشهيد من فتكت به سبحات الجمال والجالل ،فأفنته عنه .
فهو مقتول في حركة صدمات التجليات ،أخرس ال ينطق ،أعمى ال ينظر ،ميت ال يحى .
أولئك الممحوقين بعد السحق ،مطموسين بعد المحق .
ال يرجعون الى انفسهم ،وال الى هللا تعالى ،بل ليسوا شيئا مذكورا .
آفة هذا المنظر :
هو احتجابهم بالحق عن الخلق ،ويخشى على صاحب هذا المنظر فوات الشرائع.
73
المنظر الحادي والخمسون منظر الصديقية
هو مقام وجودك حقائق األسماء االلهية ،والصفات الربانية ،منك فيك ،كما كشف هللا تعالى :علما ،
وعيانا ،وتحقيق .
آفة هذا المنظر :
قصوره عن إعطاء األسماء والصفات حقها ،بما يقتضيه حقيقة معانيها ،تصرفا وتوصفا .
ألن العبد ،وما يلحق به ،البد أن يكون له نهاية .
فلو حصل من االتصاف ،ماذا عسى أن يحصله ،فإن هللا تعالى من وراء ذلك ،مما النهاية له .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في فهرسة الجيلي في بداية الكتاب ،ذكر الجيلى انها ( منظر تعبد ).
74
المنظر الثاني والخمسون منظر القربة
يتجلى هللا تعالى على عبده ،في هذا المنظر ،بتجل يستقدر به على إظهار آثار األسماء والصفات فيظهر
على هيكله ،كل عضو بما يستحقه .
مثال :فالرجل للخطوة واللسان للكلمة ،وامثال ذلك من سائر أعضائه .
آفة هذا المنظر :
عجزه عن استيفاء ما اتصف به ،مما في مطاوي األسماء والصفات ،فال يظهر على الهيكل إال قطرة من
نهر ،أو موجة من بحر ألن الحكمة اقتضت ذلك .
فكما أن دار الدنيا ال تسع ظهور الحق تعالى ،كمال الظهور ،كذلك جسم اإلنسان ال يسع ظهور آثار جميع
ما يتصف به هو من هللا تعالى في باطنه ،فيعجز عن إظهار ذلك الكمال على جسده من مقتضياته حتما
مقضيا .
ولوال ذلك ،لما مات .
75
المنظر الثالث والخمسون منظر العبودية
يرجع العبد من الحق ،الى الخلق ،بالحق ،في هذا المشهد ،وقد تمكن من التصرف بحقائق مقتضيات
األسماء والصفات .
فيقف بعد الكشف ،دون الحجاب .
وما كل من رجع من الحق الى الخلق ،يرجع من هذا المقام .
آفة هذا المنظر :
ذلك الرجوع الى الخلق ،ولو كان بالحق ،فإنه رجوع من العالم الجبروتي ،إلى العالم الناسوتي .
ولكن فيه لطيفة ،وهي لتحقيق المقام االلهي ،في هذا العالم الجسماني .
ولوال القصور والحجاب لما طلب ذلك التحقق .
76
المنظر الرابع والخمسون منظر الهداية
من أقامه هللا في هذا المنظر ،يشهد المعاني واألحكام ،صورا وجوبية عينية ،فال يعتريه تسهيل في األمور
االلهية ،وال تأخذه فترة عن الترقي في الكماالت االنسانية.
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،على قلب عبده ،بتجل يقيمه في سنن صراط هللا ،فيتصف بما وصف
هللا به .
وكلما فقد شيئا ،تجلی هللا عليه بتجل يعلمه ما فقد من تلك الكماالت اإللهية ،فيستعد لذلك بطلبه.
ثم يتجلى هللا عليه ،فيوجده ما فقده .
ثم يفتقد العبد ذاته ،فيجده فقد شيئا من صفات هللا تعالى ،فيتجلى هللا عليه بتجلي يعلمه ما فقده .
ثم يستعد لذلك ،فيتجلى هللا عليه بتجلي يوجده ما كان فقده.
هكذا ال يزال صاحب هذا المقام ،في هذه التجليات ،إلى ما ال نهاية له .
" ذلك هدى هللا يهدى به من يشاء من عباده" .االنعام ،آیه ۸۸
آفة هذا المنظر :
ذلك الفقدان ،الذي يحصل الوجدان بعده ،ولوال ذلك الفقدان لما اهتدى .
وليس ذلك من صفات الكمال اإللهي ،والشأن الذاتي .
فالحجاب الزم لمقام الهداية أصال .
77
المنظر السادس والخمسون منظر النهاية
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،على قلب العبد بتجلي ،يعرف فيه قدر هللا تعالى ،فيشم رائحة من
الكماالت االلهية ،فيقول عندها بالعجز عن اداء حقوق الكمال .فنهاية العبد رجوعه الى العجز الكلي :
سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ،ألنا عرفنا أن لك معرفة مخصوصة ،ال يجوز لعالم التركيب أن يعرفوك
بها .
ونحن من عالم التركيب ،فعرفنا أنا ما عرفناك حق معرفتك .
يشهد الحق تعالى عبده ،في هذا المنظر ،كماالته ،في مقام العندية ،بالنون ،ثم يرسله الى عالم التركيب .
فيقول له :صف ما رأيت ،وأثنى بما علمت !
فيقول « :ال أحصى ثناء عليك » ،ألن مقام التركيب ال يسع ظهور ما هو في مقام العندية ،بالنون .
« انت كما اثنيت على نفسك » ،مما علمتنيه ،و أشهدتني إياه عندك ،انه لك ،فال يكون ظهور ذلك
بكماله ،إال في مقام العندية ،وهو لك .
وأما مقام التركيب ،وعالم الكون ،فال يسع ذلك ،إذ ال قابلية له به .فيرجع العبد الى االعتراف بالعجز
ضرورة ،وذلك نهايته .
هو ذلك العجز المنافي لوصف هللا تعالى ،فلوال الحجاب لما كان عاجزا .
78
المنظر السابع والخمسون منظر الغاية
انت غاية كل غاية ،ونهاية كل نهاية ،وحقيقة كل مقصود ،وبك وجود كل موجود .فال تخرج عنك ،وال
تتشوف الى غير حالتك .
وقل :تعاليت يامن ال نهاية له !
وهو غاية كل غاية ،فسبحان الكبير المتعال .
يتجلى هللا تعالى ،على قلب العبد ،في هذا المشهد ،بتجلي يرى ما ال يدركه ،ويجد ما ال يعرفه ،ويعرف
ما ال يراه .
فيفوته الضبط ،وال يستقر عنده وجود ،وال علم ،وال رواية ،وال رؤية ،وال إدراك .
فيقول :ما يدرى ما يقول .
ویری :ما یدری ما یری .
ويفوت عنه :ما يدري ما يفوت عنه.
فيسمع من كل جهة " :سبحان ربك رب العزة عما يصفون " .
ويجيب ،بكل لسان " :وما قدروا هللا حق قدره ".
آفة هذا المنظر :
عدم االستقرار ،الذي هو االستيالء ،وهو مناف لصفات الكمال .
فلوال النقص ،لما فانه ما فاته ،وال بد من ذلك الفوات ،ألن هللا تعالى ال نهاية له.
79
المنظر الثامن والخمسون منظر الجمال
تتنوع تجليات الحق تعالى ،في منظر الجمال :فتارة يتجلى باللطف ،وتارة بالرحمة ،وتارة بالعلم ،وتارة
بالفضل ،وتارة بالجود ،وأمثال ذلك ،إلى ما ال نهاية له من تجلياته ..
ثم إن تجليات هللا تعالى على قلوب عباده كلها :اما جمال الجالل ،وإما جالل الجمال .
وقد أوسعنا القول في هذا المعنی ،في كتابنا الموسوم به ( اإلنسان الكامل ) .
واعلم أن هللا تعالى ،إذا تجلى لعبده ،في منظر الجمال ،رای ذلك العبد جميع األشياء ملحقة باهلل .
فال يمر بحجر ،وال مدر ،وال حيوان ،وال شيء من األشياء ،إال وتلوح له تجليات الجمال من تلك األشياء
،بال حلول ،وال اتحاد ،بل على التنزيه الالئق به .وذلك ألن هللا تعالى يكشف له عن محتد الموجودات ،
فال يمر بموجود اال ويكشف له عن محتده ،من جمال هللا تعالى* .
وفي هذا المنظر :
يسمع العبد من هللا ،تعالى ،آیه ( :فأينما تولوا فثم وجه هللا ) .
صاحب هذا المنظر :
يكون عنده علم توحيد الحق في سائر المخلوقات ،وترد عليه مالئكة الحقائق بأنواع علوم التوحيد ،في هذا
المنظر .
فال تزال تهديه إلى الحق تعالى ،حتى يترقى عنها ،وعن نفسه ،وعن علومها .فيفني عن جميع
ذلك ،ثم يفنى عن الفناء ،ثم يبقى ببقاء هللا تعالى .
فإذا صار باقيا باهلل ،شم رائحة من الجالل ،فينتقل من منظر الجمال ،الى منظر الجالل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذه الفقرة هامة للغاية ،من حيث أنها تبين وجهة نظر الجيلى ،فيما فهم عنه ،ونسب إليه ،من الزعم
باعتقاده بربوبية كل شيء من جماد ونبات وحيوان وإنسان .
وصاحب هذا الفهم هو :الحسين بن عبد الرحمن األهدل اليمني المتوفى 835هـ .
وهو معاصر للجيلي ،والوحيد الذي ذكره في نص نادر طريف ،يقول .. « :وكان من أهلكم في هذا البحر
" الشطح والحلول واالتحاد : "۰۰عبد الكريم الجيالني العجمی .اجتمعت به قبل أن أعرف مذهبه بأبيات
حسين ،وبها توفي .
انظر :كشف الغطاء عن حقائق التوحيد .ق ۱۸۶ظ مخط مج طلعت • ۳۶۸وقد بشره الدكتور أحمد
بكير ،تونس ،دون تاریخ .
80
ومن الواضح أن الفقيه الذي نقل عن الجيلى ،لم يحسن النقل ،أو لم يفهم مقصوده .فما فهمه على أنه
( وحدة ربوبية ) ال يخرج عن كونه ( وحدة جمال ) ،وشتان ما بين االثنين .
وتسمية الجيلى وحدة الجمال ب ( علم توحيد الحق في سائر المخلوقات ) هي تسمية خطيرة .
راجع دراستنا عن الجيلى ،انظر ( :عبد الكريم الجيلي ومكانته ...ـ الخ ) ومواضع اخرى ..
81
المنظر الخامس والخمسون منظر البداية
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،على قلب العبد ،بتجلي يعيده الى المحل العلمي اإللهي ،الذي بدا منه ،
الى العالم العيني .
فال يكون لهذا العبد ،في العالم العيني ،وجود البتة ،بل يفنی سائر وجوده ،ويضمحل تركيبه ،ويذهب في
الذاهبين .
فيرجع الى المحل العلمي ،فال يكون موجودا إال في علم هللا وحده ،ال يعلمه غير هللا تعالى ،وال يعلم هو
نفسه ،وال يعلمه غيره .
بل ينقطع وجوده من عالم األكوان ،انقطاعا اطالقيا ،فال يوجد إال في علم هللا .ذلك هو الولي الغائب عن
وجوده ،والوجود غائب عنه ،فال يعرف من هو ،وال يفهم أحد ما يقول ،وال يعلمه إال هللا تعالى .
آفة هذا المنظر :
تلك الغيبوبة ،وذلك الفناء ،اللذان ليسا هما من وصف هللا تعالى :ولوال الحجاب ،لما كان هذا العبد
موصوفا بهما.
82
المنظر التاسع والخمسون منظر الجالل
يتجلى الحق سبحانه وتعالى على العبد ،في هذا المنظر ،بصفات القهر والكبرياء والعظمة والقدرة
والجبروت ،فيندك جبله ،وتصعق نفسه ،فيقع في بحار من الهيبة ،تتالطم أمواجها بالنار .
وفي هذا المشهد :يسمع العبد صلصلة الجرس .
وأول بدؤه في الكشف ،في هذا المنظر ،يسمع تصادم الحقائق ،بعضها مع بعض ،فيجد لها أطيطا ،يمأل
ما بين السماء واألرض .
ثم اذا تقوى ،وثبت لسماع ذلك ،يترقى ويسمع صلصلة الجرس ،عند رفع الستر عن الصفة القاهرية .
وفي هذا المنظر :
يتصف األولياء بالصفة القادرية ،فيخترع الرجل منهم ما شاء من عجائب القدرة ،والتكوينات التي ال يسع
شرحها .
ومادام العبد في تجليات الجالل ،فإنه ال يمكنه أن يبرز شيئا من عالم غيبته الى عالم شهادته ،اآلن عالم
الشهادة يضيق عن حمل ذلك .فال تكون اختراعاته ،وانفعاالته ،و خرقه للعوائد ،إال في عالم غيبه ،حتى
ينتقل من هذا المنظر ،الى منظر الكمال ،فتتنزل حقائقه ،من سره إلى روحه .
ثم تفيض روحه على قلبه ،ثم يفيض قلبه على نفسه ،ثم تفيض نفسه على هيكله .فتبرز آثار ما اتصف به
في عالم شهادته ،على التدريج والحكمة ،ألن دار الدنيا دار حكمة ،فال تبرز تلك األشياء فيها ،إال على
طريق الحكمة ،في القالب االنسانی .
83
المنظر الستون منظر الكمال
يتجلى الحق تعالى ،في هذا المنظر ،على العبد بأسماء المرتبة ،فيكشف له عن التجلي الرحمانی مں فوق
عرش الربوبية ،فيتصنف بصفة االستواء .
في هذا المنظر :
تتعشق األمور الكمالية بالعبد ،تعشقا ذاتيا ،فتكون ذاته مستوعبة للكماالت ،من حيث اقتضأتها ،فال
كمال ،وال جمال ،وال جالل ،وال نعت ،وال صفة ،وال أمر على ،وال مشهد جلی ،اال وهو مضاف الى
صاحب هذا المنظر .
وفي هذا المحل :
يعطى العبد من مفاتيح الغيب ،التي هي عند هللا تعالى ،على قدر قوة قابلية روحه ،وتحققه فيما اتصف
به .ألن هذا العبد قد صار في مقام العندية ،بالنون ،ومن كان عند هللا تعالي في هذه العندية ،آتاه هللا تعالى
ذلك ،كما فعل مع نبيه ،صلى هللا عليه وسلم ،حين أتاه جبريل بمفاتيح خزائن األرض ،فاختار الفقر .
ومفاتيح خزائن األرض من جملة مفاتيح الغيب ،ألن خزائنها غيب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
84
المنظر الحادي والستون منظر االستواء
85
المنظر الثاني والستون منظر االستيالء
اذا استولت الصفات االلهية ،واألسماء الذاتية ،سائر العبد ،بأن يتحقق جسمه ،الذي هو هيكله ،بما هو
متحقق به في روحه -فقد استعد لهذا المنظر .
وهذا المشهد هو المسمى بالتجلي الرحمانی ،وهو في اإلنسان نسخة ما في الوجود ،من آیتی " :الرحمان
على العرش استوی .له ما في السموات ،وما في األرض ،وما بينهما ،وما تحت الثرى ".
حينئذ يستولى حكم الحق تعالى على العبد ،فال يبقى لبشريته اثر :ذلك هو الولي ،الذي يحيي الموتى ،وهو
على كل شيء قدير* .
* هذه الجملة اقتباس من قوله تعالى ( :فاهلل هو الولي ،وهو يحيي الموتى ،وهو على كل شيء قدير )
الشورى ،آية 9
يقول الشيخ األكبر ابن العربي الحاتمي :االستواء الذي هو االستقرار إلى االستواء الذي هو االستيالء.
يقول الشيخ ابو حامد الغزالي :واالستيالء يتم بالقدرة والعلم ،وعليه يدل قوله تعالى ":وكان هللا على كل
شيء مقيتا " ،أي مطلعا قادرا .فيكون معناه راجعا إلى القدرة والعلم.
ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي " :البسط إعطاء العبد حقيقته العلمية على تمامها ،والقبض ظهور
االستيالء اإللهي على تلك الحقيقة لنقصان ظهورها "
يقول الشيخ األكبر ابن العربي الحاتمي الطائي عن االستواء اإللهي و االستواء الرحماني
وهكذا يتضح أنه في االستواء اإللهي حصل اإلستواء في نقطة الدائرة ،بينما في االستواء الثاني كان الحق
محيطا بالدائرة التي هي العرش .
ففي األول " االستواء اإللهي " :القلب وسع الحق .
بينما في الثاني " االستواء الرحماني " الحق وسع العرش وأستوى عليه .
فالحق في االستواء اإللهي بمثابة العرش في اإلستواء الرحماني ،والقلب بمثابة الحق .
إذن :
.1االستواء اإللهي :
هو تجلي الحق على القلب اإلنساني ،واتساع هذا األخير له ،فالحق يتجلى على قلب العبد ،وقلب العبد
يدور مع الحق اينما دار ،وهذا التقلب الذي هو صفة للقلب مكنه من اإلتساع للحق ،فال مخلوق يتسع لتوالي
تجليات الحق سوى هذا القلب اإلنساني .
86
.2االستواء الرحماني :
هو استقرار وإستيالء الحق على العرش .
وقد خص الشيخ األكير ابن العربي االستواء الرحماني بالعرش ،ألن العرش هو الموجودات التي يمدها
بالوجود ".
87
المنظر الثالث والستون منظر اللذة السارية
يتجلى الحق تعالى بتجلي يكشف فيه للعبد بمكانه من الحقائق االلهية ،فيظهر له من هللا ما لم يكن يحتسب .
ويؤتى من التحف والطرف ما ال يخطر على قلب بشر :فيجد -لوجود تلك المعاني االلهية ،بكشف عوالمها
من نفسه -لذة سارية ،في جميع أجزائه ،مستولية على جوارحه واعضائه ،إلى أن يغشي عليه من قوة تلك
اللذة ،وهي لذة محسوسة ،موجودة .
غير انها منزهة عن أن يماثلها ،أو يقرب منها ،شیء من لذات الدارين .
* غيبت في هذا المنظر "الشيخ عبد الكريم يتكلم عن نفسه"عن العالم الكوني ،فكشف لي عن عوالم األسماء
والصفات ،وكيفيتها ،في عالم ذاتی .
ووجدت كل ذرة من وجودی ،حاملة من المعارف الكمالية ،ما ال يمكن شرحه .فأعطتني عوالي كل اسم ،
وصفة ،ومعنى ،ومرتبة ،ما ال نهاية لها .
فلما وجدت ما وجدت ،مرت في لذة الهية ،حتى ذقت أمرا محسوسا ،تكاد الروح أن تذهب لوجدانه .
فلما رجعت الى عالم األكوان ،حدث في حادث ،وكنت يومئذ مبتدئا في هذه الطريق ،فلزمني البدء ،أن
أعرض قصتي على رجل كنت أعرفه ،من أهل هللا تعالى ،فلما عرضت عليه أمر الحادث .
فقال لي :إن حصول الحادث لوجود بقية بشرية ،ولكنه عالمة صحة هذا المشهد.
آفة هذا المنظر :
تلك اللذة ،فإنها تأخذ العبد إليها بالضرورة .
وأسباب العبد إليها ،بحسب الضرورةـ ،نقص .
ألن المضطر ينافي القدرة االلهية ،التي هي صفة العارف ،وذلك حجاب الزم ،وهو من أجل بقية بشرية ،
وهي التي أشار إليها الرجل ،رضي هللا عنه ،في تربيته لي.
فال يتوهم متوهم ،أن من وجد تلك اللذة ،ولم يحدث به ذلك الحادث ،كان أكمل ممن وجده ،ثم حدث به
الحادث ،ألن البقية الزمة للذة تلك .
وال يوصل إلى تحقق مقام تلك اللذة ،إال بذلك الحادث ،فمن لم يحدث به ذلك الحادث ،لم تتم له اللذة ،بل
ما عنده اال طرف منها .
ألن اللذة المستولية عليه ،إذا غمت الحس ،وأخذت صاحبها بكليته ،ال يجد بدا من أن يمني .
ولهذا وجب الغسل على الميت ،ألن الروح اذا أخذت في عالم الملكوت ،واتسعت من هذا المضيق
الجسماني.
تجد لذلك لذة كلية تسري في هيكله ،آخر نفس في النزاع "األخير" ،فال يجد بدا من أن يمني.
فلهذا أوجب الشارع غسل الميت ،حتى ان من لم يبلغ الحلم ،البد أن يخرج منه ،عند موته ،شيء يكون
بمنزلة المني من غيره .
88
المنظر الرابع والستون منظر الكشف والعيان
ينفتح للعبد ،في هذا المنظر ،حول عينه دائرتان :
إحداهما :تسمى دائرة العين الصغرى ،فيها يرى المحسوسات ،من وراء كنائف الحجب الحسية ،أشخاصا
معينة .
فال تحجبه الجدارات ،وال البعد ،وال شيء من ذلك .
الثانية :تسمى دائرة العين الكبرى ،فيها يري البرزخ ،والملكوت ،وعوالم األرواح ،ويطلع على الجنان ،
والنيران ،وأنواع النعيم ،والعذاب .
ويعرف أجناس المالئكة ،وفي أي وظيفة أقام الحق تعالى كل نوع من هذه المالئكة ،وتخاطبه
الروحانيات ،بما فيها من األسرار االلهية ،ويلقي إليه من سؤاالت العلوم اللدنية ،واجوبتها ،إلى غير ذلك
مما يطول شرحه
آفة هذا المنظر :
احتجابه بمنظر العيان والكشف ،عن منظر الوجدان والشم .
فاذا اردت الفرق ما بين المنظرين ،فتأمل الدائرة الصغرى ،كيف هي حاصلة لكل ما ينتقل من الدنيا الى
البرزخ .
فإنه إذا صار السالك من عالم األرواح ،لم تحجبه المحسوسات مع كثائفها ،بل يشهد البعيد .
كما يشهد القريب :فما زاد صاحبها بان ضيع حاصل وقته ،بالوقوف مع اجتالب وأما الدائرة الكبرى ،
فملحق بالثانية ،ألن الشخص إذا انتقل من البرزخ ،الى الجنة ،أو النار -وجد تلك الدائرة بعينها .
فما زاد صاحبها اال بان حصل الحاصل ،وليس مطلوب أهل هللا تعالى ،إال العلم باهلل تعالى ،وبه يعلم
األشياء شما ووجدانا .
وسیاتی بیان ذلك في المنظر التالي .
89
المنظر الخامس والستون منظر الستر
يتجلى هللا تعالى ،على العبد ،بتجلي تستتر عنه سائر العوالم الكونية ،فال يعلم لألكوان علما .
فهو كأحد عوام الناس في االطالع على األشياء ،ال يعلم ما تحت جنبيه .
في حقنا ،ال في حق النبي صلى هللا عليه وسلم ،هو اشتغالنا بالحق عن الخلق .
90
المنظر السادس والستون منظر الشم
يتجلى الحق تعالى على العبد ،في هذا المنظر ،بتجل يعلم به ،من العلم الخاص باهلل ،على قدر قوة
قابليته .
وهذا العلم هو الحاصل بطريق الوجدان ،والشم ،فال يسمى عيانا وال كشفا ،اال على سبيل المجاز .
وأما على الحقيقة :فليس هو اال وجدان ،وشم ،ويقين ،وعلم .
وفي هذا المنظر :
يعلم أحوال الممكنات ،بما هي عليه من المقتضيات ،والشئون والتقلبات ،وال يعزب عنه أمر يريد كشفه .
آفة هذا المنظر :
هو أن هذا العلم الحاصل ال يتفق األحد ،على سبيل الشمول ،والحيطة ،إال في العالم الغيبي ،من حيث
الشأن اإللهي العلمي ،ولكنه ال يفصل في عالم الشهادة
اال نبذة منه ..
وال يمكنه االستيفاء بوجه من الوجوه .وذلك نقص ،ألن هللا تعالى صفته ان غيبه شهادته ،وشهادته غيبه ،
وال يفوته علم شيء من ذلك .
91
المنظر السابع والستون منظر الحضائر
هللا عباد سماهم " اهل الحضائر " قد تجلى عليهم بتجليات متعينة ،أكسبتهم تلك التجليات :
معارف آداب الدخول في الحضرات ،فاذا اراد احدهم دخول حضرة الحق تعالى ،استحضر تلك المعارف ،
وتأدب بآدابها ،فيفتح له باب الى حضرة الحق تعالى ،فيقف بين يدي الحق ،بما شاء هللا تعالى .
وهؤالء هم نوع من العارفين ،يخرجون عن محاضرهم اإللهية ،لمصالحهم الخلفية.
فاذا فرغوا منها ،رجعوا إلى هللا تعالى ،ودخلوا حضرة الحق تعالى .
قد جرت سنة هللا تعالى ،أن ال يمنعهم الدخول ،متى شاؤه .
فهم مأذون لهم بالدخول والخروج الى حضراتهم المخصوصة بهم ،ال الى ما فوقها.
وقد شاهدت طائفة من هذه الطبقة ،منهم :
أخونا العارف ،لسان المعارف "أبو بكر بن محمد الحكاك"* رحمه هللا تعالى ،واعرف من أولياء زماننا
هذا جماعة ،.هم في هذه الطبقة .
آفة هذا المنظر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو فخر الدين أبو بكر بن محمد الحكاك ،صوفی یمنی شاعر ،توفي بعد عام ۷۱۷ه .له ( ديوان القصائد
الخميسيات والمكسرات ) .انظر بروكلمان ح ۲ملحق ،ص .۳
وانظر فهرس بانکيبور ،د ، ۲۳ص . ۵۰ - 49وانظر ( عبدالكريم الجيلي ومكانته ) ..
92
المنظر الثامن والستون منظر الخلع والمواهب
في هذا المنظر ،نعرف مراتب األولياء فمنهم :
من واليته من حيث المواهب االلهية ،بحكم ما يورده الوقت والمال .
-ومنهم من واليته من حيث الخلع ،بحكم ما تقتضيه الصفات الذاتية .
وهم أخص ،واعلى ،من اهل المواهب والمنح :
-فإن تجليات الحق على أهل المواهب :سكرة من شراب ممزوج .
-وتجليه على أهل الخلع :صرف .
-فأهل الخلع :أهل عين التسنيم وهو الكافور يمزج منه ألهل المواهب .
-وأهل المواهب :هم الذين يشربون من الممزوج .
حيث قال هللا تعالى " :إن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ".
وكما كانت صفة العظمة والهيبة غالبة على أحوال الشيخ أبي يزيد البسطامي .و كصفة العلم الذي كان غالبا
على أحوال سيدي الشيخ محيي الدين بن العربي ،رضي هللا عنهم أجمعين .
آفة هذا المنظر :
فبذلك استحق التقدم على سائر االنبياء واألولياء وليس على هذا القدم الكمالي المحمدی ،إال آحاد اآلحاد ،
من األقطاب واألفراد .
أولئك أهل لواء الحمد ،يحشرون مع النبي ،صلى هللا عليه وسلم ،تحت ذلك اللواء ،هم ومن كان على هذا
القدم ،من األنبياء واألولياء .
وال يعرف ذوق ما قلناه إال الغرباء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
93
وفي القرآن الكريم " :ومزاجه من تسنيم .عينا يشرب بها المقربون "
المطففين ،آية . 28 - 27
انظر :معجم ألفاظ القرآن الكريم .ج 1ص . 602مادة سنم .
* الكافور :مادة عطرية الرائحة ،مرة الطعم ،شفافة ،بلورية الشكل ،يميل لونها الى البياض ،تتخذ من
شجر كبير ينبت في الهند والصين .
وقيل إن المراد في :كافورا ( :أن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) االنسان ،آية 5
-هو طيب له رائحة عطرية کرائحة كافور الدنيا .
وقيل أن المراد به عين في الجنة ماؤها بتبه كافور الدنيا في لونه ورائحته وبرده ،وليس في طعمه مرارة
كافور الدنيا ،ولكنه اذا مزج بغيره جعل طعمه لذيذا ،وهللا اعلم .انظر :معجم ألفاظ القرآن الكريم ،ج 2
ص ، 326مادة الكافور .
* الشيخ عبد القادر الجيالني :هو ابن موسی بن عبد هللا بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود الجون .صوفي
ومؤسس الطريقة القادرية .ولد عام 470هـ ،وتوفي 561ھ ،ودفن ببغداد .
انظر ترجمته في طبقات الشعراني ،ج 1ص ۰ 108
* أبو يزيد البسطامي :هو طيفور بن عيسى بن سروشان .صوفي مشهور من أصحاب الشطح والجذب ۰
توفی 261هـ.
انظر ترجمته في طبقات السلمی ،ص ، 67وانظر المصادر التي ذكرها المحقق .
* ابن العربي : من أكبر صوفية اإلسالم ،وأغزرهم تأليفا .وهو أشهر من أن يعرف به .توفي سنة 683
هـ .انظر :طبقات الشعراني ،ج 1ص . 163
94
المنظر التاسع والستون منظر األسرار
السر الذي بين العبد وبين الرب ،مما أشار الحديث النبوي إليه أنه " :ال يطلع عليه ملك مقرب ،وال نبي
مرسل ".
هو ذات العبد ،وهيئته ،وما فيها من مقتضيات شؤونه االلهية ،التي ليس للمخلوق أن يعلم كنهها ،وماهيتها.
فال يعلم ما هو إال هو ،فال يعلم ملك مقرب ،وال نبي مرسل :ما ذلك الشيء .
ويعلم العبد الذي هو سره ألن هللا تعالى قد جعله مظهرا لذلك ،فهو قابل لعلمه ،إذا أعلمه هللا تعالى .
فمن الناس من يعلمه ،ومن الناس من ال يعلمه .
وكل تحفة ،أو سر طرفة ،او خلعة ،او موهبة ،أو والية ،يشرف هللا بها عبده -فإنها جميعها مما قد
جعله هللا تعالى ،من األزل ،في سره .
فال يحصل للعبد خبر ،بمعنى من المعاني ،وال في وقت من األوقات ،اال مما قد جعله هللا في مره من
األزل .
فال عنده ،إال ما منه ،ويبقى ما هو هلل تعالى ،من وراء ما هو سر هذا العبد ،ال يعلمه إال هو.
قصور العبد على ما هو عنده من السر االلهى ،عما هو هلل خارجا عن مودع مره .فبنفسه ،احتجب عن
ربه ،وهذا نقص .
ولقد أشم رائحة من وراء هذا السر ،ال يحل نشرها ،إذ ال يمكن بثها .
فعليك بك ،وهللا المستعان .
95
المنظر السبعون منظر الطرق المختلفة
الكل الى هللا ،في الصراط المستقیم ،منهج ،هو طريقه ،يذهب فيه إلى ربه ،من حيثه ،بما يقتضيه شأن
الصفة ،التي هي عين سره ،الذي هو عينه ،ال يذهب في ذلك المنهج غيره .
وأهل هذا المنظر :
على سبيل هللا ،الذي هو صراط هللا المستقيم ،وليسوا على السبل المتفرقة التي ذكرها هللا تعالى ،في قوله :
" وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " يعني عن سبيل الصراط المستقيم المحمدی .
ولكنه سبيل صراط غير محمد ،وإنما ورد األمر اإللهي باتباع السبيل المحمدی ،ألن طريقه اقرب الطرق
الى هللا تعالى ،وطريق غيره فيه البعد .
ثم ان الطريق المحمدی ،مع قرب مسافته ،مفضي الى حقائق الكماالت االلهية ،وغير ذلك من الطرق ال
يفضي اال الى هللا مطلقا.
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،بتجل ينجذب إليه أهل الطرق ،من حيث تلك المناهج التي فطروا عليها.
فال يمكن ألحد في طريق مخصوص ،أن يذهب من غير طريقه ،الذي خلق هللا سره مجبوال عليه.
آفة هذا المنظر :
هو أن السلوك والسفر من لوازم أحكام العبد ،وهللا تعالى منزه عن االنتقال والتغير.
فالسالك إلى هللا ،والذاهب في هللا :محجوبون عما قبلهم من المواطن .
وليس ذلك من شأن الكمال ،فافهم .
96
المنظر الحادي والسبعون منظر الصراط المستقيم
الصراط المستقيم :هو صراط هللا ،الذي هو تنوعات تجليه في ذاته ،لذاته .
فمن حصن في هذا الصراط ،واستقام على علم كيفية االتصاف بأسماء هللا تعالى وصفاته ،فيتنوع بتجلياتها
في العالم ،على حسب مقتضى الشأن .
آفة هذا المنظر :
ذلك الحصول في الصراط ،وعلم تلك الكيفية ،فإن صاحبها غني عن ذلك جميعه .ألن هللا تعالى متجلی بما
هو عليه ،كما يريد ،مما يقتضيه شانه االلهي في الوجود :فبسط ، وقبض .
وجمال ، وجالل ، وهيبة ،وانس ،وعظمة ،ولطف -كل ذلك من غير علة ،وال ضرورةـ ،وحاجة .
بل الكمال االلهي يختص به تعالى ،فسبحانه !
ما أعظم شأنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعرف السراج الطوسي القبض والبسط بقوله « :حاالن شريفان ألهل المعرفة ،إذا قبضهم الحق احشمهم
عن تناول القوام والمباحات واألكل والشرب والكالم .واذا بسطهم ردهم الى هذه األشياء ،وتولی حفظهم
في ذلك .
فالقبض :حال رجل عارف ،ليس فيه فضل لشيء غير معرفته .
والبسط :حال رجل عارف بسطه الحق ،وتولى حفظه ،حتى يتأدب الخلق به ،قال هللا تعالى ( :وهللا
يقبض ويبسط وإليه ترجعون ).
وقال الجنيد ،رحمه هللا في معنى القبض والبسط :
يعنی الخوف والرجاء ،فالرجاء يبسط الى الطاعة ،والخوف يقبض عن المعصية » ...انظر اللمع ،ص
. 420 - 419
على أن القشیری بری رأيا آخر غير رای الجنيد ،وذلك حين يعرفها بقوله « :وهما حالتان بعد ترقی العبد
عن حالة الخوف والرجاء .
فالقبض للعارف :بمنزلة وجمال الخوف للمستأنف.
والبسط للعارف :بمنزلة الرجاء المستأنف .
ومن الفصل بين القبض والخوف ،والبسط والرجاء :أن الخوف إنما يكون من شیء في المستقبل ،إما أن
يخاف فوت محبوب ،أو هجوم محذور .
وكذلك الرجاء ،إنما يكون بتاميل محبوب في المستقبل ،أو بتطلع زوال محذور ،وكفاية مكروه في
المستأنف .
وأما القبض :فلمعنی حاصل في الوقت ..
وكذلك البسط :فصاحب الخوف والرجاء ،تعلق قلبه في حالتيه بأجله .
وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله .
ثم تتفاوت نعوتهم ،في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم » ...انظر :الرسالة ،ص . 35
أما الكاشاني من مدرسة ابن عربی فيستدل بالعارف وبالمستانف -لدى القشيري -القلب والنفس والحق .
فيقول « :البسط :في مقام القلب بمثابة الرجاء في مقام النفس .وهو وارد يقتضيه اشارة الى قبول ولطف
ورحمة وأنس ،ويقابله وارد القبض كالخوف في مقابلة الرجاء في مقام النفس .
والبسط في مقام الحق :هو ان يبسط هللا العبد مع الخلف ظاهرا ،و يقبضه هللا إليه باطنا ،رحمة للخلق ،
97
وهو يسع األشياء ،وال يسعه شیء ،ويؤثر في كل شيء ،وال يؤثر فيه شيء » .
انظر :اصطالحات ،مادة البسط .
على حين أن القبض باهلل « هو اخذ القلب بوارد بشير الى ما يوحشه من الصد والهجران وأمثال ذلك ...
واكثرها يقع عقيب البسط ،بسوء أدب يصدر من المسالك في حال البسط .
والفرق بينهما وبين الخوف والرجاء :ان تعلق الخوف والرجاء بالمكروه والمرغوب المتوقع في مقام النفس
،والقبض والبسط إنما يتعلقان بالوقت الحاضر ،ال تعلق لهما باالجل » .
اصطالحات ،مادة قبض .وواضح أنه يأخذ في االعتبار هنا رای القشيري .وانظر :لطائف األعالم ،وما
أورده من تفاصيل كثيرة ،وكذلك الكمشخانوی .
الجالل :هو احتجاب الحق تعالی عنا بعزته ،أن نعرفه بحقيقته وهويته ،كما يعرف هو ذاته .فان ذاته
سبحانه ،ال يراها الحد ،على ما هي عليه ،إال هو » .
اصطالحات ،مادة جالل والجمال « :هو تجليه تعالی بوجهه لذاته .فلجماله المطلق جالل ،هو قهاريته
للكل عند تجليه بوجهه ،فلم يبق احد حتى يراه ،وهو علو الجمال .وله دنو يدنو به منا ،وهو :ظهوره في
الكل ،كما قيل :
ولهذا الجمال جالل ،هو احتجابه بتعينات األكوان :فلكل جمال جالل ،ووراء كل جالل جمال .ولما كان
في الجالل ونعوته :معني االحتجاب والعزة ،لزمه العلو والقهر من الحضرة االلهية ،والخضوع والهيبة
منا .ولما كان في الجمال ونعوته :معنى الدنو والمسفور ،الزمه اللطف والرحمة والعطف من الحضرة
االلهية ،واألنس منا » .اصطالحات ،مادة جمال .وانظر كذلك :الكمشخانوی ،وتصويباته العديدة
واضافانه لنص االصطالحات .وانظر كذلك :لطائف األعالم ،وما أورده من تفصيالت اضافية .
الهيبة واألنس ،عرفهما القشیری بانهما ... « :ـ فوق القبض والبسط :فكما إن القبض فوق رتبة الخوف ،
والبسط فوق منزلة الرجاء -فالهيبة أعلى من القبض ،واالنس اتم من البسط .
وحق الهيبة :الغيبة ،فكل هائب غائب ،ثم الهائبون يتفاوتون في الهيبة على حسب تباينهم في الغيبة ۰۰۰
وحق االنس :صحو بحق ،فكل مستأنس صاح ،ثم يتباينون حسب تباينهم في الشرب .ولهذا قالوا :أدني
محل األنس :أنه لو طرح في لظى لم يتكدر عليه أنسه » ..
الرسالة ،ص ، 36مادة هيبة وانس .
98
المنظر الثاني والسبعون منظر العناية
سبقت العناية اإللهية للنوع االنساني بالكمال الرحماني ،حيث قال " :إني جاعل في األرض خليفة ".
-فمنهم من ظهر أثرها عليه بأدنى سعی ،وذلك هو السعيد المنعم ،في طريق ظهور أثر خالفته .
-ومنهم من شقی ،بأن تعب في ظهور أثرها ،فلم تظهر عليه حتى يتعذب بأنواع العذاب ،وصفة الخلق في
هذا المعنى صفة ملوك األرض .
-ومنهم من يتعب اوال بأنواع التعب واالفالم والفاقة ،ثم يتعذب بأنواع الحروب ،والضروب ،وخوض
المهالك ،وضيق المسالك ،حتى ينال الملك .
فالسعادة والشقاوة إنما هما باعتبار الطريق الذي يكون فيه الوصول الى هللا تعالى ،وإال فسائر النوع
اإلنساني ،من حيث الذات اإللهية وصفاتها ،خلفاء الكمال ،متصفون بانواع الجمال والجالل .
ومن ثم قيل " :من سبقت له العناية ،لم تضره الجناية" .
يعني :أن النوع االنساني المسبوق له بالعناية المشار إليها في قوله تعالى" :ونفخت فيه من روحي ".
-لم تضره الجنايات ،التي يتعذب بها في طريق وصوله ،الذى خلقه هللا تعالى مجبوال عليه .
فإذا وصل ،لم يجد ،لما مضى من التعب ،ألما .
ذلك الذهاب والرجوع ،فإنه ما خرج منه حتى يدخل إليه ،وال انفصل عنه حتى يتصل ،وال مضی حتى
يرجع .
فرجوعه إنما هو إلى نفسه ،وذهابه إنما هو فيها ،ووصله إنما هو بذات نفسه .والكمال منزه عن مقتضيات
هذه المعاني جميعها ،فال تحصل هذه األشياء إال عن حجاب ،وترفعه العناية اإللهية لمن أهله هللا تعالى
99
للكمال ،فيترقی عنها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعرفنا الكاشاني بالخليفة الكامل ،فيقول « :من كمل من البشر كآكابر األولياء وأولي العزم من الرسل ،
عليهم السالم ،الذين من شأنهم الصبر والثبات في حاق الوسط ،بين الخلق والحق ،لياخذون المدد من الحق
بال واسطة ،بل بحقيتهم ،ويعطون الخلق بخلقيتهم .
فال يميلون إلى طرف ،فيهملون الطرف اآلخر ،كما هو عليه الحال فيمن غلبت عليه حقيته الستهالكه في
نور الحق ،أو لقيته بانحجابه بظلمة الخلق » .
أما الخليفة غير الكامل « :فهو خليفة هللا بواسطة من هو تبع له من أولي العزم والخلفاء والكمل ،وكل
كامل خليفه لكامل » .
انظر :لطائف اإلعالم .المادتين المذكورتينـ .
فالخليفة الكامل ،إذن ،هو من كان مدده بال واسطة .وغير الكامل من كان مدده بواسطة .
ومن الواضح أن الجيلي يتجاهل هذا التصنيف ،ألنه يجعل كل فرد من أفراد النوع اإلنساني خليفة هللا في
العالم ،ويبرر ذلك باتصاف الفرد بصفات هللا ،وانبثاق ذاته من نور ذات هللا ،وهذا تعميم خطير .
واخطر منه مزاوجته االيحائية بين ذلك ،وبين ما ذكره من وراثة األبناء ما اآلباء ..فهو هنا يقيس الغائب
على الشاهد دون تحفظ ما .
100
المنظر الثالث والسبعون منظر المملكة
لهذا المنظر خاصية عجيبة ،الزمة لكل من جعل في هذا المشهد :أن يدير بذاته العوالم بأسرها ،فتدور
األفالك بانفاسه .
وتجري األمور على قدر قياسه ،وتقع الواقعات ،وتحدث الحوادث ،ويصعد الطالع ،ويهبط النازل ،
ويكمل الناقص ،وينقص الكامل ،وتختلج الذرات ،وتهب الذاريات -بتصريف هلل .
منسوب الى ذات هذا الولي ،الذي تجلی هللا عليه في منظر المملكة ،فبقی أثر ذلك التجلي عليه :جميع ما
ذكرناه من سائر الكماالت ،الى ما لم نذكره ،وهللا يؤتي فضله من يشاء " ،وهللا واسع عليم " ...
تنزل صاحبه عن مجلى قاب قوسين أو أدنى ،الذي هو عبارة عن :التجلي الذاتي المخصوص األقدس .
إلى سدرة المنتهى ،الذي هو عبارة عن :تجليات المراتب االلهية .
والبقاء مع ذات هللا اعز واعلى ،في حق العبد ،من البقاء مع مراتبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصطلحـ في األصل قرآني لقوله تعالى " :ثم دنا فتدلى .فكان قاب قوسين أو أدنى " النجم ،آية ..9
واستخدمه صوفية مدرسة الشيخ األكبر ابن العربی .
ويعرفه الكاشاني بقوله « :قاب قوسين :هو مقام القرب األسمائی ،باعتبار التقابل بين األسماء ،في األمر
اإللهي ،المسمى "دائرة الوجود " :كاالبداء واالعادة ،والنزول والعروج ،والفاعلية والقابلية ،وهو االتحاد
بالحق ،مع بقاء التميز واالثنينية ،المعبر عنه باالتصال .
وال مقام اعلى من هذا المقام اال مقام ( أو أدنى ) ،وهو أحدية عين الجمع الذاتية ،المعبر عنه بقوله ( أو
أدنى ) ،الرتفاع التميز واالثنينية االعتبارية هناك بالفناء المحض والطمس الكلي للرسوم كلها » .
اصطالحات ،مادة ( قاب قوسين ) .وانظر الكمشخانوى ،ولطائف اإلعالم ،وتعريفات الجرجاني ،نفس
المادة .
ومن الواضح أن كل هذه المصادر تفرق بين مقام ( قاب قوسين ) وهو عبارة عن :االتحاد بالحق مع
ارتفاع التميز واالثنينية بالفناء والطمسـ .
او بعبارة الكاشاني « أحدية عين الجمع الذاتية ،الرتفاع التميز واالثنينية االعتبارية هناك بالفناء المحض
والطمس الكلي للرسوم كلها » .
فهما إذن مقامان مختلفان .لكي الجيلى هنا بعتبرهما مقاما واحدا ،ويعرفه بأنه عبارة عن « :التجلي الذاتي
المخصوص األقدس » .وهذه وثبة من وثبات الجيلي الروحية .
( )۱۰وهذا بدوره مصطلح قرآنى ،لقوله تعالى " :ولقد رآه نزلة أخرى .عند سدرة المنتهى " النجم ،آية
. 14
ويعرفها الكاشاني بانها « :هي البرزخية الكبرى التي ينتهي اليها سير الكل وأعمالهم وعلومهم .وهي
نهاية المراتب األسمائية التي ال تعلوها رتبة » .اصطالحات ،مادة ( سدرة المنتهى ).
101
وفي لطائف األعالم « :سدرة المنتهى :هي المقام الذي تنتهي إليه أعمال الخالئق وعلومهم ،وهي البرزخية
الكبرى لكونها هي غاية الغايات ،ونهاية المنتهى .
وقد يصطلح بالسدرة "وحدها" على نهاية المراتب التي هي دون هذه الرتبة العالية التي ال نهاية لعلوها » .
انظر :المادة نفسها .
102
المنظر الرابع والسبعون منظر الحرف
وخاصية هذا المنظر :أن يحصل عند من حصل فيه :تقدم ذاتي ،وتنزه صفاتی .فال يوجد عنده إال ما
يعلم هو حسنه ،ويطلع بالكشف على نكتة الجمال فيه .
ويكون صاحب هذا المنظر عنده :علم محتد "محامد" المخلوقات ،ويعلم این بلوغ كل من الكمال ،وأين
وقوفه من سرادق الجالل والجمال .
ذلك التعيين في العلم االلهي ،فإنه الزم للحد فيك .فكل متعين محدود ،والحق -تعالى سبحانه -بخالف
ذلك .فوا أسفاه عليك !
كيف يكون فهمك لهذا الكالم ،فاذا علمت أن كل متعين محدود ،فاعلم أن كل محدود مقصور على حده ،
وكل مقصور محجوب ،وذلك مناف لصفات الكمال ،التي هي مشروع فحول الرجال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعرف الكاشاني " العين الثابتة "بأنها « :هي حقيقة الشيء في الحضرة العلمية ،ليست بموجودة في
الخارج ،بل معدومة ثابتة في علم هللا ،وهي المرتبة الثانية من الوجود الحقيقي » .اصطالحات ،وانظر
الكمشخانوى ،وتعريفات الجرجاني .وفي لطائف األعالم .. « :وسميت هذه المعلومات أعيانا ثابتة :
لثبوتها في حضرة العلم ،لم تبرح منها ،ولم يظهر بالوجود العيني إال لوازمها وأحكامها وعوارضهاـ
المتعلقة بمراتب الكون .فان حقيقة كل موجود إنما هي عبارة عن نسبة تعيينه في علم ربه أزال .
وتسمى باصطالح المحققين من أهل هللا :عينا ثابتة :و باصطالح الحكماء:ماهية .و باصطالح األصوليين:ـ
المعلوم المعدوم ،والشيء الثابت ،ونحو ذلك .وبالجملة ،فاألعيان الثابتة والماهيات واألشياء إنما هي
عبارة عن تعيينات الحق الكلية التفصيلية » .
انظر :مادة ( العين الثابتة ) :وهذا المصطلح له اهميته وثقله في مدرسة ابن العربی .
103
المنظر الخامس والسبعون منظر الكالم
كالم هللا تعالى لعباده ،منزه عن :الحرف والصوتـ والجهة .
ومستمعوه إنما يستمعونه بالكلية ،باهلل ،فافهم !
وأما كلمات الحق تعالى ،فهى مخلوقاته في العالم العينى بالنون ،فكما أن المعنى الموجود في النفس من
الكلمة ،ال يسمى كلمة ،كذلك األعيان الثابتة ،في العلم اإللهي ،ال تسمي كلمات ،فلهذا سميت حروفا .
ولهذا قال سيدي الشيخ محيي الدين بن العربی شعرا :
كنا حروفا عاليات لم نقل .… متعلقات في ذرى اعلى القلل
انا انت فيه ونحن انت وانت هو ..… والكل في هو هو فصل عمن وصل
وكما أن المتكلم بالكلمة ،البد أن تكون عين تلك الكلمة -قبل ذلك –
موجودة في علمه ،كذلك .
الحق تعالى يعلم المخلوقات قبل إيجادها.
تخصيص الكلمة بالظهور على نسق معین -كذلك الحق ،سبحانه وتعالى ،البد للموجود من ارادة ايجاد
الحق له .
وكما أن الكلمة البد لها من نفس خارج بها من المصدر الى محل تكوين الحروف -كذلك صفة القدرة ،البد
من تعلقها بالمخلوق ليوجد في العالم .
وكما أن الكلمة ،البد من التلفظ بها بالفهوانية -كذلك كلمة الحضرة ،البد من توجيهها إلى ما يريد هللا تعالى
إيجاده .
وذلك لقوله تعالى " :إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ".
فالبد للمخلوق :من تعلق اإلرادة ،والقدرة ،وكلمة الحضرة -بإيجاد ،فحينئذ يوجد.
وقد بسطنا القول في التجليات الكالمية ،في كتابنا الموسوم ب " االنسان الكامل" ،وتحدثنا عليها بعبارة
أخرى ،من غير تلك الجهة ،في الكتاب الموسوم ب " قطب العجائب ،وفلك الغرائب " .
ومن تجلى هللا عليه في هذا المنظر :علم حقيقة قول
القائل :الكالم صفة المتكلم ،وشاهد كشفا وعيانا :صورة الموجود بما هي عليه .وحقق وجودا ويقينا .
أن روحها القائم بها هو هللا تعالى .
صاحب هذا المنظر :
يكون عنده علوم تنوعات التجلي ،والتحول في الصدر .فال ينكره اذا تحول في صورة التنكر يوم القيامة ،
كما ينكره من ال يعرفه ،بهذه المعرفة ،عند تحوله في غير صورة المعتقد .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بمعارفه عن ذاته ،وشغله بتجلياته عن االتصاف بصفاته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( :1 )1الحلق .د :الحروف )2( .د :المعنى .
( )3يعرف الكاشاني ( الحروف العاليات ) فيقول :
« الحروف العاليات :يعنون به أعيان الكائنات من حيث تعينها في أعلى مراتب التعيينات ،الذي هو الوحدة.
فان الكائنات هنالك إنما هي شؤون الذات التي ال يصح فيها تكثر في ذاتها ،وال تكثير لغيرها ،الستحالة
ذلك في الوحدة الحقيقية ،مع اشتمالها على جميع ما يظهر عنها ،فتسمى نسب تعيينات المبدعات في هذه
المرتبة العلية :بالحروف العلوية ،وبالحروف العاليات .
وهذا هو معنى قول الشيخ في كتابه المسمى ب ( المنازل االنسانية ):
104
انا انت فيه ونحن انت وانت هو .… والكل في هو هو فصل عمن وصل
وذلك الستحالة الكثرة في أول الرتب لمنافاة الوحدة لها . » .
أنظر ( :لطائف األعالم ).
وانظر نفس المادة في ( اصطالحات الصوفية ) ،مع التعليقات الجيدة للمحقق .
المقصود بالفهوانية ،هو « :خطاب الحق بطريق المكافحة في عالم المثال »
انظر :لطائف ،واصطالحات ،والكمشخانوی .
105
المنظر السادس والسبعون منظر الصورة
التجليات الحق تعالى صوره ،تظهر منها عليهم ،أعني على عباده ..
وهي غير مكيفة ،وال محدودة ،وال مشبهة -بل على ما يقتضيه كماله .
وهذه الصورة التي للتجليات ،ليست صور المعتقدات ،بل هي صور(ة) التجليات ،كما ورد في قوله " :
رأيت ربي في صورة كذا وكذا ..الحديث " .
وله تجل في صورة المعتقدات ،وهي أيضا ليس جميعها على حال واحد -بل تتنوع على قدر معتقدات العباد
.فصورة تجليه عليهم ،على نفس المعتقدات والعقائد .فالعقيدة مظهر ،والمعتقد به ظاهر في المظهر .
فإذا تحول في صورة معتقده ،بنكره من كان معتقده في هللا ضد تلك الصورة .
مثاله :
الحنبلي يعتقد التجسيم.
واألشعري يعتقد التنزيه .
فإذا ظهر على األشعري ،من حيث معتقد الحنبلي ،بان برزت أنوار كماله في صورة تجسيم -عرفه بها
الحنبلي ،وأنكره االشعری .
وكذلك لو ظهرت انوار كبريائه في مطلق التنزيه ،على ما يقتضيه التجلی األقدس -عرفه بها األشعري ،
وأنكره الحنبلي .
والمعتقدات بعضها أعلى من بعض ،حتى أن بعض من بعتقد له جميع الصور ،لو برز له على بخالف
المعتقد الذي له -أنكره.
وقال :البد له من حيطة جميع صور المعتقدات ونسبتها إليه .
وهللا تعالى كذلك ،ومن وراء خلك ،وبخالف ذلك .
وال يبعد عليك معنی تنوع تجلياته ،في صورة المعتقدات .
اال تراهم اليوم في الدنيا :كيف ينكر بعضهم معتقد بعض ،وال يعرف هللا تعالى إال من حيث معتقد نفسه .
كذلك في الدار اآلخرة ،تظهر هذه المعاني صورا .
فهذه صور تجليات المعتقدات ،وهي خالف صور التجليات االلهية ،التي هي له ،ولو لم يكن ثم خالف ،
لكنها ليست من هذا القبيل .
فأولياء صور التجليات اإللهية ،أعلى من أولياء تجليات صور المعتقدات ،ولو كانت ايضا الهية .
فان التفاوت عظيم :فاهل صور التجليات االلهية ،تبرز لهم اوال :الكماالت االلهية ،في هيئة تقتضي
صورة من صور التجليات ،غير مشبهة ،وال محدودة .
فيتبعون ذلك المقتضى ،إلى أن تتجلى تلك الصورة الكمالية لهم ،على حسب ما علموه ،من مقتضى
الكماالت االلهية .
فهم سائرون في عالم الجبروت ،بحكم ما تقتضيه الصفات االلهية .
فعقيدة هذه الطبقة ،أعلى من طبقة أهل المعتقدات ،وانزل من األفراد ،فهي الطبقة الوسطى .
آفة هذا المنظر :
هو احتجابهم بالصور عن المعاني التي ال تدخل تحت حکم التصوير ،وكل معنى يدخل في صورة فهي
داخلة في حكم التصوير.
وكال الطائفتين محجوبون بالصور عن المعاني االلهية .
وهذا نقص والحق من وراء ذلك .
106
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر الجيلى هذا الحديث في مواضع عدة في كتابه ( اإلنسان الكامل ) ،انظر ج 2ص « 4رای ربه في
صورة شاب امرد على سرير من كذا وكذا ..الحديث » وقد أشار اليه كذلك في المنظر الرابع عشر
( التمكين ).
والحقيقة أنه ال وجود له في كتب الحديث المصدرية ،وقد ناقش االمام البيهقي في ( األسماء والصفات )
استحالة أن يكون للبارئ صورة ،وإال كان مخلوقا .
انظر :المصدر السابق ،باب ما ذكر في الصورة ،ص . ۲۸۹فالحديث إذن ليس له وجود إال في دوائر
صوفية مدرسة ابن عربی .
107
المنظر السابع والسبعون منظر المعنى
صور الموجودات جميعها لها معنى منسوب إلى هللا تعالى .
وهو في نسبته إلى الحق ،منزه أن يكون حادثا.
فالحق تعالى هو القائم بمعنی صور الموجودات ،و المتجلي فيها ،بغير حقول ،وال مزج ،بل كما هو اهله
.
اعلم أن هذا المنظر ،وإن سمي بالمعنى ،فليس هو مطلق المعنى .
بل هو اسم منظر مخصوص من المتجلي ،لواجب الوجود ،الظاهر بمعاني الكمال ،في سائر صور
الوجود.
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،على أوليائه ،فيعرفونه ،بمعرفة دقيقة ،تجل عن العبارة ،إذ هي من
التجليات االلهية ،المعروفة عند أهلها ،بتجليات المعنى ،ال صورة لها .
فتأخذهم الحيرة ،في هذا المشهد ،ولهم فيه هيمان مخصوص ،ال يعرفه غيرهم.
آفة هذا المنظر :
هو احتجابهم بالمعاني الكمالية ،عن الذات اإللهية .
108
المنظر الثامن والسبعون منظر المعارف
هو تجليه على عباده في األسماء والصفات ،التي تعرف بها إليهم .
فاذا تجلى بها ،عرفه عباده .
فمشهد تجلیات سائر األسماء والصفات ،التي هي بأيدينا ،هي منظر المعرفة .
آفة هذا المنظر :
على الحاصل فيه ،هو احتجابه بما يعرفه من األسماء والصفات ،عما استأثر به لنفسه في غيبه .
109
المنظر التاسع والسبعون منظر التنكير
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،باألسماء والصفات المستأثرة عنده ،ويطلقها للعبد عن القيد ،فيعرفه
العبد بها .
وهي داخلة تحت ما أشار اليه الحديث بقوله " :بكل اسم هو لك ،استأثرت به في علم الغيب عندك ،أو
علمته أحدا من خلقك " .
فمن األسماء المستأثرة ،ما يجوز تعليم الحق اياه لخواص عباده .
اعلم أن األسماء الحسنى ،التي هي اسماء اإلحصاء ،وغيرها ،جميعها -هو ما تعرف به إلينا من األسماء
والصفات ،فيما يتجلى بها على عبده .
والمستأثرة :
هي عبارة عن األسماء والصفات التي لم يتعرف إلينا بها .
وهي له ،يتجلى بها على من يشاء من عباده ،فهي مستأثرة عنده ال يعلمها إال هو ،ويعلمها من يشاء من
عباده .
وشممت رائحة من هذا المحل ،فحصلت في تجلي له بأيدينا اسم .
فقلت :يارب ! ما اسم هذا التجلي ؟
فقال لي :اسم
وقتك ،وحالك الظاهر ،الذي أنت فيه ،اسمه .
ففهمت ما أراد ،وفتح لي إلى علم المستاثرات بابا .
آفة هذا المنظر :
هو نقص ما تعلمه بما تعلمه ،فإن كل ما علمك بما استأثر به عنده ،إنما هو مما استأثر به سواك ،ال عنك
-كان ما استأثر به عنك ،غير ذلك .
فأنت حاصل في المستأثر ،غير حاصل فيه ،عالم به ،جاهل عنه ،وذلك من لوازم النقص والحجاب .
110
المنظر الثمانون منظر المعية
يتجلى الحق تعالى على العبد ،في هذا المنظر ،فال يفارق الحق ،أعني :ال يفارق حضرة شهود التجليات
االلهية ،واال فما ثمة فراق ،وال وصال .
فهو مع هللا أينما كان العبد .
واما قوله " :وهو معكم أينما كنتم " -فإن هذه المعية ،المذكورة في اآلية ،بخالف ذلك .
ألن هذه المعية منسوبة الى هللا تعالى ،وليس للعبد فيها شيء .
فهى ولو كانت أعلى في مرتبة الوجود ،لنسبتها إلى هللا تعالى ،فإن من كان مع هللا ،كان أشرف من مطلق
كل من كان هللا معه .
ألن هللا تعالى واسع عليم ،فهو مع الغافل ،ومع الحاضر .
وأما العبد فال يكون مع هللا اال على الحضور .
فمعية العبد مع هللا هنا ،أعلى من مطلق معية هللا مع العبد ..
ألن األول ال يخلو من الثاني ،والثاني قد يخلو من األول .
أعني :معية الحق قد تخلو من معية العبد ،ومعية العبد ال تخلو من معية الحق .وثم وجه ثان ،يكون من
كان هللا معه ،أفضل ممن كان مع هللا .
ألن من كان مع هللا ،حاصله :أنه حاضر معه سبحانه ،في تجلياته ،غير غافل عنها.
ومن كان هللا معه ،حاصله :أن هللا قد صار مع العبد التصافه بصفاته كلها ،فهو معه ال يفارق اتصافه .
ومن ثم قيل " :يدور الحق مع عمر حيث ما دار " .
ولسنا نعني هذه المعية ،بل نعنى المعية المطلقة ،المذكورة في اآلية ،بقوله " :وهو معكم أينما كنتم" .
آفة هذا المنظر :
وجود االثنينية في المعية ،أو حصول االتحاد .
وهللا تعالى منزه عن الشرك واالتحاد ،تعالى الواحد سبحانه وتعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد في سنن أبي داود « :جعل هللا الحق على لسان عمر وقلبه » امارة ، ۱۸وكذلك سنن الترمذي :مناقب
19 : 17
111
المنظر الحادي والثمانون منظر العندية "بالنون"
العندية :عبارة عن حضرة العلم اإللهي .يتجلى هللا ،على أهل هذا المنظر ،بما يعلمه لنفسه ،فهم عنده في
علمه .
فتجليه على هذه الطائفة أعلى من سائر التجليات على العباد .
آفة هذا المنظر :
احتجابهم بتجلياته عن تجلياتهم ،فيما اتصفوا به من الكماالت ،وتحققوا به من األسماء والصفات .
112
المنظر الثاني والثمانون منظر أستغفر هللا
يتجلى هللا تعالى ،في هذا المنظر ،على العبد ،بتجل ،يستتر فيه وجود العبد ،فيغفر ذات العبد ،أي :
يسترها بذاته .
فال يشهد في الوجود إال هللا وحده .
ومن التجليات المختصة بهذا المنظر ،ما يستر ،فيغفر صفات العبد بصفات هللا ،وأسمائه بأسمائه .
فتكون ذاته موجودة ،ولكن ليس له اسم وال صفة ،بل أسماء هللا تعالى وصفاته .
من التجليات المختصة بهذا المنظر ،ما يستر ،فيغفر أفعال العبد بأفعال هللا وصفاته من التجليات :فال يرى
فاعال في الوجود إال هللا في الخير والشر.
يشهده العبد عند وقوع الفعل فهو حاضر مع الفاعل بما فعل .
ومن التجليات المختصة بهذا المنظر ،ما يستر ،فيغفر قبائح األشكال والمعاني بالحسن المطلق .
فال يرى العبد إال حسنا في العالم بأسره.
وأعلى تجلیات هذا المنظر ،ما يستر ذات العيد أعني :وجوده .
فقال القائل شعرا :
وجودك ذنب ال يقاس به ذنب .… فغفرانه أعظم الغفران
وانزل من ذلك :ما يستر به ،فیغفر الصفة ،فاالسم ،فالفعل ،فالقبح ،فالذنب -وهو حظ سائر العوام من
الناس .
آفة هذا المنظر :
هو دعواك الوجود من دونه ،فلو لم تكن مدعيا لذلك ،لما احتجب الستر .
هذا لمن هو في مقام الفناء ،وهو في مقام البقاء ،نقص ايضا .
ألن الستر الذي هو الغفران :حجاب ،والمحجوب ناقص .
113
المنظر الثالث والثمانون منظر سبحان هللا
في هذا المنظر :يتجلى هللا تعالى على العبد بتجلي ،تتعشق به حضرة التنزيه ،ويتعشق بها .
فال يدخل قلبه الكون ،وال يلحق به نقص ،وال ينتمي إليه تحديد وال حصر .
فيه :يجحد الولي أباه واألبناء ،ويفقد أعداءه واأللداء ،وينكر حكم العناصر عليه ،وينفي وقوع حكم القبلية
والبعدية عليه .
من تجلى هللا عليه ،في هذا المشهد ،أقام منزه الذات ،مقدس الصفات ،ال يلحق به شيء من لوازم
المحدثات .
فيه قال اإلمام أبو يزيد "البسطامي" رضي هللا عنه " :سبحاني ما أعظم شاني".
آفة هذا المنظر :
احتجابه بالتنزيه عن التشبيه ،ووقوفه مع العز عن درجة العجز.
وذلك في حق الولي نقص وحجاب ۰
114
المنظر الرابع والثمانون منظر الحمد هلل
هو أعلى المناظر المذكورة ،في هذا الكتاب جميعها .
فيه يتجلى هللا على العبد ،بتجل ،يحمد هللا فيه نفسه بنفسه ،عن العبد.
وحمده لنفسه :تجليه فيما يستحقه من الكماالت االلهية ،والشؤون الذاتية ،والمقتضيات الصفاتية ،باعطاء
كل شيء حقه .
في هذا المنظر :
يشهد العبد حقائق الكماالت االلهية ،متصفا بها ،وذلك من حيث اعطاء الحق حقه .
وفي هذا المنظر :
يعلم العبد كيفية االتصاف ،ويجد لذة األلوهية سارية فيه ،وبسريانها يتجلى بالعظمة والكبرياء ،متصفا
بها .
وفي هذا المشهد من التحف والطرف ما ال يسع هذا العالم ذكره .
والقائم في هذا المشهد ،هو القائل ،من حيث الحال " :أنت كما أثنيت على نفسك ".
وهذا معنى قولي في أول هذا المنظر :
ان هللا تعالى يحمد نفسه بنفسه عن هذا العبد .
آفة هذا المنظر :
قصور العبد عن أداء الحمد ،ألنه القائل ،حاال و مأال " :ال أحصي ثناء عليك " والعاجز محجوب قاصر .
115
المنظر الخامس والثمانون منظر ال اله اال هللا
يتجلى هللا على العبد ،في هذا المنظر ،بتجل ،تضمحل فيه األكوان فتنعدم رأسا ،وينعدم وجود العبد .
في هذا المشهد :يكشف هللا تعالى حقيقة "كان هللا وال شيء معه ،وهو اآلن على ما عليه كان " .
فيكون هللا كما لم يزل ،ويكون العبد كما لم يكن .
فيه يقول الحق تعالى " :لمن الملك اليوم ".
فيجيب نفسه بنفسه " :هلل الواحد القهار ".
يعنی " :الواحد" من غير مشاركة موجود ثان .
"القهار" :الرب قهر الموجودات ،بظهوره عليها ،فانعدمت تحت سلطان جالله .
فالعبد في هذا المشهد :ممحوق ،مطموس ،معدوم ،ال وجود له .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بالحق عن الخلق ،وذهابه عنه به .
116
المنظر السادس والثمانون منظر هللا أكبر
تتجلى المعاني االلهية الكمالية على العبد في هذا المشهد ،وهو مع الذات ،وكلما تجلى عليه بصفة
كمال،رجع عنها الى الذات بما هو أكمل ،ونفي الصفة األولى .
ال تزال تبدو عليه بوادى الكماالت ،شيئا فشيئا .
وهو كلما تحقق بصفة ،امتنع من قبولها ،بشهود ما هو أعلى ،فال يزال هذا دأبه .وفي هذا المشهد :
رأيت اإلمام أبا الحسين النوري رضي هللا عنه ،وفيه مات ،وعليه قبض.
وهو كان حاله في سماع البيت :
مازلت أنزل من ودادك منزال ..… تتحير األلباب دون نزوله
و رأيت معروف الكرخي فيه أيضا ،هو وجماعة من المشايخ ،رضي هللا عنهم .
آفة هذا المنظر :
هو احتجاب العبد عن سائر الصفات بما هو األعلى فاألعلى .
والكامل شامل ومحيط ،وهللا ال نهاية له .
والمقتصرـ على وجدان صفة من ذات الحق ،دون غيرها -محجوب عما سواها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو أحمد بن محمد أبو الحسين النوري ،بغدادي المولد والمنشأ ،خراسانی األصل ،يعرف بابن البغوي .
كان من أجل مشايخ الصوفية في عصره .توفي عام 295هـ .
.انظر :طبقات السلمی ،ص . 169 - 164وانظر مصادر ترجمته التي أوردها المحقق في الحاشية.
* ورد هذا البيت على هذا النحو في كتاب نشر المحاسن اليافعى اليمنى ،ص 313
*أما السراج الطوسي في ( اللمع ) فيستبدل « عند » بـ « دون » في عجز البيت فيقول " :تتحير األلباب
عند نزوله ".
ويحكي السراج ما حصل للنوري عند سماعه هذا البيت ... « :فقام ،وتواجد ،وهام على وجهه ،فوقع في
اجمة قصب قد كسحت وبقي أصولها مثل السيوف .فأقبل يمشي عليها ،ويعيد البيت الى الغداة ،والدم
يخرج من رجليه ،ثم ورمت قدماه وساقاه ،وعاش بعد ذلك أياما قالئل ومات » ص . 363
*هو أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي .
من كبار الصوفية ،صنفه السلمي في الطبقة األولى ،كان استاذا للسري السقطي ،توفي عام 200هـ .
انظر :الطبقات السلمی ،ص . 83
وقد نقل القشيري عن المسرى السقطي قوله « :رایت معروفا الكرخي في النوم ،كأنه تحت العرش فيقول
هللا عز وجل لمالئكته :من هذا ؟
فيقولون :أنت اعلم يارب !
فيقول :هذا معروف الكرخي !
سكر من حبى ،فال يفيق إال بلقائي » .
انظر :الرسالة القشيرية ،ص ۰10
والسكر الروحي إحدى ثمرات السماع ،ومن هنا فإن الكرخي ينطبق عليه ما ذكر بشأن النوری .
117
المنظر السابع والثمانون منظر ال حول وال قوة اال باهلل العلى العظيم
يتجلى هللا تعالی ،بتجل ،يسلب فيه :قواه ،وحوله ،وقوته ،وقدرته ،وفعله ،وحركته ،وإرادته ،فهو
مسلوب الحول ،والقوة ،والقدرة ،فالفعل ،واإلرادة ،والحركة -لظهور عظمة العلی تعالى فيه .
يقول سيد أهل هذا المقام " :وما أدري ما يفعل بي وال بكم ".
وفي هذا المنظر :تكون تجليات األفعال مشهودة للعبد ،فيكون مع هللا تعالى بواسطتها .
ومن ثم ،يقال لصاحب هذا المشهد :قم !
فيقول :ال اقدر ..
تكلم ؛ فيقول :ال أعلم ..
اسمع ! فيقول :ال افهم ! .
ما كان ؟! فيقول :ال أدري ..
ومع هذا كله تصدر األفعال منه ،وانت تشهدها تجرى عليه ،وهو يرى عن فاعليتها .
فلو رايته ياكل شيئا ،وقلت له :انت تاكل كذا وكذا !
لقال :ال !
وأقسم أنه لم يأكل ،ولم يفعل شيئا ،لدهشته بفعل هللا تعالى ،وشغله بذلك ،عن فعل نفسه .
فال يعلم لنفسه فعال :إذ ال ارادة ،وال قوة ،وال قدرة ،وال حول ،وال فعل له .
فال يشهد أفعال العالم جميعها إال باهلل تعالى ،وال ينسب إليه ،من تلك الحركات والسكنات ،شيئا .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بتجليات األفعال ،عن تجليات األسماء والصفات .
وقد وضعنا لكل من ذلك بابا ،في كتابنا الموسوم بـ " االنسان الكامل في معرفة األواخر واألوائل " .
وتحدثنا عن هذه التجليات بحديث ،لم يفصح احد من العارفين عنه ،ولم يسمح به في مصنفاته .
ذكرنا ذلك في كتابنا الموسوم بـ " قطب العجائب ،وملك الغرائب " .
118
المنظر الثامن والثمانون منظر المالئكة المهيمين
هللا مالئكة مهيمون في مناظر التجليات االلهية :
فمنهم من دهش ،ومنهم من ضعف ،ومنهم المشاهد ،والمتكلم ،والمتحرك ،والساكن .
وهم كلهم من المأل األعلى ،ليسوا عنصريين ،وال موجودين من الطبائع .
بل هم انوار مجردة ،خلقهم هللا تعاني من نور اسمائه وصفاته ،وكل من خلق من نور اسم ،فهو مهيم فيه ،
ال يعرف هللا إال به ،وال يعرف إال به ،وال يعرف غير ذلك االسم .
رأيت في هذا المشهد :خلقا من هذا النوع الكريم ،ال يمكن شرحهم ،قد البسهم هللا تعالى مالبس الهيبة
والعظمة ،فال يراهم أحد اال ويخرج عن حاله ،إلى حال آخر .ورأيت لهم مائة ملك مقدمين عليهم ،ورأيت
عليهم مقدما -كلهم تحت حيطة اسمه القائل له مع كل ملك وجه خاص .
ولهذا الملك من التمكنات والحيطة ،واالتساع -ما ال يمكن شرحه .
وهو الملك المسمى بالروح ،في قوله تعالى " :يوم يقوم الروح والمالئكة صفا ".
فيكون هذا الملك وحده صفا ،وباقی المالئكة جميعا صفا .
وقد بوبنا له بابا ،شرحنا فيه عجائبه ،وغرائبه ،في كتابنا الموسوم بـ " االنسان الكامل " .
وفي هذا المنظر :
رایت جماعة من األولياء ،كل شخص مع ملك ،ذلك اال احدهما أو كالهما .
وفي هذا المنظر من عجائب آثار هللا ،ما ال يمكن شرحه .
آفة هذا المنظر :
احتجاب العبد فيه ،بما هو عليه من الحق تعالى ،عن بواقي الكماالت اإللهية .
119
المنظر التاسع والثمانون منظر العرش
عرش الرحمن :هو الربوبية النافذة في حق الوجود المطلق ،باحدية الوجود ،الساري فيه .
فيتجلى فيها :جماال وجالال ،بالبسط ،والقبض ،والعطاء ،والمنع ،وااليجاد ،واالعدام .
يتجلى هللا تعالى على العبد ،في هذا المنظر :بتجل يتمكن فيه العبد من العالم الكوني .
فيفعل ما يشاء ،كما يريد .
فحينئذ يستوي العبد ،أعني :روحه المقدسة -على عرش األسماء والصفات :فيتصف بما شاء من الصفات
،ويترك ما شاء مدخرا في الذات .
أعني :يظهر أثر ما شاء ،ويخفى أثر ما شاء ،فافهم !
واعلم أنا لم نتعرض لذكر العرش المطلق المذكور باالحاطة للوجود ،ولكن أحلنا معرفته على قلبك .
وقد ذكرنا في " اإلنسان الكامل " جميع ذلك ،فاطلبه هنالك .
فافهم ! وافهم ! حتى تفهم ما يفهم !
آفة هذا المنظر :
احتجاب العبد عن تجلی االلهية ،بتجلى الربوبية .
120
المنظر التسعون منظر الكرسي
من تجلی هللا عليه في الكرسي ،اتصف من هللا تعالى بسائر الصفات المتقابلة الفعلية ،وبها يكشف له عن
تجلی القدمين والنعلين ،قبضا وبسطا ،ونعمة ونقمة ،وهيبة وانسا .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بإتصافه بالصفات الفعلية ،عن االتصاف باالسماء الذاتية .
121
المنظر الحادي والتسعون منظر القلم األعلى
هو نور مخلوق من حضرة اقتضاءات األسماء والصفات ،الظهور مؤثراتها لظهور األثر .
يتجلى هللا تعالى على العبد ،في هذا المشهد ،بتجل علمی ،فيه بحكم الولي على الموجودات بما تقتضيه
صفات الحق تعالى فيها ،من االقتضاءات المختلفة .
وفي هذا المشهد :بتعرف العبد بالعقل األول ،فيدركه حقيقة اإلدراك ..
وال يعرف هذا ،غير الرجل الحاصل في هذا المنظر ،ما هو العقل األول ،على حقيقة ما ينبغى .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بمقتضيات الصفات ،عن مقتضيات الذات .فعلم مقتضيات الصفات ،هي المعبر عنها بالكتاب
المبين .
وعلم مقتضيات الذات :هي المعبر عنها بأم الكتاب " يمحو هللا ما يشاء " من علم مقتضيات الصفات ،بعلم
مقتضيات الذات.
"وعنده أم الكتاب" يعني :علم مقتضيات الذات .
122
المنظر الثاني والتسعون منظر الكون
اعلم أن الكون عبارة عما :سوى هللا تعالى .فكل ما في الوجود مما سوى هللا تعالى ،يسمي كونا .
يتجلى هللا تعالى ،من حيث اسمه الظاهر ،للعبد .
في هذا المنظر ،فيشهد األكوان جميعا عين الحق .
وال يفرق بين شيء منها ،قد أسمعه هللا تعالى حقيقة قوله " :فأينما تولوا فثم وجه هللا " .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بالحق عن الخلق .
123
المنظر الثالث والتسعون منظر اللوح
اعلم ان اللوح مجمال :مجلى تعيين نبذة من علم هللا في المحدثات .
من تجلی هللا عليه ،في هذا المنظر ،تحقق بعلم ما كان ،وما سيكون ،الى يوم القيامة .
آفة هذا المنظر :
أن الناظر في اللوح ال يفصل من مجمالت علومه ،إال ما يلهمه هللا تعالى إلرادة تفصيله .
ويبقى ما ال يلهم تفصيله :مجمال .
فال يعلمه في الشهادة .
ولو سألته عنه ،قال :ال أدري ا
ويعلمه في عالم الغيب :حكما وجوديا .
وال يعرف ما قلناه ،إال من وقع في هذا المشهد .
124
المنظر الرابع والتسعون منظر سدرة المنتهى
سدرة منتهى العارفين :فناء األوصاف الكونية من ذواتهم ،ببقاء األوصاف االلهية ،واتصافهم بها .
فهذا غاية ما ينتهي إليه السالك في هللا تعالی .
آفة هذا المنظر :
بقاء االثنينية ،في عجزه عما ال يمكنه االتصاف ،به.
125
المنظر الخامس والتسعون منظر من انت ؟
يتجلى الحق تعالى على العارف بنجل يكشف له عن حقيقة ذات العارف .
فيقال له ،في هذا المشهد :من أنت ؟
فيقول ،ما قاله الحالج * ،وأبو يزيد "البسطامي"وغيرهما من أهل هذا المقام .
آفة هذا المنظر :
احتجابه بحقيقته ،عن أنيته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لعله يشير الى قولة الحالج المشهورة " انا الحق " ،وال يبتعد ابو يزيد البسطامي عن ذلك كثيرا
126
المنظر السادس والتسعون منظر من أنا ؟
يتجلى الحق سبحانه وتعالى ،في هذا المشهد ،بتجل يكشف للعبد فيه عن حقيقة الذات المقدمة .
فال يجد العبد إال ذات نفسه ،لذهوله عن الحيطة ،بشهود الحق تعالى ،ووجوده في آنية العبد .
وفي هذا المشهد ،يقول العبد :ما ثم إال أنا ! وحق ما قال ،وصحيح ما ادعى لكن أين مقام العبودية ،من
مقام الربوبية !
آفة هذا المنظر :
احتجاب بأنوار الربوبية عن آثار العبودية .
إشاراتنا ،ويعرف آفة ما فيها من عباراتنا ،إال من هو نحن ،ونحن هو ،فافهم !
واليه االشارة بقول الجنيد شعرا *:
فغنيت كما غنی وغنى لى مني قلبي ..…
وكنا حيث ما كانوا ..… وكانوا حيث ما كنا
ولقد أردف الشيخ العالم الرباني شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الرداد *هذه األبيات :بيتا ثالثا ،فقال شعرا :
…… .و ال بانوا و ال بنا فما بنا و ال بانوا
ولعمري أشار إلى معنى غریب ،لوال المقام مقام اإلشارة ،ألفصحنا عنه العبارة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وردت هذه األبيات لدى القشيري ،في المباني التالي ... « :سئل الجنيد عن التوحيد .فقال :سمعت قائال
يقول :
وغنى لى مني قلبي .… وغنيت كما غنی
وكنا حيثما كانوا .… وكانوا حيثما كنا
فقال السائل :أهلك القرآن واألخبار ؟
فقال :ال !
ولكن الموحد ياخذ اعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره » .
انظر :الرسالة القشيرية ،ص . ۱۵۰
* أحمد بن أبي بكر الرداد ،من كبار صوفية اليمن المعاصرين للجيلي ،ولد 15جمادى األولى عام 748
هـ .وتوفي في ذي القعدة عام 821هـ .
ترجم له ابن حجر في ( المعجم المفهرس ) ص ، 362وفي ( إنباء الغمر ) ج 3ص .178- 177
والسخاوي في ( الضوء الالمع ) ج ،1ص . 263 - 260
وذكر الجيلى أنه كان يتردد على بيت الرداد ،ويحضر مجالس المماع التي كان يقيمها .انظر ( :االنسان
الكامل ) ج 2ص . 39
127
المنظر السابع والتسعون منظر االشارة
أنت المراد بها على كل حال ،وهو المشار اليه في كل مقال .
أنت العين ،وهو الحكم .
أنت الوجود ،وهو الشهود .
انت الجوهر ،وهو العرض .
انت هو ،وهو انت .
أنت الموصوف ،وهو الصفة ،لكنه الموصوفـ ،وانت األثر .
هو األم ،وأنت الولد.
لكن أنت الروح وهو الجسد.
انت حاصل كنوزه ،انت معنى رموزه ،انت صریح ملغوزه -هذا كله منك وفيك ،وهللا يتعالی عن اإلشارة
والعبارة ،وهو الكبير المتعال .
فاشحذ فهمك ،وجرد همك ،و افتق ما رتقناه عليك ،ليسهل فهم ما أشرنا إليك ،كالمنا ال يفهم ،وحالنا ال
يعلم « :ای جنان ای دوست » وهي جملة بالفارسية تعني « هكذا يكون ايها الصديق » .
عدم استيفاء أداء األمانة ،وال وقوع لصاحبه في خيانة لم يكشف لك برقع هذه العبارة ،ألن الكالم عن
الحقائق باالشارة .
وال يفهم إشاراتنا ،ويعرف آفة ما فيها من عباراتنا ،إال من هو نحن ،ونحن هو ،فافهم !
ولقد أردف الشيخ العالم الرباني شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الرداد هذه األبيات :بيتا ثالثا ،فقال شعرا :
…… .و ال بانوا و ال بنا فما بنا و ال بانوا
ولعمري أشار إلى معنى غریب ،لوال المقام مقام اإلشارة ،ألفصحنا عنه العبارة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذه عبارة باللغة الفارسية ،معناها « :هكذا يكون ايها الصديق » .
* وردت هذه األبيات لدى القشيري ،في المباني التالي ... « :سئل الجنيد عن التوحيد .فقال :سمعت قائال
يقول :
وغنى لى مني قلبي .… وغنيت كما غنی
وكنا حيثما كانوا .… وكانوا حيثما كنا
* 15أحمد بن أبي بكر الرداد ،من كبار صوفية اليمن المعاصرين للجيلي ،ولد 15جمادى األولى عام
748هـ .وتوفي في ذي القعدة عام 821هـ .
ترجم له ابن حجر في ( المعجم المفهرس ) ص ، 362وفي ( إنباء الغمر ) ج 3ص .178- 177
والسخاوي في ( الضوء الالمع ) ج ،1ص . 263 - 260
وذكر الجيلى أنه كان يتردد على بيت الرداد ،ويحضر مجالس المماع التي كان يقيمها .انظر ( :االنسان
الكامل ) ج 2ص . 39
واخيرا انظر دراستنا عن الجيلي :ج ۱ص ۹۳وما بعدها ز اخوانه في الطريق الصوفي )
129
المنظر الثامن والتسعون منظر البهت*
يتجلى هللا تعالى على العبد بتجل يذهب فيه لبه ،و يزيل عقله ،وتنعدم فيه معارفه ،فيبهت مصطلما ،تحت
نوار وجدان الحق تعالى .
وهذا التجلي المخصوص تجلی ذاتی ،ليس لالسماء والصفات التي تعرفها ،فيه محرج وال مسرح .
ومن الفحول من يحفظ هللا عليه عقله ،في هذا المشهد ،لكنه يكون مبهوتا :ان سالته ،لم يستطع الجواب ،
وان خاطبته لم يقدر على الخطاب .
فعجزه إنما هو من حيث قدرته ,ال من حيث ذهاب العقل ,حتى أنه لو أراد أن يرفع طرفه من محل الى
غيره ،لم يستطع في غالب أوقاته .
وفي هذا المشهد :
رأيت رجال من الشيوخ ببلدة تسمی األنفة ،هو الفقيه األجل العارف جمال الدين محمد بن إسماعیل بن
المكدش* ،نفع هللا به !
توفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بقرية المذكورة .ورأيت من هذا المذكور ،في زيارتي له أيام بدایتی -
بركات كثيرة .
آفة هذا المنظر :
هو العجز الظاهر على روحانية هذا العبد ،فإن الكامل ال يبالي بما عسى ان يتغشاه من أنواع التجليات .
ألن هللا قد كمل ذاته ،فهو مستعد کامل ،لما يرد عليه من ذلك الجناب .
والعاجز ناقص ومحجوب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بهته الشيء بهتا :أدهشه وحيره .بهت فالنا بهتا ،و بهته ،وبهتانا :قذفه بالباطل .
انظر :المعجم الوسيط ،ج ،1مادة بهت .
والمقصود هنا هو المعنى األول :أي الدهشة والحيرة .
*هو أبو عبد هللا محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن يوسف المكدش ،صوفي يمني معاصر للجيلي ،كان
يقطن بقرية ( األنفة ) ،من قرى وادي سهام .
ترجم له الشرجي اليمني وذكر أنه توفي عام 778هـ.
ولكن الجيلي هنا يذكر تاريخا آخر لوفاته 789هـ
130
المنظر التاسع والتسعون منظر وان من شيء إال عندنا خزائنه$
يتجلى هللا تعالى على العبد بتجل يكشف له فيه عن مفاتيح الغيب ،التي أودعها هللا تعالى في اإلنسان
الكامل ،فيفتح بها اقفال غيب ذاته ،فيلج في خزائن الملكوت ،ويرى ما أودع هللا فيها من أسرار
الجبروت ،ما ال يدخل تحت الحد ،وال يعرفه اال هللا تعالی .
وحينئذ يعلم حقيقة قوله تعالى " وإن من شيء إال عندنا خزائنه".
من تجلى هللا عليه ،في هذا المنظر ،حل رموز العام من ذات نفسه ،وعالم هيكله ،بجميع ما فيه ،كل ذرة
منه ،روحانية عالم من العوالم الوجودية الشهادية .
فإن أراد تدبير ذلك العالم ،أو تحريکه ،حرك من نفسه ذلك الرمز ،الذي هو روح ذلك العالم ،فتحرك
أجزاء ذلك العالم ،في عالم الشهادة ،والملك والملكوتـ ،بتحريك ذلك الرمز ،فإن الجسد تابع للروح .
وفد علمت أن ذرات وجود االنسان الكامل أرواح لسائر الموجودات .
وقد وضعنا لمعرفة هذه الرموز ،التي في اإلنسان الكامل ،كتابا سميناه ( قطب العجائب ،وفلك الغرائب ).
وبسطنا القول في ذلك مما أذن لنا واعلمنا .
واعلم أنه لم يضع ذلك العلم احد في كتاب قبلنا فالحمد هلل على أن جعلني اول واسع لذلك العلم االلهي في
عالم الشهادة .
ليستدل من ذلك الكتاب ،في هذا الفن ،من أيده هللا تعالی بروح منه ،وجعله من عباده المقربين .
وقد تحققت بهذا المشهد في سنة ثالثة وثمانين وسبعمائة .
آفة هذا المنظر :
وقوفه مع الرمز والرموز ،وتحريك المخلوق بالمخلوق .
وليس الفخر اال في تحريك العالم باهلل تعالى .
وهذا حجاب صاحب هذا المشهد ،آن اقتصر على ظاهره ،وهللا أعلم .
131
المنظر المائة منظر كن فيكون
اول ما يتصف العبد بالتكوين في عالم الغيب ،فيكون األشياء في الملكوت ،وال يستطيع على تكوينها في
الملك .
فمثله مثل أن يستطيع تصوير الخياالت في عقله وال يقدر عليها في محسوسه .
فاذا استقام رجله ،في هذا المنظر ،ثم اتصف حما ،بصفتي القدرة واالرادة -تجلی هللا تعالى عليه بتجلى
الهي يكسبه نفوذ األمر في عالم األكوان جميعها .الغيبية والشهادة .
حينئذ يقول للشيء :كن فيكون ! غيبا وشهادة .
والناس في هذا المقام متفاوتون - :فمنهم من يظهر أثر أمره على الفور .
-ومنهم من يتاخر ظهور أثر أمره ،لسر يريده هللا تعالى .
وأمر نافذ بقدرة هللا تعالى ،وإرادته .
آفة هذا المنظر :
هو ادعاء العبد ما ليس له ،ألن مقام التكوين للرب تعالى ،ومقام الكون للعبد .
فإذا قال العبد لشيء :كن ! فكان
فقد ادعى مقام الربوبية وليست له .
وكل مدع ما ليس له :فهو كذاب.
وتحت هذه الكماالت إشارات ،يعرف أهلها ما هي ،والسالم .
132
المنظر الحادي بعد المائة منظر العجز عن درك اإلدراك إدراك*
في هذا المنظر :سئل الجنيد ،رضي هللا عنه ،عن النهاية ،فقال « :الرجوع الى البداية ».
ألن العبد مخلوق من العدم ،والعجز
الحق بالعدم فاذا رجع ،بعد تحصيل الكماالت اإللهية ،الى العجز والعدم -فقد صار على طرف النهاية .
يتجلى الحق تعالى ،في هذا المشهد ،بتجل يكشف فيه للعبد ،عما اودعه في روحه من الكماالت اإللهية ،
التي يعجز الكون ،بما فيه ،عما فيه -عن حمله .
فإذا أشرف عليها شم ،بقوة األحدية ،ما فاته من علم ما فيه ،من تلك الكماالت االلهية ،واالتصاف بها .
فلم يدركها ,إذ ال يمكن درك ما ال يتناهى .
آفة هذا المنظر :
لحوق العجز بالولى في مقام الكمال االلهي .وما ذلك إال نقص ،ألنه قابل صفات هللا تعالى بذات نفسه .
فلو قابلها بذات هللا تعالى ،لما قال بالعجر ،ألن هللا تعالى ال يلحق به عجز ،فهو الكمال المطلق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذه العبارة المشهورة في األوساط الصوفية تنسب لسيدنا أبي بكر الصديق .ويذكر ابن عربی هذه العبارة
في سياق حديثه عن العلم فيقول “ :فإن قيل لك :فما هو العلم ؟
فقل :العلم هو درك المدرك على ما هو عليه في نفسه ،إذا كان دركه غير ممتنع ،وأما ما يمتنع درکه ،
فالعلم به هو ال درکه ! “
كما قال الصديق ( :العجز عن درك اإلدراك ادراك )
فجعل ،رضي هللا عنه ،العلم باهلل هو :و ادراکه .فاعلم ذلك .
ولكن ( الدرکه ) من جهة كسب العقل كما يعلمه غيره ،ولكن ( درکه ) مر جوده وكرمه ووهبه ،كما
يعرفه العارفون أهل الشهود . ،
من قوة العقل من حيث نظره » .الفتوحات ،ج ، 2ص . 85 - 84
وواضح ان ابن عربی أن كان يرى ادراك هللا مستحيال عن طريق العقل ،فهو :سمح بهذا االدراك عن
طريق الشهود للعارفين کرما من هللا وجودا .
والجيلى ال يوافق على ذلك ،بل يري ان االدراك مستحيل ،إذ ال يمكن درك ما اليتناهى .
ومهما يكن من أمر ،فالعبارة السابقة اقتبسها الصوفية بصيغ مختلفة :فنسب إلى أبي سعيد الخراز والغزالي
،وغيرهما ،قولهم « :ال يعرف هللا اال هللا ».
انظر :الفتوحات ،ج ،۲ص ،. 398فق . ۹۱۷
ونقل القشيري عن الجنيد قوله « :اشرف كلمة في التوحيد ،ما قاله أبو بكر الصديق ،رضي هللا عنه :
سبحان من لم يجعل لخلقه سبيال إلى معرفته إال بالعجز عن معرفته » ...الرسالة ،ص . 149
ورد ذلك بالمعنى في تعقيب القشيري على نص الجنيد السابق ،انظر :الرسالة ،ص . 149
133