Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 92

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة د‪ .‬موالي الطاهر سعيدة‬
‫كلية اآلدا واللاا والنوو‬
‫قسم األد العربي‬

‫مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر‪ LMD‬في اللغة العربية وآدابها‬


‫تخصص‪ :‬نقد عربي قديم‪.‬‬
‫والموسومة ب‪:‬‬

‫بنية القصيدة في العصر العباسي‬


‫وخصائصها الفنية والجمالية‬

‫إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫مسلم خيرة‬ ‫عماري كريمة‬

‫أعضاء لجوة المواقشة‬

‫الدكتور زروقي معمر‪ ................................................‬رئيسا‬ ‫‪‬‬


‫الدكتورة مسلم خيرة‪............................................‬مشرفا ومقر ار‬ ‫‪‬‬
‫الدكتور عبيد وصر الدي ‪......................................‬عضوا مواقشا‬ ‫‪‬‬
‫السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2018-2017‬م‬
‫‪1439-1438‬ه‬
‫بادي يبدءا شكر هللا عج وجل والذي ء اء وءنار‬
‫طريقي في انجاج بحثي هذ‪...‬‬
‫فله الحمد ءوال وءخيرا‬
‫كما اتقدم بالشكر الحار والججيل‪....‬ال استاذتي‬
‫" مسلم خيرة " لقبولها اإلشراف على عملي هذا والتي لم تبخل‬
‫بنصائحها وتوجيهاتها القيمة‬
‫والهافة إلتمام هذه المذكرة‬
‫كما يشرفني ءن ءتقدم بخالص الشكر والتقدير للجنة‬
‫المناقشة على قبولهم الدعوة ولمناقشة واثراء بحثي هذا‬
‫وال يفوقني ءن ءتوجه بالشكر والعرفان لكل اساتذة قسم اللغة واألدب العربي‬
‫والى كل عمال االدارة ومو في المكتبة المركجية بجامعة الدكتور‬
‫موالي الطاهر بسعيدة‬
‫وكذلك الى كل من ءعطى من وقته وساعدني ولو بكلمة‬
‫في انجاج هذا البحث‬
‫وججاكم هللا خير ججاء‬
‫ءهدي ثمرة جهدي الى من ربتني وءنارت دربي وءعانتني‬
‫بالصلوات والدعوات الى ءغلى انسانة في هذا الوجود‬
‫" ءمــــــــي الحبيبة "‬
‫ال من عمل في سبيلي وعلمني معنى الكفاح وءوصلني الى ما ءنا عليه‬
‫" ءبي الكريــــــــم " ءدامه هللا تعالى لي‬
‫الى كل ءفراد عائلتي جميع اإلخوة واألخوات‪....‬الذين شاركوني فرحتي وبكائي‬
‫الى من تميجوا بالوفاء والعطاء‪....‬‬
‫الى من معهم سعدت برفقتهم في دروب الحياة الحلوة والحجينة‬
‫صديقاتي (مر ي جهرة‪ ،‬عماري حنان‪ ،‬قداري ال اوية‪,‬بوموس رقية)‬
‫الى جميع ءصدقائي بجميع ءطوارهم في الدراسة‬
‫الى جميع هؤالء ءتشرف بهذا اإلهداء دون استثناء‬
‫اللهم بك نسترشــــــــــــــد و نستعين‬
‫اللهم نسألك أن تمأل بنور الحق بصائرنا‬
‫اللهم ال تصبنا بالغرور اذا نجحنا‬
‫و ال باليـــــأس إذا أخفقنا‬
‫اللهم اذا اعطيتنا نجاحا فال تأخذ تواضعنا‬
‫اللهم اختم بالسعادة أمالنا‬
‫ربنا تقبل دعائنا‪....‬آميــــــــــــــــــــــــــن‪....‬‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫يعد العصر العباسي من بني أهم العصور اليت عرفتها احلضارة العربية االسالمية‪ ،‬فقد اعترب‬

‫العصر الذهيب بامتياز يف خمتلف اجملاالت خاصة يف األدب والشعر ملا عرفه من تطور وجتديد يف هذا‬

‫امليدان‪ .‬وهذا ما دفعين للبحث والتعمق خاصة يف لشعر واجناز هذه املذكرة واليت حتمل عنوان " بنية‬

‫القصيدة يف العصر العباسي وخصائصها الفنية واجلمالية" وسبب آخر جعل اختياري يقع على هذا‬

‫املوضوع هو أن مجيع الدراسات واألحباث اهتمت مبعاجلة املواضيع الشعرية احلديثة‪.‬‬

‫إال أنه ومهما بلغت هذه اجلهود من تطور فإنه ال ينبغي أن هنمل الفرتات الزمنية القدمية‬

‫وما عرفته من حتوالت على خمتلف األصعدة خاصة ما تعلق منها بأهم فرتة تارخيية عرفتها احلضارة‬

‫االسالمية أال وهي فرتة العصر العباسي نظرا ملا عرفه هذا العصر من رقي العديد من العلوم ونضج‬

‫للعقول وجتديدا يف األدب نثرا بصفة عامة وشعرا بصفة خاصة‪.‬‬

‫فقد عرف الشعر والشعراء جتديدا مشل العديد من املضامني واألغراض‪ ،‬وكان الشعر مسيطرا‬

‫يف تلك الفرتة خاصة عند اخللفاء وما تعلق مبدحهم‪ .‬باالضافة اىل هذه األسباب فان تعلقي بالشعر‬

‫والبحث عن أهم التجديدات والتغريات اليت طرأت عليه فكانت دافعا آخر الجناز هذا املوضوع الذي‬

‫هو أكرب وأوسع من هذه الصفات‪.‬‬

‫ومبا أننا نتحدث عن فرتة زمنية سابقة فإن هذا يقودنا اىل االعتماد ال حمالة على املنهج‬

‫التارخيي‪ .‬فكيف مت تأسيس الدولة العباسية؟ وما هي أهم اجلوانب اليت مسها التغيري والتجديد؟ وما‬

‫هي أبرز املوضوعات الشعرية اليت عرفت يف تلك الفرتة؟ وكيف أصبحت القصيدة يف العصر‬

‫ء‬
‫مقدمة‬

‫العباسي؟ لإلجابة على هذه االشكالية رمسنا خطة مناسبة جلمع هذه االجابات‪ ،‬متثلت يف مدخل‬

‫حتدثنا فيه عن آخر فرتات حكم الدولة األموية وما هي أسباب سقوط اخلالفة األموية اليت استغلها‬

‫منها العباسيون نقاط القوة فاعتمدوا عليها يف بناء وتأسيس دولتهم‪.‬‬

‫مث مقدمة وفصلني ففي الفصل األول عنوناه بالتأسيس والتطور يف العصر العباسي‪ ،‬أدرجنا حتته‬

‫مبحثني‪ :‬املبحث األول عنوناه بتأسيس الدولة العباسية‪ ،‬وفيه حتدثنا عن أهم العوامل اليت ساعدت يف‬

‫قيام وتأسيسها‪ ،‬وعن اخللفاء الذين قادوا الدولة العباسية‪ ،‬وعن الفرتات الزمنية اليت قسمها الباحثون‬

‫للعصر العباسي واليت اتفقت يف معظمها بأهنا أربع فرتات ومنهم من حددها بثالثة مراحل ودراسة‬

‫أخرى تقول بأهنا مرحلتني مها مرحلة القوة واالزدهار ومرحلة السقوط واالهنيار‪.‬‬

‫أما املبحث الثاين عنوناه ب‪ :‬تطور احلياة يف العصر العباسي حتدثنا فيه عن التغري الذي عرفه‬

‫اجلانب السياسي خاصة وما تعلق بنقل اخلالفة من دمشق اىل بغداد وكذا السعي اىل العمل على‬

‫جتسيد سياسة االنفتاح على اآلخر كما استعان العباسيون بالعنصر األجنيب خاصة الفارسي منه وكذا‬

‫ظهور أشكال الفنت واالنقسام والتفكك خاصة هناية العصر العباسي األول وبداية الثاين‪.‬‬

‫كما تراجع دور الفرس وظهر الرتك‪ ،‬أما اجلانب االجتماعي متثل يف طغيان أشكال الرتف‬

‫والبذخ والنعيم كذا العمل على توفري كافة معطيات احلياة لطبقات اجملتمع‪ ،‬كما ظهرت الطبقية‬

‫وتطورت جماالت اخلدمات والعمران‪ ،‬اال أنه كان هناك افراط يف بناء دور الرتف واللهو واجملون‪ ،‬أدى‬

‫هذا اىل اكتساح الفساد واالحنالل لكافة مظاهر احلياة‪ ،‬وفيما خيص اجلانب الفكري والثقايف متيز‬

‫ب‬
‫مقدمة‬

‫العصر العباسي بكثرة وتعدد العلوم واملعارف ترمجة وتأليفا‪ ،‬فأخذت اللغة العربية مكانتها ورمسيتها‬

‫وتعددت احلواضر العلمية والثقافية (حلب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬القريوان‪ ،‬األندلس)‪.‬‬

‫لننتقل اىل الفصل الثاين والذي عنوناه ب‪ :‬حركة التجديد الشعري يف العصر العباسي وأدرجنا‬

‫حتته مبحثني‪ :‬املبحث األول تناولنا فيه حركة التجديد الشعري يف العصر العباسي حيث استفاد‬

‫الشعر العباسي كثريا من تلك التطورات فتعددت أغراضه ومضامينه وموضوعاته وأصبحت له أغراض‬

‫جديدة اصطدمت بصيغة العصر ومن بني تلك املواضيع اجلديدة‪ :‬اخلمريات كما ظهر شعر احلكمة‬

‫والفلسفة والزهد والتصوف باإلضافة إىل قصائد الوعظ واالنصاف وبذلك تعددت املوضوعات‬

‫املعاجلة يف األغراض اجلديدة واملتجددة‪.‬‬

‫ويف املبحث الثاين والذي حيمل عنوان القصيدة العباسية وخصائصها الفنية واجلمالية حيث ومن‬

‫ناحية األلفاظ مت هجران للرتكيب الغريب وتوظيف معاين جديدة فلجأ الشعراء اىل االقتباس من‬

‫الفكر الفلسفي ومن ناحية األوزان ظهر افراط كبري يف االعتماد على البحور القصرية وابتداع أوزان‬

‫أخرى ومن حيث األغراض‪ :‬أقدم الشعراء العباسيون على االفراط يف توظيف اخلمرة وجمالسها‬

‫ووصف الرياض واملدن والتغزل‪ ،‬كما مت التجديد يف قصائد الوصف واهلجاء‪.‬‬

‫ج‬
‫مقدمة‬

‫لنختم موضوعنا هذا ببعض النتائج‬

‫أما الصعوبات فهي تكمن يف املوضوع حبد ذاته خطرا لألصول التارخيية العريقة للعصر العباسي وتعدد‬

‫املؤلفات فيه واختالف اآلراء حوله هذا ما صعب علينا وضع منهجية حمكمة لالملام بكامل موضوع‬

‫البحث‪.‬‬

‫ورغم ذلك جتاوزنا هذه الصعوبات وتعمقنا يف هذا املوضوع وكلنا أهل يف حتقيق املستوى املطلوب‪،‬‬

‫وهو موضوع مفتوح للدراسة والتناول‪.‬‬

‫أخريا أمتىن أن نكون قد وفقنا ولو بقدر قليل‪ ،‬فالتفسري موجود وذلك لإلنسان ونسيانه‪ ،‬ولكن‬

‫التوفيق‪.‬‬ ‫اهلل‬ ‫ونسأل‬ ‫أجران‪،‬‬ ‫فله‬ ‫وأصاب‬ ‫اجتهد‬ ‫فمن‬ ‫اليه‬ ‫ذلك‬ ‫حتتسب‬

‫د‬
‫مدخل‬
‫مدخل‬

‫تعترب احلضارة اإلسالمية من احلضارات العريقة اليت كان هلا أثر واسع يف مسار احلضارة‬

‫البشرية‪ ،‬فنشأت الدولة اإلسالمية بعد مدة من بعثة النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬برسالة‬

‫اإلسالم‪ ،‬وبعد وفاة نيب األمة عليه الصالة السالم آل احلكم إىل اخللفاء الراشدين‪،‬وبعد وفاة اخلليفة‬

‫الرابع علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه قامت اخلالفة األموية واليت استمر حكمها واحد وتسعني‬

‫سنة)‪750-661‬م(‪.‬‬

‫إال أن فرتة احلكم مل تصمد طويال‪ ،‬خاصة يف الفرتة الزمنية األخرية نظرا ملا عرفته اخلالفة‬

‫األموية من ضعف ومشاكل يف احلكم‪ ،‬خاصة ما تعلق منها باجلانب السياسي وعليه فقد استغل‬

‫خلفاء بنو العباس نقاط ضعف الدولة األموية‪ ،‬متجاوزين بذلك صعوبات استقرار احلكم األموي‪ ،‬إال‬

‫أن اغتصبوا اخلالفة من األمويني خالفتهم على انقضاض الدولة األموية‪.‬‬

‫لقد تعددت األسباب والعوامل حول اهنيار وضعف الدولة األموية حيث ظهر هذا وبشكل‬

‫واضح "يف أعوامها األخرية وأصبحت ال تقوى على الوقوف أمام القوى املناوئة هلا‪ ،‬وكان لفريق من‬

‫العرب احلاقدين على بين أمية ومن الكارهني حلكمهم من غري العرب‪ ،‬الدور الكبري يف اهنيارها‪ ،‬وزوال‬

‫سلطتها وانقضاء عهدها إىل جانب االضطراب السياسي واالجتماعي واالقتصادي يف عهد آخر‬
‫‪1‬‬
‫خلفائها مروان بن حممد"‪.‬‬

‫لقد كان من الصعب إزاحة خلفاء مثل خلفاء بين أمية عن احلكم‪ ،‬ولكن بعد أن "خرج‬

‫العباسيون منتصرين يف معركة الزاب الكربى مشايل العراق اليت استلموا بعدها احلكم من األمويني‬

‫‪ 1‬ناظم رشيد‪ :‬األدب العريب يف العصر العباسي‪ ،‬دار الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬جامعة املوصل‪ ،‬العراق‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪6‬‬
‫مدخل‬

‫املدحورين‪ ،‬ولكن األمويني ظلوا يف خطر العباسيني قوة خيشى نفوذها"‪ .2‬ألن بين أمية عرفوا منذ‬

‫القدم بالقوة والسيطرة خاصة يف الفرتة اليت تولوا فيها احلكم‪.‬‬

‫لذلك جلأ العباسيون إىل استخدام احليل واملكائد‪ ،‬من أجل القضاء هنائيا على بين أمية "منها‬

‫ما فعله عبد اهلل بن علي عم السفاح وبطل معركة الزاب الذي قيل أنه دعا مثانني من افراد البيت‬

‫األموي إىل وليمة وما كادوا جيلسون حىت أمر هبم أن يضربوا بالعمد ويقتلوا‪ ،‬وقد فعله السفاح وعماه‬

‫داود وسليمان‪ ،‬ومن املعروف أن مروان بن حممد آخر خلفاء األمويني كان قد هرب بعد متزيق جيشه‬

‫يف الزاب إىل مصر‪ ،‬ولكن إرادة العباسيني يف القضاء على األمويني وخطرهم كانت وراء تكليف عبد‬

‫اهلل بن علي أخاه صاحلا بتتبعه وقتله‪ ،‬وهكذا فقد ظل مروان يفرمن أمام صاحل من بلد إىل آخر حىت‬

‫ظفر به وقتله جنده عام‪132‬هـ وكانت إرادة بطش العباسيني باألمويني السبب يف هرب عبد الرمحان‬

‫الراحل حفيد هشام بن عبد امللك إىل األندلس وتأسيس دولة أموية فيها"‪.3‬‬

‫وهذا إن دل على شيء‪ ،‬إمنا يدل على عزم و إصرار وإرادة العباسيني يف القضاء على بين‬

‫أمية‪ ،‬وحمو أثرهم هنائيا من أجل استالم اخلالفة دون مشاكل هتدد سلطتهم ونفوذهم‪.‬فكان "سقوط‬

‫اخلالفة األموية سيدة العامل يومها من أشد املآسي اليت سجلها التاريخ يف الشرق قسوة ورعبا ومل يكد‬

‫‪ 2‬مصطفى السيويف‪ :‬تاريخ األدب يف العصر العباسي‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2008 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 3‬مصطفى السيويف‪ :‬تاريخ األدب يف العصر العباسي‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪7‬‬
‫مدخل‬

‫أبو العباس السفاح ينتصر على مروان خصمه يف املعركة حىت أعطى أوامره مبالحقة أفراد األسرة‬
‫‪4‬‬
‫األموية املخلوعة وأن يستأصلهم مجيعا"‪.‬‬

‫كما أدى االهنيار والضعف املتتايل لدويالت اخلالفة األموية إىل تراجع الفتوحات اإلسالمية يف‬

‫تلك الفرتة وكذا التوسعات اجلغرافية اليت عرفتها اخلالفة األموية‪.‬‬

‫فإن" الثورة كانت قضية عربية اصطدم فيها العرب من أنصار األمويني بالعرب من أنصار العباسيني‬

‫فحاول كل طرف أن يكتسب إىل جانبه من يستطيع من القبائل العربية األخرى يف األقاليم‪،‬‬

‫حيث اشرتك اهلوايل يف أحداث الثورة على أن دورهم مل يكن كبريا باملقارنة بدور القبائل العربية‪ ،‬فلقد‬
‫‪5‬‬
‫حارب الفرس كموال تابعني لقابل عربية ولذلك شاهدهم حياربون يف اجلانبني األموي والعباسي‪".‬‬

‫فقد شكل تويل العباسيني اخلالفة نقطة حتول كبرية شهدها املسلمون بصفة عامة والعباسيني‬

‫بصفة خاصة مستفيدين من العلوم واملعارف اليت عرفت التطور والتجويد يف كل الفرتة‪.‬‬

‫إ ْذ "مل يكن قيام دولة اخلالفة العباسية جمرد بيعة خليفة دون آخر‪ ،‬أو انتقال احلكم من‬

‫األمويني إىل العباسيني يف حكم اجلماعة اإلسالمية‪ ،‬بل يعد هذا احلدث ثورة شاملة يف التاريخ‬

‫اإلسالمي‪ ،‬ومنعطفا مهما يف مسرية التطور اإلسالمي‪ ،‬غري بشكل جذري اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬وتول‬

‫‪ 4‬الطاهر أمحد مكي‪ :‬الشعر العريب يف إسبانيا وصقلية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1999 ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 1‬فاروق عمر فوزي‪ :‬اخلالفة العباسية لعصر القوة واالزدهار‪ ،‬الطبعة العربية االوىل‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،1998 ،‬ص‪.27‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخل‬

‫انطباعا عميقا يف مجيع نواحي احلياة السياسية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية وفتح أمام املسلمني‬

‫من غري العرب باب الظهور يف تلك النواحي"‪.6‬‬

‫وعليه فقد ساهم العباسيون‪ ،‬بشكل أو بآخر يف النهوض بالتطور اإلسالمي وكذا إعطاء‬

‫العقلية العربية ملسة جديدة دون املساس مببادئ الدين اإلسالمي واحملافظة عليه واالستمرار يف تسيري‬

‫شؤون اجملتمع‪ ،‬باإلضافة إىل العمل على حتسني الظروف االجتماعية واالقتصادية للمجتمع‪.‬‬

‫اعتربت الفرتة اليت حكم فيها بنو العباس من أزهى العصور واأليام يف التاريخ اجمليد‪ ،‬حيث‬

‫اهنارت فيها املدينة‪ ،‬وارتقت احلضارة وانتشرت العلوم واآلداب كما بلغ العطاء الفكري منزلة منيعة‪،‬‬

‫ووصل االنفتاح الفكري مكانة رفيعة وكانت مثرة طيبة غزيرة حيث "جتسد هذا فيما وصل إلينا من‬
‫‪7‬‬
‫األمساء خاصة العلماء واألدباء الكبار والذخرية الكبرية من الكتب واألسفار‪".‬‬

‫وميكن اعتبار نقطة البداية للتطور احلضاري والفكري يف العصر العباسي إمنا كانت يف الفرتة‬

‫األوىل من بدايته أي أن "العصر العباسي األول (‪334-132‬ه) كانت حافلة بكثري من األحداث‬

‫السياسية والتغيريات الثقافية واألدبية‪.‬وهو عصر ازدهرت فيه العلوم والفنون واآلداب‪ .‬ونبع فيه فحول‬

‫الشعراء والعلماء والكتاب‪ .‬وكانت للنهضة األدبية فيه دويها وأثرها يف كل العصور اليت تلت هذا‬
‫‪8‬‬
‫العصر العظيم"‪.‬‬

‫‪ 6‬حممد سهيل طقوش‪ :‬تاريخ الدولة العباسية‪ ،‬دار النفوس‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،2009 ،7‬ص‪.7‬‬
‫‪ 7‬ينظر ناظم رشيد‪ :‬األدب العريب يف العصر العباسي‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ 8‬حممد عبد املنعم خفاجي‪ :‬اآلداب العربية يف العصر العباسي األول‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪9‬‬
‫مدخل‬

‫كما ميكن اعتبار هذه الفرتة مرحلة التغري والبناء والتفتح على عامل جديد كان باألمس يف زمن‬

‫األمويني شبه غامض ويسري ورغم التضارب الزمين‪ ،‬واختالف اآلراء واألقوال حول تاريخ سقوط‬

‫الدولة األموية‪ ،‬وقيام الدولة العباسية فإن "التاريخ الزمين بينهما مل يكن مفصوال بطريقة‬

‫ميكانيكية‪...‬وليس له حدود فاصلة مرسومة بدقة‪ ...‬فالناس ويف عصر مل يعرف غري الربيد الرمسي‬

‫على ظهور احليوانات ظلوا حييون حياهتم غري مبالني مبا حدث بل أن كثريا منهم مل يسمعوا هبذا‬

‫التغيري إال بعد حني"‪.9‬‬

‫واعترب العصر العباسي امتداد للعصر األموي يف خمتلف اجملاالت خاصة ما تعلق منها بالشعر‬

‫والشعراء حيث يوجد الشعراء يف العصر العباسي ال يزالون ينظمون الشعر خللفاء بين أمية وأشهرهم‬

‫اخلليفة مروان بن حممد حيث مدحه أحد الشعراء يف العصر العباسي‪" ،‬إما ألنه مل يكن يدري أنه‬

‫مات أو ألنه مايزال مواليا له فجاء مروان بن أيب حفصة واشرتى القصيدة منه بثالمثائة درهم وحوهلا‬

‫من مدح مروان بن حممد إىل مدح معن بن زائدة وحول آل مروان إىل آل شيبان"‪.10‬‬

‫‪ 9‬عبد عون الروضان‪ :‬شعراء العصر العباسي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ج‪ .1‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.4‬‬
‫‪ 10‬ينظر املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل األول‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬قيام وتأسيس الدولة العباسية‪.‬‬

‫يعترب العصر العباسي العصر الذي توىل فيه اخلالفة آل العباس بن عبد املطلب‪ ،‬حيث قامت‬

‫دوهلم على انقاض دولة بين أمية سنة ‪132‬ه لتظل حىت سنة ‪656‬هـ حني هزمت على يد التتار‪.‬‬

‫ويرى العديد من مؤرخي التاريخ العريب اإلسالمي واحلضارة العربية اإلسالمية بأنه" عصر‬

‫اإلسالم الذهيب الذي بلغ فيه املسلمون من العمران والسلطان مامل يبلغوه من قبل وال من بعد‪ ،‬أمثرت‬

‫فيه الفنون اإلسالمية‪ .‬وازدهرت اآلداب العربية ونقلت العلوم األجنبية ونضج العقل فوجد سبيال إىل‬
‫‪11‬‬
‫البحث وجماال للتفكري‪".‬‬

‫وعليه فإن فرتة حكم العباسيني هي من بني أرقى وأعظم فرتات احلكم اليت عرفها التاريخ‬

‫اإلسالمي وهذا استنادا إىل ما عرفه املسلمون من تطور وحتسن احلياة مبختلف جماالهتا وفروعها‪،‬‬

‫مقارنة مع ما شهده اجملتمع العريب اإلسالمي من قبل‪.‬‬

‫جتلى هذا يف تطور املعارف اإلسالمية وكذا اآلداب العربية باإلضافة إىل اإلستفادة من العلوم‬

‫األجنبية‪ ،‬حيث فتح هذا باتبا واسعا أمام البحث والتعمق يف شىت اجملاالت‪.‬‬

‫وهكذا وبعد الضعف التام الذي عرفته الدولة األموية‪ ،‬تطلع الناس إىل رجل يعود باألمة إىل‬

‫الطريق الصحيح‪ ،‬يرفع عنهم الظلم ويقيم فيهم العدل‪ ،‬ويرهب هبم األعداء‪ ،‬فحسبوا أن أصلح الناس‬

‫هلذا األمر رجل يكون من بين هاشم" فكان بنو العباس وهم فرع من بين هاشم‪ ،‬يرون أن اخلالفة‬

‫‪ 11‬أمحد حسن الزيات‪ ،‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬دار الثقافة بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة ‪،1987 ،28‬ص‪.233‬‬

‫‪12‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫حقهم املسلوب‪ ،‬وتراثهم املنهوب‪ ،‬فأخذوا يطالبون هبا‪ ،‬واستطاعوا بذكائهم وفطنة رجاهلم أن يستغلوا‬

‫الكراهية على بين أمية للوصول إىل هدفهم املنشود ومتكنوا بدهائهم وكياستهم أن يستميلوا العلويني‬

‫الذين كانوا يطالبون باخلالفة أيضا ويرون أنفسهم أحق من غريهم باحلكم"‪.‬‬

‫فعملوا على اإلتصال بالناس‪ ،‬واختيار من بينهم دعاة خيرجون وينشرون يف ربوع الدولة األموية‪،‬‬

‫يشهرون هباء وينتقدون عيوهبا‪ ،‬ويدعون إىل ضرورة أن يتوىل أمر اخلالفة رجل من آل البيت‪ ،‬قادر‬

‫على أن ميلء األرض عدال‪ ،‬ووجدت لكل الدعوى صدى ضدى الناس ورواجا كبريا‪.‬‬

‫وقد اعترب ميالد الدولة العباسية أحد أهم األحداث يف التاريخ اإلسالمي على مر العصور‪،‬‬

‫ألهنا تعد أطول دولة احتلت كرسي اخلالفة‪ ،‬ملدة تزيد عن نصف األلفية‪ "،‬فبعض الؤرخني يقسم‬

‫اخلالفة العباسية إىل أربعة عصور فيعترب كل فرتة عصرا قائما بذاته‪ ،‬ومكن الذين جرو على هذا النمط‬

‫األستاذ جورجي زيدان يف كتابه تاريخ ادب اللغة العربية‪ ،‬والبعض اآلخر يقسم اخلالفة إىل عصرين‬

‫كبريين‪ ،‬ويقسم كل عصر إىل فرتتني‪ ،‬وهو التقيبم الذي ذهب إليه شوقي ضيف‪ ،‬وهو كاآليت‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫العصر الثاني‬ ‫العصر األول‬


‫الفرتة الثالثة‪:‬‬ ‫الفرتة األوىل‪:‬‬
‫من ‪334‬هـ إىل ‪447‬هـ‪.‬‬ ‫من ‪132‬هـ إىل ‪247‬هـ‪.‬‬
‫الفرتة الرابعة‪:‬‬ ‫الفرتة الثانية‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫من ‪447‬هـ إىل ‪656‬هـ‬ ‫من ‪247‬هـ إىل ‪334‬هـ‪.‬‬

‫ويعترب تقسيم هذه الفرتات الزمنية للعصر العباسي من أبرز التقسيمات اليت تناوهلا العديد من‬

‫األولياء والكتاب إال أنه سجل بعض االختالف يف التواريخ يف بعض املؤلفات األدبية والنقدية‪.‬‬

‫بعدما متكن بنو العباس من بسط نفوذهم عام ‪132‬ه وهذا على حساب اخلالفة األموية شرقا‬

‫وغربا‪ ،‬وبعد أن حتولت العاصمة السياسية من دمشق إىل الكوفة مث الحقا إىل بغداد واليت أسسها أبو‬

‫جعفر املنصور وهو ثاين خلفاء بين العباس‪ ،‬وظلت أحد أهم احلواضر اإلسالمية إىل أن سقطت يف‬

‫يد التتار سنة‪656‬ه‪.‬‬

‫ويف ظل األحداث والوقائع اليت عرفها العصر العباسي فقد مت تقسيمها إىل فرتتني مها‪:‬‬

‫العصر العباسي األول (‪334 -132‬ه)‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ 2‬حبيب موسى‪ ،‬أطروحة الغموض يف الشعر العباسي ( قراءة يف شعر أيب متام وبن الرومي واملتنيب)‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه يف االدب‬
‫والنقد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تعترب بداية الفرتة األوىل من هذا العصر حيث متيزت بقوة اخلالفة وجمد الدولة‪ .‬فقد ثبتت قواعد‬

‫الدولة " منذ أن أعلن أبو العباس السفاح يف الكوفة قيام اخلالفة العباسية‪ ،‬وأخذ يف توطيد دعائم‬

‫الدولة اجلديدة وتثبيت أركاهنا"‪13.‬وتبايع اخللفاء من بعده حيث امتد نفوذها يف أيام املهدي‪ ،‬وتألقت‬

‫حضارهتا وعظمت هيبتها أيام هارون الرشيد واملأمون‪ ،‬أما املعتصم فتوالت يف عهده االنتصارات‬

‫العسكرية واستمر ذلك إىل غاية عصر الواثق واملتوكل‪ .‬وقد اعتربت الفرتة األوىل من العصر العباسي‪،‬‬

‫فرتة السيادة والسلطة بامتياز‪.‬‬

‫أما العصر العباسي الثاين أو عصر حتكم االتراك مبفاصل الدولة وهو عصر نفوذ اخلدم وسيطرهتم‪.‬‬

‫فيما اعترب العصر العباسي الثالث عصر الضعف وسيطرة العنصر األجنيب‪ ،‬ولكنه كان العصر الذهيب‬

‫للعلم‪ ،‬حيث نضجت فيه العلوم على اختالف موضوعاهتا‪ .‬ومت منوها‪ ،‬وظهرت الكتب الوافية يف‬

‫اللغة والتاريخ وغريها‪.‬‬

‫فيما متيز العصر العباسي الرابع‪ ،‬وهو عصر االنقالب السياسي الذي كان له تأثري كبري يف اململكة‬

‫اإلسالمية واألمم اإلسالمية‪ .‬ومن أبرز اإلنقالبات اليت ظهرت‪" :‬ظهور السالجقة وظهور الصليبيني‬

‫الذين سيطروا على الشام‪ ،‬كما اختلطوا باألهليني خاصة املسيحيني بالزواج وغريه‪ .‬وكذلك املغول‬

‫وسيطرة األمراء من الرببر واملوايل يف بالد األندلس وكذلك ظهور األيوبيون والفاطميون يف مصر‬
‫‪14‬‬
‫والشام وغري ذلك‪".‬‬

‫‪ 13‬حممد عبد املنعم خفاجي‪ ،‬اآلداب العربية يف العصر العباسي األول‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ 14‬ينظر‪ ،‬حممد عبد املنعم خفاجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬اآلداب العربية يف العصر العباسي‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪15‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ورغم توايل هؤالء اخللفاء‪ ،‬نفوذ العصر العباسي كان واضحا‪ ،‬وإن بقي الرأي األعلى والكلمة‬

‫النافذة للخليفة العباسي‪" ،‬ومن أبرز الوقائع اليت شهدهتا هذه الفرتة ما فعله السفاح بأيب مسلم‬

‫اخلرساين‪ ،‬والرشيد بالربامكة‪ ،‬واملأمون بالفضل بن سهل‪ ،‬وهذا ال يعين تراجع حكمهم‪ ،‬فقل ظل‬
‫‪15‬‬
‫منصب الوزارة وقفا عليهم‪".‬‬

‫فجعلوا قصور اخللفاء أشبه بقصور األكاسرة‪ ،‬ونظموا الدواوين ووضعوا أساليب احلرب ونظم‬

‫احلكم" فنحن جند ديوان الربيد يراقب تصرف الوالة يف األقاليم الكربى‪ ،‬وديوان الضياع يتوىل النظر‬

‫يف ضياع اخللفاء وأمالكهم‪ ،‬أما ديوان التوقيع يقوم بالنظر يف مظامل الناس وشكواهم وجند كذلك‬

‫ديوان خاص ينظر يف احلسابات اخلاصة واخلدم‪ ،‬وديوان الضرب يتوىل ضرب النقود‪ ،‬وديوان‬
‫‪16‬‬
‫اجليش‪...‬وديوان بيت املال وغريها من الدواوين األخرى"‬

‫فأصبح اجلانب السياسي يسري وفق خطط متبعة‪ ،‬استدل هبا اخللفاء يف تسيري شؤون الدولة‬

‫العباسية‪.‬‬

‫العصر العباسي الثاني‪(:‬من ‪334‬ه ألى ‪656‬ه)‪.‬‬

‫وهو النصف الثاين من اخلالفة العباسية‪ ،‬أو الفرتة الزمنية األخرية للخالفة لدى العباسيني‪ .‬فقد‬

‫متيز هذا العصر باالستقالل واإلنفصال‪ ،‬ومن بني الدويالت اليت استقلت عن الدولة العباسية‪ ،‬الدولة‬

‫البويهية اليت تأسست سنة ‪447‬ه حيث" استقل أمراء آل البويهة منهم بإقليم فارس واجلبل وهو‬

‫‪ 15‬شوقي ضيف‪ ،‬تاريخ األدب العريب يف العصر العباسي األول والثاين‪ ،‬ج‪.3‬‬
‫‪16‬ينظر‪ ،‬األصطخري‪ ،‬املسالك واملمالك‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مكتبة املصطفى اإللكرتونية‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫املعروف حاليا بإقليم إيران‪ ...‬وما كاد نفوذ البويهيني يعظم يف بالد فارس وما جاورها حىت تطلعوا‬

‫إىل الزحف على دار اخلالفة يف بغداد فزحفوا جبيوشهم على العراق شيئا فشيئا ومت هلم انتزاع السلطة‬

‫من أيدي قواد الرتك يف بغداد"‪.17‬‬

‫فقد أدى هذا الضعف الذي عرفته الدولة العباسية‪ ،‬إىل انفصال العديد من الدويالت كانت‬

‫تابعة هلا‪ ،‬واليت كان هلا الدور الكبري"يف تطور العلم واألدب فقد اعترب العصر العباسي العصر الذهيب‬

‫بامتياز خاصة يف اجلانب العلمي‪ ،‬حيث تطورت العديد من العلوم‪ ،‬مبختلف موضوعاهتا‪ ،‬وظهرت‬

‫العديد من الكتب يف جمال اللغة والتاريخ واجلغرافيا وكذا األدب والفلسفة"‪ ،18‬كما استعادت اللغة‬

‫مكانتها ورمسيتها‪ ،‬وتعددت احلواضر العلمية والثقافية‪ ،‬وهذا بفضل تالحم ومناسك الدولة العباسية‬

‫قبل انفصال بعض الدويالت‪.‬‬

‫وقد امتد ظهور البويهيني فرتة من الزمن‪ ،‬خاصة يف العاصمة بغداد‪ ،‬ساعدهم يف ذلك جيش‬

‫أجنيب معظمهم من الرتك‪ ،‬إال أنه كانت هناك معارضة خاصة من بعض" القبائل العربية النازحة يف‬

‫الفرات واجلزيرة ومشارف الشام وما حل باخلالفة من ضعف بسبب نفوذ البويهيني‪ ،‬استقلوا مبا يف‬

‫أيديهم‪ ،‬فتغلب آل محدان على إقليم الشام‪ ،‬وانتهز العلويون هذه الفرصة‪ ،‬فنشطوا ينشئون هلم دوال‬

‫صغرية يطربستان واحلجاز واليمن"‪.19‬‬

‫‪ 17‬جاهد حنفي داود‪ ،‬اآلداب اإلقليمية يف العصر العباسي الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬طبعة ‪ ،1981 ،2‬ص‪.12‬‬
‫‪ 18‬ينظر‪ ،‬ابراهيم أيوب‪ ،‬التاريخ العباسي والسياسي واحلضاري الشركة اتلعاملية للكتاب‪ ،‬طبعة‪ ،1989 ،1‬ص‪.27‬‬
‫‪ 19‬حامد حنفي داود‪ ،‬اآلداب اإلقليمية يف العصر العباسي الثاين‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪17‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫كما وجدت أيضا يف هذه الفرتة الدولة احلمدانية والدولة الفاطيمية‪ ،‬واليت أنشأت يف بالد‬

‫املغرب واختذت الحقا مصر مقرا هلا للخالفة‪.‬‬

‫وقد كانت العالقة بني اخللفاء العباسيني والبويهيني يف هذه الفرتة جد متوترة‪ ،‬حيث سعى‬

‫هؤالء‪ -‬البويهيني‪ -‬إىل استالم زمام احلكم مبختلف الطرق‪ ،‬وحولوا إزاحة اخللفاء العباسيني من‬

‫مناصبهم بالقوة فقد" قل احرتام البويهيني للخليفة العباسي حيث خلع معز الدولة اخلليفة املستكفي‬

‫بعد اثين عشر يوما من دخوله بغداد‪ ،‬وكانت طريقة اخللع تدل على اهلمجية وقلة الذوق‪ ،‬حيث‬

‫دخل جنديان من الدليم على اخلليفة يف بالطه وجذباه وطرحاه أرضا ووضعا عمامته يف عنقه وجراه‬

‫إىل دار أمري األمراء‪ ،‬مث هنبت داره وكانت هتمته التآمر على معز الدولة مع القادة واالستنجاد‬

‫باحلمدانيني واعتقال رئيس الشيعة"‪ .20‬بل واستمرت هذه املعاملة للعباسيني‪ ،‬فقد سب البويهيني‬

‫بعض الصحابة حىت طالت بيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫حيث استعمل البويهيني طرق وأساليب خمتلفة من أجل إضعاف اخللفاء العباسني‪ ،‬فكان‬

‫هناك" عنف بربري‪ ،‬مشل القتل‪ ،‬ومشل العيون واإليقاف يف الشمس احملرقة والضرب‪ .‬وكان خلع‬

‫اخللفاء أيسر ما ينزل هبم‪ ،‬وقل من اخللفاءمن جنا من هذا املصري‪ ،‬وقد دون السيوطي وبن طباطبا‬

‫صورا من النهايات األليمة‪ ،‬ومن اخللفاء الذين مسهم اهلوان‪ ،‬املعتز باهلل الذي أوقف بالشمس مث‬

‫‪ 20‬فاروق عمر فوزي‪ ،‬اخلالفة العباسية( السقوط واالهنيار)‪ ،‬دار الشروق‪ -‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪1998 ،1‬م‪ ،‬ص‪.118‬‬

‫‪18‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫قتل‪ ،‬واملقتدر قطع رأسه وألقيت جثته على قارعة الطريق‪ ،‬واملستكفي الذي خلع وفقعت عيناه‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫واعتقل حىت مات وغريهم‪".‬‬

‫إال أن هذا األمر وهذه الكراهية مل تعمم على كافة األمراء البويهيني‪ ،‬فمنهم من كان يعتقد أن‬

‫التظاهر باحرتام اخلليفة واظهار صفاته الدينية للخالفة يف املناسبات هلا أثر يف هتدئة العام وكذا‬

‫ارضائها‪ ،‬ومثال ذلك" أهنم مل ينقلوا اخلالفة من بين العباس إىل العلويني وذلك ألن هذا األمر‬

‫سيؤدي إىل صدام بينهم وبني عامة الناس‪ ،‬وهذا الصدام لن يكون مثل غريه مما وقع بني السنة‬

‫والشيعة‪ ،‬بل قد يؤدي إىل إضعاف مركزهم أو زواله‪ ،‬ومن جهة ثانية فإن وجود خليفة علوي يعرتفون‬

‫خبالفته و يقووهنا سيسلبهم كثريا من صالحياهتم"‪.22‬‬

‫وقد استمر هذا التوتر بني اخلالفة العباسية والبويهيني حيث حافظ هؤالء بعد تردد كبري على‬

‫منصب اخلالفة‪ .‬لكنهم ويف املقابل سيطروا على مقاليد األمور‪ ،‬وتصوفوا بشكل مطلق‪ ،‬وقد متيزت‬

‫فرتة خالفتهم بسيطرة النفوذ الشعيب‪ ،‬وأدى هذا إىل استمرار مظاهر ضعف اخللفاء‪ ،‬وكذا فقدان‬

‫هيبتهم مسيطرة استمرت فرتة من الزمن‪.‬‬

‫ولكن سرعان ما ضعفت السلطة البويهية وتراجع دورها خاصة يف اجلانب السياسي‪ ،‬نظرا‬

‫للدور الكبري الذي لعبته يف إخالل التوازن للدولة العباسية‪ .‬ومن أبرز األسباب اليت أدت إىل سقوط‬

‫البويهيني " وفاة عضد اهلل واليت اعتربت وفاته منعطفا حنو تدهور يف مسرية البويهني وقد أدى هذا إىل‬

‫‪ 21‬أمني أبو ليل‪ ،‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬العصر العباسي الثاين‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ 22‬علي حممد الصاليب‪ ،‬صفحات من التاريخ اإلسالمي يف مشال إفريقيا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.100‬‬

‫‪19‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫اشتعال احلروب بني األمراء من اجليل الثالث والرابع‪ ،‬كما يعترب اجليش سببا من أسباب سقوط‬

‫وضعف البويهيني حيث كان يتكون اجليش البويهي من عنصرين مها‪ :‬الدياملة والرتك‪ ،‬فقد اتبعت‬

‫معهم سياسة استغاللية وانتهازية‪ ،‬أدىهذا إىل حدوث متردات واسعة أدت إىل تفضيل معظم األمراء‬

‫أحد العنصرين على اآلخر‪.‬‬

‫كما وجدت كذلك السياسة املذهبية واليت اتبعها بعض األمراء أدت إىل ظهور فنت واضطرابات‬

‫مادية وبشرية‪ ،‬وكان "لسوء األوضاع املادية واالقتصادية دور يف ضعف اجلهاز اإلداري للبويهيني‪،‬‬

‫وكانت السياسة اإلقليمية سببا يف عزلة كيان األمراء البويهيني السياسي عن بقية العامل اإلسالمي وعن‬
‫‪23‬‬
‫اخلالفة العباسية‪".‬‬

‫فأسقطوا الكيان البويهي شأنه شأن باقي الكيانات السياسية األخرى من ناحية السقوط‬

‫واالهنيار وهذا من خالل تنازع األمراء األسرة البويهية فيما بينهم وحماولة سلب السلطة والنفوذ من‬

‫بعضهم البعض‪ ،‬فقد متيزت فرتة حكم البويهيني باالهنيار السياسي والفساد اإلداري‪ ،‬وهذا ال خيتلف‬

‫كثريا عن الفرتة الزمنية اليت سبقتها وهي فرتة النفوذ العسكري الرتكي‪.‬‬

‫ويف املقابل جند أن كل هذه األجواء السياسية املتوترة مل تؤثر على احلركة العلمية األدبية وحىت‬

‫الثقافية اليت كانت تشهدها احلضارة العربية االسالمية‪.‬‬

‫أصل السالقجةة‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ ،‬فاروق عمر فوزي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.147-146‬‬

‫‪20‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ينحدر السالجقة من قبيلة تفق الغزية الرتكية "وينتسبون اىل جد وهو سلجوق بن دقاق‪،‬‬

‫وكانت منازهلم يف الصحراء الواسعة والسهوب املمتدة من الصني حىت شواطئ حبر اخلزر‪ ،‬اعتنقوا‬

‫املذهب السين ونصروه بغرية ومحاسة ويف عام (‪375‬هـ‪985/‬م) نزحوا من وطنهم األصلي اىل بالد‬

‫ما وراء النهر وخراسان بسبب الظروف االقتصادية السيئة يف هذه املناطق الصحراوية أو بسبب‬

‫احلروب اليت كانت تدور بني القبائل املختلفة عادة‪ ،‬فاصطدموا بالغزنويني الذين كانوا يسيطرون على‬

‫املنطقة وطردوهم منها بعد سلسلة من االصطدامات‪ .‬وأسس السلطان السلجوقي "مغزل بل" دولة‬

‫يف خراسان يف عام (‪431‬هـ‪1040/‬م) على أثر انتصاره على السلطان مسعود الغزنوي يف معركة‬
‫‪24‬‬
‫دانداتقان واعرتف اخلليفة العباسي القائم به سلطانا يف العام التايل‪".‬‬

‫وقد سجل هلم التاريخ بعد أن دخلوا يف االسالم وجاهدوا يف سبيل قوة االسالم ونشره وظهور‬

‫وبشكل واضح على املسرح السياسي فكانت هلم عديد األحداث يف هذا العصر حيث واجهوا‬

‫البيزنطيني وحتدوا األصليني وقاتلوا النرت املغول‪.‬‬

‫العالقة بين الخلفاء العباسيين وسالطين السالقجةة‪:‬‬

‫كانت العالقة بينهم عالقة تعاطف فكانت أشبه بالعالقة الودية للعباسيني كان هدفهم القضاء على‬

‫الوجود البويهي وكذا متردهم عرب أقاليمهم هذا من جهة ومن جهة أخرى وللسالجقة كان من‬

‫مصلحتهم أن حيصلوا على تأييد اخلالفة العباسية من أجل بسط نفوذهم يف بالد فارس والعراق‪.‬‬

‫‪ 24‬حممد سهيل طقوش‪ ،‬ص‪.238 ،237‬‬

‫‪21‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫بل أن العالقة امتدت اىل أبعد من ذلك عندما "عقدت مضاهرات بني طغرل بك واخلليفة‬

‫العباسي القائم وبني ملكشاه واخلليفة املقتدي‪ .‬ومل يكن بوسع اخلليفة أن يرفض فحني رفض هذا‬

‫األخري طلب ملكشاههدده بقوله‪" :‬ال بد أن ترتك يل بغداد وتنصرف اىل أي بالد شئت‪"......‬‬
‫‪25‬‬
‫وحني جاء املستظهر للخالفة مل يكن قد تعدى العشرين من عمره بعد‪".‬‬

‫واملالحظ بأن النفوذ السلجوقي ال خيتلف كثريا عن سابقه وهو التسلط البويهي من ناحية‬

‫اخلالفة العباسية‪ ،‬حيث بقي اخللفاء العباسيون مسلويب السلطة خاصة يف السياسة واالدارة وهذا‬

‫الرغم من أن السالجقة يتخذوا منصب أمري األمراء‪ ،‬أو أن يستقر وببغداد كما فعل البوميني‪ ،‬بل أن‬

‫اخلالفة العباسية بقية حمافظة على شكلها اخلارجي‪ ،‬أما من الداخل فقد كان واضح تسلط السالجقة‬

‫خاصة يف تسيري شؤون احلكم والتحكم التام بكل اجملريات واألحداث اليت كانت تعيشها اخلالفة‬

‫العباسية يف هذه الفرتة‪.‬‬

‫إال أن السالطني السالجقة بالغوا يف التدخل املباشر والغري مباشر يف شؤون اخلالفة العباسية‪،‬‬

‫مما أدى اىل ظهور العديد من االختالفات واملشادات بني العباسيني والسالجقة‪ ،‬حيث قامت العديد‬

‫من املعارك فيما بينهم أدى اىل "تغلب العناصر الغري عربية من الفرس والرتك على اخلالفة والسلطة اىل‬

‫ثورة العناصر العربية على دولة اخلرم واملوايل يف بغداد‪ .‬وكان أبرز أمراء العرب الذين خرجوا على‬

‫الدولة‪ ،‬نصر بن شيت‪ ،‬آل محدان باملوصل‪ .‬وكانت دعوة ابن شيت يف مشال العراق‪ .‬قائمة على‬

‫‪ 25‬فاروق عمر فوزي‪ ،‬ص‪.179‬‬

‫‪22‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أساس االختصار للعرب وكان يقول‪" :‬امنا حاربت بين العباسي حماماة عن العرب‪ ،‬ألهنم يقومون‬
‫‪26‬‬
‫عليهم العجم"‪.‬‬

‫وقد أدت هذه الصراعات اىل ضعف اخلالفة العباسية‪ ،‬وخاصة عندما انشغل اخللفاء باللهو‬

‫واجملون وكثرة الرشوة والفساد يف اجملتمع‪ ،‬ويف املقابل "فإن اخلالفة مرت بفرتة املمتدة بني ‪-512‬‬

‫‪555‬هـ حيث حكم اخلليفة املسرتشد باهلل مث الراشد باهلل مث املقتضي ألمر اهلل‪ .‬فقد خاض هؤالء‬

‫اخللفاء معارك من أجال احياء نفوذ اخلالفة وقادوا اجليوش بأنفسهم واصطدموا بالسالطني السالجقة‬

‫وعملوا على اصالح الوضع االقتصادي املتدهور وهدموا اجلسور بينهم وبني أمراء األقاليم واألطراف‬
‫‪27‬‬
‫أمال يف مساعدهتم أثناء األزمات بينهم وبني السالطني السالجقة‪".‬‬

‫وعليه بدأ هدم النفوذ السلجوقي بفضل هؤالء اخللفاء العباسيني خاصة اخلليفة املقتضي ألمر‬

‫اهلل حيث كان نفوذه الديين السالح القوي بيده‪ ،‬واستطاع أن يوسع نفوذه اىل مناطق متعددة يف‬

‫العراق حيث صمد اخلليفة حملاولة أخرية من األمري السلجوقي حممد لدخول بغداد‪ ،‬حيث كان‬

‫انسحابه عن بغداد بداية النهاية حلكم السالجقة يف العراق‪.‬‬

‫وكان دور اخلليفة العباسي املسرتشد باهلل واملقتضي واضحا بقوة خاصة يف اجلانب السياسي‬

‫واإلداري ومن أبرز ما حققوه هو دفع السالطني السالجقة عن أقاليم العراق‪.‬‬

‫‪26‬أمني أبو ليل‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫‪ 27‬فاروق عمر توزي‪ ،‬ص‪.180‬‬

‫‪23‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وعليه ويف هذه الفرتة بالذات أي املراحل األخرية للخالفة العباسية أي منذ دخول السالجقة‬

‫إىل العراق إىل سقوطها يف أيدي التاتار‪ ،‬مما أدى إىل انتقال اخلالفة إىل مصر‪ ،‬حيث ظهرت العديد‬

‫من احلروب منها احلروب الصليبية‪ ،‬مث جاء وخالل هناية القرن السادس وبداية القرن السابع محلة‬

‫جنكيز خان املغويل على البالد اإلسالمية ليظهر هوالكو يف العراق‪ .‬فانتشرت يف هذه األخرية مجيع‬

‫أنواع الفوضى واخلراب وكثرت فيها اجلرمية‪ .‬مما أدى إىل سوء احلالة السياسية يف هذه الفرتة وعليه‬

‫ميكن القول بأن هذه املرحلة هي مرحلة اهنيار الدولة العباسية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تطور الحياة في العصر العباسي‪.‬‬

‫أ‪ -‬الحياة السياسية‪:‬‬

‫يعترب اجلانب السياسي يف الدولة العباسية أحد أهم اجلوانب وأبرزها تأثرا وتأثريا‪ ،‬فقد شهدت‬

‫فرتة احلكم السياسي عدة حتوالت وتغريات طالت نظام احلكم أمهها " حتول اخلالفة من دمشق اىل‬

‫بغداد على سواعد اجليوش اخلراسانية وهذا بغلبة الطابع الفارسي على نظم احلكم السياسية واالدارية‬
‫‪28‬‬
‫للدولة العباسية"‪.‬‬

‫فتوغل العباسيون يف مدينة بغداد وبنو وعمرو فيها من مباين وقصور‪ ،‬كما كان الدور الكبري‬

‫للعنصر الفارسي بارزا خاصة يف أجهزة احلكم‪.‬‬

‫‪ 28‬شوقي ضيف‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،3‬ص‪.3‬‬

‫‪24‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وأمام هذا فقد دامت فرتة "العصر العباسي أو الدولة العباسية يف بغداد مخس قرون وبعض‬
‫‪29‬‬
‫القرن‪ ،‬من تأسيس الدولة العباسية سنة ‪ 132‬اىل سقوط بغداد على يد هوالكو سنة ‪."656‬‬

‫وهبذا اعتربت بغداد عاصمة الدولة العباسية ومركزا هاما يف حتريك ادارة احلكم وتسيري شؤون‬

‫احلياة يف خمتلف جوانبها‪ .‬فأصبحت نقطة ارتزاق للناس فكثر النشاط التجاري والصناعي وازدهر‬

‫األدب والشعر فالتقى فيها العريب والفارسي والرومي والرتكي والصقلي واهلندي والرببري والزجني‪،‬‬

‫وفيهم املسلم والنصراين واليهودي وغريهم‪.‬‬

‫كما اشتهرت بأهنا مركزا جتاريا هاما‪ ،‬واحدى أكرب وأهم احلواضر االسالمية "وشهدت التجارة‬
‫‪30‬‬
‫نشاطا ملحوظا اعتمدت على ما تنتجه أقاليم الدولة أو ما تستورده من غريها وتعيد تصديره‪".‬‬

‫وعلى الرغم من املشاكل اليت واجهها العباسيون خاصة يف فرتة حكمهم األوىل فقد جتاوزوها فبنوا‬

‫مدينتهم وارتقوا هبا اىل مستوى عال من احلضارة والسياسة‪ .‬وكان للعنصر الفارسي دورا كبريا وواضحا‬

‫يف تسيري شؤون الدولة العباسية‪ ،‬كما تأثر العباسيون بالعلوم الفارسية واملعارف الفلسفية‪ ،‬مستفيدين‬

‫بذلك من احتكاكهم املباشر بالفرس‪ .‬واستمر تأثري الفرس طيلة الفرتة األوىل من العصر العباسي‪.‬‬

‫باإلضافة إىل تأثري الفرس‪ ،‬جند كذلك األتراك ودورهم يف الدولة العباسية‪ ،‬خاصة يف الفرتة‬

‫الثانية من العصر العباسي األول وكانت بداية العنصر الرتكي باملعتصم الذي كون منهم فرقة عسكرية‬

‫كبرية‪ ،‬ضاقتها بغداد وعرفت صراعات بينهم وبني العنصر الفارسي‪ .‬واضطر املعتصم إىل بناء‬

‫‪ 29‬جرحي زيدان‪ ،‬تاريخ أداب اللغة العربية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬ج‪ ،2‬اجلزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ 30‬حممد سهيل طقوش‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪25‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫"سامراء" على شاطئ دجلة وجعلها حاضرة ملكه‪ .‬مث تطاول األتراك وأخذوا يعرتون على قدسية‬

‫اخلالفة وجالل اخللفاء ويتعرضون للناس بالذهب واالعتداء والتقتيل فأصبح اخلليفة بعد املتوكل أشبه‬

‫بأسري يف أيدي أولئك العلمان‪ ،‬ويف ذلك يقول أحد الشعراء مثال‪:‬‬

‫بني وصيف وبغ ـ ـ ـ ــا‬ ‫"خليفة يف قف ـ ـ ــص‬

‫‪31‬‬
‫كما تقول الببغـ ـ ـ ــا"‬ ‫يقول ما قاالل ـ ـ ــه‬

‫وقد جتاوز نفوذ األتراك حيث وصل هبم األمر إىل قتل اخللفاء وعزهلم وتعذيبهم وسجنهم‪،‬‬

‫فقتلوا املتوكل وخلعوا املستعني وعذبوا املعتز وقتلوا املهتدي حىت قال أحد شعراء هذا العصر‪:‬‬

‫ويستقل التايل له أو خيلـ ــع‬ ‫"خلع اخلليفة أمحد بن حممــد‬

‫ويزول ملك بين أبيه وال يرى أحد ميلك منهم يستمتـ ـ ـ ــع‬

‫‪32‬‬
‫يف قتل أعيدكم سبيل مهيــع"‬ ‫ايها بين العباسي إن سبيلك ــم‬

‫ويعد هذا التحول اخلطري الذي عرفته الدولة العباسية والذي متثل يف ضعف العنصر الفارسي‬

‫وقوة العنصر الرتكي أصبحت الدولة تتخبط يف العديد من املشاكل والصراعات والفنت "وضعفت‬

‫اهليئة احلاكمة وكذا السلطة املركزية سياسيا وإداريا وماليا كما انفصلت الواليات عن بعضها فربز‬

‫‪ 31‬علي حممد حممد الصاليب‪ ،‬التاريخ االسالمي يف مشال افريقيا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬دار الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪32‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.93‬‬

‫‪26‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األتراك على الساحة السياسية وحتملوا عبئ إدارة الدولة وحتول هبذا املسار التارخيي السياسي‪ ،‬فبدأت‬
‫‪33‬‬
‫تظهر مالمح زوال فكرة مجع العامل اإلسالمي حتت قيادة سياسية واحدة"‪.‬‬

‫ورغم نفوذ وسلطة وقوة العنصر الرتكي إال أنه واجه حركات مناهضة له متثلت يف تأسيس‬

‫دويالت منفصلة خاصة يف منطقة العراق وهناك متت السيطرة على مقاليد األمور‪.‬‬

‫ويعد ضعف العنصر الرتكي‪ ،‬والصراعات اليت واجهوها مع حركات كانت تدعوا إىل االستقالل‬

‫ما يعترب البويهيون يف مقدمة األمراء الداعيني إىل االستقالل‪" .‬فقد استقل أول األمر بإقليم فارس‬

‫واجلبل‪ .....‬وظل الصراع قائم بني األتراك والبويهيون‪ ،‬حىت متكن السالجقة األتراك من القضاء‬

‫عليهم ‪447‬هـ واسرتداد امللك‪....‬وقامت يف أيامهم دويالت جديدة كاأليوبية يف مصر والشام‪ ،‬ويف‬

‫أواخر أيامهم عرفت اخلالفة فتورا ووهنا انتهى بزحف التتار على بغداد بقيادة هوالكو واستيالئهم‬
‫‪34‬‬
‫عليها‪ .‬وكان ذلك إيذانا بسقوط اخلالفة العباسية‪".‬‬

‫فبعد أن كانت اخلالفة يف قبضة اخلليفة الذي حيكم العامل اإلسالمي يف بغداد تفرق السلطان‬

‫إىل دويالت ومماليك وأصبح لكل دولة منها نظام وجيش وعاصمة‪.‬‬

‫فاختلف احلكم وتوترت أمور العامل اإلسالمي جراء السياسات املختلفة واملتنافرة يف غالب‬

‫األحيان واعترب ذلك سببا يف وهن املسلمني وضعفهم واستسالمهم لتتار دون مقاومة تذكر‪.‬‬

‫‪ 33‬ينظر حممد سهيل طقوش‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية‪ ،‬ص‪.12-11‬‬


‫‪ 34‬ينظر الطربي‪ ،‬تاريخ الرسل و امللوك‪ ،‬حتقيق حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪.11‬‬

‫‪27‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الحياة االقجتماعية‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫كانت احلياة االجتماعية يف العصر العباسي‪ ،‬بشكل عام حياة ترف ونعيم ويكاد األمر كله‬

‫يشمل مجيع طبقات اجملتمع فمن أبرز املظاهر اليت انتشرت يف هذا العصر جند املبالغة يف املباين‬

‫والعمران حيث "تفنن اخللفاء والوزراء يف بناء القصور‪ ،‬حىت يشبه بعضها مدنا صغر متتلئ باألبنية‬

‫واألفنية واألساطني والقباب والبساتني واجلداول والربك والنافورات مع التأنق يف أبواهبا ونوافذها‬

‫وشرفها وزخرفة حيطاهنا بالنقوش والصور وتعليق الستائر اجلريرية عليها وع ما ميوج فيها من البسط‬

‫والسجاجيد والطنافس واملناضد والتحف املرصعة باجلواهر"‪.35‬‬

‫تعالت املباين والقصور‪ ،‬وزينت املساكن بأمجل الرسوم واأللوان وقد كلفت هذه املباين والعمران‬

‫الدولة مباليني الدنانري هذا إن دل على شيء إمنا يدل على الرتف الغىن اللذان متيز هبما العباسيون مما‬

‫دفعهم إىل اصراف أمواهلم بطريقة غري عقالنية‪.‬‬

‫حىت أن بعض الباحثني والدارسني أمجعوا على أن النفقات مل تبلغ يف عصر من عصور اخللفاء‬

‫ما بلغته يف العصر العباسي وخاصة يف بناء القصور‪.‬‬

‫وجيرنا هذا إىل احلديث عن طبقات اجملتمع يف هذا العصر فهي متباينة وموزعة "حيث جند‬

‫ثالثة طبقات أساسية متثلت طبقة عليا تشمل اخللفاء والوزراء والقواد والوالة مبا يف ذلك األمراء وكبار‬

‫رجال الدولة وأصحاب اإلقطاع‪ ،‬كما جند كذلك طبقة وسطى حتوي رجال اجليش وموظفي الدواوين‬

‫‪35‬‬
‫شوقي ضيف‪ ،‬تاريخ األدب العريب (العصر العباسي املثاين)‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،4‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪68.‬‬

‫‪28‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫والتجار والصناع املمتازين‪ ،‬مث تأيت طبقة دنيا تشمل على العامة من الزراع وأصحاب احلرف الصغرية‬
‫‪36‬‬
‫وكذا اخلدم والرفيق‪ .‬كما يأيت يف إثر ذلك طبقات أهل الذمة"‪.‬‬

‫وقد كثرت أماكن اللهو واجملون‪ ،‬وانتشر بشكل غري طبيعي حيث أصبح الناس يرتادون هذه‬

‫األماكن باستمرار‪ ،‬مما أدى إىل انتشار اجملون والزندقة وسط اجملتمع العباسي وظهور عادات خمالفة‬

‫لعادات اجملتمع العريب اإلسالمي وظهر تنافس شديد بني اخللفاء ومن األهم من وزراء وأمراء يف‬

‫الرتف‪ ،‬ومن مظاهر هذا الثراء كثرة الرقيق وكثرة نسل اجلواري‪ ،‬واختلط اجملتمع بأجناس شىت‪ :‬عرب‪،‬‬

‫فرس‪ ،‬أتراك‪ ،‬هنود‪ ،‬روم‪ ،‬بربر‪.....‬‬

‫يف حني أن الطبقة الكادحة اليت مل تصل إىل ما وصل إليه البعض وليضف أبواب الرزق عليها‪،‬‬

‫اختذ بعضهم السؤال حرفه‪" ،‬وقد صور أبو العتاهية حياة الفقر تصويرا دقيقا واصفا يف ذلك حالة‬

‫الغالء وكذا حال الفقراء إذ يقول‪:‬‬

‫م نصائحا متواليـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫من مبلغ عين االما‬

‫عار الرعية غالي ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫إين أرى األسعار أس‬

‫ئحة متر وغادي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫وأرى غموم الدهر را‬

‫مل يف البيوت اخلاليـ ـ ــة‬ ‫وأرى اليتامى واألرا‬

‫‪37‬‬
‫يسمو اليك وراجيـ ـ ـ ـ ـ ــه"‬ ‫من بني راج مل يزل‬

‫‪ 36‬ينظر‪ ،‬املرجع نفسه‪،‬ص‪.70‬‬

‫‪29‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فهذا التصوير أليب العتاهية يوضح لنا وضع الفقراء يف هذا العصر وكذا حالة األسعار حيث‬

‫أصبحت مرتفعة حىت أن اليتامى واألرامل مل جيدوا سبيال إليها‪.‬‬

‫فكثر التنافس بني الناس حول مجع الثروة وجيمع ثروته والتباهي هبا أمام اآلخر‪ ،‬متناسبني هذه الطبقة‬

‫الفقرية‪.‬‬

‫كان كذلك يف احلياة االجتماعية فقد تأثر العباسيون حبضارة الفرس يف أساليب الطعام والشراب‬

‫وبناء القصور وإنشاء احلدائق وكذا التمثيل من حوهلا‪.‬‬

‫وقد أدى هذا إىل التمازج القوي بني العادات واألفكار بني أبناء األمة العربية وغريها من األمم‪،‬‬

‫أدى هذا إىل نشأة جيل جديد وقد أطلق عليهم اسم املولدين‪.‬‬

‫ومن بني أشهر الظواهر اليت عرفت يف تلك الفرتة ظاهرة جلواري واليت انتشرت بشكل واسع" فقد كان‬

‫اخللفاء العباسيون شغوفني باجلواري‪ .‬فكان لكل منهم جيشا منهم يبالغن يف أناقتهن وزينتهن يف‬

‫ثياب السندس واإلستربق وخيتلن يف اجلواهر واللؤلؤ فكان شغف الرشيد بالعربيات وشغف املأمون‬

‫باملسيحيات أما شغف املعتصم فكان بالغلمان واجلواري الرتكيات اليت اضطر أخريا إىل نقل مركز‬
‫‪38‬‬
‫اخلالفة إىل مدينة " سامراء" ليجنب أهايل بغداد شرهم وأذاهم"‪.‬‬

‫‪ 37‬شكري فيصل‪ ،‬أ[و العتاهية أشعاره وأخباره‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪ ،‬سوريا‪1965 ،‬م‪ ،‬ص‪.440‬‬
‫‪ 38‬رضا العطار‪ ،‬مقتطفات من احلياة األدبية واالجتماعية يف العصر العباسي‪ ،‬من كتاب العصر العباسي األول لشوقي ضيف‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،8‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1981‬‬

‫‪30‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فقد جاءت اجلواري من بلدان ومناطق خمتلفة حاملني معهم ثقافات خمتلفة ومتنوعة وكان‬

‫تأثريهن على اجملتمع العريب كبريا فمنهن من دخل قصر اخلالفة وصار بعض من اخللفاء من أبنائهن‪.‬‬

‫ومنهن من كانت حتسن نظم الغزل املثري‪ ،‬وقيل بأن اخلليفة املهدي أهدته جاريته تفاحة بعد أن‬

‫نقشت عليها‪:‬‬

‫تفاحة تقطف من خدي‬ ‫هدية مين إىل املهدي‬

‫كأهنا من جنة اخللـ ــد‬ ‫حممرة مصفرة طيبة‬

‫ومنهن من حتسن نظم الشعر وفن الغناء أو الرقص أومها معا مما كان يرفع من مستواهن الفين ويزيد‬

‫من أنوثتهن سحرا وإغراءا‪.‬‬

‫الحياة الفكرية والثةافية‪:‬‬

‫عرفت احلياة االجتماعية تنوعا كبريا‪ ،‬متثل يف اخلاصة والعامة واألغنياء والفقراء ما نتج عنه‬

‫صراعات بني تيارات متناقضة ودعوات سرية مست الدين اإلسالمي وألصقت به ما ليس فيه من‬

‫خرافات‪.‬‬

‫فظهرت مجاعة من العلماء املسلمني‪ ،‬تقف يف وجههم ومتيز الصحيح من الفاسد‪ .‬وهنا كانت‬

‫نقطة بداية التأليف والتدوين‪" .‬فتعددت االجتاهات اإلسالمية بني السين واخلارجي والشيعي وغريها‬

‫‪31‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫من الفرق قامت بينهم جداالت واسعة خاصة بني املعتزلة والسنة‪ ،‬أدت إىل ظهور أبي الحسن‬
‫‪39‬‬
‫األشعري الذي حاول التوفيق بني املنقول واملعقول ومجع أهل السنة علىٍ رأي صحيح‪".‬‬

‫كانت مثرة هذا االمتزاج التعرف على خمتلف األجناس والصراع بني املذاهب واآلراء بني العرب‬

‫والعجم‪ ،‬وبني الزندقة واإلميان‪ ،‬بني الفقر والغىن‪ ،‬بني اجلد واللهو‪ ،‬وكل هذا كان له تأثري يف األدباء‬

‫والشعراء يف ذلك العصر‪ .‬وكتابات اجلاحظ هي أكرب منوذج حيتذى به‪.‬‬

‫الحياة الفكرية والثةافية‪:‬‬

‫يعترب هذا اجلانب من أكثر اجلوانب اليت استفادت من االحتكاك الذي عرفه العصر العباسي‬

‫خاصة بني العرب والفرس والرتك فقد عرفت احلياة الفكرية ازدهارا كبريا حيث "راح اخللفاء يشجعون‬

‫احلركة العلمية ويدعوهنا ويبالغون يف إكرام العلماء واألدباء وتقريبهم إليهم وأصبح العلم واألدب أداة‬

‫املناصب العالية واحلياة والنفوذ‪ .‬ويتنافس العظماء يف تكرمي النبغاء وانتشار دور العلم ومتويل حركة‬
‫‪40‬‬
‫الرتمجة إىل العربية"‪.‬‬

‫وقد اعتمدت الثقافة العربية على الدين واللغة واألدب ويف املقابل قد أوجدت الثقافة الفارسية لنفسها‬

‫مكانا وهذا حظرا لنفوذ الفرس‪ ،‬وقد دخلت الثقافة اليونانية يف الفكر اإلسالمي وهذا بامتزاج العديد‬

‫من املعارف والعلوم منها الطب والفلسفة وعلم الفلك‪.....‬كما كان للثقافة اهلندية كذلك دورا بارزا‬

‫حيث اتصلت بالفكر العريب وتفاعلت هذه الثقافات يف العاصمة بغداد‪.‬‬

‫‪ 39‬ينظر‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬ص‪.138‬‬
‫‪40‬إبن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪32‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فأنتج عن هذه العلوم واملعارف وعن هذا االمتزاج انتشار واسع لدور العلم وكثرت احلواضر العلمية‬

‫وتعددت العلوم واألحباث‪ ،‬فانتعشت الدراسات الدينية يف مصر‪.‬‬

‫وتفوقت الشام يف جمال الشعر واألدب‪ ،‬وتصدرت العراق جمال الفلسفة والعلم واللغة‪ ،‬أما أهم مراكز‬

‫البحث العلمي فقد عرفت يف بغداد والبصرة واشتهرت أصفهان الثقافة‪.‬‬

‫كان العصر العباسي عصرا ذهبيا بامتياز حيث انتعشت فيه العلوم بالفالسفة والشعراء واملفكرين‬

‫والعلماء والكتاب الفنانني مبختلف ختصصاهتم‪.‬‬

‫حىت إننا جند أبن قتيبة ينقد الناس حول اهتمامهم الكبري باملنطق والفلسفة وقد أمهلوا علوم الدين‬

‫وكذا علوم القرآن الكرمي‪.‬‬

‫باإلضافة إىل بغداد اليت محلت األدب والشعر باإلضافة كذلك دويالت أخرى محلت رسالة الثقافة‪،‬‬

‫نذكر من ذلك "حلب الذي توافد إليها الفالسفة والشعراء واألدباء والعلماء‪ ،‬فقد وجد هبا ابن نباته‬

‫والفارسي المتنبي والفرابي‪ ،.....‬فتعددت احلواضر يف الدويالت اإلسالمية‪ ،‬حىت أن األمراء كانوا‬
‫‪41‬‬
‫يتنافسون(عربا وعجما) يف تشجيع األدباء والعلماء يف خدمة العلم واملعرفة‪".‬‬

‫حىت قيل أن األدب يف العصر العباسي سواء كان شعرا أو نثرا عرف أعلى مراتب مل يعرفها من قبل‬

‫األدب‪ ،‬ساهم يف ذلك االمتزاج واالختالط االجتماعي الذي انتشر يف العصر العباسي مستفيدين‬

‫‪ -‬العرب‪ -‬من العلوم واملعارف األجنبية خاصة الفارسية واليونانية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫حامد حفين داود‪ ،‬األداب االقليمية يف العصر العباسي الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1981 ،2‬م‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫كما تعترب الرتمجة أهم العلوم اليت القت رواجا كبريا يف تلك الفرتة "وانتشرت يف أماكن خمتلفة خاصة‬

‫يف الكنائس اليت نشأت فيما بعض الثقافات اليونانية وأول من اهتم بالرتمجة المنصور العباسي فهو‬

‫أول خليفة ترجم له كتب من اللغات األعجمية إىل العربية ومنها كتاب كليلة ودمنة‪ .‬مث تراجعت‬

‫الرتمجة نوعا ما بعد وفات املنصور حىت عصر الرشيد والربامكة فأسس هذا األخري خزانة احلكمة‬
‫‪42‬‬
‫وجعلها مركزا للرتمجة‪".‬‬

‫وأكثر تلك الرتمجات اليت ظهرت يف فرتة الفتوحات اإلسالمية هي الرتمجة إىل اللغة العربية‬

‫خاصة الكتب اهلندية‪ ،‬كما ترمجت بعض الكتب يف جمال الزراعة وكذا الرتاث الفارسي ومن بني‬

‫القصص واحلكايات‪ :‬ألف ليلة وليلة وسير الملوك‪ ،‬كما اشتهر كل من عبد اهلل بن المةفع‬

‫والغزاري وآل سهل وغيرهم يف الرتمجة إىل العربية‪.‬‬

‫وقد تأثر العباسيون هبذه الكتب املرتمجة وأصبحت جزء من سلوكهم اليومي خاصة فيما تعلق‬

‫بشرب اخلمر واإلقبال على امللذات والغناء‪ ،‬وقد شكل هذا خطرا على الثقافة العربية اإلسالمية وكذا‬

‫الشخصية اإلنسانية‪.‬‬

‫ونتيجة هلذا العطاء الفكري واحلضاري اعتربت احلضارة العباسية من أرقى احلضارات‪ ،‬فقد ظهر‬

‫فيها الكثري من العلماء واألدباء واملفكرين الذين وبفضل تشجيع اخللفاء هلم جنحوا يف النهوض هبذا‬

‫اإلرث احلضاري وأعادوا صياغته وتدوينه‪.‬‬

‫‪ 42‬ينظر موقع ديوان العرب‪ ،‬ابراهيم أرمن‪ ،‬احلياة الثقافية يف العصر العباسي‪ ،‬ديسمرب‪.2009 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫( التأسيس والتطور في العصر العباسي)‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫فالعصر العباسي مل يرتك لنا فقط الرتاث احلضاري الذي متثل يف العمران والبنايات الفاخرة اليت‬

‫عرفتها دويالت إسالمية يف تلك الفرتة واليت مازالت أثارها باقية إىل اليوم بل ترك لنا شيء أهم من‬

‫ذلك وهو ما خلفه علماء وأدباء من مؤلفات وكتب يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬وهي اليوم تعد من أهم‬

‫املصادر اليت يلجأ إليها الباحثون والدارسون يف الفكر والثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الشعر العباسي موضوعاته ومضامينه‬

‫‪ -1‬مظاهر التطور والتجديد في الشعر العباسي‪:‬‬

‫عرف العصر العباسي تطورا كبريا خاصة يف اجملال االجتماعي والثقايف امتزجت فيه العديد من‬

‫الثقافات منها الفارسية والرتكية واهلندية وكذا اليونانية فاختلفت األجناس يف اجملتمع العباسي"وقد‬

‫انعكست أثار احلياة االجتماعية عل الشعر والشعراء‪ ،‬فرأينا القصور واخلمور واجملون والقيان مع‬

‫الطبقة الغنية املرتفة يف القصور مع األمراء واخللفاء‪ .‬حيث جذبوا معهم الشعراء الذين تغنوا باخلمر‬

‫والغزل واجملون"‪ ،43‬وقد أخذت هذا الظاهرة شكال واسعا‪ ،‬وعمت الثقافات والعلوم والصناعات‪،‬‬

‫وقد شجع اخللفاء كل هذه املظاهر واالجتاهات بل وإن بعضهم راح يسهر يف جموهنا‪.‬‬

‫ومن أكثر الفئات اليت كانت هتتم وتتفاعل مع هذا التطور هم الشعراء‪ ،‬فقد كان هلذا العصر األثر‬

‫الكبري يف تطور الشعر من ناحية الشكل وكذا املضمون‪.‬‬

‫وقد عمل العديد من الدارسني على تبيني مدى تقليد العباسيني فقد حذو الشعراء يف العصر اجلاهلي‬

‫وهو األصل "ويقول "ابن األعرايب"‪ :‬إمنا أشعار هؤالء احملدثني مثل أيب نواس وغريه مثل الرحيان يشم‬

‫يوما ويذوى فريمى به‪ ،‬وأشعار القدماء مثل املسك والعنرب كلما حركته ازداد طيبا"‪ ،44‬وهذا إن دل‬

‫على شيء إمنا يدل على الدور الكبري الذي لعبه الشعر اجلاهلي على باقي الشعر يف خمتلف األزمنة‬

‫‪ 43‬محدي الشيخ‪ :‬التطور والتجديد يف األدب العباسي‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬ط‪ ،1‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ديسمرب‪ ،2012 ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ 44‬ينظر‪ ،‬املرزوباين‪ :‬املوشح‪ ،‬مأخذ العلماء على الشعراء يف عدة أنواع من صناعة الشعر‪ ،‬حتقيق حممد البحاوي‪ ،‬دار التهضة‪ ،‬مصر‪،1965 ،‬‬
‫ص‪.384‬‬

‫‪37‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫والعصور‪ .‬وقد أدى بالعديد من الشعراء إىل االبتعاد عن العصبية خاصة مبا تعلق عن أن هذا الشاعر‬

‫إسالمي وهذا جاهلي‪ ،‬وذاك قدمي وهذا جديد‪ ،‬فهذا يعد حكم بني عصرين ال حكم بني شعرين‪.‬‬

‫وقد أخذت هذه املواقف بعني االعتبار‪ ،‬وحرص الشعراء على اإلجادة فقد كانت بداية صعبة‬

‫النطالقة شعرهم‪ ،‬اىل أن هذا مل مينعهم من حرصهم على سالمة لغتهم واالبتعاد عن اللحن وقصد‬

‫بعضهم البوادي وأقاموا فيها خوفا من احلواضر وما شاع فيها من حلن‪.‬‬

‫واستبدل العرب أطالل اخليام بأطالل القصور والدور ومل يعودوا يتغنون برمال الصحاري املمتدة‬

‫وإمنا بالبساتني والرياض وأماكن اللهو‪ ،‬وأما من ناحية األسلوب والكلمات "فقد اجته الشعراء اىل‬

‫اختبار الكلمات الرقيقة املوحية البعيدة عن الغموض أو الوحشية اليت توافق التغيري يف احلياة‬
‫‪45‬‬
‫االجتماعية وتوافق حتول الذوق العريب ف العصر العباسي‪".‬‬

‫وعند هذا املقرتب ظهر ميلهم إىل رقة األسلوب وحسن سبكه وخفته وظهرت موجة من التمرد على‬

‫عمود القصيدة العربية وكذا األوزان الشعرية‪.‬‬

‫"ومن الشعراء بسيط األلفاظ والرتاكيب شعر إبراهيم املوصلي يف قوله‪:‬‬

‫خيال بات يلثمن ـ ـ ــي‬ ‫لذات اخلال أرقين‬

‫ملا بالقلب من حزن‬ ‫بكى وجدي له دمع‬

‫‪ 45‬محدي الشيخ‪ :‬التطور والتجديد يف العصر العباسي‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪38‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪46‬‬
‫إذا أدرجت يف كففــي‪".‬‬ ‫فال أنساه أو أنســى‬

‫أما فيما خيص مضامني الشعر " فقد شهد العصر العباسي‪ ،‬كما رأينا أكرب هنضة ثقافية يف تاريخ‬

‫احلضارة اإلسالمية‪ ،‬بتأثري العكوف على الثقافات املختلفة (فارسية‪ ،‬هندية‪ ،‬يونانية) وترمجتها‬

‫وانصهارها مع الثقافة العربية يف بوتقة اإلسالم الذي أصبح حضارة جديدة لتلك الثقافات‪ .‬وقد تأثر‬

‫الشعر هبذه النهضة فتطورت تطورا ملحوظا مشل الكثري من جوانبه إال أن تطوره ال يتفق والنهضة‬
‫‪47‬‬
‫الشاملة اليت أحاطت به وال يتالءم مع الروافد الثقافية لشعراء ذو اجلنسيات املختلفة‪".‬‬

‫وقد كانت الثقافة الفارسية شديدة التأثري يف الشعر العريب العباسي ويف اجملتمع العباسي بصفة عامة‬

‫خاصة مبا تعلق بعادات الفرس وتقاليدهم وهلذا ال ميكن حصر مظاهر التأثري الفارسي يف الشعر‬

‫العباسي‪.‬‬

‫كما جند للمنطق اليوناين أثر يف الشعر العباسي من خالل استعارة الشعراء لبعض األفكار الفلسفية‬

‫اليونانية ووظفوها يف إشعارهم‪.‬‬

‫ومل يقف الشعراء عند األخذ عن الثقافات األجنبية‪ ،‬فدخلوا غمار املعارك الكالمية اليت كانت قائمة‬

‫بني الفرق اإلسالمية كاملعتزلة والشاعرة وكذا الرافضة والزيدية والكيسانية‪ ،‬وأخذ الشعراء يعاجلون‬

‫املشاكل املطروحة على مستوى تلك الفرق من خري وشر وختيري وجرب‪.‬‬

‫‪ 46‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.76‬‬


‫‪ 47‬حممد عبد العزيز املوايف‪ :‬حركة التجديد يف الشعر العباسي‪ ،‬دار الغريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2007 ،6‬ص‪71‬‬

‫‪39‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ومن أهم األسباب اليت ساعدت الشعر والشعراء على التطور والتجديد‪ ،‬حتسن املستوى االجتماعي‬

‫لشعراء هذا العصر حيث كان "هذا االنتقال االجتماعي يف خواطر الشعراء أبلغ منه يف نفوس‬

‫الكتاب فإن أولئك باخللفاء ألصق‪ ،‬ونفوسهم بالرتف واملدنية أغلق وهم املنادمون على الشراب‬

‫واملفاكهون يف السهر‪ ،‬ضاق مضطر هبم يف السعي فاتسع متقلبهم يف اخليال وغلت أيديهم بالكسل‬

‫عن العمل فاشتغلت افتدهتم بالفكر وانطلقت ألسنتهم بالقول ومل جيدوا العيش ميسورا بالتأليف‬

‫لصعوبة النسخ والنشر فتفرغوا لصوغ الشعر يف ضروبه املختلفة‪ ،‬ووجدوا من اخللفاء واألمراء مؤازرا‬

‫ومن احلضارة والطبيعة ناصرا‪ .‬ومن القرحية والسليقة مؤاتاه فجالوا يف الشعر جولة هلم تتوافر أسباهبا‬

‫ألسالفهم‪ ،‬ونقلوه من البوادي اجملدية إىل الرياض الناظرة والقصور الشامقة واملناظر املونقة‪ ،‬على يد‬
‫‪48‬‬
‫زعيم املولد بن بشار‪".‬‬

‫فتفرعت مضامني الشعر‪ ،‬واختلفت موضوعاته حسب كل شاعر وما يستهويه‪ ،‬إال أن موضوعات‬

‫الشعر اليت لقيت رواجا كبريا هي ما تعلق منها بالوصف‪ ،‬خاصة يف وصف املباين والعمران وكذا‬

‫اخلمرة واجملون‪.‬‬

‫وقد اعتربت هذه الفرتة من أزهى الفرتات اليت عرف فيها الشعر التجديد شكال ومضمونا‪.‬‬

‫باإلضافة إىل التجديد الشعري يف املضامني‪ .‬فقد عرفت للشعر عوارض أثرت يف أسلوبه ومعانيه‬

‫وأغراضه وأوزانه "فأما التأثري يف أسلوبه فبهجر الكلمات الغربية‪ ،‬وعزوبة الرتكيب ووضوحه واستحداث‬

‫البديع واالستكثار منه وترك االبتداء بذكر األطالل‪ ...‬ومن القصور واخلمور والغزل‪ .‬واإلغراق يف‬

‫‪ 48‬أمحد حسن الزيات‪ :‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة ‪ ،1987 ،28‬ص‪.79‬‬

‫‪40‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫املدح واهلجاء واالكثار من التشبيه واالستعارة‪ ،‬واحلرص عل التناسب بني أجزاء القصيدة‪ ،‬ومراعاة‬

‫الرتتيب والرتكيب‪ ،‬وأما يف املعاين فبتوليد املعاين احلضرية واقتباس األفكار الفلسفية إذا أكثر شعراء‬

‫هذا العصر ولدان جنسيتني‪ ،‬ورضاع لغتني وأدبيني وحضارتني خمتلفني‪ ،‬وأما يف أغراضه فباملباغة يف‬

‫بغت اخلمور وجمالسها ووصف الرياض والصيد وغزل املذكر واجملون والوعظ والزهد واألخالق‬

‫والفلسفة وضبط العلوم كالنحو وغريه وأما يف أوزانه فباإلكثار من النظم يف البحور القصيدة وابتداء‬

‫أوزان أخرى كاملستطيل واملمتد ومها عكس الطويل واملديد‪ ،‬واملوشح والزجل والروبيتواملواملا وكذلك يف‬
‫‪49‬‬
‫القافية كاملشمط واملزدوج‪".‬‬

‫وهذا ما جنده يف شعر بشار أيب نواس وأيب العتاهية وابن الرومي وكل هذا جاء بعد نقل العرب علوم‬

‫اليونان وغريهم فكان هلذا النقل فضل على الشعر يف معانيه ال يف فنونه‪ ،‬ألهنم مل يرتمجوا ال كتب‬

‫العلم واحلكمة مل حيفلوا بشعر اليونان وقصصهم وال بشعر الالتني وخطبهم‪ ،‬تعصبا ألدهبم وإيثارا‬

‫لشعرهم فلم تؤثرا الرتمجة يف الشعر اال مبا دخله من اخلواطر الفلسفية والسياسية واآلراء العلمية يف‬

‫شعر أيب متام واملتنيب وأيب العالء وغريهم‪.‬‬

‫‪ -2‬مراحل التطور والتجديد في العصر العباسي‪:‬‬

‫إن الشعر العباسي يف بداية العصر كان حيمل مزجيا من املزايا وكان يتأرجح بني الطابع األموي‬

‫والطابع العباسي‪ ،‬ألن جل رواده من املخضرمني الذين ميكن تصنيفهم إىل طوائف ثالثة أو مراحل‬

‫ثالثة ‪ "،‬أوهلا متمسكة باألرضية الفنية األموية الرافضة لغريها وأخرى تتفق بثقلها على األرضية‬

‫‪ 49‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.282‬‬

‫‪41‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫األموية ولكنها تطل قليال على التجديد العباسي‪ ،‬وثالثة تضع نصفها فوق األرضية األموية والنصف‬

‫اآلخر فوق العباسية وهي حاملة لواء التجديد ورائدة له"‪.50‬‬

‫أ ‪ -‬المرحلة األولى‪:‬‬

‫وهي مرحلة احملافظون الذين حافظوا على جزالة األسلوب وإشراقه ونقاوته‪ ،‬من روادها "األحيمر‬

‫السعيدي"‪ ،‬الذي عاش معظم حياته يف الصحراء وقطع الطريق‪ ،‬فال عجب أن جنده يف خضم الرتف‬

‫العباسي والرفاهية خيلو ال نفسه واىل وحوش الطريق‪ ،‬ويفضل ذلك العامل على هذه احلياة اجلديدة‬

‫الصاخبة وينشد‪:‬‬

‫وتبغضهم يل مقلة وضميـ ــر‬ ‫رأى اهلل أتيلألنيس لشأن ــي‬

‫وللشمس إن غابت علي نذير‬ ‫فالليل إن واراين الليل حكمه‬

‫أمر حببل ليس فيه بعبـ ـ ـ ــر‬ ‫وإين ال أستحي لنفس أن أرى‬
‫‪51‬‬
‫وبعران ريب يف البالد كثري"‬ ‫وأن أسأل العبد اللئيم بغي ــره‬

‫فتميز شعره بالصعلكة وهو هبذا يكون قد اتبع هنج من سبقه من صعاليك اجلاهلية واإلسالم‪.‬‬

‫كما جند اىل جانبه كذلك أبا العباس األعمى والذي سخر شعره ملدح بين أميه‪ ،‬فأذا ذل ملكم قضى‬

‫بقية عمره يف بكائهم ورثاء دولتهم وهجاء أغراضهم من ذلك قوله‪:‬‬

‫ك وما إن خال ياخليف أنسي‬ ‫"ليت شعري أفاح رائحة املسـ‬

‫‪ 50‬ينظر حامد حنفي أبو داوود‪ :‬اآلداب اإلقليمية‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلزائرية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪1981 ،2‬م‪ ،‬ص‪89‬‬
‫‪ 51‬عمر فروخ‪ :‬األعصر العباسية‪ ،‬دار لبنان للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1998 ،2‬ص‪.103‬‬

‫‪42‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫والبهاليل من بين عبد الشمس‪".‬‬ ‫حني غابت بتوأميه عنه‬

‫ومن أشهر شعراء هذه املرحلة "جند الراجز ابن ميادة الذي التزم األموية وحافظ عليها وعلى معاملها‬

‫وتراثها‪ ،‬خاصة الغزل العفيف واألصالة يف املديح كما أبقى على جانب من اهلجاء واملناقضات‪ ،‬اذ‬
‫‪53‬‬
‫كانت له مع صاحبه احلكم اخلضري مناقضات ومباريات كثرية‪" .‬‬

‫وغريهم الكثري الذين دعوا إىل التمسك بنظام القصيدة الرتاثية‪ ،‬واحملافظة عليها من التغريات اليت‬

‫عرفها الشعر يف هذه الفرتة‪ ،‬خاصة فيما تعلق مبوضوعات الشعر وكذا أغراضه‪.‬‬

‫كما دعوا إىل عدم اخلروج على النظام املألوف الذي عرفه العرب يف شعرهم‪.‬‬

‫ب‪ -‬المرحلة الثانية‪:‬‬

‫متيزت هذه املرحلة باحلفاظ على أصالة اجلو الفين األموي قدر املستطاع ظهر فيها بعض التطور‬

‫دون إسراف‪ ،‬فال يغيب عنها املاضي وال تغفل على احلاضر ومن بني شعراء هذه املرحلة جند‬

‫"سديف" الذي محل على بين أمية يف عهدهم وظل يدعوا العباسيني للقضاء على الثلة الباقية منهم‪،‬‬

‫يقول يف بعض أبياته‪:‬‬

‫إن حتت الضلوع داء دويا‬ ‫"ال يغرنك ما ترى من رجال‬


‫‪54‬‬
‫ال ترى فوق ظهرها أمويا"‬ ‫فضع السيف وارفع السوط حىت‬

‫‪ 52‬عمر فروخ‪ ،‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪ ،4‬بريوت‪ ،1981 ،‬ص‪.67‬‬
‫‪ 53‬األصفماين‪ :‬األغاين‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪ ،1983 ،6‬ص‪.227‬‬
‫‪ 54‬عمر فروخ‪ :‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬ص‪.65‬‬

‫‪43‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فبقي بعض الشعراء العباسيون يتبعون جديد عصرهم يف إشعارهم‪ ،‬ومن شعراء هذه املرحلة أيضا‬

‫"عدي العبلي"والذي هاجم بين أمية يف شعره إال أنه مل يغري أسلوبه األموي فإنه طرق موضوعا‬
‫‪55‬‬
‫جديدا هو رثاء الدولة إذ رثي قومه وبكى على ما حلقهم من أذى‪".‬‬

‫وظل الشعر يف هذه الفرتة يتأرجح بني القدمي األموي واجلديد العباسي‪ ،‬هذا األخري الذي لعبت فيه‬

‫الظروف االجتماعية واالقتصادية والفكرية والثقافية‪ ،‬دورا كبريا يف حتسني أحوال الشعر والشعراء‬

‫وأعطتهم نفسا جديدا غري بعض معامل الشعر القدمي‪.‬‬

‫ويف املقابل جند بعض الشعراء الذين حرصوا على احلفاظ على اجلو الشعري األموي دون زيادة فيه أو‬

‫نقصان‪ ،‬ولكن هذه ال مينعهم من االستفادة من التطور الذي عرفه شعراء العصر العباسي خاصة يف‬

‫جمال الشعر واألدب‪.‬‬

‫وهناك أيضا " أبا تخيله" والذي طور األرجوزة ومهد الطريق أمامها فجعلها على نسق قصيدة املديح‬

‫من وقوف على األطالل ونسيب ورحلة ومديح‪.‬‬

‫ويف هذه املرحلة اشتهر "مروان بن أبي حفصة" الذي كتب أشعارا يف مدح بين عباس فلم يدخلوه يف‬

‫بالطهم ومل يفتحوا له صدورهم ولكن فيما بعد جنح يف مدح بين العباس بأحقيتهم يف اخلالفة‪ ،‬فافلح‬
‫‪56‬‬
‫وأصبح من شعرائهم املقربني‪".‬‬

‫‪ 55‬ينظر ابن املعتز‪ :‬طبقات الشعراء‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.64‬‬

‫‪44‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫واىل جانب هؤالء الشعراء‪ ،‬هناك بعض الشعراء الذين وبسبب حفاظهم على القصيدة القدمية والشعر‬

‫القدمي‪ ،‬مل يكن هلم مكان بني الشعراء العباسيني والسبب هو حفاظ بعضهم على والء بين أمية‬

‫وجتسد هذا يف رثاءهم والبكاء عليهم إال أهنم استدركوا ذلك فيما بعد ودخلوا يف جو الشعر العباسي‬

‫واجملتمع ومواكبه التطور والتجديد الشعري الذي عرفه الشعر بصفة عامة يف هذه الفرتة‪.‬‬

‫ج‪-‬المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫وهي مرحلة التطور واخللق واالبداع ويف ظل االطار التقليدي وشعراء هذه املرحلة هم الذين‬

‫وطدو دعائهم التجديد وهيأوا سبيله لكل من جاء بعدهم‪ ،‬وظلوا ينظرون اىل املاضي من جهة‬

‫ويسعون حنو املستقبل من جهة أخرى‪.‬‬

‫ومن بني هؤالء الشعراء نذكر "آدم عبد العزيز‪ ،‬احلسني بن مطري‪ ،‬إبراهيم بن هرمة وبشار بن‬
‫‪57‬‬
‫فهم على الرغم من انطالقتهم التجديدية‬ ‫برد‪ ،‬وهم رؤوس التجديد احلقيقي يف الشعر العريب"‬

‫اإلبداعية فقد متسكوا بشخصيتهم الفنية األموية فمدحوا ورثوا‪ ،‬واملدح منذ العصر األموي حمل مقدرة‬

‫الشاعر ومع هذا فقد خط كل منهم خطوة يف ميدان التجديد شكال ومضمونا‪.‬‬

‫فآدم عبد العزيز "يقف على إيوان كسرى ويرثي احلضارة الزائلة‪ ،‬وهو فن جديد أخذ طابعه فيما‬

‫بعد‪ ،‬وعرف برثاء املدن واملمالك أو رثاء األمم الزائلة كذلك فعل ابن الرومي يف رثائه مدينة البصرة ملا‬

‫خرهبا الزنج ليأيت البحرتي بعد ذلك ويسجل بنسبته املشهورة يف إيوان كسرى ويصبح بعد ذلك‬

‫‪ 56‬ينظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪ 57‬ابن املعتز‪ :‬طبقات الشعراء‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪45‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بكاء الدول فنا قائما بذاته يف الشعر العريب"‪ .58‬وبعد أن كان الشاعر العريب يقف على األطالل‬

‫يبكيها ويسأهلا ويتذكر أيامه احلسان عندها وجدنا آدم عبد العزيز يقف على أطالل كسرى يبكيها‬

‫وينشد أبياتا حتمل الكثري من احلسرات املكتومة ويعلن أسفه الشديد على حتول ذلك القصر من ايوان‬

‫عظيم يقيم به امللوك وحاشيتهم اىل جمرد بقايا متهاوية تربط هبا البغال‪.‬‬

‫يقول‪:‬‬

‫برأس مغان أو أدور سفان‬ ‫"أقول وراعين ايوان كسـ ـ ــرى‬

‫به من بعد أزمنة حس ـ ــان‬ ‫وابصرت البغال مربط ـ ـ ـ ــات‬

‫مبوقفكن يف هذا املكـ ـ ــان‬ ‫يعز على ايب ساسان كسـ ــرى‬

‫شرابا لونه كالزعفـ ـ ـ ـران‬ ‫شربت على تذكر عيش كسرى‬

‫‪59‬‬
‫عاله التام يوم املهرجـ ــان"‬ ‫ورحت كأنين كسرى إذام ـ ــا‬

‫هذا ومل له أشعار يف وصف اخلمر والتغين هبا‪ ،‬ورمبا كانت وغريها من األشعار األرضية‪.‬‬

‫كما يعترب أبو نواس ومن تبعه من الشعراء‪ ،‬أول من اختصموا اخلمر بأوقات مطولة يصفون لوهنا‬

‫وشكلها وساكبها وأثرها يف شارهبا وكل ما تعلق هبا من قريب أو بعيد بقول "أبو نواس يف هذا‬

‫اجلانب‪:‬‬

‫‪ 58‬البحرتي‪ :‬الديوان ‪ ،‬حتقيق حسن كامل الصرييف‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ممصر‪1963 ،‬‬
‫‪ 59‬عبد عون الروضان‪ :‬شعراء العصر العباسي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ج‪ ،2001 ،1‬ص‪.39‬‬

‫‪46‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يف مدى الليل الطويـل‬ ‫اسقين واسق خليلـ ـ ــي‬

‫سبيت من هنر بيـ ـ ــل‬ ‫قهوة صمياء صرف ـ ــا‬

‫وهي كاملسك الفتيـ ــل‬ ‫لوهنا أصفر ص ـ ــاف‬

‫مثل طعم الزجنبي ـ ـ ــل‬ ‫يف لسان املر‪ ،‬منه ــا‬

‫ساطعا من رأس مي ــل‬ ‫رحيها ينفخ منـ ـ ـه ــا‬

‫تركنه كالقت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـل‬ ‫فمىت ما نال مخسـ ــا‬

‫‪60‬‬
‫ماء بري من قبيـ ـ ـ ـ ــل"‬ ‫ليس يدري حني ذاكم‬

‫كما اشتهر أيب نواس مبداعباته وسخرياته املقبولة مع بعض أصحابه‪ ،‬اعتربت فيما بعد بداية‬

‫للعديد من الشعراء الذين جاؤوا من بعد واعتمدوا على اهلجاء املتهكم والساخر وعلى رأسهم ابن‬

‫الرومي‪.‬‬

‫ومن شعراء هذه املرحلة كذلك " الحسين بن مطير" والذي اشتهر بالعزل العذري وكذا إظهار معاين‬

‫العفة‪ ،‬وجدد يف شعر احلكمة بشكل كلي واعترب من أوائل من وصفوا الروض‪ ،‬واشتغل عليه العديد‬
‫‪61‬‬
‫من لشعراء فيما بعد‪".‬‬

‫‪60‬البحرتي‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.153‬‬


‫‪ 61‬ينظر ابن املعتز‪ ،‬طبقات الشعراء‪ ،‬ص‪.28-27‬‬

‫‪47‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما جتدر اإلشارة إىل كل من إبراهيم بن هرمة وبشار بن برد اللذين نقال الشعر من مرحلة اىل مرحلة‬

‫جديدة‪ ،‬يقول اجلاحظ‪" :‬مل يكن يف املولدين أصوب بديعا من بشار بن برد وابن هرمة مع أهنما كانا‬

‫يقفان يف املديح على األرضية األموية من حيث البناء رغم إبداعهما وابتكارمها يف جمال املعاين‪ ،‬وقد‬

‫اختلفا يف بعض املواقف فمثال جند ابن هرمة يهجو دون أن يفحش خبالف بشار‪ ،‬ويف السياسة كانا‬
‫‪62‬‬
‫ميدحان بين العباس كثريا‪".‬‬

‫ويف هذا املضمار فقد أبدع كل منهما يف احلكمة والغزل‪ ،‬وكالمها مزجا رقة لبداوة وصفاءها بزهو‬

‫احلضارة وخفتها‪ ،‬إال أن شعر بشار بن برد كان أكثر رواجا من شعر ابن مرحة‪ ،‬إال أن هذا األخري‬

‫كان سباقا يف االنتقال بالفن إىل الصناعة اللفظية وكذا الزخرف اللفظي‪.‬‬

‫يقول ابن هرمة يف مدح اخلليفة املنصور‪:‬‬

‫طليق ووجه يف الكريهة بالسل‬ ‫كرمي له وجهان‪ ،‬وجه لدى الرضى‬

‫ويعفو إذا أمكنته املقات ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫وليس مبعطي احلق يف غري قـدرة‬

‫إذا كرها فيها عقاب ونائـ ـ ـ ــل‬ ‫له حلضات من حفاقي سريـ ـ ـ ــرة‬

‫‪63‬‬
‫وأم الذي حاولت بالتكلتاك ــل"‬ ‫فأم الذي أمنت أمنه ال ـ ـ ـ ـ ـ ــردى‬

‫‪ 62‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪/‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪63‬ابن املعتز‪ ،‬طبقات الشعراء‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪48‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وهو هبذا مثل التجديد يف جانب الصويف ورقة األسلوب ويعد هذا صنعة عند احملافظني وذروة التطور‬

‫يف بنية عمود الشعر ومنه أخذ بشار بن برد الراية ليكون أول الطورين ولكنه كان تطويرا حنو التخلي‬

‫من كل ماله صلة باألخالق أكثر من كونه تطويرا فنيا‪ ،‬إال أنه أعطى اجلرأة لكل من جاء بعد من‬

‫الشعراء على طريق احملضور‪.‬‬

‫المواضيع الشعرية الجديدة في العصر العباسي‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫الشعر التعليمي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعترب الشعر التعليمي فنا شعريا مل يدركه األدب العريب إال مع بداية القرن الثاين هجري "وهو الذي‬
‫‪64‬‬
‫يصطنعه الشعراء عادة لنظم أنواع شىت من العلوم واملعارف تسهيال حلفظها"‪.‬‬

‫وقد ساعد يف نشأة هذا الفن اتساع أنواع املعارف والعلوم وازدياد اإلقبال عليها وعلى التعليم‪ ،‬كما‬

‫ارتبط الشعر التعليمي جبميع أغراض واجتاهات الشعر املختلفة إذ كلها توجد فيه ناحية علمية حىت‬

‫اجملون واخلمر والغزل‪....‬أما التسمية فاملصطلح غريب مرتجم ومن أوائل النقاد الذين استعملوه " طه‬
‫‪65‬‬
‫حسين"‪.‬‬

‫وكان اليونانيون سباقون إليه‪ ،‬كما عرفه اهلنود وكان هلم ولع شديد به حىت إن البريوين شكى من نظمه‬

‫لقواعد الرياضية والفلك ألن ذلك خيرجهم أحيانا من ضبط القواعد وما يتطلبه من دقة يف التعبري‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫علي جواد الطاهر‪ ،‬الشعر العريب يف العراق وبالد العجم‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1985 ،2‬ص‪.440‬‬
‫‪65‬‬
‫ينظر‪ ،‬علي جواد الطاهر‪ ،‬مقدمة يف النقد األديب‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،2‬ص‪.107‬‬

‫‪49‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ويف ظل امتزاج الثقافتني اليونانية واهلندية بالثقافة العربية كان العرب أميل إىل األدب اهلندي كونه‬

‫أقرب إىل طبيعتهم باإلضافة إىل الدور الذي لعبه العلوم مثل الفلك واحلساب يف توثيق الصلة بني‬

‫الثقافتني العربية واهلندية إىل جانب الشعراء املولودين من اهلنود‪.‬‬

‫وهلذا كان األثر اهلندي األقرب يف نشأة الشعر التعليمي يف الشعر العريب‪ .‬باإلضافة إىل احلاجة‬

‫النتشار حركة التعليم وحاجة املعلم واملتعلم إىل نوع من التأليف املدرسي‪ ،‬يسهل نقل املعلومات‬

‫وحفظها فكان الشعر الوسيلة واهلدف يف نفس الوقت‪ ،‬خاصة أن العرب اعتاد على حفظ الشعر منذ‬

‫القدمي‪.‬‬

‫فقد وجه الشعر التعليمي اىل املتعلمني‪ ،‬يسهل عليهم حفظ العلوم واملعارف‪ ،‬وأما القالب الذي‬

‫اختاره الشعراء لذلك الفن فكان الغالب الرجز واملزدوج‪.‬‬

‫مجاالت الشعر التعليمي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫مجع هذا النوع من الفن العديد من املعارف العلوم مبختلف تصنيفاهتا وكل ما عرفه العصر من علوم‬

‫نظرية وتطبيقية‪.‬‬

‫علم الفلك‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وقد اشتهر يف هذا امليدان " حممد بن إبراهيم الفزاري" يف قصيدة مزدوجة يف علم الفلك يقول عنها‪:‬‬

‫" ياقوت احلموي" إهنا تقوم مقام زجيات املنجمني‪ ،‬وهي طويلة يدخل يف تفسريها وشروحها يقول‬

‫فيها‪:‬‬
‫‪50‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ذي الفضل واجملد العلي األكرم‬ ‫احلمد هلل العلي األعظم‬

‫الواحد الفرد اجلواد املنعم‬

‫والبدر ميأل نوره األفاقا‬ ‫خالق السبع العال طباقا‬

‫األعظم اخلطب من األمور‬ ‫والفلك الدائر يف امليسر‬

‫يسري يف حبر من البحور‬

‫منها مقيم دهره وزائل‬ ‫فيه النجوم كلها عوامل‬

‫‪66‬‬
‫فطالع منها ومنها آفل"‬

‫‪ ‬علوم اللغة‪:‬‬

‫ويتعلق األمر هنا بالنحو‪ ،‬الذي أخذ حصته الكربى فقد رأى علماء اللغة بسبب فساد‬

‫األلسنة ضرورة حتبيب اللغة اىل الناشئة ومن أجل حتقيق هذه الغاية قاموا بنظم شعريا تعليميا يف مدح‬

‫النحو‪ .‬ومن ذلك قول "إسحاق بن خلق البهراين"‬

‫واملرء تكرمه إذا ما يلحن‬ ‫النحو يبسط من لسان األلكن‬

‫‪67‬‬
‫فأجلها منها مقيم األلسـ ــن"‬ ‫وإذا طلبت من العلوم أجلها‬

‫‪ 66‬صاحل آدم بيلو‪ :‬كتاب حول الشعر التعليمي‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ /‬د‪.‬ت‪،‬ص ‪. 212‬‬
‫‪ 67‬صاحل آدم بيلو‪ ،‬ص‪.220‬‬

‫‪51‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وهناك العديد من القصائد يف املعىن نفسه‪ ،‬كتبها الشعراء بأساليب خمتلفة من بني هؤالء‪ :‬الكسائي‪،‬‬

‫ابن دريد وكذا احلريري‪ ،‬مث جاء بعدهم ألفية ابن مالك واليت متيزت بالدقة وسالسة األسلوب‬

‫والسهولة‪.‬‬

‫الفةه‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫حتدث الشعراء يف هذا اجملال حول االسالم وكذا عقائده وأركانه يقول أبان بن عبد احلميد الالحقي‬

‫يف قصيدة متحدثا عن أحكام الصوم والزكاة يقول فيها‪:‬‬

‫نقل إبان من فم الرواة‬ ‫"قصيدة الصيام والزكان‬

‫لكل ما قامت به الشرائع‬ ‫هذا كتاب الصوم وهو جامع‬

‫فضال على من كان ذا بيان‬ ‫من ذلك املنزل يف القرآن‬

‫من عهده املتبع املرضي‬ ‫ومنه ما جاء عن النيب‬

‫‪68‬‬
‫من أمثر ماض ومن قياس"‬ ‫ويعضه على اختالف الناس‬

‫وهي قصيدة طويلة حتدث فيها الشاعر كل ما يتعلق بالشريعة اإلسالمية وكذا األحكام املتفق عليها‪،‬‬

‫فكانت قصيدة حتمل العديد من األهداف والنصائح واإلرشادات‪.‬‬

‫‪68‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.225‬‬

‫‪52‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫التاريخ والتسيير‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫اهتم الشعراء باجلانب التارخيي‪ ،‬وجعلوه أحد موضوعات الشعر التعليمي "من حيث األسباب‬

‫واألصول والفروع وتسلسل احلوادث وترتيبها‪ ،‬والبحث عن العلل واألسباب والربط النتائج‬
‫‪69‬‬
‫مبقدماهتا‪".‬‬

‫ومن أشهر شعراء هذا اللون من الشعر جند األصمعي يف ذكره للملوك واجلبابرة املالكني واألمم‬

‫البائدة‪ ،‬وكذلك ابن املعتز يف قصيدة تتكون من ‪ 400‬بيت حتدث فيها عن سرية املعتضد وكذا حركة‬

‫القرامطة وما أثارته من فنت وثورات‪ .‬يقول‪:‬‬

‫مدينة بعينها معروفة‬ ‫واستمع اآلن حديث الكوفة‬

‫ومهها تشتت أمر األمة‬ ‫كثرية األديان واألمنـ ـ ـ ـ ــة‬

‫هذا إىل جانب العديد من القصائد حتدثت يف التاريخ يف جانبه التعليمي‪ ،‬خاصة ما تعلق بتاريخ‬

‫الفرس واهلند‪.‬‬

‫‪ ‬العةائد‪:‬‬

‫إن من بني أهم النتائج اليت حققها الشعر التعليمي هي توسيع دائرة اآلداب واملعارف املختلفة‬

‫اليت عرفها العصر العباسي اىل جانب املذاهب املختلفة فقد كانت هناك عالقة قوية بني الشعر‬

‫التعليمي والشعر املذهيب‪.‬‬

‫‪ 69‬مصطفى حممد الشكمة‪ ،‬الشعر والشعراء يف العصر العباسي‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،1973 ،‬ص‪.89‬‬

‫‪53‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ومن بني الشعراء الذين اهتموا بالعقائد واملذاهب نذكر‪" :‬السيد احلمريي‪ ،‬السفاريين‪ ،‬وكذا الرازي يف‬
‫‪70‬‬
‫كتابه الذي صنفه يف أقسام الذات حيذر فيها من علم الكالم ويرى أنه يؤدي إىل احلرية والكفر‪".‬‬

‫ومن ذلك قول الشافعي يف إثبات مراتب القدر األربعة‪ "،‬يقول‪:‬‬

‫وما شئت إن مل تشأ مل يك ـ ــن‬ ‫ما شئت كان وإن مل أشأ‬

‫ففي العلم جيري الفىت واملسن‬ ‫خلقت العباد على ما علمت‬

‫وهذا أعنت وذا مل تعـ ـ ـ ـ ـ ــن‬ ‫على ذا مننت وهذا خذل ــت‬

‫‪71‬‬
‫ومنهم قبيح ومنهم حسـ ـ ـ ـ ــن"‬ ‫فمنهم شقي ومنهم سعيد‬

‫وهو هبذا وجد يف الشعر التعليمي وسيلة وغاية يف ابراز وجه من بعض العقائد واألحكام معتمدا يف‬

‫ذلك على أسلوب سهل وواضح يف نفس الوقت من أجل االستفادة والتعليم‪.‬‬

‫شعر الزهد‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫اعتمد أعالم الزهد يف العصر العباسي على الشعر التعليمي‪ ،‬حيث استفادوا منه يف جتارهبم يف‬

‫التعامل مع متطلبات احلياة‪ ،‬ومن بني أشهر شعراء الزهد هو الشاعر أبو العتاهية حيث أنه تعمق يف‬

‫هذا امليدان بشكل أوسع وأكثر وضوحا‪ ،‬متأثرا بأفكار غريبة عن الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬فتحول‬

‫‪ 70‬صاحل آدم بيلو‪ ،‬ص‪.229‬‬


‫‪ 71‬مصطفى حممد الشكمة‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪54‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫شعره إىل نظم يدعو فيه الناس إىل هنج اجتماعي جديد‪ ،‬وال يريد إشباع حاجتهم اجلمالية‪ ،‬ومن‬

‫ذلك أرجوزته ذات األمثال اليت حتدت عنها أبو الفرج األصفهاين فقال‪ ":‬هذه األرجوزة من بدائع أيب‬

‫العتاهية‪ ،‬ويقال‪ :‬إن له فيها أربعة آالف مثل"‪ .‬مث ذكر قسما منها‪ ،‬وقال‪ :‬وهي طويلة جدا‪ ،‬وإمنا‬
‫‪72‬‬
‫ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكالم من صفتها"‪.‬‬

‫فاشتهر أبو العتاهية بديوان طويل له استفاد منه الشعراء فيما يعد‪ ،‬امتد حىت ‪ 320‬بيت يقول فيها‪:‬‬

‫وأكث ـ ــر القـ ـ ـ ـ ــوت ملـ ـ ـ ـ ــن ميــوت‬ ‫" حسبـك مما تبتــغيـه الق ـ ـ ـ ـ ـ ــوت‬

‫فكل مايف األرض ال يغنيكا‬ ‫إن كان ال يغنيك ما يكفيك‬

‫هيهـات مـا أبعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـا تكابـ ــد‬ ‫لن تصلح الناس وأنت فاس ــد‬

‫‪73‬‬
‫ما أطول الليل على من مل ينم"‬ ‫لكل ما ي ـ ـ ــؤدي وإن ق ـ ـ ــل أمل‬

‫وهي أرجوزة تتميز بسهولة اللفظ وحالوة اإليقاع‪ ،‬ووضوح املعاين‪ ،‬واالنسياب يف التعبري‪ ،‬ألن أبا‬

‫العتاهية شاعر موهوب استطاع أن يطبع نظمه بطابع الشعر‪،‬يف حني لو أن عاملا ال ميتلك موهبة أيب‬

‫العتاهية وجتربته الشعرية نظم هذه املزدوجة جلاءت جافة خالية من أي حملة شعرية‪.‬‬

‫إال أن هذا اإلجتاه وإن ساهم يف تسيري حفظ العلوم وتسهيلها على الناشئة فإنه ال يرقى إىل مستوى‬

‫الشعر‪ ،‬وأخذ من الشعر امسه فقط وهذا على سبيل التوسع واجملاز‪.‬‬

‫‪ 72‬األغاين‪ ،‬أليب الفرج األصفهاين‪ ،‬دار إحياء الرتاث العاليب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.37-36‬‬

‫‪ 73‬أبو العتاهية‪ ،‬أشعاره وأخباره‪ ،‬حتقيق شكري فيصل‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪1965 ،‬م‪ ،‬ص ‪.465-444‬‬

‫‪55‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وقد كان هلذا النوع من النظم أثر خطري بعد ذلك على حركة الشعر العريب إذ أصبح يف العصور‬

‫احلديثة النوع الوحيد الذي يسمى شعرا‪ " .‬فقد كان الزهد يف العصر العباسي مذهبا له خصائصه‬

‫وأصوله اليت يرتكز عليها غري العفوية اليت عرفها سابقه‪ ،‬وغدا فكرة عميقة يعتنقها الشاعر فتتغلل يف‬
‫‪74‬‬
‫كيانه ويتلبس هبا شعره فال يكاد ينحرف عنها إىل غرض من أغراض الشعر األخرى"‪.‬‬

‫ويعترب اجلانب الديين الرافع األساسي الذي دفع إىل تطور هذه الفكرة وأصحاب هذا اجلانب اقتنعوا‬

‫وتشبعوا إميانا بتقوى اهلل وعرفوا تفاهة احلياة الدنيا‪ ،‬معتمدين يف ذلك على جتارهبم الروحية‪ ،‬ومن هنا‬

‫" حتولت حركة الوعظ والقصص الديين إىل زهد‪ ،‬تطور فيما بعد إىل تصوف وجترد اختذته فرق‬

‫الصوفية التالية أساسا منطلقاهتا"‪ ،75‬فتوسعت حركة الزهد بشكل واسع وظهر العديد من الزهاد‬

‫واملتكسبني املتجردين هلل وجاء هذا ردا على تيار اجملون‪.‬‬

‫ومن مميزات هؤالء الزهاد هي‪ :‬البكاء والتهجد والتضرع‪ ،‬ومنهم من كان من الزهاد الصادقني‬

‫والزاهدات أمثال رابعة العدوية وميمونة ورحيانة ‪ ،‬كما اختذوا منازل خاصة وصوامع منعزلة بعيدا عن‬

‫مشاكل الدنيا وضجيجها‪.‬‬

‫ويعد شعر أو مقطوعات رابعة العدوية أول ما وصلنا من شعر الزهد‪ ،‬حيث أهنا بلغت الذروة يف‬

‫التجرد والتسامي عن كل ما هو حسي واالستغراق يف حب اهلل‪ ،‬وهو مبدأ جديد نوعا ما مقارنة مع‬

‫املقطوعات الزهدية السابقة‪.‬‬

‫‪1‬عبد احلكيم حسان‪ ،‬التصوف يف الشعر العريب نشأته وتطوره حىت القرن الثالث اهلجري‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.236-235‬‬
‫‪75‬ينظر‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬ط‪ ،3‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.340‬‬

‫‪56‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫"فتقول يف مناجاة اهلل عز وجل‪:‬‬

‫وحبا ألنك أهل لذاك‬ ‫أحبك حبني حب اهلوى‬

‫فشغلي بذكرك عمن سواك‬ ‫فأما الذي هو حب اهلوى‬

‫فكشفك يل احلجب حىت أراك‬ ‫وأما الذي أنت أهل له‬

‫‪76‬‬
‫ولكن لك احلمد يف ذا وذاك"‬ ‫فال احلمد يف ذا وال ذاك يل‬

‫وحسب التطور االجتماعي الذي عرفه العصر وشيوع اللهو واجملون ظهور الفوارق الطبقية بني‬

‫افراد اجملتمع‪.‬ظهرت حركة مضادة عكفت على تقوى اهلل وقصرت نفسها للعبادة واحتقرت الدنيا‬

‫وزينتها –"كما عملوا طائفة من الزهاد على تطور هذه احلركة وجعلت منها علم واسع تؤلف فيه‬

‫الكتب كثل كتاب املريدين ليحي بن معاذ الرازي وكتاب الزهد لبشري بن احلارث"‪.77‬‬

‫وإىل جانب هؤالء جند طائفة من الشعراء اليت مل تعرف الزهد يف حياهتا وإمنا قضت جل عمرها يف‬

‫الشرب والسكر واجملون ولكنها سجلت شعرا يف الزهد والنصح يف حلظات الصحو اليت كانت تنتاهبا‬

‫من حني آلخر‪.‬‬

‫‪_ ‬الشعوبية والزندقة وأثرهما في الشعر‪:‬‬

‫أ_حركة الشعوبية‪:‬‬

‫‪ 76‬حممد الراشد‪ ،‬نظرية احلب واالحتاد يف التصوف االسالمي‪ ،‬األوائل للنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1‬ص‪.81‬‬
‫‪ 77‬ينظر املرجع السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬

‫‪57‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫_تعريف الشعوبية‪:‬‬

‫لغة‪ :‬يطلق مصطلح الشعوب على الفرقة اليت تدعو إىل املساواة وال تفضل العرب على العجم وال‬

‫تنقص من قدر العرب‪ ،‬وتطور املصطلح ليدل على كلمة الشعويب أي املساواة وال فضل لعريب على‬

‫أعجمي وال ألعجمي على عريب‪.‬‬

‫يقول صاحب العقد الفريد" الشعوبية هم أهل التسوية " وقال صاحب الصحاح " الشعوبية فرقة ال‬
‫‪.‬‬
‫تفضل العرب على العجم"‬

‫اصطالحا‪" :‬هي حركة فكرية واجتماعية وثقافية شارك فيها أول األمر العرب والعجم على السواء‬

‫وذلك عندما كانت تدعو إىل املساواة وتعلن ثورهتا ورفضها للسياسة األموية اليت أبعدت العنصر‬

‫األعجمي وسلبته الكثري من حقوقه اليت منحه اإلسالم‪ -‬فقد بدأت أول األمر شعارا إنسانيا جليال‪-‬‬

‫وقف إىل جانبه الفقهاء وأهل التقوى والصالح واملروءة واالنتصار للعدل"‪.78‬‬

‫وحبكم اتصال اإلسالم باللغة العربية اتصاال وثيقا‪ ،‬فقد تعدت الشعوبية على اإلسالم‪ ،‬فعملت‬

‫على التشكيك يف قيمته حتت شعار الظرف واجملون‪ ،‬وبذلك كانت الشعوبية سالحا فكريا وثقافيا‬

‫ساهم يف هدم كيان األمة اإلسالمية أكثر من تلك الثورات املسلحة‪.‬‬

‫‪ ‬عالقة الشعوبية بالشعر‪:‬‬

‫إعتمد العديد من الشعراء على الشعوبية وسخروا هلا شعرهم خلدمتها‪ ،‬وكان على رأسهم بشار‬

‫بن برد وأبو نواس باإلضافة إىل العديد من الشعراء ممن لبسوا ثوب اجملون واللهو‪.‬‬

‫‪ 78‬ينظر حسني عطوان‪ :‬الزندقة والشعوبية يف العصر العباسي األول‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪،‬ص من ‪ 149‬إىل ‪.165‬‬

‫‪58‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫"يقول بشار بن برد‪:‬‬

‫موىل العريب فقد ذو ملك فاختر‬ ‫أصبحت أكرم من متيم كلها‬

‫أهل الفعال ومن قريش املعشر‬ ‫موالك أكرم من متيم كلها‬

‫سبحان موالك األجل األكرب"‪.79‬‬ ‫فارجع إىل موالك غري كدافع‬

‫من خالل هذه القصيدة يتضح لنا بأن بشار غري راض بذلك الوالء املفروض عليه للعرب‪ ،‬والذي‬

‫كان يشتكي منه كثريا‪ ،‬وقد ظل هذا التذمر من الوالء للعرب يتحرك يف أعماق بشار ويتفجر من‬

‫حني إىل آخر يف أبيات شعرية له‪.‬‬

‫وهناك رسالة شعوبية توجه هبا بشار إىل العرب محلت الكثري من التعصب للعنصر الفارسي والذي‬

‫عده أشرف العجم وجعله من العجم مبنزلة قريش بني العرب يقول‪:‬‬

‫عين مجيع العرب‬ ‫" هل من رسول خمرب‬

‫ومن توى يف الرتب‬ ‫من كان حيا منهم‬

‫عال على ذي احلسب‬ ‫بأنين ذو حسب‬

‫كسرى وساسان أيب‬ ‫جدي الذي أمسو به‬

‫عددت يوما نسيب‬ ‫وقيصر خايل إذا‬

‫‪ 79‬بشار بن برد‪ :‬الديوان‪ ،‬شرح مهدي حممدنا نصر الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص ‪.484 ،483‬‬

‫‪59‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪80‬‬
‫بتاجه معتصب"‬ ‫كم يل وكم يل من أب‬

‫كان بشار مضطربا طيلة حياته وهذا ألنه مل يثبت على مذهب واحد وظل باحثا عن منافذ إلشباع‬

‫رغباته واالنفالت من كل قيد‪.‬‬

‫وهناك أبيات شعرية يرى فيها بأن إبليس أفضل من آدم عليه السالم يقول فيها‪:‬‬

‫فتنبهوا يا معشر الفجار‬ ‫" إبليس خري من أبيكم آدم‬

‫والطني ال يسمو مسو النار‬ ‫النار جوهرة وآدم طينة‬

‫‪81‬‬
‫والنار معبودة مذ كانت النار"‬ ‫األرض مظلمة والنار مشرقة‬

‫ويف املقابل هناك من تصدى هلذه األفكار الوثنية مثل صفوان األنصاري حيث أشاد هذا األخري‬

‫باألرض وما حتمله من معادن ختدمن اإلنسان يف حياته اليومية‪.‬‬

‫‪ -1‬الزندقة‪:‬‬

‫يعترب مصطلح الزندقة مصطلح ذو أصول فارسية " ويقصد هبا زنديقي حيث كانت تطلق‬

‫على متبع كتاب " الزند" وأريد هبا اخلروج عن الدين"‪.82‬‬

‫أما يف اجملتمع العريب اإلسالمي فكانت تدل على طائفة جتمع أصحاب الديانات الوثنية املعادية‬

‫لإلسالم‪ ،‬ومنهم من وصل به األمر إىل اإلعالن هبا واجملاهرة‪.‬‬

‫‪ 80‬بشار بن برد‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.108‬‬


‫‪ 81‬خليل جفال‪ ،‬الشعوبية واالدب‪ ،‬دار الفضال ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1‬ن ‪ ،1986‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 82‬خليل جفال‪ ،‬الشعوبية واألدب‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪60‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إال أن اخللفاء العباسيني كانوا هلم باملرصاد أمثال اهلادي واملهدي والرشيد واملأمون‪ ،‬ومت ختصيص‬

‫ديوان هلم يتعقبهم إن ثبت عليهم جرمها‪.‬‬

‫"وإن دل مصطلح الزندقة على إضمار اإلسالم وإهبام غريه فإن كثريا من شعراء هذه احلركة اهلدامة‬

‫اخلطرية جاهدوا مبذاهبهم وقد اجتهد النقاد املعاصرون يف ختريج ذلك فسموا بعضها زندقة فكرية‬

‫واألخرى اجتماعية واألخرى سياسية"‪ ،83‬وهي هبذا ال ختتلف كثريا عن بعضها البعض حيث أهنا‬

‫تصب مجيعها يف خط واحد وهدف واحد وهو املساس باحلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬بل حىت وأنه‬

‫وصل هبم األمر إىل التشكيك يف الدين اإلسالمي‪.‬‬

‫وهناك طائفة أخرى أخفت عدائها حتت ستار اجملون وطلب اللهو واهلرب بعيدا عن اية أغراض أخرى‬

‫ودون أن تعلن كرها للعرب ومظاهر حياهتم‪.‬‬

‫ومن أهم الدوافع اليت دفعت الزنادقة إىل هذا جند الرافع الديين وهو الدافع األساسي كوهنم يؤمنون‬

‫بغري اإلسالم والرافع السياسي واملتمثل يف العصبية القبلية والدافع احلضاري الذي لعب فيه العامل‬

‫املادي دورا كبريا‪.‬‬

‫ومن أشهر هؤالء أبو يونس "يقول‪:‬‬


‫‪84‬‬
‫فللكبائر عند اهلل غفران"‬ ‫غاد املرام وإن كانت حمرمة‬

‫وقد دافع عن مذهبه حبجج كثرية‪ ،‬فهو يستعمل مصطلح الغفران بكثرة كما يتالعب باأللفاظ‬

‫اإلسالمية ويقلب داللتها يقول أيضا‪:‬‬

‫‪ 83‬حسني عطوان‪ :‬الزندقة والشعوبية يف العصر العباسي األول‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 84‬أبو نواس‪ :‬الديوان‪ ،‬تح‪ ،‬أمحد عبد اجمليد الغزايل‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،2003 ،‬ص‪.189‬‬

‫‪61‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ب وخذها بنشاط‬ ‫"أترك التقصري يف الشر‬

‫ق أضاءت يف البواط‬ ‫من كميت كست الرب‬

‫ل غدا عند الصراط‬ ‫مل وعفو اهلل مبذو‬


‫‪85‬‬
‫المرئ يف الناس خاط"‬ ‫خلق الغفران إال‬

‫من خالل هذه األبيات جنده يدعو إىل الشرب واإلكثار منه ألن الغفران مل خبلق إال للمخطئني‪.‬‬

‫إال أنه مترد باجملاهرة هبا واالستخفاف بقيم اإلسالم ومبادئه ومثله العليا وإن دل ذلك على شيء فإمنا‬

‫يدل على رسوخه يف مذهبه الذي ال يريد أن حييد عنه‪ ،‬ملا يتيحه له من حرية ومتاع الدنيا الزائل‪،‬‬

‫وهناك العديد من الشعراء الذين تأثروا كثريا بالثقافة األجنبية وحاولوا ضرب احلضارة اإلسالمية وقد‬

‫تصدى هلم مجاعة من علماء األمة اإلسالمية باإلضافة إىل جمموعة من الشعراء الذين عملوا على‬

‫توجيه الناس إىل اخلري والصالح‪ ،‬ومن هؤالء طائفة الزهاد واملتصوفة من شعراء العصر العباسي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التجديد والتطور في الةصيدة العباسية‪.‬‬

‫عرف العصر العباسي تطورا كبريا يف خمتلف اجلوانب مقارنة مع العصر األموي‪ ،‬وأخذ اجملتمع‬

‫العباسي يبتعد شيئا فشيئا عن سابقه خاصة ما فيما يتعلق باحلياة البدوية‪ " ،‬وفيما يتعلق بالشعراء‬

‫فقد تناقصت الرابطة العاطفية بني شعراء العصر العباسي اجلدد بني معامل احلياة العربية اجلاهلية‪ ،‬وقد‬

‫متيزت هذه االخرية‬

‫‪86‬‬
‫باألطالل ونوى وصحراء وارحتال"‪.‬‬

‫‪ 85‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.151‬‬

‫‪62‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وعليه فقد ظهرت فئة جديدة تسمى باملولدين متيزوا بالتجديد واالبتعاد عن مظاهر القصيدة‬

‫العربية ومن اهم مظاهر التطور والتجديد اليت مست القصيدة يف هذا العصر نذكر‪:‬‬

‫‪_1‬االبتعاد عن الةصائد المطولة‪:‬‬

‫عرف الشعر العريب القدمي بالقصيدة املطولة خاصة يف العصر اجلاهلي الذي أصبح منوذجا‬

‫يؤخذ به‪ ،‬إال أن القصيدة يف العصر العباسي " عرفت تغريا كبريا يف بنائها والتحام أجزائها إذا انتهت‬

‫القصائد الطويلة مبا حتوي من اغراض كثرية وكان جناح الشاعر اجلاهلي يتوقف على براعته يف االنتقال‬

‫من غرض إىل غرض دون أن حيس السامع هبذه النقلة ويعكس ذلك‪ ،‬كانت أشعار احملدثني يف‬

‫معظمها مقطعات قصرية حتوي كم منها غرضا واحدا"‪.87‬‬

‫وعليه مل يعد البيت الشعري كما كان يف الشعر القدمي وحدة منفصلة‪ ،‬كما اعترب الشعراء بأن القافية‬

‫القدمية ثقيلة حترمهم من االنطالق خبياهلم وأفكارهم‪.‬‬

‫ومن أسباب وجود املقاطع الصغرية التطور احلضاري الذي وصل إليه اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬فكلما‬

‫توسعت وتطورت احلضارة تغريت طريقة احلياة األصعب وبالتايل تدين مستوى االعمال األدبية خاصة‬

‫املطولة‪.‬‬

‫‪ 86‬أحالم الزعيم‪ ،‬قراءات يف االدب العباسي‪ ،‬مطبعة اإلحتاد‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،1991 ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ 87‬أبو السعود سالمة أبو السعود‪ :‬األدب العريب يف خمتلف العصور‪ ،‬العلم واإلميان للنشر والتوزيع‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.130‬‬

‫‪63‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فقد كان العرب قدميا يلتقون يف سوق عكاظ حيث كان لديهم الوقت الكايف للسماع خبالف العصر‬

‫العباسني والذي انعدمت فيه مثل هذه األماكن‪ ،‬فقل مساع الشعر ومناشدته‪ ،‬واشتغل الناس بالتجارة‬

‫والصناعة والزراعة ومنهم من عكف على اللذائذ وجمالس اللهو‪.‬‬

‫كما أن الشاعر القدمي" كان ينتقل يف قصيدته من فكرة إىل فكرة أخرى فكانت قصيدته تتكون‬

‫من أغراض وأفكار خمتلفة يف املقابل جند الشاعر العباسي حيدد قصيدته بفكرة واحدة ومعينة تأخذ‬
‫‪88‬‬
‫أبيات معدودة‪".‬‬

‫وخدمت القطعة القصرية جمال الغناء أيضا حيث يقدمها الشاعر على شكل موضوع واحد وهذا من‬

‫أجل تقدميها يف إطار موسيقي جذاب يسمح بانتشارها‪.‬‬

‫‪ -2‬التطور في مةدمة الةصيدة العباسية‪:‬‬

‫لعب التطور احلضاري واالجتماعي دورا كبريا يف نفسية الشاعر‪ ،‬فقد ادى به هذا اىل االبتعاد‬

‫عن ذكر االطالل ووصفها وكذا البكاء عليها‪ ،‬ومن جهة أخرى جمون هؤالء الشعراء أغلبهم يعترب من‬

‫املولدين الذين ال تربطهم أي عالقة مع البيئة العربية يف اجلاهلية‪ ،‬وبالتايل غري معنيني بوصف وكتابة‬

‫ونصوير أشياء غري موجودة يف اجملتمع الذي يعيشون فيه حاليا‪.‬‬

‫والذي ازدهر وتطور يف خمتلف نواحي احلياة اخلاصة االجتماعية والثقافية مبا يف ذلك من قصور فاخرة‬

‫ومدن راقية ورياض‪ ...‬يقول أبو نواس يف هذا اجلانب‪:‬‬

‫‪ 88‬الربعي بن سالمة‪ :‬تطور البناء الفين يف القصيدة العربية‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،2006،‬ص ‪.30‬‬

‫‪64‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وال شجاين هلا شخص وال طلل‬ ‫" مايل بدار خلت من أهلها شغل‬

‫األهل فيها وللجريان منتقل‬ ‫وال رسوم وال أبكي ملنزلة‬

‫وال سرى يب فأحكمه هبا مجل‬ ‫بيداء مقفرة يوما فانعتها‬

‫فيها املصيف فلي عن ذلك مرحتل‬ ‫وال شتوت هبا عاما فأدركين‬

‫وليس يعرفين سهل وال جبل‬ ‫ال احلزن مين برأي العني أعرفه‬
‫‪89‬‬
‫قصرا متبقا عليه النخل مشتمل"‬ ‫ال أنعت الروض إال ما رأيت به‬

‫وقبل أبو نواس العديد من الشعراء إىل االبتعاد عن هذا النوع من املقدمات ناصحا إياهم بأن هذه‬

‫الديار واألطالل الذين يقفون عندها ال ميكن أن تعود كما كانت وحيدثهم على نسياهنا والتأقلم مع‬

‫الوضع اجلديد الذي يعرفه العباسيون‪ ،‬وبالفعل فقد استجاب العديد منهم هلذه الدعوة‪ ،‬وقاموا‬

‫بتجديد يف مقدمة القصائد‪.‬‬

‫يقول أبو نواس‪:‬‬

‫واهجر الربع دارسا وحميال‬ ‫"أنسى رسم الديار مث الطلوال‬

‫وأجابت لذي السؤال سؤاال‬ ‫هل رأيت الديار ردت جوابا‬

‫‪90‬‬
‫يطرد اهلم طعمها والغليال"‬ ‫وأشربنها كأهنا عني ديك‬

‫‪ 89‬أبو نواس‪ :‬الديوان‪ ،‬ص ‪.529‬‬


‫‪ 90‬املصدر نفسه‪،‬ص ‪.40‬‬

‫‪65‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فمن املالحظ إن أبو نواس كان من أوائل الذين دعوا إىل التخفي عن املقدمة الطللية واستبداهلا‬

‫باملقدمة اخلمرية‪ ،‬إال أن هناك من الشعراء من حافظ على املقدمة التقليدية مع تغيري بعض عناصرها‪،‬‬

‫جند مثال وصف الطبيعة عند أيب متام والبحرتي وغريهم‪ ،‬وجند كذلك املقدمة احلكمية عند كل من‬

‫املتنيب وأيب متام وأيب العالء املعري‪.‬‬

‫وقبل أبو نواس كان هناك جمموعة من الشعراء من عزفوا عن املقدمة القدمية واستبدلوها مبقدمات‬

‫جديدة‪ ،‬من بني هؤالء جند مطيع بن إياس الذي ترك وصف الصحراء وما فيها يقول‪:‬‬

‫ومن جبلي طي ووصف كما سلعا‬ ‫" ألحسن من بيد حبار هبا القصا‬
‫‪91‬‬
‫له مقلة يف وجه صاحبه ترعى"‬ ‫تالحظ عيين كاشفني كالمها‬

‫ومنهم من استهل قصيدته يف املدح وآخر يف الغزل وغريه من استهلها مباشرة بالدعوة إىل ترك‬

‫األطالل والتخلي عن ذكرها مبا أهنا مضت واندثرت‪.‬‬

‫"يقول عبد اهلل بن أيب أمية‪:‬‬

‫وكل ربع حميل‬ ‫دع دراسات الطلول‬

‫ذرها لكل هبول‬ ‫وال تصف دار سلمى‬


‫‪92‬‬
‫قد أذنوا برحيل"‬ ‫وال تقل آل ليلى‬

‫وعليه فقد عرفت القصيدة يف العصر العباسي جتديدا شامال خاصة يف املقدمة حيث ختلى عنها‬

‫بعض الشعراء واستبدلوها مبقدمات تتماشى مع روح العصر‪.‬‬

‫‪ 91‬ابن املعتز‪ ،‬طبقات الشعراء‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫‪ 92‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.320‬‬

‫‪66‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وكانت هناك جهود لبعض اخللفاء يف احلفاظ على القصيدة القدمية منهم اخلليفة هارون الرشيد‬

‫والذي مدحه العديد من الشعراء دون أن خيرجوا عن عمود القصيدة اجلاهلية‪.‬‬

‫ورغم حرص العديد من النقاد وحفاظهم على عمود القصيدة‪ ،‬فإن شعراء العصر العباسي استطاعوا‬

‫اإلفالت من تلك القيود وسايروا عصرهم وظروفهم وأضافوا جتربة شعرية جديدة إىل جانب جتارب‬

‫سابقيهم‪.‬‬

‫‪ -3‬تغيير تركيب وبناء الةصيدة‪:‬‬

‫عرفت القصيدة العربية يف اجلاهلية بأهنا تعتمد على وحدة البيت بالدرجة االوىل وبأهنا تستغرق‬

‫يف غالب االحيان غرضا شعريا واحدا من بداية القصيدة إىل هنايتها‪ ،‬خاصة تلك القصائد املطولة‪.‬‬

‫قامت القصيدة العباسية على وحدة املوضوع‪" ،‬ومل يعد البيت فيها وحدة منفصلة قائمة بذاهتا‬
‫‪93‬‬
‫وإمنا أصبح جزء من الكل‪ ،‬دون أن يصيب معناها ومبناها خلل واضح"‬

‫وبالتايل فإن العديد من الشعراء يبتعدون شيئا فشيئا عن القصيدة التقليدية مستفيدين يف ذلك من‬

‫جتارهبم يف الشعر‪ ،‬ومعتمدين كذلك على الواقع الذي يعيشون فيه‪.‬‬

‫‪ 93‬ينظر ربيعي بن سالمة‪ :‬تطور البناء الفين يف القصيدة العربية‪ ،‬ص‪.26‬‬

‫‪67‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ -4‬األغراض الشعرية المتجددة‪:‬‬

‫أ_الوصف‪:‬‬

‫مبا أن العصر العباسي هو عصر النضج والتطور واالزدهار‪ ،‬فإن أول من استفاد من هذا التحول‬

‫االجتماعي هم الشعراء الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إىل االتصال بواقعهم ووصفه ومعاجلة قضاياه‬

‫وتصوير أدق تفاصيله‪.‬‬

‫"هذا وقد أثرت التيارات الفكرية املختلفة تأثريا عظيما يف دفع الشعراء يف مواضيع الشعر القدمية‬

‫واالنصراف إىل وصف احلواضر وما فيها من مظاهر‪ ،‬عمران فكثر ذكر الرياض واحلدائق والربك‬
‫‪94‬‬
‫وجمالس اللهو واجملون"‬

‫ومما ساعد على تطوير فن الوصف هو تلك النقوش والزخرفة ( مثل الستائر‪ ،‬املناضد‪،‬‬

‫املزهريات واجلواهر‪ ،‬واحللي‪ )...‬وكذا التفنن يف االطعمة واملالبس واألفرشة ‪ ...‬فأعجب الشاعر بتلك‬

‫الفسيفساء وتأثر بتلك احلضارة يف الصور والتشابيه واالستعارات‪ ،‬ألن الشاعر عادة ما يستعري صوره‬

‫من واقع بيئته‪.‬‬

‫يقول ابراهيم املهدي‪:‬‬

‫على قائم أخضر أملس‬ ‫ثالثة عيون من النرجس‬

‫ويقول ابن املعتز‪:‬‬


‫‪95‬‬
‫إذا ما بكت أجفاهنا ضحك الزهر"‬ ‫"أحلت عليه كل األخيار دمية‬

‫‪ 94‬إليا احلاوي‪ :‬تطور فن الوصف‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪ ،1967 ،‬ص ‪.47‬‬

‫‪68‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وقد وصف هنا روض وصفا بديعا طريفا مجع فيه بني بكار السحائب وهي جتود عليه وضحك‬

‫ازاهريه‪.‬‬

‫ومن بني املظاهر اجلديدة اليت أقبل الشعراء العباسيون على وصفها هي لعبة الشطرنج " واليت اشتغل‬

‫هبا الناس يف أوقات فراغهم" يقول خالد القناص‪:‬‬

‫وبعظم حقي دون كل ودود‬ ‫أراد بال دخل أخ يل يودين‬


‫‪96‬‬
‫وألفح حربا شبها بوقود"‬ ‫حماربيت مل يأل أن بث خيله‬

‫كما نال هنري الدجلة والفرات مكانة عند الشعراء‪ ،‬حيث وضعوا كل صغرية تتعلق هبما‪ ،‬يقول علي‬

‫بن الفرج‪:‬‬

‫بإتقان تأسيس وحسن ورونق‬ ‫أيا حبذا جسر على منت دجلة‬

‫وسلوى من أضناه فرط التشوق‬ ‫مج ـ ـ ـ ــال وفخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ونزهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫وإذا حتدثنا عن فن الوصف فإننا نتحدث كذلك عن وصف السفن نظرا لتعلق العرب بالبحر مبا يف‬

‫ذلك طلب التجارة والنزهة‪ ،‬ومن بني ما سجله الشعراء يف وصف السفن قصيدة أليب نواس وصف‬

‫فيها سفن األمني واليت تعددت أشكاهلا يقول‪:‬‬

‫مل تسخر لصاحب احملراب‬ ‫" سخر اهلل لألمني مطايا‬


‫‪97‬‬
‫سار يف املاء راكبا لبث غاب"‬ ‫فإذا ما ركابه سرن برا‬

‫‪ 95‬ابن املعتز‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق ودراسة حممد بديع الشريف‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪،96‬ينظر‪ -‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن ومذاهبه يف الشعر العريب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1969 ،7‬ص‪.116‬‬
‫‪ 97‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.127‬‬

‫‪69‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وقد تعدى الوصف إىل الثقافة وأدواهتا كذلك وهذا من خالل وصف الكتب واخلطوط واألقالم‬

‫والقراطيس فيما خيص" القلم وحربه ورمسه وشكله اخلارجي وطريقة إعداده ورعايته وتقوميه حىت‬

‫يستقيم طيعا جميبا ألنامل الكتاب والرواة وحتضريها" ‪98‬فأبدى الشعراء يف وصفها يف مجيع املراحل‬

‫واحلاالت ‪.‬‬

‫ب‪ -‬المديح‪:‬‬

‫وهو من بني األغراض الشعرية اليت مسها التطور و التجديد يف العصر العباسي خاصة ماتعلق‬

‫منها مبعاين املديح عمقا وسعة وتنوعا وقد ظل الشعراء يرتقون يف أجواء املبالغة بدافع إرضاء‬

‫املمدوحني والفوز هبداياهم‪ ،‬حىت ارتقوا فيه باملمدوح إىل صفات قدسية‪.‬‬

‫يقول علي بن اجلهم‪:‬‬

‫تعالت على أشياعه شيع الكفر‬ ‫" إمام اهلدى جلى عن الدين بعدما‬

‫مث تواصل تطور هذا النوع من الفن ليصبح وثيقة تارخيية هامة‪ ،‬يف شكل مقطوعات تروي بطوالت‬

‫اخللفاء واالمراء وقادة اجلند‪ ،‬كما ميكن تصنيفها ضمن أدب اجلهاد‪.‬‬

‫يقول البحرتي‪:‬‬

‫فلله تقواه وللمجد سائ‬ ‫" هو امللك املرجو للدين والعال‬

‫فال الغيث ثانيه وال الليل عاشره‬ ‫له البأس خيشى والسماحة ترجتى‬

‫‪ 98‬محدي الشيخ‪ :‬التطور والتجديد يف األدب العباسي‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫‪70‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪99‬‬
‫ومن جيرب الوهي الذي أنت كاسره"‬ ‫كسرهتم كسرى الزجاجة حدة‬

‫كما جند كذلك بائية أيب متام يف املعتصم وقد صحبه يف إحدى معاركه مع الروم" فتح عمورية"‬

‫فقد شهد بنفسه وقائعها وعايش حلظة االتصال العظيمة‪" .‬يقول ممهدا مبقدمة حكيمة تنسجم‬

‫وطبيعة الصراع اإلسالمي ومشاهد النصر والبطولة يقول‪:‬‬

‫يف حده بني اجلد واللعب‬ ‫السيف أصدق أنباء من الكتب‬


‫‪100‬‬
‫يف متوهنن جالد الشك والريب"‬ ‫بيض الصفائح ال سود الصحائف‬

‫ويف شعر احلكمة جند املتنيب يقول‪:‬‬

‫وتأيت على قدر الكرم املكارم‬ ‫"على قدر أهل العزم تأيت العزائم‬

‫وتصغر يف عني العظيم العظائم‬ ‫وتعظم يف عني الصغري صغارها‬


‫‪101‬‬
‫وقد عجزت عنه اجليوش اخلضارم"‬ ‫يكلف سيف الدولة اجليش مهه‬

‫وكانت من بني القصائد األكثر تناسق بني أشكاهلا‪ .‬وهناك شعراء من اهتم يف مدحيه باملناسبات‬

‫الدينية كاحلج وخباصة وقفة عرفات وعيد األضحى وعيد الفطر‪،‬‬

‫يقول البحرتي يف هتنئة املتوكل بعيد الفطر‪:‬‬

‫ملا طلعت من الصفوف وكربوا‬ ‫" ذكروا بطلعتك النيب فهللوا‬

‫‪102‬‬
‫نور اهلدى يبدو عليك ويظهر"‬ ‫حىت انتهت إىل املسعى البسا‬
‫‪ 99‬البحرتي‪ :‬الديون‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ 100‬أبو متام‪ :‬الديوان‪ ،‬تح‪ ،‬شهني عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2003 ،3‬ص‪.24‬‬
‫‪ 101‬املتنيب‪ :‬الديوان‪ ،‬شرح الربقوقي‪ ،‬دار الكتب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،1986 ،‬ص ‪.108‬‬

‫‪71‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وقد استبدل شعراء هذا الفن املقدمة التقليدية اهلاللية باملقدمة احلكمية ويعود ذلك إىل طبيعة العصر‬

‫وما عرفه من علوم منها الفلسفة واملنطق وعلم الكالم‪ ،‬وقد واكبت هذه املقدمات اجلديدة روح‬

‫العصر‪ ،‬كما عرف هذا األخري جمموعة من املدارس الفنية املتنوعة نذكر منها مثال غلبة املبالغة على‬

‫مدائح أيب نواس‪ ،‬ونالحظ النزعة البديعية عند ايب متام‪ ،‬بينما يطغى على مدائح املتنيب الطابع‬

‫احلكمي والفلسفي وعلى شعر ابن املعتز الطابع الوصفي البديعي وهكذا تعددت وتنوعت األساليب‬

‫واألنواع الشعرية عند جمموعة من شعراء هذا العصر‪.‬‬

‫ج‪ -‬الهجاء‪:‬‬

‫تعددت مظاهر اهلجاء اليت عرفها العصر العباسي‪ ،‬فمنها من متيز بالضحك والسخرية واليت‬

‫أصبحت هواية وميزة لدى العديد من شعراء العصر العباسي‪ ،‬تأيت أحيانا يف قالب من اللهو واملزاح‬

‫وأحيانا أخرى تكون ناجتة عن رفض للواقع ونقد ملظاهر الفساد‪ ،‬وغري بعيد ميكن ان تكون ناجتة عن‬

‫حقد دفني ولعنات كامنة‪.‬‬

‫" ويف أغلب األحيان متيز هذا العصر بالفكاهة والتندر والرغبة يف إضحاك اآلخر واشراكه يف‬
‫‪103‬‬
‫األمر"‬

‫‪ 102‬البحرتي‪ ،‬الديوان‪.50 ،‬‬


‫‪103‬ينظر إليا احلاوي‪ :‬تطور فن الوصف‪ ،‬ص‪.621‬‬

‫‪72‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وقد انتشر هذا النوع من اهلجاء يف أواسط الشعراء العباسيني منهم بشار بن برد وابن الرومي وغريهم‪،‬‬

‫حيث كانوا يقدمون مقطوعات شعرية تصنف يف خانة اهلجاء إال أهنا كانت هتدف إىل إضحاك‬

‫اآلخرين وتسليتهم‪.‬‬

‫جند مثال أبا نواس يقدم صورة هجائية تتميز وتتسم والفكاهة والضحك‪ ،‬حيث يقول يف قدر بين‬

‫رقاش‪ ،‬وقد اشتهروا بالبخل‪ .‬يقول‪:‬‬

‫يف كل يوم شيء خال النريان تبتدل‬ ‫" قدر الرقاش مضروب هبا املثل‬
‫‪104‬‬
‫اليوم يل سنة ما مسنب بلل"‬ ‫تشكو إىل قدر جارات إذا التقينا‬

‫ويف املوضوع نفسه قدم أبيات شعرية قارن ق فيها بني قدر بين النقاش وبني قدور سائر الناس‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫وقدور الرقاشني زهراء كالبدر‬ ‫"رأيت قدور الناس سودا من الصلى‬

‫‪105‬‬
‫سليم صحيح مل يصبه أذى اجلمر"‬ ‫تبني يف خمراشها أن عودها‬

‫أما ابن الرومي‪ ،‬فقد كان يهجو الناس بالعيوب اخللقية كاجلنب والبخل ويف املقابل هجاءه بالعيوب‬

‫اخللقية كاإلحدداب والقبح ‪ ...‬كان الغالب يف الشعر‪ .‬وكان هذا نتيجة القلق واالضطراب واحلزن‬

‫الذي كان يعاين منه‪ ،‬فكان يكتب الشعر ويتحسس فيه مظاهر النقص يف الناس وقد بالغ يف وصفها‬

‫وتقليبها‬

‫يقول يف هجاء عيسى بن منصور‪:‬‬

‫‪ 104‬أبو نواس‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.575‬‬


‫‪ 105‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.399‬‬

‫‪73‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وليس بباق وال خالد‬ ‫" يقرت عيسى على نفسه‬

‫‪106‬‬
‫بنفس من منخر واحد"‬ ‫فلو يستطيع لتقتريه‬

‫وقد هجاه بالبخل الشديد حىت انه ليظن على نفسه ويتمىن لو انه يتنفس من منخر واحد‪ ،‬تقتريا‬

‫واقتصادا‪.‬‬

‫ومن الدوافع اليت ساعدت على انتشار هذا النوع من الشعر هو استفادة الشعراء من املنطق والفلسفة‬

‫واجلدل والقدرة على احلجاج‪.‬‬

‫وابن الرومي يشبه إىل حد ما أبو نواس يف الرتبص بنقائض الناس وعوراهتم بشكل مبالغ فإنه إذا‬

‫أزعجه أداء أحدهم فإنه يهجوه هجاءا مريرا ساخرا‪.‬‬

‫كما نالت القضايا األدبية اليت انتشرت يف تلك الفرتة مثل السرقات األدبية واالنتحال نالت قسما‬

‫من أشعار ابن الرومي‪ ،‬حيث قدم هجاء للبحرتي اهتمه فيه بالسرقة من شعر غريه‪ ،‬كما دعى إىل‬

‫حماكمته لكي يكون عربة لغريه‪ ،‬يقول ابن الرومي‪:‬‬

‫للبحرتي بال عقل والحسب‬ ‫" اجلظ أعمى ولوال ذاك مل تره‬

‫من شعره الغث بعد الكد والتعب‬ ‫قبحا ألشياء يأيت البحرتي هبا‬

‫وألوائل ما فيه من الذهب‬ ‫وقد جييء خيلط النحاس له‬

‫‪106‬ابن الرومي‪ ،‬الديوان ‪ ،‬ص ‪.375‬‬

‫‪74‬‬
‫حركة التجديد الشعري في العصر العباسي‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫‪107‬‬
‫والغث منه صريح غري جمتلب"‬ ‫مسني ما حنلو من هنا ومن هنا‬

‫وميكن القول بأن فن اهلجاء يف العصر العباسي عرف تطورا ملحوظا‪ ،‬وأصبح التنافس الفكري‬

‫واحلضاري واالجتماعي سيد املوقف وأبرز ما متيز به هو ذلك الوصف الساخر الرسم املضحك من‬

‫الناحية الفردية ( هجاء األشخاص) أو اجلماعية (هجاء املظاهر)‪.‬‬

‫وقد ظهر يف اهلجاء جمال جديد هو النقد االجتماعي والذي عكف الشعراء فيه على عالج أدواء‬

‫االجتماعية‪.‬‬ ‫العاهات‬ ‫تلك‬ ‫من‬ ‫للنفوس‬ ‫منقر‬ ‫ساخر‬ ‫الذع‬ ‫هبجاء‬ ‫اجملتمع‬

‫‪ 107‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.36-35‬‬

‫‪75‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫خاتمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪:‬‬

‫ويف آخر حمطة ختامية من حبثي هذا‪ ،‬وبعدما تعرضنا إىل أهم اجلوانب اليت عرفها العصر‬

‫العباسي‪ ،‬بداية من اجلانب السياسي مرورا باجلانب االجتماعي وصوال إىل اجلانب الفكري والثقايف‬

‫وأبرز مواقف التجديد الشعري والقصيدة العباسية ميكن أن نستخلص بعض النتائج‪.‬‬

‫كان العصر العباسي عصرا ذهبيا بامتياز ويعترب هذا منذ تويل بنو العباس اخلالفة بعد اسقاطهم‬

‫للدولة األموية اليت رأوا بأهنا غري قادرة على مواصلة تسيري شؤون الدولة‪ ،‬فدخل بنو العباس بشكل‬

‫مباشر يف اجملتمع واعتربت فرتة حكمهم من بني ارقى الفرتات احلكم اليت عرفها التاريخ اإلسالمي‪،‬‬

‫كما مت نقل العاصمة من دمشق إىل بغداد‪.‬‬

‫وقد استعان العباسيون بالعنصر األجنيب‪ ،‬خاصة الفارسي منه وبدا هذا واضحا من خالل‬

‫إدخال الفرس يف شؤون الدولة وتوليهم العديد من املناصب اهلامة‪ ،‬كما اتسمت احلياة العباسية‬

‫مبظاهر متعددة الوجوه شكلت منعطف حامسا يف استقرار الدولة وتثبيت أركاهنا ومتتني عالقاهتا داخليا‬

‫وخارجيا‪ ،‬مما جعلها تكتسي هيبة كربى لدى الراي العام احمللي واالجنبني ضمن إجراءات مدروسة‬

‫مسبقا جتسدت يف امليدان من خالل أبعاد استشراقية اسرتاتيجية من اجل الوصول وحتقيق آمال االمة‬

‫والظفر بامتياز ذهبية العصر عربيا‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫كا اهتم العباسيون باجلانب االجتماعي أكثر من أي جانب آخر وهذا من اجل حتقيق حياة‬

‫أفضل مما كان عليه العرب من قبل‪ ،‬إال أن هذا الرتف والبذخ الذي عرفه العصر العباسي أدى إىل‬

‫كثرة أماكن اللهو واجملون واالحنالل داخل اجملتمع‪.‬‬

‫وقد عرب األدب بصفة عامة والشعر بصفة خاصة تطورا وجتديدا يف خمتلف اجلوانب وظهرت‬

‫العديد من املؤلفات خاصة النقدية منها‪.‬‬

‫وظهر العديد من املؤلفني والشعراء الذين ساعدهم اجلو والبيئة العباسية يف إنشاء قصائد شعرية‬

‫تنوعت أغراضها وتعددت أساليبها‪.‬‬

‫ويف الشعر دائما فقد ظهرت أنواع شعرية مل تكن موجودة من قبل مثل شعر‪ :‬احلكمة‪،‬‬

‫الفلسفة‪ ،‬الزهد‪ ،‬التصوف‪ ،‬اخلمريات‪ ،‬والشعر التعليمي مبختلف مظاهره‪ ،‬وقد لقيت هذه األنواع‬

‫الشعرية رواجا كبريا وسط اجملتمع فقد تناسبت مع روح العصر وكانت مبثابة انعكاس للواقع وهذا يف‬

‫شكل قوالب شعرية أبدع أصحاهبا يف تقدميها‪.‬‬

‫وإذا حتدثنا عن الشعر فإننا ال حمالة نتحدث عن القصيدة وما حلق هبا من تطور وجتديد بداية‬

‫من التخلي عن املقدمات الطللية واليت عرفها العصر اجلاهلي واسبداهلا مبقدمات تالئم الواقع العباسي‬

‫مبا يف ذلك من مقدمات حكمية وطبيعية نظرا لبيئة العصر العباسي و اليت متيزت باحلضارة والرقي‬

‫والقصور والرياض‪...‬‬

‫‪78‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫كما ابتعد الشعراء عن القصائد املطولة واستبداهلا مبقطوعات شعرية قصرية ربطت فيما بعد‬

‫باملوسيقى‪ ،‬وتطور العديد من األغراض الشعرية مثل الوصف واملديح والزهد اليت كتب فيها جمموعة‬

‫معتربة من القصائد عاجلت مواضيع مهمة عرفها األدب واعتربت جتارب شعرية هامة‪.‬‬

‫ويف األخري أمتىن أن يكون هلذا املوضوع االهتمام البالغ والكبري يف بقية حيايت اجلامعية‬

‫املستقبلية‪ ،‬وأن يعترب نقطة بداية للعديد من الدراسات وتكون أكثر عمقا ونفعا وذلك من اجل سد‬

‫الثغرات اليت مل يسعين الوقت يف اإلحاطة هبا واإلملام مبختلف جوانبها‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫قائمة المصادر‬
‫والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫أ‪/‬المصادر‪:‬‬

‫‪ )1‬البحرتي‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق حسن كامل الصريف‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪1963. ،‬‬

‫‪ ) 2‬أبو الفرج األصفهاين‪ ،‬األغاين‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬

‫‪ )3‬أبو العتاهية‪ ،‬أشعاره وأخباره‪ ،‬حتقيق شكري فيصل‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪1965. ،‬‬

‫‪ )4‬بشار بن برد‪ ،‬الديوان‪ ،‬شرح مهدي حممد ناظر الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬

‫‪ )5‬أبو نواس‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق حممد عبد اجمليد الغزايل‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2003. ،1‬‬

‫‪ )6‬ابن املعتز‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق ودراسة حممد بديع شريف‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬

‫‪ )7‬املتنيب‪ ،‬الديوان‪ ،‬شرح الربقوقي‪ ،‬دار الكتب العريب‪ ،‬بريوت‪1986. ،‬‬

‫‪ )8‬أبو متام‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق شاهني عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2003. ،3‬‬

‫‪ )9‬ابن املعتز‪ ،‬طبقات الشعراء‪ ،‬حتقيق عبد الستار أمحد فراج‪ ،‬دار املعارف‪،‬مصر‪،‬د‪.‬ت‪ ،‬دط‪.‬‬

‫‪ )10‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬حتقيق ألمحد حيدر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪2005.‬‬

‫‪ )11‬ابن الرومي‪ ،‬الديوان‪ ،‬حتقيق كامل الكيالين‪ ،‬دت‪،‬دط‪.‬‬

‫أ‪-‬المراقجع‪:‬‬

‫‪ )11‬ناظم رشيد ‪ ،‬األدب العريب يف العصر العباسي ‪ ،‬دار الكتب للطباعة والنشر ‪ ،‬جامعة املوصل ‪،‬‬
‫العراق‪1989. ،‬‬

‫‪81‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ )12‬مصطفى السيويف ‪ ،‬تاريخ األدب يف العصر العباسي ‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬مصر‬
‫‪2008.،‬‬

‫‪ )13‬طاهر امحد مكي ‪ ،‬الشعر العريب يف اسبانيا وصقلية ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬جزء‪ ، 1‬مصر‬
‫‪1999.‬‬

‫‪ )14‬حممد سهيل الطقوش‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬دار النفوس ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪2009. ،7‬‬

‫‪ )15‬حممد عبد املنعم خفاجي‪ ،‬اآلداب العربية يف العصر العباسي األول ‪ ،‬دار اجليل ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪1992. ،‬‬

‫‪)16‬عبد عون الرضوان ‪ ،‬شعراء العصر العباسي ‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ن األردن ‪ ،‬اجلزء‪، 1‬ط‪1‬‬
‫‪2001. ،‬‬

‫‪ )17‬أمحد حسن الزيات ‪ ،‬تاريخ األدب العريب ‪ ،‬دار الثقافة لبنان‪ ،‬ط‪1987. ،28‬‬

‫‪ )18‬شوقي ضيف ‪ ،‬تاريخ األدب العريب األول والثاين ‪ ،‬اجلزء‪،2‬دار املعارف ‪،‬ط‪.3‬دت‪.‬‬

‫‪ )19‬االصطربخي‪ ،‬املسالك واملمالك ‪ ،‬د ت ‪ ،‬د ن‪ ،‬مكتبة مصطفى االلكرتونية‪.‬‬

‫‪ )20‬حامد حنفي داوود ‪ ،‬اآلداب االقليمية يف العصر العباسي الثاين‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‬
‫‪،‬اجلزائر ‪ ،‬ط‪1981. ، 2‬‬

‫‪ )21‬ابراهيم أيوب ‪ ،‬التاريخ العباسي السياسي واحلضاري ‪ ،‬الشركة العاملية للكتاب ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪1989.،‬‬

‫‪ )22‬فاروق عمر فوزي ‪ ،‬اخلالفة العباسية ( السقوط واالهنيار) ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬األردن ‪ ،‬جزء‪،2‬ط‪1‬‬
‫‪1998. ،‬‬

‫‪82‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ )23‬أمني أبو الليلي ‪ ،‬تاريخ األدب العريب ‪ ،‬العصر العباسي الثاين‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع ‪،‬‬
‫‪. 2009‬‬

‫‪ )24‬علي حممد صاليب ‪ ،‬صفحات من التاريخ االسالمي يف مشال افريقيا ‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ )25‬شوقي ضيف ‪ ،‬العصر العباسي األول‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪، 3‬دت ‪.‬‬

‫‪ )26‬جرجي زيدان ‪ ،‬تاريخ أدب اللغة العربية ‪ ،‬وزارة الثقافة ‪،‬جزء‪2007.، 2‬‬

‫‪ )27‬الطربي ‪ ،‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬حتقيق حممد ابو الفضل ابراهيم ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬ط‪،2‬دت‪.‬‬

‫‪ )28‬شكري فيصل ‪ ،‬أبو العتاهية ‪ ،‬أشعاره واخباره ‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪ ،‬سوريا ‪1965.،‬‬

‫‪ )29‬رضا العطار ‪ ،‬مقتطفات من احلياة األدبية واالجتماعية يف العصر العباسي ‪،‬من كتاب العصر‬
‫العباسي األول ‪ ،‬شوقي ضيف ‪،‬جزء‪،1‬ط‪ ،8‬القاهرة ‪1981.‬‬

‫‪ )30‬فاروق عمر ‪ ،‬عصر القوة و االزدهار‪ ،‬اخلالفة العباسية‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الشروق‪ ،1998 ،‬عمان‪-‬‬
‫األردن‪.‬‬

‫‪ )31‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1988. ،1‬‬

‫‪ )32‬موقع ديوان العرب‪ ،‬ابراهيم أرمن‪ ،‬احلياة الثقافية يف العصر العباسي‪ ،‬ديسمرب‪2009.‬‬

‫‪ )33‬محدي الشيخ‪ ،‬التطور والتجديد يف األدب العباسي‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ديسمرب‪2012.‬‬

‫‪ )34‬املرزوباين‪ ،‬املوشح‪ ،‬مآخذ العلماء على الشعراء يف عدة أنواع من صناعة الشعر‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫البجاوي‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬مصر‪1965. ،‬‬

‫‪83‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ )35‬حممد عبد العزيز املوايف‪ ،‬حركة التجديد يف الشعر العباسي‪ ،‬دار الغريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،6‬‬
‫‪2007.‬‬

‫‪ )36‬عمر فروخ‪ ،‬األعصر العباسية‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1981. ،4‬‬

‫‪ )37‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬تاريخ النقد األديب عند العرب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬

‫‪ )38‬علي جواد الطاهر‪ ،‬الشعر العريب يف العراق وبالد العجم‪ ،‬دار الرائد العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1985.‬‬

‫‪ )39‬علي جواد الطاهر‪ ،‬مقدمة يف النقد األديب‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1983.‬‬

‫‪ )40‬صاحل آدم بيلو‪ ،‬كتاب حول الشعر التعليمي‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪.‬‬

‫‪ )41‬مصطفى حممد الشكمة‪ ،‬الشعر والشعراء يف العصر العباسي‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1973.‬‬

‫‪ )42‬عبد احلكيم حسان‪ ،‬التصوف يف الشعر العريب نشأته وتطوره حىت القرن الثالث هجري‪ ،‬مكتبة‬
‫األجنلو مصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪.‬‬

‫‪ )43‬حممد الراشد‪ ،‬نظرية احلب واالحتاد يف التصوف اإلسالمي‪ ،‬األوائل للنشر‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫ط‪1،2003.‬‬

‫‪ )44‬حسن عطوان‪ ،‬الزندقة والشعوبية يف العصر العباسي األول‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬

‫‪ )45‬خليل جفال‪ ،‬الشعوبية واألدب‪ ،‬دار النضال‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1986. ،1‬‬

‫‪ )46‬أحالم الزعيم‪ ،‬قراءات يف األدب العباسي‪ ،‬مطبعة االحتاد‪ ،‬دمشق‪1991. ،‬‬

‫‪84‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ )47‬أبو السعود سالمة أبو السعود‪ ،‬األدب العريب يف خمتلف العصور‪ ،‬العلم واإلميان للنشر‬
‫والتوزيع‪2007.،‬‬

‫‪ )48‬الربيعي بن سالمة‪ ،‬تطور البناء الفين يف القصيدة العربية‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪2006. ،‬‬

‫‪ )49‬إيليا احلاوي‪ ،‬تطور فن الوصف‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬ط‪1967. ،2‬‬

‫‪ )50‬شوقي ضيف‪ ،‬الفن ومذاهبه يف الشعر العريب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1969. ،7‬‬

‫‪ )51‬إيليا احلاوي‪ ،‬تطور فن اهلجاء عند العرب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دت‪ ،‬دط‪.‬‬

‫‪ )52‬عبد احلميد حممد جيده‪ ،‬اهلجاء عهد ابن الرومي‪ ،‬منشورات الكتب العاملية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫لبنان‪.1974 ،‬‬

‫ج‪/‬الرسائل اجلامعية‪:‬‬

‫‪ ) 53‬حلبيب موسى ‪ ،‬أطروحة الغموض يف الشعر العباسي (قراءة يف شعر أبو متام وابن الرومي‬
‫واملتنيب ) أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه يف األدب والنقد‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الفهرس‬
‫الفهرس‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫المحتويات‬
‫شكر وتقدير‬
‫اهداء‬
‫الدعاء‬
‫أ‪-‬د‬ ‫مقدمة‬
‫‪06‬‬ ‫مدخل‬
‫الفصل األول‪ :‬تأسيس وتطور الدولة العباسية‬
‫‪12‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬تأسيس الدولة العباسية‬
‫‪24‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬تطور احلياة يف العصر العباسي‬
‫الفصل الثاين‪ :‬التجديد الشعري يف العصر العباسي‬
‫‪37‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬التجديد الشعري يف العصر العباسي‬
‫‪62‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬القصيدة يف العصر العباسي‬
‫‪77‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪81‬‬ ‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪87‬‬

You might also like