Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫تعميم الفائدة يف قولو تعاىل " قُ ْل‬

‫ٍة‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬


‫ِإ َمَّنَأا َأ ُ ُ م َأواا َأدة‪"..‬‬
‫حممدا ﷺ رسوال منّا يتلو علينا‬
‫احلمد هلل الذي بعث فينا سيّدان ّ‬
‫آايتو و يزّكينا و يعلّمنا الكتاب و احلكمة‪ ،‬ذو الشـ ائل البهيّة و‬
‫السًنة‬
‫ب الصورة و ّ‬
‫الفضائل العليّة و اخلصائص الّزكية‪ ،‬طيّ ُ‬
‫أجلَّوُ‪ ،‬و من اتّبعو اغتمر‬
‫السريرة‪ ،‬من رآه أحبَّوُ‪ ،‬و من خاطَبوُ َ‬
‫و ّ‬
‫بنوره‪،‬صلّى هللا وسلّم و ابرؾ عليو و على آلو الطّاىرين‪.‬‬

‫ّأما بعد‪،‬‬

‫يقوؿ هللا تبارؾ وتعاىل يف سورة سبأ ‪ " :‬قُ ْل ِإ َمَّنَأا َأ ِإ ُ ُ م‬


‫اد ٰى ُُثَمَّن تَأ تَأ َأف َمَّن ُروا َأما‬ ‫ِإو ِإ‬
‫اا َأد ٍةة َأن تَأ ُقوموا ِإَمَّنِإ‬
‫َن َأوفُ َأر َأ‬
‫ّلِل َأمثْ َأ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫َأ‬
‫ِإ‬ ‫ٍة‬ ‫ِإ ِإ ِإ‬
‫اب‬ ‫صاابِإ ُ م من ِإجنَمَّنة ِإ ْن ُى َأو ِإَمَّنَّل نَأذ ٌير لَمَّن ُ م َأ ْ َأ‬
‫ْي يَأ َأد ْي َأ َأذ ٍة‬ ‫َأ‬
‫يد)‪.(46‬‬ ‫َأ ِإد ٍة‬
‫جاءت ىذه اآلية بعد اآلايت اليت تَ ْذ ُكر موقف الك ّفار من‬
‫حممد ﷺ و تكذيبهم لو واستنقاصهم فيو‪ ،‬واتصفت‬
‫سيّدان ّ‬
‫احلق‪ ،‬فجاءت ىذه اآلية‬
‫ىذه ادلواقف بكثرة اجلداؿ و تغطية ّ‬
‫كخ ٍ‬
‫الصة ِّ‬
‫لفض اجلداؿ و النّقاش العقيم‪ )1( .‬وجاءت‬ ‫ُ‬
‫تلخص‬
‫اخلُالصة يف شكل موعظة واحدة جتمع مجيع ادلواعظ و ّ‬
‫احلق بدوف أف‬
‫مجيع ادلواقف وتكوف مالذا دلن يريد أف يعرؼ َّ‬
‫يدخل يف اجلداؿ و الغوغاء‪َّ .‬‬
‫ودؿ على ذلك استخداـ سياؽ‬
‫" َّإَّنا" ال ّدالة على القصر يعين‪ :‬ال أعظكم إالّ بواحدة (‪)2‬‬
‫لذلك أمكن تسميتها ّأـ ادلواعظ‪.‬‬

‫و ادلوعظة ىنا ىي يف موضع التذكًن والتحذير وىدفها تذكًن‬


‫احلق‪ ،‬ووص ُفها ابلواحدة أي ىي‬ ‫ِ‬
‫رده إىل ّ‬
‫قص َد ّ‬
‫ادلوعوظ بشيء ْ‬
‫احلق‪ ،‬فإف اقتنع هبا من يُوعظ‬
‫مفتاح ادلواعظ و هبا يسهل بلوغ ّ‬
‫احلق وتكوف بقيّة ادلواعظ زايدة يف التثبيت‬
‫سهل عليو معرفة ّ‬
‫هبا ُ‬
‫و اإلقناع‪.‬‬

‫ادلفسروف يف معىن ادلوعظة الواحدة يف ىذه اآلية‪،‬‬


‫و قد اختلف ّ‬
‫فمنهم من قاؿ ّأّنا ىي القرآف‪ ،‬ومنهم من قاؿ ىي ال إاله إالّ‬
‫وموا‬
‫مورَدةٌ يف قولو تعاىل " أَف تَػ ُق ُ‬
‫لكن أغلبهم ذىبوا إىل أّنا َ‬ ‫هللا‪ّ ،‬‬
‫احبِ ُكم ِّمن ِجن ٍَّة‪ "..‬فكانت‬
‫َِِّ مثْػىن وفُػراد ٰى َُّ تَػتَػ َف َّكروا ما بِص ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ َ ٰى َ َ َ‬
‫(أف) يف موضع خفض على البدؿ من (واحدة) أو يف موضع‬
‫رف ٍع على إضمار ادلبتدأ (أي ىي أف تقوموا)(‪)3‬‬
‫ُ‬
‫و ادلعىن ادلستخلص من ىذا القوؿ ىو أف تقوموا ّ قياـ ادلريد‬
‫ُ‬
‫تفرقٌن اثنٌن اثنٌن‬‫م‬ ‫قليد‬‫الت‬ ‫و‬ ‫اء‬
‫ر‬ ‫للحق ادلخلِص ادلع ِرض عن ادلِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حّت‬
‫حممد ﷺ و ما جاء بو ّ‬ ‫احدا‪ ،‬وتتف ّكروا يف أمر ّ‬ ‫احدا و ً‬
‫أو و ً‬
‫تعلموا أنو ليس بو من جنوف وال أعراض سحر‪)4( .‬‬
‫الرسوؿ ﷺ و‬
‫و يف ىذا دعوة إىل التف ّكر و التّأمل يف أحواؿ ّ‬
‫تصرفاتو و ُخلُقو‪ ،‬فإذا حدث ىذا‬
‫صفاتو و ىيئتو و كالمو و ّ‬
‫ٌن لكم أ ّف ىيئتو أحسن اذليئات‪ ،‬و‬
‫جترد هلل تَػبَػ َّ َ‬
‫إبخالص و ّ‬
‫أجل احلركات‪ ،‬وىو أكمل اخللق أداب و سكينة و‬
‫حركاتو َّ‬
‫تواضعاً ووقارا‪ ،‬وأفصح النّاس كالما‪ ،‬وأملحهم لفظًا‪ ،‬و‬
‫أرجحهم عقال‪ ،‬إذا تكلّم َّ‬
‫فإف كلماتو متأل القلوب أمنًا و إمياان‪،‬‬
‫ث على حماسن‬
‫وتُزّكي النّفوس وتدعو إىل مكارـ األخالؽ و حتُ ُّ‬
‫الشيم و تبعث إىل اذليبة و اإلجالؿ و التّعظيم‪ .‬فهل ىذا يُشبو‬
‫ّ‬
‫اجملانٌن يف شيء؟(‪)5‬‬

‫و يُؤيّد ىذا الكالـ ‪ -‬أي أ ّف ادلوعظة الواحدة ىي التف ّكر و‬


‫التّدارس يف صفات النيب الكرمي و تنزيهو عن النّقص و إثبات‬
‫صفات الكماؿ و العصمة لو و ّأّنا ىي الكافية الشافية إلثبات‬
‫احلق‪ -‬كل ىذا ُمؤي ٌد بسًنتو ﷺ حيث أنّو آمن بو‬
‫أ ّف ما يقولو ّ‬
‫بعد زد على ذلك ما رواه اإلماـ مسلم يف‬
‫من مل يسمع القرآف ُ‬
‫صحيحو ن ا ن باس قال ‪ :‬ملا نزلت ىذه اآلية (و نذر‬
‫شريتك األقر ْي ))خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص اىت صعد الصفا‬
‫فهتف ‪ :‬اي صباااه ؟ فقالوا ‪ :‬من ىذا الذي يهتف ! ؟ قالوا‬
‫دمحم ; فاجتمعوا ليو فقال ‪ :‬اي ين فالن اي ين فالن اي ين‬
‫بد مناف اي ين بد املطلب فاجتمعوا ليو فقال ر يتم لو‬
‫خربت م ن خيال خترج من سفح ىذا اجلبل كنتم مصدقي‬
‫؟ قالوا ‪ :‬ما جر نا ليك كذاب ‪ .‬قال ‪ :‬فإين نذير ل م ْي‬
‫يدي ذاب ديد ‪ .‬قال ‪ :‬فقال و هلب ‪ :‬تبا لك ! ما‬
‫مجعتنا َّل هلذا ؟ ُث قال فنزلت ىذه السورة ‪ :‬تبت يدا يب‬
‫هلب وتب كذا قر األ مش ىل آخر السورة‪.‬‬
‫فصل‬

‫ص إا أ ّف تعداد و التّذكًن بشمائل‬


‫كل ىذا ‪ ،‬فإنّو خيلُ ُ‬
‫فإذا عُمل ّ‬
‫نبوتو و‬
‫سيّد ادلرسلٌن ﷺ و ذكر خصائصو و فضائلو ودالئل ّ‬
‫البحث يف سًنتو ذلَُو من أعظم األعماؿ و أجلّها و ىو الباب‬
‫الّذي يدخل بو العبد على ربّو فيناؿ بذلك الطّمأنينة و النّور و‬
‫أجل اجملالس ىي‬
‫اليقٌن‪ ،‬و تُفتح لو أبواب اذلداية والتّزكية‪ ،‬وأ ّف ّ‬
‫كر‬ ‫تلك اليت ُميدح فيها خًن الربية ﷺ كيف ال و يف مدحو ِ‬
‫ذ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫خلصالو و تعداد لشمائلو و تعريف خبصائصو و فضائلو و نفي‬
‫الصالح لو‬
‫لصفات النقص عنو وإثبات لصفات الكماؿ و ّ‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫تو‬
‫متعنت يف مشائلو و صفاتو اخلَلقية واخلُلُقية وذ َك ْر َ‬
‫فإذا أنت ّ‬
‫ت بسًنتو و مواقفو و غُصت يف معاين كلماتو و حركاتو‬ ‫َّ‬
‫ذك ْر َ‬
‫وما جاء بو من العلوـ اللّدنية‪ ،‬واألسرار الرابنية‪ ،‬مع ما أخرب بو‬
‫من قصص القروف ادلاضية‪ ،‬والشرائع ادلتباينة‪ ،‬مع كونو أُميِّا‪ ،‬مل‬
‫ط‪ ،‬وما أخرب بو من أمر الغيب‪ ،‬فوقع‬
‫يقرأ‪ ،‬ومل يطالع كتاابً ق ّ‬
‫كما أخرب‪ ،‬وما ظهر على يديو من ادلعجزات‪ ،‬وما اتصف بو‬
‫الشيم الزكية‪ ،‬وما‬
‫عليو الصالة والسالـ؛ من األخالؽ احلسنة‪ ،‬و ّ‬
‫كاف عليو من سياسة اخللق‪ ،‬مع مشاىدة احلق‪ ،‬وىذا ال يُطاؽ‬
‫إال أبمر رابين‪ ،‬وأتييد إالىي‪ .‬فإذا أشرقت على قلبك أنوار‬
‫تقيت هبا إىل أنوار الربوبية‪ ،‬فتتفكر يف عجائب‬
‫النبوة‪ ،‬ار َ‬
‫السموات واألرض‪ ،‬فتعرؼ عظمة صانعها‪ ،‬وىذا ىو ادلراد‬
‫فتكوف موعظة ليس بعدىا موعظة‪ .‬و ىذا ال يكوف إال‬
‫الصاحلٌن احملبٌّن لسيّد ادلرسلٌن ﷺ و االنضواء حتت‬
‫بصحبة ّ‬
‫ليحصل الوصاؿ و االتصاؿ و االعتبار‬
‫ُ‬ ‫لواء الشيوخ العارفٌن‬
‫واالستبصار فتحصل ادلشاىدة و يزيد اليقٌن و تفوز بصحبة‬
‫سيّد اخللق آمجعٌن يف كل وقت وحٌن‪.‬‬

‫فصل‬

‫النيب‬
‫من ىنا جيب أف ننتبو حملاوالت ادلُغرضٌن للحط من قيمة ّ‬
‫الكرمي ﷺ و جعلو بشرا كالبشر و نس ٍ‬
‫ب صفة اخلطأ و النّقص‬ ‫ْ‬
‫فيو و اعتبار مدحو غُلُّوا و زايد ًة يف قدره‪ ،‬والتقليل من أمهية‬
‫ذكر مشائلو و صفاتو‪ ،‬فبهذا يُفتح ابب التّشكيك و التضليل‬
‫إىل أف يصل إىل اخلروج من ال ّدين‪ .‬لذلك جعل العُلماء‬
‫االستنقاص من سيدان دمحم إمثاً ي ِ‬
‫وص ُل إىل الكفر دلا لو من‬‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تداعيات على اعتقاد ادلسلم‪.‬ىذا وهللا أعلم‪.‬‬
‫ادلراجع وادلصادر‪:‬‬

‫‪ -‬البحر املديد يف تفسري القرآن اجمليد ‪ /‬ا ن جيبة‬

‫‪ -‬لطائف اإل ارات‪ /‬القشريي‬

‫‪ -‬جامع البيان يف تفسري القرآن‪/‬الطربي‬

‫‪ -‬اجلامع َّلا ام القرآن‪/‬القرطيب‬

‫‪ -‬التحرير والتنوير‪/‬ا ن ا ور‬

‫‪ -‬تفسري تيسري ال رمي الرمحن يف تفسري كالم املنان‪/‬السعدي‬

‫مت بفضل هللا ِ‬


‫ومنَّتو‬ ‫ّ‬

You might also like