Professional Documents
Culture Documents
خطب جزائرية ٣
خطب جزائرية ٣
َو َأ ْس َـأ ُل اهلل َت َعا َلـى َأ ْن َي ْج َع َـل َه َـذا ال َع َم َل َخال ِ ًصـا ل ِ َو ْج ِه ِه ال َك ِريمُ ،م َوافِ ًقـا ل ِ َم ْر َضاتِه،
ِ ِ َان سـببا فِي إِ ْخر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الهادي إِ َلى َس َـواء َّ
السـبِيل. اجهَ ،واهلل َ َ نَاف ًعـا ل َكاتبِـه َوق َا ِرئـه َو َمـ ْن ك َ َ َ ً
ُِ
م ُّبكُم ِف اهلل
a b o u -a b d e l a z i z @h o t m a i l .f r
حماية جناب التوحيد
[[[
وصيانته من الشرك ووسائله
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه،
األولين واآلخرين وقيوم السـماوات
وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ؛ إله ّ
الصـادق الوعـد األميـن ؛ اللهـم ِّ
صل واألرضيـن ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ّ
وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل ،فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه ،وأرشـده
إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه.
معاشـر المؤمنيـن :لقـد قامـت دعـوة نبينـا الكريـم ﷺ علـى النصـح للعبـاد وبيـان
ديـن اهلل علـى التمـام والكمـال .
ال أمينـا ،ونبيـا رحيمـا ،ومع ِّلمـا مشـفقا كمـا قـال اهلل
لقـد كان رسـولنا ﷺ رسـو ً
فب َّلـغ صلـوات اهلل وسلامه عليـه البلاغ المبيـن ،وما تـرك خيـر ًا إال ّ
دل األمة عليه
وال شـر ًا إال ّ
حذرهـا منـه ،تـرك أمته علـى البيضاء ليلها كنهارها ال يزيـغ عنها بعده إال
صلوات اهلل وسلامه وبركاته
ُ هالـك ،أقـام الحجـة وأبان المحجة وأوضح السـبيل -
عليه . -
أخطـر األمـور
َ عبـاد اهلل :ولمـا كان مقـام التوحيـد أعظـم المقامـات ّ
والشـرك
وأعظمهـا؛ فهـو الذنـب األكبر والجـرم الـذي ال ُيغفر ،لمـا كان شـأن التوحيد كذلك
وشـأن الشـرك كذلـك ،كان بيـان النبـي ﷺ للتوحيـد أعظـم البيـان ،وهنيـه وتحذيـره
عـن الشـرك أعظـم النهـي -صلـوات اهلل وسلامه عليـه ، -فهـو ﷺ أبـان التوحيـد
وحمـى حمـاه ،وأوضـح الشـرك وحـذر منـه وسـدّ ذرائعه نصحـا لألمة وشـفقة على
العباد.
عباد اهلل :وعندما نتتبع سنة نبينا الكريم ﷺ نجد األحاديث المتكاثرة والنصوص
المتضافـرة يف بيـان التوحيد وتعلية شـأنه ،والتحذير من الشـرك وبيان خطورته وسـد
الذرائع الموصلة إليه.
عبـاد اهلل :ومـن نصـح النبـي ﷺ يف هـذا المقـام الخطيـر هنيـه األمـة عـن الغلـو يف
ْ ُ ُ َ َّ ُ
((إ َّياك ْـم َوالغل َّـو ف ِإن َمـا
الديـن كمـا قـال ♥ يف حديـث بـن عبـاس ﭭِ :
يـن ))[[[ .
ِّ
الد ـيفان َق ْب َل ُك ْـم ب ْال ُغ ُل ِِّ
ـو
ََ َ َ ْ َ َ
هلـك مـن ك
ِ ِ
عبـاد اهلل :ولمـا كان مـا يتعلـق بالقبـور أخطـر مـا يكـون علـى النـاس يف الوقـوع
يف الشـرك واالنـزالق يف منزلقاتـه كانـت ِ
الحيطـة وسـدّ الذرائـع يف هـذا البـاب عـن
(.)2144
[[[ رواه مسلم (.)2670
[[[ رواه البخاري (.)3445
قــال اإلمــام ابــن حجــر « :$قولــه( :ال ُتطــروين) بضــم أولــه؛ واإلطــراء المــدح بالباطــل ،تقــول:
أطريــت فالنــا مدحتــه فأفرطــت يف مدحــه ،قولــه( :كمــا أطــرت النصــارى بــن مريــم) أي يف دعواهــم
فيــه اإللهيــة وغيــر ذلك»«فتــح البــاري» (.)490/6
[[[ رواه أحمد يف «مسنده» ( ،)12551وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (.)1097
[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (.)13596
10 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
نبينـا ﷺ متكاثـرة ،ففـي بـدء اإلسلام هنـى -♥-عـن زيـارة القبـور
قـوي التوحيـد مطلقـا حمايـ ًة لحمـى التوحيـد وصيانـ ًة لألمـة عـن ّ
الشـرك ،ثـم لمـا َ
يف القلـوب شـرع ذلـك وأباحـه وأبـان الحكمـة منـه ♥ ،فقـال يف حديثـه
ُّ ْ ُ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ُ ْ ُ ُ َ َ َّ ُ ِّ ُ
ـور ف ِإن َهـا ت َزهـد ِفـي الدن َيـا الصحيـح(( :كنـت نهيتكـم عـن ِزيـار ِة القب ِ
ـور فـزوروا القب
َ ُ َ ِّ
اآلخ َـرة))[[[ ،وجـاءت عنـه ﷺ أحاديـث كثيـرة فيهـا االحتيـاط يف هـذا البـاب َوتذك ُـر ِ
يجصص
وسـد الذرائـع ومـن ذلكـم :هنيـه ♥ أن ُيبنـى علـى القبر أو أن ّ
والحديـث يف «صحيـح مسـلم»[[[ ،وهنـي ♥ أن يصلـى إلـى القبـور
َ ُ ُّ َ صيانـة للتوحيـد كمـا قـال ﷺَ (( :ل َت ْج ِل ُسـوا َع َلـى ْال ُق ُ
ـور َول ت َصلوا ِإل ْي َهـا ))[[[ ،وجاء
ِ ب
عنـه ﷺ النهـي الشـديد والوعيـد يف اتخـاذ القبور مسـاجد بـأن تقصد لغـرض الصالة
والدّ عـاء والعبـادة وطلـب الربكـة ،تقـول أم المؤمنيـن عائشـة ڤ وأرضاهـا َ :ل َّمـا
يصـ ًة َلـ ُه ِ ِ ن ُِـز َل بِرس ِ ِ
ـول اهَّلل ﷺ -أي لمـا نـزل بـه مالئكـة المـوت َ -طف َـق َي ْط َـر ُح َخم َ َ ُ
ْ َ َّ ُ َ ِ ِ ِ
َع َلـى َو ْج ِهـه َفـإِ َذا ا ْغت َّ
َـم ك ََشـ َف َها َعـ ْن َو ْج ِهـه َف َق َال َو ُه َـو ك ََذل َك (( :لعنـة الل ِه علـى ال َيه ِ
ود ُ َ َْ
َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ
ـاجد )) ُي َح ِّـذ ُر َمـا َصنَ ُعـوا[[[.
والنصـارى اتخـذوا قبـور أن ِبي ِائ ِهـم مس ِ
ـولفربطـه بالعبـادة واإلخلاص هلل ،ولمـا قـال لـه أبـو هريـرة ﭬَ :يـا َر ُس َ
النـاس ب َش َـف َ
اع ِتي َي ْـو َم ِ ِ اهَّللِ َمـ ْن َأ ْسـ َعدُ الن ِ
َّـاس بِ َشـ َفا َعتِ َك َي ْـو َم ا ْل ِق َيا َم ِـة ؟ َق َ
ـال َ (( :أ ْس َـع ُد َّ
َْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َّ َ
ـال ل ِإل َـه ِإل الل ُـه خا ِل ًصـا ِم ْـن قل ِب ِـه [[[))..؛ فربطهـم بكلمـة التوحيـد ال ِقيام ِـة مـن ق
♥ ،والحديـث يف «صحيـح البخـاري».
ُ ِّ َ ٍّ َ ْ َ ٌ ُ ْ َ َ َ ٌ َ َ َ َّ َ ُ َ
ـل ك ُّل ن ِب ٍّـي ويف «صحيـح مسـلم» أنـه ﷺ قـالِ (( :لـكل ن ِبـي دعـوة مسـتجابة ،فتعج
َ َ َ ً ُ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ٌ ْ َ َ َّ ِّ ْ ْ ُ َ َ َ
ـاء الل ُه َم ْن د ْع َوت ُـه َ ،و ِإنـي اخ َت َبـأت د ْع َو ِتـي شـفاعة ِلم ِتـي يـوم ال ِقيام ِـة ؛ ف ِه َـي ن ِائلـة ِإن ش
ُ َ ْ ُ َّ َ َ
َمات ِم ْن أ َّم ِتي ل ُيش ِـرك ِبالل ِه ش ْـي ًئا ))[[[ ؛ فجعل نيل شـفاعته ♥مرتبطًا
باإلخلاص والبعـد عن الشـرك .
تأ ّملـوا عبـاد اهلل هـذا النصـح العظيـم والبيـان الـوايف مـن الرسـول الكريـم
♥؛ فدعوتـه ﷺ ك ُّلهـا ٌ
ربط باهلل وبعبادة اهلل والتوكّل على اهلل وااللتجاء
المعطـي
َ الضـار
إلـى اهلل ،ال بالتّعلـق باألنبيـاء أو الصالحيـن أو غيرهـم ،فـإن النافـع ّ
المانـع الـذي بيـده أز ّمـة األمـور هـو اهلل وحـده ،ونبينـا ♥ وسـائر عبـاد
اهلل ليـس لهـم مـن ذلـك شـيء ،وقـد أنـزل اهلل علـى نبيـه ﱷ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱶ
[آل عمـران. ]١٢٨:
وتأ ّملـوا -رعاكـم اهلل -يف هـذا المقـام حـرص نبينـا ♥ علـى هدايـة
َ ْ َ ِّ ُ َ َ
ـل :ل ِإل َـه
عمـه أبـى طالـب فجـاءه عنـد موتـه ولمـا حضرتـه الوفـاة وقـال(( :أي عـم ق ْ
ّ
وتأ ّملـوا يف هـذا المقـام لمـا ركـب ابـن عبـاس ﭭ مـع نبينـا ﷺعلـى دابتـه وهـو
َ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ
اسـأ ْل الل َـه َ ،و ِإذا ْاس َـت َع ْنت غلام فالتفـت عليـه ﷺ وقـال (( :يـا غلامِ ...إذا سـألت ف
َ َ َّ َ ْ َ َْ َ َ َ َ ْ َ ْ َّ َ ْ َ ْ َ َّ ْ ُ
ال َّم َـة َل ْـو ْ
اج َت َم َعـت َعلـى أن َي ْنف ُعـوك ِبش ْـي ٍء ل ْـم َي ْنف ُعـوك ِإل فاسـت ِعن ِبالل ِـه ،واعلـم أن
َ ُ َ َّ َ َ َْ ُ َ َ ـك َ ،و َل ْـو ْ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ
اج َت َم ُعـوا َعلـى أن َيض ُّروك ِبش ْـي ٍء ل ْم َيض ُّروك ِإل ِبش ْـي ٍء ِبشـي ٍء قـد كتبـه اللـه ل
َّ َ َ َ ْ َ
قـد ك َت َب ُـه الل ُـه َعل ْيـك ))[[[ .
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ،واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إله
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ،صلى اهلل وسـلم عليه
وعلـى آله وصحبـه أجمعين .
عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى ،واعلمـوا أن تقـواه أسـاس السـعادة وسـبيل
الفلاح والفـوز يف الدنيـا واآلخـرة .
عبـاد اهلل :إننـا حينمـا نتأمـل يف هـذه النصـوص العظيمـة والدالئـل المباركـة يف
حماية نبينا ﷺ لحمى التوحيد وسـده لذرائع الشـرك والباطل نأسـف أشـد األسـف
ونتألـم أشـد األلـم لواقـع أقـوام ينتسـبون إلـى دينـه ♥ ويخالفونـه يف
هـذا المعنـي أشـد المخالفـة ،فيسـتغيثون بغيـر اهلل ،ويسـتنجدون باألنبيـاء واألولياء
والمقبوريـن ،ويتعلقـون بالقبـاب واألضرحـة واألتربـة وغيـر ذلـك ؛ إذا التجئـوا
ِ
المغرضـة التـي تسـتهدف عبـاد اهلل :ولقـد تكاثـرت يف هـذا الزمـان الدّ عايـات
َ
وربـط قلوهبـم باألسـباب خلخلـة إيمـان النـاس وتوحيدهـم وصرفهـم عـن عبـادة اهلل
ال بمسـببها ،فالواجـب علينـا -عبـاد اهلل -أن نرعـى للتوحيـد مقامـه وأن نعـرف لـه
شـأنه وأن نكـون علـى أشـد الحـذر مـن الشـرك .وتأملـوا هنـا قـول النبـي ﷺ يف بيـان
الن ْم ِل))،يك ْـم َأ ْخ َفى م ْن َدبيـب َّ
َ ِّ ْ ُ ُ
الشـرك وتسـلله للنـاس ؛ قال ﷺ (( :للشـرك ِف خطـورة ّ
ِ ِ ِ
آخـر ؟ » فقـال النبي ﷺ(( : ـع اهللِ إِ َل ًهـا َ الش ْـر ُك إِ َّ
ال َمـ ْن َج َع َـل َم َ فقـال أبـو بكـر َ « :و َه ْـل ِّ
َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ يك ْـم َأ ْخ َفـى م ْـن َدبيـب َّ َ ِّ ْ ُ ُ َو َّال ِـذي َن ْف ِسـي ب َ
الن ْم ِـل ،أل أدلـك َعلـى ش ْـي ٍء ِإذا ِ ِ ِ فِ ك ـر لش ل ، ه ِ ـد
ِ ي ِ
َُْ ُ َ َ َ َْ َ َ ُ َ
يلـه َوك ِثيـره ؟ )). قلتـه ذهـب عنـك ق ِل
16 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
َ َ ْ َ ِّ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َّ
ـل :الل ُه َّـم ِإنـي أ ُعـوذ ِبـك أن أش ِـرك ِبـك َوأنـا ْأعلـم َ ،وأ ْس َـتغ ِف ُرك ِل َمـا ل َق َ
ـال (( :ق
َ َ
أ ْعلـم))[[[ .
وهـي دعـوة -عبـاد اهلل -مباركـة ينبغـي علينـا المحافظـة عليهـا واإلكثـار منهـا ؛
اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم ،ونعـوذ بـك اللهـم ممـا ال نعلـم .
الحمـد هلل الذي أرسـل رسـوله بالهدى وديـن الحق ليظهره على الديـن ك ِّله وكفى
باهلل شـهيدا ،وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له إقرار ًا به وتوحيدا ،وأشـهد
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله الداعـي إلى رضـوان ربه إفـراد ًا وتجريدا؛ صلى اهلل وسـلم
عليـه وعلـى آله وصحبه تسـليما مزيدا .
أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل ؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه ،وأرشـده
إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه ،واعلمـوا رعاكم اهلل أن تقـوى اهلل ٌ
عمل بطاعة اهلل
ٌ
وتـرك لمعصيـة اهلل على نـور من اهلل خيفـ ُة عذاب علـى نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ،
اهلل .
عبـاد اهلل :إن الواجـب علـى المسـلم أن يعيـش حياتـه خائفًا من أن يقـع يف كل ٍ
أمر
ذنـب يغضـب اهلل ويسـخطه ،وأعظـم مـا يجـب أن يخـاف منـه العبـد أي ٍ أو ِّ
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1427-10-26 /هـ
18 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
وأن يحـرص علـى اتقائـه وأن يجاهـد نفسـه علـى ال ُبعـد عنـه :الشـرك بـاهلل ،
نعـم -عبـا َد اهلل -إن الخـوف مـن الشـرك مطلـب عظيـم يجـب أن يح ّققه كل مسـلم.
الشـرك بـاهلل هو أعظم الذنـوب وأخطرها وهو أظلم الظلـم وأكرب الجرائم
للربوبيـة وتن ّق ٌ
ـص لأللوهيـة هضـم ّ
ٌ وهـو ّ
الذنـب الـذي ال ُيغفـر ،الشـرك بـاهلل
وسـوء ظن برب الربية .الشـرك باهلل تسـوية لغيره به ؛ تسـوية للناقص
الفقيـر بالغنـي العظيم .
أعظم من
َ نعـم عبـاد اهلل ؛ إن الشـرك بـاهلل ذنـب يجـب أن يكـون خو ُفنـا منـه
نصوص -عبـاد اهلل -ودالئل يف كتاب اهلل وسـنة نبيه
ٌ أي أمـر آخـر ،و َث َّمـ َة
خوفنـا مـن ِّ
صلـوات اهلل وسلامه عليـه إذا تأ ّملهـا العبـد ونظـر إليهـا نظـرة المتأمـل جلبـت لقلبـه
خوفـا مـن الشـرك وحـذر ًا منـه وتوقيًا للوقـوع فيه .
تأ ّملـوا يف ذلـك -رعاكـم اهلل -قـول اهلل يف موضعيـن مـن ﴿سـورة
النسـاء﴾ :ﱷ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﱶ ؛ فاآليـة فيهـا
بيـان ب ِّيـ ٌن َّ
أن َمـن لقـي اهلل مشـركًا بـه فإنـه ال مطمع لـه يف مغفـرة اهلل ،بل إن
مآلـه ومصيـره إلـى نـار جهنـم خالـد ًا مخلـد ًا فيهـا ال يقضى عليـه فيمـوت وال يخفف
عنـه مـن عذاهبـا كمـا قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱶ [ فاطـر ]٣٧-36:مـن
لقـي اهلل مشـركا بـه فلا مطمـع له يف مغفرة اهلل ،ينادي المشـرك يـوم القيامة
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 19
ِ ِ ِ
ويطالـب أن يعـاد للدنيـا مـرة ثانيـة فلا يجـاب ليعمـل صالحًا غيـر الـذي كان يعمل ،
ينـادي ويطالـب أن ُيقضـى عليـه فيمـوت فلا يجـد جوابـا لذلـك ،ينـادي أن ُيخ َّفـف
عنـه يومـا مـن العـذاب فلا يجـد جوابـا لذلـك ؛ وإنما يبقـى يف نـار جهنم مخلـد ًا فيها
أبـد اآلبـاد ،بـل إن مـن أعظم اآليات وأشـدها علـى أهل النار قول اهلل تعالى يف سـورة
عـم يقـول :ﱷ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﱶ [النبـأ. ]٣٠:
عبـاد اهلل :وإن ممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك إلـى القلـوب المؤمنـة أن نتأمل يف
حـال الصالحيـن وحـال األنبيـاء المقربيـن وخوفهـم مـن هـذا الذنـب العظيـم ،يكفي
يف هـذا المقـام أن نتأمـل دعـوة إمـام الحنفـاء إبراهيـم الخليـل ڠ الـذي اتخـذه اهلل
خليلا وح ّطـم األصنـام بيـده ودعـا إلـى توحيـد اهلل وقـام يف هـذا األمر مقامـا عظيما،
تأ ّمـل دعوتـه وقـد جـاءت يف القـرآن ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﱶ
[إبراهيـم ]٣٦-٣٥:تأ ّمـل إمـام الحنفـاء عليـه صلوات اهلل وسلامه يدعو اهلل
أن يجنبـه وبنيـه عبـادة األصنـام !! أي أن يجعلـه يف جانـب بعيـد عنهـا فلا يقرهبـا وال
يقـع يف شـيء مـن وسـائلها أو ذرائعهـا ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱶ .
أحـد السـلف -وهـو إبراهيـم الت ْيمي رحمـه اهلل تعالى -قرأ هذه اآليـة وقال« :من
يأمـن مـن البلاء بعـد خليـل اهلل إبراهيـم !! «[[[ ؛ أي إذا كان إبراهيـم الخليـل ڠ
خـاف مـن الشـرك ودعـا اهلل تعالـى هبـذه الدعـوة العظيمة فكيـف يأمن البلا َء غيره!!.
كل يـوم ثلاث مـرات إذا أصبـح عبـاد اهلل :وقـد كان نبينـا ♥ يقـول َّ
َّ ِّ َ ُ َْ ْ ْ ُْ ِّ َ ُ َ َّ ٍ
مـرات إذا أمسـى(( :الل ُه َّـم ِإنـي أ ُعـوذ ِبـك ِم ْـن الكف ِـر َوالفق ِـر ،الل ُه َّم ِإنـي أ ُعوذ َ
وثلاث
[[[ رواه الطربي يف «تفسيره» (.)17/17
20 طب الم ْن َبر َّية الخ َالبه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َُّ
ِ ِ ِ
ْ َْ َ ْ َ َ
مرات
ّ وثلاث الصبـاح يف ات مـر
ّ ثلاث عـوة الدّ هـذه د د
ِّ يـر [[[
)) ـر
ِ ب ق ال اب
ِ ـذِبـك ِمـن ع
يف المسـاء .
َ َّ َ َ َ َ ُ
«الصحيحيـن» وغيرهمـا (( :الل ُه َّم لك أ ْسـل ْمت َو ِبك وكان يقـول يف دعائـه كمـا يف ّ
َ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َّ ِّ َ ُ
اص ْمـت ،الل ُه َّم ِإني أ ُعـوذ ِب ِع َّز ِتك ل ِإل َه ِإل آمنـت وعليـك توكلـت و ِإليـك أنبت و ِبك خ
ُ َ ْ ْ ُ ْ َ َّ َْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َّ
أنـت أن ت ِضل ِنـي ؛ أنـت ال َح ُّـي ال ِـذي ل َي ُموت َوال ِج ُّن َو ِالن ُـس َي ُموتون ))[[[.
ِّ َّ
وجـاء يف دعائـه -عليـه صلـوات اهلل وسلامه -أنـه ﷺ كان يقـول(( :الل ُه َّـم ِإنـي
َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ َ َ
السـداد ))[[[ . أسـألك الهـدى و
َّ َ ُ َ َّ
ـول الل ِه ﷺ ((إن رس واألحاديـث يف هـذا المعنـى كثيـرة ،بل قالت أ ُّم سـلمة ڤِ :
ـكَ ،ق َال ْتُ :ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
َ َ َ ْ َْ َ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ِّ َ ْ ُ ُ
ـول ـوب ث ِّبـت قل ِبـي َعلـى ِد ِين
كان يك ِثـر أن يقـول :يـا مقلـب الق ِ
ل
َّ َ َّ ْ ُ ُ َ َ َ َّ
ـوب ل َت َتقل ُب؟.الل ِـه ،و ِإن القل
َّ َ ُ َْ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ
ـق الل ُـه ِم ْـن بنـي آد َم ِم ْن َبش ٍـر ِإال َوقل ُب ُـه َب ْي َـن أ ْص ُب َع ْي ِن ِم ْـن أ َص ِاب ِع الل ِه قال:نعـم ،مـا خل
ْ َ َ ََ َ ُ َ ْ َ َ ََ َ
ـاء أزاغ ُه ))[[[ . ِإن شـاء أقامه و ِإن ش
عبـاد اهلل :ومـن األدلـة يف هـذا البـاب مـا جـاء يف «المسـند» وغيـره أن النبـي ﷺ
َّ ِّ ُ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ُ
ـاف َعل ْيك ْم الش ْـرك ال ْصغ ُر -أي إن أشـد شـيء للصحابـة ﭫِ :
((إن أخـوف مـا أخ قـال ّ
َ ُ َ َ ِّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ
ـول الل ِه ؟ أخافـه عليكـم الشـرك باللـه -قالـوا :ومـا الشـرك الصغـر يـا رس
[[[ رواه أبو داود ( ،)5090وحسنه األلباين يف «صحيح األدب المفرد» (.)542
[[[ رواه البخاري ( ،)1120ومسلم (.)2717
[[[ رواه مسلم (.)2725
[[[ رواه الرتمذي ( ،)2140وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (.)2091
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 21
ِ ِ ِ
الر َي ُ
ـاء ))[[[ ؛ قـال العلمـاء :إذا كان النبـي - ♥ -خـاف علـى َق َ
ـالِّ :
الصحابـة وهـم مـن هـم يف الطاعـة والتوحيـد مـن الشـرك األصغـر فكيف الشـأن بمن
هـو دوهنـم ،ومـن لم يبلغ ُع ْش َـر معشـارهم يف التوحيد والعبادة؟! بـل جاء يف «األدب
َ ِّ ُ ُ َ ْ َ
بسـند حسـن بمـا لـه من شـواهد أن النبي ﷺ قال (( :للش ْـرك ِفيك ْـم أخفى ِم ْن ٍ المفـرد»
َ َ الن ْمـل )) ،فقـال أبـو بكـر َ « :و َه ْ ِّ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ َدبيـب َّ
اللـه ِإل ًها آخر ؟» فقال
ـل الش ْـرك ِإال من جع َل مع ِ ِ ِ ِ
ُّ
َ ُ َ َ َ َ ِّ ْ ُ ُ
يك ْـم أ ْخ َفـى م ْـن َدبيـب َّ َ َّ
النبـي ﷺ َ (( :وال ِـذى َن ْف ِسـي ب َ
الن ْم ِـل ،أل أدلـك ِ ِ ِ فِ ك ـر لش ل ، ه ِ ـد
ِ ي ِ
َّ ُ َّ ِّ َ ُ ُ َ َْ ُ ََ َ ْ َ َُْ ُ َ َ َ َْ َ َ ُ َ
ـال (( :ق ْل :اللهم ِإنـي أعوذ ِبك أنيلـه َوك ِثيره ؟ )) َق َ علـى شـي ٍء ِإذا قلتـه ذهـب عنـك ق ِل
َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ََ َ
أش ِـرك ِبـك َوأنـا ْأعلم َ ،وأ ْس َـتغ ِف ُرك ِل َمـا ل أ ْعلم ))[[[ .
وهـذه دعـوة يجـب علينـا عبـاد اهلل ـ يتأكّـد علينـا عبـاد اهلل ـ أن نحفظهـا جميعا وأن
اللهـم إنّـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم ،ونسـتغفرك لمـا ال
ّ نحافـظ عليهـا ،
نعلم .
وممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك -عبـاد اهلل : -مـا ثبـت يف أحاديـث كثيـرة عـن
النبـي ﷺ مـن إخبـاره أن مـن األ ّمـة -يعنـي أمتـه ♥ -مـن سـيرجعون
إلـى عبـادة األوثـان وقـد جـاء يف هـذا أحاديـث عديـدة ؛ منهـا مـا ثبـت يف «سـنن أبـي
َْ َ َ ُ ُ َّ َ ُ
ـاعة َح َّتـى تل َح َق داود» وغيـره عنـه صلـوات اهلل وسلامه عليـه أنـه قـال (( :ل تقـوم الس
َْ َ َ ُ ـل م ْـن ُأ َّمتـي ب ْال ُم ْشـرك َ
ين َو َح َّتـى َت ْع ُب َـد َق َب ِائ ُ
ـل ِم ْـن أ َّم ِتـي ال ْوثـان ))[[[ . ِ ِ ِ ِ
َ
ق َب ِائ ُ ِ
كل ذلـك قالـه ♥ نصحـا لأل ّمـة وتحذير ًا لها من هـذا الذنب العظيم
والجـرم الوخيم أعاذنـا اهلل جميعًا منه .
عبـاد اهلل :وممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك أن المشـرك -عيـاذ ًا بـاهلل -ليس بينه
وبيـن النـار إال أن يمـوت ،وتأ ّملـوا يف ذلـك قول النبـي ♥ والحديث يف
َّ ْ ُ َ ْ َ َ َْ َ َْ ُ
«صحيـح البخـاري» قـول النبـي ♥ ((مـن مـات وهـو يدعـو ِمـن د ِ
ون الل ِه
ن ًّـدا َد َخ َل َّ
الن َ
ـار ))[[[ . ِ
قـال العلمـاء رحمهـم اهلل :يف هـذا الحديـث داللة علـى أن النار قريبة من المشـرك
؛ أي ليـس بينـه وبينهـا إال أن يموت .
كل هـذه الدالئـل -عبـا َد اهلل -تدعـو المؤمـن إلـى أن يخـاف مـن الشـرك خوفـا
عظيمـا ،ثـم إن هـذا الخـوف يحـرك يف قلبـه معرفـة هـذا ّ
الذنـب الوخيـم ليكـون منـه
علـى حـذر وليتقيـه يف حياتـه كلهـا ،ولهـذا جـاء عـن حذيفـة بـن اليمـان ڤ قـال:
اللهـم أعذنـا مـن الشـرك يـا رب العالميـن ،اللهـم أعذنـا مـن الشـرك يـا ذا الجلال
واإلكـرام ،اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم ونسـتغفرك لمـا ال نعلـم ،
اللهـم إنـا نسـألك توحيـد ًا خالصـا وإيمانـا راسـخا ،اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن ن َِضـل أو
ن َُضـل يـا ذا الجلال واإلكـرام ،اللهـم إنـا نسـألك الهـدى والتقـى والعفـة والغنـى.
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ،واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إله
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه
وعلـى آله وصحبـه أجمعين .
أمـا بعـد عبـاد اهلل :فقـد دلـت نصـوص الكتـاب والسـنة أن الشـرك نوعـان :أكبر
وأصغـر ،وهمـا يختلفـان يف الحـد والحكـم :
وأمـا مـن حيـث الحكـم يف اآلخـرة ؛ فإهنمـا يختلفـان :فالشـرك األكبر صاحبـه
مخلـدٌ يف النـار أبـد اآلبـاد ال ُيقضـى عليـه فيمـوت وال يخ َّفـف عنـه مـن عذاهبـا ،وأمـا
الشـرك األصغـر فشـأنه دون ذلـك ،وإن كان يف وضعـه هـو أكبر مـن الكبائـر كمـا قال
َ ْ َ ْ َ َّ َ ً َ َ ُّ َ َّ ْ ْ َ ْ َ َ
ـف ِبغ ْي ِـر ِه عبـد اهلل بـن مسـعود ڤ (( :ألن أح ِلـف ِبالل ِـه ك ِاذبـا أحـب ِإلـي ِمـن أن أح ِل
ً
َص ِادقـا ))[[[ ؛ ألن يف الحلـف بغيـر اهلل صادقـا شـرك بـاهلل ،ويف الحلـف بـه كاذبا
وقـوع يف كبيـرة الكـذب ،وال تقـارن الكبيـرة بالشـرك ؛ وهذا من فقـه الصحابة ﭫ.
ثـم عبـاد اهلل إن هـذه المسـألة -أعنـي مسـألة الشـرك ومعرفتـه -هـي مـن أعظـم
كثيـر من الناس هذا األمـر العظيم وقعوا
جهل ٌ األمـور التـي ينبغـي أن نُعنـى هبـا ،ولما ِ
يف أعمـال وأمـور هـي مـن الشـرك يجهلـون حقيقـة أمرهـا ،وربمـا ُل ِّبس علـى بعضهم
بأسـماء ونحوهـا ُصرفـوا هبا عن العبـادة الخالصة هلل إلى أنواع مـن األعمال المحرمةٍ
هـذا ؛ وإنـا لنسـأل اهلل أن ُي َب ِّصرنا جميعا بدينـه ،وأن يوفقنا جميعا التباع
سـنة نبيه ♥ ،وأن يهدينا إليه صراطا مسـتقيما .
[[[ رواه عبــد الــرزاق يف «مصنفــه» ( ،)15929وابــن أبــي شــيبة يف «مصنفــه» ( ، )12414والطــراين يف
«المعجــم الكبيــر» ( ،)8902وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب» (.)2953
[[[
التحذير من بعض الشِّركيات
الحمـد هلل الـذي أتـم لنـا النعمـة ،ووالـى علينـا العط ّيـة والمنّـة ،وجعـل أمتنـا أمـة
اإلسلام خيـر أمـة ؛ هدانـا إليـه صراطا مسـتقيما ،ود ّلنا إلـى دينه القويـم ،فلله الحمد
ال وأخـرا ،ولـه الشـكر ظاهـر ًا وباطنـا ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك
أو ً
لـه ،وأشـهد أن محمـدً ا عبده ورسـوله ؛ أبـان التوحيد وأوضح معالمـه ،وحمى حماه
وسـدَّ الذرائـع المفضيـة إلـى اإلخلال بأصلـه أو اإلنقـاص من كمالـه ووفائـه ،ص ّلى
اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن وجـزاه عنـا وعن أمـة اإلسلام خير ما
جـزى نبيـا عـن أمته .
السـعادة وسـبيل
أمـا بعـد عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى ،فإن تقوى اهلل أسـاس ّ
الفلاح يف الدنيـا واآلخرة .
ثـم اعلمـوا -رعاكـم اهلل -أن مِنّـة اهلل عليكـم هبـذا الديـن عظيمـة ؛ حيـث
ِ
معلـم الخيـر وهادي البشـرية هداكـم لهـذا الديـن ،وجعلكـم مـن أ ّمـة محمـد ﷺ
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1425-5-7 /هـ
26 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
إلـى صـراط اهلل المسـتقيم ؛ ِ
ديـن اهلل الـذي ارتضـاه لعبـاده وال يقبـل منهـم
دينًـا سـواه ،ديـ ُن التوحيـد واإلخلاص ،ديـ ُن اإلسلام واإليمـان ،ديـ ُن البر
واإلحسـان ،ديـ ُن الوفـاء والصفـاء .
ٍ
انحـراف عبـاد اهلل :إن هـذا الدِّ يـ َن القويـم يقـوم علـى تنقيـة ديـن النـاس مـن كل
وضلال وب ٍ
عـد عـن الصـراط المسـتقيم ،وعلـى تنقية عقولهـم من الخرافـات الواهية ٍ ُ
والخزعبلات الباطلـة التـي مـا أنـزل اهلل هبا من سـلطان ،ديـ ٌن ينهض بأهلـه إلى عالي
المقامـات ورفيعهـا وعالـي الدرجـات ورفيعهـا ؛ فاحمـدوا اهلل علـى هـذا الديـن ،
واسـألوا اهلل أن يث ِّبتكـم عليـه إلـى الممـات .
عبـاد اهلل :وإن مـن منـة اهلل علينـا هبـذا الديـن ؛ ديـن اإلخلاص والتوحيـد ،ديـن
صفـاء العبـادة لـرب العالميـن ،دين تعلـق القلب باهلل وحده خضوعـا وتذلال ،طمعًا
وأملا تعلقـا بـاهلل وحـده دونمـا سـواه ،وإن مـن شـكر اهلل علـى الهدايـة لهـذا
الديـن أن يحـرص كل فـرد مـن أفـراده علـى الحفـاظ عليـه ،وحسـن رعايتـه ،والبعـد
َّ
كل البعـد مـن كل أمـر ُيذهـب أصلـه أو ُينقـص كمالـه.
عبـاد اهلل :وإن التوحيـد الـذي هو أسـاس هـذا الدين يعني إخلاص األعمال كلها
هلل ؛ فلا ُيسـأل إال اهلل ،وال يسـتغاث إال بـاهلل ،وال ُيطلـب المـدد والعـون والشـفاء
والعافيـة إال مـن اهلل ،فهـو الـذي يجيـب المضطـر إذا دعـاه ،وهـو الـذي
رب
الشـدات ،وهـو الـذي بيده أز ّمة األمـور ،ال ّ يكشـف الكربـات ويزيـل ِّ
إال هـو ،وال خالـق إال إيـاه ،وال معبـود بحـق سـواه.
عبـاد اهلل :وإن ممـا ينقـص هـذا التوحيـد ولربمـا كان ُم ْذ ِهبـا ألصلـه ُمبطِلاً لـه من
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 27
ِ ِ ِ
أساسـه التعلـق بالخيـوط والحـروز والصـدَ ف ونحوهـا لجلـب النفـع أو دفـع الضـر ؛
فـإن هـذا -عبـاد اهلل -مـن الشـرك بـاهلل ، فـإن مـن الشـرك بـاهلل تعليـق التمائـم
والحـروز والخـرز ونحوهـا لجلـب النفع أو دفع الضـر ،واهلل يقول يف محكم
التنزيل ﱷ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﱶ
[الزمر. ]٣٨:
االعتمـاد إنمـا يكـون علـى اهلل ،وطلـب الشـفاء ودفـع البلاء ورفعـه إنمـا
يكـون مـن اهلل ؛ فهـو المعطـي المانـع ،الخافـض الرافـع ،الـذي بيـده أزمـة
األمـور .
روى ابـن ماجـه يف «سـننه» واإلمـام أحمـد يف «مسـنده» بإسـناد ال بـأس بـه عـن
ْ َْ ٌ ً َ عمـران بـن حصيـن ﭬ َ (( :أ َّن َّ
الن ِب َّـي ﷺ َرأى َر ُجل ِفي َي ِـد ِه َحلقة ِم ْن ُصف ٍر -والصفر:
َ ْ َْ ُ النحـاسَ -ف َق َ
ـالَ :مـا ه ِـذ ِه ال َحلقة ؟
ْ َ
انبذهـا -وفـي َ َ ْ َْ َ َ َ َ
قـال :ه ِـذ ِه ِمـن الو ِاهن ِـة -والواهنـة :مـرض يصيـب العضـد -قـال ﷺِ :
َ َ ََْ َ َ ً َ َّ َ َ ُ َ َّ ْ َ َّ َ َ َّ ْ
روايـة ان ِز ْع َهـا -ف ِإن َهـا ل ت ِزيـدك ِإل َوه ًنا ،ف ِإنك ل ْو ِمت َو ِه َـي َعل ْيك َما أفل ْحت أ َبدا))[[[.
وروى اإلمـام أحمـد يف «مسـنده» ،عـن عقبـة بـن عامـر ﭬ أن النبـي ﷺ قـال :
َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ َ َ َّ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ً َ َ َ َ َّ َ
ـق َود َعة فلا َودع الل ُه ل ُـه ))[[[ ،ويف رواية: ((مـن تعلـق ت ِميمـة فلا أتـم اللـه لـه ،ومن تعل
[[[ رواه أحمــد يف مســنده ( ،)20000وابــن ماجــه ( ،)3531وضعفــه األلبــاين يف «السلســلة
الضعيفــة» (.)1029
[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» ( ،)17404وابــن حبــان يف «صحيحــه» ( ،)6086والبيهقــي
يف «ســننه الكــرى» ( ،)19389والحاكــم يف «مســتدركه» ( ،)7501وضعفــه األلبــاين يف
28 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
َّ ُّ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ ْ َ ْ َ
الرقى يمـة فقـد أش َـرك ))[[[ ،وصح عنـه ♥ أنه قـال ِ (( :إن ((مـن تعلـق ت ِم
ٌ َ َّ َ َ َ ِّ َ َ
الت َولة ِش ْـرك ))[[[ . والتم ِائـم و
وتأمـل هـذه األحاديـث وأمثالهـا يف السـنة كثيـر ،وهـذا -عبـاد اهلل -مـن نصـح
النبـي ﷺ وبيانـه ألمتـه -أمـة اإلسلام -لتبقـى أمـ ًة عزيـزة متعلقـ ًة برهبا معتمـدة على
ٍ
خيـوط خالقهـا وموالهـا ؛ منـه وحـده تطلـب الشـفاء ،وإليـه وحـده تلتجـئ ،ال إلـى
وحـروز ،وال إلـى نحـاس وحديـد ،وال إلـى صـدف وودع مـن مخلوقـات ال تغنـي
عـن نفسـها شـيء فضلاً عـن أن تجلـب لغيرهـا نفعـا أو دفعـا .
عبـاد اهلل :وإن تعليـق هـذه األشـياء -أعنـي الخـرز والودع والخيـوط ِ
والح َلق وما
كان يف معناهـا -ال يخلـوا ُم َع ِّل ُقهـا مـن أحد حالين:
الحالـة األولـى -عبـا َد اهلل : -أن يعلقهـا وهـو يعتقـد فيهـا أهنا جالب ٌة للشـفاء رافع ٌة
ناقـل مـن ملـة اإلسلام ٌ
شـرك أكبر ٌ للبلاء ؛ فـإن اعتقـد ذلـك يف هـذه األشـياء فهـذا
باتفـاق علمـاء المسـلمين ،واألدلـة على ذلك ظاهـرة وقد تقدم اإلشـارة إلى بعضها.
الضار
َّ النافـع
َ والحالـة الثانيـة -عبـاد اهلل : -أن يع ِّلـق هـذه األشـياء وهـو يعتقـد أن
الجالـب المانـع المعطـي المانـع هـو اهلل ، وإنمـا يع ِّلـق هـذه األشـياء ظنّـا منـه
أهنـا وسـيل ًة وسـببًا للشـفاء ؛ ففـي هـذه الحالـة عملـه هـذا مـن الشـرك األصغـر الـذي
ِ
التوحيـد الواجـب ؛ ألنـه مـن المعلـوم بالضـرورة -عبـاد اهلل -أن هذه َ
كمـال يناقـض
«السلسة الضعيفة» (.)1266
[[[ رواه أحمد يف «مسنده» ( ،)17422وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (.)492
[[[ رواه أبــو داود ( ،)3885وابــن ماجــه ( ،)3530وصححــه األلبــاين يف «صحيــح ابــن ماجــه»
(.)2845
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 29
ِ ِ ِ
األشـياء ليسـت مـن وسـائل الشـفاء ال الشـرعية وال القدريـة ،ولهـذا -عبـاد اهلل -
يجـب علـى كل مسـلم أن يكـون يف غايـة الحيطـة ويف تمـام الحـذر ويف تمـام الرعايـة
يخ ُّل بـه ،أو ينقص تمامـه وكماله ،أو يفسـدَ ه ويذه َبه كل أمـر ِ لتوحيـده صيانـ ًة لـه مـن ِّ
ولتبـق القلـوب متعلقـ ًة بـاهلل متوكِّلـ ًة عليـه تعتمـد عليـه وحـده وتلتجـئ إليـه َ بالكليـة ،
َّ
ال إلـى سـواه ،وقـد كان ♥ إذا ُأيت إليـه بمريـض َر َقـاه بقولـه (( :الل ُه َّـم
َ ً َ َُ َ َ َ َّ َ ُ َ َ ْ َ َّ َ ْ ْ َْ َ ْ َّ
ـاد ُر
ـافي ،ل ِشـفاء ِإل ِشـفاؤك ِ ،شـفاء ل يغ ِ ـاس ،اش ِـف ِه َوأنـت الش ِ ـاس أذ ِهـب الب َر َّب الن ِ
َ
َسـق ًما))[[[ .
اللهـم َب ِّصرنـا بديننـا ،وأهدنـا إلـى صراطـك المسـتقيم ،وجنِّبنـا الشـرك كلـه دقـه
وج ّلـه صغيـره وكبيـره ،اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك مـا نعلـم ونعوذ بـك اللهم
ُ
ممـا ال نعلـم ،اللهـم وفقنـا لمـا تحبـه وترضـى ،واغفـر لنـا مـا قدمنـا ومـا أخرنـا ،
واغفـر لنـا ولوالدينـا وللمسـلمين والمسـلمات والمؤمنين والمؤمنـات األحياء منهم
واألمـوات إنـك أنـت الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ،واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إله
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمدً ا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه
وعلـى آلـه األخيـار وصحابتـه األبرار مـا تعاقب الليـل والنهار .
ثـم اعلمـوا -رحمكـم اهلل -أن ممـا يلتحـق بمـا سـبق من تلـك الحـروز والتعاليق
[[[ رواه البخاري ( ،)5743ومسلم (.)2191
30 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
الباطلـة التـي مـا أنـزل اهلل هبـا مـن سـلطان والتي يعلقهـا بعض النـاس اعتقـا ًدا فيها أهنا
تجلـب نفعـا أو تدفـع ضـرا أو تدفـع عينـا أو نحـو ذلـك ممـا لـم ُينـزل بـه
سـلطانا ،إن ممـا يلتحـق بذلـك -عبـاد اهلل -ما ُيشـاهد يف بعض السـيارات والسـيما
الشـاحنات مـن تعليـق بعـض ِ
الخ َـرق السـوداء يف مقدمتهـا أو مؤخرهتـا ويزعـم مـن
ُي َع ِّلقهـا أنّهـا تقـي العين أو ُت َسـ ِّلم السـيارة من الحـوادث أو نحو ذلك مـن االعتقادات
الباطلـة والظنـون الزائفـة التـي تنشـأ عـن الجهل بديـن اهلل وعـد ِم البصيرة هبُـدى كتابه
وسـنة نبيـه -صلـوات اهلل وسلامه عليـه ، -أيـن عقـول هـؤالء !! مـاذا تغنـي تلـك
الخـرق المعلقـة !! مـاذا تغنـي عـن صاحبها أو عن سـيارته شـيئا !! إن هـذا -عباد اهلل
َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ً ُ َ َ ْ [[[ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ َ َ
يمـة فلا أت َّـم -مـن التع ُّلـق بغيـر اهلل و ((مـن تعلـق شـيئا و ِكل ِإلي ِـه )) و ((مـن تعلـق ت ِم
َّ َ
الل ُـه ل ُـه [[[))..كمـا صـح بذلـك الحديـث عـن رسـول اهلل صلـوات اهلل وسلامه عليـه .
كل ٍ
أمـر ونسـأل اهلل أن يهدينـا إليـه ،وأن يوفقنـا التبـاع سـنته وأن يجنِّبنـا َّ
[[[ رواه الرتمــذي ( ،)2072وقــال األلبــاين( :حســن لغيــره) كمــا يف «صحيــح الرتغيــب»
(.)3456
[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» ( ،)17404وابــن حبــان يف «صحيحــه» ( ،)6086والبيهقــي
يف «ســننه الكــرى» ( ،)19389والحاكــم يف «مســتدركه» ( ،)7501وضعفــه األلبــاين يف
«السلســة الضعيفــة» (.)1266
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 31
ِ ِ ِ
يخالـف التوحيـد واالعتقـاد الخالـص ،وأن يجعلنـا مـن المعتمديـن عليـه ح ّقـا ،مـن
المتوكليـن عليـه صدقـا وأن ال يكِلنـا إال إليـه وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن إنه
سـبحانه سـميع الدعـاء وهـو أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل .
[[[
ي َعن الطِّ َي َرة النَّ ْ
ه ُ
الحمـد هلل؛ ال يـأيت بالحسـنات إال هـو ،وال يصـرف السـيئات إال هـو ،وال إلـه إال
اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛
هو ،وأشـهد أن ال إله إال ُ
صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آله وصحبـه أجمعين .
أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل ربكـم ،وراقبوه يف جميع أعمالكـم ؛ مراقبة من
يعلـم أن ر َّبه يسـم ُعه ويراه .
أيهـا المؤمنـون :لقـد جـاء اإلسلام بمـا فيـه بنـاء المسـلم علـى العقيـدة القويمـة
وحسـن التـوكل عليـه جـل يف علاه ،والبعـد
واإليمـان الراسـخ والثقـة الكاملـة بـاهلل ُ
عـن األوهـام والظنـون والخرافـة ونحـو ذلـك مـن التعلقـات الباطلات ،قـال اهلل
تعالـى :ﱷﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱶ [الطلاق ،]3:وقـال تعالـى:ﱷ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﱶ
[التوبـة.]51:
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1439-8-4 /هـ
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 33
ِ ِ ِ
أيهـا المؤمنـون :وممـا يتناىف مع هـذا االعتقاد والثقة باهلل وحسـن التوكل عليه جل
وهـدي أهـل الضالل
يف علاه الطيـرة والتطيـر والتشـاؤم ؛فإهنـا مـن أعمـال الجاهليـة َ
والباطـل ،وهـي اعتقـا ٌد مبنـي علـى الوهم والخرافة والظنون الكاسـدة الفاسـدة .
الطيـرة -عبـاد اهلل -سـوء ظـن بـاهلل ومجلبـة لألوهـام والظنـون ،واتبـاع لخطوات
وضعـف يف الثقـة بـاهلل والتـوكل عليـه ،
ٌ ٌ
وخلـل يف اإليمـان واالعتقـاد ، الشـيطان ،
ومجلبـ ٌة للشـرور واآلفـات ؛ ولهـذا -عبـاد اهلل -تكاثـرت األحاديـث عـن نبينـا ﷺ
تحذيـرا منهـا وهن ًيـا عنهـا وبيانًـا لفسـاد التعلـق هبـا ،ففـي «الصحيحيـن» أن النبـي ﷺ
ً
َ َ َ َ َ َ َ ْ َ
قـال(( :ل َعـد َوى َول ِط َي َـرة َول ه َامة َول َصف َـر))[[[ ،وهذه كلها من ظنون أهل الجاهلية
وتعلقاهتـم الباطلـة .
وأصـل الطيـرة -عبـاد اهلل -عنـد أهـل الجاهليـة :تعلـق هـؤالء القـوم بحـركات
الطيـر وأصواهتـا وهيئاهتـا ؛ فيتشـاءمون مـن بعـض أصواهتـا ،أو بعـض حركاهتـا ،أو
بعـض أصنـاف الطيـر ؛ ممـا يجعل الواحـد منهم ينثني عـن حاجته وال يقـوم بمقصده
عنـد حصـول هـذا التشـاؤم لـه[[[ .
جـاء يف «صحيـح مسـلم» عـن معاويـة بـن الحكـم السـلمي ﭬ وهو يسـأل النبي
[[[ رواه البخاري ( ،)5757ومسلم (. )2220
[[[ قــال العالمــة محمــد بــن صالــح العثيميــن « :$وهــي اســم مصــدر تطيــر ،والمصــدر منــه
تطيــر ،وهــي التشــاؤم بمرئــي أو مســموع ،وقيــل :التشــاؤم بمعلــوم مرئيــا كان أو مســموعا،
زمانــا كان أو مكانــا ،وهــذا أشــمل؛ فيشــمل مــا ال يــرى وال يســمع؛ كالتطيــر بالزمــان.
وأصــل التطيــر :التشــاؤم ،لكــن أضيفــت إلــى الطيــر؛ ألن غالــب التشــاؤم عنــد العــرب بالطيــر،
فعلقــت بــه ،وإال؛ فــإن تعريفهــا العــام :التشــاؤم بمرئــي أو مســموع أو معلــوم» القــول المفيــد
(.)515/1
34 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ﷺ عـن بعـض أعمـال أهـل الجاهليـة التـي كانـوا يصنعوهنـا قالُ «:كنَّـا َن َت َط َّي ُـر» ،فقـال
َ َ َّ َّ ُ َْ َُُ ُ ُ َ َ َ
النبـي ﷺ((:ذاك ش ْـي ٌء َي ِجـده أ َحدك ْـم ِفي نف ِس ِـه فلا َي ُصدنك ْـم))[[[؛ أي ليحذر المؤمن
بـاهلل الواثـق بـه جـل يف علاه أن يصـده مـا يهجـم على قلبـه من هـذا التطير لشـيء يراه
َ َ َّ َّ ُ
أو يسـمعه « ،فلا َي ُصدنك ْـم» أي عـن حاجتكـم .
ِّ ُ
((الط َي َـرة و يف «سـنن أبـي داود» عـن ابـن مسـعود ﭬ قـال :قـال رسـول اهلل ﷺ:
ٌ ْ ٌ ِّ ُ
الط َي َرة ِش ْـرك))[[[. ِشـرك،
وكان طـاووس مـع صاحـب لـه يف طريـق فسـمع صـوت غـراب يصيـح فقـال:
«:وأي خيـر عنـد هـذا!!»[[[.
ُّ «خيـر» ،فقـال
نعـم عبـاد اهلل هـذه مجـرد تعلقـات باطلة قد تعلـق يف القلب فإذا صـدَّ ت المرء عن
[[[ رواه مسلم (.)537
[[[ رواه أبــو داود ( ،)3910وكــذا الرتمــذي ( ،)1614وابــن ماجــه ( ،)3538وصححــه
األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة» (.)429
[[[ انظر« :التمهيد» ( ،)194/24و«فتح الباري» (.)215/10
[[[ انظر« :تيسير العزيز الحميد» (ص.)375
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 35
ِ ِ ِ
ٍ
وضـرب مـن ضـروب الجاهليـة التي ما حاجتـه فقـد وقـع يف ٍ
بـاب مـن أبـواب الشـرك
أنـزل اهلل هبـا من سـلطان .
تأثيـر يف
أيهـا المؤمنـون :وخطـورة الطيـرة علـى العبـد إنمـا هـي عندمـا يكـون لهـا ٌ
سـلوكه وعملـه ؛ ولهـذا جـاء يف الحديـث الصحيـح يف «المسـند» وغيره عـن ابن عمر
َ ْ َ َّ ْ ُ ِّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ
اج ٍـة فقد أش َـرك)). ﭭ أن النبـي ﷺ قـال (( :مـن ردتـه الطيـرة ِمـن ح
أي وقـع يف ٍ
بـاب مـن أبـواب الشـرك ،لكـن المسـلم الواثق باهلل إذا عرض له شـيء
مـن ذلـك لـم يلتفـت إليـه ولم ِ
يبـال به ومضـى يف حاجته مسـتعينا باهلل متـوكال عليه .
َ ْ َ َّ ْ ُ ِّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ
ـولاج ٍـة فق ْد أش َـر َك))َ ،قا ُلوا َ :يا َر ُس َ قـال ♥(( :مـن ردتـه الطيـرة ِمـن ح
ـار ُة َذل ِ َك ؟ ِ
اهلل َمـا َك َّف َ
َ َ َ َّ َ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َُ َ َ ُ ُ
ـول أ َحده ْـم :الل ُه َّـم ال خ ْي َـر ِإال خ ْي ُـرك َ ،وال َط ْي َـر ِإال َط ْي ُـرك َ ،وال ِإل َـه قـال ((:أن يق
َ َ
غ ْي ُـرك))[[[ حديـث صحيـح .
أيهـا المؤمنـون :والطيـرة عندمـا تكـون مسـل ًكا لإلنسـان أي يعتنـي هبـا ويهتـم لهـا
وبالء عليه ؛ولهذا روى ابن حبان يف «صحيحه» ٍ ويبني عليها كانت حينئذ سـبب ٍ
شـر
َ َ َ َ َ َ ِّ ُ َ
الط َي َـرة َعلـى َم ْـن ت َط َّي َـر))[[[؛ وتأملـوا عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال (( :ل ِطيـرة ،و
َ َ ِّ ُ َ
الط َي َـرة َعلـى َم ْـن ت َط َّي َـر»أي أهنـا عندمـا تكـون مسـل ًكا قـول نبينـا ♥ «و
للمـرء تكـون مجلبـ ًة للشـرور عليـه عقوبـ ًة مـن اهلل لـه ،أمـا المؤمـن المتـوكل على اهلل
[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» ( ،)7045وابــن الســني يف «عمــل اليــوم والليلــة» ( ،)291وصححه
األلبــاين يف «السلســلة الصحيحة» (.)1065
[[[ رواه ابن حبان ( ،)6123وحسنه األلباين يف «التعليقات الحسان» (.)6090
36 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
جـل يف علاه فلا يضـره شـيء مـن ذلك .
أيهـا المؤمنـون :نحمـد اهلل جـل يف علاه أن هدانـا لهـذا الدين العظيـم ،وأن جعلنا
نجانـا هبـذا الديـن مـن الخرافـة والضلال والباطـل ؛ فللـه
مـن أهـل اإلسلام ،وأن َّ
كثيـرا طي ًبـا مبـاركًا فيـه كمـا
ظاهـرا وباطنـا ،حمـدً ا ً
ً الحمـد ً
أول وآخـر ،ولـه الشـكر
يحـب ربنـا ويرضـى .
الخطبة الثانية:
عبـاد اهلل :ويف هـذا البـاب -بـاب التحذيـر من الطيرة -يقـول نبينا ♥
َْ ْ َ َ َ ْ
كمـا يف «الصحيحيـن» (( :ل َعـد َوى َول ِط َي َـرة َو ُي ْع ِج ُب ِني الفأ ُل)).
رزقنـا اهلل أجمعيـن ُحسـن الثقـة بـه وتمـام التـوكل عليـه ،وأصلـح لنـا
أجمعيـن شـأننا كلـه إنـه ولـي التوفيـق والسـداد ال شـريك لـه جـل يف علاه .
جريمة االستهزاء
[[[
بالله والقرآن والرسولﷺ
الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ،وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ،أحمـده
بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل ،وأثني عليه الخير كلـه ال أحصي ثنا ًء عليـه هو كما أثنى
ٍ
وإيمان ٍ
تعظيم لجنابه على نفسـه ،وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له شـهادة
أن محمـد ًا عبده ورسـوله الداعي إلـى صراط اهلل
بعظمتـه وجاللـه وكربيائـه ،وأشـهد َّ
المسـتقيم ودينـه القويـم ،صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى ؛ فـإن يف تقـواه سـعادة الدنيـا،
والفـوز بثـواب اهلل ،والنجـاة مـن عقابـه وسـخطه سـبحانه ،وتقـوى اهلل ٌ :
عمـل
وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل ٌ بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ،
إننـا -أيهـا المؤمنـون -ال نتصـور وجـود شـخص يف ديـار اإلسلام يكتـب كالمًا
بشـيء مـن شـرع اهلل ٍ فيـه اسـتهزا ٌء بـاهلل أو اسـتهزا ٌء برسـوله ﷺ أو اسـتهزا ٌء
انحـل منـه التعظيم هلل أتى بالعجائـب والغرائب َّ ، لكـن ذلـك القلـب إذا
َ
((أ َال َوإ َّن فـي َ
الج َس ِـد ِ ِ ،فمـدار صلاح اإلنسـان وفالحـه علـى صلاح قلبـه وزكائـه ،
ُ ْ َ ً َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ ُّ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ُّ َ َ
الج َسـد كل ُـه ؛ أال َو ِه َـي مضغـة ِإذا صلحـت صلـح الجسـد كلـه ،و ِإذا فسـدت فسـد
الق ْل ُ
ـب))[[[ .
َ
ٍ
بشـيء مـن أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :إن االسـتهزاء بـاهلل أو برسـول اهلل ﷺ أو
شـرائع اإلسلام وأحـكام الديـن رد ٌة عـن اإلسلام وجريمـ ٌة عظمى ومصيبـ ٌة كربى ال
تصـدُ ر مـن ٍ
قلـب مؤمـن ،فوجود هـذا االسـتهزاء ٌ
دليل علـى الكفر وذهـاب اإليمان ؛
ولهـذا قـال اهلل تعالـى يف سـورة التوبة -التي تسـمى الفاضحة[[[ ألن اهلل
فضـح فيهـا المنافقيـن وهتـك أسـتارهم وكشـف عـن مخازيهـم -يقـول اهلل :
[[[ رواه البخاري ( ،)52ومسلم (.)1599
[[[ «اإلتقان» (.)152/1
40 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ﱷﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱶ[التوبـة]؛
إنَّـه اإلجـرام الفظيـع والتعـدي الشـنيع أن يتطـاول إنسـان َخ َلقـه اهلل ومـ َّن عليـه
بالسـمع والبصـر والفـؤاد والحـواس فيتلفـظ لسـانه تطـاو ً
ال علـى اهلل رب العبـاد ،أو
ال على شـرع اهلل ، أو هتكمًا واسـتهزا ًء برسـوله ومصطفاه ﷺ ،أو تعدِّ يًا تطاو ً
ٍ
شـيء مـن شـرع اهلل وأحـكام اهلل ،أيـن عقـل هـذا اإلنسـان ؟! أيـن فكـره ؟! أيـن علـى
وعيـه ؟! أيـن معرفتـه ؟! إذا كان سـمح للسـانه أن يتلفـظ بتلـك األلفـاظ وأن يتعـدى
ويتجـاوز بتلـك التعديـات والتجـاوزات .
لمـا َق َفـل النبـي ♥ مـن غـزوة تبوك وأب َلـى وأبلـى الصحابة معـه بال ًء
عظيمـا قـال أحـد المنافقيـن يف مجلـس مـن المجالـس « :مـا رأينـا مثـل ُق َّراءنـا هؤالء
أرغـب بطونـا وال أكـذب ألسـنًا وال أجبـن عنـد اللقـاء » ،فقال رجـل يف المجلس« :
َّ
ألخبرن رسـول اهلل ﷺ »[[[ ،فبلـغ ذلكـم النبـي ﷺ ونـزل كذبـت ؛ ولكنـك منافـق ،
َ
بذلكـم القـرآن ،فجـاء ذلـك الرجـل إلـى النبـي ﷺ يعتـذر ممـا قـال ،فـكان النبـي
♥ ال ينظـر إليـه وال يلتفـت إليـه وال يزيـد على أن يقـول له :ﱷﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ ،وقول
اهلل ﱷﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ فيـه ٌ
دليـل أن قائـل هذه المقالة كان
فتحـول بمقالته تلـك إلى مرتدٍّ كافر بـاهلل ، وهذا
َّ قبلهـا مـن أهـل اإليمان
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ويف ظـل وجـود مثـل هـذه اآلفـة وصـدور مثـل هـذه
ٍ
أنـاس هـم مـن بنـي جلدتنا ومـن أبناء ٍ
وألفـاظ تسـ َّطر مـن ٍ
كلمـات ُتكتـب األقاويـل يف
المسـلمين ويف ديـار المسـلمين تتأكـد المسـئولية ويعظـم الواجـب يف صيانـة األبنـاء
وحفـظ النـشء ،وقـد قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﱶ
[التحريـم. ]6:
اللهـم يـا ربنـا ويـا خالقنـا وموالنـا سـ ِّلمنا يـا رب العالميـن ِّ
ونجنـا مـن هـذه الفتـن
[[[ رواه البخاري (.)6478
42 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
واحفـظ أبناءنـا وبناتنـا ،اللهـم احفـظ أبناءنـا وبناتنـا وجنِّبهـم الفتـن مـا ظهـر منها وما
بطـن ،اللهـم وأصلـح لنـا ن َّيــاتنا وذرياتنـا وال تكِلنـا إلى أنفسـنا طرفة عيـن .أقول هذا
ذنب فاسـتغفروه يغفر لكمالقـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكم ولسـائر المسـلمين مـن كل ٍ
إنـه هـو الغفـور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مباركًا فيه ،وأشـهدُ أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه
لـه ،وأشـهدُ َّ
أجمعيـن .أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل تعالـى .
الشـاكرين ،أحمده --وأثني عليـه الخير ك َّله ،أحمده الحمـد هلل حمـد َّ
- -بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل ،و ُأثنـي عليـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو كمـا
محمـدً ا أثنـى علـى نفسـه ،وأشـهد أن ال إلـٰـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
أن َّ
عبـده ورسـوله ص ّلـى اهلل وسـ ّلم عليـه وعلى آلـه وصحبـه أجمعين .
أ ّمـا بعـد أ ُّيهـا المؤمنـون ع َبـاد اهلل :ا ّتقـوا اهلل تعالى وراقبـوه مراقبة من يعلم
عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجـا َء أن ر َّبـه يسـمعه ويـراه ،وتقـوى اهلل ٌ : َّ
وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل خيفة عـذاب اهلل. ٌ ثـواب اهلل ،
ع َبـا َد اهلل :ومـن أعظم جرائم ال ِّلسـان وأفظعها وأشـدِّ ها وأشـنعها االسـتهزا ُء باهلل ،
بــالرسول
أو بشـيء من أسـمائه وصفاته ،أو بشـيء من آياته ، أو االستــهزا ُء َّ
♥ ،أو بِـشــيء مِ َّـمــا َجــاء َعـنْــه ﷺ ،أو االستهزا ُء بال َّثواب الذي أعدّ ه
اهلل للمطيعيـن ،أو بالعقـاب الـذي أعـدّ ه اهلل للكفـرة والعاصيـن ،فاالسـتهزاء بذلـك
العلـي العظيم.
ِّ وكفر بـاهلل
اإلسلام ٌ ،
ناقـض مـن نواقـض ْ
أو بشـيء منـه ٌ
كلمـات يسـيرة قـد تصدر من اإلنسـان ولوٌ ع َبـا َد اهلل َّ :
إن االسـتهزاء وهـي كلمـة أو
كان اله ًيـا الع ًبـا مريـدً ا تمضيـة الوقت يكون بذلـك هالكه يف دنياه و ُأخـراه ،وكم من
بـال أوبقت له دنيـاه و ُأخراه .
كلمـة قالهـا المـرء ال ُيلقـي لها ًٍ
يب ِّيـن ذلـك مـا رواه ابـن جرير الطربي يف «تفسـيره» عن عبـد اهلل بن عمر ﭭ قال:
َ
تبـوك يف مجلـس :مـا رأينـا مثـل ّقرائنـا هـؤالء أرغـب بطونًـا وال رجـل يف غـزوة قـال ٌ
كذبـت ولكنك
َ رجـل يف ذلـك المجلـس: أكـذب َأ ْل ُسـنًا وال أجبـ َن عنـد اللقـاء ؛ فقـال ٌ
46
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
َّ
خبرن رسـول اهلل ﷺ ،فذهـب ليخبر الرسـول ♥ فوجـد أن منافـق ،ألُ
النبـي ﷺ .فجـاء ذلـك الرجـل إلـى النبـي ♥
َّ القـرآن نـزل بذلـك علـى
معتـذرا ،قـال عبـد اهلل بـن عمـر ﭬ :فأنـا رأيتـه متع ِّل ًقـا بح َقـب ناقـة رسـول اهلل ﷺ
وحقـب الناقـة هـو :السـ ْير الـذي ُيشـد بـه رحلهـا -قـال ابن عمـر :فأنا رأيتـه متع ِّل ًقا ُ -
ـب ،ورسـول اهلل ﷺ ـوض َو َن ْل َع ُ بح َقـب ناقـة رسـول اهلل ﷺ يقـول :إِن ََّمـا ُكنَّـا ن ُ
َخ ُ
يقـول :ﱷﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗﱶ[التوبـة.[[[ ]66-65:
أقـول هـٰـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن ِّ
كل ذنـب
الرحيـم.
يغفـر لكـم إنّـه هـو الغفـور َّ
ْ فاسـتغفروه
[[[ انظر« :تفسير ابن جرير» ( ،)334/14و«تفسير ابن أبي حاتم» (.)1829/6
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 47
ِ ِ ِ
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ،واسـع الفضـل والجـود واالمتنان ،وأشـهد أن ال إلـٰـه
محمدً ا عبدُ ه ورسـوله ،ص ّلى اهلل وسـ ّلم عليه
أن ّإال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد ّ
وعلـى آله وصحبـه أجمعين.
أ ّمـا بعـد ع َبـا َد اهلل :ا َّتقـوا اهلل -تعالـى -يف ِّ
الس ِّـر والعالنيـة والغيـب َّ
والشـهادة ،
محم ٍـد
الهـدى ُهــدى َّأن أصـدق الحديـث كالم اهلل وخيـر ُ واعلمـوا -رعاكـم اهللّ -
وكل ضاللـةوكل بدعـة ضاللـة َّ ،
وكل محدثـة بدعـة َّ ،
وشـر األمـور محدثاهتـا َّ ، ﷺَّ ،
يف النَّـار ،وعليكـم بالجما َعـة َّ
فـإن يـد اهلل علـى الجماعـة .
وممـا نذكِّـر بـه صيـام يـوم عاشـوراء وصيـام يـو ٍم قبلـه ؛ موافقـ ًة للن ِّ
َّبـي ع َبـا َد اهلل ّ :
وكسـ ًبا لثـواب ذلـك اليـوم العظيم ،ومخالفـ ًة لليهود بصيام يو ٍم قبلـه ؛ فصوموا ﷺْ ،
ــد ،وقــد َقــال ♥ : ــد وبعـد َغ ٍ
-عبــاد اهلل -التَّــاسع والعاشـر ،يـوم َغ ٍ
َ
َّ َ ْ ُ َ ِّ َ َّ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ََْ ُ َ
الس َـنة ال ِتـي ق ْبل ُـه ))[[[ . ـب َعلـى الل ِـه أن يكفـر ((وصيـام يـو ِم عاشـوراء أحت ِسِ
ال َّلهـم ِ
أعنَّـا أجمعيـن على ذكرك وشـكرك وحسـن عبادتك ،وأصلح لنا شـأننا ك َّله َّ
يـا ذا الجالل واإلكرام.
َّ
إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل من شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،
اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ،ب َّلغ
وأشـهد أن ال إله إال ُ
الرسـالة ،وأدى األمانـة ،ونصـح األمـة ،وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين،
شـرا إال َّ
حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه خيـرا إال َّ
دل األمـة عليـه ،وال ً فمـا تـرك ً
عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقوا اهلل ربكـم وراقبوه جل يف علاه مراقبة ٍ
عبد
عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل يعلـم أن ربـه يسـمعه ويـراه .وتقـوى اهلل ٌ :
وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل خيفة عـذاب اهلل . ٌ رجـاء ثـواب اهلل ،
جـاء يف «صحيـح البخـاري» عـن عبـد اهلل بـن عبـاس ﭭ قـال :سـمعت عمـر بن
َ َُ
الخطـاب ﭬ يقـول علـى المنبر :سـمعت رسـول اهلل ﷺ يقـول ((ال ت ْط ُر ِونـي ك َمـا
ُ ُ َّ ُ ُ َُ ُ َ َّ َ َ َأ ْط َـر ْت َّ
ـارى ْاب َـن َم ْر َي َـم ،ف ِإن َمـا أنـا َع ْبـده ،فقولـوا َع ْبد الل ِـه َو َر ُسـول ُه))[[[ .
الن َص َ
َّ
فحـذر ناصحـا أمينـا
ً أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ولقـد كان نبينـا ♥
األمـة أشـد التحذيـر مـن الغلـو فيـه ♥ ،وقـد تكاثـرت عنـه األحاديـث
يف ذلـك ؛ والسـيما عنـد سـماعه ﷺ كال ًما فيه شـيء من الغلـو فيه ♥ .
وجـاء يف «المسـند» مـن حديـث األسـود بـن سـريع ﭬ أن النبـي ﷺ ُأيت بأسـير
ْ فقـال « :ال َّلهـم إِنِّـي َأ ُتـوب إِ َلي َك و َل َأ ُتـوب إِ َلى محم ٍد» َف َق َال النَّبِـي ﷺَ :
((ع َر َف ال َح َّق ُّ ُ َ َّ ُ ُ ْ َ ُ َّ
َْ
ِله ِل ِه))[[[ .
وجـاء يف «الصحيحيـن» عـن ابـن عبـاس وعائشـة ﭬم قـاال َ « :لمـا ن ََـز َل بِرس ِ
ـول َ ُ َّ
َـم بِ َها ك ََشـ َف َها َعـ ْن َو ْج ِه ِـهَ ،ف َق َال ِ ِ ِ ِ
يصـ ًة َلـ ُه َع َلـى َو ْج ِهـه َفـإِ َذا ا ْغت َّ
اهَّلل ﷺ َطف َـق َي ْط َـر ُح َخم َ
َو ُه َـو ك ََذل ِ َ
َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ الي ُ َ ْ َ ُ َّ َ َ
ـاجد)) ِ س م ـم ه ائ
ِ ِِ ي ب ن أ ـور ب ق واـذ خ ات ى، ـار ص الن و ـود
ِ ه َ ـى ل ـك (( :لعنـة الل ِـه ع
ُي َح ِّـذ ُر َمـا َصنَ ُعـوا»[[[ .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ومن ابتُلوا باالحتفاالت البدعيـة كاالحتفال بمولد النبي
يسـلم كثيـر مـن هـؤالء من قصائد ينشـدوهنا يف ليلـة المولد وغيره
♥ ال ْ
مـن ليالـي االحتفـاالت التـي توصف بأهنـا دينيـة والحقيقة أهنـا بدعية؛ فينشـدون فيها
مـن القصائـد القائمة على الغلو يف شـخصه ♥ .
فنسـأل اهلل عـز وجبـل أن يعمـر قلوبنـا أجمعيـن بالمحبـة الصادقـة للنبـي الكريـم
♥ ،وأن يعيذنـا مـن الغلـو يف الديـن ،وأن يهدينا إليه صرا ًطا مسـتقيما ،
وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه إنـه سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا
ونعـم الوكيل .
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل كثيـرا ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا
عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليه وعلى آله وصحبـه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى .
َّ َ ُ
عبـاد اهلل :ثبـت يف «مسـند اإلمـام أحمد» وغيره أن النبي ﷺ قال « :الش َـهادة َس ْـب ٌع
ُ َ ْ َّ ْ َ ْ ُ ُ َ ٌ َ ْ َ ُ َ ٌ س َـوى ْال َق ْ
ات ال َج ْن ِبِ ذ ـب اح
ِ َ
ص َ
و ،يد ـه
ِ ش ق ـر
ِ غ ال و ،يد ـه
ِ ش ـون ع ط م ال :ـه الل
ِ ِ ِ يل ـبسَ ـيف ـل
ِ ِ ت ِ
ْ َ ٌ ْ ُ َ َ َّ َ ٌ ْ َ ٌ َ َُْ ُ َ ٌ ْ
يق ش ِـهيدَ ،وال ِذي َي ُموت ت ْحت ال َهد ِم ش ِـهيد، ِ ِر اح ُب ال َ
ح ِ ص يدَ ،و َ ش ِـهيد ،والمبطون ش ِـه
طب الم ْن َبر َّية الخ َ البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 53
ِ ِ ِ
َ ٌ ـب ْال َ يد »[[[ ،فقولـه ﷺ َ « :و ََ ْ َ ْ َُ َ ُ ُ ُ ْ َ ٌ
يـق ش ِـهيد » أي مـن ر
ِ ِ ح اح ُ
ِ ص والمـرأة تمـوت ِبجم ٍـع ش ِـه
مـات حرقا .
ٍ
مصـاب ج َلـل أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ويف هـذا المقـام نذكـر إخوانًـا لنـا يف
ٍ
وحـادث مؤلـم ؛ أال وهـو حـادث حريـق مستشـفى جيـزان العـام ،وقـد راح فيـه عـدد
مـن الوفايـات وكثيـر مـن المصابيـن ،فنسـأل اهلل أن يتقبـل الموتـى شـهداء يف
سـبيله ،وأن يجيرنـا وأهليهـم والمسـلمين يف مصابنـا ،وأن يشـفي المصابيـن بمنِّـه
وكرمـه ،وأن يمـن علينـا أجمعيـن باألمـن واإليمـان والعافية والسلامة إنه
جـواد كريـم .
َّ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ؛ مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله ؛ ب ّلغ
الرسـالة وأدى األمانـة ونصـح األمـة وجاهـد يف اهلل حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن ،
فمـا تـرك خيـر ًا إال دل األمـة عليـه ،وال شـر ًا إال حذرهـا منـه ،فـكان ♥
رسـو ً
ال أمينـا ،وناصحـا مشـفقا ،ومربيـا كريمـا ﱷ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ
ﯚﱶ [التوبـة ]128:فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ،
أمـا بعد:
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى وراقبوه -سـبحانه -مراقبة من يعلم أن
ربه يسـمعه ويراه .
تأمـل أيهـا المؤمـن -رعـاك اهلل -هـذا الحديـث العظيـم الـذي يحـرك القلـوب
ِ
المعرضـة مب ِّينـا المكانـ َة العظمـى والمنزلـ َة العاليـة لهـذا الرسـول الغافلـة والنفـوس
نخلـة كان يقـوم إليـه النبي ♥ ٍ الكريـم ♥ ؛ حتـى إن جـذع
الجـذع حدي َثـه ﷺ ،فلمـا ابتعـد ﷺ عـن ذلـك الجـذع وأخـذ يخطـب
ُ فيسـمع ذلـك
صـوت كصـوت العشـار ،والعشـار هـي ٌ علـى المنبر حـ ّن ذلـك الجـذع وصـار لـه
َّ ِّ [[[ ((ج َع َل ْت َتئ ُّن َأن َ
يـن الص ِبي)) النـوق الحوامـل ،وجـاء يف بعـض األحاديث أن الجـذع َ
ِ ِ
نخلـة يحـن إلـى أحاديـث رسـول اهلل ﷺ فكيـف عبـاد اهلل باإلنسـان المؤمن ؟! ٍ جـذع
ُ
كان الحسـن البصـري -رحمـه اهلل تعالـى وهـو مـن أئمـة التابعيـن -إذا حـدّ ث
هبـذا الحديـث بكـى ثـم قـال « : $فأنتـم أحـق أن تشـتاقوا إلـى رسـول اهلل ﷺ مـن
الجـذع»[[[.
أيهـا المؤمنـون :وهـذه وقفـة يف ذكـر شـيء مـن صـور الجفـاء يف حـق هـذا النبـي
الكريـم ♥ التـي ظهـرت وبـرزت يف بعض النـاس تحذير ًا منهـا وتذكير ًا
بمقـام نبينـا -الكريـم ♥ -وبمـا يجـب علينـا أمـة اإلسلام تجاهـه
صلـوات اهلل وسلامه عليـه :
ضعـف محبتِـه ﷺ يف القلـوب ، ُ فمـن مظاهـر الجفـاء وصـوره أيهـا المؤمنـون :
وملـذات فانيـة علـى محبتِـه ﷺ ،وقـد ثبـت ٍ ٍ
وأهـواء زائلـة ِ
محبـة دنيـا زائفـة وتقديـم
ُ
َ ْ َْ َ َّ
((وال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِه ال ُيؤ ِم ُـن يف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال :
النـاس َأ ْج َم ِع َ
يـن))[[[ . ـب إ َل ْيـه م ْـن َوالـده َو َو َلـده َو َّ
َّ ـون َأ َ
ح
َ َ ُ ُ ْ َ َّ َ ُ َ
أحدكـم حتـى أك
ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ
َْ َ َ َ َ َُ َ َ
((:ح َّتى أكون أ َح َّب ِإل ْيك ِم ْن نف ِسك))[[[. وجاء يف «صحيح البخاري»
ولمعرفـة هـذا الضعـف يمتحـن المـرء نفسـه يف ضـوء قـول اهلل :
ﱷﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﱶ[آل
عمـران. ]31:
ومـن ذلكـم أيهـا المؤمنون :عـدم تعظيم أحاديث رسـول اهلل ﷺ ،فتلقى أحادي ُثه
ﷺ المنِي َفـة وكلما ُتـه الشـري َفة يف بعـض المجالـس فلا يكـون لهـا هيبـة ،وال ُيرفـع
عـرف لهـا مكانـة ،بـل إهنـا تمـر كأحاديـث غيـره ♥ ، لهـا رأس ،وال ُت َ
بـل و ُيعترض عليهـا بــ «لِـم ولكـن وكيـف « ..ونحـو ذلِكـم مـن االعرتاضـات ،فأين
التعظيـم لهـذا الرسـول الكريـم ♥ ؟! وأيـن المعرفـة بقـدره ﷺ ؟! إذا
كان حديثـه ﷺ يكـون شـأنه عنـد النـاس كأحاديـث غيره صلـوات اهلل وسلامه عليه،
وقـد قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱶ[النجـم] .
ِ
وأخباره قراءة سـيرتِه المباركة
ِ ومـن صـور الجفـاء أيها المؤمنـون :االنصراف عن
ٍ
سـيرة الشـريفة المجيـدة ♥ فـإن سـيرته -أيهـا المؤمنـون -هـي أزكـى ِ
ِ
العبـاد سـريرة ؛ إهنـا سـير ُة سـيد ولـد آدم ﷺ ،فترى علـى اإلطلاق ألفضـ ِل وأكمـ ِل
منشـغل بقـراءة سـ َي ِر
ٌ ِ
العطـرة ِ
المجيـدة ِ
السـيرة معـرض عـن هـذه يف النـاس مـن هـو ِ
ِ
قراءة سـير أقوام ال خالق ِ
األمـة ورقيهـا ،بل ويف وزن يف ِ
عـز تافهيـن ال قيمـ َة لهـم وال َ
لهـم عنـد اهلل ، فتمضـي أوقـات و ُتزهـق سـاعات يف قـراءة سـ َي ٍر ال قيمـة لهـا
سـيرة سـيد ولـد آدم ♥ ،والشـك -أيهـا ِ ٍ
وإعـراض عـن ٍ
غفلـة تامـة مـع
ِ
الجفـاء يف حقـه وعـد ِم المعرفـة بقـدره ومكانتـه صلـوات اهلل المؤمنـون -أن هـذا مـن
وسلامه وبركاتـه عليه .
58 طب الم ْن َبر َّية الخ َالبه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ ُّ
ِ ِ ِ
الشـنيعة -أيهـا المؤمنـون -اإلقبـال علـى البـد ِع المحدثات ِ ومـن مظاهـر الجفـاء
ٍ
إعراض ُ
واالسـتدالل لها ؛ يف مقابـ ِل والـذب عنهـا وتعظيمهـا واألهـواء المخرتعـات ِ
ُ ُ
عمـا جـاء عـن الرسـول الكريـم ♥ ،وقـد صـح الحديـث عنـه ﷺ أنـه
َ ًَ
ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه ـب َع ْـن ُس َّـن ِتي َف َل ْي َـس ِم ِّنـي))[[[ ،وقـال َ ((:م ْـن َع ِم َ فم ْـن َرغِ َ قـال َ ((:
ٌّ َ َ َ
أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[ ،وكان إذا خطـب النـاس يـوم الجمعـة يقـول ♥ ((:
َ ُ َّ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َّ ْ ُ
ال ُ َأ َّمـا َب ْع ُـد َفـإ َّن َأ ْص َـد َق ْال َ
ور م ـر ش و ،دٍ م ح م ي ـد ه ي د ه ال َ
ـلض ف أ ن إ و
ِ ِ ـه الل اب ت ك يـث
ِ ِ ِ د ح ِ
ِ ِ
َ َ َ ٌ ُ ْ ََ ُ
ُم ْحدثات َهـاَ ،وك َّل ِبد َع ٍـة ضللـة ))[[[.
ِ
الجفـاء -أيهـا المؤمنـون -يف حـق النبـي الكريـم ♥ : ومـن صـور
عـدم العنايـة بالصالة والسلام عليه ﷺ والسـيما عند ذكـره ﷺ ،وقد صح الحديث
ُ ُ ْ
عنـه يف «مسـند اإلمـام أحمـد» وغيـره أنـه ♥ قـال (( :ال َب ِخيـل َم ْـن ذ ِك ْرت
ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ ِّ َ
ـل َعل َّي))[[[.ِعنـده فلـم يص
اللهـم ِّ
صـل علـى محمـد وعلـى آل محمـد كمـا صليـت علـى إبراهيـم وعلـى آل
إبراهيـم إنـك حميـد مجيـد ،وبـارك علـى محمـد وعلـى آل محمـد كمـا باركـت على
إبراهيـم وعلـى آل إبراهيـم إنـك حميـد مجيـد .
وكفـى يف هـذا البـاب ِ
قـول ربِنـا َ
جـل شـأنُه :ﱷ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
أيهـا المؤمنـون ومـن صور الجفاء يف حـق نبينا الكريم صلوات اهلل وسلامه عليه :
حم َل ِة
قـاص مقـا ُم أصحابـه الكـرام ،وتابعيهم بإحسـان ،وأئمـة الحق والهدى مـن َ
ِ
انت ُ
السـنة وأنصـار ديـن اهلل ؛ فـإن االنتقـاص ألقـدار هـؤالء مـن الجفـاء يف حق
النبـي الكريم ♥ .
لنتقـي اهلل ربنـا ،ولنعظـم نبينـا ♥ التعظيـم الالئق أال أيهـا المؤمنـون ِ
هذا وإنا لنسأل اهلل --أن يعمر قلوبنا أجمعين بمحبة نبينا ♥،
ِ
وصوره العديدة وبمعرفـة قـدره ومقامـه ﷺ ،وأن يعيذنـا أجمعين من مظاهر الجفـاء
ِ
سـديد األقـوال وصالـحِ األعمـال .أقـول ،اللهـم وفقنـا إلهنـا لمـا تحبـه وترضـاه مـن
هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنب فاسـتغفروه يغفر
لكـم إنـه هو الغفـور الرحيم .
60 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
الخطبة الثانية:
الحمد هلل عظيم اإلحسـان ،وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد
أن محمـد ًا عبـدُ ه ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ..أمـا
بعد :
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة مراقبـة مـن
يعلـم أن ربـه يسـم ُعه ويـراه ،وأكثـروا -أيهـا المؤمنـون -مـن الصلاة والسلام علـى
رسـول اهلل -صلـوات اهلل وسلامه عليـه -والسـيما يف هـذا اليـوم المبـارك الـذي جاء
عنـه ﷺ األمـر باإلكثـار مـن الصلاة والسلام عليـه فيـه ؛ ولهـذا كان اإلمـام الشـافعي
الص َل ِة على النبـي ﷺ يف كل َح ٍ
ال وأنا يف ـب َك ْث َـر َة َّ
ِ
«و ُأح ُّ -رحمـه اهلل تعالـى -يقـول َ :
اسـتِ ْح َبا ًبا»[[[. ِ ِ
َي ْـو ِم ا ْل ُج ُم َعـة َو َل ْي َلت َها َأ َشـدُّ ْ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله
وصفييـه وخليلـه وأمينـه علـى وحيه ومبلغ الناس شـرعه؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه
وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن.
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالى ؛ فـإن تقوى
السـعادة وسـبيل الفـوز والفلاح يف الدنيـا واآلخرة .
اهلل هـي أسـاس ّ
عبـاد اهلل :والشـيطان لـه مدخلان[[[ علـى اإلنسـان ينفـذ مـن خاللهما علـى المرء
السـبيل السـوية
المسـلم ليصـدّ ه عـن ديـن اهلل وليغويـه عـن طاعـة اهلل وليصرفـه عـن ّ
والطريقـة المرضيـة ؛ وهمـا :مدخـل الشـبهات ،ومدخـل الشـهوات .
-أما مدخل الشـهوات عباد اهلل :فإن الشـيطان إذا رأى يف المسـلم ميالً للمعاصي
وجملها عنده ليكون متبعًا لشـهواته راكضًا
ونمقها يف نفسـه ّ
وحبـا لهـا ز َّينهـا يف عينه َّ
وراء ملذاتـه منصرفًا عن دينه وطاعة ربه سـبحانه .
-وأما المدخل الثاين عباد اهلل :فهو مدخل الشبهات ويدخل منه الشيطان إذا رأى
يف اإلنسـان تمسـكًا بالديـن وحرصـا على طاعـة رب العالميـن و ُبعد ًا عن الشـهوات
ّ
والملـذات ،فـإذا وجـد المـرء المسـلم هبـذه الصفـة فإنـه يدخـل عليه من والمعاصـي
طريـق الشـبهة فيصـل بـه إلى الغلو يف الديـن وإلى التطرف والتشـدد والمغاالة يف دين
حسـبما أ َمر ؛
اهلل ليخـرج مـن ديـن اهلل ومـن الطريـق السـوية ومن طاعـة اهلل ْ
فيزيـن الشـبهات ويأخـذ باإلنسـان إلـى الغلو يف الدين والتشـدّ د فيه إلـى أن يخرج منه
[[[ قــال اإلمــام ابــن القيــم « : $وللشــيطان فيــه نزغتــان :إمــا إلــى تفريــط وتقصيــر ،وإمــا إلــى
مجــاوزة وغلــو؛ وال يبالــي بأيهمــا ظفــر» «إغاثــة اللهفــان» (.)116/1
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 63
ِ ِ ِ
وهـو يظـن أنه مطيعـا هلل محافظًا علـى أوامر اهلل .
وال يـزال الشـيطان حريصـا علـى صـرف اإلنسـان عـن طريـق اهلل المسـتقيم وعـن
صراطـه القويـم وال يبالـي عـدو اهلل بـأي األمريـن ظفـر ؛ إمـا إيقـاع المـرء يف الشـبهة
ونصبـه أن ينصـرف المسـلم عـن طاعـة
هـم الشـيطان ووكَـده َ
أو إيقاعـه يف الشـهوة ّ ،
اهلل وعـن السـبيل الصحيحـة التـي أمـر اهلل هبـا ،ولهـذا -عبـاد اهلل -تكاثـرت األدلـة
يف الكتـاب والسـنة بتحذيـر المؤمنيـن مـن الغلـو يف الديـن والتشـدد فيـه والخـروج
ْ ُ ُ َ َّ ُ
((إ َّياك ْـم َوالغل َّـو ف ِإن َمـا
بـه تطرفـا وغلـو ًا وتز ُّيـدا ،يقـول ﷺ يف الحديـث الثابـت عنـه ِ
َ ََ َ ْ ِّ ان َق ْب َل ُك ْـم ب ْال ُغ ُل ِّ
ََ َ َ ْ َ َ
يـن ))[[[ ،ويقـول ﷺ(( :هلـك ال ُم َت َن ِّط ُعـون))[[[ ؛ ِ الد ـيفِ ـو ِ هلـك مـن ك
والمتنطعـون عبـاد اهلل :هـم المتشـددون يف غيـر موضـع الشـدة .
فالغلـو والتشـدد والتز ُّيـد يف ديـن اهلل هـو مـن سـبيل الشـيطان وهـي ركضـ ٌة يركض
هبـا عـدو اهلل يف بعـض المؤمنيـن المطيعيـن هلل ليصرفهـم عـن طاعـة اهلل ، وال
يـزال عـدو اهلل ينصـب حبائلـه ويضـع مصائـده ويبـث جنـوده ليظفـر مـن المؤمنيـن
بأحـد األمريـن .
عبـاد اهلل :ثـم إن القتـل يبلغ ذروته وغايته عندما يفعله المرء المسـلم تد ّينا ويقصد
بـأي عق ٍل وديـن[[[ ِّ
وبأي طاعة لـرب العالمين يكون قتل بـه التقـرب إلـى اهلل ِّ ،
األنفـس المعصومـة وإزهـاق الدمـاء المحرمـة ديانـ ًة ُيتقـرب هبا إلـى اهلل وطاع ًة ُينشـد
هبـا رضـوان اهلل !! يقـول ♥ كمـا يف «صحيـح مسـلم» ،ف َعـ ْن َأبِـي ُه َر ْي َـر َة
َ َ َ َ ْ َ ُ َ
((..و َم ْـن خ َـر َج َعلـى أ َّم ِتـيَ ،يض ِـر ُب َب َّرهـا َوف ِاج َرهـاَ ،ول ـالَ : ـن النَّبِـي ﷺ َأنَّـ ُه َق َ ﭬ َع ِ
ِّ
َ ُ َ ُ ََ َ ْ َ
َي َت َحاشـى ِم ْـن ُمؤ ِم ِن َهـاَ ،ول َي ِفـي ِل ِـذي َع ْه ٍـد َع ْهـده ،فل ْي َـس ِم ِّني َول ْسـت ِم ْن ُـه))[[[ .
إن هذا المسلك -عباد اهلل -من تزين الشيطان ،ومن الغلو يف دين اهلل ،
ومن التطرف والزيغ ،ومن االنصراف عن الجادة السوية والسبيل المرضية .
يسـر لـوالة األمـر الوقـوف علـى هـؤالء أو علـى جملـة منهـم ،
وإنـا لنحمـد اهلل أن َّ
ونسـأل اهلل أن ييسـر الوقـوف علـى باقيهـم وأن يقطـع دابـر المجرميـن ،وأن
يحفـظ علـى المؤمنيـن أ ْمنهـم وأيماهنـم ودينهـم وطاعتهـم ،وأن يكألهـم برعايتـه
وعنايتـه إنـه ولـي التوفيـق والسـداد .
عبـاد اهلل :إن هـؤالء المخططيـن لهـذه األعمـال والراكضيـن يف سـبيلها يظنـون أن
أعمالهـم هـذه مـن اإلصلاح ،يحسـبون أهنـم يصلحـون وهـم -إي واهلل -يفسـدون
،مـا قدَّ مـوا لديـن اهلل شـيئا وإنمـا أضـروا بديـن اهلل وأضـروا بالدّ عـوة إلـى اهلل وأضروا
بعبـاد اهلل المؤمنيـن ،ومـا هكـذا يكـون اإلصلاح وليس هـذا من الجهاد يف سـبيل اهلل
؛ وإنمـا هـذا مـن تزييـن الشـيطان ومـن الركـض يف سـبيله ،فليتبصـر العاقـل وليتدبـر
المؤمـن وليتـق اهلل مـن انخـرط يف هـذه السـبيل ؛ فسـبيل اهلل واضحـة وطريقـه
بينـه ومعالـم الديـن ظاهـره وليـس هـذا مـن دين اهلل يف شـيء .
ومن عالمات فسـاد مسـلك هؤالء :أهنم يسـترتون عن الناس ،واإلسلام عالنية
66 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
وديـن اهلل ظاهـر ال خفـاء فيه ،يسـترتون عن الناس وال يتصلون بالعلماء ويسـتنكفون
عـن اإلفـادة منهـم والرجوع إليهم واألخـذ من علمهم ،ولو رجع هـؤالء إلى العلماء
واستشـاروهم لوجدوا النصيحة الب ِّينة والجواب الشـايف ،لو امتثلوا قول اهلل :
ﱷ ﮤ ﮥ ﮦ ﱶ [األنبيـاء ، ]٧:لـو فعلـوا ذلـك فسـألوا أهـل الذكـر ورجعـوا
ٍ
عباس ﭭ إليهـم لوجـدوا عندهـم السـداد والصواب والبيان الشـايف ،لما ناظـر ابن
الخـوارج وب َّيـن لهـم ديـن اهلل وأزال مـا عندهـم مـن شـبهات رجـع منهـم يف سـاعة
واحـدة ألفـان وقيـل ثالثـة أالف[[[ ،هـؤالء لـو رجعـوا للعلمـاء ولو لم يسـتنكفوا إلى
الرجـوع إليهـم لتبيـن لهـم الحق ولظهر لهـم الهدى َ
ول ْسـتبانت لهم السـبيل ولكنهم
مضـوا يف غيهـم واتبعـوا الشـيطان وزاغـوا بما فعلـوه عن طريق اهلل المسـتقيم .
فنسـأل اهلل بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلـى أن يهـدي ضـال المسـلمين ،
اللهـم اهـد ضـال المسـلمين ،اللهـم اهـد ضـال المسـلمين ،اللهـم ردهـم إلـى الحق
رد ًا جميلا ،اللهـم ردهـم إلـى الحـق ردا جميلا ،اللهـم وفقنـا التباع سـبيلك ولزوم
سـنة نبيـك محمـد ﷺ ،وأعذنـا مـن الفتن كلها مـا ظهر منها وما بطـن ،اللهم واحفظ
علينـا أمننـا وإيماننـا ،اللهـم وفقنـا لهـداك واجعـل عملنـا يف رضـاك يـا حـي يـا قيوم يا
ذا الجلال واإلكـرام .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم .
الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان ،وأشـهد أن ال إله إال
اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليه وعلى آله
وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليما كثيرا .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى وتعاونـوا عـل البر والتقـوى
وال تعاونـوا علـى اإلثـم والعـدوان ،وعليكـم بجماعـة المسـلمين فـإن يـد اهلل علـى
الجماعـة ومـن ّ
شـذ شـذ يف النـار ،واعلمـوا أن أصـدق الحديـث كالم اهلل ،وخيـر
الهـدى هـدى محمـد ﷺ ،وشـر األمـور محدثاهتـا ،وكل محدثـة بدعـة ،وكل بدعـة
ضاللـة ،وكل ضاللـة يف النـار .
واعلمـوا أن النـاس قسـمان :قسـم مفتـاح للخيـر مغلاق للشـر ،وقسـم مغلاق
للخيـر مفتـاح للشـر ؛ فاتقـوا اهلل تعالى واسـتعينوا به على أن تكونوا مـن مفاتيح الخير
ومغاليـق الشـر ،واتقـوا اهلل تعالـى يف السـر والعالنيـة والغيـب والشـهادة .
[[[
سول ِ ِه لَا ت ُ َقدِّ ُموا ب َ ْي َ
ن ي َ َدي اللَّه َو َر ُ
ِ ِ
الحمـد هلل الكريـم الوهـاب ،أحمـده سـبحانه على نعمـه العظيمة ومنَنه الجسـيمة
وآالئـه التـي ال ُتعـد وال تحصـى ،أحمـده حمـد الشـاكرين ،وأثنـي عليـه ثنـاء
اهلل
الذاكريـن ،ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو كمـا أثنـى علـى نفسـه ،وأشـهد أن ال إلـه إال ُ
وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه وعلى
آلـه وصحبـه أجمعين .
أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن تقـواه خيـر زاد ،وهـي خيـر ُعـدة
ُيعدُّ هـا المـرء ليـوم المعـاد .
أيهـا المؤمنـون :همـا طريقـان ال ثالـث لهمـا ؛ إمـا اال ِّتبـاع وإمـا االبتـداع ،إمـا أن
يكـون المـرء متب ًعـا ديـن اهلل ومـا أنـزل علـى عباده علـى هدى مـن اهلل ،أو يكـون متب ًعا
لهواه .
وليحـذر كل ناصـحٍ لنفسـه مـن أن يكـون متب ًعـا لهـواه علـى غيـر هـدى مـن اهلل ،
يقـول اهلل تعالـى :ﱷ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱶ [القصـص].
المؤمنيــن ،بمــا يقتضيــه اإليمــان ،بــاهلل وبرســوله ،مــن امتثــال أوامــر اهلل ،واجتنــاب نواهيــه،
وأن يكونــوا ماشــين ،خلــف أوامــر اهلل ،متبعيــن لســنة رســول اهلل ﷺ ،يف جميــع أمورهــم ،و
أن ال يتقدمــوا بيــن يــدي اهلل ورســوله ،وال يقولــوا ،حتــى يقــول ،وال يأمــروا ،حتــى يأمــر ،فــإن
هــذا ،حقيقــة األدب الواجــب ،مــع اهلل ورســوله ،وهــو عنــوان ســعادة العبــد وفالحــه ،وبفواتــه،
تفوتــه الســعادة األبديــة ،والنعيــم الســرمدي ،ويف هــذا ،النهــي الشــديد عــن تقديــم قــول غيــر
الرســول ﷺ ،علــى قولــه ،فإنــه متــى اســتبانت ســنة رســول اهلل ﷺ ،وجــب اتباعهــا ،وتقديمهــا
علــى غيرهــا ،كائنــا مــا كان»« تيســير الكريــم الرحمــن» (ص.)799
[[[ رواه ابن جرير يف «تفسيره» ( ،)272/22وأبو نعيم يف «الحلية» (.)398/10
70 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ويقـول اهلل تعالـى :ﱷ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ
ﰕ ﰖ ﱶ [ص].
[[[ رواه الاللكائــي يف «شــرح أصــول اعتقــاد»( ،)201وابــن عبــد الــر يف «جامــع بيــان العلــم
طب الم ْن َبر َّية الخ َالبه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 71
ِ ِ ِ
ض بِ ِه ُسـنَّ ٌة
ـم َي ْم ِ ث ر ْأيـا َليـس فِي كِت ِ ِ
َـاب اهلل َو َل ْ وقـال ابـن عبـاس ﭭ َ «:مـ ْن َأ ْحـدَ َ َ ً ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ
اهَّلل .[[[»ـم َيـدْ ِر َع َلـى َمـا ُه َو منْـ ُه إِ َذا َلق َـي َ
مـ ْن َر ُسـول اهلل ﷺ َل ْ
فقـال :رأيتنـي خرجـت مـن كنيسـة ،أو علي زنار ،حتى إذا سـمعت عن رسـول اهلل
ﷺ حديثـا ال أقـول به؟!»[[[.
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :مـا أعظم أن يوقر العبد سـنة رسـول اهلل ﷺ يف نفسـه وأن
ُيلـزم نفسـه باتباعهـا ،وأن يحـذر أشـد الحذر ممـا أحدثه الناس من أنـواع الضالالت
وصنـوف األباطيل.
أيهـا المؤمنـون :ويف هـذا المقام قد يقول بعض الناس( :وماذا عن حرية الرأي؟)،
فيقـال :أمـا غيـر المسـلم فإنـه ال قيـد عنـده يق ِّيـد رأيـه فهـو ال يخـاف مـن لقـاء اهلل وال
ُيعـد لذلـك اليـوم عـدةً ،وأمـا المسـلم فإنـه يتهـم رأيـه يف الديـن ،وال يعـارض برأيـه
نسـأل اهلل أن يعيذنـا أجمعيـن مـن منكـرات األهـواء واألدواء واألخلاق ،
وأن يعيننـا أجمعيـن علـى اتبـاع هـدي نبينـا الكريـم وصراطـه المسـتقيم ،وأن يعيذنـا
مـن شـرور أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا بمنِّـه وكرمـه إنـه سـميع الدعـاء وهـو
أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل .
الخطبة الثانية:
عبـاد اهلل :قـال بعـض السـلف« :مـا مـن فعلـة وإن ص ُغـرت إال و ُينشـر لهـا يـوم
القيامـة ديوانـان :يف األول لِـم؟ ،ويف الثـاين كيف؟»[[[ ،أي لـم فعلت ؟ وكيف فعلت
ٌ
سـؤال عـن ٌ
سـؤال عـن اإلخلاص هلل جـل يف علاه ،والسـؤال الثـاين ؟السـؤال األول
المتابعـة لرسـول اهلل ﷺ ،وال نجـاة يف ذلـك اليـوم إال باإلخلاص للمعبـود واالتبـاع
للرسـول ﷺ .
جعل اهلل أعمالنا أجمعين هلل خالصة ولهدي نبيه ﷺ موافقة .
[[[ انظر« :إغاثة اللهفان» (.)8/1
[[[
أقسام الذنوب والمعاصي()1
َّ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي
لـه ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله
وصفيـه وخليلـه وأمينـه على وحيـه ومبلغ الناس شـرعه ؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه
وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين.
أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل :اتقوا اهلل ؛ فـإن من اتقى اهلل وقاه وأرشـده إلى
خيـر أمور دينـه ودنياه .
ِ
والفـوز يف الدنيـا واآلخـرة ، ُ
وسـبيل الفلاح أسـاس السـعادة
ُ وتقـوى اهلل
لألوليـن واآلخريـن مـن خلقـه كمـا قـال سـبحانه :ﱷ ﮠ
وهـي وصيـة اهلل ّ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱶ [النسـاء. ]١٣١:
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1427-4-28 /هـ
74 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
عبـاد اهلل :وتقـوى اهلل ليـس أمـر ًا يقولـه المـرء بلسـانه وال دعـوى َيدَّ عيهـا ؛
العمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجـاء رحمة اهلل ، ُ وإنمـا حقيقـة تقـوى اهلل
وتـرك معصيـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ،فتقـوى اهلل هـي طاعتـه
بفعـل مـا أمـر وتـرك مـا هنى عنـه وزجر ،ولهـذا -عبـاد اهلل -كانت المعصية منقسـم ًة
ٍ
وتـرك للمأمور . إلـى قسـمين :فعـ ٍل للمحظـور ،
وفعـل المحظـور -عبـاد اهلل -هـو الذنـب الـذي فعلـه آدم ؛ هنـاه اهلل عن ُ -
وتـاب اهلل عليه .
َ األكل مـن الشـجرة فـأكل ثـم ن َِد َم فتـاب
ٍ
وتـرك للمأمـور ،وكل ذلـك ولهـذا كانـت الذنـوب منقسـمة إلـى فعـ ٍل للمحظـور
معصيـ ٌة هلل .
وكبائـر [[[، صغائـر حجمهـا إلـىِ ثـم إن الذنـوب -عبـاد اهلل -منقسـمة مـن حيـث
َ َ
ِ
والتوبـة ،وقد جـاء القرآن وال صغيـر َة مـع اإلصـرار وال كبيـر َة مـع االسـتغفار والنـد ِم
ِ
والدعـوة إلـى اجتناهبـا ، ٍ
عديـدة منـه بالتحذيـر مـن الكبائـر مواضـع -عبـاد اهلل -يف
َ
وبيـان مـا يرتتـب علـى اجتناهبـا والبعد عنها مـن اآلثار الحميـدة والعوائـد المباركة يف
الدنيـا واآلخرة :
ففي ﴿سـورة النسـاء﴾ أخرب اهلل بتكفيره لسـيئات مجتنبي الكبائر وإدخاله
[[[ قــال اإلمــام ابــن القيــم « :$ذنــوب تنقســم إلــى صغائــر وكبائــر بنــص القــرآن والســنة
وإجمــاع الســلف »« مــدارج الســالكين» (.)315/1
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 75
ِ ِ ِ
لهـم المدخـل الكريـم وهـو الجنـة ؛ قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﱶ [النسـاء] .
ويف ﴿سـورة النجـم﴾ ذكـر مـا أعده لمجتنبـي الكبائر من الرحمة الواسـعة
وغفـران الذنـوب فقال : ﱷ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﱶ [النجم]٣٢:
إن الواجـب علـى المسـلم -عبـاد اهلل -أن يجتنـب الكبائـر ،واجتنا ُبهـا هـو فـرع
العلـم هبـا ؛ إذ كيـف يجتنبهـا مـن ال يعرفهـا !! وكمـا قيـل قديمـا « :كيـف يتقـي مـن ال
يـدري مـا يتقـي؟! »[[[ .
ولقـد كان نبينـا ♥ ناصحـا ألمتـه تمـام النصـح ،داعيـا لهـا لـكل
خيـر ناهيـا لهـا عـن كل شـر ورذيلة ،قـد جاء عنـه ♥ أحاديـث متكاثرة
ونصـوص متضافـرة يف التحذيـر مـن الكبائـر وبيـان خطورهتـا وما أعـده اهلل
ٌ
ألهلهـا مـن العقوبـات يف الدنيـا والعـذاب يف اآلخـرة .
كل مـا جـاء فيـه حـدٌ يف الدنيـا أو وعيـد يف اآلخـرة ُّ .
كل والكبيـر ُة -عبـا َد اهللُّ : -
ُ ِ ٍ ِ ٍ
يدخل دخول صاحبه النـار أو أنه ال وعيـد شـديد أو ذنـب -عبـا َد اهلل ُ -خت َ
ـم بلعنـة أو
[[[ انظــر :كالم شــيخنا عبــد الــرزاق بــن عبــد المحســن البــدر حفظــه اهلل يف كتابه «شــرح الدروس
المهمة لعامــة األمة» (ص.)210
76 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ذنـب قيـل عـن صاحبـه ال يؤمـن أو قيل ليس كل ٍيشـم رائحتهـا ،وكذلـك ُ
الجنـة أو ال ُّ
منـا فـكل ذلـك مـن الكبائـر ،وكذلـك مـا جـاء يف السـنة التصريـح بـه بأنـه مـن الكبائـر
وأنـه مـن الموبقـات ،ومـن ذلكـم عبـاد اهلل :ما جـاء يف «الصحيحين» مـن حديث أبي
َّ ْ َ ْ ُ َ
ـات » . وبق ِ َْ ُ ـن النَّبِـي -ﷺ َ -ق َ
ـال « اجت ِنبـوا السـبع الم ِ هريـرة ﭬ َع ِ
ِّ
ول اهَّللِ َ ،و َما ُه َّن؟ َقا ُلواَ :يا َر ُس َ
فالكبائـر -عبـاد اهلل -بـاب عظيـم مـن الفقـه يف الشـريعة ينبغـي علـى أمة اإلسلام
أن ُي ْعن َْـوا هبـذا البـاب تفقهـا فيـه ومعرفـ ًة بنصوصـه ودالئلـه وحرصـا علـى البعد عنه
ٍ
كتابـات واجتنابـه ،ولهـذا فـإن علمـاء األمـة يف قديـم الزمـان وحديثـه كتبـوا يف ذلـك
ٍ
مسـددة مفيـدة ينبغـي علـى المسـلم أن يقـرأ بعضهـا أو واحـد ًا منهـا ٍ
ومؤلفـات نافعـ ًة
ليتعـرف على الكبائـر والمحرمات ليتسـنى له بذلك
َّ ولـو مـر ًة يف حياتـه نصحًا لنفسـه
اجتناهبـا والبعـد عنهـا ،ومـن أحسـن مـا كتبـه العلمـاء يف هـذا البـاب :مـا كتبـه اإلمـام
نفيـس جـدا ومؤ َّل ٌ
ف كتـاب ٌ
ٌ الذهبـي $يف كتابـه العظيـم المبـارك « الكبائـر » ؛ وهـو
نافـع ينبغـي علينـا معاشـر المؤمنيـن أن نحـرص علـى اقتنائـه وقراءتـه بنيـة اجتنـاب
الكبائـر بعـد معرفتهـا اتقا ًء لشـرها و ُبعد ًا عـن أخطارها وأضرارها علـى العبد المؤمن
[[[ رواه البخاري ( )218ومسلم (.)292
78 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
يف دينـه ودنيـاه .
اللهـم أصلـح لنـا ديننا الذي هو عصمـة أمرنا ،وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشـنا،
وأصلـح لنـا آخرتنـا التـي فيهـا معادنـا ،واجعـل الحيـاة زياد ًة لنـا يف كل خيـر والموت
راحـ ًة لنـا مـن كل شـر ،اللهـم واغفـر لنـا ذنبنـا كلـه ؛ دقـه وجلـه ،أولـه وآخـره ،سـره
وعلنـه .اللهـم واكتـب لنـا توبـ ًة نصوحـا يـا ذا الجلال واإلكـرام ،وآخـر دعوانـا أن
الحمـد هلل رب العالميـن .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إلـه
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه
وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعين .
أمـا بعـد عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى تقـوى مـن يعلم أن ربه يسـمعه ويراه ،وأسـاس
العلـم خشـية اهلل قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱶ [فاطـر،]٢٨:
وكلمـا كان العبـد بـاهلل أعـرف كان لعبادتـه أطلـب ،وعـن معصيتـه أبعـد ،ومنـه
أخـوف ،ولهـذا -عبـاد اهلل -يحتـاج المسـلم لصلاح أمـره ولل ُبعـد عـن
ف علـى اهلل ؛ بمعرفـة أسـمائه الحسـنى وصفاتـه
يتعـر َ
الذنـوب والخطايـا أن َّ
العظيمـة ،ومعرفـة أنـه أحـاط ّ
بـكل شـيء علمـا وأحصـى كل شـيء عددا ،
ويعلـم أحوالهـم وال تخفـى عليـه منهـم
ُ ويسـمع أقوالهـم
ُ وأنـه يـرى عبـاده
طب الم ْن َبر َّيةالخ َالبه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 79
ِ ِ ِ
علم اهلل بـه واطال َعه عليه ورؤيتَه
خافيـة ،ومـن حدَّ ثته نفسـه بالمعصيـة عليه أن يتذكر َ
لـه ورؤيتَـه لمقامـه وحالـه حتـى وإن كان مسـتخفيًا بالمعصيـة ،إذا كان مسـتخفيا
بالمعصيـة -عبـاد اهلل -وف َعلهـا ُخفيـة حيـا ًء مـن النـاس مسـتخفيا منهـم بِ ِف ْعلِهـ َا فهـو
أحـد رجليـن :
-وإما أنه يعتقد أن اهلل يراه ؛ وبذلك يكون اهلل أهون الناظرين إليه .
فلنتـق اهلل -عبـاد اهلل -ولنراقـب اهلل يف السـر والعالنيـة والغيـبِ أال
ِ
عبـاد اهلل مـن دان نفسـه وعمـل لمـا بعـد المـوت ،والعاجـز والكيـس مـن والشـهادة .
ُ
مـن أتبـع نفسـه هواها وتمنى علـى اهلل األماين .واعلموا أن أصـدق الحديث كالم اهلل
وخيـر الهـدى هـدى محمـد ﷺ ،وشـر األمـور محدثاهتـا ،وكل محدثة بدعـة ،وكل
بدعـة ضاللـة ،وكل ضاللـة يف النـار ،وعليكـم بالجماعـة فـإن يد اهلل علـى الجماعة .
[[[
أقسام الذنوب والمعاصي()٢
َّ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛
صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
ِ
والغيـب والشـهادة أمـا بعـد عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة
مراقبـ َة مـن يعلـم أن ر َّبـه يسـمعه ويراه .
واعلمـوا رعاكـم اهلل أن تقـوى اهلل هـي وصيـة اهلل لألوليـن واآلخريـن مـن
خلقـه ،وهـي وصيـة النبـي ﷺ ألمته ،وهي وصية السـلف الصالح فيمـا بينهم ،ولما
قـال رجـل لعمـر بـن الخطـاب ﭬ ِ :
اتـق اهلل قـال « :ال خيـر فيكـم إذا لـم تقولوها ،
وال خيـر فينـا إذا لـم نقبلها »[[[.
ُ
حيـث سـبق معاشـر المؤمنيـن :وعـود ًا إلـى الحديـث عـن الذنـوب والمعاصـي ؛
ٍ
أمـور تتعلق بيـان أقسـامها وأهنـا تنقسـم إلـى فعل محظـور وترك مأمور ،وتنقسـم إلى
ٍ
وأمـور تتعلـق بحقـوق العبـاد ،وتنقسـم مـن حيـث حجمهـا إلـى كبائـر بحقـوق اهلل
وصغائـر ،وهـي أخطـر مـا يكـون علـى اإلنسـان وأضـر مـا يكـون علـى العبـد يف دينـه
ودنيـاه ؛ فأخطارهـا ال ُتحصـى ،وأضرارها ال ُتعد وال تسـتقصى ،ولو حاول ُم َح ِ
او ٌل
حصـر أضـرار الذنـوب واسـتقصا َء أضرارهـا لمـا اسـتطاع إلـى ذلـك سـبيال ،كيـف َ
وكل ٍ
حـل وكل مصيبـة َتن ِْـز ُل إنمـا هـي ٌ
أثـر مـن أثـار بلاء َي ُّ -عبـا َد اهلل -يكـون ذلـك ُّ
الذنـوب ونتيجـ ٌة مـن نتائجـه !! كمـا قـال علـي بن أبي طالـب ﭬ « :ما نـزل بال ٌء إال
بذنـب ،ومـا ُرفـع إال بتوبـة »[[[ ،وشـاهد هذا -عباد اهلل -يف القـرآن يف مواضع كثيرة
جـد ًا منهـا :قـول اهلل تعالـى :ﱷ ﭠ ﭡ ﭢ ﱶ [العنكبـوت.]٤٠:
بـاب عظيـم يتعلق بالمعاصـي والكبائر يجدر بالمسـلم أن يعرفـه وأن يكون وهـذا ٌ
ليسـدَّ الطريق و ُيغلِ َـق المنافذ . علـى ٍ
علـم به ُ
قـال أهـل العلـم -عباد اهلل -إن الذنوب تنقسـم إلى أربعة أقسـام من حيث أصلها
وبواعثها ومهيجاهتا يف النفوس[[[:
أقـول مـا تسـمعون وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم .
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 85
ِ ِ ِ
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إلـه
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه
وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أمـا بعـد عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل فـإن مـن ات َقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خيـر أمـور دينـه
ودنيـاه .
عبـا َد اهلل :إن ك ُّل َبنِـي آ َد َم َخ َّطـا ٌء كمـا صـح بذلـك الحديـث عـن رسـول اهلل ،ﷺ
َ َ َ وقـالَ (( :و َخ ْي ُـر ْال َخ َّطائ َ
يـن َّ
الت َّو ُابـون ))[[[ ،ويف الحديـث اآلخـر يقـول ﷺ (( :ل ْـو ل ْـم ِ
َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ
ـاء ِبق ْـو ٍم ُيذ ِن ُبـون ف َي ْس َـتغ ِف ُرون الل َـه ف َيغ ِف ُـر ل ُه ْـم ))[[[ .تذ ِنبـوا لذهـب اللـه ِبكـم ولج
ِ
متماديًا َ
يكـون عبـا َد اهلل :الخطـأ مـن طبيعـة اإلنسـان ،لكـن ليـس ممـا يليـق بـه أن
يف الخطـأ مسـتمر ًا عليـه ليلقـى اهلل بأخطائـه وآثامـه وجرائـره وذنوبـه ومعاصيـه ؛ بـل
َ
يكـون الواجـب علـى العبـد العاقـل أن ُيقبِ َـل علـى اهلل تائبـا وأن يرجـع إليـه منيبـا وأن
ُ
دائمـا مالزمـا لالسـتغفار ،واهلل جـل ّوعلا دعـا عبـاده أجمعيـن إلـى التوبـة النصوح
ﱷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﱶ [التحريـم ]8:أي بالنـد ِم علـى فعـل
اب َت َ
اب فم ْن َت َ
الذنـوب ،والعـز ِم علـى عـدم العودة إليهـا ،واإلقال ِع عنها تمامـا ،و (( َ
َّ ُ َ َ
يغفـر الذنـوب
ُ اهلل فـإن ، ـهبُ ذن كان ومهمـا ـه م
ُ ر ج
ُ َ
بلـغ مهمـا [[[
)) ـه
ِ ْ
ي ل اللـه ع
[[[ رواه الرتمــذي ( ،) 2499وابــن ماجــه ( ،) 4251وحســنه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب»
(.)3139
[[[ رواه مسلم (.)2749
[[[ رواه البخاري ( ،)2661ومسلم (.)2770
86 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
جميعـا ،وأرجـى آيـة يف كتـاب اهلل قـول اهلل : ﱷ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ِ
اإلتيـان هبا ف يف ﯛ ﱶ [الزمـر ، ]٥٣:وال يليـق بالمسـلم أن ي ِ
ؤخ َـر التوبـ َة أو أن ُي َس ِّـو َ ُ
َّ َّ
((إن الل َـهالمـوت ،وقـد جـاء يف الحديـث عـن النبـي ﷺ ِ : ُ ده ُمـ ُه
ألنـه ال يـدري متـى َي َ
َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ َ َ ََْ َ َ ْ
الت ْو َبـة ـل ت ْو َبـة ال َع ْب ِـد َمـا ل ْـم ُيغ ْرغِ ْـر ))[[[ ،وكذلـك جـاء يف الحديـث ((وال تنق ِطـع
يقب ُ
نبادر َ َّ َ ْ ُ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ
حتـى تطلـع الشـمس ِمـن مغ ِر ِبهـا)) ،فالواجـب علينا أجمعين -عبـاد اهلل -أن َ
[[[
إلـى توبـة نصـوحٍ إلـى اهلل نغادر فيها الذنوب ون َُـو ِّد ُع فيها الخطايـا ونُقبِل على
يقـرب ال صادقـا راجيـن رحمتَـه خائفيـن مـن عذابـه مقبِليـن علـى طاعتـه ومـا ِّ اهلل إقبـا ً
إليه.
اللهـم وفقنـا للتوبـة النصـوح ،اللهـم وفقنـا للتوبـة النصـوح ،اللهـم َو ِّفقنـا للتوبـة
النصـوح ،اللهـم اشـرح صدورنـا للتوبـة يا ذا الجلال واإلكرام ،اللهـم اهدنا للتوبة ،
اللهـم أعنـا علـى التوبـة ،اللهـم وتقبل توبتنا واغسـل حوبتنـا واغفر زلتنا واستر عيبنا
يـا ذا الجلال واإلكـرام ،واجعلنـا مـن عبـادك المتقين .
الحمـد هلل الغفـور الرحيـم ،التـواب الحكيـم ،غافـر الذنـب وقابـل التـوب شـديد
العقـاب ذي الطـول ال إليـه إال هـو إليـه المصيـر ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال
شـريك لـه إلـه األوليـن واآلخريـن ،وقيوم السـماوات واألرضيـن ،السـميع البصير،
وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ،وصفيـه وخليلـه ،وأمينـه علـى وحيـه ،ومب ِّلـغ
النـاس شـرعه ،السـراج المنيـر ؛ صلـى اهلل وسـلم عليه وعلـى آله وأصحابـه أجمعين
..أمـا بعـد :
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقوا اهلل تعالى فإن تقواه سـعادة الدنيا واآلخرة،
ٌ
وترك لمعصية وتقوى اهلل : عمل بطاعة اهلل على ٍ
نور من اهلل رجاء ثواب اهلل ،
اهلل علـى ٍ
نـور من اهلل خيفة عذاب اهلل .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :إن فالح المرء وسـعادته بطاعته لسـيده ومـواله ،والبعد
عـن كل مـا يسـخطه وكل ما يبغضـه ويأباه .
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1432-5-4 /هـ
88 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
عبـاد اهلل :وللذنـوب علـى العبـد أضرار خطيـرة وعواقب وخيمـة يف دنياه وأخراه،
وال تـزال بواعـث الذنـوب ودواعـي المعاصـي ومثيـرات الوقـوع يف الخطيئـة تمـر
بالعبـد بيـن وقـت وآخـر ؛ والنـاس بيـن أسـير للذنـوب طريـح للمعاصـي ،وبيـن ٍ
عبـد
وفقـه اهلل وأعانـه فهـداه صراطـه المسـتقيم وأعـاذه مـن الشـرور ومـن غوائـل
الذنـوب وأضرارهـا ،والموفـق مـن يوفقـه ربـه ويعينـه .
أيهـا المؤمنـون :ويف هـذه الوقفـة تنبيـه على عشـرة مشـاهد عظيمـة ؛ إذا وفق قلب
المسـلم لشـهودها وكانـت حاضـر ًة يف قلبـه وكان مسـتحضر ًا لهـا كان فيهـا بـإذن اهلل
أكبر عـون لـه للوقايـة مـن الذنـوب والسلامة مـن شـرورها والبعـد بـإذن اهلل
عـن الوقـوع فيهـا [[[.
أيها المؤمنون ؛ المشـهد األول :أن يشـهد القلب إجالل ربه ومواله الذي يسـمعه
ويـراه ويعلـم بحالـه أن يشـاهده حيـث ننهـاه ،وإذا كان العبـد مسـتحضر ًا لهـذا المقام
العظيـم والمشـهد المبـارك حجـزه بـإذن اهلل عـن الوقـوع يف الذنـب والخطيئـة ،وكما
قيـل « :مـن كان بـاهلل أعـرف كان منـه أخـوف ،ولعبادته أطلب ،وعـن معصيته أبعد».
المشـهد الثالث -عباد اهلل : -شـهود النعمة واإلحسـان ؛ فكم هي نعم اهلل
علـى العبـد نازلـة !! يف صحتـه ويف بدنـه ويف أهلـه ويف ماله أنواع من النعـم ال تعد وال
تحصـى ،والكريـم -عبـاد اهلل -مـن النـاس ال يقابـل اإلحسـان باإلسـاءة بـل يقابـل
اإلحسـان مـن سـيده ومواله بالطاعـة والبعد عـن الخطيئـة والمعصية .
المشـهد الرابـع -عبـاد اهلل : -مشـهد الغضـب والعقوبـة ؛ وهـو مشـهد عظيـم أن
يذكـر مـن دعتـه نفسـه إلـى معصيـة أو ذنـب أو خطيئـة أن الذنـوب موجبـات لغضـب
الـرب وسـبب لحلـول العقوبـات ،فمـا نزلـت عقوبة إال بذنـب وال ُرفعت إال
بتوبـة ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﱶ [نـوح ]25:أي بسـبب خطيئاهتـم ،ويقول
: ﱷ ﭠ ﭡ ﭢ ﱶ [العنكبـوت. ]40:
عبـاد اهلل ؛ والمشـهد السـادس :وهـو مشـهد عظيـم أال وهـو مشـهد قهـر النفـس
وإرغـام الشـيطان ؛ ويف هـذا القهـر للنفـس واإلرغـام للشـيطان لـذ ٌة ال تـوازى وهنـاء ٌة
نفـس أمـارة بالسـوء ،وشـيطان ٍ ال توصـف ،والعبـد عبـاد اهلل بيـن داعييـن :داعـي
90 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
َ َ َْ َ ُ َ محـر ٍ
ض علـى الشـر والفسـاد ،ويف الدعـاء ((أ ُعـوذ ِبـك ِم ْـن ش ِّـر نف ِسـي َو ِم ْـن ش ِّـر ِّ
حدقـان بالعبـد فـإذا ُوفـق لترك ان -عبـاد اهلل -ي ِالش ْـي َطان َوش ْـركه))[[[ ،فهمـا شـر ِ
َّ
ُ َّ ِ ِ ِِ
قهر لنفسـه األمارة بالسـوء وإرغام لعـدو اهلل وعدو
الذنـوب والبعـد عنهـا كان بذلكـم ٌ
المؤمنيـن ؛ الشـيطان الرجيـم -أعاذنـا اهلل جميعـا منـه. -
المشـهد العاشـر -أيهـا المؤمنـون : -مشـهد البلاء والعافيـة ؛ والبلاء حقيقـ ًة يف
الذنـوب وآثارهـا وعواقبهـا ،والعافية يف طاعـة اهلل . فالبالء حقًا يف الوقوع يف
سـخط اهلل ومعصيـة اهلل وهـو سـبب كل بلاء وشـر ،والعافية -أيهـا المؤمنون
-يف طاعـة اهلل ، فـإذا شـهد المؤمـن ذلـك -أنـه بالبعـد عـن الذنـوب تتحقق له
العافيـة ويسـ َلم مـن البلاء -يكـون له يف ذلـك عونًا عظيمـا على ترك الذنـوب والبعد
عنها .
وإنـا لنسـأل اهلل الكريـم ر َّبنـا أن يوفقنـا جميعـا للتوبـة النصـوح ،وأن يهدينـا إليـه
صراطـا مسـتقيما ،وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه ،وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عين .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه
يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيم .
الحمـد هلل الواحـد األحـد ؛ وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلى آلـه وصحبه أجمعيـن ..أما
بعـد عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالى .
أيهـا المؤمنـون :مـا أحـوج العبد إلى أن ُيكثـر الدعاء وأن يكثر االلتجاء إلى سـيده
وربـه ومـواله أن يهديـه ،وأن يصلـح قلبـه ،وأن يثبته على الحق والهـدى ،وأن يعيذه
مـن سـبيل الهلاك والردى ،والتوفيق بيـد اهلل وحده .
ن ْ
ال ِب َدع ير م َ ْ
ذ ُ ِالتَّح ِ
[[[
إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل من شـرور
اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه،
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده ُ
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ؛ إلـه األوليـن واآلخريـن ،وق ُّيـوم
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ،وخيرتـه مـن خلقـه ،
السـماوات واألرضيـن ،وأشـهد َّ
وسـفيره بينـه وبيـن عبـاده ،ب َّلغ الرسـالة ،وأ َّدى األمانة ،ونصـح األمة ،وجاهد يف اهلل
ُ
شـرا إال حذرها
خيـرا إال دل أمته عليـه ،وال ً
حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن ،فمـا تـرك ً
منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ،وأرشـده
عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل إلـى خيـر أمـور دينـه ودنيـاه ،وتقـوى اهلل ٌ :
وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور من اهلل خيفة عـذاب اهلل . ٌ رجـاء ثـواب اهلل ،
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :لقـد بعـث اهلل رسـوله المصطفى ونبيـه المجتبى
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1436-3-11 /هـ
94 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
عليـه صلـوات اهلل وسلامه ،بعثـه إلـى اهلل داعيـا ،ولإليمـان مناديـا ،
ٍ
منكـر ناهيـا؛ فبلـغ آمـرا ،وعـن كلوإلـى دار الخلـد مرشـدً ا وهاديـا ،وبـكل معـروف ً
♥ البلاغ المبيـن ،وكان نب ًيـا ناصحـا وهاد ًيـا مصلحـا وقـدو ًة مرشـدا ،
حذرهـا منـه ،فب َّلـغ البلاغ المبيـن .
شـرا إال َّ
خيـرا إال دل األمـة عليـه ،وال ً
مـا تـرك ً
ٍ
بشـريعة اتصفـت بالشـمول والبقـاء والكمـال ؛ فهـي وقـد بعثـه اهلل جـل يف علاه
شـاملة ألنـه ♥ ُبعـث رحمـ ًة للعالميـن ﱷ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﱶ [األعـراف ، ]158:وهـي باقيـة إلـى قيـام السـاعة فلا ديـن
وال شـرع إال مـا جـاء بـه ♥ .
واهلل سـدَّ كل طريـق إلـى الجنـة إال مـن طريقـه ،فمـن طلـب الجنـة من غير
طريقـه ♥ أو اسـتفتح باهبـا بغيـر هـداه فإنـه لـن يكـون مـن أهلهـا ولـن
يلِجهـا حتـى يكـون خلـف النبـي ♥ لهـا مـن الداخليـن .
ولهـذا -عبـاد اهلل -افترض اهلل علـى العبـاد محبـة هـذا الرسـول
َّ
وحـذر ♥ وطاعتـه واتبـاع أمـره ولـزوم شـرعه وسـلوك هـداه ،
مـن معصيتـه ♥ ومخالفـة هديـه القويـم بركـوب األهـواء المضلـة
والبـدع المطغيـة التـي مـا أنـزل اهلل هبـا مـن سـلطان .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :بـل إن اهلل جعل هذا النبي ♥ أولى
بـكل مؤمـن ومؤمنـة مـن نفسـه ،فالحـق نحـوه والواجب تجاهـه ♥ أن
يحـب محبـ ًة مقدمـ ًة علـى محبـة النفـس والوالـد والولـد والنـاس أجمعيـن ،ففـي
َ
«صحيـح البخـاري» عـن عمـر بـن الخطـاب ﭬ أنـه قـال « :يـا رس َ ِ
ـول اهَّلل َلَن َ
ْـت َ َ ُ
طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ ُّ 95
ِ ِ ِ
ـب إِ َلـي مِـ ْن ك ُِّل َشـي ٍء إِ َّل مِـ ْن َن ْف ِسـي» َ ،ف َق َ
َْ َ َّ
ـال ﷺ (( :ال َوال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِه َ ،ح َّتـى َ
ْ أ َح ُّ َّ
ب إِ َل َّي ح َ
أ ْـت نَ لَ ،اآلن واهَّللِ
َ ه ن
َّ ِ إ َ
ف « : ﭬ ـر م ع َ
ال َ
ق ف ،
َ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ
َ َ ُّ َ ُ ُ َ ُ )) ـك أكـون أحـب ِإليـك ِمـن نف ِس
مِـ ْن َن ْف ِسـي» ،ف َق َ
َ
ـال(( :اآلن َيـا ُع َم ُـر))[[[ .
َ َ َّ َ ْ
((وال ِذي نف ِسـي ِب َي ِد ِه ال وثبـت يف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبي ﷺ قال :
النـاس َأ ْج َم ِع َ
َّ َ ْ ْ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ َ
ين))[[[ . ُيؤ ِمـن أحدك ْـم حتـى أكون أح َّب ِإل ْي ِه ِمـن َوا ِل ِد ِه َو َول ِد ِه َو ِ
اتبـاع الرسـول
ُ وعالمـة صـدق هـذه المحبـة وبرهـان تم ُّكنهـا مـن القلـب :
♥ ،كمـا قـال اهلل : ﱷ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
[[[ رواه البخاري (.)6632
[[[ رواه البخاري ( ،)14ومسلم (.)44
ـوب َو ُهـ َـو ل ِة ا ْل َم ْح ُبـ ِ ل بِ ُمـ َـوا َ ـم إ َّ [[[ قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة َ « :$فح ِقي َقـ ُة ا ْلمحبـ ِـة َ ِ
ل َتتـ ُّ َ َ َّ َ
ـض ا ْل ُك ْفـ َـر ِ
ـان َوال َّت ْقـ َـوى َو ُي ْبغـ ُ يمـ َ ِ
ـض َو َاهَّلل ُيحـ ُّ ِ ـض َمــا ُي ْب ِغـ ُـب َو ُب ْغـ ِ ِ ِ
ـب ْال َ ُ ـب َمــا ُيحـ ُّ ُم َوا َف َق ُتـ ُه فــي ُحـ ّ
ـان .ـوق َوا ْل ِع ْص َيـ َ َوا ْل ُف ُسـ َ
ـب فِ ْعـ َـل ـب ا ْل َق ْلـ ُ
ـب َط َلـ َ ـت ا ْل َم َح َّب ـ ُة فِــي ا ْل َق ْلـ ِ ـب َف ُك َّل َمــا َق ِو َيـ ْ ـب ُي َحـ ِّـر ُك َإرا َد َة ا ْل َق ْلـ َِو َم ْع ُلــو ٌم َأ َّن ا ْل ُحـ َّ
ـول ا ْلمحبوبـ ِ ـت ا ْلمحبـ ُة َتامـ ًة اسـ َت ْل َزم ْت إراد ًة ج ِ ِ ِ
ـات َ .فــإِ َذا از َمـ ًة فــي ُح ُصـ ِ َ ْ ُ َ َ َ َ َ ا ْل َم ْح ُبو َبــات َفــإِ َذا كَا َنـ ْ َ َ َّ َّ ْ
َان َلـ ُهـك ك َ اجـ ًـزا َعن َْهــا َف َف َعـ َـل َمــا َي ْقـ ِـد ُر َع َل ْيـ ِـه مِـ ْن َذلِـ َ َان َع ِ ـاد ًرا َع َل ْي َهــا َح َّص َل َهــاَ ،وإِ ْن ك َ َان ا ْلعبــدُ َقـ ِ
ك َ َْ
اعـ ِل »«مجمــوع الفتــاوى» (.)192/10 ك ََأجـ ِـر ا ْل َف ِ
ْ
96 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱶ [آل عمـران] .
معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل :ومـن ينظـر إلـى حال الرعيـل األول والصـدر المبارك
لهـذه األمـة ؛ الصحابـة ثـم مـن اتبعهـم بإحسـان يـرى العالئـم الواضحـة والرباهيـن
الصادقـة يف حياهتـم المباركـة اتبا ًعـا لهـدي النبـي الكريـم ♥ ولزو ًمـا
لصراطـه المسـتقيم و ُبعـدً ا عـن األهـواء والمحدثـات والبـدع ،واهلل يقـول :
ﱷﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﱶ [التوبـة] .
فيـا معاشـر المؤمنيـن :إن مـن لـم يسـ ْعه مـا وسـع الصحـب الكـرام ومـن اتبعهـم
بإحسـان لـم يكـن مـن أهـل الفـوز والرضوان ،وإنمـا يكون عيـا ًذا باهلل من أهـل الخيبة
والخسـران .
اللهـم يـا رب العالميـن نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا وبأنـك أنـت
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 97
ِ ِ ِ
اهلل ال إلـه إال أنـت أن ترزقنـا أجمعيـن حسـن االتبـاع لنبيـك الكريـم ♥
وأن تحشـرنا يف زمرتـه يـوم القيامـة وتحـت لوائـه غيـر مغ ِّيريـن وال مبدِّ ليـن.
اللهـم ووفقنـا للـزوم هـداه واتبـاع هديـه ،وأعذنـا يـا ربنـا مـن منكـرات األخلاق
واألهواء واألدواء إنك سـميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت حسـبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ،وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ،ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هو
كمـا أثنـى علـى نفسـه ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن
محمـدً ا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
وجـاء يف «السـنن» مـن حديـث العرباض بن سـارية ﭬ يف مقـام تحذير األمة من
الراشـد َ ((ف َع َل ْي ُك ْـم ب ُس َّـنتي َو ُس َّـن ِة ْال ُخ َل َف ْ َ ْ ِّ َ
َ
االختلاف أن النبـي ﷺ قـال:
ين ـاء المه ِدييـن َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ ُ ُ َ َّ ُ ْ َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ َّ ُ
ـكوا ب َهـا َو َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ
ـور ف ِـإن ك َّل ِبد َع ٍـة
ِ م ال ـات
ِ ث د ح م و ـم اك ي إِ و ، ـذ
ِ اجِ والن َ
ِ ِ تمس
ً
وأصلا عظيمـا يف هـذا وجـاء عنـه ♥ -وهـو ُي َعـد قاعـد ًة جامعـة
ٌّ َ َ َ َ ً َ
ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[ ،ويف روايـة:
((م ْـن َع ِم َ
البـاب -أنـه ﷺ قـال َ :
ٌّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
((م ْـن أ ْحـدث ِفـي أ ْم ِرنـا هـذا َمـا ل ْي َـس ِم ْن ُـه ف ُه َـو َرد ))[[[ أي مـردود علـى صاحبـه غيـر
ٍ
مقبـول منـه .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ومـن يتأمل يف واقع الناس والسـيما يف األزمنة المتأخرة
ٍ
وجـود يف زمـن الصحابـة أي ً
وأعمـال محدثـة لـم يكـن لهـا ُّ أمـورا عجيبـة
ً يـرى فيهـم
ريـب -عباد اهلل -أن هذه األعمال التي يمارسـها المتأخرون ليسـت ﭬم ،ومـا مـن ٍ
شـر وقـى الصحابـة منـه
خيـرا ا َّدخـره اهلل لهـؤالء وصـرف عنـه الصحابـة ،وإنمـا هـو ٌ
ً
وابتُلـي بـه هـؤالء ،فلا خيـر -عبـاد اهلل -وال فلاح وال سـعادة يف الدنيـا واآلخـرة إال
بلـزوم هـدي الصحابـة الكـرام ولـزوم النهـج الـذي كانـوا عليـه ﭬم وأرضاهم .
ومـن ذلكـم عبـاد اهلل :مـا يفعله بعض النـاس من إقامة احتفال بمناسـبة مولد النبي
الكريـم ♥ ؛ فإنـك إذا نظـرت يف تاريـخ هذا العمل وبدأ نشـأته ووجوده
فإنـك ال تـرى لـه وجـو ًدا إال يف القـرن الرابـع الهجـري ،وأمـا قبـل ذلـك يف القـرون
المفضلـة قـرن الصحابـة والتابعيـن لهـم بإحسـان ومـن تبعهـم مـن أتبـاع التابعيـن كل
هـؤالء لـم يقـع عندهـم وال يف زماهنـم شـيئا مـن هـذه االحتفاالت .
[[[ رواه أبــو داود ( ،)4607والرتمــذي ( ،)2676وابــن ماجــه ( ،)42وصححــه األلبــاين يف
«صحيــح الرتغيــب» (.)37
[[[ رواه مسلم (.)1718
[[[ رواه البخاري ( ،)2697ومسلم (.)1718
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 99
ِ ِ ِ
فالخيـر عبـاد اهلل باتباعهـم ﭬم وأرضاهـم ؛ فـإن محبتهـم للنبـي الكريـم
♥ هـي المحبـة الصادقـة القائمـة علـى حسـن االتبـاع وتمـام التأسـي
بالرسـول الكريـم ♥ .
[[[ قــال ســماحة الشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز « :$ولــو كان االحتفــال بيــوم المولــد النبــوي
مشــروعا لبينــه الرســول ﷺ ألمتــه ؛ ألنــه أنصــح النــاس ،وليــس بعــده نبــي يبيــن مــا ســكت
عنــه مــن حقــه ؛ ألنــه ﷺ خاتــم النبييــن ،وقــد أبــان للنــاس مــا يجــب لــه مــن الحــق كمحبتــه
واتبــاع شــريعته ،والصــاة والســام عليــه وغيــر ذلــك مــن حقوقــه الموضحــة يف الكتــاب
والســنة ،ولــم يذكــر ألمتــه أن االحتفــال بيــوم مولــده أمــر مشــروع حتــى يعملــوا بذلــك ،ولــم
يفعلــه ﷺ طيلــة حياتــه ،ثــم الصحابــة ﭬم أحــب النــاس لــه وأعلمهــم بحقوقــه لــم يحتفلــوا
هبــذا اليــوم ،ال الخلفــاء الراشــدون وال غيرهــم ،ثــم التابعــون لهــم بإحســان يف القــرون الثالثــة
المفضلــة لــم يحتفلــوا هبــذا اليــوم .
أفتظــن أن هــؤالء كلهــم جهلــوا حقــه أو قصــروا فيــه حتــى جــاء المتأخــرون فأبانــوا هــذا النقــص
وكملــوا هــذا الحــق ؟
ال واهلل ،ولــن يقــول هــذا عاقــل يعــرف حــال الصحابــة وأتباعهــم بإحســان » «مجمــوع الفتــاوى»
(.)319/6
[[[
ال ِب َدع أَ ْض َر ُ
ار ْ
َّ
إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل من شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه،
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ،
اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
وأشـهد أن ال إلـه إال ُ
خيـرا إال َّ
دل وصف ُّيـه وخلي ُلـه ،وأمينُـه علـى وحيـه ،ومب ِّلـغ النـاس شـرعه ،مـا تـرك ً
شـرا إال َّ
حذرهـا منهـا ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه األمـة عليـه ،وال ً
وصحبـه أجمعيـن .
أيهـا المؤمنـون :الزمـوا سـنَّة نبيكـم ﷺ ،واستمسـكوا هبديـه والزمـوا غـرزه ،
شـر وحافظـوا علـى هنجـه ،واحـذروا يـا رعاكـم اهلل من البـدع المحدثات ؛ َّ
فإن البدع ٌ
وضـرر جمي ُعهـا ،ولهـذا -عبـاد اهلل -كان نبينـا ﷺ يف خطبـه الجامعـة ومواعظه
ٌ كلهـا
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1437-8-20 /هـ
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 101
ِ ِ ِ
وعظـم مضرهتا البليغـة يؤكـد ويكـرر تحذيـرا مـن البـدع وهنيا عنهـا وتبيانًـا لخطورهتا ِ
ً ً
علـى األمة .
روى اإلمـام مسـلم يف كتابـه «الصحيـح» عـن جابـر بـن عبـد اهلل ﭭ قـال « :ك َ
َان
رس ُ ِ
اح َم َّـر ْت َع ْينَـا ُهَ ،و َع َلا َص ْو ُتـ ُهَ ،و ْاشـتَدَّ َغ َض ُبـ ُهَ ،حتَّـى ك ََأنَّـ ُه ـب ْ ـول اهلل ﷺ إِ َذا َخ َط َ َ ُ
ُمن ِْـذ ُر َج ْي ٍ
َ
ـول(( :أ َّما َب ْع ُـدَ ،فإ َّن َخ ْي َـر ْال َحديث ك َت ُ
اب ِ ِ ِ ِ ـم َو َم َّسـاك ُْمَ ...و َي ُق ُ ـول َص َّب َح ُك ْ ـش َي ُق ُ
َ َ ٌَ ُ ْ ََ ُ َ َ ُّ ْ ُ اللـهَ ،و َخ ْي ُـر ْال ُه َـدى ُه َدى ُم َح َّ
ـور ُم ْحدثات َهـاَ ،وك ُّل ِبد َع ٍـة ضللة))»[[[ . ِ مال ُ ـر ش و ﷺ، دٍ م ِ
ـول اهَّللِ وروى ابـن ماجـة وغيـره عـن العربـاض بـن سـارية ﭬ قـال َ :قـا َم فِينَا َر ُس ُ
ـونـت مِن َْهـا ا ْل ُع ُي ُـوب َو َذ َر َف ْ ات يـو ٍم َفو َع َظنَـا مو ِع َظـ ًة بلِي َغـ ًة و ِج َل ْ ِ
ـت من َْهـا ا ْل ُق ُل ُ َ َ َْ -ﷺَ -ذ َ َ ْ َ
ـول اهَّللِ َو َع ْظ َتنَـا َم ْو ِع َظـ َة ُم َـو ِّد ٍع َفا ْع َهـدْ إِ َل ْينَـا بِ َع ْه ٍـد َف َق َ َف ِق َ
ْ َ ُ
ـال « َعل ْيك ْـم ِب َتق َـوى يـل َيـا َر ُس َ
ْ ًَ َ ً َ َ ُ َ ْ ً َّ
اع ِـة َو ِإن َع ْبـدا َح َب ِش ًّـيا َو َس َـت َر ْون ِم ْـن َب ْع ِـدى اخ ِتالفـا ش ِـديدا ف َعل ْيك ْم الط َ الس ْـم ِع َو َّ
الل ِـه َو َّ
األ ُم ََ َّ ُ ْ َ ُ يـن َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ ين ْال َم ْهد ِّي َ الراشـد َ ُ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ
ـور الن َو ِاج ِـذ و ِإياكـم و ِ ِ ِ ِ ـاء َّ ِبسـن ِتى وسـن ِة الخل ِ
ف
َ ََ ٌ َ َّ ُ ْ ْ ْ ََ
ـات ف ِـإن ك َّل ِبد َع ٍـة ضاللـة »[[[. ال ُمحدث ِ
السـنن وخفائهـا و ُبعـد ومـن مخاطـر البـدع أيهـا المؤمنـون :أهنـا موجبـ ٌة لضيـاع ُّ
ـم إِ َّل ن ََز َع ِ ِ ِ ـان ب ِ ِ
ـن َعط َّي َة َ $ق َالَ « :مـا ا ْبتَدَ َع َق ْـو ٌم بِدْ َع ًة في دين ِه ْ النـاس عنهـا َ ،عـ ْن َح َّس َ ْ
الق َيا َم ِة»[[[.اهلل مِـن سـنَّتِ ِهم مِ ْث َلهـا و َل ي ِعيدُ َهـا إِ َلي ِهـم إِ َلـى يـو ِم ِ
َ ْ ْ ْ ْ َ َ ُ ُ ْ ُ
ٍ
عقيـدة يف نفوس أهل البدع؛ ومـن مخاطـر البـدع أيها المؤمنـون :أهنا تنطوي على
نقصـا وعـدم وفـاء ،ومـا أخطـر ذلـك ،فـإن اهلل يقـول :ﱷ ﭻ َّ
أن يف السـنَّة ً
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱶ [المائـدة،]3:
َ َ
((م ِـن ْاب َتدع
ولهـذا جـاء عـن اإلمـام مالـك إمـام دار الهجرة رحمـه اهلل تعالـى أنه قـالَ :
َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ِّ َ َ ً َّ ً َ َ َّ ْ َ ْ ً َ
الر َسـالة، ِفـي ِال ْسلا ِم ِبد َعـة َي َراهـا َح َس َـنة ،ز َع َـم أن ُم َح َّمـدا َصلـى اللـه علي ِه وسـلم خان
َ َّ َّ
الل َـه َي ُق ُ
ـول:ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ِلن
ٌ َ َ ُ ُ ْ َ َ ُ
ﮅ ﱶ[المائـدة ،]3:ف َمـا ل ْـم َيك ْـن َي ْو َم ِئ ٍـذ ِد ًينـا ،فلا َيكـون ال َي ْو َم ِد ًينـا))[[[.
أيهـا المؤمنـون :ومـن أخطـار البـدع أهنـا ِ
توجـب التبـاس أمـر الديـن بيـن النـاس ،
ومـن مخاطـر البـدع أيهـا المؤمنـون :أن صاحبهـا يف الغالـب ال يتـوب منهـا ،ألنـه
يعتقـد أهنـا حـق وصـواب ،ولهـذا قـال سـفيان الثـوري « : $البدعـة أحـب إلـى
إبليـس مـن المعصيـة ،ألن المعصيـة ُيتـاب منهـا والبدعـة ال يتـاب منهـا»[[[.
أن البـدع ِ
توجـب عقوبـة اهلل أيهـا المؤمنـون :ومـن مخاطـر البـدع العظيمـة َّ
والطـرد يـوم القيامـة مـن الشـرب مـن الحـوض المـورود ؛ حـوض نبينـا
المصطفـى ورسـولنا المجتبـى صلـوات اهلل وسلامه عليـه ،روى البخـاري ومسـلم
َ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ َ ُ َْ
ـاء ِبأق َـو ٍام َي ْـو َم ال ِق َي َام ِـة ف ُيؤخـذ ِب ِه ْـم ذات يف «صحيحيهمـا» أن النبـي ﷺ قـال (( :يج
َ َ َ َُ َ ُ َ ُ َّ َ َ َ ْ
ـالِ :إنـك ل تـد ِري َمـا أ ْحدثـوا َب ْعـدك))[[[.
ُ الش َـمال َف َأ ُق ُ
ـول َيـا َر ِّب أ َص ْي َح ِابي!!فيق
ِّ
ِ
أيهـا المؤمنـون :ومـن أخطـار البدع أيضـا أهنا موجبـ ٌة للتباغض والتدابـر وال ُفرقة؛
ولهـذا يقـال «أهـل السـنة والجماعـة» ،ويقـال «أهـل البدعـة والفرقـة»[[[ ؛ فإن السـنَّة
َ
تفـرق ،ولهـذا قـال أحـد أهـل العلـم يف معنـى قـول النبـي ﷺ (( ل تجمـع والبدعـة ِّ
اغ ُضـوا)) :يف ذلـك هنـي عـن البدعـة ؛ ألن وجودهـا ِ ََ َ
يوجـد البِغضـة. ٌ تب
اللهـم يـا ربنا نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا أن توفقنـا أجمعين ألن
نكـون مـن أهـل السـنة المالزمين لهـا المحافظين عليهـا ،وأن تعيذنا يا ربنـا من البدع
واألهـواء كلهـا ،ال ملجـأ إال إليـك ،نفـوض أمرنـا إليـك ونتـوكل عليـك ونطلـب
هدايتنـا منـك ،اللهـم فتقبـل دعوتنـا وأصلـح لنـا شـأننا كلـه ،وال تكلنـا إلـى أنفسـنا
طرفـة عين .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
يعلم أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل ربكـم ،وراقبـوه َّ
جـل يف علاه مراقبـة مـن ُ
أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه .
أيهـا المؤمنـون :وإذا كان علـى كل مسـلم يف كل بلـد مـن الدنيـا أن يتقـي البـدع
وأن يحذرهـا أشـد الحـذر ،فـإن هـذا األمـر يتأكـد علـى أهل المدينـة تأكـدً ا أعظم من
غيرهـم ،ألن المدينـة -يـا معاشـر المؤمنيـن -مـأرز اإليمـان ومهبِط الوحـي ومنطلق
الدعـوة ،ولهـذا جـاء يف «الصحيحيـن» عـن إبراهيـم بـن يزيـد الت ْيمـي عـن أبيـه قـال :
خطبنـا علـي بـن أبـي طالـب ﭬ ،وكان مما قال يف خطبته قال :قال رسـول اهلل ﷺ:
طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 105
ِ ِ ِ
ً َ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ َْ َ َْ َ َ ْ ََ ْ َ ْ َ َ َ ًَ
يهـا َحدثـا أ ْو َآوى ُم ْح ِدثـا ف َعل ْي ِـه المدينـة حـرم مـا بيـن عي ٍـر ِإلـى ثـو ٍر ،فمـن أحـدث ِف (( ِ
ً َ ًْ
اللـه ِم ْن ُـه َص ْرفـا َول َعـدل))[[[ .
ـل ُ النـاس َأ ْج َم ِع َ
يـن َ ،ل َي ْق َب ُ َل ْع َن ُـة اللـه َو ْال َم َلئ َكـة َو َّ
ِ ِ
ِ ِ
نسـأل اهلل أن يحفظنـا أجمعيـن وأن يعيذنـا مـن البـدع ،وأن يصلح لنا شـأننا
قريـب مجيب .
ٌ سـميع
ٌ كلـه إنه
الحمـد هلل الكريـم المنَّـان ؛ مـ َّن علينـا باإلسلام ،وجعلنـا مـن أمـة خيـر األنـام ،
أن محمـد ًا
العلام ،وأشـهد َّ ُ
الملـك َّ اهلل وحـده ال شـريك لـه
وأشـهد أن ال إلـه إال ُ
عبـده ورسـوله إمـام الـورى وقـدوة الفضالء الكرام ؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلى آله
وصحبـه أجمعيـن .
ويقـول :ﱷ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱶ[الجمعـة] .
ويقـول :ﱷ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱶ [الطلاق. ]11-10:
ويقول :ﱷﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱶ [التوبة] .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :لقـد افترض اهلل علـى العبـاد طاعـة هذا الرسـول
ﷺ ومحبتـه واتباعـه ولـزوم هنجـه ،وأوجـب تقديم محبته علـى محبة األهل
والولـد والعشـيرة والتجـارة والنـاس أجمعيـن ،قـال اهلل :ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾﭿﮀﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆ
ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱶ [التوبـة] ،
َُ َ َ ْ َ ُ ُ
ويف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال(( :ال ُيؤ ِم ُـن أ َحدك ْـم َح َّتـى أكـون
الناس َأ ْج َم ِع َ
َّ َ ْ َ َ َّ َ
يـن))[[[. ـب ِإل ْي ِـه ِمـن َوا ِل ِـد ِه َو َول ِـد ِه َو ِ أح
[[[ رواه البخاري ( ،)14ومسلم (.)44
108 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ـول اهَّللِ
ويف «صحيـح البخـاري» عـن عمـر بـن الخطـاب ﭬ قـال « :قلـت َيـا َر ُس َ
ـب إِ َلـي مِـ ْن ك ُِّل َشـي ٍء إِ َّل مِـ ْن َن ْف ِسـي» َ ،ق َ
َْ َ َّ
ـال(( :ال َوال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِهَ ،ح َّتـى َلَن َ َ
ْ ْـت أ َح ُّ َّ
ـب إِ َل َّـي مِـ ْن ح َ
أ ْـت نَ لَ اآلن واهَّللِ
َ ه َّـ
ن ِ إفَ « : ـر م ع َ
ـال َ
ق َ
ف ،
َ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ
َ َ ُّ َ ُ ُ َ ُ )) ـك أكـون أحـب ِإليـك ِمـن نف ِس
َن ْف ِسـي» َ ،ق َ
َ
ـال(( :اآلن َيـا ُع َم ُـر))[[[.
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :وهـذه المحبـة التـي افرتضهـا اهلل علـى العبـاد
ٍ
لصـدق يف هـذه ٍ
تحقيـق أمـر يتظاهـر اإلنسـان بـه دون ٍ
كلمـة تدَّ عـى أو ٍ ليسـت مجـرد
المحبـة ،وقـد جعـل اهلل عالمـ ًة عظيمـة وبرهانًـا واضحـا علـى صـدق محبـة
وترسـم
هـذا الرسـول ♥ أال وهـي العنايـة الدقيقـة باتباعـه ولـزوم هنجه ُّ
خطـاه ،قـال اهلل :ﱷ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸﱶ [آل عمـران ]31:؛ فهـذه اآليـة -معاشـر المؤمنيـن -حاكمـ ٌة علـى كل مـن
ا َّدعـى محبـة الرسـول ♥ دون لـزو ٍم لنهجـه واتبـا ٍع لهديـه بـأن دعـواه
كاذبـة مـا لـم يتَّبـع هديـه ♥ .
أيهـا المؤمنـون :إن العالمـة الصادقـة التي يتحقق بوجودهـا يف العبد صدق محبته
للرسـول ♥ هـي االتبـاع لنهجـه القويـم ،واللـزوم لصراطه المسـتقيم ،
وال ُبعـد عـن البـدع والمحدثـات التـي مـا أنـزل اهلل هبـا مـن سـلطان .ولقـد
ضـرب الجيـل األول مـن هـذه األمـة جيـل الصحابـة أروع األمثلـة يف تحقيـق هـذه
المحبـة للرسـول المصطفـى والنبـي المجتبـى صلـوات اهلل وسلامه عليـه ،فرتجموا
ٍ
واهتـداء هبـدي الرسـول الكريـم ٍ
ومتابعـة عظيمـة عـن هـذه المحبـة با ِّتبـا ٍع صـادق
♥.
فالحـذر الحـذر عبـاد اهلل مـن المحدثـات بأنواعهـا وإن كان الحامـل عليهـا إظهـار
المحبـة للنبـي الكريـم ♥ ؛ إذ َّ
إن تحقيق هـذه المحبة ال يكون باالبتداع
ٍ
شـيء مـا أنـزل اهلل به من سـلطان . يف ديـن اهلل وال بإحـداث
عبـاد اهلل :ولقـد رام أقـوا ٌم إظهـار محبتهم للنبـي الكريم ♥ فاتخذوا
أمـر لـم يفعلـه الجيـل األول ،ولـم توجـد هـذه
يـوم مولـده ﷺ محتفلا ؛ وهـذا ٌ
وتصـرم القـرون
ُّ االحتفـاالت بإجمـاع أهـل السـ َير والتاريـخ إال بعـد القـرن الثالـث
المفضلـة ،نعـم عبـاد اهلل .
ثم -عباد اهلل -إن الشـهر الذي ُولد فيه صلوات اهلل وسلامه عليه هو بعينه الشـهر
الـذي مـات فيـه ،واليـوم الـذي ُولد فيه ♥ هـو اليوم الذي تـويف فيه ﷺ
بأولـى مـن الحـزن علـى وفاتـه وف ْقـده ♥ ،
،فليـس الفـرح بيـوم مولـده ْ
ولكـن لـم ُيشـرع ال هـذا وال هـذا ،لم ُيشـرع اتخاذ يـوم مولده محتفلا ،وال يوم موته
ﷺ مأتمـا ،ولـم يفعـل الصحابة الكـرام ﭬم وأرضاهم شـيئا من ذلك .
أيهـا المؤمنـون :وإذا كان مـراد العبـد تعظيـم النبـي ﷺ وإظهـار محبتـه
♥ فليكـن هـذا التعظيـم وليكـن هـذا اإلظهـار لمحبتـه بالطريقـة التـي
مضـى عليهـا الصحابـة الكـرام .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :لم يحتفل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسـائر الصحابة
110 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ﭭ ،ولـم يحتفـل أهـل القـرون المفضلـة بمولـد النبـي ﷺ ،فهـل يقـول قائـل :إن
أن الحـق أن ذلك ضاللة خيـر ُح ِـرم منـه الصحابـة ُ
وهـدي إليـه مـن بعدهـم ؟! أو َّ هـذا ٌ
وقـى اهلل منهـا تلـك القـرون المفضلـة التـي لزمـت هديـه ﷺ وسـلكت سـبيله
القويـم !! .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :لـن يصلـح آخـر هـذه األمـة إال بمـا صلـح بـه أولهـا ؛
أال وهـو اتبـاع هـدي النبـي ♥ وال ُبعـد عـن المحدثـات التي مـا أنزل اهلل
هبـا مـن سـلطان .
عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل وراقبـوه يف أعمالكـم كلهـا ؛ فـإن اهلل ال يقبل من
العمـل أ ًّيـا كان ومهمـا كان إال إذا كان هلل خالصـا ،ولسـنة النبـي ﷺ موافقـا .اللهـم
ارزقنـا أجمعيـن اإلخلاص يف األقـوال واألعمـال ،ووفقنـا أجمعيـن ال ِّتبـاع النبـي
الكريـم ♥ ،وأعذنـا أجمعيـن مـن البـدع والمحدثـات يـا ذا الجلال
واإلكـرام .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم .
الخطبة الثانية:
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ،وأرشـده
إلـى خير أمـور دينه ودنياه .
طب الم ْن َبر َّية الخ َ البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َُّ 111
ِ ِ ِ
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :روى اإلمـام أحمـد يف مسـنده وغيـره مـن حديـث
َ ً َ ً َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َّ
ـول الل ِـه ﷺ َم ْو ِعظـة َب ِليغـة ذ َرفـت ِم ْن َهـا العربـاض بـن سـارية ﭬ قـال « :وعظنـا رس
َ ُ ِّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ ـت ِم ْن َهـا ْال ُق ُل ُ
ُُْ ُ ََ َ ْ
ـول الل ِه كأن َهـا َم ْو ِعظة ُم َـود ٍع فأ ْو ِص َنا» فقال ـوب فقلنا يا رس العيـون وو ِجل
ْ َ َ ً َّ ْ ََ ُ
اع ِـة َو ِإن كان َع ْبـدا َح َب ِش ًّـيا ، الط َ
الس ْـم ِع َو َّ الل ِـه َو َّ ((عل ْيك ْـم ِب َتق َـوى ♥:
َ َ َ َ ْ َ ً َ ً َ َ َ ُ ْ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ
ـاءيـرا ؛ فعل ْيكـم ِب ُسـن ِتي وسـن ِة الخلف ِ ـش ِم ْنك ْـم َب ْع ِـدي فسـيرى اخ ِتلفـا ك ِث ف ِإنـه مـن ي ِع
ُْ
ال ُ َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ ـكوا ب َها َو َع ُّضوا َع َل ْي َها ب َّ
الن َ َ ْ َ ْ ِّ َ َ َ َّ ُ َّ
ور
ِ م اتِ ث د ح م و م اك ي إِ و ، ذِ اج
ِ و ِ ِ الر ِاش ِـدين المه ِديين ،تمس
َ َ َ ٌ ََ ْ ٌ ُ ْ َ َّ ُ
،ف ِـإن ك َّل ُم ْحدث ٍـة ِبد َعـة َ ،وك َّل ِبد َع ٍـة ضللـة))[[[ ،وكان صلـوات اهلل وسلامه عليـه إذا
َ ْ َ َُ
اب الل ِـه َ ،وخ ْي ُـر ال ُهدى هدى
َ ُ َّ
يث ِكت د حخطـب النـاس قـال َ (( :أ َّمـا َب ْع ُـد َ ،فـإ َّن َأ ْص َـد َق ْال َ
ِ ِ ِ
ََ ْ ٌ ُ ْ ُ ََ ُ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُّ ْ ُ ُ َ َّ َ َّ
ـور ُم ْحدثات َهـاَ ،وك ُّل ُم ْحدث ٍة ِبد َعـةَ ،وك ُّل ِبد َع ٍة ِ م ال ُ ـر ش و ، م ـل س و هِ ي ل ع ـهالل ـى ل محم ٍـد ص
َ َ َ ٌ
نصحـا لألمـة فصلـوات ً ضللـة))[[[ ،وكان ﷺ يؤكـد علـى هـذا األمـر تأكيـدً ا عظيمـا
اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :إن الواجـب علينـا معاشـر المؤمنيـن أن نع ِّظـم هـذا
الرسـول ﷺ التعظيـم الالئـق بـه ،وأن نح َّبـه ﷺ محبـ ًة مقدَّ مـ ًة علـى محبتنـا ألنفسـنا
بحسـن اتباعه
وأهلينـا والنـاس أجمعيـن ،وأن نكـون صادقيـن مع اهلل يف هـذه المحبة ُ
ولـزوم هنجـه وال ُبعـد عـن البـدع والمحدثـات التـي َّ
حذرنا منهـا صلوات اهلل وسلامه
عليـه .
هدانا اهلل أجمعين إليه صرا ًطا مستقيما ،وأصلح لنا شأننا كله .
َّ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛
صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن وسـ ّلم تسـليما ًكثيـرا .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :أوصيكم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالـى ومراقبتَه يف
السـر والعالنيـة ؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خير دينـه ودنياه .
ٍ
مسـلم اتجـاه هذه األشـهر وغيرها أن يقـوم فيها بما عبـاد اهلل :والواجـب علـى كل
ٍ
تجـاوز أو تعـدٍّ لذلـك ؛ إذ ليـس ألحـد مـن دلـت عليـه الشـريعة وثبـت يف السـنة دون
النـاس أن ُي َخ ِّص َ
ـص شـيئًا مـن هـذه األشـهر بشـيء مـن العبـادات والقربـات دون أن
يكـون لـه مسـتندٌ علـى ذلـك من أدلـة الشـريعة .
عبـاد اهلل :وقـد كان المشـركون يف الجاهليـة ُيع ِّظمـون شـهر رجـب ويخصونـه
وص ِـهـب بِ ُخص ِ
ُ بالصـوم فيـه ،قـال شـيخ اإلسلام ابـن تيميـة َ « :$و َأ َّمـا َص ْـو ُم َر َج ٍ
ـت ـم َع َلـى َش ْـي ٍء مِن َْهـا َو َل ْي َس ْ
ادي ُثـ ُه ُك ُّل َهـا َض ِعي َفـ ٌة َب ْـل َم ْو ُضو َعـ ٌة َل َي ْعت َِمـدُ َأ ْه ُـل ا ْل ِع ْل ِ
َف َأح ِ
َ
يـف ا َّل ِـذي ُي ْـر َوى فِـي الض ِع ِ مِـ ْن َّ
بصفة غريبة يسـموهناٍ عبـا َد اهلل :ويف شـهر رجـب يصلـي بعض الناس صلا ًة معينة
ٍ
جمعـة منه بين المغرب والعشـاء ،وهي بِد َع ٌة الرغائـب ؛ يفعلوهنـا يف أول ليلـة
صلاة َّ
منكـرة باتفـاق أهـل العلـم لـم ُتعرف إال بعد القـرن الرابع الهجري ،وليـس لها وجو ٌد
كـر قبـل ذلـك قـال اإلمـام النـووي $وقـد ُسـئِل عـن صلاة الرغائـب هـل هـي ِ
أو ذ ٌ
سـنة وفضيلـة أو بدعـة ؟ فقـال « :$هـي بدع ٌة قبيحة منكر ٌة أشـدّ اإلنكار ،مشـتملة
ﷺ قـال(( :ك ُّل بِدْ َع ٍـة َض َل َلـةٌ))[[[ ،وقـد أمـر اهلل عنـد التنـازع بالرجـوع إلـى
كتابـه وسـنة رسـوله ﷺ فقـال :ﱷ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ
ﰋ ﰌ ﰍ ﱶ [النسـاء ، ]59:ولـم يأمـر باتباع الجاهليـن وال باالغرتار بغلطات
ُ
والنقـول عـن أهـل العلـم يف هذا المعنـى كثير ٌة . المخطئيـن»[[[،
عبـاد اهلل :ويف شـهر رجـب َي ِفـدُ بعـض النـاس إلى المدينـة النبوية المنـورة بزيارهتا
بزيـارة يسـموهنا الرجبِيـة يـرون أهنـا مـن السـنن ،وهـذه الزيـارة المسـمات بالرجبِ ِ
يـة َّ َ َّ َ
ليـس لهـا أصـل يف كالم أهـل العلـم ،وال ريب -عباد اهلل -أن المسـجد النبوي ُت َشـدُّ
تخصيص ٍ
شـهر مع ّين أو يو ٍم معيـن لهذا العمل ُ إليـه الرحـال يف كل وقـت وحيـن لكن
ِ
تخصيـص رجـب بذلـك ؛ وعلـى هذا يحتـاج إلـى دليـل خـاص ،وال َ
دليـل هنـا علـى
فاتخـاذ هـذا سـن ًة ُيت َق َّـر ُب هبـا إلى اهلل يف هذا الشـهر بخصوصـه ٌ
أمر محـدَ ث ليس عليه
ٌ
دليل يف الشـريعة .
عبـاد اهلل :و ْل ُيع َلـم أن حقيقـة اتبـاع النبـي ﷺ هـي التمسـك بسـنته فعلاً فيمـا فعـل
نقـص ح ُّظـه مـن المتابعـة
وتـركًا فيمـا َتـرك ،فمـن زاد عليهـا أو نقـص منهـا فقـد َ
بحسـب ذلـك ،لكـن الزيـادة أعظـم ألهنـا تقـدُّ ٌم بين يـدي اهلل ورسـوله ﷺ واهلل تعالى
يقول :ﱷ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱶ
[الحجـرات] .
بـارك اهلل لـي ولكـم يف القـرآن الكريـم ورزقنـا لتبـاع السـنة نبيـه ﷺ ولـزو َم هديـه
القويـم .أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
[[[ نقله عنه تلميذه اإلمام ابن القيم يف «زاد المعاد» (.)57/1
116 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
الخطبة الثانية:
الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان ،وأشـهد أن ال إله إال
اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليه وعلى آله
وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليمًا كثيرا .
أما بعد عباد اهلل :أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل تعالى .
ُ
الحث على لزوم ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل أن النبـي ﷺ ثبت عنه يف أحاديث كثيـرة
والتحذيـر مـن البدعـة بجميـع أنواعهـا وكا ّفـة صورهـا ،ومـن تلكـم األحاديث ُ السـنة
َ َ َ ُ ُ َّ
ـول الل ِه ﷺ العظيمـة يف هـذا البـاب :عـن العرباض بن سـارية ﭬ قـال (( :وعظنا رس
َ ْ َ ً َ َ ً َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ
ـول الل ِـه كأن ه ِذ ِه مو ِعظـة ب ِليغـة ذرفـت لهـا العيـن وو ِجلـت ِمنهـا القلـوب قلنـا :يا رس
َ ُ ِّ َ َ
َم ْو ِعظة ُم َـود ٍع فأ ْو ِص َنا.
ُ ْ َ ْ َ َّ َ َّ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ
ان َع ْب ًدا َح َب ِش ًّـياَ ،ف ِإ َّن ُـه َم ْن َي ِع ْ َ َ ُ
ش وصيكـم ِبتقـوى الل ِـه والسـم ِع والطاع ِة و ِإن ك قـالِ :
أ
ين ْال َم ْهد ِّي َ الراشـد َ َّ ْ َ ً َ ً َ َ َ ْ ُ ْ ُ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َْ
ين، ِ ِ ِ ِمنكـم ي َـرى بع ِـدي اخ ِتلفـا ك ِثيرا فعليكم ِبسـن ِتي وسـن ِة الخل ِ
اء ف
َ َ ْ ٌ َّ ُ ْ ْ ُ ُ َ َّ ُ َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ َو َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ
ور ف ِإن ك َّل ُم ْحدث ٍة ِبد َعـة َو ِإن ك َّل ِبد َع ٍة ِ م ال ـات
ِ ث د ح م و م اك ي إِ و ـذ
ِ اج
ِ
الن َ
و ِ
َ َ ٌَ
ضللة ))[[[ .
َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ
ـش ِم ْنك ْـم َي َرى وتأملـوا رعاكـم اهلل قـول النبـي ﷺ يف هـذا الحديـث(( :ف ِإنـه مـن ي ِع
والتفرق سـيوجد يف َ يـرا)) فهـذا فيـه إشـارة إلـى أن االختالف سـيقعاخ ِت َل ًفـا َك ِث ً
ْ
َب ْع ِـدي
ُ
التمسـك بسـنته ﷺ ولهذا قال (( :فعليكم بسـنتي وسنة الخلفاء الراشدين ُ
األول :
المهدييـن من بعدي)) .
فالواجـب علينـا عبـا َد اهلل مالزمـة سـنة النبـي ﷺ والتمسـك هبديـه ولـزوم غـرزه
واقتفـاء أثـره والحـذر الحـذر مـن كل البـدع والضلاالت بجميـع أنواعهـا وكا َّف ِـة
صورهـا .وأسـأل اهلل بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلى أن يحيينـا وإياكم على
َ
مجيـب قريـب .
ٌ سـميع
ٌ السـنة وأن يميتنـا عليهـا وأن يجنبنـا األهـوا َء والبـدَ ع إنـه
َّ
إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه،
وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ،
وصفيـه وخليلـه وأمينـه على وحيـه ومب ِّلغ الناس شـرعه ؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه
وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى فـإن من اتقـى اهلل وقاه وأرشـده
إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه .
ثـم أيهـا المؤمنـون :إن اهلل --لـه الحكمـة البالغـة يف خلقـه وشـرعه ،واهلل
--يختص برحمته من يشـاء فضالً وشـرفا سواء ذلك مما يتعلق باألشخاص
أو األزمنـة أو األمكنـة كمـا قـال اهلل : --ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﱶ
[القصـص ، ]68:وممـا يدخـل يف ذلكـم -أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل -مـا خـص اهلل
[[[ خطبة جمعة بتاريخ 1432-8-14 /هـ
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 119
ِ ِ ِ
--بـه شـهر شـعبان شـهرنا هـذا ؛ فـكان نبينـا -♥-يصـوم أكثر
شـعبان كمـا ثبـت بذلكـم الحديـث عنـه ♥ ،ويخبر -صلـوات اهلل
وسلامه عليـه -عـن غفلـة كثيـر من الناس عنـه ،ثبت يف «الصحيحيـن» من حديث أم
َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َّ
ـول ل ُيف ِط ُـر ـول الل ِـه ﷺ يصـوم حتـى نق المؤمنيـن عائشـة -ڤ -قالـت (( :كان رس
َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ
ـام ش ْـه ٍر ِإل ـول الل ِـه ﷺ اسـتكمل ِصي ويف ِطـر حتـى نقـول ل يصـوم ،فمـا رأيـت رس
َ َ َ ََْ َ َ
َر َمضـان َو َمـا َرأ ْي ُت ُـه أكث َـر ِص َي ًامـا ِم ْن ُـه ِفي ش ْـع َبان))[[[.
وثبـت يف «مسـند اإلمـام أحمـد» و«سـنن النسـائي» عـن أسـامة بـن زيـد -ﭭ-
ور َمـا َت ُصـو ُم مِـ ْن َشـ ْع َب َ ـم َأ َر َك َت ُصـو ُم َش ْـه ًرا مِـ ْن ُّ
الش ُـه ِ قـالُ :ق ْلـت يـا رس َ ِ
ان ؟! ـول اهَّلل َل ْ ُ َ َ ُ
ُ َ َ َ ُ َ ـك َش ْـه ٌر َي ْغ ُف َُ َ
ـاس َع ْن ُه َب ْي َـن َر َج ٍب َو َر َمضان َ ،وه َو ش ْـه ٌر ت ْرف ُع ِف ِيه ـل َّ
الن ُ َق َ
ـال ﷺ (( :ذ ِل
ََ َْ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ِّ ْ َ َ َ َ ُ
يـن ؛ فأ ِح ُّب أن ُي ْرف َـع َع َم ِلي َوأنا َص ِائ ٌم ))[[[ . العمـال ِإلـى رب العال ِم
أيهـا المؤمنـون :إن المسـلم إذا سـمع هبـدي النبـي -الكريـم ♥-
وسـنته الصحيحـة المأثـورة عنـه يحـرص علـى اإلقبـال عليهـا إدراكًا ألجرهـا وفـوز ًا
بثواهبـا ومـن لـم ينشـط لذلـك ولـم يتحقـق لـه فعـل ذلـك فإنـه يفوتـه أجر تلك السـنن
المسـتحبات وال إثـم عليـه ،أمـا -عبـاد اهلل -أن يتحـول الحـال يف المسـلم إلى رغبة
عـن السـنة وإعـراض عنهـا وإهمـال للعمـل هبـا وتفريـط فيهـا ويف الوقت نفسـه يشـتد
تمسـكه وتعظـم عنايتـه بأمـور محدثـات وأعمـال مبتدعـات ال أصـل لهـا يف شـرع اهلل
وال يف هـدي رسـوله -الكريـم ♥ -فـإن حـال المـرء حينئـذ -عبـاد اهلل
[[[ رواه البخاري ( ،)1969ومسلم (.)1156
[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» ( ،)21753والنســائي يف «ســننه» ( ،)2357وحســنه األلبــاين يف
«صحيــح الرتغيــب» (.)1022
120 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
-حـال تنـذر بخطـر إلعراضـه عـن السـنة وعـدم رغبتـه فيها مـع إقبال شـديد منه على
أمـور محدثـات وأعمـال ال أصـل لهـا يف شـرع اهلل .
أيهـا المؤمنـون :ومـن ذلكـم حـرص بعض الناس علـى أعمال وفعـال يقومون هبا
ليلـة النصـف مـن شـعبان ويومـه كذلـك متقربيـن هبـا إلـى اهلل --مـع حـرص
وعنايـة شـديدة بتلكـم األعمـال مـع أهنـا ال تقـوم علـى أصـل وال يثبـت هبـا دليـل
ويف الوقـت نفسـه يعرضـون عـن الهـدي الثابـت والسـنة الصحيحـة عـن رسـول اهلل
صلـوات اهلل وسلامه عليـه ؛ ويف هـذا المقـام يقـول اإلمـام العالمـة عبـد العزيـز بـن
بـاز -رحمـه اهلل تعالـى -يف رسـالة له مختصـرة أفردها فيمـا يتعلق بالبـدع المحدثات
يف ليلـة النصـف مـن شـعبان يقـول -رحمـه اهلل تعالـى«: -ومـن البـدع التـي أحدثهـا
بعـض النـاس بدعـة االحتفـال بليلـة النصـف مـن شـعبان وتخصيـص يومهـا بالصيـام
وليـس علـى ذلـك دليـل يجـوز االعتمـاد عليـه وقـد ورد يف فضلهـا أحاديـث ضعيفـة
ال يجـوز االعتمـاد عليهـا ،أمـا مـا ورد يف فضـل الصلاة فيهـا فكلـه موضـوع ،كمـا نبه
أيضـا آثـار عـن بعـض السـلف مـن أهـل
علـى ذلـك كثيـر مـن أهـل العلـم ،وورد فيهـا ً
الشـام وغيرهـم.
والـذي أجمـع عليـه جمهـور العلمـاء :أن االحتفـال هبـا بدعـة ،وأن األحاديـث
الـواردة يف فضلهـا كلهـا ضعيفـة وبعضهـا موضـوع ،ثـم سـاق -رحمـه اهلل تعالـى-
نقـو ً
ال عديـدة يف ذلـك ثم قـال :ومما تقدم مـن اآليات واألحاديـث وكالم أهل العلم
يتضـح لطالـب الحـق :أن االحتفـال بليلـة النصـف مـن شـعبان بالصلاة أو غيرهـا
وتخصيـص يومهـا بالصيـام بدعـة منكـرة عنـد أكثـر أهـل العلـم ،وليـس لـه أصـل يف
الشـرع المطهـر ،بـل هـو ممـا حدث يف اإلسلام بعـد عصـر الصحابـة ﭬم ،ويكفي
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 121
ِ ِ ِ
طالـب الحـق يف هـذا البـاب وغيـره قـول اهلل :--ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱶ [المائـدة ]3:ومـا جـاء يف معناها من
َ َْ َ َ َ َ َ َ ْ َْ َ َ
يـه ف ُه َـو
ِ ِف َ
ـس ْ
ي ل ـا م ا ـذ ه ـا ن رِ م أ ـي فاآليـات ،وقـول نبينـا ♥ (( :مـن أحـد ِ
ث
ٌّ
َرد ))[[[ ومـا جـاء يف معنـاه مـن األحاديـث»[[[ .انتهـى المقصـود نقله مـن كالمه رحمه
اهلل تعالـى .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :وعندمـا يتأمـل المتأمـل يف واقـع بعـض النـاس يف تلـك
الليلـة يـرى أعمـا ً
ال متنوعـات يحـرص عليهـا ويعتنـى بالمحافظـة عليهـا ثـم إذا فتـش
المفتـش ونظـر الناظـر يف الدليـل علـى ذلـك ال يجـد عليهـا شـيئًا ثابتـا يف هـدي نبينـا
صلـوات اهلل وسلامه عليـه ؛ وهـذه -عبـاد اهلل -مصيبـة عظمـى عندمـا ُيعـرض المرء
عـن السـنن الثابتـات وينخـرط انخراطـا شـديد ًا وراء أعمال محدثـات ال أصل لها يف
شـرع اهلل وال دليـل عليهـا يف سـنة نبيـه ♥.
أيهـا المؤمنـون :ومـن ذلكـم اعتقـاد بعـض النـاس أن ليلـة النصف من شـعبان هي
المعنيـة بقـول -اهلل تعالـى: -ﱷ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱶ [الدخـان] وأهنـا التـي ُيقـدَّ ر فيهـا اآلجـال واألرزاق وهـذا
خطـأ بيـن كمـا نبـه علـى ذلكـم أهـل العلـم ومـن ذلكم قـول اإلمـام ابن كثيـر -$-
عنـد تفسـيره لهـذه اآليـة « :مـن قـال إهنـا ليلـة النصـف من شـعبان ..فقـد أبعـد الن َّْج َعة
فـإن نـص القـرآن أهنـا يف رمضـان» أي الليلـة التـي يفـرق فيهـا كل أمـر حكيـم.
ومـن ذلكـم -عبـاد اهلل : -تخصيـص بعـض النـاس ليلـة النصـف مـن شـعبان
[[[ رواه البخاري ( ،)2697ومسلم (.)1718
[[[ «مجموع الفتاوى » (.)186/1
122 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
بالصلاة وقيـام الليـل دون سـائر األيـام وإحيـاء تلـك الليلـة بالذكـر والدعـاء ؛ فهـذا
-عبـاد اهلل -عمـل محـدث لـم يفعلـه النبـي -♥-وال الصحابـة الكرام
ولـو فعلـوا ذلـك لنقـل إلينا باألسـانيد الصحيحة وهو مـردود على عاملـه لعموم قول
ٌّ َ َ َ َ ً َ
ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[.
((م ْـن َع ِم َ
نبينـا َ : -♥-
أمـا مـا يـروى يف الرتغيـب بصيـام يومهـا وقيـام ليلهـا مـن حديـث علـي -ﭬ-
مكـذوب على رسـول -اهلل صلوات اهلل وسلامه عليـه -فال يحل
ٌ فهـو حديـث ٌ
باطـل
العمـل بـه ولذلـك قـال زيـد بـن أسـلم -رحمـه اهلل تعالـى« : -مـا أدركنـا أحـد ًا مـن
ً
فضلا علـى ما مشـيختنا وال فقهائنـا يلتفتـون إلـى النصـف مـن شـعبان وال يـرون لهـا
سـواها »[[[ ،إال أنـه -عبـاد اهلل -يسـتثنى مـن ذلـك مـن كان لـه صيـام اعتـاده كمـن
اعتـاد صيـام الخميـس أو صيـام البيـض أو نحـو ذلـك فإنـه يمضـي على ما اعتـاده من
صيـام .
عبـاد اهلل :ومـن ذلكـم صنـع أطعمـة مخصوصـة يف ليلـة النصـف مـن شـعبان
وتوزيعهـا بزعـم أن لهـا مزيـة علـى غيرهـا أو أن يف ذلـك أجـر ًا وثوابـا أو نحـو ذلـك
فهـذا ممـا ال أصـل لـه يف شـرع اهلل .
وكذلكـم -عبـاد اهلل : -االحتفـال يف هـذه الليلـة بالتوسـيع علـى األهـل واألوالد
يف المطعـم والمشـرب والملبـس ونحـو ذلـك تحـت مسـميات متنوعـات وهـو عمل
ال أصـل لـه يف شـرع اهلل المطهـر ،والقـول بأهنـا مـن العـادات أو التقاليـد أو مـن إحياء
التراث وأهنـا ال دخـل لهـا يف الديـن هـذه -عبـاد اهلل -دعـوى غيـر صحيحـة والواقـع
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :إن الواجـب علـى كل مسـلم أن يتقـي اهلل --يف
أعمالـه وأقوالـه وأن يحـرص تمـام الحـرص علـى لـزوم السـنة ومجانبـة البدعـة وأن
يتيقـن أن خيـر األمـور السـالفات علـى الهـدى وأن شـرها المحدثـات البدائـع.
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم .
الخطبة الثانية:
الحمد هلل عظيم اإلحسـان ،وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله وصحبـه أجمعين .
أما بعد :أيها المؤمنون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى .
ثبـت يف «صحيـح مسـلم» مـن حديـث أبـي هريـرة -ﭬ -قـال :قال رسـول -اهلل
ْ َ َ ُ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ
ـام ِم ْـن َب ْي ِـن الل َيا ِلـي َول تخ ُّصـوا َي ْـو َم ال ُج ُم َع ِـة
ﷺ(( : -ل تخ َت ُّصـوا ل ْيلـة ال ُج ُم َع ِـة ِب ِق َي ٍ
َ ْ َ ُ ُ َ ُ ُ َّ َ ْ ُ َ َْ
وم ُـه أ َحدك ْـم))[[[ ؛ لنتأمـل هـذا ـام ؛ ِإل أن َيكـون ِفـي صـو ٍم يص ـام ِم ْـن َب ْي ِـن ال َّي ِ
ِب ِص َي ٍ
الحديـث -عبـاد اهلل -متذكريـن فضـل يـوم الجمعـة وفضـل ليلتهـا ومـع ذلكـم قـال
عبـاد اهلل :إن الواجـب علـى المسـلم أن يتقـي اهلل --وأن يحـرص علـى
سـنة النبـي -♥-وأن يعـرض عـن البدع وإن ُز ِّينت له فـإن جميع البدع
ً َ
ـل َع َملا ل ْي َـسمـردودة علـى أصحاهبـا كمـا قـال نبينـا َ (( :-♥-م ْـن َع ِم َ
َ َ ٌّ َ َ َ َ
َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[ ،وكان ﷺ إذا خطـب النـاس يـوم الجمعـة قـال (( :أ ْصـد َق
ُ ََ ُ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ُّ ْ ُ ْال َ
ـور ُم ْحدثات َهـاَ ،وك ُّلِ مال ُ ـر ش و ،ـد ٍ م ح م ي ـد ه ي
ِ ـد ه ال ـن سح أ و ،ـه
ِ الل ـاب ت كِ يـث
ِ دِ ح
َ َ ُ َ
ُم ْح َد َثـة ب ْد َعـةَ ،وك ُّل ب ْد َعـة َضللـةَ ،وك ُّل َضللـة فـي َّ
ٌ َ ُ ٌ
ـار ))[[[.
ِ الن ٍ ِ ِ ٍ ٍ ِ
أ َّمـا بعـدُ أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل ربكـم ،وراقبـوه يف جميـع أعمالكـم ،واذكـروا
نعمتـه عليكـم ؛ فـإن نعمـه ال ُتعـد وال تحصـى ،ومننـه وآالءه ال ُتسـتقصى ﱷﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱶ [النحـل ، ]18:ورؤوس النِّعـم اإلسلام ؛ الـذي ال تتـم
نعمـ ٌة إال بـه ،والعافيـة التـي ال تطيـب الحيـاة إال هبـا ،والمال الذي ال يسـتقيم العيش
أيهـا المؤمنـون :ويعيـن علـى هـذه المجانبـة للذنـوب ظاهرهـا وباطنهـا أن يذكِّـر
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 127
ِ ِ ِ
المـرء نفسـه بنعـم اهلل عليـه الظاهـرة والباطنة ،وليقل لنفسـه :يا نفـس ال يليق بك وقد
والـى اهلل عليـك النعـم ومـ َّن عليـك بالمنـن أن تقابلـي نعمـة اهلل بالعصيـان ومبارزتـه
باآلثـام الظاهـرة والباطنة .
ِ
ويعينـه علـى هـذه المجانبـة :أن يذكـر أن المنعـم عليـه هبـذه النعـم م َّط ٌ
لـع علـى
أعمالـه كلهـا ال تخفـى عليـه من أعمال العبـد خافيـة ﱷ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱶ [الرعـد] ،فالـكل عنـد اهلل
سـواء ؛ يـرى أعمـال العبـاد ،وي َّطلـع علـى أحوالهـم ،ويبصـر حركاهتـم وسـكناهتم ،
ظاهـر
ٌ يحجـب عنـه جـل يف علاه
أرض أرضـا ،وال ُ فلا تـواري منـه سـما ٌء سـما ًء وال ٌ
باطنـا ،فالباطـن عنـده ظاهـر ،والسـر عنده عالنيـة ،والغيب عنده شـهادة ،ال
تخفـى عليـه خافيـة ،أحـاط بـكل شـيء علمـا وأحصـى كل شـيء عـددا .
فعلـى العبـد أن يكـون مجاهدً ا نفسـه علـى صالحها وسلامتها من اآلثـام الظاهرة
سـرا أو عالنية
والباطنـة ،وليبـادر بالتوبـة إلـى ربـه ومـواله من كل ذنـب وخطيئة وقع ً
يف قديـم أو حديـث سـواء كان دقي ًقـا أو جليلا ،فليبـادر بالتوبـة إلـى اهلل مـن ذلـك كله
وليكثـر مـن االسـتغفار ،يسـتغفر ربه مـواله مـن كل ذنوبه الظاهـرة والباطنة .
روى مسـلم يف «صحيحـه» مـن حديث أبي هريـرة ﭬ أن النبي ﷺ كان يقول يف
ُ َ ُ َّ َ َ َ ْ ُ َّ َّ ُ ْ
«الله َّـم اغ ِف ْـر ِلـي ذن ِبي كل ُه ِدق ُه َو ِجل ُـهَ ،وأ َّول ُه َو ِآخ َره َ ،و َعل ِن َي َت ُه َو ِس َّـره»[[[. سـجوده :
ِ
ولسـائر المسـلمين مـن ذنوبنا كلهـا دقها اهلل لـي ولكم
وأسـتغفر َ
ُ ُ
أقـول هـذا القـول
وج ّلهـا ،أولهـا وآخرهـا ،وعالنيتهـا وسـرها إنـه غفـور رحيـم .
الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ،وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ،ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هو
اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
أن كمـا أثنـى علـى نفسـه ،وأشـهد أن ال إلـه إال ُ
محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة والغيـب
والشـهادة مراقبـة ٍ
عبـد يعلـم أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه .
واعلمـوا رعاكـم اهلل أن تقـوى اهلل هـي خيـر زاد يبلـغ إلـى رضـوان اهلل ،
قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱶ [البقـرة ،]197:وتقـوى اهلل
ٌ
وتـرك لمعصية اهلل على عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجاء ثـواب اهلل ، ٌ :
نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ،ﱷ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﱶ [الطلاق ، ]3-2:ﱷ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﱶ [الطلاق، ]4:
ﱷ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﱶ [الطلاق. ]5:
الحمدُ هلل نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه ،ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا
وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ،وأشـهد
أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ،وصف ُّيـه
أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
وخليلـه ،وأمينـه علـى وحيـه ،ومب ِّلـغ النـاس شـرعه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه
وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالـى ،وراقبـوه َّ
جـل يف علاه مراقبـة
مـن يعلـم أن ربـه يسـم ُعه ويـراه .
ٌ
وتـرك عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ، وتقـوى اهلل ٌ :
لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل .
والفسـق -أيهـا المؤمنـون -هلاك الديـار وسـبب حلـول البـوار ؛ قـال اهلل تعالـى :
ﱷﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱶ
[اإلسراء] .
ٍ
فاسـق مض ِّي ٍع لحـدود اهلل ؛ ﱷ ﮮ ﮯ مطيـع هلل مـع
ٌ عبـاد اهلل :وال يسـتوي مؤمـ ٌن
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﱶ [السـجدة] .
وكيـف يسـتوي -عباد اهلل -من رضي لنفسـه هذا الوصف الـدينء ُ
والخلق الذميم
132 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
بمـن كان مؤمنًا مطيعًا هلل ؟!
بئـس بـد ً
ال للظالـم -عبـاد اهلل -مـن رضـي لنفسـه هـذا الهـوان بـأن كان يف خصاله
وأوصافـه شـبيهًا والعيـاذ باهلل للشـيطان .
وأضـره
ُّ أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :والفسـوق دركات ؛ وأخطـر الفسـق وأشـنعه ،
وأخطـره :الشـرك والكفـر بـاهلل ، قـال اهلل تعالـى عـن أهـل هـذا الصنف من
الفسـق :ﱷ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼﱶ [السـجدة] .
ومـن الفسـق -عبـاد اهلل -مـا هـو دون ذلـك ؛ وهـو جميـع الذنـوب قوليـ ًة أو فعلية
أمـر افرتضـه اهلل علـى عبـاده ،قـال اهلل تعالى: أمـر محـرم أو تـرك ٍ بارتـكاب ٍ
ﱷ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﱶ [الحجـرات ، ]7:فجعـل الفسـق هنـا مرتب ًة دون الكفر باهلل
.
طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ 133
ِ ِ ِ
ومـن الفسـق -عبـاد اهلل -مـا هـو تعـدٍّ علـى العبـاد يف أنفسـهم وأموالهـم سـلبًا
يتحـول
َّ خطيـر -عبـاد اهلل -بحيـث
ٌ نـوع مـن الفسـق
وانتهابـا وقتلاً وعدوانـا ؛ وهـذا ٌ
ٍ
مفسـد يتعـدى علـى النـاس يف أموالهـم ويتعـدى اإلنسـان هبـذا الفسـق إلـى مجـر ٍم
عليهـم يف أنفسـهم ،ال يرعـوي عـن رذيلـة وال يخـاف من عقوبة عيـاذ ًا باهلل
مـن ذلـك .
عبـاد اهلل :ويف زماننـا هـذا ك ُثـرت الوسـائل والطرائـق التـي تفضـي بالنـاس إلـى
الفسـق بأنواعـه كفـر ًا ومـا هـو دون ذلـك مـن المعاصـي ومـا هـو مـن بـاب التعديـات
والظلـم والبغـي والعدوان ،والسـيما عبـاد اهلل من خالل القنوات الفضائية المفسـدة
اآلثمـة التـي أخـذت علـى عاتقهـا إيقاع النـاس يف أنواع الفسـوق وإيقاعهـم يف دركاته
يصلـون مـنوهلكاتـه مـن خلال برامـج محبوكـة ووسـائل معـدَّ ٍة إعـداد ًا محكمـا ِ
ُ
خاللهـا إلـى عقـول النـاس والسـيما الشـباب والشـابات .
ٍ
فاسـق وفاسـقة ومجـر ٍم تخـرج يف مدرسـة هـؤالء اآلثمـة مـن
عبـاد اهلل :وكـم َّ
ومجرمـة ؛ ممـا يسـتوجب -عباد اهلل -علينـا أجمعين أن نأخذ بأسـباب الحيطة ،وأن
نربـأ بأنفسـنا مـن أسـباب الهلاك وأسـباب االنحـراف ،وأن نحـرص علـى أوالدنـا ،
َّ
فـإن األمـر -عبـاد اهلل -جـدُّ خطيـر .
أيهـا المؤمنـون :ولقـد ثبـت عـن نبينـا صلـوات اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه كمـا يف
«مسـتدرك الحاكـم» وغيـره التعـوذ بـاهلل مـن الفسـوق ؛ عـن أنس بـن مالك
قـال :كان رسـول اهلل ﷺ يقـول يف دعائـه « :اللهـم إنـي أعوذ بك من العجز و الكسـل،
و الجبن و البخل ،و الهرم و القسـوة و الغفلة و العيلة و الذلة و المسـكنة ،و أعوذ بك
134 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
مـن الفقـر و الكفـر و الفسـوق و الشـقاق و النفـاق و السـمعة و الريـاء ،و أعـوذ بك من
الصمـم و البكـم و الجنـون و الجذام و البرص و سـيء األسـقام»[[[.
فنعـوذ بـاهلل العظيـم مـن الفسـوق والنفـاق والشـقاق وسـيئ األخلاق ،ونسـأله
أن يحفظنـا يف أنفسـنا وأهلينـا ،وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه وأن ال يكلنـا إلى
أنفسـنا طرفـة عيـن ،إنـه سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا ونعم
الوكيـل .
الخطبة الثانية:
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ،وأرشـده
إلـى خير أمـور دينه ودنياه .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :ثبـت يف «الصحيحيـن» مـن حديـث أم المؤمنيـن عائشـة
َْ َْ ْ ُ ْ ْ َ ْ ٌ ََ ُ ْ ْ
والعق َر ُب، ـق ُيق َتل َن ِفـي ال ِح ِّل َوال َح َر ِم :الفـأ َرة ، ڤ أن النبـي ﷺ قـال (( :خمـس فو ِاس
ـب ْال َع ُق ُ
ور)) [[[. اب َ ،و ْال ُح َد َّيـا َ ،و ْال َك ْل ُ
َو ْال ُغ َـر ُ
عبـاد اهلل :ويف هـذا الحديـث إطلاق الفسـق علـى هـذه الحيوانـات ألهنـا تخـرج
السـ ُب ِع َّية »
ُوب َّ ذنوب يسـميها أهل العلـم « ُّ
الذن َ ٌ أيهـا المؤمنـون :ويف ذنـوب العبـاد
أي التـي يتشـ َّبه هبـا اإلنسـان بالسـباع يف تصرفاهتـا وظلمهـا وعدواهنا َ
وش َرسـها وبغيها
وتجاوزهـا وتعدِّ يهـا ؛ فيصبـح مـن النـاس مـن حاله كهذه الحـال والعياذ باهلل بل أشـد
مـن حـال الحيوانات الضارية والسـباع المفرتسـة المهلكة .
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :لنسـتعذ بـاهلل مـن الفسـق كلـه بكافـة صـوره
وجميـع أنواعـه ،ولنلجـأ إلـى اهلل سـبحانه أن يحفظنـا يف أنفسـنا وأهلينـا ،وأن يهدينـا
إليـه صراطـا مسـتقيما .
يــر مــن الظُّ ْ
ــــلــم ــذ ُ ِالتَّـــحـْ ِ
[[[
إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرورَّ
مضـل لـه ،ومـن ُيضلِـل فلا هـادي لـه ،
َّ أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا
أن محمد ًا عبده ورسـوله ،ب َّلغ
وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد َّ
الرسـالة ،وأ َّدى األمانـة ،ونصـح األمـة ،وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين،
شـرا إال حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه خيـرا إال َّ
دل األمـة عليـه ،وال ً مـا تـرك ً
عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
يعلم
أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل :اتقـوا اهلل تعالى وراقبوه سـبحانه مراقبة من ُ
عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ
نـور مـن اهلل رجـاء أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه .وتقـوى اهلل ٌ : َّ
وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ
نـور من اهلل خيفـة عذاب اهلل. ٌ ثـواب اهلل ،
أيها المؤمنون عباد اهلل :يقول اهلل تعالى يف الحديث القدسـي العظيم َ :
((يا ِع َب ِادي
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :الظلـم ظلمـات يـوم القيامـة ،يـوم يـأيت المؤمنـون يـوم
القيامـة يسـ َعون بأنوارهـم فـإن الظالـم يـأيت يـوم القيامـة متخب ًطـا يف ظلمـات ظلمـه ،
روى البخـاري ومسـلم يف «صحيحيهمـا» عـن ابـن عمـر ﭭ أن النبـي ﷺ قـال :
الق َي َام ِـة))[[[ . ُّ ْ ُ ُ َ ٌ َ َ
((الظل ُـم ظلمـات ي ْـوم ِ
والظالـم -عبـاد اهلل -ولئـن كان الـذي اقتطعـه بظلمـه مـن حقـوق اآلخريـن شـي ًئا
[[[ رواه مسلم (.)2577
[[[ رواه البخاري ( ،)2447ومسلم (.)2579
138 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
ويطوق به عنقـه خز ًيا له
َّ نـزرا يسـيرا فإنـه يـأيت يـوم القيامة يحملـه على عاتقـه
قليلا أو ً
يـوم القيامـة بيـن العالمين ز
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :والظالـم يـأيت يـوم القيامـة ولربمـا أفلـس مـن جميـع
حسـناته ،ألنـه يف ذلـك اليـوم العظيـم تـؤدى الحقـوق و ُتـر ُّد المظالـم إلـى أصحاهبـا
ويكـون ذلـك باألخـذ مـن حسـنات الظالـم فـإن فنيـت حسـناته ُأخـذ مـن سـيئات مـن
ظلمهـم ف ُطرحـت عليـه ،ولهـذا يظهـر يف ذلـك اليـوم -يـوم القيامـة -يظهـر اإلفالس
جل ًّيـا وتظهـر حقيقـة المفلسـين ،روى مسـلم يف «صحيحـه» عـن أبـي هريـرة ﭬ أن
ـم َلـ ُه َو َل ه
َ ر ون َمـا ْال ُم ْفل ُـس؟)) َقا ُلـوا« :ا ْلم ْفلِـس فِينَـا مـن َل ِ
د
ََ ْ ُ َ
النبـي ﷺ قـال (( :أتـدر
ْ َ ْ َ ُ ُ ِ
ْ ََ َ ْ ْ ُ َّ ْ ْ
ـال«ِ :إن ال ُمف ِل َـس ِم ْـن أ َّم ِتـي َيأ ِتـي َي ْـو َم ال ِق َي َام ِـة ِب َصلا ٍةَ ،و ِص َي ٍ
ـامَ ،وزك ٍاةَ ،و َيأ ِتي َـاع» َ ،ف َق َ
َمت َ
ََ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ
ـال هـذاَ ،و َسـفك د َم هـذاَ ،وض َـر َب هـذا ،ف ُي ْع َطى هذا قـد شـتم هـذا ،وقـذف هـذا ،وأكل م
َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َْ َ َ ْ ْ َ
ـل أن ُيقضـى َمـا َعل ْي ِـه أ ِخذ ِم ْن ِم ْـن َح َس َـنا ِت ِه ،وهـذا ِمـن حسـنا ِت ِه ،ف ِـإن ف ِنيـت حسـناته قب
ـار»[[[. ـت َع َل ْيـه ُث َّـم ُطـر َح فـي َّ
الن
ََ َ ُ ْ َُ َ ْ
خطاياهـم فط ِرح
ِ ِ ِ ِ
أيهـا المؤمنـون :يـوم القيامـة يـوم القصـاص ويـوم رد المظالـم ،وتأملـوا مل ًيـا هذا
الحديـث العظيـم الـذي يرويـه الصحابـي الجليل عبد اهلل بن ُأنيـس ﭬ أن النبي ﷺ
[[[ رواه البخاري ( ،)2453ومسلم (.)1612
[[[ رواه مسلم (.)2581
طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َُّ 139
ِ ِ ِ
ُ ْ َ ُ َّ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ ً ُ ْ ً ُ ْ ً َ َ ُ ْ
ـال :قل َنـاَ :و َمـا قـال «:يحشـر النـاس يـوم ال ِقيام ِـة ـ أو قـال :ال ِعبـاد ـ عـراة غـرل بهمـا ،ق
ُب ْه ًما ؟
ُ َ َ ْ ُ َ َ َّ ُ ُ َ َ َ َ
ـال :ل ْي َـس َم َع ُه ْـم ش ْـي ٌء؛ ث َّـم ُي َن ِاد ِيه ْم ِب َص ْو ٍت َي ْس َـم ُع ُه ِم ْن ق ْر ٍب أنا ال َم ِلـك أنا الد َّيان، ق
ـار َو َل ُـه ِع ْن َـد َأ َح ٍـد ِم ْـن َأ ْهـل ْال َج َّن ِة َح ٌّ
ـق َح َّتى ـل َّ
الن َ ْ َ ْ َّ َ
النـار أ ْن َي ْد ُخ َ ـل ه أ ـن مِ ـد
ٍ حَو َل َي ْن َبغـي َل َ
ِ ِ
ِ ِ ِ
َُ
ـار ِع ْنده ـل ْال َج َّن َة َو َل َحـد م ْن َأ ْهل َّ
الن
َ ْ َ َ َ
أ ُق َّص ُـه ِم ْن ُـهَ ،و َل َي ْن َب ِغـي ِل َح ٍـد ِم ْـن أ ْهـل ال َج َّن ِة أ ْن َي ْد ُخ َ
ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
َّ ُ َُ
ـق َح َّتى أق َّص ُـه ِم ْن ُه َح َّتـى الل ْط َمة. َح ٌّ
ً ُ ً َّ َّ َّ َ ْ َ َ ُْ َ
ال :قل َنا :ك ْي َف َو ِإنا ِإن َما نأ ِتي الل َه َع َّز َو َج َّل ُع َراة غ ْرل ُب ْه ًما؟ ق
أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :إن العاقـل الناصـح لنفسـه عندمـا يتأمـل يف هـذه األدلـة
تحذيـرا مـن الظلـم وبيانًـا
ً ولهـا نظائـر كثيـرة يف كتـاب اهلل وسـنة نبيـه ﷺ
لخطورتـه وسـوء عاقبتـه علـى الظالـم ،سـوا ًء كان ظلمه تعد ًيـا على األنفـس أو تعد ًيا
علـى األعـراض أو تعد ًيـا علـى األمـوال أ ًّيـا كان نوع ظلمـه عليه ،عندمـا يتأمل يف هذه
األحاديـث عليـه أن يتن َّبـه وأن يوقـظ قلبـه مـن رقدتـه ،وأن يحسـب لذلـك الموقـف
حسـا ًبا عظيمـا ،وأن يـزن عملـه يف هـذه الحيـاة قبـل أن يـوزن يـوم يلقـى اهلل ،
نعـوذ بـاهلل العظيـم أن نظلِـم أو نُظ َلم ،ونسـأله جـل يف عاله أن يصلح لنا شـأننا كله
وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن إنـه سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا
ونعـم الوكيل .
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ،واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ،وأشـهد أن ال إله
أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليه
إال اهلل وحده ال شـريك له ،وأشـهد َّ
وعلـى آله وصحبـه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد اهلل :اتقوا اهلل تعالى .
أيهـا المؤمنـون وإذا كان الحديـث المتقـدم عـن الظلـم وسـوء عاقبته وعظـم مغبته
حدي ًثـا عـن ظلـم األفـراد بعضهـم لبعـض؛ فكيـف الشـأن -أيهـا المؤمنـون -بمن يقع
ً
وقتلا لألنفس وكيـف مـن يكـون ظلمـه تعد ًيا على األعـراض وانتهـاكًا للحرمات
المعصومـة وإبـاد ًة لألموال المحرتمـة المحرمة ؟
تدميرا ٍ
متسـلط با ٍغ اتخذ سـلطته وقوتـه نعـم عبـاد اهلل ؛ إن الظلـم إذا كان مـن رج ٍل
ً
وظلمـا وتعديـا فـإن ذلك من أعظم الظلم وأشـده عقوب ًة يـوم القيامة.
ً وإبـاد ًة وإهلاكًا
وعندمـا يتأمـل المتأمـل يف واقعنـا هـذا مـا يحصـل إلخواننا المسـلمين يف سـوريا؛
يجـد أنـواع الظلـم بـكل أشـكاله وجميـع صـوره وكل ألوانـه مـن السـلطة الباغيـة
ً
وقتلا وتشـريدً ا وانتهـاكًا لألعـراض وتعد ًيا علـى الحرمات الغاشـمة الظالمـة ؛ إبـاد ًة
ٍ
مبكية محزنـة ،وال ُيعـدُّ ون بالعشـرات وال بالمئات ٍ
وحـال مؤسـفة بـل يف واقـ ٍع مريـر
بـل باأللـوف ،أعـداد كثيـر مـن رجـال ونسـاء وصغـار وكبـار ُأهلكـوا وقتِّلوا ِّ
وشـردوا
ويتِّمـوا إلـى غيـر ذلـك مـن أنـواع التعـدي والظلـم ،وقـد جـاء يف «الصحيحيـن» مـن
َّ َّ َّ َ
((إن الل َـه ل ُي ْم ِلـي ِللظا ِل ِـم َح َّتى
حديـث أبـي موسـى األشـعري ﭬ أن النبـي ﷺ قـال ِ :
َ َ َ ََُ ْ
ِإذا أخـذه ل ْـم ُيف ِل ْت ُـه)) ُث َّم َق َر َأ صلوات اهلل وسلامه عليـه :ﱷ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﱶ [هـود] [[[.
َّ
إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ،ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور
أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ،مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ،ومـن يضلِـل فلا هـادي لـه،
أن محمـد ًا عبـدُ ه ورسـو ُله ،ب َّلغ
اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
وأشـهد أن ال إلـه إال ُ
الرسـالة ،وأ َّدى األمانـة ،ونصـح األمـة ،وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين،
شـرا إال َّ
حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه خيـرا إال دل األمـة عليـه ،وال ً
فمـا تـرك ً
عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل تعالى ،فـإن يف تقـوى اهلل خ َل ًفا من كل
شـيء ،وليـس من تقـوى اهلل خ َلف .
أيهـا المؤمنـون :إن ديـن اإلسلام -ديـن األمانـة والنصـح والوفـاء -ال خيانـة فيـه
َ َ َ َ
يمـان ِل َم ْن ل وال مكـر وال جفـاء ،ولهـذا جـاء يف الحديـث عـن نبينا ﷺ أنـه قال (( :ل ِإ
والخيانـة -معاشـر العبـاد -بطانـة سـوء وخبيئـة شـر ؛ جـاءت الشـريعة بذ ِّمهـا ،
والنهـي عنهـا ،والتحذيـر مـن فعلهـا ،وبيـان عظـم عقوبـة أهلهـا عنـد اهلل .
عبـاد اهلل :ويكفـي بيانًـا لـذم الخيانـة قـول اهلل جـل يف علاه :ﱷ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫﱶ [األنفـال ،]58:وإذا كان ال يحبهـم فلازم ذلـك أنـه يبغضهـم ويسـخط
فِعالهـم ،ويرتتـب علـى ذلـك مـن العقوبـة مـا يرتتـب .
أيهـا المؤمنـون :وقـد جـاء يف الحديـث «المتفـق علـى صحتـه» أن نبينـا ﷺ قـال :
َ َ َ َ ٌ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ((آي ُـة ُ
ـفَ ،و ِإذا اؤت ِم َـن خـان))[[[. الم َن ِاف ِـق ثلاثِ :إذا حـدث كـذب ،و ِإذا وعـد أخل َ
نصحا
ً فعـدَّ الخيانـة مـن صفـات المنافقيـن ؛ وذلـك -عبـاد اهلل -أن الخائـن ُيظهـر
ووفـاء و ُيبطـن خيانـة وجفـاء ،ولهـذا كانـت الخيانـة مـن خصـال أهـل النفـاق ،وقـد
ْ َ َ َّ ََ ُ َ
((وأ ُعوذ ِبـك ِم َن ال ِخ َيان ِـة ،ف ِإن َها جـاء يف «سـنن أبـي داود» أن النبـي ﷺ قـال يف تعـوذه :
ْ َ ُ ْ
ـت ال ِب َطانـة))[[[ والحديـث جيد اإلسـناد .
ِبئ َس ِ
ْ َُ
قال ِ«ب ْئ َس ِت ال ِب َطانة» ألن الخائن ُيبطن و ُيضمر يف نفسه ما ال ُيظهره .
أيهـا المؤمنـون :والخيانـة تتنـاول الديـن كلـه ،كمـا أن األمانـة تتناول الديـن كله ،
روى ابـن أبـي حاتـم يف «تفسـيره» عـن ابـن عبـاس ﭭ يف معنـى هـذه اآليـة قـال:
ﱷﭨ ﭩ ﭪﱶ :بترك فرائضـه ،ﱷ ﭫﱶ :بترك سـنته وركـوب هنيـه ،
ﱷﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱶ :أي ال تنقضوهـا[[[.
فأفـاد أن الخيانـة أنـواع ثالثـة ؛ فيدخل فيهـا :الخيانة المتعلقة بجنـاب اهلل بركوب
المعاصـي وترك الفرائـض والواجبات .
بـح جميعهـا ؛ ولهذا صح يف الحديث يف «سـن أبي عبـاد اهلل :والخيانـة ذ ٌم كلهـا و ُق ٌ
َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ِّ ْ َ َ َ َ
داود» وغيـره أن النبـي ﷺ قـال (( :أد ال َمانـة ِإلـى َم ِن ائ َت َم َنكَ ،ول تخ ْـن َم ْن خانك))[[[.
فأفـاد هـذا الحديـث أن الخيانـة مذمومـة ولـو كانـت علـى سـبيل المجـازاة بالمثل
[[[ رواه ابن جرير يف «تفسيره» ( ،)485/13وابن أبي حاتم يف «تفسيره» (.)8974
[[[ رواه أبــو داود ( ،)3534والرتمــذي ( ،)1264وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الجامــع»
(.)240
146 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
،ولهـذا -عبـاد اهلل -مـن أفحـش األخطـاء قـول بعـض العـوام «خـان اهلل مـن يخـون»
وصـف ذميـم شـنيع ال يصـح أن يقـال ،ولهـذا قال اهلل
ٌ أو «الخائـن يخونـه اهلل» ،فهـذا
:ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱶ[األنفـال]71:
ولـم يقـل فخاهنـم ،ألن الخيانـة ذ ٌم كلهـا .
أيهـا المؤمنـون :يجـب علـى عبـد اهلل المؤمـن أن يربـأ بنفسـه الشـريفة عـن الخيانة
تنزهـا ورفعـة بنفسـه األبيـة الشـريفة ،قـال الحافـظ
بـكل صورهـا وجميـع أشـكالها ً
يـرض لها
ابـن رجـب رحمـه اهلل تعالـى « :فمـن كانـت نفسـه شـريفة وهمتـه عاليـة لـم َ
بالمعاصـي ؛ فإهنـا خيانـة ،وال يرضـى بالخيانـة إال مـن ال نفـس لـه»[[[ أي :ال نفـس
لـه شـريفة أبية .
نسـأل اهلل أن يصوننـا أجمعيـن باألخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة ،وأن
يعيذنـا أجمعيـن مـن ذميـم األخلاق وسـيء الصفـات ،إنـه خيـر مسـؤول وأعظـم
مأمـول .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب؛
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا ،وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ،وأشـهد َّ
أن
محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين .
أيهـا المؤمنـون :والخيانـة تتولـد يف اإلنسـان من رقـة الدين وضعـف المراقبة لرب
العالميـن ،قـال اهلل تعالى :ﱷ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﱶ [النساء]108-107:؛
فأفـادت اآليـة الكريمـة أن هـذه الرقة يف الدين وضعـف المراقبة لـرب العالمين يتولد
عنهـا مـا يتولـد ،ومـن ذلكم الخيانـة بأنواعها وكافـة صورها .
نسـأل اهلل أن يرزقنـا أجمعيـن خشـيته يف الغيـب والشـهادة ،وأن يصلـح
قلوبنـا وأن يزكـي سـرائرنا ،وأن يجعلنـا مـن عبـاده المتقيـن وأوليائـه المقربيـن .
[[[ م ْ
سلِم وء الظَّنِّ ب ْ
ال ُ س ُُ
ِ
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل :اتقـوا اهلل ربكـم ،وراقبوه َّ
جل يف علاه يف جميع
يعلـم أن ر َّبه يسـم ُعه ويراه .
ُ أعمالكـم ؛ مراقبـ َة مـن
األخوة
َّ حذر اهلل عباده منها وهناهـم عنها تؤ ِّثر يف هذه
عبـاد اهلل :وثمـة أمـور َّ
عظيمـا ضعفـا ووهـاء؛ ومـن ذلكـم -عبـاد اهلل -مـا جـاء يف السـياق الكريـم بعد
ً تأثيـرا
ً
قـول اهلل :ﱷ ﯜ ﯝ ﯞﱶ ،قـال يف هـذا السـياق:ﱷ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﱶ [الحجـرات.]١٢:
عبـاد اهلل :الظـن اآلثـم ،هوالظن السـيء الذي يظنه المسـلم يف أخيـه ويرتتب عليه
مـن اآلثـار العظيمـة واألضرار الوخيمـة يف إضعاف هذه األخوة ،بـل ويف إذهاهبا .
ٍ
كلمـة والظـن السـيء -عبـاد اهلل -هـو التهمـة التـي تقـع يف القلـب بلا دليـل إثـر
يسـمعها المـرء مـن أخيـه أو فعـ ٍل يـراه مـن أفعالـه ؛ فيبنـي عليـه ظنونًـا وأوهامـا ،ولذا
وتناحر
ٌ عـداوات وقطيع ٌة
ٌ كثيـر مـن النـاس يف ظنون واهية و ُت ٍ
هـم باطلة ُيبنى عليها يقـع ٌ
ِ
وعـداء ؛ ولهـذا فـإن الظـن السـيء -عبـاد اهلل -بـاألخ المسـلم يف قولـه أو فعله يرتتب
عليـه مـن الشـر والفسـاد مـا ال يعلـم مـداه إال اهلل تعالى.
ٍ
عالقـات زوجيـة ،وكـم من صحبـة ورفقة ومـودة ،وكم من إخـاء تعطل فكـم مـن
وتصرم بسـبب الظنون السـيئة؟
َّ
ولهـذا يجـب علـى المسـلم أن يحـذر أشـد الحـذر من الظن السـيء بأخيـه ،وهي
ٍ
مسـتند وال دليل. والتخـون الـذي يقع يف قلبه ،بل يلقيه الشـيطان يف القلب بال التهمـة
ُّ
واجب على المسلم أن يبتعد عنه ،ألنه إن لم يبتعد عنه أرداه .
ٌ إن هذا الظن
[[[ قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة « :$القرابــة الدينيــة أعظــم مــن القرابــة الطينيــة ،و القــرب
بيــن القلــوب و األرواح أعظــم مــن القــرب بيــن األبــدان » «منهــاج الســنة النبويــة» (.)55/7
150 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
أيهـا المسـلم :إذا بلغتـك الكلمـ َة مـن أخيـك وتـواردت علـى ذهنـك الظنـون
وتلمـس ألخيـك المحامـل الطيبـة قـال عمـر بـن ِ
واألوهـا ُم والتُّهـم فأبعدهـا عنـك َّ
جدُ َل َهـا فِي ا ْل َخ ْي ِر
ـت مِ ْن مسـلِ ٍم َشـراَ ،و َأن َْت َت ِ
ًّ ُ ْ «ل َت ُظنَّـ َّن بِ َكلِ َم ٍـة َخ َر َج ْ
الخطـاب ﭬ َ :
َم ْح َم ًلا»[[[.
أيهـا المؤمـن :وأمـا إذا دخل المرء يف الظنـون الواهية ُتهما وتخونًا وظنونًا فاسـد ًة
ضـررا عظيما ،بل ربما صارت حاله أسـوء ً
حـال ممن ناصبه ً كاسـدة فإنـه يضر بنفسـه
العـداء بسـبب موقـف مـا أو خطـأٍ مـا .روى البخـاري $يف «األدب المفـرد» عـنِ
يـر َأ ْع َظ َم مِ َن ِ عبـداهلل بـن مسـعود ﭬ قـال « :مـا ي َز ُال ا ْلمسـر ُ ِ
وق منْـ ُه َي َت َظنَّى َحتَّـى َيص َ َ ْ ُ َ َ
ار ِق»[[[.
الس ِ
َّ
«يتظنـى» :أي يدخـل يف الظنـون واألوهـام ،وهـذه حـال كثير من الناس إذا ُسـرق
منـه أو ار ُتكـب يف حقـه خطـأ ال يـدري مـن ف َعلـه يبـدأ بالظنـون « :أعتقد أنه فلان ،بل
إنـه فلان ،نعـم لقـد رأيـت فالنـا يف ذلـك المـكان» ،ثـم يدخـل يف ُتهـم وغيبـة ووقيعة
ُقـل مثـل ذلـك يف سـائر األخطـاء والمخالفـات ،وعلـى سـبيل المثال :قـد يصاب
المـرء بالعيـن فيتضـرر إما يف بدنـه أو يف بعض ممتلكاته فيبدأ يف هـذه الظنون والتهم :
فلان كـذا» ،ويخوض يف أعـراض إخوانه ٍ «إنـه فلان ،بـل هـو فلان ،إنني أعرف من
ُت ً
همـا باطلـة ودعـاوى زائفـة ال تقـوم علـى دليـل ،يخـوض يف أعراضهم غيبـ ًة ونميم ًة
واسـتطال ًة وأ ًذى عظيمـا ؛ فتكـون حالـه أشـدَّ ً
حـال مـن العائـن الذي حسـده أو أصابه
بالعين .
أيهـا المسـلم ِ :أرح نفسـك يف هـذا البـاب وأرح قلبـك ،وعليـك بحسـن الظـن
وحمـل األخطـاء أو األقـوال علـى أحسـن المحامـل ،كمـا تحـب أن ُيفعل
بإخوانـك ْ
معـك لـو كنـت أنـت صاحـب ذلـك القـول أو صاحـب ذلـك الفعـل .
أصبت فيه
َ قـال بكـر بـن عبـداهلل المـزين رحمـه اهلل تعالـى «:إياك من الـكالم مـا إن
أخطـأت فيـه أثِمـت ؛ وهـو سـوء ظنـك بأخيـك المسـلم»؛ إن أصبتَ لـم تؤجـر ،وإن
يف سـوء ظنـك فيـه وصـار األمـر مطاب ًقـا لـم تؤجـر علـى ذلـك ،فليـس مـن وراء سـوء
الظـن فائـدة ،وإن لـم ُت ِصـب وكان األمـر مجرد هتمة بلا دليل فإنك تبـوء ٍ
بإثم عظيم،
والسـيما -عبـاد اهلل -إذا تبِـع هـذا الظـن السـيء مـا تبِعـه مـن أمـور وأعمـال ،ويف
الغالـب أن الظـن يتبعـه أمـور كثيـرة منهـا التجسـس ؛ إذا ظـن فيـه بـدأ يتجسـس عليـه
وعلـى أفعالـه ،وإذا تجسـس ترتـب علـى ذلـك وقيعـ ًة وغيب ًة ونحـو ذلـك ،ولهذا لما
هنـى اهلل عـن الظـن السـيء أتبـع ذلـك بالنهـي عـن التجسـس ،ثـم أتبعـه بالنهي
أمـور وشـرور يتوالـدُ بعضهـا مـن بعض .
ٌ عـن الغيبـة ،ألهنـا
152 طب الم ْن َبر َّية الخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
يث))؛ فليحذر عبدُ الظ َّنَ ،فإ َّن ُه َأ ْك َذ ُب ْال َ
َّ ُ ْ َ َّ
ِ ِد ح ِ أيهـا المؤمنـون :قـال نبينا ﷺ ِ :
((إياكم و
ونخرتاهلل المؤمـن مـن هـذه الظنـون واألوهـام التـي أفسـدت يف حيـاة النـاس كثيـرا َ
أخوهتـم وعالقاهتـم وأوجـدت بينهـم مـن العـداوات والبغضـاء ما ال يعلمـه إال اهلل
يف َّ
، فلنحـذر مـن ذلـك أشـد الحـذر ،ولنعامـل غيرنـا بمـا نحـب أن نُعامـل
بـه ،فـإن المؤمـن يحـب ألخيـه ما يحب لنفسـه .
أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب؛
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
أيهـا المؤمنـون :مـا أجمـل الحيـاة بالمسـلم عندمـا يجاهـد نفسـه علـى التمتـع
باألخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة من هدايـات هذه الشـريعة وتوجيهاهتا العظيمة
التـي تك ُفـل للناس يف حياهتم راح ًة وأمنًا وطمأنين ًة وقو ًة يف المحبة والصفاء واإلخاء،
وإنـه -عبـاد اهلل -متأكـدٌ على كل مسـلم أن يرعى هذه الحقـوق واآلداب تجاه إخوانه
ِ
ورابطـة الديـن ؛ فإن المسـلم أخو المسـلم . ألخـوة اإليمـان المسـلمين إبقـا ًء
َّ
الحمـد هلل العلـي القديـر ،العليـم الحكيـم ؛ وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال
شـريك لـه ،لـه ملـك السـموات واألرض وإليـه المصيـر ،وأشـهد أن محمـد ًا عبـده
ورسـوله وصفيـه وخليلـه البشـير النذيـر صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه
أجمعيـن .
أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون :اتقوا اهلل تعالـى ؛ فإن تقوى اهلل خيـر زاد يبلغ إلى
رضـوان اهلل ،قـال اهلل تعالـى :ﱷ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﱶ [البقـرة.]197:
أيهـا المؤمنـون :لقـد شـهد النـاس يف الليلـة قبـل الماضيـة آيـ ًة عظيمـ ًة باهـر ًة مـن
آيـات اهلل العظـام دالـ ًة علـى كمـال اقتدار اهلل وكمـال تدبيره سـبحانه ؛ أال وهي
ِ
كمـال اإلبـدار -عبـاد اهلل -خسـوف القمـر خسـوفًا كليـا يف ليلـة الرابـع عشـر ليلـة
[[[ قــال الشــيخ العالمــة محمــد بــن صالــح العثيميــن « :$مــن العلمــاء مــن فــرق ،فجعــل
الخســوف للقمــر ،والكســوف للشمســن والراجــح أنــه ال فــرق ،وأن الكســوف والخســوف
بمعنــى واحــد»« شــرح عمــدة األحــكام» (.)427/2
[[[ رواه البخاري ( ،)1212ومسلم (.)183
[[[ رواه البخاري ( ،)431ومسلم (.)907
[[[ رواه مسلم (.)903
[[[ رواه مسلم (.)903
156 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
أيهـا المؤمنـون :ويف خطبـة نبينا ♥ و َع َظ النـاس َّ
وحذرهم وأنذرهم
وهناهم عن الذنوب واآلثام التي توجب دخول النار ،وكان تحذيره ♥
ٍ
بطريقـة تميـزت يف تلـك الخطبـة بذكره مـن الذنـوب واآلثـام وكبائـر الذنـوب العظـام
ٍ
ألشـخاص رآهـم يف النـار يذوقـون حرهـا ويصطلـون بنارهـا ، -♥-
وذكـر سـبب ذلك - ♥ -تحذيـر ًا وإنذارا .
وبمناسـبة حداثـة عهدنـا بخسـوف القمـر فلنقـف -أيهـا المؤمنـون -مـع موعظـة
نبينـا ♥ البليغـة ،لنقـف وقفـ ًة يحاسـب فيهـا العاقـل نفسـه ويعمل على
تغيـر حالـه ؛ فـإن اهلل تعالـى يقـول :ﱷ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱶ ِ
[الرعـد . ]11:وقـد جمـع النبـي ♥ يف خطبتـه تلـك ِذكْر ذنـوب أربعة ؛
هـي أعظـم الذنـوب وأخطرهـا وأكربهـا وأشـنعها ،جمعهـا ♥ تحذيـر ًا
وإنـذارا ؛ وهـي :الشـرك ،والقتـل والزنـا ،والسـرقة .
ََ ُ
((رأ ْيـت َع ْم َـرو ْب َـن َع ِام ٍـر أمـا تحذيـره مـن الشـرك وبيانـه لخطورتـه فإنـه ﷺ قـال :
الس َـو ِائ َب))[[[،ان َأ َّو َل َم ْـن َس َّـي َب َّ
َ َ
ـار -أي أمعـاءه -ك ْال ُخ َزاع َّـي َي ُج ُّـر ُق ْص َب ُـه فـي َّ
الن ِ ِ
ِ
وعمـرو هـذا هـو الـذي سـ َّن للجاهليـة جاهليتهم ،وجلـب األصنام لجزيـرة العرب ،
ٌ
ودعـا النـاس فأجابـوه ؛ فتغيـرت الف َطـر وانحـرف النـاس وبـدَّ ل ديـن إبراهيـم الخليل
ڠ فأصبحـت األصنـام ُتع َبـد حـول الكعبـة بيـت اهلل ،وأصبحـت األصنـام ُتنصـب
حـول الكعبـة بيـت اهلل ويقصدهـا النـاس حتـى أن تلبيتهـم يف الحج تحولت إلـى ٍ
تلبية
ـك إِ َّل ـك َل َش ِـر َ
يك َل َ ملوثـ ًة بعبـادة األصنـام ؛ فـكان قائلهـم يقـول يف تلبيتـه َ « :ل َّب ْي َ
ـك َت ْملِ ُكـ ُه َو َمـا َم َل َ
ـك » . َش ِـري ًكا ُه َـو َل َ
أيهـا المؤمنـون :ويف تحذيـر نبينـا ♥ مـن الزنـا يف خطبتـه تلـك قـال
ُُ َّ َ ْ َ َْ َّ ُ َ
♥ َ (( :يـا أ َّمـة ُم َح َّم ٍـد ؛ َوالل ِـه َمـا ِم ْـن أ َح ٍـد أغ َي ُـر ِم ْـن الل ِـه أن َي ْز ِن َـي َع ْبـده
تعد على أيهـا المؤمنـون :ويف تحذيـر النبـي ♥ مـن السـرقة -وهـي ٍ
يها -أي الحقـوق وأك ٍل ألمـوال النـاس بالباطل -قال ﷺ يف خطبتـه تلك َ (( :ر َأ ْي ُت ف َ
ِ
َ ْ ُ ان َي ْسـر ُق ْال َح َّ
ـاج ِب ِم ْح َج ِن ِه ف ِـإن ف ِط َن
َّ َ َ ـب ْالم ْح َجـن َي ُج ُّـر ُق ْص َب ُ
النـار َ -ص ِ
ِ ك ـار
ِ الن ـي فِ ـه ِ اح َ ِ
ـل َع ْن ُه َذ َه َ
ـب ِب ِه ))[[[ . ـق ِب ِم ْح َج ِنـي َ ،و ِإ ْن ُغ ِف َ َل ُـه َق َ
ـال ِ :إ َّن َمـا َت َع َّل َ
فـرأى النبـي ♥ هـذا السـارق الـذي يسـرق حجـاج بيـت اهلل الحـرام
عـذب بسـرقته يف النـار ،والسـرق ُة جريمـ ٌة نكـراء وذنـب شـنيع فيـه ٍ
تعد علـى األموال ُي َّ
ٌ
موجب لدخـول النار
ٌ المحرتمـة وعلـى حقـوق النـاس ،وفيـه ٌ
أكل لها بالباطـل ،وهو
كمـا هـو واضـح يف هـذا الحديث .
أيهـا المؤمنـون :لنتـق اهلل ربنـا ،ولنحاسـب أنفسـنا ،ولنتجنـب موجبـات سـخط
اهلل وأسـباب دخـول النـار مجاهديـن أنفسـنا علـى ذلـك صابريـن مصابريـن مرابطيـن
راجين بذلك ثواب اهلل والنجاة من عقابة .أسأل اهلل أن يوفقنا لفعل الخيرات
واجتنـاب المنكرات .
أقـول هـذا القـول واسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب
فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم.
الخطبة الثانية:
عبـاد اهلل :ويف خطبـة النبـي ﷺ تلـك خـص النسـاء بالنـذارة والتحذيـر والتخويف
ـاء، ((و َر َأ ْي ُت َأ ْك َث َر َأ ْهل َها ِّ
الن َس َ فقال ♥ يف ذكره لما شـاهده ورآه يف النار َ :
ِ
َ َ َ ُ َ َّ َ ُ
ـول الل ِه؟ قالـوا ِبـم يا رس
َ َ ُْ
الِ :بكف ِر ِه َّن. ق
[[[ رواه أحمد يف «مسنده» ( ،)18990وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (.)1759
160 طب الم ْن َبر َّيةالخ َ
البه َّية في ُ
ِ ِ الد َر ُر َ
ُّ
ِ ِ ِ
َ َ ْ ُ َ َّ
يل :أ َيكف ْرن ِبالل ِه؟ ِق
َ َ ُ َّ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ ُْ ال :ب ُك ْفر ْال َ
َق َ
ـان؛ ل ْو أ ْح َس ْـنت ِإلى ِإ ْحداه َّن الده َر ث َّم َرأت ِم ْنك ْ
ـير و ِبكف ِر ِاإلح َس ِ ِ ش ِ ع ِ ِ
َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ
ش ْـي ًئا قالـتَ :ما َرأ ْيت ِم ْنـك خ ْي ًرا ق ُّط))[[[.
حـذر منـه ♥ وأنذر هتاون فيـه كثير من النسـاء بال وهـذا األمـر الـذي ّ
خراجـة ُ ٍ
شـأن بعـض النسـاء أن صـارت الواحـد ُة منهـن ّ مبـاالة وال اهتمـام ؛ فأصبـح
ٍ
بقوامـة لزوجهـا ٍ
بطاعـة لـزوج ،وال تعتـدُ ٍ
بقـرار يف بيـت ،وال تبالـي ّ
ولجـة ال تعتنـي
ٍ
وضاللة عمياء ؛ ٍ
جاهليـة وال تعترف بذلـك ،تركب رأسـها وتمضي يف شـأهنا يف سـنة
فالواجب على المرأة أن تتقي اهلل وأن تحاسـب نفسـها وأن تز ّمها بزمام
الشـرع الحكيـم ،فـإن اهلل تعالـى ال يأمرهـا إال بمـا فيـه فالحهـا وسـعادهتا يف دنياهـا
وأخراهـا ،ومـع ذلـك فقـد رغـب بعـض النسـاء عـن هـدي اهلل ووصايـا نبيـه الكريـم
♥ واتبعـن أهـواء مريـدي الشـهوات ومتبعـي الضلاالت والملـذات
ﱷﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﱶ [النسـاء.]27:
اللهـم يـا ربنـا أصلـح نسـاء المسـلمين ور ّدهـ ّن إليـك رد ًا جميلا ،وجنِّبهـ ّن إلهنـا
دعـاة الفتنـة ودعـاة الشـر والفسـاد ،اللهـم واحفـظ عليهـ ّن إيماهنـ ّن واحفـظ عليهـ ّن
إسلامه ّن واحفـظ عليهـ ّن عفتهـ ّن وشـرفه ّن ياحـي يـا قيـوم يـاذا الجلال واإلكـرام.
الشكيات 25.............................
التحذير من بعض ِّ
الدين 61.................................
التحذير من الغلو يف ِّ
ي َي َد ِي اللَِّ َو َر ُسولِ ِه 68.............................
َل ُت َق ِّد ُموا َب ْ َ