Professional Documents
Culture Documents
كتاب فقه النفس
كتاب فقه النفس
الفتة :مادة الكتاب مل تزل يف مراحل اإلنتاج ،وينقصها الرسوم التوضيحية اليت جتعل من الكالم أيسر للفهم وأقرب للتصور ،فإذا
استصعبت املادة أو استثقلت بعض ما فيها ،فأنصح بالقفز إىل [قصة النفس والسرداب] مث [كراسة قراءة النفس] .
﴿بسم اهلل الرمحن الرحيم ،احلمد هلل رب العاملني ،الرمحن الرحيم ،ملك يوم الدين ،إياك نعبد وإياك نستعني ،اهدنا الصراط
املستقيم ،صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني﴾ [القرآن :سورة الفاحتة]
احلمد هلل الذي أنعم علينا بنعمه ظاهرة وباطنة ،احلمد هلل على مجيع نعمه ما علمنا منها وما مل نعلم ،احلمد هلل على نعمة الفطرة ،
واحلمد هلل على نعمة األنبياء وخامتهم نبينا ورسولنا حممد صلى اهلل عليه وسلم ،واحلمد هلل على نعمة القرآن ،واحلمد هلل على نعمة
اإلسالم ،واحلمد هلل على نعمة اإلميان ،واحلمد هلل على نعمة األهل املسلمني ،واحلمد هلل على نعمة التعليم واملعلمني الصاحلني ،
واحلمد هلل على نعمة حب العلم ،واحلمد هلل على نعمة الصحبة الصاحلة ،واحلمد هلل على نعمة الزوجة الصاحلة ،واحلمد هلل على
نعمة الذرية الصاحلة إن شاء اهلل
﴿إن اهلل ومالئكته يصلون على النيب ،يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ [القرآن :سورة األحزاب :اآلية ]65
صل اللهم وسلم على سيدي ونبيي ورسويل ومعلمي وحبييب وقدويت وشفيعي بإذن ريب ،حممد بن عبداهلل
﴿والسابقون األولون من املهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي اهلل عنهم ورضوا عنه وأعد هلم جنات جتري حتتها األهنار
خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾ [القرآن :سورة التوبة :اآلية ]011
﴿رب اشرح يل صدري ويسر يل أمري واحلل عقدة من لساين يفقهوا قويل﴾ [القرآن :سورة طه :اآليات ]52-56
اللهم وجهنا ملا خلقتنا له ،واصرفنا عما هنيتنا عنه ،وال تشغلنا مبا تكفلت لنا به
اللهم انصرنا باإلسالم ،وانصر اإلسالم بنا ،واجعلنا حجة له ال عليه ،واجعله حجة لنا ال علينا
1
فقه النفس 2
﴿سالم عليكم كتب ربكم على نفسه الرمحة﴾ [القرآن :سورة األنعام :من اآلية ]65
اللهم آمني
ولنا هنا وقفة نضع فيها بعض النقط على بعض احلروف يف بداية هذه الرحلة .وهي موجز خلالصة الفصل األول [اقرأ :فقه التفكري
والعقل] ،كما سيتكرر احلديث عن (العقل والنقل) الحقا عند تناول [قصة النفس] .
اتفق أهل البحث والعلم ،قدميا وحديثا ،على أنه ال سبيل للوصول إىل حقيقة أمر معني إال بأمرين :العقل والنقل .
معىن العقل يف لغة العرب :مصدر من عقل الشيء يعقله عقال .وهو احلبس والتوثيق واملنع واحلفظ والربط والشد واإلحاطة .
ويقال :عقلت األمر وعقلت املسألة وعقلت البعري عقال .وقيل :مسي (عقال) ألنه مينعين عن ارتكاب ماال ينبغي ،ومنه :العقال .
ومعىن العقل يف االصطالح (أو ما اصطلح عليه أهل العلم) :فهو صفة ملا يزجر عن القبائح .وهو العلم خبري اخلريين وشر الشرين
والقبيح واحلسن .وهو الطبيعة اليت ميز اهلل هبا اإلنسان عما دونه من احليوانات .وهو عملية التحقق من األمر بالتوقف والتفكري
واملالحظة والرجوع إىل التأريخ وجتارب النفس واآلخرين واملصادر العلمية اليقينية ؛ وهو عملية مجع املختلفات والقرائن واالستدالل
والرتجيح والتثبت ،مث ربط هذا كله للخروج حبكم ال يقبل اخلطأ ،حيث تطمئن النفس .
2
فقه النفس 3
فمعىن النقل يف لغة العرب :محل الشيء وحتويله من موضع إىل آخر [املرجع :لسان العرب] .
ومعىن النقل يف االصطالح :أما هنا ،فلم أقف عند أحد من املتقدمني على تعريف اصطالحي خاص بـ ـ (النقل) .إال إن البحث يف
كتب املتقدمني يظهر لنا أن اللفظ استهلك لكثرة استخدامه من املتقدمني واملتأخرين ؛ فنجد كثريا من اجلمل اليت تدل على هذا
املعىن مثل ( :النقل يدل على هذا) ،و(أهل العقل والنقل) ،و(قال أصحاب النقل واألخذ باألثر) ،و(قد ضعف هذا احلديث كثري
من أهل النقل) ،و(هذا ظاهر عند علماء النقل) ،وغري ذلك من ألفاظ .حىت صار لفظ (النقل) داال على اسم جنس معناه :
املنقول واملتواتر إلينا ممن سلف ،أو (املأثور) من العلم .
لكن العلماء اشرتطوا إلطالق مصطلح (النقل) على أمر ما أن يتوفر فيه :الصدق والدقة والتحقيق .
وألنين أريد أن أكون واضحا مع نفسي قبل اآلخرين الذين يقرؤون هذه املادة ،وألنين ال أود أن نفقد بعض (املسافرين) وحنن يف بداية
الرحلة ،وألن املادة تسع (النفس) أينما وكيفما كانت ،وألن البعض يتعجل احلكم قبل (اإلنصات) أحيانا ،وقبل أن أشرع يف تناول
ما أؤمن أنه املصدر (احلق) ،أقول :
نؤمن أن اهلل الواحد األول اآلخر ،هو خالق هذا الكون .
نؤمن أن اهلل ال يزال مسيعا بصريا عليما مقدرا مهيمنا .
نؤمن أن اهلل خلق اإلنسان ،وجعله خليفة يف األرض ،حيكم بأمره .
نؤمن أن اهلل مل يرتك اإلنسان يف ضاللة ،بل أنزل له منهج هداية .
نؤمن أن اهلل اصطفى من خلقه أناسا ،هم رسل اهلل إىل خلقه .
نؤمن أن اهلل أنزل هلؤالء الرسل ما يهدون به خلق اهلل .
نؤمن أن اهلل ختم الرسل والرساالت برسالة اإلسالم .
هلذا كله ،والعتبارات أخرى ،فإننا نؤمن أن (النقل ) الذي ينطلق العقل منه ،ويعود العقل إليه ،ويطمئن العقل به ،هو :القرآن
والسنة احملمدية (على صاحبها الصالة والسالم) .
3
فقه النفس 4
فإن كان يف النفس شك مما سبق ذكره ،فال ينبغي لعاقل أو عاقلة جتاوز هذه املرحلة إىل مرحلة الحقة دون اإلميان مبا جاء فيها ،وإال
كان السري على غري هدى ؛ ألن ما سيأيت ذكره قائم على هذه العقائد ،وليس هدف هذا الكتاب اإلجابة عن تلك األسئلة ،فلها
حبوث أخرى منثورة يف دور الكتب ،أنصح بالرجوع إليها عند احلاجة .
وأقول :إن معتمدي يف هذه املادة هو ريب اهلل ،ومنطلقي يف هذه املادة هو إمياين الراسخ بـ ـ (اإلسالم) كمنهج ودستور لـ ـ (فن احلياة)
،وكتايب اإلرشادي هو (القرآن) و(السنة احملمدية) .
قبل أن أخربكم مباهية هذه املادة ،أود أن ألفت االنتباه إىل أن هذه املادة ليست :
مادة أكادميية باملعىن التقليدي ؛ فليست هي بديال عن الكتب املدرسية أو اجلامعات ،ولكنها ضرورة ملن أراد أن يبدأ الطريق يف
[فقه النفس] .
كتاب علم نفس باملعىن احلديث القادم من املدرسة الغربية ؛ وإمنا هو عرض لفقه النفس كما أفهمه يف مدرسة اإلسالم :القرآن
والسنة النبوية .
مناظرة بني اإلسالم وغريه ،وليست دفاعا عن اإلسالم أو هجوما على غريه .
مقارنة بني اإلسالم وغريه ،إال إن هذا ال مينع من ذكر الشواهد املتفق عليها بني اإلسالم وغريه من الطرق واملذاهب والفلسفات
،سيما يف أمور املاديات واحملسوسات .
غرضها التفصيل يف كل املوضوعات الواردة فيها ،وإمنا هي عرض ألصول املوضوعات مع التفصيل يف املوضوعات األساسية اليت
أرى ضرورة الرتكيز عليها ؛ مع اإلحالة إىل مواد موجودة ومتوفرة يف السوق فيما عدا تلك املوضوعات .
4
فقه النفس 5
جواب :
هذه املادة ،وهذه الصفحات ،هي الفصل الثاين من فصول [فن احلياة] الثالثة .و[فن احلياة] هو مشروع حيايت الذي أرجو أن
ألقى به اهلل يوم تعرض عليه القلوب واألعمال .و[فن احلياة] له فصول ثالثة :
oالفصل األول [ :اقرأ :فقه التفكري والعقل] .وهو الفصل الذي اجتزأنا منه املقدمة يف شرح (العقل النقل) .
oالفصل الثاين [ :ونفس :فقه النفس] .
oالفصل الثالث [ :لتعارفوا :فقه التعامل مع اآلخرين ،من األلف إىل الياء] .
ويف هذه املادة [ونفس :فقه النفس] ،أتناول معكم النفس اإلنسانية ،وتعريفها ،من أكثر من منظور ،سيما املنظور اإلسالمي .
فأتناول مصطلح [فقه النفس] تعريفا ،وضرورة ،وكيفية .وتبعا لفقه النفس ،فإننا نتناول [قراءة النفس] ،وهي النظر يف مستودع
النفس ملعرفة خباياها ومكنوناهتا ومشكالهتا ،وما يتبع [قراءة النفس] من العلم ،وما يتبع العلم من راحة وشعور بالقوة احلقيقية ال
الومهية ؛ مث يتبع ذلك [قبول النفس] ،وما يتبعه من تصاحل مع النفس ؛ مث يتبع ذلك [تقدير النفس] ،حيث إعادة النظر يف مستودع
النفس ،والتعرف على نقاط الضعف والقوة ،ومنه إىل التخلص من نقاط الضعف وعالجها ،ومن مث التخلص من آثارها ،وهذه
هي مرحلة [التخلية] ،ويليها مرحلة [التحلية] ،حيث تزكية النفس عن طريق العلم والعمل ،وصوال إىل النفس املطمئنة الزكية ،اليت
هي ضرورة من ضرورات السعادة اإلنسانية .
5
فقه النفس 6
سؤال :ملاذا هذا الكتاب (من أين جاءت فكرة البحث والتأليف يف موضوع النفس) ؟ وهل حنن يف حاجة لفقه النفس ؟ وهل حنتاج
من يعلمنا كيف نفقه أنفسنا ؟
جواب :
إن جمرد النظر ،مع قليل من التأمل ،يف زوايا احلياة اليومية (يف البيت ويف املسجد ويف الشارع ويف املدرسة واجلامعة ويف السوق ويف
الشركة ويف امللعب ويف غريها) ليكفي أن يستفز ويستنفر ويدفع يب كإنسان ،أحس وأفكر وأعقل ،ألن أعتين بأمر النفس ،وأخشى
على حاهلا ومستقبلها ،سيما إذا علمنا أن النفس هي عنصر البناء واحلضارة ؛ فكيف إذا كان كاتب هذه السطور هو من الباحثني
واملشتغلني واملختصني بـ ـ النفس ؟!
لقد من اهلل علي أن تتوجه شخصييت ومن مث دراسيت وطليب للعلم وختصصي ،إىل النفس اإلنسانية ،سعيا إىل فقهها وعالجها
وتزكيتها كما أفهمه من كالم اهلل وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم .
ومن خالل مهنيت كطبيب واستشاري للعالج النفسي ،فأنا أتعامل مع النفس ؛ ومن هنا ،فأنا أكاد أستقبل ذات األسئلة
واالستفسارات واملشاكل املتكررة وكأهنا نسخ اتفق الناس عليها ،أدركوا أم مل يدركوا .ومع هذا ،فأنا أحب هذا التكرار ! أتعلمون
ملاذا ؟ ألنه يؤكد يل حقيقة واحدة ؛ وهي :إن النفس البشرية واحدة ،ومشكالهتا تنطلق من ذات اجلذر وإن تنوعت مظاهرها .
وهلذا ،كان مما ظهر يل وترجح لدي وأصبح ،يف نظري ،حقيقة ال مناص من إنكارها ما يلي :
(النفس) هي النفس يف بنائها األصلي ،مهما اختلفت البيئة بكل مكوناهتا اجلغرافية واالجتماعية واملعرفية .ما يسعد النفس أو
يتعسها يف القطب الشمايل أو اجلنويب هو ذاته ما يسعدها أو يتعسها يف منطقة اخلليج العريب أو يف بالد الشام أو يف مشال
إفريقيا أو يف أوروبا أو يف أمري كا .وعندما أقول (يسعدها) أو (يتعسها) فإنين أعين السعادة والتعاسة على حقيقتهما ال كما
يتوهم كثري من الناس ؛ فكم من أناس لديهم كل أسباب السعادة احلقيقية لكنهم تعساء ،وكم هناك من آخرين يظنون أهنم
سعداء إال إهنم تعساء ،وهل من السعادة يف شيء أن هنرب من أنفسنا (مثال) !
وألن النفس هي النفس يف بنائها األصلي ،فإن مشكالهتا تكاد تكون (نسخة متكررة) من الشرق إىل الغرب ؛ كما إن (األقنعة)
اليت يضعها الناس إلخفاء تلك املشكالت ،خصوصا مع (العوملة) ،هي أيضا نفس األقنعة .
وعندما يبدأ البعض (وليس الكل) يف البحث عن عالج ،يتحولون إىل (فئران جتارب) ملا يعرف ب (خمتربات ومدارس علم
النفس احلديث والطب النفسي) من أولئك الذين ال يكادون يعلمون عن (النفس) شيئا ؛ إمنا هم حياولون حل املشكالت ب
6
فقه النفس 7
(التجربة واخلطأ) .وليس يف هذا سوء ظن هبم ،فكثري منهم يعلنون بكل صدق ووضوح أن ﴿ذلك مبلغهم من العلم﴾ ،
والبعض اآلخر يقع بني اجلهل والكرب .وطريقة (التجربة واخلطأ) تقدم عالجات ،هي أيضا ،متكررة ،مع شيء من لوازم
خصوصية كل حالة بذاهتا .
أقول :لقد صنف املتقدمون واملتأخرون يف موضوع النفس مصنفات كثرية ،وكتبوا يف موضوعاهتا وما يتعلق هبا أعدادا ال أكاد
أحصرها من املقاالت والرسائل والبحوث العلمية والكتب .ومن تلك املصنفات ما هو كنز مثني ،وهذا الصنف قليل حسب ما بلغه
علمي حىت حلظة كتابة هذه الكلمات ،سيما إذا اعتربنا معايري مثل :العلمية ،والعملية ،والتخصص ،واإلبداع ،وأخريا :االنطالق من
األصول العقلية والنقلية .ومن تلك املصنفات ما هو مجع وتوليف لقصاصات مما سبقه .ومن تلك املصنفات ما هو نسخ وتكرار ال
يضيف جديدا وال حيكي شيئا مفيدا .ومن تلك املصنفات ما ال يستحق حىت النظر يف صفحاته ! ومن تلك املصنفات ما يضر أكثر
مما ينفع .وال أؤاخذ الناس كثريا على ما يشعرون به من (الضياع) وهم يبحثون عن تعريف شايف للنفس أو ما يتعلق هبا من أعراض
وأمراض ؛ ولقد قرأت كثريا ،وكنت (كغريي) من أهل البحث والفضول واحلاجة أحبث عما كتب فيما يتعلق بـ ـ (النفس) ،فكان كثري
مما وقع عليه نظري ال يتجاوز ما يلي :
مادة تعرض جتربة شخصية ،ال تصلح للتعميم أو للعرض على مجهور القراء !
مادة تبحث يف النفس البشرية على غري هدى ؛ فال عقل صريح وال نقل صحيح !
مادة حتاول (أسلمة النفس) ؛ فتعرض اإلسالم وكأنه بديل عن (علم النفس احلديث) !
مادة تنسخ ما سبق ؛ فال تضيف إال وريقات ،قد ال يكون فيها من املفيد شيء يذكر !
مادة يسوق هلا على أهنا (األكثر مبيعا) ؛ وهذا النوع هو مما يصعب التحقق من صحة حمتواه وأثره !
مادة تقليدية حتاول فرض النصوص فرضا ؛ فتأيت بالنصوص وكأهنا (تعويذة) تعاجل كل املشكالت !
مادة تلغي (الروح) وعامل الغيب ،فتتعامل مع النفس على أهنا (جسد وآلة) ختضع لقانون (املادة) فقط !
وغري هذا كثري ،إال إنين ذكرت هنا ما رأيته يتكرر يف دور العرض واملكتبات والشبكة البينية (االنرتنت) أكثر من غريه .ويف كل هذا
،ال أذكر أنين (شخصيا) خرجت بتعريف يروي ما لدي من ظمأ حول (النفس) .بل إنين بلغت ما أظن أنه كايف ألصل إىل تصور
أشبه ما يكون باالعتقاد ،وهو أنه ال بد ألحد من سد ثغرة (من ثغور كثرية) يف عامل (النفس) والدراسات املتعلقة هبا ،واالنطالق
من الدين ونصوصه األصيلة ،مما حيقق للنفس البشرية الطمأنينة والسعادة والرضا ؛ سيما إذا علمنا أن يف نصوص الدين وبعض ما
قاله أهل العلم واحلكماء عن النفس ما يغين عن كثري من (علم النفس احلديث) !!!
أما ما جيري يف عامل اليوم ،ويف أروقة ما يعرف بـ ـ (علم النفس) أو (الطب النفسي) فال يعدو أن يكون من قبيل (التجربة واخلطأ) اليت
ال تقدم حال ناجعا ،سيما إذا علمنا أن مشكالت الناس يف ازدياد .
7
فقه النفس 8
كل هذا ،وغريه ،دفعين للخروج مبادة [فن احلياة] ؛ ولقد كانت النية بداية أن يصدر الفصل األول [اقرأ :فقه التفكري والعقل] ،
سيما إن املادة (منهجية) ومتسلسلة ومتدرجة ،ويعتمد الالحق فيها على السابق ؛ إال إن حاجة الناس وإحلاحهم علي بإرسال مادة
[قراءة النفس] على وجه السرعة دفعين ألن أعمل على إخراج الفصل الثاين [ونفس :فقه النفس] أوال .
حلاجة الناس املتمثلة يف املشكالت الفردية واجملتمعية ،مما جيعل من [فقه النفس] ضرورة إنسانية .
ألن الناس يبحثون عن حلول كثرية بعيدة عن متناول أيديهم يف حني هم ميلكون العالج يف أنفسهم .
لشعوري بأمانة تبليغ ما لدي من علم ملن حيتاجون إليه .
كان العلماء األوائل يعتنون بالنفس وبأعراضها وبأمراضها ،وكانوا يبدؤون عالج املرضى باحلديث عن :بيان فضل العقل ،ومعرفة
النفس ،وضرورة قمع اهلوى .
فنقرأ يف كتاب الرازي [الطب الروحاين] الذي اعترب فقه النفس (أعظم األصول) ،وكتاب أيب زيد البلخي [مصاحل األبدان واألنفس] ،
وكتاب مسكويه [هتذيب األخالق وتطهري األعراق] ،وكتاب املاوردي [أدب الدين والدنيا] ،وكتاب ابن حزم [األخالق والسري] .
فأبو زيد البلخي يف كتابه [مصاحل األبدان واألنفس] يشدد على ضرورة حفظ النفس من املدخالت السمعية والبصرية (أي كل ما أراه
وأمسعه) اليت من شأهنا أن حترك يف نفسي دواعي اخلوف والوسواس والقلق واالنشغال والغضب .ويرى البلخي أن التخلص من ذلك
كله يكون بأمرين :األول :ضرورة معرفة سنن الكون يف حتصيل الرغبات ؛ والثاين :قراءة النفس ملعرفة قواها وضعفها .وهبذا ،فإنين
أصل إىل سالمة النفس (وهذا هو تعبري البلخي) بتدبري أموري عن طريق تقديري ملا يل وما علي ،حىت لو فاتين الكثري من الرغائب .
8
فقه النفس 9
وقبل أن أبدأ بسرد األسئلة املتعلقة بالنفس ،ال أرى مناصا من ذكر أهم املشاهدات يف عامل النفس ،سواء يف داخل العيادة النفسية
أو خارجها ،وهي األمر الذي أعتقد أنه كان (وال يزال) ميثل املعوق األهم أمام وصول الناس إىل السعادة .
ولقد اعتدت أن أقدم ملادة النفس بقصص وأمثلة ،من شأهنا أن جتعل ما سيأيت من املادة سهل الفهم واملتابعة ؛ منها :قصة (النفس
والوعاء) ،وقصة (النفس والسرداب) ؛ وكال القصتان جتيبان عن كثري مما يدور يف أذهان الناس حول النفس وماهيتها وأعراضها
وأمراضها وتشخيصها وعالجها .
رأيت ،وال أزال أرى ،حال كثري من الناس مع أنفسهم يشبه تلك احلالة اليت قد تعرتينا عندما يشغلنا أمر معني إىل الدرجة اليت نغفل
فيها حىت عن حاجاتنا احليوية ،كحاجتنا إىل املاء مثال ،يف حني إننا منلك الوعاء ،واملاء النقي وافر حولنا !!!
العطش :العرض النفسي ،مثل :الضيق ،أو احلزن ،أو اخلوف غري االعتيادي ،أو القلق ،أو غري ذلك .
9
فقه النفس 11
نعم ؛ النفس هي (الوعاء) بل هي (الوعاء الوحيد) الذي لدي ،وهذا الوعاء (وألسباب كثرية سنذكرها الحقا إن شاء اهلل) أصبح
بعيدا عن متناويل ،وصرت أشعر بعطش شديد ،لكنين قد أغالب هذا الشعور وهذه احلاجة وأتكابر عليها ! مث ال ألبث أن أذهب
ألحبث عن (املاء النقي) فأجده عند البعض يستمتعون به وأوعيتهم مألى منه ،فال أحظى بأكثر من رشفة خفيفة ،قد ترويين حلظيا
،ولكنها ال تسمن وال تغين من (عطش) على املدى البعيد .فإذا طلبت من الناس أن يعريوين أوعيتهم ،لووا رؤوسهم عجبا
واستنكارا لطليب ،ألهنم يف أول األمر وآخره لن يضحوا بكؤوسهم من أجلي ،سيما وأنا لدي وعائي اخلاص يب ،إال إنين ال أكاد
أعلم عنه شيئا .
ألنين ال أملك سوى هذا الوعاء ،وألن حماولة التخلص منها (وهي ما يظن كثري من الناس أن اللجوء إليه أيسر) ستعين (االنتحار) ،
فإنين ال أملك إال أن أرتوي باستعماهلا .
أوال :اإلمساك بالوعاء ،واحلرص على أن يكون يف يدي أنا ،ال يف يد اآلخرين ،أيا كان هؤالء ،فكم من الناس من سلموا
أنفسهم يف أيدي آخرين يتحكمون فيها كيفما يشاؤون :سواء كان هذا اآلخر إنسانا معشوقا أو معشوقة ،أو أبا أو أما ،أو
زوجا أو زوجة ،أو ابنا أو ابنة ،أو صديقا أو صديقة ،أو حىت طبيبا نفسيا (أعتمد على وجوده يف كل أمر من أمور حيايت) ،
أو مهنة ،أو منصبا دنيويا ،أو مادة (سيارة أو هاتفا جواال أو حاسوبا أو ماركة معينة من اللباس أو غري ذلك) ،إىل آخر ما
ميكن أن تتعلق به النفس من أمور زائلة ؛ أقول :زائلة .
ثانيا :النظر داخل الوعاء ملعرفة ما فيه ،وهذه اخلطوة هي خطوة (قراءة النفس) .
ثالثا :احلفاظ على الوعاء ،وذلك يكون بتقبل وضع الوعاء على احلالة اليت هو عليه ،وهذا هو (قبول النفس) .
رابعا :تفريغ الوعاء من الشوائب اليت تراكمت فيه على مر الزمان ،مث تنقيته ،وهذه هي (التخلية) .وهذه الشوائب قد تكون
صورة من صور إشكالية التفكري والعقل ،أو بقايا عقد الرتبية ،واملكبوتات النفسية ،وعقد النقص ،وحتريف التأريخ ،
ومشكالت الطفولة واالضطهاد الواقع فرتة الطفولة بأنواعه املختلفة ،وغري ذلك .
11
فقه النفس 11
خامسا :ملء الوعاء باملاء النقي ؛ وهذه هي مرحلة (التحلية) اليت تتحول النفس بعدها إىل خري رفيق بعد خالقها .وهذه
اخلطوة واليت سبقتها هي مرحلة (تقدير النفس) أو (التزكية) .
الفتة ( :تزكية النفس) هي املصطلح اإلسالمي األصيل ملا صار ينتشر بني الناس بأمساء كثرية خمتلفة ؛ مثل :تطوير الذات ،أو
التنمية البشرية ،أو التنمية الذاتية ،أو اكتساب املهارات ،وغري ذلك من مسميات .واملشكلة يف كل تلك املسميات أهنا
تفرتض بالفئات املعنية أهنم (أصحاء نفسيا) وال يلزمهم سوى بعض املهارات املكملة لشخصياهتم ؛ مث يفاجأ كثري منهم (سواء
من املدربني أو املتدربني) أهنم يف حاجة إىل التوقف وإعادة النظر يف أنفسهم من البداية !!!
وسنرجع خلطوات االرتواء هذه عند احلديث ،الحقا ،عن مفهوم [فقه النفس] .
ألسباب كثرية ،تبدأ منذ طفوليت ،منذ أن يبدأ وعيي مبا حويل ومن حويل ،أبدأ باالنشغال املبالغ فيه بالناس وآرائهم ونظراهتم
ورضاهم ،كل هذا على حساب (نفسي) .ومن تلك األسباب (باختصار) :غريزة األنس (وهي األصل يف تسمية اإلنسان هبذا
االسم ،ألنه يأنس ويؤنس به) وهي أمر فطري طبيعية ،وتوجيه اآلباء واألمهات أطفاهلم إلرضاء اآلخرين عن طريق الشكل أو أداء
مهارة معينة أو لباس معني ،مث توجيه اآلباء واألمهات (أيضا) أطفاهلم للتنافس مع اآلخرين يف العائلة واحلي واملدرسة (وهي من أكثر
ميادين التنافس ،وتكون يف األرقام فقط) ،ويشارك غالب اجملتمع اآلباء واألمهات يف ترسيخ تلك (املنافسات) املذكورة سابقا ،
ويضاف إىل هذا اجلهل الرتبوي يف تربية األطفال على بعض املفاهيم مثل :التعاون ،التسامح ،اإليثار ،الطيبة ،الشخصية
االجتماعية ،مث اجلهل الرتبوي يف تعليم األطفال وتربيتهم وتدريبهم على الوضوح النفسي وحرية التعبري وضرورة الصدق يف التعبري عن
النفس .كل هذه األسباب (وما يتفرع منها وينتج عنها) تؤدي يب إىل االنشغال باآلخر على حساب النفس .
ومن هنا ،سأتوهم معكم أنين ألقيت بنفسي (أو جبزء منها وهو اجلزء اخلفي واألهم :اجلزء الروحي) يف السرداب (أو القبو) ،
ونسيتها ،أو تناسيتها ،فرتة من الزمان ،حىت أصبحت ال أكاد أعرف عنها شيئا ،وال أكاد أستجيب هلا إال إذا صرخت بأعلى
صوهتا حلاجة شديدة للماء أو للغذاء أو لقضاء احلاجة أو لغري ذلك ؛ مث ما ألبث أن أعيدها قسرا إىل السرداب ؛ مث أمضي يف حيايت
اليومية ،ألنغمس يف تلبية حاجات اجلسد والعيش مع اآلخرين فقط ،أستقبلهم يف (بييت) ،وأعتين بأن ال أقول إال ما يريدون ،وأن
ال أريهم إال ما حيبون ،وأن ال أقدم هلم إال ما يشتهون ،وأن ال أمارس إال ما يقبلون ؛ املهم أن أبقى يف شغل مع اآلخرين ،بعيدا
عن نفسي ؛ أما نفسي ،فهي مسجونة يف السرداب ،ال سبيل هلا إىل احلرية ،فال هي تطالب حبقوقها ،ممنوعة من اخلروج إىل
(ساحة البيت) ،وال هي متلك أن يراها الناس ،وال هي تتكلم يف حضورهم ،وال هي تصرح برغباهتا يف وجودهم ،وال هي حتيا ما
11
فقه النفس 12
تعتقده إذا ما خالفهم .وهكذا أعيش يومي وليليت ،يف البيت ويف الشارع ويف املسجد ويف املدرسة ويف اجلامعة ويف النوادي العلمية
والعملية والرياضية واالجتماعية واملهنية ! أعيش عالة على هذه احلياة ،لست أحيا ما خلقت من أجله ،ولست أشعر بالطمأنينة أو
بالسعادة أو بالرضا ! كل هذا ،من أجلهم هم ،من أجل اآلخرين ،هكذا تربيت ،وهكذا (أعيش) !
هكذا ،متر حلظات عمري وأنا يف غفلة شديدة عن النفس وعن حاجاهتا (الطبيعية) ! ولو تومهت النفس كائنا حيا حيتاج أن يقضي
حاجته يف سرداب ليس فيه أي وسيلة للراحة ،لصار من السهل أن أتصور كيف يصل األمر إىل أن تصدر من (النفس) رائحة كريهة
تدعل من االقرتاب منها أمرا صعبا وغري مرغوب فيه ؛ حىت إذا ما ظهر عرض من األعراض ،أو شكوت مها من اهلموم ،أو سعيت
الستشارة يف أمر ما (مثل :ضيق دون سبب ظاهر مألوف ،أو خوف من أمر غري اعتيادي وال منطقي ،أو حتول سالب يف الرغبة
أو االستمتاع يف احلياة وأنشطتها املتنوعة ،إخل) ،فإن األمور حينها تسري على النحو التايل :
شعور عارم بـ ـ عدم العلم أو اجلهل بالسبب احلقيقي وراء ما أنا فيه (وهو النفس حبيسة السرداب) ؛ ويظهر هذا عادة يف تكرار
عبارة (ال أعرف) ! وهنا ،تبدأ سلسلة مما نعرفه بـ ـ احليل الدفاعية .
حماولة السعي ملعرفة السبب ،لكن مع خوف املواجهة وضعف اإلرادة لإلصالح ؛ ويظهر هذا يف املراوغة الشديدة مع أولئك
الذين حياولون أن يواجهوين بنفسي ؛ وقد يصل األمر إىل حماربيت هلم وانقاليب عليهم .
التساهل يف إلقاء اللوم على أي شيء ،حىت ولو كانت أشياء (مقدسة) ؛ املهم أن يبقى اللوم خارج حدود النفس .
إذا اقرتبت مساعي البحث من حدود النفس ،حتولت من الضعف إىل القوة ،ومن الطيبة إىل الشراسة ،ومن الدفاع إىل اهلجوم
،حيث تظهر كل أنواع احليل وأسلحة الدفاع (الذاتية) ،ولعل أبرزها :حماولة هدم وإسقاط كل شيء .
12
فقه النفس 13
إذا ما وصلت إىل حدود النفس ،أي :إذا ما اقرتبت من السرداب ،وإذا ما جتاوزت احليل الدفاعية وأسلحتها ،تقابلين تلك
الرائحة الكريهة الصادرة من (النفس) ،مما يدفعين ملراجعة التفكري يف (فتح الباب) و(مواجهة النفس) .وهذه املرحلة ليست
سهلة وال قصرية (حىت وإن ظهر األمر هكذا يف الكتابة عنها) ،بل قد أستغرق فيها أياما وليايل وأسابيع وشهورا !
وهناك ،وبعد قطع املرحلة السابقة ،وبعد فتح الباب (وهو ما سنعرب عنه الحقا باسم :قراءة النفس) ،تظهر املفاجأة حني
أكتشف أنين أمام كائن غريب عين ،وكأنين أراه ألول مرة ؛ هنا يظهر يل أنين ال أعرف نفسي ؛ وهنا يظهر السبب احلقيقي
الذي كنت أجهله (أو أجتاهله) ،والذي هو وراء ما أنا فيه = اجلهل بالنفس .
هنا ،وداخل هذا السرداب (الذي أصبح أشبه ما يكون بـ ـ احلصن العنيد) ،وبعد أن انتهينا من حرب ضروس لنصل إىل ما
وصلنا إليه ،تبدأ احلرب احلقيقية ،وتبدأ املواجهة األصعب ،املواجهة مع النفس .
هنا ختيم علي حالة من اهلدوء ؛ هدوء ذي حدين :فإما أن يكون اهلدوء الذي يسبق العاصفة ،عاصفة اهلجوم الشرس وغري
املسبوق على اآلخر أو على نفسي نتيجة اخلوف الشديد منها أو احلنق عليها (واخلوف سببه جهلي هبا والذعر مما آلت إليه
حالتها يف السرداب ،كما إن احلنق سببه التساهل يف حتميل النفس الذنب فيما دنت إليه) ،فأبدأ هبدم كل ما حويل داخل هذا
احلصن ؛ وإما أن يكون اهلدوء الذي يسبق حالة من احلزن والندم والبكاء (لنفس األسباب اليت دفعتين للخوف واحلنق ،ولكن
تلك األسباب تدفعين هنا للشعور بالذنب جتاه نفسي ،وهي حالة طبيعية وسوية) .
وهنا ،قد أعود فأرد على عقيب ،وأنتكس مرة أخرى ،فأختار إحدى اثنتني .
إما أن (أنتكس) بأن أهرب وأعود مرة أخرى إىل العيش مع اآلخرين ،وأعود فأحبس نفسي يف السرداب ،ولكن هذه املرة ،
على علم مين ووعي ،إال إنين ،وبعد فرتة من الزمن ،قد أغيب يف العامل اخلارجي ،ويغيب معي علمي ووعيي ،فيستحيالن
نوعا من الوهم الذي يصحبه توهم آخر يبدأ بوعي وينتهي حبالة قريبة من الالوعي ،وهو شعوري بأنه (ال مشكلة هناك) أو (أنا
أفضل من غريي) ! ومن صور هذا التوهم ،اهلرب إىل عامل الوهم واهللوسة ،فهذا يهرب من مواجهة نفسه ليقول إنه (املهدي
املنتظر) أو (املسيح) ،وتلك هترب من مواجهة نفسها لتقول بأهنا (مسكونة باجلن) أو (مصابة بالعني أو احلسد) ،وغري ذلك
من أنواع الوهم الكثرية ! (أنصح بقراءة الالفتة املتعلقة باملس والعني واحلسد يف فصل [ضرر اجلهل]) .
وإما أن (أنتكس) ب أن أنضم إىل نفسي يف سرداهبا ،وأكون أنا اآلخر حبيسا يف هذا العامل ،أعيش وال أحيا ،جسدا بال روح
فاعلة ؛ وهذا ضرب من ضروب االكتئاب ؛ فأبقى حبيس السرداب باختياري هذه املرة .
أما إذا اخرتت اهلدوء ،فيبقى يل حينها أن أجلس إىل نفسي ،وأن أخلو هبا ،وأن أستمع هلا ،وأنصت إليها ،أي :أقرأها .
فإذا ما قرأت نفسي ،بقي يل حينها أن أقبلها كما هي ،بعيوهبا وبعالهتا وبسوءاهتا ؛ قبوال ال يعين املوافقة على ما هي فيه أو ما
آلت إليه ،إمنا هو قبول يسبق التعارف والتصاحل والتوافق ؛ وهذا أقل ما تستحقه نفسي مين جزاء إمهاهلا .
فإذا ما قبلت نفسي ،أصبح من السهل علي أن أقدرها ،أن أصلح من حالتها ،أن أطهرها = أن أزكيها .
وحتصل التزكية بأمرين متتابعني :األول :التخلية (أو التفريغ) ،والثاين :التحلية (أو التزويد والشحن) .
13
فقه النفس 14
أما التخلية ،فتكون بالعمل على إزالة كل ما يف النفس من شوائب وعيوب ومساوئ ،سواء كانت متعلقة باملاضي أو باحلاضر
أو حىت باملستقبل ؛ أو ما يعرفه العلماء على أنه :أمراض القلوب (أو النفوس) ،مثل :اجلهل ،والكرب ،والكره ،والغيظ ،
واحلسد ،إخل .وبالتخلية ،تصبح النفس مؤهلة مبا فيه الكفاية ليتم حتليتها (أو تزويدها) مبا يصلحها ويزكيها .
وأما التحلية ،فتكون بتزويد النفس مبا يصلحها جسدا وروحا ؛ ويكون هذا بأمرين :العلم ،والعمل .وأعين بـ ـ العلم :العلم بـ ـ
[من أنا ومل أنا] ؛ وأعين بـ ـ العمل :االنشغال فورا بتحقيق ما أعلمه يف حيايت اليومية .وهنا ،وفقط هنا ،ميكن يل أن أكون
سببا يف إعمار األرض أو العبادة أو االستخالف .
جواب :
سأسري على طريقة أهل العلم يف تعريف اللفظ من أصله يف لغة العرب أوال ،مث مما اصطلح عليه الناس وأهل العلم (أو االصطالح)
ثانيا ،مث سأخلص إىل ما نفهمه من سياق آيات القرآن ثالثا .
أصل لغوي يدل على خروج النسيم كيف كان ،من ريح أو غريها ،وإليه يرجع كل ما يتفرع عنه من معاين النفس [املرجع :
مقاييس اللغة] .
عني الشيء وكنهه وجوهره ،والروح ،والروع ،واجلسد ،والدم [ ،املرجع :لسان العرب] .
اإلنسان [املرجع :معجم الالهوت الكتايب]
وإذا طالعنا ما جاء يف االصطالح اإلنساين يف كتب املتقدمني واملتأخرين ،وجدنا أن النفس تعين :
14
فقه النفس 15
اإلنسان ،والشخص ﴿ :ونفس وما سواها ،فأهلمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها﴾ [القرآن :
سورة الشمس :اآليات ]01-7؛ ﴿وما كان لنفس أن تؤمن إال بإذن اهلل﴾ [القرآن :سورة يونس :من اآلية ]011؛ ﴿ال
يكلف اهلل نفسا إال وسعها هلا ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ [القرآن :سورة البقرة :من اآلية ]525؛ ﴿إن أحسنتم ،
أحسنتم ألنفسكم ،وإن أسأمت فلها﴾ [القرآن :سورة اإلسراء :من اآلية ]7؛ ﴿فال تزكوا أنفسكم ،هو أعلم مبن اتقى﴾
[القرآن :سورة النجم :من اآلية ]25؛ ﴿كل نفس ذائقة املوت﴾ [القرآن :سورة آل عمران :من اآلية . ]026
الداخل والسر والوجدان ﴿ :واذكر ربك يف نفسك تضرعا وخيفة﴾ [القرآن :سورة األعراف :من اآلية ]516؛ ﴿وختفي يف
نفسك ما اهلل مبديه﴾ [القرآن :سورة األحزاب :من اآلية ]27؛ ﴿فأسرها يوسف يف نفسه﴾ [القرآن :سورة يوسف :من
اآلية ]77؛ ﴿ومثل الذين ينفقون أمواهلم ابتغاء مرضات اهلل وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة﴾ [القرآن :سورة البقرة :من
اآلية . ]556
مدار التفكري والشعور والعقل والسلوك يف اإلنسان ﴿ :يا أيتها النفس املطمئنة ،ارجعي إىل ربك راضية مرضية﴾ [القرآن :سورة
الفجر :اآليتان ]52-57؛ ﴿وال أُقسم بالنفس اللوامة﴾ [القرآن :سورة القيامة :اآلية ]5؛ ﴿يوم تأيت كل نفس جتادل عن
نفسها وتوىف كل نفس ما عملت وهم ال يظلمون﴾ [القرآن :سورة النحل :من اآلية ]000؛ ﴿إن النفس ألمارة بالسوء إال
ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ [القرآن :سورة يوسف :من اآلية ]62؛ ﴿ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه﴾
[القرآن :سورة ق :من اآلية ]05؛ ﴿وكذلك سولت يل نفسي﴾ [القرآن :سورة طه :من اآلية ]65؛ ﴿أن تقول نفس يا
حسرتى على ما فرطت يف جنب اهلل وإن كنت ملن الساخرين﴾ [القرآن :سورة الزمر :اآلية . ]65
وما يهمنا هنا هو ما يدل عليه العقل من مجع وتأليف ما جاء يف لغة العرب ،واالصطالح اإلنساين ،والقرآن الكرمي ؛ وهي (النفس)
مبعىن (اإلنسان) ،النفس اليت حتس وتفكر وتعقل ،النفس اليت تتوقف لتتأمل وتتدبر ،النفس اليت حتب وتكره وتفرح وترتح وحتلم
وتغضب وتعدل وتظلم .
إذا فعلنا ذلك ،ترجح لدينا أن النفس ،باختصار ،هي مركب من عنصرين :اجلسد والروح .
أما العنصر األول ،اجلسد :فهو ذلك العنصر املادي والعرض الظاهر ،والناشئ من طبيعة األرض ،وهو العنصر الذي ال يكاد
خيتلف عليه شخصان ،حيث الوصول إليه وكشف ماهيته وطبيعته أمر ال يلزمه أكثر من توافر احلواس .وهو املادة اليت تقوم مبا تأمره
به الروح ،فهو دابة الروح ومركبها ،هبا يأمتر ،وإليها تعود دفة القيادة .
15
فقه النفس 16
وأما العنصر الثاين ،الروح :فهي ذلك العنصر غري املادي ،والباطن ،والناشئ من طبيعة هلا سر خاص ،حيث هبا ينبعث اجلسد من
املوت ،وهبا حتصل احلياة ،وهبا يتمكن اجلسد من القيام مبختلف النشاطات احليوية ،من احلس والتنفس ،وحىت التفكري والعقل .
الفتة :جتاوزت هنا االختالف حول ماهية هذا العنصر ومسماه ،إال إن قراءة التأريخ وسري احلضارات ،سيما ديانات الشرق ،
تطلعنا أنه قد أطلق على هذا العنصر أمساء أخرى ،مثل :اجلوهر ،والطاقة ،والسر ،وغري ذلك) .
الفتة :من اخلطأ الذي شاع (منذ زمن) أن ترتبط الروح يف أذهان الناس بالنسك والشعائر واملظاهر التعبدية دون غريها ،فيكون
التعلم والتعليم يف املدرسة واجلامعة وحلقات العلم املختلفة ال عالقة له بالروح !!! وتكون جمالس األدب والرتويح وصلة الرحم وغريها
ال عالقة هلا بالروح !!! وكأن الروح ال تتغذى إال بالنص اإلهلي وال تتأثر بشيء من املدخالت اليومية إال ما له عالقة بـ ـ (الدين)
والصلة (املباشرة) مع اهلل !!! وكأن الروح ال ترتقى إذا ما تعرضت ملشاهدة كونية أو لتأمل يف زوايا احلياة الطبيعية أو لرؤية فردية ملشهد
من مشاهد التفاعل اإلنساين وما فيه من رمحة ومشاعر خمتلفة أو لرواية غنية الصور أو لشعر رفيع األدب أو ألغنية لطيفة املعاين أو
ملادة علمية جتريبية تكشف عن بعض احلق أو مجال هذا الكون ،إخل !!!
قد يسأل سائل أو سائلة :كيف أفهم إذا آية مثل ﴿ :كل نفس ذائقة املوت ،وإمنا توفون أجوركم يوم القيامة ،فمن زحزح عن النار
وأدخل اجلنة فقد فاز ،وما احلياة الدنيا إال متاع الغرور﴾ ؟! أو آية مثل ﴿ :يا أيتها النفس املطمئنة ،ارجعي إىل ربك راضية مرضية ،
فادخلي يف عبادي ،وادخلي جنيت﴾ ؟! أو آية مثل ﴿ :اهلل يتوىف األنفس حني موهتا ،واليت مل متت يف منامها ،فيمسك اليت قضى
عليها املوت ،ويرسل األخرى إىل أجل مسمى ،إن يف ذلك آليات لقوم يتفكرون﴾ ؟!
أال تشري هذه اآليات إىل أن (النفس) هنا هي (الروح) ؟!
الفتة لغوية :االختالف يف املبىن يؤدي إىل االختالف يف املعىن .ومن هنا ،فإن لفظ (نفس) ال ميكن له أن يعين لفظ (روح) جمردا
هكذا ؛ ولكن هذا ال مينع من حقيقة لغوية ،أال وهي إن اللفظ قد يكىن به عن غريه ،وميكن أن يفهم ذلك من السياق .فقد تذكر
الروح مبعىن النفس ،أو العكس ،وهو ما نعرفه بـ ـ (الكناية) ،كما ميكن أن يكون من قبيل (اجملاز املرسل) .
16
فقه النفس 17
وتبدأ مشكالت النفس عندما خيفق الناس يف منح جوهر النفس حقها ،حق الروح ،بل وتتضاعف املشكالت عندما ينغمس الناس
يف تلبية حاجات اجلسد (دون اعتبار للروح) ؛ فينتهي هبم األمر إىل أرواح فارغة خفيفة مثقلة باجلسد وما حيمله ،فمن اإلسراف يف
الطعام والشراب وامللبس ،إىل االنشغال بالدراسة األكادميية اليت هتدف يف هناية األمر إىل تأمني (لقمة العيش) ،إىل حبس الروح يف
خانة (طقوس دينية) فقط ،مما يفرغ الروح من حقيقة ما أراده اهلل هلا وللجسد الذي نفخها فيه وللوقت الذي ينبغي عليها أن حتياه .
وللنفس أطوار متر فيها منذ البعث وحىت املوت ،سنتعرف عليها يف [قصة النفس ،من البداية]
الفتة :أنصح بقراءة هذا اجلزء [قصة النفس من البداية] ،فإذا شعرت (كقارئ أو كقارئة) بشيء من التفصيل والتعقيد ،أو إذا
شعرت بالرغبة يف الوصول مباشرة إىل هديف من املادة ،فلي أن أجتاوزه إىل [فقه النفس] .
تبدأ القصة من العدم ،حيث ال وجود ملوجود وال خملوق وال حادث ،مث حيدث الوجود ،حيث الفضاء (وأعين بالفضاء هنا :الزمان
واملكان) ،وتكون البداية ،حيث العنصر الذي يدل عليه لفظ (البداية) ،حيث العنصر الذي ال ميكننا تصور احلياة بدونه ،حيث
العنصر الذي به نستدل على األحداث اخلارجية ،حيث العنصر الذي يدلنا عليه ويلفتنا إليه ظاهرة التحول يف بقية العناصر (وأعين
بالتحول هنا :االنتقال من حالة إىل حالة أخرى خمتلفة عن سابقتها) .
17
فقه النفس 18
الفتة :الزمان (أو الوقت) هو ظاهرة حريت الناس ،علماء وعوام ،قدميا وحديثا ،ومل يستدل العلماء وال عامة الناس على ماهية
هذه الظاهرة حىت اآلن .إال إن احلقيقة الوحيدة اليت جيمع عليها الكل (مؤمنني ومالحدة ،علماء وعوام ،صغارا وكبارا) هي أن ما
يدلنا على حقيقة هذه الظاهرة هو التحول يف عناصر الوجود األخرى .
مث تتواىل عناصر الوجود ،أو املوجودات ،اليت تظهر يف صورة العنصر الثاين :املكان .
ويظهر املكان يف صورة الكون وما فيه :مساء ،وأجرام وكواكب ،وأرض .
ويف املكان ،أو بعبارة أخرى ،يف الكون ،تظهر على السطح صفة ستحول الكون كله إىل صفحة من احلوادث املتتالية ،حوادث
متسلسلة ومتتابعة ومتطورة ،تلك هي صفة الوجود اآلن ،تلك هي صفة احلياة .
ومن األرض ،ومن طبيعة األرض ،تظهر صور أخرى للوجود ،وتنضم إىل جمموعة املوجودات يف هذا الكون ،ولعل أبرز هذه الصور
هو ما نعرفه بـ ـ الكائنات ،مثل :اجلماد ،والنبات ،واحليوان .
ويظهر يف كل صورة من هذه الصور صفات وخصائص جتعل لكل منها طبيعة أرضية ،ولعل من أبرز صور هذه الطبيعة األرضية :
قابلية النقص ،والتأثر والتأثري ،والتحول (اهلدم والبناء) :حبيث يطرأ على كل منها (بسبب الزمان) اختالف يف طبيعتها ،مما يدفع
هبا أن تتأثر بغريها من الكائنات وتؤثر فيها أو يف غريها ،مما حيول من طبيعتها ؛ كما إن اهلدم والبناء (ومها أثران ظاهران من آثار
التفاعل والتحول) يظهران بسبب انتقال بعض عناصر الوجود (مثل اهلواء واملاء) إىل عناصر أخرى حبيث تباشر فيها أثرا يبدل من
طبيعتها ويظهر يف صور خمتلفة من الوجود .
ومن األرض أيضا ،ومن طبيعة األرض ،حيث نشأ اجلماد والنبات واحليوان ،ينشأ عنصر آخر ؛ عنصر مادي وعرض ظاهر ؛ ينشأ
من ماء األرض ،ومن تراب األرض ؛ عظاما وحلما ،وجها ويدا وجذعا ورجال ودماغا وغريها ؛
هذا العنصر ،هو ما نعرفه بـ ـ اجلسد !
18
فقه النفس 19
وكغريه من خمرجات األرض ،حيمل اجلسد معه شيئا من طبيعة األرض ،فيحمل شيئا من صفات اجلماد والنبات واحليوان .فاجلسد
مجاد من حيث قابلية النقص والتأثر بقوانني األرض اليت جاء منها ؛ واجلسد نبات من حيث قابلية النقص ،أيضا ،والتأثر والتأثري
والنمو واهلدم والبناء ؛ واجلسد حيوان من حيث الغريزة والشعور واالنفعال (إال إن هذه صفات تظهر الحقا) .
إال إن هذا العنصر وحده ،عنصر جامد ،عنصر ميت ،ال سبيل له إىل الوجود الفاعل قبل أن ينضم إليه وخيتلط معه عنصر آخر ،
العنصر الثاين واألهم :الروح .
وبسبب جوهر الروح وسرها (وهو ما ال يقبل العقل ألحد ادعاء العلم حبقيقته) ،حيث تكون الروح مبثابة مصدر الطاقة ونظام
التشغيل ،تبدأ طبيعة اجلسد بالتحول ،وتبدأ مادة اجلسد (من خالل خاليا اجلسد وأعضائه وأجهزته) بسلسلة من النشاطات اليت
تظهر يف صورة احلركة املستمرة والدائمة ،فيظهر ما نعرفه بـ ـ العمليات احليوية ،مثل :خفقان القلب وتنفس الرئة وعمل الدماغ ،
حبيث تؤدي إىل انبعاث اجلسد من املوت ليأخذ قدره ونصيبه من الزمان أو الوقت أو العمر ؛ ولتحصل له الصفة اليت ستعطي اجلسد
ما جيعل منه فاعال ومؤثرا ؛ تلك هي صفة احلياة ؛ فيظهر الكائن احلي الذي هو اللبنة األوىل يف بناء ما نعرفه باسم اإلنسان .
ومع الروح ،تبدأ رحلة طويلة للجسد ،وتظهر حمطات عديدة ،يف أطوار خمتلفة ،حيث تلعب الروح يف كل طور منها دورا خمتلفا
ومتقدما .
وهبذين العنصرين (اجلسد والروح) ،وباختالطهما وتفاعلهما ،تبدأ رحلة الكائن الذي نعرفه باسم النفس ؛ فال نفس دون جسد ،
وال نفس دون روح !
الفتة :حتدثت عن اختالف النفس عن الروح يف فصل [اعرتاض :ماذا عن الرأي القائل بأن النفس هي الروح ؟].
19
فقه النفس 21
ولكن انبعاث اجلسد من املوت ليس هناية األمر ،بل هو خطوة أوىل يف رحلة طويلة من املظاهر احليوية ؛ ألن انبعاث اجلسد من
املوت ليس كفيال وحده ليدل على احلياة أو ليبقي اجلسد حيا ! ملاذا ؟
هنا ،وبسبب عنصر الزمان (أو الوقت) ،وبسبب الطبيعة األرضية للجسد (قابلية النقص والتأثر والتأثري والتحول :اهلدم والبناء) ،
وبسبب تلك السلسلة املستمرة والدائمة من النشاطات والعمليات احليوية ،يصبح اجلسد (خبالياه وأعضائه وأجهزته) عرضة للضمور
والضعف ،وصوال إىل املوت الذي مل يكد ينبعث منه للتو .
وهنا ،تقوم الروح بدور نظام احلماية .حيث حتمل الروح معها ،وبطبيعتها ،صفات معينة ،فتغرز هذه الصفات يف اجلسد ،فتصبح
غرائز ،تدفع باجلسد حنو ما يبقيه على قيد احلياة .
عناصر احلماية
وهي العناصر اليت تشكل يف جمموعها املنظومة اليت هبا حتمي النفس ذاهتا ،أو منظومة احلماية .وهذه العناصر هي :
الضرورة
الغريزة (أو احلاجة) .
الدافع (أو الباعث أو احلافز) .
الفضول (أو البحث) وامليل (أو النزوع) .
السلوك (أو الفعل) .
االستقرار .
تسري الروح يف اجلسد ،فتؤثر يف طبيعته ،ويظهر هذا األثر على مركب النفس كالتايل :
21
فقه النفس 21
تبدأ القصة مع الطبيعة األرضية للنفس ؛ حيث قابلية النقص والتأثر والتأثري والتحول (اهلدم والبناء) .
وللنفس البشرية (جسدا وروحا) ضرورات ،من شأهنا أن متد النفس بأسباب احلياة (مثل :اهلواء واملاء والطعام والنوم واملأوى
واجلماعة واجلنس اآلخر) .والضرورة إما أن تكون داخلية (مثل :التوقف والتأمل والسكون) ،وإما أن تكون خارجية (مثل :
الغذاء واملأوى والبشر) .
ويف البداية ،ومع وجود الضرورات ،تكون النفس يف حالة من االستقرار .
وبسبب عنصر الزمان والطبيعة األرضية ،فإن النفس يعرتيها شيء من النقص يف أي من هذه الضرورات .
ونقص الضرورة يستفز تلك الصفات اليت غرزهتا الروح يف اجلسد ،أو الغرائز (وتعرف أيضا باحلاجات) .
الفتة :الغريزة هي حجر الزاوية يف سلسلة االنفعاالت اليت تبقي اجلسد على قيد احلياة ،ألهنا املفصل الذي إذا فقدناه فقدنا
الرابط بني داخل اجلسد وخارجه (الكون وعناصره احمليطة به) ! وسيلي احلديث عنها الحقا .
وبسبب الغريزة ،تبدأ سلسلة من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ،حيث تعمل على تنبيه النفس هلذا النقص ،وتظهر هذه
التحوالت يف صورة توتر واضطراب ،وهو ما نعرفه باسم الشعور ،مثل :العطش واجلوع والشبق واإلرهاق واخلوف ؛ وهذا
الشعور بالتوتر أو االضطراب هو ما نعرفه باسم الدافع (أو الباعث ،أو احلافز) .ويف هذه احلالة ،يكون الدافع داخليا ،ويظهر
يف صور خمتلفة تدل عليها مظاهر خمتلفة أيضا ،مثل :الظمأ ويدل عليه جفاف احللق مثال ،واجلوع ويدل عليه أمل البطن مثال
،واخلوف ويدل عليه التوقف وعدم احلركة مثال) .والدافع هنا فطري ،أي إنه موجود يف طبيعة النفس اليت ظهرت عليها إىل
صفحة الوجود ،وال حيتاج إىل تكرار أو تعلم .
وبسبب الدافع ،تبدأ سلسلة أخرى من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ،فيظهر شعور آخر يف إحدى صورتني :الفضول
والبحث (إذا مل تكن الضرورة أو اهلدف معلوما) ،أو امليل والنزوع (إذا كانت الضرورة أو اهلدف معلوما) .
ويؤدي الفضول والبحث أو امليل والنزوع إىل سلسلة أخرى من التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ،ولكنها هنا ،تظهر على
السطح ،فتدفع بأعضاء اجلسد الظاهرة إىل احلركة ،وهو ما نعرفه باسم الفعل أو السلوك ،حيث يتوجه اجلسد من خالله إىل
مادة بعينها ،وهي ما نعرفه بـ ـ اهلدف (وهو الضرورة أو كل ما يليب غريزة البقاء) .فاجلوع والعطش يدفعاين إىل طلب الغذاء واملاء
؛ وامليل اجلنسي مع العاطفة ورغبة البقاء يدفعين إىل طلب اجلنس اآلخر لتلبية العاطفة والشهوة وحفظ النسل ،والتعب يدفعين
إىل طلب الراحة ،واخلوف يدفعين إىل طلب األمن واملأوى .
وبالوصول إىل اهلدف (أو الضرورة) ،يتم تعويض الضرورة وتلبية الغريزة وإشباع احلاجة ،ومنه إىل سلسلة أخرى من التحوالت
يف بنية اجلسد الداخلية ،إىل شعور آخر ،وهو ما نعرفه باسم االستقرار .
ومع استمرار الزمان (أو الوقت) ،ومع استمرار العمليات احليوية ،يستمر اجلسد يف استنزاف الضرورة ،ومنه إىل النقص والغريزة
واحلاجة ،ومنه إىل الدافع (التوتر واالضطراب) ،ومنه إىل الفضول والبحث أو امليل والنزوع ،ومنه إىل السلوك ،ومنه إىل اهلدف
،ومنه إىل اإلشباع ،ومنه إىل االستقرار ؛ وهكذا دواليك !
21
فقه النفس 22
الفتة :سلسلة التحوالت يف بنية اجلسد الداخلية ،واليت هي صورة من صور الشعور ،هي ما يعرفه البعض باسم الوجدان .
وبطبيعة التكوين اإلنساين ،فإنين أبدأ بتلبية حاجات اجلسد أوال ؛ ليس ألن اجلسد مقدم على الروح ،ولكن إلعداده مبا يلزمه
لالنتقال إىل مرحلة متقدمة ،حيث ميكنين من القيام بتلبية حاجات الروح .
وهلذا فأنا أختصر العالقة بني العنصرين (اجلسد والروح) جبملة أوردهتا سابقا :اجلسد دابة الروح ومركبها .
والسؤال هنا :كيف يل أن أعلم الغذاء أو اهلدف الذي يشبع حاجيت ؟ أو كيف يل أن أصل إليه ؟
وقبل أن أجيب عن هذا السؤال ،أستدرك بسؤال آخر :هل يتغذى اجلسد على ذاته فال حيتاج إىل شيء (خارجي) ؟ أم أنه يبحث
عن هدفه يف العامل اخلارجي (الكون وعناصره احمليطة به) ؟
واجلواب :
ليس من العقل أن يتغذى اجلسد على ذاته ؛ وإال ،ألسرع هذا يف ضموره وضعفه وموته ! إذا ،ال بد للجسد من التوجه إىل غذائه
أو هدفه يف العامل اخلارجي ! ولكن كيف ؟
ولقد سبق احلديث عن الدافع ،فذكرنا أن الدافع يكون داخليا يف بداية األمر ؛ أما هنا ،فإن الدافع يكون خارجيا ،وهو ما نعرفه بـ ـ
املدخالت واملنبهات واملثريات ،مثل :رؤية طعام أو شم رائحة معينة أو مساع صوت معني .
وهنا ،وكما كانت الروح مبثابة مصدر الطاقة ونظام التشغيل يف انبعاث اجلسد من املوت ،فهي هنا تستكمل دورها الذي بدأت به ،
فيمتد أثر الروح ليتجاوز تشغيل أعضاء اجلسد الباطنة (مثل :القلب والرئة والدماغ) وما يتبع ذلك من عمليات حيوية ،حىت تظهر
آثار تلك العمليات على أعضاء اجلسد الظاهرة (مثل :اجللد واألذن واألنف واللسان والعني) ،لتبدأ بسلسلة من التحوالت اجلسدية
،اليت تظهر يف صورة الوعي بعناصر الكون احمليطة باجلسد .
22
فقه النفس 23
وهذه السلسلة من التحوالت (أو النشاطات أو العمليات) هي ما نعرفه بـ ـ احلس أو اإلحساس الذي يظهر يف صورة الذوق والشم
واللمس والسمع والنظر .ومن خالل احلس ،أتلقى وأتأثر وأستجيب .
وهنا ،يقوم احلس بدور الرسول الذي حيمل رسائل الكون إىل اجلسد ،وهكذا ،يستدل اجلسد على الضرورة (أو اهلدف) ويبدأ
السعي إليه واحلصول عليه !
ويف هذا الطور األول ،يكون (البقاء) هو شغلي الشاغل ،وتكون الغريزة هي املعيار الذي أحتكم إليه ،وتتم االستجابة والتفاعل مع
احمليط يف شكل واحد ،يف بداية األمر ،وهو ما يعرف بـ ـ االنفعال الغريزي ،حيث الغريزة ،وفقط الغريزة ،هي اليت حتركين حنو
اهلدف (أو الضرورة) الذي من شأنه أن يوصلين إىل شعور بدائي بـ ـ (االستقرار اجلسدي) الذي ينطلق من حاجات (جسدي أنا) فقط
،وينعكس على (جسدي أنا) فقط .
واالنفعال الغريزي حيدث يف زمان نقص الضرورة وينتهي باالستقرار ،وال يتجاوز ذلك الزمان .واالنفعال الغريزي ال يعتمد على
أحداث جديدة أو متكررة .واالنفعال الغريزي ،أو االستجابة الغريزية ،ليس مقصورا على النفس اإلنسانية ،بل منط مشرتك مع
صور احلياة األخرى ،من أبسط أشكاهلا إىل أكثرها تعقيدا .
وعندما يتكرر ظهور عناصر احلماية ،سيما الضرورة منها (أو املنبهات واملثريات) ،ترتك أثرا يف اجلسد ،وحتديدا يف ذلك العرض
املادي املوجود يف أعلى اجلسد ،يف الرأس ،وهو ما نعرفه بـ ـ الدماغ .وبسبب الروح أيضا ،تظهر لدى اجلسد (أو الدماغ) قدرة
خمتلفة عن االنفعال الغريزي الذي يظهر يف زمان نقص الغريزة وينتهي باالستقرار ،وهي القدرة على االحتفاظ بصور تلك املدخالت
رغم االستقرار وحتول الزمان .وهذه القدرة هي ما نعرفه باسم الذاكرة .
23
فقه النفس 24
ولكن آثار الروح ال تقف هنا ،فباإلضافة إىل قدرة الدماغ على االحتفاظ بصور املدخالت ،فإنه حتصل لديه القدرة على االحتفاظ
بصور وآثار سلسلة التحوالت (أو العمليات) اليت تبدأ بنقص الضرورة وتنتهي باالستقرار .
وبسبب الروح أيضا ،وبسبب أثرها يف اجلسد ،تظهر قدرة أخرى ،وهي قدرة الدماغ على االحتفاظ بعناصر احلماية املختلفة مع
ربط بعضها ببعض ؛ فتحصل قدرة الدماغ مثال على ربط الزمان باملكان بالوجدان .وبعبارة أخرى :تصبح لدى الدماغ القدرة على
ربط زمان نقص الضرورة مع السلوك للحصول عليها وما أدى إليه من االستقرار .
وبسبب الروح أيضا ،وبسبب أثرها يف اجلسد ،تظهر قدرة أخرى ،وهي القدرة على استدعاء مجيع تلك العناصر وما يرتبط هبا عند
ظهور عنصر واحد منها فقط .
وكل ما أوردناه هنا ،هو صورة أخرى من صور االستجابة والتفاعل مع احمليط .وهي صورة متقدمة ،أكثر تعقيدا من االنفعال
الغريزي ،وهي ما نعرفه باسم :التعلم الشرطي .
ونعرف (الروح) يف هذا الطور األول بـ ـ (الروح البهيمية أو احليوانية) اليت ألتقي فيها كـ ـ (إنسان) مع باقي أشكال احلياة من حولنا ،
سيما (احليوان) .
مث تتقدم (روحي) آخذة معها (جسدي) لتنتقل به إىل الطور الثاين ،حيث تكون مبثابة (نظام االستقبال والتحليل) الذي يتجاوز
االنشغال بتلك الوظائف (يف املستوى األول) إىل مراقبة (جسدي) يف تلقيه للصور واملدخالت املتعددة واملختلفة يف حيايت اليومية وما
يتبعها من (جمهول) و(عالمات استفهام) ،ومن مث العمل على التوقف عند تلك املدخالت وتفكيكها وحماولة فرزها والتعامل معها
واإلجابة عليها .
وتتقدم (الروح) هنا لتحاول فك شفرة أي (مدخل جمهول) من شأنه أن يأخذ (النفس) إىل دركات (اخلوف املرضي وما يقود إليه من
الوسوسة القهرية والقلق والتوتر واالكتئاب) وما يلي ذلك يف مراتب الشقاء .
ويظهر على السطح هنا مصطلح مهم ،وهو (التفكري) ،والذي يعين (تفكيك الكل إىل أجزاء) أو (التحليل) .
24
فقه النفس 25
وتربز هنا قاعدة مهمة ،أال وهي ( :اجملهول دافع الفضول) ،وأكثر ما حتاول (النفس) اإلجابة عليه والعلم به و(فك شفرة اجملهول)
عنه هو ما يتعلق بـ ـ (من أنا ومل أنا) .
الفتة :هذه القاعدة (اجملهول دافع الفضول) هي البديل عن القول الشائع (كل ممنوع مرغوب) ،فليس حقيقة أن كل ممنوع مرغوب !
وإال لقلنا بأننا إذا منعنا إلقاء النفس من أعلى جبل لرغب الناس مجيعهمم بذلك ! أو إذا منعنا الناس أن ميارسوا الرياضة 6ساعات
يف اليوم لرغب اجلميع بذلك رغم مشقته !
ونعرف (الروح) يف هذا الطور الثاين بـ ـ (الروح الناطقة) اليت تأخذ ب ـ ـ (جسدي) إىل أكثر من اإلحساس البسيط اجملرد الذي تقوده
الغريزة ،فأرحتل من جمرد (البهيمية) إىل (عتبات اإلنسانية) .
ويف هذا الطور الثاين ،أجتاوز (غريزة البقاء) لتكون احملرك الرئيس ،وأجتاوز (الدوافع أو احلوافز أو الشهوات) كمعيار أحتكم إليه ،
وأجتاوز ذلك الشعور البدائي بـ ـ (الراحة والطمأنينة) املنفردة فقط ،فتظهر هناك معايري ومراجع أخرى أستقيها من شعوري بـ ـ (األنس)
مبن حويل من األفراد أو ما نعرفه بـ ـ (اجملتمع) والصور واملدخالت املتكررة إىل حد االعتياد عليها وتقليدها أو ما نعرفه بـ ـ (العادات
والتقاليد) واملعايري اليت يتفق عليها األفراد ويقبلون التحاكم إليها أو ما نعرفه بـ ـ (األخالق والقيم) .
ويف الطور الثاين ،يظهر شعور متقدم من (الراحة والطمأنينة) أنتقل فيه من (الشعور الفردي) الذي كان هو البارز يف الطور األول إىل
(الشعور اجلماعي) ؛ وهنا تظهر غرائز اجتماعية ،مثل :احلاجة إىل احلب (ويتعلق هبا احلاجة إىل األنس واحلاجة إىل اجلنس اآلخر
واحلاجة إىل الولد) ودافعها الشعور بالوحدة والعزلة والشبق والرمحة واحلنو ،واحلاجة إىل التقدير (من خالل التنافس والسيطرة والتقاتل)
ودافعها الذاتية والغضب ،واحلاجة إىل احلرية ودافعها الضيق والكبت ،واحلاجة إىل األمن اجلماعي (من خالل اخلضوع والطاعة)
ودافعها الشعور بالنقص .
ويف الطور الثاين ،يظهر على السطح مسمى شعوري آخر هو ما أبدأ بالسعي وحماولة الوصول إليه واحملافظة عليه ،وهو ذلك الشعور
أو اهلدف املنشود الذي نعرفه بـ ـ (السعادة) .
ولكن يف هذا الطور الثاين ،قد ال يكون بالضرورة ما أرجع إليه من معايري ومراجع سببا كافيا ليأخذين إىل (السعادة املنشودة) ،فقد
يسهل على (الروح) أن تأمر (اجلسد) مبمارسة أمر ما أو سلوك معني فقط ألهنا تؤثر أن تكون مع (اآلخرين) وأن تشرتك معهم ،
سيما إذا كان (اآلخرون) هم األكثر أو األقوى ،وهذا هو ما نعرفه بـ ـ (القصور النفسي) ،وهو أن تسبح (النفس) مع تيار ما حوهلا
25
فقه النفس 26
من عادات وأعراف وقيم ،ليس ألهنا تتفق معه أو ألهنا جتد لديه (فك شفرة اجملهول) لديها ،ولكن ألهنا ختشى أن تكون (منفردة)
بالسباحة ضد تيار (اآلخرين) .فينتهي هبا األمر أن جتد أهنا مل تكسب من هذا كله إال شعورا بـ ـ (التعب واخلوف والشقاء) .
مث تتقدم (الروح) إىل ما هو أمسى من ذلك وأعقد ،حيث الطور الثالث ،فتتجاوز كوهنا (نظام االستقبال والتحليل) إىل كوهنا (نظام
العقل واإلدارة واحلكم) ،فال تعود تتقبل السباحة مع التيار أيا كان ،وال تعود تقبل بأي (إجابة) ختطر عليها ،بل تقود (اجلسد)
وتأمره بالتوقف عند الصور واملدخالت ،ولكن هذه املرة يكون التوقف للبحث والتحقق واجلمع بني املتفرقات وترتيب ما مت فرزه
سابقا من صور ومدخالت ،ومن مث الرجوع إىل معايري ومراجع يقينية تطمئن إليها (النفس) .
وهذه العملية املعقدة (القائمة على اجلمع والرتتيب والتقرير) اليت وصلت إليها (النفس) بقيادة (الروح) وتنفيذ (اجلسد) ،هي ما نعرفه
بـ ـ (العقل) .
الفتة :العقل ليس هو الدماغ ،ألن الدماغ هو جزء من (اجلسد) الذي هو أحد عنصري النفس ،أما العقل فهو عملية متقدمة
ومعقدة يقوم الدماغ جبزء منها فقط ،وهو جزء مهم وكبري ،ولكن هناك غريه من العناصر واألجهزة ،ولعل القلب هو من أمهها إن مل
يكن أمهها .وعلى هذا فليس كل من لديهم أدمغة عقالء !
ومع (العقل) ومن خالله ،تصل (نفسي) إىل شعور (حقيقي) يتجاوز (الراحة والطمأنينة والسعادة) ،ليربز مسمى شعوري أعمق
وأبلغ وأطول عمرا ،ألنه شعور متولد عن (العقل) ،وليس نتيجة لغريزة هبيمية أو لتقليد أعمى ،وألنه شعور يتجاوز الوقوع يف طريف
النقيض :إما (الفردية احملضة) واليت قد تضر مبصلحة اآلخرين إذا تعارضت مع (نفسي) ،أو (القصور النفسي) الناتج عن (التعلق
املرضي باآلخرين) والذي قد يقودين إىل الشقاء إذا مل أجدهم معي دائما !
26
فقه النفس 27
وبعبارة أخرى :هل العقل كفيل بـ ـ (عقل) كل شيء ؟! هل العقل ميلك اإلجابة على كل ما حييط بنا ؟! هل العقل هو ما حيمل معه
(دون غريه) مفاتيح السعادة ؟!
وليس هذا السؤال وما يتبعه من أسئلة من البدعة يف شيء ! فلقد ظهر يف تاريخ اإلنسانية من أهلوا عقوهلم واعتربوا أن العقل هو كل
شيء ! واعتربوا أن العقل ال حيتاج إىل سواه !
وهنا ،تربز أسئلة كثرية ،منها :ما الذي سيعقله العقل ؟! وما األسس الذي سينطلق منها ويعود إليها ؟! وما الذي سيتحدد به
الصواب واخلطأ ؟! وما هو املرد الذي سريد العقل إليه ما سيعقله الحقا ؟! وغري ذلك من أسئلة !!!
ال ؛ العقل وحده ال يقوم ! بل حيتاج إىل ما يستند عليه ويرجع إليه يف سعيه لتلك اإلجابات ،ويف عبارة أخرى :ال بد من شيء
يسلم األمر له وبه ،فينطلق منه إىل االعتقاد ؛ وهو ما نعرفه بـ ـ (املرد) ،وهذا (املرد) يشرتط أن يكون فيه ما افتقرت إليه املراجع يف
الطور الثاين ،مثل :
اليقني :أي إن املرد ينبغي أن ال يرتكين مع إجابات قابلة للشك واالحتمال مما جيعلين فريسة للمجهول مرة أخرى .
الشمول :أي إن املرد ينبغي أن جييب على كل ما يتعلق حبيايت اليومية ،من االستيقاظ وحىت النوم ،وإال أصبحت فريسة لعدم
االستقرار واختالل االتزان نتيجة لتعدد املراجع اليت أرجع إليها مما ميكن من وجود التناقض بينها ! أو الوقوع يف فخ ما أمسيه
(االنفصام املعريف والسلوكي) .
اإلسعاد :أي إن املرد ينبغي أن يستبدل السعادة النسبية املرتبطة باحمليط الزائل وما يعود به علي من إجابات غري يقينية أو شاملة
(وما يتبعها من جمهول) بسعادة أخرى ال ترتبط بشيء من ذلك .
ولفظ املرد هو لفظ استفدته من قول اهلل تعاىل ﴿ :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهلل وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم ؛ فإن تنازعتم يف
شيء فردوه إىل اهلل والرسول ،إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ،ذلك خري وأحسن تأويال﴾ [القرآن :سورة النساء :اآلية . ]66
وهذا املرد ،ميكن أن يكون مادة جمردة منقولة ،ومن هنا يأيت لفظ النقل ،بشرط أن يكون مادة منقولة صحيحة ؛ وميكن أيضا أن
يكون املرد نتيجة يقينية مت التوصل إليها بالعقل التجرييب املستند على النقل الصحيح .
27
فقه النفس 28
وعودة إىل املرد ؛ فباملرد ،ترتقي الروح يف أعلى مراتبها لتصل مبركب النفس إىل االعتقاد ،حيث تتشكل آخر املطاف صورة متكاملة
عن تلك املدخالت اليت مرت مبراحل كثرية من االستفهام والشك إىل أن وصلت هنا ،والنتيجة النهائية هنا هي :العقيدة ،أي
النتيجة القطعية أو العلم أو احلكمة .
واالعتقاد أو العقيدة من شأهنا أن تصل بالنفس إىل اليقني وما يتبعه بالضرورة من طمأنينة وسعادة ورضا .
هذه هي النفس ،وهذه هي أطوار النفس اليت متر هبا سعيا إىل السعادة املنشودة .
جواب :
الفقه يف لغة العرب :العلم بالشيء ،والفهم [املرجع :لسان العرب] ؛ والعلم مبقتضى الكالم على تأمله [املرجع :الفروق اللغوية] .
والفقه يف االصطالح :منهج الفهم على أصول الشرع ؛ وعلم قائم بذاته يبحث يف الدليل من العقل والنقل .
ولقد تطور استعمال لفظ (الفقه) حىت صار يدل على العلم الذي يتناول الشيء بكليته ،مادة ومعىن ،منهجا وتطبيقا ،فنقرأ مثال :
فقه الصالة (حيث يتناول الصالة يف شروطها وأركاهنا وسننها ونواقضها ،كما يتناول اخلشوع والتدبر) ،وفقه اجلهاد (حيث يتناول
اجلهاد يف معناه وشروطه ووسائله ،كما يتناول اجلهاد واجملاهدة وتطبيقاهتا العملية) ،وهكذا .
فإذا قلنا [فقه النفس] فإننا نعين :العلم الذي يتناول النفس يف ماهيتها ،وأعراضها ،وأمراضها ،وعالجاهتا .
سؤال :إذا كان من فقه النفس فقه عالج أمراضها ! أليست هذه مهمة (الطب النفسي) ؟
جواب :
28
فقه النفس 29
قبل التوج ه مباشرة إىل اإلجابة ،وقبل التفصيل يف إجابة (أو إجابات) هذه األسئلة وغريها ،يرتجح عندي أن أجيب على سؤال
يظهر على السطح بني احلني واآلخر ،تتبعه أسئلة واستفهامات وموضوعات كثرية ،أثارت ،وال تزال تثري ،كثريا من االختالف
الذي قد يصل إىل حد اخلالف واجلدل !
أليس العالج الكيميائي أو (املادي = الدوائي) هو أبسط وأيسر وأسهل ؟ أليس (الطب النفسي) مبعناه (اجلسدي = الكيميائي =
املادي) هو األوفر واألكثر انتشارا ؟ أليس هو األوثق ؟ أليس املدرسة احلديثة ،وباألخص املدرسة (الغربية) ،وما تصدره لنا ولغرينا
من أفكار وفلسفات وعقاقري ،وما نعرفه باسم (علم النفس) ،أليس كل هذا هو األجدر بالثقة واالتباع ؟!
تنتابين اآلن ،حلظة كتابة هذه الكلمات ،تنهيدة طويلة ،وزفرات حتمل معها قصة طويلة من التفكري والبحث والقراءة يف هذا
املوضوع وما يتعلق فيه .وحىت ال أغرق القارئ والقارئة يف تفصيالت ومعلومات متكررة أو قصاصات منسوخة من هنا وهناك من
كتب ومقاالت ورسائل علمية (وأخرى غري علمية) ،سأحاول أن أوجز اإلجابة عن هذه التساؤالت يف سطور قليلة :
إن من طبيعة التحول (أو التغري) يف الزمان واملكان أن يؤثر يف النفس اإلنسانية (جسدا وروحا) وحاجاهتا ،ومن مث يؤثر يف سعي
النفس لتلبية تلك احلاجات وصوال إىل االستقرار .ويف هذه الرحلة ،قد تعرتض اإلنسان معوقات داخلية = نفسية = جسدية وروحية
(كما تعرتضه معوقات خارجية ،ولكن ما يعنينا هنا هو املعوقات الداخلية) ؛ وهذه املعوقات الداخلية هي ما نعرفه الحقا باسم
األعراض أو األمراض النفسية ؛ وحينها يبدأ اإلنسان رحلة البحث عن (العالج) .
ويف رحلة البحث عن العالج ،بدأ اإلنسان باالعتماد على ما يتوفر له من معطيات (جسدية وروحية = مادية ومعنوية = مدخالت
وعمليات) تتمثل يف ما حيسه ويفكر فيه ويعقله ومن مث يستخدمه للوصول إىل (العالج) .
ويف هذه الرحلة ،أفرز اجملتمع اإلنساين ما عرفناه باسم (احلضارات) يف بالد الرافدين ،مث مصر ،مث الشرق األدىن فاألقصى ،مث
اليونان ،مث الرومان ،مرورا باحلضارة اإلسالمية يف أوجها ،وانتهاء إىل عصر النهضة وما تبعه حىت وصلنا إىل عصر الثورة العلمية
واملعلوماتية اليت صارت تنفجر انفجارا شبه ذايت حلظة إثر حلظة ،حىت حلظة كتابة هذه الكلمات .
وبقراءة التأريخ ،نعلم أن اإلنسان قد حتول يف هذه الرحلة (العالجية) حسب نظرية (التجربة واخلطأ) إىل (عينة) يف (خمترب) تلك
احلضارات ،فعملت فيه األساطري واخلرافات والقصص املوروثة ،كما جرب عليه السحر والعرافة والكهانة ،ومر عليه التحنيط واإلبر
العالجية (الصينية) ،مث رقاه (الدين) والتجربة العقلية اإلنسانية فعمد إىل التشريح والعالج العضوي (الكيميائي) ،مث ما لبث أن
29
فقه النفس 31
احنرف البعض عن (عقل) الدين أو (نقله) ،فلم يبق لإلنسان يف عصر النهضة الصناعية وما بعدها أكثر من أن يكون عينة للعالج
اجلسدي = العالج الكيميائي والصدمات الكهربية وغريها .
عندما بدأ اإلنسان حيسن التعامل مع الكون من حوله ،وخصوصا األرض وطبيعة األرض وما فيها من :مجاد ونبات وحيوان ،فإنه
بدأ يتوسل كل ما ميكنه اغتنامه من أجل تيسري وجوده على وجه األرض ،ومن مث حماولة توسل ذلك يف عالج ما يعرض له من علل
وأمراض .وألنه يتعامل مع ظاهر األرض وما تنتجه من مواد (طبيعية) ،فلقد بدأ اإلنسان (بطبيعة احلال ومنهج التجربة) باستعمال
منتجات األرض يف عالج ما يعرض له من علل وأعراض (جسدية) وكأنه يقول :إذا كان جسدي نبت من هذه األرض فإن عالج
أعراضه سيكون منها أيضا .وفعال ،جنح اإلنسان إىل حد كبري يف تطوير حماوالت احلد من علل اجلسد وأعراضه باستعمال ما وصل
إليه من مواد (أرضية طبيعية) .
ولكن األمر بدأ يستعصي على اإلنسان بشكل أكرب وأكثر صعوبة عندما بدأت تعرض له أعراض غري ظاهرة وال مادية = أعراض
روحية ؛ وألن األمر غري ظاهر كاجلسد ،وألن أثره قد يكون أشد أثرا من (العرض اجلسدي) ،فقد بدأ اإلنسان بالبحث عن عالج
ألمراض (الروح) ،فقاده منهج (القصور الروحي) ومنهج (التجربة واخلطأ) للعودة إىل الوراء قليال ليبدأ من حيث انتهى من قبله ،وهنا
ظهرت احملاوالت اليت كانت تعترب يف حينها (علمية) حيث كان العلم يقاس بالنتائج فقط ،دون معيارية املنهج املتبع ؛ فظهرت
الشعوذة يف خمتلف صورها :األساطري واخلرافات ،مث السحر والعرافة والكهانة .وكانت هذه (الشعوذات) تؤدي شيئا من العالج ولو
لفرتة من الزمن (وذلك العتقاد املريض /املريضة التام هبا كعالج) .
الفتة :من املثري للشفقة أن ما سبق ذكره من (شعوذات) مل يزل العمل به جاريا يف أيامنا ،مع كل ما يفرتض أننا بلغناه من (العلم) !
ولكن لعوامل عديدة ،لعل من أمهها :الوحي اإلهلي الذي يقيم العلم ويقوم العقل ويوجهه ،وثورة العقل اإلنساين عند املفكرين
والفالسفة واملشتغلني بالطب ،وعدم جناعة (الشعوذات) سابقة الذكر ،وتداخل احلضارات وحماولة االستفادة من بعضها البعض ،
وأخريا :استكمال منهج (التجربة واخلطأ) الذي كان له أثره يف عالج (اجلسد) وحماولة استعماله يف عالج (الروح) ؛ هذه العوامل وما
نتج عنها دفع باإلنسان للسعي إىل جتربة (مواد األرض الطبيعية) يف عالج (الروح) !
وفعال ،بدأت حماوالت تفعيل بعض منتجات الطبيعة األرضية لعالج (روح) اإلنسان ،وبدأ يظهر شيء من االستجابة عند (بعض)
املرضى ،خصوصا مع تلك املواد (املسكنة لألمل) واليت كانت تؤثر أيضا يف (شعور) اإلنسان (باليقظة والوعي باحمليط) مما كان يسهل
على اإلنسان التعامل مع (حالته /حالتها) اليت ما تلبث أن تعود لتنتكس بعد فرتة من الزمن !
31
فقه النفس 31
ويف مقابل هذه احملاوالت ،أو بالتوازي معها ،كانت هناك حماوالت لعالج (الروح) معاجلة (روحية) تنطلق من طبيعة الفهم اإلنساين
لطبيعة (الروح) وكيفية عملها ووظيفتها ؛ فبدأت تظهر حماوالت لتعليم املريض /املريضة كيفية السيطرة على األفكار املنشئة للخوف
أو الوسواس أو القلق أو احلزن الشديد والضيق (االكتئاب) أو حىت لألمل ؛ كما كانت تلك احملاوالت تعلي من قيمة شعور اإلنسان
مبقامه يف عني (اإلله) ومقامه يف عني (نفسه /نفسها) وتزكي (روح) اإلنسان من خالل الرتكيز على (اهلدف) األمسى من (الوجود)
وعالقة اإلنسان بالكون من حوله /حوهلا .
ومع جناعة هذه احملاوالت الروحية وتناغمها مع طبيعة (العرض أو املرض) ،إال إهنا كانت تستلزم وقتا أطول ،وجهدا أبلغ من
احملاوالت (اجلسدية) .ومع هذا ،فلقد ظل هلذه احملاوالت قيمتها ،إال إن البعض كان يؤثر دجمها مع العالج اجلسدي .
وظل األمر على هذه الصورة (من حماوالت خمتلفة ومتنوعة :شعوذة ،وعالج جسدي ،وعالج روحي) حىت احلقبة ما بني أواسط
القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ،حيث بدأت احملاوالت اجلسدية (العضوية) تأخذ شكال أكثر (عصرية) و(تقنية) ،
وتطغى بدورها على أي حماوالت عالجية أخرى .
والسؤال هنا :ما الذي أسهم يف طغيان العالج اجلسدي (العضوي = الكيميائي) على غريه ؟!
العامل األول :االختزال السالب ملفهوم (الروح) لدى أوروبا ومن بعدها أمريكا مبا يتعلق بـ ـ (الدين = النسك) فقط ؛ وعليه فإن الروح
ال شأن هلا مبا عداها من مظاهر (الوجود) أو (احلياة) ! بل جتاوز هذا إىل (تنحية اإلله) عن كل (مادي) .
العامل الثاين (وهو تابع بالضرورة للعامل األول) :املوقف السالب الذي وقفته أوروبا (مث أمريكا) من (الروح) وكل ما من شأنه أن
ميت بصلة لـ ـ (املؤسسة الروحية) اليت كانت متثلها (الكنيسة) املعادية للعلم (التجرييب = املادي) .
العامل الثالث (وهو متزامن وتابع ملا سبق) :احلركات املتمردة على سلطة (اإلله) و(الدين) و(املوروث) ،وظهرت يف صور متنوعة
لكنها التقت يف (تقديس اإلنسان = اجلسد = العقل اجملرد) ؛ وهذه احلركات هي :احلداثة والعقالنية والتنوير والوجودية والعاملانية .
العامل الرابع :تأثر البيئة (العلمية) بعصر النهضة وما تبعه من ثورة (تقنية) سخرت لإلنسان كل ما ميكن أن تصله حواسه (تقريبا) .
31
فقه النفس 32
العامل اخلامس (ولعله اليوم من أهم الدوافع لطغيان العالج اجلسدي ،إن مل يكن أمهها على اإلطالق) :وهذا العامل هو ما أحب
أن أعرب عنه باسم (امرباطوريات الدواء) ؛ وأعين هبا املؤسسات والشركات اليت تدير الصناعات (الكيميائية) يف جمال الطب عموما ،
والطب النفسي خصوصا ( .وحىت ال أقع يف فخ التعميم الظامل ،فإنين سأتناول يف حديثي هنا الصناعات ذات الطابع اخلاص والبعيد
عن البحث العلمي والتطوير التعليمي مبعناه األكادميي ،مع عدم إغفال حجم التداخل بني املؤسستني :اخلاصة واألكادميية) .وال
خيفى على عامة الناس اآلن مدى انتشار العالج الكيميائي يف أيامنا ،ولكن ما قد خيفى على عامة الناس هو الثراء الفاحش
ألصحاب هذه (االمرباطوريات) وما تبلغه هذه الصناعات من أرباح مادية طائلة قد ال يقارهبا أي صناعة (معروفة وقانونية) أخرى (إذا
استثنينا صناعة السالح والسينما) .كما قد خيفى على عامة الناس مقدار سيطرة هذه (االمرباطوريات) وحتكمها يف (البحث العلمي)
ومن مث توجيه (البحوث والدراسات) إىل ما قد يزيد ثراءها (أوال) قبل النظر يف مدى (نفع) البحث وما حيمله من خري لإلنسانية .
وقد يصل حد سيطرة هذه الصناعات أن تتدخل يف نتائج البحث (العلمي) لتدفع باملنتج إىل (السوق) رغم أنف (املصلحة) أو لتمنع
صدور (دراسة) من شأهنا أن (تفضح) خطر منتج آخر ! بقي أن ألفت االنتباه إىل (حقيقة) طبية -جتارية ،وهي :إن عقاقري الطب
النفسي هي من أغلى العقاقري يف سوق العالج الكيميائي ! ولعل هذا ما جيعل بعض األطباء من التخصصات األخرى يتبادلون بينهم
الطرائف الساخرة من كون (الطبيب النفسي) ما هو إال (مسوق) يعمل لدى (شركات الدواء) أكثر من غريه ! أطلت التفصيل يف هذا
العامل ألنبه على أثره يف انتشار العالج اجلسدي أو الكيميائي بدافع (الربح املادي) على حساب (املصلحة اإلنسانية) .الفتة :أكرر
استثنائي لكل ما من شأنه التقدم بصحة اإلنسان على منهج علمي مستقل عن التأثري الشخصي أو املادي ،وهو أمر موجود وواقعي
وفاعل أيضا ،رغم اختاليف معه .وهذا ما سيقود للحديث عن العامل السادس .
العامل السادس :املنافع الظاهرة للعالج اجلسدي (الكيميائي) ،مثل :ظاهر استناده إىل العلم التجرييب احلديث يف مقابل غريه من
العالجات (وهذا أمر ظاهر ،حيث يتعمد العامل الغريب جتاهل البحوث اليت من شأهنا أن ترجح كفة العالجات األخرى أو حىت أن
تربز ما فيها من منافع ومميزات) ،قلة اجلهد (النفسي) املبذول يف التعامل مع املريض /املريضة ،قلة الوقت املبذول يف وصف العالج
للمريض /املريضة ،األثر الظاهر والسريع (نسبيا) على احلالة املرضية (إال إن هذا األثر سرعان ما خيبو أو حيول صاحبه إىل مدمن) ،
سهولة التعاطي مع العالج وتعلمه من قبل املريض /املريضة ،طبيعة تناغم هذا النوع من العالج مع طبيعة العصر يف البحث عن
عالجات (سريعة) .ويقابل هذه املنافع الظاهرة صعوبات تواجه العالج الروحي ،وهو ما سنتحدث عنه يف العامل السابع واألخري .
العامل السابع واألخري :الصعوبات اليت تواجه العالج الروحي ،وهو ما يأخذ صورا خمتلفة وأشكاال متنوعة (مثل :العالج اإلمياين ،
العالج التحليلي ،العالج املعريف -السلوكي) .ولعل من تلك الصعوبات :صعوبة اعتماد منهج علمي جترييب لقياس أثر العالج سيما
مع الفرتة الطويلة اليت حيتاجها ،بالغ اجلهد (النفسي) املبذول مع املريض /املريضة من قبل أهل االختصاص ،طول الفرتة الزمنية اليت
حتتاجها اجللسات العالجية ،موسوعية املنهج العالجي الذي يتطلب من أهل االختصاص معرفة فروع خمتلفة مثل :العلم الشرعي
والفلسفة وأمناط الشخصية وبعض العلوم العامة واخلاصة ،صعوبة التزام العالج من قبل املريض /املريضة خصوصا إذا استلزم ذلك
32
فقه النفس 33
حتوال يف منط احلياة العامة ،تعارض طبيعة العالج مع طبيعة العصر السريعة حيث يتطلب التوقف والتأمل وعدم االستعجال وإعطاء
النفس حقها من الوقت والعلم والتدريب .
هلذه العوامل كلها ،رجحت كفة العالج اجلسدي = الكيميائي على حساب غريه من العالجات .
كال األمران جيمعهما ما نعرفه باسم (التدخل العالجي النفسي) وهو :حماولة التأثري يف فكر اإلنسان أو شعوره أو سلوكه إثر سعيه
(أو سعي من يقوم على رعايته) إىل أهل املهنة واالختصاص من أجل تطوير قدرة معينة أو حل مشكلة قائمة أو الوقاية من مشكلة
متوقعة ،حبيث يتم ذلك يف ظرف من التعاقد بني اإلنسان والطبيب املعاجل /الطبيبة املعاجلة .
إذا هذا هو (التدخل العالجي النفسي) ،إال إن االختالف يبدأ من املنطلقات اليت ينطلق منها الطبيب/الطبيبة واملعاجل/املعاجلة يف
السعي للعالج .فاألول منطلقه (جسدي) والثاين منطلقه (روحي) .
أما العالج اجلسدي = الكيميائي فهو :حماولة توسل األرض وما ينتج منها من مواد طبيعية ثبت /يثبت أهنا تؤثر يف جسد اإلنسان
(خصوصا الدماغ وما يتعلق به ويتفرع عنه) لعالج /ختفيف علل اجلهاز العصيب وآثارها على احلياة اليومية للمريض /املريضة .ويظهر
من هذا التعريف أن هذا النوع من العالج ينطلق من اعتبار املرض (النفسي) مرضا (جسديا) يف أصله ،وأن اإلنسان ما هو إال ذلك
اجلسد اجملموع من العناصر العضوية اليت تتشكل منها املركبات واخلاليا واألنسجة واألجهزة ،ومن كل تلك األجهزة فإن اجلهاز األهم
واملتحكم يف (نفس) اإلنسان هو اجلهاز (العصيب) ،وعليه يتوجه العالج بشكل غالب إىل مكونات هذا اجلهاز .ومن نافلة القول
أن العامل (الروحي) يكاد يغيب متاما عن اهتمام هذا النوع من العالج .
وأما العالج الروحي ،فنعين به :حماولة توظيف قدرة اإلنسان على التفكري والعقل وما ينتج عن ذلك من شعور وسلوك ،وتوجيه
ذلك للوقاية أو العالج أو التزكية .وينطلق العالج الروحي من اعتبار املرض (النفسي) مرضا (روحيا) يف أصله ،إال إنه ينعكس على
(اجلسد) يف ترمجة أعراضه ومظاهره .
ومع اعتبار كل ما مضى من عوامل (طغيان العالج اجلسدي – الكيميائي) ،إال إن من الظاهر لكل من تعامل مع العالج اجلسدي
– الكيميائي ،من أهل االختصاص أو املستهدفني من مرضى ،أنه (ولـتأثره بكل ما سبق من عوامل ،خصوصا العوامل األوىل اليت
حاولت وحتاول تنحية املفهوم الروحي عن احلياة الطبية) يستهدف األعراض اجلسدية الظاهرة وما وراء تلك األعراض من أسباب
(جسدية) تتمثل يف اجلهاز العصيب وما يتعلق به من خاليا ونواقل عصبية وغدد صماء وهرمونات وغري ذلك .
33
فقه النفس 34
ومع هذا كله ،إال إن عالج هذا العرض الظاهر من اجلسد مل يثبت ،حىت اآلن ،جناعته يف عالج األمراض (النفسية) من جذورها
أو (شفائها) حبيث يتمكن اإلنسان أن حييا حياته (حرا) و(مستقال) عن (املادة الكيميائية) ؛ بل تطالعنا األحباث والدراسات بني
احلني واآلخر بالنسب املئوية القليلة (نسبيا) واليت (تتحسن) وال أقول ( :تشفى) من أمراضها ،وتطالعنا كما تطالعنا بزيادة الظواهر
املرضية بشكل مطرد ومتوازي مع التطور (العلمي) و(التقين) و(الكيميائي) !
ويف الوقت الذي مل يثبت فيه جناعة العالج اجلسدي – الكيميائي لألمراض (النفسية) عالجا جذريا ،ظهر له من اآلثار اجلانبية
السالبة واملضرة ما جيعل من اإلسراف فيه واملضي على خطاه دون تريث وإعادة دراسة جرمية يف حق اإلنسانية ،خصوصا إذا اعتربنا
أن هناك عالجا (روحيا) أصيال ،وبديال ،يغنينا عن هذا كله .
ولقد رأيت يف مسرية دراسيت وحبثي وعملي ما يكفي من احلاالت اليت تثبت أن العالج الكيميائي والطب النفسي مبعناه الغريب وحمتواه
املادي البحت مل يزد اإلنسان إال إدمانا على املادة ومل حيمل األمم إال إنفاقا للماليني من األموال .
ومع هذا كله ،فال تعين كلمايت هذه أن العالج اجلسدي – الكيميائي ال حاجة له ،فهذا ضرب من اجلنون (العلمي) والقفز على
(احلقائق) وحماولة للسباحة ضد التيار اجلارف العارم الذي يسبح معه معظم (إن مل يكن كل) العاملون يف حقل الطب النفسي ،
ولكن ما أراه وأعتقده هو :أن يكون العالج الروحي هو األصل ـ وأن ال يتم اجلنوح إىل العالج اجلسدي – الكيميائي إال بعد
استفراغ اجلهد يف العالج الروحي ،الذي من شأنه أن يعاجل املرض النفسي من جذوره لو منحناه الوقت الكايف .ولقد عرضت
الدراسات لطبيعة تأثري العالج الروحي يف املريض/املريضة ،التأثري الذي قد يصل إىل بنية الدماغ وتشرحيه .كل ما حنتاجه هنا هو
حماول صادقة ملنح اإلنسان القدرة على أن يكون (حرا) و(قويا) و(مستقال) ،وأن نتخطى الصعوبات اليت تواجه العالج الروحي .
وقد يتفرع من هذا السؤال ،أو يتعلق به ،أو يفسره أسئلة أخرى :أليس [فقه النفس] مهمة الباحثني وأهل االختصاص ؟ أليس
األوىل هو [فقه احلياة] ؟ أليس األوىل االنشغال بقراءة ما حويل ومن حويل ؟ أليس االنشغال بتعريف النفس هو ضرب من ضروب
تعقيد األمور بدال من تبسيطها ؟ مث ملاذا النفس أوال ؟
34
فقه النفس 35
جواب :
قد يكفي أن أقول :لكل ما مضى ذكره يف قصيت (الوعاء) و(السرداب) ؛ ولكنين أرى أن أفصل يف األمر بعض الشيء .وسأفعل
ذلك من خالل اإلجابة على كل سؤال من هذه األسئلة .
سؤال :أليس [فقه النفس] مهمة الباحثني وأهل االختصاص من أطباء ومعاجلني وغريهم ؟
جواب :
جيوز هذا الكالم إذا كان املقصود بفقه النفس هنا :دراسة النفس دراسة منهجية علمية حيث تنطلق من فرضيات ونظريات وجتارب
وتنتهي بنتائج وتعميمات ،فإن هذا بالطبع سيكون مهمة الباحثني وأهل االختصاص .
لكن ما نعنيه بفقه النفس هنا :العلم بأجبديات النفس ،وما يعينين على فهم نفسي من حيث هوييت ووظيفيت وهديف ؛ ألحيا حيايت
اليومية حبكمة متكنين من عالج املعوقات ومن مث بلوغ الطمأنينة والسعادة والرضا ،يف أي زمان ومكان .
ال ينبغي يل حبال من األحوال أن أقبل أن أكون جاهال بـ ـ (نفسي) اليت هي (أنا) .وهذا ما سأفصل فيه الحقا عند احلديث عن
خطورة اجلهل بالنفس .
جواب :
أفهم هذا السؤال ،وأتفهم الدوافع اليت تؤدي إىل أن يسأله البعض ! إن الرتبية وخطاب اآلباء واألمهات وما يغذون به األطفال منذ
األعوام األوىل يف البيت والشارع واملدرسة ،وما تعرضه أداة اإلعالم على صفحاهتا املختلفة ،وما جيري التعامل به بني الناس يف احلياة
اليومية ؛ كل هذا يدفع بنا أن ننشغل بكل ما حولنا من مظاهر (حياتية) و(بشر) ،بل وحىت (مجادات) ،لنجد أننا ننسى أنفسنا ،
مث نظن أننا هبذه الطريقة (نفهم احلياة) !!!
أقول :نعم ،األوىل هو [فقه احلياة] ،ولكن أي حياة ؟ هل هي حياة (اآلخرين) ؟ فماذا عن (حيايت أنا) ؟!
35
فقه النفس 36
إن فقه احلياة ال يكون إال إذا فقهت نفسي .وما احلياة إال ما أراه (حياة) ؟! وما احلياة إال (شعوري باحلياة) ؟! وما احلياة إال أن
(أحيا) بكل ما يصدر مين من أفعال وأن (أحيا) كل ما يعود علي من أفعايل ؟!
مرة أخرى أقول :نعم ،األوىل هو [فقه احلياة] ،وهلذا ،فإن األوىل هو [فقه النفس] .
ظاهر هذا السؤال جيعل منه نسخة للسؤال السابق ! ولكنه ليس كذلك ! فالسؤال السابق يشري إىل ما قد نفهمه عن معىن (احلياة)
عموما على أهنا (احلياة االجتماعية والتعليم املدرسي واجلامعي واملهنة وغري ذلك من مظاهر جمتمعية) ،وبالتايل ضرورة [فقه احلياة]
على هذا األساس .أما هنا ،فإن السؤال خيص أكثر (العامل اإلنساين) يف احلياة ،أي (البشر) من حولنا ،أو ما أحب أن أعرب عنه
بلفظ (اآلخر) .
وهذا سؤال مهم ،وهو سؤال متكرر جدا ويعكس الفكر والعرف الغالب على عامل اليوم عامة ،والشرق خاصة .
ولعل طبيعة اجلسد ووظيفته هي ما جيعل من هذا السؤال (أمرا طبيعيا واعتياديا) .فأنا ،كإنسان ،أبدأ حلظايت األوىل على وجه هذه
األرض وأنا أتلقى كل ما حويل من مدخالت عن طريق أدوات احلس .ومتر األيام ،وتنضج أدوات احلس ،فأبدأ بالتفاعل مع ما
حويل من مجاد ونبات وحيوان وإنسان .
ومن أبرز أدوات احلس اليت تطل على العامل اخلارجي عامة ،واآلخرين خاصة ،فتكون مبثابة نافذتنا الكربى على اخلارج ،هي العينان
.وقدر اخلالق للعينني أن تكونا مركبتني بصورة تكشف لنا احمليط واآلخرين ،وليس أنفسنا ؛ مما جيعل النظر إىل أنفسنا واالنشغال هبا
وبقراءهتا أمرا حيتاج إىل توقف وتأمل ،وسباحة ضد التيار ،وهو أمر ال أدعي أنه سهل أبدا .
ولعل هذا األمر (طبيعة العينني ومكاهنما ووظيفتهما) هو ما جيعل األصل عند الناس االلتفات إىل الكون والدنيا واآلخرين ! بل إننا
صرنا ننشغل عن االلتفات إىل الكون كما جيب ،وبلغ بنا األمر أننا حنتاج إىل تعلم والتدرب على ما أمسيه (قراءة الكون) أو (التفكر)
! وصار جل ما يلفت انتباهنا وجيذب أنظارنا مظاهر الدنيا مبعناها الزائف والزائل ،مث اآلخرون .
36
فقه النفس 37
ويلي (طبيعة اجلسد) يف السبب وراء كون االنشغال باآلخرين أمرا طبيعيا ،يلي ذلك طبيعة أخرى ،تلك هي طبيعة الروح اليت جتعل
مين كإنسان كائنا اجتماعيا .آنس بغريي ويأنس غريي يب (ولعل هذا هو األصل يف تسمية اإلنسان هبذا االسم) !
وهبذا ،فأنا كإنسان ،أميل بطبيعيت إىل األنس باآلخرين ؛ وبالتايل إىل السعي هلذا األنس باآلخرين ؛ مما جيعل االنشغال هبم نتيجة
طبيعية لسعيي أن ال أكون وحدي وأن أكون معهم ،أو على األقل ،حماطا هبم .
مث ي غذي ما سبق ويذكيه طريقة الرتبية التقليدية ،خصوصا يف الشرق ! حيث يرتىب األطفال من قبل آبائهم وأمهاهتم منذ األيام األوىل
اليت يبدأ فيها وعيهم وتواصلهم مع اآلخرين ،يرتبون على حماولة جذب اهتمام اآلخرين ولفت انتباههم واستعطافهم وانتزاع إعجاهبم
ومدحهم بكل الطرق املمكنة ! ويبدأ األمر بعبارات مثل :فالن ،قل لعمك كذا وكذا ! فالنة ،غين خلالتك األغنية الفالنية ! فالن
،أر صديقي فالن كيف تفعل كذا وكذا ! فالنة ،ارقصي لنا الرقصة الفالنية ! وهكذا !
كل هذا يتطور طبيعيا مع كل منا ،كما تتطور صورة اآلخرين يف حياتنا ،وتتضخم ،بل تتعملق ،إىل أن يتحول اآلخرون يف حياتنا
إىل (ضرورة حياتية) ال نتصور حياتنا دوهنم !
ومن هنا ،حيصل االنشغال باآلخرين على حساب النفس ،خصوصا إذا اجتمع هذا مع غياب [فقه النفس] وقصور [تقدير النفس]
أو انعدامه ،وبالتايل قصور االهتمام هبا وتزكيتها كما جيب .
االنشغال عن النفس ،وهي األوىل .وكل ما سيلي إمنا هو متفرع من هذا األصل .
كثرة املشتتات اليت من شأهنا أن تربك (املستودع = الدماغ) وتفقدين القدرة على الرتكيز واإلنتاج .
انتظار التقييم والتقومي من اآلخرين دائما ،مما يسبب التأخري ،أو على األقل :التسويف دائما .
العيش خلف القناع ،أو األقنعة ،والنفاق االجتماعي .
العبودية اجملتمعية :التفكري كما يريدون ،والشعور مبا يريدون ،وسلوك ما يريدون .
قلة أو انعدام تقدير الذات ،وما يتبع ذلك من رهاب اجتماعي ،وخماوف متنوعة ،ووسواس ،وقلق .
عدم القدرة على مواجهة اآلخرين مبا خيالف آراءهم ورغباهتم ،مما جيعل من األسهل علي :التخفي والتصنع .
الضحك من أجلهم ،واحلزن بسببهم ،والفرح لفرحهم ،واالعتماد على وجودهم حىت أشعر بالسعادة .
قد يبلغ األمر بالبعض أهنم يقدمون على االنتحار خشية (الفضيحة) ،فقط ألن اآلخرين هم األوىل !
37
فقه النفس 38
سؤال :أليس االنشغال بفقه النفس هو ضرب من ضروب تعقيد األمور بدال من تبسيطها ؟
جواب :
كل ما تقدم احلديث عنه حىت هذه الكلمات يربز أمهية [فقه النفس] ،باإلضافة إىل ما سيتم التفصيل فيه بعد قليل من [تصور
النفس يف العقل والنقل] .ومع هذا ،أضيف هنا كلمات :
إن من طبيعة النفس البشرية أن حتتال على ما يصعب عليها فعله أو مواجهته ؛ ومثل هذه احلجة إمنا هي حجة من ال يريدون العمل
عموما .حىت على مستوى اجلسد ،فإنين إذا كان علي أن أعتين جبسدي عن طريق الغذاء الصحي والرياضة البدنية وغري ذلك من
حتول يف منط احلياة العامة ،فإن من الطبيعي أن أبدأ التشكيك مبدى جناعة االهتمام باجلسد ،مث ال ألبث أن أضرب األمثال وأسرد
القصص على من أعرفهم من أناس (أصحاء) مع ابتعادهم كل البعد عن (الغذاء الصحي والرياضة البدنية) ؛ كل هذا حىت ال أواجه
نفسي يف حقيقة صعبة خالصتها :أنا مقصر يف حق جسدي وعلي أن أبدأ العمل فورا لتدارك ما فاتين وللوقاية مما هو قادم
ولالستمتاع مبا حباين اهلل من نعمة يف اجلسد .
وكذلك األمر إذا ما تعلق بالنفس = اجلسد +الروح ،فإنين سأحاول جهدي أن أقنع نفسي أن األمر (معقد) حىت أريح نفسي من
(عناء) التجربة و(طول) الطريق ،مث ألقي بالكرة يف ملعب (الظروف) و(أهل االختصاص) !
واجلواب على السؤال باختصار :رأيت أكثر من يطرقون أبواب العيادات النفسية حبثا عن (العالج) هم أولئك الذين كانوا يظنون أهنم
يعيشون يف (بساطة) وأهنم (ال يعقدون) األمور وأهنم (سعداء) !
جواب :
لإلجابة عن هذا السؤال ،سنسأل سؤاال آخر من شأنه أن ينشئ القاعدة لإلجابة اليت نبحث عنها .
38
فقه النفس 39
يعلمنا أهل العلم يف اإلسالم ،سيما أهل (الفقه) أن (احلكم على الشيء فرع عن تصوره) ؛ ولعل احلكم على النفس ،وبالتايل
التعامل معها ،سيكون ،بالطبع ،فرعا عن تصورنا هلذه النفس .فما هو تصورنا للنفس ؟
39
فقه النفس 41
[ oالقرآن :سورة الروم :اآلية ﴿ : ]2أومل يتفكروا يف أنفسهم ما خلق اهلل السماوات واألرض وما بينهما إال باحلق وأجل
مسمى وإن كثريا من الناس بلقاء رهبم لكافرون﴾ .
[ oالقرآن :سورة الذاريات :اآليتان ﴿ : ]50 ، 51ويف األرض آيات للموقنني ،ويف أنفسكم أفال تبصرون﴾ ؛ فدل القرآن
على ضرورة أن (نبصر) ما يف أنفسنا حىت نرى آيات اهلل .
أن النفس هي األوىل باالعتناء ،وليس اآلخرون :
[ oالقرآن :سورة الكهف :اآلية ﴿ : ]5فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن مل يؤمنوا هبذا احلديث أسفا﴾ ؛ فقرن اهلل مقام
النفس وأمهية احلفاظ عليها مبقام (احلديث) وهو القرآن هنا .
[ oالقرآن :سورة الشعراء :اآلية ﴿ : ]2لعلك باخع نفسك أال يكونوا مؤمنني﴾ ؛ فقرن مقام النفس مبقام اإلميان .
أن النفس هي الفاعل واملفعول يف آن واحد ؛ وأن كل ما نفعله يف حياتنا فهو من النفس وهلا أو عليها ؛ وأن الظلم احلقيقي قبل
أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس ؛ وأن اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال ؛ وأن اخلطأ مرجعه إىل
النفس أوال ،فال حجة يف لوم القضاء والقدر والظروف واآلخرين من إنس أو جن أو عني أو حسد أو ما إىل ذلك من (أوهام)
يتعلق هبا البعض ( :مرة أخرى :أنصح مبراجعة ما كتبته يف فصل [ضرر اجلهل])
[القرآن :سورة البقرة :اآلية ﴿ : ]001وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وما تقدموا ألنفسكم من خري جتدوه عند اهلل إن اهلل مبا
تعملون بصري﴾ .
[القرآن :سورة البقرة :اآلية ﴿ : ]575ليس عليك هداهم ولكن اهلل يهدي من يشاء وما تنفقوا من خري فألنفسكم وما
تنفقون إال ابتغاء وجه اهلل وما تنفقوا من خري يوف إليكم وأنتم ال تظلمون﴾ .
[القرآن :سورة آل عمران :اآلية ﴿ : ]026والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا لذنوهبم ومن
يغفر الذنوب إال اهلل ومل يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾ .
[القرآن :سورة آل عمران :اآلية ﴿ : ]056أو ملا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أىن هذا قل هو من عند
أنفسكم إن اهلل على كل شيء قدير﴾ .
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]55وما أرسلنا من رسول إال ليطاع بإذن اهلل ولو أهنم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك
فاستغفروا اهلل واستغفر هلم الرسول لوجدوا اهلل توابا رحيما﴾ .
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]76ما أصابك من حسنة فمن اهلل وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس
رسوال وكفى باهلل شهيدا﴾ .
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]67إن الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفني يف
األرض قالوا أمل تكن أرض اهلل واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصريا﴾ .
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]001ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه مث يستغفر اهلل جيد اهلل غفورا رحيما﴾ .
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]000ومن يكسب إمثا فإمنا يكسبه على نفسه وكان اهلل عليما حكيما﴾ .
41
فقه النفس 41
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]002ولوال فضل اهلل عليك ورمحته هلمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إال
أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل اهلل عليك الكتاب واحلكمة وعلمك ما مل تكن تعلم وكان فضل اهلل عليك عظيما﴾
.
[القرآن :سورة املائدة :اآلية ﴿ : ]21فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من اخلاسرين﴾ .
[القرآن :سورة املائدة :اآلية ﴿ : ]21ترى كثريا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت هلم أنفسهم أن سخط اهلل
عليهم ويف العذاب هم خالدون﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]05قل ملن ما يف السماوات واألرض قل هلل كتب على نفسه الرمحة ليجمعنكم إىل يوم
القيامة ال ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم ال يؤمنون﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]51الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ال
يؤمنون﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]55انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفرتون﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]55وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إال أنفسهم وما يشعرون﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]015قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم
حبفيظ﴾ .
[القرآن :سورة األنعام :اآلية ﴿ : ]052وكذلك جعلنا يف كل قرية أكابر جمرميها ليمكروا فيها وما ميكرون إال بأنفسهم
وما يشعرون﴾ .
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]6ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم مبا كانوا بآياتنا يظلمون﴾
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]52قاال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن مل تغفر لنا وترمحنا لنكونن من اخلاسرين﴾ .
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]62هل ينظرون إال تأويله يوم يأيت تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل
ربنا باحلق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غري الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا
يفرتون﴾ .
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]051وقطعناهم اثنيت عشرة أسباطا أمما وأوحينا إىل موسى إذ استسقاه قومه أن
اضرب بعصاك احلجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشرهبم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم املن
والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]077ساء مثال القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة التوبة :اآلية ﴿ : ]25إن عدة الشهور عند اهلل اثنا عشر شهرا يف كتاب اهلل يوم خلق السماوات واألرض
منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فال تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا املشركني كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن اهلل مع
املتقني﴾.
41
فقه النفس 42
[القرآن :سورة التوبة :اآلية ﴿ : ]55لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا التبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون
باهلل لو استطعنا خلرجنا معكم يهلكون أنفسهم واهلل يعلم إهنم لكاذبون﴾ .
[القرآن :سورة التوبة :اآلية ﴿ : ]71أمل يأهتم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد ومثود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين
واملؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة يونس :اآلية ﴿ : ]52فلما أجناهم إذا هم يبغون يف األرض بغري احلق يا أيها الناس إمنا بغيكم على
أنفسكم متاع احلياة الدنيا مث إلينا مرجعكم فننبئكم مبا كنتم تعملون﴾ .
[القرآن :سورة يونس :اآلية ﴿ : ]55إن اهلل ال يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة يونس :اآلية ﴿ : ]012قل يا أيها الناس قد جاءكم احلق من ربكم فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن
ضل فإمنا يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل﴾ .
[القرآن :سورة هود :اآلية ﴿ : ]50أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفرتون﴾ .
[القرآن :سورة هود :اآلية ﴿ : ]010وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آهلتهم اليت يدعون من دون
اهلل من شيء ملا جاء أمر ربك وما زادوهم غري تتبيب﴾ .
[القرآن :سورة يوسف :اآلية ﴿ : ]02وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصرب مجيل واهلل
املستعان على ما تصفون﴾ .
[القرآن :سورة يوسف :اآلية ﴿ : ]62وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ .
[القرآن :سورة يوسف :اآلية ﴿ : ]22قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصرب مجيل عسى اهلل أن يأتيين هبم مجيعا إنه هو
العليم احلكيم﴾ .
[القرآن :سورة إبراهيم :اآلية ﴿ : ]55وقال الشيطان ملا قضي األمر إن اهلل وعدكم وعد احلق ووعدتكم فأخلفتكم وما
كان يل عليكم من سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم يل فال تلوموين ولوموا أنفسكم ما أنا مبصرخكم وما أنتم مبصرخي إين
كفرت مبا أشركتمون من قبل إن الظاملني هلم عذاب أليم﴾ .
[القرآن :سورة النحل :اآلية ﴿ : ]52الذين تتوفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن
اهلل عليم مبا كنتم تعملون﴾ .
[القرآن :سورة النحل :اآلية ﴿ : ]22هل ينظرون إال أن تأتيهم املالئكة أو يأيت أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم
وما ظلمهم اهلل ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة اإلسراء :اآلية ﴿ : ]7إن أحسنتم أحسنتم ألنفسكم ،وإن أسأمت فلها ،فإذا جاء وعد اآلخرة ليسوؤوا
وجوهكم وليدخلوا املسجد كما دخلوه أول مرة وليتربوا ما علوا تتبريا﴾ .
[القرآن :سورة اإلسراء :اآلية ﴿ : ]06من اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فإمنا يضل عليها وال تزر وازرة وزر أخرى
وما كنا معذبني حىت نبعث رسوال﴾ .
[القرآن :سورة الكهف :اآلية ﴿ : ]5ودخل جنته وهو ظامل لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا﴾ .
42
فقه النفس 43
[القرآن :سورة األنبياء :اآلية ﴿ : ]55فرجعوا إىل أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون﴾ .
[القرآن :سورة املؤمنون :اآلية ﴿ : ]012ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم يف جهنم خالدون﴾
[القرآن :سورة النمل :اآلية ﴿ : ]51قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه
مستقرا عنده قال هذا من فضل ريب ليبلوين أأشكر أم أكفر ومن شكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن ريب غين كرمي﴾ .
[القرآن :سورة النمل :اآلية ﴿ : ]55قيل هلا ادخلي الصرح فلما رأته حسبته جلة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد
من قوارير قالت رب إين ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان هلل رب العاملني﴾ .
[القرآن :سورة النمل :اآلية ﴿ : ]65وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إمنا أنا من املنذرين﴾
.
[القرآن :سورة القصص :اآلية ﴿ : ]05قال رب إين ظلمت نفسي فاغفر يل فغفر له إنه هو الغفور الرحيم﴾ .
[القرآن :سورة العنكبوت :اآلية ﴿ : ]5ومن جاهد فإمنا جياهد لنفسه إن اهلل لغين عن العاملني﴾ .
[القرآن :سورة العنكبوت :اآلية ﴿ : ]51فكال أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة
ومنهم من خسفنا به األرض ومنهم من أغرقنا وما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة الروم :اآلية ﴿ : ]6أومل يسريوا يف األرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة
وأثاروا األرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءهتم رسلهم بالبينات فما كان اهلل ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ .
[القرآن :سورة الروم :اآلية ﴿ : ]55من كفر فعليه كفره ومن عمل صاحلا فألنفسهم ميهدون﴾ .
[القرآن :سورة لقمان :اآلية ﴿ : ]05ولقد آتينا لقمان احلكمة أن اشكر هلل ومن يشكر فإمنا يشكر لنفسه ومن كفر فإن
اهلل غين محيد﴾ .
[القرآن :سورة سبأ :اآلية ﴿ : ]06فقالوا ربنا باعد بني أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق
إن يف ذلك آليات لكل صبار شكور﴾ .
[القرآن :سورة سبأ :اآلية ﴿ : ]61قل إن ضللت فإمنا أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إيل ريب إنه مسيع
قريب﴾ .
[القرآن :سورة فاطر :اآلية ﴿ : ]02وال تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إىل محلها ال حيمل منه شيء ولو كان ذا قرىب
إمنا تنذر الذين خيشون رهبم بالغيب وأقاموا الصالة ومن تزكى فإمنا يتزكى لنفسه وإىل اهلل املصري﴾ .
[القرآن :سورة فاطر :اآلية ﴿ : ]25مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم
سابق باخلريات بإذن اهلل ذلك هو الفضل الكبري﴾ .
[القرآن :سورة فاطر :اآلية ﴿ : ]25مث أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم
سابق باخلريات بإذن اهلل ذلك هو الفضل الكبري﴾ .
[القرآن :سورة الصافات :اآلية ﴿ : ]002وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما حمسن وظامل لنفسه مبني﴾ .
43
فقه النفس 44
[القرآن :سورة الزمر :اآلية ﴿ : ]06فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن اخلاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة
أال ذلك هو اخلسران املبني﴾ .
[القرآن :سورة الزمر :اآلية ﴿ : ]50إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس باحلق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإمنا يضل عليها
وما أنت عليهم بوكيل﴾ .
[القرآن :سورة الزمر :اآلية ﴿ : ]62قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رمحة اهلل إن اهلل يغفر الذنوب
مجيعا إنه هو الغفور الرحيم﴾ .
[القرآن :سورة فصلت :اآلية ﴿ : ]55من عمل صاحلا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد﴾ .
[القرآن :سورة الشورى :اآلية ﴿ : ]56وتراهم يعرضون عليها خاشعني من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين
آمنوا إن اخلاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أال إن الظاملني يف عذاب مقيم﴾ .
[القرآن :سورة اجلاثية :اآلية ﴿ : ]06من عمل صاحلا فلنفسه ومن أساء فعليها مث إىل ربكم ترجعون﴾ .
[القرآن :سورة حممد :اآلية ﴿ : ]22ها أنتم هؤالء تدعون لتنفقوا يف سبيل اهلل فمنكم من يبخل ومن يبخل فإمنا يبخل
عن نفسه واهلل الغين وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غريكم مث ال يكونوا أمثالكم﴾ .
[القرآن :سورة الفتح :اآلية ﴿ : ]01إن الذين يبايعونك إمنا يبايعون اهلل يد اهلل فوق أيديهم فمن نكث فإمنا ينكث على
نفسه ومن أوىف مبا عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجرا عظيما﴾ .
[القرآن :سورة ق :اآلية ﴿ : ]05ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وحنن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ .
[القرآن :سورة النجم :اآلية ﴿ : ]52إن هي إال أمساء مسيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اهلل هبا من سلطان إن يتبعون إال
الظن وما هتوى األنفس ولقد جاءهم من رهبم اهلدى﴾ .
[القرآن :سورة احلديد :اآلية ﴿ : ]05ينادوهنم أمل نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم
األماين حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور﴾ .
[القرآن :سورة التغابن :اآلية ﴿ : ]05فاتقوا اهلل ما استطعتم وامسعوا وأطيعوا وأنفقوا خريا ألنفسكم ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم املفلحون﴾ .
[القرآن :سورة الطالق :اآلية ﴿ : ]0يا أيها النيب إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدهتن وأحصوا العدة واتقوا اهلل ربكم ال
خترجوهن من بيوهتن وال خيرجن إال أن يأتني بفاحشة مبينة وتلك حدود اهلل ومن يتعد حدود اهلل فقد ظلم نفسه ال تدري
لعل اهلل حيدث بعد ذلك أمرا﴾ .
[القرآن :سورة املزمل :اآلية ﴿ : ]51إن ربك يعلم أنك تقوم أدىن من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك
واهلل يقدر الليل والنهار علم أن لن حتصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون
يضربون يف األرض يبتغون من فضل اهلل وآخرون يقاتلون يف سبيل اهلل فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وأقرضوا
اهلل قرضا حسنا وما تقدموا ألنفسكم من خري جتدوه عند اهلل هو خريا وأعظم أجرا واستغفروا اهلل إن اهلل غفور رحيم﴾ .
[القرآن :سورة املدثر :اآلية ﴿ : ]22كل نفس مبا كسبت رهينة﴾ .
44
فقه النفس 45
[القرآن :سورة الشمس :اآليات ﴿ : ]01-2فأهلمها جورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها﴾ .
وأن جزاء ظلم النفس يظهر يف الدنيا قبل اآلخرة ،وهذا ما نقرأه يف القرآن أيضا :
[ oالقرآن :سورة التوبة :اآلية ﴿ : ]002وعلى الثالثة الذين خلفوا حىت إذا ضاقت عليهم األرض مبا رحبت وضاقت
عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من اهلل إال إليه مث تاب عليهم ليتوبوا إن اهلل هو التواب الرحيم﴾ .
[ oالقرآن :سورة غافر :اآلية ﴿ : ]01إن الذين كفروا ينادون ملقت اهلل أكرب من مقتكم أنفسكم ،إذ تدعون إىل اإلميان
فتكفرون﴾ .
[ oالقرآن :سورة احلشر :اآلية ﴿ : ]06وال تكونوا كالذين نسوا اهلل فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ .
وكل ما أوردته هنا من آيات ،إمنا هو ما جاء فيه لفظ (النفس) صرحيا ،وإال ،فإن هناك مئات اآليات األخرى اليت تدور يف فلك
هذه املعاين ،حيث ترد ألفاظ مثل (اإلنسان) و(الناس) و(الذين كفروا) و(الذين آمنوا) ،وغري ذلك .
فإذا اتفقنا على هذا التصور للنفس ،فقهنا مقامها وأمهيتها وخطورهتا ،وبالتايل أدركنا ضرورة [فقه النفس] .
45
فقه النفس 46
ولكن ،أال يقودين تصور النفس هبذا الشكل إىل الشعور باألنانية ؟
إذا اتفقنا (كما اتفق كل من العقل والنقل) على أن النفس أوال ،وأن العالج يبدأ من النفس أوال ،وأن أول ما جيب أن نعمل على
االعتناء به وإصالحه وتزكيته هو النفس ،وليس اآلخرون ،وأن الظلم احلقيقي قبل أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس
،وكذلك اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال .فالنفس هي األمانة اليت يف أعناقنا ،وهي موطن االمتحان ،وهي موطن
النتيجة ،وهي اليت تشعرين بالنجاح أو اإلخفاق ،فإذا كان كل هذا ال يؤهلها ألن أهتم هبا أوال قبل اآلخرين ،فال بد يل من (عقل)
،ولعل األفضل أن أمسي نفسي امسا غري امسي ،ألنين أعيش لشخص ،أو ألشخاص آخرين .يف حني إنين إذا أعطيت نفسي حقها
أوال ،صار من املمكن حينها أن أعطي اآلخرين .
فإذا ظهر بعد هذا كله من يظنون أن االهتمام بالنفس (أوال وقبل اآلخرين) هو ضرب من ضروب األنانية ،قلت هلم :نعم ،أنانية ،
ولكنها أنانية إجيابية ترتقي يب ألمتكن من األخذ بيد اآلخرين ألرتقي هبم أيضا .
اإلناء ينضح مبا فيه ،وفاقد الشيء ال يعطيه ؛ فكيف أتصور أن بإمكاين أن أبث الطمأنينة فيمن حويل يف الوقت الذي أفتقر فيه أنا
إىل هذه الطمأنينة ؟ كيف أزرع الصدق فيمن حويل وأنا أفتقر إليه ؟ كيف ميكنين أن أعلم اآلخرين لغة أجهلها ؟
ليس يف اإلسالم (أنا أحرتق ألضيء لآلخرين) ،بل (أنا أضيء لنفسي ،فأضيء لآلخرين) .
وحىت ال ننسب لإلسالم أمرا دون دليل ،فهذه قراءة يف بعض آيات القرآن اليت تدل على أن االعتناء بالنفس وتزكيتها ينبغي أن يكون
قبل االعتناء باآلخرين :
[القرآن :سورة البقرة :اآلية ﴿ : ]55أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ،أفال تعقلون﴾ .
[القرآن :سورة املائدة :اآلية ﴿ : ]016يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم إىل اهلل مرجعكم
مجيعا فينبئكم مبا كنتم تعملون﴾ .
[القرآن :سورة األنفال :اآلية ﴿ : ]62ذلك بأن اهلل مل يك مغريا نعمة أنعمها على قوم حىت يغريوا ما بأنفسهم وأن اهلل مسيع
عليم﴾ .
[القرآن :سورة الرعد :اآلية ﴿ : ]00له معقبات من بني يديه ومن خلفه حيفظونه من أمر اهلل إن اهلل ال يغري ما بقوم حىت
يغريوا ما بأنفسهم وإذا أراد اهلل بقوم سوء فال مرد له وما هلم من دونه من وال﴾ .
46
فقه النفس 47
[القرآن :سورة الكهف :اآلية ﴿ : ]5فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن مل يؤمنوا هبذا احلديث أسفا﴾ .نزلت هذه اآلية
عندما حزن حممد صلى اهلل عليه وسلم حزنا شديدا على عدم إميان الكفار مبا جاء به .فقرن اهلل مقام النفس وأمهية احلفاظ
عليها مبقام ﴿هذا احلديث﴾ وهو القرآن هنا .و﴿باخع نفسك﴾ أي مهلكها أو قاتلها .
[القرآن :سورة الشعراء :اآلية ﴿ : ]2لعلك باخع نفسك أال يكونوا مؤمنني﴾ .
[القرآن :سورة النمل :اآلية ﴿ : ]65وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإمنا يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إمنا أنا من املنذرين﴾ .
[القرآن :سورة فاطر :اآلية ﴿ : ]2أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن اهلل يضل من يشاء ويهدي من يشاء فال تذهب
نفسك عليهم حسرات إن اهلل عليم مبا يصنعون﴾ .
[القرآن :سورة التحرمي :اآلية ﴿ : ]5يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس واحلجارة عليها مالئكة غالظ
شداد ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ .فجاء ذكر النفس قبل األهل .
[القرآن :سورة الشمس :اآليتان ﴿ : ]01 ، 6قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها﴾ .
سؤال :إذا كان هذا مقام النفس ،فما الذي أوصلين إىل أن أظلم نفسي ؟ كيف بلغ يب األمر إىل أن أخسر السالح الذي هيأين به
اهلل ؟ أم أنين ،فقط ،ال أعلم كيف ؟!
جواب :تأملت يف حال الناس اليوم مع أنفسهم ،وقرنته بالسياق القرآين ،فوجدت أن كل األسباب اليت تودي بالناس إىل اخلوف
من التوقف مع النفس ورفض اإلصالح ،أو تدفع الناس إىل االستهانة بقدر النفس ،أو تشغل الناس عن أنفسهم ؛ أقول :وجدت
أن كل األسباب تعود إىل ثالثة أصول أو ما أمسيه :مثلث الشقاء ،ألهنا تؤدي بالنفوس إىل نقيض السعادة .
القصور النفسي
والقصور يف لغة العرب :من قصر وأقصر وقصر .وهو العجز عن بلوغ الشيء ،واحلبس واملنع والكف عن الفعل .
47
فقه النفس 48
وإليضاح معىن القصور يف االصطالح :تعالوا بنا نراجع معا نص قانون نيوتن الطبيعي األول حول ما يعرف بـ ـ (العطالة) أو (القصور
الذايت) ؛ والذي ينص على أن :
اجلسم الساكن يبقى ساكنا واجلسم املتحرك يبقى متحركا ما مل تؤثر عليه قوة تغري من حالته .
وهذا القانون كما ينطبق على املادة اجملردة ،فهو حبكم التجربة واخلطأ ،على األقل ،ينطبق على (النفس) أيضا .
والقصور النفسي ،والسباحة مع التيار (مهما كان مساره) ،هو أيضا ما تؤكده قراءة التأريخ (تأريخ األمم واحلضارات) أوال ،وقراءة
النفس البشرية ثانيا ،وقراءة جتارب اإلصالح واملصلحني ثالثا .
[القرآن :سورة املائدة :اآلية ﴿ : ]015وإذا قيل هلم تعالوا إىل ما أنزل اهلل وإىل الرسول قالوا :حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، o
أولو كان آباؤهم ال يعلمون شيئا وال يهتدون﴾ .
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]52وإذا فعلوا فاحشة قالوا :وجدنا عليها آباءنا واهلل أمرنا هبا ،قل :إن اهلل ال يأمر o
بالفحشاء ،أتقولون على اهلل ما ال تعلمون ؟﴾ .
[القرآن :سورة األنبياء :اآليات ﴿ : ]62-60ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عاملني ،إذ قال ألبيه وقومه :ما هذه o
التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون ؟ قالوا :وجدنا آباءنا هلا عابدين﴾ .
[القرآن :سورة الشعراء :اآليات ﴿ : ]75-56واتل عليهم نبأ إبراهيم ،إذ قال ألبيه وقومه :ما تعبدون ؟ قالوا :نعبد أصناما o
فنظل هلا عاكفني ،قال :هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ؟ قالوا :بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾ .
[القرآن :سورة الزخرف :اآليتان ﴿ : ]52-55بل قالوا :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ،وكذلك ما o
أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال قال مرتفوها :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ .
48
فقه النفس 49
وقد أولد يف بيئة (طبية) فأنشأ (طبيبا) أو (طبيبة) دون رغبة حقيقية بدراسة أو امتهان (الطب) !
وقد أولد يف بيئة مليئة بـ ـ (املتحجبات) فأنشأ (متحجبة) دون (فقه احلجاب) وأثره على الشخصية !
وقد أولد يف بيئة مليئة بـ ـ (املتربجات) فأنشأ (متربجة) دون توقف عند (فقه اجلسد) وما يتبعه من أثار !
وقد أولد يف بيئة (ال دينية) فأنشأ (ال دينيا) أو (ال دينية) دون أن أدرك أو أقصد أن أكون كذلك !
وقد أولد يف بيئة (مسلمة) فأنشأ على (اإلسالم) دون إدراك ،فينتهي يب األمر ب (الكفر أو الشرك) يف هيئة (اإلسالم) !
ولنا أن نتصور هنا أثر (الرتبية) وطغيان (التقاليد) وخطر (العادة) يف تشكيل الشخصية وأسلوب التفكري .
واحلنيفية يف لغة العرب :امليل ؛ واحلنف يف القدمني إقبال كل واحدة منهما على األخرى ؛ واحلنف :امليل عن الشر ،وامليل عن
االعوجاج إىل االستقامة ،وامليل إىل احلق .
واحلنيفية يف االصطالح :استقبال قبلة البيت احلرام على ملة إبراهيم ،واإلخالص ،واإلسالم (وهو امليل عن الوثنية واألديان الباطلة
إىل الدين احلق) .
ومن هنا ،أفهم بشكل أكثر تفاعال ،معىن أن أكون (حنيفا مسلما) ؛ فليس (احلنيفية) داللة على (االستقامة) فقط ،فقد أكون يف
حالة من االستقامة ال لشيء إال ألنين ولدت يف بيئة (مستقيمة) فبقيت هكذا ،بسبب القصور النفسي ،ال ألنين اخرتت حبرييت
وإراديت أن أكون (مستقيما) أو (مستقيمة) !
49
فقه النفس 51
وهبذا ،فإنين إذا أردت أن أكون (حنيفا) فال بد يل أن أكون يف حالة دائمة من اليقظة والبحث واحلركة ؛ ويف هذا داللة على أن
(احلنيفية) هي (مترد على القصور النفسي) وإعالن للقدرة على (التوقف) و(السباحة ضد التيار) .
قال اهلل تعاىل ﴿ :بل قالوا :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون .وكذلك ما أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال
قال مرتفوها :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ [القرآن :سورة الزخرف :اآليتان . ]52،55
نقرأ يف هاتني اآليتني من سورة الزخرف أصال وسنة إهلية يف مقاومة البشر لإلصالح :ففي اآلية األوىل خيرب اهلل عن أولئك القوم أهنم
قاوموا اإلصالح ألهنم جيهلون طريق اهلداية ويظنون جلهلهم أن ما كان عليه آباؤهم هو اهلدى ،فعرب اللفظ القرآين عن سبب املقاومة
األول ،أال وهو اجلهل ،بلفظ ﴿وإنا على آثارهم مهتدون﴾ .أما السبب الثاين فيخرب القرآن أنه ليس هو اجلهل الذي كان حجة
للمثال األول ،بل دحضت هذه احلجة ومل يعد هلا مكان ،فقد أرسل فيهم نذير يعلمهم وخيربهم وينذرهم ،إال إن األمر مل يكن
على هواهم ،سيما ﴿مرتفوها﴾ ،فربز سبب آخر ملقاومة اإلصالح هنا ،أال وهو الكرب ،الذي عرب عنه اللفظ القرآين مبا يلي ﴿وإنا
على آثارهم مقتدون﴾ .
أما اجلهل يف لغة العرب :فهو نقيض العلم ،ونقيض اخلربة ،ومعرفة الشيء على غري ما هو عليه .
وأما اجلهل يف االصطالح :فال خيتلف كثريا عن معناه يف لغة العرب .وقال البعض :اجلهل هو العمل بغري علم ،وتعلم ما ال أحتاج
إليه [ .املرجع :لسان العرب ،وفقه اللغة ،والفروق اللغوية]
ولعل احلديث عن معىن اجلهل يف االصطالح هو مدخلي للحديث عن ما الذي أعنيه بـ ـ اجلهل يف [فقه النفس] .
51
فقه النفس 51
جواب :
قد خنطئ فنتوهم أن املقصود باجلهل هو قلة أو انعدام التحصيل األكادميي ،أو التأخر يف الوصول إىل مرتبة من املراتب (املهنية) اليت
نسعى من ورائها حملصلة مادية ! أو غري ذلك من مفاهيم قاصرة !
إن هذا وهم .نعم ،هذا وهم .فليس هو ذا اجلهل الذي يدفعنا ملقاومة ورفض اإلصالح ،فكم من (مبدعني) و(دكاترة)
و(مهندسني) و(رجال أعمال) و(مفكرين) وغريهم ،إال إهنم يعانون أكثر من غريهم من أمراض النفس املختلفة ،بدءا بالشعور
باخلوف على مناصبهم وانتهاء باالنشغال املرضي باآلخرين !
ونقرأ يف القرآن ما يدل على أن العلم املطلوب ليس هو ما يظنه كثري من الناس :
[القرآن :سورة الكهف :اآليات ﴿ : ]016-012قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال :الذين ضل سعيهم يف احلياة الدنيا
وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ،أولئك الذين كفروا بآيات رهبم ولقائه فحبطت أعماهلم فال نقيم هلم يوم القيامة وزنا﴾ .
[القرآن :سورة الروم :اآلية ﴿ : ]7يعلمون ظاهرا من احلياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون﴾ .
[القرآن :سورة النجم :اآليتان ﴿ : ]21-56فأعرض عن من توىل عن ذكرنا ومل يرد إال احلياة الدنيا ،ذلك مبلغهم من العلم
،إن ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله وهو أعلم مبن اهتدى﴾ .
إذا ،ما هو اجلهل الذي أخشاه ؟ بل ما هو اجلهل الذي ينبغي علي أن أخافه وأختلص منه إن وجد ؟
أما اجلهل املقصود هنا ،فهو اجلهل بالنفس :حقيقتها وقيمتها وأمهيتها .هو قلة أو انعدام العلم بإجابة السؤالني ( :من أنا ؟ ومل أنا
؟) ؛ وهو اجلهل الذي شهدته أكثر من غريه يف حيايت اليومية ويف أروقة العيادات النفسية .
51
فقه النفس 52
إن من املضحك املبكي أن خيفق معظم الناس يف اإلجابة عن هذين السؤالني (من أنا ومل أنا) ! وإن حصل وأجابوا عن السؤالني فإن
اإلجابة تكون إجابة منوذجية مثالية حمفوظة مسبقا ،أقرب إىل عامل اخليال منها إىل عامل الواقع واحلقيقة ؛ بل إهنم يواجهون صعوبة يف
التدليل على صدق إجاباهتم ! ومن املالحظ أيضا أن كثريا من الناس خيفقون يف وصف أنفسهم ومواطن ضعفهم وقوهتم ! إن هذا
النوع من اجلهل هو الذي يقف حاجزا بيننا وبني الرغبة يف اإلصالح أو حىت قبوله ،ألننا حني جنهل أنفسنا وقيمتها وأمهيتها ال يبقى
لدينا أية رغبة أو حىت قبول لإلصالح الذي من شأنه أن يعطي أنفسنا حقها ؛ يف حني نسعى بكل جهد ملا من شأنه إصالح
اآلخرين وتطوير أنفسهم !
نعم ؛ لقد وجدت أن كل مشكالت الناس تبدأ من هنا ،تبدأ من اجلهل بـ ـ (من أنا ومل أنا) .وإذا (فقهت) نفسي كما هي ،
سأتعرف عليها وأعلم حقيقتها كما مل أعلمها من قبل ؛ وهذا من شأنه أن يريين األشياء من زاوية أخرى .ألنين إذا (قرأت) نفسي
أوال ،علمت (بصدق ودقة) مواطن قويت وضعفي ،وهبذا فلن أشغل اآلخرين وأكون عبئا عليهم يف حماولة نصحي .
وأقول :نعم ؛ ترجح لدي أن الناس كلهم يبحثون يف حقيقة األمر عن أمر واحد ال ثاين له ،حىت ولو جهلوا ذلك يف ظاهر األمر ،
أال وهو (معرفة النفس) و(التصاحل معها) .حىت لو كان ظاهر األمر مشكالت نواجهها على اختالفها ،سواء كانت الوسواس ،أو
التشتت وقلة الرتكيز أو انعدامه ،أو القلق ،أو التعتعة (بسبب نفسي) ،أو الشعور باالكتئاب (مهما كانت أسبابه الظاهرة) ،أو
عدم جدوى الصالة وقراءة القرآن ،أو التعلق باآلخرين على حساب النفس ،أو االنشغال باآلخرين إىل حد (عبادهتم) من دون اهلل
،أو كثري من املشكالت الزواجية ،أو مشكالت الرتبية ،إىل آخر ذلك من مشكالت ؛ كل هذه املشكالت حنتاج بداية أن ننطلق
لعالجها من (النفس) أوال .
واجلهل بالنفس ،ما هو إال صورة من صور اجلهل اليت تؤدي إىل الغفلة عن النفس واالنشغال عن فقهها وتزكيتها .
اجلهل بـ ـ (الدين) و(فقه الوجود) ،ويتفرع منه ويتعلق به أسباب وصور متعددة ،مثل :
جهل كثري من القائمني على التعليم الشرعي مبفهوم النفس وأمهيتها .
تقدمي الدين بصور مشوهة .
تقدمي الدنيا على أهنا (دار شقاء) .
الرتكيز على املفهوم السالب لـ ـ ﴿خلق اإلنسان يف كبد﴾ .
52
فقه النفس 53
غلبة أحد اجلانبني :الرتغيب أو الرتهيب (فإما جنة تدعو إىل تكاسل وإما نار ال يفيد معها أي عمل) .
املفهوم املغلوط للتوكل وما يتعلق به ،وغري ذلك .
وهذا اجلهل بـ ـ (الدين) يدفع بالناس إىل ظهور (العلمانية) الباطنة ،و(الفصام السلوكي) الذي صار ينتشر بني قطاع من يسمون
أنفسهم (متدينون) ،فنجد كثريا من هؤالء (املتدينني) ميارسون ممارسات تصل إىل حد التناقض ! حىت يصل األمر إىل البحث عن
(العالج) أو (وهم السعادة) لدى (اجلاهليني) .
الفتة :أعين بـ ـ (اجلاهليني) :كل من أرادوا حتكيم غري العقل والنقل يف حياهتم ،فأصبحت ،هبذا ،حياهتم أقرب ما تكون إىل
(اجلاهلية) اليت حكى القرآن عنها ،وحذر منها ،وهنى عنها .
ويرتبط هبذا كله اجلهل حبقيقة (الطمأنينة والسعادة والرضا) ،مث اجلهل بوجود هذه املفاهيم (الطمأنينة والسعادة والرضا) على أرض
الواقع ،فكثري من الناس يظنون أن هذه املفاهيم هي من ضرب اخليال ،وكما قال أهل الفكر قدميا (من ذاق عرف ،ومن عرف
اغرتف) ،فإذا جهل الناس وجود هذه املفاهيم كحقيقة ملموسة وصل هبم األمر إىل اليأس من هذه املفاهيم أو القدرة على الوصول
إليها ،وينتهي األمر هبم إىل استمراء (أو اعتياد) النعم وعدم استشعار قيمتها إىل أن يشعروا فجأة بزواهلا ،ويكون األمر قد بلغ مبلغا
صعبا !!!
وهنا ،قد يربز سؤال ،أو اعرتاض ؛ فقد أقول :أنا أعلم نفسي ! وأعطيها حقها ! فأين املشكلة إذا ؟!
ويتفرع من هذا النوع األول من اجلهل (وهو اجلهل بالنفس) أمر خطري ،وهو من أكثر ما أرى الناس واقعني فيه ،ومن أشد ما أرى
الناس متساقطني يف أفخاخه دون إدراك ،وهو ما أمسيه (طغيان جاهلية اجلسد على حساب الروح) .
[القرآن :سورة البقرة :اآلية ﴿ : ]505زين للذين كفروا احلياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا ،والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة
،واهلل يرزق من يشاء بغري حساب﴾ .
53
فقه النفس 54
[القرآن :سورة األعراف :اآلية ﴿ : ]60الذين اختذوا دينهم هلوا ولعبا وغرهتم احلياة الدنيا ،فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء
يومهم هذا وما كانوا بآياتنا جيحدون﴾ .
[القرآن :سورة يونس :اآليتان : ]2 ،7ويقول اهلل تعاىل ﴿ :إن الذين ال يرجون لقاءنا ورضوا باحلياة الدنيا واطمأنوا هبا والذين
هم عن آياتنا غافلون ،أولئك مأواهم النار مبا كانوا يكسبون﴾ .
[القرآن :سورة إبراهيم :اآلية ﴿ : ]2الذين يستحبون احلياة الدنيا على اآلخرة ويصدون عن سبيل اهلل ويبغوهنا عوجا أولئك يف
ضالل بعيد﴾ .
هذه اآليات وغريها تسوق لنا مظهرا آخر من مظاهر اجلهل ،أال وهو غفلة الناس وانشغاهلم مبا أمامهم من حياة (دنيا) قصرية األمد
،مما يسبب ظاهرة مضحكة مبكية ،ظاهرة رأيتها ،وأراها ،تتكرر يف (الشرق) و(الغرب) ،هذه الظاهرة هي ظاهرة (البهيمية وقصر
النظر) اليت باتت تنتشر يف مشاهد احلياة اليومية .
وهذه (البهيمية) يعمل على نشأهتا وغرسها وتثبيتها ورعايتها كل من احلكومات (الطاغية) ،واإلعالم املرئي واملسموع وأحيانا املقروء ،
والناس أنفسهم فيما يتناقلونه يف حياهتم اليومية ،بل وحىت (التعليم الديين) يف كثري من أوجهه !!!
الفتة :هذا األثر ليس حبديث ،وإمنا رفعه البعض إىل علي بن أيب طالب ،وقيل إىل غريه .
أقول :أرى (معظم) الناس ينطلقون صباح كل يوم إىل (مهنهم) اليت ال تكاد تغذي إال (أجسادهم) وهم بالكاد يستطيعون أن يفتحوا
أعينهم من أثر السهر ،مرغمني ،مكرهني ،ال يكادون ينظرون خلفهم أو حوهلم ،ينطلقون إىل (مهنهم) كقطيع املاشية ،ال يكاد
خيتلف األمر بني (الشرق) و(الغرب) إال يف (نظام سري القطيع إىل املرعى) وأسلوب توزيع (العلف) وكمية (اإلنتاج) .ولكنهم مجيعا
يشرتكون يف أهنم (قطيع ماشية) يسري على غري (هدى) !
ولقد انتبهت مؤخرا ألمر كان خيطر على ذهين بني واحلني واآلخر ،إال إنين (توقفت) عنده جادا هذه املرة ( ،توقفت) قليال ألجد
أنين ونفرا غريي يف خطر :حنن نتزاور ويلتقي بعضنا البعض للحديث يف كثري من األمور ،وغالب ما نتحدث فيه قد ال خيرج عن
دائرة (اللغو) ،إال إننا ال نقوم بأمر (النصيحة الواجبة) ،يف حني نعتقد بوجوب النصيحة يف أمور ثانوية مثل اختيار مدرسة أو جامعة
لنا أو ألبنائنا (سعيا إىل لقمة عيش يف هناية املطاف) ،أو نوع سيارة ،أو عقار لالستثمار ،أو حىت حمطة تلفزيونية للمشاهدة ،بل
إن غالب األحاديث اليت باتت تغلب على (اجللسات االجتماعية) حىت بني من يسمون أنفسهم (متدينني) هي أحاديث تصب يف
(البهيمية) بعيدا عن (تزكية النفس) كما ينبغي للتزكية أن تكون !
54
فقه النفس 55
كثريا ما ألتقي أولئك (املساكني) وأسأهلم :من أنت ؟ ملاذا أنت يف هذه احلياة ؟ فتكون اإلجابة أقرب إىل (البهيمية) منها إىل
اإلنسانية اليت أرادها اهلل لنا .ومن أمثلة اإلجابات ( :ماذا تعين هبذا السؤال ؟) أو (أكيد أنين أعيش ألعبد اهلل !) (مع التحفظ على
معىن العبادة اليت تضمنها اإلجابة) أو (أدرس وأتعلم مث أتزوج وأجنب مث )! ،أو (فقط هكذا !) أو (ال أعرف ،فلم أفكر يوما
باإلجابة فعال على هذا السؤال) ،وغريها من إجابات تشعرين باألسى على أهلها !!!
وكثريا ما ألتقي بأولياء أمور يظنون أهنم يؤدون واجبهم جتاه أنفسهم أو أهليهم مبجرد أن يوفروا هلم الطعام والشراب وامللبس واملسكن
وأماكن الدراسة األكادميية ! فهذه أمور ال تزيد كثريا عما تقدمه البهائم لبعضها ؟ فالبعض صار كبعض أنواع القردة اليت تسعى لتعليم
أبنائها مهارات تؤهلها دخول عامل اإلنسان عن طريق (السريك) ! فاملثاالن يلتقيان يف أهنما ينتجان (هبيمة لديها شيء من الذكاء غري
املعتاد أو فوق املعتاد ،ولكنها ال تتجاوز ذلك) .
وكثريا ما ألتقي بأولياء أمور يسهمون يف إفساد األرض واحلياة وهم ﴿حيسبون أهنم حيسنون صنعا﴾ ! مث نعود بعدها لنشتكي الفساد
املنتشر والظلم الطاغي ،وندعي أنه ال يد لنا يف هذا ،فنحن لسنا مدراء أو سياسيني أو صانعي قرار ! يف الوقت الذي نسهم فيه
بصناعة مسؤولني فاسدين وعمال مرتشني أو على األقل مواطنني سالبني (سلبيني) وأولياء أمور (ماديني) ! وذلك عن طريق الرتبية
(البهيمية) اليت ذكرهتا سابقا !
إن الظن بأن (الرتبية) هي يف تأمني املسكن وامللبس واملأكل واملشرب هو يف حد ذاته جهل يوقع أهله يف فخ البهيمية واالبتعاد
بأنفسنا عن (النفس اإلنسانية) وعاملها الرحب .
إن التفوق األكادميي وجتاوز الثانوية العامة أو الشهادة الثانوية مبنهجها األمريكي أو الربيطاين أو الدراسة اجلامعية أو امتحانات
TOEFLأو GREأو MBAأو CPAأو USMLEأو غريها ،إن كل هذا ال يعين الطمأنينة أو السعادة أو
الرضا ،إن هي إال مهارات (عيشية) دنيوية وأدوات تأخذ من أهلها أمهيتها .
ويتبع ظاهرة (البهيمية) بالضرورة حتول اإلنسان من كائن (عاقل) إىل كائن (غريزي) .
وعندما نقول :كائن غريزي ،فإن هذا بالضرورة سيؤثر سلبا على قيمة (تزكية النفس) والتفكري يف أمر البحث عن مفاهيم (روحية)
مثل (الطمأنينة والسعادة والرضا) ؛ وبالتايل سيؤثر سلبا على الرغبة ،أو حىت التفكري ،يف التوقف مع النفس !
هذا كله (وغريه مما ذكرناه سابقا) هو متفرع عن اجلهل ،ويؤدي إىل االنشغال عن النفس أكثر وأكثر .
55
فقه النفس 56
ضرر اجلهل
اتفق العقل والنقل على أن العلم بالشيء ضرورة قبل العمل ،وإال كانت النتيجة هي ضياع الوقت واجلهد ،بل واخلسران ،كما يقرر
القرآن ﴿قل هل ننبئكم باألخسرين أعماال :الذين ضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا ،أولئك الذين كفروا
بآيات رهبم ولقائه فحبطت أعماهلم فال نقيم هلم يوم القيامة وزنا﴾ [القرآن :سورة الكهف :اآليات . ]016-012
ولقد رأيت كثريا من الناس حياولون بصدق أن يصلحوا من أنفسهم ،بل وجيتهدون يف ذلك غاية االجتهاد ،ولكن كثريا من حماوالهتم
تنتهي بإخفاقات ،وتتكرر اإلخفاقات ،حىت تصل هبم إىل اليأس من اإلصالح .
أقول :رأيت الكثريين من أولئك الباحثني عن عالج ملشكالت أنفسهم ،رأيتهم يبحثون بالطريقة املغلوطة ،مث تفاجئهم النتيجة بغري
ما أرادوا (أو ارتقبوا) ،بل حىت عكس ما أرادوا أحيانا !
ألهنم مل يفكروا يوما بأنفسهم ،ألهنم مل جيلسوا معها ،ألهنم ال يعرفوهنا ،ألهنم مل يقرؤوها ،ألهنم مشغولون باآلخرين أكثر بكثري
من انشغاهلم بأنفسهم ؛ كل هذا من شأنه أن يؤدي هبم إىل ضياع اهلوية والوظيفة واهلدف .
أن اجلهل بالشيء يقود إىل اخلوف منه ومن التعامل معه أو االقرتاب منه ،وبالتايل يقودين إىل املخاوف املختلفة وما يتبعها من
وساوس وقلق ،وصوال إىل االكتئاب ،ومنه إىل املوت (اجلسدي أو الروحي) حيث يعيش البعض أمواتا .
56
فقه النفس 57
يف بداية األمر ،ودون قصد مين ،بل لطبيعيت كإنسان ،فإنين آنس مبن حويل ،بـ ـ اآلخر . o
مث يتحول األمر إىل ألفة اآلخرين دون نفسي ،حىت أصل إىل درك (االعتمادية) عليهم . o
ويصبح اآلخرون هم شغلي ومهي ومردي ؛ فإما تنافس هبيمي أو كرب أو تقليد أو تبعية أو غري ذلك . o
أما النفس ،فإن جهلي هبا وغربيت عنها يؤدي إىل التوجس منها أو حىت اخلوف ،سيما إذا أصبحت النفس مصدر (لوم) o
و(عتب) .
ونتيجة لذلك ،يكون اهلرب ،أو التهرب ،من مواجهة النفس أو اخللوة هبا .ويكون اهلرب إما إىل الواقع اخلارجي املتمثل o
يف اآلفاق املادية (الكون وما فيه من مجادات) واإلنسانية :البيت واألصحاب ،واملهنة ،أو التلفزيون ،أو احلاسوب ،أو
اهلاتف اجلوال ،أو املسجل الشخصي ،أو غريها .
كما ميكن أن يكون اهلرب إىل الوهم ،من خالل ما يعرف بـ ـ املخادعة أو Self Storyوهي القصة الومهية عن النفس ، o
واليت أنسج فيها صورة أشعر فيها باألمان (الومهي) بعيدا عن الواقع (املزعج) .وهنا تبدأ قصص التوهم واخلياالت واهللوسة
والشك واالرتياب وما إىل ذلك .
57
فقه النفس 58
ومن ذلك أيضا :جتنب أي حميط من شأنه أن يذكرين حبقيقة نفسي أو حىت حياول أن يقربين منها ،وذلك أمر صرت أراه o
ينتشر كالوباء يف الناس شرقا وغربا ،مسلمني وغري مسلمني ( ،إال ما رحم ربك) .
وعند اتساع الفجوة بيين وبني نفسي ،يبدأ الشعور بالضيق أحيانا دون سبب ظاهر هلذا الضيق ؛ وما هذا الشعور إال نداء o
من النفس أو معاقبة منها يل على هذا البعد واجلفاء .
ومن ذلك :الشعور باإلحباط والتأخر وعدم الرضا حىت مع حتقيقي ملا قد يتصوره اآلخرون إجنازات وجناحات . o
فإذا ما خلوت بنفسي ،مل أقبلها ،بل وأرفضها رفضا شديدا ،وأتعامل معها بسلبية شديدة . o
ومن ذلك :جلد الذات ،وحتميلها كل ما أختيله من أخطاء ووصفها بأسوأ األوصاف . o
وينتج عن ذلك بالضرورة :اليأس من اإلصالح ،سيما بعد أن تتكرر اإلخفاقات (رغم صدق النية) . o
ونتيجة هلذا كله :ظلم النفس وإهانتها ،أو (سوء تقدير النفس) ،وهو ما يعرفه عوام الناس بـ ـ (قلة الثقة بالنفس) . o
ولعل من صور اجلهل ،ما يظن كثري من الناس أهنم يعلمون حقيقته ،مثل املس أو العني أو احلسد أو كل ما أثبته النقل من قرآن
وسنة ؛ فينبغي التنبه إىل خطورة التعامل معها دون علم مبداها أو حدودها واعتبارها شرا أكيدا ال مفر منه ،وكأن اهلل (جل يف عاله)
مل ينزل علينا قرآنا فيه شفاء ملا يف الصدور وهدى ورمحة للمؤمنني ،وكأن رسوله صلى اهلل عليه وسلم مل يرتك لنا منهجا متكامال من
شأنه أن يسعدنا حىت مع ابتالءاتنا !
وأعود بكم اآلن ،لنستكمل احلديث عن ثالث ركن من أركان مثلث الشقاء :الكرب .
الكرب
قد أقول :أنا أعلم هذا كله ،وال أحتاج ملن حيدثين عن نفسي وأمهية العلم هبا !
أو أقول :أنا أعلم كل هذا ،ولكين ال أزال أصر على عدم فعل ما أنا مقتنع به !
أو أقول :ومن أنت لتعلمين بأمهية نفسي واالنشغال هبا ؟!
هذه األسئلة وغريها توقظ يف ذهين (ورمبا يف أذهان اآلخرين) بعض التساؤالت :
58
فقه النفس 59
ملاذا حيصل هذا (غفلة الناس أو تغافلهم عن أنفسهم) حىت مع علمهم بأمهيتها ومكانتها ؟ ملاذا يفقد البعض (الرتكيز) ويغفلون عن
(نصائح) مت التلفظ هبا وتوجيهها هلم (فعال) ؟! وملاذا يرفض الناس النصيحة ؟! وملاذا يرفض الناس احلق (وأعين باحلق هنا الوصف
الصادق ملا هم فيه) ؟ وملاذا يرفض الناس االعرتاف باخلطأ والتقصري والذنب ؟ وملاذا يستسهل البعض التهجم على اآلخرين بدال من
مواجهة النفس ومصارحتها ؟! وأسئلة أخرى كثري تدور كلها يف فلك (الضعف النفسي) و(اهلروب من النفس) .
واجلواب باختصار يف كلمة واحدة :األنا ،أو ما نعرفه باسم اإلجيو ( )Egoأو ما يسميه علماء التزكية (حظ النفس) .
ولكن ،ما دخل الكرب فيما نتحدث عنه هنا ؟! أليس الكرب هو املفاخرة واملراءاة والتعايل على اآلخرين فقط ؟!
أما الكرب يف لغة العرب :نقيض الصغر .وهو العظمة ،واالمتناع .
وأما الكرب يف االصطالح :فهو الكرب الذي عرفه لنا حممد صلى اهلل عليه وسلم يف حديث صحيح ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ( :ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب) ،فقال رجل :إن الرجل حيب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ،فقال
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل تعاىل مجيل حيب اجلمال ،الكرب :بطر احلق وغمط الناس) .
وهذا النوع من الكرب هو الذي ورد يف اآلية السابقة من سورة الزخرف ﴿ :بل قالوا :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مهتدون ،وكذلك ما أرسلنا من قبلك يف قرية من نذير إال قال مرتفوها :إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ .
فإذا كان الذي منعهم من اإلذعان للحق هو اجلهل يف بداية األمر ؛ فإن اآلية الثانية ختربنا بأنه قد أتى هؤالء القوم النذير ليبلغهم
احلق ،إال إهنم بطروا هذا احلق ،والبطر هو الشعور بعدم احلاجة للشيء ،فهم يظنون أهنم على احلق وال حاجة للحق من أحد ،
وهذا أحد أركان الكرب كما عرفه حممد صلى اهلل عليه وسلم ،مث هم يغمطون الناس من أمثال هذا النذير وغريه ،والغمط (ويف رواية :
الغمص) هو ازدراء الناس والتعايل عليهم ،فهم يرون أهنم أكرب من أن يدهلم أو يقودهم أو يأخذ بيدهم شخص آخر إىل طريق غري
الذي يعرفونه .
59
فقه النفس 61
والكرب إمنا هو ضعف يف حقيقة الشخص الداخلية ،حناول أن نعوضها بتكلف القوة اخلارجية اليت تدعونا يف البداية أن (منثل) على
الناس أننا (نسايرهم) يف جمريات حياهتم مث ينتهي األمر بنا وحنن (ال نستطيع التوقف) ألن (مكانتنا) ال تسمح لنا بالتوقف العتبارات
كثرية ،كلها ال عالقة هلا حبقيقة (النفس) .
وهذا كله هو من قبيل ما حيدثنا القرآن عنه يف كلمات مثل (املخادعة) ،أو ما يعرفه الباحثون وأهل االختصاص باسم (احليل
الدفاعية) أو (الوسائل الدفاعية) !
نصيحيت :لو أنين أتوقف وأسأل نفسي يف أي حوار أو نقاش أو جدال أو تعامل من أي نوع مع اآلخرين :هل أنا أسعى إىل احلق
أم أسعى ألثبت أنين على حق ؟ هل أسعى ألواجه نفسي كما هي وأصل هبا إىل أصل املسألة ألحل مشكالهتا ،أم أسعى للتهرب
منها وعدم مواجهتها ؟ هل أسعى إىل اهلدف دون النظر إىل اآلخرين واالنشغال هبم على الطريق ،أم أسعى ألثبت لآلخرين أوال (مث
لنفسي األمارة بالسوء) أنين يف خري وعافية وليس لدي مشكالت ،بعيدا عن اهلدف ؟!
كان هذا فيما يتعلق بـ ـ (مثلث الشقاء) الذي من شأنه أن يشغلين عن نفسي ،ويوقعين يف فخ الغفلة .
واآلن ،وبعد أن علمنا تصور النفس ومقامها وأمهيتها ،وبعد أن علمنا ما ميكن أن يشغلنا عن النفس ،نعود لنستكمل حديثنا عن
[فقه النفس] .
يكفي اإلجابة على هذا السؤال أن نراجع ما ورد يف [تصور النفس يف العقل والنقل] ،وما ورد يف [مثلث الشقاء] ،سيما [اجلهل] ،
وما ورد يف [ضرر اجلهل] .
ولعلي أوجز هنا ما ورد يف [تصور النفس] مما يدل على أمهية فقه النفس :
أن هذا ما أفهمه من أول التنزيل ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق اإلنسان﴾ [القرآن :سورة العلق :اآلية . ]0
وأن هذا ما أفهمه كذلك من أمر خالق النفس ﴿ونفس وما سواها ،فأهلمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها﴾ [القرآن :
سورة الشمس :اآليات ]01 – 7؛ وتزكية النفس تستوجب العلم هبا .
61
فقه النفس 61
وأن النفس هي طريقي إىل احلق ﴿سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق ،أومل يكف بربك أنه على كل
شيء شهيد﴾ [القرآن :سورة فصلت :اآلية . ]62
وأن للنفس مكانة عظيمة عند اهلل .
وأن االعتناء بالنفس مقدم على اآلخرين .
وأن كل ما نفعله يف حياتنا فهو من النفس وهلا أو عليها .
وأن الظلم احلقيقي قبل أن يكون ظلما لآلخرين فهو ظلم للنفس وبالنفس .
وأن اخلسارة احلقيقية إمنا هي خسارة النفس أوال .
وأن اخلطأ مرجعه إىل النفس أوال .
وأن جزاء ظلم النفس يظهر يف الدنيا قبل اآلخرة .
وإذا تذكرنا ما جاء يف [ضرر اجلهل] كان من السهل أن نعلم أن من مثرات فقه النفس :
إزالة الغموض وما يتبعها من وحشة ،وما ينتج عن ذلك من ألفة مع النفس .
القدرة على اجللوس إىل النفس ،وقراءة النفس ،وما يتبع ذلك من علم مبواطن اخللل وتشخيصها .
حتمية قبول نفسي ،ولكن بالقدر الذي يكفي للتصاحل معها واألخذ بيدها ،ال بالقناعة بالدون منها .
تقدير نفسي كما ينبغي ،دون إفراط أو تفريط ،فال عجب أو غرور أو كرب ،وال شعور بالنقص والدونية .
وهذا كله من شأنه أن يورثين األنس بالنفس ؛ فتكون (بعد اهلل ورسوله) أقرب موجود ،وخري أنيس ،وأصدق ناصح ؛ فآنس
خبلوهتا ،وأشعر هبا ،فأسعى لتزكيتها ،وأرضى لرضاها ،وأفرح لفرحها ..،فتكفيين عن اآلخرين ( .وسيأيت ذكر مثرات األنس
بالنفس عند احلديث عن [قبول النفس] و[تقدير النفس] .
اقتباس من (ماسلو) (( :علماء النفس من أهم علماء البشرية اليوم ؛ ألن ما متر به البشرية من مشكالت ميكن حله يف ضوء فهم
الطبيعة البشرية)) ]Robbins, R.H. 1959[ .
ألن العلم بالشيء خري من اجلهل به ؛ فكيف إذا كان هذا الشيء هو (نفسي) ؟!
61
فقه النفس 62
كما إن العلم بتعريف النفس وعنصريها يعلمنا كيف نفهم سنة اهلل يف الكون اليت تقوم على العدل والتوازن بني األشياء ؛ فإن
مشكالت النفس تبدأ عندما خيفق الناس يف العدل بني عنصري النفس .
62
فقه النفس 63
جواب :
هي تطبيق ألول أمر وأول مجلة نزلت يف الكتاب اخلامت ﴿ :اقرأ باسم ربك الذي خلق ؛ خلق اإلنسان﴾ .
هي أول خطوات [فقه النفس] ؛ وتتبعها خطوات .فالسعي إليها اجتهاد مأجور ولكن االكتفاء هبا جهل وقصور .
هي عملية النظر يف مكونات النفس وفحصها والتعرف إىل نقاط الضعف والقوة فيها .
إذا وجدت نفسي تائها يف منتصف طريق ما وبدأ يساورين الشعور بالتيه والضياع واحلزن والوحدة ،أتساءل دائما ،من أين بدأت ؟
أين كانت نقطة البداية ؟ وما الذي جاء يب إىل هنا ؟
هذا هو رد الفعل الطبيعي الذي مير على أي كائن بشري ،إهنا غريزة جسدية وفطرة روحية .
أال ترون إذا ما استيقظت يوما يف مكان (غريب) عين ومل أعلم أين أنا ! ما هو أول سؤال يتبادر إىل ذهين ؟ هل من (الطبيعي) أو
(العقلي) أن أقوم مباشرة وبكل (طمأنينة) ألغسل وجهي أو ألتناول وجبة اإلفطار أو ألقوم بأي أمر اعتدت القيام به يف (مكاين
الطبيعي واالعتيادي) ؟ إذا فعلت ذلك ،فهذا استثناء بالغ الغرابة وال يكاد يكون أمرا (طبيعيا) !
63
فقه النفس 64
ولكن ،هل تصدقون إذا قلت لكم أن هذا السلوك (غري الطبيعي) و (غري العقلي) أصبح (سلوكا (اعتياديا) لدى الكثريين ؟! وهو
األمر الذي تناولناه عند احلديث عن (اجلهل) و(القصور النفسي) .
سيظن غالب القراء أنين سأبدأ من نقطة البداية اليت يتصوروهنا هم ،وهي غالبا ( :مىت بدأت أعراض املشكلة بالظهور) ! وقد ينفرد
آخرون بالرجوع قليال إىل الوراء ،فيقولون إن األمر أقدم من ذلك ،حيث يتعلق بـ ـ (األهل والرتبية واجلينات الوراثية) ! وهذه هي
اإلجابات (االعتيادية) اليت أحصل عليها عندما أسأل كل من ألتقي هبم .
ولقد اعتدنا وألسباب كثرية ،منها طرق الرتبية والتعليم ،وطرق العيش اليومية ،واجلاهلية السائدة بكل أشكاهلا ،اعتدنا أن نبدأ من
نقطة متأخرة يف البحث عن األشياء وحقيقتها ،اعتدنا أن نغفل أو نتغافل عن البدايات الصحيحة .
ولكن ،امسحوا يل أن أصطحبكم معي إىل ما أعتقد أنه أصل األصول ،الذي يتفرع عنه كل ما ذكرناه وأكثر ،نقطة البدء احلقيقية
اليت إذا أدركناها وضحت الرؤية وكشف اجملهول وظهر الباطن .
ولن أطيل ،ففي رأيي أن العالج يكمن يف العلم بإجابة سؤالني ( :من أنا ؟ ومل أنا ؟)
صدقوين :إن معظم (إن مل يكن كل) ما ورد علي من مشكالت ،داخل (العيادة النفسية) وخارجها ،يدور يف فلك اجلهل بإجابة
هذين السؤالني ( :من أنا ؟ ومل أنا ؟) .
64
فقه النفس 65
وأضيف إىل هذا كل األسباب اليت جاءت يف اإلجابة عن (ملاذا فقه النفس) ،وألسباب أخرى كذلك :
ألهنا اخلطوة األوىل يف رحلة التزكية ،مرورا بـ ـ [قبول النفس] ،وحىت [تقدير النفس] .
ألهنا متكنين من ترتيب األفكار واألحداث زمنيا ،مما يسهل عملييت التفكري والعقل ،وهذا من شأنه أن يؤثر إجيابا يف عملية
الدراسة والرتكيز وما يلحقها من اغتنام الوقت وتوفري الطاقات الضائعة ،إىل آخر ذلك .باختصار ،ألهنا متكنين من (عقل
املستودع) .
ألهنا متكنين من التوقف مع النفس ما يكفي ألن أشعر أنين أتذكر نفسي وأعطيها حقها من الوقت .
ألهنا متكنين من تشخيص املشكلة (إن وجدت) ،وبالتايل السعي إىل حلها .
ألهنا خترج ما يف مستودع الدماغ من أفكار وأحداث وجتعله واضحا ،وهذا الوضوح من شأنه أن خيفف (على األقل) من حدة
اجلهل باألسباب اليت أوصلتين إىل هنا ،وهذا كفيل بأن يقلل من اخلوف غري املربر والوسواس القهري والقلق املرافق له عند كثري
من الناس ؛ كما إن من شأن هذا الوضوح أن يولد الصدق والشفافية .
ألهنا تعينين يف التعرف على ما أريد وما ال أريد وما أحب وما أكره ،سواء يف نفسي أو يف اآلخرين من حويل .
ألهنا تعينين يف مراجعة [من أنا ومل أنا] أو [اهلوية والوظيفة واهلدف] ؛ وهذا من شأنه أن يفيدين يف أمر التوفيق بني الوظائف
املختلفة يل يف هذه احلياة .
هذا يف العقل ،وأما يف النقل ،فقد جاء يف القرآن ما يدل على أمهية قراءة النفس :
[القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : ]56أمل تر إىل الذين يزكون أنفسهم بل اهلل يزكي من يشاء وال يظلمون فتيال﴾ .وهنا يظهر
أثرا من آثار [قراءة النفس] ،حيث تعلمنا حبقيقة أنفسنا ،فال نبالغ يف مدحها والوقوع يف فخ العجب والغرور والكرب .
[القرآن :سورة اإلسراء :اآلية ﴿ : ]05اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا﴾ ؛ فدلت اآلية على أن األصل يف نفسي
كإنسان أن أعلم ما لدي ،وال حجة يل يف اجلهل ملا يف (كتايب) .
[القرآن :سورة األنبياء :اآلية ﴿ : ]55فرجعوا إىل أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون﴾ ؛ وهذه نتيجة من نتائج (قراءة النفس)
حيث متكنين من أن أعلم موطن اخلطأ فأتوجه إىل تصحيحه .
[القرآن :سورة الروم :اآلية ﴿ : ]2أومل يتفكروا يف أنفسهم ما خلق اهلل السماوات واألرض وما بينهما إال باحلق وأجل مسمى
وإن كثريا من الناس بلقاء رهبم لكافرون﴾ ؛ فدل القرآن على أنين إذا أردت أن أصل إىل احلق يف أمر الكون وخلق السماوات
واألرض ،فعلي أن (أتفكر يف نفسي) أوال .
[القرآن :سورة فصلت :اآلية ﴿ : ]62سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم حىت يتبني هلم أنه احلق أومل يكف بربك أنه على
كل شيء شهيد﴾ ؛ فدل القرآن على أن آيات اهلل كما هي منثورة فيما حولنا من ظواهر فهي يف النفس أيضا ،وكأنين أفهم من
اآليات أنين إذا أردت احلق ،فعلي أن (أرى نفسي) أوال .
65
فقه النفس 66
[القرآن :سورة النجم :اآلية ﴿ : ]25الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ،إن ربك واسع املغفرة ،هو أعلم بكم إذ
أنشأكم من األرض وإذ أنتم أجنة يف بطون أمهاتكم فال تزكوا أنفسكم هو أعلم مبن اتقى﴾ .ويف اآلية إشارة إىل ضرورة العلم
بأصلي ،كإنسان ،وتأرخيي ،الذي من شأنه أن يبصرين مبقامي ومينعين من العجب والغرور .
[القرآن :سورة القيامة :اآلية ﴿ : ]5وال أقسم بالنفس اللوامة﴾ .واللوم هو مراجعة النفس دائما ومتحيصها وجردها ،واللوم
ليس التوبيخ أو التقريع كما يظن الكثريون ،بل اللوم كما جاء يف معجم (لسان العرب) هو املراجعة والتمكث والرتيث واالنتظار
والعتب والتهذيب .وهبذا فتكون النفس اللوامة هي اليت تقوم بكل هذا .
[القرآن :سورة القيامة :اآلية ﴿ : ]05بل اإلنسان على نفسه بصرية ،ولو ألقى معاذيره﴾ .فدل القرآن على أن األوىل يب ،
كإنسان ،أن أكون بصريا بنفسي ،وال عذر يل يف اجلهل هبا .
ويف القرآن ،ويف سورة (الضحى) ،نقرأ مثاال رائعا على أمهية قراءة النفس وما تنتجه قراءة النفس من مثرات .
يروي البخاري يف كتابه اجلامع والواحدي يف كتاب (أسباب النزول) روايات متفرقة عن سبب نزول سورة (الضحى) ؛ فريوي الواحدي
أن رسول اهلل حممدا بن عبداهلل صلى اهلل عليه وسلم جزع جزعا شديدا بعد أن أبطأ عليه الوحي ،فقالت امرأة من قريش ( :أبطأ عليه
شيطانه) ،ويف رواية (قاله ربه) أي :تركه ربه وهجره ،فنزلت ﴿ :والضحى ،والليل إذا سجى ،ما ودعك ربك وما قلى﴾ .
ولنتأمل يف حالة حممد رسول اهلل قبيل نزول السورة ،ولنتفكر يف ما ميكن أن يكون مر على خاطره من أفكار حول تأخر الوحي عليه
،مث لنتوقف قليال لنرى كيف كان ميكن لكالم هذه املرأة القرشية أن تزيد عليه األمر جزعا ومرارة ،مث لنتساءل :ما الذي كنت
سأحتاجه لو كنت مكانه ؟
يف مثل هذه احلالة النفسية الصعبة ،نزلت هذه السورة ،نزلت السورة لتطمئن قلب حممد رسول اهلل ،فبدأت بذكر حلظات الصبح
املشرقة اليت تناسب (النفسية) اليت تسيطر على املوقف ،وكأين باآليات تقول يل ( :لكل ليل آخر ،وآخره الليل فجر) ؛ ولكن اهلل
قدم ذكر (النهاية املشرقة) على (الليل املظلم) ،مث ليؤكد اهلل لعبده وحبيبه حممد أنه مل يرتكه ومل يهجره ،فتهدأ نفسه هبذا التثبيت ،مث
ليزيد تطمينه عما هو قادم ،ولعل يف هذا ما تشري إليه الدراسات النفسية ملن يعانون من (الضيق) حيث يسيطر عليهم خوف من
(املستقبل) ،فجاءت اآليات تعلمين أن ما هو قادم خري مما مضى ؛ فوعد اهلل حبيبه حممدا مبا هو أفضل مما يظن يف قابل األيام ،ويف
اآلخرة ،حيث سيحظى (حممد) بكل ما يتمناه ،حىت يرضى ﴿ :ولآلخرة خري لك من األوىل ،ولسوف يعطيك ربك فرتضى﴾ .
66
فقه النفس 67
مث جاء دور (قراءة النفس) ؛ فذكره اهلل مبا مضى من عمره ،وكيف مرت عليه سنوات عمره مبا فيها من (ذكريات طفولة صعبة) ،
وكيف خرج منها بشخصية حتمل يف جنباهتا كثريا من اخلري ،ولكن احلالة النفسية (الصعبة) قد تنسي صاحبها أو صاحبتها كل ذلك
اخلري ،وهذا ظاهر يف أسلوب التذكري باملاضي الذي جاء بصيغة (االستفهام التقريري) ،وكأين بكل آية من هذه اآليات ختاطبين
مذكرة إياي مبا لدي من خري غفلت عنه :هل نسيت كل النعم اليت أنعمها اهلل علي ؟ وهل متكن مين ما قاله اآلخرون عين حىت
أنسوين ما لدي من النعم ؟ وهل نسيت أنين خرجت من أسوأ الظروف إىل ما أنا فيه من خري يف الروح واجلسد ؟ ﴿ :أمل جيدك يتيما
فآوى ؟ ووجدك ضاال فهدى ؟ ووجدك عائال فأغىن ؟﴾ .
مث تأيت مثرات (قراءة النفس) ؛ فبعد أن أعلم ما مررت فيه ،وما تعلمته فيه من دروس كثرية ،ال يبقى يل إال أن أخرج بكل ما فيها
من نفع لينعكس على نفسي أوال وعلى اآلخرين ثانيا ﴿ :فأما اليتيم فال تقهر ،وأما السائل فال تنهر ،وأما بنعمة ربك فحدث﴾ .
إهنا نعمة (انشراح الصدر) بعد ما نزل عليه يف سورة (الضحى) ،وهنا نقرأ ما نزل بعد هذه اآلية مباشرة ﴿ :أمل نشرح لك صدرك ؟
ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ؟ ورفعنا لك ذكرك ؟﴾ .
مث يأيت قانون الفرج اإلهلي ،موضحا أن مع كل عسر يسرا وفرجا وفرحا ،حىت وإن كنا ال نرى ذلك بنظرنا احملدود ﴿ :فإن مع العسر
يسرا ،إن مع العسر يسرا﴾ .
وماذا بعد ذلك ؟ ماذا بعد انفراج اهلم ؟ هنا حيني وقت السعي إىل العمل واإلنتاج ﴿ :فإذا فرغت فانصب﴾ .
مث ال يبقى سوى التذكري بالعودة دائما إىل من لديه مفاتيح النفوس وسعادهتا ﴿ :وإىل ربك فارغب﴾ .
هذا مثال ظاهر جلي من أمثلة أخرى عديدة يف القرآن ،وللباحثني أن يقرؤوا يف القرآن أمثلة عديدة ،مثل :قصة بدء اخللق ،وما
حصل مع آدم وحواء عليهما السالم ،وقصة أيوب عليه السالم ،وقصة موسى عليه السالم ،سيما توقفه مع نفسه عند باب مدين
وقبل ذهابه إىل فرعون ،وقصة يوسف عليه السالم ،وقصة سليمان عليه السالم ،وقصص الصحابة املنثورة يف سور خمتلفة من القرآن
،حيث يذكرهم فيها اهلل جل يف عاله أن يقفوا مع أنفسهم ،وغريها أكثر منثور يف صفحات السرية النبوية ،بل وقصص الصحابة
والتابعني ،وغريهم ممن وفقهم اهلل لفهم كتابه والعمل به .
67
فقه النفس 68
سؤال :مىت تكون قراءة النفس ؟ مىت تبدأ ؟ ومىت تنتهي ؟ ومىت تكون ضرورة ؟
جواب :
دائما .
عملية مالزمة لوعي اإلنسان .
إذا ظهرت مشكلة ال يبدو هلا حل ظاهر .
قراءة النفس عملية مالزمة لوعي اإلنسان وسعيي للقيام بوظيفيت يف هذه احلياة ؛ وهبذا فهي عملية ال تنتهي حىت مفارقيت وجه هذه
األرض .إال إن قراءة النفس قد تكون ضرورة إذا ظهر من األعراض السالبة ما ليس له سبب ظاهر ومباشر من خارج النفس ؛ فإن
كثريا النفوس ال تكاد ختلو بذاهتا إال إذا أصابتها مصيبة !
وما أنصح به أن أعطي [قراءة النفس] ما ال يقل عن نصف الساعة إىل الساعة يوميا (هذا مؤشر على بداية اهتمامي بنفسي) ؛ مع
اختيار وقت جيتمع فيه الراحة واهلدوء والوعي ؛ مثل :ساعات الفجر األوىل وما قبل النوم ،حيث األوقات اليت يكون احمليط أقل
تشتيتا ،مما مينح جوا صافيا للنفس ،فتكون القراءة كأنقى ما يكون .
جواب :
يف كل مكان .
يف أي مكان جيتمع فيه اهلدوء واإلهلام .
يف البيت ومكان العبادة الشعائرية أفضل من غريها .
جواب :
68
فقه النفس 69
قد خيتلف الناس يف طريقة قراءة النفس ؛ فمنهم من يكتفون باخللوة مع النفس والتفكر هبدوء ؛ ومنهم من يعرضون أنفسهم على تلك
الفحوص املنتشرة يف دراسات الباحثني وكتب املتخصصني ؛ ومنهم من خيتارون مراجعة أهل االختصاص من األطباء واملعاجلني
واحملللني النفسيني .
أما أنا ،فلقد اخرتت أن أضع بني يدي املهتمني بقراءة النفس [كراسة قراءة النفس] .
جواب :
هي جمموعة أسئلة موضوعة بشكل مدروس ،حبيث ال تكاد األسئلة تغادر أمرا من أمور النفس إال وهو مطروح .
سؤال :ملاذا [كراسة قراءة النفس] ؟ وبعبارة أخرى :من أين جاءت فكرة هذه الكراسة ؟
جواب :
وجدت أن من أكرب املشكالت اليت تواجه الناس هو أن الناس اعتمدوا اعتمادا كليا على (آخرين) ليقرؤوا هلم أنفسهم ،يف حني إهنم
يستطيعون عمل هذا بأنفسهم بشيء من التوقف والتفكري والعقل .
وهذا األمر (قراءة اآلخرين ملا يف داخلنا) هو ما يعرف يف (علم النفس) باسم (االستبطان) أو [ ، ]Introspectionوهو حماولة
استخراج ودراسة ما يدور يف باطن اإلنسان .وقد جرت العادة أن يتم (االستبطان) على يد شخص آخر هو (املعاجل) أو (املعاجلة) .
ومع إن (االستبطان) يعترب من إنتاج املدرسة البنائية (وهي أول مدارس علم النفس احلديث 0221للميالد تقريبا) ،إال إنه يقارب
كثريا ما متارسه كل من مدرسة التحليل النفسي (فرويد) واملدرسة اإلنسانية ،ألهنا كلها تقوم على حماولة فهم ما يف داخل اإلنسان ،
سواء كان ماضيا أو حاضرا أو حىت تفكريا يف املستقبل .
إال إن التوقف قليال وتأمل حالة (االستبطان) على أرض الواقع يظهر لنا عددا من املالحظات السالبة اليت تدعونا إلعادة النظر يف
منهج (االستبطان) وأسلوبه وجدوى العمل به ،ومن هذه املالحظات :
69
فقه النفس 71
االفتقار إىل منهج واضح وموحد للعمل به ،مما يفتح اجملال لظهور (أخطاء مهنية شخصية) .
قلة األطباء واملعاجلني أو الطبيبات واملعاجلات الذين (حيرتفون) العمل بـ ـ (االستبطان) .
ندرة األطباء واملعاجلني أو الطبيبات واملعاجلات الذين يتقنون (االستبطان) كما ينبغي .
عامل الوقت ،وأعين هبذا طول الوقت الذي قد تستغرقه اجللسات االستبطانية ،مما قد يؤدي إما إىل ملل أحد الطرفني (وعادة
ما يكون املراجع أو املراجعة) ،أو إىل الضغط املادي وعدم القدرة على حتمل نفقات العالج .
االعتمادية والتواكل ،وأعين هبذا اعتماد املراجع أو املراجعة بشكل كامل على شخص الطبيب أو املعاجل أو الطبيبة أو املعاجلة ،
مما قد يورث شعورا كامنا بالضعف وعدم القدرة على فعل شيء دون الرجوع إليه /إليها .
ولكم توقفت عند هذا األمر واستغربته ،أال وهو حقيقة أن معظم ما أقوم به يف (العيادة النفسية) هو عملية (ترمجة النفس) لصاحبها
أو صاحبتها ،وكأن الناس غرباء مبا يكفي عن أنفسهم ليحتاجوا شخصا (غريبا) ليعرفهم إىل بعضهم البعض !!!
ولقد قلتها يف أكثر من لقاء عام وخاص أو حلقة تدريبية أو مؤمتر علمي أو حىت لقاء تلفزيوين ؛ قلت :أدعو اهلل أن يأيت ذلك اليوم
الذي يتمكن الناس من قراءة أنفسهم مبا يكفي ألن يكون لدي (ولغريي من أهل االختصاص) الوقت الكايف ألمور أهم وأعظم للقيام
مبا حتتاج إليه اإلنسانية يف عامل اليوم .
وليس معىن هذا أنين أنتقص من عمل الطبيب واملعاجل النفسي أو الطبيبة واملعاجلة النفسية ،أو أنين أقلل من أمهية (العالج الفردي) ،
أو أنين أزهد يف اجللوس مع نفس بشرية وإخراج ما فيها من مكنونات واألخذ بيدها إىل شاطئ الطمأنينة والسعادة والرضا ،ليس هذا
يف اعتقادي أبدا ؛ فإن السعادة اليت أكون سببا يف إيصاهلا لنفس بشرية واحدة كفيلة بأن جتعل من حيايت كلها ذات قيمة عظيمة .
ولكنين أرى أن األصل أن يكون هذا من شأن اإلنسان نفسه أو نفسها ،فيكون علينا حنن أهل االختصاص أن نرسم اخلطوات األوىل
فقط ،مث يبقى لنا حنن أهل االختصاص أن ننشغل مبا هو أكرب من ذلك ،أن نلتفت إىل ما حتتاج إليه األمة من خطط ومناهج
دراسية وتعليمية وتربوية تقوم على بناء نفسي صحي ألجيال املستقبل ،ومراقبة للجهاز اإلعالمي وما حيمله من رسائل ،والعناية
مبناخ احلياة اليومية يف كافة األماكن وعلى كافة األصعدة مع العمل على تطويرها واحلفاظ على (الصحة النفسية) للفرد واجملتمع ،إىل
غري ذلك .
وهلذا ،فأنا أنادي بضرورة أن يتقن الناس ما أمسيه ب (االستبطان الذايت) أو ، Self-Introspectionوهو ما أفهمه من القرآن
يف آيات مثل ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق اإلنسان من علق﴾ و﴿سنريهم آياتنا يف اآلفاق ويف أنفسهم ،حىت يتبني هلم أنه
احلق ،أومل يكف بربك أنه على كل شيء شهيد﴾ و﴿بل اإلنسان على نفسه بصرية﴾ وغري ذلك من إشارات صرحية أو مؤولة ؛
كيف ال وعندما اختار اهلل أن يقسم حبالة من حاالت النفس شاء حلكمته أن يقسم بـ ـ (النفس اللوامة) اليت هي ضرورة من ضرورات
71
فقه النفس 71
أمر آخر نقرأه يف القرآن بلفظ (التزكية) ،وهو ما كان عليه األمر منذ آدم وحىت بدأت احلياة تشغل الناس عن أنفسهم ،وسيأيت
احلديث بالتفصيل عن هذا األمر عند تناول (ملاذا أقرأ نفسي ؟) .
لكل هذه األسباب ولغريها مما سيلي ذكره ،جاءت فكرة [كراسة قراءة النفس] .
ألنين أود أن يتقن الناس ما يعرف يف (علم النفس) باسم (االستبطان) أو [. ]Introspection
لطول الوقت الذي قد تستغرقه اجللسات االستبطانية ،مما قد يؤدي إما إىل ملل أحد الطرفني (وعادة ما يكون املراجع أو
املراجعة) ،أو إىل الضغط املادي وعدم القدرة على حتمل نفقات العالج .
االعتمادية والتواكل ،وأعين هبذا اعتماد املراجع أو املراجعة بشكل كامل على شخص الطبيب أو املعاجل أو الطبيبة أو املعاجلة ،
مما قد يورث شعورا كامنا بالضعف وعدم القدرة على فعل شيء دون الرجوع إليه /إليها .
ألن معظم ما أقوم به يف (العيادة النفسية) هو عملية (ترمجة النفس) لصاحبها أو صاحبتها ،وكأن الناس غرباء مبا يكفي عن
أنفسهم ليحتاجوا شخصا (غريبا) ليعرفهم إىل بعضهم البعض !!!
ألن األصل أن يكون هذا من شأن اإلنسان نفسه أو نفسها ،فيكون علينا حنن أهل االختصاص أن نرسم اخلطوات األوىل فقط
،مث يبقى لنا حنن أهل االختصاص أن ننشغل مبا هو أكرب من ذلك ؛ وليس يف هذا انتقاصا أو تقليال من شأن اجللسات
االستشارية ،إال إن األمر ليس بالقدر الذي وضعه الناس ألنفسهم .
وهنا يأيت دور احلديث عن اجللوس مع (النفس) بني الوهم واحلقيقة ،والسهولة والصعوبة .
نعم ؛ كثريا ما يواجهين البعض (متهربني من أنفسهم دون إدراك منهم) بقوهلم ( :أنا أجلس مع نفسي كثريا !) ،فإذا سألتهم :هل
جتلسون حقيقة مع أنفسكم ؟ أم أنكم جتلسون ،منعزلني ،ولكن مع اآلخرين ؟ تفكرون فيمن حتبون أو تكرهون أو أشخاص
أزعجوكم بتصرف معني أو أشخاص ختططون لعالقات معهم أو موضوعات خارجة عن أنفسكم ؟
وهنا يكون رد الفعل الذي صار معتادا لدي :سكوت وحماولة اهلرب من النظر يف عيين !!!
71
فقه النفس 72
سؤال :ولكن اجللوس مع النفس أمر متعب وصعب ،بل شبه مستحيل !
أقول :أفهم هذا متاما ؛ ولكن فهمي له ال يعين أنين أوافق عليه أو أبرر له .
إن انشغايل عن (نفسي) طيلة هذه السنوات جعلين أشعر بالغربة عنها ،جعلين أجهلها مبا يكفي ألن أخاف منها ،جعلين أشعر أن
(نفسي) وحش كاسر يود لو تسنح له الفرصة لالنقضاض علي يف أي حلظة ختلو يب أو أخلو هبا !
وهلذا ؛ فقد اعتدت أن أهرب من (نفسي) ،فال أكاد أخلو وحدي أبدا ،أحرص على أن يكون هناك صخب حويل يبعدين عن
(نفسي) ،يف غرفيت مع (املسجل) وما أمسعه فيه من كلمات تزيدين غربة عن نفسي ،ويف البيت مع (التلفزيون) أو (اهلاتف اجلوال)
أو (األهل) ،ويف املدرسة أو اجلامعة أو مكان العمل مع (أصدقائي) الذين أكاد أحتدث معهم عن كل شيء إال عن (نفسي) ،ويف
األسواق واحملالت العامة حيث (جاهلية اجلسد) واألصوات الصاخبة والصور الدنيوية اليت تزيد الفجوة بيين وبني نفسي ،بل وحىت
عندما أظن أنين أخلو بنفسي ،أكون حقيقة يف شغل باآلخرين !
ولكن ،قبل البدء يف قراءة النفس ،هناك الفتات ال بد من التوقف عندها والتنبه هلا وقراءهتا قراءة فاحصة :
استحضار النية اخلالصة ،أو اهلدف من قراءة النفس ( .اهلدف هو النفس ال اآلخرون) .0
علي أن أعطي [قراءة النفس] ما ال يقل عن نصف الساعة إىل الساعة يوميا ( .هذا مؤشر على بداية اهتمامي بنفسي) .5
اختيار وقت جيتمع فيه الراحة واهلدوء والوعي ( .ساعات الفجر األوىل وما قبل النوم هي من أفضل أوقات الكتابة) .2
كراسة تدوين وقلم (رصاص) ألمتكن من أن أعدل على ما كتبت إذا دعت احلاجة ( .أنصح بكراسة ختلو من أي صور أو رموز .5
ذات دالالت قد تشغلين وتؤثر على تفكريي وقت الكتابة ،كما أنصح باصطحاب الكراسة معي دائما فقد خيطر يل أمر نسيته
يف وقت الكتابة ،كما أن مالزمة الكراسة ستذكرين دائما ب (نفسي))
72
فقه النفس 73
.6ليس بالضرورة أن يعلم من حويل مبا أفعل ،ولكنين ال ينبغي أن أخاف من أن يعلموا ذلك .
.5مع إن قراءة النفس تبدأ بصورة جلسات طويلة قد تكون مملة ومعقدة ،إال إهنا ال تلبث أن تصبح عملية انفعالية معتادة وأشبه ما
تكون بالغريزة املصاحبة لعمليات اإلحساس والتفكري والعقل .وبعبارة أخرى :إذا صربت على اجللوس مع النفس وأتقنت عملية
القراءة مبا فيها من صعوبة يف بداية األمر ،استحالت هذه الصعوبة إىل أمر اعتيادي سهل إىل الدرجة اليت مل أكن أتصورها من
قبل .
قراءة األسئلة بالرتتيب ؛ وعدم قراءة االستفهام التايل قبل إجابة ما يسبقه ( .هذا قد يؤثر على نفسييت وقت الكتابة) .0
املطلوب تقمص نفسية املرحلة اليت أكتب عنها ؛ أي أن ال أن أجيب عنها بطريقة تفكريي احلالية . .5
عدم الرجوع إىل أحد إلجابة األسئلة يف أول األمر ،فاملطلوب قراءيت (أنا) لنفسي ،ال قراءة (اآلخرين) . .2
علي بالصدق ؛ فاإلجابات ل)نفسي) قبل أن تكون ألي شخص آخر ( .وإال خدعت نفسي قبل اآلخرين) .5
األصل أن أجيب على األسئلة كتابة ( .اإلجابة الشفوية السريعة فال تؤدي الغرض وال تثبت شيئا يف الذاكرة) .6
إذا كنت مل أمر مبرحلة معينة (مرحلة دراسية أو زواج ،إخل) فعلي جتاوزها ؛ مع نصحي بقراءهتا لالستفادة . .5
.0بعد االنتهاء من اإلجابة على األسئلة ؛ يبقى علي أن أقرأ اإلجابات هبدوء وتركيز ؛ حىت أمجع نقاط القوة ونقاط الضعف يف
شخصييت اليت تكونت على مدى مراحل حيايت املختلفة .
.5االعتناء بالفصل األخري :فصل [من أنا ومل أنا] ،وهو الفصل الذي خيتصر [قراءة النفس] .
[ .2قراءة النفس] هي اخلطوة األوىل فقط ،يليها [قبول النفس] و[تقدير النفس] .
الفتة :كراسة [قراءة النفس] هي للنفس وتزكيتها ،وليس (الحرتاف) العمل هبا وتطبيقها على اآلخرين .
73
فقه النفس 74
الفتة :األسئلة تبدو يف ظاهرها طويلة مملة ،إال إن هذا أقل ما ميكنين تصوره ملا حتتويه النفس من مكنونات ومكبوبات .
فصل :أسئلة متكررة لضرورهتا ( :هذه األسئلة يتم اإلجابة عنها يف كل فصل)
74
فقه النفس 75
ماذا أعرف عن عائليت ؟ واملطلوب هنا تعريف عام بتأريخ العائلة . .0
والدي /والديت : .5
oما امسهما ؟ وماذا يعين كل اسم ؟ وهل أحب امسيهما ؟ وملاذا ؟
oأين نشأ والداي ؟ ومن أي البالد ،أصال وسكنا ؟
oما هو ترتيب كل من والداي يف أسرهتما ؟ (حبذا ذكر والديهما وأشقائهما وشقيقاهتما) .
oما هي املكانة االجتماعية لكل من والداي يف أسرتيهما ؟
oما هو وضع أسرة والداي املادي واجملتمعي والنفسي ؟
oهل والداي من نفس األسرة ؟ (صلة قرابة)
oكيف هي عالقة األسرتني ببعضهما (أسرة والدي وأسرة والديت) ؟
هل والداي متزوجان ،أم منفصالن ،أم مطلقان ؟ .2
من أين أتيت باإلجابات على األسئلة السابقة ؟ .5
ما شعوري بانتمائي هلذه األسرة ؟ جملرد معرفيت بأصول أسريت ،قبل اخلوض يف إجابات األسئلة التالية . .6
75
فقه النفس 76
الفصل الثالث :من بداية املرحلة املدرسية حىت ما قبل البلوغ :
فصل :البلوغ
ما هو أول شعور أو رد فعل ظهر لدي اآلن ؟ (خجل ،فرح ،غضب ،ابتسامة ،تعرق ،بكاء ،إخل) .0
أول ما أتذكره هو ( :سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ،إخل) .5
هل تأخر بلوغي ؟ .2
كيف تعرفت على هذه املرحلة ؟ .5
76
فقه النفس 77
أول ما أتذكره هو ( :سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ،إخل) .0
أرجو هنا اإلجابة على (أسئلة متكررة لضرورهتا) . .5
أرجو هنا اإلجابة على األسئلة 05 -2 :من (املرحلية املدرسية قبل البلوغ) و 07 -6من (فصل البلوغ) . .2
هل كنت أعرف ما أريد ؟ إذا كانت اإلجابة (نعم) ،فهل سعيت له فعال ؟ وإىل ماذا وصلت ؟ وإذا كانت اإلجابة (ال) ،فهل .5
حاولت أن أعرف ما أريد ؟ وكيف ؟ وإىل ماذا وصلت ؟
كيف كانت النتيجة الدراسية ؟ وكيف كان شعوري جتاهها ؟ .6
77
فقه النفس 78
أول ما أتذكره هو ( :سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ،إخل) .0
هل مارست شيئا من مهنيت أو غريها أثناء املرحلة املدرسية أو اجلامعية ؟ .5
كم مهنة التحقت هبا حىت اآلن ؟ (تاريخ موجز) .2
كم الفرتة بني إهنائي الدراسة األكادميية والتحاقي مبهنيت ؟ .5
هل املهنة اليت أقوم هبا اآلن هي ما أريد ؟ .6
هل مهنيت هلا صلة مبجال دراسيت ؟ .5
إذا مل يكن هناك صلة واضحة بني املهنة والدراسة األكادميية فهل هناك ما تعلمته من (اجلامعة) وخدمين يف مهنيت ؟ إذا كانت .7
اإلجابة نعم :الرجاء ذكر مثال للتوضيح .وإذا كانت اإلجابة ال :ملاذا ؟
كيف مت التحاقي يف جمال مهنيت ؟ .2
كيف هو الوضع العام يف جمال املهنة ؟ الوضع النفسي :تقبلي حمليط العمل واستقراري فيه .الوضع املهين :جودة العمل .6
ووضوح اللوائح اإلدارية وااللتزام هبا .
78
فقه النفس 79
79
فقه النفس 81
.05هل كان هناك مالحظات سالبة على اخلاطب أو املخطوبة مت جتاوزها ؟ ما هي ؟ وملاذا ؟
.06كم استمرت الفرتة بني اخلطبة وعقد القران ؟ وملاذا ؟
.05هل كان هناك تواصل حمرم ؟ أي هل كان هناك تواصل جسدي قبل عقد القران أو الزواج ؟
.07كيف كانت العالقة فرتة ما بعد عقد الفران وحىت الزفاف (البناء) ؟ ما املوضوعات اليت مت تناوهلا ؟ ما األماكن اليت متت زيارهتا
أو اللقاء فيها ؟ ما األنشطة اليت حرصنا على القيام هبا تلك الفرتة ؟
.02كيف كان التواصل اجلسدي يف تلك الفرتة (مالمسة ،تقبيل ،عناق ،إخل) ؟
.06كيف كانت مشاعري جتاه ذلك التواصل اجلسدي (استغراب ،خوف ،إقبال ،رفض ،إخل) ؟
.51كيف كانت ردة فعل الطرف املقابل جتاه ذلك التواصل اجلسدي ؟
.50هل راجعت أحدا بشأن هذه التجربة (التواصل اجلسدي) ؟ ومن هي هذه الشخصية ؟ وملاذا هذه الشخصية ؟
.55كم استمرت الفرتة بني عقد القران والزفاف ؟ وملاذا ؟
.52ما الذي أود أن أقوله لنفسي ،وألهلي ،وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)
81
فقه النفس 81
.05هل الوقت املفروض للبيت كاف ؟ وهل أعطي البيت حقه ؟ وهل أهل بييت راضون ؟
.06هل كان ( أو ال يزال) هناك أي نوع من االضطهاد أو سوء املعاملة (نفسي ،جسدي ،عاطفي) ؟
.05ماذا يعين (تعين) زوجي (زوجيت) يل ؟
.07ما الذي أود أن أقوله لنفسي ،وألهلي ،وملن حويل ؟ (ما الذي أود أن أبوح به وأخرجه من نفسي ؟)
فصل :األبناء
81
فقه النفس 82
أول ما أتذكره هو ( :سواء صور أو موضوعات أو أشخاص أو مشاعر أو مجادات ،إخل) .0
ما هو أول شعور أو رد فعل ظهر لدي اآلن ؟ .5
من أنا ؟ (أرجو عدم ذكر االسم أو الصفة أو الديانة أو املهنة أو املكانة اجملتمعية أو إجابات آخرين) .2
مب أصف نفسي ؟ .5
82
فقه النفس 83
.6ما هو أكثر ما أحب يف نفسي ؟ (الرجاء ذكر ثالث صفات على األقل)
.5ما هو أكثر ما أبغض يف نفسي ؟
.7هل أنا شخصية متكربة ؟ إذا كانت اإلجابة نعم أو ال :ما دالئل ذلك ؟
.2هل أنا شخصية متعلمة (أو قابلة للتعليم واإلصالح) ؟ إذا كانت اإلجابة نعم أو ال :ما دالئل ذلك ؟
.6ما هي مواهيب (اليت أشعر أنين أملكها دون أن أبذل فيها دراسة أو جهدا أو حىت طلبا هلا) ؟ هل أشعر أنين منحت ملواهيب
الفرصة الكافية لتظهر وتغتنم ؟ هل حتولت هذه املواهب أو بعضها (على األقل) إىل هوايات ؟
.01ما هي هوايايت ؟ ما الذي أفكر فيه يف أوقات الفراغ (إن وجدت) ؟ ما الذي أمتىن أن يكون لدي الوقت الكايف (بعد أن أهني
واجبايت ومسؤوليايت) ألستمتع مبمارسته ؟ ما األعمال اليت أفكر فيها أكثر من غريها عندما أكون وحدي أو عندما أتأمل يف أي
أمر ؟ ما الذي أمتىن أن يطلبين اآلخرون ملمارسته أو ملساعدهتم فيه ؟ ما الذي سبق أن طلبين اآلخرون ألساعدهم فيه وأديته على
وجه متميز ؟ ما الذي أتصور نفسي وأنا أمارسه يف حيايت اليومية بغاية االستمتاع واإلنتاج يف آن واحد ؟
.00مل أنا هنا على األرض ؟ وهل أفعل ما يربهن اإلجابة على هذا السؤال ؟ وكيف ؟ (بشكل تفصيلي يف حيايت اليومية)
.05ما هو هديف األكرب يف هذه احلياة ؟
.02ماذا فعلت وأفعل لتحقيق هديف األكرب يف هذه احلياة ؟ (بشكل تفصيلي يف حيايت اليومية)
.05ماذا فعلت لتحقيق هديف األكرب ؟ (الوسائل أهدايف املرحلية بشكل عملي يومي) :
.06ملخص جلدول حيايت اليومية :
.05ملاذا أكتب كل هذه املعلومات ؟
.07مما سبق ،هذا ما خرجت به كملخص ملسرية حيايت :
رسالة وصلتين من ابن إحدى املراجعات بعد أقل من أسبوعني من العمل على [قراءة النفس] :
(السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ،بداية جزاك اهلل خريا ،لقد أصبحت أمي بفضل اهلل ممتازة وكأهنا مل تكن مريضة بتاتا ،وإذا نظرت
إليها اآلن يستحيل أن تقول إهنا نفسها املرأة اليت كلمتها منذ أسبوعني ،التحسن فاجأ اجلميع إال أنا ،وبعد فضل اهلل والتوكل عليه
أوال ،فقد ساهم يف هذا التحسن ملف قراءة النفس وكف أذى اآلخرين من خالل منعهم عن االستعجال بالدواء الكيميائي أو
جلسات الكهرباء أو الرسائل السالبة وتأمني جو حميط متفهم ومقتنع بضرورة الصرب وعدم االهنيار أمامها واالتصال املستمر هبا وسؤاهلا
عن نفسها وتوجيه االهتمام إليها .اآلن انعكس الوضع ،أصبح الكل فرحا ومطمئنا ،أصبحت تعمل يف البيت وحتب اخلروج
وعادت عالقتها مع الوالد ممتازة وأصبحت تقول له ما يف داخلها وما كان يزعجها منه يف السابق) .
83
فقه النفس 84
جواب :
بعد قراءة النفس ،وبعد أن رأيت ما يل وما علي ،وبعد أن ظهر يل من النفس ما أحب وما قد أكره ،ال تكتمل رحلة [فقه النفس]
إال إذا خطوت خطوة ثانية ،خطوة تكمل سابقتها ،وتبين جسرا ملا يليها ،تلك هي :قبول النفس .
ويف طور قبول النفس ،أقبل نفسي كما هي ،كما وجدهتا ،مبا فيها من نقاط ضعف أو جتارب سالبة أو ظروف صعبة ؛ والقبول ال
يعين املوافقة ،فأنا أقبل نفسي وال أتفق مع ما فيها من شوائب وعيوب ؛ كما إن القبول ال يعين القناعة والتوقف عند ما وصلت إليه
النفس .أما إذا رفضت نفسي واحتقرهتا أو امتهنتها فلن يكون هناك فسحة للتعامل معها أو رمحتها أو إصالحها ،ومن مث لن يكون
هناك فرصة لالنتقال إىل الطور اآلخر ( :تقدير النفس) .
84
فقه النفس 85
وبعبارة أخرى :كيف أقبل نفسي إذا كنت قد رفضتها مسبقا ؟ كيف ميكنين أن أنسى ما وصلت إليه ؟ كيف أغفر هلا خطأها
وتقصريها وزالهتا ؟
جواب :لإلجابة عن هذا السؤال ،نبحث عن ما يدل عليه كل من العقل والنقل يف هذا األمر .
أنا لست مسؤوال أو مسؤولة عن الظروف اخلارجية ،بل ما كان يل يد فيه عن قصد وإدراك .
اخلطأ ضرورة من ضرورات التعلم .
التعلم ال يعين الكمال .
السعي إىل الكمال مطلوب ،وتوقع الكمال املطلق وهم .
الكمال املطلق للجماعة يعين امتناع سنة التدافع .
الكمال املطلق للفرد يعين امتناع الدافع والتحفيز .
وأما يف النقل :فإننا نقرأ ما يدلنا على أن النفس ليست معصومة مطهرة كاملة ،بل إن من طبعها الضعف والسوء وظلم النفس
والعناد والعجلة والوسوسة واهلوى والفتنة والشح ،هكذا خلقها اهلل ،حلكمة أرادها ،ولعل طبيعة البالء واالمتحان الدنيوي هو من
أبرز مظاهر هذه احلكمة .ولعل هذا مما يعني يف قبول النفس وعدم حتميلها أكثر مما تطيق ،إال إن هذا ال يعين موافقة النفس والرضا
بواقعها :
القرآن :سورة البقرة :اآلية ﴿ : 525ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها﴾ .فدل القرآن على أن اهلل مل يكلف النفس مبا ال تطيق
ابتداء ،وأن النفس ال تؤاخذ مبا ال تطيق .
القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : 52يريد اهلل أن خيفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا﴾ .فدل القرآن على أن الضعف طبيعة
يف النفس البشرية ،إال إن هذا الضعف قابل للتوجيه .
85
فقه النفس 86
القرآن :سورة النساء :اآلية ﴿ : 52إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ،ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء ومن يشرك باهلل فقد افرتى إمثا
عظيما﴾ .فدل القرآن على أن كل ما عدا الشرك فهو مغفور ،بإذن اهلل ( .ويبقى هنا أن يكون اهلل ورضاه هو األوىل ،وهو
على رأس قائمة أولوياتنا وتفكرينا .
القرآن :سورة يوسف :اآلية ﴿ : 62وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم﴾ .فدل
القرآن على أن من طبيعة النفس أن تأمر بالسوء .
القرآن :سورة إبراهيم :اآلية ﴿ : 25وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة اهلل ال حتصوها إن اإلنسان لظلوم كفار﴾ .
فدل القرآن على أن من طبيعة اإلنسان أن يظلم نفسه (وغريه) .
القرآن :سورة النحل :اآلية ﴿ : 5خلق اإلنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبني﴾ .فدل القرآن على أن من طبيعة اإلنسان
اجلدل والعناد .
القرآن :سورة اإلسراء :اآلية ﴿ : 00ويدع اإلنسان بالشر دعاءه باخلري وكان اإلنسان عجوال﴾ .فدل القرآن على أن من
طبيعة اإلنسان العجلة واستشراف النتائج دون صرب .
القرآن :سورة الكهف :اآلية ﴿ : 65ولقد صرفنا يف هذا القرآن للناس من كل مثل وكان اإلنسان أكثر شيء جدال﴾ .فدل
القرآن على أن من طبيعة اإلنسان اجلدل ،وهو صورة من صور العجلة واستشراف النتائج دون صرب .
القرآن :سورة األنبياء :اآلية ﴿ : 27خلق اإلنسان من عجل سأريكم آيايت فال تستعجلون﴾ .فدل القرآن على أن من طبيعة
اإلنسان العجلة واستشراف النتائج دون صرب .
القرآن :سورة يس :اآلية ﴿ : 77أومل ير اإلنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبني﴾ .
القرآن :سورة فصلت :اآلية ﴿ : 56ال يسأم اإلنسان من دعاء اخلري وإن مسه الشر فيؤوس قنوط﴾ .فدل القرآن على من
طبيعة اإلنسان الشغف والتطلع جبد واجتهاد إىل ما يظنه خريا (من شهوات خمتلفة) مع قنوطه السريع من أي ابتالء .
القرآن :سورة الشورى :اآلية ﴿ : 52فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إال البالغ وإنا إذا أذقنا اإلنسان منا
رمحة فرح هبا وإن تصبهم سيئة مبا قدمت أيديهم فإن اإلنسان كفور﴾ .
القرآن :سورة الزخرف :اآلية ﴿ : 06وجعلوا له من عباده جزء إن اإلنسان لكفور مبني﴾ .
القرآن :سورة ق :اآلية ﴿ : 05ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وحنن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ .فدل
القرآن على أن النفس توسوس لصاحبها أو صاحبتها ،وهذا من طبيعتها .
القرآن :سورة النجم :اآلية ﴿ : 52إن هي إال أمساء مسيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اهلل هبا من سلطان إن يتبعون إال الظن وما
هتوى األنفس ولقد جاءهم من رهبم اهلدى﴾ .فدل القرآن أن النفس (هتوى) ،ولفظ (هتوى) يدل على اجلذب إىل األسفل
واإلسقاط إىل الدون .
القرآن :سورة احلديد :اآلية ﴿ : 05ينادوهنم أمل نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم األماين
حىت جاء أمر اهلل وغركم باهلل الغرور﴾ .
86
فقه النفس 87
القرآن :سورة التغابن :اآلية ﴿ : 05فاتقوا اهلل ما استطعتم وامسعوا وأطيعوا وأنفقوا خريا ألنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك
هم املفلحون﴾ .
القرآن :سورة املعارج :اآليات ﴿ : 50-06إن اإلنسان خلق هلوعا ،إذا مسه الشر جزوعا ،وإذا مسه اخلري منوعا﴾ .
القرآن :سورة العلق :اآليتان ﴿ : 7 ، 5كال إن اإلنسان ليطغى ،أن رآه استغىن﴾ .
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :كل ابن آدم خطاء ،وخري اخلطائني التوابون) [ .حديث حسن]
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :لو مل تذنبوا ،لذهب اهلل بكم ،وجلاء بقوم :يذنبون ،فيستغفرون اهلل ،فيغفر هلم)
[ .حديث صحيح]
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :كل ميسر ملا خلق له) [ .حديث صحيح]
القرآن يفرق بني اإلنسان ،واإلنسان املفكر (املسلم واملؤمن والكافر واملشرك واملنافق) .ومن هنا ،فإن اإلنسان بطبيعته قابل
للخطأ دون تفكري ،أما اإلنسان املفكر ،فاألصل أنه حيتاج إىل تعلم وتدريب .
اإلنسان يف القرآن خملوق قابل للنقص واخلطأ ،لكنه مطالب بالتزكية والعمل .
خلق اإلنسان للخالفة والعبادة ،وكل ما دون ذلك هني ،طاملا أنين على قيد احلياة .
تقدير النفس :وتقدير النفس هو املدخل املباشر ملا نعرفه بـ ـ تزكية النفس .وهو رفع النفس وتنميتها واالرتقاء هبا .
87
فقه النفس 88
اتفق العقل والنقل على أن األسباب اليت جتعل من تقدير النفس أمرا مهما ما يلي :
أن تقدير النفس هو العملية املكملة لفقه النفس ،بعد قراءة النفس وقبوهلا .
أن كل ما ورد من أسباب يف [ملاذا فقه النفس] لن يكون له أثر بدون تقدير النفس .
إلشعار النفس حبقها وبالتايل أمهيتها ؛ وإال كان احلاصل (الشعور بالنقص وتقليد اآلخرين جبهل) .
ما يعود به تقدير النفس من قوة الشخصية (الناجتة عن الشجاعة يف مواجهة األخطاء واملاضي والظروف) .
جتاوز املدخالت السالبة واملعوقات اخلارجية .
التعلم من الدروس .
التخلية أو التفريغ .
الطمأنينة .
األنس بالنفس قبل االخرين ،بل وقبل اجلمادات (اليت يلجأ إليه البعض ليأنسوا هبا) .ولعل من صور هذه الثمرة :الضحك
للنفس ال لعدوى اجلماعة فقط .
االقتصاد وعدم اإلسراف ،وهو أمر ناتج عن حماولة حتصيل اإلنس باملادة (بيت أو جهاز أو سيارة أو غري ذلك) .
كف أذى النفس عن اآلخرين .
االنتباه والرتكيز واالعتناء باهلدف .
اغتنام الوقت .
اإلنتاجية .
اإلجيابية جتاه اآلخرين .
السعادة .
الرضا الداخلي .ومن صور هذا :تقدير الفعل والفرح به دون االعتماد على رأي اآلخرين .
احتواء اآلخرين ومشكالهتم ،وغري ذلك .
والبداية تكون مع التخلية (أو التفريغ ،أو السالمة أو الطمأنينة) ،حيث أقوم بتخلية (نفسي) من أثقاهلا وأمحاهلا ومشاعرها السالبة
جتاه ذاهتا أو اآلخرين .
88
فقه النفس 89
أبدأ بإعادة النظر يف املستودع وما حيويه ،أي أبدأ بـ ـ [قراءة النفس] .
الفتة [ :قراءة النفس] هذه املرة ختتلف عن القراءة األوىل ،ألهنا جاءت بعد [قبول النفس] .
مث أبدأ بعمل جرد ملكونات النفس :السالب منها واملوجب ؛ احلسنات والسيئات ؛ املناقب والعيوب .
مث أفصل ما أود التخلص منه من الشوائب عن غريه ؛ والشوائب هي كل ما من شأنه أن يعوق النفس ويدنسها ،سيما األفكار
واملشاعر والعادات السالبة ،سواء كانت أثرا ملكبوتات ماضية ،أو لتجارب سالبة أو سيئة ،أو ملكتسبات من هنا وهناك .
ولعل من أبرز ما يظهر على السطح من شوائب ،هي تلك اليت تتعلق مبا أمحله يف نفسي من مشاعر سالبة جتاه اآلخرين تشكل
حاجزا بيين وبني نفسي .
والسؤال هنا :ملاذا أفرغ ما يف داخلي ؟ ملاذا ال أمضي وحسب ؟ ما املشكلة يف (الشوائب) ؟
واجلواب :
إن األصل عدم العيش مع حدث أو موقف أو أمر له أثر سالب أكثر من حدوده الزمنية أو املكانية ،وبعبارة أخرى :ينبغي علي أن
ال أنتهي من حدث أو موقف أو أمر له أثر سالب إال وقد أفرغت كل ما يف جعبيت جتاهه وجتاه كل ما يتعلق به (سواء كان ذلك
عامال بشريا أو ماديا أو حىت ذهنيا) ؛ ألن النفس هي عبارة عن ناتج وحمصلة ملا مضى ،فإذا مل أفرغ ما فيها من شوائب ،سيبقى
أثر هذه الشوائب عالقا يف النفس ظاهرا عليها ولو بعد حني .
وكم رأيت يف حيايت اليومية ،خارج العيادة النفسية وداخلها ،من أعراض نفسية وأمراض ،ما هي إال صدى ملكبوتات يف النفس ،
خاف أصحاهبا ،أو خجلوا ،أو ضعفوا أن يظهروها أو يتحدثوا عنها أو يلقوا هبا لينطلقوا بأنفسهم وحيرروها .
وأتوقف هنا ،ألذكر نفسي وأذكركم بقصة [النفس والسرداب] ،حيث الشوائب ما هي إال أثر من آثار حبس النفس ومنعها عن أن
خترج لتعرب عن ذاهتا أمام اآلخرين .
89
فقه النفس 91
واجلواب :
بداية ،ال بد يل من التنبه واحلرص على أن يكون اهلدف من التخلية (أو التفريغ) هو تنقية النفس وتصفيتها مما يشوهبا ،فقط .
وبعبارة أخرى ،اهلدف هو ختفيف النفس من أمحاهلا الزائدة وإلقاء ما يثقلها ويعوقها عن التزكية واالرتقاء .
أقول هذا ،وأنا حريص كل احلرص ،وألفت النظر إليه ،لسبب مهم ،وهو ما شهدته من حرص البعض على أن يكون اهلدف من
التخلية (والتفريغ) هو إلقاء األمحال على اآلخرين ،أو بعبارة أخرى :االنتقام من اآلخرين .
ولقد رأيت حتوال عجيبا عند البعض ؛ فبعد اجلهل أو الكرب أو القصور النفسي ،وبعد الضعف الناشئ عن حبس النفس والغربة عنها
،يستحيل (أو يتحول) الضعف قوة عارمة متطرفة وغري عاقلة ،فأراهم فجأة ،يهرعون هربا من سرداهبم ،ليهجموا بقسوة غري
مسبوقة على اآلخرين ،ليفرغوا فيهم مكبوتات أنفسهم ،ويلقوا عليهم بأثقاهلم !!!
واملشكلة يف مثل هذا النوع من التخلية (أو التفريغ) تكمن فيما يلي :
أنه يعين أن نفسي ليست هي األولوية لدي ،بل اآلخرون ؛ حيث إنين ال أزال منشغال هبم أكثر من شغلي بنفسي .
أن ما يبقى بعدها (من شوائب جديدة) قد يكون أسوأ أثرا من الرواسب اليت مت ختليتها وتفريغها .
أهنا تؤخر عملية التزكية ،وتضيف أمحاال زائدة إضافية إىل األمحال اليت كان األوىل أن أختلص منها .
الفتة :من الطبيعي ،واملفهوم يف سرية النفس البشرية ،أن حيصل هذا مع البعض يف بداية األمر ،أي يف بداية سلوكهم طريق التزكية
،كأي بداية ،سيما إن األمر حيتاج إىل رياضة وإىل تدريب ؛ ولكن املشاهدة والتجربة تطلعنا على حقيقة ،وهو أن الناس ،إذا
صدقوا النية يف أمر التزكية ،ال يلبثون أن يتمرسوا ويتقنوا التخلية (والتفريغ) بصورته األمثل .
فإذا كان األمر بيين وبني اهلل ،فال حيتمل إال أن يكون ذنبا حيتاج إىل توبة ،أو شعورا بالتقصري حيتاج إىل عزم على علو اهلمة ،أو
رغبة يف البوح والدعاء حيتاج إىل خلوة مع اهلل ،سواء يف البيت أو مكان الدراسة أو العمل (املهنة) أو حىت يف السيارة ؛ ويغين عن
ذلك كله ركعة (الوتر مثال) يف جوف الليل (فيها إقبال على اهلل ،وبوح ودعاء ،وتوبة) .
91
فقه النفس 91
وإذا كان األمر بيين وبني نفسي ،فهو كاحلالة األوىل ،من حيث إهنا حتتاج إىل خلوة مع النفس .وهنا أدعو للرجوع إىل ما ذكرناه
من ما يدل عليه كل من العقل والنقل يف [كيف يكون قبول النفس] .
وإذا كان األمر بيين وبني آخرين ،فإنه ال خيرج عن أن يكون أحد أمرين :
أوهلما :أن يكون اإلنسان (اآلخر) على وجه هذه األرض ،أي :على قيد احلياة .وهنا تكون التخلية والتفريغ باملواجهة واحلوار
املباشر ؛ وهذا ،بالرغم من صعوبته ،أفضل من غريه ،لتدريب النفس على عدة أمور ،منها :
املواجهة وعدم اهلرب ،وما يتبع ذلك من قوة حقيقية وصدق مع النفس واآلخرين .
التعبري عن النفس بشكل أفضل دون أخطاء (حىت ولو أخطأت مرات ،فالتعلم واخلطأ ضرورة) .
تقدير النفس أمام اآلخرين (أي :حترير النفس من سجنها) .
القدرة على تعليم اآلخرين باملثال أو القدوة .والتعليم باملثال أو القدوة ليس ضربا من التعايل أو الفوقية يف التعامل مع اآلخرين ،
إمنا هو من حق اآلخرين علينا ،فكأننا نقول :إن من حقكم علينا أن هنديكم مما هدينا إليه ،وأن نذيقكم من حلو ما ذقنا ،
وأن مند بأيدينا إليكم لنخرجكم من سراديبكم .وأذكر هنا قول الشافعي :ولكنين أسعى ألنفع صاحيب ...وعار على الشبعان
إن جاع صاحبه .
الفتة :املواجهة واحلوار املباشر هو مما يستصعبه البعض ،سيما أولئك الذين مل يفقهوا حقيقة [تقدير النفس] وإعطائها حقها وحتريرها
من سجنها وسرداهبا ،وخاصة إذا كان (اآلخر) هنا هم شخوصا ال يريدون أن يضعوا أنفسهم يف مواجهة (صرحية) معهم ،مثل
الوالدين ،ووالة األمر ،وكل من خنشى أن (جنرحهم) أو (نفقدهم) !!!
ثانيهما :أن يكون اإلنسان (اآلخر) قد فارق أو فارقت وجه هذه األرض (أي يف عامل القرب والربزخ) أو يصعب الوصول إليه أو إليها
أو يصعب احلصول على (حقي) منه أو منها ،فإن هذا مما يصعب على البعض التعامل معه .وهلذا ،فأنا أذكر هنا ما قد يهون
األمر ويقربه من أذهان الناس ،فعلي قبل أن أشرع بالتخلية أو التفريغ يف هذه احلالة أن أفقه ما يلي :
91
فقه النفس 92
أن تزكييت لنفسي وهي على وجه هذه األرض أوىل من االنشغال مبن ليسوا على وجه هذه األرض .
أن اإلنسان (اآلخر) ما هو أو ما هي إال نفس أخرى .
أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي ضحية من نوع آخر جلهل أو لكرب أو لقصور نفسي .
أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي نفس حبيسة يف سرداب آخر .
أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي يف حالة من الضعف تدعوين أن أرثي له أو هلا ال أن أنتقم منه أو منها ،فلوال ما فيه أو فيها من
جهل وضعف ملا صدر منه أو منها ما صدر .
أن اإلنسان (اآلخر) هو أو هي ليس شرا حمضا بل فيه أو فيها من اخلري ما قد أعلمه أو أجهله ؛ وقد يكون سبب جهلي وعدم
رؤييت هلذا اخلري انشغايل الزائد مبا ظهر من (شر) .
أن اإلنسان (اآلخر) أصبح أو أصبحت يف دار احلق والعدل .
أن هناك يوما سأقف معه أو معها أمام اهلل .
إذا فقهت هذا كله وأحسنت العمل به ،أصبح من السهل علي أن أمارس التخلية والتفريغ كما يلي :
الدعاء بأن يزيل اهلل كل ما يف صدري عليه أو عليها ؛ ألن بقاء شيء من املشاعر السالبة يف صدري لن يغري من مصريه أو
مصريها أمام اهلل ،ولن يعجل يف القصاص األخروي ،ولكنه سيثقلين أنا حيث ال أريد هذا الثقل يف دنياي ،وهبذا ،فكل ما
أدعو اهلل أن يلهمين إياه هو أن يشفي صدري من االنشغال به أو هبا بشكل سالب .
الدعاء له أو هلا باخلري ،واالستغفار له أو هلا ،يف صالة الليل مثال ؛ وهذا اخليار هو ما ننصح به يف حالة الوالدين أو األقربني
أو األصحاب أو كل من نظن فيهم خريا .
الفتة :لعل من الواضح هنا أن موضوع التخلية والتفريغ مع (اآلخرين) أخذت من الكتابة أكثر من غريها بكثري ،وهذا إن دل فإمنا
يدل على إشكالية االنشغال باآلخرين ،ذلك االنشغال الزائد الذي جيعل من (اآلخرين) مها ال عونا !
عن أنس بن مالك ،قال :كنا جلوسا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال ( :يطلع عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة) ؛ فاطلع
(أي :فطلع) رجل من األنصار تنطف حليته من وضوئه وقد تعلق نعليه يف يده الشمال ،فسلم ،فلما كان الغد قال النيب صلى اهلل
عليه وسلم مثل ذلك ،فطلع ذلك الرجل مثل املرة األوىل ،فلما كان اليوم الثالث قال النيب صلى اهلل عليه وسلم مثل مقالته أيضا ،
فطلع ذلك الرجل على مثل حاله األوىل ،فلما قام النيب صلى اهلل عليه وسلم تبعه عبد اهلل بن عمرو بن العاص فقال ( :إين الحيت
92
فقه النفس 93
أيب (يعين :خاصمت أيب) فأقسمت أن ال أدخل عليه ثالثا ،فإن رأيت أن تؤويين إليك حىت حتل مييين فعلت) ،قال( :نعم) ،وكان
عبد اهلل حيدث أنه بات معه تلك الليايل الثالث فلم يره يقوم من الليل شيئا غري أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر اهلل عز وجل وكرب
حىت يقوم لصالة الفجر فيسبغ الوضوء ،قال عبد اهلل ( :غري أين مل أمسعه يقول إال خريا ،فلما مضت الثالث ليال ،وكدت أن
أحتقر عمله ،قلت :يا عبد اهلل ،إين مل يكن بيين وبني أيب غضب وال هجر ،ولكين مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول
لنا ثالث مرات ( :يطلع عليكم اآلن رجل من أهل اجلنة) فطلعت أنت الثالث مرات ،فأردت أن آوي إليك ألنظر ما عملك
فأقتدي به ،فلم أرك تعمل كثري عمل ،فما الذي بلغ بك ما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؟) ،فقال ( :ما هو إال ما رأيت)
،فلما وليت دعاين ،فقال ( :ما هو إال ما رأيت ،غري أين ال أجد يف نفسي غال ألحد من املسلمني غشا وال أحسد أحدا على
خري أعطاه اهلل إياه) ،فقال عبد اهلل ( :هذه اليت بلغت بك ،وهي اليت ال نطيق) [ .رواه أمحد بإسناد صحيح على شرط الشيخني :
البخاري ومسلم]
يف خالفة عمر بن اخلطاب ،صعد على املنرب ونادى يف الناس ( :الصالة جامعة) ،وكان هذا النداء حينذاك مبثابة صفارة إنذار (نفري
أو عدو أو توزيع غنائم) ،فاجتمع الناس ،واعتلى أمري املؤمنني املنرب ،مث قال ( :ما زلت أذكر يوم كنت رويعي الغنم ،أرعى
غنيمات خلاالت يل بكف من التمر) ،فقال أحد الصحابة ( :أهلذا مجعتنا يا أمري املؤمنني ؟) ،فقال عمر ( :بلى ،حدثتين نفسي
بأين أمري املؤمنني ،فأردت أن أذهلا أمامكم) .والسؤال هنا :هل أستطيع أن أذم نفسي هكذا أمام غريي ؟ فكيف إذا كان األمر
رأس الدولة أمام رعيته ؟!
دخل عمر بن عبدالعزيز املسجد وبرفقته مستشاره رجاء ابن حيوه وبعض املرافقني ،ومل يكن آنذاك إضاءة ،فمر بطريقه برجل نائم ،
فداس على قدمه ،فصرخ الرجل ( :يا هذا ،أأنت أعمى ؟) ،فانتفض بعض مرافقي اخلليفة ( :كيف يشتم الرجل أمري املؤمنني ؟) ،
فنهاهم اخلليفة وقال للرجل ( :ال ،لست أعمى) ،واعتذر له ،مث التفت إىل مرافقيه وقال ( :الرجل نائم ،وقد أزعجناه ،وسألين
أأنت أعمى ؟ فرددت عليه مبا مسعتم ،وكفى) .إن مثل هذا ال يكون إال من نفس مطمئنة باهلل أوال ،مث نفسها ثانيا ،وليس
لآلخرين مكان أكثر مما يستحقونه فيها .
ما العمل مع كل من هذه األمثلة ؟ وكيف ميكنين أن أفرغ ما ميكن أن يعلق يف نفسي من آثار سالبة من مواقف مثيلة ؟ مث كيف
ميكنين أن أقوم بعملية التفريغ دون إحداث ضرر جانيب (يل ولغريي) ؟
93
فقه النفس 94
ما العمل مع كل من هذه األمثلة ؟ وكيف ميكنين أن أفرغ ما ميكن أن يعلق يف نفسي من آثار سالبة من مواقف مثيلة ؟ مث كيف
ميكنين أن أقوم بعملية التفريغ دون إحداث ضرر جانيب (يل ولغريي) ؟
الفتة :اإلجابات موجهة ملن ال يستطيعون جتاوز هذه املواقف بسهولة ،فقد أقول :أنا ال أحتاج مثل هذه اإلجابات ،فقد كفاين
اشتغايل باهلدف الذي أحيا من أجله (رضا اهلل) ،وأغناين سعيي يف يومي عن هوامش األمور وتوافهها ،وآنستين تلك الطمأنينة
الداخلية اليت تغنيين عن االنشغال باآلخرين ،هنا أقول :نعم ،إن كنت كذلك فأنا ال أحتاج هلذه اإلجابات ،ولكننا هنديها ملن مل
يصلوا بعد إىل تلك الدرجة من الطمأنينة .
تدريب :شخص تلفظ جتاهي بلفظ سيء ومهني ،مما أثر يف نفسي !
هنا ،أحاول أن أوصل هلذا الشخص بأي طريقة كانت ،وأفضلها املواجهة املباشرة (كما ذكرنا) ،فأوصل هلا أو هلا أن كلماته أو
كلماهتا تركت لدي أثرا سالبا .ولكن دون أن أردها بأخرى مثلها ؛ ألن املطلوب أن أفرغ ما لدي من مشاعر سالبة ،كأنين ألقيها
من على كتفي أو أزحيها من فوق صدري ،دون أن يعين ذلك بالضرورة أن أنتقم ،ألن االنتقام يف حد ذاته سيفتح ملفا آخر
سأضطر إلغالقه فيما بعد ،ألن نفسي لن تطمئن بإيذاء اآلخرين .
وكمثال عملي :أهاتفه أو أهاتفها ،فأقول :السالم عليكم ،أردت أن أعلمك فقط أنين استأت من املوقف الفالين ،وليس سبب
مهاتفيت أنين أحبث عن اعتذار ،فهذا شأنك وقرارك وراجع إليك ،ولكين أود فقط أن ألقي عين هذا احلمل الثقيل كي ال يكون يف
نفسي عليك شيء بعد ذلك ،واهلل أسأل أن ال أكون قد ظلمتك يف مكامليت هذه .
الفتة :اللفظ (املسيء واملهني) قد ال يكون مسيئا حقا وال مهينا ،سيما إذا قدرت نفسي وأعطيتها حقها من التقدير مبا ال يدع جماال
لآلخرين أن حيددوا هم ما هو مسيء أو مهني .أما أنا ،فأرى أن اإلساءة هي إساءيت لنفسي ،واإلهانة هي إهانيت لنفسي .
تدريب :أقارب (رحم) يتنكرون إيل ويسيئون التعامل كلما حاولت التودد إليهم .
هنا ،علي أن أبقي على عالقيت برمحي وأقربائي ،وأستشعر حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم عندما جاءه رجل يشتكي إليه رمحه
بقوله ( :يا رسول اهلل :إن يل قرابة أصلهم ويقطعونين وأحسن إليهم ويسيئون إيل وأحلم عنهم وجيهلون علي !!!) ،فقال له النيب
صلى اهلل عليه وسلم ( :لئن كنت كما قلت فكأمنا تسفهم املل وال يزال معك من اهلل ظهري عليهم ما دمت على ذلك) [حديث
صحيح رواه مسلم] ؛ وقوله صلى اهلل عليه وسلم ( :ليس الواصل باملكافئ ،ولكن الواصل الذي إذا قطعت رمحه وصلها) [حديث
صحيح] .كما علي أن أذكر نفسي أنين أتعامل مع اهلل أوال مث مع نفسي ثانيا ،أما إذا كنت أرغب باألجر منهم فهذا شأن آخر ،
94
فقه النفس 95
وليس لدي احلق حينها أن أدعي أنين أرجو رضا هلل ! كما أحاول أن أحبث عن السبب ألن من املمكن أن أكون أنا سبب هذا اجلفاء
.
تدريب :ويل أمر (والدان أو مدير /مديرة أو مدرس /مدرسة يف مدرسة أو حماضر /حماضرة يف جامعة أو مسئول /مسئولة يف أي
جمال) مارس علي نوعا من الظلم .
هنا ،أراجع ويل األمر (أيا كان أو أيا كانت) مبكاشفة ومصارحة وأسلوب أديب وتعبري واضح عما لدي من مشاعر سالبة جتاه هذا
(الظلم) ،بشرط أن يكون املراد هنا هو إخراج هذه األمحال الزائدة والتخلص منها حىت ولو مل أحصل على اإلجابة اليت أتوقعها أو
أحبث عنها أو أمتناها ،مث أترك األمر ليعاجل على هون فيما بعد ،ألن األوىل يل اآلن أن أريح نفسي مما يثقلها ،حىت أستطيع أن
أطمئن وأعمل وأنتج .
الفتة :قد ال يكون ما وقع علي (ظلما) ،إمنا هو ظلم ،فقط ،من وجهة نظري أنا !!!
تدريب :زميل أو جمموعة من الزمالء يتعمدون جتنيب ،مما يشعرين بنوع من الغربة يف حميط العمل أو الدراسة أو حىت الشارع .
هنا ،أتواصل مع هذا الزميل أو هذه الزميلة أو هؤالء الزمالء دون اعتبار ملا يدور يف ذهين حول طريقة تعاملهم معي .املهم أن أحيا
يف يومي مبا أعتقده أنا أنه األصح دون أن أسلم اآلخرين مفتاح راحيت .وهذا ال يعين أن أحتقر اآلخرين أو أزدري مشاعرهم أو أن
أحرص أن أريهم أنين ال أهتم ألمرهم ،فهم ليسوا على أول قائمة أولويايت ،اهلل أوال ،وهو الكفيل بأن يكون خري أنيس يل يف غربيت
عن اآلخرين .
إن العالج ملثل هذه املواقف وغريها يعتمد بشكل رئيس على عامل مهم :تقدير النفس اإلنسانية بتكرمي خالقها هلا والتزامها هبويتها
وسعيها يف وظيفتها للوصول إىل هدفها .
ويبقى السؤال يف كل هذه األمثلة :كيف حايل مع اهلل مث رضاي عن نفسي ؟ فالغربة احلقة هي غربيت عين .
يقول ابن القيم يف كتابه الفوائد ( :إمنا جيد املشقة يف ترك املألوفات والعوائد من تركها لغري اهلل ،أما من تركها صادقا خملصا من قلبه هلل
فإنه ال جيد يف تركها مشقة إال يف أول وهلة ليمتحن أصادق هو يف تركها أم كاذب ،فإن صرب على تلك املشقة قليال استحالت لذة ،
والعوض أنواع خمتلفة ،وأجل ما يعوض به :األنس باهلل وحمبته وطمأنينة القلب به وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعاىل) .
[املرجع :الفوائد ،ابن القيم]
95
فقه النفس 96
التحلية
وهي ملء النفس مبا يزكيها ويرقيها وحيفظ هلا قدرها .وتكون بالعلم والعمل ،حيث أعطي النفس حقها جسدا وروحا .
جلسة مع النفس لتحديد األهداف والعمل على وضع جدول يومي حبيث ال يكاد يكون فيه وقت ضائع يسمح للملهيات أن
تتمكن مين .وهنا قد أنصح باالستشارة ،بعد وضع اجلدول .
طلب العلم يف اإلجابة عن (من أنا ومل أنا) .وهذا له سبل كثرية :القراءة (وهو أفضلها) ،وحضور حلق العلم ،واالستشارات
الفردية مع أهل العلم واالختصاص .أما القراءة ،فإن يل مادة كنت قد كتبتها عن (منهج القراءة وطلب العلم) ،فعلى الراغبني
باالطالع عليها مراسليت .
احلرص على وقت يومي أبدأ فيه التعرف على حقيقة العالقة مع اهلل ،وهنا أنصح بقراءة صفحة مع القرآن يوميا مع العلم مبعاين
الكلمات الغريبة وتفسريها ،مث أنصح بكتاب (أيسر التفاسري) أليب بكر اجلزائري .
96
فقه النفس 97
العمل على مد اجلسور مع (صحبة صاحلة) ،سواء كانت صحبة (قدمية) أو (جديدة) .فإذا كانت الصحبة قدمية ،فإنين هنا
أكون قد أتيتهم بنفس غري اليت تركتهم هبا .
النفس :وهي تشمل كل ما دوهنا ،من األهل ،مرورا بطلب العلم ،وحىت األنشطة االجتماعية و(الدعوية) املختلفة .واملشكلة
أننا نظن أن الطموح دائما يعين (إرهاق النفس) ،كم مر علي من املتفوقني الذين ال يكادون يكلفون أنفسهم ما ال حتتمل ،
ببساطة ،ألهنم يفعلون األمر مبتعة وارتياح وبتخطيط سليم .
طلب العلم أو الدراسة :هذا الرتتيب ال يعين أن الدراسة أهم من األهل ،بل هي جزء من إعطاء النفس حقها ،وكم خنطئ
عندما نضع الدراسة وطلب العلم على أهنا (ملف) آخر غري ملف (النفس) ! ونصيحيت هنا :أنا يف حاجة إىل أن أرجع إىل
شخص مرجع يكون أو تكون املسؤول أو املسؤولة عن توجيهي يف كيفية طلب العلم .
القراءة الالمنهجية :هي أيضا جزء من االهتمام بالنفس ،ونصف ساعة من قراءة ال منهجية ولكن بنظام (كتاب معني أو
منهج معني يف تزكية النفس) قبل النوم (مثال) هلا ناتج طيب ،وما أكثر تلك الكتب اليت ختمتها بقراءة ما قبل النوم أو يف
انتظار وجبة طعام أو حافلة نقل أو غري ذلك من األوقات (امليتة) لدى اآلخرين .أما قراءة (من كل بستان زهرة) فال تصنع عاملا
أو عاملة ! وإن كانت تعطي شيئا من املعلومات ،لكنها (حسب خربيت) تضيع من الوقت ما ميكن اغتنامه يف خري كثري .
األهل :طلب العلم الذي ينبغي به أن يزكي نفسي ،سيؤدي يب (بالضرورة) أن أكون شخصية بارة متميزة ،وإال فما نفع العلم
؟! احلياة اليومية يف البيت مع دقائق من الفكاهة والرتويح والسؤال عن أحواهلم تعين هلم الشيء الكثري ،أما إذا رأوا فينا أن
(خرينا للخارج) فلن يقدم هذا ال ألنفسنا وال هلم وال ألمتنا شيئا كبريا !
األنشطة الالمنهجية :مع شيء من التخطيط ،فإهنا لن تأخذ مين إال اليسري من الوقت ،أما إذا بلغ األمر هبا أن تأيت على
حساب طلب العلم ،فطلب العلم أوىل .وخدمة األمة شيء طيب ،ولكن األطيب هو السعي لسد ثغرة حقيقية يف بناء األمة
،وما أكثر الثغرات ؟!
97
فقه النفس 98
أعمال هامشية (إذا كان هلا وقت فائض) :االتصال بالصحبة الصاحلة ،واخلروج مع األهل خارج املنزل (بناء على طليب أنا
وليس هم) ،ومشاهدة أو االستماع إىل مادة تروحيية (أحيانا تنتقل هذه اخلانة إىل األعمال الواجبة إن كان من شأهنا إعطاء
النفس حقها من الراحة) .
ويف اخلتام
98