Professional Documents
Culture Documents
تخزيــن الحبـوب ببلاد المغرب خلال العصر الوسيط
تخزيــن الحبـوب ببلاد المغرب خلال العصر الوسيط
املخلص :
يتناول هذا املقال عملية تخزين الحبوب في بالد املغرب خالل العصر الوسيط،
ُ ُوي َبين َّ
أن هذه العملية كانت تمارس من قبل ألافراد وحتى الدول التي تعاقبت على ِّ
ُّ َّ ُّ َّ َّ
حكم الـمنطقة ،ثم يتعرض ألسباب اللجوء إلى التخزين ،ويعالج بعد ذلك الطرق
أنواٍ ُ َّ
التي كانت تتم بها العملية ،وهي تقسُم بحسب أماكن وضع الحبوب إلى ثالثة ؛
سمى "املطامير"(جمع مطمورة) ،وهذا َّ
النوٍ هو ألاول تخزينها في ُح َفر بباطن ألارض ت َّ
؛
َ ُ ً
كبيرة ،لفترات
؛ كميات
؛ ألاكثر انتشارا ،لصعوبة اكتشافه ،كما أنه يم ِّكن من حفظ
ً
صيصا لهذا الغرض ُوت َّ ُ
سمى ُب ُيوت ألاهراء، بيوت تبنى ِّخ
طويلة ،والثاني تخزينـها في ؛
ُ ويتركز هذا النوٍ في املغرب ألاقص ى أكثر من غيره ،أما َّ
النوٍ الثالث فهو خزن ــها في بعض
َ ُ ُ
سه ُل نقلها وتغيير مكانها باستمر ؛ار. ألاواني بحيث ي
الكلمات املفتاحية :الحبوب ،تخزين ،القمح ،املغرب ،مطمورة ،ألاهراء .
Article Summary:
مقدمة:
لكن التذبذب املناخي لم يكن السبب الوحيد لخزن الحبوب ببالد املغرب، َّ
فهناك أسباب أخرى منها الاستعداد ألوقات الحروب ،والاحتياط للفتن التي كانت
َّ
تتسبب في توقف الحياة حين آلخر( ،)6فاالضطرابات السياسية تعرفها املنطقة من ؛
َّ
الاقتصادية ،بما فيها الزراعة بسبب حالة الالأمن التي تنتج عنها( ،)7حيث يقبض
َْ َّ
الفلح (الزراعة) بسبب ما يقع من العدوان والفتن وكثرة الناس أيديهم عن
َ
الزرٍ ال ُـمخ َّزن هو املصدر الوحيد للعيش.
الخوارج( ،)8ويصبح َّ
ويعد التخزين من أوجه الاستعداد للحروب ،وقد كانت رباطات الجهاد ُّ
ُ
املنتشرة عبر سواحل املغرب ت َج َه ُز بمخازن الحبوب مثلما هو الحال مع رباط
ً ُ
"املنستير الذي ش ِّي َد في حدود سنة(181هـ796 /م) ،والذي كانت مخازنه مملوءة
َ ً ً
قمحا وشعيرا( ،)9لكن هذه املخازن ُح ِّولت عن هدفها ألاصلي الذي أنشئت ألجله
وصارت مخازن لبعض التجار ،فأفتى إلامام املازري(ت536.هـ1141 /م) بعدم جواز
ذلك َّ
ألن هذه املخازن إنما ُح ِّبست على املرابطين(.)11
ُّ ً
ومن أسباب اللجوء إلى التخزين أيضا الخوف على الغذاء من نهب اللصوص ،أو
ً
حتى من مصادرة السلطة إذا كانت جائرة( ،)11مثلما حدث مع أهل مدينة فاس باملغرب
ألاقص ى ،عندما سيطر عليها الـمغراويون الزناتيون في منتصف القرن الخامس
ً
أعمالها ،خاصة أيام حكم ِّ الهجري(11م) ،حيث انعدمت ألاقوات في الـمدينة وفي
"الفتوح بن دوناس" (ت457.هـ1165/م) وابن عمه "معنصر" (ت461.هـ1168 /م)
املسمى "تميم" (ت461.هـ1169/م) وقد وصف ابن أبي َز ْر ؛ٍ هذه ألايامَّ وأيام ولد معنصر
َّ
فقال ...":فكان رؤساء "مغراوة" و"بني يفرن" يدخلون على الناس فيأخذون ما يجدون
فيها من الطعام .. ...وفي أيام جورهم اشتد الجوٍ باملغرب ،فاتخذ أهل فاس املطامير
في بيوتهم وديارهم للخزن والطحن والطبيخ لئال يسمعوا دوي الرحا"(.)12
ً
محصورا على ألافراد ،فمعظم ُّ
الدول ولم يكن خزن الحبوب ببالد املغرب
َّ َّ
املتعاقبة على ُحكم املنطقة اتخذت مخازن تد ِّخر فيها الزرٍ ألوقات الحاجة ،وأولها
الدولة الرستمية ،التي اتخذ مؤسسها ألامير عبد الرحمن بن رستم(ت171.هـ787/م)،
أهر ًاء للطعام كان يأمر بإحصاء ما فيها إذا حان وقت الصدقات( ،)13ويذكر ابن
الرستمي أبا اليقظان محمد بن أفلح (ت281.هـ894/م) كان الصغير املالكيَّ ،أن ألامير ُّ
الدواب في بيت املال(ِّ ،)14م َّما يوحي بأنه اتخذ مخازن للعلف والحبوب في يجمع علف َّ
بيت املال.
طـرق التخـزيـن:
ُ
اختلفت ط ُرق تخزين الحبوب ببالد الـمغرب باختالف أماكنه ،ويمكن حصر
هذه ألاخيرة في ثالثة أنواٍ ،ألاول َخ ُزن ــها في ُح َفر بباطن ألارض ُت َّ
سمى "املطامير" ،والثاني ؛
َّ ُ ُ َّ ُ ً ُ ُ
بيوت تبنى ِّخصيصا لهذا الغرض وتسمى بيوت ألاهراء ،والنوٍ الثالث هو خزنـها في ؛
ُ َ ُ ُ ُ
ويسمح بتغيير مكانها باستمر ؛ار. سه ُل نقلها خزن ــها في بعض ألاواني بحيث ي
-1املطم ــورة:
ُ َ َ ُ ْ ُ
الـمط ُمورة مفرد وجمعها مطامير وهي ُح َفرة ت ْحفر في ألارض خ ْف ًيا ،توسع
الحبوب( ،)21وتبقى بداخلها ب ْك ًرا دون أن َت َت َغ َّير َّ ْ َ َ ُ
ألن الهواء ال ِّ
ُ أسا ِّفلها ُلتخبأ فيها
ُ ُ
صي ُبها ،واملطمورة ال تحفر من أجل تخزين الحبوب لفتر ؛
()22
قصيرة كاألربعة أشهر ؛ ات ي ِّ
ُ
بكثير( ،)23وذ ِّكرت في املصادر بأسماء مختلفة ،فهي تسمى والخمسة ،بل ألكثر من ذلك ؛
"اله ْري وجمعه ألاهراء( ،)24وسماها ابن حوقل النصيبي باملواجن ،حين تحدث أحيانا ُ
عن مدينة "سفاقس" الواقعة بإفريقية فقال":وشرب أهلها من مواجل بهاَ ،وم َو ِّاج ُن َها
َ ُّ
استود َع ْت"( ،)25فجعل املواجل للماء واملواجن لتخزين َ ص ِّالحة الط ُع ِّوم َحا ِّفظة ملا َ
الطعام ،أما أبو زكريا إلاباض ي فقد قال في معرض حديثه عن أحد شيوخ املذهب
إلاباض ي ،ويسمى أبا أيوب بن كالبة الزواغي" ،وبلغنا أنه نزلت به رفقة ليمتاروا ،ففتح
مطمورة ،وهو ُ ً
الج ُّب ،)26("...فاستعمل مصطلح املطمورة ثم شرحه فقال أنها تعني لهم
ً ُ
الجب ،ويبقى مصطلح املطمورة هو ألاكثر شيوعا في املصادر.
ً َ َّ
فرة تحفر في ألارض ،فهي ت َتطلب شيئا من املعرفة، واملطمورة ليست َّ ُ
مجرد ح ؛
ً ً
بحيث يكون فمها ضيقا وأسفلها واسعا( ،)27وهي تحتاج بعد الحفر إلى املعالجة،
بالطين املمزوج بالشعير ودقاق التبن( ،)28وقد تبنى جدرانها
ً ُ َ َّ ُ ُ
فتطين جدرانها أحيانا ِّ
الجدران من يتم تمليط هذه ُ الداخلية بالحجارة والطين املمزوج بالتبن ،ثم ُّ
متماسكة ،فتلك ولعل هذا ال يكون إال في حال كانت املطمورة في تر ؛بة غير الداخل(َّ ،)29 َّ
؛
بناء ،وربما ُيجعل في أسفل املطمورة صلبة ،ال تحتاج إلى ؛ أرض صخر ؛ية ُ
؛ التي ح ِّفرت في ؛
ً البر بارتفاٍ ذراعينُ ،وي َ ُْ ُ
جع ُل منه أيضا ،على جوانبها ،وعلى ِّف َيها بعد وضع الحبوب ِّتبن ِّ
الح ِّب ،ومالمسة جوانب املطمورة( ،)31ولهذا احتاج حفر وقبل إغالقها ،ليحول التبن بين َ
ِّ
ُ َّ َ َّ
أناس تخصصوا مهرة يتولون إنشائها ،وقد تحدث ابن خلدون عن ؛ رجال ؛املطمورة إلى ؛
)31 ً
في هذا العمل وكانوا يفقدون حياتهم في حفرها أحيانا لنقص التهوية داخلها( .
ُ ُّ ُ ُ
بعناية،
؛ ولحفر املطمورة في ألارض شروط منها ،أن تـختار التربة التي تـحفر فيها
مناسبة لتخزين الحبوب وحفظها ،وقد َّ ً ُّ
فضل ابن العوام فليست كل التربة
َّ
إلاشبيلي" ،ألارض البيضاء ال ُـم ْس َت ْح ِّص َفة(*) الجافة الباردة"( ،)32وكان بعض أهل املغرب
ُّ َّ َّ َّ ُ
كل من ابن ألاثير يت ِّخذون املطامير في ألارض الصخرية الصلبة ،فاملتأمل لحديث ؛
َّ ََ
واملقريزي ،عن املهدي الفاطمي حين قاال":ونق َر في أرضها أهر ًاء للطعام"(ُ ،)33يالحظ
الحجر وغيره
ِّ ضربُ والن ْق ُر
الح ْفر "َّ ، " َ لفظ":الن ْقر" وليسَّ َّأنهما استعمال
كالفأس( ،)34وهذا ُيؤكد َّ ْ ْ
أن مطامير مدينة املهدية ُحفرت في ِّ قار ،وهو حديدة بالـمِّـن ِّ
ً محفورة في َّ ً
الصخر أيضا ،حيث صخرية ،كما كانت مطامير مدينة "قسنطينة" ؛ أرض
؛
ُ َ ْ َ ُّ
ورتان وثالث وأربع دار منها مطم ِّ يقول إلادريس ي"...وأرضها كلها حجر صلد ،وفي كل ؛
وخ َّ َ َ (َ )35
صص أهل مدينة فاس القسم الشمالي من املدينة لحفر منقورة في الحج ِّر" ،
ً ()36 ْ
أرض
حجر ِّكل ِّس ؛ي" ،فكانت مطاميرهم أيضا في ؛ ؛ جبل من املطامير ألنه"...واقع في ؛
صخرية ،ويبدو أن التخزين في هذا النوٍ من ألارض كان أفضل من التخزين في غيرها ؛
وإال ملا تحملوا عناء الحفر فيها رغم صعوبته.
ويجب على الحافر بعد أن يختار التربة املناسبة للمطمورة ،أن يختار مواضع
كبس فيها الحنطة والشعير ،بقربحفرها ،بحيث يجب أن ال تكون "...املواضع التي ُت َ
منتنة أو ش ؛يء يكون له رائحة عفنة ،أو موضع ندي ،أو اصطبل فيه دواب أو؛ ائحة
ر ؛
َّ ً ل ُ
جمال أو غنم ،أو أحد الحيوانات التي تقوم في املواضع فتبو وتبعر دائما ،فإن روائح
هذه الحيوانات َّكلها وسائر الحيوانات مع روائح أبوالها وأرواثها ُت ُّ
ضر بالحبوب ِّكلها
ً َ َ ً
ض َّرة عظيمة"(.)37م
َّ ً ُ
وت َّتخذ املطامير عادة في الحقول وألاراض ي الفالحية( ،)38إذا توفرت فيها بعض
ُّ ُّ
الشروط ،كالتربة املناسبة والقدرة على مراقبتها وحمايتها من اللصوص ،وإن لم يستطيع
الفالح حفرها في أرضه استأذن غيره ،واتخذ املطمورة في أرض الغير(َّ ،)39
ألن املطمورة
ً وغط َّيت ال ُتعيق مالك ألارض في عملهَّ ، ُ
ولكن صاحبها كان يواجه مشكلة في إذا أغلقت ِّ
َ
أرض ُه
وصاحب ألارض قد حرث َ ُ حال َرغ َب في وضع َ
الح ِّب داخلها ،أو استخر ِّاجه منها، ِّ
َّ َ
وز َر َع َها ،فهو في هذه الحالة سيؤذي الزرٍ ال محالة ،ألنه سيحتاج إلى أن يجوز إليها
َّ ُ
أن عليه أن ينزٍ ما الحب وحمله ،كما َّ بدابة أو أكثر ،ومعه من يساعده في استخراج َ
ِّ ؛
َ ُ
نبت عليها ليصل إليها ،وهو يحتاج إلى موضع ق ْر َب فمها يضع فيه َ
الح َّب قبل تخزينه أو ِّ ؛
ً
عند إخراجه( ،)41وهذا ُيضر بصاحب ألارض كثيرا ،ويزداد إلاضرار به إذا ما اختلط
ألامر على صاحب املطمورة فنس ي موضعها ،أو إذا مات وجاء ورثته ،أو غاب وجاء
أولياؤه يبحثون عن الـمطمورة وهم ال يعرفون مكانها بالتحديد( ،)41حيث يكون الحل
الوحيد ،هو الحفر في ألاماكن التي يشكون بوجود املطمورة فيها ،فيفسدون أرض الغير
ألنهم وإن كان لهم بتكرار الحفر( ،)42وهذا ألامر لم ُيجزه لهم بعض فقهاء إلاباضيةَّ ،
الحق في الحب الذي في املطمورة ،فليس لهم الحق في إيذاء صاحب ألارض(.)43
الدار من منافعها ،فهي تدخل في حقوق واعتبرت املطمورة التي ُتحفر داخل َّ
الدار ،أو ُمكتريها ،إال أن يشترط صاحبـها في عقد الكراء استثناءها ،ويحتفظ ُمشتري َّ
َ ً
الرجل مطمورة في دار غيره ُليخ ِّزن فيها حبوبه(،)47بحق استغاللها( ،)46وقد يحفر َّ
مناسبة. وربَّـما يرجع هذا َّ
ألن التربة في داره غير
؛
ُوي َر َّجح أن السبب الرئيس ي لحفر مخازن الزرٍ داخل الديار ،هو إخفاؤها والقدرة على
حمايتها ،حيث يزيد اللجوء إلى هذا النوٍ من املطامير عندما ينعدم ألامن(**) ،مثلما كان
الحال مع أهل مدينة فاس زمن حكم املغراويين ،يقول ابن أبي زرٍ ...":وفي أيام ُجـورهم
اشتد الجوٍ باملغرب ،فاتخذ اهل فاس املطامير في بيوتهم وديارهم للخزن والطحن َّ
والطبيخِّ ،)48("...م َّما يعني َّأنهم لم يكونوا يحفرونها في منازلهم حتى أصابهم ظلم
املغراويين.
ومن أشهر هذه املخازن التي ذكرتها املصادر ،الهريان اللذان َّاتخذهما
الخليفة املنصور املوحدي قرب أحد قصوره بمراكش ،ليخزن فيهما أقوات الحاشية
َّ
والجند ،والشعير الذي ُي ِّعلفه لخيله ،وقد وصفهما الحسن الوزان فقال ":هريان مبنيان
َّ كذلك بسقف ُم َقوس ،وفي كل َهري طبقة علويةُ ،ي َ
وضع العلف في الطبقة ألارضية، ِّ ؛ ؛
ُ َ َ ُ َّ ُوي َّ
خزن في إحدى الطبقتين العلويتين الشعير للخيل ،ويخزن القمح في ألاخرى ،وتسع كل
ُ َ
عدت طاقات في سقف هاتين طبقة أكثر من ثالثين ألف ك ؛يل من الحبوب ،وقد أ ِّ ؛
ً َّ َ ُ
مدرج من الحجر ،تصعد فيه الدواب محملة إلى هذا البنايتين يرقى إليهما بواسطة ؛
ُ ُ الحب ثم ُي ُّ
الحب أكتفي ِّ صب من هذه الطاقات ،وإذا أ ِّريد إخراج ُّ السطح ،حيث ُيكال َّ
الحب منهما ووضعه فيهما دون ُ الثقب املوجود في أسفل َ َّ
مكن أخذ ِّ الهري ،وهكذا ي ِّ بفتح
()71
عناء" . ؛
ومن املخازن التي تحدثت عنها املصادر ،الفندق الكبير ُّ
املعد الختزان الزرٍ
في مدينة سبتة ،والذي وصفه محمد بن القاسم ألانصاري السبتي فقال":وهذا
الفندق من بناء محمد أبي القاسم العزفـي ،ومن آثاره الغربية بسبتة ،يحتوي على
ً
وبيت ،تسع تلك املخازن من قفزان الزرٍ آلاالف اثنين وخمسيـن مخزنا ما بين هري ؛
أن له بابين :باب إلى صحنه وآلاخر إلى العديدة التي ال تبلغ الحصر ،ومن ضخامته َّ
ُ ُ ً
املحملة الدائرة بالطبقة الثانية ،لكون ألارض مرتفعة من تلك الجهة ،ت ْدخل َّ الشوارٍ
ُ والاتساٍ الكبير ،فإذا أبصر َّ ْ َ َ
الرا ِّئي ما يدخل على البابي ِّن الجمال بأحمالها مع الارتفاٍ ِّ
منها على الباب ألاعلى ودورانها في تلك الشوارٍ بأقتابها ،وغرائر الزرٍ املحملة عليها
هاله ذلك وتعجب منه"( ،)72واملالحظ على هذين البيتين هو أن كالهما في املغرب
ً مما ُي َرجح َّألاقص ىَّ ،
أن هذا النوٍ من التخزين كان معروفا بهذه الـمنطقة أكثر من ِّ
أن طريقة وضح الحبوب داخل هذه املخازن غيرها من جهات بالد الـمغرب ،كما يالحظ َّ
وإخراجها منها متشابهة.
ومن ألامور الطريفة في هذا الباب ،ما ذكره صاحب كتاب "سير ألائمة
وأخبارهم" ،عن عامل الخليفة الفاطمي عبيد هللا املهدي ،الذي طارد الرستميين
إلاباضيين بعد سقوط تاهرت سنة (296هـ919/م) ،إلى وارجالن بالـمغرب ألاوسط،
ً ً حيث وجد في ديارهم في هذه الـمنطقة بيض َّ
النعام مملوءة شعيرا( ،)75وقد حمل هذا
ً
العامل بيضة معه إلى إفريقية ،وأراها للخليفة الفاطمي "املهدي" وقال له":هذه
مطاميرهم"( ،)76مما يعني أن السكان تعودوا في هذه املنطقة أن يستغلوا بيض النعام
في تخزين الحبوب.
ً ً
لكن هذه ألادوات جميعها سواء أكانت قدورا أو جرارا أو حتى بيض النعام،
ً
طويلة ،ولكن ُت َ
ست َ
عمل في التخزين الـمؤقت من لك تكن تستعمل للتخزين لفترات
ً أجل الاستهالكَّ ،
كميات كبيرة ولكن من إيجابياتها إمكانية
؛ ألنها ال تستطيع أن تحمل
نقلها وتغيير أمكنتها إذا اقتضت الضرورة.
خاتمة:
ً املستخلص في ألاخير هو َّ
أن تخزين الحبوب باختالف أنواعها كان ضرورة
فرضتها على سكان املغرب في العصر الوسيط ،الظروف املناخية التي يستمر فيها
ً
لسنوات ،كما َّأدى إليها الخوف من الاضطرابات السياسية التي كانت
؛ الجفاف أحيانا
ً
تعرفها الـمنطقة من حين آلخر ،وقد كان التخزين معتمدا من طرف ألافراد والدول على
ً
حد سواء ،وتنوعت وسائل التخزين وطرقه بين املطامير وهي ألاكثر انتشارا ،فقد ؛
اشتهرت بعض املدن بكثرة مطاميرها وطول فترة حفظها للحبوب ،وبين البيوت املعدةَّ
ً
خصيصا لتخزين والتي كانت تسمى ألاهراء ،وهي أكثر انتشارا في املغرب ألاقص ى،
ً
إضافة إلى املخازن املؤقتة واملنقولة ،والتي كنت تخصص لكميات قليلة بهدف
الاستهالك اليومي.
الهوامش:
( -)1حركات إبراهيم:النشاط الاقتصادي إلاسالمي في العصر الوسيط ،مطابع إفريقيا الشرق ،الدار
البيضاء ،اململكة املغربية ،د.ت.ط:،املرجع السابق ،ص.79-78.
( -)2التادلي أبو يعقوب يوسف بن يحيى املعروف بـ :ابن الزيات :التشوف إلى رجال التصوف وأخبار
أبي العباس السبتي ،تحقيق أحمد التوفيق ،منشورات كلية آلاداب بالرباط ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط : ،1997 ،2.املصدر السابق ،ص.278-277.
( -)3التسولي أبو الحسن علي بن عبد السالم :البهجة في شرح التحفة ،تحقيق محمد عبد القادر
شاهين ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،طبعة 1418هـ1998/م ،ج ،2.ص 337.العبدالوي
محمد :تأمالت في بعض طرق ووسائل الصزن التقليدية للمنتوجات الفالحية بجبال الريف ،مقال
منشور ضمن :تحوالت ألارياف في جبال الريف باملغرب ،مجموعة البحث الجغرافي حول جبال الريف،
مطبعة الخليج العربي ،تطوان ،اململكة املغربية ،طبعة 1426هـ2115 /م ،ص.88.
( -)4تاريخ ابن خلدون املسمى ديوان املبتدأ والصبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم
من ذوي السلطان ألاكبر ،دار الفكر ،بيروت ،لبنان ،طبعة1421هـ2111/م ،مج ،1.ص.312.
( -)5نفسـه.