من يوميات الشيطان

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫من يوميات الشيطان‬

‫دعا الشيطان إلى ندوة صحفية‪ .‬كانت القاعة تعج‬


‫باألكثرية من ممثلي الدول اإلسالمية والعربية‪ ،‬وقلّ ٍة من‬
‫ممثلي الدول الكافرة‪ .‬والكل يحاول حدس ما سيقوله‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫القاعة عبارة عن معرض لألزياء واأللوان‪ :‬عباءات‬
‫وجالليب‪ ،‬كوفيات وعمائم‪ ،‬طرابيش وطواقي‪ ،‬صلعات‬
‫وجمام مرسلة‪" ،‬تكتوكات" مهذبة و ِلحى‬ ‫ِ‬ ‫جرداء‬
‫كالمكانس ‪ ...‬نِعال وبَ ْلغات‪ ،‬أحذية وصنادل‪ ،‬منها الجديد‬
‫والرث‪ ،‬الفاقع اللون والغامق‪ ... ،‬نظارات مقعرة‬ ‫ّ‬
‫ومحدبة‪ ،‬آالت تسجيل وتصوير‪ ،‬حواسيب ولوحات‪،‬‬
‫تتفاوت قيمةً‪ :‬من‬
‫ُ‬ ‫أقالم ومذكرات‪ ،‬خواتيم وساعات‪،‬‬
‫الثمين إلى البسيط إلى المتواضع ‪ ..‬أ ّما الكحل والحناء‬
‫مكتوم‬
‫ٍ‬ ‫والعطور والبخور فأصناف ال تحصى ما بيْن‬
‫فاضح ون ّمام ب ِيّ ٍن‪.‬‬
‫جلس الشيطان – وبعض ذريته – في المنصة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫يا عرب‪ ،‬ويا مسلمين‪ ،‬يا ‪( ..‬وبعد صمت قصير‪،‬‬
‫ت أقول يا إخوتي‪ ،‬ولكنه شرف ال‬ ‫يواصل) – ِك ْد ُ‬
‫تستحقونه مني ‪ ،-‬ما شعرت بالحيرة أبدا حتى كان‬
‫زمانكم هذا ‪ ..‬أتعبتموني ‪ ..‬أتعبتموني‪ ،‬لذلك قررت أن‬
‫أستريح منكم لبعض الوقت‪.‬‬
‫الط ْرفة‪،‬‬‫تعالت القهقهات في أركان القاعة متجاوبة مع ُّ‬
‫ولمع في العيون بريق انتصار أو أسى انكسار‪ ،‬حسب‬
‫تأويل نكتة الشيطان‪.‬‬
‫وبعد عودة الهدوء‪ ،‬تابَع‪:‬‬
‫أنا بحاجة للراحة واالستجمام‪ ،‬للتفكير في أساليب مالئمة‬
‫ُ‬
‫تعليق مها ّمي إلى‬ ‫لمواجهة المست َجدّات‪ ،‬وقد خطر لي‬
‫أجل‪ ،‬والدخول في بَ َيات مؤقت‪ ،‬ربما يفضي إلى‬
‫االعتزال والتخلص منكم‪ .‬وأنتم تعلمون أن التخلي عن‬
‫الكرسي قرار صعب يدخل في دائرة المستحيل‪ .‬ولكن‬
‫العناء الذي تخلقونه لي يجعلني أر ّحب بالتخلي‪ .‬وأ ُ ْج ِمل‬
‫متاعبي في هذه األمثلة‪:‬‬

‫أوال‪:‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬سئمت أن أراقب – وبملل قاتل ‪ -‬كل‬
‫واحد منكم خمس مرات في اليوم‪ ،‬محصيا عليه‬
‫الفرائض والسنن والمستحبات والنواقض والمبطالت في‬
‫كل من الوضوء والصالة (دون الحديث عن الصوم‬
‫والحج) ‪ ..‬مئات العمليات في اليوم لكل واحد ألتسقَّط‬
‫أباركها ‪ ..‬وال أحتاج إلى تذكيركم‬
‫إخالله وعثراته كي ِ‬
‫بال ُحصاص ‪ -‬وربما اإلسهال أحيانا ‪ -‬والذي يعتريني‬
‫عند كل أذان‪ .‬كل ذلك يستغرق مني وقتا م ِه ّما‪ ،‬ويشغلني‬
‫عن أنشطة أخرى ال يجدر بي التقصير فيها‪ .‬فمتى‬
‫أراقب‪ :‬السفاحين والجناة‪،‬؟ والظالمين والطغاة؟‬
‫وال ُمرائين والعصاة؟ واللصوص والزناة؟ والغشاشين‬
‫والمزورين؟ والكذابين والمست ِغ ِلّين؟ والناهبين‬
‫والمرتشين؟ والحاقدين والدساسين؟ والمتاجرين بالبشَر‬
‫وباألعراض وبالعقول؟ و ‪ ....‬؟؟؟‬

‫ثانيا‪:‬‬
‫صار – أيها المسلمون – دَيْدنُكم‪" :‬إنما المؤمنون أعداء‪،‬‬
‫فأ ّججوا بينهم العداوة والصراع والمذابح والبغضاء"‪،‬‬
‫صرت أبدو كالصبي أمام معلمه‪ ،‬تنوبون عني‪،‬‬
‫وتنسبون ذلك إلى هللا حين تهتفون‪ :‬هللا أكبر‪ .‬تطاولتم‬
‫صصاتي دون إذن مني‪ .‬فأنا أشكو من العطالة‬ ‫على تخ ّ‬
‫في هذا الباب‪ .‬لكن‪ ،‬والحق أقول لكم‪ :،‬إن الكثير من‬
‫أساليبكم فيها االبتكار‪ ،‬وتثير حسدي لكم‪ ،‬بل أعترف‬
‫بعجزي عن تصورها واإلتيان بمثلها‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬كنت أتعب في توزيع شروري على بقاع‬
‫األرض‪ ،‬فصرتم تزاحمونني وتؤخرونني‪ ،‬وأنا أث ّمن‬
‫وفاء األوفياء لفلسفتي‪ ،‬ولكنني أصبحت أكره مناظر‬
‫الدمار والموت والدماء والتعذيب والتهجير والدموع ‪...‬‬
‫الخراب في دياركم وبين‬
‫َ‬ ‫ِل َما تقترفون بدالً عني‪ .‬ت ُ ِشيعون‬
‫ديارهم بعيدة ٌ عن‬
‫ُ‬ ‫أقوام‬
‫ٍ‬ ‫أهليكم‪ ،‬وتنقلون اإلرهاب إلى‬
‫دياركم‪ .‬أليس في ذلك عطالة لي؟‪.‬‬
‫يتحول إلى بكاء‪ :‬يا‬‫ّ‬ ‫متضرعٍ يكاد‬
‫ِّ‬ ‫قاطعه أحدهم بصو ٍ‬
‫ت‬
‫تعطلنا‪ ،‬وال تقطع أرزاقنا‪.‬‬ ‫يخلّيك‪ ،‬ال ّ‬‫ع ّمنا‪ ،‬هللا ِ‬
‫سأله‪ :‬ما اختصاصك يا "ولدي" المذعور؟‬
‫أجاب‪ :‬هدايةُ المخطئين أو التغرير بهم – حسب‬
‫الظروف ‪ ،-‬وإخرا ُج الجن‪ ،‬والعالج بـ ‪...‬‬
‫لم يتم الرجل كالمه حتى انهالت عليه الصفعات‬
‫واللعنات‪ ،‬والنعال واألحذية‪ ... ،‬وقائل يقول‪:‬‬
‫أهذا سؤال يطرح بهذه الصيغة؟ وتدعو له – أيضا – يا‬
‫ابن الـ ‪....‬‬
‫ْ‬
‫واختلطت‬ ‫بت غوغاؤهم‪،‬‬ ‫تعالت ضوضاؤهم‪ ،‬وتشعّ ْ‬ ‫ْ‬
‫أياديهم‪ ،‬فتمتم الشيطان‪ :‬حتى االستنكار ال بد أن يقترن‬
‫بالعنف والسفه‪ .‬ثم انسحب من القاعة وهو يبتسم بمكر‪،‬‬
‫كره مشغول بالسؤال المل ّح‪ :‬أيهما أفضل‪:‬‬ ‫بينما فِ ُ‬
‫االستمرار؟ أم االستقالة؟‬
‫نشر بـ‪:‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=471094‬‬

You might also like