Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 164

‫‪ 20‬شارع أحمد حسينة ‪ -‬باب الوادي ‪ -‬الجزائر (العاصمة)‬

‫‪| 00213 )0 ( 556 96 58 10‬‬


‫‪d a r . a l f u r q u a n @ g m a i l . c o m‬‬
‫‪‬‬
‫الح ِّق ل ِ ُي ْظ ِه َره َع َلى الدِّ ِ‬
‫يـن ُك ِّله َو َك َفى‬ ‫الهدَ ى َو ِد ِ‬
‫يـن َ‬
‫ِ‬
‫الح ْمـدُ هلل ا َّلذي َأ ْر َس َـل َر ُسـو َل ُه بِ ُ‬
‫َ‬
‫يك َل ُه إِ ْق َرار ًا بِ ِه َو َت ْو ِحيدً ا ‪َ ،‬و َأ ْش َـهدُ‬
‫بِاهلل َش ِـهيدً ا ‪َ ،‬و َأ ْش َـهدُ َأن َل إِ َل َه إِ َّل اهلل َو ْحدَ ُه َل َش ِـر َ‬

‫ان َر ِّب ِه إِ ْف َـراد ًا َو َت ْج ِريدً ا؛ َص َّلى اهلل َو َسـ َّل َم‬


‫اعـي إِ َلى ِر ْضـو ِ‬
‫َ‬
‫َأ َّن محمـد ًا َعبـدُ ه ورسـو ُله الدَّ ِ‬
‫ْ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫يما َم ِزيدً ا ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيـه َو َع َلـى آله َو َص ْحبِه َت ْسـل ً‬

‫َأ َّما َب ْعد‪:‬‬

‫المنْب ِري ِـة ل ِ َشـي ِ‬


‫ـب ِ‬ ‫ـث ‪ -‬بحمـد اهلل ‪ -‬مِـ ْن ِس ْل ِسـ َل ِة ُ‬
‫الخ َط ِ‬ ‫الج ْـز ُء ال َّثال ِ ُ‬
‫خنَا‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َف َه َـذا ُه َـو ُ‬
‫الم ْح ِسـن ال َبـدْ ر َح ِف َظـ ُه اهلل َت َعا َلـى‪َ ،‬و َم ْو ُضو ُعـ ُه فِـي الت َّْح ِذ ِ‬
‫يـر‬ ‫َعبـد الـر َّزاق ب ِ ِ‬
‫ـن َع ْبـد ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ـض ِّ ِ‬ ‫مِـ ْن َب ْع ِ‬
‫الش ْـرك َّيات‪َ ،‬والبِـدَ ِع َو ُ‬
‫الم َح َّر َمـات‪.‬‬

‫َو َأ ْس َـأ ُل اهلل َت َعا َلـى َأ ْن َي ْج َع َـل َه َـذا ال َع َم َل َخال ِ ًصـا ل ِ َو ْج ِه ِه ال َك ِريم‪ُ ،‬م َوافِ ًقـا ل ِ َم ْر َضاتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان سـببا فِي إِ ْخر ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫الهادي إِ َلى َس َـواء َّ‬
‫السـبِيل‪.‬‬ ‫اجه‪َ ،‬واهلل َ‬ ‫َ‬ ‫نَاف ًعـا ل َكاتبِـه َوق َا ِرئـه َو َمـ ْن ك َ َ َ ً‬

‫ُِ‬
‫م ُّبكُم ِف اهلل‬

‫‪a b o u -a b d e l a z i z @h o t m a i l .f r‬‬
‫حماية جناب التوحيد‬

‫[[[‬
‫وصيانته من الشرك ووسائله‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫األولين واآلخرين وقيوم السـماوات‬
‫وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ؛ إله ّ‬
‫الصـادق الوعـد األميـن ؛ اللهـم ِّ‬
‫صل‬ ‫واألرضيـن ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ّ‬
‫وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل ‪ ،‬فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه ‪ ،‬وأرشـده‬
‫إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه‪.‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن ‪ :‬لقـد قامـت دعـوة نبينـا الكريـم ﷺ علـى النصـح للعبـاد وبيـان‬
‫ديـن اهلل ‪ ‬علـى التمـام والكمـال ‪.‬‬

‫ال أمينـا ‪ ،‬ونبيـا رحيمـا ‪ ،‬ومع ِّلمـا مشـفقا كمـا قـال اهلل‬
‫لقـد كان رسـولنا ﷺ رسـو ً‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 7241-3-61 /‬هـ‬


‫‪8‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ :‬ﱷ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱶ [التوبـة] ‪.‬‬

‫فب َّلـغ صلـوات اهلل وسلامه عليـه البلاغ المبيـن ‪ ،‬وما تـرك خيـر ًا إال ّ‬
‫دل األمة عليه‬
‫وال شـر ًا إال ّ‬
‫حذرهـا منـه ‪ ،‬تـرك أمته علـى البيضاء ليلها كنهارها ال يزيـغ عنها بعده إال‬
‫صلوات اهلل وسلامه وبركاته‬
‫ُ‬ ‫هالـك ‪ ،‬أقـام الحجـة وأبان المحجة وأوضح السـبيل ‪-‬‬
‫عليه ‪. -‬‬

‫أخطـر األمـور‬
‫َ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬ولمـا كان مقـام التوحيـد أعظـم المقامـات ّ‬
‫والشـرك‬
‫وأعظمهـا؛ فهـو الذنـب األكبر والجـرم الـذي ال ُيغفر ‪ ،‬لمـا كان شـأن التوحيد كذلك‬
‫وشـأن الشـرك كذلـك ‪ ،‬كان بيـان النبـي ﷺ للتوحيـد أعظـم البيـان‪ ،‬وهنيـه وتحذيـره‬
‫عـن الشـرك أعظـم النهـي ‪ -‬صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪ ، -‬فهـو ﷺ أبـان التوحيـد‬
‫وحمـى حمـاه ‪ ،‬وأوضـح الشـرك وحـذر منـه وسـدّ ذرائعه نصحـا لألمة وشـفقة على‬
‫العباد‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬وعندما نتتبع سنة نبينا الكريم ﷺ نجد األحاديث المتكاثرة والنصوص‬
‫المتضافـرة يف بيـان التوحيد وتعلية شـأنه ‪ ،‬والتحذير من الشـرك وبيان خطورته وسـد‬
‫الذرائع الموصلة إليه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن نصـح النبـي ﷺ يف هـذا المقـام الخطيـر هنيـه األمـة عـن الغلـو يف‬
‫ْ ُ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫((إ َّياك ْـم َوالغل َّـو ف ِإن َمـا‬
‫الديـن كمـا قـال ♥ يف حديـث بـن عبـاس ﭭ‪ِ :‬‬
‫يـن ))[[[ ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الد‬ ‫ـي‬‫ف‬‫ان َق ْب َل ُك ْـم ب ْال ُغ ُل ِِّ‬
‫ـو‬
‫ََ َ َ ْ َ َ‬
‫هلـك مـن ك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫[[[ رواه النســائي (‪ ،)3057‬وابــن ماجــه (‪ ،)3029‬وصححــه األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة»‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪9‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وهنـى ♥ عـن التنطـع كمـا يف «صحيـح مسـلم» عنـه ﷺ أنـه قـال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ََ َ ْ‬
‫((هلـك ال ُم َت َن ِّط ُعـون))[[[ ‪ ،‬والتنطـع عبـاد اهلل ّأو ُل سـهام الغلـو ‪.‬‬
‫َ ُ‬
‫وهنـى ♥ عـن إطرائـه والمبالغـة يف مدحـه‪ ،‬فقـال ﷺ‪(( :‬ل ت ْط ُر ِونـي‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ٌ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫َك َمـا َأ ْط َـر ْت َّ‬
‫الله َو َر ُسـول ُه))[[[‪،‬‬‫يسـى ابـن م ْريـم ‪ ،‬ف ِإنمـا أنا ع ْبـد فقولوا ع ْبـد ِ‬
‫الن َص َ‬
‫ـارى ِع‬
‫المدْ حـة‬ ‫ولمـا كان ♥ قـد كَمـل مقـام العبوديـة أتـم تكميـل كـره ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ، - ♥-‬كـره أن ُيمـدح تتميمـا لهـذا المقـام وصيانة لألمة مـن التمادي‬
‫َ َّ‬
‫يف المـدح والغلـو ‪ ،‬جـاء يف «مسـند اإلمـام أحمـد» عـن أنس بـن مالك ﭬقـال‪(( :‬أن‬
‫ـال َّ‬
‫الن ِب ُّـي‬ ‫َر ُج ًلا َق َ‬
‫ـال ِل َّلنب ِّـي ﷺ‪َ :‬يـا َس ِّـي َد َنا َو ْاب َـن َس ِّـي ِد َنا ‪َ ،‬و َيـا َخ ْي َر َنـا َو ْاب َـن َخ ْير َنـا ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ َ َّ ُ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ َّ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ َ ْ َّ‬
‫ﷺ‪ :‬يـا أيهـا النـاس قولـوا ِبقو ِلكـم ول يسـته ِوينكم الشـيطان ‪ ،‬أنـا محمد بـن عب ِد الل ِه‬
‫َّ‬
‫ونـي ف ْـو َق َمـا َرف َع ِنـي الل ُـه ‪ ، [[[)) ‬وقـال يف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اللـه َمـا ُأ ِح ُّ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ َ َّ‬
‫ـب أن ت ْرفع ِ‬ ‫ـول الل ِـه ‪ ،‬و ِ‬ ‫ورس‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫روايـة (( َمـا ُأ ِح ُّ َ ْ َ َ ُ‬
‫ونـي ف ْـو َق َم ْن ِزل ِتـي ال ِتـي أن َزل ِنـي الل ُـه ‪. [[[)) ‬‬ ‫ـب أن ت ْرفع ِ‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ولمـا كان مـا يتعلـق بالقبـور أخطـر مـا يكـون علـى النـاس يف الوقـوع‬
‫يف الشـرك واالنـزالق يف منزلقاتـه كانـت ِ‬
‫الحيطـة وسـدّ الذرائـع يف هـذا البـاب عـن‬

‫(‪.)2144‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2670‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)3445‬‬
‫قــال اإلمــام ابــن حجــر ‪ « :$‬قولــه‪( :‬ال ُتطــروين) بضــم أولــه؛ واإلطــراء المــدح بالباطــل‪ ،‬تقــول‪:‬‬
‫أطريــت فالنــا مدحتــه فأفرطــت يف مدحــه‪ ،‬قولــه‪( :‬كمــا أطــرت النصــارى بــن مريــم) أي يف دعواهــم‬
‫فيــه اإللهيــة وغيــر ذلك»«فتــح البــاري» (‪.)490/6‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)12551‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)1097‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪.)13596‬‬
‫‪10‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نبينـا ﷺ متكاثـرة ‪ ،‬ففـي بـدء اإلسلام هنـى ‪ -♥-‬عـن زيـارة القبـور‬
‫قـوي التوحيـد‬ ‫مطلقـا حمايـ ًة لحمـى التوحيـد وصيانـ ًة لألمـة عـن ّ‬
‫الشـرك ‪ ،‬ثـم لمـا َ‬
‫يف القلـوب شـرع ذلـك وأباحـه وأبـان الحكمـة منـه ♥‪ ،‬فقـال يف حديثـه‬
‫ُّ ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ُ ُ ْ ُ ُ َ َ َّ ُ ِّ ُ‬
‫ـور ف ِإن َهـا ت َزهـد ِفـي الدن َيـا‬ ‫الصحيـح‪(( :‬كنـت نهيتكـم عـن ِزيـار ِة القب ِ‬
‫ـور فـزوروا القب‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫اآلخ َـرة))[[[ ‪ ،‬وجـاءت عنـه ﷺ أحاديـث كثيـرة فيهـا االحتيـاط يف هـذا البـاب‬ ‫َوتذك ُـر ِ‬
‫يجصص‬
‫وسـد الذرائـع ومـن ذلكـم‪ :‬هنيـه ♥ أن ُيبنـى علـى القبر أو أن ّ‬
‫والحديـث يف «صحيـح مسـلم»[[[ ‪ ،‬وهنـي ♥ أن يصلـى إلـى القبـور‬
‫َ ُ ُّ َ‬ ‫صيانـة للتوحيـد كمـا قـال ﷺ‪َ (( :‬ل َت ْج ِل ُسـوا َع َلـى ْال ُق ُ‬
‫ـور َول ت َصلوا ِإل ْي َهـا ))[[[ ‪ ،‬وجاء‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫عنـه ﷺ النهـي الشـديد والوعيـد يف اتخـاذ القبور مسـاجد بـأن تقصد لغـرض الصالة‬
‫والدّ عـاء والعبـادة وطلـب الربكـة ‪ ،‬تقـول أم المؤمنيـن عائشـة ڤ وأرضاهـا ‪َ :‬ل َّمـا‬
‫يصـ ًة َلـ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ُِـز َل بِرس ِ ِ‬
‫ـول اهَّلل ﷺ ‪ -‬أي لمـا نـزل بـه مالئكـة المـوت ‪َ -‬طف َـق َي ْط َـر ُح َخم َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلـى َو ْج ِهـه َفـإِ َذا ا ْغت َّ‬
‫َـم ك ََشـ َف َها َعـ ْن َو ْج ِهـه َف َق َال َو ُه َـو ك ََذل َك ‪(( :‬لعنـة الل ِه علـى ال َيه ِ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫ـاجد )) ُي َح ِّـذ ُر َمـا َصنَ ُعـوا[[[‪.‬‬
‫والنصـارى اتخـذوا قبـور أن ِبي ِائ ِهـم مس ِ‬

‫والصالحين وحبهم لهـم بابًا قد يفضي‬


‫عبـاد اهلل‪ :‬ولمـا كان تعلـق النـاس باألنبيـاء ّ‬
‫بالنـاس إلـى الغلـو وإلـى التع ّلـق بالصالحيـن وإلـى الخلـط يف بـاب الشـفاعة جاء عن‬

‫[[[ رواه الرتمــذي (‪ ،)1054‬والنســائي (‪ ،)5652‬ابــن ماجــه (‪ ،)1596‬وصححــه األلبــاين يف‬


‫«صحيــح الجامــع» (‪.)2475‬‬
‫َ ْ ُ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫[[[ َعـ ْن َجابِــر ﭬ َقـ َـال‪« :‬ن َهــى رســول اللـ ِـه ﷺ أن يجصــص القبــر‪ ،‬وأن يقعــد عليـ ِـه‪ ،‬وأن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ ََ‬
‫ُي ْبنــى عل ْيـ ِـه» رواه مســلم (‪.)970‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)972‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)435‬ومسلم (‪.)529‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪11‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب األَ ْسـ َل ِم ُّي‬‫نبينـا ﷺ أحاديـث كثيـرة صيانـة لأل ّمـة يف هذا البـاب ‪ :‬فهذا َربِي َعـ ُة ْب ُن َك ْع ٍ‬
‫اجتِ ِه َف َق َال لِي َ‬ ‫ِِ‬ ‫ﭬ َق َال‪ُ :‬كنْت َأبِيت مع رس ِ ِ‬
‫ـل»‪.‬‬ ‫«س ْ‬ ‫ـول اهَّلل ‪-‬ﷺ‪َ -‬ف َأ َت ْي ُت ُه بِ َو ُضوئه َو َح َ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬

‫َف ُق ْل ُت‪َ :‬أ ْس َأ ُل َك ُم َرا َف َقت ََك فِي ا ْل َجن َِّة‪.‬‬


‫َ َ َ َ‬
‫َق َال‪ « :‬أ َوغ ْي َر ذ ِلك؟ »‪.‬‬

‫ُق ْل ُت‪ُ :‬ه َو َذ َ‬


‫اك‪.‬‬
‫الس ُ‬ ‫َ َ ِّ َ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫[[[‬
‫ود »‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ُّ‬ ‫ة‬‫َق َال‪ « :‬فأ ِعني على نف ِسك ِبك ِ‬
‫َ‬
‫ر‬ ‫ث‬

‫ـول‬‫فربطـه بالعبـادة واإلخلاص هلل ‪ ،‬ولمـا قـال لـه أبـو هريـرة ﭬ‪َ :‬يـا َر ُس َ‬
‫النـاس ب َش َـف َ‬
‫اع ِتي َي ْـو َم‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهَّللِ َمـ ْن َأ ْسـ َعدُ الن ِ‬
‫َّـاس بِ َشـ َفا َعتِ َك َي ْـو َم ا ْل ِق َيا َم ِـة ؟ َق َ‬
‫ـال ‪َ (( :‬أ ْس َـع ُد َّ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َّ َ‬
‫ـال ل ِإل َـه ِإل الل ُـه خا ِل ًصـا ِم ْـن قل ِب ِـه ‪ [[[))..‬؛ فربطهـم بكلمـة التوحيـد‬ ‫ال ِقيام ِـة مـن ق‬
‫♥‪ ،‬والحديـث يف «صحيـح البخـاري»‪.‬‬
‫ُ ِّ َ ٍّ َ ْ َ ٌ ُ ْ َ َ َ ٌ َ َ َ َّ َ ُ َ‬
‫ـل ك ُّل ن ِب ٍّـي‬ ‫ويف «صحيـح مسـلم» أنـه ﷺ قـال‪ِ (( :‬لـكل ن ِبـي دعـوة مسـتجابة ‪ ،‬فتعج‬
‫َ َ َ ً ُ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ٌ ْ َ َ َّ‬ ‫ِّ ْ ْ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ـاء الل ُه َم ْن‬ ‫د ْع َوت ُـه ‪َ ،‬و ِإنـي اخ َت َبـأت د ْع َو ِتـي شـفاعة ِلم ِتـي يـوم ال ِقيام ِـة ؛ ف ِه َـي ن ِائلـة ِإن ش‬
‫ُ َ ْ ُ َّ َ‬ ‫َ‬
‫َمات ِم ْن أ َّم ِتي ل ُيش ِـرك ِبالل ِه ش ْـي ًئا ))[[[ ؛ فجعل نيل شـفاعته ♥مرتبطًا‬
‫باإلخلاص والبعـد عن الشـرك ‪.‬‬

‫وجاء يف «الصحيحين» من حديث أبي هريرة ﭬ أن رسول اهلل ﷺ ذكر ال ُغلول‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)489‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)99‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)199‬‬
‫‪12‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬ ‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يء َي ْو َم‬ ‫يومـا وع ّظـم أمره وع ّظم شـأنه ثم قـال ♥‪َ (( :‬ل ُأ ْلف َي َّن َأ َح َد ُك ْـم َيج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ٌ َ ُ ُ َ ٌ َ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫ـول ل أ ْم ِلك لك ش ْـي ًئا‬ ‫ال ِقيام ِـة علـى رقب ِت ِـه ب ِعيـر لـه رغـاء يقـول يا رسـول الل ِـه أغِ ث ِني فأق‬
‫ول َيا‬ ‫ـك‪َ ،‬ل ُأ ْلف َي َّـن َأ َح َد ُك ْـم َيج ُ‬
‫ـيء َي ْـو َم ْال ِق َي َام ِة َع َلـى َر َق َب ِت ِه َف َر ٌس َل ُه َح ْم َح َم ٌـة َف َي ُق ُ‬ ‫َ ْ َْ َ ْ ُ َ‬
‫قـد أبلغت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ‪َ ،‬ل ُأ ْلف َي َّـن َأ َح َد ُك ْم َيج ُ‬ ‫َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ـيء َي ْو َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسـول الل ِـه أغِ ث ِنـي فأقـول ل أم ِلـك لـك شـيئا قـد أبلغت‬
‫ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ٌ َ َ ُ َ ٌ َ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ـول ل أ ْم ِلك لك ش ْـي ًئا‬ ‫ال ِقيام ِـة علـى رقب ِت ِـه شـاة لهـا ثغـاء يقـول يا رسـول الل ِـه أغِ ث ِني فأق‬
‫ول‬ ‫ـيء َي ْـو َم ْالق َي َام ِـة َع َلـى َر َق َب ِتـه َن ْف ٌـس َل َهـا ِص َي ٌ‬
‫ـاح َف َي ُق ُ‬ ‫ـك ‪َ ،‬ل ُأ ْلف َي َّـن َأ َح َد ُك ْـم َيج ُ‬
‫َ ْ َْ َ ْ ُ َ‬
‫قـد أبلغت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك ‪َ ،‬ل ُأ ْلف َي َّـن َأ َح َد ُك ْـم َيج ُ‬ ‫َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ ً َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ـيء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يـا رسـول الل ِـه أغِ ث ِنـي فأقـول ل أم ِلـك لـك شـيئا قـد أبلغت‬
‫َ ٌ َ ْ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ـول ل أ ْم ِلـك لك‬ ‫َي ْـو َم ال ِق َي َام ِـة َعلـى َرق َب ِت ِـه ِرقـاع تخ ِفـق فيقـول يـا رسـول الل ِـه أغِ ث ِنـي فأق‬
‫ٌ‬ ‫َ َ‬
‫ـيء َي ْو َم ال ِق َي َام ِـة َعلى َرق َب ِت ِه َص ِامـت ‪ -‬أي الذهب‬
‫ْ‬ ‫ـك ‪َ ،‬ل ُأ ْلف َي َّـن َأ َح َد ُك ْـم َيج ُ‬ ‫َ ْ ً َ ْ َْ َ ْ ُ َ‬
‫شـيئا قـد أبلغت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ َْ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ـول ل أ ْم ِلك لك ش ْـي ًئا قـد أ ْبلغ ُتك))[[[ ‪.‬‬ ‫والفضـة ‪ -‬فيقـول يـا رسـول الل ِـه أغِ ث ِنـي فأق‬

‫تأ ّملـوا عبـاد اهلل هـذا النصـح العظيـم والبيـان الـوايف مـن الرسـول الكريـم‬
‫♥؛ فدعوتـه ﷺ ك ُّلهـا ٌ‬
‫ربط باهلل وبعبادة اهلل والتوكّل على اهلل وااللتجاء‬
‫المعطـي‬
‫َ‬ ‫الضـار‬
‫إلـى اهلل ‪ ،‬ال بالتّعلـق باألنبيـاء أو الصالحيـن أو غيرهـم‪ ،‬فـإن النافـع ّ‬
‫المانـع الـذي بيـده أز ّمـة األمـور هـو اهلل وحـده ‪ ،‬ونبينـا ♥ وسـائر عبـاد‬
‫اهلل ليـس لهـم مـن ذلـك شـيء ‪ ،‬وقـد أنـزل اهلل علـى نبيـه ﱷ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱶ‬
‫[آل عمـران‪. ]١٢٨:‬‬

‫وتأ ّملـوا ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬يف هـذا المقـام حـرص نبينـا ♥ علـى هدايـة‬
‫َ ْ َ ِّ ُ َ َ‬
‫ـل‪ :‬ل ِإل َـه‬
‫عمـه أبـى طالـب فجـاءه عنـد موتـه ولمـا حضرتـه الوفـاة وقـال‪(( :‬أي عـم ق ْ‬
‫ّ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3073‬ومسلم (‪.)1831‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪13‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ َّ ُ َ َ ً ُ َ ُّ َ َ‬
‫ـاج لـك ِب َهـا ِع ْنـد الل ِـه ))[[[ ‪ ،‬ومـات وهـو يقـول بـل علـى م ّلـة عبـد‬ ‫ِإل اللـه ك ِلمـة أح‬
‫المطلـب‪ ،‬وحـزن ♥ وأنـزل اهلل يف تسـليته ﱷ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱶ [القصـص‪. ]٥٦:‬‬

‫وتأ ّملـوا يف هـذا المقـام لمـا ركـب ابـن عبـاس ﭭ مـع نبينـا ﷺعلـى دابتـه وهـو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ‬
‫اسـأ ْل الل َـه ‪َ ،‬و ِإذا ْاس َـت َع ْنت‬ ‫غلام فالتفـت عليـه ﷺ وقـال ‪ (( :‬يـا غلام‪ِ ...‬إذا سـألت ف‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َْ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َّ َ ْ َ ْ َ َّ ْ ُ‬
‫ال َّم َـة َل ْـو ْ‬
‫اج َت َم َعـت َعلـى أن َي ْنف ُعـوك ِبش ْـي ٍء ل ْـم َي ْنف ُعـوك ِإل‬ ‫فاسـت ِعن ِبالل ِـه ‪ ،‬واعلـم أن‬
‫َ ُ َ َّ َ‬ ‫َ َْ ُ َ َ‬ ‫ـك ‪َ ،‬و َل ْـو ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ‬
‫اج َت َم ُعـوا َعلـى أن َيض ُّروك ِبش ْـي ٍء ل ْم َيض ُّروك ِإل ِبش ْـي ٍء‬ ‫ِبشـي ٍء قـد كتبـه اللـه ل‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫قـد ك َت َب ُـه الل ُـه َعل ْيـك ))[[[ ‪.‬‬

‫ومـن حمايتـه ‪ - ♥ -‬لحمـى التوحيـد وسـده لذرائـع الشـرك ‪ :‬أنـه‬


‫كان يف كل مقـام إذا سـمع ألفاظـا تخـدش التوحيـد أو تخـل بجنابـه أو توقـع قائلها يف‬
‫الشـرك ولـو يف شـرك األلفـاظ غضـب غضبـا شـديد ًا ّ‬
‫وحذر مـن ذلك أشـد التحذير ‪،‬‬
‫والنقـول يف هـذا المعنـى كثيـرة ومـن ذلكـم ‪ :‬أنه ♥ سـمع رجلا يقول‪:‬‬
‫َ‬
‫ـل‪َ :‬مـا‬ ‫مـا شـاء اهلل وشـئت ‪ ،‬فغضـب ♥ وقـال‪(( :‬أ َج َع ْل ِتنـي ِل َّل ِـه ِع ْـد ًل ؟ ُق ْ‬
‫َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ [[[ ُ َ ْ َ ٌ َ َ َ ْ ْ َ ُّ‬
‫الـد ِّف َو َي ْن ُد ْب َـن َم ْـن ُق ِت َ‬
‫ـل ِم ْـن َآب ِائي َي ْو َم‬ ‫شـاء اللـه وحـده )) ‪ « ،‬جوي ِريـات لنـا يض ِربـن ِب‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ َ ْ َ ُ‬
‫ـال « د ِعي ه ِـذ ِه ‪َ ،‬وقو ِلـي ِبال ِذي‬ ‫َبـد ٍر ‪ِ ،‬إذ قالـت ِإ ْحداه َّـن َو ِف َينـا ن ِبـي َي ْعل ُـم َمـا ِفـي غ ٍـد ‪ .‬فق‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)3884‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2516‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)7957‬‬
‫[[[ رواه البخــاري يف «األدب المفــرد » (‪ ، )783‬والنســائي يف «ســننه لكــرى» (‪، )10824‬‬
‫وأحمــد يف «مســنده» (‪ ،)1839‬والبيهقــي يف «ســننه الكــرى» (‪ ،)5603‬وصححــه األلبــاين‬
‫يف «السلســلة الصحيحــة» (‪.)139‬‬
‫‪14‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُك ْنـت َت ُقول َ‬
‫يـن » [[[ ‪ ،‬واألحاديـث يف هـذا المعنـي كثيرة والمقام ال يسـع بالبسـط بأكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مـن هذا‪.‬‬
‫ِ‬
‫فلنتـق اهلل ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ولنتأمـل يف هـذا المقـام العظيـم ‪ -‬مقـام التوحيـد ‪، -‬‬ ‫أال‬
‫ولنحـذر أيضـا مـن الشـرك الـذي هـو أخطـر الذنـوب وأعظمهـا ‪ ،‬ولنحـذر منـه ومـن‬
‫وسـائله وأسـبابه ‪ ،‬ونسـأل اهلل ‪ ‬أن يحفظ علينا أجمعين إيماننا وتوحيدنا ‪ ،‬وأن‬
‫يعيذنـا مـن الشـرك كلـه صغيـره وكبيـره ‪ ،‬وأن يوفقنـا لـكل خيـر يحبـه ويرضـاه ‪ ،‬إنـه‬
‫الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل‪.‬‬
‫‪ ‬سـميع الدّ عـاء وهـو أهـل ّ‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ‪ ،‬صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪ ،‬واعلمـوا أن تقـواه ‪ ‬أسـاس السـعادة وسـبيل‬
‫الفلاح والفـوز يف الدنيـا واآلخـرة ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬إننـا حينمـا نتأمـل يف هـذه النصـوص العظيمـة والدالئـل المباركـة يف‬
‫حماية نبينا ﷺ لحمى التوحيد وسـده لذرائع الشـرك والباطل نأسـف أشـد األسـف‬
‫ونتألـم أشـد األلـم لواقـع أقـوام ينتسـبون إلـى دينـه ♥ ويخالفونـه يف‬
‫هـذا المعنـي أشـد المخالفـة ‪ ،‬فيسـتغيثون بغيـر اهلل ‪ ،‬ويسـتنجدون باألنبيـاء واألولياء‬
‫والمقبوريـن‪ ،‬ويتعلقـون بالقبـاب واألضرحـة واألتربـة وغيـر ذلـك ؛ إذا التجئـوا‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)5147‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪15‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫التجئـوا إلـى غيـر اهلل‪ ،‬وإذا اسـتغاثوا اسـت َغاثوا بغيـر اهلل ‪ ،‬وإذا طلبـوا ال َغ ْـوث طلبـوا‬
‫َ‬
‫الغوث من غير اهلل ‪ ،‬يقول قائلهم ‪« :‬أغثني يا رسول اهلل»‪ ،‬أو يقول ‪« :‬المدد يا رسول‬
‫اهلل ‪ ،‬إن لـم تدركنـي يـا رسـول اهلل فمـن الـذي يدركنـي ‪ ،‬إن لم تأخذ بيـدي فمن الذي‬
‫مسـتجير بـك ‪ ،‬مسـتغيث بجنابـك ‪ » ..‬إلـى غيـر ذلك مـن الدّ عوات‬
‫ٌ‬ ‫يأخـذ بيـدي ‪ ،‬أنـا‬
‫اآلثمـة والكلمـات الشـرك ّية الناقلـة مـن ملـة اإلسلام‪ ،‬فأيـن قائـل هـذه الكلمـات مـن‬
‫هـذه األحاديـث المباركـة والنصـح العظيـم مـن رسـولنا الكريـم ♥ !!‬
‫فهـو ♥ ‪ -‬كمـا أخبر ‪ -‬ال يملـك شـيئا ‪ ،‬فالملـك بيـد اهلل واألمـر هلل مـن‬
‫ٌ‬
‫رسـول ُيطـاع و ُيتبـع ‪،‬‬ ‫قبـل ومـن بعـد‪ ،‬ورسـولنا ♥ ع ْبـدٌ ال ُيع َبـد‪ ،‬بـل‬
‫ٍ‬
‫وصيانـة لدينهـم‬ ‫فالواجـب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يكـون أهـل اإلسلام علـى َحيطـة وحـذر‬
‫وتوحيدهـم مـن أن يخالطـه الشـرك أو أن يدخلـوا يف ذرائعـه ووسـائله المفضيـة إليه ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحـذر بالغ ليسـ َلم المسـلم بإذن‬ ‫حيطة شـديدة‬‫ٍ‬ ‫وهـو بـاب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬البـد فيـه مـن‬
‫اهلل طالمـا كان ملتجئـا إلـى اهلل مفوضـا أمـره إليـه معتنيـا يف هـذا المقـام أتـم العنايـة‪.‬‬

‫ِ‬
‫المغرضـة التـي تسـتهدف‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬ولقـد تكاثـرت يف هـذا الزمـان الدّ عايـات‬
‫َ‬
‫وربـط قلوهبـم باألسـباب‬ ‫خلخلـة إيمـان النـاس وتوحيدهـم وصرفهـم عـن عبـادة اهلل‬
‫ال بمسـببها ‪ ،‬فالواجـب علينـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن نرعـى للتوحيـد مقامـه وأن نعـرف لـه‬
‫شـأنه وأن نكـون علـى أشـد الحـذر مـن الشـرك ‪ .‬وتأملـوا هنـا قـول النبـي ﷺ يف بيـان‬
‫الن ْم ِل))‪،‬‬‫يك ْـم َأ ْخ َفى م ْن َدبيـب َّ‬
‫َ ِّ ْ ُ ُ‬
‫الشـرك وتسـلله للنـاس ؛ قال ﷺ‪ (( :‬للشـرك ِف‬ ‫خطـورة ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخـر ؟ » فقـال النبي ﷺ‪(( :‬‬ ‫ـع اهللِ إِ َل ًهـا َ‬ ‫الش ْـر ُك إِ َّ‬
‫ال َمـ ْن َج َع َـل َم َ‬ ‫فقـال أبـو بكـر ‪َ « :‬و َه ْـل ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُّ َ َ َ‬ ‫يك ْـم َأ ْخ َفـى م ْـن َدبيـب َّ‬ ‫َ ِّ ْ ُ ُ‬ ‫َو َّال ِـذي َن ْف ِسـي ب َ‬
‫الن ْم ِـل ‪ ،‬أل أدلـك َعلـى ش ْـي ٍء ِإذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ـر‬ ‫لش‬ ‫ل‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ـد‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َُْ ُ َ َ َ َْ َ َ ُ َ‬
‫يلـه َوك ِثيـره ؟ ))‪.‬‬ ‫قلتـه ذهـب عنـك ق ِل‬
‫‪16‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِّ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ُ ْ َّ‬
‫ـل ‪ :‬الل ُه َّـم ِإنـي أ ُعـوذ ِبـك أن أش ِـرك ِبـك َوأنـا ْأعلـم ‪َ ،‬وأ ْس َـتغ ِف ُرك ِل َمـا ل‬ ‫َق َ‬
‫ـال ‪ (( :‬ق‬
‫َ َ‬
‫أ ْعلـم))[[[ ‪.‬‬

‫وهـي دعـوة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مباركـة ينبغـي علينـا المحافظـة عليهـا واإلكثـار منهـا ؛‬
‫اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم ‪ ،‬ونعـوذ بـك اللهـم ممـا ال نعلـم ‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســند»ه (‪ ،)19606‬والبخــاري يف «األدب المفــرد» (‪ ،)716‬وصححــه‬


‫األلبــاين يف «صحيــح األدب المفــرد» (‪.)554‬‬
‫ـرض علــى ال َفــور‪،‬‬ ‫«إن المبــادر َة إلــى التوبـ ِـة مــن الذنــب فـ ٌ‬
‫ولإلمــام ابــن القيــم ‪ $‬كالم بديــع يقــول فيــه‪َّ :‬‬
‫اهلل بالتأخيـ ِـر‪ ،‬فــإذا تــاب مــن الذنــب بقـ َـي عليــه توبـ ٌة أخرى‪،‬‬ ‫أخ َرهــا عصــى َ‬ ‫تأخيرهــا‪ ،‬فمتــى َّ‬
‫ُ‬ ‫وال يجــوز‬
‫ـب‪ ،‬بــل عنــده أ َّنــه إذا تــاب مــن الذنــب‬ ‫وهــي توب ُتــه مــن تأخيــر التوبـ ِـة‪ ،‬وقـ َّـل أن تخ ُطــر هــذه ببـ ِ‬
‫ـال التائـ ِ‬ ‫َ‬
‫َلــم يبــق عليــه شــي ٌء آخــر‪ ،‬وقــد بقــي عليــه التوب ـ ُة مــن تأخيــر التوبـ ِـة‪ ،‬وال ُينجــي مِــن هــذا إ َّ‬
‫ال توب ـ ٌة‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ـم مــن ذنوبــه ومِ َّمــا ال َيع َلــم‪ ،‬فـ َّ‬ ‫ِ‬
‫ـإن مــا ال َيعلمــه العبــدُ مــن ذنوبــه أكثـ ُـر م َّمــا يعلمــه‪ ،‬وال‬ ‫عامــة‪ ،‬م َّمــا َيع َلـ ُ‬
‫ـم والعمــل‪،‬‬ ‫ـم‪ ،‬فإ َّنــه عـ ٍ‬
‫ـاص بــرك العلـ ِ‬ ‫ينفعــه يف عــدم المؤاخــذة هبــا جه ُلــه إذا كان ُمتم ِّكنــا مــن العلـ ِ‬
‫فالمعصي ـ ُة يف ح ِّقــه أشــدُّ » «مــدارج الســالكين» (‪.)272/1‬‬
‫[[[‬
‫التحذير من الشرك‬

‫الحمـد هلل الذي أرسـل رسـوله بالهدى وديـن الحق ليظهره على الديـن ك ِّله وكفى‬
‫باهلل شـهيدا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له إقرار ًا به وتوحيدا ‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله الداعـي إلى رضـوان ربه إفـراد ًا وتجريدا؛ صلى اهلل وسـلم‬
‫عليـه وعلـى آله وصحبه تسـليما مزيدا ‪.‬‬

‫أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل ؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه ‪ ،‬وأرشـده‬
‫إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه ‪ ،‬واعلمـوا رعاكم اهلل أن تقـوى اهلل ‪ٌ ‬‬
‫عمل بطاعة اهلل‬
‫ٌ‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل على نـور من اهلل خيفـ ُة عذاب‬ ‫علـى نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬إن الواجـب علـى المسـلم أن يعيـش حياتـه خائفًا من أن يقـع يف كل ٍ‬
‫أمر‬
‫ذنـب يغضـب اهلل ‪ ‬ويسـخطه ‪ ،‬وأعظـم مـا يجـب أن يخـاف منـه العبـد‬ ‫أي ٍ‬ ‫أو ِّ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1427-10-26 /‬هـ‬
‫‪18‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وأن يحـرص علـى اتقائـه وأن يجاهـد نفسـه علـى ال ُبعـد عنـه ‪ :‬الشـرك بـاهلل ‪،‬‬
‫نعـم ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬إن الخـوف مـن الشـرك مطلـب عظيـم يجـب أن يح ّققه كل مسـلم‪.‬‬

‫الشـرك بـاهلل ‪ ‬هو أعظم الذنـوب وأخطرها وهو أظلم الظلـم وأكرب الجرائم‬
‫للربوبيـة وتن ّق ٌ‬
‫ـص لأللوهيـة‬ ‫هضـم ّ‬
‫ٌ‬ ‫وهـو ّ‬
‫الذنـب الـذي ال ُيغفـر‪ ،‬الشـرك بـاهلل ‪‬‬
‫وسـوء ظن برب الربية ‪ .‬الشـرك باهلل ‪ ‬تسـوية لغيره به ؛ تسـوية للناقص‬
‫الفقيـر بالغنـي العظيم ‪. ‬‬

‫أعظم من‬
‫َ‬ ‫نعـم عبـاد اهلل ؛ إن الشـرك بـاهلل ‪ ‬ذنـب يجـب أن يكـون خو ُفنـا منـه‬
‫نصوص ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ودالئل يف كتاب اهلل وسـنة نبيه‬
‫ٌ‬ ‫أي أمـر آخـر ‪ ،‬و َث َّمـ َة‬
‫خوفنـا مـن ِّ‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه إذا تأ ّملهـا العبـد ونظـر إليهـا نظـرة المتأمـل جلبـت لقلبـه‬
‫خوفـا مـن الشـرك وحـذر ًا منـه وتوقيًا للوقـوع فيه ‪.‬‬

‫تأ ّملـوا يف ذلـك ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬قـول اهلل ‪ ‬يف موضعيـن مـن ﴿سـورة‬
‫النسـاء﴾‪ :‬ﱷ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﱶ ؛ فاآليـة فيهـا‬
‫بيـان ب ِّيـ ٌن َّ‬
‫أن َمـن لقـي اهلل ‪ ‬مشـركًا بـه فإنـه ال مطمع لـه يف مغفـرة اهلل ‪ ،‬بل إن‬
‫مآلـه ومصيـره إلـى نـار جهنـم خالـد ًا مخلـد ًا فيهـا ال يقضى عليـه فيمـوت وال يخفف‬
‫عنـه مـن عذاهبـا كمـا قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱶ [ فاطـر‪ ]٣٧-36:‬مـن‬
‫لقـي اهلل ‪ ‬مشـركا بـه فلا مطمـع له يف مغفرة اهلل ‪ ،‬ينادي المشـرك يـوم القيامة‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪19‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويطالـب أن يعـاد للدنيـا مـرة ثانيـة فلا يجـاب ليعمـل صالحًا غيـر الـذي كان يعمل ‪،‬‬
‫ينـادي ويطالـب أن ُيقضـى عليـه فيمـوت فلا يجـد جوابـا لذلـك ‪ ،‬ينـادي أن ُيخ َّفـف‬
‫عنـه يومـا مـن العـذاب فلا يجـد جوابـا لذلـك ؛ وإنما يبقـى يف نـار جهنم مخلـد ًا فيها‬
‫أبـد اآلبـاد ‪ ،‬بـل إن مـن أعظم اآليات وأشـدها علـى أهل النار قول اهلل تعالى يف سـورة‬
‫عـم يقـول ‪ :‬ﱷ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﱶ [النبـأ‪. ]٣٠:‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وإن ممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك إلـى القلـوب المؤمنـة أن نتأمل يف‬
‫حـال الصالحيـن وحـال األنبيـاء المقربيـن وخوفهـم مـن هـذا الذنـب العظيـم ‪ ،‬يكفي‬
‫يف هـذا المقـام أن نتأمـل دعـوة إمـام الحنفـاء إبراهيـم الخليـل ڠ الـذي اتخـذه اهلل‬
‫خليلا وح ّطـم األصنـام بيـده ودعـا إلـى توحيـد اهلل وقـام يف هـذا األمر مقامـا عظيما‪،‬‬
‫تأ ّمـل دعوتـه وقـد جـاءت يف القـرآن ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﱶ‬
‫[إبراهيـم‪ ]٣٦-٣٥:‬تأ ّمـل إمـام الحنفـاء عليـه صلوات اهلل وسلامه يدعو اهلل ‪‬‬
‫أن يجنبـه وبنيـه عبـادة األصنـام !! أي أن يجعلـه يف جانـب بعيـد عنهـا فلا يقرهبـا وال‬
‫يقـع يف شـيء مـن وسـائلها أو ذرائعهـا ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﱶ ‪.‬‬

‫أحـد السـلف ‪ -‬وهـو إبراهيـم الت ْيمي رحمـه اهلل تعالى ‪ -‬قرأ هذه اآليـة وقال‪« :‬من‬
‫يأمـن مـن البلاء بعـد خليـل اهلل إبراهيـم !! «[[[ ؛ أي إذا كان إبراهيـم الخليـل ڠ‬
‫خـاف مـن الشـرك ودعـا اهلل تعالـى هبـذه الدعـوة العظيمة فكيـف يأمن البلا َء غيره!!‪.‬‬

‫كل يـوم ثلاث مـرات إذا أصبـح‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬وقـد كان نبينـا ♥ يقـول َّ‬
‫َّ ِّ َ ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫مـرات إذا أمسـى‪(( :‬الل ُه َّـم ِإنـي أ ُعـوذ ِبـك ِم ْـن الكف ِـر َوالفق ِـر ‪ ،‬الل ُه َّم ِإنـي أ ُعوذ‬ ‫َ‬
‫وثلاث‬
‫[[[ رواه الطربي يف «تفسيره» (‪.)17/17‬‬
‫‪20‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫مرات‬
‫ّ‬ ‫وثلاث‬ ‫الصبـاح‬ ‫يف‬ ‫ات‬ ‫مـر‬
‫ّ‬ ‫ثلاث‬ ‫عـوة‬ ‫الدّ‬ ‫هـذه‬ ‫د‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫يـر‬ ‫[[[‬
‫))‬ ‫ـر‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫اب‬
‫ِ‬ ‫ـذ‬‫ِبـك ِمـن ع‬
‫يف المسـاء ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ‬
‫«الصحيحيـن» وغيرهمـا ‪(( :‬الل ُه َّم لك أ ْسـل ْمت َو ِبك‬ ‫وكان يقـول يف دعائـه كمـا يف ّ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ُ َّ ِّ َ ُ‬
‫اص ْمـت ‪ ،‬الل ُه َّم ِإني أ ُعـوذ ِب ِع َّز ِتك ل ِإل َه ِإل‬ ‫آمنـت وعليـك توكلـت و ِإليـك أنبت و ِبك خ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ُ َّ‬
‫أنـت أن ت ِضل ِنـي ؛ أنـت ال َح ُّـي ال ِـذي ل َي ُموت َوال ِج ُّن َو ِالن ُـس َي ُموتون ))[[[‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫وجـاء يف دعائـه ‪ -‬عليـه صلـوات اهلل وسلامه ‪ -‬أنـه ﷺ كان يقـول‪(( :‬الل ُه َّـم ِإنـي‬
‫َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ َ َ‬
‫السـداد ))[[[ ‪.‬‬ ‫أسـألك الهـدى و‬
‫َّ َ ُ َ َّ‬
‫ـول الل ِه ﷺ‬ ‫((إن رس‬ ‫واألحاديـث يف هـذا المعنـى كثيـرة ‪ ،‬بل قالت أ ُّم سـلمة ڤ‪ِ :‬‬
‫ـك‪َ ،‬ق َال ْت‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ِّ َ ْ ُ ُ‬
‫ـول‬ ‫ـوب ث ِّبـت قل ِبـي َعلـى ِد ِين‬
‫كان يك ِثـر أن يقـول‪ :‬يـا مقلـب الق ِ‬
‫ل‬
‫َّ َ َّ ْ ُ ُ َ َ َ َّ‬
‫ـوب ل َت َتقل ُب؟‪.‬‬‫الل ِـه‪ ،‬و ِإن القل‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ‬
‫ـق الل ُـه ِم ْـن بنـي آد َم ِم ْن َبش ٍـر ِإال َوقل ُب ُـه َب ْي َـن أ ْص ُب َع ْي ِن ِم ْـن أ َص ِاب ِع الل ِه‬ ‫قال‪:‬نعـم‪ ،‬مـا خل‬
‫ْ َ َ ََ َ ُ َ ْ َ َ ََ َ‬
‫ـاء أزاغ ُه ))[[[ ‪.‬‬ ‫ِإن شـاء أقامه و ِإن ش‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ومـن األدلـة يف هـذا البـاب مـا جـاء يف «المسـند» وغيـره أن النبـي ﷺ‬
‫َّ‬ ‫ِّ ُ ْ َ َ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫ـاف َعل ْيك ْم الش ْـرك ال ْصغ ُر ‪ -‬أي إن أشـد شـيء‬ ‫للصحابـة ﭫ‪ِ :‬‬
‫((إن أخـوف مـا أخ‬ ‫قـال ّ‬
‫َ ُ َ َ ِّ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ‬
‫ـول الل ِه ؟‬ ‫أخافـه عليكـم الشـرك باللـه‪ -‬قالـوا‪ :‬ومـا الشـرك الصغـر يـا رس‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)5090‬وحسنه األلباين يف «صحيح األدب المفرد» (‪.)542‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1120‬ومسلم (‪.)2717‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2725‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2140‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)2091‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪21‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َي ُ‬
‫ـاء ))[[[ ؛ قـال العلمـاء‪ :‬إذا كان النبـي ‪ - ♥ -‬خـاف علـى‬ ‫َق َ‬
‫ـال‪ِّ :‬‬
‫الصحابـة وهـم مـن هـم يف الطاعـة والتوحيـد مـن الشـرك األصغـر فكيف الشـأن بمن‬
‫هـو دوهنـم ‪ ،‬ومـن لم يبلغ ُع ْش َـر معشـارهم يف التوحيد والعبادة؟! بـل جاء يف «األدب‬
‫َ ِّ ُ ُ َ ْ َ‬
‫بسـند حسـن بمـا لـه من شـواهد أن النبي ﷺ قال‪ (( :‬للش ْـرك ِفيك ْـم أخفى ِم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫المفـرد»‬
‫َ َ‬ ‫الن ْمـل )) ‪ ،‬فقـال أبـو بكـر ‪َ « :‬و َه ْ ِّ ُ َّ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َدبيـب َّ‬
‫اللـه ِإل ًها آخر ؟» فقال‬
‫ـل الش ْـرك ِإال من جع َل مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُّ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ْ ُ ُ‬
‫يك ْـم أ ْخ َفـى م ْـن َدبيـب َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫النبـي ﷺ ‪َ (( :‬وال ِـذى َن ْف ِسـي ب َ‬
‫الن ْم ِـل ‪ ،‬أل أدلـك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ـر‬ ‫لش‬ ‫ل‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ـد‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ َّ ِّ َ ُ ُ َ َْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ ْ َ َُْ ُ َ َ َ َْ َ َ ُ َ‬
‫ـال ‪ (( :‬ق ْل ‪ :‬اللهم ِإنـي أعوذ ِبك أن‬‫يلـه َوك ِثيره ؟ )) َق َ‬ ‫علـى شـي ٍء ِإذا قلتـه ذهـب عنـك ق ِل‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ ََ َ‬
‫أش ِـرك ِبـك َوأنـا ْأعلم ‪َ ،‬وأ ْس َـتغ ِف ُرك ِل َمـا ل أ ْعلم ))[[[ ‪.‬‬

‫وهـذه دعـوة يجـب علينـا عبـاد اهلل ـ يتأكّـد علينـا عبـاد اهلل ـ أن نحفظهـا جميعا وأن‬
‫اللهـم إنّـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم‪ ،‬ونسـتغفرك لمـا ال‬
‫ّ‬ ‫نحافـظ عليهـا ‪،‬‬
‫نعلم ‪.‬‬

‫وممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ : -‬مـا ثبـت يف أحاديـث كثيـرة عـن‬
‫النبـي ﷺ مـن إخبـاره أن مـن األ ّمـة ‪-‬يعنـي أمتـه ♥ ‪ -‬مـن سـيرجعون‬
‫إلـى عبـادة األوثـان وقـد جـاء يف هـذا أحاديـث عديـدة ؛ منهـا مـا ثبـت يف «سـنن أبـي‬
‫َْ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ َ ُ‬
‫ـاعة َح َّتـى تل َح َق‬ ‫داود» وغيـره عنـه صلـوات اهلل وسلامه عليـه أنـه قـال‪ (( :‬ل تقـوم الس‬
‫َْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ـل م ْـن ُأ َّمتـي ب ْال ُم ْشـرك َ‬
‫ين َو َح َّتـى َت ْع ُب َـد َق َب ِائ ُ‬
‫ـل ِم ْـن أ َّم ِتـي ال ْوثـان ))[[[ ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫ق َب ِائ ُ ِ‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)23630‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)951‬‬


‫[[[ رواه البخــاري يف «األدب المفــرد» (‪ ،)716‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح األدب المفــرد»‬
‫(‪.)554‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)4252‬والرتمــذي (‪ ،)2219‬وابــن ماجــه (‪ ،)3952‬وصححــه األلبــاين يف‬
‫‪22‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ َ ُ‬
‫ـاعة َح َّتـى تض َط ِر َب‬ ‫وجـاء يف حديـث آخـر أنـه ♥ قـال‪(( :‬ل تقوم الس‬
‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ‬
‫ـاء د ْو ٍس َعلـى ِذي الخل َص ِـة ))[[[‪ ،‬أي صنـم من األصنام‪.‬‬‫أليـات ِنس ِ‬
‫َ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫وجـاء عنـه ♥ أنـه قـال ‪(( :‬ل َت ْت َب ُع َّـن َس َـن َن َم ْـن كان ق ْبلك ْـم ِش ْـب ًرا ِش ْـب ًرا‬
‫ُ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ ٍّ َ‬
‫ـب ت ِب ْع ُت ُموه ْـم)) [[[‪.‬‬ ‫َو ِذ َر ًاعـا ِب ِـذ َر ٍاع ‪ ،‬حتـى لـو دخلـوا جحـر ض‬

‫كل ذلـك قالـه ♥ نصحـا لأل ّمـة وتحذير ًا لها من هـذا الذنب العظيم‬
‫والجـرم الوخيم أعاذنـا اهلل جميعًا منه ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وممـا يجلـب الخـوف مـن الشـرك أن المشـرك ‪ -‬عيـاذ ًا بـاهلل ‪ -‬ليس بينه‬
‫وبيـن النـار إال أن يمـوت ‪ ،‬وتأ ّملـوا يف ذلـك قول النبـي ♥ والحديث يف‬
‫َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َْ َ َْ ُ‬
‫«صحيـح البخـاري» قـول النبـي ♥ ((مـن مـات وهـو يدعـو ِمـن د ِ‬
‫ون الل ِه‬
‫ن ًّـدا َد َخ َل َّ‬
‫الن َ‬
‫ـار ))[[[ ‪.‬‬ ‫ِ‬

‫قـال العلمـاء رحمهـم اهلل‪ :‬يف هـذا الحديـث داللة علـى أن النار قريبة من المشـرك‬
‫؛ أي ليـس بينـه وبينهـا إال أن يموت ‪.‬‬

‫كل هـذه الدالئـل ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬تدعـو المؤمـن إلـى أن يخـاف مـن الشـرك خوفـا‬
‫عظيمـا ‪ ،‬ثـم إن هـذا الخـوف يحـرك يف قلبـه معرفـة هـذا ّ‬
‫الذنـب الوخيـم ليكـون منـه‬
‫علـى حـذر وليتقيـه يف حياتـه كلهـا ‪ ،‬ولهـذا جـاء عـن حذيفـة بـن اليمـان ڤ قـال‪:‬‬

‫«صحيح الجامع» (‪.)7418‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7116‬ومسلم (‪.)2906‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7320‬ومسلم (‪.)2669‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)4497‬ومسلم (‪.)92‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪23‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ ُ َ ْ َّ ِّ َ َ َ َ َْ‬ ‫َ َ َّ ُ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ‬
‫ـول الل ِـه ﷺ عـن الخي ِـر وكنـت أسـأله عـن الشـر مخافـة أن‬ ‫((كان النـاس يسـألون رس‬
‫ْ َ‬
‫ُيد ِرك ِنـي ))[[[ ‪.‬‬

‫اللهـم أعذنـا مـن الشـرك يـا رب العالميـن‪ ،‬اللهـم أعذنـا مـن الشـرك يـا ذا الجلال‬
‫واإلكـرام‪ ،‬اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك ونحـن نعلـم ونسـتغفرك لمـا ال نعلـم ‪،‬‬
‫اللهـم إنـا نسـألك توحيـد ًا خالصـا وإيمانـا راسـخا‪ ،‬اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن ن َِضـل أو‬
‫ن َُضـل يـا ذا الجلال واإلكـرام ‪ ،‬اللهـم إنـا نسـألك الهـدى والتقـى والعفـة والغنـى‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬فقـد دلـت نصـوص الكتـاب والسـنة أن الشـرك نوعـان ‪ :‬أكبر‬
‫وأصغـر ‪ ،‬وهمـا يختلفـان يف الحـد والحكـم ‪:‬‬

‫غيـر اهلل باهلل سـواء يف الربوبية أو األسـماء‬


‫سـوى َ‬
‫أمـا حـدُّ الشـرك األكبر ‪ :‬فهو أن ُي َّ‬
‫سـوى غيـر اهلل بـاهلل يف شـيء مـن خصائـص اهلل فإنـه‬
‫والصفـات أو األلوهيـة ‪ ،‬فمـن َّ‬
‫يكـون بذلـك أشـرك بـاهلل شـركًا أكبر ينقـل صاح َبـه مـن ملـة اإلسلام ‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3606‬ومسلم (‪.)1847‬‬


‫‪24‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أمـا حـدُّ الشـرك األصغـر ‪ :‬فهـو مـا جـاء يف النصـوص وصفـه بأنـه شـرك وال يبلـغ‬
‫حـد الشـرك األكبر ؛ كالحلـف بغيـر اهلل‪ ،‬وقـول مـا شـاء اهلل وشـئت ‪ ،‬وقـول لـوال كذا‬
‫لـكان كـذا وكـذا ‪ ،‬ونحـو ذلـك مـن األلفـاظ التـي فيهـا شـرك ال يقصـده قائلهـا‪.‬‬

‫وأمـا مـن حيـث الحكـم يف اآلخـرة ؛ فإهنمـا يختلفـان ‪ :‬فالشـرك األكبر صاحبـه‬
‫مخلـدٌ يف النـار أبـد اآلبـاد ال ُيقضـى عليـه فيمـوت وال يخ َّفـف عنـه مـن عذاهبـا ‪ ،‬وأمـا‬
‫الشـرك األصغـر فشـأنه دون ذلـك ‪ ،‬وإن كان يف وضعـه هـو أكبر مـن الكبائـر كمـا قال‬
‫َ ْ َ ْ َ َّ َ ً َ َ ُّ َ َّ ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫ـف ِبغ ْي ِـر ِه‬ ‫عبـد اهلل بـن مسـعود ڤ ‪(( :‬ألن أح ِلـف ِبالل ِـه ك ِاذبـا أحـب ِإلـي ِمـن أن أح ِل‬
‫ً‬
‫َص ِادقـا ))[[[ ؛ ألن يف الحلـف بغيـر اهلل صادقـا شـرك بـاهلل ‪ ،‬ويف الحلـف بـه كاذبا‬
‫وقـوع يف كبيـرة الكـذب ‪ ،‬وال تقـارن الكبيـرة بالشـرك ؛ وهذا من فقـه الصحابة ﭫ‪.‬‬

‫ثـم عبـاد اهلل إن هـذه المسـألة ‪ -‬أعنـي مسـألة الشـرك ومعرفتـه ‪ -‬هـي مـن أعظـم‬
‫كثيـر من الناس هذا األمـر العظيم وقعوا‬
‫جهل ٌ‬ ‫األمـور التـي ينبغـي أن نُعنـى هبـا ‪ ،‬ولما ِ‬
‫يف أعمـال وأمـور هـي مـن الشـرك يجهلـون حقيقـة أمرهـا ‪ ،‬وربمـا ُل ِّبس علـى بعضهم‬
‫بأسـماء ونحوهـا ُصرفـوا هبا عن العبـادة الخالصة هلل إلى أنواع مـن األعمال المحرمة‬‫ٍ‬

‫بـل إلـى أنواع مـن األعمال الشـركية عيـاذ ًا باهلل‪.‬‬

‫هـذا ؛ وإنـا لنسـأل اهلل ‪ ‬أن ُي َب ِّصرنا جميعا بدينـه ‪ ،‬وأن يوفقنا جميعا التباع‬
‫سـنة نبيه ♥‪ ،‬وأن يهدينا إليه صراطا مسـتقيما ‪.‬‬

‫[[[ رواه عبــد الــرزاق يف «مصنفــه» (‪ ،)15929‬وابــن أبــي شــيبة يف «مصنفــه» (‪ ، )12414‬والطــراين يف‬
‫«المعجــم الكبيــر» (‪ ،)8902‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب» (‪.)2953‬‬
‫[[[‬
‫التحذير من بعض الشِّركيات‬

‫الحمـد هلل الـذي أتـم لنـا النعمـة ‪ ،‬ووالـى علينـا العط ّيـة والمنّـة ‪ ،‬وجعـل أمتنـا أمـة‬
‫اإلسلام خيـر أمـة ؛ هدانـا إليـه صراطا مسـتقيما ‪ ،‬ود ّلنا إلـى دينه القويـم ‪ ،‬فلله الحمد‬
‫ال وأخـرا ‪ ،‬ولـه الشـكر ظاهـر ًا وباطنـا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك‬
‫أو ً‬
‫لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـدً ا عبده ورسـوله ؛ أبـان التوحيد وأوضح معالمـه ‪ ،‬وحمى حماه‬
‫وسـدَّ الذرائـع المفضيـة إلـى اإلخلال بأصلـه أو اإلنقـاص من كمالـه ووفائـه ‪ ،‬ص ّلى‬
‫اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن وجـزاه عنـا وعن أمـة اإلسلام خير ما‬
‫جـزى نبيـا عـن أمته ‪.‬‬

‫السـعادة وسـبيل‬
‫أمـا بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪ ،‬فإن تقوى اهلل ‪ ‬أسـاس ّ‬
‫الفلاح يف الدنيـا واآلخرة ‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬أن مِنّـة اهلل عليكـم هبـذا الديـن عظيمـة ؛ حيـث‬
‫ِ‬
‫معلـم الخيـر وهادي البشـرية‬ ‫هداكـم لهـذا الديـن ‪ ،‬وجعلكـم مـن أ ّمـة محمـد ﷺ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1425-5-7 /‬هـ‬
‫‪26‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إلـى صـراط اهلل المسـتقيم ؛ ِ‬
‫ديـن اهلل ‪ ‬الـذي ارتضـاه لعبـاده وال يقبـل منهـم‬
‫دينًـا سـواه ‪ ،‬ديـ ُن التوحيـد واإلخلاص ‪ ،‬ديـ ُن اإلسلام واإليمـان ‪ ،‬ديـ ُن البر‬
‫واإلحسـان ‪ ،‬ديـ ُن الوفـاء والصفـاء ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫انحـراف‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬إن هـذا الدِّ يـ َن القويـم يقـوم علـى تنقيـة ديـن النـاس مـن كل‬
‫وضلال وب ٍ‬
‫عـد عـن الصـراط المسـتقيم ‪ ،‬وعلـى تنقية عقولهـم من الخرافـات الواهية‬ ‫ٍ ُ‬
‫والخزعبلات الباطلـة التـي مـا أنـزل اهلل هبا من سـلطان ‪ ،‬ديـ ٌن ينهض بأهلـه إلى عالي‬
‫المقامـات ورفيعهـا وعالـي الدرجـات ورفيعهـا ؛ فاحمـدوا اهلل علـى هـذا الديـن ‪،‬‬
‫واسـألوا اهلل ‪ ‬أن يث ِّبتكـم عليـه إلـى الممـات ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وإن مـن منـة اهلل علينـا هبـذا الديـن ؛ ديـن اإلخلاص والتوحيـد ‪ ،‬ديـن‬
‫صفـاء العبـادة لـرب العالميـن ‪ ،‬دين تعلـق القلب باهلل وحده خضوعـا وتذلال ‪ ،‬طمعًا‬
‫وأملا تعلقـا بـاهلل وحـده دونمـا سـواه ‪ ،‬وإن مـن شـكر اهلل ‪ ‬علـى الهدايـة لهـذا‬
‫الديـن أن يحـرص كل فـرد مـن أفـراده علـى الحفـاظ عليـه ‪ ،‬وحسـن رعايتـه ‪ ،‬والبعـد‬
‫َّ‬
‫كل البعـد مـن كل أمـر ُيذهـب أصلـه أو ُينقـص كمالـه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وإن التوحيـد الـذي هو أسـاس هـذا الدين يعني إخلاص األعمال كلها‬
‫هلل ؛ فلا ُيسـأل إال اهلل ‪ ،‬وال يسـتغاث إال بـاهلل ‪ ،‬وال ُيطلـب المـدد والعـون والشـفاء‬
‫والعافيـة إال مـن اهلل ‪ ،‬فهـو ‪ ‬الـذي يجيـب المضطـر إذا دعـاه ‪ ،‬وهـو الـذي‬
‫رب‬
‫الشـدات ‪ ،‬وهـو ‪ ‬الـذي بيده أز ّمة األمـور ‪ ،‬ال ّ‬ ‫يكشـف الكربـات ويزيـل ِّ‬
‫إال هـو‪ ،‬وال خالـق إال إيـاه ‪ ،‬وال معبـود بحـق سـواه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وإن ممـا ينقـص هـذا التوحيـد ولربمـا كان ُم ْذ ِهبـا ألصلـه ُمبطِلاً لـه من‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪27‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أساسـه التعلـق بالخيـوط والحـروز والصـدَ ف ونحوهـا لجلـب النفـع أو دفـع الضـر ؛‬
‫فـإن هـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـن الشـرك بـاهلل ‪ ، ‬فـإن مـن الشـرك بـاهلل تعليـق التمائـم‬
‫والحـروز والخـرز ونحوهـا لجلـب النفع أو دفع الضـر ‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقول يف محكم‬
‫التنزيل ﱷ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﱶ‬
‫[الزمر‪. ]٣٨:‬‬

‫االعتمـاد إنمـا يكـون علـى اهلل ‪ ،‬وطلـب الشـفاء ودفـع البلاء ورفعـه إنمـا‬
‫يكـون مـن اهلل ؛ فهـو ‪ ‬المعطـي المانـع ‪ ،‬الخافـض الرافـع‪ ،‬الـذي بيـده أزمـة‬
‫األمـور ‪.‬‬

‫روى ابـن ماجـه يف «سـننه» واإلمـام أحمـد يف «مسـنده» بإسـناد ال بـأس بـه عـن‬
‫ْ‬ ‫َْ ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عمـران بـن حصيـن ﭬ ‪َ (( :‬أ َّن َّ‬
‫الن ِب َّـي ﷺ َرأى َر ُجل ِفي َي ِـد ِه َحلقة ِم ْن ُصف ٍر ‪ -‬والصفر‪:‬‬
‫َ ْ َْ ُ‬ ‫النحـاس‪َ -‬ف َق َ‬
‫ـال‪َ :‬مـا ه ِـذ ِه ال َحلقة ؟‬
‫ْ َ‬
‫انبذهـا ‪ -‬وفـي‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫قـال‪ :‬ه ِـذ ِه ِمـن الو ِاهن ِـة ‪ -‬والواهنـة ‪ :‬مـرض يصيـب العضـد‪ -‬قـال ﷺ‪ِ :‬‬
‫َ َ ََْ َ َ ً‬ ‫َ َّ َ َ ُ َ َّ ْ َ َّ َ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫روايـة ان ِز ْع َهـا ‪ -‬ف ِإن َهـا ل ت ِزيـدك ِإل َوه ًنا ‪ ،‬ف ِإنك ل ْو ِمت َو ِه َـي َعل ْيك َما أفل ْحت أ َبدا))[[[‪.‬‬

‫وروى اإلمـام أحمـد يف «مسـنده»‪ ،‬عـن عقبـة بـن عامـر ﭬ أن النبـي ﷺ قـال ‪:‬‬
‫َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ َ َ َّ َّ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ً َ َ َ َ َّ َ‬
‫ـق َود َعة فلا َودع الل ُه ل ُـه ))[[[ ‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬ ‫((مـن تعلـق ت ِميمـة فلا أتـم اللـه لـه ‪ ،‬ومن تعل‬
‫[[[ رواه أحمــد يف مســنده (‪ ،)20000‬وابــن ماجــه (‪ ،)3531‬وضعفــه األلبــاين يف «السلســلة‬
‫الضعيفــة» (‪.)1029‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)17404‬وابــن حبــان يف «صحيحــه» (‪ ،)6086‬والبيهقــي‬
‫يف «ســننه الكــرى» (‪ ،)19389‬والحاكــم يف «مســتدركه» (‪ ،)7501‬وضعفــه األلبــاين يف‬
‫‪28‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُّ َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ ْ َ ْ َ‬
‫الرقى‬ ‫يمـة فقـد أش َـرك ))[[[ ‪ ،‬وصح عنـه ♥ أنه قـال ‪ِ (( :‬إن‬ ‫((مـن تعلـق ت ِم‬
‫ٌ‬ ‫َ َّ َ َ َ ِّ َ َ‬
‫الت َولة ِش ْـرك ))[[[ ‪.‬‬ ‫والتم ِائـم و‬

‫وتأمـل هـذه األحاديـث وأمثالهـا يف السـنة كثيـر ‪ ،‬وهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـن نصـح‬
‫النبـي ﷺ وبيانـه ألمتـه ‪ -‬أمـة اإلسلام‪ -‬لتبقـى أمـ ًة عزيـزة متعلقـ ًة برهبا معتمـدة على‬
‫ٍ‬
‫خيـوط‬ ‫خالقهـا وموالهـا ؛ منـه وحـده تطلـب الشـفاء ‪ ،‬وإليـه وحـده تلتجـئ ‪ ،‬ال إلـى‬
‫وحـروز ‪ ،‬وال إلـى نحـاس وحديـد ‪ ،‬وال إلـى صـدف وودع مـن مخلوقـات ال تغنـي‬
‫عـن نفسـها شـيء فضلاً عـن أن تجلـب لغيرهـا نفعـا أو دفعـا ‪.‬‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬وإن تعليـق هـذه األشـياء ‪ -‬أعنـي الخـرز والودع والخيـوط ِ‬
‫والح َلق وما‬
‫كان يف معناهـا ‪ -‬ال يخلـوا ُم َع ِّل ُقهـا مـن أحد حالين‪:‬‬

‫الحالـة األولـى ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ : -‬أن يعلقهـا وهـو يعتقـد فيهـا أهنا جالب ٌة للشـفاء رافع ٌة‬
‫ناقـل مـن ملـة اإلسلام‬ ‫ٌ‬
‫شـرك أكبر ٌ‬ ‫للبلاء ؛ فـإن اعتقـد ذلـك يف هـذه األشـياء فهـذا‬
‫باتفـاق علمـاء المسـلمين ‪ ،‬واألدلـة على ذلك ظاهـرة وقد تقدم اإلشـارة إلى بعضها‪.‬‬

‫الضار‬
‫َّ‬ ‫النافـع‬
‫َ‬ ‫والحالـة الثانيـة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ : -‬أن يع ِّلـق هـذه األشـياء وهـو يعتقـد أن‬
‫الجالـب المانـع المعطـي المانـع هـو اهلل ‪ ، ‬وإنمـا يع ِّلـق هـذه األشـياء ظنّـا منـه‬
‫أهنـا وسـيل ًة وسـببًا للشـفاء ؛ ففـي هـذه الحالـة عملـه هـذا مـن الشـرك األصغـر الـذي‬
‫ِ‬
‫التوحيـد الواجـب ؛ ألنـه مـن المعلـوم بالضـرورة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن هذه‬ ‫َ‬
‫كمـال‬ ‫يناقـض‬
‫«السلسة الضعيفة» (‪.)1266‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)17422‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)492‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)3885‬وابــن ماجــه (‪ ،)3530‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح ابــن ماجــه»‬
‫(‪.)2845‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪29‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األشـياء ليسـت مـن وسـائل الشـفاء ال الشـرعية وال القدريـة ‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫يجـب علـى كل مسـلم أن يكـون يف غايـة الحيطـة ويف تمـام الحـذر ويف تمـام الرعايـة‬
‫يخ ُّل بـه ‪ ،‬أو ينقص تمامـه وكماله ‪ ،‬أو يفسـدَ ه ويذه َبه‬ ‫كل أمـر ِ‬ ‫لتوحيـده صيانـ ًة لـه مـن ِّ‬
‫ولتبـق القلـوب متعلقـ ًة بـاهلل متوكِّلـ ًة عليـه تعتمـد عليـه وحـده وتلتجـئ إليـه‬ ‫َ‬ ‫بالكليـة ‪،‬‬
‫َّ‬
‫ال إلـى سـواه ‪ ،‬وقـد كان ♥ إذا ُأيت إليـه بمريـض َر َقـاه بقولـه ‪(( :‬الل ُه َّـم‬
‫َ ً َ َُ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬ ‫َ ْ ْ َْ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ـاد ُر‬
‫ـافي ‪ ،‬ل ِشـفاء ِإل ِشـفاؤك ‪ِ ،‬شـفاء ل يغ ِ‬ ‫ـاس ‪ ،‬اش ِـف ِه َوأنـت الش ِ‬ ‫ـاس أذ ِهـب الب‬ ‫َر َّب الن ِ‬
‫َ‬
‫َسـق ًما))[[[ ‪.‬‬

‫اللهـم َب ِّصرنـا بديننـا ‪ ،‬وأهدنـا إلـى صراطـك المسـتقيم ‪ ،‬وجنِّبنـا الشـرك كلـه دقـه‬
‫وج ّلـه صغيـره وكبيـره ‪ ،‬اللهـم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك مـا نعلـم ونعوذ بـك اللهم‬
‫ُ‬
‫ممـا ال نعلـم ‪ ،‬اللهـم وفقنـا لمـا تحبـه وترضـى ‪ ،‬واغفـر لنـا مـا قدمنـا ومـا أخرنـا ‪،‬‬
‫واغفـر لنـا ولوالدينـا وللمسـلمين والمسـلمات والمؤمنين والمؤمنـات األحياء منهم‬
‫واألمـوات إنـك أنـت الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمدً ا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه األخيـار وصحابتـه األبرار مـا تعاقب الليـل والنهار ‪.‬‬

‫أما بعد عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬أن ممـا يلتحـق بمـا سـبق من تلـك الحـروز والتعاليق‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)5743‬ومسلم (‪.)2191‬‬
‫‪30‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الباطلـة التـي مـا أنـزل اهلل هبـا مـن سـلطان والتي يعلقهـا بعض النـاس اعتقـا ًدا فيها أهنا‬
‫تجلـب نفعـا أو تدفـع ضـرا أو تدفـع عينـا أو نحـو ذلـك ممـا لـم ُينـزل بـه ‪‬‬
‫سـلطانا ‪ ،‬إن ممـا يلتحـق بذلـك ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ما ُيشـاهد يف بعض السـيارات والسـيما‬
‫الشـاحنات مـن تعليـق بعـض ِ‬
‫الخ َـرق السـوداء يف مقدمتهـا أو مؤخرهتـا ويزعـم مـن‬
‫ُي َع ِّلقهـا أنّهـا تقـي العين أو ُت َسـ ِّلم السـيارة من الحـوادث أو نحو ذلك مـن االعتقادات‬
‫الباطلـة والظنـون الزائفـة التـي تنشـأ عـن الجهل بديـن اهلل وعـد ِم البصيرة هبُـدى كتابه‬
‫وسـنة نبيـه ‪ -‬صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪ ، -‬أيـن عقـول هـؤالء !! مـاذا تغنـي تلـك‬
‫الخـرق المعلقـة !! مـاذا تغنـي عـن صاحبها أو عن سـيارته شـيئا !! إن هـذا ‪ -‬عباد اهلل‬
‫َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ً ُ َ َ ْ [[[ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ً َ َ َ َ‬
‫يمـة فلا أت َّـم‬ ‫‪ -‬مـن التع ُّلـق بغيـر اهلل و ((مـن تعلـق شـيئا و ِكل ِإلي ِـه )) و ((مـن تعلـق ت ِم‬
‫َّ َ‬
‫الل ُـه ل ُـه ‪ [[[))..‬كمـا صـح بذلـك الحديـث عـن رسـول اهلل صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪.‬‬

‫والواجـب علـى أصحـاب تلك السـيارات أن يتقـوا اهلل ‪ ‬بالحـذر من مخالفة‬


‫والواجـب علـى أصحـاب تلك السـيارات أو المسـئولين‬
‫ُ‬ ‫دينـه ومـن مباينـة التوحيـد ‪،‬‬
‫عـن تلـك المؤسسـات والشـركات أن يمنعـوا هـؤالء العـوام مـن الجهـال وأشـباههم‬
‫مـن أمثـال هـذه التعاليـق التي ال فائـد َة فيها إال اإلضـرار بالدين واإلخلال بالمعت َقد ‪.‬‬

‫كل ٍ‬
‫أمـر‬ ‫ونسـأل اهلل ‪ ‬أن يهدينـا إليـه ‪ ،‬وأن يوفقنـا التبـاع سـنته وأن يجنِّبنـا َّ‬

‫[[[ رواه الرتمــذي (‪ ،)2072‬وقــال األلبــاين‪( :‬حســن لغيــره) كمــا يف «صحيــح الرتغيــب»‬
‫(‪.)3456‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)17404‬وابــن حبــان يف «صحيحــه» (‪ ،)6086‬والبيهقــي‬
‫يف «ســننه الكــرى» (‪ ،)19389‬والحاكــم يف «مســتدركه» (‪ ،)7501‬وضعفــه األلبــاين يف‬
‫«السلســة الضعيفــة» (‪.)1266‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪31‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يخالـف التوحيـد واالعتقـاد الخالـص ‪ ،‬وأن يجعلنـا مـن المعتمديـن عليـه ح ّقـا ‪ ،‬مـن‬
‫المتوكليـن عليـه صدقـا وأن ال يكِلنـا إال إليـه وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن إنه‬
‫سـبحانه سـميع الدعـاء وهـو أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل ‪.‬‬
‫[[[‬
‫ي َعن الطِّ َي َرة‬ ‫النَّ ْ‬
‫ه ُ‬

‫الحمـد هلل؛ ال يـأيت بالحسـنات إال هـو ‪ ،‬وال يصـرف السـيئات إال هـو ‪ ،‬وال إلـه إال‬
‫اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛‬
‫هو ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال ُ‬
‫صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون ‪ :‬اتقـوا اهلل ربكـم ‪ ،‬وراقبوه يف جميع أعمالكـم ؛ مراقبة من‬
‫يعلـم أن ر َّبه يسـم ُعه ويراه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬لقـد جـاء اإلسلام بمـا فيـه بنـاء المسـلم علـى العقيـدة القويمـة‬
‫وحسـن التـوكل عليـه جـل يف علاه ‪ ،‬والبعـد‬
‫واإليمـان الراسـخ والثقـة الكاملـة بـاهلل ُ‬
‫عـن األوهـام والظنـون والخرافـة ونحـو ذلـك مـن التعلقـات الباطلات ‪ ،‬قـال اهلل‬
‫تعالـى‪ :‬ﱷﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﱶ [الطلاق‪ ،]3:‬وقـال تعالـى‪:‬ﱷ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﱶ‬
‫[التوبـة‪.]51:‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1439-8-4 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪33‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وممـا يتناىف مع هـذا االعتقاد والثقة باهلل وحسـن التوكل عليه جل‬
‫وهـدي أهـل الضالل‬
‫يف علاه الطيـرة والتطيـر والتشـاؤم ؛فإهنـا مـن أعمـال الجاهليـة َ‬
‫والباطـل ‪ ،‬وهـي اعتقـا ٌد مبنـي علـى الوهم والخرافة والظنون الكاسـدة الفاسـدة ‪.‬‬

‫الطيـرة ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬سـوء ظـن بـاهلل ومجلبـة لألوهـام والظنـون ‪ ،‬واتبـاع لخطوات‬
‫وضعـف يف الثقـة بـاهلل والتـوكل عليـه ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وخلـل يف اإليمـان واالعتقـاد ‪،‬‬ ‫الشـيطان ‪،‬‬
‫ومجلبـ ٌة للشـرور واآلفـات ؛ ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬تكاثـرت األحاديـث عـن نبينـا ﷺ‬
‫تحذيـرا منهـا وهن ًيـا عنهـا وبيانًـا لفسـاد التعلـق هبـا ‪ ،‬ففـي «الصحيحيـن» أن النبـي ﷺ‬
‫ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قـال‪(( :‬ل َعـد َوى َول ِط َي َـرة َول ه َامة َول َصف َـر))[[[‪ ،‬وهذه كلها من ظنون أهل الجاهلية‬
‫وتعلقاهتـم الباطلـة ‪.‬‬

‫وأصـل الطيـرة ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬عنـد أهـل الجاهليـة ‪ :‬تعلـق هـؤالء القـوم بحـركات‬
‫الطيـر وأصواهتـا وهيئاهتـا ؛ فيتشـاءمون مـن بعـض أصواهتـا ‪ ،‬أو بعـض حركاهتـا ‪ ،‬أو‬
‫بعـض أصنـاف الطيـر ؛ ممـا يجعل الواحـد منهم ينثني عـن حاجته وال يقـوم بمقصده‬
‫عنـد حصـول هـذا التشـاؤم لـه[[[ ‪.‬‬

‫جـاء يف «صحيـح مسـلم» عـن معاويـة بـن الحكـم السـلمي ﭬ وهو يسـأل النبي‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)5757‬ومسلم (‪. )2220‬‬
‫[[[ قــال العالمــة محمــد بــن صالــح العثيميــن ‪« :$‬وهــي اســم مصــدر تطيــر‪ ،‬والمصــدر منــه‬
‫تطيــر‪ ،‬وهــي التشــاؤم بمرئــي أو مســموع‪ ،‬وقيــل‪ :‬التشــاؤم بمعلــوم مرئيــا كان أو مســموعا‪،‬‬
‫زمانــا كان أو مكانــا‪ ،‬وهــذا أشــمل؛ فيشــمل مــا ال يــرى وال يســمع؛ كالتطيــر بالزمــان‪.‬‬
‫وأصــل التطيــر‪ :‬التشــاؤم‪ ،‬لكــن أضيفــت إلــى الطيــر؛ ألن غالــب التشــاؤم عنــد العــرب بالطيــر‪،‬‬
‫فعلقــت بــه‪ ،‬وإال؛ فــإن تعريفهــا العــام‪ :‬التشــاؤم بمرئــي أو مســموع أو معلــوم» القــول المفيــد‬
‫(‪.)515/1‬‬
‫‪34‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ عـن بعـض أعمـال أهـل الجاهليـة التـي كانـوا يصنعوهنـا قال‪ُ «:‬كنَّـا َن َت َط َّي ُـر»‪ ،‬فقـال‬
‫َ َ َّ َّ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َُُ ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫النبـي ﷺ‪((:‬ذاك ش ْـي ٌء َي ِجـده أ َحدك ْـم ِفي نف ِس ِـه فلا َي ُصدنك ْـم))[[[؛ أي ليحذر المؤمن‬
‫بـاهلل الواثـق بـه جـل يف علاه أن يصـده مـا يهجـم على قلبـه من هـذا التطير لشـيء يراه‬
‫َ َ َّ َّ ُ‬
‫أو يسـمعه ‪« ،‬فلا َي ُصدنك ْـم» أي عـن حاجتكـم ‪.‬‬
‫ِّ ُ‬
‫((الط َي َـرة‬ ‫و يف «سـنن أبـي داود» عـن ابـن مسـعود ﭬ قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ ٌ ِّ ُ‬
‫الط َي َرة ِش ْـرك))[[[‪.‬‬ ‫ِشـرك‪،‬‬

‫؛«و َمـا مِنَّـا‬ ‫ِ‬


‫اهَّلل ُي ْذه ُبـ ُه بِالت ََّـو ُّكلِ» َ‬
‫ِ‬
‫مسـعود‪-‬و َلك َّن َ‬
‫َ‬ ‫ال ‪-‬وهـذا مـن قـول ابـن‬ ‫«و َمـا مِنَّـا إِ َّ‬
‫َ‬
‫لصوت سـمعه أو‬ ‫ٍ‬ ‫ال» أي قـد يهجـم علـى القلـب يف بعـض األوقـات شـيء مـن ذلـك‬ ‫إِ َّ‬
‫ُ‬ ‫اهَّلل ُي ْذ ِه ُبـ ُه بِالت ََّـو ُّكلِ»أي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تـوكل المؤمـن الصـادق علـى اهلل جـل يف‬ ‫«و َلكـ َّن َ‬‫أمـر شـاهده َ‬
‫علاه ُيذهـب عنـه هـذا الوهـم ويطـرد عنـه هـذه الخرافة‬

‫طائـرا يصيح‬ ‫كان ابـن عبـاس ﭭ مـع ٍ‬


‫نفـر مـن أصحابـه يف طريـق فسـمع أحدهـم ً‬
‫«خيرخيـر» فقـال ابـن عبـاس ﭭ‪«:‬ال خير وال شـر»[[[ ‪.‬‬
‫فقـال ٌ‬

‫وكان طـاووس مـع صاحـب لـه يف طريـق فسـمع صـوت غـراب يصيـح فقـال‪:‬‬
‫‪«:‬وأي خيـر عنـد هـذا!!»[[[‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫«خيـر»‪ ،‬فقـال‬

‫نعـم عبـاد اهلل هـذه مجـرد تعلقـات باطلة قد تعلـق يف القلب فإذا صـدَّ ت المرء عن‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)537‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)3910‬وكــذا الرتمــذي (‪ ،)1614‬وابــن ماجــه (‪ ،)3538‬وصححــه‬
‫األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة» (‪.)429‬‬
‫[[[ انظر‪« :‬التمهيد» (‪ ،)194/24‬و«فتح الباري» (‪.)215/10‬‬
‫[[[ انظر‪« :‬تيسير العزيز الحميد» (ص‪.)375‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪35‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وضـرب مـن ضـروب الجاهليـة التي ما‬ ‫حاجتـه فقـد وقـع يف ٍ‬
‫بـاب مـن أبـواب الشـرك‬
‫أنـزل اهلل هبـا من سـلطان ‪.‬‬

‫تأثيـر يف‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪:‬وخطـورة الطيـرة علـى العبـد إنمـا هـي عندمـا يكـون لهـا ٌ‬
‫سـلوكه وعملـه ؛ ولهـذا جـاء يف الحديـث الصحيـح يف «المسـند» وغيره عـن ابن عمر‬
‫َ ْ َ َّ ْ ُ ِّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫اج ٍـة فقد أش َـرك))‪.‬‬ ‫ﭭ أن النبـي ﷺ قـال ‪(( :‬مـن ردتـه الطيـرة ِمـن ح‬

‫أي وقـع يف ٍ‬
‫بـاب مـن أبـواب الشـرك‪ ،‬لكـن المسـلم الواثق باهلل إذا عرض له شـيء‬
‫مـن ذلـك لـم يلتفـت إليـه ولم ِ‬
‫يبـال به ومضـى يف حاجته مسـتعينا باهلل متـوكال عليه ‪.‬‬
‫َ ْ َ َّ ْ ُ ِّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ـول‬‫اج ٍـة فق ْد أش َـر َك))‪َ ،‬قا ُلوا ‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫قـال ♥‪(( :‬مـن ردتـه الطيـرة ِمـن ح‬
‫ـار ُة َذل ِ َك ؟‬ ‫ِ‬
‫اهلل َمـا َك َّف َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َُ َ َ ُ ُ‬
‫ـول أ َحده ْـم ‪ :‬الل ُه َّـم ال خ ْي َـر ِإال خ ْي ُـرك ‪َ ،‬وال َط ْي َـر ِإال َط ْي ُـرك ‪َ ،‬وال ِإل َـه‬ ‫قـال ‪((:‬أن يق‬
‫َ َ‬
‫غ ْي ُـرك))[[[ حديـث صحيـح ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬والطيـرة عندمـا تكـون مسـل ًكا لإلنسـان أي يعتنـي هبـا ويهتـم لهـا‬
‫وبالء عليه ؛ولهذا روى ابن حبان يف «صحيحه»‬ ‫ٍ‬ ‫ويبني عليها كانت حينئذ سـبب ٍ‬
‫شـر‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ ِّ ُ َ‬
‫الط َي َـرة َعلـى َم ْـن ت َط َّي َـر))[[[؛ وتأملـوا‬ ‫عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال ‪(( :‬ل ِطيـرة ‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫َ ِّ ُ َ‬
‫الط َي َـرة َعلـى َم ْـن ت َط َّي َـر»أي أهنـا عندمـا تكـون مسـل ًكا‬ ‫قـول نبينـا ♥ «و‬
‫للمـرء تكـون مجلبـ ًة للشـرور عليـه عقوبـ ًة مـن اهلل لـه‪ ،‬أمـا المؤمـن المتـوكل على اهلل‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)7045‬وابــن الســني يف «عمــل اليــوم والليلــة» (‪ ،)291‬وصححه‬
‫األلبــاين يف «السلســلة الصحيحة» (‪.)1065‬‬
‫[[[ رواه ابن حبان (‪ ،)6123‬وحسنه األلباين يف «التعليقات الحسان» (‪.)6090‬‬
‫‪36‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جـل يف علاه فلا يضـره شـيء مـن ذلك ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬نحمـد اهلل جـل يف علاه أن هدانـا لهـذا الدين العظيـم ‪ ،‬وأن جعلنا‬
‫نجانـا هبـذا الديـن مـن الخرافـة والضلال والباطـل ؛ فللـه‬
‫مـن أهـل اإلسلام ‪ ،‬وأن َّ‬
‫كثيـرا طي ًبـا مبـاركًا فيـه كمـا‬
‫ظاهـرا وباطنـا ‪ ،‬حمـدً ا ً‬
‫ً‬ ‫الحمـد ً‬
‫أول وآخـر ‪ ،‬ولـه الشـكر‬
‫يحـب ربنـا ‪ ‬ويرضـى ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫اهلل وحـده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا‬


‫الحمـد هلل كثيـرا ‪،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ ّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪ .‬أمـا بعـد أيهـا‬
‫المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪:‬ويف هـذا البـاب ‪-‬بـاب التحذيـر من الطيرة‪ -‬يقـول نبينا ♥‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫كمـا يف «الصحيحيـن» ‪(( :‬ل َعـد َوى َول ِط َي َـرة َو ُي ْع ِج ُب ِني الفأ ُل))‪.‬‬

‫َقا ُلوا‪َ :‬و َما ا ْل َف ْأ ُل؟‬


‫ْ َ َ ُ َّ ُ‬
‫الط ِّي َبة))[[[‪.‬‬ ‫َق َال ‪(( :‬الك ِلمة‬
‫مـاض يف حاجتـه ُت ِ‬
‫حـدث له‬ ‫ٍ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬الكلمـة الطيبـة حيـن يسـمعها المؤمـن وهـو‬
‫وفرحـا وهنـاءة وهي مـن مقتضى الطبيعـة والفطـرة التي فطر‬
‫ً‬ ‫سـرورا وغبطـة‬
‫ً‬ ‫يف نفسـه‬
‫اهلل العبـاد عليهـا ‪ ،‬فهـي ال تضـر المؤمـن ‪ ،‬وتبعث يف قلبه سـرورا ونشـاطا‪ ،‬ولهذا كان‬
‫سـر بـه صلـوات اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه ‪ ،‬لكـن‬
‫♥ يعجبـه الفـأل و ُي ُّ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)5776‬ومسلم (‪.)2224‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪37‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومـع ذلـك ال يبنـي المـرء عملـه وسـ ْيره يف مصالحـه علـى فـأل سـمعه ؛ فإنـه إن فعـل‬
‫ٍ‬
‫ضـرب من ضـروب الطيـرة المذمومة المنافيـة للتوكل علـى اهلل ‪ ،‬لكنه‬ ‫ذلـك دخـل يف‬
‫يسـره ُيسـر بذلـك ويمضـي يف حاجتـه بنشـاط وهمـة ‪ ،‬وثقتـه كلهـا بـاهلل ‪،‬‬
‫إن سـمع مـا ُ‬
‫واعتمـاده كلـه عليـه وحـده جـل يف عاله ‪.‬‬

‫رزقنـا اهلل ‪ ‬أجمعيـن ُحسـن الثقـة بـه وتمـام التـوكل عليـه ‪ ،‬وأصلـح لنـا‬
‫أجمعيـن شـأننا كلـه إنـه ولـي التوفيـق والسـداد ال شـريك لـه جـل يف علاه ‪.‬‬
‫جريمة االستهزاء‬
‫[[[‬
‫بالله والقرآن والرسولﷺ‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ‪ ،‬أحمـده ‪‬‬
‫بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل ‪ ،‬وأثني عليه الخير كلـه ال أحصي ثنا ًء عليـه هو كما أثنى‬
‫ٍ‬
‫وإيمان‬ ‫ٍ‬
‫تعظيم لجنابه‬ ‫على نفسـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له شـهادة‬
‫أن محمـد ًا عبده ورسـوله الداعي إلـى صراط اهلل‬
‫بعظمتـه وجاللـه وكربيائـه ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫المسـتقيم ودينـه القويـم ‪ ،‬صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ؛ فـإن يف تقـواه ‪ ‬سـعادة الدنيـا‪،‬‬
‫والفـوز بثـواب اهلل ‪ ،‬والنجـاة مـن عقابـه وسـخطه سـبحانه‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫عمـل‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1433-4-2 /‬هـ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪39‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫خيفـة عـذاب اهلل ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪َّ :‬‬


‫إن ديننـا اإلسلام ديـ ٌن عظيـم مبنـي علـى التعظيـم ؛‬
‫التعظيم هلل ‪ ، ‬والتعظيم لشـرعه ‪ ،‬ولرسـوله ﷺ ‪ ،‬ﱷ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫قـوي التعظيم يف القلب أذعن وانقاد‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱶ [الحـج‪ ،]32:‬وكلمـا َ‬
‫وتحول‬
‫َّ‬ ‫تمرد علـى هذا الدين بـل‬ ‫َّ‬
‫انحـل القلـب مـن التعظيـم َّ‬ ‫واستسـلم وأطـاع ‪ ،‬وإذا‬
‫عبـد ًا سـاخر ًا مسـتهزئًا متهكمـا ؛ وهـذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬يكشـف لنا َّ‬
‫سـر االنحلال الذي‬
‫يبتلـى بـه بعـض النـاس ويصاب بـه بعـض العباد ‪.‬‬

‫إننـا ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬ال نتصـور وجـود شـخص يف ديـار اإلسلام يكتـب كالمًا‬
‫بشـيء مـن شـرع اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫فيـه اسـتهزا ٌء بـاهلل ‪ ‬أو اسـتهزا ٌء برسـوله ﷺ أو اسـتهزا ٌء‬
‫انحـل منـه التعظيم هلل ‪ ‬أتى بالعجائـب والغرائب‬ ‫َّ‬ ‫‪ ، ‬لكـن ذلـك القلـب إذا‬
‫َ‬
‫((أ َال َوإ َّن فـي َ‬
‫الج َس ِـد‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ ،‬فمـدار صلاح اإلنسـان وفالحـه علـى صلاح قلبـه وزكائـه ‪،‬‬
‫ُ ْ َ ً َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ ُّ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ُّ َ َ‬
‫الج َسـد كل ُـه ؛ أال َو ِه َـي‬ ‫مضغـة ِإذا صلحـت صلـح الجسـد كلـه ‪ ،‬و ِإذا فسـدت فسـد‬
‫الق ْل ُ‬
‫ـب))[[[ ‪.‬‬
‫َ‬

‫ٍ‬
‫بشـيء مـن‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬إن االسـتهزاء بـاهلل أو برسـول اهلل ﷺ أو‬
‫شـرائع اإلسلام وأحـكام الديـن رد ٌة عـن اإلسلام وجريمـ ٌة عظمى ومصيبـ ٌة كربى ال‬
‫تصـدُ ر مـن ٍ‬
‫قلـب مؤمـن ‪ ،‬فوجود هـذا االسـتهزاء ٌ‬
‫دليل علـى الكفر وذهـاب اإليمان ؛‬
‫ولهـذا قـال اهلل تعالـى يف سـورة التوبة ‪ -‬التي تسـمى الفاضحة[[[ ألن اهلل ‪‬‬
‫فضـح فيهـا المنافقيـن وهتـك أسـتارهم وكشـف عـن مخازيهـم ‪ -‬يقـول اهلل ‪: ‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)52‬ومسلم (‪.)1599‬‬
‫[[[ «اإلتقان» (‪.)152/1‬‬
‫‪40‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﱷﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﱶ[التوبـة]؛‬
‫إنَّـه اإلجـرام الفظيـع والتعـدي الشـنيع أن يتطـاول إنسـان َخ َلقـه اهلل ‪ ‬ومـ َّن عليـه‬
‫بالسـمع والبصـر والفـؤاد والحـواس فيتلفـظ لسـانه تطـاو ً‬
‫ال علـى اهلل رب العبـاد ‪ ،‬أو‬
‫ال على شـرع اهلل ‪ ، ‬أو هتكمًا واسـتهزا ًء برسـوله ومصطفاه ﷺ ‪ ،‬أو تعدِّ يًا‬ ‫تطاو ً‬
‫ٍ‬
‫شـيء مـن شـرع اهلل وأحـكام اهلل ‪ ،‬أيـن عقـل هـذا اإلنسـان ؟! أيـن فكـره ؟! أيـن‬ ‫علـى‬
‫وعيـه ؟! أيـن معرفتـه ؟! إذا كان سـمح للسـانه أن يتلفـظ بتلـك األلفـاظ وأن يتعـدى‬
‫ويتجـاوز بتلـك التعديـات والتجـاوزات ‪.‬‬

‫لمـا َق َفـل النبـي ♥ مـن غـزوة تبوك وأب َلـى وأبلـى الصحابة معـه بال ًء‬
‫عظيمـا قـال أحـد المنافقيـن يف مجلـس مـن المجالـس ‪« :‬مـا رأينـا مثـل ُق َّراءنـا هؤالء‬
‫أرغـب بطونـا وال أكـذب ألسـنًا وال أجبـن عنـد اللقـاء » ‪ ،‬فقال رجـل يف المجلس‪« :‬‬
‫َّ‬
‫ألخبرن رسـول اهلل ﷺ »[[[ ‪ ،‬فبلـغ ذلكـم النبـي ﷺ ونـزل‬ ‫كذبـت ؛ ولكنـك منافـق ‪،‬‬
‫َ‬
‫بذلكـم القـرآن ‪ ،‬فجـاء ذلـك الرجـل إلـى النبـي ﷺ يعتـذر ممـا قـال ‪ ،‬فـكان النبـي‬
‫♥ ال ينظـر إليـه وال يلتفـت إليـه وال يزيـد على أن يقـول له ‪ :‬ﱷﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ‪ ،‬وقول‬
‫اهلل ‪ ‬ﱷﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ فيـه ٌ‬
‫دليـل أن قائـل هذه المقالة كان‬
‫فتحـول بمقالته تلـك إلى مرتدٍّ كافر بـاهلل ‪ ، ‬وهذا‬
‫َّ‬ ‫قبلهـا مـن أهـل اإليمان‬

‫[[[ رواه الطربي يف «تفسيره» (‪ ،)333/14‬وابن أبي حاتم يف «تفسيره» (‪.)1892/6‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪41‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬
‫((و ِإن‬ ‫ممـا يوضـح لنـا قول النبي ♥ كمـا يف «صحيح البخاري» وغيـره ‪:‬‬
‫ً‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫الع ْبـد ل َي َتكل ُـم ِبالك ِل َم ِـة ِم ْـن َسـخ ِط الل ِـه ال ُيل ِقـي ل َهـا َبال َي ْه ِـوي ِب َها ِفي َج َه َّن َـم ))[[[ ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬ويف ظـل وجـود مثـل هـذه اآلفـة وصـدور مثـل هـذه‬
‫ٍ‬
‫أنـاس هـم مـن بنـي جلدتنا ومـن أبناء‬ ‫ٍ‬
‫وألفـاظ تسـ َّطر مـن‬ ‫ٍ‬
‫كلمـات ُتكتـب‬ ‫األقاويـل يف‬
‫المسـلمين ويف ديـار المسـلمين تتأكـد المسـئولية ويعظـم الواجـب يف صيانـة األبنـاء‬
‫وحفـظ النـشء ‪ ،‬وقـد قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﱶ‬
‫[التحريـم‪. ]6:‬‬

‫خطـر عظيـم يداهـم أبنـاء المسـلمين مـن هنـا وهنـاك مـن‬


‫ٌ‬ ‫إنـه ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪-‬‬
‫فجـرت بلا ًء عظيمـا وشـر ًا مسـتطيرا ؛ يجلـس‬
‫خلال وسـائل انفتحـت علـى النـاس َّ‬
‫ٍ‬
‫بصيرة باالعتقاد‬ ‫ضعف يف العلم ٍ‬
‫وقلة يف الفهم وعدم‬ ‫ٍ‬ ‫الواحد من أبناء المسـلمين مع‬
‫يجلـس أمـام قنـوات فضائيـة مسـمومة ومواقـع يف الشـبكة العنكبوتيـة موبـوءة يسـمع‬
‫لهـذا ويقـرأ لـذاك ‪ ،‬ثـم مـع االسـتماع والقـراءة يحصـل مثل هـذا التمـرد واالنحالل ؛‬
‫ممـا يتطلـب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬منَّـا أجمعيـن أن نحرص على صيانة أنفسـنا وأبناءنـا وبناتنا‬
‫بتسـليحهم باالعتقـاد الصحيـح واإليمـان الراسـخ والصلـة العظيمـة بـاهلل ‪‬‬
‫نحذرهـم أشـد الحـذر مـن تلـك المواقـع وتلـك القنـوات التـي ُّ‬
‫تبـث السـموم‬ ‫‪ ،‬وأن ِّ‬
‫وتنشـر المجـون والكفـر واإللحـاد ‪ ،‬يجـب علينـا ‪-‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن نتقـي اهلل ‪‬‬
‫يف أنفسـنا وأهلينـا وأوالدنـا وأن نحـرص علـى رعايتهـم وصيانتهـم مـن تلـك اآلفات‬
‫العظيمـة والباليـا الجسـيمة ‪.‬‬

‫اللهـم يـا ربنـا ويـا خالقنـا وموالنـا سـ ِّلمنا يـا رب العالميـن ِّ‬
‫ونجنـا مـن هـذه الفتـن‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)6478‬‬
‫‪42‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫واحفـظ أبناءنـا وبناتنـا ‪ ،‬اللهـم احفـظ أبناءنـا وبناتنـا وجنِّبهـم الفتـن مـا ظهـر منها وما‬
‫بطـن ‪ ،‬اللهـم وأصلـح لنـا ن َّيــاتنا وذرياتنـا وال تكِلنـا إلى أنفسـنا طرفة عيـن‪ .‬أقول هذا‬
‫ذنب فاسـتغفروه يغفر لكم‬‫القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكم ولسـائر المسـلمين مـن كل ٍ‬
‫إنـه هـو الغفـور الرحيم ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مباركًا فيه ‪ ،‬وأشـهدُ أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه‬
‫لـه ‪ ،‬وأشـهدُ َّ‬
‫أجمعيـن ‪ .‬أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪.‬‬

‫يقـول اهلل سـبحانه ‪ :‬ﱷ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﱶ‬


‫[اإلسـراء‪. ]36:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬مـن تذكـر وقوفه بين يـدي اهلل َّ‬


‫وأن اهلل ‪ ‬سـائله يف ذلك اليوم‬
‫العظيـم عـن سـمعه وبصـره وفؤاده فإن هـذا التذكر ينفـع العبد نفعًا عظيمـا يف صيانة‬
‫كل مـا ُيسـخط اهلل ‪ ‬و ُيغضبـه ‪ ،‬فالسـمع والبصـر‬ ‫ِ‬
‫وإبعادهـا عـن ِّ‬ ‫هـذه الحـواس‬
‫وغيرهمـا مـن الحـواس لهـا آفـات ولهـا شـرور ‪ ،‬والسلامة مـن ذلـك بالفـزع إلـى اهلل‬
‫وحسـن اللجـوء إليـه سـبحانه ‪ ،‬وباألخـذ باألسـباب النافعـات التـي يكـون هبـا صيانـة‬
‫ُ‬
‫أمـر ُيغضـب اهلل ‪ ‬و ُيسـخطه ‪.‬‬ ‫هـذه الحـواس مـن كل ٍ‬
‫ين‬ ‫اء بالدِّ‬ ‫ه َ‬
‫ز‬ ‫االست ْ‬
‫ْ‬ ‫ط ُ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫خ َ‬
‫ِ‬
‫[[[‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫الشـاكرين ‪ ،‬أحمده ‪ --‬وأثني عليـه الخير ك َّله ‪ ،‬أحمده‬ ‫الحمـد هلل حمـد َّ‬
‫‪ - -‬بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل ‪ ،‬و ُأثنـي عليـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو كمـا‬
‫محمـدً ا‬ ‫أثنـى علـى نفسـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـٰـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن َّ‬
‫عبـده ورسـوله ص ّلـى اهلل وسـ ّلم عليـه وعلى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أ ّمـا بعـد أ ُّيهـا المؤمنـون ع َبـاد اهلل ‪ :‬ا ّتقـوا اهلل تعالى وراقبـوه ‪ ‬مراقبة من يعلم‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـا َء‬ ‫أن ر َّبـه يسـمعه ويـراه ‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬ ‫َّ‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفة عـذاب اهلل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثـواب اهلل ‪،‬‬

‫إن مـن أعظـم ما يجب على اإلنسـان رعايته وصيانته لسـانَه ؛ ّ‬


‫فإن‬ ‫أ ُّيهـا المؤمنـون ‪ّ :‬‬
‫الشـريعة‬ ‫ضـررا إذا لم يز َّمه العبد بزمام َّ‬
‫ً‬ ‫خطرا وأشـدّ ما يكون‬
‫اللسـان أعظـم مـا يكـون ً‬
‫َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ َّ ُ َ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ـاء كل َهـا تكف ُـر‬ ‫يعتـن بـه‪ ،‬و (( ِإذا أصبـح ابـن آدم ف ِـإن األعض‬ ‫الصيانـة ولـم‬
‫يـرع لـه ِّ‬
‫ولـم َ‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1431-1-8 /‬هـ‬


‫‪44‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ِّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ‬
‫ـول‪ :‬ات ِـق الل َـه ِف َينـا ف ِإن َمـا ن ْح ُن ِبك ‪ ،‬ف ِـإ ِن ْاس َـتق ْمت ْاس َـتق ْم َنا َو ِإ ِن ْاع َو َج ْجت‬ ‫اللسـان فتق‬
‫ْاع َو َج ْج َنا ))[[[ ‪.‬‬

‫ع َبـا َد اهلل ‪ :‬ومـن أعظم جرائم ال ِّلسـان وأفظعها وأشـدِّ ها وأشـنعها االسـتهزا ُء باهلل ‪،‬‬
‫بــالرسول‬
‫أو بشـيء من أسـمائه وصفاته ‪ ،‬أو بشـيء من آياته ‪ ، ‬أو االستــهزا ُء َّ‬
‫♥ ‪ ،‬أو بِـشــيء مِ َّـمــا َجــاء َعـنْــه ﷺ‪ ،‬أو االستهزا ُء بال َّثواب الذي أعدّ ه‬
‫اهلل للمطيعيـن ‪ ،‬أو بالعقـاب الـذي أعـدّ ه اهلل للكفـرة والعاصيـن ‪ ،‬فاالسـتهزاء بذلـك‬
‫العلـي العظيم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وكفر بـاهلل‬
‫اإلسلام ‪ٌ ،‬‬
‫ناقـض مـن نواقـض ْ‬
‫أو بشـيء منـه ٌ‬

‫كلمـات يسـيرة قـد تصدر من اإلنسـان ولو‬‫ٌ‬ ‫ع َبـا َد اهلل ‪َّ :‬‬
‫إن االسـتهزاء وهـي كلمـة أو‬
‫كان اله ًيـا الع ًبـا مريـدً ا تمضيـة الوقت يكون بذلـك هالكه يف دنياه و ُأخـراه ‪ ،‬وكم من‬
‫بـال أوبقت له دنيـاه و ُأخراه ‪.‬‬
‫كلمـة قالهـا المـرء ال ُيلقـي لها ً‬‫ٍ‬

‫قائـم علـى التَّعظيـم هلل ‪ ‬وتعظيـم شـرعه ‪ ،‬قائم‬


‫ع َبـا َد اهلل ‪ :‬اإلسلام ديـن اهلل ؛ ٌ‬
‫كل المصادمـة‪،‬‬ ‫علـى الموافقـة والطواعيـة واالمتثـال‪ ،‬واالسـتهزاء مصـاد ٌم لذلـك َّ‬
‫بشـيء فيـه ذكـر اهلل أو آياتـه أو رسـوله ♥ ليـس بمع ِّظ ٍ‬
‫ـم‬ ‫ٍ‬ ‫فالمسـتهزئ‬
‫رب‬
‫كفـر بـاهلل ِّ‬
‫فـإن االسـتهزاء بالدِّ يـن ٌ‬ ‫ٍ‬
‫موافـق وال ممتثـل ؛ ولهـٰـذا َّ‬ ‫هلل وال لشـرعه وال‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2407‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)351‬‬


‫قــال اإلمــام ابــن القيــم ‪« :$‬أخســر النــاس صفقــة مــن اشــتغل عــن اهلل بنفســه؛ بــل أخســر منــه مــن‬
‫اشــتغل عــن نفســه بالنــاس‪.‬‬
‫يف «الســنن» مــن حديــث أبــي ســعيد يرفعــه‪( :‬إذا أصبــح ابــن آدم فــإن األعضــاء كلهــا تكفــر اللســان تقــول‪:‬‬
‫اتــق اللــه فإنمــا نحــن بــك فــإن اســتقمت اســتقمنا وإن اعوججــت اعوججنــا) قولــه‪( :‬تكفــر اللســان)‬
‫قيــل‪ :‬معنــاه تخضــع لــه» «الفوائــد» (ص‪.)58‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪45‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫العالميـن‪.‬‬

‫الحسـنى أو صفـات اهلل العليـا أو‬


‫ع َبـا َد اهلل ‪ :‬فمـن اسـتهزأ بشـيء مـن أسـماء اهلل ُ‬
‫بشـيء من أفعال اهلل ‪ ‬العظيمة أو اسـتهزأ بشـيء من آيات اهلل ؛ كمن يسـتهزئ‬
‫بسـورة مـن سـور القـرآن أو بآيـة واحـدة مـن آيـات القـرآن الكريـم ‪ ،‬أو مـن يسـتهزئ‬
‫بالرسـول ♥ ‪ ،‬أو بشـيء مـن أوصافـه وأخالقه وشـمائله وآدابه وسـننه‪،‬‬
‫َّ‬
‫بالصلاة ‪ ،‬أو يسـتهزئ بالحـج أو‬
‫أو يسـتهزئ بشـيء ممـا جـاء بـه ؛ كمـن يسـتهزئ َّ‬
‫الصيـام ‪ ،‬أو يسـتهزئ بشـيء مـن أوامـر َّ‬
‫الشـريعة‪ ،‬أو يسـتهزئ بشـيء مما هنـى اهلل عنه‬ ‫ّ‬
‫الربـا ‪ ،‬أو يسـتهزئ‬
‫أو هنـى عنـه رسـوله ♥ ؛ كمـن يسـتهزئ بتحريـم ِّ‬
‫الزنـا ‪ ،‬أو يسـتهزئ بتحريـم شـرب الخمـر أو غيـر ذلـك ممـا هنـى اهلل عنه ‪ ،‬أو‬
‫بتحريـم ِّ‬
‫يسـتهزئ ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬بشـيء من ال ّثواب ؛ كأن يسـتهزئ بالجنة أو بشـيء من نعيمها‪،‬‬
‫أو يسـتهزئ بالنّـار أو بشـيء مـن عقاهبـا ‪ ،‬أو يسـتهزئ بشـيء مـن ثـواب األعمـال‬
‫االستهــزاء ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬كفر باهلل‬
‫ْ‬ ‫فكل ذلِــكم‬
‫الس ِّيـ َئــة ؛ ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصال َحــة وعقوبات األعمال ّ‬
‫ّ‬
‫وناقـض لإلسلام ‪ ،‬ودليـل ذلـك قـول اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ٌ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ [التوبة‪ ، ]66-65:‬وقول اهلل‬
‫‪ ‬يف هـٰـذه اآلية ‪ :‬ﱷ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﱶ أي ‪ :‬أن قائلي هـٰـذه المقالة َ‬
‫وأهل‬
‫هـٰـذا االسـتهزاء كفـروا بمقالتهـم هـٰـذه بعـد أن كانـوا مـن أهـل اإليمـان ؛ قـال‪ :‬ﱷ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗﱶ أي ‪ :‬هبـٰـذا االسـتهزاء ‪.‬‬

‫يب ِّيـن ذلـك مـا رواه ابـن جرير الطربي يف «تفسـيره» عن عبـد اهلل بن عمر ﭭ قال‪:‬‬
‫َ‬
‫تبـوك يف مجلـس‪ :‬مـا رأينـا مثـل ّقرائنـا هـؤالء أرغـب بطونًـا وال‬ ‫رجـل يف غـزوة‬ ‫قـال ٌ‬
‫كذبـت ولكنك‬
‫َ‬ ‫رجـل يف ذلـك المجلـس‪:‬‬ ‫أكـذب َأ ْل ُسـنًا وال أجبـ َن عنـد اللقـاء ؛ فقـال ٌ‬
‫‪46‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫خبرن رسـول اهلل ﷺ ‪ ،‬فذهـب ليخبر الرسـول ♥ فوجـد أن‬ ‫منافـق ‪ ،‬ألُ‬
‫النبـي ﷺ ‪ .‬فجـاء ذلـك الرجـل إلـى النبـي ♥‬
‫َّ‬ ‫القـرآن نـزل بذلـك علـى‬
‫معتـذرا ‪ ،‬قـال عبـد اهلل بـن عمـر ﭬ‪ :‬فأنـا رأيتـه متع ِّل ًقـا بح َقـب ناقـة رسـول اهلل ﷺ‬
‫وحقـب الناقـة هـو ‪ :‬السـ ْير الـذي ُيشـد بـه رحلهـا ‪ -‬قـال ابن عمـر‪ :‬فأنا رأيتـه متع ِّل ًقا‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ـب ‪ ،‬ورسـول اهلل ﷺ‬ ‫ـوض َو َن ْل َع ُ‬ ‫بح َقـب ناقـة رسـول اهلل ﷺ يقـول‪ :‬إِن ََّمـا ُكنَّـا ن ُ‬
‫َخ ُ‬
‫يقـول‪ :‬ﱷﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﱶ[التوبـة‪.[[[ ]66-65:‬‬

‫بالرسـول أو بدين اهلل أو بشـيء‬


‫أن االسـتهزاء باهلل أو ّ‬ ‫ّ‬
‫فـدل ذلكـم ‪-‬عبـا َد اهلل‪ -‬على ّ‬
‫ناقـل مـن م ّلـة‬
‫كفـر ٌ‬
‫مـن آيـات اهلل ‪ ‬أو شـرع اهلل أو عقابـه وثوابـه ؛ كل ذلكـم ٌ‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫بال ُتوبِ ُق دنياه و ُأخراه ‪.‬‬ ‫أال فليحذر ّ‬


‫كل مسلم من كلمة قد يقولها ال يلقي لها ً‬

‫ال َّل َّ‬


‫هم احفظنا باإلسلام قائمين ‪ ،‬واحفظنا باإلسلام قاعدين ‪ ،‬واحفظنا باإلسلام‬
‫راقديـن‪ .‬ال َّل َّ‬
‫هـم وثبتنـا علـى دينـك القويـم يـا ذا الجلال واإلكـرام‪ ،‬وأعذنـا من سـبيل‬
‫الضا ِّليـن‪ ،‬وطرائق المجرميـن المعتدين‪.‬‬
‫ّ‬

‫أقـول هـٰـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن ِّ‬
‫كل ذنـب‬
‫الرحيـم‪.‬‬
‫يغفـر لكـم إنّـه هـو الغفـور َّ‬
‫ْ‬ ‫فاسـتغفروه‬

‫[[[ انظر‪« :‬تفسير ابن جرير» (‪ ،)334/14‬و«تفسير ابن أبي حاتم» (‪.)1829/6‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪47‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـٰـه‬
‫محمدً ا عبدُ ه ورسـوله‪ ،‬ص ّلى اهلل وسـ ّلم عليه‬
‫أن ّ‬‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد ّ‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أ ّمـا بعـد ع َبـا َد اهلل ‪ :‬ا َّتقـوا اهلل ‪-‬تعالـى‪ -‬يف ِّ‬
‫الس ِّـر والعالنيـة والغيـب َّ‬
‫والشـهادة ‪،‬‬
‫محم ٍـد‬
‫الهـدى ُهــدى َّ‬‫أن أصـدق الحديـث كالم اهلل وخيـر ُ‬ ‫واعلمـوا ‪-‬رعاكـم اهلل‪ّ -‬‬
‫وكل ضاللـة‬‫وكل بدعـة ضاللـة ‪َّ ،‬‬
‫وكل محدثـة بدعـة ‪َّ ،‬‬
‫وشـر األمـور محدثاهتـا ‪َّ ،‬‬ ‫ﷺ‪َّ ،‬‬
‫يف النَّـار ‪ ،‬وعليكـم بالجما َعـة َّ‬
‫فـإن يـد اهلل علـى الجماعـة ‪.‬‬

‫وممـا نذكِّـر بـه صيـام يـوم عاشـوراء وصيـام يـو ٍم قبلـه ؛ موافقـ ًة للن ِّ‬
‫َّبـي‬ ‫ع َبـا َد اهلل ‪ّ :‬‬
‫وكسـ ًبا لثـواب ذلـك اليـوم العظيم ‪ ،‬ومخالفـ ًة لليهود بصيام يو ٍم قبلـه ؛ فصوموا‬ ‫ﷺ‪ْ ،‬‬
‫ــد‪ ،‬وقــد َقــال ♥ ‪:‬‬ ‫ــد وبعـد َغ ٍ‬
‫‪ -‬عبــاد اهلل ‪ -‬التَّــاسع والعاشـر ‪ ،‬يـوم َغ ٍ‬
‫َ‬
‫َّ َ ْ ُ َ ِّ َ َّ َ َّ َ َ‬ ‫َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ََْ ُ َ‬
‫الس َـنة ال ِتـي ق ْبل ُـه ))[[[ ‪.‬‬ ‫ـب َعلـى الل ِـه أن يكفـر‬ ‫((وصيـام يـو ِم عاشـوراء أحت ِس‬‫ِ‬
‫ال َّلهـم ِ‬
‫أعنَّـا أجمعيـن على ذكرك وشـكرك وحسـن عبادتك ‪ ،‬وأصلح لنا شـأننا ك َّله‬ ‫َّ‬
‫يـا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1162‬‬


‫ال ُ‬
‫غلُوِّ ِفي النَّب ّ‬ ‫ير من ْ‬ ‫ْ‬
‫يﷺ‬ ‫ذ ُ ِ‬‫التَّح ِ‬
‫[[[‬
‫ِ‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل من شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ‪ ،‬ب َّلغ‬
‫وأشـهد أن ال إله إال ُ‬
‫الرسـالة ‪ ،‬وأدى األمانـة ‪ ،‬ونصـح األمـة ‪ ،‬وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين‪،‬‬
‫شـرا إال َّ‬
‫حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه‬ ‫خيـرا إال َّ‬
‫دل األمـة عليـه ‪ ،‬وال ً‬ ‫فمـا تـرك ً‬
‫عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬
‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل ربكـم وراقبوه جل يف علاه مراقبة ٍ‬
‫عبد‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل‬ ‫يعلـم أن ربـه يسـمعه ويـراه ‪ .‬وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفة عـذاب اهلل ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪َّ :‬‬


‫إن ممـا جـاءت الشـريعة بذ ِّمـه والتحذيـر منـه وبيـان سـوء عاقبتـه‬
‫ومغ َّبتـه الغلـو يف الديـن ‪ ،‬قـال اهلل ‪ : ‬ﱷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1437-3-14 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪49‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﱶ [النسـاء‪ ، ]171:‬ولئـن كان الخطـاب يف‬
‫تحذيـرا لهـذه األمـة مـن أن يفعلـوا مثـل مـا فعـل‬ ‫ً‬ ‫اآليـة ألهـل الكتـاب إال أنـه يتضمـن‬
‫ُُْ‬ ‫َ ُ‬
‫((و ِإ َّياك ْـم َوالغل َّـو ِفـي‬ ‫أولئـك ‪ ،‬ولهـذا جـاء يف الحديـث الصحيـح أن نبينـا ﷺ قـال ‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ان َق ْب َل ُك ُـم ْال ُغ ُل ُِّ‬
‫يـن))[[[ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الد‬ ‫ـي‬ ‫ف‬ ‫ـو‬ ‫يـن ف ِإنمـا أهلـك مـن ك‬
‫الد ِ‬
‫ف نفـوس كثيـر مـن النـاس‬
‫تتشـو ُ‬
‫َّ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬وعندمـا تعظـم مكانـة العبـد ومنزلتـه‬
‫عـن ٍ‬
‫حـب فـارغ مـن العلـم إلـى الغلـو يف ذاتـه وشـخصه ؛ ولهـذا تكاثـرت األحاديـث‬
‫عـن نبينـا ♥ بالتحذيـر مـن الغلـو فيـه ﷺ وبيـان مـا يرتتـب علـى هـذا‬
‫وأضـرار عظيمـة ‪ ،‬وذلك أن نبينـا ♥ هو خير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أخطـار جسـيمة‬ ‫الغلـو مـن‬
‫الـورى وسـيد ولـد آدم ف ُيخشـى علـى النـاس أن يقعـوا يف ٍ‬
‫غلـو فيـه ♥‬
‫أكثـر مـن الخشـية عليهـم يف أي شـخص آخـر ؛ لعظيـم مكانتـه ورفيع منزلتـه صلوات‬
‫اهلل وسلامه عليـه ‪.‬‬

‫جـاء يف «صحيـح البخـاري» عـن عبـد اهلل بـن عبـاس ﭭ قـال ‪ :‬سـمعت عمـر بن‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫الخطـاب ﭬ يقـول علـى المنبر ‪ :‬سـمعت رسـول اهلل ﷺ يقـول ((ال ت ْط ُر ِونـي ك َمـا‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ ُ َُ ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َأ ْط َـر ْت َّ‬
‫ـارى ْاب َـن َم ْر َي َـم‪ ،‬ف ِإن َمـا أنـا َع ْبـده‪ ،‬فقولـوا َع ْبد الل ِـه َو َر ُسـول ُه))[[[ ‪.‬‬
‫الن َص َ‬

‫وأخبر ♥ كمـا يف «الصحيحيـن» أن األمـة سـيقع فيهـا مـن يتَّبـع‬


‫األمـم السـابقة يف الغلـو يف الديـن ؛ فعـن أبي سـعيد الخـدري ﭬ أن النبـي ﷺ قال‪:‬‬
‫((ل َت َّتب ُع َّـن َس َـن َن َم ْـن َق ْب َل ُك ْـم ِش ْـب ًرا ب ِش ْـبر َو ِذ َر ًاعـا ب ِـذ َر ٍاع‪َ ،‬ح َّتـى َل ْـو َس َـل ُكوا ُج ْح َـر َض ٍّ‬
‫ـب‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫[[[ رواه النســائي (‪ ،)3057‬وابــن ماجــه (‪ ،)3029‬وصححــه األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة»‬
‫(‪.)2144‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)3445‬‬
‫‪50‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َّ َ ُ َ‬
‫ـود َو َّ‬
‫ـال‪(( :‬ف َم ْـن؟))[[[‪ ،‬أي فمـن‬
‫ـارى؟)) َق َ‬ ‫الن َص َ‬ ‫لسـلكتموه))‪ ،‬قلنَـا ((يـا رسـول الل ِـه اليه‬
‫القـوم غيـر هـؤالء!!‬

‫َّ‬
‫فحـذر‬ ‫ناصحـا أمينـا‬
‫ً‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬ولقـد كان نبينـا ♥‬
‫األمـة أشـد التحذيـر مـن الغلـو فيـه ♥ ‪ ،‬وقـد تكاثـرت عنـه األحاديـث‬
‫يف ذلـك ؛ والسـيما عنـد سـماعه ﷺ كال ًما فيه شـيء من الغلـو فيه ♥ ‪.‬‬

‫ـت َد َخ َـل َع َل َّـي النَّبِ ُّـي ‪-‬‬ ‫ْـت ُم َع ِّـو ٍذ َقا َل ْ‬


‫ـن الربيـ ِع بِن ِ‬
‫جـاء يف «صحيـح البخـاري» َع ِ ُّ َ ِّ‬
‫ـك مِنِّـي ‪َ ،‬و ُج َو ْي ِر َي ٌ‬
‫ـات َي ْض ِر ْبـ َن‬ ‫اشـي ك ََم ْجلِ ِس َ‬ ‫ﷺ ‪َ -‬غـدَ ا َة بنِـي َع َلـي ‪َ ،‬فج َلـس َع َلـى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ـم َما فِي‬ ‫ِ‬ ‫ـت َج ِ‬
‫ار َيـ ٌة َوفينَا َنبِ ٌّي َي ْع َل ُ‬ ‫ف‪َ ،‬ينْدُ ْبـ َن َمـ ْن ُقتِ َـل مِـ ْن آ َبائِ ِهـ َّن َي ْو َم َبـدْ ٍر َحتَّى َقا َل ْ‬
‫بِالـدُّ ِّ‬
‫َغ ٍد ‪.‬‬
‫((ال َت ُقولي َه َك َذا ‪َ ،‬و ُقولي َما ُك ْنت َت ُقول َ‬
‫ين)) [[[‪.‬‬
‫َ‬
‫َف َق َال النَّبِ ُّي ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َُ ُ ُ‬
‫ورواه ابن ماجة ولفظه ‪(( :‬أ َّما هذا فال تقولوه ‪َ ،‬ما َي ْعل ُم َما ِفي غ ٍد ِإال الل ُه))[[[ ‪.‬‬

‫ـاس َأ َّن َر ُج ًلا َق َ‬


‫ـال‪َ :‬يـا‬ ‫ـن ا ْب ِ‬
‫ـن َع َّب ٍ‬ ‫وجـاء يف «مسـند اإلمـام أحمـد» بسـند ثابـت‪َ ،‬ع ِ‬
‫َُ‬ ‫َّ َ ْ ً َ ْ َ َ َ َّ‬
‫ـاء الل ُه َو ْحـده)) [[[‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫((ج َعل َت ِنـي ِلل ِـه عدل بل ما ش‬ ‫اهَّلل َو ِشـ ْئ َت‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ـال‪:‬‬ ‫ـول اهَّلل َمـا َشـا َء ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬
‫«يا ُم َح َّمد َيا َس ِّـيدنا‬
‫رجل قال ‪َ :‬‬
‫وروى اإلمـام أحمـد عـن أنـس بن مالـك ﭬ أن ً‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3456‬ومسلم (‪.)2669‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)4001‬‬
‫[[[ رواه ابن ماجه (‪ ،)1897‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)1539‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)2561‬والبيهقــي يف «ســننه» (‪ ،)6022‬وصححــه األلبــاين يف‬
‫«السلســة الصحيحــة» (‪.)139‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬ ‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪51‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ َ ُ‬ ‫َو ْاب َـن َس ِّـي ِد َنا َو َخ ْي َر َنـا َو ْاب َـن َخ ْير َنـا» ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اس َعل ْيك ْـم ِب َتق َواك ْم‬ ‫ـال النبـي ﷺ‪(( :‬يا أيهـا الن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َول َي ْس َـت ْه ِو َي َّنك ْم الش ْـي َطان ؛ أنـا ُم َح َّمـد ْب ُـن ع ْب ِـد الل ِه ‪ ،‬ع ْبـد الل ِه َو َر ُسـوله ‪َ ،‬والل ِه َما أ ِح ُّب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْن َت ْر َف ُ‬
‫ونـي ف ْـو َق َم ْن ِزل ِتي ال ِتـي أن َزل ِني الل ُه ‪.[[[))‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬

‫وجـاء يف «المسـند» مـن حديـث األسـود بـن سـريع ﭬ أن النبـي ﷺ ُأيت بأسـير‬
‫ْ‬ ‫فقـال ‪« :‬ال َّلهـم إِنِّـي َأ ُتـوب إِ َلي َك و َل َأ ُتـوب إِ َلى محم ٍد» َف َق َال النَّبِـي ﷺ‪َ :‬‬
‫((ع َر َف ال َح َّق‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫َْ‬
‫ِله ِل ِه))[[[ ‪.‬‬
‫وجـاء يف «الصحيحيـن» عـن ابـن عبـاس وعائشـة ﭬم قـاال ‪َ « :‬لمـا ن ََـز َل بِرس ِ‬
‫ـول‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫َـم بِ َها ك ََشـ َف َها َعـ ْن َو ْج ِه ِـه‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصـ ًة َلـ ُه َع َلـى َو ْج ِهـه َفـإِ َذا ا ْغت َّ‬
‫اهَّلل ﷺ َطف َـق َي ْط َـر ُح َخم َ‬
‫َو ُه َـو ك ََذل ِ َ‬
‫َ َّ َ َ َّ َ ُ ُ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫الي ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ َ َ‬
‫ـاجد))‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ـم‬ ‫ه‬ ‫ائ‬
‫ِ ِ‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ـور‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫وا‬‫ـذ‬ ‫خ‬ ‫ات‬ ‫ى‪،‬‬ ‫ـار‬ ‫ص‬ ‫الن‬ ‫و‬ ‫ـود‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ـى‬ ‫ل‬ ‫ـك ‪(( :‬لعنـة الل ِـه ع‬
‫ُي َح ِّـذ ُر َمـا َصنَ ُعـوا»[[[ ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬واألحاديـث يف هـذا البـاب عـن نبينـا ♥‬


‫ونصحـا للعبـاد ‪ ،‬وصيانـ ًة لالعتقـاد ‪ ،‬وسـدً ا للذرائـع‬
‫ً‬ ‫تحذيـرا لألمـة‪،‬‬
‫ً‬ ‫كثيـرة عديـدة ؛‬
‫المفضيـة إلـى الشـرك بـاهلل ‪ ، ‬فوجـب علـى كل مسـلم أن يكـون شـديد الحـذر‬
‫مـن الغلـو يف الديـن ‪ ،‬وأن يحـذر مـن الغلـو يف النبـي الكريـم ♥ ‪ ،‬وال‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)12551‬والبيهقــي يف دالئــل النبــوة (‪ ،)2255‬وصححــه األلبــاين‬


‫يف «السلســلة الصحيحة» (‪.)1097‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)15587‬والحاكــم يف «مســتدركه» (‪ ،)7654‬والطــراين يف‬
‫«المعجــم الكبيــر» (‪ ،)839‬والبيهقــي يف «شــعب اإليمــان» (‪ ،)4425‬وضعفــه األلبــاين يف‬
‫«ضعيــف الجامــع» (‪.)3704‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3453‬ومسلم (‪.)531‬‬
‫‪52‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يغتر بالدعـاوى الزائفـة التـي ُت ِّ‬
‫مـرر علـى الجهـال الغلـو يف النبـي ﷺ علـى أن ذلـك‬
‫مـن التعظيـم لـه والتحقيـق لمحبتـه ♥ ‪ ،‬وحاشـا أن يكـون مـن محبتـه‬
‫♥ أن ُيرفـع فـوق منزلتـه التـي أنزلـه اهلل ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬ومن ابتُلوا باالحتفاالت البدعيـة كاالحتفال بمولد النبي‬
‫يسـلم كثيـر مـن هـؤالء من قصائد ينشـدوهنا يف ليلـة المولد وغيره‬
‫♥ ال ْ‬
‫مـن ليالـي االحتفـاالت التـي توصف بأهنـا دينيـة والحقيقة أهنـا بدعية؛ فينشـدون فيها‬
‫مـن القصائـد القائمة على الغلو يف شـخصه ♥ ‪.‬‬

‫فنسـأل اهلل عـز وجبـل أن يعمـر قلوبنـا أجمعيـن بالمحبـة الصادقـة للنبـي الكريـم‬
‫♥ ‪ ،‬وأن يعيذنـا مـن الغلـو يف الديـن ‪ ،‬وأن يهدينا إليه صرا ًطا مسـتقيما ‪،‬‬
‫وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا‬
‫ونعـم الوكيل ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل كثيـرا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا‬
‫عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليه وعلى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد أيها المؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬
‫َّ َ ُ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬ثبـت يف «مسـند اإلمـام أحمد» وغيره أن النبي ﷺ قال ‪ « :‬الش َـهادة َس ْـب ٌع‬
‫ُ َ ْ‬ ‫َّ ْ َ ْ ُ ُ َ ٌ َ ْ َ ُ َ ٌ‬ ‫س َـوى ْال َق ْ‬
‫ات ال َج ْن ِب‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ـب‬ ‫اح‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫‪،‬‬‫يد‬ ‫ـه‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ق‬ ‫ـر‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫يد‬ ‫ـه‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ـون‬ ‫ع‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬‫ـه‬ ‫الل‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫يل‬ ‫ـب‬‫س‬‫َ‬ ‫ـي‬‫ف‬ ‫ـل‬
‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌ َ َُْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ‬
‫يق ش ِـهيد‪َ ،‬وال ِذي َي ُموت ت ْحت ال َهد ِم ش ِـهيد‪،‬‬ ‫ِ ِ‬‫ر‬ ‫اح ُب ال َ‬
‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫يد‪َ ،‬و َ‬ ‫ش ِـهيد‪ ،‬والمبطون ش ِـه‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬ ‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪53‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ٌ‬ ‫ـب ْال َ‬ ‫يد »[[[‪ ،‬فقولـه ﷺ ‪َ « :‬و َ‬‫َ ْ َ ْ َُ َ ُ ُ ُ ْ َ ٌ‬
‫يـق ش ِـهيد » أي مـن‬ ‫ر‬
‫ِ ِ‬ ‫ح‬ ‫اح ُ‬
‫ِ‬ ‫ص‬ ‫والمـرأة تمـوت ِبجم ٍـع ش ِـه‬
‫مـات حرقا ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مصـاب ج َلـل‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬ويف هـذا المقـام نذكـر إخوانًـا لنـا يف‬
‫ٍ‬
‫وحـادث مؤلـم ؛ أال وهـو حـادث حريـق مستشـفى جيـزان العـام ‪ ،‬وقـد راح فيـه عـدد‬
‫مـن الوفايـات وكثيـر مـن المصابيـن ‪ ،‬فنسـأل اهلل ‪ ‬أن يتقبـل الموتـى شـهداء يف‬
‫سـبيله ‪ ،‬وأن يجيرنـا وأهليهـم والمسـلمين يف مصابنـا ‪ ،‬وأن يشـفي المصابيـن بمنِّـه‬
‫وكرمـه ‪ ،‬وأن يمـن علينـا أجمعيـن باألمـن واإليمـان والعافية والسلامة إنه ‪‬‬
‫جـواد كريـم ‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)23753‬وأبــو داود (‪ ،)3111‬والنســائي (‪ ،)1846‬وابــن ماجــه‬


‫(‪ ،)2803‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الجامع» (‪.)3739‬‬
‫[[[‬
‫من مظاهر الجفاء في حق النبيﷺ‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ؛ مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله ؛ ب ّلغ‬
‫الرسـالة وأدى األمانـة ونصـح األمـة وجاهـد يف اهلل حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن ‪،‬‬
‫فمـا تـرك خيـر ًا إال دل األمـة عليـه ‪ ،‬وال شـر ًا إال حذرهـا منـه ‪ ،‬فـكان ♥‬
‫رسـو ً‬
‫ال أمينـا ‪ ،‬وناصحـا مشـفقا ‪ ،‬ومربيـا كريمـا ﱷ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚﱶ [التوبـة‪ ]128:‬فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪،‬‬
‫أمـا بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبوه ‪ -‬سـبحانه ‪ -‬مراقبة من يعلم أن‬
‫ربه يسـمعه ويراه ‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432-2-24 /‬هـ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪55‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬روى اإلمـام البخـاري يف كتابـه «الصحيـح» عـن جابر بـن عبد اهلل‬
‫َ‬ ‫ان َّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫الن ِب ُّـي ﷺ ِإذا‬ ‫وع ِمـن نخ ٍـل فـك‬ ‫‪ -‬ﭭ ‪ -‬قـال ‪(( :‬كان ال َم ْس ِـجد َم ْسـقوفا َعلـى ُجـذ ٍ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َُ ُ َ‬
‫ـوم ِإلـى ِجـذ ٍع ِم ْن َهـا ‪ ،‬فل َّمـا ُص ِن َع ل ُـه ال ِم ْن َب ُـر َوكان َعل ْي ِه ‪ -‬صلوات الله وسلامه‬ ‫خطـب يق‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ـك ْالج ْـذ ِع َص ْو ًتـا َك َص ْـوت ْالع َشـار َح َّتـى َج َ‬
‫ـاء َّ‬
‫الن ِب ُّي ﷺ ف َوض َـع َيده‬
‫َ َ َْ َ َ‬
‫عليـه‪ -‬فس ِـمعنا ِلذ ِل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫َعل ْي َها ف َسـك َنت ))[[[ ‪.‬‬

‫تأمـل أيهـا المؤمـن ‪ -‬رعـاك اهلل ‪ -‬هـذا الحديـث العظيـم الـذي يحـرك القلـوب‬
‫ِ‬
‫المعرضـة مب ِّينـا المكانـ َة العظمـى والمنزلـ َة العاليـة لهـذا الرسـول‬ ‫الغافلـة والنفـوس‬
‫نخلـة كان يقـوم إليـه النبي ♥‬ ‫ٍ‬ ‫الكريـم ♥ ؛ حتـى إن جـذع‬
‫الجـذع حدي َثـه ﷺ ‪ ،‬فلمـا ابتعـد ﷺ عـن ذلـك الجـذع وأخـذ يخطـب‬
‫ُ‬ ‫فيسـمع ذلـك‬
‫صـوت كصـوت العشـار ‪ ،‬والعشـار هـي‬ ‫ٌ‬ ‫علـى المنبر حـ ّن ذلـك الجـذع وصـار لـه‬
‫َّ ِّ [[[‬ ‫((ج َع َل ْت َتئ ُّن َأن َ‬
‫يـن الص ِبي))‬ ‫النـوق الحوامـل ‪ ،‬وجـاء يف بعـض األحاديث أن الجـذع َ‬
‫ِ ِ‬
‫نخلـة يحـن إلـى أحاديـث رسـول اهلل ﷺ فكيـف عبـاد اهلل باإلنسـان المؤمن ؟!‬ ‫ٍ‬ ‫جـذع‬
‫ُ‬

‫كان الحسـن البصـري ‪ -‬رحمـه اهلل تعالـى وهـو مـن أئمـة التابعيـن ‪ -‬إذا حـدّ ث‬
‫هبـذا الحديـث بكـى ثـم قـال ‪« : $‬فأنتـم أحـق أن تشـتاقوا إلـى رسـول اهلل ﷺ مـن‬
‫الجـذع»[[[‪.‬‬

‫أحـق أن تشـتاقوا إليـه ‪ ،‬إن مـن عـرف سـيرة هـذا النبـي‬


‫نعـم أيهـا المؤمنـون أنتـم ُ‬
‫وخصائصـ ُه الكريمـة ‪ ،‬وشـمائ َل ُه الفاضلـة ‪ ،‬ومكانتَـ ُه‬
‫َ‬ ‫‪ -♥-‬العطـرة ‪،‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)3585‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)2095‬‬
‫[[[ ذكره اإلمام ابن كثير ‪ $‬يف «تفسيره» (‪ ،)79/8‬وانظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)570/4‬‬
‫‪56‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫العليـة ‪ ،‬ومنزلتَـه الرفي َعـة ؛ البـد أن يشـتاق إليـه ‪ ،‬البـد أن يشـتاق إلـى أحاديثـه‬
‫ـغل النـاس عـن هـذه السـيرة العطـرة‬ ‫♥ ؛ ولكـن يـا عبـاد اهلل عندمـا ُش ِ‬

‫صور مـن الجفاء يف‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بأمـور وأمـور بـرزت يف أوسـاطهم‬ ‫والشـمائل الكريمـة وانشـغلوا‬
‫حـق هـذا النبـي الكريـم ♥ ‪ ،‬وما كان ينبغي لمؤمن أن يكون على شـيء‬
‫ِ‬
‫عبـاد اهلل صلـوات اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وخيـر‬ ‫مـن الجفـاء تجـاه سـيد ِ‬
‫ولـد آدم‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وهـذه وقفـة يف ذكـر شـيء مـن صـور الجفـاء يف حـق هـذا النبـي‬
‫الكريـم ♥ التـي ظهـرت وبـرزت يف بعض النـاس تحذير ًا منهـا وتذكير ًا‬
‫بمقـام نبينـا ‪-‬الكريـم ♥‪ -‬وبمـا يجـب علينـا أمـة اإلسلام تجاهـه‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪:‬‬

‫ضعـف محبتِـه ﷺ يف القلـوب ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فمـن مظاهـر الجفـاء وصـوره أيهـا المؤمنـون ‪:‬‬
‫وملـذات فانيـة علـى محبتِـه ﷺ ‪ ،‬وقـد ثبـت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأهـواء زائلـة‬ ‫ِ‬
‫محبـة دنيـا زائفـة‬ ‫وتقديـم‬
‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬
‫((وال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِه ال ُيؤ ِم ُـن‬ ‫يف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال ‪:‬‬
‫النـاس َأ ْج َم ِع َ‬
‫يـن))[[[ ‪.‬‬ ‫ـب إ َل ْيـه م ْـن َوالـده َو َو َلـده َو َّ‬
‫َّ‬ ‫ـون َأ َ‬
‫ح‬
‫َ َ ُ ُ ْ َ َّ َ ُ َ‬
‫أحدكـم حتـى أك‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُ َ َ‬
‫‪((:‬ح َّتى أكون أ َح َّب ِإل ْيك ِم ْن نف ِسك))[[[‪.‬‬ ‫وجاء يف «صحيح البخاري»‬

‫ولمعرفـة هـذا الضعـف يمتحـن المـرء نفسـه يف ضـوء قـول اهلل ‪: ‬‬
‫ﱷﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﱶ[آل‬
‫عمـران‪. ]31:‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪.)44‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)6632‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪57‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومحجتِه البيضاء‬
‫َ‬ ‫اإلعراض عن سـنته الغـراء‬
‫ُ‬ ‫ومـن مظاهـر الجفـاء أيها المؤمنون ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ونحو‬ ‫ٍ‬
‫وأهواء‬ ‫ٍ‬
‫بـآراء‬ ‫ٍ‬
‫بانشـغال‬ ‫واالنصراف عن ذلك‬
‫ُ‬ ‫وهديـه القويـم ♥ ‪،‬‬
‫أمـور صرفـت النـاس عـن سـنة النبـي ‪-‬الكريـم ♥‪ -‬وهديـه‬ ‫ٍ‬ ‫ذلـك مـن‬
‫القويم ‪.‬‬

‫ومـن ذلكـم أيهـا المؤمنون ‪ :‬عـدم تعظيم أحاديث رسـول اهلل ﷺ ‪ ،‬فتلقى أحادي ُثه‬
‫ﷺ المنِي َفـة وكلما ُتـه الشـري َفة يف بعـض المجالـس فلا يكـون لهـا هيبـة ‪ ،‬وال ُيرفـع‬
‫عـرف لهـا مكانـة‪ ،‬بـل إهنـا تمـر كأحاديـث غيـره ♥ ‪،‬‬ ‫لهـا رأس ‪ ،‬وال ُت َ‬
‫بـل و ُيعترض عليهـا بــ «لِـم ولكـن وكيـف ‪ « ..‬ونحـو ذلِكـم مـن االعرتاضـات ‪ ،‬فأين‬
‫التعظيـم لهـذا الرسـول الكريـم ♥ ؟! وأيـن المعرفـة بقـدره ﷺ ؟! إذا‬
‫كان حديثـه ﷺ يكـون شـأنه عنـد النـاس كأحاديـث غيره صلـوات اهلل وسلامه عليه‪،‬‬
‫وقـد قـال اهلل تعالـى ‪:‬ﱷ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱶ[النجـم] ‪.‬‬
‫ِ‬
‫وأخباره‬ ‫قراءة سـيرتِه المباركة‬
‫ِ‬ ‫ومـن صـور الجفـاء أيها المؤمنـون ‪ :‬االنصراف عن‬
‫ٍ‬
‫سـيرة‬ ‫الشـريفة المجيـدة ♥ فـإن سـيرته ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬هـي أزكـى‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫العبـاد سـريرة ؛ إهنـا سـير ُة سـيد ولـد آدم ﷺ ‪ ،‬فترى‬ ‫علـى اإلطلاق ألفضـ ِل وأكمـ ِل‬
‫منشـغل بقـراءة سـ َي ِر‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العطـرة‬ ‫ِ‬
‫المجيـدة‬ ‫ِ‬
‫السـيرة‬ ‫معـرض عـن هـذه‬ ‫يف النـاس مـن هـو ِ‬
‫ِ‬
‫قراءة سـير أقوام ال خالق‬ ‫ِ‬
‫األمـة ورقيهـا ‪ ،‬بل ويف‬ ‫وزن يف ِ‬
‫عـز‬ ‫تافهيـن ال قيمـ َة لهـم وال َ‬
‫لهـم عنـد اهلل ‪ ، ‬فتمضـي أوقـات و ُتزهـق سـاعات يف قـراءة سـ َي ٍر ال قيمـة لهـا‬
‫سـيرة سـيد ولـد آدم ♥ ‪ ،‬والشـك ‪-‬أيهـا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإعـراض عـن‬ ‫ٍ‬
‫غفلـة تامـة‬ ‫مـع‬
‫ِ‬
‫الجفـاء يف حقـه وعـد ِم المعرفـة بقـدره ومكانتـه صلـوات اهلل‬ ‫المؤمنـون‪ -‬أن هـذا مـن‬
‫وسلامه وبركاتـه عليه ‪.‬‬
‫‪58‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشـنيعة ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬اإلقبـال علـى البـد ِع المحدثات‬ ‫ِ‬ ‫ومـن مظاهـر الجفـاء‬
‫ٍ‬
‫إعراض‬ ‫ُ‬
‫واالسـتدالل لها ؛ يف مقابـ ِل‬ ‫والـذب عنهـا‬ ‫وتعظيمهـا‬ ‫واألهـواء المخرتعـات‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عمـا جـاء عـن الرسـول الكريـم ♥ ‪ ،‬وقـد صـح الحديـث عنـه ﷺ أنـه‬
‫َ‬ ‫ًَ‬
‫ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه‬ ‫ـب َع ْـن ُس َّـن ِتي َف َل ْي َـس ِم ِّنـي))[[[ ‪ ،‬وقـال ‪َ ((:‬م ْـن َع ِم َ‬ ‫فم ْـن َرغِ َ‬ ‫قـال ‪َ ((:‬‬
‫ٌّ‬ ‫َ َ َ‬
‫أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[ ‪ ،‬وكان إذا خطـب النـاس يـوم الجمعـة يقـول ♥ ‪((:‬‬
‫َ ُ َّ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ َّ ْ ُ‬
‫ال ُ‬ ‫َأ َّمـا َب ْع ُـد َفـإ َّن َأ ْص َـد َق ْال َ‬
‫ور‬ ‫م‬ ‫ـر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫د‬‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ـد‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ـل‬‫ض‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ِ ِ‬ ‫ـه‬ ‫الل‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫يـث‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫ُم ْحدثات َهـا‪َ ،‬وك َّل ِبد َع ٍـة ضللـة ))[[[‪.‬‬
‫ِ‬
‫الجفـاء ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬يف حـق النبـي الكريـم ♥ ‪:‬‬ ‫ومـن صـور‬
‫عـدم العنايـة بالصالة والسلام عليه ﷺ والسـيما عند ذكـره ﷺ ‪ ،‬وقد صح الحديث‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫عنـه يف «مسـند اإلمـام أحمـد» وغيـره أنـه ♥ قـال ‪(( :‬ال َب ِخيـل َم ْـن ذ ِك ْرت‬
‫ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ ِّ َ‬
‫ـل َعل َّي))[[[‪.‬‬‫ِعنـده فلـم يص‬

‫اللهـم ِّ‬
‫صـل علـى محمـد وعلـى آل محمـد كمـا صليـت علـى إبراهيـم وعلـى آل‬
‫إبراهيـم إنـك حميـد مجيـد ‪ ،‬وبـارك علـى محمـد وعلـى آل محمـد كمـا باركـت على‬
‫إبراهيـم وعلـى آل إبراهيـم إنـك حميـد مجيـد ‪.‬‬
‫وكفـى يف هـذا البـاب ِ‬
‫قـول ربِنـا َ‬
‫جـل شـأنُه ‪:‬ﱷ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)5063‬ومسلم (‪.)1401‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)1763‬والرتمــذي (‪ ،)3546‬وابــن حبــان يف «صحيحــه»‬
‫(‪ ،)909‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب» (‪.)1683‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪59‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱶ [األحـزاب‪ ]56:‬صلـوات اهلل‬
‫وسلامه عليـه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ومـن صور الجفاء يف حـق نبينا الكريم صلوات اهلل وسلامه عليه ‪:‬‬
‫حم َل ِة‬
‫قـاص مقـا ُم أصحابـه الكـرام ‪ ،‬وتابعيهم بإحسـان ‪ ،‬وأئمـة الحق والهدى مـن َ‬
‫ِ‬
‫انت ُ‬
‫السـنة وأنصـار ديـن اهلل ‪ ‬؛ فـإن االنتقـاص ألقـدار هـؤالء مـن الجفـاء يف حق‬
‫النبـي الكريم ♥ ‪.‬‬

‫لنتقـي اهلل ربنـا ‪ ،‬ولنعظـم نبينـا ♥ التعظيـم الالئق‬ ‫أال أيهـا المؤمنـون ِ‬

‫المني َف ِـة صلـوات اهلل وسلامه عليه ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بمقامـه الشـريف ومكانتـه ُ‬

‫هذا وإنا لنسأل اهلل ‪ --‬أن يعمر قلوبنا أجمعين بمحبة نبينا ♥‪،‬‬
‫ِ‬
‫وصوره العديدة‬ ‫وبمعرفـة قـدره ومقامـه ﷺ ‪ ،‬وأن يعيذنـا أجمعين من مظاهر الجفـاء‬
‫ِ‬
‫سـديد األقـوال وصالـحِ األعمـال ‪ .‬أقـول‬ ‫‪ ،‬اللهـم وفقنـا إلهنـا لمـا تحبـه وترضـاه مـن‬
‫هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنب فاسـتغفروه يغفر‬
‫لكـم إنـه هو الغفـور الرحيم ‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـدُ ه ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪ ..‬أمـا‬
‫بعد ‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة مراقبـة مـن‬
‫يعلـم أن ربـه يسـم ُعه ويـراه ‪ ،‬وأكثـروا ‪-‬أيهـا المؤمنـون‪ -‬مـن الصلاة والسلام علـى‬
‫رسـول اهلل ‪-‬صلـوات اهلل وسلامه عليـه‪ -‬والسـيما يف هـذا اليـوم المبـارك الـذي جاء‬
‫عنـه ﷺ األمـر باإلكثـار مـن الصلاة والسلام عليـه فيـه ؛ ولهـذا كان اإلمـام الشـافعي‬
‫الص َل ِة على النبـي ﷺ يف كل َح ٍ‬
‫ال وأنا يف‬ ‫ـب َك ْث َـر َة َّ‬
‫ِ‬
‫«و ُأح ُّ‬ ‫‪-‬رحمـه اهلل تعالـى‪ -‬يقـول ‪َ :‬‬
‫اسـتِ ْح َبا ًبا»[[[‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْـو ِم ا ْل ُج ُم َعـة َو َل ْي َلت َها َأ َشـدُّ ْ‬

‫[[[ «األم» (‪.)208/1‬‬


‫[[[‬
‫التحذير من الغلو في الدِّين‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‬
‫وصفييـه وخليلـه وأمينـه علـى وحيه ومبلغ الناس شـرعه؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه‬
‫وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالى ؛ فـإن تقوى‬
‫السـعادة وسـبيل الفـوز والفلاح يف الدنيـا واآلخرة ‪.‬‬
‫اهلل ‪ ‬هـي أسـاس ّ‬

‫وتعوذوا بـاهلل من همزاته‬


‫عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى واحـذروا مـن الشـيطان وكيده ّ‬
‫ووساوسـه ‪ ،‬واعلمـوا أن الشـيطان لكـم عـدو فاتخـذوه عـدوا ‪ ،‬واعلموا أن الشـيطان‬
‫السـعير ‪ ،‬وقـد أمرنـا اهلل ‪ ‬بالتعـوذ مـن هـذا‬
‫يدعـو حزبـه ليكونـوا مـن أصحـاب ّ‬
‫العـدو وااللتجـاء إلـى اهلل ‪ ‬واالعتصام به منه ‪ ،‬يقول اهلل تعالى ‪ :‬ﱷ ﮩ ﮪ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1424-4-27 /‬هـ‬
‫‪62‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﱶ [فصلـت‪ ، ]٣٦:‬ويقـول ‪ : ‬ﱷ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﱶ [سـورة‬
‫الناس]‪ ،‬ويقول تعالى ‪ :‬ﱷ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﱶ [المؤمنـون] ‪ ،‬ويقـول تعالـى‪ :‬ﱷ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﱶ [اإلسـراء‪ ]٥٣:‬واآليـات يف هـا المعنـى كثيـرة ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬والشـيطان لـه مدخلان[[[ علـى اإلنسـان ينفـذ مـن خاللهما علـى المرء‬
‫السـبيل السـوية‬
‫المسـلم ليصـدّ ه عـن ديـن اهلل وليغويـه عـن طاعـة اهلل وليصرفـه عـن ّ‬
‫والطريقـة المرضيـة ؛ وهمـا ‪ :‬مدخـل الشـبهات ‪ ،‬ومدخـل الشـهوات ‪.‬‬

‫‪ -‬أما مدخل الشـهوات عباد اهلل ‪ :‬فإن الشـيطان إذا رأى يف المسـلم ميالً للمعاصي‬
‫وجملها عنده ليكون متبعًا لشـهواته راكضًا‬
‫ونمقها يف نفسـه ّ‬
‫وحبـا لهـا ز َّينهـا يف عينه َّ‬
‫وراء ملذاتـه منصرفًا عن دينه وطاعة ربه سـبحانه ‪.‬‬

‫‪ -‬وأما المدخل الثاين عباد اهلل ‪ :‬فهو مدخل الشبهات ويدخل منه الشيطان إذا رأى‬
‫يف اإلنسـان تمسـكًا بالديـن وحرصـا على طاعـة رب العالميـن و ُبعد ًا عن الشـهوات‬
‫ّ‬
‫والملـذات ‪ ،‬فـإذا وجـد المـرء المسـلم هبـذه الصفـة فإنـه يدخـل عليه من‬ ‫والمعاصـي‬
‫طريـق الشـبهة فيصـل بـه إلى الغلو يف الديـن وإلى التطرف والتشـدد والمغاالة يف دين‬
‫حسـبما أ َمر ؛‬
‫اهلل ليخـرج مـن ديـن اهلل ومـن الطريـق السـوية ومن طاعـة اهلل ‪ْ ‬‬
‫فيزيـن الشـبهات ويأخـذ باإلنسـان إلـى الغلو يف الدين والتشـدّ د فيه إلـى أن يخرج منه‬
‫[[[ قــال اإلمــام ابــن القيــم ‪« : $‬وللشــيطان فيــه نزغتــان ‪ :‬إمــا إلــى تفريــط وتقصيــر‪ ،‬وإمــا إلــى‬
‫مجــاوزة وغلــو؛ وال يبالــي بأيهمــا ظفــر» «إغاثــة اللهفــان» (‪.)116/1‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪63‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وهـو يظـن أنه مطيعـا هلل محافظًا علـى أوامر اهلل ‪. ‬‬

‫وال يـزال الشـيطان حريصـا علـى صـرف اإلنسـان عـن طريـق اهلل المسـتقيم وعـن‬
‫صراطـه القويـم وال يبالـي عـدو اهلل بـأي األمريـن ظفـر ؛ إمـا إيقـاع المـرء يف الشـبهة‬
‫ونصبـه أن ينصـرف المسـلم عـن طاعـة‬
‫هـم الشـيطان ووكَـده َ‬
‫أو إيقاعـه يف الشـهوة ‪ّ ،‬‬
‫اهلل وعـن السـبيل الصحيحـة التـي أمـر اهلل هبـا ‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬تكاثـرت األدلـة‬
‫يف الكتـاب والسـنة بتحذيـر المؤمنيـن مـن الغلـو يف الديـن والتشـدد فيـه والخـروج‬
‫ْ ُ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫((إ َّياك ْـم َوالغل َّـو ف ِإن َمـا‬
‫بـه تطرفـا وغلـو ًا وتز ُّيـدا ‪ ،‬يقـول ﷺ يف الحديـث الثابـت عنـه ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ان َق ْب َل ُك ْـم ب ْال ُغ ُل ِّ‬
‫ََ َ َ ْ َ َ‬
‫يـن ))[[[ ‪ ،‬ويقـول ﷺ‪(( :‬هلـك ال ُم َت َن ِّط ُعـون))[[[ ؛‬ ‫ِ‬ ‫الد‬ ‫ـي‬‫ف‬‫ِ‬ ‫ـو‬ ‫ِ‬ ‫هلـك مـن ك‬
‫والمتنطعـون عبـاد اهلل ‪ :‬هـم المتشـددون يف غيـر موضـع الشـدة ‪.‬‬

‫فالغلـو والتشـدد والتز ُّيـد يف ديـن اهلل هـو مـن سـبيل الشـيطان وهـي ركضـ ٌة يركض‬
‫هبـا عـدو اهلل يف بعـض المؤمنيـن المطيعيـن هلل ليصرفهـم عـن طاعـة اهلل ‪ ، ‬وال‬
‫يـزال عـدو اهلل ينصـب حبائلـه ويضـع مصائـده ويبـث جنـوده ليظفـر مـن المؤمنيـن‬
‫بأحـد األمريـن ‪.‬‬

‫مخـر ٌج يف «صحيـح ابـن‬


‫َّ‬ ‫وتأملـوا رعاكـم اهلل هـذا الحديـث عـن النبـي ﷺ وهـو‬
‫حبـان» بإسـناد ثابـت مـن حديـث أبـي موسـى األشـعري ﭬ قـال ‪ :‬قـال رسـول اهلل‬
‫الت َ‬‫ـل ْال َي ْـو َم ُم ْسـل ًما َأ ْل َب ْس ُـت ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َّ ُ ُ َ‬
‫ـود ُه ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ـول‪َ :‬م ْـن أ َض َّ‬
‫ـاج‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ ِ‬
‫((إذا أصبـح ِإب ِليـس بـث جن‬
‫َ َّ َ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ َ ََ ْ ُ ُ َ َ ََُ ُ َ ََ‬
‫ـول‪ :‬أ ْوشـك أن َي َت َـز َّو َج‪،‬‬ ‫ـول‪ :‬ل ْـم أز ْل ِب ِـه حتـى طلـق امرأتـه‪ ،‬فيق‬ ‫قـال‪ :‬فيخـرج هـذا‪ ،‬فيق‬

‫[[[ رواه النســائي (‪ ،)3057‬وابــن ماجــه (‪ ،)3029‬وصححــه األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة»‬


‫(‪.)2144‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2670‬‬
‫‪64‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك َأ ْن َي َب َّـر‪َ ،‬و َيج ُ‬
‫ـيء‬
‫َ َّ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ‬
‫ش‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ـول‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ـه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ـق‬ ‫ع‬ ‫ـى‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ـه‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ َ َ ََُ ُ َ ْ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وي ِجـيء هـذا فيقـول‪ :‬لـم أ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫َ َّ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ ََُ ُ َ ََ‬
‫ـول‪ :‬ل ْـم أز ْل ِب ِـه‬ ‫ـول‪ :‬ل ْـم أز ْل ِب ِـه حتـى أشـرك فيقـول‪ :‬أنـت أنـت‪ ،‬وي ِجـيء‪ ،‬فيق‬ ‫هـذا‪ ،‬فيق‬
‫َ َّ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫ـول‪ :‬أنت‬ ‫ـول‪ :‬ل ْـم أز ْل ِب ِـه حتـى قتـل فيق‬ ‫حتـى زنـى فيقـول‪ :‬أنـت أنـت‪ ،‬وي ِجـيء هـذا‪ ،‬فيق‬
‫َْ َ‬
‫ـت‪َ ،‬و ُي ْلب ُس ُـه َّ‬
‫الت َ‬
‫ـاج))[[[ ؛ وتأملـوا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬كيـف يتنافـس جنـود إبليـس وأعوانـه‬ ‫ِ‬ ‫أن‬
‫يف تحقيـق غاياتـه ومراداتـه يف صـد النـاس عـن ديـن اهلل وصرفهـم عـن طاعـة اهلل إمـا‬
‫بالعقـوق والقطيعـة ‪ ،‬أو باإلفسـاد واإلضلال ‪ ،‬أو بالقتـل والتدميـر ‪ ،‬أو غيـر ذلـك من‬
‫المسـالك التـي هـي مـن تزيـن الشـيطان ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ثـم إن القتـل يبلغ ذروته وغايته عندما يفعله المرء المسـلم تد ّينا ويقصد‬
‫بـأي عق ٍل وديـن[[[ ِّ‬
‫وبأي طاعة لـرب العالمين يكون قتل‬ ‫بـه التقـرب إلـى اهلل ‪ِّ ، ‬‬
‫األنفـس المعصومـة وإزهـاق الدمـاء المحرمـة ديانـ ًة ُيتقـرب هبا إلـى اهلل وطاع ًة ُينشـد‬
‫هبـا رضـوان اهلل !! يقـول ♥ كمـا يف «صحيـح مسـلم»‪ ،‬ف َعـ ْن َأبِـي ُه َر ْي َـر َة‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫((‪..‬و َم ْـن خ َـر َج َعلـى أ َّم ِتـي‪َ ،‬يض ِـر ُب َب َّرهـا َوف ِاج َرهـا‪َ ،‬ول‬ ‫ـال‪َ :‬‬ ‫ـن النَّبِـي ﷺ َأنَّـ ُه َق َ‬ ‫ﭬ َع ِ‬
‫ِّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َي َت َحاشـى ِم ْـن ُمؤ ِم ِن َهـا‪َ ،‬ول َي ِفـي ِل ِـذي َع ْه ٍـد َع ْهـده‪ ،‬فل ْي َـس ِم ِّني َول ْسـت ِم ْن ُـه))[[[ ‪.‬‬

‫إن هذا المسلك ‪ -‬عباد اهلل‪ -‬من تزين الشيطان ‪ ،‬ومن الغلو يف دين اهلل ‪،‬‬
‫ومن التطرف والزيغ ‪ ،‬ومن االنصراف عن الجادة السوية والسبيل المرضية ‪.‬‬

‫[[[ رواه ابــن حبــان يف «صحيحــه» (‪ ،)6189‬وصححــه األلبــاين يف «السلســلة الصحيحــة»‬


‫(‪.)1280‬‬
‫[[[ وللشــيخ العالمــة عبــد المحســن بــن حمــد العبــاد البــدر حفظــه اهلل رســالة قيمــة بعنــوان ‪:‬‬
‫ـأي عقــل وديــن يكــون التفجيــر والتدميــر جهــاد ًا؟»‪.‬‬
‫«بـ ِّ‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1848‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪65‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وال يغيـب عـن أذهاننـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـا حصـل يف مدينة الرياض قبل أسـابع قالئل‬
‫ومـا حصـل يف مكـة والمدينـة يف أيـا ٍم قريبـة مـن القبـض علـى فئـة ترت ّبـص للمسـلمين‬
‫بإلقـاء المتفجـرات وترويـع اآلمنيـن وإزهـاق األنفـس ؛ أحضـروا أجهـز ًة مدمـرة‬
‫ووسـائل فتاكـة وجلبوهـا بيـن المسـاكن اآلمنـة ‪ ،‬لـم يرعـوا لمؤمـن حقـه ولـم يبالـوا‬
‫برتويـع المؤمنيـن ‪ ،‬أخافـوا اآلمنيـن وقبـل ذلـك حصـل مـن إخواهنـم تقتيـل وتدميـر‬
‫بيـوت ُخ ِّربت‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أطفـال ُيتِّمـوا ‪ ،‬نسـا ٌء ُر ِّملت ‪،‬‬ ‫نفـوس أزهقـت ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وتفجيـر ؛ دمـا ٌء قتلـت ‪،‬‬
‫ودمـرت ‪ ،‬أي ديـن هـذا وأي طاعـة لـرب العالميـن !! أيـن عقـول هـؤالء !! أيـن‬
‫معرفتهـم بكتـاب اهلل وسـنة نبيـه صلـوات وسلامه عليـه !! ‪.‬‬

‫يسـر لـوالة األمـر الوقـوف علـى هـؤالء أو علـى جملـة منهـم ‪،‬‬
‫وإنـا لنحمـد اهلل أن َّ‬
‫ونسـأل اهلل ‪ ‬أن ييسـر الوقـوف علـى باقيهـم وأن يقطـع دابـر المجرميـن ‪ ،‬وأن‬
‫يحفـظ علـى المؤمنيـن أ ْمنهـم وأيماهنـم ودينهـم وطاعتهـم ‪ ،‬وأن يكألهـم برعايتـه‬
‫وعنايتـه إنـه ‪ ‬ولـي التوفيـق والسـداد ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬إن هـؤالء المخططيـن لهـذه األعمـال والراكضيـن يف سـبيلها يظنـون أن‬
‫أعمالهـم هـذه مـن اإلصلاح ‪ ،‬يحسـبون أهنـم يصلحـون وهـم ‪ -‬إي واهلل ‪ -‬يفسـدون‬
‫‪ ،‬مـا قدَّ مـوا لديـن اهلل شـيئا وإنمـا أضـروا بديـن اهلل وأضـروا بالدّ عـوة إلـى اهلل وأضروا‬
‫بعبـاد اهلل المؤمنيـن ‪ ،‬ومـا هكـذا يكـون اإلصلاح وليس هـذا من الجهاد يف سـبيل اهلل‬
‫؛ وإنمـا هـذا مـن تزييـن الشـيطان ومـن الركـض يف سـبيله ‪ ،‬فليتبصـر العاقـل وليتدبـر‬
‫المؤمـن وليتـق اهلل ‪ ‬مـن انخـرط يف هـذه السـبيل ؛ فسـبيل اهلل واضحـة وطريقـه‬
‫بينـه ومعالـم الديـن ظاهـره وليـس هـذا مـن دين اهلل يف شـيء ‪.‬‬

‫ومن عالمات فسـاد مسـلك هؤالء ‪ :‬أهنم يسـترتون عن الناس ‪ ،‬واإلسلام عالنية‬
‫‪66‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وديـن اهلل ظاهـر ال خفـاء فيه ‪ ،‬يسـترتون عن الناس وال يتصلون بالعلماء ويسـتنكفون‬
‫عـن اإلفـادة منهـم والرجوع إليهم واألخـذ من علمهم ‪ ،‬ولو رجع هـؤالء إلى العلماء‬
‫واستشـاروهم لوجدوا النصيحة الب ِّينة والجواب الشـايف ‪ ،‬لو امتثلوا قول اهلل ‪:‬‬
‫ﱷ ﮤ ﮥ ﮦ ﱶ [األنبيـاء‪ ، ]٧:‬لـو فعلـوا ذلـك فسـألوا أهـل الذكـر ورجعـوا‬
‫ٍ‬
‫عباس ﭭ‬ ‫إليهـم لوجـدوا عندهـم السـداد والصواب والبيان الشـايف ‪ ،‬لما ناظـر ابن‬
‫الخـوارج وب َّيـن لهـم ديـن اهلل وأزال مـا عندهـم مـن شـبهات رجـع منهـم يف سـاعة‬
‫واحـدة ألفـان وقيـل ثالثـة أالف[[[ ‪ ،‬هـؤالء لـو رجعـوا للعلمـاء ولو لم يسـتنكفوا إلى‬
‫الرجـوع إليهـم لتبيـن لهـم الحق ولظهر لهـم الهدى َ‬
‫ول ْسـتبانت لهم السـبيل ولكنهم‬
‫مضـوا يف غيهـم واتبعـوا الشـيطان وزاغـوا بما فعلـوه عن طريق اهلل المسـتقيم ‪.‬‬

‫فنسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلـى أن يهـدي ضـال المسـلمين ‪،‬‬
‫اللهـم اهـد ضـال المسـلمين ‪ ،‬اللهـم اهـد ضـال المسـلمين ‪ ،‬اللهـم ردهـم إلـى الحق‬
‫رد ًا جميلا ‪ ،‬اللهـم ردهـم إلـى الحـق ردا جميلا ‪ ،‬اللهـم وفقنـا التباع سـبيلك ولزوم‬
‫سـنة نبيـك محمـد ﷺ ‪ ،‬وأعذنـا مـن الفتن كلها مـا ظهر منها وما بطـن ‪ ،‬اللهم واحفظ‬
‫علينـا أمننـا وإيماننـا ‪ ،‬اللهـم وفقنـا لهـداك واجعـل عملنـا يف رضـاك يـا حـي يـا قيوم يا‬
‫ذا الجلال واإلكـرام ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم ‪.‬‬

‫[[[ انظــر‪« :‬ســنن النســائي الكــرى» (‪ ،)8522‬و«ســنن البيهقــي الكــرى» (‪،)16740‬‬


‫و«مســتدرك الحاكــم» (‪ ،)2656‬و«جامــع بيــان العلــم وفضلــه» (‪ ،)209/2‬و«البدايــة‬
‫والنهايــة» (‪.)241/6‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪67‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليما كثيرا ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وتعاونـوا عـل البر والتقـوى‬
‫وال تعاونـوا علـى اإلثـم والعـدوان ‪ ،‬وعليكـم بجماعـة المسـلمين فـإن يـد اهلل علـى‬
‫الجماعـة ومـن ّ‬
‫شـذ شـذ يف النـار ‪ ،‬واعلمـوا أن أصـدق الحديـث كالم اهلل ‪ ،‬وخيـر‬
‫الهـدى هـدى محمـد ﷺ ‪ ،‬وشـر األمـور محدثاهتـا ‪ ،‬وكل محدثـة بدعـة ‪ ،‬وكل بدعـة‬
‫ضاللـة ‪ ،‬وكل ضاللـة يف النـار ‪.‬‬

‫واعلمـوا أن النـاس قسـمان ‪ :‬قسـم مفتـاح للخيـر مغلاق للشـر ‪ ،‬وقسـم مغلاق‬
‫للخيـر مفتـاح للشـر ؛ فاتقـوا اهلل تعالى واسـتعينوا به على أن تكونوا مـن مفاتيح الخير‬
‫ومغاليـق الشـر ‪ ،‬واتقـوا اهلل تعالـى يف السـر والعالنيـة والغيـب والشـهادة ‪.‬‬
‫[[[‬
‫سول ِ ِه‬ ‫لَا ت ُ َقدِّ ُموا ب َ ْي َ‬
‫ن ي َ َدي اللَّه َو َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫الحمـد هلل الكريـم الوهـاب ‪ ،‬أحمـده سـبحانه على نعمـه العظيمة ومنَنه الجسـيمة‬
‫وآالئـه التـي ال ُتعـد وال تحصـى ‪ ،‬أحمـده ‪ ‬حمـد الشـاكرين ‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء‬
‫اهلل‬
‫الذاكريـن ‪ ،‬ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو كمـا أثنـى علـى نفسـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه وعلى‬
‫آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن تقـواه خيـر زاد ‪ ،‬وهـي خيـر ُعـدة‬
‫ُيعدُّ هـا المـرء ليـوم المعـاد ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬يقـول اهلل ‪: ‬ﱷ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬


‫ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱶ [الحجـرات][[[‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1439-7-6 /‬هـ‬


‫[[[ قــال عالمــة عبــد الرحمــن الســعدي ‪ $‬يف تفســيره لهــذه اآليــة‪« :‬هــذا متضمــن لــأدب‪،‬‬
‫مــع اهلل تعالــى‪ ،‬ومــع رســول اهلل ﷺ‪ ،‬والتعظيــم لــه ‪ ،‬واحرتامــه‪ ،‬وإكرامــه‪ ،‬فأمــر اهلل عبــاده‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪69‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أدب عظيـم أ َّدب اهلل بـه عبـاده وهـو ٍ‬
‫بـاق إلـى يـوم القيامـة ‪،‬‬ ‫معاشـر العبـاد‪ :‬هـذا ٌ‬
‫والمعنـى كمـا قـال ابـن عبـاس ﭭ أي ‪« :‬ال تقولـوا خلاف الكتـاب والسـنة»[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬همـا طريقـان ال ثالـث لهمـا ؛ إمـا اال ِّتبـاع وإمـا االبتـداع ‪ ،‬إمـا أن‬
‫يكـون المـرء متب ًعـا ديـن اهلل ومـا أنـزل علـى عباده علـى هدى مـن اهلل ‪ ،‬أو يكـون متب ًعا‬
‫لهواه ‪.‬‬

‫وليحـذر كل ناصـحٍ لنفسـه مـن أن يكـون متب ًعـا لهـواه علـى غيـر هـدى مـن اهلل ‪،‬‬
‫يقـول اهلل تعالـى ‪:‬ﱷ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﱶ [القصـص]‪.‬‬

‫وقـال اهلل ‪:‬ﱷ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ ﭰ ﱶ [األعـراف]‪.‬‬

‫وقـال اهلل تعالـى‪:‬ﱷ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬


‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱶ [الجاثيـة‪.]19-18:‬‬

‫المؤمنيــن‪ ،‬بمــا يقتضيــه اإليمــان‪ ،‬بــاهلل وبرســوله‪ ،‬مــن امتثــال أوامــر اهلل‪ ،‬واجتنــاب نواهيــه‪،‬‬
‫وأن يكونــوا ماشــين‪ ،‬خلــف أوامــر اهلل‪ ،‬متبعيــن لســنة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬يف جميــع أمورهــم‪ ،‬و‬
‫أن ال يتقدمــوا بيــن يــدي اهلل ورســوله‪ ،‬وال يقولــوا‪ ،‬حتــى يقــول‪ ،‬وال يأمــروا‪ ،‬حتــى يأمــر‪ ،‬فــإن‬
‫هــذا‪ ،‬حقيقــة األدب الواجــب‪ ،‬مــع اهلل ورســوله‪ ،‬وهــو عنــوان ســعادة العبــد وفالحــه‪ ،‬وبفواتــه‪،‬‬
‫تفوتــه الســعادة األبديــة‪ ،‬والنعيــم الســرمدي‪ ،‬ويف هــذا‪ ،‬النهــي الشــديد عــن تقديــم قــول غيــر‬
‫الرســول ﷺ‪ ،‬علــى قولــه‪ ،‬فإنــه متــى اســتبانت ســنة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬وجــب اتباعهــا‪ ،‬وتقديمهــا‬
‫علــى غيرهــا‪ ،‬كائنــا مــا كان»« تيســير الكريــم الرحمــن» (ص‪.)799‬‬
‫[[[ رواه ابن جرير يف «تفسيره» (‪ ،)272/22‬وأبو نعيم يف «الحلية» (‪.)398/10‬‬
‫‪70‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقـول اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ‬
‫ﰕ ﰖ ﱶ [ص]‪.‬‬

‫ويقـول اهلل ‪:‬ﱷ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﱶ[األنعام] واآليات‬
‫يف هـذا المعنـى كثيـرة ‪.‬‬

‫ناصحا لنفسـه ؛ بأن يز َّمهـا بزمام‬


‫ً‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪:‬يجـب علـى كل مسـلم أن يكـون‬
‫الشـرع ‪ ،‬وأن يلزمهـا هـدي اهلل جـل يف علاه ووحيه المنزل على رسـول اهلل ﷺ ‪ ،‬وأن‬
‫يحـذر مـن األهـواء المحدثـات والبـدع المتبعـات التـي مـا أنـزل اهلل ‪ ‬هبا من‬
‫سلطان ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪َّ :‬‬


‫إن َمـن ض ُعـف قـدر الشـرع عنـده ولـم يعظـم كالم اهلل وكالم‬
‫رسـوله ﷺ ال يبالـي بالصـدود واإلعـراض عـن الحـق والهـدى ‪ ،‬وال يبالـي باألهـواء‬
‫التـي يقرتفهـا والبـدع التـي يرتكبهـا ؛ وذلـك لضعـف ديانتـه ورقـة دينه‪ ،‬أما مـن يعظم‬
‫شـرع اهلل تعالـى فإنـه ال يقـدِّ م بيـن يدي اهلل ورسـوله ﷺ قـول أحد كائنًا مـن كان ‪ ،‬وال‬
‫يقـدِّ م هـوى مهمـا عظـم يف نفسـه ‪ ،‬بـل هـو ِ‬
‫ملزم نفسـه بالحـق والهدى الوحـي المنزل‬
‫مـن اهلل رب العالميـن‪.‬‬

‫الـر ْأي َفإِن َُّه ْ‬


‫ـم‬ ‫ُـم َو َأ ْص َح َ‬
‫ـاب َّ‬ ‫قـال الخليفـة الراشـد عمـر بـن الخطـاب ﭬ ‪« :‬إِ َّياك ْ‬
‫َأعْـدَ اء السـن َِن َأ ْعيتْهـم األَح ِ‬
‫وهـا َف َقا ُلـوا بِ َّ‬
‫الـر ْأي َف َض ُّلـوا َو َأ َض ُّلـوا»[[[‪.‬‬ ‫يـث َأ ْن َي ْح َف ُظ َ‬
‫اد ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫ُ ُّ‬

‫[[[ رواه الاللكائــي يف «شــرح أصــول اعتقــاد»(‪ ،)201‬وابــن عبــد الــر يف «جامــع بيــان العلــم‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪71‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض بِ ِه ُسـنَّ ٌة‬
‫ـم َي ْم ِ‬ ‫ث ر ْأيـا َليـس فِي كِت ِ ِ‬
‫َـاب اهلل َو َل ْ‬ ‫وقـال ابـن عبـاس ﭭ ‪َ «:‬مـ ْن َأ ْحـدَ َ َ ً ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل ‪.[[[»‬‬‫ـم َيـدْ ِر َع َلـى َمـا ُه َو منْـ ُه إِ َذا َلق َـي َ‬
‫مـ ْن َر ُسـول اهلل ﷺ َل ْ‬

‫ف َأ ْو َلى بِا ْل َم ْسـحِ مِ ْن‬


‫ان َأ ْسـ َف ُل ا ْل ُخ ِّ‬ ‫َان الدِّ يـ ُن بِ َّ‬
‫الر ْأي َل َك َ‬ ‫ويقـول علـي ﭬ ‪َ « :‬ل ْـو ك َ‬
‫َأ ْعلاَ ُه»[[[‪ ،‬واآلثار عن السـلف يف هـذا المعنى كثيرة ‪.‬‬

‫أثرا عظيـم الموقع كبيـر األثر ً‬


‫دال‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪:‬جـاء عـن اإلمـام الشـافعي ‪ً $‬‬
‫علـى إمامتـه وعظيـم فضلـه وتعظيمـه لـكالم رسـول اهلل ﷺ ؛ قـال الحميـدي ‪: $‬‬
‫روى الشـافعي يومـا حديثـا‪ ،‬فقلـت‪ :‬أتأخـذ به ؟‬

‫فقـال‪ :‬رأيتنـي خرجـت مـن كنيسـة‪ ،‬أو علي زنار‪ ،‬حتى إذا سـمعت عن رسـول اهلل‬
‫ﷺ حديثـا ال أقـول به؟!»[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪:‬مـا أعظم أن يوقر العبد سـنة رسـول اهلل ﷺ يف نفسـه وأن‬
‫ُيلـزم نفسـه باتباعهـا ‪ ،‬وأن يحـذر أشـد الحذر ممـا أحدثه الناس من أنـواع الضالالت‬
‫وصنـوف األباطيل‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬ويف هـذا المقام قد يقول بعض الناس‪( :‬وماذا عن حرية الرأي؟)‪،‬‬
‫فيقـال ‪:‬أمـا غيـر المسـلم فإنـه ال قيـد عنـده يق ِّيـد رأيـه فهـو ال يخـاف مـن لقـاء اهلل وال‬
‫ُيعـد لذلـك اليـوم عـدةً‪ ،‬وأمـا المسـلم فإنـه يتهـم رأيـه يف الديـن ‪ ،‬وال يعـارض برأيـه‬

‫وفضله» (‪ ،)1034‬والخطيب يف «الفقيه والمتفقه» (‪.)470‬‬


‫[[[ رواه الدارمــي يف «ســننه» (‪ ،)160‬والبيهقــي يف «المدخــل» (‪ ،)190‬والخطيــب يف «الفقيــه‬
‫والمتفقــه» (‪.)482‬‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)162‬وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (‪.)153‬‬
‫[[[ «سير أعالم النبالء » (‪ ،)34/10‬و«حلية األولياء» (‪.)106/9‬‬
‫‪72‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫شـرع رب العالميـن ‪ ،‬وإذا رأى رأيـا ووجـد أنـه مخال ًفـا شـرع اهلل ا َّطرحـه وتركه واتبع‬
‫هـدى رب العالميـن ‪ ،‬وأمـا مـن ُيعمـل رأيـه ويهمـل شـرع ربـه فهـذا يف الحقيقـة ليـس‬
‫حريـة وإنمـا هـو اتبـاع وعبوديـة لألهـواء ﱷ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﱶ [القصـص‪.]50:‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يعيذنـا أجمعيـن مـن منكـرات األهـواء واألدواء واألخلاق ‪،‬‬
‫وأن يعيننـا أجمعيـن علـى اتبـاع هـدي نبينـا الكريـم وصراطـه المسـتقيم ‪ ،‬وأن يعيذنـا‬
‫مـن شـرور أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا بمنِّـه وكرمـه إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء وهـو‬
‫أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا‬


‫الحمـد هلل كثيـرا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ ّلم عليه وعلى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد أيها المؤمنون‪ :‬اتقوا اهلل تعالى‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬قـال بعـض السـلف‪« :‬مـا مـن فعلـة وإن ص ُغـرت إال و ُينشـر لهـا يـوم‬
‫القيامـة ديوانـان ‪ :‬يف األول لِـم؟‪ ،‬ويف الثـاين كيف؟»[[[ ‪ ،‬أي لـم فعلت ؟ وكيف فعلت‬
‫ٌ‬
‫سـؤال عـن‬ ‫ٌ‬
‫سـؤال عـن اإلخلاص هلل جـل يف علاه ‪ ،‬والسـؤال الثـاين‬ ‫؟السـؤال األول‬
‫المتابعـة لرسـول اهلل ﷺ‪ ،‬وال نجـاة يف ذلـك اليـوم إال باإلخلاص للمعبـود واالتبـاع‬
‫للرسـول ﷺ ‪.‬‬

‫جعل اهلل أعمالنا أجمعين هلل خالصة ولهدي نبيه ﷺ موافقة ‪.‬‬
‫[[[ انظر‪« :‬إغاثة اللهفان» (‪.)8/1‬‬
‫[[[‬
‫أقسام الذنوب والمعاصي(‪)1‬‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي‬
‫لـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‬
‫وصفيـه وخليلـه وأمينـه على وحيـه ومبلغ الناس شـرعه ؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أمـا بعـد معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل ؛ فـإن من اتقى اهلل وقاه وأرشـده إلى‬
‫خيـر أمور دينـه ودنياه ‪.‬‬
‫ِ‬
‫والفـوز يف الدنيـا واآلخـرة ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وسـبيل الفلاح‬ ‫أسـاس السـعادة‬
‫ُ‬ ‫وتقـوى اهلل ‪‬‬
‫لألوليـن واآلخريـن مـن خلقـه كمـا قـال سـبحانه ‪ :‬ﱷ ﮠ‬
‫وهـي وصيـة اهلل ‪ّ ‬‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱶ [النسـاء‪. ]١٣١:‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1427-4-28 /‬هـ‬
‫‪74‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬وتقـوى اهلل ‪ ‬ليـس أمـر ًا يقولـه المـرء بلسـانه وال دعـوى َيدَّ عيهـا ؛‬
‫العمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء رحمة اهلل ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وإنمـا حقيقـة تقـوى اهلل ‪‬‬
‫وتـرك معصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ‪ ،‬فتقـوى اهلل ‪ ‬هـي طاعتـه‬
‫بفعـل مـا أمـر وتـرك مـا هنى عنـه وزجر ‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬كانت المعصية منقسـم ًة‬
‫ٍ‬
‫وتـرك للمأمور ‪.‬‬ ‫إلـى قسـمين ‪ :‬فعـ ٍل للمحظـور ‪،‬‬

‫إبليس ر َّبه ؛ أمره بالسـجود‬


‫ُ‬ ‫‪ُ -‬‬
‫ترك المأمور ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬هو الذنب الذي عصى به‬
‫فأبى ‪.‬‬

‫وفعـل المحظـور ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬هـو الذنـب الـذي فعلـه آدم ؛ هنـاه اهلل ‪ ‬عن‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫وتـاب اهلل عليه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫األكل مـن الشـجرة فـأكل ثـم ن َِد َم فتـاب‬
‫ٍ‬
‫وتـرك للمأمـور ‪ ،‬وكل ذلـك‬ ‫ولهـذا كانـت الذنـوب منقسـمة إلـى فعـ ٍل للمحظـور‬
‫معصيـ ٌة هلل ‪. ‬‬

‫وكبائـر [[[‪،‬‬ ‫صغائـر‬ ‫حجمهـا إلـى‬‫ِ‬ ‫ثـم إن الذنـوب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬منقسـمة مـن حيـث‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والتوبـة ‪ ،‬وقد جـاء القرآن‬ ‫وال صغيـر َة مـع اإلصـرار وال كبيـر َة مـع االسـتغفار والنـد ِم‬
‫ِ‬
‫والدعـوة إلـى اجتناهبـا ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عديـدة منـه بالتحذيـر مـن الكبائـر‬ ‫مواضـع‬ ‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يف‬
‫َ‬
‫وبيـان مـا يرتتـب علـى اجتناهبـا والبعد عنها مـن اآلثار الحميـدة والعوائـد المباركة يف‬
‫الدنيـا واآلخرة ‪:‬‬

‫ففي ﴿سـورة النسـاء﴾ أخرب اهلل ‪ ‬بتكفيره لسـيئات مجتنبي الكبائر وإدخاله‬

‫[[[ قــال اإلمــام ابــن القيــم ‪ « :$‬ذنــوب تنقســم إلــى صغائــر وكبائــر بنــص القــرآن والســنة‬
‫وإجمــاع الســلف »« مــدارج الســالكين» (‪.)315/1‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪75‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لهـم المدخـل الكريـم وهـو الجنـة ؛ قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﱶ [النسـاء] ‪.‬‬

‫ويف ﴿سـورة الشـورى﴾ ذكـر ‪ ‬يف أوصـاف عبـاده المؤمنيـن ال ُك َّمـل‬


‫اجتناب الكبائر ؛ فقال سـبحانه ‪ :‬ﱷ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﱶ [الشـورى]‬

‫ويف ﴿سـورة النجـم﴾ ذكـر ‪ ‬مـا أعده لمجتنبـي الكبائر من الرحمة الواسـعة‬
‫وغفـران الذنـوب فقال ‪ : ‬ﱷ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﱶ [النجم‪]٣٢:‬‬

‫إن الواجـب علـى المسـلم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يجتنـب الكبائـر ‪ ،‬واجتنا ُبهـا هـو فـرع‬
‫العلـم هبـا ؛ إذ كيـف يجتنبهـا مـن ال يعرفهـا !! وكمـا قيـل قديمـا‪ « :‬كيـف يتقـي مـن ال‬
‫يـدري مـا يتقـي؟! »[[[ ‪.‬‬

‫ولقـد كان نبينـا ♥ ناصحـا ألمتـه تمـام النصـح ‪ ،‬داعيـا لهـا لـكل‬
‫خيـر ناهيـا لهـا عـن كل شـر ورذيلة ‪ ،‬قـد جاء عنـه ♥ أحاديـث متكاثرة‬
‫ونصـوص متضافـرة يف التحذيـر مـن الكبائـر وبيـان خطورهتـا وما أعـده اهلل ‪‬‬
‫ٌ‬
‫ألهلهـا مـن العقوبـات يف الدنيـا والعـذاب يف اآلخـرة ‪.‬‬

‫كل مـا جـاء فيـه حـدٌ يف الدنيـا أو وعيـد يف اآلخـرة ‪ُّ .‬‬
‫كل‬ ‫والكبيـر ُة ‪ -‬عبـا َد اهلل‪ُّ : -‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يدخل‬ ‫دخول صاحبه النـار أو أنه ال‬ ‫وعيـد شـديد أو‬ ‫ذنـب ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ُ -‬خت َ‬
‫ـم بلعنـة أو‬

‫[[[ انظــر‪ :‬كالم شــيخنا عبــد الــرزاق بــن عبــد المحســن البــدر حفظــه اهلل يف كتابه «شــرح الدروس‬
‫المهمة لعامــة األمة» (ص‪.)210‬‬
‫‪76‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذنـب قيـل عـن صاحبـه ال يؤمـن أو قيل ليس‬ ‫كل ٍ‬‫يشـم رائحتهـا ‪ ،‬وكذلـك ُ‬
‫الجنـة أو ال ُّ‬
‫منـا فـكل ذلـك مـن الكبائـر ‪ ،‬وكذلـك مـا جـاء يف السـنة التصريـح بـه بأنـه مـن الكبائـر‬
‫وأنـه مـن الموبقـات ‪ ،‬ومـن ذلكـم عبـاد اهلل ‪ :‬ما جـاء يف «الصحيحين» مـن حديث أبي‬
‫َّ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ـات » ‪.‬‬ ‫وبق ِ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ـن النَّبِـي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َ‬
‫ـال « اجت ِنبـوا السـبع الم ِ‬ ‫هريـرة ﭬ َع ِ‬
‫ِّ‬
‫ول اهَّللِ ‪َ ،‬و َما ُه َّن؟‬ ‫َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬

‫الل ُه ِإ َّال ب ْال َح ِّق ‪َ ،‬و َأ ْك ُل ِّ‬


‫الر َبا‪،‬‬
‫ِّ ْ ُ َّ َ ِّ ْ ُ َ َ ْ ُ َّ ْ َّ َ َّ َ َّ‬
‫َق َال‪ « :‬الشـرك ِبالل ِه ‪ ،‬والسـحر ‪ ،‬وقتل النف ِس ال ِتي حرم‬
‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫الز ْحف ‪َ ،‬و َق ْذ ُف ْال ُم ْح َص َن ْ ْ َ‬ ‫الت َو ِّلي َي ْو َم َّ‬‫َو َأ ْك ُل َمال ْال َيتيم ‪َ ،‬و َّ‬
‫ات الغ ِافال ِت »[[[‪.‬‬ ‫ات ال ُمؤ ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َّ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ـات )) ؛ أي المهلـكات ‪ ،‬سـميت موبقـات ألهنا‬ ‫قولـه ﷺ‪(( :‬اجت ِنبـوا السـبع الم ِ‬
‫وبق ِ‬
‫مهلـكات لصاحبهـا يف الدنيـا واآلخرة ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ََ‬
‫وجـاء يف «الصحيحيـن» مـن حديـث أبـي بكـرة ﭬ عـن النبـي ﷺ أنـه قـال‪(( :‬أل‬
‫َُ ُ َ ْ ْ َ‬
‫أن ِّب ُئك ْـم ِبأك َب ِـر الك َب ِائ ِـر ؟ ))‬

‫ول اهَّللِ ‪.‬‬


‫ُق ْلنَا‪َ :‬ب َلى َيا َر ُس َ‬
‫َ َ َ ُ َّ ً َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ ْ َ ُ َّ َ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫ـال ‪ :‬أل َوق ْـو ُل‬ ‫ـوق ال َوا ِلد ْي ِـن ‪ ،‬وكان مت ِكئـا فجلـس فق‬‫‪((:‬الشـراك ِبالل ِـه ‪ ،‬وعق‬ ‫ـال ِ‬ ‫َق َ‬
‫ور )) ولـم يـزل يكررهـا ♥ حتـى قـال الصحابـة ليتـه‬ ‫الـزور َو َش َـه َاد ُة ُّ‬
‫الـز‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سـكت[[[‪.‬‬

‫ـال‪« :‬أمـا ِإنهمـا ل ُيعذب ِ‬


‫ـان‬ ‫ـول اهللِ ﷺ َع َلـى َق ْب َر ْي ِ‬
‫ـن َف َق َ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ‬ ‫ـال‪َ :‬م َّـر َر ُس ُ‬ ‫ـن ا ْب ِ‬
‫ـن َع َّب ٍ‬
‫ـاس َق َ‬ ‫و َع ِ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2766‬ومسلم (‪.)89‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ )2654‬ومسلم (‪.)87‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪77‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َمـا ُي َع َّذ َ‬
‫يم ِـة‪َ ،‬وأ َّما الخ ُر فكان ل َي ْس َـت ِت ُر‬ ‫يـر‪ ،‬أ َّمـا أ َحده َما فكان َي ْم ِشـي ِبالن ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ـي‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ـان‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫احـدً ا َو َع َلى‬ ‫ـب َف َشـ َّقه بِا ْثنَي ِن ُثـم َغرس َع َلـى َه َذا و ِ‬ ‫ـيب َر ْط ٍ‬ ‫ـال َفدَ َعـا بِ َع ِس ٍ‬
‫ِم ْـن َب ْو ِل ِـه» ‪َ ،‬ق َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َّ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َّ‬
‫ـال‪« :‬ل َعل ُـه أن ُيخف ُف َع ْن ُه َمـا َما ل ْم َي ْي َب َسـا»[[[‪.‬‬ ‫ـم َق َ‬ ‫ِ‬
‫َه َـذا َواحـدً ا ُث َّ‬

‫يـر )) أي مـا‬ ‫ب‬


‫َ‬
‫ك‬ ‫ـي‬ ‫ف‬ ‫ـان‬ ‫تأمـل ؛ (( إ َّن ُه َمـا َل ُي َع َّذ َبـان )) أي يف قبورهمـا ‪َ (( ،‬و َمـا ُي َع َّذ َ‬
‫ب‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسـتطاع لكل أحـد البعدُ عنه‬
‫ٌ‬ ‫يسـير‬
‫سـهل ٌ‬ ‫أمر ٌ‬ ‫أمـر كبيـر علـى النـاس بل هو ٌ‬ ‫يعذبـان يف ٍ‬
‫وتركُـه ؛ النميمـة مـن السـهل علـى كل أحـد أن يبتعد عنها ‪ ،‬واالسـتنزاه مـن البول من‬
‫اليسـير علـى كل إنسـان أن يسـتنزه ‪ ،‬ولكـن لمـا كان حالهمـا التهـاون وعـدم المبـاالة‬
‫ف َعلا هـذا األمـر مـع أنـه ليـس بكبيـر ‪ ،‬ولمـا كان ُيخشـى أن ُي َظـ َّن أن هـذا األمـر ليـس‬
‫مـن كبائـر الذنـوب ذكـر النبـي ♥ تعقيبًا لذلك مـا يزيل ما قد ُيستشـ َكل‬
‫فقـال‪ (( :‬بلـى إنهمـا لكبيـر )) ‪.‬‬

‫فالكبائـر ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بـاب عظيـم مـن الفقـه يف الشـريعة ينبغـي علـى أمة اإلسلام‬
‫أن ُي ْعن َْـوا هبـذا البـاب تفقهـا فيـه ومعرفـ ًة بنصوصـه ودالئلـه وحرصـا علـى البعد عنه‬
‫ٍ‬
‫كتابـات‬ ‫واجتنابـه ‪ ،‬ولهـذا فـإن علمـاء األمـة يف قديـم الزمـان وحديثـه كتبـوا يف ذلـك‬
‫ٍ‬
‫مسـددة مفيـدة ينبغـي علـى المسـلم أن يقـرأ بعضهـا أو واحـد ًا منهـا‬ ‫ٍ‬
‫ومؤلفـات‬ ‫نافعـ ًة‬
‫ليتعـرف على الكبائـر والمحرمات ليتسـنى له بذلك‬
‫َّ‬ ‫ولـو مـر ًة يف حياتـه نصحًا لنفسـه‬
‫اجتناهبـا والبعـد عنهـا ‪ ،‬ومـن أحسـن مـا كتبـه العلمـاء يف هـذا البـاب ‪ :‬مـا كتبـه اإلمـام‬
‫نفيـس جـدا ومؤ َّل ٌ‬
‫ف‬ ‫كتـاب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الذهبـي ‪ $‬يف كتابـه العظيـم المبـارك « الكبائـر » ؛ وهـو‬
‫نافـع ينبغـي علينـا معاشـر المؤمنيـن أن نحـرص علـى اقتنائـه وقراءتـه بنيـة اجتنـاب‬
‫الكبائـر بعـد معرفتهـا اتقا ًء لشـرها و ُبعد ًا عـن أخطارها وأضرارها علـى العبد المؤمن‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ )218‬ومسلم (‪.)292‬‬
‫‪78‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يف دينـه ودنيـاه ‪.‬‬

‫اللهـم أصلـح لنـا ديننا الذي هو عصمـة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشـنا‪،‬‬
‫وأصلـح لنـا آخرتنـا التـي فيهـا معادنـا ‪ ،‬واجعـل الحيـاة زياد ًة لنـا يف كل خيـر والموت‬
‫راحـ ًة لنـا مـن كل شـر ‪ ،‬اللهـم واغفـر لنـا ذنبنـا كلـه ؛ دقـه وجلـه ‪ ،‬أولـه وآخـره ‪ ،‬سـره‬
‫وعلنـه ‪ .‬اللهـم واكتـب لنـا توبـ ًة نصوحـا يـا ذا الجلال واإلكـرام ‪ ،‬وآخـر دعوانـا أن‬
‫الحمـد هلل رب العالميـن ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى تقـوى مـن يعلم أن ربه يسـمعه ويراه ‪ ،‬وأسـاس‬
‫العلـم خشـية اهلل قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﱶ [فاطـر‪،]٢٨:‬‬
‫وكلمـا كان العبـد بـاهلل أعـرف كان لعبادتـه أطلـب ‪ ،‬وعـن معصيتـه أبعـد ‪ ،‬ومنـه‬
‫‪ ‬أخـوف ‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يحتـاج المسـلم لصلاح أمـره ولل ُبعـد عـن‬
‫ف علـى اهلل ‪ ‬؛ بمعرفـة أسـمائه الحسـنى وصفاتـه‬
‫يتعـر َ‬
‫الذنـوب والخطايـا أن َّ‬
‫العظيمـة ‪ ،‬ومعرفـة أنـه ‪ ‬أحـاط ّ‬
‫بـكل شـيء علمـا وأحصـى كل شـيء عددا ‪،‬‬
‫ويعلـم أحوالهـم وال تخفـى عليـه منهـم‬
‫ُ‬ ‫ويسـمع أقوالهـم‬
‫ُ‬ ‫وأنـه ‪ ‬يـرى عبـاده‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪79‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫علم اهلل بـه واطال َعه عليه ورؤيتَه‬
‫خافيـة ‪ ،‬ومـن حدَّ ثته نفسـه بالمعصيـة عليه أن يتذكر َ‬
‫لـه ورؤيتَـه لمقامـه وحالـه حتـى وإن كان مسـتخفيًا بالمعصيـة ‪ ،‬إذا كان مسـتخفيا‬
‫بالمعصيـة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬وف َعلهـا ُخفيـة حيـا ًء مـن النـاس مسـتخفيا منهـم بِ ِف ْعلِهـ َا فهـو‬
‫أحـد رجليـن ‪:‬‬

‫كفر باهلل ‪. ‬‬


‫‪ -‬إما أنه يظن أن اهلل ال يراه ؛ وهذا ٌ‬

‫‪ -‬وإما أنه يعتقد أن اهلل يراه ؛ وبذلك يكون اهلل أهون الناظرين إليه ‪.‬‬

‫فلنتـق اهلل ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ولنراقـب اهلل ‪ ‬يف السـر والعالنيـة والغيـب‬‫ِ‬ ‫أال‬
‫ِ‬
‫عبـاد اهلل مـن دان نفسـه وعمـل لمـا بعـد المـوت ‪ ،‬والعاجـز‬ ‫والكيـس مـن‬ ‫والشـهادة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫مـن أتبـع نفسـه هواها وتمنى علـى اهلل األماين ‪ .‬واعلموا أن أصـدق الحديث كالم اهلل‬
‫وخيـر الهـدى هـدى محمـد ﷺ ‪ ،‬وشـر األمـور محدثاهتـا ‪ ،‬وكل محدثة بدعـة ‪ ،‬وكل‬
‫بدعـة ضاللـة ‪ ،‬وكل ضاللـة يف النـار ‪ ،‬وعليكـم بالجماعـة فـإن يد اهلل علـى الجماعة ‪.‬‬
‫[[[‬
‫أقسام الذنوب والمعاصي(‪)٢‬‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛‬
‫صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫ِ‬
‫والغيـب والشـهادة‬ ‫أمـا بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة‬
‫مراقبـ َة مـن يعلـم أن ر َّبـه يسـمعه ويراه ‪.‬‬

‫واعلمـوا رعاكـم اهلل أن تقـوى اهلل ‪ ‬هـي وصيـة اهلل لألوليـن واآلخريـن مـن‬
‫خلقـه ‪ ،‬وهـي وصيـة النبـي ﷺ ألمته ‪ ،‬وهي وصية السـلف الصالح فيمـا بينهم ‪ ،‬ولما‬
‫قـال رجـل لعمـر بـن الخطـاب ﭬ ‪ِ :‬‬
‫اتـق اهلل قـال ‪ « :‬ال خيـر فيكـم إذا لـم تقولوها ‪،‬‬
‫وال خيـر فينـا إذا لـم نقبلها »[[[‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1427-5-6 /‬هـ‬


‫[[[ انظــر‪« :‬مناقــب أميــر المؤمنيــن عمــر بــن الخطــاب ﭬ» (ص‪ ،)155‬لإلمــام ابن الجــوزي ‪.$‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪81‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫وتـرك‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء رحمـة اهلل ‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬
‫ِ‬
‫عـذاب اهلل ‪.‬‬ ‫معصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة‬

‫ُ‬
‫حيـث سـبق‬ ‫معاشـر المؤمنيـن ‪ :‬وعـود ًا إلـى الحديـث عـن الذنـوب والمعاصـي ؛‬
‫ٍ‬
‫أمـور تتعلق‬ ‫بيـان أقسـامها وأهنـا تنقسـم إلـى فعل محظـور وترك مأمور ‪ ،‬وتنقسـم إلى‬
‫ٍ‬
‫وأمـور تتعلـق بحقـوق العبـاد ‪ ،‬وتنقسـم مـن حيـث حجمهـا إلـى كبائـر‬ ‫بحقـوق اهلل‬
‫وصغائـر ‪ ،‬وهـي أخطـر مـا يكـون علـى اإلنسـان وأضـر مـا يكـون علـى العبـد يف دينـه‬
‫ودنيـاه ؛ فأخطارهـا ال ُتحصـى ‪ ،‬وأضرارها ال ُتعد وال تسـتقصى ‪ ،‬ولو حاول ُم َح ِ‬
‫او ٌل‬
‫حصـر أضـرار الذنـوب واسـتقصا َء أضرارهـا لمـا اسـتطاع إلـى ذلـك سـبيال ‪ ،‬كيـف‬ ‫َ‬
‫وكل ٍ‬
‫حـل وكل مصيبـة َتن ِْـز ُل إنمـا هـي ٌ‬
‫أثـر مـن أثـار‬ ‫بلاء َي ُّ‬ ‫‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬يكـون ذلـك ُّ‬
‫الذنـوب ونتيجـ ٌة مـن نتائجـه !! كمـا قـال علـي بن أبي طالـب ﭬ ‪ « :‬ما نـزل بال ٌء إال‬
‫بذنـب ‪ ،‬ومـا ُرفـع إال بتوبـة »[[[ ‪ ،‬وشـاهد هذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬يف القـرآن يف مواضع كثيرة‬
‫جـد ًا منهـا ‪ :‬قـول اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﭠ ﭡ ﭢ ﱶ [العنكبـوت‪.]٤٠:‬‬

‫وقـول اهلل ‪ :‬ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩ ﯪ ﱶ [نـوح] أي بسـبب خطيئاهتـم ‪.‬‬

‫ويقـول اهلل ‪ : ‬ﱷ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬


‫ﰄ ﰅ ﰆﰇﱶ [الشـورى]‪.‬‬

‫ويقـول اهلل ‪ : ‬ﱷ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬


‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﱶ [الـروم‪. ]٤١:‬‬

‫[[[ انظر‪« :‬الجواب الكايف» (ص‪.)49‬‬


‫‪82‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقـول اهلل ‪ : ‬ﱷ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫ ﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﱶ [النحـل] ‪ .‬واآليـات يف هـذا المعنـي ‪ -‬عبـاد اهلل‬
‫‪ -‬كثيـرة ‪ ،‬ولهـذا الواجـب علـى العبـد يف حياتـه أن يكـون مجانبـا للذنـوب مبتعـد ًا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واإلنابـة إليـه‬ ‫عنهـا غيـر ُمقـارف لهـا ‪ ،‬وإذا أ َل َّ‬
‫ـم بشـيء منهـا سـارع إلـى التوبـة إلـى اهلل‬
‫‪.‬‬

‫عظيـم يجـدر التنبيـه له يتعلـق بالذنوب ووجودهـا يف العباد‬


‫ٌ‬ ‫أمـر‬
‫عبـا َد اهلل ‪ :‬وهاهنـا ٌ‬
‫وسـبب تحركِ َهـا يف نفوسـهم وهيجاهنـا يف قلوهبـم وإقبالهـم عليها ‪ ،‬قد يقـول قائل من‬
‫مـع ِ‬
‫علم اإلنسـان بأخطارها وأضرارهـا عليه يف دينه‬ ‫النـاس ‪ :‬مـا الباعـث إلـى الذنوب َ‬
‫ودنياه ؟‬

‫بـاب عظيـم يتعلق بالمعاصـي والكبائر يجدر بالمسـلم أن يعرفـه وأن يكون‬ ‫وهـذا ٌ‬
‫ليسـدَّ الطريق و ُيغلِ َـق المنافذ ‪.‬‬ ‫علـى ٍ‬
‫علـم به ُ‬

‫قـال أهـل العلـم ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬إن الذنوب تنقسـم إلى أربعة أقسـام من حيث أصلها‬
‫وبواعثها ومهيجاهتا يف النفوس[[[‪:‬‬

‫الــم ْلكِ ّية ؛ وهـي التي يتعا َطـى فيه العبد‬


‫الذنـوب ُ‬
‫ُ‬ ‫القسـم األول عبـا َد اهلل ‪ :‬فهـي‬
‫ُ‬ ‫أمـا‬
‫مـن صفـات اهلل ‪ ‬مـا ال يليـق بالعبـد ؛ كالعلـو والعظمـة والتكبر والتعالـي‬
‫والجبروت واالسـتعباد للنـاس والتعالـي عليهـم إلـى غيـر ذلـك مـن الخصـال‪ ،‬وقـد‬
‫ْ ُّ َ ُ ُ َ ْ ْ َ ُ َ ُ ُ َ‬
‫ـاء ِرداؤه ف َم ْـن‬ ‫جـاء يف الحديـث الصحيـح أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬ال ِعـز ِإزاره وال ِكب ِري‬

‫[[[ انظر‪« :‬الجواب الكايف» (ص‪.)86‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪83‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ُي َن ِاز ُع ِنـي َعذ ْب ُت ُـه»[[[ ‪ ،‬وقـال اهلل تعالـى يف وصـف فرعون ووصفه بأنـه عال يف األرض‪،‬‬
‫وقـال اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﮯ ﮰ ﮱ ﱶ [الزمـر‪. ]٧٢:‬‬

‫واآليـات يف هـذا المعنـي كثيـرة ‪ ،‬فالتكبر والتعالـي والجبروت والطغيـان‬


‫أوصاف إذا اتصـف هبا العبد َّ‬
‫أذل نفسـه وأهاهنا وكان‬ ‫ٌ‬ ‫واالسـتعباد للنـاس ونحـو ذلـك‬
‫مـن أحقـر العبـاد وأهوهنم على اهلل ﱷ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱶ [الحج‪. ]18:‬‬

‫الذنـوب الشـيطانية ؛ وهـي الذنـوب التـي يتشـ َّب ُه فيها العبد‬


‫ُ‬ ‫القسـم الثـاين عبـا َد اهلل ‪:‬‬
‫واألمـر بالمعاصـي‬ ‫والكـذب ‪،‬‬ ‫بالشـيطان الرجيـم ‪ ،‬ومنهـا ِ‬
‫الغ ُّـش والحقـدُ والحسـدُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهتجينُهـا ‪ ،‬والدعو ُة إلى البـدع والضالالت‬ ‫ِ‬ ‫والرتغيـب فيهـا ‪ ،‬والنهـي عـن الطاعـات‬‫ُ‬
‫واقتراف اآلثـام ‪ ،‬فـكل هـذه األعمال والصفـات من أعمال الشـيطان وصفاتِـه ؛ َف َمن‬
‫تشـبهًا هبـا بالشـيطان الرجيم‪.‬‬‫َقارفهـا و َف َعلهـا كان ُم َ‬

‫السـ ُب ِع َّية ؛ وهـي التـي يتشـ ّبه فيهـا العبـد‬


‫الذنـوب َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الثالـث عبـاد اهلل ‪:‬‬ ‫والقسـم‬
‫ُ‬
‫بالوحـوش الضاريـة والحيوانـات المفرتسـة ‪ ،‬وهـذا يتنـاول أنواعـا عديـدة مـن‬
‫ِ‬
‫أعراض الناس‬ ‫والظلم ‪ ،‬والتعدِّ ي علـى‬
‫ُ‬ ‫والبغـي‬ ‫ُ‬
‫والعـدوان ‪،‬‬ ‫الغضـب‬
‫ُ‬ ‫الذنـوب منهـ َا ‪:‬‬
‫ُ‬
‫وأموالهـم وحقوقِهـم وممتلكاهتـم ‪ ،‬ومنهـا ُ‬
‫القتـل ‪ُ ،‬‬
‫وأكل األموال بالباطـل ‪ ،‬والتعدِّ ي‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫والجـور ‪ ،‬فـكل هـذه الذنـوب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ذنـوب فيهـا تشـ ُّب ٌه بالسـباع‬ ‫علـى النـاس‬
‫الضاريـة والحيوانـات المفرتسـة ‪ ،‬ولهـذا يقـول بعـض النـاس عـن بعض األشـخاص‬
‫ممـن تظهـر عليهـم هـذه الصفـات ‪ ،‬يقولـون‪ « :‬هـذا ليـس بإنسـان ؛ هـذا وحـش مـن‬
‫الوحـوش» ِ‬
‫لمـ َا ظهـر عليـه مـن صفـات الوحـوش الضاريـة والحيوانـات المفرتسـة ‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2620‬‬


‫‪84‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الرابـع عبـا َد اهلل مـن الذنـوب ‪ :‬هـي الذنـوب البهيميـة ؛ وهـي التـي يتشـبه‬
‫ُ‬ ‫والقسـم‬
‫ُ‬
‫والحـرص علـى شـهوة‬
‫ُ‬ ‫فيهـا اإلنسـان ببهيمـة األنعـام ‪ ،‬ومنهـا َّ‬
‫الش َـر ُه ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫هـم لـه إال شـهوة بطنـه وشـهوة فرجـه ‪ ،‬ويتولـد منهـا ‪-‬عبـاد اهلل‬
‫البطـن والفـرج ‪ ،‬فلا َّ‬
‫والشـح والبخـل واألنانيـة وغير ذلك‬
‫ّ‬ ‫وأكل أمـوال اليتامـى‬‫‪ -‬الزنـا واللـواط والسـرقة ُ‬
‫فرجـه وبطنِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شـهوة‬ ‫الش َـر ُه ويو ِّلدهـا حرص اإلنسـان على‬
‫مـن الصفـات التـي يو ِّلدُ هـا ّ‬
‫كيفمـا ات َف ْـق ‪.‬‬
‫َ‬
‫هـذا عبـاد اهلل ؛ والواجـب علـى العبـد أن يتقـي اهلل تعالـى ‪ ،‬وأن ي ِ‬
‫حق َـق العبوديـ َة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫لجن َابه متواضعًا‬ ‫ُ‬
‫فيكون عبـدً ا هلل مسـتكينًا َ‬ ‫وأوجـدَ ه لتحقيقهـا‬
‫َ‬ ‫التـي خل َقـ ُه اهلل ألجلِ َهـا‬
‫مطمئنـا ‪ ،‬خاشـعًا متذ ِّللا مقبلاً علـى طاعـة ربه وسـيده ومـواله ‪ ،‬بعيـد ًا كل البعد عن‬
‫المعاصـي واآلثـام والذنـوب والخطايـا التي ال يـزداد فيها من اهلل إال ُبعـد ًا ‪ ،‬وال يزداد‬
‫فيهـا إال ُقربـا مـن الشـر فيجني علـى دينـه ودنياه ‪.‬‬
‫ونسـأل اهلل ‪ ‬أن يعيذنـا وإياكـم مـن سـخطه ‪ ،‬وأن يجنِّبنـا كل مـا ي ِ‬
‫سـخ ُطه ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وأن يهدينـا إليـه صراطـا مسـتقيما ‪ ،‬وأن يرزقنـا توبـ ًة نصوحـا ‪ ،‬وأن يعيذنـا من شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬وأن يعيذنـا مـن شـر كل دابة هو آخذ بناصيتهـا ‪ ،‬وأن يوفقنا‬
‫لهـداه ‪ ،‬وأن يجعـل عملنـا يف رضـاه ‪.‬‬

‫أقـول مـا تسـمعون وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم ‪.‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪85‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل فـإن مـن ات َقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خيـر أمـور دينـه‬
‫ودنيـاه ‪.‬‬

‫عبـا َد اهلل ‪ :‬إن ك ُّل َبنِـي آ َد َم َخ َّطـا ٌء كمـا صـح بذلـك الحديـث عـن رسـول اهلل‪ ،‬ﷺ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫وقـال‪َ (( :‬و َخ ْي ُـر ْال َخ َّطائ َ‬
‫يـن َّ‬
‫الت َّو ُابـون ))[[[ ‪ ،‬ويف الحديـث اآلخـر يقـول ﷺ ‪(( :‬ل ْـو ل ْـم‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ َ َ َ َّ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ـاء ِبق ْـو ٍم ُيذ ِن ُبـون ف َي ْس َـتغ ِف ُرون الل َـه ف َيغ ِف ُـر ل ُه ْـم ))[[[ ‪.‬‬‫تذ ِنبـوا لذهـب اللـه ِبكـم ولج‬
‫ِ‬
‫متماديًا‬ ‫َ‬
‫يكـون‬ ‫عبـا َد اهلل ‪ :‬الخطـأ مـن طبيعـة اإلنسـان ‪ ،‬لكـن ليـس ممـا يليـق بـه أن‬
‫يف الخطـأ مسـتمر ًا عليـه ليلقـى اهلل بأخطائـه وآثامـه وجرائـره وذنوبـه ومعاصيـه ؛ بـل‬
‫َ‬
‫يكـون‬ ‫الواجـب علـى العبـد العاقـل أن ُيقبِ َـل علـى اهلل تائبـا وأن يرجـع إليـه منيبـا وأن‬
‫ُ‬
‫دائمـا مالزمـا لالسـتغفار ‪ ،‬واهلل جـل ّوعلا دعـا عبـاده أجمعيـن إلـى التوبـة النصوح‬
‫ﱷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﱶ [التحريـم‪ ]8:‬أي بالنـد ِم علـى فعـل‬
‫اب َت َ‬
‫اب‬ ‫فم ْن َت َ‬
‫الذنـوب ‪ ،‬والعـز ِم علـى عـدم العودة إليهـا ‪ ،‬واإلقال ِع عنها تمامـا ‪ ،‬و (( َ‬
‫َّ ُ َ َ‬
‫يغفـر الذنـوب‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬ ‫اهلل‬ ‫فـإن‬ ‫‪،‬‬ ‫ـه‬‫ب‬‫ُ‬ ‫ذن‬ ‫كان‬ ‫ومهمـا‬ ‫ـه‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بلـغ‬ ‫مهمـا‬ ‫[[[‬
‫))‬ ‫ـه‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫اللـه ع‬
‫[[[ رواه الرتمــذي ( ‪ ،) 2499‬وابــن ماجــه ( ‪ ،) 4251‬وحســنه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب»‬
‫(‪.)3139‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2749‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2661‬ومسلم (‪.)2770‬‬
‫‪86‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جميعـا‪ ،‬وأرجـى آيـة يف كتـاب اهلل قـول اهلل ‪ : ‬ﱷ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ِ‬
‫اإلتيـان هبا‬ ‫ف يف‬ ‫ﯛ ﱶ [الزمـر‪ ، ]٥٣:‬وال يليـق بالمسـلم أن ي ِ‬
‫ؤخ َـر التوبـ َة أو أن ُي َس ِّـو َ‬ ‫ُ‬
‫َّ َّ‬
‫((إن الل َـه‬‫المـوت ‪ ،‬وقـد جـاء يف الحديـث عـن النبـي ﷺ ‪ِ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ده ُمـ ُه‬
‫ألنـه ال يـدري متـى َي َ‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ َ َ ْ‬
‫الت ْو َبـة‬ ‫ـل ت ْو َبـة ال َع ْب ِـد َمـا ل ْـم ُيغ ْرغِ ْـر ))[[[ ‪ ،‬وكذلـك جـاء يف الحديـث ((وال تنق ِطـع‬
‫يقب ُ‬
‫نبادر‬ ‫َ َّ َ ْ ُ َ َّ ْ ُ ْ َ ْ َ‬
‫حتـى تطلـع الشـمس ِمـن مغ ِر ِبهـا)) ‪ ،‬فالواجـب علينا أجمعين ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن َ‬
‫[[[‬

‫إلـى توبـة نصـوحٍ إلـى اهلل ‪ ‬نغادر فيها الذنوب ون َُـو ِّد ُع فيها الخطايـا ونُقبِل على‬
‫يقـرب‬ ‫ال صادقـا راجيـن رحمتَـه خائفيـن مـن عذابـه مقبِليـن علـى طاعتـه ومـا ِّ‬ ‫اهلل إقبـا ً‬
‫إليه‪.‬‬

‫اللهـم وفقنـا للتوبـة النصـوح ‪ ،‬اللهـم وفقنـا للتوبـة النصـوح ‪ ،‬اللهـم َو ِّفقنـا للتوبـة‬
‫النصـوح ‪ ،‬اللهـم اشـرح صدورنـا للتوبـة يا ذا الجلال واإلكرام ‪ ،‬اللهـم اهدنا للتوبة ‪،‬‬
‫اللهـم أعنـا علـى التوبـة ‪ ،‬اللهـم وتقبل توبتنا واغسـل حوبتنـا واغفر زلتنا واستر عيبنا‬
‫يـا ذا الجلال واإلكـرام ‪ ،‬واجعلنـا مـن عبـادك المتقين ‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمــذي (‪ ،)3537‬وابــن ماجــه (‪ ،)4253‬وحســنه األلبــاين يف «صحيــح الرتمــذي»‬


‫(‪.)2802‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)2479‬والرتمــذي (‪ ،)3535‬وابــن ماجــه (‪ ،)4070‬وصححــه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح أبــي داود» (‪.)2241‬‬
‫[[[‬
‫عشرة مشاهد للوقاية من الذنوب‬

‫الحمـد هلل الغفـور الرحيـم ‪ ،‬التـواب الحكيـم ‪ ،‬غافـر الذنـب وقابـل التـوب شـديد‬
‫العقـاب ذي الطـول ال إليـه إال هـو إليـه المصيـر ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال‬
‫شـريك لـه إلـه األوليـن واآلخريـن ‪ ،‬وقيوم السـماوات واألرضيـن ‪ ،‬السـميع البصير‪،‬‬
‫وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ‪ ،‬وصفيـه وخليلـه ‪ ،‬وأمينـه علـى وحيـه ‪ ،‬ومب ِّلـغ‬
‫النـاس شـرعه ‪ ،‬السـراج المنيـر ؛ صلـى اهلل وسـلم عليه وعلـى آله وأصحابـه أجمعين‬
‫‪ ..‬أمـا بعـد ‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى فإن تقواه ‪ ‬سـعادة الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وترك لمعصية‬ ‫وتقوى اهلل ‪ : ‬عمل بطاعة اهلل على ٍ‬
‫نور من اهلل رجاء ثواب اهلل ‪،‬‬
‫اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل خيفة عذاب اهلل ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬إن فالح المرء وسـعادته بطاعته لسـيده ومـواله ‪ ،‬والبعد‬
‫عـن كل مـا يسـخطه ‪ ‬وكل ما يبغضـه ويأباه ‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432-5-4 /‬هـ‬
‫‪88‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬وللذنـوب علـى العبـد أضرار خطيـرة وعواقب وخيمـة يف دنياه وأخراه‪،‬‬
‫وال تـزال بواعـث الذنـوب ودواعـي المعاصـي ومثيـرات الوقـوع يف الخطيئـة تمـر‬
‫بالعبـد بيـن وقـت وآخـر ؛ والنـاس بيـن أسـير للذنـوب طريـح للمعاصـي ‪ ،‬وبيـن ٍ‬
‫عبـد‬
‫وفقـه اهلل ‪ ‬وأعانـه فهـداه صراطـه المسـتقيم وأعـاذه مـن الشـرور ومـن غوائـل‬
‫الذنـوب وأضرارهـا ‪ ،‬والموفـق مـن يوفقـه ربـه ‪ ‬ويعينـه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف هـذه الوقفـة تنبيـه على عشـرة مشـاهد عظيمـة ؛ إذا وفق قلب‬
‫المسـلم لشـهودها وكانـت حاضـر ًة يف قلبـه وكان مسـتحضر ًا لهـا كان فيهـا بـإذن اهلل‬
‫‪ ‬أكبر عـون لـه للوقايـة مـن الذنـوب والسلامة مـن شـرورها والبعـد بـإذن اهلل‬
‫‪ ‬عـن الوقـوع فيهـا [[[‪.‬‬

‫أيها المؤمنون ؛ المشـهد األول ‪ :‬أن يشـهد القلب إجالل ربه ومواله الذي يسـمعه‬
‫ويـراه ويعلـم بحالـه أن يشـاهده حيـث ننهـاه ‪ ،‬وإذا كان العبـد مسـتحضر ًا لهـذا المقام‬
‫العظيـم والمشـهد المبـارك حجـزه بـإذن اهلل عـن الوقـوع يف الذنـب والخطيئـة ‪ ،‬وكما‬
‫قيـل ‪« :‬مـن كان بـاهلل أعـرف كان منـه أخـوف ‪ ،‬ولعبادته أطلب ‪ ،‬وعـن معصيته أبعد»‪.‬‬

‫والمشـهد الثاين ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ : -‬شـهود القلب حب اهلل ‪ ‬وترك الذنوب‬


‫والبعـد عنهـا طلبـا لهـذا المقـام العظيم والمطلـب الجليل ‪ ،‬فـإن المعصيـة والذنب ‪-‬‬
‫[[[ قــال شــيخنا عبــد الــرزاق بــن عبــد المحســن البــدر جفظــه اهلل ‪« :‬ولهــذا نجــد العلمــاء قــد‬
‫أوضحــوا هــذه البواعــث التــي تعيــن علــى الخــاص مــن الذنــوب قديمــا وحديثــا‪ ،‬وكان مــن‬
‫جملتهــم اإلمــام العالمــة المربــي ابــن القيــم ‪ $‬فقــد كتــب فصــا نفيســا يف كتابــه (عــدة‬
‫الصابريــن وذخيــرة الشــاكرين) ذكــر فيــه عشــرين باعثــا لتقويــة الديــن واإليمــان‪ ،‬والخــاص‬
‫مــن الذنــوب واآلثــام‪ ،‬جمعهــا جمعــا متينــان وبينهــا بيانــا نافعا»«بواعــث الخــاص مــن‬
‫الذنــوب» (ص‪.)4‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪89‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يفـوت علـى العبـد حظـه ونصيبـه مـن محبـة اهلل ‪ ‬لـه بحسـب‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪ِّ -‬‬
‫مـا وقـع فيه مـن ٍ‬
‫ذنـب أو خطيئة ‪.‬‬

‫المشـهد الثالث ‪ -‬عباد اهلل ‪ : -‬شـهود النعمة واإلحسـان ؛ فكم هي نعم اهلل ‪‬‬
‫علـى العبـد نازلـة !! يف صحتـه ويف بدنـه ويف أهلـه ويف ماله أنواع من النعـم ال تعد وال‬
‫تحصـى ‪ ،‬والكريـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـن النـاس ال يقابـل اإلحسـان باإلسـاءة بـل يقابـل‬
‫اإلحسـان مـن سـيده ومواله بالطاعـة والبعد عـن الخطيئـة والمعصية ‪.‬‬

‫المشـهد الرابـع ‪ -‬عبـاد اهلل‪ : -‬مشـهد الغضـب والعقوبـة ؛ وهـو مشـهد عظيـم أن‬
‫يذكـر مـن دعتـه نفسـه إلـى معصيـة أو ذنـب أو خطيئـة أن الذنـوب موجبـات لغضـب‬
‫الـرب ‪ ‬وسـبب لحلـول العقوبـات ‪ ،‬فمـا نزلـت عقوبة إال بذنـب وال ُرفعت إال‬
‫بتوبـة ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﱶ [نـوح‪ ]25:‬أي بسـبب خطيئاهتـم‪ ،‬ويقول‬
‫‪ : ‬ﱷ ﭠ ﭡ ﭢ ﱶ [العنكبـوت‪. ]40:‬‬

‫المشـهد الخامـس ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ : -‬مشـهد الفـوات ؛ أي أن يتأمـل مـن أراد‬


‫ٍ‬
‫خطيئـة وذنـب كـم سـيفوته مـن خيـرات الدنيـا واآلخـرة‬ ‫أن يقـارف معصيـ ًة أو يقـع يف‬
‫عندمـا يغشـى ذلكـم الذنـب أو يقـع يف تلـك الخطيئـة ‪ ،‬ثـم عبـاد اهلل أي خيـر يرجـوه‬
‫يحصـل لـذ ًة فانيـة يتبعهـا حسـر ٌة باقيـة !! تذهب الشـهوة وتبقى ِّ‬
‫الشـقوة ‪ ،‬أي خير‬ ‫مـن ِّ‬
‫ُيرجـى يف مثـل ذلـك !! ذنـب يتحمـل العبـد تبعـه وتفنـى لذتـه وتذهـب هناء ُتـه ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ؛ والمشـهد السـادس ‪ :‬وهـو مشـهد عظيـم أال وهـو مشـهد قهـر النفـس‬
‫وإرغـام الشـيطان ؛ ويف هـذا القهـر للنفـس واإلرغـام للشـيطان لـذ ٌة ال تـوازى وهنـاء ٌة‬
‫نفـس أمـارة بالسـوء ‪ ،‬وشـيطان‬ ‫ٍ‬ ‫ال توصـف ‪ ،‬والعبـد عبـاد اهلل بيـن داعييـن ‪ :‬داعـي‬
‫‪90‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫محـر ٍ‬
‫ض علـى الشـر والفسـاد ‪ ،‬ويف الدعـاء ((أ ُعـوذ ِبـك ِم ْـن ش ِّـر نف ِسـي َو ِم ْـن ش ِّـر‬ ‫ِّ‬
‫حدقـان بالعبـد فـإذا ُوفـق لترك‬ ‫ان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ي ِ‬‫الش ْـي َطان َوش ْـركه))[[[ ‪ ،‬فهمـا شـر ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫قهر لنفسـه األمارة بالسـوء وإرغام لعـدو اهلل وعدو‬
‫الذنـوب والبعـد عنهـا كان بذلكـم ٌ‬
‫المؤمنيـن ؛ الشـيطان الرجيـم ‪ -‬أعاذنـا اهلل جميعـا منـه‪. -‬‬

‫العـوض ؛ عندمـا يتذكـر عبـدُ اهلل‬


‫المشـهد السـابع ‪ -‬أيهـا المؤمنـون‪ : -‬مشـهد َ‬
‫سـيعوض على‬
‫َّ‬ ‫المؤمـن برتكـه للذنـب وبعده عـن الخطيئة طاعـ ًة هلل وطلبًا لرضاه كم‬
‫هـذا الترك مـن خيـرات عظيمة وبـركات عميمـة يف دنياه وأخـراه ‪ ،‬ومن ترك شـيئًا هلل‬
‫عوضـه اهلل خيـر ًا منـه‪ ،‬ويف العـوض ممـا يتحقـق للعبـد يف دنيـاه وأخـراه خيـر مـن ٍ‬
‫لـذة‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫تجـر عليـه مـن العواقـب واآلثـار مـا ال‬ ‫ٍ‬
‫ينالهـا العبـد يف معصيـة رذيلـة وخطيئـة قبيحـة ُّ‬
‫يحمـد عقبـاه يف دنيـاه وأخـراه ‪.‬‬

‫المشـهد الثامـن ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ : -‬مشـهد المعيـة ؛ معيـة اهلل ‪ ‬الخاصة‬


‫لعباده المؤمنين ‪ ،‬عباده التائبين ‪ ،‬عباده المتطهرين ‪ ،‬عباده المتقين ‪ ،‬عباده المحسنين‬
‫؛ وهـي معيـ ٌة تقتضـي النصـر والتأييد والحفظ والـكالءة والرعايـة والعناية‪ ،‬فما أعظم‬
‫ففوت على نفسـه هذه المعيـة العظيمة‬
‫خسـران مـن غشـى الذنوب وارتكـب الخطايا َّ‬
‫‪ ،‬واهلل يقـول ‪:‬ﱷ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﱶ [األنفـال‪ ، ]46:‬ويقـول ‪‬‬
‫‪ :‬ﱷ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﱶ [العنكبـوت] ‪،‬‬
‫واآليـات يف هـذا المعنـى ‪-‬أيها المؤمنـون ‪ -‬كثيرة ‪.‬‬

‫عاج َل ِـة األجـل ؛ وذلكـم أن أجل اإلنسـان‬


‫المشـهد التاسـع ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ : -‬مشـهد ُم َ‬
‫وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتمــذي»‬
‫َّ‬ ‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ، )5067‬والرتمــذي (‪،)3392‬‬
‫(‪.)2701‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪91‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومغادرتـه لهـذه الحيـاة أمـر مغ َّيـب ال يعلمـه اإلنسـان وﱷ ﮰ ﮱ ﯓ ﱶ‬
‫[الرعـد‪ ]38:‬وﱷ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﱶ[يونـس‪. ]49:‬‬
‫ٍ‬
‫إنسـان سـافر إلـى ديـار بعيـدة وليـس له يف سـفره همـة إال أن‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬كـم مـن‬
‫ٍ‬
‫إنسـان تحـرك مـن بيتـه‬ ‫يعصـي اهلل فمـات وهـو يف طريقـه يف ذلـك السـفر ‪ ،‬وكـم مـن‬
‫لـم يتحـرك إال لمعصيـة اهلل ومـات قبـل أن يقـارف تلـك المعصيـة ‪ ،‬فاألجـل عبـاد اهلل‬
‫مقدمـات وبـدون اسـتئذان ‪ ،‬فإذا‬ ‫ٍ‬ ‫أمـر مغ َّيـب وهـو يـأيت اإلنسـان ُفجـاءة وبغتة وبـدون‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اسـتحضر العبـد ذلـك كان ذلـك دافعـا لـه إلصلاح نفسـه (( ِإذا أ ْم َس ْـيت فلا ت ْن َت ِظ ْـر‬
‫َّ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ـت َف َلا َت ْن َتظ ْـر ْال َم َس َ‬
‫ـاء ))[[[ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الصبـاح ‪ ،‬و ِإذا أصبح‬

‫المشـهد العاشـر ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ : -‬مشـهد البلاء والعافيـة ؛ والبلاء حقيقـ ًة يف‬
‫الذنـوب وآثارهـا وعواقبهـا ‪ ،‬والعافية يف طاعـة اهلل ‪ . ‬فالبالء حقًا يف الوقوع يف‬
‫سـخط اهلل ومعصيـة اهلل ‪ ‬وهـو سـبب كل بلاء وشـر ‪ ،‬والعافية ‪-‬أيهـا المؤمنون‬
‫‪ -‬يف طاعـة اهلل ‪ ، ‬فـإذا شـهد المؤمـن ذلـك ‪-‬أنـه بالبعـد عـن الذنـوب تتحقق له‬
‫العافيـة ويسـ َلم مـن البلاء‪ -‬يكـون له يف ذلـك عونًا عظيمـا على ترك الذنـوب والبعد‬
‫عنها ‪.‬‬

‫وإنـا لنسـأل اهلل الكريـم ر َّبنـا أن يوفقنـا جميعـا للتوبـة النصـوح ‪ ،‬وأن يهدينـا إليـه‬
‫صراطـا مسـتقيما ‪ ،‬وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه ‪ ،‬وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عين ‪.‬‬
‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيم ‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)6416‬‬


‫‪92‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل الواحـد األحـد ؛ وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلى آلـه وصحبه أجمعيـن ‪ ..‬أما‬
‫بعـد عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫وحسـ ُن االلتجـاء إلى‬


‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويتأكـد يف هـذا المقـام ويف كل مقـام كثـر ُة الدعـاء ُ‬
‫اهلل ‪ ‬فـإن الهدايـة ‪-‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬بيـد اهلل والتوفيـق بيـد اهلل ‪ ،‬وال مهتـدي‬
‫وال مسـتقيم إال مـن هـداه اهلل ‪ ‬ووفقـه للـزوم سـبيل االسـتقامة ‪ ،‬ومـن أعطـي‬
‫الدعـاء أعطـي اإلجابـة ﱷ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱶ [غافـر] ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬مـا أحـوج العبد إلى أن ُيكثـر الدعاء وأن يكثر االلتجاء إلى سـيده‬
‫وربـه ومـواله أن يهديـه ‪ ،‬وأن يصلـح قلبـه ‪ ،‬وأن يثبته على الحق والهـدى ‪ ،‬وأن يعيذه‬
‫مـن سـبيل الهلاك والردى ‪ ،‬والتوفيق بيـد اهلل وحده ‪.‬‬
‫ن ْ‬
‫ال ِب َدع‬ ‫ير م َ‬ ‫ْ‬
‫ذ ُ ِ‬‫التَّح ِ‬
‫[[[‬

‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل من شـرور‬
‫اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده ُ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ؛ إلـه األوليـن واآلخريـن ‪ ،‬وق ُّيـوم‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ‪ ،‬وخيرتـه مـن خلقـه ‪،‬‬
‫السـماوات واألرضيـن ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وسـفيره بينـه وبيـن عبـاده ‪ ،‬ب َّلغ الرسـالة ‪ ،‬وأ َّدى األمانة‪ ،‬ونصـح األمة ‪ ،‬وجاهد يف اهلل‬
‫ُ‬
‫شـرا إال حذرها‬
‫خيـرا إال دل أمته عليـه ‪ ،‬وال ً‬
‫حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن ‪ ،‬فمـا تـرك ً‬
‫منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ‪ ،‬وأرشـده‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل‬ ‫إلـى خيـر أمـور دينـه ودنيـاه ‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل خيفة عـذاب اهلل ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لقـد بعـث اهلل ‪ ‬رسـوله المصطفى ونبيـه المجتبى‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1436-3-11 /‬هـ‬
‫‪94‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عليـه صلـوات اهلل وسلامه ‪ ،‬بعثـه إلـى اهلل ‪ ‬داعيـا ‪ ،‬ولإليمـان مناديـا ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫منكـر ناهيـا؛ فبلـغ‬ ‫آمـرا ‪ ،‬وعـن كل‬‫وإلـى دار الخلـد مرشـدً ا وهاديـا ‪ ،‬وبـكل معـروف ً‬
‫♥ البلاغ المبيـن ‪ ،‬وكان نب ًيـا ناصحـا وهاد ًيـا مصلحـا وقـدو ًة مرشـدا ‪،‬‬
‫حذرهـا منـه ‪ ،‬فب َّلـغ البلاغ المبيـن ‪.‬‬
‫شـرا إال َّ‬
‫خيـرا إال دل األمـة عليـه ‪ ،‬وال ً‬
‫مـا تـرك ً‬
‫ٍ‬
‫بشـريعة اتصفـت بالشـمول والبقـاء والكمـال ؛ فهـي‬ ‫وقـد بعثـه اهلل جـل يف علاه‬
‫شـاملة ألنـه ♥ ُبعـث رحمـ ًة للعالميـن ﱷ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﱶ [األعـراف‪ ، ]158:‬وهـي باقيـة إلـى قيـام السـاعة فلا ديـن‬
‫وال شـرع إال مـا جـاء بـه ♥ ‪.‬‬

‫واهلل ‪ ‬سـدَّ كل طريـق إلـى الجنـة إال مـن طريقـه ‪ ،‬فمـن طلـب الجنـة من غير‬
‫طريقـه ♥ أو اسـتفتح باهبـا بغيـر هـداه فإنـه لـن يكـون مـن أهلهـا ولـن‬
‫يلِجهـا حتـى يكـون خلـف النبـي ♥ لهـا مـن الداخليـن ‪.‬‬

‫ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬افترض اهلل ‪ ‬علـى العبـاد محبـة هـذا الرسـول‬
‫َّ‬
‫وحـذر ‪‬‬ ‫♥ وطاعتـه واتبـاع أمـره ولـزوم شـرعه وسـلوك هـداه ‪،‬‬
‫مـن معصيتـه ♥ ومخالفـة هديـه القويـم بركـوب األهـواء المضلـة‬
‫والبـدع المطغيـة التـي مـا أنـزل اهلل هبـا مـن سـلطان ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬بـل إن اهلل ‪ ‬جعل هذا النبي ♥ أولى‬
‫بـكل مؤمـن ومؤمنـة مـن نفسـه ‪ ،‬فالحـق نحـوه والواجب تجاهـه ♥ أن‬
‫يحـب محبـ ًة مقدمـ ًة علـى محبـة النفـس والوالـد والولـد والنـاس أجمعيـن ‪ ،‬ففـي‬
‫َ‬
‫«صحيـح البخـاري» عـن عمـر بـن الخطـاب ﭬ أنـه قـال ‪ « :‬يـا رس َ ِ‬
‫ـول اهَّلل َلَن َ‬
‫ْـت‬ ‫َ َ ُ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪95‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب إِ َلـي مِـ ْن ك ُِّل َشـي ٍء إِ َّل مِـ ْن َن ْف ِسـي» ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َْ‬ ‫َ َّ‬
‫ـال ﷺ ‪(( :‬ال َوال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِه ‪َ ،‬ح َّتـى‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫أ َح ُّ َّ‬
‫ب إِ َل َّي‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ْـت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫‪،‬‬‫اآلن واهَّللِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫ﭬ‬ ‫ـر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬
‫َ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫))‬ ‫ـك‬ ‫أكـون أحـب ِإليـك ِمـن نف ِس‬
‫مِـ ْن َن ْف ِسـي» ‪ ،‬ف َق َ‬
‫َ‬
‫ـال‪(( :‬اآلن َيـا ُع َم ُـر))[[[ ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬
‫((وال ِذي نف ِسـي ِب َي ِد ِه ال‬ ‫وثبـت يف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبي ﷺ قال ‪:‬‬
‫النـاس َأ ْج َم ِع َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ين))[[[ ‪.‬‬ ‫ُيؤ ِمـن أحدك ْـم حتـى أكون أح َّب ِإل ْي ِه ِمـن َوا ِل ِد ِه َو َول ِد ِه َو ِ‬

‫معاشـر المؤمنيـن ‪ :‬إن هـذه المحبـة للنبـي الكريـم ♥ ليسـت مجـرد‬


‫ٍ‬
‫أمـر يقـال أو دعـوى تدَّ عـى ‪ ،‬وإنمـا حقيقـة هـذه المحبـة وصـدق قيامها يف قلـب العبد‬
‫مؤتمـا بـه مهتد ًيـا هبـداه‪ :‬ﱷ ﯯ ﯰ‬
‫ً‬ ‫أن يكـون متب ًعـا للنبـي الكريـم ♥‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿﰀﱶ‬
‫[األحـزاب‪.[[[ ]21:‬‬

‫اتبـاع الرسـول‬
‫ُ‬ ‫وعالمـة صـدق هـذه المحبـة وبرهـان تم ُّكنهـا مـن القلـب ‪:‬‬
‫♥ ‪ ،‬كمـا قـال اهلل ‪ : ‬ﱷ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)6632‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪.)44‬‬
‫ـوب َو ُهـ َـو‬ ‫ل ِة ا ْل َم ْح ُبـ ِ‬ ‫ل بِ ُمـ َـوا َ‬ ‫ـم إ َّ‬ ‫[[[ قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة ‪َ « :$‬فح ِقي َقـ ُة ا ْلمحبـ ِـة َ ِ‬
‫ل َتتـ ُّ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ـض ا ْل ُك ْفـ َـر‬ ‫ِ‬
‫ـان َوال َّت ْقـ َـوى َو ُي ْبغـ ُ‬ ‫يمـ َ‬ ‫ِ‬
‫ـض َو َاهَّلل ُيحـ ُّ ِ‬ ‫ـض َمــا ُي ْب ِغـ ُ‬‫ـب َو ُب ْغـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب ْال َ‬ ‫ُ‬ ‫ـب َمــا ُيحـ ُّ‬ ‫ُم َوا َف َق ُتـ ُه فــي ُحـ ّ‬
‫ـان ‪.‬‬‫ـوق َوا ْل ِع ْص َيـ َ‬ ‫َوا ْل ُف ُسـ َ‬
‫ـب فِ ْعـ َـل‬ ‫ـب ا ْل َق ْلـ ُ‬
‫ـب َط َلـ َ‬ ‫ـت ا ْل َم َح َّب ـ ُة فِــي ا ْل َق ْلـ ِ‬ ‫ـب َف ُك َّل َمــا َق ِو َيـ ْ‬ ‫ـب ُي َحـ ِّـر ُك َإرا َد َة ا ْل َق ْلـ ِ‬‫َو َم ْع ُلــو ٌم َأ َّن ا ْل ُحـ َّ‬
‫ـول ا ْلمحبوبـ ِ‬ ‫ـت ا ْلمحبـ ُة َتامـ ًة اسـ َت ْل َزم ْت إراد ًة ج ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـات ‪َ .‬فــإِ َذا‬ ‫از َمـ ًة فــي ُح ُصـ ِ َ ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ا ْل َم ْح ُبو َبــات َفــإِ َذا كَا َنـ ْ َ َ َّ َّ ْ‬
‫َان َلـ ُه‬‫ـك ك َ‬ ‫اجـ ًـزا َعن َْهــا َف َف َعـ َـل َمــا َي ْقـ ِـد ُر َع َل ْيـ ِـه مِـ ْن َذلِـ َ‬ ‫َان َع ِ‬ ‫ـاد ًرا َع َل ْي َهــا َح َّص َل َهــا‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬ ‫َان ا ْلعبــدُ َقـ ِ‬
‫ك َ َْ‬
‫اعـ ِل »«مجمــوع الفتــاوى» (‪.)192/10‬‬ ‫ك ََأجـ ِـر ا ْل َف ِ‬
‫ْ‬
‫‪96‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱶ [آل عمـران] ‪.‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل ‪ :‬ومـن ينظـر إلـى حال الرعيـل األول والصـدر المبارك‬
‫لهـذه األمـة ؛ الصحابـة ثـم مـن اتبعهـم بإحسـان يـرى العالئـم الواضحـة والرباهيـن‬
‫الصادقـة يف حياهتـم المباركـة اتبا ًعـا لهـدي النبـي الكريـم ♥ ولزو ًمـا‬
‫لصراطـه المسـتقيم و ُبعـدً ا عـن األهـواء والمحدثـات والبـدع ‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقـول ‪:‬‬
‫ﱷﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﱶ [التوبـة] ‪.‬‬

‫فيـا معاشـر المؤمنيـن ‪ :‬إن مـن لـم يسـ ْعه مـا وسـع الصحـب الكـرام ومـن اتبعهـم‬
‫بإحسـان لـم يكـن مـن أهـل الفـوز والرضوان‪ ،‬وإنمـا يكون عيـا ًذا باهلل من أهـل الخيبة‬
‫والخسـران ‪.‬‬

‫وجـب علـى كل مسـلم أن يحـرص علـى مجاهـدة نفسـه علـى حسـن‬


‫ولهـذا َ‬
‫االتبـاع وتمـام االقتـداء وكمـال االهتـداء هبـدي النبـي الكريـم ♥ ‪ ،‬فإن‬
‫شـريعته كمـا أهنـا شـاملة وباقيـة إلـى قيـام السـاعة ‪ ،‬فهـي كاملـ ٌة ليـس فيهـا نقصـان ‪،‬‬
‫تامـ ٌة ليـس فيهـا خلـل فـاهلل ‪ ‬يقـول ‪ :‬ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱶ [المائـدة‪ ، ]3:‬فمـا لـم يكـن دينًـا زمـن محمـد‬
‫♥ وأصحابـه فلـن يكـون دينًـا إلـى قيـام السـاعة ‪ ،‬ولـن يص ُلـح آخر هذه‬
‫األمـة إال بمـا صلـح بـه أولهـا ‪.‬‬

‫اللهـم يـا رب العالميـن نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا وبأنـك أنـت‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪97‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ال إلـه إال أنـت أن ترزقنـا أجمعيـن حسـن االتبـاع لنبيـك الكريـم ♥‬
‫وأن تحشـرنا يف زمرتـه يـوم القيامـة وتحـت لوائـه غيـر مغ ِّيريـن وال مبدِّ ليـن‪.‬‬

‫اللهـم ووفقنـا للـزوم هـداه واتبـاع هديـه ‪ ،‬وأعذنـا يـا ربنـا مـن منكـرات األخلاق‬
‫واألهواء واألدواء إنك سـميع الدعاء وأنت أهل الرجاء وأنت حسـبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ‪ ،‬ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هو‬
‫كمـا أثنـى علـى نفسـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫محمـدً ا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أما بعد عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬لقـد تكاثـرت األحاديـث عـن نبينـا الكريـم ♥ يف التحذيـر‬


‫مـن البـدع والنهـي عنهـا وبيـان خطرها الشـديد علـى األمة ‪ ،‬فمـن ذلكم عبـاد اهلل ‪ :‬أن‬
‫ُ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫النبـي ﷺ كان إذا خطـب النـاس يـوم الجمعـة قـال يف خطبتـه ‪(( :‬أ َّمـا َب ْعـد ‪ ،‬ف ِـإن خ ْي َـر‬
‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ ْ ُ‬ ‫ـاب اللـه‪َ ،‬و َخ ْي ُـر ْال ُه َـدى ُه َـدى ُم َح َّ‬
‫ْال َحديـث ك َت ُ‬
‫ـور ُم ْحدثات َهـا ‪َ ،‬وك ُّل‬‫ِ‬ ‫م‬‫ال ُ‬ ‫ـر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ﷺ‬ ‫ـد‬
‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ َ َ ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِبد َع ٍة ضللـة))[[[ ‪،‬‬

‫وجـاء يف «السـنن» مـن حديـث العرباض بن سـارية ﭬ يف مقـام تحذير األمة من‬
‫الراشـد َ‬ ‫((ف َع َل ْي ُك ْـم ب ُس َّـنتي َو ُس َّـن ِة ْال ُخ َل َف ْ َ ْ ِّ َ‬
‫َ‬
‫االختلاف أن النبـي ﷺ قـال‪:‬‬
‫ين‬ ‫ـاء المه ِدييـن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ ُ ُ َ َّ ُ ْ‬ ‫َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫ـكوا ب َهـا َو َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ‬
‫ـور ف ِـإن ك َّل ِبد َع ٍـة‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ـات‬
‫ِ‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ـم‬ ‫اك‬ ‫ي‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ـذ‬
‫ِ‬ ‫اج‬‫ِ‬ ‫و‬‫الن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تمس‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬


‫‪98‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ٌ‬
‫ضللـة))[[[ ‪.‬‬

‫ً‬
‫وأصلا عظيمـا يف هـذا‬ ‫وجـاء عنـه ♥ ‪-‬وهـو ُي َعـد قاعـد ًة جامعـة‬
‫ٌّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ً َ‬
‫ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[ ‪ ،‬ويف روايـة‪:‬‬
‫((م ْـن َع ِم َ‬
‫البـاب‪ -‬أنـه ﷺ قـال ‪َ :‬‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫((م ْـن أ ْحـدث ِفـي أ ْم ِرنـا هـذا َمـا ل ْي َـس ِم ْن ُـه ف ُه َـو َرد ))[[[ أي مـردود علـى صاحبـه غيـر‬
‫ٍ‬
‫مقبـول منـه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬ومـن يتأمل يف واقع الناس والسـيما يف األزمنة المتأخرة‬
‫ٍ‬
‫وجـود يف زمـن الصحابـة‬ ‫أي‬ ‫ً‬
‫وأعمـال محدثـة لـم يكـن لهـا ُّ‬ ‫أمـورا عجيبـة‬
‫ً‬ ‫يـرى فيهـم‬
‫ريـب ‪-‬عباد اهلل‪ -‬أن هذه األعمال التي يمارسـها المتأخرون ليسـت‬ ‫ﭬم ‪ ،‬ومـا مـن ٍ‬
‫شـر وقـى الصحابـة منـه‬
‫خيـرا ا َّدخـره اهلل لهـؤالء وصـرف عنـه الصحابـة ‪ ،‬وإنمـا هـو ٌ‬
‫ً‬
‫وابتُلـي بـه هـؤالء‪ ،‬فلا خيـر ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬وال فلاح وال سـعادة يف الدنيـا واآلخـرة إال‬
‫بلـزوم هـدي الصحابـة الكـرام ولـزوم النهـج الـذي كانـوا عليـه ﭬم وأرضاهم ‪.‬‬

‫ومـن ذلكـم عبـاد اهلل ‪ :‬مـا يفعله بعض النـاس من إقامة احتفال بمناسـبة مولد النبي‬
‫الكريـم ♥ ؛ فإنـك إذا نظـرت يف تاريـخ هذا العمل وبدأ نشـأته ووجوده‬
‫فإنـك ال تـرى لـه وجـو ًدا إال يف القـرن الرابـع الهجـري ‪ ،‬وأمـا قبـل ذلـك يف القـرون‬
‫المفضلـة قـرن الصحابـة والتابعيـن لهـم بإحسـان ومـن تبعهـم مـن أتبـاع التابعيـن كل‬
‫هـؤالء لـم يقـع عندهـم وال يف زماهنـم شـيئا مـن هـذه االحتفاالت ‪.‬‬

‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)4607‬والرتمــذي (‪ ،)2676‬وابــن ماجــه (‪ ،)42‬وصححــه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح الرتغيــب» (‪.)37‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2697‬ومسلم (‪.)1718‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪99‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فالخيـر عبـاد اهلل باتباعهـم ﭬم وأرضاهـم ؛ فـإن محبتهـم للنبـي الكريـم‬
‫♥ هـي المحبـة الصادقـة القائمـة علـى حسـن االتبـاع وتمـام التأسـي‬
‫بالرسـول الكريـم ♥ ‪.‬‬

‫اللهـم ارزقنـا لـزوم هـدي الصحابـة الكـرام أبي ٍ‬


‫بكـر وعمـر وعثمان وعلي وسـائر‬
‫الصحابـة ‪ ،‬ووفقنـا للـزوم هنجهـم يـا رب العالميـن ‪ ،‬وأعذنـا مـن البـدع المرديـة‬
‫واألهـواء المطغيـة يـا ذا الجلال واإلكـرام[[[ ‪.‬‬

‫[[[ قــال ســماحة الشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز ‪ « :$‬ولــو كان االحتفــال بيــوم المولــد النبــوي‬
‫مشــروعا لبينــه الرســول ﷺ ألمتــه ؛ ألنــه أنصــح النــاس ‪ ،‬وليــس بعــده نبــي يبيــن مــا ســكت‬
‫عنــه مــن حقــه ؛ ألنــه ﷺ خاتــم النبييــن ‪ ،‬وقــد أبــان للنــاس مــا يجــب لــه مــن الحــق كمحبتــه‬
‫واتبــاع شــريعته ‪ ،‬والصــاة والســام عليــه وغيــر ذلــك مــن حقوقــه الموضحــة يف الكتــاب‬
‫والســنة ‪ ،‬ولــم يذكــر ألمتــه أن االحتفــال بيــوم مولــده أمــر مشــروع حتــى يعملــوا بذلــك ‪ ،‬ولــم‬
‫يفعلــه ﷺ طيلــة حياتــه ‪ ،‬ثــم الصحابــة ﭬم أحــب النــاس لــه وأعلمهــم بحقوقــه لــم يحتفلــوا‬
‫هبــذا اليــوم ‪ ،‬ال الخلفــاء الراشــدون وال غيرهــم ‪ ،‬ثــم التابعــون لهــم بإحســان يف القــرون الثالثــة‬
‫المفضلــة لــم يحتفلــوا هبــذا اليــوم ‪.‬‬
‫أفتظــن أن هــؤالء كلهــم جهلــوا حقــه أو قصــروا فيــه حتــى جــاء المتأخــرون فأبانــوا هــذا النقــص‬
‫وكملــوا هــذا الحــق ؟‬
‫ال واهلل ‪ ،‬ولــن يقــول هــذا عاقــل يعــرف حــال الصحابــة وأتباعهــم بإحســان » «مجمــوع الفتــاوى»‬
‫(‪.)319/6‬‬
‫[[[‬
‫ال ِب َدع‬ ‫أَ ْض َر ُ‬
‫ار ْ‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل من شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ‪،‬‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫خيـرا إال َّ‬
‫دل‬ ‫وصف ُّيـه وخلي ُلـه ‪ ،‬وأمينُـه علـى وحيـه ‪ ،‬ومب ِّلـغ النـاس شـرعه ‪ ،‬مـا تـرك ً‬
‫شـرا إال َّ‬
‫حذرهـا منهـا ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه‬ ‫األمـة عليـه ‪ ،‬وال ً‬
‫وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ؛ َّ‬


‫فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه ‪ ،‬وأرشـده إلـى‬
‫خيـر أمـور دينـه ودنيـاه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬الزمـوا سـنَّة نبيكـم ﷺ ‪ ،‬واستمسـكوا هبديـه والزمـوا غـرزه ‪،‬‬
‫شـر‬ ‫وحافظـوا علـى هنجـه ‪ ،‬واحـذروا يـا رعاكـم اهلل من البـدع المحدثات ؛ َّ‬
‫فإن البدع ٌ‬
‫وضـرر جمي ُعهـا ‪ ،‬ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬كان نبينـا ﷺ يف خطبـه الجامعـة ومواعظه‬
‫ٌ‬ ‫كلهـا‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1437-8-20 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪101‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وعظـم مضرهتا‬ ‫البليغـة يؤكـد ويكـرر تحذيـرا مـن البـدع وهنيا عنهـا وتبيانًـا لخطورهتا ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫علـى األمة ‪.‬‬

‫روى اإلمـام مسـلم يف كتابـه «الصحيـح» عـن جابـر بـن عبـد اهلل ﭭ قـال ‪« :‬ك َ‬
‫َان‬
‫رس ُ ِ‬
‫اح َم َّـر ْت َع ْينَـا ُه‪َ ،‬و َع َلا َص ْو ُتـ ُه‪َ ،‬و ْاشـتَدَّ َغ َض ُبـ ُه‪َ ،‬حتَّـى ك ََأنَّـ ُه‬ ‫ـب ْ‬ ‫ـول اهلل ﷺ إِ َذا َخ َط َ‬ ‫َ ُ‬
‫ُمن ِْـذ ُر َج ْي ٍ‬
‫َ‬
‫ـول‪(( :‬أ َّما َب ْع ُـد‪َ ،‬فإ َّن َخ ْي َـر ْال َحديث ك َت ُ‬
‫اب‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـم َو َم َّسـاك ُْم‪َ ...‬و َي ُق ُ‬ ‫ـول َص َّب َح ُك ْ‬ ‫ـش َي ُق ُ‬
‫َ َ ٌَ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ ُّ ْ ُ‬ ‫اللـه‪َ ،‬و َخ ْي ُـر ْال ُه َـدى ُه َدى ُم َح َّ‬
‫ـور ُم ْحدثات َهـا‪َ ،‬وك ُّل ِبد َع ٍـة ضللة))»[[[ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ال ُ‬ ‫ـر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫ﷺ‪،‬‬ ‫د‬‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ـول اهَّللِ‬ ‫وروى ابـن ماجـة وغيـره عـن العربـاض بـن سـارية ﭬ قـال ‪َ :‬قـا َم فِينَا َر ُس ُ‬
‫ـون‬‫ـت مِن َْهـا ا ْل ُع ُي ُ‬‫ـوب َو َذ َر َف ْ‬ ‫ات يـو ٍم َفو َع َظنَـا مو ِع َظـ ًة بلِي َغـ ًة و ِج َل ْ ِ‬
‫ـت من َْهـا ا ْل ُق ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫‪-‬ﷺ‪َ -‬ذ َ َ ْ َ‬
‫ـول اهَّللِ َو َع ْظ َتنَـا َم ْو ِع َظـ َة ُم َـو ِّد ٍع َفا ْع َهـدْ إِ َل ْينَـا بِ َع ْه ٍـد َف َق َ‬ ‫َف ِق َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ـال « َعل ْيك ْـم ِب َتق َـوى‬ ‫يـل َيـا َر ُس َ‬
‫ْ ًَ َ ً َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ً‬ ‫َّ‬
‫اع ِـة َو ِإن َع ْبـدا َح َب ِش ًّـيا َو َس َـت َر ْون ِم ْـن َب ْع ِـدى اخ ِتالفـا ش ِـديدا ف َعل ْيك ْم‬ ‫الط َ‬ ‫الس ْـم ِع َو َّ‬
‫الل ِـه َو َّ‬
‫األ ُم َ‬‫َ َّ ُ ْ َ ُ‬ ‫يـن َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ‬ ‫ين ْال َم ْهد ِّي َ‬ ‫الراشـد َ‬ ‫ُ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ‬
‫ـور‬ ‫الن َو ِاج ِـذ و ِإياكـم و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاء َّ‬ ‫ِبسـن ِتى وسـن ِة الخل ِ‬
‫ف‬
‫َ ََ ٌ‬ ‫َ َّ ُ ْ‬ ‫ْ ْ ََ‬
‫ـات ف ِـإن ك َّل ِبد َع ٍـة ضاللـة »[[[‪.‬‬ ‫ال ُمحدث ِ‬

‫وأضـرار جسـيمة وعواقـب وخيمة‬


‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬إن البـدع لهـا أخطـار عظيمـة‬
‫علـى أهلهـا وأرباهبـا يف دنياهـم وأخراهـم‪ ،‬فيجـب علـى كل مسـلم أن يـدرك خطـورة‬
‫البـدع ومضرهتـا العظيمـة ليكـون منهـا علـى حـذر ‪ ،‬وليكـون مجانبـا لهـا مبتعـدً ا عنها‬
‫محـاذرا مـن اقرتافهـا وارتكاهبا ‪.‬‬
‫ً‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬


‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)4607‬والرتمــذي (‪ ،)2676‬وابــن ماجــه (‪ ،)42‬وصححــه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح الرتغيــب» (‪.)37‬‬
‫‪102‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون فمـن أخطـار البدع وأضرارهـا ‪ :‬أهنا موجب ٌة لرد العمـل وعدم قبوله‬
‫((م ْن‬‫مهمـا ك ُثـر العمـل وتعـدَّ د وكبـر ‪ ،‬وقـد جـاء يف «الصحيح» عن نبينـا ﷺ أنه قـال ‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫َأ ْح َـد َث فـي َأ ْمر َنـا َه َـذا َما َل ْي َـس فيه َف ُه َـو َر ٌّد))[[[ ‪ ،‬ويف رواية‪َ :‬‬
‫((م ْن َع ِم َل َع َملا ل ْي َس َعل ْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ َ َ‬
‫مقبول منه‪.‬‬ ‫أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد))[[[‪ ،‬أي مـردو ٌد على صاحبه غيـر‬

‫السـنن وخفائهـا و ُبعـد‬ ‫ومـن مخاطـر البـدع أيهـا المؤمنـون ‪ :‬أهنـا موجبـ ٌة لضيـاع ُّ‬
‫ـم إِ َّل ن ََز َع‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ـان ب ِ ِ‬
‫ـن َعط َّي َة ‪َ $‬ق َال‪َ « :‬مـا ا ْبتَدَ َع َق ْـو ٌم بِدْ َع ًة في دين ِه ْ‬ ‫النـاس عنهـا ‪َ ،‬عـ ْن َح َّس َ ْ‬
‫الق َيا َم ِة»[[[‪.‬‬‫اهلل مِـن سـنَّتِ ِهم مِ ْث َلهـا و َل ي ِعيدُ َهـا إِ َلي ِهـم إِ َلـى يـو ِم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ َ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫ٍ‬
‫عقيـدة يف نفوس أهل البدع؛‬ ‫ومـن مخاطـر البـدع أيها المؤمنـون ‪ :‬أهنا تنطوي على‬
‫نقصـا وعـدم وفـاء‪ ،‬ومـا أخطـر ذلـك ‪ ،‬فـإن اهلل ‪ ‬يقـول ‪:‬ﱷ ﭻ‬ ‫َّ‬
‫أن يف السـنَّة ً‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱶ [المائـدة‪،]3:‬‬
‫َ َ‬
‫((م ِـن ْاب َتدع‬
‫ولهـذا جـاء عـن اإلمـام مالـك إمـام دار الهجرة رحمـه اهلل تعالـى أنه قـال‪َ :‬‬
‫َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ِّ َ َ‬ ‫ً َّ‬ ‫ً َ َ َّ‬ ‫ْ َ ْ ً َ‬
‫الر َسـالة‪،‬‬ ‫ِفـي ِال ْسلا ِم ِبد َعـة َي َراهـا َح َس َـنة‪ ،‬ز َع َـم أن ُم َح َّمـدا َصلـى اللـه علي ِه وسـلم خان‬
‫َ َّ َّ‬
‫الل َـه َي ُق ُ‬
‫ـول‪:‬ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫ِلن‬
‫ٌ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ﮅ ﱶ[المائـدة‪ ،]3:‬ف َمـا ل ْـم َيك ْـن َي ْو َم ِئ ٍـذ ِد ًينـا‪ ،‬فلا َيكـون ال َي ْو َم ِد ًينـا))[[[‪.‬‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ومـن أخطـار البـدع أهنـا ِ‬
‫توجـب التبـاس أمـر الديـن بيـن النـاس ‪،‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2697‬ومسلم (‪.)1718‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه الدارمــي يف ســننه (‪ ،)98‬وعبــد الــرزاق يف مصنفــه (‪ ،)18660‬وأبــو نعيــم يف «الحليــة»‬
‫(‪.)73/6‬‬
‫[[[ «االعتصام» (‪.)65/1‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪103‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والسـيما بيـن العـوام وأشـباههم ؛ فيظـن الناس مـن الدين ما ليس منـه ‪ ،‬وكذلك يظن‬
‫المسـيء أنـه محسـنا ‪ ،‬واهلل تعالـى يقـول ‪ :‬ﱷ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﱶ [الكهـف] ‪.‬‬

‫ومـن مخاطـر البـدع أيهـا المؤمنـون ‪ :‬أن صاحبهـا يف الغالـب ال يتـوب منهـا ‪ ،‬ألنـه‬
‫يعتقـد أهنـا حـق وصـواب ‪ ،‬ولهـذا قـال سـفيان الثـوري ‪« : $‬البدعـة أحـب إلـى‬
‫إبليـس مـن المعصيـة ‪ ،‬ألن المعصيـة ُيتـاب منهـا والبدعـة ال يتـاب منهـا»[[[‪.‬‬
‫أن البـدع ِ‬
‫توجـب عقوبـة اهلل‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ومـن مخاطـر البـدع العظيمـة َّ‬
‫‪ ‬والطـرد يـوم القيامـة مـن الشـرب مـن الحـوض المـورود ؛ حـوض نبينـا‬
‫المصطفـى ورسـولنا المجتبـى صلـوات اهلل وسلامه عليـه‪ ،‬روى البخـاري ومسـلم‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ َْ‬
‫ـاء ِبأق َـو ٍام َي ْـو َم ال ِق َي َام ِـة ف ُيؤخـذ ِب ِه ْـم ذات‬ ‫يف «صحيحيهمـا» أن النبـي ﷺ قـال ‪ (( :‬يج‬
‫َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُ َ ُ َّ َ َ َ ْ‬
‫ـال‪ِ :‬إنـك ل تـد ِري َمـا أ ْحدثـوا َب ْعـدك))[[[‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الش َـمال َف َأ ُق ُ‬
‫ـول َيـا َر ِّب أ َص ْي َح ِابي!!فيق‬
‫ِّ‬
‫ِ‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ومـن أخطـار البدع أيضـا أهنا موجبـ ٌة للتباغض والتدابـر وال ُفرقة؛‬
‫ولهـذا يقـال «أهـل السـنة والجماعـة» ‪ ،‬ويقـال «أهـل البدعـة والفرقـة»[[[ ؛ فإن السـنَّة‬
‫َ‬
‫تفـرق ‪ ،‬ولهـذا قـال أحـد أهـل العلـم يف معنـى قـول النبـي ﷺ (( ل‬ ‫تجمـع والبدعـة ِّ‬
‫اغ ُضـوا)) ‪ :‬يف ذلـك هنـي عـن البدعـة ؛ ألن وجودهـا ِ‬ ‫ََ َ‬
‫يوجـد البِغضـة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تب‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬البـدع ظلمـ ٌة يف الوجـوه ‪ ،‬ووحشـ ٌة يف الصـدور ‪ ،‬ومفسـد ٌة‬


‫لألعمـال ‪ ،‬ومـوردة للضلال ‪ ،‬وموجبـ ٌة للعقوبـة؛ أال مـا أحرانـا أيهـا العبـاد أن نتقـي‬
‫[[[ رواه الاللكائي يف «اعتقاد أهل السنة» (‪ ،)238‬وانظر‪«:‬شرح السنة» (‪.)216/1‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)4625‬ومسلم (‪.)2304‬‬
‫[[[ انظر‪« :‬االستقامة» (ص‪.)42‬‬
‫‪104‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫البـدع ونحذرهـا ‪ ،‬وأن نحـرص علـى السـنة بـأن نكـون مـن أهلهـا المحافظيـن عليهـا‬
‫الثابتيـن عليهـا إلـى الممـات ‪.‬‬

‫اللهـم يـا ربنا نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا أن توفقنـا أجمعين ألن‬
‫نكـون مـن أهـل السـنة المالزمين لهـا المحافظين عليهـا ‪ ،‬وأن تعيذنا يا ربنـا من البدع‬
‫واألهـواء كلهـا ‪ ،‬ال ملجـأ إال إليـك ‪ ،‬نفـوض أمرنـا إليـك ونتـوكل عليـك ونطلـب‬
‫هدايتنـا منـك ‪ ،‬اللهـم فتقبـل دعوتنـا وأصلـح لنـا شـأننا كلـه ‪ ،‬وال تكلنـا إلـى أنفسـنا‬
‫طرفـة عين ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫أن محمد ًا‬


‫اهلل وحـده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫الحمـد هلل كثيـر ًا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫يعلم‬ ‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون ‪ :‬اتقـوا اهلل ربكـم ‪ ،‬وراقبـوه َّ‬
‫جـل يف علاه مراقبـة مـن ُ‬
‫أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وإذا كان علـى كل مسـلم يف كل بلـد مـن الدنيـا أن يتقـي البـدع‬
‫وأن يحذرهـا أشـد الحـذر ‪ ،‬فـإن هـذا األمـر يتأكـد علـى أهل المدينـة تأكـدً ا أعظم من‬
‫غيرهـم ‪ ،‬ألن المدينـة ‪-‬يـا معاشـر المؤمنيـن‪ -‬مـأرز اإليمـان ومهبِط الوحـي ومنطلق‬
‫الدعـوة ‪ ،‬ولهـذا جـاء يف «الصحيحيـن» عـن إبراهيـم بـن يزيـد الت ْيمـي عـن أبيـه قـال ‪:‬‬
‫خطبنـا علـي بـن أبـي طالـب ﭬ ‪ ،‬وكان مما قال يف خطبته قال ‪ :‬قال رسـول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪105‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ٌ َ َْ َ َْ َ َ ْ ََ ْ َ ْ َ َ َ ًَ‬
‫يهـا َحدثـا أ ْو َآوى ُم ْح ِدثـا ف َعل ْي ِـه‬ ‫المدينـة حـرم مـا بيـن عي ٍـر ِإلـى ثـو ٍر ‪ ،‬فمـن أحـدث ِف‬ ‫(( ِ‬
‫ً َ ًْ‬
‫اللـه ِم ْن ُـه َص ْرفـا َول َعـدل))[[[ ‪.‬‬
‫ـل ُ‬ ‫النـاس َأ ْج َم ِع َ‬
‫يـن ‪َ ،‬ل َي ْق َب ُ‬ ‫َل ْع َن ُـة اللـه َو ْال َم َلئ َكـة َو َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يحفظنـا أجمعيـن وأن يعيذنـا مـن البـدع ‪ ،‬وأن يصلح لنا شـأننا‬
‫قريـب مجيب ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سـميع‬
‫ٌ‬ ‫كلـه إنه‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)6755‬ومسلم (‪.)1370‬‬


‫[[[‬ ‫لب ْ‬
‫ال َ‬
‫مولِد‬ ‫االحتِ َفا ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬

‫الحمـد هلل الكريـم المنَّـان ؛ مـ َّن علينـا باإلسلام ‪ ،‬وجعلنـا مـن أمـة خيـر األنـام ‪،‬‬
‫أن محمـد ًا‬
‫العلام ‪ ،‬وأشـهد َّ‬ ‫ُ‬
‫الملـك َّ‬ ‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫عبـده ورسـوله إمـام الـورى وقـدوة الفضالء الكرام ؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلى آله‬
‫وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫فـإن يف تقـواه خ َل ًفـا مـن كل‬


‫أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪َّ ،‬‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نور‬ ‫شـيء ‪ ،‬وليـس مـن تقـوى اهلل خ َلـف‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وعطية‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لقـد مـ َّن اهلل علينـا معاشـر المؤمنيـن بمن ٍَّة عظمـى‬
‫كبرى ؛ مبعـث النبـي الكريـم ﷺ ‪ ،‬فأنـار اهلل ‪ ‬ببعثتـه األرض بعـد ظلماهتـا ‪،‬‬
‫وجمـع ببعثتـه القلـوب بعـد فرقتهـا وشـتاهتا ‪ ،‬يقـول اهلل ‪ :‬ﱷ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1435-3-9 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪107‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﱶ [آل عمـران]‪.‬‬

‫ويقـول ‪ :‬ﱷ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﱶ[الجمعـة] ‪.‬‬

‫ويقـول ‪ :‬ﱷ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱶ [الطلاق‪. ]11-10:‬‬

‫ويقول ‪ :‬ﱷﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﱶ [التوبة] ‪.‬‬

‫ويقـول سـبحانه‪ :‬ﱷ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﱶ [الفتـح] ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لقـد افترض اهلل ‪ ‬علـى العبـاد طاعـة هذا الرسـول‬
‫ﷺ ومحبتـه واتباعـه ولـزوم هنجـه ‪ ،‬وأوجـب ‪ ‬تقديم محبته علـى محبة األهل‬
‫والولـد والعشـيرة والتجـارة والنـاس أجمعيـن ‪ ،‬قـال اهلل ‪ :‬ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿﮀﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﱶ [التوبـة] ‪،‬‬
‫َُ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ‬
‫ويف «الصحيحيـن» عـن أنـس ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪(( :‬ال ُيؤ ِم ُـن أ َحدك ْـم َح َّتـى أكـون‬
‫الناس َأ ْج َم ِع َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫يـن))[[[‪.‬‬ ‫ـب ِإل ْي ِـه ِمـن َوا ِل ِـد ِه َو َول ِـد ِه َو ِ‬ ‫أح‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪.)44‬‬
‫‪108‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـول اهَّللِ‬
‫ويف «صحيـح البخـاري» عـن عمـر بـن الخطـاب ﭬ قـال ‪« :‬قلـت َيـا َر ُس َ‬
‫ـب إِ َلـي مِـ ْن ك ُِّل َشـي ٍء إِ َّل مِـ ْن َن ْف ِسـي» ‪َ ،‬ق َ‬
‫َْ‬ ‫َ َّ‬
‫ـال‪(( :‬ال َوال ِـذي نف ِسـي ِب َي ِـد ِه‪َ ،‬ح َّتـى‬ ‫َلَن َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْـت أ َح ُّ َّ‬
‫ـب إِ َل َّـي مِـ ْن‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ْـت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫اآلن واهَّللِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َّـ‬
‫ن‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫ف‬‫َ‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫ـر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ـال‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫‪،‬‬
‫َ ُ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫))‬ ‫ـك‬ ‫أكـون أحـب ِإليـك ِمـن نف ِس‬
‫َن ْف ِسـي» ‪َ ،‬ق َ‬
‫َ‬
‫ـال‪(( :‬اآلن َيـا ُع َم ُـر))[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬وهـذه المحبـة التـي افرتضهـا اهلل ‪ ‬علـى العبـاد‬
‫ٍ‬
‫لصـدق يف هـذه‬ ‫ٍ‬
‫تحقيـق‬ ‫أمـر يتظاهـر اإلنسـان بـه دون‬ ‫ٍ‬
‫كلمـة تدَّ عـى أو ٍ‬ ‫ليسـت مجـرد‬
‫المحبـة ‪ ،‬وقـد جعـل اهلل ‪ ‬عالمـ ًة عظيمـة وبرهانًـا واضحـا علـى صـدق محبـة‬
‫وترسـم‬
‫هـذا الرسـول ♥ أال وهـي العنايـة الدقيقـة باتباعـه ولـزوم هنجه ُّ‬
‫خطـاه‪ ،‬قـال اهلل ‪ :‬ﱷ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﱶ [آل عمـران‪ ]31:‬؛ فهـذه اآليـة ‪-‬معاشـر المؤمنيـن‪ -‬حاكمـ ٌة علـى كل مـن‬
‫ا َّدعـى محبـة الرسـول ♥ دون لـزو ٍم لنهجـه واتبـا ٍع لهديـه بـأن دعـواه‬
‫كاذبـة مـا لـم يتَّبـع هديـه ♥ ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬إن العالمـة الصادقـة التي يتحقق بوجودهـا يف العبد صدق محبته‬
‫للرسـول ♥ هـي االتبـاع لنهجـه القويـم ‪ ،‬واللـزوم لصراطه المسـتقيم ‪،‬‬
‫وال ُبعـد عـن البـدع والمحدثـات التـي مـا أنـزل اهلل ‪ ‬هبـا مـن سـلطان ‪ .‬ولقـد‬
‫ضـرب الجيـل األول مـن هـذه األمـة جيـل الصحابـة أروع األمثلـة يف تحقيـق هـذه‬
‫المحبـة للرسـول المصطفـى والنبـي المجتبـى صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪ ،‬فرتجموا‬
‫ٍ‬
‫واهتـداء هبـدي الرسـول الكريـم‬ ‫ٍ‬
‫ومتابعـة عظيمـة‬ ‫عـن هـذه المحبـة با ِّتبـا ٍع صـادق‬
‫♥‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)6632‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪109‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬وعندمـا تتحـرك هـذه المحبـة يف قلـب اإلنسـان دون أن‬
‫أمورا ليسـت من هدي اهلل وال من هدي رسـوله‬
‫يز َّم نفسـه بزمام الشـرع فإنه يبدر منه ً‬
‫ﷺ ‪ ،‬بـل إهنـا تكـون مـن ركوب البـدع واتبـاع المحدثات ‪.‬‬

‫فالحـذر الحـذر عبـاد اهلل مـن المحدثـات بأنواعهـا وإن كان الحامـل عليهـا إظهـار‬
‫المحبـة للنبـي الكريـم ♥ ؛ إذ َّ‬
‫إن تحقيق هـذه المحبة ال يكون باالبتداع‬
‫ٍ‬
‫شـيء مـا أنـزل اهلل به من سـلطان ‪.‬‬ ‫يف ديـن اهلل وال بإحـداث‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ولقـد رام أقـوا ٌم إظهـار محبتهم للنبـي الكريم ♥ فاتخذوا‬
‫أمـر لـم يفعلـه الجيـل األول ‪ ،‬ولـم توجـد هـذه‬
‫يـوم مولـده ﷺ محتفلا ؛ وهـذا ٌ‬
‫وتصـرم القـرون‬
‫ُّ‬ ‫االحتفـاالت بإجمـاع أهـل السـ َير والتاريـخ إال بعـد القـرن الثالـث‬
‫المفضلـة ‪ ،‬نعـم عبـاد اهلل ‪.‬‬

‫ثم ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬إن الشـهر الذي ُولد فيه صلوات اهلل وسلامه عليه هو بعينه الشـهر‬
‫الـذي مـات فيـه ‪ ،‬واليـوم الـذي ُولد فيه ♥ هـو اليوم الذي تـويف فيه ﷺ‬
‫بأولـى مـن الحـزن علـى وفاتـه وف ْقـده ♥ ‪،‬‬
‫‪ ،‬فليـس الفـرح بيـوم مولـده ْ‬
‫ولكـن لـم ُيشـرع ال هـذا وال هـذا ‪ ،‬لم ُيشـرع اتخاذ يـوم مولده محتفلا ‪ ،‬وال يوم موته‬
‫ﷺ مأتمـا ‪ ،‬ولـم يفعـل الصحابة الكـرام ﭬم وأرضاهم شـيئا من ذلك ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وإذا كان مـراد العبـد تعظيـم النبـي ﷺ وإظهـار محبتـه‬
‫♥ فليكـن هـذا التعظيـم وليكـن هـذا اإلظهـار لمحبتـه بالطريقـة التـي‬
‫مضـى عليهـا الصحابـة الكـرام ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لم يحتفل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسـائر الصحابة‬
‫‪110‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﭭ‪ ،‬ولـم يحتفـل أهـل القـرون المفضلـة بمولـد النبـي ﷺ ‪ ،‬فهـل يقـول قائـل ‪ :‬إن‬
‫أن الحـق أن ذلك ضاللة‬ ‫خيـر ُح ِـرم منـه الصحابـة ُ‬
‫وهـدي إليـه مـن بعدهـم ؟! أو َّ‬ ‫هـذا ٌ‬
‫وقـى اهلل ‪ ‬منهـا تلـك القـرون المفضلـة التـي لزمـت هديـه ﷺ وسـلكت سـبيله‬
‫القويـم !! ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لـن يصلـح آخـر هـذه األمـة إال بمـا صلـح بـه أولهـا ؛‬
‫أال وهـو اتبـاع هـدي النبـي ♥ وال ُبعـد عـن المحدثـات التي مـا أنزل اهلل‬
‫‪ ‬هبـا مـن سـلطان ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل ‪ ‬وراقبـوه يف أعمالكـم كلهـا ؛ فـإن اهلل ‪ ‬ال يقبل من‬
‫العمـل أ ًّيـا كان ومهمـا كان إال إذا كان هلل خالصـا ‪ ،‬ولسـنة النبـي ﷺ موافقـا ‪ .‬اللهـم‬
‫ارزقنـا أجمعيـن اإلخلاص يف األقـوال واألعمـال ‪ ،‬ووفقنـا أجمعيـن ال ِّتبـاع النبـي‬
‫الكريـم ♥ ‪ ،‬وأعذنـا أجمعيـن مـن البـدع والمحدثـات يـا ذا الجلال‬
‫واإلكـرام ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫أن محمد ًا‬


‫الحمـد هلل كثيـرا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليه وعلى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ‪ ،‬وأرشـده‬
‫إلـى خير أمـور دينه ودنياه ‪.‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬ ‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬‫ُّ‬ ‫‪111‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬روى اإلمـام أحمـد يف مسـنده وغيـره مـن حديـث‬
‫َ ً َ ً َ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ـول الل ِـه ﷺ َم ْو ِعظـة َب ِليغـة ذ َرفـت ِم ْن َهـا‬ ‫العربـاض بـن سـارية ﭬ قـال ‪« :‬وعظنـا رس‬
‫َ ُ ِّ َ َ‬ ‫َ َ ُ َ َّ َ َ َّ‬ ‫ـت ِم ْن َهـا ْال ُق ُل ُ‬
‫ُُْ ُ ََ َ ْ‬
‫ـول الل ِه كأن َهـا َم ْو ِعظة ُم َـود ٍع فأ ْو ِص َنا» فقال‬ ‫ـوب فقلنا يا رس‬ ‫العيـون وو ِجل‬
‫ْ َ َ ً‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫اع ِـة َو ِإن كان َع ْبـدا َح َب ِش ًّـيا ‪،‬‬ ‫الط َ‬
‫الس ْـم ِع َو َّ‬ ‫الل ِـه َو َّ‬ ‫((عل ْيك ْـم ِب َتق َـوى‬ ‫♥‪:‬‬
‫َ َ َ َ ْ َ ً َ ً َ َ َ ُ ْ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ـاء‬‫يـرا ؛ فعل ْيكـم ِب ُسـن ِتي وسـن ِة الخلف ِ‬ ‫ـش ِم ْنك ْـم َب ْع ِـدي فسـيرى اخ ِتلفـا ك ِث‬ ‫ف ِإنـه مـن ي ِع‬
‫ُْ‬
‫ال ُ‬ ‫َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ـكوا ب َها َو َع ُّضوا َع َل ْي َها ب َّ‬
‫الن َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِّ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫ور‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ات‬‫ِ‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ي‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫اج‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِاش ِـدين المه ِديين ‪ ،‬تمس‬
‫َ َ َ ٌ‬ ‫ََ ْ ٌ ُ ْ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫‪ ،‬ف ِـإن ك َّل ُم ْحدث ٍـة ِبد َعـة ‪َ ،‬وك َّل ِبد َع ٍـة ضللـة))[[[ ‪ ،‬وكان صلـوات اهلل وسلامه عليـه إذا‬
‫َ ْ َ َُ‬
‫اب الل ِـه ‪َ ،‬وخ ْي ُـر ال ُهدى هدى‬
‫َ ُ َّ‬
‫يث ِكت‬ ‫د‬ ‫ح‬‫خطـب النـاس قـال ‪َ (( :‬أ َّمـا َب ْع ُـد ‪َ ،‬فـإ َّن َأ ْص َـد َق ْال َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ ٌ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُّ ْ ُ‬ ‫ُ َ َّ َ َّ‬
‫ـور ُم ْحدثات َهـا‪َ ،‬وك ُّل ُم ْحدث ٍة ِبد َعـة‪َ ،‬وك ُّل ِبد َع ٍة‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ال ُ‬ ‫ـر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ـل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ـه‬‫الل‬ ‫ـى‬ ‫ل‬ ‫محم ٍـد ص‬
‫َ َ َ ٌ‬
‫نصحـا لألمـة فصلـوات‬ ‫ً‬ ‫ضللـة))[[[ ‪ ،‬وكان ﷺ يؤكـد علـى هـذا األمـر تأكيـدً ا عظيمـا‬
‫اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬إن الواجـب علينـا معاشـر المؤمنيـن أن نع ِّظـم هـذا‬
‫الرسـول ﷺ التعظيـم الالئـق بـه ‪ ،‬وأن نح َّبـه ﷺ محبـ ًة مقدَّ مـ ًة علـى محبتنـا ألنفسـنا‬
‫بحسـن اتباعه‬
‫وأهلينـا والنـاس أجمعيـن ‪ ،‬وأن نكـون صادقيـن مع اهلل يف هـذه المحبة ُ‬
‫ولـزوم هنجـه وال ُبعـد عـن البـدع والمحدثـات التـي َّ‬
‫حذرنا منهـا صلوات اهلل وسلامه‬
‫عليـه ‪.‬‬

‫هدانا اهلل أجمعين إليه صرا ًطا مستقيما ‪ ،‬وأصلح لنا شأننا كله ‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)17142‬وأبــو داود (‪ ،)4607‬والرتمــذي (‪ ،)2676‬وابــن‬


‫ماجــه (‪ ،)42‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب» (‪.)37‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫[[[‬
‫بدع شهر رجب‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛‬
‫صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن وسـ ّلم تسـليما ًكثيـرا ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬أوصيكم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالـى ومراقبتَه يف‬
‫السـر والعالنيـة ؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خير دينـه ودنياه ‪.‬‬

‫الحر ُم األربعة؛‬ ‫ٍ‬


‫رجـب الـذي نعيـش أيامه اآلن هو أحد األشـهر ُ‬ ‫شـهر‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬إن َ‬
‫وهـي ذو القعـدة وذو الحجـة والمحـرم ثالثـة متواليـة ورجـب الفرد ‪ ،‬ولهـذه األربعة‬
‫خصائـص معلومـ ٌة تشترك فيهـا ‪ ،‬وقد ُسـميت ُح ُرمًا ‪ :‬لزيـادة حرمتها قـال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫ﱷﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1422-7-10 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪113‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱶ [التوبـة‪.]٣٦:‬‬

‫ٍ‬
‫مسـلم اتجـاه هذه األشـهر وغيرها أن يقـوم فيها بما‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬والواجـب علـى كل‬
‫ٍ‬
‫تجـاوز أو تعـدٍّ لذلـك ؛ إذ ليـس ألحـد مـن‬ ‫دلـت عليـه الشـريعة وثبـت يف السـنة دون‬
‫النـاس أن ُي َخ ِّص َ‬
‫ـص شـيئًا مـن هـذه األشـهر بشـيء مـن العبـادات والقربـات دون أن‬
‫يكـون لـه مسـتندٌ علـى ذلـك من أدلـة الشـريعة ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬وقـد كان المشـركون يف الجاهليـة ُيع ِّظمـون شـهر رجـب ويخصونـه‬
‫وص ِـه‬‫ـب بِ ُخص ِ‬
‫ُ‬ ‫بالصـوم فيـه ‪ ،‬قـال شـيخ اإلسلام ابـن تيميـة ‪َ « :$‬و َأ َّمـا َص ْـو ُم َر َج ٍ‬
‫ـت‬ ‫ـم َع َلـى َش ْـي ٍء مِن َْهـا َو َل ْي َس ْ‬
‫ادي ُثـ ُه ُك ُّل َهـا َض ِعي َفـ ٌة َب ْـل َم ْو ُضو َعـ ٌة َل َي ْعت َِمـدُ َأ ْه ُـل ا ْل ِع ْل ِ‬
‫َف َأح ِ‬
‫َ‬
‫يـف ا َّل ِـذي ُي ْـر َوى فِـي‬ ‫الض ِع ِ‬ ‫مِـ ْن َّ‬

‫ات‪( ...‬إلـى أن قال ‪َ : )$‬ص َّح‬ ‫ـات ا ْلم ْك ُذوب ِ‬


‫ا ْل َف َضائِـ ِل ب ْـل َعامتُهـا مِـن ا ْلمو ُضو َع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ـم فِـي ال َّط َعـا ِم فِـي‬ ‫ِ‬ ‫َان ي ْض ِـرب َأي ِـدي الن ِ ِ‬
‫َّـاس ؛ ل َي َض ُعـوا َأ ْيد َي ُه ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ـاب ك َ َ‬ ‫َأ َّن ُع َم َـر ْب ِ‬
‫ـن ا ْل َخ َّط ِ‬
‫ـب ‪.‬‬ ‫َر َج ٍ‬

‫ول ‪َ :‬ل ُت َش ِّب ُهو ُه بِ َر َم َض َ‬


‫ان»[[[ ‪.‬‬ ‫َو َي ُق ُ‬

‫بصفة غريبة يسـموهنا‬‫ٍ‬ ‫عبـا َد اهلل ‪ :‬ويف شـهر رجـب يصلـي بعض الناس صلا ًة معينة‬
‫ٍ‬
‫جمعـة منه بين المغرب والعشـاء ‪ ،‬وهي بِد َع ٌة‬ ‫الرغائـب ؛ يفعلوهنـا يف أول ليلـة‬
‫صلاة َّ‬
‫منكـرة باتفـاق أهـل العلـم لـم ُتعرف إال بعد القـرن الرابع الهجري ‪ ،‬وليـس لها وجو ٌد‬
‫كـر قبـل ذلـك قـال اإلمـام النـووي ‪ $‬وقـد ُسـئِل عـن صلاة الرغائـب هـل هـي‬ ‫ِ‬
‫أو ذ ٌ‬
‫سـنة وفضيلـة أو بدعـة ؟ فقـال ‪ « :$‬هـي بدع ٌة قبيحة منكر ٌة أشـدّ اإلنكار ‪ ،‬مشـتملة‬

‫[[[ «مجموع الفتاوى» (‪.)290/25‬‬


‫‪114‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫علـى منكـرات فيتعيـن تركها واإلعراض عنهـا وإنكارها على فاعلهـا‪ ،‬وال ُيغت َْر بِكثرة‬
‫الفاعليـن لهـا يف كثيـر مـن البلـدان ‪ ،‬وال بكوهنـا مذكـور ًة يف «قـوت القلـوب» و«إحياء‬
‫علـوم الديـن» ونحوهمـا مـن الكتـب فإهنـا بدعـة باطلـة ‪ ،‬وقـد صـح عـن النبـي ﷺ‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ‬
‫يـه ف ُه َـو َرد))[[[ ويف «الصحيـح» أنه ﷺ‬
‫ِ ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ـس‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ـذ‬‫ه‬ ‫ـا‬ ‫ن‬‫ر‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ـي‬ ‫ف‬‫أنـه قـال‪(( :‬مـن أحـد ِ‬
‫ث‬
‫ٌّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ً َ‬
‫ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد))[[[‪ ،‬ويف «صحيح مسـلم» وغيره أنه‬
‫((م ْـن َع ِم َ‬
‫قـال‪َ :‬‬

‫ﷺ قـال‪(( :‬ك ُّل بِدْ َع ٍـة َض َل َلـةٌ))[[[‪ ،‬وقـد أمـر اهلل ‪ ‬عنـد التنـازع بالرجـوع إلـى‬
‫كتابـه وسـنة رسـوله ﷺ فقـال‪ :‬ﱷ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﱶ [النسـاء‪ ، ]59:‬ولـم يأمـر باتباع الجاهليـن وال باالغرتار بغلطات‬
‫ُ‬
‫والنقـول عـن أهـل العلـم يف هذا المعنـى كثير ٌة ‪.‬‬ ‫المخطئيـن»[[[‪،‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويف شـهر رجـب َي ِفـدُ بعـض النـاس إلى المدينـة النبوية المنـورة بزيارهتا‬
‫بزيـارة يسـموهنا الرجبِيـة يـرون أهنـا مـن السـنن ‪ ،‬وهـذه الزيـارة المسـمات بالرجبِ ِ‬
‫يـة‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ليـس لهـا أصـل يف كالم أهـل العلـم ‪ ،‬وال ريب ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أن المسـجد النبوي ُت َشـدُّ‬
‫تخصيص ٍ‬
‫شـهر مع ّين أو يو ٍم معيـن لهذا العمل‬ ‫ُ‬ ‫إليـه الرحـال يف كل وقـت وحيـن لكن‬
‫ِ‬
‫تخصيـص رجـب بذلـك ؛ وعلـى هذا‬ ‫يحتـاج إلـى دليـل خـاص ‪ ،‬وال َ‬
‫دليـل هنـا علـى‬
‫فاتخـاذ هـذا سـن ًة ُيت َق َّـر ُب هبـا إلى اهلل يف هذا الشـهر بخصوصـه ٌ‬
‫أمر محـدَ ث ليس عليه‬
‫ٌ‬
‫دليل يف الشـريعة ‪.‬‬

‫يقيـم بعض النـاس احتفا ً‬


‫ال‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويف ليلـة السـابع والعشـرين مـن شـهر رجب ُ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2697‬ومسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫[[[ «فتاوى اإلمام النووي» (ص ‪.)40‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪115‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لذلـك ويعتقـدون أن تلك الليلة هي ليل ُة اإلسـراء والمعـراج ويف ذلك االحتفال ُتل َقى‬
‫الكلمـات وتنشـد القصائـدُ وتتلـى المدائـح ‪ ،‬وهـو أمـر لـم يكـن معهـود ًا وال معروفًا‬
‫ُ‬
‫خيـر القـرون وأفضلِهـا ‪ ،‬قـال شـيخ اإلسلام ابـن تيميـة ‪:$‬‬ ‫يف القـرون المفضلـة ِ‬
‫اإلسلام‪ .‬هذا‬‫«لـم يقلـه أحـدٌ مـن المسـلمين‪ ،‬وهـو معلـوم الفسـاد باال ِّطـراد مـن دين ِ‬
‫ُ‬
‫يقـم ٌ‬ ‫ِ‬
‫دليل معلـوم ال على شـهرها‪،‬‬ ‫إذا كانـت ليلـ ُة اإلسـراء ُتعـرف عينُهـا‪ ،‬فكيـف ولـم ْ‬
‫ُ‬
‫النقـول يف ذلـك منقطعـ ٌة مختلفـة‪ ،‬ليـس فيهـا‬ ‫وال علـى عشـرها‪ ،‬وال علـى عينِهـا‪ ،‬بـل‬
‫تخصيـص الليلـة التي ُيظن أهنـا ليلة ِ‬
‫اإلسـراء بقيام‬ ‫ُ‬ ‫مـا ُيقطـع بـه‪ ،‬وال ُش ِـر َع للمسـلمين‬
‫وال غيـره »[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬و ْل ُيع َلـم أن حقيقـة اتبـاع النبـي ﷺ هـي التمسـك بسـنته فعلاً فيمـا فعـل‬
‫نقـص ح ُّظـه مـن المتابعـة‬
‫وتـركًا فيمـا َتـرك ‪ ،‬فمـن زاد عليهـا أو نقـص منهـا فقـد َ‬
‫بحسـب ذلـك ‪ ،‬لكـن الزيـادة أعظـم ألهنـا تقـدُّ ٌم بين يـدي اهلل ورسـوله ﷺ واهلل تعالى‬
‫يقول‪ :‬ﱷ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﱶ‬
‫[الحجـرات] ‪.‬‬

‫بـارك اهلل لـي ولكـم يف القـرآن الكريـم ورزقنـا لتبـاع السـنة نبيـه ﷺ ولـزو َم هديـه‬
‫القويـم ‪ .‬أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫[[[ نقله عنه تلميذه اإلمام ابن القيم يف «زاد المعاد» (‪.)57/1‬‬
‫‪116‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلـى اهلل عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليمًا كثيرا ‪.‬‬

‫أما بعد عباد اهلل ‪ :‬أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل تعالى ‪.‬‬

‫ُ‬
‫الحث على لزوم‬ ‫ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل أن النبـي ﷺ ثبت عنه يف أحاديث كثيـرة‬
‫والتحذيـر مـن البدعـة بجميـع أنواعهـا وكا ّفـة صورهـا ‪ ،‬ومـن تلكـم األحاديث‬ ‫ُ‬ ‫السـنة‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ـول الل ِه ﷺ‬ ‫العظيمـة يف هـذا البـاب‪ :‬عـن العرباض بن سـارية ﭬ قـال‪ (( :‬وعظنا رس‬
‫َ ْ َ ً َ َ ً َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ ْ َ ْ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ‬
‫ـول الل ِـه كأن ه ِذ ِه‬ ‫مو ِعظـة ب ِليغـة ذرفـت لهـا العيـن وو ِجلـت ِمنهـا القلـوب قلنـا‪ :‬يا رس‬
‫َ ُ ِّ َ َ‬
‫َم ْو ِعظة ُم َـود ٍع فأ ْو ِص َنا‪.‬‬
‫ُ ْ َ ْ َ َّ َ َّ ْ َ َّ َ َ ْ َ َ‬
‫ان َع ْب ًدا َح َب ِش ًّـيا‪َ ،‬ف ِإ َّن ُـه َم ْن َي ِع ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ش‬ ‫وصيكـم ِبتقـوى الل ِـه والسـم ِع والطاع ِة و ِإن ك‬ ‫قـال‪ِ :‬‬
‫أ‬
‫ين ْال َم ْهد ِّي َ‬ ‫الراشـد َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ً َ ً َ َ َ ْ ُ ْ ُ َّ َ ُ َّ ْ ُ َ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ َْ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِمنكـم ي َـرى بع ِـدي اخ ِتلفـا ك ِثيرا فعليكم ِبسـن ِتي وسـن ِة الخل ِ‬
‫اء‬ ‫ف‬
‫َ َ ْ ٌ َّ ُ ْ‬ ‫ْ ُ ُ َ َّ ُ‬ ‫َ َّ ُ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َو َع ُّضـوا َع َل ْي َهـا ب َّ‬
‫ور ف ِإن ك َّل ُم ْحدث ٍة ِبد َعـة َو ِإن ك َّل ِبد َع ٍة‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ـات‬
‫ِ‬ ‫ث‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ي‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ـذ‬
‫ِ‬ ‫اج‬
‫ِ‬
‫الن َ‬
‫و‬ ‫ِ‬
‫َ َ ٌَ‬
‫ضللة ))[[[ ‪.‬‬
‫َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ـش ِم ْنك ْـم َي َرى‬ ‫وتأملـوا رعاكـم اهلل قـول النبـي ﷺ يف هـذا الحديـث‪(( :‬ف ِإنـه مـن ي ِع‬
‫والتفرق سـيوجد يف‬ ‫َ‬ ‫يـرا)) فهـذا فيـه إشـارة إلـى أن االختالف سـيقع‬‫اخ ِت َل ًفـا َك ِث ً‬
‫ْ‬
‫َب ْع ِـدي‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)17142‬وأبــو داود (‪ ،)4607‬والرتمــذي (‪ ،)2676‬وابــن‬


‫ماجــه (‪ ،)42‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الرتغيــب» (‪.)37‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪117‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المخـرج من‬
‫َ‬ ‫األمـة ‪ ،‬وأرشـد صلـوات اهلل وسلامه عليـه إلـى المخـرج مـن ذلـك وأن‬
‫ِ‬
‫التفـرق والسلام َة مـن االختلاف إنمـا يكـون بأمرين عظيميـن وأساسـين متينين البد‬
‫منهما ‪:‬‬

‫ُ‬
‫التمسـك بسـنته ﷺ ولهذا قال‪ (( :‬فعليكم بسـنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬ ‫ُ‬
‫األول ‪:‬‬
‫المهدييـن من بعدي)) ‪.‬‬

‫ومحدثـات األمور فإن‬


‫ِ‬ ‫والحـذر منهـا ولهـذا قـال ‪ (( :‬وإياكم‬
‫ُ‬ ‫والثـاين ‪ :‬مجانبـ ُة البـدع‬
‫كل محدثـة بدعـة وكل بدعـة ضاللة ))‪.‬‬
‫ِ‬
‫وجاللـة قـدره وشـدة أهميتـه وضـرورة النـاس إلـى‬ ‫عبـاد اهلل ‪ِ :‬‬
‫ولعظـم هـذا األمـر‬
‫فهمـه وشـدة العنايـة بـه كان صلوات اهلل وسلامه عليه يف كل جمعـة إذا خطب الناس‬
‫َ ُ‬ ‫«فـإ َّن َخ ْي َـر ْال َ‬
‫َ‬
‫الله‪،‬‬
‫يث ِكتـاب ِ‬‫ِ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ونـو َه به وذلـك يف قوله‪ِ :‬‬‫أكَّـد علـى هـذا األمـر العظيم َّ‬
‫َ َ ٌَ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ ُ َ ُ َ ُ َ َّ َ َ ُّ ْ ُ‬
‫ـور ُم ْحدثات َهـا‪َ ،‬وك ُّل ِبد َع ٍـة ضللة»[[[‪.‬‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ال ُ‬ ‫وخيـر الهـدى هـدى محم ٍد‪ ،‬وشـر‬

‫فالواجـب علينـا عبـا َد اهلل مالزمـة سـنة النبـي ﷺ والتمسـك هبديـه ولـزوم غـرزه‬
‫واقتفـاء أثـره والحـذر الحـذر مـن كل البـدع والضلاالت بجميـع أنواعهـا وكا َّف ِـة‬
‫صورهـا ‪ .‬وأسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلى أن يحيينـا وإياكم على‬
‫َ‬
‫مجيـب قريـب ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سـميع‬
‫ٌ‬ ‫السـنة وأن يميتنـا عليهـا وأن يجنبنـا األهـوا َء والبـدَ ع إنـه‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬


‫[[[‬
‫ليلة النصف من شعبان‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ‪،‬‬
‫وصفيـه وخليلـه وأمينـه على وحيـه ومب ِّلغ الناس شـرعه ؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى فـإن من اتقـى اهلل وقاه وأرشـده‬
‫إلـى خيـر أمـور دينـه ودنياه ‪.‬‬

‫ثـم أيهـا المؤمنـون ‪ :‬إن اهلل ‪ --‬لـه الحكمـة البالغـة يف خلقـه وشـرعه‪ ،‬واهلل‬
‫‪ --‬يختص برحمته من يشـاء فضالً وشـرفا سواء ذلك مما يتعلق باألشخاص‬
‫أو األزمنـة أو األمكنـة كمـا قـال اهلل ‪ : --‬ﱷ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﱶ‬
‫[القصـص‪ ، ]68:‬وممـا يدخـل يف ذلكـم ‪ -‬أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ -‬مـا خـص اهلل‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432-8-14 /‬هـ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪119‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ --‬بـه شـهر شـعبان شـهرنا هـذا ؛ فـكان نبينـا ‪ -♥-‬يصـوم أكثر‬
‫شـعبان كمـا ثبـت بذلكـم الحديـث عنـه ♥ ‪ ،‬ويخبر ‪-‬صلـوات اهلل‬
‫وسلامه عليـه‪ -‬عـن غفلـة كثيـر من الناس عنـه ‪ ،‬ثبت يف «الصحيحيـن» من حديث أم‬
‫َ ُ ُ َ َّ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ـول ل ُيف ِط ُـر‬ ‫ـول الل ِـه ﷺ يصـوم حتـى نق‬ ‫المؤمنيـن عائشـة ‪-‬ڤ‪ -‬قالـت ‪ (( :‬كان رس‬
‫َّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َّ َ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ‬
‫ـام ش ْـه ٍر ِإل‬ ‫ـول الل ِـه ﷺ اسـتكمل ِصي‬ ‫ويف ِطـر حتـى نقـول ل يصـوم ‪ ،‬فمـا رأيـت رس‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ‬ ‫َ َ‬
‫َر َمضـان َو َمـا َرأ ْي ُت ُـه أكث َـر ِص َي ًامـا ِم ْن ُـه ِفي ش ْـع َبان))[[[‪.‬‬

‫وثبـت يف «مسـند اإلمـام أحمـد» و«سـنن النسـائي» عـن أسـامة بـن زيـد ‪-‬ﭭ‪-‬‬
‫ور َمـا َت ُصـو ُم مِـ ْن َشـ ْع َب َ‬ ‫ـم َأ َر َك َت ُصـو ُم َش ْـه ًرا مِـ ْن ُّ‬
‫الش ُـه ِ‬ ‫قـال‪ُ :‬ق ْلـت يـا رس َ ِ‬
‫ان ؟!‬ ‫ـول اهَّلل َل ْ‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ـك َش ْـه ٌر َي ْغ ُف ُ‬‫َ َ‬
‫ـاس َع ْن ُه َب ْي َـن َر َج ٍب َو َر َمضان ‪َ ،‬وه َو ش ْـه ٌر ت ْرف ُع ِف ِيه‬ ‫ـل َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َق َ‬
‫ـال ﷺ ‪ (( :‬ذ ِل‬
‫ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ َ ِّ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫يـن ؛ فأ ِح ُّب أن ُي ْرف َـع َع َم ِلي َوأنا َص ِائ ٌم ))[[[ ‪.‬‬ ‫العمـال ِإلـى رب العال ِم‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬إن المسـلم إذا سـمع هبـدي النبـي ‪-‬الكريـم ♥‪-‬‬
‫وسـنته الصحيحـة المأثـورة عنـه يحـرص علـى اإلقبـال عليهـا إدراكًا ألجرهـا وفـوز ًا‬
‫بثواهبـا ومـن لـم ينشـط لذلـك ولـم يتحقـق لـه فعـل ذلـك فإنـه يفوتـه أجر تلك السـنن‬
‫المسـتحبات وال إثـم عليـه ‪ ،‬أمـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يتحـول الحـال يف المسـلم إلى رغبة‬
‫عـن السـنة وإعـراض عنهـا وإهمـال للعمـل هبـا وتفريـط فيهـا ويف الوقت نفسـه يشـتد‬
‫تمسـكه وتعظـم عنايتـه بأمـور محدثـات وأعمـال مبتدعـات ال أصـل لهـا يف شـرع اهلل‬
‫وال يف هـدي رسـوله ‪-‬الكريـم ♥‪ -‬فـإن حـال المـرء حينئـذ ‪ -‬عبـاد اهلل‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1969‬ومسلم (‪.)1156‬‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)21753‬والنســائي يف «ســننه» (‪ ،)2357‬وحســنه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح الرتغيــب» (‪.)1022‬‬
‫‪120‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬حـال تنـذر بخطـر إلعراضـه عـن السـنة وعـدم رغبتـه فيها مـع إقبال شـديد منه على‬
‫أمـور محدثـات وأعمـال ال أصـل لهـا يف شـرع اهلل ‪. ‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ومـن ذلكـم حـرص بعض الناس علـى أعمال وفعـال يقومون هبا‬
‫ليلـة النصـف مـن شـعبان ويومـه كذلـك متقربيـن هبـا إلـى اهلل ‪ --‬مـع حـرص‬
‫وعنايـة شـديدة بتلكـم األعمـال مـع أهنـا ال تقـوم علـى أصـل وال يثبـت هبـا دليـل‬
‫ويف الوقـت نفسـه يعرضـون عـن الهـدي الثابـت والسـنة الصحيحـة عـن رسـول اهلل‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه ؛ ويف هـذا المقـام يقـول اإلمـام العالمـة عبـد العزيـز بـن‬
‫بـاز ‪-‬رحمـه اهلل تعالـى‪ -‬يف رسـالة له مختصـرة أفردها فيمـا يتعلق بالبـدع المحدثات‬
‫يف ليلـة النصـف مـن شـعبان يقـول ‪-‬رحمـه اهلل تعالـى‪«: -‬ومـن البـدع التـي أحدثهـا‬
‫بعـض النـاس بدعـة االحتفـال بليلـة النصـف مـن شـعبان وتخصيـص يومهـا بالصيـام‬
‫وليـس علـى ذلـك دليـل يجـوز االعتمـاد عليـه وقـد ورد يف فضلهـا أحاديـث ضعيفـة‬
‫ال يجـوز االعتمـاد عليهـا‪ ،‬أمـا مـا ورد يف فضـل الصلاة فيهـا فكلـه موضـوع‪ ،‬كمـا نبه‬
‫أيضـا آثـار عـن بعـض السـلف مـن أهـل‬
‫علـى ذلـك كثيـر مـن أهـل العلـم‪ ،‬وورد فيهـا ً‬
‫الشـام وغيرهـم‪.‬‬

‫والـذي أجمـع عليـه جمهـور العلمـاء‪ :‬أن االحتفـال هبـا بدعـة‪ ،‬وأن األحاديـث‬
‫الـواردة يف فضلهـا كلهـا ضعيفـة وبعضهـا موضـوع ‪ ،‬ثـم سـاق ‪-‬رحمـه اهلل تعالـى‪-‬‬
‫نقـو ً‬
‫ال عديـدة يف ذلـك ثم قـال ‪ :‬ومما تقدم مـن اآليات واألحاديـث وكالم أهل العلم‬
‫يتضـح لطالـب الحـق‪ :‬أن االحتفـال بليلـة النصـف مـن شـعبان بالصلاة أو غيرهـا‬
‫وتخصيـص يومهـا بالصيـام بدعـة منكـرة عنـد أكثـر أهـل العلـم‪ ،‬وليـس لـه أصـل يف‬
‫الشـرع المطهـر‪ ،‬بـل هـو ممـا حدث يف اإلسلام بعـد عصـر الصحابـة ﭬم‪ ،‬ويكفي‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪121‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طالـب الحـق يف هـذا البـاب وغيـره قـول اهلل ‪ :--‬ﱷ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﱶ [المائـدة‪ ]3:‬ومـا جـاء يف معناها من‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ‬
‫يـه ف ُه َـو‬
‫ِ ِ‬‫ف‬ ‫َ‬
‫ـس‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫ل‬ ‫ـا‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ـذ‬ ‫ه‬ ‫ـا‬ ‫ن‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ـي‬ ‫ف‬‫اآليـات‪ ،‬وقـول نبينـا ♥‪ (( :‬مـن أحـد ِ‬
‫ث‬
‫ٌّ‬
‫َرد ))[[[ ومـا جـاء يف معنـاه مـن األحاديـث»[[[‪ .‬انتهـى المقصـود نقله مـن كالمه رحمه‬
‫اهلل تعالـى ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬وعندمـا يتأمـل المتأمـل يف واقـع بعـض النـاس يف تلـك‬
‫الليلـة يـرى أعمـا ً‬
‫ال متنوعـات يحـرص عليهـا ويعتنـى بالمحافظـة عليهـا ثـم إذا فتـش‬
‫المفتـش ونظـر الناظـر يف الدليـل علـى ذلـك ال يجـد عليهـا شـيئًا ثابتـا يف هـدي نبينـا‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه ؛ وهـذه ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مصيبـة عظمـى عندمـا ُيعـرض المرء‬
‫عـن السـنن الثابتـات وينخـرط انخراطـا شـديد ًا وراء أعمال محدثـات ال أصل لها يف‬
‫شـرع اهلل وال دليـل عليهـا يف سـنة نبيـه ♥‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ومـن ذلكـم اعتقـاد بعـض النـاس أن ليلـة النصف من شـعبان هي‬
‫المعنيـة بقـول ‪-‬اهلل تعالـى‪: -‬ﱷ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﱶ [الدخـان] وأهنـا التـي ُيقـدَّ ر فيهـا اآلجـال واألرزاق وهـذا‬
‫خطـأ بيـن كمـا نبـه علـى ذلكـم أهـل العلـم ومـن ذلكم قـول اإلمـام ابن كثيـر ‪-$-‬‬
‫عنـد تفسـيره لهـذه اآليـة ‪« :‬مـن قـال إهنـا ليلـة النصـف من شـعبان‪ ..‬فقـد أبعـد الن َّْج َعة‬
‫فـإن نـص القـرآن أهنـا يف رمضـان» أي الليلـة التـي يفـرق فيهـا كل أمـر حكيـم‪.‬‬

‫ومـن ذلكـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ : -‬تخصيـص بعـض النـاس ليلـة النصـف مـن شـعبان‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2697‬ومسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ «مجموع الفتاوى » (‪.)186/1‬‬
‫‪122‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بالصلاة وقيـام الليـل دون سـائر األيـام وإحيـاء تلـك الليلـة بالذكـر والدعـاء ؛ فهـذا‬
‫‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬عمـل محـدث لـم يفعلـه النبـي ‪ -♥-‬وال الصحابـة الكرام‬
‫ولـو فعلـوا ذلـك لنقـل إلينا باألسـانيد الصحيحة وهو مـردود على عاملـه لعموم قول‬
‫ٌّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ً َ‬
‫ـل َع َملا ل ْي َـس َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[‪.‬‬
‫((م ْـن َع ِم َ‬
‫نبينـا ‪َ : -♥-‬‬

‫أمـا مـا يـروى يف الرتغيـب بصيـام يومهـا وقيـام ليلهـا مـن حديـث علـي ‪-‬ﭬ‪-‬‬
‫مكـذوب على رسـول ‪-‬اهلل صلوات اهلل وسلامه عليـه‪ -‬فال يحل‬
‫ٌ‬ ‫فهـو حديـث ٌ‬
‫باطـل‬
‫العمـل بـه ولذلـك قـال زيـد بـن أسـلم ‪-‬رحمـه اهلل تعالـى‪« : -‬مـا أدركنـا أحـد ًا مـن‬
‫ً‬
‫فضلا علـى ما‬ ‫مشـيختنا وال فقهائنـا يلتفتـون إلـى النصـف مـن شـعبان وال يـرون لهـا‬
‫سـواها »[[[ ‪ ،‬إال أنـه ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يسـتثنى مـن ذلـك مـن كان لـه صيـام اعتـاده كمـن‬
‫اعتـاد صيـام الخميـس أو صيـام البيـض أو نحـو ذلـك فإنـه يمضـي على ما اعتـاده من‬
‫صيـام ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن ذلكـم صنـع أطعمـة مخصوصـة يف ليلـة النصـف مـن شـعبان‬
‫وتوزيعهـا بزعـم أن لهـا مزيـة علـى غيرهـا أو أن يف ذلـك أجـر ًا وثوابـا أو نحـو ذلـك‬
‫فهـذا ممـا ال أصـل لـه يف شـرع اهلل ‪.‬‬

‫وكذلكـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ : -‬االحتفـال يف هـذه الليلـة بالتوسـيع علـى األهـل واألوالد‬
‫يف المطعـم والمشـرب والملبـس ونحـو ذلـك تحـت مسـميات متنوعـات وهـو عمل‬
‫ال أصـل لـه يف شـرع اهلل المطهـر ‪ ،‬والقـول بأهنـا مـن العـادات أو التقاليـد أو مـن إحياء‬
‫التراث وأهنـا ال دخـل لهـا يف الديـن هـذه ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬دعـوى غيـر صحيحـة والواقـع‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬


‫[[[ انظر‪« :‬مجموع فتاوى العالمة ابن باز» (‪.)189/1‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪123‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يكذهبـا ألهنـا تعمـل علـى وجـه التديـن ويصنـع فيهـا أعمـا ً‬
‫ال هـي مـن أنـواع القربـات‬
‫التـي يتقـرب هبـا إلـى اهلل ‪. ‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬إن الواجـب علـى كل مسـلم أن يتقـي اهلل ‪ --‬يف‬
‫أعمالـه وأقوالـه وأن يحـرص تمـام الحـرص علـى لـزوم السـنة ومجانبـة البدعـة وأن‬
‫يتيقـن أن خيـر األمـور السـالفات علـى الهـدى وأن شـرها المحدثـات البدائـع‪.‬‬

‫اللهـم وفقنـا أجمعيـن للـزوم سـنة نبيك الكريـم ‪ -♥-‬وأعذنـا إلهنا‬


‫وذرياتنـا مـن المحدثـات واألمـور المبتدعـات يا حي يـا قيوم ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬أيها المؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫ثبـت يف «صحيـح مسـلم» مـن حديـث أبـي هريـرة ‪-‬ﭬ‪ -‬قـال‪ :‬قال رسـول ‪-‬اهلل‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ـام ِم ْـن َب ْي ِـن الل َيا ِلـي َول تخ ُّصـوا َي ْـو َم ال ُج ُم َع ِـة‬
‫ﷺ‪(( : -‬ل تخ َت ُّصـوا ل ْيلـة ال ُج ُم َع ِـة ِب ِق َي ٍ‬
‫َ ْ َ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫وم ُـه أ َحدك ْـم))[[[ ؛ لنتأمـل هـذا‬ ‫ـام ؛ ِإل أن َيكـون ِفـي صـو ٍم يص‬ ‫ـام ِم ْـن َب ْي ِـن ال َّي ِ‬
‫ِب ِص َي ٍ‬
‫الحديـث ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬متذكريـن فضـل يـوم الجمعـة وفضـل ليلتهـا ومـع ذلكـم قـال‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1144‬‬


‫‪124‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نبينـا ‪ -♥-‬مـا قـال مـن هنـي عـن تخصيـص ليلتهـا بقيـام وتخصيـص‬
‫يومهـا بصيـام ‪ ،‬ومـن هـذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬يسـتفاد أنـه لو كان تخصيص شـيء من الليالي‬
‫بشـيء مـن العبـادات جائـز ًا لكانـت ليلـة الجمعـة أولى من غيرهـا ألن يومهـا هو خير‬
‫يـوم طلعـت عليـه الشـمس بنـص األحاديـث الصحيحـة عـن رسـول اهلل ‪-‬صلـى عليه‬
‫وسـلم‪ -‬فلمـا ّ‬
‫حـذر النبـي ‪ -♥-‬مـن تخصيصهـا بقيـام مـن بيـن الليالي‬
‫دل ذلكـم علـى أن غيرهـا مـن الليالـي مـن بـاب أولـى ال يجـوز تخصيصها بشـيء من‬
‫العبـادات إال بدليـل صحيـح ثابـت عـن رسـول اهلل ‪-‬ﷺ‪ -‬يـدل علـى التخصيـص ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬إن الواجـب علـى المسـلم أن يتقـي اهلل ‪ --‬وأن يحـرص علـى‬
‫سـنة النبـي ‪ -♥-‬وأن يعـرض عـن البدع وإن ُز ِّينت له فـإن جميع البدع‬
‫ً َ‬
‫ـل َع َملا ل ْي َـس‬‫مـردودة علـى أصحاهبـا كمـا قـال نبينـا ‪َ (( :-♥-‬م ْـن َع ِم َ‬
‫َ َ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َعل ْي ِـه أ ْم ُرنـا ف ُه َـو َرد ))[[[‪ ،‬وكان ﷺ إذا خطـب النـاس يـوم الجمعـة قـال ‪(( :‬أ ْصـد َق‬
‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ُّ ْ ُ‬ ‫ْال َ‬
‫ـور ُم ْحدثات َهـا‪َ ،‬وك ُّل‬‫ِ‬ ‫م‬‫ال ُ‬ ‫ـر‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫ـد‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ـد‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ـد‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ـن‬ ‫س‬‫ح‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫ـه‬
‫ِ‬ ‫الل‬ ‫ـاب‬ ‫ت‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫يـث‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُم ْح َد َثـة ب ْد َعـة‪َ ،‬وك ُّل ب ْد َعـة َضللـة‪َ ،‬وك ُّل َضللـة فـي َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ـار ))[[[‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫اطنَ ُه‬‫الإ ْثم َوب َ‬
‫ظ َ ْ‬‫َو َذ ُر وا َ‬
‫ِ‬ ‫اهر ِ ِ‬
‫[[[‬
‫ِ‬

‫ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـو ُذ بـاهلل مـن شـرور‬


‫ُ‬ ‫ونسـتغفره‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـدُ ه ونسـتعينُه‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن ِ‬
‫يهـده اهلل فلا‬
‫اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬أسـبغ على العباد النعمة ‪ ،‬ووالى عليهم‬ ‫وأشـهد أن ال إله إال ُ‬
‫ٍ‬
‫قديـم أو‬ ‫وظاهـرا وباطنـا علـى كل نعمـة أنعـم هبـا يف‬
‫ً‬ ‫المنَّـة ‪ ،‬فلـه الحمـد ً‬
‫أول وآخـرا‬
‫حديـث ‪ ،‬أو سـر أو عالنيـة ‪ ،‬أو خاصـة أو عامـة ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‪،‬‬
‫صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أ َّمـا بعـدُ أيهـا المؤمنـون ‪ :‬اتقـوا اهلل ربكـم ‪ ،‬وراقبـوه يف جميـع أعمالكـم ‪ ،‬واذكـروا‬
‫نعمتـه عليكـم ؛ فـإن نعمـه ال ُتعـد وال تحصـى ‪ ،‬ومننـه وآالءه ال ُتسـتقصى ﱷﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱶ [النحـل‪ ، ]18:‬ورؤوس النِّعـم اإلسلام ؛ الـذي ال تتـم‬
‫نعمـ ٌة إال بـه ‪ ،‬والعافيـة التـي ال تطيـب الحيـاة إال هبـا ‪ ،‬والمال الذي ال يسـتقيم العيش‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1437-8-6 /‬هـ‬


‫‪126‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إال بـه ‪ ،‬واألمـن الـذي ال تنتظـم المصالـح إال بـه ‪ ،‬ومن أصبـح آمنًا يف سـربه معا ًفى يف‬
‫بدنـه عنـده قـوت يومـه فكأنمـا أويت الدنيـا بحذافيرها ‪.‬‬

‫أيها المؤمنون ‪َّ :‬‬


‫إن اهلل جل يف عاله امت َّن على العباد بإسباغه النعم ومواالته المنن‬
‫وتسخيره لهم ما يف السماوات وما يف األرض ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ :‬ﱷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱶ [لقمـان‪ ،]20:‬فيـا‬
‫ً‬
‫مسـتعمل لهـا يف مراضيه‬ ‫عبـد اهلل اذكـر ن َعـم اهلل عليـك الظاهـرة والباطنـة ‪ ،‬وكـن دو ًما‬
‫‪ ،‬مجان ًبا اسـتعمالها يف مسـاخطه جل يف عاله ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وإذا كان العبـد علـى ٍ‬


‫ذكر إلسـباغ اهلل ‪ ‬النعمـة عليه الظاهرة‬
‫والباطنـة ؛ فليكـن يف الوقـت نفسـه علـى ٍ‬
‫ذكـر بـأن اهلل ‪ ‬حـرم عليـه اآلثـام‬
‫والمعاصـي الظاهـرة والباطنـة ‪ ،‬فلا يليـق أيهـا المؤمنـون ٍ‬
‫بعبـد أسـبغ اهلل عليـه نعمـه‬
‫ِ‬
‫المنعـم جـل يف علاه بالمعاصـي الظاهـرة‬ ‫الظاهـرة والباطنـة أن يقابـل ذلـك بعصيـان‬
‫والباطنـة‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱶ [األنعـام] ‪ ،‬ويقـول اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﱶ [األنعـام‪. ]151:‬‬
‫ٍ‬
‫ومجانبـة‬ ‫ٍ‬
‫حـذر تـام‬ ‫نعـم أيهـا المؤمنـون ؛ إن الواجـب علـى العبـد أن يكـون علـى‬
‫مسـتمرة للذنـوب والمعاصـي الظاهـرة والباطنـة مجاهـدً ا نفسـه مسـتعينًا بربـه ‪ ،‬واهلل‬
‫جـل يف علاه يقـول ‪ :‬ﱷ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﱶ [العنكبـوت‪. ]69:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويعيـن علـى هـذه المجانبـة للذنـوب ظاهرهـا وباطنهـا أن يذكِّـر‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪127‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المـرء نفسـه بنعـم اهلل عليـه الظاهـرة والباطنة‪ ،‬وليقل لنفسـه ‪ :‬يا نفـس ال يليق بك وقد‬
‫والـى اهلل عليـك النعـم ومـ َّن عليـك بالمنـن أن تقابلـي نعمـة اهلل بالعصيـان ومبارزتـه‬
‫باآلثـام الظاهـرة والباطنة ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ويعينـه علـى هـذه المجانبـة ‪ :‬أن يذكـر أن المنعـم عليـه هبـذه النعـم م َّط ٌ‬
‫لـع علـى‬
‫أعمالـه كلهـا ال تخفـى عليـه من أعمال العبـد خافيـة ﱷ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱶ [الرعـد] ‪ ،‬فالـكل عنـد اهلل‬
‫سـواء ؛ يـرى أعمـال العبـاد ‪ ،‬وي َّطلـع علـى أحوالهـم ‪ ،‬ويبصـر حركاهتـم وسـكناهتم ‪،‬‬
‫ظاهـر‬
‫ٌ‬ ‫يحجـب عنـه جـل يف علاه‬
‫أرض أرضـا ‪ ،‬وال ُ‬ ‫فلا تـواري منـه سـما ٌء سـما ًء وال ٌ‬
‫باطنـا ‪ ،‬فالباطـن عنـده ‪ ‬ظاهـر ‪ ،‬والسـر عنده عالنيـة‪ ،‬والغيب عنده شـهادة ‪ ،‬ال‬
‫تخفـى عليـه خافيـة ‪ ،‬أحـاط بـكل شـيء علمـا وأحصـى كل شـيء عـددا ‪.‬‬

‫ويعيـن علـى هـذه المجانبـة ‪ :‬أن يذكُـر العبـد َّ‬


‫أن أعمالـه كلهـا صغيرهـا وكبيرهـا‬
‫محصـى عليـه يف كتـاب ال يغـادر صغيـرة وال كبيـرة إال أحصاهـا‬
‫ً‬ ‫ظاهرهـا وباطنهـا‬
‫ﱷﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﱶ [القمـر] ‪ ،‬فلا‬
‫مطلـع علـى العبـاد أن‬ ‫بعبـد يـدرك أن األعمـال محصـاة وأن الد َّيـان ال ينـام وأنـه‬ ‫يليـق ٍ‬
‫ٌ‬
‫مسـتمرا يف عصيانـه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫سـادرا يف غ ِّيـه‬
‫ً‬ ‫يبقـى‬
‫ٍ‬
‫حـذر مـن الذنـوب‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وعلـى العبـد يف هـذا المقـام أن يكـون علـى‬
‫محـاذرا للذنـوب المشـاهدة الظاهـرة واق ًعـا يف الذنـوب الباطنـة‬
‫ً‬ ‫كلهـا ال أن يكـون‬
‫خلـوت الدهـر يو ًمـا فلا ت ُقـل خ َلـوت ولكن تذكَّـر أن عليك رقي ًبـا مطل ًعا‬
‫َ‬ ‫الخفيـة ؛ إذا‬
‫‪.‬‬
‫‪128‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وليسـت الذنـوب منحصـرة كمـا يظـن بعـض النـاس يف أعمـال‬
‫تظهـر ‪ ،‬بـل كـم مـن الذنـوب الباطنـة التـي يبتلـى هبـا كثيـر مـن النـاس وربمـا ال يشـعر‬
‫ٌ‬
‫متلـوث هبـا مـن آثـام القلـوب المتنوعـة ؛ كالعقائـد الفاسـدة ‪،‬‬ ‫بوقوعـه فيهـا وقلبـه‬
‫والعـزوم الباطلـة ‪ ،‬والنوايـا السـيئة ‪ ،‬وآفـات القلـوب وأمراضهـا المتنوعـة ‪.‬‬

‫فعلـى العبـد أن يكـون مجاهدً ا نفسـه علـى صالحها وسلامتها من اآلثـام الظاهرة‬
‫سـرا أو عالنية‬
‫والباطنـة ‪ ،‬وليبـادر بالتوبـة إلـى ربـه ومـواله من كل ذنـب وخطيئة وقع ً‬
‫يف قديـم أو حديـث سـواء كان دقي ًقـا أو جليلا ‪ ،‬فليبـادر بالتوبـة إلـى اهلل مـن ذلـك كله‬
‫وليكثـر مـن االسـتغفار ‪ ،‬يسـتغفر ربه مـواله مـن كل ذنوبه الظاهـرة والباطنة ‪.‬‬

‫روى مسـلم يف «صحيحـه» مـن حديث أبي هريـرة ﭬ أن النبي ﷺ كان يقول يف‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ ُ َّ َّ‬ ‫ُ ْ‬
‫«الله َّـم اغ ِف ْـر ِلـي ذن ِبي كل ُه ِدق ُه َو ِجل ُـه‪َ ،‬وأ َّول ُه َو ِآخ َره ‪َ ،‬و َعل ِن َي َت ُه َو ِس َّـره»[[[‪.‬‬ ‫سـجوده ‪:‬‬

‫وروى البخـاري ومسـلم يف «صحيحيهمـا» عـن أبـي موسـى األشـعري ﭬ أن‬


‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫«الله َّـم اغ ِف ْـر ِلـي َمـا قد ْمـت َو َمـا أخ ْـرت‪َ ،‬و َمـا أ ْس َـر ْرت‬ ‫النبـي ﷺ كان يقـول يف دعائـه ‪:‬‬
‫َ ْ َ ْ َ ِّ َ ْ َ ْ َ ِّ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َو َمـا أ ْعل ْنـت‪َ ،‬و َمـا أنـت أ ْعل ُم ِب ِـه ِم ِّني‪ ،‬أنـت ال ُمقد ُم َوأنـت ال ُمؤخ ُر‪َ ،‬وأنت َعلى ك ِّل ش ْـي ٍء‬
‫َ‬
‫ق ِد ٌير»[[[‪.‬‬

‫ِ‬
‫ولسـائر المسـلمين مـن ذنوبنا كلهـا دقها‬ ‫اهلل لـي ولكم‬
‫وأسـتغفر َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أقـول هـذا القـول‬
‫وج ّلهـا ‪ ،‬أولهـا وآخرهـا ‪ ،‬وعالنيتهـا وسـرها إنـه ‪ ‬غفـور رحيـم ‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)483‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)6398‬ومسلم (‪.)2719‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪129‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين ‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن ‪ ،‬ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هو‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن‬ ‫كمـا أثنـى علـى نفسـه ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة والغيـب‬
‫والشـهادة مراقبـة ٍ‬
‫عبـد يعلـم أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه ‪.‬‬

‫واعلمـوا رعاكـم اهلل أن تقـوى اهلل ‪ ‬هـي خيـر زاد يبلـغ إلـى رضـوان اهلل ‪،‬‬
‫قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﱶ [البقـرة‪ ،]197:‬وتقـوى اهلل‬
‫ٌ‬
‫وتـرك لمعصية اهلل على‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجاء ثـواب اهلل ‪،‬‬ ‫‪ٌ :‬‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ‪ ،‬ﱷ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﱶ [الطلاق‪ ، ]3-2:‬ﱷ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﱶ [الطلاق‪، ]4:‬‬
‫ﱷ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﱶ [الطلاق‪. ]5:‬‬

‫جعلنا اهلل أجمعين من عباده المتقين وأوليائه المقربين ‪.‬‬


‫[[[‬
‫وق‬‫س‬‫ال ُف ُ‬
‫ن ْ‬‫ير م َ‬
‫ذ ُ ِ‬
‫ْ‬
‫التَّح ِ‬
‫ِ‬

‫الحمدُ هلل نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه ‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ‪ ،‬وصف ُّيـه‬
‫أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وخليلـه‪ ،‬وأمينـه علـى وحيـه ‪ ،‬ومب ِّلـغ النـاس شـرعه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪ ،‬وراقبـوه َّ‬
‫جـل يف علاه مراقبـة‬
‫مـن يعلـم أن ربـه يسـم ُعه ويـراه ‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وتـرك‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل ‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬
‫لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل ‪.‬‬

‫وذنب عظيـم َّ‬


‫حـذر اهلل ‪ ‬عباده عنه‬ ‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ُ :‬جـر ٌم خطيـر‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1434/3/6‬هــ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪131‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وهناهـم مـن فِعلـه وب َّين عقوبتـه الوخيمة وضرره العظيم على أهلـه يف الدنيا واآلخرة؛‬
‫ُ‬
‫وبيـان‬ ‫إنـه ‪-‬عبـاد اهلل‪« -‬ا ْل ِف ْس ْـق» ‪ ،‬فكـم يف القـرآن مـن آيـة فيهـا التحذيـر مـن الفسـوق‬
‫سـوء مغ َّبـة الفاسـقين وعظيـم عقوبتهـم عنـد اهلل ومـا يبـوؤون به مـن خسـران يف الدنيا‬
‫عمن كانت هـذه حالهم قال‬
‫واآلخـرة ؛ فقـد أخبر اهلل ‪ ‬يف القـرآن أنـه ال يرضـى َّ‬
‫اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﱶ [التوبـة‪. ]96:‬‬

‫سـبب لخـزي صاحبـه وهالكـه يف الدنيـا واآلخـرة ‪ ،‬قال‬


‫ٌ‬ ‫وأخبر ‪ ‬أن الفسـق‬
‫اهلل تعالـى‪ :‬ﱷ ﭪ ﭫ ﱶ [الحشـر‪. ]5:‬‬
‫وأخبر ‪ ‬يف أكثـر مـن ٍ‬
‫آيـة مـن القـرآن أنـه ال يهـدي مـن كانـت هـذه‬
‫حالهـم‪ ،‬قـال اهلل تعالـى يف أكثر مـن موضع من القـرآن‪ :‬ﱷ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﱶ‬
‫[المائـدة‪ . ]108:‬؛ وذلـك ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬عندمـا يسـتحكم الفسـق يف اإلنسـان ويصبـح‬
‫وصفـا مالزمـا لـه بحيـث ال يبغـي بـه بـدال وال يريد عنـه انتقـاال ؛ فإن مـن كانت هذه‬
‫حالـه ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬فـإن اهلل ‪ ‬ال يو ِّفقـه للهدايـة ‪ ،‬بـل يكـون فسـقه سـببًا لحرمانـه‬
‫منها ‪.‬‬

‫والفسـق ‪-‬أيهـا المؤمنـون‪ -‬هلاك الديـار وسـبب حلـول البـوار ؛ قـال اهلل تعالـى ‪:‬‬
‫ﱷﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱶ‬
‫[اإلسراء] ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فاسـق مض ِّي ٍع لحـدود اهلل ؛ ﱷ ﮮ ﮯ‬ ‫مطيـع هلل مـع‬
‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬وال يسـتوي مؤمـ ٌن‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﱶ [السـجدة] ‪.‬‬

‫وكيـف يسـتوي ‪-‬عباد اهلل‪ -‬من رضي لنفسـه هذا الوصف الـدينء ُ‬
‫والخلق الذميم‬
‫‪132‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بمـن كان مؤمنًا مطيعًا هلل ‪‬؟!‬

‫وقـد قـال اهلل ‪ : ‬ﱷ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﱶ [الحجـرات‪ ]11:‬؛ نعم‬


‫إي واهلل !! بئـس مـن اختار لنفسـه هـذا الوصف الذميم بدل وصف اإليمان الشـريف‬
‫العلي ‪.‬‬

‫ونصيـب بحسـب حجـم فسـقه مـن التشـ ُّبه بالشـيطان‬


‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬والفاسـق لـه ٌّ‬
‫حـظ‬
‫إمـام الفاسـقين وقدوهتـم ؛ قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﱶ [الكهـف]‪.‬‬

‫بئـس بـد ً‬
‫ال للظالـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مـن رضـي لنفسـه هـذا الهـوان بـأن كان يف خصاله‬
‫وأوصافـه شـبيهًا والعيـاذ باهلل للشـيطان ‪.‬‬

‫وأضـره‬
‫ُّ‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬والفسـوق دركات ؛ وأخطـر الفسـق وأشـنعه ‪،‬‬
‫وأخطـره ‪ :‬الشـرك والكفـر بـاهلل ‪ ، ‬قـال اهلل تعالـى عـن أهـل هـذا الصنف من‬
‫الفسـق ‪ :‬ﱷ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼﱶ [السـجدة] ‪.‬‬

‫ومـن الفسـق ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬مـا هـو دون ذلـك ؛ وهـو جميـع الذنـوب قوليـ ًة أو فعلية‬
‫أمـر افرتضـه اهلل ‪ ‬علـى عبـاده ‪ ،‬قـال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫أمـر محـرم أو تـرك ٍ‬ ‫بارتـكاب ٍ‬
‫ﱷ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﱶ [الحجـرات‪ ، ]7:‬فجعـل الفسـق هنـا مرتب ًة دون الكفر باهلل‬
‫‪.‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪133‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومـن الفسـق ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مـا هـو تعـدٍّ علـى العبـاد يف أنفسـهم وأموالهـم سـلبًا‬
‫يتحـول‬
‫َّ‬ ‫خطيـر ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬بحيـث‬
‫ٌ‬ ‫نـوع مـن الفسـق‬
‫وانتهابـا وقتلاً وعدوانـا ؛ وهـذا ٌ‬
‫ٍ‬
‫مفسـد يتعـدى علـى النـاس يف أموالهـم ويتعـدى‬ ‫اإلنسـان هبـذا الفسـق إلـى مجـر ٍم‬
‫عليهـم يف أنفسـهم ‪ ،‬ال يرعـوي عـن رذيلـة وال يخـاف من عقوبة عيـاذ ًا باهلل ‪‬‬
‫مـن ذلـك ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويف زماننـا هـذا ك ُثـرت الوسـائل والطرائـق التـي تفضـي بالنـاس إلـى‬
‫الفسـق بأنواعـه كفـر ًا ومـا هـو دون ذلـك مـن المعاصـي ومـا هـو مـن بـاب التعديـات‬
‫والظلـم والبغـي والعدوان ‪ ،‬والسـيما عبـاد اهلل من خالل القنوات الفضائية المفسـدة‬
‫اآلثمـة التـي أخـذت علـى عاتقهـا إيقاع النـاس يف أنواع الفسـوق وإيقاعهـم يف دركاته‬
‫يصلـون مـن‬‫وهلكاتـه مـن خلال برامـج محبوكـة ووسـائل معـدَّ ٍة إعـداد ًا محكمـا ِ‬
‫ُ‬
‫خاللهـا إلـى عقـول النـاس والسـيما الشـباب والشـابات ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فاسـق وفاسـقة ومجـر ٍم‬ ‫تخـرج يف مدرسـة هـؤالء اآلثمـة مـن‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬وكـم َّ‬
‫ومجرمـة ؛ ممـا يسـتوجب ‪-‬عباد اهلل‪ -‬علينـا أجمعين أن نأخذ بأسـباب الحيطة ‪ ،‬وأن‬
‫نربـأ بأنفسـنا مـن أسـباب الهلاك وأسـباب االنحـراف ‪ ،‬وأن نحـرص علـى أوالدنـا ‪،‬‬
‫َّ‬
‫فـإن األمـر ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬جـدُّ خطيـر ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ولقـد ثبـت عـن نبينـا صلـوات اهلل وسلامه وبركاتـه عليـه كمـا يف‬
‫«مسـتدرك الحاكـم» وغيـره التعـوذ بـاهلل ‪ ‬مـن الفسـوق ؛ عـن أنس بـن مالك‬
‫قـال ‪ :‬كان رسـول اهلل ﷺ يقـول يف دعائـه ‪« :‬اللهـم إنـي أعوذ بك من العجز و الكسـل‪،‬‬
‫و الجبن و البخل‪ ،‬و الهرم و القسـوة و الغفلة و العيلة و الذلة و المسـكنة‪ ،‬و أعوذ بك‬
‫‪134‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مـن الفقـر و الكفـر و الفسـوق و الشـقاق و النفـاق و السـمعة و الريـاء‪ ،‬و أعـوذ بك من‬
‫الصمـم و البكـم و الجنـون و الجذام و البرص و سـيء األسـقام»[[[‪.‬‬

‫فنعـوذ بـاهلل العظيـم مـن الفسـوق والنفـاق والشـقاق وسـيئ األخلاق ‪ ،‬ونسـأله‬
‫‪ ‬أن يحفظنـا يف أنفسـنا وأهلينـا ‪ ،‬وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه وأن ال يكلنـا إلى‬
‫أنفسـنا طرفـة عيـن ‪ ،‬إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا ونعم‬
‫الوكيـل ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫يحـب ربنـا ويرضـى ‪ ،‬وأشـهد أن ال‬


‫ُّ‬ ‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مبـاركًا فيـه كمـا‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـ َّلم‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ؛ فإن من اتقى اهلل وقاه ‪ ،‬وأرشـده‬
‫إلـى خير أمـور دينه ودنياه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬ثبـت يف «الصحيحيـن» مـن حديـث أم المؤمنيـن عائشـة‬
‫َْ‬ ‫َْ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ٌ ََ ُ ْ ْ‬
‫والعق َر ُب‪،‬‬ ‫ـق ُيق َتل َن ِفـي ال ِح ِّل َوال َح َر ِم ‪ :‬الفـأ َرة ‪،‬‬ ‫ڤ أن النبـي ﷺ قـال ‪(( :‬خمـس فو ِاس‬
‫ـب ْال َع ُق ُ‬
‫ور)) [[[‪.‬‬ ‫اب ‪َ ،‬و ْال ُح َد َّيـا ‪َ ،‬و ْال َك ْل ُ‬
‫َو ْال ُغ َـر ُ‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويف هـذا الحديـث إطلاق الفسـق علـى هـذه الحيوانـات ألهنـا تخـرج‬

‫[[[ رواه الحاكم يف «مستدركه» (‪ ،)1944‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)1285‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3314‬ومسلم (‪.)1198‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪135‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫علـى النـاس بـاألذى واإلضـرار والعـدوان‪ ،‬ولهـذا َّ‬
‫حـل قتلهـا ألهنـا فاسـقة وذلـك‬
‫وإضـرارا وعدوانـا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫وشـرا‬
‫ً‬ ‫بخروجهـا علـى النـاس أ ًذى‬

‫السـ ُب ِع َّية »‬
‫ُوب َّ‬ ‫ذنوب يسـميها أهل العلـم « ُّ‬
‫الذن َ‬ ‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف ذنـوب العبـاد‬
‫أي التـي يتشـ َّبه هبـا اإلنسـان بالسـباع يف تصرفاهتـا وظلمهـا وعدواهنا َ‬
‫وش َرسـها وبغيها‬
‫وتجاوزهـا وتعدِّ يهـا ؛ فيصبـح مـن النـاس مـن حاله كهذه الحـال والعياذ باهلل بل أشـد‬
‫مـن حـال الحيوانات الضارية والسـباع المفرتسـة المهلكة ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬لنسـتعذ بـاهلل ‪ ‬مـن الفسـق كلـه بكافـة صـوره‬
‫وجميـع أنواعـه ‪ ،‬ولنلجـأ إلـى اهلل سـبحانه أن يحفظنـا يف أنفسـنا وأهلينـا ‪ ،‬وأن يهدينـا‬
‫إليـه صراطـا مسـتقيما ‪.‬‬
‫يــر مــن الظُّ ْ‬
‫ــــلــم‬ ‫ــذ ُ ِ‬‫التَّـــحـْ ِ‬
‫[[[‬

‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه ‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬‫َّ‬
‫مضـل لـه ‪ ،‬ومـن ُيضلِـل فلا هـادي لـه ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا ‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله ‪ ،‬ب َّلغ‬
‫وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫الرسـالة ‪ ،‬وأ َّدى األمانـة ‪ ،‬ونصـح األمـة ‪ ،‬وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين‪،‬‬
‫شـرا إال حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه‬ ‫خيـرا إال َّ‬
‫دل األمـة عليـه ‪ ،‬وال ً‬ ‫مـا تـرك ً‬
‫عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫يعلم‬
‫أ َّمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عباد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالى وراقبوه سـبحانه مراقبة من ُ‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء‬ ‫أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه ‪ .‬وتقـوى اهلل ‪ٌ : ‬‬ ‫َّ‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل خيفـة عذاب اهلل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثـواب اهلل ‪،‬‬
‫أيها المؤمنون عباد اهلل ‪ :‬يقول اهلل تعالى يف الحديث القدسـي العظيم ‪َ :‬‬
‫((يا ِع َب ِادي‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1434-8-19 /‬هـ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪137‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُّ ْ َ َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِإنـي َح َّر ْمـت الظل َـم َعلـى نف ِسـي‪َ ،‬و َج َعل ُت ُـه َب ْي َنك ْـم ُم َح َّر ًمـا فلا تظال ُمـوا))[[[ ‪ ،‬وذلك من‬
‫جـل يف عاله حرم‬ ‫ٍ‬
‫شـيء قديـر لكنه َّ‬ ‫جـل يف علاه ‪ ،‬وهـو ‪ ‬على كل‬ ‫كمـال عدلـه َّ‬
‫ظلمـا وال هضمـا ‪ ،‬وجعله‬
‫علـى نفسـه الظلـم فلا يظلـم أحـدا ‪ ،‬وال يخـاف أحـدٌ عنـه ً‬
‫بيـن العبـاد محرما ‪.‬‬
‫والواجـب علـى العبـاد أن يعرفـوا حرمـة الظلـم وخطورتـه وسـوء مغبتـه ِ‬
‫وعظـم‬ ‫َّ‬
‫حرمـه اهلل ‪ ‬ويعاقـب عليـه صاحبـه العقوبـة‬
‫أمـر محـرم ؛ َّ‬ ‫عاقبتـه َّ‬
‫وأن الظلـم ٌ‬
‫العظيمـة والعـذاب األليـم ‪ ،‬يقـول اهلل ‪ :‬ﱷ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﱶ [إبراهيـم‪. ]42:‬‬

‫ويقول ‪ :‬ﱷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱶ [الشعراء‪. ]227:‬‬

‫ويقـول اهلل ‪ :‬ﱷ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬


‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﱶ [الشـورى‪. ]42:‬‬

‫واآليات يف هذا المعنى كثيرة ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬الظلـم ظلمـات يـوم القيامـة ‪ ،‬يـوم يـأيت المؤمنـون يـوم‬
‫القيامـة يسـ َعون بأنوارهـم فـإن الظالـم يـأيت يـوم القيامـة متخب ًطـا يف ظلمـات ظلمـه ‪،‬‬
‫روى البخـاري ومسـلم يف «صحيحيهمـا» عـن ابـن عمـر ﭭ أن النبـي ﷺ قـال ‪:‬‬
‫الق َي َام ِـة))[[[ ‪.‬‬ ‫ُّ ْ ُ ُ َ ٌ َ َ‬
‫((الظل ُـم ظلمـات ي ْـوم ِ‬

‫والظالـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬ولئـن كان الـذي اقتطعـه بظلمـه مـن حقـوق اآلخريـن شـي ًئا‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2577‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2447‬ومسلم (‪.)2579‬‬
‫‪138‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ويطوق به عنقـه خز ًيا له‬
‫َّ‬ ‫نـزرا يسـيرا فإنـه يـأيت يـوم القيامة يحملـه على عاتقـه‬
‫قليلا أو ً‬
‫يـوم القيامـة بيـن العالمين ز‬

‫و روى الشـيخان يف «صحيحيهمـا» عـن أم المؤمنيـن عائشـة ڤ أن النبـي ﷺ‬


‫األ ْرض ُط ِّو َق ُـه م ْـن َس ْـب ِع َأ َرض َ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫يـن))[[[ أي أنـه يـأيت هبـذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قـال‪(( :‬مـن ظل َـم ِقيـد ِش ْـب ٍر ِمـن ِ‬
‫األراضـي التـي أخذهـا ظلمـا يـأيت يحملهـا علـى عنقـه يـوم القيامـة إلى سـبع أراضين‬
‫خز ًيـا لـه بيـن العالميـن‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬والظالـم يـأيت يـوم القيامـة ولربمـا أفلـس مـن جميـع‬
‫حسـناته ‪ ،‬ألنـه يف ذلـك اليـوم العظيـم تـؤدى الحقـوق و ُتـر ُّد المظالـم إلـى أصحاهبـا‬
‫ويكـون ذلـك باألخـذ مـن حسـنات الظالـم فـإن فنيـت حسـناته ُأخـذ مـن سـيئات مـن‬
‫ظلمهـم ف ُطرحـت عليـه ‪ ،‬ولهـذا يظهـر يف ذلـك اليـوم ‪-‬يـوم القيامـة‪ -‬يظهـر اإلفالس‬
‫جل ًّيـا وتظهـر حقيقـة المفلسـين ‪ ،‬روى مسـلم يف «صحيحـه» عـن أبـي هريـرة ﭬ أن‬
‫ـم َلـ ُه َو َل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ون َمـا ْال ُم ْفل ُـس؟)) َقا ُلـوا‪« :‬ا ْلم ْفلِـس فِينَـا مـن َل ِ‬
‫د‬
‫ََ ْ ُ َ‬
‫النبـي ﷺ قـال ‪(( :‬أتـدر‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ ْ‬
‫ـال‪«ِ :‬إن ال ُمف ِل َـس ِم ْـن أ َّم ِتـي َيأ ِتـي َي ْـو َم ال ِق َي َام ِـة ِب َصلا ٍة‪َ ،‬و ِص َي ٍ‬
‫ـام‪َ ،‬وزك ٍاة‪َ ،‬و َيأ ِتي‬ ‫َـاع» ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َمت َ‬
‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ َ َ‬
‫ـال هـذا‪َ ،‬و َسـفك د َم هـذا‪َ ،‬وض َـر َب هـذا‪ ،‬ف ُي ْع َطى هذا‬ ‫قـد شـتم هـذا‪ ،‬وقـذف هـذا‪ ،‬وأكل م‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ـل أن ُيقضـى َمـا َعل ْي ِـه أ ِخذ ِم ْن‬ ‫ِم ْـن َح َس َـنا ِت ِه‪ ،‬وهـذا ِمـن حسـنا ِت ِه‪ ،‬ف ِـإن ف ِنيـت حسـناته قب‬
‫ـار»[[[‪.‬‬ ‫ـت َع َل ْيـه ُث َّـم ُطـر َح فـي َّ‬
‫الن‬
‫ََ َ ُ ْ َُ َ ْ‬
‫خطاياهـم فط ِرح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬يـوم القيامـة يـوم القصـاص ويـوم رد المظالـم ‪ ،‬وتأملـوا مل ًيـا هذا‬
‫الحديـث العظيـم الـذي يرويـه الصحابـي الجليل عبد اهلل بن ُأنيـس ﭬ أن النبي ﷺ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2453‬ومسلم (‪.)1612‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2581‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬‫ُّ‬ ‫‪139‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ َ ُ َّ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ ً ُ ْ ً ُ ْ ً َ َ ُ ْ‬
‫ـال‪ :‬قل َنـا‪َ :‬و َمـا‬ ‫قـال ‪ «:‬يحشـر النـاس يـوم ال ِقيام ِـة ـ أو قـال‪ :‬ال ِعبـاد ـ عـراة غـرل بهمـا‪ ،‬ق‬
‫ُب ْه ًما ؟‬
‫ُ َ َ ْ ُ َ َ َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ـال‪ :‬ل ْي َـس َم َع ُه ْـم ش ْـي ٌء؛ ث َّـم ُي َن ِاد ِيه ْم ِب َص ْو ٍت َي ْس َـم ُع ُه ِم ْن ق ْر ٍب أنا ال َم ِلـك أنا الد َّيان‪،‬‬ ‫ق‬
‫ـار َو َل ُـه ِع ْن َـد َأ َح ٍـد ِم ْـن َأ ْهـل ْال َج َّن ِة َح ٌّ‬
‫ـق َح َّتى‬ ‫ـل َّ‬
‫الن َ‬ ‫ْ َ ْ َّ َ‬
‫النـار أ ْن َي ْد ُخ َ‬ ‫ـل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ـن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ـد‬
‫ٍ‬ ‫ح‬‫َو َل َي ْن َبغـي َل َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َُ‬
‫ـار ِع ْنده‬ ‫ـل ْال َج َّن َة َو َل َحـد م ْن َأ ْهل َّ‬
‫الن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أ ُق َّص ُـه ِم ْن ُـه‪َ ،‬و َل َي ْن َب ِغـي ِل َح ٍـد ِم ْـن أ ْهـل ال َج َّن ِة أ ْن َي ْد ُخ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َُ‬
‫ـق َح َّتى أق َّص ُـه ِم ْن ُه َح َّتـى الل ْط َمة‪.‬‬ ‫َح ٌّ‬
‫ً ُ ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ َ ْ‬ ‫َ َ ُْ َ‬
‫ال‪ :‬قل َنا‪ :‬ك ْي َف َو ِإنا ِإن َما نأ ِتي الل َه َع َّز َو َج َّل ُع َراة غ ْرل ُب ْه ًما؟‬ ‫ق‬

‫ات»[[[‪.‬‬ ‫ال ب ْال َح َس َنات َو َّ َ‬


‫َق َ‬
‫الس ِّيئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫مفسـرا ومفصلا يف حديث أبي هريرة‬


‫ً‬ ‫ومعنـى قوله ((بالحسـنات والسـيئات)) جاء‬
‫المتقـدم ذكره المشـهور بحديث المفلس‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن العاقـل الناصـح لنفسـه عندمـا يتأمـل يف هـذه األدلـة‬
‫تحذيـرا مـن الظلـم وبيانًـا‬
‫ً‬ ‫ولهـا نظائـر كثيـرة يف كتـاب اهلل ‪ ‬وسـنة نبيـه ﷺ‬
‫لخطورتـه وسـوء عاقبتـه علـى الظالـم ‪ ،‬سـوا ًء كان ظلمه تعد ًيـا على األنفـس أو تعد ًيا‬
‫علـى األعـراض أو تعد ًيـا علـى األمـوال أ ًّيـا كان نوع ظلمـه عليه‪ ،‬عندمـا يتأمل يف هذه‬
‫األحاديـث عليـه أن يتن َّبـه وأن يوقـظ قلبـه مـن رقدتـه ‪ ،‬وأن يحسـب لذلـك الموقـف‬
‫حسـا ًبا عظيمـا ‪ ،‬وأن يـزن عملـه يف هـذه الحيـاة قبـل أن يـوزن يـوم يلقـى اهلل ‪،‬‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)16042‬وقــال األلبــاين‪( :‬حســن صحيــح) يف «صحيــح‬


‫الرتغيــب» (‪.)3608‬‬
‫‪140‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ْ َ‬
‫((م ْـن كانـت ل ُـه‬ ‫وقـد جـاء يف «الصحيـح» مـن حديـث أبـي هريـرة أن النبـي ﷺ قـال‬
‫َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ٌ َ َ‬ ‫َ ْ ََ ٌ َ‬
‫ـار َوال ِد ْره ٌم‬‫يـه ِم ْـن ِع ْر ِض ِـه أو شـي ٍء فليتحللـه ِمنه اليوم قبـل أن ال يكون ِدين‬ ‫مظلمـة ِ ِ‬
‫خ‬‫ِ‬ ‫ل‬
‫ٌ ُ َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ ٌ ُ َ‬
‫ـح أ ِخـذ ِم ْن ُـه ِبقـد ِر َمظل َم ِت ِـه ‪َ ،‬و ِإن ل ْـم تك ْـن ل ُـه َح َس َـنات أ ِخـذ ِم ْـن‬ ‫‪ِ ،‬إن كان لـه عمـل صا ِل‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ـل َعل ْي ِـه))[[[‪.‬‬ ‫ات َص ِ‬
‫اح ِب ِـه فح ِم‬ ‫َس ِّـيئ ِ‬

‫نعـم عبـاد اهلل ؛ إهنـا لفرصـ ٌة ثمينـة ال َّ‬


‫تعـوض والعبـد يعيـش يف هـذه الحيـاة أن‬
‫يتخ َّلـص مـن المظالـم يف هـذه الحيـاة الدنيـا قبـل أن يلقى اهلل يـوم القيامـة وهو يحمل‬
‫مظالمـه علـى عاتقـه خز ًيـا لـه بيـن العالميـن ثـم يبـوء بعاقبـة ظلمـه ومغبتـه األليمـة ‪.‬‬

‫نعـوذ بـاهلل العظيـم أن نظلِـم أو نُظ َلم ‪ ،‬ونسـأله جـل يف عاله أن يصلح لنا شـأننا كله‬
‫وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن إنـه سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو حسـبنا‬
‫ونعـم الوكيل ‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان ‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان ‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليه‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له ‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد أيها المؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون وإذا كان الحديـث المتقـدم عـن الظلـم وسـوء عاقبته وعظـم مغبته‬
‫حدي ًثـا عـن ظلـم األفـراد بعضهـم لبعـض؛ فكيـف الشـأن ‪-‬أيهـا المؤمنـون‪ -‬بمن يقع‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)2449‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪141‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وخلـق ال يحصيهـم إال اهلل ؟!‬ ‫ٍ‬
‫وأمـم عديـدة‬ ‫ٍ‬
‫جماعـات كثيـرة‬ ‫ظلمـه علـى‬

‫ً‬
‫وقتلا لألنفس‬ ‫وكيـف مـن يكـون ظلمـه تعد ًيا على األعـراض وانتهـاكًا للحرمات‬
‫المعصومـة وإبـاد ًة لألموال المحرتمـة المحرمة ؟‬

‫تدميرا‬ ‫ٍ‬
‫متسـلط با ٍغ اتخذ سـلطته وقوتـه‬ ‫نعـم عبـاد اهلل ؛ إن الظلـم إذا كان مـن رج ٍل‬
‫ً‬
‫وظلمـا وتعديـا فـإن ذلك من أعظم الظلم وأشـده عقوب ًة يـوم القيامة‪.‬‬
‫ً‬ ‫وإبـاد ًة وإهلاكًا‬

‫وعندمـا يتأمـل المتأمـل يف واقعنـا هـذا مـا يحصـل إلخواننا المسـلمين يف سـوريا؛‬
‫يجـد أنـواع الظلـم بـكل أشـكاله وجميـع صـوره وكل ألوانـه مـن السـلطة الباغيـة‬
‫ً‬
‫وقتلا وتشـريدً ا وانتهـاكًا لألعـراض وتعد ًيا علـى الحرمات‬ ‫الغاشـمة الظالمـة ؛ إبـاد ًة‬
‫ٍ‬
‫مبكية محزنـة ‪ ،‬وال ُيعـدُّ ون بالعشـرات وال بالمئات‬ ‫ٍ‬
‫وحـال مؤسـفة بـل‬ ‫يف واقـ ٍع مريـر‬
‫بـل باأللـوف ‪ ،‬أعـداد كثيـر مـن رجـال ونسـاء وصغـار وكبـار ُأهلكـوا وقتِّلوا ِّ‬
‫وشـردوا‬
‫ويتِّمـوا إلـى غيـر ذلـك مـن أنـواع التعـدي والظلـم ‪ ،‬وقـد جـاء يف «الصحيحيـن» مـن‬
‫َّ‬ ‫َّ َّ َ‬
‫((إن الل َـه ل ُي ْم ِلـي ِللظا ِل ِـم َح َّتى‬
‫حديـث أبـي موسـى األشـعري ﭬ أن النبـي ﷺ قـال ‪ِ :‬‬
‫َ َ َ ََُ ْ‬
‫ِإذا أخـذه ل ْـم ُيف ِل ْت ُـه)) ُث َّم َق َر َأ صلوات اهلل وسلامه عليـه ‪ :‬ﱷ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﱶ [هـود] [[[‪.‬‬

‫يعجل هبلاك الطغاة المجرمين البغاة المعتدين ‪ ،‬نسـأله‬


‫نسـأل اهلل جـل يف علاه أن ِّ‬
‫جـل يف عاله أن ينصر إخواننا المسـلمين المسـتضعفين وأن يكـون لهم حاف ًظا ومعينا‬
‫ولتقر‬
‫َّ‬ ‫وناصـرا ومؤ ِّيـدا ‪ ،‬وأن يأخـذ الظالـم ‪-‬جـل يف علاه‪ -‬ليشـفي صدور المؤمنيـن‬
‫ً‬
‫عيوهنم هبالك الظالمين ‪ ،‬نسـأله جل يف عاله أن يكون إلخواننا المسـلمين يف سـوريا‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)4686‬ومسلم (‪.)2583‬‬


‫‪142‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قريب مجيب ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سـميع‬
‫ٌ‬ ‫وناصـرا ومعينا إنه ‪‬‬
‫ً‬ ‫ويف كل مـكان حاف ًظـا ومؤيـدا‬
‫الخ َي َ‬
‫انة‬ ‫َذمُّ ْ‬
‫ِ‬
‫[[[‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلِـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫أن محمـد ًا عبـدُ ه ورسـو ُله‪ ،‬ب َّلغ‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫الرسـالة ‪ ،‬وأ َّدى األمانـة ‪ ،‬ونصـح األمـة ‪ ،‬وجاهـد يف اهلل حـق جهاده حتى أتـاه اليقين‪،‬‬
‫شـرا إال َّ‬
‫حذرهـا منـه ؛ فصلـوات اهلل وسلامه‬ ‫خيـرا إال دل األمـة عليـه ‪ ،‬وال ً‬
‫فمـا تـرك ً‬
‫عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل تعالى ‪ ،‬فـإن يف تقـوى اهلل خ َل ًفا من كل‬
‫شـيء ‪ ،‬وليـس من تقـوى اهلل خ َلف ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إن ديـن اإلسلام ‪-‬ديـن األمانـة والنصـح والوفـاء‪ -‬ال خيانـة فيـه‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫يمـان ِل َم ْن ل‬ ‫وال مكـر وال جفـاء ‪ ،‬ولهـذا جـاء يف الحديـث عـن نبينا ﷺ أنـه قال ‪(( :‬ل ِإ‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1438/11/5‬هــ‬


‫‪144‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫أ َمانـة ل ُـه))[[[ ‪ ،‬وضـد األمانـة‪ :‬الخيانة ‪.‬‬

‫والخيانـة ‪-‬معاشـر العبـاد‪ -‬بطانـة سـوء وخبيئـة شـر ؛ جـاءت الشـريعة بذ ِّمهـا ‪،‬‬
‫والنهـي عنهـا ‪ ،‬والتحذيـر مـن فعلهـا ‪ ،‬وبيـان عظـم عقوبـة أهلهـا عنـد اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويكفـي بيانًـا لـذم الخيانـة قـول اهلل جـل يف علاه ‪:‬ﱷ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﱶ [األنفـال‪ ،]58:‬وإذا كان ال يحبهـم فلازم ذلـك أنـه يبغضهـم ويسـخط‬
‫فِعالهـم ‪ ،‬ويرتتـب علـى ذلـك مـن العقوبـة مـا يرتتـب ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬وقـد جـاء يف الحديـث «المتفـق علـى صحتـه» أن نبينـا ﷺ قـال ‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ٌ َ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬ ‫((آي ُـة ُ‬
‫ـف‪َ ،‬و ِإذا اؤت ِم َـن خـان))[[[‪.‬‬ ‫الم َن ِاف ِـق ثلاث‪ِ :‬إذا حـدث كـذب‪ ،‬و ِإذا وعـد أخل‬ ‫َ‬

‫نصحا‬
‫ً‬ ‫فعـدَّ الخيانـة مـن صفـات المنافقيـن ؛ وذلـك ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬أن الخائـن ُيظهـر‬
‫ووفـاء و ُيبطـن خيانـة وجفـاء‪ ،‬ولهـذا كانـت الخيانـة مـن خصـال أهـل النفـاق ‪ ،‬وقـد‬
‫ْ َ َ َّ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫((وأ ُعوذ ِبـك ِم َن ال ِخ َيان ِـة‪ ،‬ف ِإن َها‬ ‫جـاء يف «سـنن أبـي داود» أن النبـي ﷺ قـال يف تعـوذه ‪:‬‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ـت ال ِب َطانـة))[[[ والحديـث جيد اإلسـناد ‪.‬‬
‫ِبئ َس ِ‬
‫ْ َُ‬
‫قال ِ«ب ْئ َس ِت ال ِب َطانة» ألن الخائن ُيبطن و ُيضمر يف نفسه ما ال ُيظهره ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬والخيانـة تتنـاول الديـن كلـه ‪ ،‬كمـا أن األمانـة تتناول الديـن كله ‪،‬‬

‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)13199‬وابــن حبــان يف «صحيحــه» (‪ ،)194‬وصححــه األلبــاين‬


‫يف «صحيــح الجامــع» (‪.)7179‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)33‬ومسلم (‪.)59‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)1547‬وابــن ماجــه (‪ ،)3354‬والنســائي (‪ ،)5468‬وحســنه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح أبــي داود» (‪.)1383‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪145‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فليسـت الخيانـة ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬خاصـ ًة فيمـا يتعلـق بالمعامالت مـع الناس ‪ ،‬بـل الخيانة‬
‫أنـواع ثالثـة ‪ :‬خيانـ ٌة هلل ‪ ،‬وخيانـ ٌة للرسـول ♥ ‪ ،‬وخيانـ ٌة لألمانـات‬
‫أمانـات النـاس فيمـا بينهـم ‪ ،‬وقـد ُجمعـت األنـواع الثالثـة يف قـول اهلل جـل يف علاه‪:‬‬
‫ﱷﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱶ‬
‫[األنفـال‪ ]27:‬أي تعلمـون ُقبحهـا وسـوء عاقبتهـا ‪.‬‬

‫روى ابـن أبـي حاتـم يف «تفسـيره» عـن ابـن عبـاس ﭭ يف معنـى هـذه اآليـة قـال‪:‬‬
‫ﱷﭨ ﭩ ﭪﱶ ‪ :‬بترك فرائضـه ‪ ،‬ﱷ ﭫﱶ‪ :‬بترك سـنته وركـوب هنيـه ‪،‬‬
‫ﱷﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﱶ ‪ :‬أي ال تنقضوهـا[[[‪.‬‬

‫فأفـاد أن الخيانـة أنـواع ثالثـة ؛ فيدخل فيهـا ‪ :‬الخيانة المتعلقة بجنـاب اهلل بركوب‬
‫المعاصـي وترك الفرائـض والواجبات ‪.‬‬

‫ويدخـل فيهـا ‪ :‬ما يتعلق بالرسـول ♥ برفض سـنَّته وركوب األهواء‬


‫والضلاالت ‪ .‬ويدخـل فيهـا ‪ :‬مـا يتعلـق بحقـوق النـاس وتعامالهتم بأن يخـون المر ُء‬
‫مـال أو ٍ‬
‫سـر أو غير ذلك ‪.‬‬ ‫نفـس أو أهـ ٍل أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫غيـره يف‬

‫بـح جميعهـا ؛ ولهذا صح يف الحديث يف «سـن أبي‬ ‫عبـاد اهلل ‪ :‬والخيانـة ذ ٌم كلهـا و ُق ٌ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ ْ َ َ َ َ‬
‫داود» وغيـره أن النبـي ﷺ قـال ‪(( :‬أد ال َمانـة ِإلـى َم ِن ائ َت َم َنك‪َ ،‬ول تخ ْـن َم ْن خانك))[[[‪.‬‬

‫فأفـاد هـذا الحديـث أن الخيانـة مذمومـة ولـو كانـت علـى سـبيل المجـازاة بالمثل‬

‫[[[ رواه ابن جرير يف «تفسيره» (‪ ،)485/13‬وابن أبي حاتم يف «تفسيره» (‪.)8974‬‬
‫[[[ رواه أبــو داود (‪ ،)3534‬والرتمــذي (‪ ،)1264‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الجامــع»‬
‫(‪.)240‬‬
‫‪146‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مـن أفحـش األخطـاء قـول بعـض العـوام «خـان اهلل مـن يخـون»‬
‫وصـف ذميـم شـنيع ال يصـح أن يقـال ‪ ،‬ولهـذا قال اهلل‬
‫ٌ‬ ‫أو «الخائـن يخونـه اهلل» ‪ ،‬فهـذا‬
‫‪ :‬ﱷ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱶ[األنفـال‪]71:‬‬
‫ولـم يقـل فخاهنـم ‪ ،‬ألن الخيانـة ذ ٌم كلهـا ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬يجـب علـى عبـد اهلل المؤمـن أن يربـأ بنفسـه الشـريفة عـن الخيانة‬
‫تنزهـا ورفعـة بنفسـه األبيـة الشـريفة ‪ ،‬قـال الحافـظ‬
‫بـكل صورهـا وجميـع أشـكالها ً‬
‫يـرض لها‬
‫ابـن رجـب رحمـه اهلل تعالـى ‪« :‬فمـن كانـت نفسـه شـريفة وهمتـه عاليـة لـم َ‬
‫بالمعاصـي ؛ فإهنـا خيانـة ‪ ،‬وال يرضـى بالخيانـة إال مـن ال نفـس لـه»[[[ أي ‪ :‬ال نفـس‬
‫لـه شـريفة أبية ‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يصوننـا أجمعيـن باألخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة ‪ ،‬وأن‬
‫يعيذنـا أجمعيـن مـن ذميـم األخلاق وسـيء الصفـات ‪ ،‬إنـه خيـر مسـؤول وأعظـم‬
‫مأمـول ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب؛‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪ ،‬وراقبـوه َّ‬


‫جـل يف علاه مراقبـة مـن يعلم‬
‫[[[ «تفسير ابن رجب الحنبلي» (‪.)87/1‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪147‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ربـه يسـم ُعه ويراه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬والخيانـة تتولـد يف اإلنسـان من رقـة الدين وضعـف المراقبة لرب‬
‫العالميـن ‪ ،‬قـال اهلل تعالى ‪:‬ﱷ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﱶ [النساء‪]108-107:‬؛‬
‫فأفـادت اآليـة الكريمـة أن هـذه الرقة يف الدين وضعـف المراقبة لـرب العالمين يتولد‬
‫عنهـا مـا يتولـد ‪ ،‬ومـن ذلكم الخيانـة بأنواعها وكافـة صورها ‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يرزقنـا أجمعيـن خشـيته يف الغيـب والشـهادة ‪ ،‬وأن يصلـح‬
‫قلوبنـا وأن يزكـي سـرائرنا ‪ ،‬وأن يجعلنـا مـن عبـاده المتقيـن وأوليائـه المقربيـن ‪.‬‬
‫[[[‬ ‫م ْ‬
‫سلِم‬ ‫وء الظَّنِّ ب ْ‬
‫ال ُ‬ ‫س ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬

‫ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬


‫ُ‬ ‫ونسـتغفره‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل ؛ نحمـدُ ه ونسـتعينُه‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا ُمضـل لـه ‪ ،‬ومـن يضلِـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫أن محمـد ًا عبـدُ ه ورسـو ُله ؛‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬‫وأشـهدُ أن ال إلـه إال ُ‬
‫صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ :‬اتقـوا اهلل ربكـم ‪ ،‬وراقبوه َّ‬
‫جل يف علاه يف جميع‬
‫يعلـم أن ر َّبه يسـم ُعه ويراه ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أعمالكـم ؛ مراقبـ َة مـن‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪َّ :‬‬


‫إن مـن المطالـب العظيمة التي ينبغي على كل المسـلم أن يرعاها‬
‫األخـوة اإليمانية والرابطة الدينية التـي هي أعظم الروابط وأوثق‬
‫َّ‬ ‫وأن يحافـظ عليهـا ؛‬
‫يوهيهـا أو يخرمها ‪ ،‬قال اهلل‬ ‫الصلات ‪ ،‬وأن يحـذر أشـدَّ الحـذر مـن كل ما ي ِ‬
‫ضعفها أو ِّ‬ ‫ُ‬
‫‪:‬ﱷ ﯜ ﯝ ﯞﱶ [الحجرات‪.]10:‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1438/11/12‬هــ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪149‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أخوة[[[!‬
‫أخوة اإليمان ورابطة الدين ‪ ،‬فما أعظمها من رابطة وما أوثقها من َّ‬
‫إهنا َّ‬

‫األخوة‬
‫َّ‬ ‫حذر اهلل ‪ ‬عباده منها وهناهـم عنها تؤ ِّثر يف هذه‬
‫عبـاد اهلل ‪ :‬وثمـة أمـور َّ‬
‫عظيمـا ضعفـا ووهـاء؛ ومـن ذلكـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مـا جـاء يف السـياق الكريـم بعد‬
‫ً‬ ‫تأثيـرا‬
‫ً‬
‫قـول اهلل ‪ :‬ﱷ ﯜ ﯝ ﯞﱶ‪ ،‬قـال ‪ ‬يف هـذا السـياق‪:‬ﱷ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﱶ [الحجـرات‪.]١٢:‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬الظـن اآلثـم ‪ ،‬هوالظن السـيء الذي يظنه المسـلم يف أخيـه ويرتتب عليه‬
‫مـن اآلثـار العظيمـة واألضرار الوخيمـة يف إضعاف هذه األخوة ‪ ،‬بـل ويف إذهاهبا ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كلمـة‬ ‫والظـن السـيء ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬هـو التهمـة التـي تقـع يف القلـب بلا دليـل إثـر‬
‫يسـمعها المـرء مـن أخيـه أو فعـ ٍل يـراه مـن أفعالـه ؛ فيبنـي عليـه ظنونًـا وأوهامـا ‪ ،‬ولذا‬
‫وتناحر‬
‫ٌ‬ ‫عـداوات وقطيع ٌة‬
‫ٌ‬ ‫كثيـر مـن النـاس يف ظنون واهية و ُت ٍ‬
‫هـم باطلة ُيبنى عليها‬ ‫يقـع ٌ‬
‫ِ‬
‫وعـداء ؛ ولهـذا فـإن الظـن السـيء ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬بـاألخ المسـلم يف قولـه أو فعله يرتتب‬
‫عليـه مـن الشـر والفسـاد مـا ال يعلـم مـداه إال اهلل تعالى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عالقـات زوجيـة ‪ ،‬وكـم من صحبـة ورفقة ومـودة ‪ ،‬وكم من إخـاء تعطل‬ ‫فكـم مـن‬
‫وتصرم بسـبب الظنون السـيئة؟‬
‫َّ‬

‫ولهـذا يجـب علـى المسـلم أن يحـذر أشـد الحـذر من الظن السـيء بأخيـه ‪ ،‬وهي‬
‫ٍ‬
‫مسـتند وال دليل‪.‬‬ ‫والتخـون الـذي يقع يف قلبه‪ ،‬بل يلقيه الشـيطان يف القلب بال‬ ‫التهمـة‬
‫ُّ‬

‫واجب على المسلم أن يبتعد عنه ‪ ،‬ألنه إن لم يبتعد عنه أرداه ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إن هذا الظن‬
‫[[[ قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة ‪ « :$‬القرابــة الدينيــة أعظــم مــن القرابــة الطينيــة‪ ،‬و القــرب‬
‫بيــن القلــوب و األرواح أعظــم مــن القــرب بيــن األبــدان » «منهــاج الســنة النبويــة» (‪.)55/7‬‬
‫‪150‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المسـلم ‪ :‬إذا بلغتـك الكلمـ َة مـن أخيـك وتـواردت علـى ذهنـك الظنـون‬
‫وتلمـس ألخيـك المحامـل الطيبـة قـال عمـر بـن‬ ‫ِ‬
‫واألوهـا ُم والتُّهـم فأبعدهـا عنـك َّ‬
‫جدُ َل َهـا فِي ا ْل َخ ْي ِر‬
‫ـت مِ ْن مسـلِ ٍم َشـرا‪َ ،‬و َأن َْت َت ِ‬
‫ًّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫«ل َت ُظنَّـ َّن بِ َكلِ َم ٍـة َخ َر َج ْ‬
‫الخطـاب ﭬ ‪َ :‬‬
‫َم ْح َم ًلا»[[[‪.‬‬

‫تلمـس المحامـل الطيبـة ؛ تحمل فعـل أخيك أو قولـه عليها‬


‫ولهـذا تحـرص علـى ُّ‬
‫لتسـ َل َم و ُيسـ َل َم منـك ‪ ،‬عـن أبـي قالبـة ‪ $‬قـال‪« :‬إذا بلغـك عـن أخيك شـيء تكرهه‬
‫ْ‬
‫فالتمـس لـه العـذر جهـدك فـان لـم تجـد لـه عـذرا فقل يف نفسـك لعـل ألخي عـذرا ال‬
‫أعلمه»[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمـن‪ :‬وأمـا إذا دخل المرء يف الظنـون الواهية ُتهما وتخونًا وظنونًا فاسـد ًة‬
‫ضـررا عظيما‪ ،‬بل ربما صارت حاله أسـوء ً‬
‫حـال ممن ناصبه‬ ‫ً‬ ‫كاسـدة فإنـه يضر بنفسـه‬
‫العـداء بسـبب موقـف مـا أو خطـأٍ مـا ‪ .‬روى البخـاري ‪ $‬يف «األدب المفـرد» عـن‬‫ِ‬

‫يـر َأ ْع َظ َم مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫عبـداهلل بـن مسـعود ﭬ قـال ‪« :‬مـا ي َز ُال ا ْلمسـر ُ ِ‬
‫وق منْـ ُه َي َت َظنَّى َحتَّـى َيص َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ار ِق»[[[‪.‬‬
‫الس ِ‬
‫َّ‬

‫«يتظنـى»‪ :‬أي يدخـل يف الظنـون واألوهـام ‪ ،‬وهـذه حـال كثير من الناس إذا ُسـرق‬
‫منـه أو ار ُتكـب يف حقـه خطـأ ال يـدري مـن ف َعلـه يبـدأ بالظنـون ‪« :‬أعتقد أنه فلان ‪ ،‬بل‬
‫إنـه فلان ‪ ،‬نعـم لقـد رأيـت فالنـا يف ذلـك المـكان»‪ ،‬ثـم يدخـل يف ُتهـم وغيبـة ووقيعة‬

‫[[[ انظر‪« :‬تفسير القرآن العظيم» (‪.)377/7‬‬


‫[[[ «حلية األولياء» (‪.)285/2‬‬
‫[[[ رواه البخــاري يف «األدب المفــرد» (‪ ،)1289‬وصححــه األلبــاين يف «صحيــح األدب المفرد»‬
‫(‪.)979‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪151‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أعظـم إثمـا من إثم السـارق ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ونميمـة وآثـام عظيمـة ‪ ،‬حتـى إن حالـه لتصبـح‬

‫ُقـل مثـل ذلـك يف سـائر األخطـاء والمخالفـات‪ ،‬وعلـى سـبيل المثال ‪ :‬قـد يصاب‬
‫المـرء بالعيـن فيتضـرر إما يف بدنـه أو يف بعض ممتلكاته فيبدأ يف هـذه الظنون والتهم ‪:‬‬
‫فلان كـذا»‪ ،‬ويخوض يف أعـراض إخوانه‬ ‫ٍ‬ ‫«إنـه فلان ‪ ،‬بـل هـو فلان ‪ ،‬إنني أعرف من‬
‫ُت ً‬
‫همـا باطلـة ودعـاوى زائفـة ال تقـوم علـى دليـل ‪ ،‬يخـوض يف أعراضهم غيبـ ًة ونميم ًة‬
‫واسـتطال ًة وأ ًذى عظيمـا ؛ فتكـون حالـه أشـدَّ ً‬
‫حـال مـن العائـن الذي حسـده أو أصابه‬
‫بالعين ‪.‬‬

‫أيهـا المسـلم ‪ِ :‬أرح نفسـك يف هـذا البـاب وأرح قلبـك ‪ ،‬وعليـك بحسـن الظـن‬
‫وحمـل األخطـاء أو األقـوال علـى أحسـن المحامـل ‪ ،‬كمـا تحـب أن ُيفعل‬
‫بإخوانـك ْ‬
‫معـك لـو كنـت أنـت صاحـب ذلـك القـول أو صاحـب ذلـك الفعـل ‪.‬‬

‫أصبت فيه‬
‫َ‬ ‫قـال بكـر بـن عبـداهلل المـزين رحمـه اهلل تعالـى ‪«:‬إياك من الـكالم مـا إن‬
‫أخطـأت فيـه أثِمـت ؛ وهـو سـوء ظنـك بأخيـك المسـلم»؛ إن أصبت‬‫َ‬ ‫لـم تؤجـر ‪ ،‬وإن‬
‫يف سـوء ظنـك فيـه وصـار األمـر مطاب ًقـا لـم تؤجـر علـى ذلـك ‪ ،‬فليـس مـن وراء سـوء‬
‫الظـن فائـدة ‪ ،‬وإن لـم ُت ِصـب وكان األمـر مجرد هتمة بلا دليل فإنك تبـوء ٍ‬
‫بإثم عظيم‪،‬‬
‫والسـيما ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬إذا تبِـع هـذا الظـن السـيء مـا تبِعـه مـن أمـور وأعمـال ‪ ،‬ويف‬
‫الغالـب أن الظـن يتبعـه أمـور كثيـرة منهـا التجسـس ؛ إذا ظـن فيـه بـدأ يتجسـس عليـه‬
‫وعلـى أفعالـه ‪ ،‬وإذا تجسـس ترتـب علـى ذلـك وقيعـ ًة وغيب ًة ونحـو ذلـك ‪ ،‬ولهذا لما‬
‫هنـى اهلل ‪ ‬عـن الظـن السـيء أتبـع ذلـك بالنهـي عـن التجسـس ‪ ،‬ثـم أتبعـه بالنهي‬
‫أمـور وشـرور يتوالـدُ بعضهـا مـن بعض ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عـن الغيبـة ‪ ،‬ألهنـا‬
‫‪152‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يث))؛ فليحذر عبدُ‬ ‫الظ َّن‪َ ،‬فإ َّن ُه َأ ْك َذ ُب ْال َ‬
‫َّ ُ ْ َ َّ‬
‫ِ ِ‬‫د‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬قـال نبينا ﷺ ‪ِ :‬‬
‫((إياكم و‬
‫ونخرت‬‫اهلل المؤمـن مـن هـذه الظنـون واألوهـام التـي أفسـدت يف حيـاة النـاس كثيـرا َ‬
‫أخوهتـم وعالقاهتـم وأوجـدت بينهـم مـن العـداوات والبغضـاء ما ال يعلمـه إال اهلل‬
‫يف َّ‬
‫‪ ، ‬فلنحـذر مـن ذلـك أشـد الحـذر ‪ ،‬ولنعامـل غيرنـا بمـا نحـب أن نُعامـل‬
‫بـه‪ ،‬فـإن المؤمـن يحـب ألخيـه ما يحب لنفسـه ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب؛‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫أن محمد ًا‬


‫الحمـد هلل كثيـر ًا ‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليه وعلـى آله وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫فـإن يف تقـوى اهلل خ َل ًفـا مـن كل شـيء ‪،‬‬


‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى ‪َّ ،‬‬
‫وليـس مـن تقـوى اهلل خ َلـف ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬مـا أجمـل الحيـاة بالمسـلم عندمـا يجاهـد نفسـه علـى التمتـع‬
‫باألخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة من هدايـات هذه الشـريعة وتوجيهاهتا العظيمة‬
‫التـي تك ُفـل للناس يف حياهتم راح ًة وأمنًا وطمأنين ًة وقو ًة يف المحبة والصفاء واإلخاء‪،‬‬
‫وإنـه ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬متأكـدٌ على كل مسـلم أن يرعى هذه الحقـوق واآلداب تجاه إخوانه‬
‫ِ‬
‫ورابطـة الديـن ؛ فإن المسـلم أخو المسـلم ‪.‬‬ ‫ألخـوة اإليمـان‬ ‫المسـلمين إبقـا ًء‬
‫َّ‬

‫أخوتنا وأ ْمننا وإيماننـا ‪ ،‬وأن يزيد المحبة واأللفة‬


‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يحفـظ علينـا َّ‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪153‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بيننا ‪ ،‬وأن يصلح لنا شـأننا كله ‪ ،‬وأن يعيذنا من الشـيطان من كيده ومكره ووساوسـه‪،‬‬
‫إنه ‪ ‬سـميع الدعاء ‪.‬‬
‫خطبة الكسوف‬
‫[[[‬
‫والتحذير من مـوجبات دخول النار‬

‫الحمـد هلل العلـي القديـر ‪ ،‬العليـم الحكيـم ؛ وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال‬
‫شـريك لـه ‪ ،‬لـه ملـك السـموات واألرض وإليـه المصيـر ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده‬
‫ورسـوله وصفيـه وخليلـه البشـير النذيـر صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه‬
‫أجمعيـن ‪.‬‬

‫أمـا بعـد أيهـا المؤمنـون ‪ :‬اتقوا اهلل تعالـى ؛ فإن تقوى اهلل ‪ ‬خيـر زاد يبلغ إلى‬
‫رضـوان اهلل ‪ ،‬قـال اهلل تعالـى ‪ :‬ﱷ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﱶ [البقـرة‪.]197:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬لقـد شـهد النـاس يف الليلـة قبـل الماضيـة آيـ ًة عظيمـ ًة باهـر ًة مـن‬
‫آيـات اهلل العظـام دالـ ًة علـى كمـال اقتدار اهلل ‪ ‬وكمـال تدبيره سـبحانه ؛ أال وهي‬
‫ِ‬
‫كمـال اإلبـدار‬ ‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬خسـوف القمـر خسـوفًا كليـا يف ليلـة الرابـع عشـر ليلـة‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432/07/15 :‬هـ‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪155‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وتمـا ِم الضيـاء والنـور ؛ فكانـت آيـة عظيمـة هتـز القلـوب و ُتـري العبـاد كمـال الخالـق‬
‫‪ ‬ووجـوب الخـوف منه سـبحانه واللجـوء إليه ‪ ‬؛ ولهذا تأسـى المؤمنون‬
‫[[[‬
‫برسـول اهلل ♥ فخرجـوا إلـى المسـاجد ليص ُّلـوا صلاة الكسـوف‬
‫ٍ‬
‫واسـتغفار وفـز ٍع إلـى اهلل ‪ ، ‬واهلل‬ ‫ٍ‬
‫وسـؤال‬ ‫ٍ‬
‫وذكـر‬ ‫ٍ‬
‫دعـاء‬ ‫متأسـين بالنبـي ﷺ يف‬
‫تعالـى يقـول ‪ :‬ﱷ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﱶ [اإلسـراء‪. ]59:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ولقـد شـاهد نبينـا ♥ ‪ -‬وهـو يصلـي بالناس‪ -‬شـاهد‬


‫بعينـه أثنـاء صالتـه الجنـة وشـاهد النـار ‪ ،‬ولمـا رأى الجنـة تقـدم ‪ ،‬ولمـا رأى النـار‬
‫ٍ‬
‫بأمـور شـاهدها يف النـار علـى سـبيل تنبيـه العبـاد‬ ‫تأخـر ‪ ،‬وأخبر ‪- ♥ -‬‬
‫ََ ْ‬
‫وتذكيرهـم وتخويفهـم مـن موجبـات دخـول النـار ؛ يقـول ♥ ‪(( :‬لقـد‬
‫ََ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫َرأ ْيـت َج َه َّن َـم َي ْح ِط ُـم َب ْعض َهـا َب ْعضـا))[[[‪ ،‬وقـال ♥ ‪ (( :‬فل ْـم أ َر َم ْنظ ًـرا‬
‫َ َْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫كال َي ْـو ِم ق ُّـط أفظ َـع ))[[[ ‪.‬‬
‫ْ ُ ُ َ ْ َ َّ‬
‫الد َّ‬ ‫ِّ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ـال))[[[؛‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ـة‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ـور‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ـي‬‫ف‬‫ِ‬ ‫ـون‬ ‫((إنـي قـد رأيتكـم تفتن‬ ‫وقـال ♥ ‪ِ :‬‬
‫كل ذلكـم قالـه ♥ للنـاس بعـد صلاة الكسـوف ؛ قالـت عائشـة ڤ‪:‬‬
‫َْ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ ُ َ َّ‬
‫اب الق ْب ِـر )) [[[‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ـار‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫اب‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ـن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ـك‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ـد‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫ﷺ‬ ‫ـه‬
‫((فكنـت أسـمع رسـول ِ‬
‫الل‬

‫[[[ قــال الشــيخ العالمــة محمــد بــن صالــح العثيميــن ‪« :$‬مــن العلمــاء مــن فــرق‪ ،‬فجعــل‬
‫الخســوف للقمــر‪ ،‬والكســوف للشمســن والراجــح أنــه ال فــرق ‪ ،‬وأن الكســوف والخســوف‬
‫بمعنــى واحــد»« شــرح عمــدة األحــكام» (‪.)427/2‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1212‬ومسلم (‪.)183‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)431‬ومسلم (‪.)907‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)903‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)903‬‬
‫‪156‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف خطبـة نبينا ♥ و َع َظ النـاس َّ‬
‫وحذرهم وأنذرهم‬
‫وهناهم عن الذنوب واآلثام التي توجب دخول النار ‪ ،‬وكان تحذيره ♥‬
‫ٍ‬
‫بطريقـة تميـزت يف تلـك الخطبـة بذكره‬ ‫مـن الذنـوب واآلثـام وكبائـر الذنـوب العظـام‬
‫ٍ‬
‫ألشـخاص رآهـم يف النـار يذوقـون حرهـا ويصطلـون بنارهـا ‪،‬‬ ‫‪-♥-‬‬
‫وذكـر سـبب ذلك ‪ - ♥ -‬تحذيـر ًا وإنذارا ‪.‬‬

‫وبمناسـبة حداثـة عهدنـا بخسـوف القمـر فلنقـف ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬مـع موعظـة‬
‫نبينـا ♥ البليغـة ‪ ،‬لنقـف وقفـ ًة يحاسـب فيهـا العاقـل نفسـه ويعمل على‬
‫تغيـر حالـه ؛ فـإن اهلل تعالـى يقـول ‪ :‬ﱷ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱶ‬ ‫ِ‬
‫[الرعـد‪ . ]11:‬وقـد جمـع النبـي ♥ يف خطبتـه تلـك ِذكْر ذنـوب أربعة ؛‬
‫هـي أعظـم الذنـوب وأخطرهـا وأكربهـا وأشـنعها ‪ ،‬جمعهـا ♥ تحذيـر ًا‬
‫وإنـذارا ؛ وهـي ‪ :‬الشـرك ‪ ،‬والقتـل والزنـا ‪ ،‬والسـرقة ‪.‬‬
‫ََ ُ‬
‫((رأ ْيـت َع ْم َـرو ْب َـن َع ِام ٍـر‬ ‫أمـا تحذيـره مـن الشـرك وبيانـه لخطورتـه فإنـه ﷺ قـال ‪:‬‬
‫الس َـو ِائ َب))[[[‪،‬‬‫ان َأ َّو َل َم ْـن َس َّـي َب َّ‬
‫َ َ‬
‫ـار ‪ -‬أي أمعـاءه ‪ -‬ك‬ ‫ْال ُخ َزاع َّـي َي ُج ُّـر ُق ْص َب ُـه فـي َّ‬
‫الن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫وعمـرو هـذا هـو الـذي سـ َّن للجاهليـة جاهليتهم ‪ ،‬وجلـب األصنام لجزيـرة العرب ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ودعـا النـاس فأجابـوه ؛ فتغيـرت الف َطـر وانحـرف النـاس وبـدَّ ل ديـن إبراهيـم الخليل‬
‫ڠ فأصبحـت األصنـام ُتع َبـد حـول الكعبـة بيـت اهلل ‪ ،‬وأصبحـت األصنـام ُتنصـب‬
‫حـول الكعبـة بيـت اهلل ويقصدهـا النـاس حتـى أن تلبيتهـم يف الحج تحولت إلـى ٍ‬
‫تلبية‬
‫ـك إِ َّل‬ ‫ـك َل َش ِـر َ‬
‫يك َل َ‬ ‫ملوثـ ًة بعبـادة األصنـام ؛ فـكان قائلهـم يقـول يف تلبيتـه ‪َ « :‬ل َّب ْي َ‬
‫ـك َت ْملِ ُكـ ُه َو َمـا َم َل َ‬
‫ـك » ‪.‬‬ ‫َش ِـري ًكا ُه َـو َل َ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)4623‬ومسلم (‪.)2856‬‬


‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪157‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والشـرك ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ : -‬هـو الذنـب الـذي ال ُيغفـر ‪ ،‬والجـرم الـذي إذا مـات عليـه‬
‫صاحبـه ليـس لـه يـوم القيامـة إال النـار مخلـد ًا فيهـا أبـد اآلبـاد ‪ ،‬وال فـرق يف الشـرك‬
‫قبـة مـن ِ‬
‫القبـاب ؛‬ ‫صنـم مـن األصنـام أو قبرٍ مـن القبـور أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بيـن عبـادة‬
‫حـق هلل ‪ ‬فهـو المعبـود ٍ‬
‫بحـق وال معبـود‬ ‫حـق هلل ‪ ‬والدعـاء ٌ‬
‫فالعبـادة ٌ‬
‫بحق سواه ‪ ،‬ﱷ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱶ [الجن] ‪ ،‬ﱷ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ٍ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱶ [البينـة‪. ]5:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف تحذيـر النبـي ♥ مـن جريمـة القتـل ؛ وهـي‬


‫تعـد علـى األرواح المعصومة ذكـر ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يف خطبتـه تلك قال ‪:‬‬ ‫جريمـ ٌة شـنيعة فيهـا ٍ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ َّ‬ ‫ًَ‬ ‫ََْ ُ‬
‫يل ت َعـذ ُب ِفـي ِه َّـر ٍة ل َها َر َب َط ْت َهـا فل ْم‬ ‫ـت ف َ‬
‫يهـا ‪ -‬أي يف النـار ‪ْ -‬ام َـرأة ِم ْـن َب ِنـي ِإسـر ِائ‬ ‫((رأي ِ‬
‫ال ْرض))[[[ ؛ قطـ ٌة قتلتها هذه المرأة هـذه ِ‬ ‫َْ‬ ‫ُْ ْ َ ََ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ‬
‫القتْلة‬ ‫ِ‬ ‫ـاش‬ ‫تط ِعمهـا ولـم تدعهـا تـأكل ِمـن خ ِ‬
‫ش‬
‫الشـنيعة فـكان قتلهـا لهـا موجبـا لدخـول النـار ‪ ،‬ورآهـا ‪ -♥-‬تعـذب‬
‫يف النـار بتلـك الهـرة ؛ فكيـف ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بمـن يعتـدي علـى األرواح المعصومـة‬
‫ٍ‬
‫صـور نشـاهد‬ ‫والنفـوس المسـلمة !! يتعـدى عليهـا قتلاً بأشـنع أنـواع ِ‬
‫القتْلات يف‬
‫ٍ‬
‫وجبروت وطغيـان ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وحشـية وعـدوان‬ ‫بعضهـا وألوانـا منهـا يف زماننـا هـذا مـن أهـل‬
‫ٍ‬
‫معتـد آثـم ‪ ،‬وأن يقطع دابـر المجرمين ‪ ،‬وأن يحقن‬ ‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يقصـم كل‬
‫دمـاء المسـلمين بمنِّه وكرمه ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف تحذيـر نبينـا ♥ مـن الزنـا يف خطبتـه تلـك قـال‬
‫ُُ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫♥ ‪َ (( :‬يـا أ َّمـة ُم َح َّم ٍـد ؛ َوالل ِـه َمـا ِم ْـن أ َح ٍـد أغ َي ُـر ِم ْـن الل ِـه أن َي ْز ِن َـي َع ْبـده‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)904‬‬


‫‪158‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫أ ْو ت ْز ِن َـي أ َم ُت ُـه ‪َ ،‬يـا أ َّمـة ُم َح َّم ٍـد َوالل ِـه ل ْـو ت ْعل ُمـون َمـا أ ْعل ُـم لض ِحك ُت ْـم ق ِليلا َو َلبك ْي ُت ْـم‬
‫فحـذر ♥ مـن الزنـا ‪ ،‬تلـك الجريمـة الشـنيعة والذنـب‬ ‫َّ‬ ‫يـرا))[[[ ؛‬ ‫َك ِث ً‬
‫الفظيـع الـذي هنـى اهلل ‪ ‬النـاس عـن قربانـه ﱷ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫مـرض فتـاك ودا ٌء خطيـر ومج َلبـ ٌة ألنوا ٍع من‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﱶ [اإلسـراء] ‪ ،‬والزنـا ٌ‬
‫الفسـاد واألضـرار يف المجتمعـات ممـا ال يعلـم مـداه إال اهلل ‪. ‬‬

‫تعد على‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬ويف تحذيـر النبـي ♥ مـن السـرقة ‪ -‬وهـي ٍ‬

‫يها ‪ -‬أي‬ ‫الحقـوق وأك ٍل ألمـوال النـاس بالباطل ‪ -‬قال ﷺ يف خطبتـه تلك ‪َ (( :‬ر َأ ْي ُت ف َ‬
‫ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ان َي ْسـر ُق ْال َح َّ‬
‫ـاج ِب ِم ْح َج ِن ِه ف ِـإن ف ِط َن‬
‫َّ َ َ‬ ‫ـب ْالم ْح َجـن َي ُج ُّـر ُق ْص َب ُ‬
‫النـار ‪َ -‬ص ِ‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ـار‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ـي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ـه‬ ‫ِ‬ ‫اح َ ِ‬
‫ـل َع ْن ُه َذ َه َ‬
‫ـب ِب ِه ))[[[ ‪.‬‬ ‫ـق ِب ِم ْح َج ِنـي ‪َ ،‬و ِإ ْن ُغ ِف َ‬ ‫َل ُـه َق َ‬
‫ـال ‪ِ :‬إ َّن َمـا َت َع َّل َ‬

‫فـرأى النبـي ♥ هـذا السـارق الـذي يسـرق حجـاج بيـت اهلل الحـرام‬
‫عـذب بسـرقته يف النـار ‪ ،‬والسـرق ُة جريمـ ٌة نكـراء وذنـب شـنيع فيـه ٍ‬
‫تعد علـى األموال‬ ‫ُي َّ‬
‫ٌ‬
‫موجب لدخـول النار‬
‫ٌ‬ ‫المحرتمـة وعلـى حقـوق النـاس ‪ ،‬وفيـه ٌ‬
‫أكل لها بالباطـل ‪ ،‬وهو‬
‫كمـا هـو واضـح يف هـذا الحديث ‪.‬‬

‫ذنـوب وجرائم أربعـة هي أكبر الجرائم وأفظعها وأشـنعها؛‬


‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬هـذه‬
‫جم َعهـا النبـي ♥ بالذكـر يف موعظتـه تلـك تحذيـر ًا للعبـاد وتخويفـا‬
‫وتنبيهـا بتلـك المناسـبة أال وهـي شـهودهم آليـة اهلل العظيمـة خسـوف الشـمس يف‬
‫زمانـه ‪ -‬صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪ ، -‬وقـد جمـع ﷺ هـذه الذنـوب األربعـة بالذكر‬
‫والتحذير يف غير ما مناسـبة ومن ذلكم ‪ :‬ما جاء يف حديث سـلمة بن قيس األشـجعي‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)5221‬ومسلم (‪ ،)2359‬واللفظ للبخاري ‪.‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)904‬‬
‫طب الم ْن َبر َّية‬ ‫الخ َ‬‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬ ‫‪159‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َّ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ‬
‫ـول الل ِـه ﷺ ِفـي َح َّج ِـة ال َـود ِاع ‪ :‬أل ِإن َمـا ه َّـن أ ْر َب ٌـع أن ل تش ِـركوا‬‫ﭬ قـال ‪(( :‬قـال رس‬
‫َ َ ُ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ َّ َ َّ ُ َّ ْ َ ِّ َ َ ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ـق ‪َ ،‬ول ت ْزنوا ‪َ ،‬ول ت ْس ِـرقوا))[[[‪.‬‬ ‫ِبالل ِـه ش ْـي ًئا ‪َ ،‬ول تق ُتلـوا النفـس ال ِتـي حـرم اللـه ِإل ِبالح‬

‫أيهـا المؤمنـون ‪ :‬لنتـق اهلل ربنـا ‪ ،‬ولنحاسـب أنفسـنا ‪ ،‬ولنتجنـب موجبـات سـخط‬
‫اهلل وأسـباب دخـول النـار مجاهديـن أنفسـنا علـى ذلـك صابريـن مصابريـن مرابطيـن‬
‫راجين بذلك ثواب اهلل والنجاة من عقابة ‪ .‬أسأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنا لفعل الخيرات‬
‫واجتنـاب المنكرات ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول واسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫يحـب ر ُّبنـا ويرضـى ‪ ،‬وأشـهدُ أن ال‬


‫ُ‬ ‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مبـاركًا فيـه كمـا‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه ‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله ؛ صلى اهلل وسـلم‬
‫عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين ‪.‬‬

‫أيها المؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعالى ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ :‬ويف خطبـة النبـي ﷺ تلـك خـص النسـاء بالنـذارة والتحذيـر والتخويف‬
‫ـاء‪،‬‬ ‫((و َر َأ ْي ُت َأ ْك َث َر َأ ْهل َها ِّ‬
‫الن َس َ‬ ‫فقال ♥ يف ذكره لما شـاهده ورآه يف النار ‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َ َ َ ُ َ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫ـول الل ِه؟‬ ‫قالـوا ِبـم يا رس‬
‫َ َ ُْ‬
‫ال‪ِ :‬بكف ِر ِه َّن‪.‬‬ ‫ق‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)18990‬وصححه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)1759‬‬
‫‪160‬‬ ‫طب الم ْن َبر َّية‬‫الخ َ‬
‫البه َّية في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َر ُر َ‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫يل‪ :‬أ َيكف ْرن ِبالل ِه؟‬ ‫ِق‬
‫َ‬ ‫َ ُ َّ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ال‪ :‬ب ُك ْفر ْال َ‬
‫َق َ‬
‫ـان؛ ل ْو أ ْح َس ْـنت ِإلى ِإ ْحداه َّن الده َر ث َّم َرأت ِم ْنك‬ ‫ْ‬
‫ـير و ِبكف ِر ِاإلح َس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْـي ًئا قالـت‪َ :‬ما َرأ ْيت ِم ْنـك خ ْي ًرا ق ُّط))[[[‪.‬‬

‫ذكـر ذلـك ♥ تحذيـر ًا للنسـاء وتخويفـا لهـن وتنبيهـا ‪ ،‬فـكان‬


‫♥ ناصحـا أمينـا ومربيـا مشـفقًا ‪ -‬صلـوات اهلل وسلامه عليـه ‪. -‬‬

‫حـذر منـه ♥ وأنذر هتاون فيـه كثير من النسـاء بال‬ ‫وهـذا األمـر الـذي ّ‬
‫خراجـة‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫شـأن بعـض النسـاء أن صـارت الواحـد ُة منهـن ّ‬ ‫مبـاالة وال اهتمـام ؛ فأصبـح‬
‫ٍ‬
‫بقوامـة لزوجهـا‬ ‫ٍ‬
‫بطاعـة لـزوج ‪ ،‬وال تعتـدُ‬ ‫ٍ‬
‫بقـرار يف بيـت ‪ ،‬وال تبالـي‬ ‫ّ‬
‫ولجـة ال تعتنـي‬
‫ٍ‬
‫وضاللة عمياء ؛‬ ‫ٍ‬
‫جاهليـة‬ ‫وال تعترف بذلـك ‪ ،‬تركب رأسـها وتمضي يف شـأهنا يف سـنة‬
‫فالواجب على المرأة أن تتقي اهلل ‪ ‬وأن تحاسـب نفسـها وأن تز ّمها بزمام‬
‫الشـرع الحكيـم ‪ ،‬فـإن اهلل تعالـى ال يأمرهـا إال بمـا فيـه فالحهـا وسـعادهتا يف دنياهـا‬
‫وأخراهـا ‪ ،‬ومـع ذلـك فقـد رغـب بعـض النسـاء عـن هـدي اهلل ووصايـا نبيـه الكريـم‬
‫♥ واتبعـن أهـواء مريـدي الشـهوات ومتبعـي الضلاالت والملـذات‬
‫ﱷﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﱶ [النسـاء‪.]27:‬‬

‫اللهـم يـا ربنـا أصلـح نسـاء المسـلمين ور ّدهـ ّن إليـك رد ًا جميلا ‪ ،‬وجنِّبهـ ّن إلهنـا‬
‫دعـاة الفتنـة ودعـاة الشـر والفسـاد ‪ ،‬اللهـم واحفـظ عليهـ ّن إيماهنـ ّن واحفـظ عليهـ ّن‬
‫إسلامه ّن واحفـظ عليهـ ّن عفتهـ ّن وشـرفه ّن ياحـي يـا قيـوم يـاذا الجلال واإلكـرام‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1052‬ومسلم (‪.)907‬‬


‫محاية جناب التوحيد وصيانته من الرشك ووسائله ‪7.......‬‬

‫التحذير من الرشك ‪17........................................‬‬

‫الشكيات ‪25.............................‬‬
‫التحذير من بعض ِّ‬

‫ية ‪32...........................................‬‬ ‫الن َّْه ُي َعن ال ِّ‬


‫طََ‬
‫جريمة االستهزاء باهلل والقرآن والرسولﷺ ‪38................‬‬

‫ين ‪43.....................................‬‬ ‫االستِ ْه َز ِاء ِّ‬


‫بالد ِ‬ ‫َخ َ‬
‫ط ُر ْ‬

‫ير ِمن ا ْل ُغ ُل ِّو ِف النَّبِ ّي ﷺ ‪48.............................‬‬ ‫ِ‬


‫ال َّت ْحذ ُ‬

‫من مظاهر اجلفاء يف حق النبيﷺ ‪54.........................‬‬

‫الدين ‪61.................................‬‬
‫التحذير من الغلو يف ِّ‬
‫ي َي َد ِي اللَِّ َو َر ُسولِ ِه ‪68.............................‬‬
‫َل ُت َق ِّد ُموا َب ْ َ‬

‫أقسام الذنوب واملعايص(‪73.................................. )1‬‬

‫أقسام الذنوب واملعايص(‪80.................................. )٢‬‬

‫عرشة مشاهد للوقاية من الذنوب ‪87..........................‬‬

‫ير ِم َن ا ْلبِ َدع ‪93..........................................‬‬ ‫ِ‬


‫ال َّت ْحذ ُ‬

‫ض ُار ا ْلبِ َدع ‪100................................................‬‬


‫َأ ْ َ‬
‫االحتِ َف ُال بِا َْلولِد ‪106............................................‬‬
‫ْ‬

‫بدع شهر رجب ‪112.............................................‬‬

‫ليلة النصف من شعبان ‪118....................................‬‬

‫ال ْث ِم َو َباطِنَ ُه ‪125..................................‬‬ ‫ظ ِ‬


‫اه َر ْ ِ‬ ‫َو َذ ُروا َ‬
‫ال َّت ْح ِذير ِم َن ا ْل ُفس ِ‬
‫وق‪130........................................‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يــر ِمــن ال ُّ‬
‫ظــــ ْلــم ‪136...................................‬‬ ‫ِ‬
‫ال َّتـــحـْــذ ُ‬
‫َذم ْ ِ‬
‫ال َيا َنة ‪143.................................................‬‬ ‫ُّ‬

‫ظ ِّن بِا ُْل ْس ِلم ‪148..........................................‬‬


‫ُسو ُء ال َّ‬

‫خطبة الكسوف والتحذير من مـوجبات دخول النار ‪154.........‬‬

You might also like