Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 98

‫فقه النفس‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫ورقات من كتاب [ونفس ‪ :‬فقه النفس]‬

‫الفتة ‪ :‬مادة الكتاب مل تزل يف مراحل اإلنتاج ‪ ،‬وينقصها الرسوم التوضيحية اليت جتعل من الكالم أيسر للفهم وأقرب للتصور ‪ ،‬فإذا‬
‫استصعبت املادة أو استثقلت بعض ما فيها ‪ ،‬فأنصح بالقفز إىل [قصة النفس والسرداب] مث [كراسة قراءة النفس] ‪.‬‬

‫﴿بسم اهلل الرمحن الرحيم ‪ ،‬احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬الرمحن الرحيم ‪ ،‬ملك يوم الدين ‪ ،‬إياك نعبد وإياك نستعني ‪ ،‬اهدنا الصراط‬
‫املستقيم ‪ ،‬صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني﴾ [القرآن ‪ :‬سورة الفاحتة]‬

‫احلمد هلل الذي أنعم علينا بنعمه ظاهرة وباطنة ‪ ،‬احلمد هلل على مجيع نعمه ما علمنا منها وما مل نعلم ‪ ،‬احلمد هلل على نعمة الفطرة ‪،‬‬
‫واحلمد هلل على نعمة األنبياء وخامتهم نبينا ورسولنا حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة القرآن ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة‬
‫اإلسالم ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة اإلميان ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة األهل املسلمني ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة التعليم واملعلمني الصاحلني ‪،‬‬
‫واحلمد هلل على نعمة حب العلم ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة الصحبة الصاحلة ‪ ،‬واحلمد هلل على نعمة الزوجة الصاحلة ‪ ،‬واحلمد هلل على‬
‫نعمة الذرية الصاحلة إن شاء اهلل‬

‫﴿إن اهلل ومالئكته يصلون على النيب ‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ [القرآن ‪ :‬سورة األحزاب ‪ :‬اآلية ‪]65‬‬
‫صل اللهم وسلم على سيدي ونبيي ورسويل ومعلمي وحبييب وقدويت وشفيعي بإذن ريب ‪ ،‬حممد بن عبداهلل‬

‫﴿والسابقون األولون من املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي اهلل عنهم ورضوا عنه وأعد هلم جنات جتري حتتها األهنار‬
‫خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾ [القرآن ‪ :‬سورة التوبة ‪ :‬اآلية ‪]011‬‬

‫صالتك اللهم وسالمك على آل حممد وصحابته ومن اتبعهم بإحسان‬

‫﴿رب اشرح يل صدري ويسر يل أمري واحلل عقدة من لساين يفقهوا قويل﴾ [القرآن ‪ :‬سورة طه ‪ :‬اآليات ‪]52-56‬‬

‫اللهم وجهنا ملا خلقتنا له ‪ ،‬واصرفنا عما هنيتنا عنه ‪ ،‬وال تشغلنا مبا تكفلت لنا به‬

‫اللهم انصرنا باإلسالم ‪ ،‬وانصر اإلسالم بنا ‪ ،‬واجعلنا حجة له ال عليه ‪ ،‬واجعله حجة لنا ال علينا‬

‫‪1‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫﴿سالم عليكم كتب ربكم على نفسه الرمحة﴾ [القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬من اآلية ‪]65‬‬

‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‬

‫اللهم آمني‬

‫تقدمي ال بد منه ‪ :‬كيف السبيل إىل احلق ؟‬

‫وبعبارة أخرى ‪ :‬كيف السبيل إىل العلم حبقيقة أي شيء ؟!‬

‫ولنا هنا وقفة نضع فيها بعض النقط على بعض احلروف يف بداية هذه الرحلة ‪.‬وهي موجز خلالصة الفصل األول [اقرأ ‪ :‬فقه التفكري‬
‫والعقل] ‪ ،‬كما سيتكرر احلديث عن (العقل والنقل) الحقا عند تناول [قصة النفس] ‪.‬‬

‫اتفق أهل البحث والعلم ‪ ،‬قدميا وحديثا ‪ ،‬على أنه ال سبيل للوصول إىل حقيقة أمر معني إال بأمرين ‪ :‬العقل والنقل ‪.‬‬

‫العقل والنقل ‪ :‬ما قصتهما ؟‬

‫معىن العقل يف لغة العرب ‪ :‬مصدر من عقل الشيء يعقله عقال ‪ .‬وهو احلبس والتوثيق واملنع واحلفظ والربط والشد واإلحاطة ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬عقلت األمر وعقلت املسألة وعقلت البعري عقال ‪ .‬وقيل ‪ :‬مسي (عقال) ألنه مينعين عن ارتكاب ماال ينبغي ‪ ،‬ومنه ‪ :‬العقال ‪.‬‬

‫ومعىن العقل يف االصطالح (أو ما اصطلح عليه أهل العلم) ‪ :‬فهو صفة ملا يزجر عن القبائح ‪ .‬وهو العلم خبري اخلريين وشر الشرين‬
‫والقبيح واحلسن ‪ .‬وهو الطبيعة اليت ميز اهلل هبا اإلنسان عما دونه من احليوانات ‪ .‬وهو عملية التحقق من األمر بالتوقف والتفكري‬
‫واملالحظة والرجوع إىل التأريخ وجتارب النفس واآلخرين واملصادر العلمية اليقينية ؛ وهو عملية مجع املختلفات والقرائن واالستدالل‬
‫والرتجيح والتثبت ‪ ،‬مث ربط هذا كله للخروج حبكم ال يقبل اخلطأ ‪ ،‬حيث تطمئن النفس ‪.‬‬

‫هذا فيما خيتص بالعقل ؛ أما النقل ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪3‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫فمعىن النقل يف لغة العرب ‪ :‬محل الشيء وحتويله من موضع إىل آخر [املرجع ‪ :‬لسان العرب] ‪.‬‬

‫ومعىن النقل يف االصطالح ‪ :‬أما هنا ‪ ،‬فلم أقف عند أحد من املتقدمني على تعريف اصطالحي خاص بـ ـ (النقل) ‪ .‬إال إن البحث يف‬
‫كتب املتقدمني يظهر لنا أن اللفظ استهلك لكثرة استخدامه من املتقدمني واملتأخرين ؛ فنجد كثريا من اجلمل اليت تدل على هذا‬
‫املعىن مثل ‪( :‬النقل يدل على هذا) ‪ ،‬و(أهل العقل والنقل) ‪ ،‬و(قال أصحاب النقل واألخذ باألثر) ‪ ،‬و(قد ضعف هذا احلديث كثري‬
‫من أهل النقل) ‪ ،‬و(هذا ظاهر عند علماء النقل) ‪ ،‬وغري ذلك من ألفاظ ‪ .‬حىت صار لفظ (النقل) داال على اسم جنس معناه ‪:‬‬
‫املنقول واملتواتر إلينا ممن سلف ‪ ،‬أو (املأثور) من العلم ‪.‬‬

‫لكن العلماء اشرتطوا إلطالق مصطلح (النقل) على أمر ما أن يتوفر فيه ‪ :‬الصدق والدقة والتحقيق ‪.‬‬

‫وألنين أريد أن أكون واضحا مع نفسي قبل اآلخرين الذين يقرؤون هذه املادة ‪ ،‬وألنين ال أود أن نفقد بعض (املسافرين) وحنن يف بداية‬
‫الرحلة ‪ ،‬وألن املادة تسع (النفس) أينما وكيفما كانت ‪ ،‬وألن البعض يتعجل احلكم قبل (اإلنصات) أحيانا ‪ ،‬وقبل أن أشرع يف تناول‬
‫ما أؤمن أنه املصدر (احلق) ‪ ،‬أقول ‪:‬‬

‫ألننا ‪ ،‬أمة اإلسالم ‪:‬‬

‫نؤمن أن اهلل الواحد األول اآلخر ‪ ،‬هو خالق هذا الكون ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل ال يزال مسيعا بصريا عليما مقدرا مهيمنا ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل خلق اإلنسان ‪ ،‬وجعله خليفة يف األرض ‪ ،‬حيكم بأمره ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل مل يرتك اإلنسان يف ضاللة ‪ ،‬بل أنزل له منهج هداية ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل اصطفى من خلقه أناسا ‪ ،‬هم رسل اهلل إىل خلقه ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل أنزل هلؤالء الرسل ما يهدون به خلق اهلل ‪.‬‬
‫نؤمن أن اهلل ختم الرسل والرساالت برسالة اإلسالم ‪.‬‬

‫هلذا كله ‪ ،‬والعتبارات أخرى ‪ ،‬فإننا نؤمن أن (النقل ) الذي ينطلق العقل منه ‪ ،‬ويعود العقل إليه ‪ ،‬ويطمئن العقل به ‪ ،‬هو ‪ :‬القرآن‬
‫والسنة احملمدية (على صاحبها الصالة والسالم) ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪4‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫فإن كان يف النفس شك مما سبق ذكره ‪ ،‬فال ينبغي لعاقل أو عاقلة جتاوز هذه املرحلة إىل مرحلة الحقة دون اإلميان مبا جاء فيها ‪ ،‬وإال‬
‫كان السري على غري هدى ؛ ألن ما سيأيت ذكره قائم على هذه العقائد ‪ ،‬وليس هدف هذا الكتاب اإلجابة عن تلك األسئلة ‪ ،‬فلها‬
‫حبوث أخرى منثورة يف دور الكتب ‪ ،‬أنصح بالرجوع إليها عند احلاجة ‪.‬‬

‫وأقول ‪ :‬إن معتمدي يف هذه املادة هو ريب اهلل ‪ ،‬ومنطلقي يف هذه املادة هو إمياين الراسخ بـ ـ (اإلسالم) كمنهج ودستور لـ ـ (فن احلياة)‬
‫‪ ،‬وكتايب اإلرشادي هو (القرآن) و(السنة احملمدية) ‪.‬‬

‫من (اهلل) سأطلب اهلداية واإلرشاد‬


‫ويف تعاليم (اإلسالم) سأحبر معكم حبثا عن احلكمة والعالج‬
‫وإىل الوحي (القرآن والسنة النبوية) سنرجع إذا ما (غفلنا) يف الطريق‬

‫هذه املادة ليست ‪...‬‬

‫قبل أن أخربكم مباهية هذه املادة ‪ ،‬أود أن ألفت االنتباه إىل أن هذه املادة ليست ‪:‬‬

‫مادة أكادميية باملعىن التقليدي ؛ فليست هي بديال عن الكتب املدرسية أو اجلامعات ‪ ،‬ولكنها ضرورة ملن أراد أن يبدأ الطريق يف‬
‫[فقه النفس] ‪.‬‬
‫كتاب علم نفس باملعىن احلديث القادم من املدرسة الغربية ؛ وإمنا هو عرض لفقه النفس كما أفهمه يف مدرسة اإلسالم ‪ :‬القرآن‬
‫والسنة النبوية ‪.‬‬
‫مناظرة بني اإلسالم وغريه ‪ ،‬وليست دفاعا عن اإلسالم أو هجوما على غريه ‪.‬‬
‫مقارنة بني اإلسالم وغريه ‪ ،‬إال إن هذا ال مينع من ذكر الشواهد املتفق عليها بني اإلسالم وغريه من الطرق واملذاهب والفلسفات‬
‫‪ ،‬سيما يف أمور املاديات واحملسوسات ‪.‬‬
‫غرضها التفصيل يف كل املوضوعات الواردة فيها ‪ ،‬وإمنا هي عرض ألصول املوضوعات مع التفصيل يف املوضوعات األساسية اليت‬
‫أرى ضرورة الرتكيز عليها ؛ مع اإلحالة إىل مواد موجودة ومتوفرة يف السوق فيما عدا تلك املوضوعات ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ما هي هذه املادة إذا ؟ وما هو موضوع هذا الكتاب ؟‬

‫‪4‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪5‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫جواب ‪:‬‬

‫هذه املادة ‪ ،‬وهذه الصفحات ‪ ،‬هي الفصل الثاين من فصول [فن احلياة] الثالثة ‪ .‬و[فن احلياة] هو مشروع حيايت الذي أرجو أن‬
‫ألقى به اهلل يوم تعرض عليه القلوب واألعمال ‪ .‬و[فن احلياة] له فصول ثالثة ‪:‬‬

‫‪ o‬الفصل األول ‪[ :‬اقرأ ‪ :‬فقه التفكري والعقل] ‪ .‬وهو الفصل الذي اجتزأنا منه املقدمة يف شرح (العقل النقل) ‪.‬‬
‫‪ o‬الفصل الثاين ‪[ :‬ونفس ‪ :‬فقه النفس] ‪.‬‬
‫‪ o‬الفصل الثالث ‪[ :‬لتعارفوا ‪ :‬فقه التعامل مع اآلخرين ‪ ،‬من األلف إىل الياء] ‪.‬‬

‫ويف هذه املادة [ونفس ‪ :‬فقه النفس] ‪ ،‬أتناول معكم النفس اإلنسانية ‪ ،‬وتعريفها ‪ ،‬من أكثر من منظور ‪ ،‬سيما املنظور اإلسالمي ‪.‬‬
‫فأتناول مصطلح [فقه النفس] تعريفا ‪ ،‬وضرورة ‪ ،‬وكيفية ‪ .‬وتبعا لفقه النفس ‪ ،‬فإننا نتناول [قراءة النفس] ‪ ،‬وهي النظر يف مستودع‬
‫النفس ملعرفة خباياها ومكنوناهتا ومشكالهتا ‪ ،‬وما يتبع [قراءة النفس] من العلم ‪ ،‬وما يتبع العلم من راحة وشعور بالقوة احلقيقية ال‬
‫الومهية ؛ مث يتبع ذلك [قبول النفس] ‪ ،‬وما يتبعه من تصاحل مع النفس ؛ مث يتبع ذلك [تقدير النفس] ‪ ،‬حيث إعادة النظر يف مستودع‬
‫النفس ‪ ،‬والتعرف على نقاط الضعف والقوة ‪ ،‬ومنه إىل التخلص من نقاط الضعف وعالجها ‪ ،‬ومن مث التخلص من آثارها ‪ ،‬وهذه‬
‫هي مرحلة [التخلية] ‪ ،‬ويليها مرحلة [التحلية] ‪ ،‬حيث تزكية النفس عن طريق العلم والعمل ‪ ،‬وصوال إىل النفس املطمئنة الزكية ‪ ،‬اليت‬
‫هي ضرورة من ضرورات السعادة اإلنسانية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪6‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬ملاذا هذا الكتاب (من أين جاءت فكرة البحث والتأليف يف موضوع النفس) ؟ وهل حنن يف حاجة لفقه النفس ؟ وهل حنتاج‬
‫من يعلمنا كيف نفقه أنفسنا ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫إن جمرد النظر ‪ ،‬مع قليل من التأمل ‪ ،‬يف زوايا احلياة اليومية (يف البيت ويف املسجد ويف الشارع ويف املدرسة واجلامعة ويف السوق ويف‬
‫الشركة ويف امللعب ويف غريها) ليكفي أن يستفز ويستنفر ويدفع يب كإنسان ‪ ،‬أحس وأفكر وأعقل ‪ ،‬ألن أعتين بأمر النفس ‪ ،‬وأخشى‬
‫على حاهلا ومستقبلها ‪ ،‬سيما إذا علمنا أن النفس هي عنصر البناء واحلضارة ؛ فكيف إذا كان كاتب هذه السطور هو من الباحثني‬
‫واملشتغلني واملختصني بـ ـ النفس ؟!‬

‫لقد من اهلل علي أن تتوجه شخصييت ومن مث دراسيت وطليب للعلم وختصصي ‪ ،‬إىل النفس اإلنسانية ‪ ،‬سعيا إىل فقهها وعالجها‬
‫وتزكيتها كما أفهمه من كالم اهلل وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫ومن خالل مهنيت كطبيب واستشاري للعالج النفسي ‪ ،‬فأنا أتعامل مع النفس ؛ ومن هنا ‪ ،‬فأنا أكاد أستقبل ذات األسئلة‬
‫واالستفسارات واملشاكل املتكررة وكأهنا نسخ اتفق الناس عليها ‪ ،‬أدركوا أم مل يدركوا ‪ .‬ومع هذا ‪ ،‬فأنا أحب هذا التكرار ! أتعلمون‬
‫ملاذا ؟ ألنه يؤكد يل حقيقة واحدة ؛ وهي ‪ :‬إن النفس البشرية واحدة ‪ ،‬ومشكالهتا تنطلق من ذات اجلذر وإن تنوعت مظاهرها ‪.‬‬
‫وهلذا ‪ ،‬كان مما ظهر يل وترجح لدي وأصبح ‪ ،‬يف نظري ‪ ،‬حقيقة ال مناص من إنكارها ما يلي ‪:‬‬

‫(النفس) هي النفس يف بنائها األصلي ‪ ،‬مهما اختلفت البيئة بكل مكوناهتا اجلغرافية واالجتماعية واملعرفية ‪ .‬ما يسعد النفس أو‬
‫يتعسها يف القطب الشمايل أو اجلنويب هو ذاته ما يسعدها أو يتعسها يف منطقة اخلليج العريب أو يف بالد الشام أو يف مشال‬
‫إفريقيا أو يف أوروبا أو يف أمري كا ‪ .‬وعندما أقول (يسعدها) أو (يتعسها) فإنين أعين السعادة والتعاسة على حقيقتهما ال كما‬
‫يتوهم كثري من الناس ؛ فكم من أناس لديهم كل أسباب السعادة احلقيقية لكنهم تعساء ‪ ،‬وكم هناك من آخرين يظنون أهنم‬
‫سعداء إال إهنم تعساء ‪ ،‬وهل من السعادة يف شيء أن هنرب من أنفسنا (مثال) !‬
‫وألن النفس هي النفس يف بنائها األصلي ‪ ،‬فإن مشكالهتا تكاد تكون (نسخة متكررة) من الشرق إىل الغرب ؛ كما إن (األقنعة)‬
‫اليت يضعها الناس إلخفاء تلك املشكالت ‪ ،‬خصوصا مع (العوملة) ‪ ،‬هي أيضا نفس األقنعة ‪.‬‬
‫وعندما يبدأ البعض (وليس الكل) يف البحث عن عالج ‪ ،‬يتحولون إىل (فئران جتارب) ملا يعرف ب (خمتربات ومدارس علم‬
‫النفس احلديث والطب النفسي) من أولئك الذين ال يكادون يعلمون عن (النفس) شيئا ؛ إمنا هم حياولون حل املشكالت ب‬

‫‪6‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪7‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫(التجربة واخلطأ) ‪ .‬وليس يف هذا سوء ظن هبم ‪ ،‬فكثري منهم يعلنون بكل صدق ووضوح أن ﴿ذلك مبلغهم من العلم﴾ ‪،‬‬
‫والبعض اآلخر يقع بني اجلهل والكرب ‪ .‬وطريقة (التجربة واخلطأ) تقدم عالجات ‪ ،‬هي أيضا ‪ ،‬متكررة ‪ ،‬مع شيء من لوازم‬
‫خصوصية كل حالة بذاهتا ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬لقد صنف املتقدمون واملتأخرون يف موضوع النفس مصنفات كثرية ‪ ،‬وكتبوا يف موضوعاهتا وما يتعلق هبا أعدادا ال أكاد‬
‫أحصرها من املقاالت والرسائل والبحوث العلمية والكتب ‪ .‬ومن تلك املصنفات ما هو كنز مثني ‪ ،‬وهذا الصنف قليل حسب ما بلغه‬
‫علمي حىت حلظة كتابة هذه الكلمات‪ ،‬سيما إذا اعتربنا معايري مثل ‪ :‬العلمية‪ ،‬والعملية‪ ،‬والتخصص‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬وأخريا ‪ :‬االنطالق من‬
‫األصول العقلية والنقلية ‪ .‬ومن تلك املصنفات ما هو مجع وتوليف لقصاصات مما سبقه ‪ .‬ومن تلك املصنفات ما هو نسخ وتكرار ال‬
‫يضيف جديدا وال حيكي شيئا مفيدا ‪ .‬ومن تلك املصنفات ما ال يستحق حىت النظر يف صفحاته ! ومن تلك املصنفات ما يضر أكثر‬
‫مما ينفع ‪ .‬وال أؤاخذ الناس كثريا على ما يشعرون به من (الضياع) وهم يبحثون عن تعريف شايف للنفس أو ما يتعلق هبا من أعراض‬
‫وأمراض ؛ ولقد قرأت كثريا ‪ ،‬وكنت (كغريي) من أهل البحث والفضول واحلاجة أحبث عما كتب فيما يتعلق بـ ـ (النفس) ‪ ،‬فكان كثري‬
‫مما وقع عليه نظري ال يتجاوز ما يلي ‪:‬‬

‫مادة تعرض جتربة شخصية ‪ ،‬ال تصلح للتعميم أو للعرض على مجهور القراء !‬
‫مادة تبحث يف النفس البشرية على غري هدى ؛ فال عقل صريح وال نقل صحيح !‬
‫مادة حتاول (أسلمة النفس) ؛ فتعرض اإلسالم وكأنه بديل عن (علم النفس احلديث) !‬
‫مادة تنسخ ما سبق ؛ فال تضيف إال وريقات ‪ ،‬قد ال يكون فيها من املفيد شيء يذكر !‬
‫مادة يسوق هلا على أهنا (األكثر مبيعا) ؛ وهذا النوع هو مما يصعب التحقق من صحة حمتواه وأثره !‬
‫مادة تقليدية حتاول فرض النصوص فرضا ؛ فتأيت بالنصوص وكأهنا (تعويذة) تعاجل كل املشكالت !‬
‫مادة تلغي (الروح) وعامل الغيب ‪ ،‬فتتعامل مع النفس على أهنا (جسد وآلة) ختضع لقانون (املادة) فقط !‬

‫وغري هذا كثري ‪ ،‬إال إنين ذكرت هنا ما رأيته يتكرر يف دور العرض واملكتبات والشبكة البينية (االنرتنت) أكثر من غريه ‪ .‬ويف كل هذا‬
‫‪ ،‬ال أذكر أنين (شخصيا) خرجت بتعريف يروي ما لدي من ظمأ حول (النفس) ‪ .‬بل إنين بلغت ما أظن أنه كايف ألصل إىل تصور‬
‫أشبه ما يكون باالعتقاد ‪ ،‬وهو أنه ال بد ألحد من سد ثغرة (من ثغور كثرية) يف عامل (النفس) والدراسات املتعلقة هبا ‪ ،‬واالنطالق‬
‫من الدين ونصوصه األصيلة ‪ ،‬مما حيقق للنفس البشرية الطمأنينة والسعادة والرضا ؛ سيما إذا علمنا أن يف نصوص الدين وبعض ما‬
‫قاله أهل العلم واحلكماء عن النفس ما يغين عن كثري من (علم النفس احلديث) !!!‬

‫أما ما جيري يف عامل اليوم ‪ ،‬ويف أروقة ما يعرف بـ ـ (علم النفس) أو (الطب النفسي) فال يعدو أن يكون من قبيل (التجربة واخلطأ) اليت‬
‫ال تقدم حال ناجعا ‪ ،‬سيما إذا علمنا أن مشكالت الناس يف ازدياد ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪8‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫كل هذا ‪ ،‬وغريه ‪ ،‬دفعين للخروج مبادة [فن احلياة] ؛ ولقد كانت النية بداية أن يصدر الفصل األول [اقرأ ‪ :‬فقه التفكري والعقل] ‪،‬‬
‫سيما إن املادة (منهجية) ومتسلسلة ومتدرجة ‪ ،‬ويعتمد الالحق فيها على السابق ؛ إال إن حاجة الناس وإحلاحهم علي بإرسال مادة‬
‫[قراءة النفس] على وجه السرعة دفعين ألن أعمل على إخراج الفصل الثاين [ونفس ‪ :‬فقه النفس] أوال ‪.‬‬

‫موجز ألسباب البحث والكتابة يف [فقه النفس] ‪:‬‬

‫حلاجة الناس املتمثلة يف املشكالت الفردية واجملتمعية ‪ ،‬مما جيعل من [فقه النفس] ضرورة إنسانية ‪.‬‬
‫ألن الناس يبحثون عن حلول كثرية بعيدة عن متناول أيديهم يف حني هم ميلكون العالج يف أنفسهم ‪.‬‬
‫لشعوري بأمانة تبليغ ما لدي من علم ملن حيتاجون إليه ‪.‬‬

‫البحث يف النفس ليس (بدعة) بل هو (إبداع) يف الطريقة فقط ‪:‬‬

‫كان العلماء األوائل يعتنون بالنفس وبأعراضها وبأمراضها ‪ ،‬وكانوا يبدؤون عالج املرضى باحلديث عن ‪ :‬بيان فضل العقل ‪ ،‬ومعرفة‬
‫النفس ‪ ،‬وضرورة قمع اهلوى ‪.‬‬

‫فنقرأ يف كتاب الرازي [الطب الروحاين] الذي اعترب فقه النفس (أعظم األصول) ‪ ،‬وكتاب أيب زيد البلخي [مصاحل األبدان واألنفس] ‪،‬‬
‫وكتاب مسكويه [هتذيب األخالق وتطهري األعراق] ‪ ،‬وكتاب املاوردي [أدب الدين والدنيا] ‪ ،‬وكتاب ابن حزم [األخالق والسري] ‪.‬‬

‫فأبو زيد البلخي يف كتابه [مصاحل األبدان واألنفس] يشدد على ضرورة حفظ النفس من املدخالت السمعية والبصرية (أي كل ما أراه‬
‫وأمسعه) اليت من شأهنا أن حترك يف نفسي دواعي اخلوف والوسواس والقلق واالنشغال والغضب ‪ .‬ويرى البلخي أن التخلص من ذلك‬
‫كله يكون بأمرين ‪ :‬األول ‪ :‬ضرورة معرفة سنن الكون يف حتصيل الرغبات ؛ والثاين ‪ :‬قراءة النفس ملعرفة قواها وضعفها ‪ .‬وهبذا ‪ ،‬فإنين‬
‫أصل إىل سالمة النفس (وهذا هو تعبري البلخي) بتدبري أموري عن طريق تقديري ملا يل وما علي ‪ ،‬حىت لو فاتين الكثري من الرغائب ‪.‬‬

‫مقدمة يف قصتني ‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪9‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وقبل أن أبدأ بسرد األسئلة املتعلقة بالنفس ‪ ،‬ال أرى مناصا من ذكر أهم املشاهدات يف عامل النفس ‪ ،‬سواء يف داخل العيادة النفسية‬
‫أو خارجها ‪ ،‬وهي األمر الذي أعتقد أنه كان (وال يزال) ميثل املعوق األهم أمام وصول الناس إىل السعادة ‪.‬‬

‫ولقد اعتدت أن أقدم ملادة النفس بقصص وأمثلة ‪ ،‬من شأهنا أن جتعل ما سيأيت من املادة سهل الفهم واملتابعة ؛ منها ‪ :‬قصة (النفس‬
‫والوعاء) ‪ ،‬وقصة (النفس والسرداب) ؛ وكال القصتان جتيبان عن كثري مما يدور يف أذهان الناس حول النفس وماهيتها وأعراضها‬
‫وأمراضها وتشخيصها وعالجها ‪.‬‬

‫القصة األوىل ‪ :‬النفس والوعاء‬

‫رأيت ‪ ،‬وال أزال أرى ‪ ،‬حال كثري من الناس مع أنفسهم يشبه تلك احلالة اليت قد تعرتينا عندما يشغلنا أمر معني إىل الدرجة اليت نغفل‬
‫فيها حىت عن حاجاتنا احليوية ‪ ،‬كحاجتنا إىل املاء مثال ‪ ،‬يف حني إننا منلك الوعاء ‪ ،‬واملاء النقي وافر حولنا !!!‬

‫وتربز أسئلة عديدة هنا ؟‬

‫كيف ميكنين أن أصل إىل هذا الدرك من الغفلة ؟‬


‫هل أشعر بـ ـ (العطش) ؟ أم أنين أدمنت (اجلفاف) ؟‬
‫هل لدي احلس الكايف ‪ ،‬بداية ‪ ،‬للشعور بالعطش يف (الوقت املناسب) ؟‬
‫هل لدي االستعداد للبحث عن (املاء النقي) ؟‬
‫هل لدي (الوعاء) الذي سأتناول فيه (املاء النقي) عند الوصول إليه ؟‬
‫ولكن ‪ ،‬هل هناك ضرورة لـ ـ (وعاء) ؟ أليست (يدي) كفيلة بالقيام هبذا الدور ؟‬
‫وماذا لو أردت أن أحفظ لنفسي كمية من (املاء النقي) ألنتفع هبا الحقا ؟ هل ستصلح يدي هلذا األمر ؟‬
‫إذا ‪ ،‬ال بد من وجود الوعاء ؛ فمن أين أحصل عليه ؟‬
‫هل (أستعري) وعاءا من اآلخرين ؟ وهل سيسمح اآلخرون أن يعريوين أوعيتهم اليت ال ميلكون غريها ؟‬
‫وماذا عين أنا ؟ أليست لدي وعاء خاصة يب ؟ أليس األوىل أن ألتفت إىل وعائي وأنظفه وأستمتع به ؟‬

‫وحىت ال أترككم تتوهون يف حماولة حتليل الرموز ‪ ،‬دونكم معانيها ‪:‬‬

‫العطش ‪ :‬العرض النفسي ‪ ،‬مثل ‪ :‬الضيق ‪ ،‬أو احلزن ‪ ،‬أو اخلوف غري االعتيادي ‪ ،‬أو القلق ‪ ،‬أو غري ذلك ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪11‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫اجلفاف ‪ :‬اجلهل ‪ ،‬والكرب ‪ ،‬والقصور النفسي عن حماولة املواجهة واإلصالح ‪.‬‬


‫املاء النقي ‪ :‬ما ينبغي علي أن أروي به نفسي ‪ ،‬سواء كان علما ‪ ،‬أو خلقا ‪ ،‬أو تزكية باالثنني معا ‪.‬‬
‫الوعاء ‪ :‬النفس ‪ ،‬نفسي أنا ‪ ،‬ونفسك أنت ‪.‬‬
‫اليد ‪ :‬اجلزء الظاهر من النفس (وهو اجلسد) ‪ ،‬وميثل حماوالت الكثريين السطحية وغري اجلادة لعالج املشكالت ‪.‬‬

‫نعم ؛ النفس هي (الوعاء) بل هي (الوعاء الوحيد) الذي لدي ‪ ،‬وهذا الوعاء (وألسباب كثرية سنذكرها الحقا إن شاء اهلل) أصبح‬
‫بعيدا عن متناويل ‪ ،‬وصرت أشعر بعطش شديد ‪ ،‬لكنين قد أغالب هذا الشعور وهذه احلاجة وأتكابر عليها ! مث ال ألبث أن أذهب‬
‫ألحبث عن (املاء النقي) فأجده عند البعض يستمتعون به وأوعيتهم مألى منه ‪ ،‬فال أحظى بأكثر من رشفة خفيفة ‪ ،‬قد ترويين حلظيا‬
‫‪ ،‬ولكنها ال تسمن وال تغين من (عطش) على املدى البعيد ‪ .‬فإذا طلبت من الناس أن يعريوين أوعيتهم ‪ ،‬لووا رؤوسهم عجبا‬
‫واستنكارا لطليب ‪ ،‬ألهنم يف أول األمر وآخره لن يضحوا بكؤوسهم من أجلي ‪ ،‬سيما وأنا لدي وعائي اخلاص يب ‪ ،‬إال إنين ال أكاد‬
‫أعلم عنه شيئا ‪.‬‬

‫فما العمل إذا ؟‬

‫ألنين ال أملك سوى هذا الوعاء ‪ ،‬وألن حماولة التخلص منها (وهي ما يظن كثري من الناس أن اللجوء إليه أيسر) ستعين (االنتحار) ‪،‬‬
‫فإنين ال أملك إال أن أرتوي باستعماهلا ‪.‬‬

‫وهبذا ‪ ،‬تكون خطوات (االرتواء) كالتايل ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬اإلمساك بالوعاء ‪ ،‬واحلرص على أن يكون يف يدي أنا ‪ ،‬ال يف يد اآلخرين ‪ ،‬أيا كان هؤالء ‪ ،‬فكم من الناس من سلموا‬
‫أنفسهم يف أيدي آخرين يتحكمون فيها كيفما يشاؤون ‪ :‬سواء كان هذا اآلخر إنسانا معشوقا أو معشوقة ‪ ،‬أو أبا أو أما ‪ ،‬أو‬
‫زوجا أو زوجة ‪ ،‬أو ابنا أو ابنة ‪ ،‬أو صديقا أو صديقة ‪ ،‬أو حىت طبيبا نفسيا (أعتمد على وجوده يف كل أمر من أمور حيايت) ‪،‬‬
‫أو مهنة ‪ ،‬أو منصبا دنيويا ‪ ،‬أو مادة (سيارة أو هاتفا جواال أو حاسوبا أو ماركة معينة من اللباس أو غري ذلك) ‪ ،‬إىل آخر ما‬
‫ميكن أن تتعلق به النفس من أمور زائلة ؛ أقول ‪ :‬زائلة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬النظر داخل الوعاء ملعرفة ما فيه ‪ ،‬وهذه اخلطوة هي خطوة (قراءة النفس) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬احلفاظ على الوعاء ‪ ،‬وذلك يكون بتقبل وضع الوعاء على احلالة اليت هو عليه ‪ ،‬وهذا هو (قبول النفس) ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تفريغ الوعاء من الشوائب اليت تراكمت فيه على مر الزمان ‪ ،‬مث تنقيته ‪ ،‬وهذه هي (التخلية) ‪ .‬وهذه الشوائب قد تكون‬
‫صورة من صور إشكالية التفكري والعقل ‪ ،‬أو بقايا عقد الرتبية ‪ ،‬واملكبوتات النفسية ‪ ،‬وعقد النقص ‪ ،‬وحتريف التأريخ ‪،‬‬
‫ومشكالت الطفولة واالضطهاد الواقع فرتة الطفولة بأنواعه املختلفة ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪11‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫خامسا ‪ :‬ملء الوعاء باملاء النقي ؛ وهذه هي مرحلة (التحلية) اليت تتحول النفس بعدها إىل خري رفيق بعد خالقها ‪ .‬وهذه‬
‫اخلطوة واليت سبقتها هي مرحلة (تقدير النفس) أو (التزكية) ‪.‬‬

‫الفتة ‪( :‬تزكية النفس) هي املصطلح اإلسالمي األصيل ملا صار ينتشر بني الناس بأمساء كثرية خمتلفة ؛ مثل ‪ :‬تطوير الذات ‪ ،‬أو‬
‫التنمية البشرية ‪ ،‬أو التنمية الذاتية ‪ ،‬أو اكتساب املهارات ‪ ،‬وغري ذلك من مسميات ‪ .‬واملشكلة يف كل تلك املسميات أهنا‬
‫تفرتض بالفئات املعنية أهنم (أصحاء نفسيا) وال يلزمهم سوى بعض املهارات املكملة لشخصياهتم ؛ مث يفاجأ كثري منهم (سواء‬
‫من املدربني أو املتدربني) أهنم يف حاجة إىل التوقف وإعادة النظر يف أنفسهم من البداية !!!‬

‫وسنرجع خلطوات االرتواء هذه عند احلديث ‪ ،‬الحقا ‪ ،‬عن مفهوم [فقه النفس] ‪.‬‬

‫القصة الثانية ‪ :‬النفس والسرداب (أو القبو)‬

‫ألسباب كثرية ‪ ،‬تبدأ منذ طفوليت ‪ ،‬منذ أن يبدأ وعيي مبا حويل ومن حويل ‪ ،‬أبدأ باالنشغال املبالغ فيه بالناس وآرائهم ونظراهتم‬
‫ورضاهم ‪ ،‬كل هذا على حساب (نفسي) ‪ .‬ومن تلك األسباب (باختصار) ‪ :‬غريزة األنس (وهي األصل يف تسمية اإلنسان هبذا‬
‫االسم ‪ ،‬ألنه يأنس ويؤنس به) وهي أمر فطري طبيعية ‪ ،‬وتوجيه اآلباء واألمهات أطفاهلم إلرضاء اآلخرين عن طريق الشكل أو أداء‬
‫مهارة معينة أو لباس معني ‪ ،‬مث توجيه اآلباء واألمهات (أيضا) أطفاهلم للتنافس مع اآلخرين يف العائلة واحلي واملدرسة (وهي من أكثر‬
‫ميادين التنافس ‪ ،‬وتكون يف األرقام فقط) ‪ ،‬ويشارك غالب اجملتمع اآلباء واألمهات يف ترسيخ تلك (املنافسات) املذكورة سابقا ‪،‬‬
‫ويضاف إىل هذا اجلهل الرتبوي يف تربية األطفال على بعض املفاهيم مثل ‪ :‬التعاون ‪ ،‬التسامح ‪ ،‬اإليثار ‪ ،‬الطيبة ‪ ،‬الشخصية‬
‫االجتماعية ‪ ،‬مث اجلهل الرتبوي يف تعليم األطفال وتربيتهم وتدريبهم على الوضوح النفسي وحرية التعبري وضرورة الصدق يف التعبري عن‬
‫النفس ‪ .‬كل هذه األسباب (وما يتفرع منها وينتج عنها) تؤدي يب إىل االنشغال باآلخر على حساب النفس ‪.‬‬

‫ومن هنا ‪ ،‬سأتوهم معكم أنين ألقيت بنفسي (أو جبزء منها وهو اجلزء اخلفي واألهم ‪ :‬اجلزء الروحي) يف السرداب (أو القبو) ‪،‬‬
‫ونسيتها ‪ ،‬أو تناسيتها ‪ ،‬فرتة من الزمان ‪ ،‬حىت أصبحت ال أكاد أعرف عنها شيئا ‪ ،‬وال أكاد أستجيب هلا إال إذا صرخت بأعلى‬
‫صوهتا حلاجة شديدة للماء أو للغذاء أو لقضاء احلاجة أو لغري ذلك ؛ مث ما ألبث أن أعيدها قسرا إىل السرداب ؛ مث أمضي يف حيايت‬
‫اليومية ‪ ،‬ألنغمس يف تلبية حاجات اجلسد والعيش مع اآلخرين فقط ‪ ،‬أستقبلهم يف (بييت) ‪ ،‬وأعتين بأن ال أقول إال ما يريدون ‪ ،‬وأن‬
‫ال أريهم إال ما حيبون ‪ ،‬وأن ال أقدم هلم إال ما يشتهون ‪ ،‬وأن ال أمارس إال ما يقبلون ؛ املهم أن أبقى يف شغل مع اآلخرين ‪ ،‬بعيدا‬
‫عن نفسي ؛ أما نفسي ‪ ،‬فهي مسجونة يف السرداب ‪ ،‬ال سبيل هلا إىل احلرية ‪ ،‬فال هي تطالب حبقوقها ‪ ،‬ممنوعة من اخلروج إىل‬
‫(ساحة البيت) ‪ ،‬وال هي متلك أن يراها الناس ‪ ،‬وال هي تتكلم يف حضورهم ‪ ،‬وال هي تصرح برغباهتا يف وجودهم ‪ ،‬وال هي حتيا ما‬

‫‪11‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪12‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫تعتقده إذا ما خالفهم ‪ .‬وهكذا أعيش يومي وليليت ‪ ،‬يف البيت ويف الشارع ويف املسجد ويف املدرسة ويف اجلامعة ويف النوادي العلمية‬
‫والعملية والرياضية واالجتماعية واملهنية ! أعيش عالة على هذه احلياة ‪ ،‬لست أحيا ما خلقت من أجله ‪ ،‬ولست أشعر بالطمأنينة أو‬
‫بالسعادة أو بالرضا ! كل هذا ‪ ،‬من أجلهم هم ‪ ،‬من أجل اآلخرين ‪ ،‬هكذا تربيت ‪ ،‬وهكذا (أعيش) !‬

‫وهنا ‪ ،‬تظهر على السطح أسئلة كثرية ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫ما الذي أعرفه أو ال أعرفه عن النفس ؟!‬


‫ما الذي أعرفه عن ما لنفسي من حقوق ؟!‬
‫ما هي طبيعة العالقة السوية مع النفس ؟!‬
‫ملاذا ميكن أن تتدهور العالقة بيين وبني نفسي ؟!‬
‫كيف ميكن أن تصل األمور إىل هذا الدرك ؟!‬
‫كيف يل أن أشعر بالطمأنينة أو السعادة أو الرضا وأنا يف حالة من الغربة عن نفسي ؟!‬
‫كيف يل إذا كانت هذه حاليت أن أكون سببا يف العبادة = إعمار األرض = االستخالف ؟!‬

‫وعودة إىل قصة (النفس والسرداب) ‪:‬‬

‫هكذا ‪ ،‬متر حلظات عمري وأنا يف غفلة شديدة عن النفس وعن حاجاهتا (الطبيعية) ! ولو تومهت النفس كائنا حيا حيتاج أن يقضي‬
‫حاجته يف سرداب ليس فيه أي وسيلة للراحة ‪ ،‬لصار من السهل أن أتصور كيف يصل األمر إىل أن تصدر من (النفس) رائحة كريهة‬
‫تدعل من االقرتاب منها أمرا صعبا وغري مرغوب فيه ؛ حىت إذا ما ظهر عرض من األعراض ‪ ،‬أو شكوت مها من اهلموم ‪ ،‬أو سعيت‬
‫الستشارة يف أمر ما (مثل ‪ :‬ضيق دون سبب ظاهر مألوف ‪ ،‬أو خوف من أمر غري اعتيادي وال منطقي ‪ ،‬أو حتول سالب يف الرغبة‬
‫أو االستمتاع يف احلياة وأنشطتها املتنوعة ‪ ،‬إخل) ‪ ،‬فإن األمور حينها تسري على النحو التايل ‪:‬‬

‫شعور عارم بـ ـ عدم العلم أو اجلهل بالسبب احلقيقي وراء ما أنا فيه (وهو النفس حبيسة السرداب) ؛ ويظهر هذا عادة يف تكرار‬
‫عبارة (ال أعرف) ! وهنا ‪ ،‬تبدأ سلسلة مما نعرفه بـ ـ احليل الدفاعية ‪.‬‬
‫حماولة السعي ملعرفة السبب ‪ ،‬لكن مع خوف املواجهة وضعف اإلرادة لإلصالح ؛ ويظهر هذا يف املراوغة الشديدة مع أولئك‬
‫الذين حياولون أن يواجهوين بنفسي ؛ وقد يصل األمر إىل حماربيت هلم وانقاليب عليهم ‪.‬‬
‫التساهل يف إلقاء اللوم على أي شيء ‪ ،‬حىت ولو كانت أشياء (مقدسة) ؛ املهم أن يبقى اللوم خارج حدود النفس ‪.‬‬
‫إذا اقرتبت مساعي البحث من حدود النفس ‪ ،‬حتولت من الضعف إىل القوة ‪ ،‬ومن الطيبة إىل الشراسة ‪ ،‬ومن الدفاع إىل اهلجوم‬
‫‪ ،‬حيث تظهر كل أنواع احليل وأسلحة الدفاع (الذاتية) ‪ ،‬ولعل أبرزها ‪ :‬حماولة هدم وإسقاط كل شيء ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪13‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫إذا ما وصلت إىل حدود النفس ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا ما اقرتبت من السرداب ‪ ،‬وإذا ما جتاوزت احليل الدفاعية وأسلحتها ‪ ،‬تقابلين تلك‬
‫الرائحة الكريهة الصادرة من (النفس) ‪ ،‬مما يدفعين ملراجعة التفكري يف (فتح الباب) و(مواجهة النفس) ‪ .‬وهذه املرحلة ليست‬
‫سهلة وال قصرية (حىت وإن ظهر األمر هكذا يف الكتابة عنها) ‪ ،‬بل قد أستغرق فيها أياما وليايل وأسابيع وشهورا !‬
‫وهناك ‪ ،‬وبعد قطع املرحلة السابقة ‪ ،‬وبعد فتح الباب (وهو ما سنعرب عنه الحقا باسم ‪ :‬قراءة النفس) ‪ ،‬تظهر املفاجأة حني‬
‫أكتشف أنين أمام كائن غريب عين ‪ ،‬وكأنين أراه ألول مرة ؛ هنا يظهر يل أنين ال أعرف نفسي ؛ وهنا يظهر السبب احلقيقي‬
‫الذي كنت أجهله (أو أجتاهله) ‪ ،‬والذي هو وراء ما أنا فيه = اجلهل بالنفس ‪.‬‬
‫هنا ‪ ،‬وداخل هذا السرداب (الذي أصبح أشبه ما يكون بـ ـ احلصن العنيد) ‪ ،‬وبعد أن انتهينا من حرب ضروس لنصل إىل ما‬
‫وصلنا إليه ‪ ،‬تبدأ احلرب احلقيقية ‪ ،‬وتبدأ املواجهة األصعب ‪ ،‬املواجهة مع النفس ‪.‬‬
‫هنا ختيم علي حالة من اهلدوء ؛ هدوء ذي حدين ‪ :‬فإما أن يكون اهلدوء الذي يسبق العاصفة ‪ ،‬عاصفة اهلجوم الشرس وغري‬
‫املسبوق على اآلخر أو على نفسي نتيجة اخلوف الشديد منها أو احلنق عليها (واخلوف سببه جهلي هبا والذعر مما آلت إليه‬
‫حالتها يف السرداب ‪ ،‬كما إن احلنق سببه التساهل يف حتميل النفس الذنب فيما دنت إليه) ‪ ،‬فأبدأ هبدم كل ما حويل داخل هذا‬
‫احلصن ؛ وإما أن يكون اهلدوء الذي يسبق حالة من احلزن والندم والبكاء (لنفس األسباب اليت دفعتين للخوف واحلنق ‪ ،‬ولكن‬
‫تلك األسباب تدفعين هنا للشعور بالذنب جتاه نفسي ‪ ،‬وهي حالة طبيعية وسوية) ‪.‬‬
‫وهنا ‪ ،‬قد أعود فأرد على عقيب ‪ ،‬وأنتكس مرة أخرى ‪ ،‬فأختار إحدى اثنتني ‪.‬‬
‫إما أن (أنتكس) بأن أهرب وأعود مرة أخرى إىل العيش مع اآلخرين ‪ ،‬وأعود فأحبس نفسي يف السرداب ‪ ،‬ولكن هذه املرة ‪،‬‬
‫على علم مين ووعي ‪ ،‬إال إنين ‪ ،‬وبعد فرتة من الزمن ‪ ،‬قد أغيب يف العامل اخلارجي ‪ ،‬ويغيب معي علمي ووعيي ‪ ،‬فيستحيالن‬
‫نوعا من الوهم الذي يصحبه توهم آخر يبدأ بوعي وينتهي حبالة قريبة من الالوعي ‪ ،‬وهو شعوري بأنه (ال مشكلة هناك) أو (أنا‬
‫أفضل من غريي) ! ومن صور هذا التوهم ‪ ،‬اهلرب إىل عامل الوهم واهللوسة ‪ ،‬فهذا يهرب من مواجهة نفسه ليقول إنه (املهدي‬
‫املنتظر) أو (املسيح) ‪ ،‬وتلك هترب من مواجهة نفسها لتقول بأهنا (مسكونة باجلن) أو (مصابة بالعني أو احلسد) ‪ ،‬وغري ذلك‬
‫من أنواع الوهم الكثرية ! (أنصح بقراءة الالفتة املتعلقة باملس والعني واحلسد يف فصل [ضرر اجلهل]) ‪.‬‬
‫وإما أن (أنتكس) ب أن أنضم إىل نفسي يف سرداهبا ‪ ،‬وأكون أنا اآلخر حبيسا يف هذا العامل ‪ ،‬أعيش وال أحيا ‪ ،‬جسدا بال روح‬
‫فاعلة ؛ وهذا ضرب من ضروب االكتئاب ؛ فأبقى حبيس السرداب باختياري هذه املرة ‪.‬‬
‫أما إذا اخرتت اهلدوء ‪ ،‬فيبقى يل حينها أن أجلس إىل نفسي ‪ ،‬وأن أخلو هبا ‪ ،‬وأن أستمع هلا ‪ ،‬وأنصت إليها ‪ ،‬أي ‪ :‬أقرأها ‪.‬‬
‫فإذا ما قرأت نفسي ‪ ،‬بقي يل حينها أن أقبلها كما هي ‪ ،‬بعيوهبا وبعالهتا وبسوءاهتا ؛ قبوال ال يعين املوافقة على ما هي فيه أو ما‬
‫آلت إليه ‪ ،‬إمنا هو قبول يسبق التعارف والتصاحل والتوافق ؛ وهذا أقل ما تستحقه نفسي مين جزاء إمهاهلا ‪.‬‬
‫فإذا ما قبلت نفسي ‪ ،‬أصبح من السهل علي أن أقدرها ‪ ،‬أن أصلح من حالتها ‪ ،‬أن أطهرها = أن أزكيها ‪.‬‬
‫وحتصل التزكية بأمرين متتابعني ‪ :‬األول ‪ :‬التخلية (أو التفريغ) ‪ ،‬والثاين ‪ :‬التحلية (أو التزويد والشحن) ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪14‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫أما التخلية ‪ ،‬فتكون بالعمل على إزالة كل ما يف النفس من شوائب وعيوب ومساوئ ‪ ،‬سواء كانت متعلقة باملاضي أو باحلاضر‬
‫أو حىت باملستقبل ؛ أو ما يعرفه العلماء على أنه ‪ :‬أمراض القلوب (أو النفوس) ‪ ،‬مثل ‪ :‬اجلهل ‪ ،‬والكرب ‪ ،‬والكره ‪ ،‬والغيظ ‪،‬‬
‫واحلسد ‪ ،‬إخل ‪ .‬وبالتخلية ‪ ،‬تصبح النفس مؤهلة مبا فيه الكفاية ليتم حتليتها (أو تزويدها) مبا يصلحها ويزكيها ‪.‬‬
‫وأما التحلية ‪ ،‬فتكون بتزويد النفس مبا يصلحها جسدا وروحا ؛ ويكون هذا بأمرين ‪ :‬العلم ‪ ،‬والعمل ‪ .‬وأعين بـ ـ العلم ‪ :‬العلم بـ ـ‬
‫[من أنا ومل أنا] ؛ وأعين بـ ـ العمل ‪ :‬االنشغال فورا بتحقيق ما أعلمه يف حيايت اليومية ‪ .‬وهنا ‪ ،‬وفقط هنا ‪ ،‬ميكن يل أن أكون‬
‫سببا يف إعمار األرض أو العبادة أو االستخالف ‪.‬‬

‫ويكفيين هذا القدر ‪ ،‬ألدخل إىل مادة النفس ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ما هي النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫سأسري على طريقة أهل العلم يف تعريف اللفظ من أصله يف لغة العرب أوال ‪ ،‬مث مما اصطلح عليه الناس وأهل العلم (أو االصطالح)‬
‫ثانيا ‪ ،‬مث سأخلص إىل ما نفهمه من سياق آيات القرآن ثالثا ‪.‬‬

‫فإذا استقرأنا ما جاء يف لغة العرب ‪ ،‬وجدنا أن النفس تعين ‪:‬‬

‫أصل لغوي يدل على خروج النسيم كيف كان ‪ ،‬من ريح أو غريها ‪ ،‬وإليه يرجع كل ما يتفرع عنه من معاين النفس [املرجع ‪:‬‬
‫مقاييس اللغة] ‪.‬‬
‫عني الشيء وكنهه وجوهره ‪ ،‬والروح ‪ ،‬والروع ‪ ،‬واجلسد ‪ ،‬والدم ‪[ ،‬املرجع ‪ :‬لسان العرب] ‪.‬‬
‫اإلنسان [املرجع ‪ :‬معجم الالهوت الكتايب]‬

‫وإذا طالعنا ما جاء يف االصطالح اإلنساين يف كتب املتقدمني واملتأخرين ‪ ،‬وجدنا أن النفس تعين ‪:‬‬

‫اإلنسان من جسد وروح [املرجع ‪ :‬معامل التنزيل للبغوي] ‪.‬‬


‫ذات اإلنسان اليت ختتص به دون غريه [املرجع ‪ :‬معامل التنزيل للبغوي] ‪.‬‬
‫ذات اإلنسان اليت تعي وتعلم [املرجع ‪ :‬الفروق اللغوية] ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪15‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وإذا تابعنا تعريف (النفس) يف القرآن ‪ ،‬وجدنا أن النفس تعين ‪:‬‬

‫اإلنسان ‪ ،‬والشخص ‪﴿ :‬ونفس وما سواها ‪ ،‬فأهلمها فجورها وتقواها ‪ ،‬قد أفلح من زكاها ‪ ،‬وقد خاب من دساها﴾ [القرآن ‪:‬‬
‫سورة الشمس ‪ :‬اآليات ‪ ]01-7‬؛ ﴿وما كان لنفس أن تؤمن إال بإذن اهلل﴾ [القرآن ‪ :‬سورة يونس ‪ :‬من اآلية ‪ ]011‬؛ ﴿ال‬
‫يكلف اهلل نفسا إال وسعها هلا ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ [القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬من اآلية ‪ ]525‬؛ ﴿إن أحسنتم ‪،‬‬
‫أحسنتم ألنفسكم ‪ ،‬وإن أسأمت فلها﴾ [القرآن ‪ :‬سورة اإلسراء ‪ :‬من اآلية ‪ ]7‬؛ ﴿فال تزكوا أنفسكم ‪ ،‬هو أعلم مبن اتقى﴾‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النجم ‪ :‬من اآلية ‪ ]25‬؛ ﴿كل نفس ذائقة املوت﴾ [القرآن ‪ :‬سورة آل عمران ‪ :‬من اآلية ‪. ]026‬‬
‫الداخل والسر والوجدان ‪﴿ :‬واذكر ربك يف نفسك تضرعا وخيفة﴾ [القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬من اآلية ‪ ]516‬؛ ﴿وختفي يف‬
‫نفسك ما اهلل مبديه﴾ [القرآن ‪ :‬سورة األحزاب ‪ :‬من اآلية ‪ ]27‬؛ ﴿فأسرها يوسف يف نفسه﴾ [القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬من‬
‫اآلية ‪ ]77‬؛ ﴿ومثل الذين ينفقون أمواهلم ابتغاء مرضات اهلل وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة﴾ [القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬من‬
‫اآلية ‪. ]556‬‬
‫مدار التفكري والشعور والعقل والسلوك يف اإلنسان ‪﴿ :‬يا أيتها النفس املطمئنة ‪ ،‬ارجعي إىل ربك راضية مرضية﴾ [القرآن ‪ :‬سورة‬
‫الفجر ‪ :‬اآليتان ‪ ]52-57‬؛ ﴿وال أُقسم بالنفس اللوامة﴾ [القرآن ‪ :‬سورة القيامة ‪ :‬اآلية ‪ ]5‬؛ ﴿يوم تأيت كل نفس جتادل عن‬
‫نفسها وتوىف كل نفس ما عملت وهم ال يظلمون﴾ [القرآن ‪ :‬سورة النحل ‪ :‬من اآلية ‪ ]000‬؛ ﴿إن النفس ألمارة بالسوء إال‬
‫ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ [القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬من اآلية ‪ ]62‬؛ ﴿ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة ق ‪ :‬من اآلية ‪ ]05‬؛ ﴿وكذلك سولت يل نفسي﴾ [القرآن ‪ :‬سورة طه ‪ :‬من اآلية ‪ ]65‬؛ ﴿أن تقول نفس يا‬
‫حسرتى على ما فرطت يف جنب اهلل وإن كنت ملن الساخرين﴾ [القرآن ‪ :‬سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪. ]65‬‬

‫وما يهمنا هنا هو ما يدل عليه العقل من مجع وتأليف ما جاء يف لغة العرب ‪ ،‬واالصطالح اإلنساين ‪ ،‬والقرآن الكرمي ؛ وهي (النفس)‬
‫مبعىن (اإلنسان) ‪ ،‬النفس اليت حتس وتفكر وتعقل ‪ ،‬النفس اليت تتوقف لتتأمل وتتدبر ‪ ،‬النفس اليت حتب وتكره وتفرح وترتح وحتلم‬
‫وتغضب وتعدل وتظلم ‪.‬‬

‫إذا فعلنا ذلك ‪ ،‬ترجح لدينا أن النفس ‪ ،‬باختصار ‪ ،‬هي مركب من عنصرين ‪ :‬اجلسد والروح ‪.‬‬

‫أما العنصر األول ‪ ،‬اجلسد ‪ :‬فهو ذلك العنصر املادي والعرض الظاهر ‪ ،‬والناشئ من طبيعة األرض ‪ ،‬وهو العنصر الذي ال يكاد‬
‫خيتلف عليه شخصان ‪ ،‬حيث الوصول إليه وكشف ماهيته وطبيعته أمر ال يلزمه أكثر من توافر احلواس ‪ .‬وهو املادة اليت تقوم مبا تأمره‬
‫به الروح ‪ ،‬فهو دابة الروح ومركبها ‪ ،‬هبا يأمتر ‪ ،‬وإليها تعود دفة القيادة ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪16‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وأما العنصر الثاين ‪ ،‬الروح ‪ :‬فهي ذلك العنصر غري املادي ‪ ،‬والباطن ‪ ،‬والناشئ من طبيعة هلا سر خاص ‪ ،‬حيث هبا ينبعث اجلسد من‬
‫املوت ‪ ،‬وهبا حتصل احلياة ‪ ،‬وهبا يتمكن اجلسد من القيام مبختلف النشاطات احليوية ‪ ،‬من احلس والتنفس ‪ ،‬وحىت التفكري والعقل ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬جتاوزت هنا االختالف حول ماهية هذا العنصر ومسماه ‪ ،‬إال إن قراءة التأريخ وسري احلضارات ‪ ،‬سيما ديانات الشرق ‪،‬‬
‫تطلعنا أنه قد أطلق على هذا العنصر أمساء أخرى ‪ ،‬مثل ‪ :‬اجلوهر ‪ ،‬والطاقة ‪ ،‬والسر ‪ ،‬وغري ذلك) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬من اخلطأ الذي شاع (منذ زمن) أن ترتبط الروح يف أذهان الناس بالنسك والشعائر واملظاهر التعبدية دون غريها ‪ ،‬فيكون‬
‫التعلم والتعليم يف املدرسة واجلامعة وحلقات العلم املختلفة ال عالقة له بالروح !!! وتكون جمالس األدب والرتويح وصلة الرحم وغريها‬
‫ال عالقة هلا بالروح !!! وكأن الروح ال تتغذى إال بالنص اإلهلي وال تتأثر بشيء من املدخالت اليومية إال ما له عالقة بـ ـ (الدين)‬
‫والصلة (املباشرة) مع اهلل !!! وكأن الروح ال ترتقى إذا ما تعرضت ملشاهدة كونية أو لتأمل يف زوايا احلياة الطبيعية أو لرؤية فردية ملشهد‬
‫من مشاهد التفاعل اإلنساين وما فيه من رمحة ومشاعر خمتلفة أو لرواية غنية الصور أو لشعر رفيع األدب أو ألغنية لطيفة املعاين أو‬
‫ملادة علمية جتريبية تكشف عن بعض احلق أو مجال هذا الكون ‪ ،‬إخل !!!‬

‫إذا ‪ ،‬النفس هي املركب الناتج عن اخلتالط العنصرين ‪ :‬اجلسد والروح ‪.‬‬

‫اعرتاض ‪ :‬ماذا عن الرأي القائل بأن النفس هي الروح ؟‬

‫قد يسأل سائل أو سائلة ‪ :‬كيف أفهم إذا آية مثل ‪﴿ :‬كل نفس ذائقة املوت ‪ ،‬وإمنا توفون أجوركم يوم القيامة ‪ ،‬فمن زحزح عن النار‬
‫وأدخل اجلنة فقد فاز ‪ ،‬وما احلياة الدنيا إال متاع الغرور﴾ ؟! أو آية مثل ‪﴿ :‬يا أيتها النفس املطمئنة ‪ ،‬ارجعي إىل ربك راضية مرضية ‪،‬‬
‫فادخلي يف عبادي ‪ ،‬وادخلي جنيت﴾ ؟! أو آية مثل ‪﴿ :‬اهلل يتوىف األنفس حني موهتا ‪ ،‬واليت مل متت يف منامها ‪ ،‬فيمسك اليت قضى‬
‫عليها املوت ‪ ،‬ويرسل األخرى إىل أجل مسمى ‪ ،‬إن يف ذلك آليات لقوم يتفكرون﴾ ؟!‬
‫أال تشري هذه اآليات إىل أن (النفس) هنا هي (الروح) ؟!‬

‫الفتة لغوية ‪ :‬االختالف يف املبىن يؤدي إىل االختالف يف املعىن ‪ .‬ومن هنا ‪ ،‬فإن لفظ (نفس) ال ميكن له أن يعين لفظ (روح) جمردا‬
‫هكذا ؛ ولكن هذا ال مينع من حقيقة لغوية ‪ ،‬أال وهي إن اللفظ قد يكىن به عن غريه ‪ ،‬وميكن أن يفهم ذلك من السياق ‪ .‬فقد تذكر‬
‫الروح مبعىن النفس ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬وهو ما نعرفه بـ ـ (الكناية) ‪ ،‬كما ميكن أن يكون من قبيل (اجملاز املرسل) ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪17‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫جمتمعني ؛ ألن املوت إمنا يكون بنزع (الروح) من‬


‫أقول ‪ :‬هذه اآليات وغريها تؤكد ما ذهبت إليه من أن (النفس) هي (اجلسد والروح) َ‬
‫(اجلسد) ؛ لكن قبل هذا (املوت) ‪ ،‬وقبل رجوع (النفس) إىل رهبا ‪ ،‬وقبل حصول حالة (الوفاة) ‪ ،‬فإن (النفس) هي (النفس = اجلسد‬
‫والروح) ‪ .‬وهكذا أفهم اآليات ؛ فعندما أقرأ ﴿كل نفس ذائقة املوت﴾ فأنا أفهم أن ذوق النفس للموت يكون بنزع أحد عنصريها ‪،‬‬
‫وعندما أقرأ ﴿يا أيتها النفس املطمئنة ‪ ،‬ارجعي إىل ربك﴾ فأنا أفهم أن النفس بعنصريها ترجع إىل رهبا وذلك (أيضا) بنزع أحد‬
‫عنصريها ‪ ،‬وعندما أقرأ ﴿اهلل يتوىف األنفس حني موهتا﴾ فأنا أفهم أن وفاة النفس تكون (أيضا) بنزع أحد عنصريها ‪ .‬وما عدا ذلك ‪،‬‬
‫فإن (النفس) ‪ ،‬كما أفهمها ‪ ،‬ال تتجاوز العنصرين وتفاعالهتما ؛ فإذا اجتمع هذان العنصران كان اسم املركب (النفس) ‪ ،‬وإذا غاب‬
‫أحدمها انتفت صفة النفس ‪ ،‬وكلما وجدت ذكرا للفظ النفس اليت هي (اإلنسان) يف القرآن كان ال بد من وجود العنصرين معا ‪ ،‬وإال‬
‫جاء التعبري عنها باجلسد أو الروح مثال ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫وتبدأ مشكالت النفس عندما خيفق الناس يف منح جوهر النفس حقها ‪ ،‬حق الروح ‪ ،‬بل وتتضاعف املشكالت عندما ينغمس الناس‬
‫يف تلبية حاجات اجلسد (دون اعتبار للروح) ؛ فينتهي هبم األمر إىل أرواح فارغة خفيفة مثقلة باجلسد وما حيمله ‪ ،‬فمن اإلسراف يف‬
‫الطعام والشراب وامللبس ‪ ،‬إىل االنشغال بالدراسة األكادميية اليت هتدف يف هناية األمر إىل تأمني (لقمة العيش) ‪ ،‬إىل حبس الروح يف‬
‫خانة (طقوس دينية) فقط ‪ ،‬مما يفرغ الروح من حقيقة ما أراده اهلل هلا وللجسد الذي نفخها فيه وللوقت الذي ينبغي عليها أن حتياه ‪.‬‬

‫وللنفس أطوار متر فيها منذ البعث وحىت املوت ‪ ،‬سنتعرف عليها يف [قصة النفس ‪ ،‬من البداية]‬

‫قصة النفس من البداية‬

‫الفتة ‪ :‬أنصح بقراءة هذا اجلزء [قصة النفس من البداية] ‪ ،‬فإذا شعرت (كقارئ أو كقارئة) بشيء من التفصيل والتعقيد ‪ ،‬أو إذا‬
‫شعرت بالرغبة يف الوصول مباشرة إىل هديف من املادة ‪ ،‬فلي أن أجتاوزه إىل [فقه النفس] ‪.‬‬

‫من العدم إىل الوجود‬

‫تبدأ القصة من العدم ‪ ،‬حيث ال وجود ملوجود وال خملوق وال حادث ‪ ،‬مث حيدث الوجود ‪ ،‬حيث الفضاء (وأعين بالفضاء هنا ‪ :‬الزمان‬
‫واملكان) ‪ ،‬وتكون البداية ‪ ،‬حيث العنصر الذي يدل عليه لفظ (البداية) ‪ ،‬حيث العنصر الذي ال ميكننا تصور احلياة بدونه ‪ ،‬حيث‬
‫العنصر الذي به نستدل على األحداث اخلارجية ‪ ،‬حيث العنصر الذي يدلنا عليه ويلفتنا إليه ظاهرة التحول يف بقية العناصر (وأعين‬
‫بالتحول هنا ‪ :‬االنتقال من حالة إىل حالة أخرى خمتلفة عن سابقتها) ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪18‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ذلك هو عنصر الزمان ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬الزمان (أو الوقت) هو ظاهرة حريت الناس ‪ ،‬علماء وعوام ‪ ،‬قدميا وحديثا ‪ ،‬ومل يستدل العلماء وال عامة الناس على ماهية‬
‫هذه الظاهرة حىت اآلن ‪ .‬إال إن احلقيقة الوحيدة اليت جيمع عليها الكل (مؤمنني ومالحدة ‪ ،‬علماء وعوام ‪ ،‬صغارا وكبارا) هي أن ما‬
‫يدلنا على حقيقة هذه الظاهرة هو التحول يف عناصر الوجود األخرى ‪.‬‬

‫مث تتواىل عناصر الوجود ‪ ،‬أو املوجودات ‪ ،‬اليت تظهر يف صورة العنصر الثاين ‪ :‬املكان ‪.‬‬

‫ويظهر املكان يف صورة الكون وما فيه ‪ :‬مساء ‪ ،‬وأجرام وكواكب ‪ ،‬وأرض ‪.‬‬

‫ويف املكان ‪ ،‬أو بعبارة أخرى ‪ ،‬يف الكون ‪ ،‬تظهر على السطح صفة ستحول الكون كله إىل صفحة من احلوادث املتتالية ‪ ،‬حوادث‬
‫متسلسلة ومتتابعة ومتطورة ‪ ،‬تلك هي صفة الوجود اآلن ‪ ،‬تلك هي صفة احلياة ‪.‬‬

‫ومن األرض ‪ ،‬ومن طبيعة األرض ‪ ،‬تظهر صور أخرى للوجود ‪ ،‬وتنضم إىل جمموعة املوجودات يف هذا الكون ‪ ،‬ولعل أبرز هذه الصور‬
‫هو ما نعرفه بـ ـ الكائنات ‪ ،‬مثل ‪ :‬اجلماد ‪ ،‬والنبات ‪ ،‬واحليوان ‪.‬‬

‫ويظهر يف كل صورة من هذه الصور صفات وخصائص جتعل لكل منها طبيعة أرضية ‪ ،‬ولعل من أبرز صور هذه الطبيعة األرضية ‪:‬‬
‫قابلية النقص ‪ ،‬والتأثر والتأثري ‪ ،‬والتحول (اهلدم والبناء) ‪ :‬حبيث يطرأ على كل منها (بسبب الزمان) اختالف يف طبيعتها ‪ ،‬مما يدفع‬
‫هبا أن تتأثر بغريها من الكائنات وتؤثر فيها أو يف غريها ‪ ،‬مما حيول من طبيعتها ؛ كما إن اهلدم والبناء (ومها أثران ظاهران من آثار‬
‫التفاعل والتحول) يظهران بسبب انتقال بعض عناصر الوجود (مثل اهلواء واملاء) إىل عناصر أخرى حبيث تباشر فيها أثرا يبدل من‬
‫طبيعتها ويظهر يف صور خمتلفة من الوجود ‪.‬‬

‫العنصر األول ‪ :‬اجلسد‬

‫ومن األرض أيضا ‪ ،‬ومن طبيعة األرض ‪ ،‬حيث نشأ اجلماد والنبات واحليوان ‪ ،‬ينشأ عنصر آخر ؛ عنصر مادي وعرض ظاهر ؛ ينشأ‬
‫من ماء األرض ‪ ،‬ومن تراب األرض ؛ عظاما وحلما ‪ ،‬وجها ويدا وجذعا ورجال ودماغا وغريها ؛‬
‫هذا العنصر ‪ ،‬هو ما نعرفه بـ ـ اجلسد !‬

‫‪18‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪19‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وكغريه من خمرجات األرض ‪ ،‬حيمل اجلسد معه شيئا من طبيعة األرض ‪ ،‬فيحمل شيئا من صفات اجلماد والنبات واحليوان ‪ .‬فاجلسد‬
‫مجاد من حيث قابلية النقص والتأثر بقوانني األرض اليت جاء منها ؛ واجلسد نبات من حيث قابلية النقص ‪ ،‬أيضا ‪ ،‬والتأثر والتأثري‬
‫والنمو واهلدم والبناء ؛ واجلسد حيوان من حيث الغريزة والشعور واالنفعال (إال إن هذه صفات تظهر الحقا) ‪.‬‬

‫إال إن هذا العنصر وحده ‪ ،‬عنصر جامد ‪ ،‬عنصر ميت ‪ ،‬ال سبيل له إىل الوجود الفاعل قبل أن ينضم إليه وخيتلط معه عنصر آخر ‪،‬‬
‫العنصر الثاين واألهم ‪ :‬الروح ‪.‬‬

‫العنصر الثاين ‪ :‬الروح‬

‫وهو عنصر باطن غري مادي وال ملموس ‪.‬‬

‫وبسبب جوهر الروح وسرها (وهو ما ال يقبل العقل ألحد ادعاء العلم حبقيقته) ‪ ،‬حيث تكون الروح مبثابة مصدر الطاقة ونظام‬
‫التشغيل ‪ ،‬تبدأ طبيعة اجلسد بالتحول ‪ ،‬وتبدأ مادة اجلسد (من خالل خاليا اجلسد وأعضائه وأجهزته) بسلسلة من النشاطات اليت‬
‫تظهر يف صورة احلركة املستمرة والدائمة ‪ ،‬فيظهر ما نعرفه بـ ـ العمليات احليوية ‪ ،‬مثل ‪ :‬خفقان القلب وتنفس الرئة وعمل الدماغ ‪،‬‬
‫حبيث تؤدي إىل انبعاث اجلسد من املوت ليأخذ قدره ونصيبه من الزمان أو الوقت أو العمر ؛ ولتحصل له الصفة اليت ستعطي اجلسد‬
‫ما جيعل منه فاعال ومؤثرا ؛ تلك هي صفة احلياة ؛ فيظهر الكائن احلي الذي هو اللبنة األوىل يف بناء ما نعرفه باسم اإلنسان ‪.‬‬

‫ومع الروح ‪ ،‬تبدأ رحلة طويلة للجسد ‪ ،‬وتظهر حمطات عديدة ‪ ،‬يف أطوار خمتلفة ‪ ،‬حيث تلعب الروح يف كل طور منها دورا خمتلفا‬
‫ومتقدما ‪.‬‬

‫وهبذين العنصرين (اجلسد والروح) ‪ ،‬وباختالطهما وتفاعلهما ‪ ،‬تبدأ رحلة الكائن الذي نعرفه باسم النفس ؛ فال نفس دون جسد ‪،‬‬
‫وال نفس دون روح !‬

‫وتظهر هذه النفس يف صورتني ‪ :‬الذكر واألنثى ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬حتدثت عن اختالف النفس عن الروح يف فصل [اعرتاض ‪ :‬ماذا عن الرأي القائل بأن النفس هي الروح ؟]‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪21‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫الروح مصدر طاقة ‪ ،‬ونظام محاية‬

‫ولكن انبعاث اجلسد من املوت ليس هناية األمر ‪ ،‬بل هو خطوة أوىل يف رحلة طويلة من املظاهر احليوية ؛ ألن انبعاث اجلسد من‬
‫املوت ليس كفيال وحده ليدل على احلياة أو ليبقي اجلسد حيا ! ملاذا ؟‬

‫هنا ‪ ،‬وبسبب عنصر الزمان (أو الوقت) ‪ ،‬وبسبب الطبيعة األرضية للجسد (قابلية النقص والتأثر والتأثري والتحول‪ :‬اهلدم والبناء) ‪،‬‬
‫وبسبب تلك السلسلة املستمرة والدائمة من النشاطات والعمليات احليوية ‪ ،‬يصبح اجلسد (خبالياه وأعضائه وأجهزته) عرضة للضمور‬
‫والضعف ‪ ،‬وصوال إىل املوت الذي مل يكد ينبعث منه للتو ‪.‬‬

‫وهنا ‪ ،‬تقوم الروح بدور نظام احلماية ‪ .‬حيث حتمل الروح معها ‪ ،‬وبطبيعتها ‪ ،‬صفات معينة ‪ ،‬فتغرز هذه الصفات يف اجلسد ‪ ،‬فتصبح‬
‫غرائز ‪ ،‬تدفع باجلسد حنو ما يبقيه على قيد احلياة ‪.‬‬

‫عناصر احلماية‬

‫وهي العناصر اليت تشكل يف جمموعها املنظومة اليت هبا حتمي النفس ذاهتا ‪ ،‬أو منظومة احلماية ‪ .‬وهذه العناصر هي ‪:‬‬

‫الضرورة‬
‫الغريزة (أو احلاجة) ‪.‬‬
‫الدافع (أو الباعث أو احلافز) ‪.‬‬
‫الفضول (أو البحث) وامليل (أو النزوع) ‪.‬‬
‫السلوك (أو الفعل) ‪.‬‬
‫االستقرار ‪.‬‬

‫كيف تعمل هذه العناصر لتوفري احلماية ؟‬

‫تسري الروح يف اجلسد ‪ ،‬فتؤثر يف طبيعته ‪ ،‬ويظهر هذا األثر على مركب النفس كالتايل ‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪21‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫تبدأ القصة مع الطبيعة األرضية للنفس ؛ حيث قابلية النقص والتأثر والتأثري والتحول (اهلدم والبناء) ‪.‬‬
‫وللنفس البشرية (جسدا وروحا) ضرورات ‪ ،‬من شأهنا أن متد النفس بأسباب احلياة (مثل ‪ :‬اهلواء واملاء والطعام والنوم واملأوى‬
‫واجلماعة واجلنس اآلخر) ‪ .‬والضرورة إما أن تكون داخلية (مثل ‪ :‬التوقف والتأمل والسكون) ‪ ،‬وإما أن تكون خارجية (مثل ‪:‬‬
‫الغذاء واملأوى والبشر) ‪.‬‬
‫ويف البداية ‪ ،‬ومع وجود الضرورات ‪ ،‬تكون النفس يف حالة من االستقرار ‪.‬‬
‫وبسبب عنصر الزمان والطبيعة األرضية ‪ ،‬فإن النفس يعرتيها شيء من النقص يف أي من هذه الضرورات ‪.‬‬
‫ونقص الضرورة يستفز تلك الصفات اليت غرزهتا الروح يف اجلسد ‪ ،‬أو الغرائز (وتعرف أيضا باحلاجات) ‪.‬‬
‫الفتة ‪ :‬الغريزة هي حجر الزاوية يف سلسلة االنفعاالت اليت تبقي اجلسد على قيد احلياة ‪ ،‬ألهنا املفصل الذي إذا فقدناه فقدنا‬
‫الرابط بني داخل اجلسد وخارجه (الكون وعناصره احمليطة به) ! وسيلي احلديث عنها الحقا ‪.‬‬
‫وبسبب الغريزة ‪ ،‬تبدأ سلسلة من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ‪ ،‬حيث تعمل على تنبيه النفس هلذا النقص ‪ ،‬وتظهر هذه‬
‫التحوالت يف صورة توتر واضطراب ‪ ،‬وهو ما نعرفه باسم الشعور ‪ ،‬مثل ‪ :‬العطش واجلوع والشبق واإلرهاق واخلوف ؛ وهذا‬
‫الشعور بالتوتر أو االضطراب هو ما نعرفه باسم الدافع (أو الباعث ‪ ،‬أو احلافز) ‪ .‬ويف هذه احلالة ‪ ،‬يكون الدافع داخليا ‪ ،‬ويظهر‬
‫يف صور خمتلفة تدل عليها مظاهر خمتلفة أيضا ‪ ،‬مثل ‪ :‬الظمأ ويدل عليه جفاف احللق مثال ‪ ،‬واجلوع ويدل عليه أمل البطن مثال‬
‫‪ ،‬واخلوف ويدل عليه التوقف وعدم احلركة مثال) ‪ .‬والدافع هنا فطري ‪ ،‬أي إنه موجود يف طبيعة النفس اليت ظهرت عليها إىل‬
‫صفحة الوجود ‪ ،‬وال حيتاج إىل تكرار أو تعلم ‪.‬‬
‫وبسبب الدافع ‪ ،‬تبدأ سلسلة أخرى من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ‪ ،‬فيظهر شعور آخر يف إحدى صورتني ‪ :‬الفضول‬
‫والبحث (إذا مل تكن الضرورة أو اهلدف معلوما) ‪ ،‬أو امليل والنزوع (إذا كانت الضرورة أو اهلدف معلوما) ‪.‬‬
‫ويؤدي الفضول والبحث أو امليل والنزوع إىل سلسلة أخرى من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ‪ ،‬ولكنها هنا ‪ ،‬تظهر على‬
‫السطح ‪ ،‬فتدفع بأعضاء اجلسد الظاهرة إىل احلركة ‪ ،‬وهو ما نعرفه باسم الفعل أو السلوك ‪ ،‬حيث يتوجه اجلسد من خالله إىل‬
‫مادة بعينها ‪ ،‬وهي ما نعرفه بـ ـ اهلدف (وهو الضرورة أو كل ما يليب غريزة البقاء) ‪ .‬فاجلوع والعطش يدفعاين إىل طلب الغذاء واملاء‬
‫؛ وامليل اجلنسي مع العاطفة ورغبة البقاء يدفعين إىل طلب اجلنس اآلخر لتلبية العاطفة والشهوة وحفظ النسل ‪ ،‬والتعب يدفعين‬
‫إىل طلب الراحة ‪ ،‬واخلوف يدفعين إىل طلب األمن واملأوى ‪.‬‬
‫وبالوصول إىل اهلدف (أو الضرورة) ‪ ،‬يتم تعويض الضرورة وتلبية الغريزة وإشباع احلاجة ‪ ،‬ومنه إىل سلسلة أخرى من التحوالت‬
‫يف بنية اجلسد الداخلية ‪ ،‬إىل شعور آخر ‪ ،‬وهو ما نعرفه باسم االستقرار ‪.‬‬
‫ومع استمرار الزمان (أو الوقت) ‪ ،‬ومع استمرار العمليات احليوية ‪ ،‬يستمر اجلسد يف استنزاف الضرورة ‪ ،‬ومنه إىل النقص والغريزة‬
‫واحلاجة ‪ ،‬ومنه إىل الدافع (التوتر واالضطراب) ‪ ،‬ومنه إىل الفضول والبحث أو امليل والنزوع ‪ ،‬ومنه إىل السلوك ‪ ،‬ومنه إىل اهلدف‬
‫‪ ،‬ومنه إىل اإلشباع ‪ ،‬ومنه إىل االستقرار ؛ وهكذا دواليك !‬

‫‪21‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪22‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫الفتة ‪ :‬سلسلة التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ‪ ،‬واليت هي صورة من صور الشعور ‪ ،‬هي ما يعرفه البعض باسم الوجدان ‪.‬‬

‫اجلسد أوال أم الروح ؟!‬

‫وبطبيعة التكوين اإلنساين ‪ ،‬فإنين أبدأ بتلبية حاجات اجلسد أوال ؛ ليس ألن اجلسد مقدم على الروح ‪ ،‬ولكن إلعداده مبا يلزمه‬
‫لالنتقال إىل مرحلة متقدمة ‪ ،‬حيث ميكنين من القيام بتلبية حاجات الروح ‪.‬‬

‫وهلذا فأنا أختصر العالقة بني العنصرين (اجلسد والروح) جبملة أوردهتا سابقا ‪ :‬اجلسد دابة الروح ومركبها ‪.‬‬

‫ولكن ‪ ،‬كيف أهتدي إىل الضرورات ؟‬

‫والسؤال هنا ‪ :‬كيف يل أن أعلم الغذاء أو اهلدف الذي يشبع حاجيت ؟ أو كيف يل أن أصل إليه ؟‬
‫وقبل أن أجيب عن هذا السؤال ‪ ،‬أستدرك بسؤال آخر ‪ :‬هل يتغذى اجلسد على ذاته فال حيتاج إىل شيء (خارجي) ؟ أم أنه يبحث‬
‫عن هدفه يف العامل اخلارجي (الكون وعناصره احمليطة به) ؟‬

‫واجلواب ‪:‬‬

‫ليس من العقل أن يتغذى اجلسد على ذاته ؛ وإال ‪ ،‬ألسرع هذا يف ضموره وضعفه وموته ! إذا ‪ ،‬ال بد للجسد من التوجه إىل غذائه‬
‫أو هدفه يف العامل اخلارجي ! ولكن كيف ؟‬

‫ولقد سبق احلديث عن الدافع ‪ ،‬فذكرنا أن الدافع يكون داخليا يف بداية األمر ؛ أما هنا ‪ ،‬فإن الدافع يكون خارجيا ‪ ،‬وهو ما نعرفه بـ ـ‬
‫املدخالت واملنبهات واملثريات ‪ ،‬مثل ‪ :‬رؤية طعام أو شم رائحة معينة أو مساع صوت معني ‪.‬‬

‫وهنا ‪ ،‬وكما كانت الروح مبثابة مصدر الطاقة ونظام التشغيل يف انبعاث اجلسد من املوت ‪ ،‬فهي هنا تستكمل دورها الذي بدأت به ‪،‬‬
‫فيمتد أثر الروح ليتجاوز تشغيل أعضاء اجلسد الباطنة (مثل ‪ :‬القلب والرئة والدماغ) وما يتبع ذلك من عمليات حيوية ‪ ،‬حىت تظهر‬
‫آثار تلك العمليات على أعضاء اجلسد الظاهرة (مثل ‪ :‬اجللد واألذن واألنف واللسان والعني) ‪ ،‬لتبدأ بسلسلة من التحوالت اجلسدية‬
‫‪ ،‬اليت تظهر يف صورة الوعي بعناصر الكون احمليطة باجلسد ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪23‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫احلس ‪ :‬رسويل إىل العامل اخلارجي‬

‫وهذه السلسلة من التحوالت (أو النشاطات أو العمليات) هي ما نعرفه بـ ـ احلس أو اإلحساس الذي يظهر يف صورة الذوق والشم‬
‫واللمس والسمع والنظر ‪ .‬ومن خالل احلس ‪ ،‬أتلقى وأتأثر وأستجيب ‪.‬‬

‫وهنا ‪ ،‬يقوم احلس بدور الرسول الذي حيمل رسائل الكون إىل اجلسد ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬يستدل اجلسد على الضرورة (أو اهلدف) ويبدأ‬
‫السعي إليه واحلصول عليه !‬

‫أول االستجابة ‪ :‬االنفعال الغريزي‬

‫ويف هذا الطور األول ‪ ،‬يكون (البقاء) هو شغلي الشاغل ‪ ،‬وتكون الغريزة هي املعيار الذي أحتكم إليه ‪ ،‬وتتم االستجابة والتفاعل مع‬
‫احمليط يف شكل واحد ‪ ،‬يف بداية األمر ‪ ،‬وهو ما يعرف بـ ـ االنفعال الغريزي ‪ ،‬حيث الغريزة ‪ ،‬وفقط الغريزة ‪ ،‬هي اليت حتركين حنو‬
‫اهلدف (أو الضرورة) الذي من شأنه أن يوصلين إىل شعور بدائي بـ ـ (االستقرار اجلسدي) الذي ينطلق من حاجات (جسدي أنا) فقط‬
‫‪ ،‬وينعكس على (جسدي أنا) فقط ‪.‬‬

‫واالنفعال الغريزي حيدث يف زمان نقص الضرورة وينتهي باالستقرار ‪ ،‬وال يتجاوز ذلك الزمان ‪ .‬واالنفعال الغريزي ال يعتمد على‬
‫أحداث جديدة أو متكررة ‪ .‬واالنفعال الغريزي ‪ ،‬أو االستجابة الغريزية ‪ ،‬ليس مقصورا على النفس اإلنسانية ‪ ،‬بل منط مشرتك مع‬
‫صور احلياة األخرى ‪ ،‬من أبسط أشكاهلا إىل أكثرها تعقيدا ‪.‬‬

‫من االنفعال الغريزي إىل عتبات التعلم‬

‫وعندما يتكرر ظهور عناصر احلماية ‪ ،‬سيما الضرورة منها (أو املنبهات واملثريات) ‪ ،‬ترتك أثرا يف اجلسد ‪ ،‬وحتديدا يف ذلك العرض‬
‫املادي املوجود يف أعلى اجلسد ‪ ،‬يف الرأس ‪ ،‬وهو ما نعرفه بـ ـ الدماغ ‪ .‬وبسبب الروح أيضا ‪ ،‬تظهر لدى اجلسد (أو الدماغ) قدرة‬
‫خمتلفة عن االنفعال الغريزي الذي يظهر يف زمان نقص الغريزة وينتهي باالستقرار ‪ ،‬وهي القدرة على االحتفاظ بصور تلك املدخالت‬
‫رغم االستقرار وحتول الزمان ‪ .‬وهذه القدرة هي ما نعرفه باسم الذاكرة ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪24‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ولكن آثار الروح ال تقف هنا ‪ ،‬فباإلضافة إىل قدرة الدماغ على االحتفاظ بصور املدخالت ‪ ،‬فإنه حتصل لديه القدرة على االحتفاظ‬
‫بصور وآثار سلسلة التحوالت (أو العمليات) اليت تبدأ بنقص الضرورة وتنتهي باالستقرار ‪.‬‬

‫وبسبب الروح أيضا ‪ ،‬وبسبب أثرها يف اجلسد ‪ ،‬تظهر قدرة أخرى ‪ ،‬وهي قدرة الدماغ على االحتفاظ بعناصر احلماية املختلفة مع‬
‫ربط بعضها ببعض ؛ فتحصل قدرة الدماغ مثال على ربط الزمان باملكان بالوجدان ‪ .‬وبعبارة أخرى ‪ :‬تصبح لدى الدماغ القدرة على‬
‫ربط زمان نقص الضرورة مع السلوك للحصول عليها وما أدى إليه من االستقرار ‪.‬‬

‫وبسبب الروح أيضا ‪ ،‬وبسبب أثرها يف اجلسد ‪ ،‬تظهر قدرة أخرى ‪ ،‬وهي القدرة على استدعاء مجيع تلك العناصر وما يرتبط هبا عند‬
‫ظهور عنصر واحد منها فقط ‪.‬‬

‫وكل ما أوردناه هنا ‪ ،‬هو صورة أخرى من صور االستجابة والتفاعل مع احمليط ‪ .‬وهي صورة متقدمة ‪ ،‬أكثر تعقيدا من االنفعال‬
‫الغريزي ‪ ،‬وهي ما نعرفه باسم ‪ :‬التعلم الشرطي ‪.‬‬

‫ونعرف (الروح) يف هذا الطور األول بـ ـ (الروح البهيمية أو احليوانية) اليت ألتقي فيها كـ ـ (إنسان) مع باقي أشكال احلياة من حولنا ‪،‬‬
‫سيما (احليوان) ‪.‬‬

‫من (البهيمية) إىل عتبات اإلنسانية ‪ :‬التفكري‬

‫مث تتقدم (روحي) آخذة معها (جسدي) لتنتقل به إىل الطور الثاين ‪ ،‬حيث تكون مبثابة (نظام االستقبال والتحليل) الذي يتجاوز‬
‫االنشغال بتلك الوظائف (يف املستوى األول) إىل مراقبة (جسدي) يف تلقيه للصور واملدخالت املتعددة واملختلفة يف حيايت اليومية وما‬
‫يتبعها من (جمهول) و(عالمات استفهام) ‪ ،‬ومن مث العمل على التوقف عند تلك املدخالت وتفكيكها وحماولة فرزها والتعامل معها‬
‫واإلجابة عليها ‪.‬‬

‫وتتقدم (الروح) هنا لتحاول فك شفرة أي (مدخل جمهول) من شأنه أن يأخذ (النفس) إىل دركات (اخلوف املرضي وما يقود إليه من‬
‫الوسوسة القهرية والقلق والتوتر واالكتئاب) وما يلي ذلك يف مراتب الشقاء ‪.‬‬

‫ويظهر على السطح هنا مصطلح مهم ‪ ،‬وهو (التفكري) ‪ ،‬والذي يعين (تفكيك الكل إىل أجزاء) أو (التحليل) ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪25‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وتربز هنا قاعدة مهمة ‪ ،‬أال وهي ‪( :‬اجملهول دافع الفضول) ‪ ،‬وأكثر ما حتاول (النفس) اإلجابة عليه والعلم به و(فك شفرة اجملهول)‬
‫عنه هو ما يتعلق بـ ـ (من أنا ومل أنا) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬هذه القاعدة (اجملهول دافع الفضول) هي البديل عن القول الشائع (كل ممنوع مرغوب) ‪ ،‬فليس حقيقة أن كل ممنوع مرغوب !‬
‫وإال لقلنا بأننا إذا منعنا إلقاء النفس من أعلى جبل لرغب الناس مجيعهمم بذلك ! أو إذا منعنا الناس أن ميارسوا الرياضة ‪ 6‬ساعات‬
‫يف اليوم لرغب اجلميع بذلك رغم مشقته !‬

‫ونعرف (الروح) يف هذا الطور الثاين بـ ـ (الروح الناطقة) اليت تأخذ ب ـ ـ (جسدي) إىل أكثر من اإلحساس البسيط اجملرد الذي تقوده‬
‫الغريزة ‪ ،‬فأرحتل من جمرد (البهيمية) إىل (عتبات اإلنسانية) ‪.‬‬

‫ويف هذا الطور الثاين ‪ ،‬أجتاوز (غريزة البقاء) لتكون احملرك الرئيس ‪ ،‬وأجتاوز (الدوافع أو احلوافز أو الشهوات) كمعيار أحتكم إليه ‪،‬‬
‫وأجتاوز ذلك الشعور البدائي بـ ـ (الراحة والطمأنينة) املنفردة فقط ‪ ،‬فتظهر هناك معايري ومراجع أخرى أستقيها من شعوري بـ ـ (األنس)‬
‫مبن حويل من األفراد أو ما نعرفه بـ ـ (اجملتمع) والصور واملدخالت املتكررة إىل حد االعتياد عليها وتقليدها أو ما نعرفه بـ ـ (العادات‬
‫والتقاليد) واملعايري اليت يتفق عليها األفراد ويقبلون التحاكم إليها أو ما نعرفه بـ ـ (األخالق والقيم) ‪.‬‬

‫ويف الطور الثاين ‪ ،‬يظهر شعور متقدم من (الراحة والطمأنينة) أنتقل فيه من (الشعور الفردي) الذي كان هو البارز يف الطور األول إىل‬
‫(الشعور اجلماعي) ؛ وهنا تظهر غرائز اجتماعية ‪ ،‬مثل ‪ :‬احلاجة إىل احلب (ويتعلق هبا احلاجة إىل األنس واحلاجة إىل اجلنس اآلخر‬
‫واحلاجة إىل الولد) ودافعها الشعور بالوحدة والعزلة والشبق والرمحة واحلنو ‪ ،‬واحلاجة إىل التقدير (من خالل التنافس والسيطرة والتقاتل)‬
‫ودافعها الذاتية والغضب ‪ ،‬واحلاجة إىل احلرية ودافعها الضيق والكبت ‪ ،‬واحلاجة إىل األمن اجلماعي (من خالل اخلضوع والطاعة)‬
‫ودافعها الشعور بالنقص ‪.‬‬

‫ويف الطور الثاين ‪ ،‬يظهر على السطح مسمى شعوري آخر هو ما أبدأ بالسعي وحماولة الوصول إليه واحملافظة عليه ‪ ،‬وهو ذلك الشعور‬
‫أو اهلدف املنشود الذي نعرفه بـ ـ (السعادة) ‪.‬‬

‫ولكن يف هذا الطور الثاين ‪ ،‬قد ال يكون بالضرورة ما أرجع إليه من معايري ومراجع سببا كافيا ليأخذين إىل (السعادة املنشودة) ‪ ،‬فقد‬
‫يسهل على (الروح) أن تأمر (اجلسد) مبمارسة أمر ما أو سلوك معني فقط ألهنا تؤثر أن تكون مع (اآلخرين) وأن تشرتك معهم ‪،‬‬
‫سيما إذا كان (اآلخرون) هم األكثر أو األقوى ‪ ،‬وهذا هو ما نعرفه بـ ـ (القصور النفسي) ‪ ،‬وهو أن تسبح (النفس) مع تيار ما حوهلا‬

‫‪25‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪26‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫من عادات وأعراف وقيم ‪ ،‬ليس ألهنا تتفق معه أو ألهنا جتد لديه (فك شفرة اجملهول) لديها ‪ ،‬ولكن ألهنا ختشى أن تكون (منفردة)‬
‫بالسباحة ضد تيار (اآلخرين) ‪ .‬فينتهي هبا األمر أن جتد أهنا مل تكسب من هذا كله إال شعورا بـ ـ (التعب واخلوف والشقاء) ‪.‬‬

‫من التفكري إىل العقل‬

‫مث تتقدم (الروح) إىل ما هو أمسى من ذلك وأعقد ‪ ،‬حيث الطور الثالث ‪ ،‬فتتجاوز كوهنا (نظام االستقبال والتحليل) إىل كوهنا (نظام‬
‫العقل واإلدارة واحلكم) ‪ ،‬فال تعود تتقبل السباحة مع التيار أيا كان ‪ ،‬وال تعود تقبل بأي (إجابة) ختطر عليها ‪ ،‬بل تقود (اجلسد)‬
‫وتأمره بالتوقف عند الصور واملدخالت ‪ ،‬ولكن هذه املرة يكون التوقف للبحث والتحقق واجلمع بني املتفرقات وترتيب ما مت فرزه‬
‫سابقا من صور ومدخالت ‪ ،‬ومن مث الرجوع إىل معايري ومراجع يقينية تطمئن إليها (النفس) ‪.‬‬

‫ونعرف (الروح) يف هذا الطور الثالث بـ ـ (الروح العاقلة) ‪.‬‬

‫وهذه العملية املعقدة (القائمة على اجلمع والرتتيب والتقرير) اليت وصلت إليها (النفس) بقيادة (الروح) وتنفيذ (اجلسد) ‪ ،‬هي ما نعرفه‬
‫بـ ـ (العقل) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬سبق التفصيل يف تعريف (العقل) يف املقدمة ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬العقل ليس هو الدماغ ‪ ،‬ألن الدماغ هو جزء من (اجلسد) الذي هو أحد عنصري النفس ‪ ،‬أما العقل فهو عملية متقدمة‬
‫ومعقدة يقوم الدماغ جبزء منها فقط ‪ ،‬وهو جزء مهم وكبري ‪ ،‬ولكن هناك غريه من العناصر واألجهزة ‪ ،‬ولعل القلب هو من أمهها إن مل‬
‫يكن أمهها ‪ .‬وعلى هذا فليس كل من لديهم أدمغة عقالء !‬

‫ومع (العقل) ومن خالله ‪ ،‬تصل (نفسي) إىل شعور (حقيقي) يتجاوز (الراحة والطمأنينة والسعادة) ‪ ،‬ليربز مسمى شعوري أعمق‬
‫وأبلغ وأطول عمرا ‪ ،‬ألنه شعور متولد عن (العقل) ‪ ،‬وليس نتيجة لغريزة هبيمية أو لتقليد أعمى ‪ ،‬وألنه شعور يتجاوز الوقوع يف طريف‬
‫النقيض ‪ :‬إما (الفردية احملضة) واليت قد تضر مبصلحة اآلخرين إذا تعارضت مع (نفسي) ‪ ،‬أو (القصور النفسي) الناتج عن (التعلق‬
‫املرضي باآلخرين) والذي قد يقودين إىل الشقاء إذا مل أجدهم معي دائما !‬

‫ولكن ‪ :‬هل يكفي العقل وحده ؟‬

‫‪26‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪27‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وبعبارة أخرى ‪ :‬هل العقل كفيل بـ ـ (عقل) كل شيء ؟! هل العقل ميلك اإلجابة على كل ما حييط بنا ؟! هل العقل هو ما حيمل معه‬
‫(دون غريه) مفاتيح السعادة ؟!‬

‫وليس هذا السؤال وما يتبعه من أسئلة من البدعة يف شيء ! فلقد ظهر يف تاريخ اإلنسانية من أهلوا عقوهلم واعتربوا أن العقل هو كل‬
‫شيء ! واعتربوا أن العقل ال حيتاج إىل سواه !‬

‫وهنا ‪ ،‬تربز أسئلة كثرية ‪ ،‬منها ‪ :‬ما الذي سيعقله العقل ؟! وما األسس الذي سينطلق منها ويعود إليها ؟! وما الذي سيتحدد به‬
‫الصواب واخلطأ ؟! وما هو املرد الذي سريد العقل إليه ما سيعقله الحقا ؟! وغري ذلك من أسئلة !!!‬

‫واجلواب عن السؤال ‪ :‬ولكن ‪ :‬هل يكفي العقل وحده ؟‬

‫ال ؛ العقل وحده ال يقوم ! بل حيتاج إىل ما يستند عليه ويرجع إليه يف سعيه لتلك اإلجابات ‪ ،‬ويف عبارة أخرى ‪ :‬ال بد من شيء‬
‫يسلم األمر له وبه ‪ ،‬فينطلق منه إىل االعتقاد ؛ وهو ما نعرفه بـ ـ (املرد) ‪ ،‬وهذا (املرد) يشرتط أن يكون فيه ما افتقرت إليه املراجع يف‬
‫الطور الثاين ‪ ،‬مثل ‪:‬‬

‫اليقني ‪ :‬أي إن املرد ينبغي أن ال يرتكين مع إجابات قابلة للشك واالحتمال مما جيعلين فريسة للمجهول مرة أخرى ‪.‬‬
‫الشمول ‪ :‬أي إن املرد ينبغي أن جييب على كل ما يتعلق حبيايت اليومية ‪ ،‬من االستيقاظ وحىت النوم ‪ ،‬وإال أصبحت فريسة لعدم‬
‫االستقرار واختالل االتزان نتيجة لتعدد املراجع اليت أرجع إليها مما ميكن من وجود التناقض بينها ! أو الوقوع يف فخ ما أمسيه‬
‫(االنفصام املعريف والسلوكي) ‪.‬‬
‫اإلسعاد ‪ :‬أي إن املرد ينبغي أن يستبدل السعادة النسبية املرتبطة باحمليط الزائل وما يعود به علي من إجابات غري يقينية أو شاملة‬
‫(وما يتبعها من جمهول) بسعادة أخرى ال ترتبط بشيء من ذلك ‪.‬‬

‫ولفظ املرد هو لفظ استفدته من قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم ؛ فإن تنازعتم يف‬
‫شيء فردوه إىل اهلل والرسول ‪ ،‬إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ‪ ،‬ذلك خري وأحسن تأويال﴾ [القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪. ]66‬‬

‫وهذا املرد ‪ ،‬ميكن أن يكون مادة جمردة منقولة ‪ ،‬ومن هنا يأيت لفظ النقل ‪ ،‬بشرط أن يكون مادة منقولة صحيحة ؛ وميكن أيضا أن‬
‫يكون املرد نتيجة يقينية مت التوصل إليها بالعقل التجرييب املستند على النقل الصحيح ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪28‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫الفتة ‪ :‬سبق التفصيل يف معىن (النقل) يف مقدمة الورقات ‪.‬‬

‫وعودة إىل املرد ؛ فباملرد ‪ ،‬ترتقي الروح يف أعلى مراتبها لتصل مبركب النفس إىل االعتقاد ‪ ،‬حيث تتشكل آخر املطاف صورة متكاملة‬
‫عن تلك املدخالت اليت مرت مبراحل كثرية من االستفهام والشك إىل أن وصلت هنا ‪ ،‬والنتيجة النهائية هنا هي ‪ :‬العقيدة ‪ ،‬أي‬
‫النتيجة القطعية أو العلم أو احلكمة ‪.‬‬

‫واالعتقاد أو العقيدة من شأهنا أن تصل بالنفس إىل اليقني وما يتبعه بالضرورة من طمأنينة وسعادة ورضا ‪.‬‬

‫هذه هي النفس ‪ ،‬وهذه هي أطوار النفس اليت متر هبا سعيا إىل السعادة املنشودة ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬عرفنا النفس ‪ ،‬فما هو [فقه] النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫الفقه يف لغة العرب ‪ :‬العلم بالشيء ‪ ،‬والفهم [املرجع ‪ :‬لسان العرب] ؛ والعلم مبقتضى الكالم على تأمله [املرجع ‪ :‬الفروق اللغوية] ‪.‬‬

‫والفقه يف االصطالح ‪ :‬منهج الفهم على أصول الشرع ؛ وعلم قائم بذاته يبحث يف الدليل من العقل والنقل ‪.‬‬

‫ولقد تطور استعمال لفظ (الفقه) حىت صار يدل على العلم الذي يتناول الشيء بكليته ‪ ،‬مادة ومعىن ‪ ،‬منهجا وتطبيقا ‪ ،‬فنقرأ مثال ‪:‬‬
‫فقه الصالة (حيث يتناول الصالة يف شروطها وأركاهنا وسننها ونواقضها ‪ ،‬كما يتناول اخلشوع والتدبر) ‪ ،‬وفقه اجلهاد (حيث يتناول‬
‫اجلهاد يف معناه وشروطه ووسائله ‪ ،‬كما يتناول اجلهاد واجملاهدة وتطبيقاهتا العملية) ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬

‫فإذا قلنا [فقه النفس] فإننا نعين ‪ :‬العلم الذي يتناول النفس يف ماهيتها ‪ ،‬وأعراضها ‪ ،‬وأمراضها ‪ ،‬وعالجاهتا ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬إذا كان من فقه النفس فقه عالج أمراضها ! أليست هذه مهمة (الطب النفسي) ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪29‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫قبل التوج ه مباشرة إىل اإلجابة ‪ ،‬وقبل التفصيل يف إجابة (أو إجابات) هذه األسئلة وغريها ‪ ،‬يرتجح عندي أن أجيب على سؤال‬
‫يظهر على السطح بني احلني واآلخر ‪ ،‬تتبعه أسئلة واستفهامات وموضوعات كثرية ‪ ،‬أثارت ‪ ،‬وال تزال تثري ‪ ،‬كثريا من االختالف‬
‫الذي قد يصل إىل حد اخلالف واجلدل !‬

‫أليس العالج الكيميائي أو (املادي = الدوائي) هو أبسط وأيسر وأسهل ؟ أليس (الطب النفسي) مبعناه (اجلسدي = الكيميائي =‬
‫املادي) هو األوفر واألكثر انتشارا ؟ أليس هو األوثق ؟ أليس املدرسة احلديثة ‪ ،‬وباألخص املدرسة (الغربية) ‪ ،‬وما تصدره لنا ولغرينا‬
‫من أفكار وفلسفات وعقاقري ‪ ،‬وما نعرفه باسم (علم النفس) ‪ ،‬أليس كل هذا هو األجدر بالثقة واالتباع ؟!‬

‫تنتابين اآلن ‪ ،‬حلظة كتابة هذه الكلمات ‪ ،‬تنهيدة طويلة ‪ ،‬وزفرات حتمل معها قصة طويلة من التفكري والبحث والقراءة يف هذا‬
‫املوضوع وما يتعلق فيه ‪ .‬وحىت ال أغرق القارئ والقارئة يف تفصيالت ومعلومات متكررة أو قصاصات منسوخة من هنا وهناك من‬
‫كتب ومقاالت ورسائل علمية (وأخرى غري علمية) ‪ ،‬سأحاول أن أوجز اإلجابة عن هذه التساؤالت يف سطور قليلة ‪:‬‬

‫إن من طبيعة التحول (أو التغري) يف الزمان واملكان أن يؤثر يف النفس اإلنسانية (جسدا وروحا) وحاجاهتا ‪ ،‬ومن مث يؤثر يف سعي‬
‫النفس لتلبية تلك احلاجات وصوال إىل االستقرار ‪ .‬ويف هذه الرحلة ‪ ،‬قد تعرتض اإلنسان معوقات داخلية = نفسية = جسدية وروحية‬
‫(كما تعرتضه معوقات خارجية ‪ ،‬ولكن ما يعنينا هنا هو املعوقات الداخلية) ؛ وهذه املعوقات الداخلية هي ما نعرفه الحقا باسم‬
‫األعراض أو األمراض النفسية ؛ وحينها يبدأ اإلنسان رحلة البحث عن (العالج) ‪.‬‬

‫ويف رحلة البحث عن العالج ‪ ،‬بدأ اإلنسان باالعتماد على ما يتوفر له من معطيات (جسدية وروحية = مادية ومعنوية = مدخالت‬
‫وعمليات) تتمثل يف ما حيسه ويفكر فيه ويعقله ومن مث يستخدمه للوصول إىل (العالج) ‪.‬‬

‫ويف هذه الرحلة ‪ ،‬أفرز اجملتمع اإلنساين ما عرفناه باسم (احلضارات) يف بالد الرافدين ‪ ،‬مث مصر ‪ ،‬مث الشرق األدىن فاألقصى ‪ ،‬مث‬
‫اليونان ‪ ،‬مث الرومان ‪ ،‬مرورا باحلضارة اإلسالمية يف أوجها ‪ ،‬وانتهاء إىل عصر النهضة وما تبعه حىت وصلنا إىل عصر الثورة العلمية‬
‫واملعلوماتية اليت صارت تنفجر انفجارا شبه ذايت حلظة إثر حلظة ‪ ،‬حىت حلظة كتابة هذه الكلمات ‪.‬‬

‫وبقراءة التأريخ ‪ ،‬نعلم أن اإلنسان قد حتول يف هذه الرحلة (العالجية) حسب نظرية (التجربة واخلطأ) إىل (عينة) يف (خمترب) تلك‬
‫احلضارات ‪ ،‬فعملت فيه األساطري واخلرافات والقصص املوروثة ‪ ،‬كما جرب عليه السحر والعرافة والكهانة ‪ ،‬ومر عليه التحنيط واإلبر‬
‫العالجية (الصينية) ‪ ،‬مث رقاه (الدين) والتجربة العقلية اإلنسانية فعمد إىل التشريح والعالج العضوي (الكيميائي) ‪ ،‬مث ما لبث أن‬

‫‪29‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪31‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫احنرف البعض عن (عقل) الدين أو (نقله) ‪ ،‬فلم يبق لإلنسان يف عصر النهضة الصناعية وما بعدها أكثر من أن يكون عينة للعالج‬
‫اجلسدي = العالج الكيميائي والصدمات الكهربية وغريها ‪.‬‬

‫كيف حصل هذا ؟!‬

‫عندما بدأ اإلنسان حيسن التعامل مع الكون من حوله ‪ ،‬وخصوصا األرض وطبيعة األرض وما فيها من ‪ :‬مجاد ونبات وحيوان ‪ ،‬فإنه‬
‫بدأ يتوسل كل ما ميكنه اغتنامه من أجل تيسري وجوده على وجه األرض ‪ ،‬ومن مث حماولة توسل ذلك يف عالج ما يعرض له من علل‬
‫وأمراض ‪ .‬وألنه يتعامل مع ظاهر األرض وما تنتجه من مواد (طبيعية) ‪ ،‬فلقد بدأ اإلنسان (بطبيعة احلال ومنهج التجربة) باستعمال‬
‫منتجات األرض يف عالج ما يعرض له من علل وأعراض (جسدية) وكأنه يقول ‪ :‬إذا كان جسدي نبت من هذه األرض فإن عالج‬
‫أعراضه سيكون منها أيضا ‪ .‬وفعال ‪ ،‬جنح اإلنسان إىل حد كبري يف تطوير حماوالت احلد من علل اجلسد وأعراضه باستعمال ما وصل‬
‫إليه من مواد (أرضية طبيعية) ‪.‬‬

‫ولكن األمر بدأ يستعصي على اإلنسان بشكل أكرب وأكثر صعوبة عندما بدأت تعرض له أعراض غري ظاهرة وال مادية = أعراض‬
‫روحية ؛ وألن األمر غري ظاهر كاجلسد ‪ ،‬وألن أثره قد يكون أشد أثرا من (العرض اجلسدي) ‪ ،‬فقد بدأ اإلنسان بالبحث عن عالج‬
‫ألمراض (الروح) ‪ ،‬فقاده منهج (القصور الروحي) ومنهج (التجربة واخلطأ) للعودة إىل الوراء قليال ليبدأ من حيث انتهى من قبله ‪ ،‬وهنا‬
‫ظهرت احملاوالت اليت كانت تعترب يف حينها (علمية) حيث كان العلم يقاس بالنتائج فقط ‪ ،‬دون معيارية املنهج املتبع ؛ فظهرت‬
‫الشعوذة يف خمتلف صورها ‪ :‬األساطري واخلرافات ‪ ،‬مث السحر والعرافة والكهانة ‪ .‬وكانت هذه (الشعوذات) تؤدي شيئا من العالج ولو‬
‫لفرتة من الزمن (وذلك العتقاد املريض ‪ /‬املريضة التام هبا كعالج) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬من املثري للشفقة أن ما سبق ذكره من (شعوذات) مل يزل العمل به جاريا يف أيامنا ‪ ،‬مع كل ما يفرتض أننا بلغناه من (العلم) !‬

‫ولكن لعوامل عديدة ‪ ،‬لعل من أمهها ‪ :‬الوحي اإلهلي الذي يقيم العلم ويقوم العقل ويوجهه ‪ ،‬وثورة العقل اإلنساين عند املفكرين‬
‫والفالسفة واملشتغلني بالطب ‪ ،‬وعدم جناعة (الشعوذات) سابقة الذكر ‪ ،‬وتداخل احلضارات وحماولة االستفادة من بعضها البعض ‪،‬‬
‫وأخريا ‪ :‬استكمال منهج (التجربة واخلطأ) الذي كان له أثره يف عالج (اجلسد) وحماولة استعماله يف عالج (الروح) ؛ هذه العوامل وما‬
‫نتج عنها دفع باإلنسان للسعي إىل جتربة (مواد األرض الطبيعية) يف عالج (الروح) !‬

‫وفعال ‪ ،‬بدأت حماوالت تفعيل بعض منتجات الطبيعة األرضية لعالج (روح) اإلنسان ‪ ،‬وبدأ يظهر شيء من االستجابة عند (بعض)‬
‫املرضى ‪ ،‬خصوصا مع تلك املواد (املسكنة لألمل) واليت كانت تؤثر أيضا يف (شعور) اإلنسان (باليقظة والوعي باحمليط) مما كان يسهل‬
‫على اإلنسان التعامل مع (حالته ‪ /‬حالتها) اليت ما تلبث أن تعود لتنتكس بعد فرتة من الزمن !‬

‫‪31‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪31‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ويف مقابل هذه احملاوالت ‪ ،‬أو بالتوازي معها ‪ ،‬كانت هناك حماوالت لعالج (الروح) معاجلة (روحية) تنطلق من طبيعة الفهم اإلنساين‬
‫لطبيعة (الروح) وكيفية عملها ووظيفتها ؛ فبدأت تظهر حماوالت لتعليم املريض ‪ /‬املريضة كيفية السيطرة على األفكار املنشئة للخوف‬
‫أو الوسواس أو القلق أو احلزن الشديد والضيق (االكتئاب) أو حىت لألمل ؛ كما كانت تلك احملاوالت تعلي من قيمة شعور اإلنسان‬
‫مبقامه يف عني (اإلله) ومقامه يف عني (نفسه ‪ /‬نفسها) وتزكي (روح) اإلنسان من خالل الرتكيز على (اهلدف) األمسى من (الوجود)‬
‫وعالقة اإلنسان بالكون من حوله ‪ /‬حوهلا ‪.‬‬

‫ومع جناعة هذه احملاوالت الروحية وتناغمها مع طبيعة (العرض أو املرض) ‪ ،‬إال إهنا كانت تستلزم وقتا أطول ‪ ،‬وجهدا أبلغ من‬
‫احملاوالت (اجلسدية) ‪ .‬ومع هذا ‪ ،‬فلقد ظل هلذه احملاوالت قيمتها ‪ ،‬إال إن البعض كان يؤثر دجمها مع العالج اجلسدي ‪.‬‬

‫وظل األمر على هذه الصورة (من حماوالت خمتلفة ومتنوعة ‪ :‬شعوذة ‪ ،‬وعالج جسدي ‪ ،‬وعالج روحي) حىت احلقبة ما بني أواسط‬
‫القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ‪ ،‬حيث بدأت احملاوالت اجلسدية (العضوية) تأخذ شكال أكثر (عصرية) و(تقنية) ‪،‬‬
‫وتطغى بدورها على أي حماوالت عالجية أخرى ‪.‬‬

‫والسؤال هنا ‪ :‬ما الذي أسهم يف طغيان العالج اجلسدي (العضوي = الكيميائي) على غريه ؟!‬

‫اجلواب ‪ :‬عدة عوامل ‪:‬‬

‫العامل األول ‪ :‬االختزال السالب ملفهوم (الروح) لدى أوروبا ومن بعدها أمريكا مبا يتعلق بـ ـ (الدين = النسك) فقط ؛ وعليه فإن الروح‬
‫ال شأن هلا مبا عداها من مظاهر (الوجود) أو (احلياة) ! بل جتاوز هذا إىل (تنحية اإلله) عن كل (مادي) ‪.‬‬

‫العامل الثاين (وهو تابع بالضرورة للعامل األول) ‪ :‬املوقف السالب الذي وقفته أوروبا (مث أمريكا) من (الروح) وكل ما من شأنه أن‬
‫ميت بصلة لـ ـ (املؤسسة الروحية) اليت كانت متثلها (الكنيسة) املعادية للعلم (التجرييب = املادي) ‪.‬‬

‫العامل الثالث (وهو متزامن وتابع ملا سبق) ‪ :‬احلركات املتمردة على سلطة (اإلله) و(الدين) و(املوروث) ‪ ،‬وظهرت يف صور متنوعة‬
‫لكنها التقت يف (تقديس اإلنسان = اجلسد = العقل اجملرد) ؛ وهذه احلركات هي ‪ :‬احلداثة والعقالنية والتنوير والوجودية والعاملانية ‪.‬‬

‫العامل الرابع ‪ :‬تأثر البيئة (العلمية) بعصر النهضة وما تبعه من ثورة (تقنية) سخرت لإلنسان كل ما ميكن أن تصله حواسه (تقريبا) ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪32‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫العامل اخلامس (ولعله اليوم من أهم الدوافع لطغيان العالج اجلسدي ‪ ،‬إن مل يكن أمهها على اإلطالق) ‪ :‬وهذا العامل هو ما أحب‬
‫أن أعرب عنه باسم (امرباطوريات الدواء) ؛ وأعين هبا املؤسسات والشركات اليت تدير الصناعات (الكيميائية) يف جمال الطب عموما ‪،‬‬
‫والطب النفسي خصوصا ‪( .‬وحىت ال أقع يف فخ التعميم الظامل ‪ ،‬فإنين سأتناول يف حديثي هنا الصناعات ذات الطابع اخلاص والبعيد‬
‫عن البحث العلمي والتطوير التعليمي مبعناه األكادميي ‪ ،‬مع عدم إغفال حجم التداخل بني املؤسستني ‪ :‬اخلاصة واألكادميية) ‪ .‬وال‬
‫خيفى على عامة الناس اآلن مدى انتشار العالج الكيميائي يف أيامنا ‪ ،‬ولكن ما قد خيفى على عامة الناس هو الثراء الفاحش‬
‫ألصحاب هذه (االمرباطوريات) وما تبلغه هذه الصناعات من أرباح مادية طائلة قد ال يقارهبا أي صناعة (معروفة وقانونية) أخرى (إذا‬
‫استثنينا صناعة السالح والسينما) ‪ .‬كما قد خيفى على عامة الناس مقدار سيطرة هذه (االمرباطوريات) وحتكمها يف (البحث العلمي)‬
‫ومن مث توجيه (البحوث والدراسات) إىل ما قد يزيد ثراءها (أوال) قبل النظر يف مدى (نفع) البحث وما حيمله من خري لإلنسانية ‪.‬‬
‫وقد يصل حد سيطرة هذه الصناعات أن تتدخل يف نتائج البحث (العلمي) لتدفع باملنتج إىل (السوق) رغم أنف (املصلحة) أو لتمنع‬
‫صدور (دراسة) من شأهنا أن (تفضح) خطر منتج آخر ! بقي أن ألفت االنتباه إىل (حقيقة) طبية ‪ -‬جتارية ‪ ،‬وهي ‪ :‬إن عقاقري الطب‬
‫النفسي هي من أغلى العقاقري يف سوق العالج الكيميائي ! ولعل هذا ما جيعل بعض األطباء من التخصصات األخرى يتبادلون بينهم‬
‫الطرائف الساخرة من كون (الطبيب النفسي) ما هو إال (مسوق) يعمل لدى (شركات الدواء) أكثر من غريه ! أطلت التفصيل يف هذا‬
‫العامل ألنبه على أثره يف انتشار العالج اجلسدي أو الكيميائي بدافع (الربح املادي) على حساب (املصلحة اإلنسانية) ‪ .‬الفتة ‪ :‬أكرر‬
‫استثنائي لكل ما من شأنه التقدم بصحة اإلنسان على منهج علمي مستقل عن التأثري الشخصي أو املادي ‪ ،‬وهو أمر موجود وواقعي‬
‫وفاعل أيضا ‪ ،‬رغم اختاليف معه ‪ .‬وهذا ما سيقود للحديث عن العامل السادس ‪.‬‬

‫العامل السادس ‪ :‬املنافع الظاهرة للعالج اجلسدي (الكيميائي) ‪ ،‬مثل ‪ :‬ظاهر استناده إىل العلم التجرييب احلديث يف مقابل غريه من‬
‫العالجات (وهذا أمر ظاهر ‪ ،‬حيث يتعمد العامل الغريب جتاهل البحوث اليت من شأهنا أن ترجح كفة العالجات األخرى أو حىت أن‬
‫تربز ما فيها من منافع ومميزات) ‪ ،‬قلة اجلهد (النفسي) املبذول يف التعامل مع املريض ‪ /‬املريضة ‪ ،‬قلة الوقت املبذول يف وصف العالج‬
‫للمريض ‪ /‬املريضة ‪ ،‬األثر الظاهر والسريع (نسبيا) على احلالة املرضية (إال إن هذا األثر سرعان ما خيبو أو حيول صاحبه إىل مدمن) ‪،‬‬
‫سهولة التعاطي مع العالج وتعلمه من قبل املريض ‪ /‬املريضة ‪ ،‬طبيعة تناغم هذا النوع من العالج مع طبيعة العصر يف البحث عن‬
‫عالجات (سريعة) ‪ .‬ويقابل هذه املنافع الظاهرة صعوبات تواجه العالج الروحي ‪ ،‬وهو ما سنتحدث عنه يف العامل السابع واألخري ‪.‬‬

‫العامل السابع واألخري ‪ :‬الصعوبات اليت تواجه العالج الروحي ‪ ،‬وهو ما يأخذ صورا خمتلفة وأشكاال متنوعة (مثل ‪ :‬العالج اإلمياين ‪،‬‬
‫العالج التحليلي ‪ ،‬العالج املعريف‪ -‬السلوكي) ‪ .‬ولعل من تلك الصعوبات ‪ :‬صعوبة اعتماد منهج علمي جترييب لقياس أثر العالج سيما‬
‫مع الفرتة الطويلة اليت حيتاجها ‪ ،‬بالغ اجلهد (النفسي) املبذول مع املريض ‪ /‬املريضة من قبل أهل االختصاص ‪ ،‬طول الفرتة الزمنية اليت‬
‫حتتاجها اجللسات العالجية ‪ ،‬موسوعية املنهج العالجي الذي يتطلب من أهل االختصاص معرفة فروع خمتلفة مثل ‪ :‬العلم الشرعي‬
‫والفلسفة وأمناط الشخصية وبعض العلوم العامة واخلاصة ‪ ،‬صعوبة التزام العالج من قبل املريض ‪ /‬املريضة خصوصا إذا استلزم ذلك‬

‫‪32‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪33‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫حتوال يف منط احلياة العامة ‪ ،‬تعارض طبيعة العالج مع طبيعة العصر السريعة حيث يتطلب التوقف والتأمل وعدم االستعجال وإعطاء‬
‫النفس حقها من الوقت والعلم والتدريب ‪.‬‬

‫هلذه العوامل كلها ‪ ،‬رجحت كفة العالج اجلسدي = الكيميائي على حساب غريه من العالجات ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬أيهما أفضل ‪ :‬العالج اجلسدي = الكيميائي أم العالج الروحي ؟!‬

‫كال األمران جيمعهما ما نعرفه باسم (التدخل العالجي النفسي) وهو ‪ :‬حماولة التأثري يف فكر اإلنسان أو شعوره أو سلوكه إثر سعيه‬
‫(أو سعي من يقوم على رعايته) إىل أهل املهنة واالختصاص من أجل تطوير قدرة معينة أو حل مشكلة قائمة أو الوقاية من مشكلة‬
‫متوقعة ‪ ،‬حبيث يتم ذلك يف ظرف من التعاقد بني اإلنسان والطبيب املعاجل ‪ /‬الطبيبة املعاجلة ‪.‬‬

‫إذا هذا هو (التدخل العالجي النفسي) ‪ ،‬إال إن االختالف يبدأ من املنطلقات اليت ينطلق منها الطبيب‪/‬الطبيبة واملعاجل‪/‬املعاجلة يف‬
‫السعي للعالج ‪ .‬فاألول منطلقه (جسدي) والثاين منطلقه (روحي) ‪.‬‬

‫أما العالج اجلسدي = الكيميائي فهو ‪ :‬حماولة توسل األرض وما ينتج منها من مواد طبيعية ثبت ‪ /‬يثبت أهنا تؤثر يف جسد اإلنسان‬
‫(خصوصا الدماغ وما يتعلق به ويتفرع عنه) لعالج ‪ /‬ختفيف علل اجلهاز العصيب وآثارها على احلياة اليومية للمريض ‪ /‬املريضة ‪ .‬ويظهر‬
‫من هذا التعريف أن هذا النوع من العالج ينطلق من اعتبار املرض (النفسي) مرضا (جسديا) يف أصله ‪ ،‬وأن اإلنسان ما هو إال ذلك‬
‫اجلسد اجملموع من العناصر العضوية اليت تتشكل منها املركبات واخلاليا واألنسجة واألجهزة ‪ ،‬ومن كل تلك األجهزة فإن اجلهاز األهم‬
‫واملتحكم يف (نفس) اإلنسان هو اجلهاز (العصيب) ‪ ،‬وعليه يتوجه العالج بشكل غالب إىل مكونات هذا اجلهاز ‪ .‬ومن نافلة القول‬
‫أن العامل (الروحي) يكاد يغيب متاما عن اهتمام هذا النوع من العالج ‪.‬‬

‫وأما العالج الروحي ‪ ،‬فنعين به ‪ :‬حماولة توظيف قدرة اإلنسان على التفكري والعقل وما ينتج عن ذلك من شعور وسلوك ‪ ،‬وتوجيه‬
‫ذلك للوقاية أو العالج أو التزكية ‪ .‬وينطلق العالج الروحي من اعتبار املرض (النفسي) مرضا (روحيا) يف أصله ‪ ،‬إال إنه ينعكس على‬
‫(اجلسد) يف ترمجة أعراضه ومظاهره ‪.‬‬

‫ومع اعتبار كل ما مضى من عوامل (طغيان العالج اجلسدي – الكيميائي) ‪ ،‬إال إن من الظاهر لكل من تعامل مع العالج اجلسدي‬
‫– الكيميائي ‪ ،‬من أهل االختصاص أو املستهدفني من مرضى ‪ ،‬أنه (ولـتأثره بكل ما سبق من عوامل ‪ ،‬خصوصا العوامل األوىل اليت‬
‫حاولت وحتاول تنحية املفهوم الروحي عن احلياة الطبية) يستهدف األعراض اجلسدية الظاهرة وما وراء تلك األعراض من أسباب‬
‫(جسدية) تتمثل يف اجلهاز العصيب وما يتعلق به من خاليا ونواقل عصبية وغدد صماء وهرمونات وغري ذلك ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪34‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ومع هذا كله ‪ ،‬إال إن عالج هذا العرض الظاهر من اجلسد مل يثبت ‪ ،‬حىت اآلن ‪ ،‬جناعته يف عالج األمراض (النفسية) من جذورها‬
‫أو (شفائها) حبيث يتمكن اإلنسان أن حييا حياته (حرا) و(مستقال) عن (املادة الكيميائية) ؛ بل تطالعنا األحباث والدراسات بني‬
‫احلني واآلخر بالنسب املئوية القليلة (نسبيا) واليت (تتحسن) وال أقول ‪( :‬تشفى) من أمراضها ‪ ،‬وتطالعنا كما تطالعنا بزيادة الظواهر‬
‫املرضية بشكل مطرد ومتوازي مع التطور (العلمي) و(التقين) و(الكيميائي) !‬

‫ويف الوقت الذي مل يثبت فيه جناعة العالج اجلسدي – الكيميائي لألمراض (النفسية) عالجا جذريا ‪ ،‬ظهر له من اآلثار اجلانبية‬
‫السالبة واملضرة ما جيعل من اإلسراف فيه واملضي على خطاه دون تريث وإعادة دراسة جرمية يف حق اإلنسانية ‪ ،‬خصوصا إذا اعتربنا‬
‫أن هناك عالجا (روحيا) أصيال ‪ ،‬وبديال ‪ ،‬يغنينا عن هذا كله ‪.‬‬

‫ولقد رأيت يف مسرية دراسيت وحبثي وعملي ما يكفي من احلاالت اليت تثبت أن العالج الكيميائي والطب النفسي مبعناه الغريب وحمتواه‬
‫املادي البحت مل يزد اإلنسان إال إدمانا على املادة ومل حيمل األمم إال إنفاقا للماليني من األموال ‪.‬‬

‫ومع هذا كله ‪ ،‬فال تعين كلمايت هذه أن العالج اجلسدي – الكيميائي ال حاجة له ‪ ،‬فهذا ضرب من اجلنون (العلمي) والقفز على‬
‫(احلقائق) وحماولة للسباحة ضد التيار اجلارف العارم الذي يسبح معه معظم (إن مل يكن كل) العاملون يف حقل الطب النفسي ‪،‬‬
‫ولكن ما أراه وأعتقده هو ‪ :‬أن يكون العالج الروحي هو األصل ـ وأن ال يتم اجلنوح إىل العالج اجلسدي – الكيميائي إال بعد‬
‫استفراغ اجلهد يف العالج الروحي ‪ ،‬الذي من شأنه أن يعاجل املرض النفسي من جذوره لو منحناه الوقت الكايف ‪ .‬ولقد عرضت‬
‫الدراسات لطبيعة تأثري العالج الروحي يف املريض‪/‬املريضة ‪ ،‬التأثري الذي قد يصل إىل بنية الدماغ وتشرحيه ‪ .‬كل ما حنتاجه هنا هو‬
‫حماول صادقة ملنح اإلنسان القدرة على أن يكون (حرا) و(قويا) و(مستقال) ‪ ،‬وأن نتخطى الصعوبات اليت تواجه العالج الروحي ‪.‬‬

‫[‪]J. D. Frank, 1982[ ، ]Rotter 1971a, p.79[ ، ]Wolberg, 1967‬‬

‫سؤال ‪ :‬ملاذا فقه النفس ؟‬

‫وقد يتفرع من هذا السؤال ‪ ،‬أو يتعلق به ‪ ،‬أو يفسره أسئلة أخرى ‪ :‬أليس [فقه النفس] مهمة الباحثني وأهل االختصاص ؟ أليس‬
‫األوىل هو [فقه احلياة] ؟ أليس األوىل االنشغال بقراءة ما حويل ومن حويل ؟ أليس االنشغال بتعريف النفس هو ضرب من ضروب‬
‫تعقيد األمور بدال من تبسيطها ؟ مث ملاذا النفس أوال ؟‬

‫‪34‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪35‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫جواب ‪:‬‬

‫قد يكفي أن أقول ‪ :‬لكل ما مضى ذكره يف قصيت (الوعاء) و(السرداب) ؛ ولكنين أرى أن أفصل يف األمر بعض الشيء ‪ .‬وسأفعل‬
‫ذلك من خالل اإلجابة على كل سؤال من هذه األسئلة ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬أليس [فقه النفس] مهمة الباحثني وأهل االختصاص من أطباء ومعاجلني وغريهم ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫جيوز هذا الكالم إذا كان املقصود بفقه النفس هنا ‪ :‬دراسة النفس دراسة منهجية علمية حيث تنطلق من فرضيات ونظريات وجتارب‬
‫وتنتهي بنتائج وتعميمات ‪ ،‬فإن هذا بالطبع سيكون مهمة الباحثني وأهل االختصاص ‪.‬‬

‫لكن ما نعنيه بفقه النفس هنا ‪ :‬العلم بأجبديات النفس ‪ ،‬وما يعينين على فهم نفسي من حيث هوييت ووظيفيت وهديف ؛ ألحيا حيايت‬
‫اليومية حبكمة متكنين من عالج املعوقات ومن مث بلوغ الطمأنينة والسعادة والرضا ‪ ،‬يف أي زمان ومكان ‪.‬‬

‫ال ينبغي يل حبال من األحوال أن أقبل أن أكون جاهال بـ ـ (نفسي) اليت هي (أنا) ‪ .‬وهذا ما سأفصل فيه الحقا عند احلديث عن‬
‫خطورة اجلهل بالنفس ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬أليس األوىل هو [فقه احلياة] ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫أفهم هذا السؤال ‪ ،‬وأتفهم الدوافع اليت تؤدي إىل أن يسأله البعض ! إن الرتبية وخطاب اآلباء واألمهات وما يغذون به األطفال منذ‬
‫األعوام األوىل يف البيت والشارع واملدرسة ‪ ،‬وما تعرضه أداة اإلعالم على صفحاهتا املختلفة ‪ ،‬وما جيري التعامل به بني الناس يف احلياة‬
‫اليومية ؛ كل هذا يدفع بنا أن ننشغل بكل ما حولنا من مظاهر (حياتية) و(بشر) ‪ ،‬بل وحىت (مجادات) ‪ ،‬لنجد أننا ننسى أنفسنا ‪،‬‬
‫مث نظن أننا هبذه الطريقة (نفهم احلياة) !!!‬

‫أقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬األوىل هو [فقه احلياة] ‪ ،‬ولكن أي حياة ؟ هل هي حياة (اآلخرين) ؟ فماذا عن (حيايت أنا) ؟!‬

‫‪35‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪36‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫إن فقه احلياة ال يكون إال إذا فقهت نفسي ‪ .‬وما احلياة إال ما أراه (حياة) ؟! وما احلياة إال (شعوري باحلياة) ؟! وما احلياة إال أن‬
‫(أحيا) بكل ما يصدر مين من أفعال وأن (أحيا) كل ما يعود علي من أفعايل ؟!‬

‫مرة أخرى أقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬األوىل هو [فقه احلياة] ‪ ،‬وهلذا ‪ ،‬فإن األوىل هو [فقه النفس] ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬أليس األوىل االنشغال بفقه من حويل وقراءهتم ؟‬

‫جواب ‪( :‬سبق شيء من اإلجابة عن هذا السؤال يف قصة النفس والسرداب)‬

‫ظاهر هذا السؤال جيعل منه نسخة للسؤال السابق ! ولكنه ليس كذلك ! فالسؤال السابق يشري إىل ما قد نفهمه عن معىن (احلياة)‬
‫عموما على أهنا (احلياة االجتماعية والتعليم املدرسي واجلامعي واملهنة وغري ذلك من مظاهر جمتمعية) ‪ ،‬وبالتايل ضرورة [فقه احلياة]‬
‫على هذا األساس ‪ .‬أما هنا ‪ ،‬فإن السؤال خيص أكثر (العامل اإلنساين) يف احلياة ‪ ،‬أي (البشر) من حولنا ‪ ،‬أو ما أحب أن أعرب عنه‬
‫بلفظ (اآلخر) ‪.‬‬

‫وهذا سؤال مهم ‪ ،‬وهو سؤال متكرر جدا ويعكس الفكر والعرف الغالب على عامل اليوم عامة ‪ ،‬والشرق خاصة ‪.‬‬

‫ولعل طبيعة اجلسد ووظيفته هي ما جيعل من هذا السؤال (أمرا طبيعيا واعتياديا) ‪ .‬فأنا ‪ ،‬كإنسان ‪ ،‬أبدأ حلظايت األوىل على وجه هذه‬
‫األرض وأنا أتلقى كل ما حويل من مدخالت عن طريق أدوات احلس ‪ .‬ومتر األيام ‪ ،‬وتنضج أدوات احلس ‪ ،‬فأبدأ بالتفاعل مع ما‬
‫حويل من مجاد ونبات وحيوان وإنسان ‪.‬‬

‫ومن أبرز أدوات احلس اليت تطل على العامل اخلارجي عامة ‪ ،‬واآلخرين خاصة ‪ ،‬فتكون مبثابة نافذتنا الكربى على اخلارج ‪ ،‬هي العينان‬
‫‪ .‬وقدر اخلالق للعينني أن تكونا مركبتني بصورة تكشف لنا احمليط واآلخرين ‪ ،‬وليس أنفسنا ؛ مما جيعل النظر إىل أنفسنا واالنشغال هبا‬
‫وبقراءهتا أمرا حيتاج إىل توقف وتأمل ‪ ،‬وسباحة ضد التيار ‪ ،‬وهو أمر ال أدعي أنه سهل أبدا ‪.‬‬

‫ولعل هذا األمر (طبيعة العينني ومكاهنما ووظيفتهما) هو ما جيعل األصل عند الناس االلتفات إىل الكون والدنيا واآلخرين ! بل إننا‬
‫صرنا ننشغل عن االلتفات إىل الكون كما جيب ‪ ،‬وبلغ بنا األمر أننا حنتاج إىل تعلم والتدرب على ما أمسيه (قراءة الكون) أو (التفكر)‬
‫! وصار جل ما يلفت انتباهنا وجيذب أنظارنا مظاهر الدنيا مبعناها الزائف والزائل ‪ ،‬مث اآلخرون ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪37‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ويلي (طبيعة اجلسد) يف السبب وراء كون االنشغال باآلخرين أمرا طبيعيا ‪ ،‬يلي ذلك طبيعة أخرى ‪ ،‬تلك هي طبيعة الروح اليت جتعل‬
‫مين كإنسان كائنا اجتماعيا ‪ .‬آنس بغريي ويأنس غريي يب (ولعل هذا هو األصل يف تسمية اإلنسان هبذا االسم) !‬

‫وهبذا ‪ ،‬فأنا كإنسان ‪ ،‬أميل بطبيعيت إىل األنس باآلخرين ؛ وبالتايل إىل السعي هلذا األنس باآلخرين ؛ مما جيعل االنشغال هبم نتيجة‬
‫طبيعية لسعيي أن ال أكون وحدي وأن أكون معهم ‪ ،‬أو على األقل ‪ ،‬حماطا هبم ‪.‬‬

‫مث ي غذي ما سبق ويذكيه طريقة الرتبية التقليدية ‪ ،‬خصوصا يف الشرق ! حيث يرتىب األطفال من قبل آبائهم وأمهاهتم منذ األيام األوىل‬
‫اليت يبدأ فيها وعيهم وتواصلهم مع اآلخرين ‪ ،‬يرتبون على حماولة جذب اهتمام اآلخرين ولفت انتباههم واستعطافهم وانتزاع إعجاهبم‬
‫ومدحهم بكل الطرق املمكنة ! ويبدأ األمر بعبارات مثل ‪ :‬فالن ‪ ،‬قل لعمك كذا وكذا ! فالنة ‪ ،‬غين خلالتك األغنية الفالنية ! فالن‬
‫‪ ،‬أر صديقي فالن كيف تفعل كذا وكذا ! فالنة ‪ ،‬ارقصي لنا الرقصة الفالنية ! وهكذا !‬

‫كل هذا يتطور طبيعيا مع كل منا ‪ ،‬كما تتطور صورة اآلخرين يف حياتنا ‪ ،‬وتتضخم ‪ ،‬بل تتعملق ‪ ،‬إىل أن يتحول اآلخرون يف حياتنا‬
‫إىل (ضرورة حياتية) ال نتصور حياتنا دوهنم !‬

‫ومن هنا ‪ ،‬حيصل االنشغال باآلخرين على حساب النفس ‪ ،‬خصوصا إذا اجتمع هذا مع غياب [فقه النفس] وقصور [تقدير النفس]‬
‫أو انعدامه ‪ ،‬وبالتايل قصور االهتمام هبا وتزكيتها كما جيب ‪.‬‬

‫ومن عواقب االنشغال باآلخرين ما يلي ‪:‬‬

‫االنشغال عن النفس ‪ ،‬وهي األوىل ‪ .‬وكل ما سيلي إمنا هو متفرع من هذا األصل ‪.‬‬
‫كثرة املشتتات اليت من شأهنا أن تربك (املستودع = الدماغ) وتفقدين القدرة على الرتكيز واإلنتاج ‪.‬‬
‫انتظار التقييم والتقومي من اآلخرين دائما ‪ ،‬مما يسبب التأخري ‪ ،‬أو على األقل ‪ :‬التسويف دائما ‪.‬‬
‫العيش خلف القناع ‪ ،‬أو األقنعة ‪ ،‬والنفاق االجتماعي ‪.‬‬
‫العبودية اجملتمعية ‪ :‬التفكري كما يريدون ‪ ،‬والشعور مبا يريدون ‪ ،‬وسلوك ما يريدون ‪.‬‬
‫قلة أو انعدام تقدير الذات ‪ ،‬وما يتبع ذلك من رهاب اجتماعي ‪ ،‬وخماوف متنوعة ‪ ،‬ووسواس ‪ ،‬وقلق ‪.‬‬
‫عدم القدرة على مواجهة اآلخرين مبا خيالف آراءهم ورغباهتم ‪ ،‬مما جيعل من األسهل علي ‪ :‬التخفي والتصنع ‪.‬‬
‫الضحك من أجلهم ‪ ،‬واحلزن بسببهم ‪ ،‬والفرح لفرحهم ‪ ،‬واالعتماد على وجودهم حىت أشعر بالسعادة ‪.‬‬
‫قد يبلغ األمر بالبعض أهنم يقدمون على االنتحار خشية (الفضيحة) ‪ ،‬فقط ألن اآلخرين هم األوىل !‬

‫‪37‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪38‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬أليس االنشغال بفقه النفس هو ضرب من ضروب تعقيد األمور بدال من تبسيطها ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫كل ما تقدم احلديث عنه حىت هذه الكلمات يربز أمهية [فقه النفس] ‪ ،‬باإلضافة إىل ما سيتم التفصيل فيه بعد قليل من [تصور‬
‫النفس يف العقل والنقل] ‪ .‬ومع هذا ‪ ،‬أضيف هنا كلمات ‪:‬‬

‫إن من طبيعة النفس البشرية أن حتتال على ما يصعب عليها فعله أو مواجهته ؛ ومثل هذه احلجة إمنا هي حجة من ال يريدون العمل‬
‫عموما ‪ .‬حىت على مستوى اجلسد ‪ ،‬فإنين إذا كان علي أن أعتين جبسدي عن طريق الغذاء الصحي والرياضة البدنية وغري ذلك من‬
‫حتول يف منط احلياة العامة ‪ ،‬فإن من الطبيعي أن أبدأ التشكيك مبدى جناعة االهتمام باجلسد ‪ ،‬مث ال ألبث أن أضرب األمثال وأسرد‬
‫القصص على من أعرفهم من أناس (أصحاء) مع ابتعادهم كل البعد عن (الغذاء الصحي والرياضة البدنية) ؛ كل هذا حىت ال أواجه‬
‫نفسي يف حقيقة صعبة خالصتها ‪ :‬أنا مقصر يف حق جسدي وعلي أن أبدأ العمل فورا لتدارك ما فاتين وللوقاية مما هو قادم‬
‫ولالستمتاع مبا حباين اهلل من نعمة يف اجلسد ‪.‬‬

‫وكذلك األمر إذا ما تعلق بالنفس = اجلسد ‪ +‬الروح ‪ ،‬فإنين سأحاول جهدي أن أقنع نفسي أن األمر (معقد) حىت أريح نفسي من‬
‫(عناء) التجربة و(طول) الطريق ‪ ،‬مث ألقي بالكرة يف ملعب (الظروف) و(أهل االختصاص) !‬

‫واجلواب على السؤال باختصار ‪ :‬رأيت أكثر من يطرقون أبواب العيادات النفسية حبثا عن (العالج) هم أولئك الذين كانوا يظنون أهنم‬
‫يعيشون يف (بساطة) وأهنم (ال يعقدون) األمور وأهنم (سعداء) !‬

‫أقول ‪ :‬قليل من (التعقيد) يف البداية كفيل بأن (يبسط) كل ما بعده ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ملاذا النفس أوال ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫لإلجابة عن هذا السؤال ‪ ،‬سنسأل سؤاال آخر من شأنه أن ينشئ القاعدة لإلجابة اليت نبحث عنها ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪39‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫يعلمنا أهل العلم يف اإلسالم ‪ ،‬سيما أهل (الفقه) أن (احلكم على الشيء فرع عن تصوره) ؛ ولعل احلكم على النفس ‪ ،‬وبالتايل‬
‫التعامل معها ‪ ،‬سيكون ‪ ،‬بالطبع ‪ ،‬فرعا عن تصورنا هلذه النفس ‪ .‬فما هو تصورنا للنفس ؟‬

‫تصور النفس يف العقل والنقل‬

‫أما ما يدل عليه العقل ‪:‬‬

‫أن النفس هي أنا ‪ .‬هي كينونيت ‪ ،‬وهوييت ‪ ،‬وشخصييت ‪.‬‬


‫أن النفس هي (على األقل) أقرب الظواهر الكونية إيل (حىت ولو كنت أجهل ذلك أو أغفل عنه) ‪.‬‬
‫أن النفس هي املخلوق الوحيد الذي يصحبين وأصحبه ‪ ،‬من الوصول وحىت حلظة املغادرة لوجه هذه األرض ‪.‬‬
‫أن النفس هي أداة اإلصالح ‪ ،‬كما هي مثرة اإلصالح ‪ ،‬يف آن واحد ‪.‬‬
‫أن النفس هي عنصر بناء احلضارة اإلنسانية ؛ واجلهل هبا سيكون إفسادا هلا أوال وللكون ثانيا ‪.‬‬

‫وأما ما يشري إليه النقل ‪:‬‬

‫أن النفس هي خملوق هلا قدر عظيم عند خالقه ‪:‬‬


‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الشمس ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]7 – 0‬والشمس وضحاها ‪ ،‬والقمر إذا تالها ‪ ،‬والنهار إذا جالها ‪ ،‬والليل إذا‬
‫يغشاها ‪ ،‬والسماء وما بناها ‪ ،‬واألرض وما طحاها ‪ ،‬ونفس وما سواها﴾ ‪ ،‬فجاء ذكر النفس معطوفا على آيات عظيمة‬
‫من آيات اهلل وحمل قسم هلل جل يف عاله ‪ .‬ومل يرد يف القرآن قسم متكرر على أمهية أمر كما ورد هنا ‪ ،‬بل وتتابع اآليات‬
‫للحديث عن النفس ‪ ،‬النفس فقط ‪﴿ :‬ونفس وما سواها ‪ ،‬فأهلمها فجورها وتقواها ‪ ،‬قد أفلح من زكاها﴾[القرآن ‪ :‬سورة‬
‫الشمس ‪ :‬اآليات ‪. ]01 – 7‬‬
‫أن النفس هي أول ما ينبغي أن أقرأ ‪:‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة العلق ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]0‬اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪ ،‬خلق اإلنسان﴾ ‪.‬‬
‫أن النفس هي حمور العمل واالبتالء يف هذه احلياة ‪:‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الشمس ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]6-7‬ونفس وما سواها ‪ ،‬فأهلمها فجورها وتقواها ‪ ،‬قد أفلح من زكاها﴾‬
‫أن النفس هي طريقي إىل احلق ‪:‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق ‪ ،‬أومل يكف بربك أنه‬
‫على كل شيء شهيد﴾ ؛ فدل القرآن على أن آيات اهلل كما هي منثورة فيما حولنا من ظواهر فهي يف النفس أيضا ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪41‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬أومل يتفكروا يف أنفسهم ما خلق اهلل السماوات واألرض وما بينهما إال باحلق وأجل‬
‫مسمى وإن كثريا من الناس بلقاء رهبم لكافرون﴾ ‪.‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الذاريات ‪ :‬اآليتان ‪﴿ : ]50 ، 51‬ويف األرض آيات للموقنني ‪ ،‬ويف أنفسكم أفال تبصرون﴾ ؛ فدل القرآن‬
‫على ضرورة أن (نبصر) ما يف أنفسنا حىت نرى آيات اهلل ‪.‬‬
‫أن النفس هي األوىل باالعتناء ‪ ،‬وليس اآلخرون ‪:‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن مل يؤمنوا هبذا احلديث أسفا﴾ ؛ فقرن اهلل مقام‬
‫النفس وأمهية احلفاظ عليها مبقام (احلديث) وهو القرآن هنا ‪.‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة الشعراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬لعلك باخع نفسك أال يكونوا مؤمنني﴾ ؛ فقرن مقام النفس مبقام اإلميان ‪.‬‬
‫أن النفس هي الفاعل واملفعول يف آن واحد ؛ وأن كل ما نفعله يف حياتنا فهو من النفس وهلا أو عليها ؛ وأن الظلم احلقيقي قبل‬
‫أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس ؛ وأن اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال ؛ وأن اخلطأ مرجعه إىل‬
‫النفس أوال ‪ ،‬فال حجة يف لوم القضاء والقدر والظروف واآلخرين من إنس أو جن أو عني أو حسد أو ما إىل ذلك من (أوهام)‬
‫يتعلق هبا البعض ‪( :‬مرة أخرى ‪ :‬أنصح مبراجعة ما كتبته يف فصل [ضرر اجلهل])‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]001‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وما تقدموا ألنفسكم من خري جتدوه عند اهلل إن اهلل مبا‬
‫تعملون بصري﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]575‬ليس عليك هداهم ولكن اهلل يهدي من يشاء وما تنفقوا من خري فألنفسكم وما‬
‫تنفقون إال ابتغاء وجه اهلل وما تنفقوا من خري يوف إليكم وأنتم ال تظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة آل عمران ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]026‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا لذنوهبم ومن‬
‫يغفر الذنوب إال اهلل ومل يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة آل عمران ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]056‬أو ملا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أىن هذا قل هو من عند‬
‫أنفسكم إن اهلل على كل شيء قدير﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن اهلل ولو أهنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك‬
‫فاستغفروا اهلل واستغفر هلم الرسول لوجدوا اهلل توابا رحيما﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]76‬ما أصابك من حسنة فمن اهلل وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس‬
‫رسوال وكفى باهلل شهيدا﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]67‬إن الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفني يف‬
‫األرض قالوا أمل تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصريا﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]001‬ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه مث يستغفر اهلل جيد اهلل غفورا رحيما﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]000‬ومن يكسب إمثا فإمنا يكسبه على نفسه وكان اهلل عليما حكيما﴾ ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪41‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]002‬ولوال فضل اهلل عليك ورمحته هلمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إال‬
‫أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل اهلل عليك الكتاب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم وكان فضل اهلل عليك عظيما﴾‬
‫‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املائدة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]21‬فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من اخلاسرين﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املائدة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]21‬ترى كثريا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت هلم أنفسهم أن سخط اهلل‬
‫عليهم ويف العذاب هم خالدون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬قل ملن ما يف السماوات واألرض قل هلل كتب على نفسه الرمحة ليجمعنكم إىل يوم‬
‫القيامة ال ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم ال يؤمنون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]51‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ال‬
‫يؤمنون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفرتون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إال أنفسهم وما يشعرون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]015‬قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم‬
‫حبفيظ﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنعام ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]052‬وكذلك جعلنا يف كل قرية أكابر جمرميها ليمكروا فيها وما ميكرون إال بأنفسهم‬
‫وما يشعرون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]6‬ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم مبا كانوا بآياتنا يظلمون﴾‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]52‬قاال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من اخلاسرين﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬هل ينظرون إال تأويله يوم يأيت تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل‬
‫ربنا باحلق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غري الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا‬
‫يفرتون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]051‬وقطعناهم اثنيت عشرة أسباطا أمما وأوحينا إىل موسى إذ استسقاه قومه أن‬
‫اضرب بعصاك احلجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشرهبم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم املن‬
‫والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]077‬ساء مثال القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة التوبة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]25‬إن عدة الشهور عند اهلل اثنا عشر شهرا يف كتاب اهلل يوم خلق السماوات واألرض‬
‫منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فال تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا املشركني كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن اهلل مع‬
‫املتقني﴾‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪42‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة التوبة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون‬
‫باهلل لو استطعنا خلرجنا معكم يهلكون أنفسهم واهلل يعلم إهنم لكاذبون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة التوبة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]71‬أمل يأهتم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد ومثود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين‬
‫واملؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يونس ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]52‬فلما أجناهم إذا هم يبغون يف األرض بغري احلق يا أيها الناس إمنا بغيكم على‬
‫أنفسكم متاع احلياة الدنيا مث إلينا مرجعكم فننبئكم مبا كنتم تعملون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يونس ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬إن اهلل ال يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يونس ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]012‬قل يا أيها الناس قد جاءكم احلق من ربكم فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن‬
‫ضل فإمنا يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة هود ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]50‬أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفرتون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة هود ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]010‬وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آهلتهم اليت يدعون من دون‬
‫اهلل من شيء ملا جاء أمر ربك وما زادوهم غري تتبيب﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]02‬وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصرب مجيل واهلل‬
‫املستعان على ما تصفون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]22‬قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصرب مجيل عسى اهلل أن يأتيين هبم مجيعا إنه هو‬
‫العليم احلكيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة إبراهيم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬وقال الشيطان ملا قضي األمر إن اهلل وعدكم وعد احلق ووعدتكم فأخلفتكم وما‬
‫كان يل عليكم من سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم يل فال تلوموين ولوموا أنفسكم ما أنا مبصرخكم وما أنتم مبصرخي إين‬
‫كفرت مبا أشركتمون من قبل إن الظاملني هلم عذاب أليم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]52‬الذين تتوفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن‬
‫اهلل عليم مبا كنتم تعملون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]22‬هل ينظرون إال أن تأتيهم املالئكة أو يأيت أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم‬
‫وما ظلمهم اهلل ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]7‬إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم ‪ ،‬وإن أسأمت فلها ‪ ،‬فإذا جاء وعد اآلخرة ليسوؤوا‬
‫وجوهكم وليدخلوا املسجد كما دخلوه أول مرة وليتربوا ما علوا تتبريا﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]06‬من اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فإمنا يضل عليها وال تزر وازرة وزر أخرى‬
‫وما كنا معذبني حىت نبعث رسوال﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬ودخل جنته وهو ظامل لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا﴾ ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪43‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة األنبياء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬فرجعوا إىل أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املؤمنون ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]012‬ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم يف جهنم خالدون﴾‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النمل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]51‬قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه‬
‫مستقرا عنده قال هذا من فضل ريب ليبلوين أأشكر أم أكفر ومن شكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن ريب غين كرمي﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النمل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬قيل هلا ادخلي الصرح فلما رأته حسبته جلة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد‬
‫من قوارير قالت رب إين ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان هلل رب العاملني﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النمل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]65‬وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إمنا أنا من املنذرين﴾‬
‫‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة القصص ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬قال رب إين ظلمت نفسي فاغفر يل فغفر له إنه هو الغفور الرحيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة العنكبوت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬ومن جاهد فإمنا جياهد لنفسه إن اهلل لغين عن العاملني﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة العنكبوت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]51‬فكال أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة‬
‫ومنهم من خسفنا به األرض ومنهم من أغرقنا وما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]6‬أومل يسريوا يف األرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة‬
‫وأثاروا األرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءهتم رسلهم بالبينات فما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬من كفر فعليه كفره ومن عمل صاحلا فألنفسهم ميهدون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة لقمان ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬ولقد آتينا لقمان احلكمة أن اشكر هلل ومن يشكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن‬
‫اهلل غين محيد﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة سبأ ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]06‬فقالوا ربنا باعد بني أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق‬
‫إن يف ذلك آليات لكل صبار شكور﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة سبأ ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]61‬قل إن ضللت فإمنا أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إيل ريب إنه مسيع‬
‫قريب﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]02‬وال تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إىل محلها ال حيمل منه شيء ولو كان ذا قرىب‬
‫إمنا تنذر الذين خيشون رهبم بالغيب وأقاموا الصالة ومن تزكى فإمنا يتزكى لنفسه وإىل اهلل املصري﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]25‬مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم‬
‫سابق باخلريات بإذن اهلل ذلك هو الفضل الكبري﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]25‬مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم‬
‫سابق باخلريات بإذن اهلل ذلك هو الفضل الكبري﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الصافات ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]002‬وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما حمسن وظامل لنفسه مبني﴾ ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪44‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]06‬فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن اخلاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‬
‫أال ذلك هو اخلسران املبني﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]50‬إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس باحلق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإمنا يضل عليها‬
‫وما أنت عليهم بوكيل﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الزمر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رمحة اهلل إن اهلل يغفر الذنوب‬
‫مجيعا إنه هو الغفور الرحيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬من عمل صاحلا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الشورى ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]56‬وتراهم يعرضون عليها خاشعني من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين‬
‫آمنوا إن اخلاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أال إن الظاملني يف عذاب مقيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة اجلاثية ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]06‬من عمل صاحلا فلنفسه ومن أساء فعليها مث إىل ربكم ترجعون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة حممد ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]22‬ها أنتم هؤالء تدعون لتنفقوا يف سبيل اهلل فمنكم من يبخل ومن يبخل فإمنا يبخل‬
‫عن نفسه واهلل الغين وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غريكم مث ال يكونوا أمثالكم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الفتح ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]01‬إن الذين يبايعونك إمنا يبايعون اهلل يد اهلل فوق أيديهم فمن نكث فإمنا ينكث على‬
‫نفسه ومن أوىف مبا عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجرا عظيما﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة ق ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وحنن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النجم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]52‬إن هي إال أمساء مسيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اهلل هبا من سلطان إن يتبعون إال‬
‫الظن وما هتوى األنفس ولقد جاءهم من رهبم اهلدى﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة احلديد ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬ينادوهنم أمل نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم‬
‫األماين حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة التغابن ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬فاتقوا اهلل ما استطعتم وامسعوا وأطيعوا وأنفقوا خريا ألنفسكم ومن يوق شح نفسه‬
‫فأولئك هم املفلحون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الطالق ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]0‬يا أيها النيب إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدهتن وأحصوا العدة واتقوا اهلل ربكم ال‬
‫خترجوهن من بيوهتن وال خيرجن إال أن يأتني بفاحشة مبينة وتلك حدود اهلل ومن يتعد حدود اهلل فقد ظلم نفسه ال تدري‬
‫لعل اهلل حيدث بعد ذلك أمرا﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املزمل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]51‬إن ربك يعلم أنك تقوم أدىن من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك‬
‫واهلل يقدر الليل والنهار علم أن لن حتصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون‬
‫يضربون يف األرض يبتغون من فضل اهلل وآخرون يقاتلون يف سبيل اهلل فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وأقرضوا‬
‫اهلل قرضا حسنا وما تقدموا ألنفسكم من خري جتدوه عند اهلل هو خريا وأعظم أجرا واستغفروا اهلل إن اهلل غفور رحيم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املدثر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]22‬كل نفس مبا كسبت رهينة﴾ ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪45‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة الشمس ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]01-2‬فأهلمها جورها وتقواها ‪ ،‬قد أفلح من زكاها ‪ ،‬وقد خاب من دساها﴾ ‪.‬‬
‫وأن جزاء ظلم النفس يظهر يف الدنيا قبل اآلخرة ‪ ،‬وهذا ما نقرأه يف القرآن أيضا ‪:‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة التوبة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]002‬وعلى الثالثة الذين خلفوا حىت إذا ضاقت عليهم األرض مبا رحبت وضاقت‬
‫عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من اهلل إال إليه مث تاب عليهم ليتوبوا إن اهلل هو التواب الرحيم﴾ ‪.‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة غافر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]01‬إن الذين كفروا ينادون ملقت اهلل أكرب من مقتكم أنفسكم ‪ ،‬إذ تدعون إىل اإلميان‬
‫فتكفرون﴾ ‪.‬‬
‫‪[ o‬القرآن ‪ :‬سورة احلشر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]06‬وال تكونوا كالذين نسوا اهلل فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ ‪.‬‬

‫وكل ما أوردته هنا من آيات ‪ ،‬إمنا هو ما جاء فيه لفظ (النفس) صرحيا ‪ ،‬وإال ‪ ،‬فإن هناك مئات اآليات األخرى اليت تدور يف فلك‬
‫هذه املعاين ‪ ،‬حيث ترد ألفاظ مثل (اإلنسان) و(الناس) و(الذين كفروا) و(الذين آمنوا) ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫فإذا اتفقنا على هذا التصور للنفس ‪ ،‬فقهنا مقامها وأمهيتها وخطورهتا ‪ ،‬وبالتايل أدركنا ضرورة [فقه النفس] ‪.‬‬

‫موجز لتصور النفس يف العقل والنقل ‪:‬‬

‫أن النفس هي أنا ‪ .‬هي كينونيت ‪ ،‬وهوييت ‪ ،‬وشخصييت ‪.‬‬


‫أن النفس هي (على األقل) أقرب الظواهر الكونية إيل (حىت ولو كنت أجهل ذلك أو أغفل عنه) ‪.‬‬
‫أن النفس هي املخلوق الوحيد الذي يصحبين وأصحبه ‪ ،‬من الوصول وحىت حلظة املغادرة لوجه هذه األرض ‪.‬‬
‫أن النفس هي أداة اإلصالح ‪ ،‬كما هي مثرة اإلصالح ‪ ،‬يف آن واحد ‪.‬‬
‫أن النفس هي عنصر بناء احلضارة اإلنسانية ‪.‬‬
‫أن النفس هي خملوق هلا قدر عظيم عند خالقه ‪.‬‬
‫أن النفس هي أول ما ينبغي أن أقرأ ‪.‬‬
‫أن النفس هي حمور العمل واالبتالء يف هذه احلياة ‪.‬‬
‫أن النفس هي طريقي إىل احلق ‪.‬‬
‫أن النفس هي األوىل باالعتناء ‪ ،‬وليس اآلخرون ‪.‬‬
‫أن النفس هي الفاعل واملفعول يف آن واحد ‪.‬‬
‫أن جزاء ظلم النفس يظهر يف الدنيا قبل اآلخرة ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪46‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ولكن ‪ ،‬أال يقودين تصور النفس هبذا الشكل إىل الشعور باألنانية ؟‬

‫إذا اتفقنا (كما اتفق كل من العقل والنقل) على أن النفس أوال ‪ ،‬وأن العالج يبدأ من النفس أوال ‪ ،‬وأن أول ما جيب أن نعمل على‬
‫االعتناء به وإصالحه وتزكيته هو النفس ‪ ،‬وليس اآلخرون ‪ ،‬وأن الظلم احلقيقي قبل أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس‬
‫‪ ،‬وكذلك اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال ‪ .‬فالنفس هي األمانة اليت يف أعناقنا ‪ ،‬وهي موطن االمتحان ‪ ،‬وهي موطن‬
‫النتيجة ‪ ،‬وهي اليت تشعرين بالنجاح أو اإلخفاق ‪ ،‬فإذا كان كل هذا ال يؤهلها ألن أهتم هبا أوال قبل اآلخرين ‪ ،‬فال بد يل من (عقل)‬
‫‪ ،‬ولعل األفضل أن أمسي نفسي امسا غري امسي ‪ ،‬ألنين أعيش لشخص ‪ ،‬أو ألشخاص آخرين ‪ .‬يف حني إنين إذا أعطيت نفسي حقها‬
‫أوال ‪ ،‬صار من املمكن حينها أن أعطي اآلخرين ‪.‬‬

‫فإذا ظهر بعد هذا كله من يظنون أن االهتمام بالنفس (أوال وقبل اآلخرين) هو ضرب من ضروب األنانية ‪ ،‬قلت هلم ‪ :‬نعم ‪ ،‬أنانية ‪،‬‬
‫ولكنها أنانية إجيابية ترتقي يب ألمتكن من األخذ بيد اآلخرين ألرتقي هبم أيضا ‪.‬‬

‫اإلناء ينضح مبا فيه ‪ ،‬وفاقد الشيء ال يعطيه ؛ فكيف أتصور أن بإمكاين أن أبث الطمأنينة فيمن حويل يف الوقت الذي أفتقر فيه أنا‬
‫إىل هذه الطمأنينة ؟ كيف أزرع الصدق فيمن حويل وأنا أفتقر إليه ؟ كيف ميكنين أن أعلم اآلخرين لغة أجهلها ؟‬

‫ليس يف اإلسالم (أنا أحرتق ألضيء لآلخرين) ‪ ،‬بل (أنا أضيء لنفسي ‪ ،‬فأضيء لآلخرين) ‪.‬‬

‫وحىت ال ننسب لإلسالم أمرا دون دليل ‪ ،‬فهذه قراءة يف بعض آيات القرآن اليت تدل على أن االعتناء بالنفس وتزكيتها ينبغي أن يكون‬
‫قبل االعتناء باآلخرين ‪:‬‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ‪ ،‬أفال تعقلون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة املائدة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]016‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم إىل اهلل مرجعكم‬
‫مجيعا فينبئكم مبا كنتم تعملون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنفال ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬ذلك بأن اهلل مل يك مغريا نعمة أنعمها على قوم حىت يغريوا ما بأنفسهم وأن اهلل مسيع‬
‫عليم﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الرعد ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]00‬له معقبات من بني يديه ومن خلفه حيفظونه من أمر اهلل إن اهلل ال يغري ما بقوم حىت‬
‫يغريوا ما بأنفسهم وإذا أراد اهلل بقوم سوء فال مرد له وما هلم من دونه من وال﴾ ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪47‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن مل يؤمنوا هبذا احلديث أسفا﴾ ‪ .‬نزلت هذه اآلية‬
‫عندما حزن حممد صلى اهلل عليه وسلم حزنا شديدا على عدم إميان الكفار مبا جاء به ‪ .‬فقرن اهلل مقام النفس وأمهية احلفاظ‬
‫عليها مبقام ﴿هذا احلديث﴾ وهو القرآن هنا ‪ .‬و﴿باخع نفسك﴾ أي مهلكها أو قاتلها ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الشعراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬لعلك باخع نفسك أال يكونوا مؤمنني﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النمل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]65‬وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إمنا أنا من املنذرين﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فاطر ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن اهلل يضل من يشاء ويهدي من يشاء فال تذهب‬
‫نفسك عليهم حسرات إن اهلل عليم مبا يصنعون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة التحرمي ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس واحلجارة عليها مالئكة غالظ‬
‫شداد ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ ‪ .‬فجاء ذكر النفس قبل األهل ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الشمس ‪ :‬اآليتان ‪﴿ : ]01 ، 6‬قد أفلح من زكاها ‪ ،‬وقد خاب من دساها﴾ ‪.‬‬

‫مثلث الشقاء ‪ :‬أسباب الغفلة عن النفس‬

‫سؤال ‪ :‬إذا كان هذا مقام النفس ‪ ،‬فما الذي أوصلين إىل أن أظلم نفسي ؟ كيف بلغ يب األمر إىل أن أخسر السالح الذي هيأين به‬
‫اهلل ؟ أم أنين ‪ ،‬فقط ‪ ،‬ال أعلم كيف ؟!‬

‫جواب ‪ :‬تأملت يف حال الناس اليوم مع أنفسهم ‪ ،‬وقرنته بالسياق القرآين ‪ ،‬فوجدت أن كل األسباب اليت تودي بالناس إىل اخلوف‬
‫من التوقف مع النفس ورفض اإلصالح ‪ ،‬أو تدفع الناس إىل االستهانة بقدر النفس ‪ ،‬أو تشغل الناس عن أنفسهم ؛ أقول ‪ :‬وجدت‬
‫أن كل األسباب تعود إىل ثالثة أصول أو ما أمسيه ‪ :‬مثلث الشقاء ‪ ،‬ألهنا تؤدي بالنفوس إىل نقيض السعادة ‪.‬‬

‫القصور النفسي أو ما أمسيه ‪ :‬قانون نيوتن النفسي ‪.‬‬


‫اجلهل ‪.‬‬
‫الكرب ‪.‬‬

‫القصور النفسي‬

‫والقصور يف لغة العرب ‪ :‬من قصر وأقصر وقصر ‪ .‬وهو العجز عن بلوغ الشيء ‪ ،‬واحلبس واملنع والكف عن الفعل ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪48‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وإليضاح معىن القصور يف االصطالح ‪ :‬تعالوا بنا نراجع معا نص قانون نيوتن الطبيعي األول حول ما يعرف بـ ـ (العطالة) أو (القصور‬
‫الذايت) ؛ والذي ينص على أن ‪:‬‬
‫اجلسم الساكن يبقى ساكنا واجلسم املتحرك يبقى متحركا ما مل تؤثر عليه قوة تغري من حالته ‪.‬‬
‫وهذا القانون كما ينطبق على املادة اجملردة ‪ ،‬فهو حبكم التجربة واخلطأ ‪ ،‬على األقل ‪ ،‬ينطبق على (النفس) أيضا ‪.‬‬

‫والقصور النفسي ‪ ،‬والسباحة مع التيار (مهما كان مساره) ‪ ،‬هو أيضا ما تؤكده قراءة التأريخ (تأريخ األمم واحلضارات) أوال ‪ ،‬وقراءة‬
‫النفس البشرية ثانيا ‪ ،‬وقراءة جتارب اإلصالح واملصلحني ثالثا ‪.‬‬

‫كما إن هذا ما تقرره آيات من القرآن ‪:‬‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة املائدة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]015‬وإذا قيل هلم تعالوا إىل ما أنزل اهلل وإىل الرسول قالوا ‪ :‬حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫أولو كان آباؤهم ال يعلمون شيئا وال يهتدون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]52‬وإذا فعلوا فاحشة قالوا ‪ :‬وجدنا عليها آباءنا واهلل أمرنا هبا ‪ ،‬قل ‪ :‬إن اهلل ال يأمر‬ ‫‪o‬‬
‫بالفحشاء ‪ ،‬أتقولون على اهلل ما ال تعلمون ؟﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنبياء ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]62-60‬ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عاملني ‪ ،‬إذ قال ألبيه وقومه ‪ :‬ما هذه‬ ‫‪o‬‬
‫التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون ؟ قالوا ‪ :‬وجدنا آباءنا هلا عابدين﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الشعراء ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]75-56‬واتل عليهم نبأ إبراهيم ‪ ،‬إذ قال ألبيه وقومه ‪ :‬ما تعبدون ؟ قالوا ‪ :‬نعبد أصناما‬ ‫‪o‬‬
‫فنظل هلا عاكفني ‪ ،‬قال ‪ :‬هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ؟ قالوا ‪ :‬بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الزخرف ‪ :‬اآليتان ‪﴿ : ]52-55‬بل قالوا ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ‪ ،‬وكذلك ما‬ ‫‪o‬‬
‫أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال قال مرتفوها ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ ‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬إن القصور النفسي هو من أكثر ما ينتشر من حولنا ‪:‬‬

‫قد ال أحترك ألنين وجدت نفسي هكذا ‪ ،‬واقفا أو واقفة ‪ ،‬فأقف !‬


‫وقد أسري وأظل أسري ألنين وجدت نفسي هكذا فقط ‪ ،‬سائرا أو سائرة ‪ ،‬فأسري !‬
‫وقد أولد يف بيئة (شرقية) فأنشأ على الطريقة (الشرقية) يف معاجلة األمور !‬
‫وقد أولد يف بيئة (غربية) فأنشأ على الطريقة (الغربية) يف معاجلة األمور !‬
‫وقد أولد يف بيئة (مكتئبة) فأنشأ يف حالة من االكتئاب دون (إرادة) هلذا االكتئاب !‬

‫‪48‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪49‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وقد أولد يف بيئة (طبية) فأنشأ (طبيبا) أو (طبيبة) دون رغبة حقيقية بدراسة أو امتهان (الطب) !‬
‫وقد أولد يف بيئة مليئة بـ ـ (املتحجبات) فأنشأ (متحجبة) دون (فقه احلجاب) وأثره على الشخصية !‬
‫وقد أولد يف بيئة مليئة بـ ـ (املتربجات) فأنشأ (متربجة) دون توقف عند (فقه اجلسد) وما يتبعه من أثار !‬
‫وقد أولد يف بيئة (ال دينية) فأنشأ (ال دينيا) أو (ال دينية) دون أن أدرك أو أقصد أن أكون كذلك !‬
‫وقد أولد يف بيئة (مسلمة) فأنشأ على (اإلسالم) دون إدراك ‪ ،‬فينتهي يب األمر ب (الكفر أو الشرك) يف هيئة (اإلسالم) !‬

‫ولنا أن نتصور هنا أثر (الرتبية) وطغيان (التقاليد) وخطر (العادة) يف تشكيل الشخصية وأسلوب التفكري ‪.‬‬

‫ومن صور (القصور النفسي) ‪:‬‬

‫جاهلية (العجلة) ‪ ،‬وعدم التوقف ‪.‬‬


‫الشخصية السالبة والتابعة الضعيفة ‪.‬‬
‫اخلمول والرتاخي والتكاسل ‪ ،‬وجتنب (اجلهد املبذول) ‪.‬‬
‫التقليد واحملاكاة والسعي ملا يرضي اآلخرين ولو على حساب النفس ‪.‬‬
‫جاهلية االنشغال باجلسد على حساب الروح ‪ ،‬فقط ألن هذا هو ما ينتشر حويل ‪.‬‬

‫عالج القصور النفسي ‪ :‬احلنيفية‬

‫واحلنيفية يف لغة العرب ‪ :‬امليل ؛ واحلنف يف القدمني إقبال كل واحدة منهما على األخرى ؛ واحلنف ‪ :‬امليل عن الشر ‪ ،‬وامليل عن‬
‫االعوجاج إىل االستقامة ‪ ،‬وامليل إىل احلق ‪.‬‬

‫واحلنيفية يف االصطالح ‪ :‬استقبال قبلة البيت احلرام على ملة إبراهيم ‪ ،‬واإلخالص ‪ ،‬واإلسالم (وهو امليل عن الوثنية واألديان الباطلة‬
‫إىل الدين احلق) ‪.‬‬

‫ومن هنا ‪ ،‬أفهم بشكل أكثر تفاعال ‪ ،‬معىن أن أكون (حنيفا مسلما) ؛ فليس (احلنيفية) داللة على (االستقامة) فقط ‪ ،‬فقد أكون يف‬
‫حالة من االستقامة ال لشيء إال ألنين ولدت يف بيئة (مستقيمة) فبقيت هكذا ‪ ،‬بسبب القصور النفسي ‪ ،‬ال ألنين اخرتت حبرييت‬
‫وإراديت أن أكون (مستقيما) أو (مستقيمة) !‬

‫‪49‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪51‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وهبذا ‪ ،‬فإنين إذا أردت أن أكون (حنيفا) فال بد يل أن أكون يف حالة دائمة من اليقظة والبحث واحلركة ؛ ويف هذا داللة على أن‬
‫(احلنيفية) هي (مترد على القصور النفسي) وإعالن للقدرة على (التوقف) و(السباحة ضد التيار) ‪.‬‬

‫ولكين قد أتساءل هنا ‪ :‬ماذا لو كنت (مرتاحا) على حاليت ؟‬

‫هنا يأيت احلديث عن السببني الثاين والثالث ‪ :‬اجلهل والكرب ‪.‬‬

‫قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬بل قالوا ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ‪ .‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال‬
‫قال مرتفوها ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ [القرآن ‪ :‬سورة الزخرف ‪ :‬اآليتان ‪. ]52،55‬‬

‫نقرأ يف هاتني اآليتني من سورة الزخرف أصال وسنة إهلية يف مقاومة البشر لإلصالح ‪ :‬ففي اآلية األوىل خيرب اهلل عن أولئك القوم أهنم‬
‫قاوموا اإلصالح ألهنم جيهلون طريق اهلداية ويظنون جلهلهم أن ما كان عليه آباؤهم هو اهلدى ‪ ،‬فعرب اللفظ القرآين عن سبب املقاومة‬
‫األول ‪ ،‬أال وهو اجلهل ‪ ،‬بلفظ ﴿وإنا على آثارهم مهتدون﴾ ‪ .‬أما السبب الثاين فيخرب القرآن أنه ليس هو اجلهل الذي كان حجة‬
‫للمثال األول ‪ ،‬بل دحضت هذه احلجة ومل يعد هلا مكان ‪ ،‬فقد أرسل فيهم نذير يعلمهم وخيربهم وينذرهم ‪ ،‬إال إن األمر مل يكن‬
‫على هواهم ‪ ،‬سيما ﴿مرتفوها﴾ ‪ ،‬فربز سبب آخر ملقاومة اإلصالح هنا ‪ ،‬أال وهو الكرب ‪ ،‬الذي عرب عنه اللفظ القرآين مبا يلي ﴿وإنا‬
‫على آثارهم مقتدون﴾ ‪.‬‬

‫اجلهل ‪ :‬أصل كل شر‬

‫أما اجلهل يف لغة العرب ‪ :‬فهو نقيض العلم ‪ ،‬ونقيض اخلربة ‪ ،‬ومعرفة الشيء على غري ما هو عليه ‪.‬‬

‫وأما اجلهل يف االصطالح ‪ :‬فال خيتلف كثريا عن معناه يف لغة العرب ‪ .‬وقال البعض ‪ :‬اجلهل هو العمل بغري علم ‪ ،‬وتعلم ما ال أحتاج‬
‫إليه ‪[ .‬املرجع ‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬وفقه اللغة ‪ ،‬والفروق اللغوية]‬

‫ولعل احلديث عن معىن اجلهل يف االصطالح هو مدخلي للحديث عن ما الذي أعنيه بـ ـ اجلهل يف [فقه النفس] ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪51‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬ما الذي أعنيه بـ ـ اجلهل يف [فقه النفس] ؟‬

‫وبعبارة أخرى ‪ :‬ما هو اجلهل الذي خنشاه هنا ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫قد خنطئ فنتوهم أن املقصود باجلهل هو قلة أو انعدام التحصيل األكادميي ‪ ،‬أو التأخر يف الوصول إىل مرتبة من املراتب (املهنية) اليت‬
‫نسعى من ورائها حملصلة مادية ! أو غري ذلك من مفاهيم قاصرة !‬

‫إن هذا وهم ‪ .‬نعم ‪ ،‬هذا وهم ‪ .‬فليس هو ذا اجلهل الذي يدفعنا ملقاومة ورفض اإلصالح ‪ ،‬فكم من (مبدعني) و(دكاترة)‬
‫و(مهندسني) و(رجال أعمال) و(مفكرين) وغريهم ‪ ،‬إال إهنم يعانون أكثر من غريهم من أمراض النفس املختلفة ‪ ،‬بدءا بالشعور‬
‫باخلوف على مناصبهم وانتهاء باالنشغال املرضي باآلخرين !‬

‫ونقرأ يف القرآن ما يدل على أن العلم املطلوب ليس هو ما يظنه كثري من الناس ‪:‬‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآليات ‪﴿ : ]016-012‬قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال ‪ :‬الذين ضل سعيهم يف احلياة الدنيا‬
‫وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ‪ ،‬أولئك الذين كفروا بآيات رهبم ولقائه فحبطت أعماهلم فال نقيم هلم يوم القيامة وزنا﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]7‬يعلمون ظاهرا من احلياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة النجم ‪ :‬اآليتان ‪﴿ : ]21-56‬فأعرض عن من توىل عن ذكرنا ومل يرد إال احلياة الدنيا ‪ ،‬ذلك مبلغهم من العلم‬
‫‪ ،‬إن ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله وهو أعلم مبن اهتدى﴾ ‪.‬‬

‫إذا ‪ ،‬ما هو اجلهل الذي أخشاه ؟ بل ما هو اجلهل الذي ينبغي علي أن أخافه وأختلص منه إن وجد ؟‬

‫اجلهل بالنفس هو ما أخشاه‬

‫أما اجلهل املقصود هنا ‪ ،‬فهو اجلهل بالنفس ‪ :‬حقيقتها وقيمتها وأمهيتها ‪ .‬هو قلة أو انعدام العلم بإجابة السؤالني ‪( :‬من أنا ؟ ومل أنا‬
‫؟) ؛ وهو اجلهل الذي شهدته أكثر من غريه يف حيايت اليومية ويف أروقة العيادات النفسية ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪52‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫إن من املضحك املبكي أن خيفق معظم الناس يف اإلجابة عن هذين السؤالني (من أنا ومل أنا) ! وإن حصل وأجابوا عن السؤالني فإن‬
‫اإلجابة تكون إجابة منوذجية مثالية حمفوظة مسبقا ‪ ،‬أقرب إىل عامل اخليال منها إىل عامل الواقع واحلقيقة ؛ بل إهنم يواجهون صعوبة يف‬
‫التدليل على صدق إجاباهتم ! ومن املالحظ أيضا أن كثريا من الناس خيفقون يف وصف أنفسهم ومواطن ضعفهم وقوهتم ! إن هذا‬
‫النوع من اجلهل هو الذي يقف حاجزا بيننا وبني الرغبة يف اإلصالح أو حىت قبوله ‪ ،‬ألننا حني جنهل أنفسنا وقيمتها وأمهيتها ال يبقى‬
‫لدينا أية رغبة أو حىت قبول لإلصالح الذي من شأنه أن يعطي أنفسنا حقها ؛ يف حني نسعى بكل جهد ملا من شأنه إصالح‬
‫اآلخرين وتطوير أنفسهم !‬

‫نعم ؛ لقد وجدت أن كل مشكالت الناس تبدأ من هنا ‪ ،‬تبدأ من اجلهل بـ ـ (من أنا ومل أنا) ‪ .‬وإذا (فقهت) نفسي كما هي ‪،‬‬
‫سأتعرف عليها وأعلم حقيقتها كما مل أعلمها من قبل ؛ وهذا من شأنه أن يريين األشياء من زاوية أخرى ‪ .‬ألنين إذا (قرأت) نفسي‬
‫أوال ‪ ،‬علمت (بصدق ودقة) مواطن قويت وضعفي ‪ ،‬وهبذا فلن أشغل اآلخرين وأكون عبئا عليهم يف حماولة نصحي ‪.‬‬

‫وأقول ‪ :‬نعم ؛ ترجح لدي أن الناس كلهم يبحثون يف حقيقة األمر عن أمر واحد ال ثاين له ‪ ،‬حىت ولو جهلوا ذلك يف ظاهر األمر ‪،‬‬
‫أال وهو (معرفة النفس) و(التصاحل معها) ‪ .‬حىت لو كان ظاهر األمر مشكالت نواجهها على اختالفها ‪ ،‬سواء كانت الوسواس ‪ ،‬أو‬
‫التشتت وقلة الرتكيز أو انعدامه ‪ ،‬أو القلق ‪ ،‬أو التعتعة (بسبب نفسي) ‪ ،‬أو الشعور باالكتئاب (مهما كانت أسبابه الظاهرة) ‪ ،‬أو‬
‫عدم جدوى الصالة وقراءة القرآن ‪ ،‬أو التعلق باآلخرين على حساب النفس ‪ ،‬أو االنشغال باآلخرين إىل حد (عبادهتم) من دون اهلل‬
‫‪ ،‬أو كثري من املشكالت الزواجية ‪ ،‬أو مشكالت الرتبية ‪ ،‬إىل آخر ذلك من مشكالت ؛ كل هذه املشكالت حنتاج بداية أن ننطلق‬
‫لعالجها من (النفس) أوال ‪.‬‬

‫واجلهل بالنفس ‪ ،‬ما هو إال صورة من صور اجلهل اليت تؤدي إىل الغفلة عن النفس واالنشغال عن فقهها وتزكيتها ‪.‬‬

‫صور أخرى للجهل املؤدي إىل االنشغال عن النفس‬

‫اجلهل بـ ـ (الدين) و(فقه الوجود) ‪ ،‬ويتفرع منه ويتعلق به أسباب وصور متعددة ‪ ،‬مثل ‪:‬‬

‫جهل كثري من القائمني على التعليم الشرعي مبفهوم النفس وأمهيتها ‪.‬‬
‫تقدمي الدين بصور مشوهة ‪.‬‬
‫تقدمي الدنيا على أهنا (دار شقاء) ‪.‬‬
‫الرتكيز على املفهوم السالب لـ ـ ﴿خلق اإلنسان يف كبد﴾ ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪53‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫غلبة أحد اجلانبني ‪ :‬الرتغيب أو الرتهيب (فإما جنة تدعو إىل تكاسل وإما نار ال يفيد معها أي عمل) ‪.‬‬
‫املفهوم املغلوط للتوكل وما يتعلق به ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫وهذا اجلهل بـ ـ (الدين) يدفع بالناس إىل ظهور (العلمانية) الباطنة ‪ ،‬و(الفصام السلوكي) الذي صار ينتشر بني قطاع من يسمون‬
‫أنفسهم (متدينون) ‪ ،‬فنجد كثريا من هؤالء (املتدينني) ميارسون ممارسات تصل إىل حد التناقض ! حىت يصل األمر إىل البحث عن‬
‫(العالج) أو (وهم السعادة) لدى (اجلاهليني) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬أعين بـ ـ (اجلاهليني) ‪ :‬كل من أرادوا حتكيم غري العقل والنقل يف حياهتم ‪ ،‬فأصبحت ‪ ،‬هبذا ‪ ،‬حياهتم أقرب ما تكون إىل‬
‫(اجلاهلية) اليت حكى القرآن عنها ‪ ،‬وحذر منها ‪ ،‬وهنى عنها ‪.‬‬

‫ويرتبط هبذا كله اجلهل حبقيقة (الطمأنينة والسعادة والرضا) ‪ ،‬مث اجلهل بوجود هذه املفاهيم (الطمأنينة والسعادة والرضا) على أرض‬
‫الواقع ‪ ،‬فكثري من الناس يظنون أن هذه املفاهيم هي من ضرب اخليال ‪ ،‬وكما قال أهل الفكر قدميا (من ذاق عرف ‪ ،‬ومن عرف‬
‫اغرتف) ‪ ،‬فإذا جهل الناس وجود هذه املفاهيم كحقيقة ملموسة وصل هبم األمر إىل اليأس من هذه املفاهيم أو القدرة على الوصول‬
‫إليها ‪ ،‬وينتهي األمر هبم إىل استمراء (أو اعتياد) النعم وعدم استشعار قيمتها إىل أن يشعروا فجأة بزواهلا ‪ ،‬ويكون األمر قد بلغ مبلغا‬
‫صعبا !!!‬

‫وهنا ‪ ،‬قد يربز سؤال ‪ ،‬أو اعرتاض ؛ فقد أقول ‪ :‬أنا أعلم نفسي ! وأعطيها حقها ! فأين املشكلة إذا ؟!‬

‫اجلهل مبقام الروح خاصة‬

‫ويتفرع من هذا النوع األول من اجلهل (وهو اجلهل بالنفس) أمر خطري ‪ ،‬وهو من أكثر ما أرى الناس واقعني فيه ‪ ،‬ومن أشد ما أرى‬
‫الناس متساقطني يف أفخاخه دون إدراك ‪ ،‬وهو ما أمسيه (طغيان جاهلية اجلسد على حساب الروح) ‪.‬‬

‫وقبل التفصيل يف (جاهلية اجلسد) ‪ ،‬لنقرأ بعض ما جاء يف القرآن ‪:‬‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]505‬زين للذين كفروا احلياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا ‪ ،‬والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة‬
‫‪ ،‬واهلل يرزق من يشاء بغري حساب﴾ ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪54‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة األعراف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]60‬الذين اختذوا دينهم هلوا ولعبا وغرهتم احلياة الدنيا ‪ ،‬فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء‬
‫يومهم هذا وما كانوا بآياتنا جيحدون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة يونس ‪ :‬اآليتان ‪ : ]2 ،7‬ويقول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬إن الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا باحلياة الدنيا واطمأنوا هبا والذين‬
‫هم عن آياتنا غافلون ‪ ،‬أولئك مأواهم النار مبا كانوا يكسبون﴾ ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة إبراهيم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬الذين يستحبون احلياة الدنيا على اآلخرة ويصدون عن سبيل اهلل ويبغوهنا عوجا أولئك يف‬
‫ضالل بعيد﴾ ‪.‬‬

‫هذه اآليات وغريها تسوق لنا مظهرا آخر من مظاهر اجلهل ‪ ،‬أال وهو غفلة الناس وانشغاهلم مبا أمامهم من حياة (دنيا) قصرية األمد‬
‫‪ ،‬مما يسبب ظاهرة مضحكة مبكية ‪ ،‬ظاهرة رأيتها ‪ ،‬وأراها ‪ ،‬تتكرر يف (الشرق) و(الغرب) ‪ ،‬هذه الظاهرة هي ظاهرة (البهيمية وقصر‬
‫النظر) اليت باتت تنتشر يف مشاهد احلياة اليومية ‪.‬‬

‫وهذه (البهيمية) يعمل على نشأهتا وغرسها وتثبيتها ورعايتها كل من احلكومات (الطاغية) ‪ ،‬واإلعالم املرئي واملسموع وأحيانا املقروء ‪،‬‬
‫والناس أنفسهم فيما يتناقلونه يف حياهتم اليومية ‪ ،‬بل وحىت (التعليم الديين) يف كثري من أوجهه !!!‬

‫جاء يف األثر ‪( :‬الناس نيام ‪ ،‬فإذا ماتوا انتبهوا) ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬هذا األثر ليس حبديث ‪ ،‬وإمنا رفعه البعض إىل علي بن أيب طالب ‪ ،‬وقيل إىل غريه ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬أرى (معظم) الناس ينطلقون صباح كل يوم إىل (مهنهم) اليت ال تكاد تغذي إال (أجسادهم) وهم بالكاد يستطيعون أن يفتحوا‬
‫أعينهم من أثر السهر ‪ ،‬مرغمني ‪ ،‬مكرهني ‪ ،‬ال يكادون ينظرون خلفهم أو حوهلم ‪ ،‬ينطلقون إىل (مهنهم) كقطيع املاشية ‪ ،‬ال يكاد‬
‫خيتلف األمر بني (الشرق) و(الغرب) إال يف (نظام سري القطيع إىل املرعى) وأسلوب توزيع (العلف) وكمية (اإلنتاج) ‪ .‬ولكنهم مجيعا‬
‫يشرتكون يف أهنم (قطيع ماشية) يسري على غري (هدى) !‬

‫ولقد انتبهت مؤخرا ألمر كان خيطر على ذهين بني واحلني واآلخر ‪ ،‬إال إنين (توقفت) عنده جادا هذه املرة ‪( ،‬توقفت) قليال ألجد‬
‫أنين ونفرا غريي يف خطر ‪ :‬حنن نتزاور ويلتقي بعضنا البعض للحديث يف كثري من األمور ‪ ،‬وغالب ما نتحدث فيه قد ال خيرج عن‬
‫دائرة (اللغو) ‪ ،‬إال إننا ال نقوم بأمر (النصيحة الواجبة) ‪ ،‬يف حني نعتقد بوجوب النصيحة يف أمور ثانوية مثل اختيار مدرسة أو جامعة‬
‫لنا أو ألبنائنا (سعيا إىل لقمة عيش يف هناية املطاف) ‪ ،‬أو نوع سيارة ‪ ،‬أو عقار لالستثمار ‪ ،‬أو حىت حمطة تلفزيونية للمشاهدة ‪ ،‬بل‬
‫إن غالب األحاديث اليت باتت تغلب على (اجللسات االجتماعية) حىت بني من يسمون أنفسهم (متدينني) هي أحاديث تصب يف‬
‫(البهيمية) بعيدا عن (تزكية النفس) كما ينبغي للتزكية أن تكون !‬

‫‪54‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪55‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫كثريا ما ألتقي أولئك (املساكني) وأسأهلم ‪ :‬من أنت ؟ ملاذا أنت يف هذه احلياة ؟ فتكون اإلجابة أقرب إىل (البهيمية) منها إىل‬
‫اإلنسانية اليت أرادها اهلل لنا ‪ .‬ومن أمثلة اإلجابات ‪( :‬ماذا تعين هبذا السؤال ؟) أو (أكيد أنين أعيش ألعبد اهلل !) (مع التحفظ على‬
‫معىن العبادة اليت تضمنها اإلجابة) أو (أدرس وأتعلم مث أتزوج وأجنب مث ‪ )! ،‬أو (فقط هكذا !) أو (ال أعرف ‪ ،‬فلم أفكر يوما‬
‫باإلجابة فعال على هذا السؤال) ‪ ،‬وغريها من إجابات تشعرين باألسى على أهلها !!!‬

‫وكثريا ما ألتقي بأولياء أمور يظنون أهنم يؤدون واجبهم جتاه أنفسهم أو أهليهم مبجرد أن يوفروا هلم الطعام والشراب وامللبس واملسكن‬
‫وأماكن الدراسة األكادميية ! فهذه أمور ال تزيد كثريا عما تقدمه البهائم لبعضها ؟ فالبعض صار كبعض أنواع القردة اليت تسعى لتعليم‬
‫أبنائها مهارات تؤهلها دخول عامل اإلنسان عن طريق (السريك) ! فاملثاالن يلتقيان يف أهنما ينتجان (هبيمة لديها شيء من الذكاء غري‬
‫املعتاد أو فوق املعتاد ‪ ،‬ولكنها ال تتجاوز ذلك) ‪.‬‬

‫وكثريا ما ألتقي بأولياء أمور يسهمون يف إفساد األرض واحلياة وهم ﴿حيسبون أهنم حيسنون صنعا﴾ ! مث نعود بعدها لنشتكي الفساد‬
‫املنتشر والظلم الطاغي ‪ ،‬وندعي أنه ال يد لنا يف هذا ‪ ،‬فنحن لسنا مدراء أو سياسيني أو صانعي قرار ! يف الوقت الذي نسهم فيه‬
‫بصناعة مسؤولني فاسدين وعمال مرتشني أو على األقل مواطنني سالبني (سلبيني) وأولياء أمور (ماديني) ! وذلك عن طريق الرتبية‬
‫(البهيمية) اليت ذكرهتا سابقا !‬

‫إن الظن بأن (الرتبية) هي يف تأمني املسكن وامللبس واملأكل واملشرب هو يف حد ذاته جهل يوقع أهله يف فخ البهيمية واالبتعاد‬
‫بأنفسنا عن (النفس اإلنسانية) وعاملها الرحب ‪.‬‬

‫إن التفوق األكادميي وجتاوز الثانوية العامة أو الشهادة الثانوية مبنهجها األمريكي أو الربيطاين أو الدراسة اجلامعية أو امتحانات‬
‫‪ TOEFL‬أو ‪ GRE‬أو ‪ MBA‬أو ‪ CPA‬أو ‪ USMLE‬أو غريها ‪ ،‬إن كل هذا ال يعين الطمأنينة أو السعادة أو‬
‫الرضا ‪ ،‬إن هي إال مهارات (عيشية) دنيوية وأدوات تأخذ من أهلها أمهيتها ‪.‬‬

‫ويتبع ظاهرة (البهيمية) بالضرورة حتول اإلنسان من كائن (عاقل) إىل كائن (غريزي) ‪.‬‬

‫وعندما نقول ‪ :‬كائن غريزي ‪ ،‬فإن هذا بالضرورة سيؤثر سلبا على قيمة (تزكية النفس) والتفكري يف أمر البحث عن مفاهيم (روحية)‬
‫مثل (الطمأنينة والسعادة والرضا) ؛ وبالتايل سيؤثر سلبا على الرغبة ‪ ،‬أو حىت التفكري ‪ ،‬يف التوقف مع النفس !‬

‫هذا كله (وغريه مما ذكرناه سابقا) هو متفرع عن اجلهل ‪ ،‬ويؤدي إىل االنشغال عن النفس أكثر وأكثر ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪56‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ضرر اجلهل‬

‫اتفق العقل والنقل على أن العلم بالشيء ضرورة قبل العمل ‪ ،‬وإال كانت النتيجة هي ضياع الوقت واجلهد ‪ ،‬بل واخلسران ‪ ،‬كما يقرر‬
‫القرآن ﴿قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال ‪ :‬الذين ضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ‪ ،‬أولئك الذين كفروا‬
‫بآيات رهبم ولقائه فحبطت أعماهلم فال نقيم هلم يوم القيامة وزنا﴾ [القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآليات ‪. ]016-012‬‬

‫ولقد رأيت كثريا من الناس حياولون بصدق أن يصلحوا من أنفسهم ‪ ،‬بل وجيتهدون يف ذلك غاية االجتهاد ‪ ،‬ولكن كثريا من حماوالهتم‬
‫تنتهي بإخفاقات ‪ ،‬وتتكرر اإلخفاقات ‪ ،‬حىت تصل هبم إىل اليأس من اإلصالح ‪.‬‬

‫فلماذا حيصل هذا معهم ؟‬

‫أقول ‪ :‬رأيت الكثريين من أولئك الباحثني عن عالج ملشكالت أنفسهم ‪ ،‬رأيتهم يبحثون بالطريقة املغلوطة ‪ ،‬مث تفاجئهم النتيجة بغري‬
‫ما أرادوا (أو ارتقبوا) ‪ ،‬بل حىت عكس ما أرادوا أحيانا !‬

‫فلماذا حيصل هذا معهم أيضا ؟‬

‫واإلجابة واضحة ‪ :‬ألهنم ال يعلمون ‪.‬‬

‫ألهنم مل يفكروا يوما بأنفسهم ‪ ،‬ألهنم مل جيلسوا معها ‪ ،‬ألهنم ال يعرفوهنا ‪ ،‬ألهنم مل يقرؤوها ‪ ،‬ألهنم مشغولون باآلخرين أكثر بكثري‬
‫من انشغاهلم بأنفسهم ؛ كل هذا من شأنه أن يؤدي هبم إىل ضياع اهلوية والوظيفة واهلدف ‪.‬‬

‫أما ما يدل عليه العقل من أضرار اجلهل ‪:‬‬

‫أن اجلهل بالشيء يقود إىل اخلوف منه ومن التعامل معه أو االقرتاب منه ‪ ،‬وبالتايل يقودين إىل املخاوف املختلفة وما يتبعها من‬
‫وساوس وقلق ‪ ،‬وصوال إىل االكتئاب ‪ ،‬ومنه إىل املوت (اجلسدي أو الروحي) حيث يعيش البعض أمواتا ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪57‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وأن اجلهل بنفسي يؤدي إىل ‪:‬‬

‫يف بداية األمر ‪ ،‬ودون قصد مين ‪ ،‬بل لطبيعيت كإنسان ‪ ،‬فإنين آنس مبن حويل ‪ ،‬بـ ـ اآلخر ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫مث يتحول األمر إىل ألفة اآلخرين دون نفسي ‪ ،‬حىت أصل إىل درك (االعتمادية) عليهم ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ويصبح اآلخرون هم شغلي ومهي ومردي ؛ فإما تنافس هبيمي أو كرب أو تقليد أو تبعية أو غري ذلك ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫أما النفس ‪ ،‬فإن جهلي هبا وغربيت عنها يؤدي إىل التوجس منها أو حىت اخلوف ‪ ،‬سيما إذا أصبحت النفس مصدر (لوم)‬ ‫‪o‬‬
‫و(عتب) ‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك ‪ ،‬يكون اهلرب ‪ ،‬أو التهرب ‪ ،‬من مواجهة النفس أو اخللوة هبا ‪ .‬ويكون اهلرب إما إىل الواقع اخلارجي املتمثل‬ ‫‪o‬‬
‫يف اآلفاق املادية (الكون وما فيه من مجادات) واإلنسانية ‪ :‬البيت واألصحاب ‪ ،‬واملهنة ‪ ،‬أو التلفزيون ‪ ،‬أو احلاسوب ‪ ،‬أو‬
‫اهلاتف اجلوال ‪ ،‬أو املسجل الشخصي ‪ ،‬أو غريها ‪.‬‬
‫كما ميكن أن يكون اهلرب إىل الوهم ‪ ،‬من خالل ما يعرف بـ ـ املخادعة أو ‪ Self Story‬وهي القصة الومهية عن النفس ‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫واليت أنسج فيها صورة أشعر فيها باألمان (الومهي) بعيدا عن الواقع (املزعج) ‪ .‬وهنا تبدأ قصص التوهم واخلياالت واهللوسة‬
‫والشك واالرتياب وما إىل ذلك ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪58‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ومن ذلك أيضا ‪ :‬جتنب أي حميط من شأنه أن يذكرين حبقيقة نفسي أو حىت حياول أن يقربين منها ‪ ،‬وذلك أمر صرت أراه‬ ‫‪o‬‬
‫ينتشر كالوباء يف الناس شرقا وغربا ‪ ،‬مسلمني وغري مسلمني ‪( ،‬إال ما رحم ربك) ‪.‬‬
‫وعند اتساع الفجوة بيين وبني نفسي ‪ ،‬يبدأ الشعور بالضيق أحيانا دون سبب ظاهر هلذا الضيق ؛ وما هذا الشعور إال نداء‬ ‫‪o‬‬
‫من النفس أو معاقبة منها يل على هذا البعد واجلفاء ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬الشعور باإلحباط والتأخر وعدم الرضا حىت مع حتقيقي ملا قد يتصوره اآلخرون إجنازات وجناحات ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫فإذا ما خلوت بنفسي ‪ ،‬مل أقبلها ‪ ،‬بل وأرفضها رفضا شديدا ‪ ،‬وأتعامل معها بسلبية شديدة ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬جلد الذات ‪ ،‬وحتميلها كل ما أختيله من أخطاء ووصفها بأسوأ األوصاف ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫وينتج عن ذلك بالضرورة ‪ :‬اليأس من اإلصالح ‪ ،‬سيما بعد أن تتكرر اإلخفاقات (رغم صدق النية) ‪.‬‬ ‫‪o‬‬
‫ونتيجة هلذا كله ‪ :‬ظلم النفس وإهانتها ‪ ،‬أو (سوء تقدير النفس) ‪ ،‬وهو ما يعرفه عوام الناس بـ ـ (قلة الثقة بالنفس) ‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫كل هذا ‪ ،‬وغريه ‪ ،‬هو من نتائج اجلهل ‪.‬‬

‫ولعل من صور اجلهل ‪ ،‬ما يظن كثري من الناس أهنم يعلمون حقيقته ‪ ،‬مثل املس أو العني أو احلسد أو كل ما أثبته النقل من قرآن‬
‫وسنة ؛ فينبغي التنبه إىل خطورة التعامل معها دون علم مبداها أو حدودها واعتبارها شرا أكيدا ال مفر منه ‪ ،‬وكأن اهلل (جل يف عاله)‬
‫مل ينزل علينا قرآنا فيه شفاء ملا يف الصدور وهدى ورمحة للمؤمنني ‪ ،‬وكأن رسوله صلى اهلل عليه وسلم مل يرتك لنا منهجا متكامال من‬
‫شأنه أن يسعدنا حىت مع ابتالءاتنا !‬

‫وأعود بكم اآلن ‪ ،‬لنستكمل احلديث عن ثالث ركن من أركان مثلث الشقاء ‪ :‬الكرب ‪.‬‬

‫الكرب‬

‫قد أقول ‪ :‬أنا أعلم هذا كله ‪ ،‬وال أحتاج ملن حيدثين عن نفسي وأمهية العلم هبا !‬
‫أو أقول ‪ :‬أنا أعلم كل هذا ‪ ،‬ولكين ال أزال أصر على عدم فعل ما أنا مقتنع به !‬
‫أو أقول ‪ :‬ومن أنت لتعلمين بأمهية نفسي واالنشغال هبا ؟!‬

‫هذه األسئلة وغريها توقظ يف ذهين (ورمبا يف أذهان اآلخرين) بعض التساؤالت ‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪59‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ملاذا حيصل هذا (غفلة الناس أو تغافلهم عن أنفسهم) حىت مع علمهم بأمهيتها ومكانتها ؟ ملاذا يفقد البعض (الرتكيز) ويغفلون عن‬
‫(نصائح) مت التلفظ هبا وتوجيهها هلم (فعال) ؟! وملاذا يرفض الناس النصيحة ؟! وملاذا يرفض الناس احلق (وأعين باحلق هنا الوصف‬
‫الصادق ملا هم فيه) ؟ وملاذا يرفض الناس االعرتاف باخلطأ والتقصري والذنب ؟ وملاذا يستسهل البعض التهجم على اآلخرين بدال من‬
‫مواجهة النفس ومصارحتها ؟! وأسئلة أخرى كثري تدور كلها يف فلك (الضعف النفسي) و(اهلروب من النفس) ‪.‬‬

‫واجلواب باختصار يف كلمة واحدة ‪ :‬األنا ‪ ،‬أو ما نعرفه باسم اإلجيو (‪ )Ego‬أو ما يسميه علماء التزكية (حظ النفس) ‪.‬‬

‫وهذا هو مدخلي للحديث عن الكرب ‪ .‬وهو ما خيتصر احلديث عن كل ما سبق !‬

‫ولكن ‪ ،‬ما دخل الكرب فيما نتحدث عنه هنا ؟! أليس الكرب هو املفاخرة واملراءاة والتعايل على اآلخرين فقط ؟!‬

‫أما الكرب يف لغة العرب ‪ :‬نقيض الصغر ‪ .‬وهو العظمة ‪ ،‬واالمتناع ‪.‬‬

‫وأما الكرب يف االصطالح ‪ :‬فهو الكرب الذي عرفه لنا حممد صلى اهلل عليه وسلم يف حديث صحيح ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪( :‬ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب) ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬إن الرجل حيب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬إن اهلل تعاىل مجيل حيب اجلمال ‪ ،‬الكرب ‪ :‬بطر احلق وغمط الناس) ‪.‬‬

‫وبطر احلق ‪ :‬الشعور بعدم احلاجة للحق ‪ ،‬واالستغناء عنه ‪.‬‬


‫وغمط الناس ‪ :‬ازدراء الناس ‪ ،‬والتعايل عليهم ‪ ،‬وتعمد إظهار االستغناء عنهم ‪.‬‬

‫وهذا النوع من الكرب هو الذي ورد يف اآلية السابقة من سورة الزخرف ‪﴿ :‬بل قالوا ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم‬
‫مهتدون ‪ ،‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال قال مرتفوها ‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ ‪.‬‬

‫فإذا كان الذي منعهم من اإلذعان للحق هو اجلهل يف بداية األمر ؛ فإن اآلية الثانية ختربنا بأنه قد أتى هؤالء القوم النذير ليبلغهم‬
‫احلق ‪ ،‬إال إهنم بطروا هذا احلق ‪ ،‬والبطر هو الشعور بعدم احلاجة للشيء ‪ ،‬فهم يظنون أهنم على احلق وال حاجة للحق من أحد ‪،‬‬
‫وهذا أحد أركان الكرب كما عرفه حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬مث هم يغمطون الناس من أمثال هذا النذير وغريه ‪ ،‬والغمط (ويف رواية ‪:‬‬
‫الغمص) هو ازدراء الناس والتعايل عليهم ‪ ،‬فهم يرون أهنم أكرب من أن يدهلم أو يقودهم أو يأخذ بيدهم شخص آخر إىل طريق غري‬
‫الذي يعرفونه ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪61‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫والكرب إمنا هو ضعف يف حقيقة الشخص الداخلية ‪ ،‬حناول أن نعوضها بتكلف القوة اخلارجية اليت تدعونا يف البداية أن (منثل) على‬
‫الناس أننا (نسايرهم) يف جمريات حياهتم مث ينتهي األمر بنا وحنن (ال نستطيع التوقف) ألن (مكانتنا) ال تسمح لنا بالتوقف العتبارات‬
‫كثرية ‪ ،‬كلها ال عالقة هلا حبقيقة (النفس) ‪.‬‬

‫وهذا كله هو من قبيل ما حيدثنا القرآن عنه يف كلمات مثل (املخادعة) ‪ ،‬أو ما يعرفه الباحثون وأهل االختصاص باسم (احليل‬
‫الدفاعية) أو (الوسائل الدفاعية) !‬

‫نصيحيت ‪ :‬لو أنين أتوقف وأسأل نفسي يف أي حوار أو نقاش أو جدال أو تعامل من أي نوع مع اآلخرين ‪ :‬هل أنا أسعى إىل احلق‬
‫أم أسعى ألثبت أنين على حق ؟ هل أسعى ألواجه نفسي كما هي وأصل هبا إىل أصل املسألة ألحل مشكالهتا ‪ ،‬أم أسعى للتهرب‬
‫منها وعدم مواجهتها ؟ هل أسعى إىل اهلدف دون النظر إىل اآلخرين واالنشغال هبم على الطريق ‪ ،‬أم أسعى ألثبت لآلخرين أوال (مث‬
‫لنفسي األمارة بالسوء) أنين يف خري وعافية وليس لدي مشكالت ‪ ،‬بعيدا عن اهلدف ؟!‬

‫كان هذا فيما يتعلق بـ ـ (مثلث الشقاء) الذي من شأنه أن يشغلين عن نفسي ‪ ،‬ويوقعين يف فخ الغفلة ‪.‬‬

‫واآلن ‪ ،‬وبعد أن علمنا تصور النفس ومقامها وأمهيتها ‪ ،‬وبعد أن علمنا ما ميكن أن يشغلنا عن النفس ‪ ،‬نعود لنستكمل حديثنا عن‬
‫[فقه النفس] ‪.‬‬

‫ملاذا فقه النفس إذا ؟‬

‫يكفي اإلجابة على هذا السؤال أن نراجع ما ورد يف [تصور النفس يف العقل والنقل] ‪ ،‬وما ورد يف [مثلث الشقاء] ‪ ،‬سيما [اجلهل] ‪،‬‬
‫وما ورد يف [ضرر اجلهل] ‪.‬‬

‫ولعلي أوجز هنا ما ورد يف [تصور النفس] مما يدل على أمهية فقه النفس ‪:‬‬

‫أن هذا ما أفهمه من أول التنزيل ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪ ،‬خلق اإلنسان﴾ [القرآن ‪ :‬سورة العلق ‪ :‬اآلية ‪. ]0‬‬
‫وأن هذا ما أفهمه كذلك من أمر خالق النفس ﴿ونفس وما سواها ‪ ،‬فأهلمها فجورها وتقواها ‪ ،‬قد أفلح من زكاها﴾ [القرآن ‪:‬‬
‫سورة الشمس ‪ :‬اآليات ‪ ]01 – 7‬؛ وتزكية النفس تستوجب العلم هبا ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪61‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وأن النفس هي طريقي إىل احلق ﴿سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق ‪ ،‬أومل يكف بربك أنه على كل‬
‫شيء شهيد﴾ [القرآن ‪ :‬سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪. ]62‬‬
‫وأن للنفس مكانة عظيمة عند اهلل ‪.‬‬
‫وأن االعتناء بالنفس مقدم على اآلخرين ‪.‬‬
‫وأن كل ما نفعله يف حياتنا فهو من النفس وهلا أو عليها ‪.‬‬
‫وأن الظلم احلقيقي قبل أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس ‪.‬‬
‫وأن اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال ‪.‬‬
‫وأن اخلطأ مرجعه إىل النفس أوال ‪.‬‬
‫وأن جزاء ظلم النفس يظهر يف الدنيا قبل اآلخرة ‪.‬‬

‫وإذا تذكرنا ما جاء يف [ضرر اجلهل] كان من السهل أن نعلم أن من مثرات فقه النفس ‪:‬‬

‫إزالة الغموض وما يتبعها من وحشة ‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من ألفة مع النفس ‪.‬‬
‫القدرة على اجللوس إىل النفس ‪ ،‬وقراءة النفس ‪ ،‬وما يتبع ذلك من علم مبواطن اخللل وتشخيصها ‪.‬‬
‫حتمية قبول نفسي ‪ ،‬ولكن بالقدر الذي يكفي للتصاحل معها واألخذ بيدها ‪ ،‬ال بالقناعة بالدون منها ‪.‬‬
‫تقدير نفسي كما ينبغي ‪ ،‬دون إفراط أو تفريط ‪ ،‬فال عجب أو غرور أو كرب ‪ ،‬وال شعور بالنقص والدونية ‪.‬‬
‫وهذا كله من شأنه أن يورثين األنس بالنفس ؛ فتكون (بعد اهلل ورسوله) أقرب موجود ‪ ،‬وخري أنيس ‪ ،‬وأصدق ناصح ؛ فآنس‬
‫خبلوهتا ‪ ،‬وأشعر هبا ‪ ،‬فأسعى لتزكيتها ‪ ،‬وأرضى لرضاها ‪ ،‬وأفرح لفرحها ‪ ..،‬فتكفيين عن اآلخرين ‪( .‬وسيأيت ذكر مثرات األنس‬
‫بالنفس عند احلديث عن [قبول النفس] و[تقدير النفس] ‪.‬‬

‫اقتباس من (ماسلو) ‪(( :‬علماء النفس من أهم علماء البشرية اليوم ؛ ألن ما متر به البشرية من مشكالت ميكن حله يف ضوء فهم‬
‫الطبيعة البشرية)) ‪]Robbins, R.H. 1959[ .‬‬

‫موجز اإلجابة عن [ملاذا فقه النفس] ‪:‬‬

‫فيما يتعلق بنفسي ‪:‬‬

‫ألن العلم بالشيء خري من اجلهل به ؛ فكيف إذا كان هذا الشيء هو (نفسي) ؟!‬

‫‪61‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪62‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫حىت أعطي كل ذي حق حقه (من اجلسد والروح) ‪.‬‬


‫حىت تكون خلويت (جردا) للنفس ‪ ،‬وليس (جلدا) هلا ‪.‬‬
‫حىت أمتكن من تشخيص املشكلة إذا وجدت ‪.‬‬
‫حىت يسهل علي عالج العرض (أو املرض) إذا وجد ‪.‬‬

‫كما إن العلم بتعريف النفس وعنصريها يعلمنا كيف نفهم سنة اهلل يف الكون اليت تقوم على العدل والتوازن بني األشياء ؛ فإن‬
‫مشكالت النفس تبدأ عندما خيفق الناس يف العدل بني عنصري النفس ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق باآلخرين ‪:‬‬

‫االنشغال بالنفس عن اآلخرين ‪.‬‬


‫األنس بالنفس قبل االخرين ‪ ،‬بل وقبل اجلمادات (اليت يلجأ إليه البعض ليأنسوا هبا)‬
‫االقتصاد وعدم اإلسراف ‪ ،‬وهو أمر ناتج عن حماولة حتصيل اإلنس باملادة (بيت أو جهاز أو سيارة أو غري ذلك) ‪.‬‬
‫كف أذى النفس عن اآلخرين ‪.‬‬
‫مدخل لقراءة اآلخرين قبل التعامل معهم واحلكم عليهم ‪ ،‬سيما إذا علمنا أن النفس هي النفس يف بنائها األصلي ‪ ،‬فإذا فقهت‬
‫نفسي استطعت أن أعلم ما الذي يسعدها أو يتعسها يف أي مكان ‪ ،‬مهما اختلفت البيئة بكل مكوناهتا اجلغرافية واالجتماعية‬
‫واملعرفية ‪.‬‬
‫إيناس اآلخرين ‪ ،‬وإدخال السرور على أنفسهم إذا ما اجتمعنا ‪.‬‬
‫احتواء اآلخرين ‪ ،‬والقدرة على مساعدهتم يف حل مشكالهتم (إن وجدت) ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬كيف يكون [فقه النفس] ؟‬

‫‪62‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪63‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬ما هي قراءة النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫هي تطبيق ألول أمر وأول مجلة نزلت يف الكتاب اخلامت ‪﴿ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق ؛ خلق اإلنسان﴾ ‪.‬‬
‫هي أول خطوات [فقه النفس] ؛ وتتبعها خطوات ‪ .‬فالسعي إليها اجتهاد مأجور ولكن االكتفاء هبا جهل وقصور ‪.‬‬
‫هي عملية النظر يف مكونات النفس وفحصها والتعرف إىل نقاط الضعف والقوة فيها ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ملاذا قراءة النفس ؟‬

‫إذا وجدت نفسي تائها يف منتصف طريق ما وبدأ يساورين الشعور بالتيه والضياع واحلزن والوحدة ‪ ،‬أتساءل دائما ‪ ،‬من أين بدأت ؟‬
‫أين كانت نقطة البداية ؟ وما الذي جاء يب إىل هنا ؟‬

‫هذا هو رد الفعل الطبيعي الذي مير على أي كائن بشري ‪ ،‬إهنا غريزة جسدية وفطرة روحية ‪.‬‬

‫أال ترون إذا ما استيقظت يوما يف مكان (غريب) عين ومل أعلم أين أنا ! ما هو أول سؤال يتبادر إىل ذهين ؟ هل من (الطبيعي) أو‬
‫(العقلي) أن أقوم مباشرة وبكل (طمأنينة) ألغسل وجهي أو ألتناول وجبة اإلفطار أو ألقوم بأي أمر اعتدت القيام به يف (مكاين‬
‫الطبيعي واالعتيادي) ؟ إذا فعلت ذلك ‪ ،‬فهذا استثناء بالغ الغرابة وال يكاد يكون أمرا (طبيعيا) !‬

‫‪63‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪64‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ولكن ‪ ،‬هل تصدقون إذا قلت لكم أن هذا السلوك (غري الطبيعي) و (غري العقلي) أصبح (سلوكا (اعتياديا) لدى الكثريين ؟! وهو‬
‫األمر الذي تناولناه عند احلديث عن (اجلهل) و(القصور النفسي) ‪.‬‬

‫إذا ‪ ،‬من أين أبدأ ؟‬

‫سيظن غالب القراء أنين سأبدأ من نقطة البداية اليت يتصوروهنا هم ‪ ،‬وهي غالبا ‪( :‬مىت بدأت أعراض املشكلة بالظهور) ! وقد ينفرد‬
‫آخرون بالرجوع قليال إىل الوراء ‪ ،‬فيقولون إن األمر أقدم من ذلك ‪ ،‬حيث يتعلق بـ ـ (األهل والرتبية واجلينات الوراثية) ! وهذه هي‬
‫اإلجابات (االعتيادية) اليت أحصل عليها عندما أسأل كل من ألتقي هبم ‪.‬‬

‫ولقد اعتدنا وألسباب كثرية ‪ ،‬منها طرق الرتبية والتعليم ‪ ،‬وطرق العيش اليومية ‪ ،‬واجلاهلية السائدة بكل أشكاهلا ‪ ،‬اعتدنا أن نبدأ من‬
‫نقطة متأخرة يف البحث عن األشياء وحقيقتها ‪ ،‬اعتدنا أن نغفل أو نتغافل عن البدايات الصحيحة ‪.‬‬

‫ولكن ‪ ،‬امسحوا يل أن أصطحبكم معي إىل ما أعتقد أنه أصل األصول ‪ ،‬الذي يتفرع عنه كل ما ذكرناه وأكثر ‪ ،‬نقطة البدء احلقيقية‬
‫اليت إذا أدركناها وضحت الرؤية وكشف اجملهول وظهر الباطن ‪.‬‬

‫ولن أطيل ‪ ،‬ففي رأيي أن العالج يكمن يف العلم بإجابة سؤالني ‪( :‬من أنا ؟ ومل أنا ؟)‬

‫وبتعبري آخر ‪ :‬ما هي هوييت ؟ وما هي وظيفيت ؟ وما هو هديف ؟‬

‫صدقوين ‪ :‬إن معظم (إن مل يكن كل) ما ورد علي من مشكالت ‪ ،‬داخل (العيادة النفسية) وخارجها ‪ ،‬يدور يف فلك اجلهل بإجابة‬
‫هذين السؤالني ‪( :‬من أنا ؟ ومل أنا ؟) ‪.‬‬

‫ومن هنا أنطلق لإلجابة عن السؤال ‪ :‬ملاذا أقرأ نفسي ؟‬

‫ببساطة ووضوح ‪ ،‬ألعرف (من أنا ؟ ومل أنا ؟)‬

‫‪64‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪65‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وأضيف إىل هذا كل األسباب اليت جاءت يف اإلجابة عن (ملاذا فقه النفس) ‪ ،‬وألسباب أخرى كذلك ‪:‬‬

‫ألهنا اخلطوة األوىل يف رحلة التزكية ‪ ،‬مرورا بـ ـ [قبول النفس] ‪ ،‬وحىت [تقدير النفس] ‪.‬‬
‫ألهنا متكنين من ترتيب األفكار واألحداث زمنيا ‪ ،‬مما يسهل عملييت التفكري والعقل ‪ ،‬وهذا من شأنه أن يؤثر إجيابا يف عملية‬
‫الدراسة والرتكيز وما يلحقها من اغتنام الوقت وتوفري الطاقات الضائعة ‪ ،‬إىل آخر ذلك ‪ .‬باختصار‪ ،‬ألهنا متكنين من (عقل‬
‫املستودع) ‪.‬‬
‫ألهنا متكنين من التوقف مع النفس ما يكفي ألن أشعر أنين أتذكر نفسي وأعطيها حقها من الوقت ‪.‬‬
‫ألهنا متكنين من تشخيص املشكلة (إن وجدت) ‪ ،‬وبالتايل السعي إىل حلها ‪.‬‬
‫ألهنا خترج ما يف مستودع الدماغ من أفكار وأحداث وجتعله واضحا ‪ ،‬وهذا الوضوح من شأنه أن خيفف (على األقل) من حدة‬
‫اجلهل باألسباب اليت أوصلتين إىل هنا ‪ ،‬وهذا كفيل بأن يقلل من اخلوف غري املربر والوسواس القهري والقلق املرافق له عند كثري‬
‫من الناس ؛ كما إن من شأن هذا الوضوح أن يولد الصدق والشفافية ‪.‬‬
‫ألهنا تعينين يف التعرف على ما أريد وما ال أريد وما أحب وما أكره ‪ ،‬سواء يف نفسي أو يف اآلخرين من حويل ‪.‬‬
‫ألهنا تعينين يف مراجعة [من أنا ومل أنا] أو [اهلوية والوظيفة واهلدف] ؛ وهذا من شأنه أن يفيدين يف أمر التوفيق بني الوظائف‬
‫املختلفة يل يف هذه احلياة ‪.‬‬

‫هذا يف العقل ‪ ،‬وأما يف النقل ‪ ،‬فقد جاء يف القرآن ما يدل على أمهية قراءة النفس ‪:‬‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]56‬أمل تر إىل الذين يزكون أنفسهم بل اهلل يزكي من يشاء وال يظلمون فتيال﴾ ‪ .‬وهنا يظهر‬
‫أثرا من آثار [قراءة النفس] ‪ ،‬حيث تعلمنا حبقيقة أنفسنا ‪ ،‬فال نبالغ يف مدحها والوقوع يف فخ العجب والغرور والكرب ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا﴾ ؛ فدلت اآلية على أن األصل يف نفسي‬
‫كإنسان أن أعلم ما لدي ‪ ،‬وال حجة يل يف اجلهل ملا يف (كتايب) ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة األنبياء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]55‬فرجعوا إىل أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون﴾ ؛ وهذه نتيجة من نتائج (قراءة النفس)‬
‫حيث متكنين من أن أعلم موطن اخلطأ فأتوجه إىل تصحيحه ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة الروم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]2‬أومل يتفكروا يف أنفسهم ما خلق اهلل السماوات واألرض وما بينهما إال باحلق وأجل مسمى‬
‫وإن كثريا من الناس بلقاء رهبم لكافرون﴾ ؛ فدل القرآن على أنين إذا أردت أن أصل إىل احلق يف أمر الكون وخلق السماوات‬
‫واألرض ‪ ،‬فعلي أن (أتفكر يف نفسي) أوال ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]62‬سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق أومل يكف بربك أنه على‬
‫كل شيء شهيد﴾ ؛ فدل القرآن على أن آيات اهلل كما هي منثورة فيما حولنا من ظواهر فهي يف النفس أيضا ‪ ،‬وكأنين أفهم من‬
‫اآليات أنين إذا أردت احلق ‪ ،‬فعلي أن (أرى نفسي) أوال ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪66‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫[القرآن ‪ :‬سورة النجم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]25‬الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ‪ ،‬إن ربك واسع املغفرة ‪ ،‬هو أعلم بكم إذ‬
‫أنشأكم من األرض وإذ أنتم أجنة يف بطون أمهاتكم فال تزكوا أنفسكم هو أعلم مبن اتقى﴾ ‪ .‬ويف اآلية إشارة إىل ضرورة العلم‬
‫بأصلي ‪ ،‬كإنسان ‪ ،‬وتأرخيي ‪ ،‬الذي من شأنه أن يبصرين مبقامي ومينعين من العجب والغرور ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة القيامة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]5‬وال أقسم بالنفس اللوامة﴾ ‪ .‬واللوم هو مراجعة النفس دائما ومتحيصها وجردها ‪ ،‬واللوم‬
‫ليس التوبيخ أو التقريع كما يظن الكثريون ‪ ،‬بل اللوم كما جاء يف معجم (لسان العرب) هو املراجعة والتمكث والرتيث واالنتظار‬
‫والعتب والتهذيب ‪ .‬وهبذا فتكون النفس اللوامة هي اليت تقوم بكل هذا ‪.‬‬
‫[القرآن ‪ :‬سورة القيامة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : ]05‬بل اإلنسان على نفسه بصرية ‪ ،‬ولو ألقى معاذيره﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن األوىل يب ‪،‬‬
‫كإنسان ‪ ،‬أن أكون بصريا بنفسي ‪ ،‬وال عذر يل يف اجلهل هبا ‪.‬‬

‫قصة قرآنية نبوية على أمهية قراءة النفس ‪:‬‬

‫ويف القرآن ‪ ،‬ويف سورة (الضحى) ‪ ،‬نقرأ مثاال رائعا على أمهية قراءة النفس وما تنتجه قراءة النفس من مثرات ‪.‬‬

‫يروي البخاري يف كتابه اجلامع والواحدي يف كتاب (أسباب النزول) روايات متفرقة عن سبب نزول سورة (الضحى) ؛ فريوي الواحدي‬
‫أن رسول اهلل حممدا بن عبداهلل صلى اهلل عليه وسلم جزع جزعا شديدا بعد أن أبطأ عليه الوحي ‪ ،‬فقالت امرأة من قريش ‪( :‬أبطأ عليه‬
‫شيطانه) ‪ ،‬ويف رواية (قاله ربه) أي ‪ :‬تركه ربه وهجره ‪ ،‬فنزلت ‪﴿ :‬والضحى ‪ ،‬والليل إذا سجى ‪ ،‬ما ودعك ربك وما قلى﴾ ‪.‬‬

‫ولنتأمل يف حالة حممد رسول اهلل قبيل نزول السورة ‪ ،‬ولنتفكر يف ما ميكن أن يكون مر على خاطره من أفكار حول تأخر الوحي عليه‬
‫‪ ،‬مث لنتوقف قليال لنرى كيف كان ميكن لكالم هذه املرأة القرشية أن تزيد عليه األمر جزعا ومرارة ‪ ،‬مث لنتساءل ‪ :‬ما الذي كنت‬
‫سأحتاجه لو كنت مكانه ؟‬

‫يف مثل هذه احلالة النفسية الصعبة ‪ ،‬نزلت هذه السورة ‪ ،‬نزلت السورة لتطمئن قلب حممد رسول اهلل ‪ ،‬فبدأت بذكر حلظات الصبح‬
‫املشرقة اليت تناسب (النفسية) اليت تسيطر على املوقف ‪ ،‬وكأين باآليات تقول يل ‪( :‬لكل ليل آخر ‪ ،‬وآخره الليل فجر) ؛ ولكن اهلل‬
‫قدم ذكر (النهاية املشرقة) على (الليل املظلم) ‪ ،‬مث ليؤكد اهلل لعبده وحبيبه حممد أنه مل يرتكه ومل يهجره ‪ ،‬فتهدأ نفسه هبذا التثبيت ‪ ،‬مث‬
‫ليزيد تطمينه عما هو قادم ‪ ،‬ولعل يف هذا ما تشري إليه الدراسات النفسية ملن يعانون من (الضيق) حيث يسيطر عليهم خوف من‬
‫(املستقبل) ‪ ،‬فجاءت اآليات تعلمين أن ما هو قادم خري مما مضى ؛ فوعد اهلل حبيبه حممدا مبا هو أفضل مما يظن يف قابل األيام ‪ ،‬ويف‬
‫اآلخرة ‪ ،‬حيث سيحظى (حممد) بكل ما يتمناه ‪ ،‬حىت يرضى ‪﴿ :‬ولآلخرة خري لك من األوىل ‪ ،‬ولسوف يعطيك ربك فرتضى﴾ ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪67‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫مث جاء دور (قراءة النفس) ؛ فذكره اهلل مبا مضى من عمره ‪ ،‬وكيف مرت عليه سنوات عمره مبا فيها من (ذكريات طفولة صعبة) ‪،‬‬
‫وكيف خرج منها بشخصية حتمل يف جنباهتا كثريا من اخلري ‪ ،‬ولكن احلالة النفسية (الصعبة) قد تنسي صاحبها أو صاحبتها كل ذلك‬
‫اخلري ‪ ،‬وهذا ظاهر يف أسلوب التذكري باملاضي الذي جاء بصيغة (االستفهام التقريري) ‪ ،‬وكأين بكل آية من هذه اآليات ختاطبين‬
‫مذكرة إياي مبا لدي من خري غفلت عنه ‪ :‬هل نسيت كل النعم اليت أنعمها اهلل علي ؟ وهل متكن مين ما قاله اآلخرون عين حىت‬
‫أنسوين ما لدي من النعم ؟ وهل نسيت أنين خرجت من أسوأ الظروف إىل ما أنا فيه من خري يف الروح واجلسد ؟ ‪﴿ :‬أمل جيدك يتيما‬
‫فآوى ؟ ووجدك ضاال فهدى ؟ ووجدك عائال فأغىن ؟﴾ ‪.‬‬

‫مث تأيت مثرات (قراءة النفس) ؛ فبعد أن أعلم ما مررت فيه ‪ ،‬وما تعلمته فيه من دروس كثرية ‪ ،‬ال يبقى يل إال أن أخرج بكل ما فيها‬
‫من نفع لينعكس على نفسي أوال وعلى اآلخرين ثانيا ‪﴿ :‬فأما اليتيم فال تقهر ‪ ،‬وأما السائل فال تنهر ‪ ،‬وأما بنعمة ربك فحدث﴾ ‪.‬‬

‫وما هي هذه النعمة اليت يسأله اهلل أن حيدث هبا ؟‬

‫إهنا نعمة (انشراح الصدر) بعد ما نزل عليه يف سورة (الضحى) ‪ ،‬وهنا نقرأ ما نزل بعد هذه اآلية مباشرة ‪﴿ :‬أمل نشرح لك صدرك ؟‬
‫ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ؟ ورفعنا لك ذكرك ؟﴾ ‪.‬‬

‫مث يأيت قانون الفرج اإلهلي ‪ ،‬موضحا أن مع كل عسر يسرا وفرجا وفرحا ‪ ،‬حىت وإن كنا ال نرى ذلك بنظرنا احملدود ‪﴿ :‬فإن مع العسر‬
‫يسرا ‪ ،‬إن مع العسر يسرا﴾ ‪.‬‬

‫وماذا بعد ذلك ؟ ماذا بعد انفراج اهلم ؟ هنا حيني وقت السعي إىل العمل واإلنتاج ‪﴿ :‬فإذا فرغت فانصب﴾ ‪.‬‬

‫مث ال يبقى سوى التذكري بالعودة دائما إىل من لديه مفاتيح النفوس وسعادهتا ‪﴿ :‬وإىل ربك فارغب﴾ ‪.‬‬

‫هذا مثال ظاهر جلي من أمثلة أخرى عديدة يف القرآن ‪ ،‬وللباحثني أن يقرؤوا يف القرآن أمثلة عديدة ‪ ،‬مثل ‪ :‬قصة بدء اخللق ‪ ،‬وما‬
‫حصل مع آدم وحواء عليهما السالم ‪ ،‬وقصة أيوب عليه السالم ‪ ،‬وقصة موسى عليه السالم ‪ ،‬سيما توقفه مع نفسه عند باب مدين‬
‫وقبل ذهابه إىل فرعون ‪ ،‬وقصة يوسف عليه السالم ‪ ،‬وقصة سليمان عليه السالم ‪ ،‬وقصص الصحابة املنثورة يف سور خمتلفة من القرآن‬
‫‪ ،‬حيث يذكرهم فيها اهلل جل يف عاله أن يقفوا مع أنفسهم ‪ ،‬وغريها أكثر منثور يف صفحات السرية النبوية ‪ ،‬بل وقصص الصحابة‬
‫والتابعني ‪ ،‬وغريهم ممن وفقهم اهلل لفهم كتابه والعمل به ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪68‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬مىت تكون قراءة النفس ؟ مىت تبدأ ؟ ومىت تنتهي ؟ ومىت تكون ضرورة ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫دائما ‪.‬‬
‫عملية مالزمة لوعي اإلنسان ‪.‬‬
‫إذا ظهرت مشكلة ال يبدو هلا حل ظاهر ‪.‬‬

‫قراءة النفس عملية مالزمة لوعي اإلنسان وسعيي للقيام بوظيفيت يف هذه احلياة ؛ وهبذا فهي عملية ال تنتهي حىت مفارقيت وجه هذه‬
‫األرض ‪ .‬إال إن قراءة النفس قد تكون ضرورة إذا ظهر من األعراض السالبة ما ليس له سبب ظاهر ومباشر من خارج النفس ؛ فإن‬
‫كثريا النفوس ال تكاد ختلو بذاهتا إال إذا أصابتها مصيبة !‬

‫وما أنصح به أن أعطي [قراءة النفس] ما ال يقل عن نصف الساعة إىل الساعة يوميا (هذا مؤشر على بداية اهتمامي بنفسي) ؛ مع‬
‫اختيار وقت جيتمع فيه الراحة واهلدوء والوعي ؛ مثل ‪ :‬ساعات الفجر األوىل وما قبل النوم ‪ ،‬حيث األوقات اليت يكون احمليط أقل‬
‫تشتيتا ‪ ،‬مما مينح جوا صافيا للنفس ‪ ،‬فتكون القراءة كأنقى ما يكون ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬أين تكون قراءة النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫يف كل مكان ‪.‬‬
‫يف أي مكان جيتمع فيه اهلدوء واإلهلام ‪.‬‬
‫يف البيت ومكان العبادة الشعائرية أفضل من غريها ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬كيف تكون قراءة النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪69‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫قد خيتلف الناس يف طريقة قراءة النفس ؛ فمنهم من يكتفون باخللوة مع النفس والتفكر هبدوء ؛ ومنهم من يعرضون أنفسهم على تلك‬
‫الفحوص املنتشرة يف دراسات الباحثني وكتب املتخصصني ؛ ومنهم من خيتارون مراجعة أهل االختصاص من األطباء واملعاجلني‬
‫واحملللني النفسيني ‪.‬‬

‫أما أنا ‪ ،‬فلقد اخرتت أن أضع بني يدي املهتمني بقراءة النفس [كراسة قراءة النفس] ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ما هي [كراسة قراءة النفس] ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫هي جمموعة أسئلة موضوعة بشكل مدروس ‪ ،‬حبيث ال تكاد األسئلة تغادر أمرا من أمور النفس إال وهو مطروح ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ملاذا [كراسة قراءة النفس] ؟ وبعبارة أخرى ‪ :‬من أين جاءت فكرة هذه الكراسة ؟‬

‫جواب ‪:‬‬
‫وجدت أن من أكرب املشكالت اليت تواجه الناس هو أن الناس اعتمدوا اعتمادا كليا على (آخرين) ليقرؤوا هلم أنفسهم ‪ ،‬يف حني إهنم‬
‫يستطيعون عمل هذا بأنفسهم بشيء من التوقف والتفكري والعقل ‪.‬‬

‫وهذا األمر (قراءة اآلخرين ملا يف داخلنا) هو ما يعرف يف (علم النفس) باسم (االستبطان) أو [‪ ، ]Introspection‬وهو حماولة‬
‫استخراج ودراسة ما يدور يف باطن اإلنسان ‪ .‬وقد جرت العادة أن يتم (االستبطان) على يد شخص آخر هو (املعاجل) أو (املعاجلة) ‪.‬‬
‫ومع إن (االستبطان) يعترب من إنتاج املدرسة البنائية (وهي أول مدارس علم النفس احلديث ‪ 0221‬للميالد تقريبا) ‪ ،‬إال إنه يقارب‬
‫كثريا ما متارسه كل من مدرسة التحليل النفسي (فرويد) واملدرسة اإلنسانية ‪ ،‬ألهنا كلها تقوم على حماولة فهم ما يف داخل اإلنسان ‪،‬‬
‫سواء كان ماضيا أو حاضرا أو حىت تفكريا يف املستقبل ‪.‬‬

‫إال إن التوقف قليال وتأمل حالة (االستبطان) على أرض الواقع يظهر لنا عددا من املالحظات السالبة اليت تدعونا إلعادة النظر يف‬
‫منهج (االستبطان) وأسلوبه وجدوى العمل به ‪ ،‬ومن هذه املالحظات ‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪71‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫االفتقار إىل منهج واضح وموحد للعمل به ‪ ،‬مما يفتح اجملال لظهور (أخطاء مهنية شخصية) ‪.‬‬
‫قلة األطباء واملعاجلني أو الطبيبات واملعاجلات الذين (حيرتفون) العمل بـ ـ (االستبطان) ‪.‬‬
‫ندرة األطباء واملعاجلني أو الطبيبات واملعاجلات الذين يتقنون (االستبطان) كما ينبغي ‪.‬‬
‫عامل الوقت ‪ ،‬وأعين هبذا طول الوقت الذي قد تستغرقه اجللسات االستبطانية ‪ ،‬مما قد يؤدي إما إىل ملل أحد الطرفني (وعادة‬
‫ما يكون املراجع أو املراجعة) ‪ ،‬أو إىل الضغط املادي وعدم القدرة على حتمل نفقات العالج ‪.‬‬
‫االعتمادية والتواكل ‪ ،‬وأعين هبذا اعتماد املراجع أو املراجعة بشكل كامل على شخص الطبيب أو املعاجل أو الطبيبة أو املعاجلة ‪،‬‬
‫مما قد يورث شعورا كامنا بالضعف وعدم القدرة على فعل شيء دون الرجوع إليه ‪ /‬إليها ‪.‬‬

‫ولكم توقفت عند هذا األمر واستغربته ‪ ،‬أال وهو حقيقة أن معظم ما أقوم به يف (العيادة النفسية) هو عملية (ترمجة النفس) لصاحبها‬
‫أو صاحبتها ‪ ،‬وكأن الناس غرباء مبا يكفي عن أنفسهم ليحتاجوا شخصا (غريبا) ليعرفهم إىل بعضهم البعض !!!‬

‫ولقد قلتها يف أكثر من لقاء عام وخاص أو حلقة تدريبية أو مؤمتر علمي أو حىت لقاء تلفزيوين ؛ قلت ‪ :‬أدعو اهلل أن يأيت ذلك اليوم‬
‫الذي يتمكن الناس من قراءة أنفسهم مبا يكفي ألن يكون لدي (ولغريي من أهل االختصاص) الوقت الكايف ألمور أهم وأعظم للقيام‬
‫مبا حتتاج إليه اإلنسانية يف عامل اليوم ‪.‬‬

‫وليس معىن هذا أنين أنتقص من عمل الطبيب واملعاجل النفسي أو الطبيبة واملعاجلة النفسية ‪ ،‬أو أنين أقلل من أمهية (العالج الفردي) ‪،‬‬
‫أو أنين أزهد يف اجللوس مع نفس بشرية وإخراج ما فيها من مكنونات واألخذ بيدها إىل شاطئ الطمأنينة والسعادة والرضا ‪ ،‬ليس هذا‬
‫يف اعتقادي أبدا ؛ فإن السعادة اليت أكون سببا يف إيصاهلا لنفس بشرية واحدة كفيلة بأن جتعل من حيايت كلها ذات قيمة عظيمة ‪.‬‬

‫ولكنين أرى أن األصل أن يكون هذا من شأن اإلنسان نفسه أو نفسها ‪ ،‬فيكون علينا حنن أهل االختصاص أن نرسم اخلطوات األوىل‬
‫فقط ‪ ،‬مث يبقى لنا حنن أهل االختصاص أن ننشغل مبا هو أكرب من ذلك ‪ ،‬أن نلتفت إىل ما حتتاج إليه األمة من خطط ومناهج‬
‫دراسية وتعليمية وتربوية تقوم على بناء نفسي صحي ألجيال املستقبل ‪ ،‬ومراقبة للجهاز اإلعالمي وما حيمله من رسائل ‪ ،‬والعناية‬
‫مبناخ احلياة اليومية يف كافة األماكن وعلى كافة األصعدة مع العمل على تطويرها واحلفاظ على (الصحة النفسية) للفرد واجملتمع ‪ ،‬إىل‬
‫غري ذلك ‪.‬‬

‫وهلذا ‪ ،‬فأنا أنادي بضرورة أن يتقن الناس ما أمسيه ب (االستبطان الذايت) أو‪ ، Self-Introspection‬وهو ما أفهمه من القرآن‬
‫يف آيات مثل ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪ ،‬خلق اإلنسان من علق﴾ و﴿سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم ‪ ،‬حىت يتبني هلم أنه‬
‫احلق ‪ ،‬أومل يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ و﴿بل اإلنسان على نفسه بصرية﴾ وغري ذلك من إشارات صرحية أو مؤولة ؛‬
‫كيف ال وعندما اختار اهلل أن يقسم حبالة من حاالت النفس شاء حلكمته أن يقسم بـ ـ (النفس اللوامة) اليت هي ضرورة من ضرورات‬

‫‪71‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪71‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫أمر آخر نقرأه يف القرآن بلفظ (التزكية) ‪ ،‬وهو ما كان عليه األمر منذ آدم وحىت بدأت احلياة تشغل الناس عن أنفسهم ‪ ،‬وسيأيت‬
‫احلديث بالتفصيل عن هذا األمر عند تناول (ملاذا أقرأ نفسي ؟) ‪.‬‬

‫لكل هذه األسباب ولغريها مما سيلي ذكره ‪ ،‬جاءت فكرة [كراسة قراءة النفس] ‪.‬‬

‫إذا ‪ ،‬جاءت [كراسة قراءة النفس] هلذه األسباب ‪:‬‬

‫ألنين أود أن يتقن الناس ما يعرف يف (علم النفس) باسم (االستبطان) أو [‪. ]Introspection‬‬
‫لطول الوقت الذي قد تستغرقه اجللسات االستبطانية ‪ ،‬مما قد يؤدي إما إىل ملل أحد الطرفني (وعادة ما يكون املراجع أو‬
‫املراجعة) ‪ ،‬أو إىل الضغط املادي وعدم القدرة على حتمل نفقات العالج ‪.‬‬
‫االعتمادية والتواكل ‪ ،‬وأعين هبذا اعتماد املراجع أو املراجعة بشكل كامل على شخص الطبيب أو املعاجل أو الطبيبة أو املعاجلة ‪،‬‬
‫مما قد يورث شعورا كامنا بالضعف وعدم القدرة على فعل شيء دون الرجوع إليه ‪ /‬إليها ‪.‬‬
‫ألن معظم ما أقوم به يف (العيادة النفسية) هو عملية (ترمجة النفس) لصاحبها أو صاحبتها ‪ ،‬وكأن الناس غرباء مبا يكفي عن‬
‫أنفسهم ليحتاجوا شخصا (غريبا) ليعرفهم إىل بعضهم البعض !!!‬
‫ألن األصل أن يكون هذا من شأن اإلنسان نفسه أو نفسها ‪ ،‬فيكون علينا حنن أهل االختصاص أن نرسم اخلطوات األوىل فقط‬
‫‪ ،‬مث يبقى لنا حنن أهل االختصاص أن ننشغل مبا هو أكرب من ذلك ؛ وليس يف هذا انتقاصا أو تقليال من شأن اجللسات‬
‫االستشارية ‪ ،‬إال إن األمر ليس بالقدر الذي وضعه الناس ألنفسهم ‪.‬‬

‫سؤال ‪ :‬ولكنين أجلس مع نفسي كثريا وأقرؤها !‬

‫وهنا يأيت دور احلديث عن اجللوس مع (النفس) بني الوهم واحلقيقة ‪ ،‬والسهولة والصعوبة ‪.‬‬

‫نعم ؛ كثريا ما يواجهين البعض (متهربني من أنفسهم دون إدراك منهم) بقوهلم ‪( :‬أنا أجلس مع نفسي كثريا !) ‪ ،‬فإذا سألتهم ‪ :‬هل‬
‫جتلسون حقيقة مع أنفسكم ؟ أم أنكم جتلسون ‪ ،‬منعزلني ‪ ،‬ولكن مع اآلخرين ؟ تفكرون فيمن حتبون أو تكرهون أو أشخاص‬
‫أزعجوكم بتصرف معني أو أشخاص ختططون لعالقات معهم أو موضوعات خارجة عن أنفسكم ؟‬

‫وهنا يكون رد الفعل الذي صار معتادا لدي ‪ :‬سكوت وحماولة اهلرب من النظر يف عيين !!!‬

‫‪71‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪72‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬ولكن اجللوس مع النفس أمر متعب وصعب ‪ ،‬بل شبه مستحيل !‬

‫أقول ‪ :‬أفهم هذا متاما ؛ ولكن فهمي له ال يعين أنين أوافق عليه أو أبرر له ‪.‬‬

‫إن انشغايل عن (نفسي) طيلة هذه السنوات جعلين أشعر بالغربة عنها ‪ ،‬جعلين أجهلها مبا يكفي ألن أخاف منها ‪ ،‬جعلين أشعر أن‬
‫(نفسي) وحش كاسر يود لو تسنح له الفرصة لالنقضاض علي يف أي حلظة ختلو يب أو أخلو هبا !‬

‫وهلذا ؛ فقد اعتدت أن أهرب من (نفسي) ‪ ،‬فال أكاد أخلو وحدي أبدا ‪ ،‬أحرص على أن يكون هناك صخب حويل يبعدين عن‬
‫(نفسي) ‪ ،‬يف غرفيت مع (املسجل) وما أمسعه فيه من كلمات تزيدين غربة عن نفسي ‪ ،‬ويف البيت مع (التلفزيون) أو (اهلاتف اجلوال)‬
‫أو (األهل) ‪ ،‬ويف املدرسة أو اجلامعة أو مكان العمل مع (أصدقائي) الذين أكاد أحتدث معهم عن كل شيء إال عن (نفسي) ‪ ،‬ويف‬
‫األسواق واحملالت العامة حيث (جاهلية اجلسد) واألصوات الصاخبة والصور الدنيوية اليت تزيد الفجوة بيين وبني نفسي ‪ ،‬بل وحىت‬
‫عندما أظن أنين أخلو بنفسي ‪ ،‬أكون حقيقة يف شغل باآلخرين !‬

‫واآلن مع [قراءة النفس] ‪:‬‬

‫ولكن ‪ ،‬قبل البدء يف قراءة النفس ‪ ،‬هناك الفتات ال بد من التوقف عندها والتنبه هلا وقراءهتا قراءة فاحصة ‪:‬‬

‫الفتات قبل [قراءة النفس] ‪:‬‬

‫استحضار النية اخلالصة ‪ ،‬أو اهلدف من قراءة النفس ‪( .‬اهلدف هو النفس ال اآلخرون)‬ ‫‪.0‬‬
‫علي أن أعطي [قراءة النفس] ما ال يقل عن نصف الساعة إىل الساعة يوميا ‪( .‬هذا مؤشر على بداية اهتمامي بنفسي)‬ ‫‪.5‬‬
‫اختيار وقت جيتمع فيه الراحة واهلدوء والوعي ‪( .‬ساعات الفجر األوىل وما قبل النوم هي من أفضل أوقات الكتابة)‬ ‫‪.2‬‬
‫كراسة تدوين وقلم (رصاص) ألمتكن من أن أعدل على ما كتبت إذا دعت احلاجة ‪( .‬أنصح بكراسة ختلو من أي صور أو رموز‬ ‫‪.5‬‬
‫ذات دالالت قد تشغلين وتؤثر على تفكريي وقت الكتابة ‪ ،‬كما أنصح باصطحاب الكراسة معي دائما فقد خيطر يل أمر نسيته‬
‫يف وقت الكتابة ‪ ،‬كما أن مالزمة الكراسة ستذكرين دائما ب (نفسي))‬

‫‪72‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪73‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .6‬ليس بالضرورة أن يعلم من حويل مبا أفعل ‪ ،‬ولكنين ال ينبغي أن أخاف من أن يعلموا ذلك ‪.‬‬
‫‪ .5‬مع إن قراءة النفس تبدأ بصورة جلسات طويلة قد تكون مملة ومعقدة ‪ ،‬إال إهنا ال تلبث أن تصبح عملية انفعالية معتادة وأشبه ما‬
‫تكون بالغريزة املصاحبة لعمليات اإلحساس والتفكري والعقل ‪ .‬وبعبارة أخرى ‪ :‬إذا صربت على اجللوس مع النفس وأتقنت عملية‬
‫القراءة مبا فيها من صعوبة يف بداية األمر ‪ ،‬استحالت هذه الصعوبة إىل أمر اعتيادي سهل إىل الدرجة اليت مل أكن أتصورها من‬
‫قبل ‪.‬‬

‫الفتات عند [قراءة النفس] ‪:‬‬

‫قراءة األسئلة بالرتتيب ؛ وعدم قراءة االستفهام التايل قبل إجابة ما يسبقه ‪( .‬هذا قد يؤثر على نفسييت وقت الكتابة)‬ ‫‪.0‬‬
‫املطلوب تقمص نفسية املرحلة اليت أكتب عنها ؛ أي أن ال أن أجيب عنها بطريقة تفكريي احلالية ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫عدم الرجوع إىل أحد إلجابة األسئلة يف أول األمر ‪ ،‬فاملطلوب قراءيت (أنا) لنفسي ‪ ،‬ال قراءة (اآلخرين) ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫علي بالصدق ؛ فاإلجابات ل)نفسي) قبل أن تكون ألي شخص آخر ‪( .‬وإال خدعت نفسي قبل اآلخرين)‬ ‫‪.5‬‬
‫األصل أن أجيب على األسئلة كتابة ‪( .‬اإلجابة الشفوية السريعة فال تؤدي الغرض وال تثبت شيئا يف الذاكرة)‬ ‫‪.6‬‬
‫إذا كنت مل أمر مبرحلة معينة (مرحلة دراسية أو زواج ‪ ،‬إخل) فعلي جتاوزها ؛ مع نصحي بقراءهتا لالستفادة ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫الفتات بعد [قراءة النفس] ‪:‬‬

‫‪ .0‬بعد االنتهاء من اإلجابة على األسئلة ؛ يبقى علي أن أقرأ اإلجابات هبدوء وتركيز ؛ حىت أمجع نقاط القوة ونقاط الضعف يف‬
‫شخصييت اليت تكونت على مدى مراحل حيايت املختلفة ‪.‬‬
‫‪ .5‬االعتناء بالفصل األخري ‪ :‬فصل [من أنا ومل أنا] ‪ ،‬وهو الفصل الذي خيتصر [قراءة النفس] ‪.‬‬
‫‪[ .2‬قراءة النفس] هي اخلطوة األوىل فقط ‪ ،‬يليها [قبول النفس] و[تقدير النفس] ‪.‬‬

‫وهنا ‪ ،‬أترككم مع [كراسة قراءة النفس] ‪:‬‬

‫الفتة ‪ :‬كراسة [قراءة النفس] هي للنفس وتزكيتها ‪ ،‬وليس (الحرتاف) العمل هبا وتطبيقها على اآلخرين ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪74‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫الفتة ‪ :‬األسئلة تبدو يف ظاهرها طويلة مملة ‪ ،‬إال إن هذا أقل ما ميكنين تصوره ملا حتتويه النفس من مكنونات ومكبوبات ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬أسئلة متكررة لضرورهتا ‪( :‬هذه األسئلة يتم اإلجابة عنها يف كل فصل)‬

‫أسريت ‪:‬‬ ‫‪.0‬‬


‫‪ o‬ما هي احلالة النفسية العامة للبيت ؟‬
‫‪ o‬هل كان بيتنا يف بلد األصل أم يف بلد آخر ؟‬
‫‪ o‬هل كان اجلميع يسكن يف نفس البيت ؟ أم كان هناك متزوجون أو مغرتبون ؟‬
‫‪ o‬والداي ‪ :‬كيف أتذكرمها هنا ؟ كيف كانت العالقة بينهما ؟‬
‫‪ o‬ماذا أتذكر عن عالقة والدي يب ؟‬
‫‪ o‬ماذا أتذكر عن عالقة والديت يب ؟‬
‫‪ o‬ماذا أتذكر عن بقية أفراد األسرة عموما ؟‬
‫‪ o‬كيف كانت عالقيت مبن يكربونين سنا يف البيت (يف حال وجد من يكربونين سنا) ؟‬
‫‪ o‬كيف كانت عالقيت مبن يصغرونين سنا يف البيت (يف حال وجد من يصغرونين سنا) ؟‬
‫‪ o‬من كان أقرب األشخاص إيل من أسريت ؟‬
‫‪ o‬هل هناك ما بقي عالقا يف ذاكريت هذه املرحلة من مشاعر سالبة أود التخلص منها ؟‬
‫‪ o‬ما هو شعوري بانتمائي ألسريت يف هذه املرحلة ؟‬
‫األقارب واألرحام ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ o‬ماذا أتذكر عن أقربائنا وأرحامنا ؟‬
‫‪ o‬كيف كانت العالقة معهم ؟‬
‫‪ o‬هل كانوا يسكنون نفس البلد ؟‬
‫ماذا أتذكر عن جرياننا ؟‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ o‬كيف كانت العالقة معهم ؟‬
‫‪ o‬هل هناك ما أذكره بشكل خاص عن اجلريان يف هذه املرحلة ؟‬
‫األصدقاء (أو الزمالء) أو الصديقات (أو الزميالت) ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ o‬هل هناك من أذكره ‪ /‬أذكرها بشكل خاص ؟‬
‫‪ o‬هل هناك من أحبه بشكل مميز ؟ وهل كان هناك من أكرهه بشكل مميز ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ o‬من هي الشخصيات اليت تأثرت هبا (أيا كان هذا التأثر) ؟‬

‫‪74‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪75‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .6‬اإلعالم واملعرفة ‪:‬‬


‫‪ o‬ما هي املواد اإلعالمية اليت أتذكرها ؟ (برامج مشاهدة أو مسموعة أو مقروءة)‬
‫‪ o‬من هي الشخصيات اإلعالمية اليت أتذكرها يف هذه الفرتة ؟ وهل كان منها من تأثرت به ؟‬
‫‪ .5‬هل سافرت إىل منطقة أو بلد خارح مكان إقاميت يف هذه املرحلة ؟ وماذا أتذكر عن هذه الرحلة ؟‬
‫‪ .7‬نفسي ‪( :‬ذكر النفس هبذا الرتتيب ال يعين أهنا تأيت يف أسفل القائمة ولكنها حمصلة ملا مضى)‬
‫‪ o‬كيف أتذكر نفسي عموما يف هذه املرحلة ؟‬
‫‪ o‬كيف كنت أقضي أوقايت ؟ وما الذي كان يسليين ؟ وما مدى سهولة حصويل عليه ؟‬
‫‪ o‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫الفصل األول ‪ :‬تأرخيي قبل ميالدي‬

‫ماذا أعرف عن عائليت ؟ واملطلوب هنا تعريف عام بتأريخ العائلة ‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫والدي ‪ /‬والديت ‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ o‬ما امسهما ؟ وماذا يعين كل اسم ؟ وهل أحب امسيهما ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ o‬أين نشأ والداي ؟ ومن أي البالد ‪ ،‬أصال وسكنا ؟‬
‫‪ o‬ما هو ترتيب كل من والداي يف أسرهتما ؟ (حبذا ذكر والديهما وأشقائهما وشقيقاهتما) ‪.‬‬
‫‪ o‬ما هي املكانة االجتماعية لكل من والداي يف أسرتيهما ؟‬
‫‪ o‬ما هو وضع أسرة والداي املادي واجملتمعي والنفسي ؟‬
‫‪ o‬هل والداي من نفس األسرة ؟ (صلة قرابة)‬
‫‪ o‬كيف هي عالقة األسرتني ببعضهما (أسرة والدي وأسرة والديت) ؟‬
‫هل والداي متزوجان ‪ ،‬أم منفصالن ‪ ،‬أم مطلقان ؟‬ ‫‪.2‬‬
‫من أين أتيت باإلجابات على األسئلة السابقة ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫ما شعوري بانتمائي هلذه األسرة ؟ جملرد معرفيت بأصول أسريت ‪ ،‬قبل اخلوض يف إجابات األسئلة التالية ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫الفصل الثاين ‪ :‬من امليالد وحىت العام املدرسي األول ‪:‬‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬

‫‪75‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪76‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .5‬أرجو هنا اإلجابة على (أسئلة متكررة لضرورهتا) ‪.‬‬


‫‪ .2‬مىت بدأت القراءة ؟ وكيف ؟ ومىت بدأت الكتابة ؟ وكيف ؟‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬من بداية املرحلة املدرسية حىت ما قبل البلوغ ‪:‬‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬أرجو هنا اإلجابة على (أسئلة متكررة لضرورهتا) ‪.‬‬
‫‪ .2‬هل التحقت مبدارس حكومية أم أهلية (خاصة) ؟‬
‫‪ .5‬كيف كانت مشاعري جتاه الذهاب إىل املدرسة ؟ وماذا كانت املدرسة تعين يل ؟‬
‫‪ .6‬ماذا أتذكر عن اجلو العام للمدرسة ؟‬
‫‪ .5‬هل كانت شخصييت يف املدرسة ‪ :‬اجتماعية ؟ قوية ؟ ضعيفة ؟ مشاغبة ؟ انطوائية ؟ تابعة ؟ ‪ ،‬إخل ‪ .‬وكيف ؟‬
‫‪ .7‬هل كنت أحب شخصييت ؟ فإذا كانت األجابة ب(نعم) ‪ ،‬ملاذا ؟ وإذا كانت األجابة ب(ال) ‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫‪ .2‬هل كنت أحب جسدي (شكلي) ؟ أم كنت أخجل منه ؟ أم كنت أحاول تقليد شخصية (أو شخصيات) معينة ؟‬
‫‪ .6‬هل كانت لدي مواد دراسية حمببة أكثر من غريها ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .01‬هل كان هناك معلمني أو معلمات تركوا لدي أثرا معينا ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .00‬هل كان هناك من يتوىل أمر تدريسي ومتابعيت يف البيت ؟ من هو أو هي ؟‬
‫‪ .05‬هل كنت أسبب مشكلة ألهلي يف أمر الدراسة (والدي أو والديت أو أشقائي) ؟‬
‫‪ .02‬يف البيت أو مع األرحام واجلريان ‪ :‬هل أذكر بعض املمارسات السرية مع زمالء أو زميالت أو أصدقاء أو صديقات أو أقرباء أو‬
‫قريبات ؟‬
‫‪ .05‬هل كان هناك من أسر له بأسراري ؟ إذا كانت األجابة (نعم) ‪ :‬من هو أو هي ؟ وملاذا ؟ وإذا كانت (ال) ‪ :‬ملاذا ؟‬

‫فصل ‪ :‬البلوغ‬

‫ما هو أول شعور أو رد فعل ظهر لدي اآلن ؟ (خجل ‪ ،‬فرح ‪ ،‬غضب ‪ ،‬ابتسامة ‪ ،‬تعرق ‪ ،‬بكاء ‪ ،‬إخل)‬ ‫‪.0‬‬
‫أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬ ‫‪.5‬‬
‫هل تأخر بلوغي ؟‬ ‫‪.2‬‬
‫كيف تعرفت على هذه املرحلة ؟‬ ‫‪.5‬‬

‫‪76‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪77‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .6‬كيف كان شعوري جتاه بلوغي ؟‬


‫‪ .5‬هل راجعت أحدا من أسريت أو غريهم يف أمر بلوغي ؟ إذا كانت اإلجابة (نعم) ‪ :‬من ؟ وملاذا هذه الشخصية بالذات ؟ وإذا‬
‫كانت اإلجابة (ال) ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .7‬هل كنت أستمتع يف احلديث عن البلوغ وما يتعلق به ؟ أم كنت أهترب ؟ أم كنت أنصت وأتعلم يف صمت ؟‬
‫‪ .2‬هل كان بلوغي سببا يف انطوائي ؟ أم صار سببا يف انطالقي وزيادة اجتماعييت ؟‬
‫‪ .6‬هل مارست ممارسات سرية ‪ ،‬غري تلك اليت تصاحب التعرف على مرحلة البلوغ عادة ؟‬
‫‪ .01‬هل استمرت تلك املمارسات معي إىل حد اإلدمان ؟‬
‫‪ .00‬ماذا عن البلوغ (اجلنسي) ؟ (صور ‪ ،‬مشاهد ‪ ،‬تواصل جسدي مع شخص آخر ‪ ،‬إخل)‬
‫‪ .05‬هل كان هناك أي مصادر حمددة للتفريغ يف هذه املرحلة ؟ (رياضة ‪ ،‬أفالم ‪ ،‬كتب ‪ ،‬رحالت ‪ ،‬أنشطة مدرسية ‪ ،‬إخل)‬
‫‪ .02‬هل كنت أشارك أحدا ممن حويل يف هذا التفريغ ؟ (مشاهدة أفالم ‪ ،‬قراءة قصص أو جمالت ‪ ،‬إخل)‬
‫‪ .05‬هل صاحب هذه املرحلة مشكالت سلوكية معينة ؟ (الرجاء ذكرها)‬
‫‪ .06‬هل صاحب هذه الفرتة اهتمام باجلنس اآلخر أو من اجلنس اآلخر ؟‬
‫‪ .05‬من كان (مستودع أسراري) يف هذه املرحلة ؟ وملاذا هذه الشخصية بالذات ؟‬
‫‪ .07‬أمساء أقرب أصدقائي يف هذه املرحلة ‪( .‬املطلوب ذكر األمساء فقط)‬
‫‪ .02‬ما الذي خرجت به من فوائد من مرحلة بلوغي ؟‬
‫‪ .06‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫فصل ‪ :‬املرحلة املدرسية ما بعد البلوغ ‪:‬‬

‫أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬ ‫‪.0‬‬
‫أرجو هنا اإلجابة على (أسئلة متكررة لضرورهتا) ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أرجو هنا اإلجابة على األسئلة ‪ 05 -2 :‬من (املرحلية املدرسية قبل البلوغ) و‪ 07 -6‬من (فصل البلوغ) ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫هل كنت أعرف ما أريد ؟ إذا كانت اإلجابة (نعم) ‪ ،‬فهل سعيت له فعال ؟ وإىل ماذا وصلت ؟ وإذا كانت اإلجابة (ال) ‪ ،‬فهل‬ ‫‪.5‬‬
‫حاولت أن أعرف ما أريد ؟ وكيف ؟ وإىل ماذا وصلت ؟‬
‫كيف كانت النتيجة الدراسية ؟ وكيف كان شعوري جتاهها ؟‬ ‫‪.6‬‬

‫فصل ‪ :‬املرحلة اجلامعية ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪78‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬أرجو هنا اإلجابة على (أسئلة متكررة لضرورهتا) ‪.‬‬
‫‪ .2‬أرجو هنا اإلجابة على األسئلة ‪ 01 -2 :‬من (املرحلية املدرسية قبل البلوغ) و‪ 07 -6‬من (فصل البلوغ) ‪.‬‬
‫‪ .5‬هل كنت أسكن مع أسريت أم خارج البيت ؟ إذا كنت مع األسرة ‪ :‬ملاذا ؟ وإذا كنت خارج البيت ‪ :‬ملاذا ؟ وهل سكنت وحدي‬
‫أم مع آخرين ؟ وملاذا ؟ وهل ال زلت على صلة مبن سكنت معهم ؟‬
‫‪ .6‬هل اخرتت ختصصي ؟ أم اختري يل ؟ أم مل يكن هناك بديل ؟‬
‫‪ .5‬هل أحب ما أدرسه اآلن ؟ وملاذا ؟ وكيف سأرد على من قد يهاجم ختصصي األكادميي ؟‬
‫‪ .7‬هل أنصح اآلخرين بدراسة ختصصي ؟‬
‫‪ .2‬كيف كان أدائي الدراسي ؟‬
‫‪ .6‬كيف كانت النتيجة الدراسية ؟ وكيف كان شعوري جتاهها ؟‬
‫‪ .01‬ما هي الصفات الواجب توافرها مبن يريد دراسة هذا التخصص (من وجهة نظري) ؟ وهل هذه الصفات متوافرة لدي ؟‬
‫‪ .00‬أين أرى نفسي بعد ‪ 01‬سنوات من اآلن (يف جمال ختصصي) ؟‬
‫‪ .05‬هل كان هناك اهتمام باألنشطة الالمنهجية (رحالت ‪ ،‬حفالت ‪ ،‬جمالس طلبة ‪ ،‬إخل) ؟‬

‫فصل ‪ :‬املهنة (العمل أو الوظيفة)‬

‫أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬ ‫‪.0‬‬
‫هل مارست شيئا من مهنيت أو غريها أثناء املرحلة املدرسية أو اجلامعية ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫كم مهنة التحقت هبا حىت اآلن ؟ (تاريخ موجز)‬ ‫‪.2‬‬
‫كم الفرتة بني إهنائي الدراسة األكادميية والتحاقي مبهنيت ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫هل املهنة اليت أقوم هبا اآلن هي ما أريد ؟‬ ‫‪.6‬‬
‫هل مهنيت هلا صلة مبجال دراسيت ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫إذا مل يكن هناك صلة واضحة بني املهنة والدراسة األكادميية فهل هناك ما تعلمته من (اجلامعة) وخدمين يف مهنيت ؟ إذا كانت‬ ‫‪.7‬‬
‫اإلجابة نعم ‪ :‬الرجاء ذكر مثال للتوضيح ‪ .‬وإذا كانت اإلجابة ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫كيف مت التحاقي يف جمال مهنيت ؟‬ ‫‪.2‬‬
‫كيف هو الوضع العام يف جمال املهنة ؟ الوضع النفسي ‪ :‬تقبلي حمليط العمل واستقراري فيه ‪ .‬الوضع املهين ‪ :‬جودة العمل‬ ‫‪.6‬‬
‫ووضوح اللوائح اإلدارية وااللتزام هبا ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪79‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .01‬هل تليب مهنيت حاجايت اجلسدية والروحية (املادية واملعنوية) ؟‬


‫‪ .00‬هل أساهم مع أسريت يف نفقات البيت ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬فهل هذا رغبة مين أم طلبا منهم أم استحياء من كالم اآلخرين‬
‫أم خشية من اهلل ‪ ،‬إخل ‪ .‬وإذا كانت اإلجابة (ال) ‪ ،‬ملاذا ؟‬
‫‪ .05‬ما الذي يدفعين بشغف للبقاء يف هذه املهنة ؟‬
‫‪ .02‬ما الذي يدفعين بقوة للتفكري يف التحول عن هذه املهنة ؟ وما املهنة اليت أود أن ألتحق هبا ؟‬
‫‪ .05‬من هي أكثر شخصية موجبة أتذكرها يف حميط املهنة ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .06‬من هي أكثر شخصية سالبة أتذكرها يف حميط املهنة ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .05‬ما هي رؤييت لنفسي يف جمال مهنيت بعد عقد (عشر سنوات) من اآلن ؟‬
‫‪.07‬عدد ساعات العمل مع ملخص يومي املهين (داخل العمل) ‪.‬‬
‫‪ .02‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫فصل ‪ :‬االرتباط (باجلنس اآلخر)‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬ما هي نظريت أو مفهومي أو فلسفيت لالرتباط ؟‬
‫‪ .2‬هل أعددت نفسي لالرتباط إعدادا نفسيا (روحيا أو فكريا أو عقليا ‪ ،‬وجسديا) ؟ وكيف ؟‬
‫‪ .5‬هل كان هناك صفات حمددة ملن أود االرتباط به‪ /‬هبا ؟ ما هي تلك الصفات ؟ وماذا أعين بكل صفة من هذه الصفات (على‬
‫أرض الواقع) ؟ ومن أين اعتمدت تلك الصفات ؟‬
‫‪ .6‬كم مرة متت حماولة االرتباط أو االرتباط فعال (تعارف خطبة زواج) ؟‬
‫‪ .5‬كيف قدر اهلل التعارف ؟ (زمالة الدراسة ‪ ،‬تعارف مهين ‪ ،‬تعارف تقليدي عن طريق األهل ‪ ،‬إخل)‬
‫‪ .7‬هل كان هناك مرد أو مرجع أنوي االنطالق منه والرجوع إليه يف شئون ارتباطي ؟ ما هو ؟ وهل مت الرجوع إليه فعال ؟‬
‫‪ .2‬كيف كانت األيام األوىل للخطبة أو الرؤية الشرعية ؟‬
‫‪ .6‬هل كان هناك حرية يف مرحلة اخلطبة أم شيء من الضغط لعوامل نفسية أو جمتمعية ؟‬
‫‪ .01‬هل كان هناك أسئلة معينة أود أن أوجهها للشخص املقابل (اخلاطب أو املخطوبة) ؟ ما هي ؟‬
‫‪ .00‬ما املوضوعات اليت مت احلديث عنها أو تناوهلا يف تلك الفرتة ؟‬
‫‪ .05‬هل كان هناك أية معوقات نفسية أو جمتمعية أو مادية للتفكري يف إمتام األمر إىل الزواج ؟‬
‫‪ .02‬ملاذا متت املوافقة (يف حالة املوافقة) أو الرفض (يف حالة الرفض) ؟‬
‫ما هي الصفات الرئيسة اليت من أجلها متت املوافقة أو الرفض ؟‬

‫‪79‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪81‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .05‬هل كان هناك مالحظات سالبة على اخلاطب أو املخطوبة مت جتاوزها ؟ ما هي ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .06‬كم استمرت الفرتة بني اخلطبة وعقد القران ؟ وملاذا ؟‬
‫‪.05‬هل كان هناك تواصل حمرم ؟ أي هل كان هناك تواصل جسدي قبل عقد القران أو الزواج ؟‬
‫‪ .07‬كيف كانت العالقة فرتة ما بعد عقد الفران وحىت الزفاف (البناء) ؟ ما املوضوعات اليت مت تناوهلا ؟ ما األماكن اليت متت زيارهتا‬
‫أو اللقاء فيها ؟ ما األنشطة اليت حرصنا على القيام هبا تلك الفرتة ؟‬
‫‪ .02‬كيف كان التواصل اجلسدي يف تلك الفرتة (مالمسة ‪ ،‬تقبيل ‪ ،‬عناق ‪ ،‬إخل) ؟‬
‫‪ .06‬كيف كانت مشاعري جتاه ذلك التواصل اجلسدي (استغراب ‪ ،‬خوف ‪ ،‬إقبال ‪ ،‬رفض ‪ ،‬إخل) ؟‬
‫‪ .51‬كيف كانت ردة فعل الطرف املقابل جتاه ذلك التواصل اجلسدي ؟‬
‫‪ .50‬هل راجعت أحدا بشأن هذه التجربة (التواصل اجلسدي) ؟ ومن هي هذه الشخصية ؟ وملاذا هذه الشخصية ؟‬
‫‪.55‬كم استمرت الفرتة بني عقد القران والزفاف ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .52‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫فصل ‪ :‬البناء (الزواج أو الزفاف)‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬كيف كانت االستعدادات للزفاف ؟ (مراعاة اجلوانب الشرعية ‪ ،‬االهتمام مبظاهر العرس ‪ ،‬املدعوون ‪ ،‬طبيعة االحتفال ‪ ،‬كم‬
‫اإلنفاق ‪ ،‬إخل)‬
‫‪ .2‬كيف كان الزفاف ؟ تقليديا أم غري تقليدي ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .5‬كيف كان الزفاف من وجهة نظري ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .6‬كيف كان الزفاف من وجهة نظر زوجي‪ /‬زوجيت ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .5‬كيف كان الزفاف من وجهة نظر الناس ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .7‬كيف كانت ليلة الزفاف (اخللوة والبناء) ؟‬
‫‪ .2‬هل مضت ليلة الزفاف بيسر وسهولة وتقبل أم ال ؟ (إذا كانت اإلجابة نعم أو ال ‪ :‬ملاذا ؟)‬
‫‪ .6‬أين مت قضاء الفرتة األوىل ما بعد الزفاف ؟ (رحلة االستمتاع واالنتقال والتعارف أو ما يعرف ب (شهر العسل))‬
‫‪ .01‬كيف تغريت احلياة بعد الزواج ؟ (احلياة اليومية املخططات النظرة العامة لألمور)‬
‫‪ .00‬هل بقيت العالقة مع عائليت كما كانت قبل الزواج أم تغريت ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ ،‬ملاذا ؟ وكيف ؟‬
‫‪ .05‬هل كنت أمسح لعائليت بالتدخل بشئون زواجي ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬إىل أي مدى ؟ وإذا كانت اإلجابة ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .02‬االنسجام بعد الزواج هل بقي كما كان قبل الزواج ؟ أم زاد ؟ أم نقص ؟ وملاذا ؟‬

‫‪81‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪81‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .05‬هل الوقت املفروض للبيت كاف ؟ وهل أعطي البيت حقه ؟ وهل أهل بييت راضون ؟‬
‫‪ .06‬هل كان ( أو ال يزال) هناك أي نوع من االضطهاد أو سوء املعاملة (نفسي ‪ ،‬جسدي ‪ ،‬عاطفي) ؟‬
‫‪ .05‬ماذا يعين (تعين) زوجي (زوجيت) يل ؟‬
‫‪ .07‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫فصل ‪ :‬األبناء‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬هل كان هناك ختطيط ملا يعرف بتنظيم النسل ؟ وملاذا ؟ (سواء كانت اإلجابة نعم أو ال)‬
‫‪ .2‬هل هناك أبناء ؟ كم عددهم ؟ مىت وهب اهلل أول مولود ؟ وكم الفرق بني كل مولود وآخر ؟‬
‫‪ .5‬هل كان هناك مرد أنوي االنطالق منه والرجوع إليه يف شئون تربية األبناء ؟ ما هو ؟ وهل مت الرجوع إليه فعال ؟‬
‫‪ .6‬هل كانت هناك أية معوقات نفسية أو جمتمعية أو مادية حتيط بظروف احلمل والوالدة وما بعدها ؟ هل مرت فرتة احلمل دون‬
‫مشكالت تذكر ؟ وماذا عن الوالدة و(مصاعبها) ؟ وهل كان هناك شيء من الضيق بعد الوالدة ألي سبب ؟‬
‫‪ .5‬هل بقيت العالقة مع أهلي كما كانت قبل اإلجناب أم تغريت ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬ملاذا ؟ وكيف ؟‬
‫‪ .7‬هل كنت أمسح هلم بالتدخل بشئون تربية األبناء ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬إىل أي مدى ؟ وإذا كانت ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .2‬كيف كان شعوري جتاه زوجي أو زوجيت أثناء فرتة احلمل ؟‬
‫‪ .6‬كيف تغريت احلياة بعد األوالد ؟ (احلياة اليومية املخططات النظرة العامة لألمور)‬
‫‪ .01‬ما هي األنشطة اليت أقوم هبا مع أبنائي (يوميا ‪ ،‬أسبوعيا ‪ ،‬شهريا ‪ ،‬سنويا)‬
‫‪ .00‬هل هناك مشكالت بعينها يف مسألة الرتبية ؟ وملاذا ؟ (سواء كانت اإلجابة نعم أم ال)‬
‫‪ .05‬هل الوقت املفروض لألبناء كاف ؟ وهل هم راضون عين ؟‬
‫‪ .02‬ما مدى معرفيت بأحوال أبنائي ؟ هل أتدخل بشكل كبري يف مشكالهتم ؟ أم أنتظر سؤاهلم وحاجتهم يل ؟ أم أحاول أن ال‬
‫أتدخل أبدا ؟ ما السبب يف أي حالة من األحوال السابقة ؟‬
‫‪ .05‬أود أن نقوم باألنشطة التالية يف البيت (الرجاء ذكرها)‬
‫‪ .06‬أود أن نتخلص من هذه الصفات يف البيت (الرجاء ذكرها)‬
‫‪ .05‬أود أن أنظر يف وجه زوجي ألقول له أو هلا ‪( :‬الرجاء ذكر أي مشاعر أتتين اآلن ‪ ،‬وذكر ما أود قوله)‬
‫‪ .07‬أود أن أمجع أبنائي ألقول هلم ‪( :‬الرجاء ذكر أي مشاعر أتتين اآلن ‪ ،‬وذكر ما أود قوله)‬

‫‪81‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪82‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫فصل ‪ :‬االنفصال (دون طالق) أو الطالق‬

‫‪ .0‬أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬


‫‪ .5‬ما هي نظريت أو فلسفيت لالنفصال أو الطالق ؟‬
‫‪ .2‬من أين تنبع نظريت لالنفصال أو الطالق (من أين أتيت هبا) ؟‬
‫‪ .5‬ملاذا حصل االنفصال أو الطالق ؟ (الرجاء ذكر السبب املباشر وليس األسباب املرتاكمة)‬
‫‪ .6‬ما هي األسباب املرتاكمة اليت أدت لالنفصال أو الطالق من وجهة نظري ؟‬
‫‪ .5‬هل حاولت (حاولنا) االستشارة قبل اختاذ قرار االنفصال أو الطالق ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬من كان (كانت) املستشار‬
‫(املستشارة) ؟ وما أسباب اختياره (اختيارها) ؟ وإذا كانت اإلجابة ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .7‬هل حاولت معرفة أسباب حصول االنفصال أو الطالق ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬ما هي ؟ وإذا كانت ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .2‬العائلة ‪ :‬هل كان هلم سبب مباشر يف هذا االنفصال أو الطالق ؟ وكيف ؟‬
‫‪ .6‬ما الذي أنوي إصالحه يف نفسي لو قدر اهلل يل أن أعود يف تلك العالقة الزواجية ؟‬
‫‪ .01‬ما الذي أنوي السعي إلصالحه يف اآلخرين لو قدر اهلل يل أن أعود يف تلك العالقة الزواجية ؟‬
‫‪.00‬هل هناك أبناء ؟ (الرجاء ذكر عددهم ‪ ،‬وجنسهم ‪ ،‬ومراحلهم العمرية) ‪.‬‬
‫‪ .05‬هل فكرت (فكرنا) بوضع خطة لبقاء التواصل بعد االنفصال أو الطالق لفائدة األبناء ؟ إذا كانت اإلجابة نعم ‪ :‬ما هي اخلطة ؟‬
‫وإذا كانت اإلجابة ال ‪ :‬ملاذا ؟‬
‫‪ .02‬من يفضل األبناء ؟ أنا أم طليقي أو طليقيت ؟ وملاذا ؟‬
‫‪ .05‬هل فكرت باالرتباط بعد االنفصال أو الطالق ؟ وملاذا ؟ (سواء كانت اإلجابة نعم أم ال)‬
‫‪ .06‬كيف أشعر اآلن (بعد االنفصال أو الطالق) ؟‬
‫‪ .05‬ملخص ما مررت به من جتربة (جتارب) يف الزواج ‪.‬‬
‫‪ .07‬ما الذي أود أن أقوله لنفسي ‪ ،‬وألهلي ‪ ،‬وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)‬

‫فصل ‪ :‬من أنا ؟ ومل أنا ؟‬

‫أول ما أتذكره هو ‪( :‬سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ‪ ،‬إخل)‬ ‫‪.0‬‬
‫ما هو أول شعور أو رد فعل ظهر لدي اآلن ؟‬ ‫‪.5‬‬
‫من أنا ؟ (أرجو عدم ذكر االسم أو الصفة أو الديانة أو املهنة أو املكانة اجملتمعية أو إجابات آخرين)‬ ‫‪.2‬‬
‫مب أصف نفسي ؟‬ ‫‪.5‬‬

‫‪82‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪83‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫‪ .6‬ما هو أكثر ما أحب يف نفسي ؟ (الرجاء ذكر ثالث صفات على األقل)‬
‫‪ .5‬ما هو أكثر ما أبغض يف نفسي ؟‬
‫‪ .7‬هل أنا شخصية متكربة ؟ إذا كانت اإلجابة نعم أو ال ‪ :‬ما دالئل ذلك ؟‬
‫‪ .2‬هل أنا شخصية متعلمة (أو قابلة للتعليم واإلصالح) ؟ إذا كانت اإلجابة نعم أو ال ‪ :‬ما دالئل ذلك ؟‬
‫‪ .6‬ما هي مواهيب (اليت أشعر أنين أملكها دون أن أبذل فيها دراسة أو جهدا أو حىت طلبا هلا) ؟ هل أشعر أنين منحت ملواهيب‬
‫الفرصة الكافية لتظهر وتغتنم ؟ هل حتولت هذه املواهب أو بعضها (على األقل) إىل هوايات ؟‬
‫‪ .01‬ما هي هوايايت ؟ ما الذي أفكر فيه يف أوقات الفراغ (إن وجدت) ؟ ما الذي أمتىن أن يكون لدي الوقت الكايف (بعد أن أهني‬
‫واجبايت ومسؤوليايت) ألستمتع مبمارسته ؟ ما األعمال اليت أفكر فيها أكثر من غريها عندما أكون وحدي أو عندما أتأمل يف أي‬
‫أمر ؟ ما الذي أمتىن أن يطلبين اآلخرون ملمارسته أو ملساعدهتم فيه ؟ ما الذي سبق أن طلبين اآلخرون ألساعدهم فيه وأديته على‬
‫وجه متميز ؟ ما الذي أتصور نفسي وأنا أمارسه يف حيايت اليومية بغاية االستمتاع واإلنتاج يف آن واحد ؟‬
‫‪ .00‬مل أنا هنا على األرض ؟ وهل أفعل ما يربهن اإلجابة على هذا السؤال ؟ وكيف ؟ (بشكل تفصيلي يف حيايت اليومية)‬
‫‪ .05‬ما هو هديف األكرب يف هذه احلياة ؟‬
‫‪ .02‬ماذا فعلت وأفعل لتحقيق هديف األكرب يف هذه احلياة ؟ (بشكل تفصيلي يف حيايت اليومية)‬
‫‪ .05‬ماذا فعلت لتحقيق هديف األكرب ؟ (الوسائل أهدايف املرحلية بشكل عملي يومي) ‪:‬‬
‫‪ .06‬ملخص جلدول حيايت اليومية ‪:‬‬
‫‪ .05‬ملاذا أكتب كل هذه املعلومات ؟‬
‫‪.07‬مما سبق ‪ ،‬هذا ما خرجت به كملخص ملسرية حيايت ‪:‬‬

‫رسالة وصلتين من ابن إحدى املراجعات بعد أقل من أسبوعني من العمل على [قراءة النفس] ‪:‬‬

‫(السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ‪ ،‬بداية جزاك اهلل خريا ‪ ،‬لقد أصبحت أمي بفضل اهلل ممتازة وكأهنا مل تكن مريضة بتاتا ‪ ،‬وإذا نظرت‬
‫إليها اآلن يستحيل أن تقول إهنا نفسها املرأة اليت كلمتها منذ أسبوعني ‪ ،‬التحسن فاجأ اجلميع إال أنا ‪ ،‬وبعد فضل اهلل والتوكل عليه‬
‫أوال ‪ ،‬فقد ساهم يف هذا التحسن ملف قراءة النفس وكف أذى اآلخرين من خالل منعهم عن االستعجال بالدواء الكيميائي أو‬
‫جلسات الكهرباء أو الرسائل السالبة وتأمني جو حميط متفهم ومقتنع بضرورة الصرب وعدم االهنيار أمامها واالتصال املستمر هبا وسؤاهلا‬
‫عن نفسها وتوجيه االهتمام إليها ‪ .‬اآلن انعكس الوضع ‪ ،‬أصبح الكل فرحا ومطمئنا ‪ ،‬أصبحت تعمل يف البيت وحتب اخلروج‬
‫وعادت عالقتها مع الوالد ممتازة وأصبحت تقول له ما يف داخلها وما كان يزعجها منه يف السابق) ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪84‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫سؤال ‪ :‬وماذا بعد قراءة النفس ؟‬

‫جواب ‪:‬‬

‫بعد قراءة النفس ‪ ،‬وبعد أن رأيت ما يل وما علي ‪ ،‬وبعد أن ظهر يل من النفس ما أحب وما قد أكره ‪ ،‬ال تكتمل رحلة [فقه النفس]‬
‫إال إذا خطوت خطوة ثانية ‪ ،‬خطوة تكمل سابقتها ‪ ،‬وتبين جسرا ملا يليها ‪ ،‬تلك هي ‪ :‬قبول النفس ‪.‬‬

‫ويف طور قبول النفس ‪ ،‬أقبل نفسي كما هي ‪ ،‬كما وجدهتا ‪ ،‬مبا فيها من نقاط ضعف أو جتارب سالبة أو ظروف صعبة ؛ والقبول ال‬
‫يعين املوافقة ‪ ،‬فأنا أقبل نفسي وال أتفق مع ما فيها من شوائب وعيوب ؛ كما إن القبول ال يعين القناعة والتوقف عند ما وصلت إليه‬
‫النفس ‪ .‬أما إذا رفضت نفسي واحتقرهتا أو امتهنتها فلن يكون هناك فسحة للتعامل معها أو رمحتها أو إصالحها ‪ ،‬ومن مث لن يكون‬
‫هناك فرصة لالنتقال إىل الطور اآلخر ‪( :‬تقدير النفس) ‪.‬‬

‫ولكن ‪ :‬ملاذا قبول النفس ؟‬

‫جواب ‪ :‬إذا رفضت النفس ‪ ،‬وقعت يف فخ الغربة اليت أخشاها ‪.‬‬

‫أما إذا قبلت نفسي ‪ ،‬فإن من مثرات قبول النفس ‪:‬‬

‫الرضا وعدم السخط ‪.‬‬


‫رمحة النفس (وإال كان جلد الذات هو األوىل) ‪.‬‬
‫اإلجيابية ‪ ،‬وعدم الوقوع يف فخ اخلوف من انتقاد اآلخرين السالب وتكريه نفسي إيل ‪ ،‬وفخ تقليد اآلخرين دون وعي أو توجه‬
‫حقيقي ‪ ،‬وفخ الدونية أو ما يعرف بـ ـ عقدةالنقص ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬
‫الطمأنينة والسالم الداخلي ‪.‬‬
‫بداية الشعور باألنس يف خلويت ‪ .‬ويتبع هذا ‪ :‬االنشغال بالنفس عن اآلخرين ‪.‬‬
‫عدم اخلوف من الوحدة ‪.‬‬
‫التعبري بصراحة عن نفسي وما فيها ‪.‬‬
‫وأخريا الطور اآلخر ‪ :‬تقدير النفس ‪ ،‬إىل غري ذلك من مثرات ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪85‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫كيف يكون قبول النفس ؟‬

‫وبعبارة أخرى ‪ :‬كيف أقبل نفسي إذا كنت قد رفضتها مسبقا ؟ كيف ميكنين أن أنسى ما وصلت إليه ؟ كيف أغفر هلا خطأها‬
‫وتقصريها وزالهتا ؟‬

‫جواب ‪ :‬لإلجابة عن هذا السؤال ‪ ،‬نبحث عن ما يدل عليه كل من العقل والنقل يف هذا األمر ‪.‬‬

‫أما يف العقل ‪:‬‬

‫أنا لست مسؤوال أو مسؤولة عن الظروف اخلارجية ‪ ،‬بل ما كان يل يد فيه عن قصد وإدراك ‪.‬‬
‫اخلطأ ضرورة من ضرورات التعلم ‪.‬‬
‫التعلم ال يعين الكمال ‪.‬‬
‫السعي إىل الكمال مطلوب ‪ ،‬وتوقع الكمال املطلق وهم ‪.‬‬
‫الكمال املطلق للجماعة يعين امتناع سنة التدافع ‪.‬‬
‫الكمال املطلق للفرد يعين امتناع الدافع والتحفيز ‪.‬‬

‫وأما يف النقل ‪ :‬فإننا نقرأ ما يدلنا على أن النفس ليست معصومة مطهرة كاملة ‪ ،‬بل إن من طبعها الضعف والسوء وظلم النفس‬
‫والعناد والعجلة والوسوسة واهلوى والفتنة والشح ‪ ،‬هكذا خلقها اهلل ‪ ،‬حلكمة أرادها ‪ ،‬ولعل طبيعة البالء واالمتحان الدنيوي هو من‬
‫أبرز مظاهر هذه احلكمة ‪ .‬ولعل هذا مما يعني يف قبول النفس وعدم حتميلها أكثر مما تطيق ‪ ،‬إال إن هذا ال يعين موافقة النفس والرضا‬
‫بواقعها ‪:‬‬

‫القرآن ‪ :‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 525‬ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن اهلل مل يكلف النفس مبا ال تطيق‬
‫ابتداء ‪ ،‬وأن النفس ال تؤاخذ مبا ال تطيق ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 52‬يريد اهلل أن خيفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن الضعف طبيعة‬
‫يف النفس البشرية ‪ ،‬إال إن هذا الضعف قابل للتوجيه ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪86‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫القرآن ‪ :‬سورة النساء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 52‬إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء ومن يشرك باهلل فقد افرتى إمثا‬
‫عظيما﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن كل ما عدا الشرك فهو مغفور ‪ ،‬بإذن اهلل ‪( .‬ويبقى هنا أن يكون اهلل ورضاه هو األوىل ‪ ،‬وهو‬
‫على رأس قائمة أولوياتنا وتفكرينا ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة يوسف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 62‬وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ ‪ .‬فدل‬
‫القرآن على أن من طبيعة النفس أن تأمر بالسوء ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة إبراهيم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 25‬وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة اهلل ال حتصوها إن اإلنسان لظلوم كفار﴾ ‪.‬‬
‫فدل القرآن على أن من طبيعة اإلنسان أن يظلم نفسه (وغريه) ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة النحل ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 5‬خلق اإلنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبني﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن من طبيعة اإلنسان‬
‫اجلدل والعناد ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة اإلسراء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 00‬ويدع اإلنسان بالشر دعاءه باخلري وكان اإلنسان عجوال﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن من‬
‫طبيعة اإلنسان العجلة واستشراف النتائج دون صرب ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة الكهف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 65‬ولقد صرفنا يف هذا القرآن للناس من كل مثل وكان اإلنسان أكثر شيء جدال﴾ ‪ .‬فدل‬
‫القرآن على أن من طبيعة اإلنسان اجلدل ‪ ،‬وهو صورة من صور العجلة واستشراف النتائج دون صرب ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة األنبياء ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 27‬خلق اإلنسان من عجل سأريكم آيايت فال تستعجلون﴾ ‪ .‬فدل القرآن على أن من طبيعة‬
‫اإلنسان العجلة واستشراف النتائج دون صرب ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة يس ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 77‬أومل ير اإلنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبني﴾ ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة فصلت ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 56‬ال يسأم اإلنسان من دعاء اخلري وإن مسه الشر فيؤوس قنوط﴾ ‪ .‬فدل القرآن على من‬
‫طبيعة اإلنسان الشغف والتطلع جبد واجتهاد إىل ما يظنه خريا (من شهوات خمتلفة) مع قنوطه السريع من أي ابتالء ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة الشورى ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 52‬فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إال البالغ وإنا إذا أذقنا اإلنسان منا‬
‫رمحة فرح هبا وإن تصبهم سيئة مبا قدمت أيديهم فإن اإلنسان كفور﴾ ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة الزخرف ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 06‬وجعلوا له من عباده جزء إن اإلنسان لكفور مبني﴾ ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة ق ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 05‬ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وحنن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ ‪ .‬فدل‬
‫القرآن على أن النفس توسوس لصاحبها أو صاحبتها ‪ ،‬وهذا من طبيعتها ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة النجم ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 52‬إن هي إال أمساء مسيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اهلل هبا من سلطان إن يتبعون إال الظن وما‬
‫هتوى األنفس ولقد جاءهم من رهبم اهلدى﴾ ‪ .‬فدل القرآن أن النفس (هتوى) ‪ ،‬ولفظ (هتوى) يدل على اجلذب إىل األسفل‬
‫واإلسقاط إىل الدون ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة احلديد ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 05‬ينادوهنم أمل نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم األماين‬
‫حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور﴾ ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪87‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫القرآن ‪ :‬سورة التغابن ‪ :‬اآلية ‪﴿ : 05‬فاتقوا اهلل ما استطعتم وامسعوا وأطيعوا وأنفقوا خريا ألنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك‬
‫هم املفلحون﴾ ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة املعارج ‪ :‬اآليات ‪﴿ : 50-06‬إن اإلنسان خلق هلوعا ‪ ،‬إذا مسه الشر جزوعا ‪ ،‬وإذا مسه اخلري منوعا﴾ ‪.‬‬
‫القرآن ‪ :‬سورة العلق ‪ :‬اآليتان ‪ ﴿ : 7 ، 5‬كال إن اإلنسان ليطغى ‪ ،‬أن رآه استغىن﴾ ‪.‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬كل ابن آدم خطاء ‪ ،‬وخري اخلطائني التوابون) ‪[ .‬حديث حسن]‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬لو مل تذنبوا ‪ ،‬لذهب اهلل بكم ‪ ،‬وجلاء بقوم ‪ :‬يذنبون ‪ ،‬فيستغفرون اهلل ‪ ،‬فيغفر هلم)‬
‫‪[ .‬حديث صحيح]‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬كل ميسر ملا خلق له) ‪[ .‬حديث صحيح]‬

‫وأعود ألوجز أسباب قبول النفس يف النقل ‪:‬‬

‫القرآن يفرق بني اإلنسان ‪ ،‬واإلنسان املفكر (املسلم واملؤمن والكافر واملشرك واملنافق) ‪ .‬ومن هنا ‪ ،‬فإن اإلنسان بطبيعته قابل‬
‫للخطأ دون تفكري ‪ ،‬أما اإلنسان املفكر ‪ ،‬فاألصل أنه حيتاج إىل تعلم وتدريب ‪.‬‬
‫اإلنسان يف القرآن خملوق قابل للنقص واخلطأ ‪ ،‬لكنه مطالب بالتزكية والعمل ‪.‬‬
‫خلق اإلنسان للخالفة والعبادة ‪ ،‬وكل ما دون ذلك هني ‪ ،‬طاملا أنين على قيد احلياة ‪.‬‬

‫وماذا بعد قبول النفس ؟‬

‫تقدير النفس ‪ :‬وتقدير النفس هو املدخل املباشر ملا نعرفه بـ ـ تزكية النفس ‪ .‬وهو رفع النفس وتنميتها واالرتقاء هبا ‪.‬‬

‫ولكن ‪ :‬ملاذا تقدير النفس ؟‬

‫وبعبارة أخرى ‪ :‬ماهي مثرات تقدير النفس ؟‬

‫الفتة ‪ :‬مثرات تقدير النفس هي ذاهتا مثرات التخلية والتحلية ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪88‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫اتفق العقل والنقل على أن األسباب اليت جتعل من تقدير النفس أمرا مهما ما يلي ‪:‬‬

‫أن تقدير النفس هو العملية املكملة لفقه النفس ‪ ،‬بعد قراءة النفس وقبوهلا ‪.‬‬
‫أن كل ما ورد من أسباب يف [ملاذا فقه النفس] لن يكون له أثر بدون تقدير النفس ‪.‬‬
‫إلشعار النفس حبقها وبالتايل أمهيتها ؛ وإال كان احلاصل (الشعور بالنقص وتقليد اآلخرين جبهل) ‪.‬‬
‫ما يعود به تقدير النفس من قوة الشخصية (الناجتة عن الشجاعة يف مواجهة األخطاء واملاضي والظروف) ‪.‬‬
‫جتاوز املدخالت السالبة واملعوقات اخلارجية ‪.‬‬
‫التعلم من الدروس ‪.‬‬
‫التخلية أو التفريغ ‪.‬‬
‫الطمأنينة ‪.‬‬
‫األنس بالنفس قبل االخرين ‪ ،‬بل وقبل اجلمادات (اليت يلجأ إليه البعض ليأنسوا هبا) ‪ .‬ولعل من صور هذه الثمرة ‪ :‬الضحك‬
‫للنفس ال لعدوى اجلماعة فقط ‪.‬‬
‫االقتصاد وعدم اإلسراف ‪ ،‬وهو أمر ناتج عن حماولة حتصيل اإلنس باملادة (بيت أو جهاز أو سيارة أو غري ذلك) ‪.‬‬
‫كف أذى النفس عن اآلخرين ‪.‬‬
‫االنتباه والرتكيز واالعتناء باهلدف ‪.‬‬
‫اغتنام الوقت ‪.‬‬
‫اإلنتاجية ‪.‬‬
‫اإلجيابية جتاه اآلخرين ‪.‬‬
‫السعادة ‪.‬‬
‫الرضا الداخلي ‪ .‬ومن صور هذا ‪ :‬تقدير الفعل والفرح به دون االعتماد على رأي اآلخرين ‪.‬‬
‫احتواء اآلخرين ومشكالهتم ‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫كيف أقدر نفسي ؟‬

‫باختصار ‪ ،‬بالتخلية والتحلية ‪.‬‬

‫والبداية تكون مع التخلية (أو التفريغ ‪ ،‬أو السالمة أو الطمأنينة) ‪ ،‬حيث أقوم بتخلية (نفسي) من أثقاهلا وأمحاهلا ومشاعرها السالبة‬
‫جتاه ذاهتا أو اآلخرين ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪89‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وها هنا التفصيل ‪:‬‬

‫أبدأ بإعادة النظر يف املستودع وما حيويه ‪ ،‬أي أبدأ بـ ـ [قراءة النفس] ‪.‬‬
‫الفتة ‪[ :‬قراءة النفس] هذه املرة ختتلف عن القراءة األوىل ‪ ،‬ألهنا جاءت بعد [قبول النفس] ‪.‬‬
‫مث أبدأ بعمل جرد ملكونات النفس ‪ :‬السالب منها واملوجب ؛ احلسنات والسيئات ؛ املناقب والعيوب ‪.‬‬
‫مث أفصل ما أود التخلص منه من الشوائب عن غريه ؛ والشوائب هي كل ما من شأنه أن يعوق النفس ويدنسها ‪ ،‬سيما األفكار‬
‫واملشاعر والعادات السالبة ‪ ،‬سواء كانت أثرا ملكبوتات ماضية ‪ ،‬أو لتجارب سالبة أو سيئة ‪ ،‬أو ملكتسبات من هنا وهناك ‪.‬‬
‫ولعل من أبرز ما يظهر على السطح من شوائب ‪ ،‬هي تلك اليت تتعلق مبا أمحله يف نفسي من مشاعر سالبة جتاه اآلخرين تشكل‬
‫حاجزا بيين وبني نفسي ‪.‬‬

‫والسؤال هنا ‪ :‬ملاذا أفرغ ما يف داخلي ؟ ملاذا ال أمضي وحسب ؟ ما املشكلة يف (الشوائب) ؟‬

‫واجلواب ‪:‬‬

‫إن األصل عدم العيش مع حدث أو موقف أو أمر له أثر سالب أكثر من حدوده الزمنية أو املكانية ‪ ،‬وبعبارة أخرى ‪ :‬ينبغي علي أن‬
‫ال أنتهي من حدث أو موقف أو أمر له أثر سالب إال وقد أفرغت كل ما يف جعبيت جتاهه وجتاه كل ما يتعلق به (سواء كان ذلك‬
‫عامال بشريا أو ماديا أو حىت ذهنيا) ؛ ألن النفس هي عبارة عن ناتج وحمصلة ملا مضى ‪ ،‬فإذا مل أفرغ ما فيها من شوائب ‪ ،‬سيبقى‬
‫أثر هذه الشوائب عالقا يف النفس ظاهرا عليها ولو بعد حني ‪.‬‬

‫وكم رأيت يف حيايت اليومية ‪ ،‬خارج العيادة النفسية وداخلها ‪ ،‬من أعراض نفسية وأمراض ‪ ،‬ما هي إال صدى ملكبوتات يف النفس ‪،‬‬
‫خاف أصحاهبا ‪ ،‬أو خجلوا ‪ ،‬أو ضعفوا أن يظهروها أو يتحدثوا عنها أو يلقوا هبا لينطلقوا بأنفسهم وحيرروها ‪.‬‬

‫وأتوقف هنا ‪ ،‬ألذكر نفسي وأذكركم بقصة [النفس والسرداب] ‪ ،‬حيث الشوائب ما هي إال أثر من آثار حبس النفس ومنعها عن أن‬
‫خترج لتعرب عن ذاهتا أمام اآلخرين ‪.‬‬

‫ولكن ‪ ،‬كيف أقوم بعملية التخلية أو التفريغ ؟‬

‫‪89‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪91‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫واجلواب ‪:‬‬

‫بداية ‪ ،‬ال بد يل من التنبه واحلرص على أن يكون اهلدف من التخلية (أو التفريغ) هو تنقية النفس وتصفيتها مما يشوهبا ‪ ،‬فقط ‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى ‪ ،‬اهلدف هو ختفيف النفس من أمحاهلا الزائدة وإلقاء ما يثقلها ويعوقها عن التزكية واالرتقاء ‪.‬‬

‫أقول هذا ‪ ،‬وأنا حريص كل احلرص ‪ ،‬وألفت النظر إليه ‪ ،‬لسبب مهم ‪ ،‬وهو ما شهدته من حرص البعض على أن يكون اهلدف من‬
‫التخلية (والتفريغ) هو إلقاء األمحال على اآلخرين ‪ ،‬أو بعبارة أخرى ‪ :‬االنتقام من اآلخرين ‪.‬‬

‫ولقد رأيت حتوال عجيبا عند البعض ؛ فبعد اجلهل أو الكرب أو القصور النفسي ‪ ،‬وبعد الضعف الناشئ عن حبس النفس والغربة عنها‬
‫‪ ،‬يستحيل (أو يتحول) الضعف قوة عارمة متطرفة وغري عاقلة ‪ ،‬فأراهم فجأة ‪ ،‬يهرعون هربا من سرداهبم ‪ ،‬ليهجموا بقسوة غري‬
‫مسبوقة على اآلخرين ‪ ،‬ليفرغوا فيهم مكبوتات أنفسهم ‪ ،‬ويلقوا عليهم بأثقاهلم !!!‬

‫واملشكلة يف مثل هذا النوع من التخلية (أو التفريغ) تكمن فيما يلي ‪:‬‬

‫أنه يعين أن نفسي ليست هي األولوية لدي ‪ ،‬بل اآلخرون ؛ حيث إنين ال أزال منشغال هبم أكثر من شغلي بنفسي ‪.‬‬
‫أن ما يبقى بعدها (من شوائب جديدة) قد يكون أسوأ أثرا من الرواسب اليت مت ختليتها وتفريغها ‪.‬‬
‫أهنا تؤخر عملية التزكية ‪ ،‬وتضيف أمحاال زائدة إضافية إىل األمحال اليت كان األوىل أن أختلص منها ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬من الطبيعي ‪ ،‬واملفهوم يف سرية النفس البشرية ‪ ،‬أن حيصل هذا مع البعض يف بداية األمر ‪ ،‬أي يف بداية سلوكهم طريق التزكية‬
‫‪ ،‬كأي بداية ‪ ،‬سيما إن األمر حيتاج إىل رياضة وإىل تدريب ؛ ولكن املشاهدة والتجربة تطلعنا على حقيقة ‪ ،‬وهو أن الناس ‪ ،‬إذا‬
‫صدقوا النية يف أمر التزكية ‪ ،‬ال يلبثون أن يتمرسوا ويتقنوا التخلية (والتفريغ) بصورته األمثل ‪.‬‬

‫التخلية والتفريغ ‪ :‬صور خمتلفة‬

‫فإذا كان األمر بيين وبني اهلل ‪ ،‬فال حيتمل إال أن يكون ذنبا حيتاج إىل توبة ‪ ،‬أو شعورا بالتقصري حيتاج إىل عزم على علو اهلمة ‪ ،‬أو‬
‫رغبة يف البوح والدعاء حيتاج إىل خلوة مع اهلل ‪ ،‬سواء يف البيت أو مكان الدراسة أو العمل (املهنة) أو حىت يف السيارة ؛ ويغين عن‬
‫ذلك كله ركعة (الوتر مثال) يف جوف الليل (فيها إقبال على اهلل ‪ ،‬وبوح ودعاء ‪ ،‬وتوبة) ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪91‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وإذا كان األمر بيين وبني نفسي ‪ ،‬فهو كاحلالة األوىل ‪ ،‬من حيث إهنا حتتاج إىل خلوة مع النفس ‪ .‬وهنا أدعو للرجوع إىل ما ذكرناه‬
‫من ما يدل عليه كل من العقل والنقل يف [كيف يكون قبول النفس] ‪.‬‬

‫وإذا كان األمر بيين وبني آخرين ‪ ،‬فإنه ال خيرج عن أن يكون أحد أمرين ‪:‬‬

‫أوهلما ‪ :‬أن يكون اإلنسان (اآلخر) على وجه هذه األرض ‪ ،‬أي ‪ :‬على قيد احلياة ‪ .‬وهنا تكون التخلية والتفريغ باملواجهة واحلوار‬
‫املباشر ؛ وهذا ‪ ،‬بالرغم من صعوبته ‪ ،‬أفضل من غريه ‪ ،‬لتدريب النفس على عدة أمور ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫املواجهة وعدم اهلرب ‪ ،‬وما يتبع ذلك من قوة حقيقية وصدق مع النفس واآلخرين ‪.‬‬
‫التعبري عن النفس بشكل أفضل دون أخطاء (حىت ولو أخطأت مرات ‪ ،‬فالتعلم واخلطأ ضرورة) ‪.‬‬
‫تقدير النفس أمام اآلخرين (أي ‪ :‬حترير النفس من سجنها) ‪.‬‬
‫القدرة على تعليم اآلخرين باملثال أو القدوة ‪ .‬والتعليم باملثال أو القدوة ليس ضربا من التعايل أو الفوقية يف التعامل مع اآلخرين ‪،‬‬
‫إمنا هو من حق اآلخرين علينا ‪ ،‬فكأننا نقول ‪ :‬إن من حقكم علينا أن هنديكم مما هدينا إليه ‪ ،‬وأن نذيقكم من حلو ما ذقنا ‪،‬‬
‫وأن مند بأيدينا إليكم لنخرجكم من سراديبكم ‪ .‬وأذكر هنا قول الشافعي ‪ :‬ولكنين أسعى ألنفع صاحيب ‪ ...‬وعار على الشبعان‬
‫إن جاع صاحبه ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬املواجهة واحلوار املباشر هو مما يستصعبه البعض ‪ ،‬سيما أولئك الذين مل يفقهوا حقيقة [تقدير النفس] وإعطائها حقها وحتريرها‬
‫من سجنها وسرداهبا ‪ ،‬وخاصة إذا كان (اآلخر) هنا هم شخوصا ال يريدون أن يضعوا أنفسهم يف مواجهة (صرحية) معهم ‪ ،‬مثل‬
‫الوالدين ‪ ،‬ووالة األمر ‪ ،‬وكل من خنشى أن (جنرحهم) أو (نفقدهم) !!!‬

‫ثانيهما ‪ :‬أن يكون اإلنسان (اآلخر) قد فارق أو فارقت وجه هذه األرض (أي يف عامل القرب والربزخ) أو يصعب الوصول إليه أو إليها‬
‫أو يصعب احلصول على (حقي) منه أو منها ‪ ،‬فإن هذا مما يصعب على البعض التعامل معه ‪ .‬وهلذا ‪ ،‬فأنا أذكر هنا ما قد يهون‬
‫األمر ويقربه من أذهان الناس ‪ ،‬فعلي قبل أن أشرع بالتخلية أو التفريغ يف هذه احلالة أن أفقه ما يلي ‪:‬‬

‫[قبول النفس] ‪.‬‬


‫[تقدير النفس] ‪.‬‬
‫[التخلية والتفريغ] ‪ ،‬سيما اهلدف منها ‪.‬‬
‫أن نفسي هي أوىل باالهتمام واالنشغال ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪92‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫أن تزكييت لنفسي وهي على وجه هذه األرض أوىل من االنشغال مبن ليسوا على وجه هذه األرض ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) ما هو أو ما هي إال نفس أخرى ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي ضحية من نوع آخر جلهل أو لكرب أو لقصور نفسي ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي نفس حبيسة يف سرداب آخر ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي يف حالة من الضعف تدعوين أن أرثي له أو هلا ال أن أنتقم منه أو منها ‪ ،‬فلوال ما فيه أو فيها من‬
‫جهل وضعف ملا صدر منه أو منها ما صدر ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي ليس شرا حمضا بل فيه أو فيها من اخلري ما قد أعلمه أو أجهله ؛ وقد يكون سبب جهلي وعدم‬
‫رؤييت هلذا اخلري انشغايل الزائد مبا ظهر من (شر) ‪.‬‬
‫أن اإلنسان (اآلخر) أصبح أو أصبحت يف دار احلق والعدل ‪.‬‬
‫أن هناك يوما سأقف معه أو معها أمام اهلل ‪.‬‬

‫إذا فقهت هذا كله وأحسنت العمل به ‪ ،‬أصبح من السهل علي أن أمارس التخلية والتفريغ كما يلي ‪:‬‬

‫الدعاء بأن يزيل اهلل كل ما يف صدري عليه أو عليها ؛ ألن بقاء شيء من املشاعر السالبة يف صدري لن يغري من مصريه أو‬
‫مصريها أمام اهلل ‪ ،‬ولن يعجل يف القصاص األخروي ‪ ،‬ولكنه سيثقلين أنا حيث ال أريد هذا الثقل يف دنياي ‪ ،‬وهبذا ‪ ،‬فكل ما‬
‫أدعو اهلل أن يلهمين إياه هو أن يشفي صدري من االنشغال به أو هبا بشكل سالب ‪.‬‬
‫الدعاء له أو هلا باخلري ‪ ،‬واالستغفار له أو هلا ‪ ،‬يف صالة الليل مثال ؛ وهذا اخليار هو ما ننصح به يف حالة الوالدين أو األقربني‬
‫أو األصحاب أو كل من نظن فيهم خريا ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬لعل من الواضح هنا أن موضوع التخلية والتفريغ مع (اآلخرين) أخذت من الكتابة أكثر من غريها بكثري ‪ ،‬وهذا إن دل فإمنا‬
‫يدل على إشكالية االنشغال باآلخرين ‪ ،‬ذلك االنشغال الزائد الذي جيعل من (اآلخرين) مها ال عونا !‬

‫التخلية والتفريغ ‪ :‬قصص‬

‫عن أنس بن مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا جلوسا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪( :‬يطلع عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة) ؛ فاطلع‬
‫(أي ‪ :‬فطلع) رجل من األنصار تنطف حليته من وضوئه وقد تعلق نعليه يف يده الشمال ‪ ،‬فسلم ‪ ،‬فلما كان الغد قال النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم مثل ذلك ‪ ،‬فطلع ذلك الرجل مثل املرة األوىل ‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال النيب صلى اهلل عليه وسلم مثل مقالته أيضا ‪،‬‬
‫فطلع ذلك الرجل على مثل حاله األوىل ‪ ،‬فلما قام النيب صلى اهلل عليه وسلم تبعه عبد اهلل بن عمرو بن العاص فقال ‪( :‬إين الحيت‬

‫‪92‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪93‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫أيب (يعين ‪ :‬خاصمت أيب) فأقسمت أن ال أدخل عليه ثالثا ‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويين إليك حىت حتل مييين فعلت) ‪ ،‬قال‪( :‬نعم) ‪ ،‬وكان‬
‫عبد اهلل حيدث أنه بات معه تلك الليايل الثالث فلم يره يقوم من الليل شيئا غري أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر اهلل عز وجل وكرب‬
‫حىت يقوم لصالة الفجر فيسبغ الوضوء ‪ ،‬قال عبد اهلل ‪( :‬غري أين مل أمسعه يقول إال خريا ‪ ،‬فلما مضت الثالث ليال ‪ ،‬وكدت أن‬
‫أحتقر عمله ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا عبد اهلل ‪ ،‬إين مل يكن بيين وبني أيب غضب وال هجر ‪ ،‬ولكين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‬
‫لنا ثالث مرات ‪( :‬يطلع عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة) فطلعت أنت الثالث مرات ‪ ،‬فأردت أن آوي إليك ألنظر ما عملك‬
‫فأقتدي به ‪ ،‬فلم أرك تعمل كثري عمل ‪ ،‬فما الذي بلغ بك ما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؟) ‪ ،‬فقال ‪( :‬ما هو إال ما رأيت)‬
‫‪ ،‬فلما وليت دعاين ‪ ،‬فقال ‪( :‬ما هو إال ما رأيت ‪ ،‬غري أين ال أجد يف نفسي غال ألحد من املسلمني غشا وال أحسد أحدا على‬
‫خري أعطاه اهلل إياه) ‪ ،‬فقال عبد اهلل ‪( :‬هذه اليت بلغت بك ‪ ،‬وهي اليت ال نطيق) ‪[ .‬رواه أمحد بإسناد صحيح على شرط الشيخني ‪:‬‬
‫البخاري ومسلم]‬

‫يف خالفة عمر بن اخلطاب ‪ ،‬صعد على املنرب ونادى يف الناس ‪( :‬الصالة جامعة) ‪ ،‬وكان هذا النداء حينذاك مبثابة صفارة إنذار (نفري‬
‫أو عدو أو توزيع غنائم) ‪ ،‬فاجتمع الناس ‪ ،‬واعتلى أمري املؤمنني املنرب ‪ ،‬مث قال ‪( :‬ما زلت أذكر يوم كنت رويعي الغنم ‪ ،‬أرعى‬
‫غنيمات خلاالت يل بكف من التمر) ‪ ،‬فقال أحد الصحابة ‪( :‬أهلذا مجعتنا يا أمري املؤمنني ؟) ‪ ،‬فقال عمر ‪( :‬بلى ‪ ،‬حدثتين نفسي‬
‫بأين أمري املؤمنني ‪ ،‬فأردت أن أذهلا أمامكم) ‪ .‬والسؤال هنا ‪ :‬هل أستطيع أن أذم نفسي هكذا أمام غريي ؟ فكيف إذا كان األمر‬
‫رأس الدولة أمام رعيته ؟!‬

‫دخل عمر بن عبدالعزيز املسجد وبرفقته مستشاره رجاء ابن حيوه وبعض املرافقني ‪ ،‬ومل يكن آنذاك إضاءة ‪ ،‬فمر بطريقه برجل نائم ‪،‬‬
‫فداس على قدمه ‪ ،‬فصرخ الرجل ‪( :‬يا هذا ‪ ،‬أأنت أعمى ؟) ‪ ،‬فانتفض بعض مرافقي اخلليفة ‪( :‬كيف يشتم الرجل أمري املؤمنني ؟) ‪،‬‬
‫فنهاهم اخلليفة وقال للرجل ‪( :‬ال ‪ ،‬لست أعمى) ‪ ،‬واعتذر له ‪ ،‬مث التفت إىل مرافقيه وقال ‪( :‬الرجل نائم ‪ ،‬وقد أزعجناه ‪ ،‬وسألين‬
‫أأنت أعمى ؟ فرددت عليه مبا مسعتم ‪ ،‬وكفى) ‪ .‬إن مثل هذا ال يكون إال من نفس مطمئنة باهلل أوال ‪ ،‬مث نفسها ثانيا ‪ ،‬وليس‬
‫لآلخرين مكان أكثر مما يستحقونه فيها ‪.‬‬

‫ما العمل مع كل من هذه األمثلة ؟ وكيف ميكنين أن أفرغ ما ميكن أن يعلق يف نفسي من آثار سالبة من مواقف مثيلة ؟ مث كيف‬
‫ميكنين أن أقوم بعملية التفريغ دون إحداث ضرر جانيب (يل ولغريي) ؟‬

‫التخلية والتفريغ ‪ :‬تدريبات‬

‫‪93‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪94‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫ما العمل مع كل من هذه األمثلة ؟ وكيف ميكنين أن أفرغ ما ميكن أن يعلق يف نفسي من آثار سالبة من مواقف مثيلة ؟ مث كيف‬
‫ميكنين أن أقوم بعملية التفريغ دون إحداث ضرر جانيب (يل ولغريي) ؟‬

‫الفتة ‪ :‬اإلجابات موجهة ملن ال يستطيعون جتاوز هذه املواقف بسهولة ‪ ،‬فقد أقول ‪ :‬أنا ال أحتاج مثل هذه اإلجابات ‪ ،‬فقد كفاين‬
‫اشتغايل باهلدف الذي أحيا من أجله (رضا اهلل) ‪ ،‬وأغناين سعيي يف يومي عن هوامش األمور وتوافهها ‪ ،‬وآنستين تلك الطمأنينة‬
‫الداخلية اليت تغنيين عن االنشغال باآلخرين ‪ ،‬هنا أقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬إن كنت كذلك فأنا ال أحتاج هلذه اإلجابات ‪ ،‬ولكننا هنديها ملن مل‬
‫يصلوا بعد إىل تلك الدرجة من الطمأنينة ‪.‬‬

‫تدريب ‪ :‬شخص تلفظ جتاهي بلفظ سيء ومهني ‪ ،‬مما أثر يف نفسي !‬

‫هنا ‪ ،‬أحاول أن أوصل هلذا الشخص بأي طريقة كانت ‪ ،‬وأفضلها املواجهة املباشرة (كما ذكرنا) ‪ ،‬فأوصل هلا أو هلا أن كلماته أو‬
‫كلماهتا تركت لدي أثرا سالبا ‪ .‬ولكن دون أن أردها بأخرى مثلها ؛ ألن املطلوب أن أفرغ ما لدي من مشاعر سالبة ‪ ،‬كأنين ألقيها‬
‫من على كتفي أو أزحيها من فوق صدري ‪ ،‬دون أن يعين ذلك بالضرورة أن أنتقم ‪ ،‬ألن االنتقام يف حد ذاته سيفتح ملفا آخر‬
‫سأضطر إلغالقه فيما بعد ‪ ،‬ألن نفسي لن تطمئن بإيذاء اآلخرين ‪.‬‬

‫وكمثال عملي ‪ :‬أهاتفه أو أهاتفها ‪ ،‬فأقول ‪ :‬السالم عليكم ‪ ،‬أردت أن أعلمك فقط أنين استأت من املوقف الفالين ‪ ،‬وليس سبب‬
‫مهاتفيت أنين أحبث عن اعتذار ‪ ،‬فهذا شأنك وقرارك وراجع إليك ‪ ،‬ولكين أود فقط أن ألقي عين هذا احلمل الثقيل كي ال يكون يف‬
‫نفسي عليك شيء بعد ذلك ‪ ،‬واهلل أسأل أن ال أكون قد ظلمتك يف مكامليت هذه ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬اللفظ (املسيء واملهني) قد ال يكون مسيئا حقا وال مهينا ‪ ،‬سيما إذا قدرت نفسي وأعطيتها حقها من التقدير مبا ال يدع جماال‬
‫لآلخرين أن حيددوا هم ما هو مسيء أو مهني ‪ .‬أما أنا ‪ ،‬فأرى أن اإلساءة هي إساءيت لنفسي ‪ ،‬واإلهانة هي إهانيت لنفسي ‪.‬‬

‫تدريب ‪ :‬أقارب (رحم) يتنكرون إيل ويسيئون التعامل كلما حاولت التودد إليهم ‪.‬‬

‫هنا ‪ ،‬علي أن أبقي على عالقيت برمحي وأقربائي ‪ ،‬وأستشعر حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم عندما جاءه رجل يشتكي إليه رمحه‬
‫بقوله ‪( :‬يا رسول اهلل ‪ :‬إن يل قرابة أصلهم ويقطعونين وأحسن إليهم ويسيئون إيل وأحلم عنهم وجيهلون علي !!!) ‪ ،‬فقال له النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬لئن كنت كما قلت فكأمنا تسفهم املل وال يزال معك من اهلل ظهري عليهم ما دمت على ذلك) [حديث‬
‫صحيح رواه مسلم] ؛ وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬ليس الواصل باملكافئ ‪ ،‬ولكن الواصل الذي إذا قطعت رمحه وصلها) [حديث‬
‫صحيح] ‪ .‬كما علي أن أذكر نفسي أنين أتعامل مع اهلل أوال مث مع نفسي ثانيا ‪ ،‬أما إذا كنت أرغب باألجر منهم فهذا شأن آخر ‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪95‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫وليس لدي احلق حينها أن أدعي أنين أرجو رضا هلل ! كما أحاول أن أحبث عن السبب ألن من املمكن أن أكون أنا سبب هذا اجلفاء‬
‫‪.‬‬

‫تدريب ‪ :‬ويل أمر (والدان أو مدير‪ /‬مديرة أو مدرس‪ /‬مدرسة يف مدرسة أو حماضر‪ /‬حماضرة يف جامعة أو مسئول‪ /‬مسئولة يف أي‬
‫جمال) مارس علي نوعا من الظلم ‪.‬‬

‫هنا ‪ ،‬أراجع ويل األمر (أيا كان أو أيا كانت) مبكاشفة ومصارحة وأسلوب أديب وتعبري واضح عما لدي من مشاعر سالبة جتاه هذا‬
‫(الظلم) ‪ ،‬بشرط أن يكون املراد هنا هو إخراج هذه األمحال الزائدة والتخلص منها حىت ولو مل أحصل على اإلجابة اليت أتوقعها أو‬
‫أحبث عنها أو أمتناها ‪ ،‬مث أترك األمر ليعاجل على هون فيما بعد ‪ ،‬ألن األوىل يل اآلن أن أريح نفسي مما يثقلها ‪ ،‬حىت أستطيع أن‬
‫أطمئن وأعمل وأنتج ‪.‬‬

‫الفتة ‪ :‬قد ال يكون ما وقع علي (ظلما) ‪ ،‬إمنا هو ظلم ‪ ،‬فقط ‪ ،‬من وجهة نظري أنا !!!‬

‫تدريب ‪ :‬زميل أو جمموعة من الزمالء يتعمدون جتنيب ‪ ،‬مما يشعرين بنوع من الغربة يف حميط العمل أو الدراسة أو حىت الشارع ‪.‬‬

‫هنا ‪ ،‬أتواصل مع هذا الزميل أو هذه الزميلة أو هؤالء الزمالء دون اعتبار ملا يدور يف ذهين حول طريقة تعاملهم معي ‪ .‬املهم أن أحيا‬
‫يف يومي مبا أعتقده أنا أنه األصح دون أن أسلم اآلخرين مفتاح راحيت ‪ .‬وهذا ال يعين أن أحتقر اآلخرين أو أزدري مشاعرهم أو أن‬
‫أحرص أن أريهم أنين ال أهتم ألمرهم ‪ ،‬فهم ليسوا على أول قائمة أولويايت ‪ ،‬اهلل أوال ‪ ،‬وهو الكفيل بأن يكون خري أنيس يل يف غربيت‬
‫عن اآلخرين ‪.‬‬

‫إن العالج ملثل هذه املواقف وغريها يعتمد بشكل رئيس على عامل مهم ‪ :‬تقدير النفس اإلنسانية بتكرمي خالقها هلا والتزامها هبويتها‬
‫وسعيها يف وظيفتها للوصول إىل هدفها ‪.‬‬

‫ويبقى السؤال يف كل هذه األمثلة ‪ :‬كيف حايل مع اهلل مث رضاي عن نفسي ؟ فالغربة احلقة هي غربيت عين ‪.‬‬

‫يقول ابن القيم يف كتابه الفوائد ‪( :‬إمنا جيد املشقة يف ترك املألوفات والعوائد من تركها لغري اهلل ‪ ،‬أما من تركها صادقا خملصا من قلبه هلل‬
‫فإنه ال جيد يف تركها مشقة إال يف أول وهلة ليمتحن أصادق هو يف تركها أم كاذب ‪ ،‬فإن صرب على تلك املشقة قليال استحالت لذة ‪،‬‬
‫والعوض أنواع خمتلفة ‪ ،‬وأجل ما يعوض به ‪ :‬األنس باهلل وحمبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعاىل) ‪.‬‬
‫[املرجع ‪ :‬الفوائد ‪ ،‬ابن القيم]‬

‫‪95‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪96‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫التخلية والتفريغ ‪ :‬مثرات وفوائد ‪:‬‬

‫وللتخلية والتفريغ مثرات ال أكاد أحصيها ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬

‫سالمة نفسي من كل ما يثقلها ويعيق تقدمها وسعادهتا ‪ ،‬وهذه هي الطمأنينة ‪.‬‬


‫أن يكون اهلل ‪ ،‬حقا ‪ ،‬هو األول يف حيايت ‪ ،‬وليس اآلخرون ‪.‬‬
‫االنطالق لتزكية نفسي ‪ ،‬هبدف واضح ‪ ،‬وما يليه من هوية واضحة ووظيفة حمددة ‪.‬‬
‫عدم االلتفات إىل عبارات السلب والتثبيط واإلحباط ‪.‬‬
‫قبول النصيحة من اآلخرين أيا كانوا ‪ ،‬ألن غرضي هو تزكية نفسي ؛ إىل غري ذلك من مثرات وفوائد ‪.‬‬

‫التحلية‬

‫وهي ملء النفس مبا يزكيها ويرقيها وحيفظ هلا قدرها ‪ .‬وتكون بالعلم والعمل ‪ ،‬حيث أعطي النفس حقها جسدا وروحا ‪.‬‬

‫كيف تكون التحلية ؟‬

‫باختصار ‪ :‬العلم والعمل ‪.‬‬

‫جلسة مع النفس لتحديد األهداف والعمل على وضع جدول يومي حبيث ال يكاد يكون فيه وقت ضائع يسمح للملهيات أن‬
‫تتمكن مين ‪ .‬وهنا قد أنصح باالستشارة ‪ ،‬بعد وضع اجلدول ‪.‬‬
‫طلب العلم يف اإلجابة عن (من أنا ومل أنا) ‪ .‬وهذا له سبل كثرية ‪ :‬القراءة (وهو أفضلها) ‪ ،‬وحضور حلق العلم ‪ ،‬واالستشارات‬
‫الفردية مع أهل العلم واالختصاص ‪ .‬أما القراءة ‪ ،‬فإن يل مادة كنت قد كتبتها عن (منهج القراءة وطلب العلم) ‪ ،‬فعلى الراغبني‬
‫باالطالع عليها مراسليت ‪.‬‬
‫احلرص على وقت يومي أبدأ فيه التعرف على حقيقة العالقة مع اهلل ‪ ،‬وهنا أنصح بقراءة صفحة مع القرآن يوميا مع العلم مبعاين‬
‫الكلمات الغريبة وتفسريها ‪ ،‬مث أنصح بكتاب (أيسر التفاسري) أليب بكر اجلزائري ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪97‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫العمل على مد اجلسور مع (صحبة صاحلة) ‪ ،‬سواء كانت صحبة (قدمية) أو (جديدة) ‪ .‬فإذا كانت الصحبة قدمية ‪ ،‬فإنين هنا‬
‫أكون قد أتيتهم بنفس غري اليت تركتهم هبا ‪.‬‬

‫وأما عن اجلدول املقرتح ‪:‬‬

‫النفس ‪ :‬وهي تشمل كل ما دوهنا ‪ ،‬من األهل ‪ ،‬مرورا بطلب العلم ‪ ،‬وحىت األنشطة االجتماعية و(الدعوية) املختلفة ‪ .‬واملشكلة‬
‫أننا نظن أن الطموح دائما يعين (إرهاق النفس) ‪ ،‬كم مر علي من املتفوقني الذين ال يكادون يكلفون أنفسهم ما ال حتتمل ‪،‬‬
‫ببساطة ‪ ،‬ألهنم يفعلون األمر مبتعة وارتياح وبتخطيط سليم ‪.‬‬
‫طلب العلم أو الدراسة ‪ :‬هذا الرتتيب ال يعين أن الدراسة أهم من األهل ‪ ،‬بل هي جزء من إعطاء النفس حقها ‪ ،‬وكم خنطئ‬
‫عندما نضع الدراسة وطلب العلم على أهنا (ملف) آخر غري ملف (النفس) ! ونصيحيت هنا ‪ :‬أنا يف حاجة إىل أن أرجع إىل‬
‫شخص مرجع يكون أو تكون املسؤول أو املسؤولة عن توجيهي يف كيفية طلب العلم ‪.‬‬
‫القراءة الالمنهجية ‪ :‬هي أيضا جزء من االهتمام بالنفس ‪ ،‬ونصف ساعة من قراءة ال منهجية ولكن بنظام (كتاب معني أو‬
‫منهج معني يف تزكية النفس) قبل النوم (مثال) هلا ناتج طيب ‪ ،‬وما أكثر تلك الكتب اليت ختمتها بقراءة ما قبل النوم أو يف‬
‫انتظار وجبة طعام أو حافلة نقل أو غري ذلك من األوقات (امليتة) لدى اآلخرين ‪ .‬أما قراءة (من كل بستان زهرة) فال تصنع عاملا‬
‫أو عاملة ! وإن كانت تعطي شيئا من املعلومات ‪ ،‬لكنها (حسب خربيت) تضيع من الوقت ما ميكن اغتنامه يف خري كثري ‪.‬‬
‫األهل ‪ :‬طلب العلم الذي ينبغي به أن يزكي نفسي ‪ ،‬سيؤدي يب (بالضرورة) أن أكون شخصية بارة متميزة ‪ ،‬وإال فما نفع العلم‬
‫؟! احلياة اليومية يف البيت مع دقائق من الفكاهة والرتويح والسؤال عن أحواهلم تعين هلم الشيء الكثري ‪ ،‬أما إذا رأوا فينا أن‬
‫(خرينا للخارج) فلن يقدم هذا ال ألنفسنا وال هلم وال ألمتنا شيئا كبريا !‬
‫األنشطة الالمنهجية ‪ :‬مع شيء من التخطيط ‪ ،‬فإهنا لن تأخذ مين إال اليسري من الوقت ‪ ،‬أما إذا بلغ األمر هبا أن تأيت على‬
‫حساب طلب العلم ‪ ،‬فطلب العلم أوىل ‪ .‬وخدمة األمة شيء طيب ‪ ،‬ولكن األطيب هو السعي لسد ثغرة حقيقية يف بناء األمة‬
‫‪ ،‬وما أكثر الثغرات ؟!‬

‫أنصح بتقسيم األيام كالتايل ‪:‬‬


‫أعمال واجبة ‪ :‬حق النفس يف تزكيتها أمور خمتلفة ‪ :‬الفروض الشرعية ‪ ،‬وطلب العلم (الفصل الدراسي وما يتبعه) ‪ ،‬واألهل (ولو‬
‫نصف ساعة يف اليوم) ‪.‬‬
‫أعمال دون الواجبة ‪ :‬الورد اليومي ‪ ،‬والقراءة الالمنهجية (قبل النوم) ‪ ،‬واألنشطة الالمنهجية (ساعة أو ساعتني يف حميط الدراسة‬
‫أو املهنة وليس بعد ذلك) ‪ ،‬ومساعدة اآلخرين ‪ ،‬واهلوايات (أنصح باغتنام اهلوايات وربطها باملهمات األخرى) ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫فقه النفس‬ ‫‪98‬‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن ذاكر الهاشمي‬

‫أعمال هامشية (إذا كان هلا وقت فائض) ‪ :‬االتصال بالصحبة الصاحلة ‪ ،‬واخلروج مع األهل خارج املنزل (بناء على طليب أنا‬
‫وليس هم) ‪ ،‬ومشاهدة أو االستماع إىل مادة تروحيية (أحيانا تنتقل هذه اخلانة إىل األعمال الواجبة إن كان من شأهنا إعطاء‬
‫النفس حقها من الراحة) ‪.‬‬

‫ويف اخلتام‬

‫اللهم اهدين ألحسن األخالق ‪ ،‬ال يهدي ألحسنها إال أنت‬


‫واصرف عين سيئها ‪ ،‬ال يصرف عين سيئها إال أنت‬
‫وفقين اهلل وهداين ملستقيم صراط اإلصالح‬
‫وصلى اهلل وسلم على معلم الناس اخلري‬
‫نبيي ورسويل وسيدي ومعلمي وحبييب وقدويت وشفيعي بإذن ريب‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على املرسلني واحلمد هلل رب العاملني‬

‫د‪ .‬عبدالرمحن ذاكر اهلامشي‬


‫طبيب واستشاري العالج النفسي والرتبوي‬

‫آخر حتديث ‪5105/2/52 :‬‬

‫‪98‬‬

You might also like