Professional Documents
Culture Documents
نصوص
نصوص
نصوص
ق د يق ول قائل :إن ال دليل الس ابق يق رر أن اإلنس ان مثالً ،ذل ك األم ر الكلي المعق ول
موجود فى خارج الذهن ،وهو مجرد من الوضع والكم ،مع أن الواحد منا ال يعقل من
اإلنسان إال ذلك الهيكل المركب من أعضاء كاليد والعين والحاجب وغير ذلك ،واإلنسان
بهذه الحالة محسوس ال مجرد التركبة من تلك األعضاء المحسوسة فاإلنسان ال يعقل إال
وله أعضاء ضوات أقدار متباينة األوضاع على ما يتخيل منه ويخس به .
وقد أجاب ابن سينا فنبه على أن الحال فى كل عضو كلي من تلك األعضاء واألجزاء فى
كون ه طبيعة معقول ة غ ير محسوسة كالح ال فى اإلنس ان نفسه ،أي أن الدليل السابق كم ا
يجري فى اإلنسان يجري كذلك فى كل عضو كلي من تلك األعضاء .
الشرح
سبق أن نبه ابن سينا على خطأ الوهم القائل :أنه ال موجود إال ما هو محسوس ،وذلك
بمسألة التفتيش فى المحسوسات والخروج عن طريقها إلى إثبات وجود ما ليس بمحسوس
.
وهنا أراد أن يورد تنبيهاً قائماً على أساسين :
أن المنكرين لوجود ما ليس بمحسوس يصدقون بوجود الحس والوهم احدهما :
والعق ل ،وه ذه أم رو ليس ش ئ منه ا ي درك ب الحس أو ال وهم ،إذ
الحس ليس بمحس وس وال بموه وم ،وك ذلك العق ل ال ذي يم يز بين
الحس والمحس وس وال وهم والموه وم ،ليس بموه وم فض الً عن أن
يكون محسوساً.
أن بعض ما يتعلق بالمحسوسات وأفرادها الجزئية مدركة بالوهم إن وثانيهما :
لم تكن مدرك ة ب الحس الظ اهر وأم ا طبائعه ا الكلي ة فتك ون ش ئ منه ا
محسوساً وال متوها .
-1-
الشرح
وهذا تصريح منه بالغرض المقص ود من أول الكالم ،وهو إفادة أن موجد العالم ومبدأة
مجرد غير محسوس ،ومن ثم سمي هذا البحث تذنيباً .
والحق هنا اسم فاعل فى صيغة المصدر كالعدل ،والمارد به ذو الحقيقة ،أي كل متحقق
موجود فى األعيان فإنه من حيث حقيقته الذاتية التى هو بها حق ،أي حقيقته المجردة
عن العوارض المشخصة فهو من هذه الحقيقة واحد غير محسوس وال مشار إليه ،أي أن
الموج ود الخ ارجي كزي د مثالً إنم ا ك ان محسوس اً بس بب الع وارض المشخص ة ،كالمق ار
والوضع واألين .
أم ا ل و قط ع النظ ر عن تل ك الع وارض المشخص ة ،ول وحظت حقيقت ه وماهيت ه وهي
اإلنسانية ،كان مجرد غير محسوس .
وإ ذا ك ان األم ر ك ذلك ف إن معطي ه ذه الحق ائق وجوده ا ،أي ال ذي يعطي ك ل ذي حقيق ة
تحققه وثبوته ،أولى بأن يكون شيئاً واحداً غير محسوس ،ولكن قد يرد سؤال وهو :ما
وجه هذه األولوية ومقتضيها ؟
فإذا ثبت وجود موجد به ،به يال كل موجود ذي حقيقة وجوده أفال يجب أن يكون مجرداً
غير محسوس ،فإذ إن التجرد كمال ،وقد أعطي للمخلوق فال يعقل أن يكون الخالق غ ير
موجود .
-2-
ابن رشد
العالم أزلي
يق رر ابن رش د أن ه يوجد تغ ير وحدوث في الع الم من ذ األزل ،ومن ثم فإن الع الم أزلي ،
وال يجوز أن يسبقه العدم ،فليس هناك وجود بعد عدم محض ،وذلك ألن العدم ال ينتج
وجودا ،وكذلك ال عدم بعد وجود ،ألن كل ما يحدث فهو خروج من القوة إلى الفعل ،
أو هو رجوع من الفعل إلى القوة .
وإ ذا كان التغير داخل نظام العالم أزلي اً فإنه يستلزم حركة أزلية وهذه تحتاج إلى محرك
أزلي ولو كان العالم حادث اً لتحتم عينا القول بوجود عالم آخر حادث نشأ عنه وهكذا إلى
غير نهاية .
أدلة أزلية العالم :
أزلية الفعل اإللهي :وقد أقام ابن رشد نظريته فى قدم العالم على دعائم من أزلية الفعل
اإللهي ،وهذا الفعل يجب أن يساوق وجود الفاعل الكامل ولكن يجب أن نفرق بين أزلية
العالم ،وأزلية الباري سبحانه فأزلية الباري تختلف عن أزلية العالم فى الرتبة الذهنية إذ
إن الباري علة فى العالم ،والعلة مقتدمة على المعلول ويؤيد ابن رشد قوله فى قدم العالم
– الق ائم على دع ائم من أزلي ة فع ل اإلل ه – ب أقوال عدي دة ،في ( ته افت الته افت ) وفي
( الكشف عن مناهج األدلة ) .
الشرح
وأما إذا فرضنا هذا المحدث للعالم أزلي اً فيجب أن يكون فعله المتعلق بالمفعوالت أزلي اً ،
فتكون المفعوالت هي أيض اً أزلية ألن المفعول يجب أن يتعلق به فعل الفاعل فلو فرض
أن المفعول حادث فإنه يجب أن يتعلق به فعل حادث ،وهذا يستلزم أن يوجد فعل حادث
من فاعل قديم ،وهم ال يقولون بذلك ،فإن من أصولهم أن القديم ال تحله الحوادث ،ألن
ذلك يستلزم إما حدوث القديم ،أو قدم الحادث .
وإ ذن فالمحدث للعالم ال يجوز أن يفرض حادث اً وإ ال تسلسل وال أزلي اً وإ ال وجب أن يكون
العالم الذي هو المفعول أزلياً .
-3-
أزلية الحركة والزمان :
يقرر ابن رشد أن الزمان قديم ال يتصور حدوثه ،وإ ذا كان قديماً ،كانت الحركة قديمة ،
ألن الزمان ال يفهم بدون الحركة ،وإ ذن فالمتحرك قديم .
-4-
الفصل الثاني
النبوة
مفهوم وحقيقة النبوة عند الفالسفة
وقد اعتمد الفارابي – ومن وافقه من الفالسفة في اإلسالم فى تفسير النبوة ومفهومها على
دع ائم -ميتافيزيقي ة ونفس ية أم ا الدعام ة الميتافيزيقي ة فإنه ا معتم دة على نظري ة العق ول
العش رة ،وأن العق ل الفع ال ه و آخ ر فيض إلهي فه و منب ع ك ل ش ئ فى ع الم الك ون
والفساد ،من المعرفة وغيرها وصدر عنه هذا العالم بما فيه من الكثرة والتنوع .
أما اتصال اإلنسان بهذا العقل الفعال فإنه ممكن عن طريقين :
األول :طريق البحث العقلي ،والثاني :طريقة المخيلة .
أم ا األول :فب البحث والنظ ر يس تطيع العق ل اإلنس اني أن ي رقى إلى أعلى درج ات العق ل
وهي المس تفاد وبه ذا العق ل يمكن لإلنس ان أن يتص ل بالعق ل الفع ال ،فبفض ل الدراس ات
الطويلة وممارسة الفضائل على أنواعها يستطيع الفيلسوف االصتال باعالم العلوي .
أما الثاني :فهو شأن األنبياء وذلك بطريق المخيلة .
يع رف الن بي بأن ه إنس ان منح مخيل ة قوي ة تمكن ه من االتص ال بالعق ل الفع ال فى مختل ف
الحاالت .
وقد اعترض على هذا التعريف بأن الفارابي يضع النبي فى مكانة أقل من الفيلسوف وألن
معرفة الفيلسوف تأتي بطريق العقل والبحث النظري وال شك أن المعارف العقلية أفضل
من المعارف المتخيلة ألن قوة المخيلة أقل درجة من القوة الناطقة .
إال أن بعض الب احثين ي رى أن الف ارابي ال يأب ه به ذه التفرق ة بين المعلوم ات ال تى ج اءت
بواس طة الفك ر والبحث ،أو بواس طة المخيل ة م ا دام معص دره واح داً وه و العق ل الفع ال ،
فالحقيق ة النبوي ة ،والحقيق ة الفلس فية هم ا على الس واء نتيج ة من نت ائج ال وحي ،وأث ر من
آثار الفيض اإللهي على اإلنسان عن التخيل أو التأمل .
وهم ا ك ان الق ول ف إن الطريق تين مختلفت ان فإنن ا متفق ون على أن العق ل أو الق وة الناطق ة
افض ل وأوثق من التخيل فتك ون المعرةف ال تى تأتي عن طري ق العق ل أوثق من المعرفة
التى تأتي عن طريق المخيلة .
-5-
وبناء على هذه الخواص والمميزات فالنبي عندهم من اجتمع فيه ثالث خصال العلمية ،
والخيالي ة ،وق وة الت أثير ،أو بمع نى آخ ر مفه وم الن بي :ه و من ل ه كم ال النفس الناطق ة
والق وة المخيل ة وق وة الت أثير له ذا فالنبوة ف وق مرتب ة الفلس فة ،والفيلس وف تنقص ه المخيلة
العظيمة ،وبهذه الخواص للنبي أو الرسول فإنه ال يوجد فرق بين النبي والرسول .
-6-
الوحي عند أبي يوسف الكندي
لم يخالف الكندي آراء علماء المسلمين من المتكلمين وغيرهم فى الوحي وأنه كان مؤمن اً
صادقاً بالوحي والنبوة إيماناً كامالً ولم يفسره تفسيراً فلسفياً كما فعل إخوانه من فالس فة
المسلمين .
والدليل على ذلك ما قرره من أن علوم األنبياء منحة من اهلل وليست مكتسبة كعلوم البشر
أن الكندي يفرق بين العلوم البشرية وعلوم األنبياء اإللهية من ناحية المصدر والخص ائص
،وأن عل ومهم م وجزة بين ه محيط ة ب المطلوب ،ويس تمر الكن دي فى توض يح الف رق
الج وهري بين العلم الكس بي اإلنس اني وبين العلم النب وي اإللهي بمث ال حي تط بيق ل ذلك ،
باستدعاء تأملنا فى جواب النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم فيما سأله المشركون عنه من
إحياء عظام الموتى وهي رميم فإن ذلك عند هؤالء السائلين مستبعد كما بين ذلك سبحانه
وتع الى فى ش أن س ؤال المنك رين ( ق ال من يح يي العظ ام وهي رميم ) ولكن اهلل بإرادت ه
أوحى إلى رسوله عليه الصالة والسالم بكل وضوح وصراحة ( قل يحييها الذي أنشأها
أول م رة وه و بك ل خل ق عليم ال ذي جع ل لكم من الش جر األخض ر ن اراً ف إذا أنتم من ه
توقدون أوليس الذي خلق السماوات واألرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخالق
العليم ".
ف رأى الكن دي وتفك يره فى ال وحي والنب وة مغ اير آلراء فالس فة المس لمين ال ذين ج اءوا من
بعده ولم نر أحداً من الباحثين أو الكاتبين إال وقال ك إن عقيدته فى الوحي والنوبة عميقة
وسليمة وموافقة لروح اإلسالم ،وآراء علماء عصره من المتكلمين والمفسرين وغيرهم .
ويب دو أن م ا س اعد الكن دي على اإلل تزام به ذه اآلراء فى ال وحي والنب وة بج انب إيمان ه
العمي ق ،أن ه نش أ فى الق رون األولى لإلس الم ولم تكن الفلس فة ق د انتش رت ب بين المس لمين
فأثرت فيه البيئة اإلسالمية المتمسكة بعقائدها وفق نصوص القرآن والسنة .
-7-
الوحي عند أبي نصر الفارابي
فالوحي عنده يقوم على :
دعائم ميتافيزيقية وهي القول بالعقول العشرة التى بدأت من فيض اهلل من أوالً :
العقل األول إلى العقل العاشر ،أو المسمى بالعقل الفعال ،وأن هذا
العقل له تأثير فى جميع الموجودات السفلية .
على ال دعائم النفس ية وهي تق وم على الق وى النفس ية الداخلي ة واتص الها ثانياً:
بالعالم اإلنساني الداخلي .
يقوم كذلك على نظرية المعرفة اإلشراقية وهي تحصل بطريقة التصفية ثالثاً :
والعبادة والرياضة النفسية والبعد عن الملذات المادية والتوجه بالكلية إلى
عالم القدس .
ومما تقدم يتبين لنا أن الوحي عند الفارابي :هو فيض من العقل الفع ال على المخيل ة ،أو
اتصال القوة المتخيلة بالعقل الفعال والتقاط الصور منه كلية أو جزئية حاضرة كانت أو
مستقبلة .
ابن سينا
فابن سينا يبني نظريته فى الحي على الدعامة الميتافيزيقية وهو القول بالعقول العشرة ،
وعلى الدعامة النفسية والتجربة الشخصية ،حيث يقول نفس ما قال به الفارابي ،ويتبعه
خطوة خطوة .
إال أن ابن س ينا يخ الف أس تاذه فى األم ور الش كلية كاألس لوب وطريق ة ع رض الفك رة ف إن
ابن سينا أكثر بسطاً فى العبارة وأزيد توضيحاً وتفصيالً للفكرة .
ومهما يكن من الخالف بينهما فهو ال يخرج عن كونه توضيحاً وتبسيطاً .
ابن رشد وسار على منوال من سبقه من فالسفة اإلسالم
ابن رشد وسار على منوال من سبقه من فالسفة االسالم فى محاولة التوفيق بين الدين
-9-
والفلسفة
أم ا رأي ابن رشد عن ال وحي فيب دوا أن ه خ الف الف ارابي وابن س ينا ومن ل ف لفهم ا من
جانب ووافقهما من جانب آخر .
أما الجانب المخالف فإن آراءه ليست بعيدة عن آراء المتكلمين وعلماء المسلمين ،ومما
يدل على أنه قريب من مذهبهم بقدر ما هو بعيد عن آراء الفارابي وابن سينا ما يلي :
أوالً :نصوصه الواضحة التى لم تدع مجاالً للشك فى أن كالمه وآراءه في الوحي توافق
م ا ه و مع روف عن د أه ل الس نة والمتكلمين وأن ه اس تدل بم ا اس تدل علم اء المس لمين من
المتكلمين وغ يرهم ( وم ا ك ان لبش ر أن يكلم ه اهلل إال وحي اً أو من وراء حج اب أو يرس ل
رسوالً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه على حكيم )
ويؤيد ذلك أنه لم يبتعد عن كالم المتكلمين وخصوصاً األشعرة ما جاء فى كالمه ع الرآن
حيث قال فقدتبين لك أن القرآن الذي هو كالم اهلل قديم ،وأن اللفظ الدال عليه مخلوق له
سبحانه ال لبشر.
فابن رشد يرى طريقين لالتصال :طريق الهبوط وهو مخصوص لبعض الناس وطريق
الصعود وهو بالبحث والنظر وهو ميسور لكل إنسان وبهذا الرأي الثاني يكون ابن رشد
موافق اً للف ارابي وابن س ينا فى أن اإلتص ال بالع الم العل وي يمكن بطري ق العق ل والبحث
والنظر .
وال عجب فيم ا ذهب إلي ه ابن رش د ب أن اإلتص ال يك ون بط ريقين ألن ذل ك ار على منهج
الفالس فة وه و التوفي ق بين ال دين والفلس فة وأن رأي ه األول ي راد ب ه عام ة الن اس – وهم
الجمهور – في فهم الوحي والنبوة وأما الرأي الثاني فهو للخواص وهم الفالسفة ؟.
وله ذا فق د س قط ابن رش د فيم ا س قط في ه الف ارابي وابن س ينا ومن وافقهم ا في رأي ه الث اني
ويعتبرض عليه بما اعترض عليهم بأن النبوة مكتسبة .
تعقيب
-10-
وق د وجهت إلى ه ذه النظري ة اعتراض ات ش تى ،ن ذكر بعض اً منه ا لنع ر م دى بع د ه ذه
النظرية عن اإلسالم ونصوصه .
أوالً :وق ول الف ارابي إن للعق ل العاش ر ت أثيراً في الع الم الس فلي وأن ه منب ع ومص در
للوحي والمعرفة واإللهام
فى الواق ع أن ه ذه النظري ة ال أس اس له ا وأنه ا مناقض ة لم ا في الق رآن الك ريم
والسنة والنبوية فهي تقيد إرادة اهلل تعالى المطلقة إذ تجعل الفيض أمراً ضرورياً
الزماً،
يترتب على ذلك أن اهلل محتاج إ لى هذه الوسائط إلبداع الكائنات وبدونها ال يق در
على ذلك ه ذا القول من اقض لم ا ه و مس لم عن د أه ل الح ق ( أه ل الس نة ) أن اهلل
حين خلق األشياء المتغايرة لم يحتج إلى وساطة هذه العقول .
ثانياً :أما كون العقل العاشر هو مصدر الوحي أو الملك أو الموكل الوحي فإننا لم نر
أثراً للمالئمة بينهما ،ألن من المسلم به من النصوص أنها لم تستند لجبري ل عليه
الس الم عمالً على طري ق اإليج اد الت دبير المباش ر ،فجبري ل ليس إال ملك اً كس ائر
المالئكة كما في قوله تعالى ( ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )
ثالثاً :إن رأي الفارابي ومن تبعه من الفالسفة فى الوحي مناقض لصريح اآلية فى قوله
تع الى ( وم ا ك ان لبش ر أن يكلم ه اهلل إال وحي اً أو من وراء حج اب أو يرس ل
رسوالً فيوحي بإذنه من يشاء ) فقد جعل اهلل الوحي أنواع اً منه اإللهام وخطاب
من وراء حج اب ،ومن ه إرس ال ف أين ه ذا التقس يم فى العق ل الفع ال إذا جعلن اه
مصدر الوحي ؟
رابع اً وإ ذا ك ان الق ول :إن اإلتص ال بالعق ل الفع ال للن بي ال يتم عن طري ق المخيل ة
فحس ب ،ب ل يمكن أيض اً بطري ق العق ل وإ ن ه ذا الطري ق يك ون لألنبي اء وغ ير :
األنبي اء ،فيج وز إلنس ان م ا بواس طة العق ل والنظ ر والبحث ومجاه دة النفس
بالرياض ة والص بر على أن واع العب ادات وغ ير ذل ك من األس باب ح تى يص ل إلى
مستوى من الكمال فيمكنه االتصال بالعقل الفعال .
ل ذلك أخ ذ علم اء الكالم على ه ذه النظري ة أن النب وة أم ر كس بي ،واهلل ع ز وج ل
-11-
يقول ( اهلل أعلم حيث يجعل رسالته ) فالنبوة خصوصية من اهلل تعالى يختص بها
من يش اء من عب اده ال يبلغه ا العب د مهم ا ك ان كس به إال بمش يئته تع الى إذن فال
كسب وال استعداد وال غيرهما يستحق به اإلتصال
خامس أن ه جع ل ال وحي نوع اً من الظن والخي ال ال قيم ة حقيقي ة ل ه ،وأن ه يمكن أن
يحصل عليه كل إنسان بل وللمجانين والمرضي والممرورين. اً :
وس بب ه ذا الخط أ الكب ير ال ذي وق ع في ه فالس فة المس لمين فى تفس يرهم للنب وة
والوحي هو أن هدفهم هو التوفيق بين العقل والنقل .
-12-
ابن سينا الطرق األخرى بل أقر بها.
فإثب ات النب وة ،يراه ا ابن رش د وال تى تص لح على الس واء للخاص ة والعام ة هي الش رائع
التى جاء بها األنبياء المشتملة على العقائد واألحكام العملية ،والفضائل السلوكية ،فهي
بوحي من اهلل تعالى فهذا الفعل وهو وضع الشرائع للناس بوحي من اهلل تعالى يدل داللة
قطعية على أنه نبي وهذا األصل غير مشكوك فيه فى الفطرة اإلنسانية .
ويرى ا بن رشد أن محمداً صلى اهلل عليه وسلم لم يدع النبوة متحديا المعارضين المكذبين
لرس الته ب أمور خارق ة للطبيع ة أي ب المعجزات الحس ية ب ل ال ذي تح دى ب ه الن اس وجعل ه
دليالً على صدقه فيما ادعى من رسالته هو الكتاب العزيز وحده أي التشريعات التى جاء
بها بوحي من اهلل .
ويقرر ابن رشدأن القرآن الكريم نبه على هذين األصلين ،
وأما الثاني : أما األصل األول :
فه و وج ود ه ذا الص نف من الن اس حيث وه و وض ع الش رائع للن اس ب وحي من اهلل
يق ول ع ز وج ل ( ق ل م ا كنت ب دعاً من فيقول عز وجل ( يا أيها الناس قد جاءكم
بره ان من ربكم وأنزلن ا إليكم ن وراً مبين اً ) الرسل ) .
ويعنى القرآن الكريم .
م ا مض ى يت بين لن ا أن فالس فة المس لمين يتفق ون م ع المتكلمين وعلم اء المس لمين على أن
المعجزة هي المنهج األساسي فى االستدالل على صدق األنبياء سواء كانت هذه المعجزة
-13-
حسية أو معنوية إال الفالسفة وخاصة ابن رشد فقد خص المعجزة الحسية أو البرانية كما
يسميها هو لعامة الناس .
وأن المعجزة المعنوية تكون للخاصة والعامة ،بخالف المتكلمين فلم يميزوا فى ذلك بين
الجمهور والخاصة .
-14-
كمال العقل )2والمخيلة الممتازة )3وقوة النفس الناطقة . )1
ويرى الفالسفة أن المعجزات صادرة عن هذه الخواص الثالث للنبي أو بمعنى آخر أنها
ترجع إلى فعل النبي .
أم ا كم ال العقل والن بي ال ذي يتمي و بقوت ه العقلي ة إلى أعلى درج ة ص ارت ل ه ق وة الح دس
والخامس هو انتقال من معلوم إلى معلوم آخر بسرعة هائلة فينتقل من الدليل إلى المدلول
بال تكلف حتى يدرك أكثر المعقوالت فى وقت قليل بال رؤية وال معلم .
فصاحب هذا الحدس يدرك المعقوالت بهذه السرعة الفائقة التى لم يصل إليها غيره فهذه
معجزة لنبي من هذه القوة .
وأم ا الق وة المخيلة فق الوا إذا بلغت ه ذه الق وة نهاي ة الكم ال لم تس تغلها الح واس وأعم ال
البدن استطاعت االتصال بالعقل الفعال أو المالئكة يقظةويفيض عليها بالعلوم والمعارف
الحاض رة والمس تقبلة ف ترى األش ياء الش ريفة فتك ون لص احبها اإلخب ار عن المغيب ات فه ذه
معجزة للنبي من هذه القوة .
وأما القوة النفسية الصافية التى تجردت عن المادة بالكلية فهي المهمة عند الفالسفة فى
تحقي ق المعج زات الحس ية ،ألنه ا تس تطيع أن تطل ع على الع الم العل وي ،فال يبع د أن
تتص رف ه ذه القوة فى العالم الخ ارجي ،كم ا تتص رف فى ب دنها فإنها ليست منطبعة فى
األبدان ولكن متصلة بالبدن اتصال المدبر والمتصرف .
ومن كالم الفارابي وابن سينا يتبين أن المعجزات المعنوية أو المعقوالت ترجع إلى كمال
عقل النبي أو اتصال المخيلة القوية بالعقل الفعال وأما المعجزات الحسية كنزول األمطار
وهبوب الرياح ونحوها فترجع إلى تأثير قوة النفس النبوية على العالم الخارجي .
ومن هن ا يمكنن ا أن نع رف المعج زة عن د الف ارابي وابن س ينا ومن وافقهم ا من فالس فة
المس لمين بأنه ا أم ر خ ارق لع ادة البش ر ،حاص ل من كم ال العق ل ،أو اتص ال المخيل ة
بالعقل الفعال ،أو تأثير نفوس األنبياء على الطبيعة .
ونحب أن ننبه إلى أن الفارابي وابن سينا ومن ذهب مذهبهما قد فسروا المعجزة المعنوية
والحس ية تفس راً نفس ياً مادي اً ألن المعج زات المعنوي ة ص ادرة من العق ل الفع ال بطري ق
اتصال مخيلة النبي أو عقله وأن المعجزات الحسية صادرة من نفس النبي وأنه يمكن أن
-15-
يأتي بهذه الخوارق فى أي وقت شاء .
لذلك فإنه ال يوجد فرق – عند ابن سينا – بين معجزات األنبياء وما يحدث من األولياء
والس حرة من ناحي ة المص در ،ألن كالً منهم ا ص ادر عن النفس اإلنس انية إال أن األنبي اء
واألولي اء ال تص در عنهم إال أفع ال الخ ير وم ا يوص ل إلى المن افع الدنيوي ة والس عادة
األخروية بخالف السحرة والمشعوذين .
وجمل ة الق ول أن ابن س ينا – ومن ذهب مذهب ه – يخ الف المتكلمين في مفه وم المعج زة
وكيفية الحصول عليها سواء أكانت المعجزات حسية أو معنوية فغاية األمر أن المعجزة –
عند المتكلمين – ترجع إلى فعل اهلل المحض وإ رادته وغذنه وليس فى وسع النبي أن يأتي
به ا أو يكتس بها بخالف ابن س ينا فإن ه يفس رها تفس يراً مادي اً وأنه ا ترج ع إلى نفس الن بي ،
وأن النبي يمكن أن يأتي بها متى أراد ذلك .
هذا فى المعجزات الحسية أما فى المعجزات المعنوية فإنها ترجع إلى كمال القوة المخيلة
عند النبي ومن ثم اتصاله بالعقل الفعال متى شاء وأراد .
-16-
يهذا القول يتناقض مع ما حكى لنا القرآن الكريم فى معجزات األنبياء الحسية ففي قصة
إبراهيم عليه السالم حين ألقي فى النار التى تتوفر فيها األسباب العادية وأن إبراهيم عليه
السالم جسم قابل لالحتراق فكان أثراً حتمياً لقانون الطبيعة حدوث االحتراق ال محالة فى
ذلك ،ولكن قد تخلف األثر الحتمي مع توفر األسباب والظروف حيث صارت النار برداً
وسالماً على إبراهيم عليه السالم.
ولعل ابن رشد بهذه الحقيقة خالف إخوانه من فالسفة المسلمين في المعجزة الحسية وإ ن
كانت جارية على قانون السبب والمسبب إال أنها ال تقع إال بوجود أسباب خارجية ،يعبر
عنه ا بفاع ل خ ارجي ل ذلك ن راه يؤك د لن ا أن ه م ا ينبغي أن يش ك أح د فى أن األس باب ال
تكتفي بنفسها فى أن تكون عنها مسبباتها ،بل البد لها فى هذا من فاعل من خارج فعله
شرط في فعلها بل فى وجودها فضالً عن فعلها .
وأن ه ذا الفاع ل يتن اول فعل ه ه ذه الموج ودات بواس طة أم ر معق ول ل ه ه و غ ير ه ذه
الموج ودات وأض اف ابن رش د أن الفالسفة أنك روا ما قالت الدهرية أن األشياء تحدث ثم
تفني بعوامل الطبائع نفسها .
أما ابن رشد فإن المعجزة الحسية عنده تتم بأمرين :أوالً تأثير السبب نفسه وثاني اً وجود
اأسباب الخارجية التى سخرها اهلل فيها .
أم ا الف ارابي وابن س ينا – ومن وافقهم ا – فلم نج د لهم ا ش يئاً يفي د اتفاقهم ا م ع ابن رش د ،
في وجود مؤثر خارجي ،بل غاية القول عندهما أنها ترجع إلى النفس النبوية .
تعقيب
وق ال تع الى ( ولق د أرس لنا رس الً من قبل ك منهم من قصص نا علي ك ومنهم من لم نقص ص
عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إال بإذن اهلل )
فهذه اآلية صريحة فى أنه لم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق أو آية إال بعد
أن يأذن اهلل له فى ذلك فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به .
به ذا المفه وم من الق رآن الك ريم نس تطيع أن نق ول :إن المعج زات ليس ت ص ادرة فق ط من
اهلل تع الى ،وأنه ا خارق ة للع ادة والس نن الطبيعي ة ب ل إن دالالته ا على ص دق النب وة دالل ة
-17-
قطعية ونازلة منزلة التصديق كما يقول المتكلمون وعلماء المسلمين ألنها ال تقع إال حين
تقتضيها الضرورة واألسباب .
إذن فمفهوم المعجزة عند فالسفة المسلمين مخالف لما فى القرآن الكريم ،
ألن غاي ة األم ر عن دهم فى المعج زة أنهم يجعلونه ا أث راً طبيعي اً عادي اً يج رع إلى النفس
اإلنس انية وليس ت خارج ة عن نط اق الطبيع ة ،وأن الن بي يمكن أن ي أتي به ا فى أي وقت
ك ان وعلى أي وج ه ش اء ومن ثم تفق د داللته ا على الص دق دالل ة قطعي ة ولم يكن هن اك
معنى لتحدي النبي للمنكرين .
ومما ال شك أن هذا التفسير يبعد المعجزة عن حقيقتها التى أردها اإلسالم .
عصمة األنبياء
أوجب فالس فة اإلس الم عص مة األنبي اء وق رروا أن العص مة ملك ة ال تص در عن ص احبها
المعاص ي وه ذه الملك ة راس خة فى الن بي بعلم ه مث الب المعاص ي ومن اقب الطاع ة وكم ال
معرفته .
.
بهذا يتبين لنا أن الفالسفة قالوا بفطرية العصمة في األنبياء وهم في هذا يتفقون مع الش يعة
،ولكنن ا يجب أن نض ع نص ب أعينن ا أن ق ول العص مة بالملك ة ال ينفي االختي ار عن
األنبياء ألن مفهوم الملكة عندهم هو القدرة على الفعل أو الترك .
ولكنن ا نالح ظ أن بعض علم اء اإلس الم يأخ ذون على الفالس فة آراء تتن افي م ع الق ول
-18-
بعصمة األنبياء
فق د ألزم وا فالس فة المس لمين الق ول بج واز الك ذب على األنبي اء فى تبلي غ الرس الة وذل ك
عن دما ي رون أن ش رع األنبي اء في ه رم وز وإ ش ارات تكتفي العام ة بظاهره ا بينم ا الحقيق ة
وراء ذلك شئ آخر
أن إلزام بعض علماء المسلمين فالسفة المسلمين
بأنهم يجوزون على األنبياء الكذب عمداً فى التبليغ للمصلحة فإن هذا الزم لمذهبهم
إال أنن ا نس تبعد أن يق ول الفالس فة ذل ك ص راحة ألن ه من أش نع القب ائح وم ا ينبغي ألح د أن
يقول فى حق الرسل إنهم كاذبون ألن كذبهم يلزم منه كذب المرسل المصدق لهم وهو اهلل
تع الى ويل زم من ذل ك أيض اً ج واز أن بعض النص وص المنزل ة من اهلل على حقيقته ا ق د
بدلها األنبياء لمصلحة الجمهور ألن البي لو بلغها على حقيقتها ألنكروها لعدم فهمهم لها .
ولكن هذا الفرض بعيد كل البعد ،ومردود بأن األنبياء يعترفون صراحة بأنهم مأمورون
بتبليغ ما أوحي إليهم ،وليس فى استطاعتهم أن يغيروا شيئاً منه حيث قال عز وجل على
لسان نبيه محمد صلى اهلل عليه وسلم ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع
إال ما يوحي إلى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) يونس .15 :
الفصل الثالث
بعد ذلك يبين الغزالي – على لسان الفالسفة – وجه الحاجة إلى العلم فيذكر أن العلم هو
.غذاء القوة العاقلة ولذتها ،والبدن هو العائق للقوة العاقلة عن اإلطالع على المعقوالت
-19-
واللذة العقلية أشرف من اللذة الجسمانية والدليل على ذلك أمران :
-20-
وال يختلف تصوير الغزالي لرأي الفالسفة اإلسالميين عما ذكره الفارابي وابن سينا .
فالف ارابي فى كتاب ه ( آراء أه ل المدين ة الفاض لة ) يقس م النف وس ب النظر إلى مآله ا ثالث ة
أنواع .
)1أوالً : )2وثانياً : )3ثالثاً :
نف وس أه ل المدين ة الفاض لة النفوس الجاهلة وهذه تحتاج النف وس الخ يرة وه ذه س تبقى
بع د الم وت متل ذذة بل ذات ال ذين أص ابهم ش ئ من فى قوامها إلى المادة .
عقلي ة ،ت زداد كلم ا اتص ل الرذائ ل ،وه ذه تبقى بع د
بعض النفوس ببعض . الم وت متألم ة ب ألم الحرم ان
من تل ك الل ذة العقلي ة ال تى
كانت للفاضلين الخلص .
-21-
ونحن إذ قارن ا بين م ا يق رره الف ارابي فى ه ذا الص دد ،وبين م ا يق رره ابن س ينا فس وف
ن رى أن ابن س ينا أق رب إلى تفهم النص وص ال واردة فى الش رع بش أن الث واب والعق اب
الحس يين ،غ ير أن ه يجع ل ه ذا الث واب ،وذل ك العق اب الجس ماني خسيس اً وخيالي اً ،وه و
خاص باألنفس الخسيسة الساذجة .
-22-
استدالل الفالسفة على استحالة بعث األجسام
الدليل األول
نلخصه فيما يلي :إذا فرضنا إعادة البدن فإن هذا الفرض ال يعدو ثالثة احتماالت :
ال المع روف أن اإلنس ان عب ارة عن الب دن والنفس مع اً ونس بة النفس إلى االحتم
األول : البدن هي نسبة العارض إلى المعروض،
ومع نى الم وت انقط اع الحي اة ،بمع نى أن الخ الق يمتن ع عن خلقه ا
فتنعدم،
ومع نى المع اد إع ادة اهلل الب دن ال ذي انع دم ،وإ ع ادة الحي اة ل ه ال تى
انعدمت ،أو أن مادة البدن تبقي تراباً ،
ومع نى المع اد أن يجم ع اهلل ذل ك ال تراب ويركب ه على ش كل آدمي ،
ويخلق فيه الحياة مرة أخرى وهذا االحتمال باطل بشقيه .
أما األول وهو القول بإع ادة الب دن بع د إعدام ه بالكلية فه و فى الحقيق ة
بدأ خلق ،ال إعادة له ،ألن اإلعادة تتضمن بقاء شئ وتجدد شئ آخر
كان األول قد فارقه ثم رجع إليه .
وأما الشق الثاني من هذا القسم وهو الق ول ب أن الب دن ق د انقلب تراب اً
فهو باق وعادت إليه الحياة فهو قول باإلعادة ولكن ال يكون العائد فى
الحقيقة هو اإلنسان ألن اإلنسان بنفسه ال بجسمه فيكون ذلك ابتداء خل ق
اإلنسان ألن الذي حدث هو إعادة التراب إلى صفة الحياة .
-23-
ال االحتم النفس جوهر مجرد من المادة وهي باقية بعد الموت
ومعنى المعاد أن بعد البدن األول بجميع أجزائه بعينها وهذا أيضاً باطل الثاني :
ألن ب دن الميت يتحل ل وتأكل ه الهوام والدي دان وي دخل بعض ها فى بعض
ويدخل بعضها فى تكوين كائنات أخرى،
إذ يتحول التراب فى األرض نباتاً ثم يأكله الحيوان ويتغذى به،
فينقلب في ه لحم اً ويأك ل اآلدمي الحي وان ال ذى تغ ذى من ذل ك النب ات
فيتحول لحماً ويأكل اآلدمي الحيوان الذي تغذى من ذلك النبات
فيتحول لحماً ويأكل اآلدمي الحيوان الذي يتغذى من ذلك النبات ليتح ول
لحماً وعظماً ودماً فى األكل ،
ف إذا أعي دت األرواح ف إلى أي ب دن يع ود وكي ف يتص ور ع ود األجس ام
بعد تشتتها وتفرقها وتداخل بعضها في بعض ؟
وأيض اً إن قلنا بإعادة األجزاء التى مات عليها اإلنسان فنيبغي أن يعاد
مجذوع األنف ومقطوع الذراع على تلك الحالة التى مات عليها وهذا
منيع فى أهل الجنة .
-24-
وذلك محال ،وقد بطل بهذا مذهب التناسخ .
يس لم الغ زالي للفالس فة ب أن ال ترقي فى ه ذه األط وار الب د من ه لكي يص ير ال تراب إنس اناً
ولكن ذلك جائز في لحظة أو في مدة طويلة .
-25-
ونحن لم يبين لنا أن البعث يكون بعد أن يمهد له جميع العظام ،والباسها اللحم فى زمان
طويل أو قصير وليست المناقشة فيه .
ونحن نتف ق م ع م ا ذك ره الغ زالي في بطالن ق ول الفالس فة ب أن البعث روح اني وليس
جس مانياً ،ولكنن ا نالح ظ أن الغ زالي يكف ر الفالس فة إلنك ارهم بعث األجس اد من أج ل
مخالفتهم فى ذلك لإلجماع .
فقول الغ زالي :لم يعتق ده أح د من ف رق المس لمين ص ريح فى أن الحكم عليه ا ب الكفر بن اء
على مخالفتهم إجماع المسلمين مع أن الغزالي فى موضع آخر يقرر أن مخالفة اإلجماع
ليست مكفرة .
وبناء عليه يكون إنكار الفالسفة لحشر األجساد ليس خاصاً بهم بل هو قول الصوفية أيض اً
فكيف يتفق نقض الغزالي للفلسافة فى هذه المسألة مع أن هذا هو قول الصوفية .
فلو تأملنا كالم الغزالي فى كتبه المختلفة لوجدناه متضارباً وغير متالئم .
ون أتي هن ا بنص كالم ابن رش د فى رده على الغ زالي ال ذي كف ر الفالس فة بس بب ق ولهم
بالحشر الروحاني دون الجسماني ودعواه أن هذا مخالف إلجماع المسلمين .
يقول ابن رشد ":فإن قال قائل :إن فى الشرع أشياء قد أجمع المسلمون على حملها على
ظواهره ا ،وأش ياء على تأويله ا وأش ياء اختلف وا فيه ا ،فه ل يج وز أن ي ؤدى البره ان إلى
تأوي ل لم ا أجمع وا على ظ اهره ،أو ظ اهر م ا أجمع وا على تأويل ه ؟ قلن ا ؟ :أم ا ل و
ثبتاإلجماع بطريق يقيني فلم يصح وإ ن كان اإلجماع فيها ظني اً فقد يصح ،ولذلك قال أبو
حام د وأب و المع الي وغيرهم ا من أئم ة النظ ر :إن ه ال يقط ع بكف ر من خ رق اإلجم اع فى
التأويل في مثل هذه األشياء .
-26-
وقد يدلك على أن اإلجماع ال يتقرر فى النظريات بطريق يقيني كما يمكن أن يتقرر فى
العمليات أنه ليس يمكن أن يتقر راإلجماع فى مسألة ما فى عصر ما ،إال بأن يكون ذلك
العص ر عن دنا محص وراً وأن يك ون جمي ع العلم اء الموج ودين فى ذل ك العص ر معل ومين
عندنا .
وأما كثير من الصدر األول فقد نقل عنهم أنهم كانوا يرون أن للشرع ظاهراً وباطن اً وأنه
ليس يجب أن يعلم بالب اطن من ليس من أه ل العلم ب ه ،وال يق در على فهم ه ،مث ل م ا
روي البخاري عن على رضي اهلل عنه أنه قال :حدثوا الناس بما يعرفون أترديون أن
يكذب اهلل ورسوله ومثل ما روى من ذلك عن جماعة من السلف .
فكيف يمكن أن يتصور إجماع منقول إلينا عن مسألة من المسائل النظرية .
-27-
من كتاب الكشف عن مناهج األدلة البن رشد
ق د اتف ق الك ل على أن لإلنس ان س عادتين آخرواي ة ودنياوي ة وانب نى ذل ك عن د الجمي ع على
أصول يعترف بها عند الكل منها أن اإلنسان أشرف من كثير من الموجودات ومنها أنه
إذا كان كل موجود يظهر من أمره أنه لم يخلق عبث اً ،وأنه إنما خلق لفعل مطلوب منه
وهو ثمرة وجوده فاإلنسان أحرى بذلك .
وقد نبه اهلل تعالى على وجود هذا المعنى في جميع الموجودات في الكتاب العزيز فقال
تع الى ( وم ا خلقن ا الس ماء واألرض وم ا بينهم ا ب اطالً ذل ك ظن ال ذين كف روا فوي ل لل ذين
كف روا من الن ار ) ( وال ذين ي ذكرون اهلل قيام اً وقع وداً وعلى جن وبهم ويتفك رون فى خل ق
السماوات واألرض ربنا ما خلقت هذا باطالً سبحانك فقنا عذاب النار )
وإ ذا ك ان اإلنس ان خل ق من أج ل أفع ال مقص ودة ب ه فظه ر أيض اً ان ه ذه األفع ال يجب أن
تكون خاصة ،وهذه أفعال النفس الناطقة ولما كانت النفس الناطقة جزأين :جزء عملي
وجزء علمي وجب أن يكون المطلوب األول منه هو أن يوجد كماله فى هاتين القوتين :؟
أعنى الفضائل العملية والفضائل النظرية .
ولما كان الوحي قد أنذر فى الشرائع كلها بأن النفس باقية وقامت البراهين عند العلماء
على ذلك وكانت النفوس يلحقها بعد الموت أن تتعرى من الشهوات الجسمانية ،فإن كانت
زكية تضاعف زكاؤها بتعريها من الشهوات الجسمانية وإ ن كانت خبيثة زادتها المفارقة
خبث اً ،ألنه ا تت أذى بالرزائل التى اكتسبت وتش تد حس رتها على ما فاتها من التزكية عند
مفارقته ا الب دن ألنه ا ليس ت يمكنه ا االكتس اب إال م ع ه ذا الب دن وإ لى ه ذا المق ام اإلش ارة
بقول ه تع الى ( أن تق ول نفس ي ا حس رتى على م ا ف رطت فى جنب اهلل وإ ن كنت لمن
-28-
الس اخرين ) اتفقت الش رائع على تعري ف ه ذه الح ال للن اس وس موها الس عادة األأخ يرة
والشقاء األخير .
ولم ا ك انت ه ذه الح ال ليس له ا فى الش اهد مث ال ،وك ان مق دار م ا ي درك منه ا ب الوحي
يختل ف فى حق ن بي ن بي ،لتف اوتهم فى ه ذا المع نى أع ني فى ال وحي أختلفت الش رائع فى
تمثيل األحوال التى تكون ألنفس السعداء بعد الموت وألنفس األشقياء فمنها مالم يمثل ما
يكون هنالك للنفوس الزكية من اللذة والشقية من األذى ،بأمور شاهدة وصرحوا بأن ذلك
كله أحوال روحانية ولذات ملكية .ومنها ما اعتد في تمثيلها باألمور المشاهدة أعني أنها
مثلت اللذات المدركة هنالك باللذات المدركة ها هنا بعد أن نفوا عنه هنالك ما يقترن به
ههنا من الراحة منه .
فالشرائع كلها – كما قلنا – متفقة على أن للنفوس بعد الموت أحواالً من السعادة أو الشقاء
ويختلفون فى تمثي ل هذه األح وال وتفهم وجودها للن اس ويشبه أن يكون التمثي ل ال ذي فى
شريعتنا هذه أتم إفهام اً ألكثر الناس وأكثر تحريك اً لما فى نفوسهم إلى ما هنالك واألكثر
هم المقصود األول بالشرائع .
فإن قيل :فهل في الشرائع دليل على بقاء النفس أو تنبيه على ذلك ؟ قلنا :ذلك موجود
فى الكت اب العزي ز ،وه و قول ه تع الى ( اهلل يت وفى األنفس حين موته ا وال تى لم تمت فى
منامها ) الزمر 42
ووجه الدليل فى هذه اآلية أنه سوى فيها بين النوم والموت في تعطيل فعل النفس فلو كان
تعط ل فع ل النفس فى الم وت لفس اد النفس ،ال يتغ ير آل ه النفس ال ذي ك ان يجب أن يك ون
تعطل فعلها فى النوم لفساد ذاتها ،ولو كان ذلك كذلك لما عادت عند االنتباه على هيئتها
فلما كانت تعود علينا علمنا أن هذا التعطيل ال يعرض لها ألمر لحقها فى جوهرها وإ نما
-29-
ه و ش ئ لحقه ا من ق ل تعط ل آلته ا وأن ه ليس يل زم إذا تعطلت اآلل ه أن تتعط ل النفس
والموت هو تعطل فواجب أن يكون لآلله كالحال فى النوم .
-30-