Professional Documents
Culture Documents
Al Sharqa Al Thaqafia 48 PDF
Al Sharqa Al Thaqafia 48 PDF
الحديقة العربية
وع�صـر التـقـدم والـرخـاء
مجالت دائرة الثقافة
عدد أكتوبر 2020
مجلة شهرية تُ ـعنى بالشعر واألدب الشعبي -السنة الثانية -أكتوبر 2020م -العدد ()14
الحكمة والمساجـــالت
في ديوان بندر بن سرور
نشاط مجتمعي
المنصف المزغني:
في مليحة جمـاهيـريـة الشــعــر
شعاع ثقافي تنموي ال تسـقـط بالتـقـادم
أبناء الصحراء
يحصدون ذهبيات تُعنى بال�شعر والأدب العربي
رثــاء األبــنـــاء
السباحة
مجلة شهرية ثقافية تنموية تـصـدر من المنطقة الوسطى بإمارة الشارقة
المقناص..
نزهة الشتاء وهواية
البدو والحضر
حديقة بحيص
سياحة في الطبيعة والتاريخ
الجيولوجي للمنطقة كــلــبـــــاء ..حــدائــق مكتبة وادي الحلـو تــوزر ..أغنيـة الحياة القطاة ..استأثرت بقلوب
ومجالس وميادين جديدة شعاع يمتد عبر الوادي
ومـديـنــة الشــابــي الـشـعـراء عبــر العـصــور
اللغة العربية
والمحتوى المعرفي الرقمي
و�سالم ًا ،وتلك النافذة التي نطل منها على وال��م��ب��ادرات الثرية التي تتنوع ما بين مازالت ق�ضية �إث��راء المحتوى العربي
الحياة والعالم ،بر�ؤى �إن�سانية وم�سارات الفردية والجماعية� ،إذ حري بنا االنخراط على «الإنترنت» ،مطروحة بقوة على طاولة
فكرية عميقة. جميع ًا �أف ��راداً وم�ؤ�س�سات وحكومات في البحث وال��ن��ق��ا���ش ،وت�شغل ب��ال الخبراء
ال يقت�صر �إث��راء المحتوى العربي على تعزيز �صناعة ه��ذ المحتوى وتطويره، والمخت�صين وال��ق��ادة العرب والدوليين،
«الإنترنت» بالتعريب والحو�سبة والترجمة، و�إثرائه في مختلف العلوم والآداب ،من �أجل م��ع ك��ل م��ح��رك بحث وم�����ش��اه��دة �صفحة
و�إنما ي�شمل بالدرجة الأولى تعزيز المكتبة �صنع ب�صمة خا�صة وح�ضور عالمي للنتاج و�إن�شاء م�شاركة ،لما ت�شكله من حاجة
الإلكترونية ،ورفدها بالكتب والمعاجم الثقافي والفكري والعلمي للعرب. ملحة و�ضرورية في التنمية االقت�صادية
والمو�سوعات في مختلف المجاالت ،ون�شر �شك فيه �أن الوطن العربي ال يفتقر مما ال ّ واالجتماعية وال�صناعية .وف��ي ظ��ل ما
الأبحاث والمقاالت والأطروحات العلمية، �إلى القدرة والعقل والإرادة والوعي في ن�شر تفر�ضه الثورة الرقمية ،التي ي�شهدها العالم
و�إن�شاء المدونات والمن�صات والمواقع المعرفة الرقمية ،والتمكن من الو�صول من ممار�سات جديدة وت��ح��والت حديثة،
المتخ�ص�صة ،ورفع ال�صور والفيديوهات �إلى المعلومات ،وحفظ الأر�شيف الثقافي ت�سهم في �إلغاء الأنماط والنظريات القديمة،
المفيدة والهادفة ،ف�ض ًال عن رقمنة المجالت والتاريخي العربي ،وجعل كل ذلك متاح ًا وتح ّتم التوا�صل بين الح�ضارات الإن�سانية
وال�صحف ،وابتكار التطبيقات والبرامج ب�سهولة وي�سر لكل الباحثين والمهتمين والثقافات المختلفة ،وهذا ما تعمل عليه
التي تعنى بالثقافة والفكر والأدب .لكن والمثقفين والقراء في كل مكان ،للتعرف �إلى �إمارة ال�شارقة �ضمن م�شروعها الح�ضاري
في واق��ع الأم��ر ،ال يمكن تحقيق ذل��ك �إال �سحر اللغة وجمالها و�سال�ستها ومفرداتها، منذ �سنوات ممث ًال في دعم التبادل الثقافي
بدعم حكومي كبير وحقيقي ي�شمل التحفيز وهي ق��ادرة على مناف�سة مختلف اللغات والح�ضاري بين الأمم وال�شعوب ،ف�ض ًال عن
على التعلم واالبتكار والإبداع ،ويعمل على العالمية لحيويتها وا�ستيعابها للعلوم �إ�سهاماتها المتنوعة في �سد الفجوة الرقمية
تحويل الم�ستخدم العربي �إلى منتج و�صانع والمعارف الحديثة ،ومواكبتها للتكنولوجيا وتعزيز �صناعة المحتوى ون�شر المعرفة.
محتوى ،من �أجل تقديم المعلومة الحقيقية والتقدم العلمي ،ف�ض ًال عن م�ساهمتها في وبالنظر �إل��ى واق��ع المحتوى الرقمي
والموثوقة. �إثراء الثقافة الإن�سانية. يتبين �أن��ه م��ازال يعاني الكثير
العربيّ ،
في الأخير يبقى الرهان اليوم على م��ن ح � ّ�ق ال��ل��غ��ة ال��ع��رب��ي��ة ،االح��ت��ف��اء من ال�صعوبات والتحديات �إذا ما قورن
جيل ال�شباب ،الذين يحملون على عاتقهم بها والمحافظة عليها و�إيالئها الأهمية ب��ع��دد الم�ستخدمين ال��ع��رب لل�شبكة من
�أو ًال :مهمة تطويع «الإنترنت» وو�سائل الق�صوى ،ذلك حفاظ ًا على الهوية و�صون ًا جهة ،والمكانة التي تحتلها اللغة العربية
االت�صال لخدمة اللغة العربية ،وتحويل للتراث والح�ضارة ،ومن حقها �أي�ض ًا �أن نرفع عالمي ًا من جهة �أخ��رى ،وه��ذا ال ينتق�ص
الثقافة �إل��ى ق��وة رقمية فاعلة ومنتجة. رايتها في و�سائل التوا�صل االجتماعي، من كل الجهود المبذولة في هذا المجال،
تحول جذري في وثاني ًا :م�س�ؤولية �إحداث ّ ونن�شرها ف��ي ك��ل الآف����اق وال��ف�����ض��اءات
م�سيرة البناء والتقدم ،والدخول �إلى عالم الرقمية ،والكف عن ا�ستخدام غيرها من مهمة جيل ال�شباب تطويع
التقنية الحديثة تمهيداً ال�ستعادة العرب اللغات لتكون و�سيلة للتعبير والتوا�صل
«الإنترنت» لخدمة اللغة
مكانتهم التاريخية الح�ضارية ،و�إبراز وجه والتفاعل� ،أو �أداة لتحقيق ذاتنا وتطلعاتنا
الإ�سالم التنويري وانفتاحه على الثقافات و�أحالمنا� ،إذ � ّإن العربية ذلك الج�سر الذي العربية وتحويل الثقافة
واللغات الأخرى. يعبر بنا نحو م�ستقبل �أكثر جما ًال و�أ�صالة �إلى قوة رقمية فاعلة
هيئة التحرير
عبد الكريم يون�س
عـــــزت عـــــمــــــــر
حــ�ســـــان الـعــبـــد
عبدالعليم حري�ص
الت�صميم والإخـراج
محـمـد �سـمــير
م�ساعد مخرج
محـمـد غانم
�أمكنة و�شواهد
مراك�ش ..المدينة الحمراء
ت�ستور ..الفردو�س المن�شود في تون�س ٢٨
تقع مدينة مراك�ش في جنوبي المغرب ،وهي مدينة تاريخية و�سياحية تجلب
ال�سياح من كل �أنحاء العالم...
�سنوي ًا ماليين ّ
�إبداعات
�أدبيات ٣٢
د.العجيلي..م�ؤ�س�س الرواية
ال�سورية الحديثة
٤٤ قا�ص وناقد
«في ال�صيد» /ق�صة مترجمة
٣٦
٤٠
العجيلي ،ال ��ذي لقبد .عبدال�سالم ُ الق ُْمقُم/ق�صة ق�صيرة ٤٢
ب�أديب الأطباء وطبيب الأدباء ،ولد عام
(1918م) بمدينة الرقة في �سوريا....
�أدب و�أدباء
�ألي�س مونرو� ..سيدة الق�صة الق�صيرة المعا�صرة عزيز �أباظة.. ٥٢
�إليا�س فركوح..كتاباته واعية بذاتها ٦٤
٩٨ �شاعر كبير القامة والمقام
ولد عزيز �أباظة ف��ي(� 3أغ�سط�س عام ف�ؤاد قنديل ..روح �شفافة محبة للأدب والفنون ٧٦
1889م) في قرية (الربعماية) التابعة �سهير القلماوي ..رائدة و�أ�ستاذة الأجيال ٩٠
لمركز منيا القمح بمحافظة ال�شرقية...
(خط للوالي حمد بن �سعيد جواب والعر�ضة بال�سلطان برغ�ش ،وهي الر�سائل المتبادلة بين
التي هي من نمبر (رقم) (� 48إلى )51و�صلت ال�سلطان برغ�ش والم�س�ؤولين البريطانيين).
يحتوي الكتاب حمل قرنف ًال
وذكرت �أن وكيل �أهل بيت زيرامَ ، �أم��ا (�سجل مكاتبات ال�سلطان برغ�ش)،
على معلومات مهمة من بندر موجازة (ميناء) وهذا البندر متعلق فهي خا�صة بال�ش�أن الداخلي ،وقد تم الت�سجيل
وتفا�صيل الحياة ببندر ك�شكا�ش (ميناء) لكنه كلفكم على الكتابة فيها على الطريقة الغربية ،حيث يتم ت�سجيل
اليومية ونظام لأج��ل م��راده ي��درك (يلحق) الميل (ال�سفينة محتويات الر�سائل ف��ي ال�سجل ،و�إذا غاب
التجارية) ،ففي الما�ضي ما من خالف وفي الم�س�ؤول عن ال�سجل يقوم ال�سلطان برغ�ش
التفكير والثقافة المقبل كل �أحد (واحد) ي�أخذ �شيء من البندر بت�سجيل تلك المكاتبات بخطه .و�إذ يتط ّلب
ال�سائدة الذي حمل منه �أو مح�سوب على �أحد من الذي �سموه ب�شخ�صية
التحقيق نبذة �سيرية يعرفنا ّ
يكتبوا ال�شتاتي (جمع �شتي ،كلمة هندية بمعنى ال�سلطان برغ�ش ،وثقافته التي ت��ب� ّ�دت من
و�صل) حتى ال ي�صبح �إ�شكال في �شيء من هذه المكاتبات فيقول( :وبدرا�سة �سجل تلك
الغر�ض والنمبر الذي كتبته لأهل بيت زيرام تتبين لنا �شخ�صية ال�سلطان برغ�ش،
المكاتبات ّ
هو نمبر ( ،)48وقد و�صل نمبر ( )48قبله ،لكن فقد كان مثقف ًا يطلب ال�صحف الأجنبية والكتب
القيمة) .وف��ي ه��ذا ال�صدد يمكننا العربية ّ
الت�أكيد �أن الغاية ال�سامية والمقا�صد النبيلة
المهمة
ّ �سموه �إلى تقديم هذه المعلومات
دفعتا ّ
وتفا�صيل الحياة اليومية ،لأجل الباحثين في
المجاالت التاريخية وال�سو�سيوثقافية ،في
مجالي العالقات االجتماعية ونظام التفكير
والثقافة ال�سائدة ،ف�ض ًال عن درا�سة الفولكلور
ال�شعبي والتقاليد المعتادة في المنا�سبات
والأعياد ومختلف �أنماط ال�سلوك ،وفي ذلك قال
�سموه( :قمت بتحقيق تلك المكاتبات؛ لينتفع ّ
بها الدار�سون والباحثون في ق�ضايا �شرق
�إفريقيا) .فثمة في هذه الر�سائل �صورة عن
عالقة ال�سلطان بوالته في الواليات المختلفة،
و�صورة عن �أنماط العي�ش في ذلك الزمان ،كما
في الر�سالة الآتية:
زنجبار قديم ًا
ونحن �إذ انتخبنا الآن ال تغيره اتركه على ما كتبت ،و�إن كان
ب��ع�����ض ال ��ر� ��س ��ائ ��ل، متكرر فما من خالف وما ذكرته عن الجح
�إن����م����ا ل ��ك ��ي ي� ّ�ط��ل��ع (البطيخ الأحمر) فهمناه ومع ن�ضاجه نرجو
ال��ق��ارئ على �أ�سلوب �إن �شاء اهلل ،ووا�صلك بذر بطيخ ازرعه ،لكن ال
الر�سائل والمكاتبات يكون في مكان واحد ازرعوه في �أمكنة متفرقة
ال�سلطانية في حينه، واترك �أحداً (واحد) من الخدام يعاينه ونوخذا
ب��م��ا ف ��ي ذل���ك اللغة (ربان) �أهل بيت زيرام �أر�سله �إلينا وال�سالم).
عبرت العربية ال��ت��ي ّ (� 13شوال .)1296
بب�ساطة عن المطلوب، وفي ر�سالة ثانية يقول( :خط �إلى �سعيد
م����ع � ��ش ��ي ��وع ب��ع�����ض بن �سيف ال�سهيبي كتابك ال�شريف الم�ؤرخ
المفردات الإنجليزية ( 12رم�ضان �سنة )1295و�صل وفهم محبك
والفار�سية والهندية، ما ذكرت من طرف الطلب ،الذي عليك لل�شيخ
ال��ن��اج��م��ة بطبيعة علي بن عي�سى ،ذكرت �أنك مع تاريخ كتابك ما
ال���ح���ال ع���ن عملية عندك عاج ،والذي كان معك �أر�سلته لتتعو�ض
ال��ت��ث��اق��ف وال��ت��ف��اع��ل (يتعو�ض :ي�أخذ البدل) به وقد و�صلك العو�ض،
بين الثقافات ،كما هو ومن تلك المدة �إلى الآن ال و�صله منك �شيء،
�شائع من م�صطلحات ف�أر�سل له الذي حا�صل معك ،وبعد مدة �أر�سل
و�أل��ف��اظ �أجنبية ،وقد ل��ه غ��ي��ره ،فعلى ه��ذا الترتيب لتخال�ص عن
�سموه بترجمتها ّ قام نف�سك و�أما كونك �أنت في المونري (ا�سم بلد)
وت���ق���دي���م م��ق��اب��ل��ه��ا وال��ذي يطالبك في زنجبار ،وتعرفنا �أن��ه له
العربي ،من مثل (بندر: باب ير�ضيه وال من ذلك عمل فال يمكن ذلك،
ميناء) و(نمبر :رقم)، وما ذكرته �أن ي�أخذ علي بن عي�سى �أمالكك من
وم ��ن ال��ل��غ��ة المحلية زنجبار ،ي�ستغلها فذلك غير ممكن ،ال �سيما �أنك
ال�سلطان برغ�ش �سلطان زنجبار و�����ض����ح م��ف��ردات��ه��ا ّ تريد من الغلة ما يقيم والدتك و�أوالدك ف�أي غلة
وم�صطلحاتها من مثل( :العري�ضة :الورقة في زنجبار الآن ،تكفي لمقابلة هذا من وفاء
المعرو�ض عليها الحال) ،و(الفري�ضة :المرتب)، دينك وقيام �أهلك ،فافعل له ترتيب ب�إر�سال
�سموه ب ��إدراج �صور الر�سائل
و�إل��ى ذلك قام ّ عاجا كما ذكرنا لك في هذا الخط وال�سالم).
المخطوطة باليد ،وف��ي ال�صفحة المقابلة (� 13شوال .)1296
يبرز الكتاب �صورة الن�ص المحقق بك ّل ما يتطلبه من �شروحات ّ ومما ج��اء في ر�سالة �أخ ��رى( :خ��ط �إلى
من عالقة ال�سلطان في الهوام�ش �أ�سفل ك ّل �صفحة ،كما هو متداول محمد ب��ن جمعة وم�سعود ب��ن �سيف ج��واب
�أكاديمي ًا ،مع الإ�شارة �إلى �أن بع�ض الر�سائل وعر�ضه الجمادار عن ع�سكره �أنهم ( )43نفر ًا
بواليته و�أنماط كتبت بيد ال�سلطان نف�سه عندما يغيب كاتبه نظرناها وهو ينكر ذلك ويقول �إن ربعه ()48
العي�ش في ذلك ل�سبب �أو لآخر. نفراً وحمود بن �سالم الجرادي يعطيه فري�ضة
الزمن كتاب تط ّلب جهوداً كبيرة ليو�ضع بين رجلين ليكونوا الجميع ( )49نفراً و(� )3أنفار
يدي الباحث والدار�س فيقر�ؤه ب�سهولة وي�سر. �أ�سقطهم عن قوله لزيادة ربعه بزعمه �أن جملة
جهد �صاحب ال�سمو في تحقيقه لين�ضم �إلى فراي�ضهم زائدة والعر�ضة التي كتبها ب�أ�سماء
منجزاته وم�ؤلفاته الثقافية والفكرية الإبداعية ربعه وا�صلة �إليكم انظر ه�ؤالء الذينهم (الذين
والبحثية والمعرفية خالل خم�سين عام ًا. هم) في العر�ضة (العري�ضة) (الورقة المعرو�ض
عليها الحال) موجودين �أم ال و�صرحوا لنا كل
ال�سلطان برغ�ش بن �سعيد �آل بو�سعيد ،ال�سلطان الثاني لزنجبار بعد �أخيه ماجد بن واحد بفري�ضته (الفري�ضة :المرتب) و�إذا كان
�سعيد ،وهو االبن ال�سابع لل�سلطان �سعيد بن �سلطان ،ولد عام (1252هـ1837 -م)، �أحد في الع�سكر ي�صلح يكون عقيداً (رئي�س على
وتوفي يوم الخمي�س ( 14رجب 1305هـ 26 -مار�س�/آذار 1888م). ع�سكر محليين) عو�ضه فكذلك عرفونا ،لأننا �إن
(�سجِ ّل مكاتبات ال�سلطان برغ�ش �سلطان زنجبار) كان ال عنده �إال ( )43نفراً كما في العر�ضة التي
ومنها ما هو بخطه (1296هـ1878-م)-تحقيق الدكتور �سلطان بن محمد �أر�سلتموها ،فلتعزله ونرجو الجواب �سريع ًا
القا�سمي -من�شورات القا�سمي ال�شارقة .2020 وال�سالم)� 15( .شوال .)1296
القوى الناعمة
والواقع الدولي د .محمد �صابر عرب
العناية بالقوى الناعمة باعتبارها الو�سيلة و�سط كل هذه العقبات والم�شاكل الإقليمية
العملية ل��م��واج��ه��ة ال��م��وج��ات ال��ع��ات��ي��ة من والدولية ،التي �أدخلت العالم في �أتون �أزمات،
الجمود والتخلف .الأمر جد خطير ،حينما لم بدت م�ستع�صية على الحل ،لدرجة �أن العالم
يلتفت وا�ضعو ال�سيا�سات التنموية في عالمنا برمته� ،أ�صبح على درج��ة عالية من التوتر،
الإ�سالمي �إلى العناية بهذه الطاقة الإن�سانية بعد �أن تعقدت الكثير من الق�ضايا ال�سيا�سية
الهائلة بمعناها الإن�ساني والمدني ،والتي واالقت�صادية واالجتماعية ،التي راحت تهدد
تجاوزت كثيراً الأدب وال�شعر والفن ،وت�ستحق الح�ضارة الإن�سانية المعا�صرة ،ولم تعد دولة
ه��ذه الق�ضية �أن ت��ك��ون نمط ًا للحياة بكل واح ��دة ،مهما عظم �ش�أنها بمن�أى عن هذه
الإن�سان هو �صانع مفرداتها. المخاطر.
اختلف المثقفون وعلماء الأنثروبولوجيا �إذا كان الإن�سان هو �صانع هذه الح�ضارة،
الح�ضارة التي قطعت
حول و�ضع تعريف دقيق للقوى الناعمة ،بقدر التي قطع فيها الإن�سان �شوط ًا كبيراً للغاية في
�شوط ًا كبيراً في �شتى اختالفهم حول مفهوم الثقافة ،وهي تعريفات كافة المجاالت العلمية والتكنولوجية ،لكن
المجاالت العلمية لم تختلف كثيراً عن المعاني العامة التي دو ًال �أخرى تعثرت لأ�سباب ال تخفى على �أحد،
والتكنولوجية تقترب من �صلب الق�ضية ،برغم تباين كل هذه لعل من �أهمها افتقاد ثقافة الوعي بمعناها
االختالفات ما بين الثقافة والقوى الناعمة العلمي والفكري ،في غيبة منظومة متكاملة
التي ُتعنى بفكر الإن�سان وتعليمه واندماجه للتعليم ،وال �أق�صد التعليم بمعناه التقني
في مجتمعه لكي يكون �أداة بناء ومعرفة ،بد ًال والفني فقط ،بل التعليم باعتباره نمط حياة
من �أن يكون �أداة للهدم والفو�ضى .ويعتقد قوامها العقل ،الذي انحرف ببع�ضهم لدرجة
بع�ضهم �أن القوى الناعمة ،ج��اءت كرد فعل ا�ستباحة دماء المخالفين ،وهي ق�ضية حار
لل�سيا�سات الخ�شنة في مجال العالقات الدولية، العالم في احتوائها ،ولم تعد الإجراءات الأمنية
وهو مفهوم يتجاوز كثيراً المعنى الحقيقي كافية الحتواء هذا العنف ،الذي يتخذ من الدين
للقوى الناعمة ،التي تنتجها ال�شعوب من خالل مرجعية لممار�ساته.
برامجها التعليمية والثقافية واالجتماعية، �أعتقد �أن طوق النجاة في كل ما تعانيه
بهدف بناء الإن�سان ب�صرف النظر عن توظيف الب�شرية ،وخ�صو�ص ًا في عالمنا الإ�سالمي ،هو
اعتمدت �أوروبا على هذه الأفكار والإبداعات هذا الم�صطلح في العالقات الدولية ،وقد بالغ
في برامجها التنموية ،وهي �سيا�سات �أ�س�ست بع�ضهم لدرجة القول �إن هذا الم�صطلح ظهر
لنه�ضات �أوروبية �شارك فيها المجتمع بكل كرد فعل لتراجع الت�أييد العالمي للقوة العظمى،
فئاته ،لكي ت�صل �إلى قمة مجدها مع نهايات عقب الحروب التي خا�ضتها في �أماكن كثيرة
بع�ض الدول تعثرت القرن الثامن ع�شر. من العالم.
ب�سبب افتقادها لم تعد عنا�صر القوى الناعمة كما كانت في يقول بع�ضهم ب�أهمية القوى الناعمة في
ثقافة الوعي القرون الما�ضية ،بل كان للطفرة الهائلة التي العالقات الدولية ،كل ذلك �صحيح ،لكن المعنى
�أحدثتها تكنولوجيا المعلومات ،وخ�صو�ص ًا الحقيقي لهذه القوى ناجم عن �سيا�سات داخلية
بمعناها العلمي فيما يتعلق ب�سهولة التوا�صل االجتماعي، لكل دولة ،بهدف العناية بالإن�سان في تعليمه
والفكري �أكبر الأث��ر في �شيوع �أنماط جديدة للثقافة، ووعيه وثقافته وتطوير نمط حياته لكي يكون
اخترقت الحدود الإقليمية والجغرافية ،في ظل الإن�سان �إن�سان ًا بالمعنى الحقيقي مثقف ًا
موجة عاتية من و�سائل التوا�صل االجتماعي و�سيا�سي ًا ،متذوق ًا للفنون والعمارة ،محترم ًا
التي ا�ستهدفت ال��ر�أي العام العالمي في �أية للقانون ،منفتح ًا على الثقافات الأجنبية
بقعة من العالم ،ب�صرف النظر عن خ�صائ�صه القديم منها والحديث.
االجتماعية والثقافية ،وه��ي ب��رام��ج بقدر الق�ضية بهذا المعنى تتعلق ببرامج الدول
�أهميتها �إال �أنها �أحدثت �أثراً �سلبي ًا في كثير من و�سيا�ساتها في �إدارة برامجها التنموية،
دول العالم الثالث. �صحيح �أن بع�ض ال��دول الكبرى تعمل على
تبدو �أهمية القوى �إذا كنا لم ن�صل بعد �إل��ى تعريف دقيق ت��وظ��ي��ف ال��ق��وى ال��ن��اع��م��ة ف��ي �سيا�ساتها
الناعمة ومعناها لمفهوم الثقافة �أو مفهوم القوى الناعمة ،فان الخارجية ،كالمنح الدرا�سية والتدريبية التي
متمثلة في العناية الأم��ر يتجاوز كثيراً التعريفات ،لكي ن�صل تقدمها الحكومات في دول العالم المتقدم
�إلى الحقيقة ،وهي �أن دول العالم الثالث� ،إذا �إلى �شباب العالم الثالث ،لكن تبقى الق�ضية
بالإن�سان وتعليمه لم تتنبه �إلى �أهمية التعامل مع هذا الفي�ض في بعدها الثقافي ق�ضية محلية ناجمة عن
ووعيه وثقافته المتدفق من المعلومات ف�إنها تكون قد وقعت �سيا�سات محلية لكل دول��ة ،وه��و ما يف�سر
منفتح ًا على كل في خط�أ كبير ،فعليها العناية بتعليم �أبنائها نجاحات بع�ض الدول في التنمية و�إخفاقات
الثقافات وتثقيفهم وتح�صينهم من الوافد الذي ال يفيد بع�ضها الآخر ،وهي الدول التي لم تعن بهذه
في �أح��ي��ان كثيرة ،وق��د ُيحدث ���ض��رراً بالغ ًا ال��ب��رام��ج ال��ت��ي ت�ستهدف ال��وج��دان وال��وع��ي
بالثقافات وقيم وعقائد ه��ذه ال�شعوب من وثقافة الت�سامح واالنفتاح على كل الثقافات
خ�لال ب��رام��ج حديثة ت��واك��ب الع�صر ،تكون الأجنبية.
�أكثر انفتاح ًا و�أقدر على الإجابة عن كثير من يعتقد بع�ضهم �أن القوى الناعمة بهذا
الت�سا�ؤالت التي تحتاج �إلى ر�ؤية وا�ضحة . المعنى الثقافي واالجتماعي هو م�صطلح
�أعتقد �أن الثقافات الوطنية في كثير من معا�صر انتهجته الدول الأوروبية في برامجها
القوى الناعمة كانت دول العالم الثالث قد ت�أثرت كثيراً بهذه الموجة التنموية ،لكن الق�ضية ترجع �إلى ع�صور قديمة
العاتية من الثقافات الوافدة ،وهو ما ي�ستوجب قدم الح�ضارة الأوروبية الحديثة ،منذ بداياتها
وراء انتقال �أوروبا العناية بالثقافة الوطنية لكي تكون لها في �أوروب ��ا في مطلع القرن ال�ساد�س ع�شر،
من الع�صور الو�سطى الأولوية في التعليم والحياة االجتماعية ،مع حينما انتقلت �أوروب��ا من الع�صور الو�سطى
�إلى الع�صور الحديثة عدم �إغفال �أهمية الثقافات الأجنبية ،لكن وفق �إلى الع�صور الحديثة ،وكان قوام نه�ضتها تلك
ر�ؤية قوامها التعليم والإعالم ،حتى ال ن�ضيع القوى الناعمة في العلوم والفنون والآداب ،
في عوالم متباينة من الثقافات الأجنبية، من خالل �أجيال حلقوا بفكرهم دون قيود ،من
وفي جميع الحاالت ،تبقى القوى الناعمة هي قبيل دانتي وميكافيللي وتوما�س مور وغيرهم
الطاقة الم�ؤهلة لكل هذه المخاطر. من الم�ؤ�س�سين للفكر الأوروب��ي الحديث ،وقد
الحديقة العربية
من بغداد وحتى فا�س
ج��اء وق��ت في ال��ق��رون الو�سطى ،ك��ان كل طالب علم من كل
�أرج���اء الأر����ض يجد معهد ًا للعلم ف��ي �أرق���ى ���ص��وره ف��ي مدن
الإم��ب��راط��وري��ة العربية الإ���س�لام��ي��ة؛ ي��ق��وم على تعليمه
��ب يقوم ب����أوده .ك��ان الجامع المن�صور معلم ،و ُي�صرف له رات ٌ ٌ
ف��ي ب��غ��داد ،وال��ج��ام��ع الأم���وي ف��ي دم�شق ،وال��ج��ام��ع الأزه���ر
يقظان م�صطفى
بالقاهرة ،وجامع القيروان في تون�س ،وجامع القرويين في
فا�س ،وجامع قرطبة في الأندل�س ،والجامع الكبير في �صنعاء ،دور ًا للعلم كلها.
دلي ًال قوي ًا على اهتمام الخلفاء والأم ��راء يعد الطب العربي �إلى جانب الطب ال�صيني
العرب والم�سلمين بالمر�ضى والأطباء. والهندي �أحد �أبرز المناهج الطبية في العالم،
ولما زاد عدد الوافدين �إلى مدار�س الطب لكونها ال��وري��ث��ة ال�شرعية لكل التجارب
(البيمار�ستان) و�ضاقت قاعات التدري�س، والمدار�س الطبية لأمم العالم القديم ،من بالد
عمد الحكيم مهذب الدخواري الدم�شقي �سنة الهند �شرق ًا حتى البالد المطلة على المحيط
يمتاز هذا التراث (� )1230إلى ا�ستقبال طالبه في داره التي الأطل�سي غرب ًا؛ فهي تحمل تاريخ ًا كالبرديات
مدون بالحرف
ب�أنه ّ ويقرئ الطالب ،ويجيب عن كان ُيدر�س فيها ُ الم�صرية والألواح البابلية التي يعود عمرها
العربي ويعود عمره �أ�سئلتهم وا�ستف�ساراتهم ،وقد �أو�صى الدخواري �إلى ع�شرات الآالف من ال�سنين� ،إ�ضافة �إلى
�إلى عهود قديمة ب�أن تبقى داره بعد وفاته منارة لتعلم الطب، هذا ،يمتاز الطب العربي بكونه تراث ًا مدون ًا
حيث �أوق��ف لها �ضياع ًا و�أمالك ًا ُت�ؤمن لها بالحرف العربي واللغة العربية غالب ًا ،لكنه
وعرفت هذه المدر�سة با�سم الدخل الكافيُ ، مغمور من قبل �أهله.
(المدر�سة الدخوارية). ومع تقدم المعرفة الب�شرية في علم الطب،
وت��ع��ج الح�ضارة العربية والإ�سالمية وتطور الطب القائم على البراهين ،عملت
ب��م��دار���س طبية م��ت��ع��ددة� ،أواله����ا مدر�سة المجتمعات عموم ًا ،والغربية خ�صو�ص ًا على
�أنطاكيا التي �أن�ش�أها الخليفة الأم��وي عمر العودة �إلى التراث الطبي العربي والإ�سالمي
بن عبدالعزيز ،لكن مدر�سة بغداد التي �أ�س�سها القديم ،والنهل من تجاربه ونتائجه العلمية.
الخليفة العبا�سي هارون الر�شيد ،تبقى من وت��زخ��ر الأم����ة ال��ع��رب��ي��ة ب ��أط��ب��اء وع��ل��م��اء
يزخر تراثنا ب�أطباء المدار�س الأول��ى الأكثر تنظيم ًا ،من حيث ومخترعين ،مازال التاريخ يذكرهم وت�ستفيد
جمعها بين الجانبين؛ النظري والعملي ،وتعد ال�شعوب من تجاربهم.
وعلماء ومخترعين المدار�س الطبية الآتية من �أب��رز المدار�س ال��م��دار���س الطبية ف��ي ال��ت��راث العربي
اليزال التاريخ العربية والإ�سالمية في مجال الطب ،ومنها والإ�سالمي ،حظي الطب في الح�ضارة العربية
يذكرهم وي�ستفيد المدر�سة الم�ستن�صرية التي �أ�س�سها الخليفة والإ�سالمية ،بن�صيب وافر من عناية الخلفاء
من تجاربهم العبا�سي الم�ستن�صر في بغداد ،وا�شترط �أن والأم��راء وال�سالطين ،حيث اعتنوا بم�شاهير
يكون فيها طبيب م�سلم واح��د ،وع�شرة من الطب و�أعالمه ،و�شيدوا عوا�صم ومدن ًا لإيواء
طالب الطب الم�سلمين .والمدر�سة الدين�سرية الأط��ب��اء وتعليم الطب ،ولعل ما �شيده نور
و�أن�ش�أها عماد الدين الدين�سري في دم�شق، الدين زنكي في دم�شق ع��ام ( ،)1154يعد
وت ��� ��س ��ج ��ل ي ��وم ��ي ��ات مهمة الألف كلمة .بعد ذلك يظفر حتى ُينجز َّ
ال�شاعرة الأمريكية (�سيلفيا حر ،وليل من �أجل اال�ستراحة ،والر�سائل، بم�سا ٍء ّ
بالث) (1963-1932م)، والقراءات ،والأ�سرة.
دونت وقائع الكاتبة، التي ّ وفي كتابه (بينما �أكتب) ،يقول كينغ( :كما
منذ �أن كانت في الحادية غرفة نومك ،تمام ًا ،ينبغي لمكتبك �أن يكون
��م��ره��ا �إل��ىع�����ش��رة م��ن ُع ْ خا�ص ًا ،مكان تلج�أ �إليه للحلمَّ � ،أم��ا توقيتك ّ
رحيلها وهي في الثالثين، ال�ساعة ،تقريب ًا، يومي ًا في نف�س َّ ّ ـ الذي يبد�أ
�أ َّنها خا�ضت مقاومة حازمة وينتهي عندما تكتمل الألف كلمة على الورق
جراهام جرين �أمبرتو �إيكو طلب ًا لتوقيت منا�سب من يعودك على �أو القر�ص المدمج ـ فيوجد لكي َّ
�أج��ل كتابة مثمرة .كتبت يهيئكويهيئك له ،بالطريقة نف�سها التي ّ الحلمّ ،
م��ث�ل ًا ف��ي ي��ن��اي��ر1959م: فيها لل َّنوم قبل الذهاب �إلي الفرا�ش في نف�س
(م��ن الآن ،فالحق ًا� ،سوف ال�ساعة ،تقريب ًا ،من ُك ِّل ليلة ،وممار�سة نف�س َّ
�أرى �إن ك��ان هنا ممكن ًا: الطق�س عندما تقوم به ،من �أجل الكتابة ،ومن
ال�سابعة�ضبط المنبه على َّ ج�سدي ًا
ّ �أجل ال َّنوم ،نتع َّلم كيف نبقي ثابتين
وال��ن�����ص��ف واال���س��ت��ي��ق��اظ، في نف�س ال َّلحظات التي نمنحها لعقولنا لكي
م��ت��ع��ب��ة �أو غ��ي��ر متعبة. نتحرر من التفكير العقالني الرتيب لحر�صنا َّ
االنتهاء من الفطور ب�سرعة، اليومي).
�ستيفن كينغ هاروكي موراكامي ومن �أ�شغال البيت في حدود وي ��ؤ ِّك��د ال��روائ��ي والفيل�سوف الإيطالي
الثامنة والن�صف ..ال�شروع (�أم��ب��رت��و �إي��ك��و) (2016 -1932م) �أ َّن ��ه ال
بدد ال َّلعنة). في الكتابة قبيل التا�سعة،هذا ُي ِّ ثمة وجود يتبع �أي روتين لكي يكتب .لي�س َّ
لوقت طويل ،على تبدد �أبداًٍ ، لكن ال َّلعنة لم َّ لأي��ة قاعدة .لقد ق��ال في ع��ام 2008م :من
الياباني هاروكي الرغم من محاوالتها الحازمة اقتطاع جزء إلي الح�صول على توقيت الم�ستحيل بالن�سبة � َّ
موراكامي ..يعمل من الوقت الثمين من �أجل الكتابة .فقط قبيل ال�سابعة �صباح ًا َّ في �
أ أبد عين .قد يحدث �أن � ُم َّ
خم�س �ساعات نهاية حياتها ،وبعد انف�صالها عن زوجها و�أنتهي في الثالثة من �صباح الغد ،متوقف ًا
ال�شاعر (ت��ي��د ه��اك�����س) ،وعنايتها بطفليها فقط من �أجل تناول بع�ض ال�شطائر ،و�أحيان ًا
متوا�صلة يومي ًا وهو ال�صغيرين ،ا�ستطاعت (بالث) �أن تجد روتين ًا ال �أ�شعر برغبة في الكتابة� ،إطالق ًا .ومع ذلك
َّ
ي�ستمع �إلى المو�سيقا قاب ًال للتحقيق .كانت تتناول مهدئات من �أجل متنوعة� :إذا ِّ �أعترف � َّأن عاداته لم تكن دائم ًا
�أن ت�ستطيع ال َّنوم ،وعندما ينتهي مفعولها في الريفي ،عندئذ �أتبع روتين ًا ّ كنت في منزلي ُ
حدود الخام�سة �صباح ًا ،كانت ت�ستيقظ ،وت�شرع ُمعين ًاّ � ،أطلع على بريدي الإلكتروني� ،أ�شرع في
في الكتابة �إلي �أن ي�ستيقظ الطفالن .ا�شتغلت قراءة �شيء ماُ ،ث َّم �أكتب حتى حلول الم�ساء .بعد
على هذا المنوال خالل �شهرين .و�أخيراً� ،شعرت ذلك �أذهب �إلى القرية ،حيث �أ�شرب �شيئ ًا و�أقر�أ
الأمريكي �ستيفن ب�أ َّنها م�سكونة ب�إبداعها ،ومتحكمة في الفعل ال�صحف� .أعود �إلى البيت و�أ�شاهد التلفزيون �أو
كينغ ..ال يتحرر من الإبداعي .كتبت لأُ ّمها في �أكتوبر عام (1962م)، فيلم ًا �إلى حدود الحادية ع�شرة لي ًالُ .ث َّم �أعمل
الكتابة �إال بعد �أن قبل �أربعة �أ�شهر من رحيلها� :أنا كاتبة عبقرية، إ�ضافي ًا حتى الواحدة �صباح ًا �أو الثانية. ّ وقت ًا �
ينجز مهمة الألف �أملك الموهبة� .أكتب الآن �أجمل ق�صائد حياتي، ثمة وجود َّ لي�س هن ل
أ ا ن
ً ُ َّ ً َّعي م ا روتين بع ت
هناك َّ
�
أ
كلمة يومي ًا هذه الق�صائد �سوف ت�صنع لي ا�سم ًا. لما يقاطعني.
لم توفق ال�شاعرة والأديبة
الأم��ري��ك��ي��ة (م��ارج��ري��ت �آن
جون�سون) ،و�شهرتها (مايا
الإيطالي �أمبرتو �أنجيلو) (2014-1928م)،
�أب��داً ،للكتابة بمنزلها ،تقول
�إيكو ..لم يكن يتقيد حر�صت على �أن �أج��ع��ل من ُ
ب�أي روتين �أو قاعدة جداً ،ولم
ً ّال جمي ف�ضاء
ً م�سكني
�أثناء الكتابة �أوفق للعمل في ف�ضاء جميل.
حيرني .بالنتيجة ـ �إ َّنه �أمر ُي ِّ
ج� ّ�ي��داً ما ت��دره عليه من غالب ًا ـ ما عملت في حجرات الفنادق ،وبقدر
�أم��وال ـ بينما ي�ستمر في ما كانت مجهولة ك��ان الحال �أف�ضل .وقد
تنقيح رائعته ال�سردية. و�صفت (�أنجيلو) روتينها ،على ال�شكل الآتي:
ول� ��ك� ��ي ي ��ف ��ل ��ت م��ن (اعتدت اال�ستيقاظ بحلول الخام�سة والن�صف،
المنزلية،
َّ م�شاغل الحياة �ستعدة ل�شرب القهوة ال�ساد�سة �أك��ون ُم ّ وفي َّ
خا�ص ًا
ّ ا�ست�أجر مكتب ًا بمعية زوجي .ا�ست�أجرت غرفة في فندق لكي
ظ ّل عنوانه ورق��م هاتفه �أنجز عملي :حجرة �صغيرة ورخي�صة ب�سرير
مجهولين � َّإل بالن�سبة واحد� .أحتفظ في هذه الحجرة بقامو�س� ،أوراق
�إل������ى زوج����ت����ه .ه��ن��اك ال َّلعب� ،أحر�ص على الو�صول �إلى الغرفة في
ا�ستطاع �أن يلتزم توقيت ًا ال�سابعة ،و�أعمل حتى الثانية م�ساء. ح��دود َّ
خ�ص�ص متوازن ًا ،فكان ُي ِّ �إذا �سار العمل ب�شكلٍ �سيئ� ،أبقى �إلى حدود
ال�صباح لرواية الت�شويق: الثانية ع�شرة والن�صف� .إذا �سار ب�شكل جيد،
ال�سري) ،والم�ساء (العميل ّ مايرام� .إ َّنه
�أوا�صل عملي مادامت الأمور على ُ
ل��رواي��ة (ال��ق� َّ�وة والمجد). و�ضع منعزل ورائع .عندما �أعود �إلي البيت في
ولمواجهة �ضغط كتابة اليومُ ،ث َّم
الثانية� ،أعيد قراءة ما كتبت في ذلك َّ
م�ؤ َّلفين في وق� ٍ�ت واح��د، �أحاول � َّأل �أعيد التفكير فيه من جديد .حتى �إذا
كان .بف�ضل ذلك ا�ستطاع ما عاد زوجي نتناول الع�شاء مع ًا ،قد �أتلو على
�أن يكتب نحو �ألفي كلمة مما كتبت ،وهو ال ُيع ّلق على م�سامعه ،بع�ض ًا َّ
خ��ل�ال ف ��ت ��رة ال�����ص��ب��اح �شيء �أب��داً ،ال �ألتم�س تعليق �أحد على عملي،
فقط ،مقارنة بالخم�سمئة با�ستثناء نا�شري ،لكن �سماعه ب�صوت مرتفع
كلمة التي ك��ان يكتبها هو �أمر جيد ،قد يتبادر �إلى ت�أجيل النظر فيه
من �أغلفة روايات المبدعين
في العادة .وهكذا وبعد �ستة �أ�سابيع ،ال غير، �إلى الغد).
ال�سري) ،و�أخذتكان انتهى من كتابة (العميل ّ في ع��ام (1939م) قبيل ان��دالع الحرب
(القوة والمجد) ،فقد َّ طريقها �إلى الن�شرَّ � ،أما العالمية الثانية ،ب��د�أ الكاتب الإنجليزي
الأمريكية مارجريت ا�ستغرقت �أربعة �أ�شهر �إ�ضافية لكي تكتمل. (جراهام جرين) (1991 -1904م) يقلق من
�آن جون�سون.. ول��م يحظ (جرين) بمثل ه��ذه الإنتاجية يتم ما كان واثق ًا ب�أ َّنها�إمكانية موته قبل �أن ّ
أدبية ُك َّلها ،وبعد �أن تجاوز خالل م�سيرته ال َّ (القوة والمجد) ،ويترك َّ �ستمثل �أعظم رواياته:
ت�ست�أجر غرفة في ال�ستين ،اع��ت��رف �أ َّن� ��ه ك ��ان ح��ري�����ص� ًا على زوجته و�أبناءه ُعر�ضة للفاقة .وهكذا بد أ� في
فندق قريب من الخم�سمئة كلمة يومي ًا ،و�أ َّن ��ه �أ�صبح يقنع كتابات �إحدى (مالهيه) � -أفالم رعب ،وهي
منزلها لممار�سة بالمئتين. الفن ،لك َّنه كان يعرف ميلودراميات تفتقد ِّ
الكتابة
الإنجليزي جراهام
جرين ..كان
يخ�ص�ص ال�صباح
لكتابة رواية وفي
الم�ساء يتفرغ لكتابة
رواية �أخرى
حدائق المنارة
ك��أول عا�صمة ثقافية في القارة الإفريقية، ومراك�ش �أي�ض ًا مدينة المو�سيقا ،حيث
تم اختيارها لتكون و�ستكون بذلك نافذة لإفريقيا على الثقافة ال��م��ه��رج��ان��ات المو�سيقية ال��م��ت��ع��ددة على
�أول عا�صمة ثقافية والفنون والإبداع ،وذلك من خالل احت�ضانها ام��ت��داد ال�سنة وتنت�شر فيها قاعات �ضخمة
لإفريقيا عام ()٢٠٢٠ على امتداد هذه ال�سنة ،العديد من الفعاليات للمهرجانات تعزف فيها العديد من الفرق
الثقافية والمعار�ض والمهرجانات الفنية. المو�سيقية المحلية والعالمية.
وي��ع��د مهرجان مراك�ش ال��دول��ي للفيلم
واح ��داً من �أه��م المهرجانات التي تقام في
دول حو�ض البحر الأبي�ض المتو�سط ،وهو
ي�ست�ضيف العديد من �أهم الأعمال ال�سينمائية
الأوروبية والأمريكية� ،إ�ضافة �إلى العربية،
ويقام هذا المهرجان في �شهر دي�سمبر من كل
عام ،ويرجع تاريخ ت�أ�سي�سه �إلى عام (،)2001
وهو من المهرجانات التي تجلب كبار �صناع
ال�سينما في العالم ،وي�أتي لزيارته العديد
من ال�سينمائيين الم�شهورين ح��ول العالم.
وعلى امتداد �سنة (� ،)2020ستقام العديد من
المعار�ض والمهرجانات الفنية والفعاليات
الثقافية ،والتي �ستزيد من جذب ال�سياح �إلى
مدينة مراك�ش ،والتي تجتذب �سنوي ًا ماليين
الزوار الأجانب ،وهي التي ُتعتبر من�صة للتنوع
الفني والثقافي ،بعد �أن ظلت ه��ذه المدينة
وعبر تاريخها الطويل؛ واحة ثقافية متنوعة
ت�شع على بالد المغرب وعلى �إفريقيا جنوبي
ال�صحراء.
�إن��ه��ا م��دي��ن��ة ���س��اح��رة بف�ضل جمالها
ق�صر الباهية الطبيعي و�إرثها التاريخي ،لذا تم اختيارها
االحتفاء بـ«الفالمينكو»
في الحمراء خو�سيه ميغيل بويرتا
الكبير مانويل دي فايا (Manuel de الخليفة عبدالرحمن النا�صر .بين �أحرا�ش بالن�سبة �إل��ى مواليد �إقليم �أندل�سيا،
،)Fallaالذي ولد ،بالمنا�سبة ،في مدينة تلك الجبال وم���زارع الأودي���ة وقطعان جنوبي �إ�سبانيا ،في القرن الفائت ،مازالت
ا�ستقر
ّ نظم ،بمجرد �أن��ه قادي�س ،وال��ذي ّ البقر ،التي ترتع في كل مكان معلقة على مناظرها الجبلية والبحرية وحيوية �أنا�س
بغرناطة في ع��ام ( ،)١٩٢٢باال�شتراك المنحدرات الم�ؤدية �إلى البحر ،و�إلى جانب �أريافها ومدنها ،توقظ م�شاعر حميمة
مع تلميذه في المو�سيقا و�صديقه ال�شاعر الخيول التي يمتطيها رعاة الثيران ،ذلك ومحبة خا�صة لجذور لم يجتثها مغب
غارثيا لوركا� ،أول �سباق ومهرجان غناء الحيوان �سيد المنطقة و�إ�سبانيا الذي ُتغرق العولمة .خالل �أ�سبوع في منت�صف �شهر
ورق�����ص الفالمينكو ،انعقد ف��ي حمراء �أ�ساطيره ح�ضارات المتو�سط الأولى ،يلم�س �أغ�سط�س من �سنة ك��ورون��ا� ،أتيح لي �أن
غرناطة ف��ي يونيو للعام ذات ��ه ،بهدف المرء هناك �إيقاع حياة خا�ص ًا ،يخفق �أ�سيح في منطقة م�ضيق جبل طارق من
تقييم هذا الفن وتحريره من التهمي�ش، ب�أنا�س �صارعوا من �أجل البقاء �ضد الجوع خليجي
َ الجانب الإ�سباني الممتدة بين
الذي كان يعانيه وقتذاك .تقديم ًا للمبادرة قدر لها �أن تكون عبر والجيو�ش ،في بقعة ّ كل من الجزيرة الخ�ضراء وقادي�س المطلة
للجمهور� ،ألقى لوركا محا�ضرته (الغناء الع�صور ج�سراً وتخوم ًا مع ًا ،وكذلك مهداً على ال�ساحل المغربي البادي دوم ًا على
العميق .غناء �أندل�سيا الأ�صلي) (فبراير لغناء الفالمينكو بامتياز. م�سافة ( )١٥كم فقط .ظاهري ًا ك��ان كل
)١٩٢٢محل ًال فيها م�صادر الفالمينكو َن َع َت �أولئك النا�س غناء الفالمينكو، �شيء كالعادة ،ما عدا وجوه �أهل المنطقة
ومكوناته الجمالية انطالق ًا من اعتبار الذي �سينت�شر في �أندل�سيا و�إ�سبانيا كلها، المرحين والن�شطين المغطاة بالكمامات
�أ�ستاذه فايا (الغناء العميق) �صنف ًا من بالغناء العميق ( ،)Cante jondoبتبديل ال�صحية وغياب �أل��وف �سيارات الإخ��وة
�أ�صناف المو�سيقا غير المتجان�سة ،وذات ح��رف ال��ه��اء لكلمة ( )hondoبالحاء المغاربة التي كانت تحت�شد كل �سنة في
�أنغام قليلة ُيبنى على تكرير نغمة واحدة، ال��ع��رب��ي للت�شديد ���ص��وت��ي� ًا ع��ل��ى العمق الطرق الأندل�سية ذهاب ًا و�إياب ًا بعد �أو قبل
ب ��إ���ص��رار م��ح��م��وم ع��ل��ى غ���رار الطقو�س الطاحن للم�شاعر المعبر عنها في هذا الفن ق�ضائهم العطلة ال�صيفية.
ال�سحرية البدائية وال�سابقة للنطق .ح�سب الذي يغر�س جذوره في ال�شرق را�سخ ًا في وبالرغم من �أن ال�سياح الأوروبيين
لوركا (�أن��غ��ام الفالمينكو تنح�صر على �أرا�ضينا في عهد الإ�سالم بف�ضل دفقات اعتذروا في هذا ال�صيف ب�سبب الجائحة،
طيف �أ�صوات اللفظ ،مثله مثل لحون قلب العرب المتوالية بعد فتح �شبه الجزيرة ف��إن �شواطئ المحيط الأطل�سي و�شوارع
�آ�سيا) ،كما يتبين ،على حد ذكره ،في �أغنية الإيبيرية ،وقدوم قبائل الغجر من الهند ال�ضياع والمدن القادي�سية اكتظت ب�أبناء
(للبدر هال ٌة /لقد مات حبي) ،التي تجمع عن طريق م�صر حين كانت الأندل�س على إقبال ممتاز من
البلد والإ�سبان ،ويالحظ � ٌ
معنيي الأ���س��ى والحب َ باقت�ضاب مثير و�شك الأف��ول .واعتباراً من القرنين (١٨ ناحيتهم لال�ستمتاع في تلك ال�شواطئ
و���س ��ؤال ال��م��وت� ،أكبر ت�سا�ؤل للإن�سان، و )١٩ت�شكلت في �أو�ساط الكادحين من ال��خ�لاب��ة ،ول��زي��ارة المتاحف والمواقع
الذي يلقاه لوركا ي�شغل التراث الغنائي الفالحين وع��م��ال المناجم والبحارين الأثرية ،ك�آثار مدينة (غادير) الفينيقية،
لأندل�سيا والم�شرق. �أنواع الفالمينكو التي نعرفها اليوم .منذ �أقدم المدن الأوروبية (الألفية الأولى ق.م)
ل��دى رج��وع��ي م��ن �سواحل قادي�س، ذلك الحين ،لم يكف هذا الغناء عن التطور الموجودة في مركز مدينة قادي�س ،وبقايا
ح�����ض��رت ح��ف��ل��ة ل��ف��رق��ة ال��راق�����ص��ة �إي��ف��ا والتنوع ،على �أي��دي عباقرة من الغجر مدينة (بايلو كالويدية) الرومانية الواقعة
جيربابوينا ( )Eva Yerbabuenaفي الإ�سبان والإ�سبان غير الغجر ،كما ذهب بالقرب من مدينة (طريفة) التي تحظى
الحمراء جال�س ًا في ال�صفوف الأمامية �إليه الباحثون �سالكين م�سلك المو�سيقي من جهتها بح�صن �أموي مبني ب�أمر من
للترويج لنف�سه .وي��رى �أن االن�سجام الأكبر ع��ل��ى م��ق��رب��ة م��ن الخ�شبة ول��وح��ة �إع�ل�ان
ريتي الفالمينكو والم�شرق يتمثل في بين ِ�ش ْع َّ برنامج (ل��ورك��ا وغرناطة في حدائق جنة
برغم اعتذار ال�سياح (غزليات حافظ الجليلة ،الذي غنى للجميالت العريف) ال��ذي يعقد في كل �صيف� ،إكرام ًا
الأوروبيين ب�سبب و�أ�سرار الأحجار والليل الأزرق غير النهائي لل�شاعر الغرناطي ،وتنفيذاً لو�صيته بتقدير
الجائحة ف�إن قادي�س ب�ش ْعر
ل�شيراز)ّ � .إن ولع حافظ (ال��ق��رن١٤م) َ الفالمينكو ،المت�ألق �أي�ض ًا في حارة البيازين
اكتظت ب�أبناء البلد الحبيبة �إلى درجة ا�ستعداده لتبديل الأر�ض المقابلة للحمراء .عندئ ٍذ ا�ستعدت �صفاء �سماء
كلها ب�شعرة واح��دة منها و� ْإن ترف�ضه هي، قادي�س و�أري��ج حقولها ومياه م�ضيق جبل
والإ�سبان ب�شعرها الأ�سود منذ الطفولة �أو ت�شابك قلبه َ ط��ارق ،بوابة الأق��وام وب ��ؤرة غناء �أندل�سيا
وحتى الموت ،لهو عامل دارج في الفالمينكو، ورق�صها ال��ذي تحييه �أم��ام عيون جمهور
ال��ح��اف��ل ه��و الآخ� ��ر ب��ال�����ص��ور ع��ن �ضفائر حا�شد ومتحم�س ،برغم �إج���راءات الوقاية
المحبوبة المخزونة في كنوز �أو الجديلة م��ن ال��وب��اء ،كبيرة راق�����ص��ات الفالمينكو،
النازلة على الجبين ،التي ت�سبب الم�أ�ساة. ومجموعة من الراق�صين الرجال ال�شباب،
و�صف غناء ودلي ًال على ذلك �أتى (لوركا) بمقطع �أغنية ت��ح��اور حركاتهم �أل��ح��ان قيثارة ال��ع��ازف
(ال�صغيرية) الخا�ص بقادي�س�( :إذا َّ من نوع (باكوخرانة) المن�سكبة ك�شبكة من المناهل
(الفالمينكو) الذي يدي /ب�ضفائر ُم ُّت انت ِب ْه �إلى طلبي� /أن تكبل ّ بعد ذوبان الثلج ،وتجاوب �إيماءاتهم �صمت
انت�شر في الأندل�س َ�ش ْعرك الأ�سود) ،الذي يراه عميق ًا و�سامي ًا على الليل ت��ارة� ،أو �صوت ثالثة مغنين وعلى
و�إ�سبانيا بالغناء م�ستوى غزليات حافظ ،التي تحتوي كذلك �صدارتهم (�أنطونيو تيخادا) ت��ارة �أخ��رى.
العميق المعبر عن على موا�ضيع البكاء ودمع الدماء والهالك، ت�أرجح العزف والغناء والرق�ص في (لحم
الم�شاعر وبقاء الع�شق بعد رحيل العا�شق المعهودة في الملمح �إل��ى الج�سدّ وع��ظ��م) ،عنوان الحفلة
كلمات الفالمينكو .ويخ�ص�ص لوركا اقتبا�س ًا والأ���ص��ال��ة ،من ال�صمت الكامل وال��وق��وف،
لمقطع لعمر الخيام العجيب حول فناء الحب �إلى انفجار ال�صرخة والنقالت ،دون مراحل
المحكم ،معقب ًا ب�أن مغني الفالمينكو (ي�ضع الو�سط ،يجعل قلوب الم�شاهدين تلتقط ذبذبة
على مفرقه تاج زهور اللحظة ويب�صر ،وهو الحزن والفرح ثم ال�شجن البحت الكامن في
ينظر �إل��ى الك�أ�س المليئة بال�شراب ،نجم ًة الأعماق.
�سائرة في القعر ،وي�شعر مثل �شاعر ني�سابور ا�سم (لوركا) المكتوب على حافة الخ�شبة،
هذا الفن يغر�س العظيم ،ب�أن الحياة لي�ست �سوى لوح �شطرنج)، حلق ب��ي �إل��ى فكرته القائلة�( :إن �أغانينا
جذوره في ال�شرق على ح��د ح��رف ل��ورك��ا .وكما ك��ان ق��د فعل الأندل�سية ،حين تبلغ ذروة الأل��م والحب،
الأندل�سي را�سخ ًا منذ ال�شاعر التون�سي �أبو القا�سم ال�شابي ،المعا�صر ت�صبح �شقيقة للمنظومات الجيدة لل�شعراء
العهد الإ�سالمي للوركا ،في محا�ضرته المثيرة (الخيال عند ال��ع��رب وال��ف��ر���س) ،و�إن ��ه (ف��ي ه ��واء قرطبة
العرب) ( ،)١٩٢٩التزم ال�شاعر الغرناطي وغرناطة تمكث �إ���ش��ارات وخطوط للجزيرة
بذكر م�صادره ،و�أخبرنا ب�أنه طا َلع (بانفعال العربية النائية) ،م�شدداً على الجوهر الم�شرقي
مدون (ق�صائد بالغ) تلك الأ�شعار ال�شرقية في ّ للفالمينكو .هنا �أخذ يقارن بين مقاطع من
�آ�سيوية) لـ(غا�سبار دي نافا) المن�شور في الغناء العميق ،ونبذة من �أبيات �شعر م�شرقية،
باري�س في عام ( ،)١٨٣٣ويرتدي قمي�ص كما لم يفعل لوركا ب��أي ت��راث �شعري �آخر.
نظم المو�سيقي الباحث ،مثلما فعل ال�شابي ،وراح يت�صفح يورد مقطع ًا لل�شاعر العربي (ال�سراج الوراق)
مانويل دي فايا النظريات الأوروبية ،حول خ�صائ�ص و�أهمية �شبه فيه ف�ؤاد ال�شاعر الملتهب القرن (١٣م) ُي َّ
المو�سيقا ال�شعبية لإغناء وج��وه نظره .في بنار الأ�سى بف�ؤاد الحمامة الحزينة ،و�أخرى
وال�شاعر لوركا حفلة ف��رق��ة (�إي��ف��ا جيربابوينا) ،ف��ي جنة (يقول
ُ الب��ن ال��زي��ات ،القرن (٩م) فحواها:
�أول مهرجان غناء لا ،تثبيت ًا على ادع��اء العريف �شهدنا ،ف��ع� ً لت وهل غير قبرها /ف ُق ُ
الخالن لو ُز ْر َت َ
ُ لي
ورق�ص الفالمينكو لوركا ب�أن (الغناء العميق� ،ألحان ًا وكلمات، قبر) يت�آلفان تمام ًا مع روح و�شكل ُ لها ِ
د ؤا � الف
عام ()١٩٢٢ هو �أحد �أ�سمى الإبداعات الفنية في العالم) الفالمينكو ،م�ضيف ًا �أنها ترحلت �إلى �أندل�سيا
وت�أكيد حقه في الحياة في الظروف الراهنة عبر (الهاتف بال �أ�سالك ومرايا النجوم ال�صغار
ال�صعبة للثقافة. التي ي�ستخدمها الفن منذ الأزمنة الغابرة)
¯ �أدبيات
¯ قا�ص وناقد
¯ «في ال�صيد» /ق�صة مترجمة
¯ الق ُْمقُم/ق�صة ق�صيرة
()1
َ��ح ٍ��م � ّإل و�أَنْ������تَ َ �أ ِم ُ
���ي���ره���ا ِ��م��لْ��ت َ
ب ُ َ��ان كُ لُّها
��دن َ َمعت َ�أ ْح��� َي ُ
���اء َع ْ اجت َْه��لِ ْ
ري:
الب ْح ُت ُّ
وقال ُ رج ل�صيغ ِة ال َّن ْفي � ْأي َل ْم َت ْج َت ْ
معَ . ال�س�ؤال هنا َخ َ
ُّ
َ��ج ُ��ر ِ
�ساط ُع َ��ج��رِ ،وال��ف ْ
َع��ل َّ��ي ن ُُ��م�� َّو ال��ف ْ اء ِع ْنديَ ،وق ْ��د َن َم ْت ُ��ر َك ال َّن ْع َم َ
�أ�أك��ف ُ
فو�ض وال الطَّ ْر ُف ِ
خا�ش ُع فال الق ْولُ َمخْ ٌ و�أنْ����تَ ال���ذي � ْأع��زَ ْزتَ��ن��ي َب�� ْع َ��د ِذ ّل��ت��ي
عماءك.
َ ليق بي � ْأن � ْأك ُف َر َن
كار؛ � ْأي ال َي ُ
اله ْمز ُة ،فيها �إ ْن ٌ
َ
مكان ا�شتدا ِد القتال.
ُ الم ْلت ََح ُم:
ُ -1
وادي عبقر
إيليا �أبو ما�ضي (من الكامل)
� ّ ( ُق ْل ُت ا ْب َت�سِ ْم)
ال�سماّ��ج�� ُّه ُ��م ف��ي َّ َ�����س ْ��مَ ..يكفي ال�� َت َ ْ��ت ا ْب��ت ِ ُق��ل ُ َ���ج��� َّه���م���ا
����ةَ ..وت َ ����اء كَ����ئ����ي���� َب ٌ ق������الَ ال َّ
���������س����م ُ
َ�����ص ِّ��رم��ا
�����ص��ب��ا ال ُ��م��ت َ ����ف ال ِّ �����س ُ ����رجِ ���� َع الأَ َلَ���ن ُي ْ ���م َ�����ه ا ْب���ت ِ
َ�������س ْ ���ت ل ُ ال�����ص��ب��ا َولّ������ى فَ���قُ���ل ُ ِّ ق�����الَ
���ي ف���ي ال�����غَ�����را ِم َج�� َه�� َّن��م��ا �����ص����ا َرتْ ِل���نَ���ف ِ
�������س َ ���ي ف���ي ال��� َه���وى َ����ت َ����س���م���ا ِئ َ
ق�����الَ الَّ���ت���ي ك����ان ْ
����ف �أُط�����ي�����قُ َ�أ ْن �أَتَ��� َب َّ
�������س���م���ا َق���لْ���ب���ي فَ����كَ���� ْي َ �����دم�����ا َم���لَّ��� ْك���تُ���ه���اَ������ت ُع������ه������ودي َب����� ْع َ خ������ان ْ
َّ������ه ُم���� َت�����أَلِّ����م����ا
������م������ر َك كُ ������ل ُ
َ َق َّ
���������ض����ي����تَ ُع ����������ر ْب فَ����لَ���� ْو ق���ا َر ْن���تَ���ه���ا
َ َ�������س���م َواطْ���ل���ت ا ْب���ت ِ ُق ُ
���ي ف��ي ال ِ��ح��م��ى ���������داء َح��� ْو ِل َ
ُ ����ر َ ..والأَ ْع �����س ُّ �أَ�أُ َ ��م���ص�� ْي��ح��اتُ�� ُه ْ ق�����الَ ال���� ِع����دا َح���� ْول����ي َع����ل ْ
َ����ت َ
���م �أَ َج���������لَّ َو�أَ ْع����ظَ ����م����ا ُ����ن ِم���ن��� ُه َْ������م تَ����ك ْ
لَ�����و ل ْ ���وك ِب���ذَ ِّم���ه ْ
ِ���م َ�����م َي���ط���لُ���ب َ َ�������س���م ل ْ ���ل���ت ا ْب���ت ِ ُق ُ
����دم����ى
���ت ل���ي ف���ي ال��� َم�ل�ابِ���� ِ���س َوال ُّ ����ض ْ
َوتَ��� َع��� َّر َ ��������دتْ �أَع�ل�ا ُم���ه���ا ������د َب َ ����م َق ْ ق������الَ ال���� َم ِ
����وا�����س ُ
ُ����ك ِد ْر َه�����م�����ا
َ����م����ل ُ���������س ت ْ �����ن كَ���� ّف����ي لَ���� ْي َ لَ����� ِك َّ �������ض الز ٌِم َ������ر ٌ
������ب������اب ف ْ
ِ َ�������ي ِل���ل���أَ ْحَو َع�������ل َّ
���دم���ا ������ن الأَ ِح������ َّب ِ
������ة ُم��� ْع َ َ���������س����تَ ِم َ َح���� ّي���� ًا َول ْ َ�����م تَ�����زَ لْ
َّ�������ك ل ْ ��ف��ي��ك �أَن َ
َ ���م َي�� ْك ���ل���ت ا ْب���ت ِ
َ�������س ْ ُق ُ
����ر ْع����تَ ال�� َع�� ْل��قَ��م��ا َ�������س���م َولَ���� ِئ����ن َج َ ���ت ا ْب���ت ِ ُق���ل ُ ق��������الَ ال����لَ����ي����ال����ي َج���� َّر َع����ت����ن����ي َع���ل���قَ���م��� ًا
������ة ج����ا ِن����ب���� ًا َوت َ
َ�����رنَّ�����م�����ا ����������ر َح ال������ َك�������آ َب َ
َ طَ ����رنَّ����م���� ًا
������ر َك إِ� ْن َر� َآك ُم َ فَ����لَ���� َع����لَّ غَ ������ ْي َ
��ة َم��غْ��نَ��م��ا �����ش��ا���ش ِ
َ ���ر بِ��ال�� َب �أَ ْم �أَنْ�������تَ َت���خْ َ
�������س ُ ����ر ِم ِد ْر َه�����م����� ًا َ����م بِ����ال����تَ���� َب ُّ َ
ُ������������راك تَ����غْ����ن ُ �أَت
���رغَ ���م���ا ������ب ُم ْ
����د ْن����ي����ا َو َي������ذْ َه ُ َي�����أت����ي �إِل������ى ال ُّ ���د ك��ا ِئ��ن�� ًا ُ�������س��� ِع ُ َ
�����ش��ا���ش��ةُ لَ���ي���� َ���س ت ْ ق�����الَ ال�� َب
�������س���م���ا
َ�������ن تَ���تَ��� َب َّ
�����د ل ْ ����ر َف��������إِن َ
َّ�������ك َب����� ْع ُ � ِ����ش���� ْب ٌ ال��������ردى
َّ ���م م�������ادا َم َب���ي���ن َ
َ���ك َو ���ل���ت ا ْب���ت ِ
َ�������س ْ ُق ُ
ق�صائد مغنّاة
محمد ،وغ ّناها طالل الم ّداح /مقام الر�صد عام (1964م)
لحنها عبداهلل ّ
ال�سديريّ .
�شعر�ُ :سلطانة ّ
�سات م��ا َب�� ْي َ��ن النَّخيلَْو َ���ص��دى ال َه َم ِ ��ع��ات ا َ
لأ���ص��ي��لْ َّ����رتُ ُ���س�� َو ْي ِ
َ����م تَ����ذك ْ
ك ْ
دواء ل�� ْل��ع��ل��ي��لْ
ً ���ك و�أن�����ا ف���ي ُح�� ّب��ي و�أرى ال�����ذِّ كْ�����رى �أَنْ�������تَ ف���ي ُح��� ِّب ْ
حبيب اهلل في ُح ّبي يا فاتَّقِ َ
ْ
�������س���اء ف��ي خَ ��ي��ال��ي �أنْ�����تَ ي��ا � ْأح���ل���ى َرج ْ
����اء ْ ����ص���ب���اح��� ًا و َم َ
ْ�����ق�����اك َ �أن������ا �أل
��ض��اء
��ي��اك ال��قَ��� ْ ����اء فَ�� َم��ت��ى َي�� ْق�����ض��ي بِ��لُ�� ْق َ
وه����ن ْ ْ����م ون�������و ٌر َ
�أنْ��������تَ ل����ي ُح����ل ٌ
بيب
بح ّبي يا َح ْ ل َْ�س ُت �أدري ُ
��م��رِ الْ��ت��ي��ا ْع �����س ٌ��ة ْ
ظ��م���أى ع��ل��ى َج ْ َه ْ��م َ ���ر ال������ َودا ْع و�أخ����ي����ر ًا ل�� ْي�����س ل���ي غَ ��� ْي ُ
�����ت ال����� َودا ْع ����ن َوقْ ِ
َ���ف ِم ْ
���ة � ْأع���ن ُ �����د ي��ا ُح��� ْل��� ُو ف��ي كُ ����لِّ ال�� ِب��ق��ا ْع لَ��� ْوع ًل��م �أجِ ْ
ف َوداع ًا ..و و َداع ًا يا َح ْ
بيب
�أخطاء
الطاء) (اط َر َد)( ،ب َت�شدي ِد ّ
وابَّ :
وال�ص ُ (ال�ضاد) وهي َخط�أٌّ ، أمر ) ،ب�إ�ضافة ّ بع�ضهم( :وا�ضطرد ال ُ يكتب ُُ
واط َر َد واط َر َد ِت الأَ ُ
�شياءَ :تب َِع َب ْع ُ�ضها َب ْع�ض ًاَّ . وط َر َد ُه� :أَ ْب َع َد ُهَّ .
رد)َ . تقام ،لأ ّنها ِم ْن َ
(ط َ ا�س َ بم ْعنىْ :
َ
تتابع َ�س َيال ُنه .قال قي�س بن الخطيم: الماءَ :
واط َر َد ُ تتابعَّ .
الكالمَ :
ُ
��ف را ِك ِ
���ب ��وق ِ
لَ�� َع ْ��م َ��ر َة َو ْح�����ش�� ًا غَ ��ي َ��ر َم ِ ��ب �أَتَ���ع���رِ ُف َر ْ���س��م�� ًا ك��اطِّ ��را ِد ال�� َم ِ
��ذاه ِ
ع�ضها في �إِث ِر َب ْع�ض فك�أَنها ُم َت َ
تابعة. بخ ٍ
طوط ُيرى َب ُ بـ(الم ِ
ذاه ِب) ُجلوداً ُم ْذ َه َب ًة ُ َ �أَراد
كثير عزة:وقال ّ
َج���رى َب ْينَنا ُم���و ُر ال�� َّن��ق��ا ال ُ��م��تَ��ط��ا ِر ُد ��اح َ
��ة َب��ع َ��دم��ا َذكَ�����رتُ لَ��ي��ل��ى وال َ
�����س��م َ
الر ْمل)
بار َّ (مور ال َّنقاُ :غ ُ
و�ض َر َب ال ِع ْر ُق وال َق ْل ُبَ ،ي ْ�ضر ُِب َ�ض ْرب ًا َ
و�ض َربان ًا: ربَ . الط ُاء ،لأ ّنها ِم ْن َ�ض َ
� ّأما (ا�ضطرب)َ ،ف ُت َث ّب ُت فيها ّ
راب: ِ
واال�ضط ُ والـم ْو ُج َي ْ�ض َطر ُِب �أَي َي ْ�ضر ُِب ُ
بع�ضه بع�ض ًا. الـم َت َح ِّركَ .
وال�ضار ُِبُ :
َّ وخ َف َق.
�ض َ
َن َب َ
البرق في ال�سحابَ :ت َح َّر َك. ُ وا�ض َط َر َب
اخ َت َّلْ ، وا�ض َط َرب �أَ ْمرهْ :
الب ْطنِ ْ .
َت َ�ض ُّر ُب الولد في َ
اخ َت َل َفت َك ِل َـم ُتهم.
الـح ْبل بين القوم �إِذا ْ
ا�ض َط َر َب َ ويقالْ :
����مِ����م����ذَ َّم ِ
ِ�������ح������� ْو ٍر ُم�������ؤ ّم������لِ
��������ر ْع ب ُ
َ������م َي ُ
��ل�ا ل ْ الل لَ���� ْي ً
���������ش���� ّي����ةَ واران�����������ا ب َ َع ِ
َرع������ى َّ ُ
واح ُة ِّ
ال�ش ْعر َ
ال������دوح ،وان��ث��ـ��ن��ى َّ ��ري ع��ـ��ـ��ل��ى وغ����� َّر َد ُق��م��ـ��ـ��ـ��ـ ٌّ َح ْف�ص ُة ُ
بنت الحاج الركون ّية
��ب م���ن ال���ري���ح���ان م���ن ف�����وقِ ج����دولِ ق�����ض��ي ٌ
اد�س ال�س َ هيرات في القرنِ ّ ال�ش ِ �سيات ّ واع ِر الأ ْند ُل ّ ال�ش ِ�إحدى ّ
ف�أجابت ُه:
هلل ما ًال ناط ٍة.حباها ا ُ �شاع َر ُة َغ ْر َ َع َ�ش َر الهِ ْجري ،ب ْل هي ِ
��و���ص�� ِل��ن��ا ����ا�����ض ب ْ
����ري ُ ����س��� َّر ال ّ ����ر َك م���ا ُ ����م ُ لَ���� َع ْ
بن الخطيب الدين ُ ل�سان ّ قال عنها ُ وجما ًال و�شرف ًا ومكانةَ .
���د �������س ْ
���ح َ َّ���ه �أَ ْب���������دى ل���ن���ا ال���� ِغ����لَّ وال َ ول���ك���ن ُ
ُ���ربِ���ن���ا ���ر ا ْرت����ي����اح���� ًا ِل���ق ْ َوال ����ص��� ّف���قَ ال���نَّ��� ْه ُ (�أديب ُة �أوا ِنها ،و�شاعر ُة زما ِنها ،فريد ٌة ال ّزمانِ في ُ
الح ْ�سنِ
������دُ�����م�����رِ ّي � ّإل ِل���م���ا َو َج ْ ��������ر َد ال�����ق ْ َوال غَ ّ أدب). والظ ْرف ،وال ِ َّ
ُ���ه���ن الّ������ذي �أنْ������تَ � ْأه���ل ُ �������س���نِ ال���ظّ ّ ُ���ح ِ فَ��ل�ا ت ْ تقع �إلى أندل�سي ٌة ُ ّ تنت�سب �إلى رِكان َة �أو رِكون َة ،وهي َب ْلد ٌة �
���د���ر� َ���ش ْ فَ���م���ا ه����� َو ف����ي كُ ������لِّ ال����م����واط����نِ ب���ال ّ تاريخِ ثون في َت ْحدي ِد الباح َ لف ِ اخ َت َ �سي َة .وق ِد ْ ال�ش ْرقِ ِم ْن َب َل ْن َ ّ
���هْ����ت ه����ذا الأُفْ���������قَ �أ ْب�������دى نُ���ج���و َم ُ م���ا ِخ����ل ُ نحو 530هــ 1135 /م. والد ِتهاّ ،
لدت في ْ الر�أي �أ ّنها ُو ْ لكن ّ
����د
�����ص ْ ����ون لَ���ن���ا َر َ لَ ْم����������رٍ ����س���وى ك��ي��م��ا ت����ك َ ِأ عا�صرت َح ْف َ�ص ُة ِحقب ًة َحرج ًة من تاريخ مدينة َغرناطة،
الغزلي: وم ْن َجميلِ ِ�ش ْعرها ِ
ّ دين ،وما وح َ الم ّ رابطين �إلى ُ َ ال�س ْل َط ِة ِم َن ُ
الم تقال ُّ وهي ا ْن ُ
�������ن َع���� ْي����ن����ي و ِم���� ّن����ي
�����ك ِم ْ �أَغ������������ا ُر َع�����لَ����� ْي َ من الع�شرين ْ َ روب و َتو ّتر ،وكانت في َن ْحو �صاحبها ِم ْن ُح ٍ َ
�������ك وال���� َم����ك����انِ ���������ن زَم�������ا ِن َ�������ك و ِم ْ َو ِم������� ْن َ
�شاب ٍّ فت �إلى وتعر ْ
ّ بالظهور،
ّ �شاعري ُتها
ّ ُع ْمرها ،وبد�أت
ُ������ك ف�����ي ُع���ي���ون���ي �������أت ََولَ����������� ْو أ�نّ���������ي خَ ������ َب ْ
منبالقرب ْ ِ يح�صب ُ تقيم في َق ْل َع ِة بني عريقة ُ ٍ من �أُ ْ�س ٍ
رة ْ
�����ة م�����ا كَ���ف���ان���ي �إِل����������ى َي����������� ْو ِم ال����� ِق�����ي�����ا َم ِ
وي ْكنى ب�أبي َغرناطةُ ،يدعى �أحمد بن عبد الملك بن �سعيد ُ
قر َب ِم ْن بن َع ْب ِد الم�ؤمن ،ال ّت ّ مان ُ
أمير غرناط َةُ ،ع ْث ُ حاول � ُ َ
جعفر.
الر ُجلينِ لت َب ْي َن َّ وح َ�ص ْ فثارت ثائر ُة �أبي َج ْعفرَ ، ْ َح ْف َ�ص َة،
الفات� ،أ ْف َ�ض ْت �إلى َم ْق َتلِ �أبي َج َعفر. ِخ
دون عاطفي ٌة � ْأ�ش َب ُه بِعال َق ِة ابنِ َز ْي َ ّ ون�ش�أت بي َنهما عالق ٌة
ٌ عري ،ل َّأن جانب ًا ال�ش ّ وكانت ِم ْن مح ّفزات �إبداعها ّ ْ وولدة، ّ
واد ،و�أَ ْع َل َن ِت ال�س َ بوفاة َحبيبِهاَ ،ف َلب َِ�س ِت َّ رت َح ْف�ص ُة َ ت�أ ّث ْ را�سالت تباد َلها ٍ وجاء ُم ْع َظ ُمه في ُم َ تعبير عنها، ٌ كبيراً من ُه
ديد بال َق ْتلِ ْ � ،إن ناط َة ،فجاءها َت ْه ٌ ذلك في َغ ْر َ و�شاع َ َ داد،الح َ ِ
الحبيبان. َ
ا�س َت َم ّر ْت ،فقالت: هي ْ َ فلما تو ّلى َم َه ّم َت ُه كان �شاعراً لبيب ًا ،ووزيراًّ ، و�أبو جعف ٍر َ
ال����ح����دا ِد �������س ِ ������ن �أَ ْج���������لِ ِل��� ْب ِ �����ددون�����ي ِم ْ َه َّ
ب�����ال�����ح�����دا ِد
ِ ����ب �أَ ْرد ْو ُه ل�����ي ِل����ح����ب����ي ٍ كتبت �إلي ِه ته ّنئ ُه: ْ
������ع
ِ������د ْم ٍ ���������ن َي������ج������و ُد ب َ اهلل َم ْ ������������م ُ
َ َر ِح ر�أ������س�����تَ فَ������م������ازالَ ال������ ُع������دا ُة ب���ظُ ��� ْل��� ِم���ه ْ
ِ���م
������ن������وح ع����ل����ى َق����ت����ي����ل الأع�����������ا ِدي ُ �أ ْو َي ��������س؟ �����م َر�أَ ْ ���ون ِل ْ ���م ال��� ّن���ام���ي ي���ق���ول َ َوع���لْ��� ِم��� ُه ُ
������د ْي ِ
������ه �����ه بِ����� ِم�����ثْ�����لِ ُج��������ود َي َ ������س�����قَ����� ْت ُ َو َ ����ر �أَ ْن �����س����ا َد � ْأه��������لَ زَم����ا ِن ِ
����ه َوه�������لْ ُم���� ْن���� ِك ٌ
�����ن ال���� ِب��ل�ا ِد ال����غَ����وادي أ����ض���ح���ى ِم َ َح���� ْي����ثُ � ْ َ�����س ال��دن ْ ���وح �إِل����ى ال�� َع��ل��ي��ا َح�����رونٌ ع���نِ َّ َج���م ٌ
بالمودة، ّ وح ِظ َي ْت وحدينَ ، الم ّ عا�صم ِة ً لت �إلى ُم ّر ِاك َ�ش ِ ثم َر َح ْ ّ وي ْحكى طو َر ُح ُّبهما و َت ْك ُث َر لقاءا ُتهما؛ ُ لي َت ّامَ ، و َت ْم�ضي ال ّأي ُ
تعليم ن�سائهم .وظلت هناك ح ّتى وفاتها َ �صور
الم ْن ُ وك ّلفها َ �أ ّنهما ا ْل َتقيا يوم ًا في ُب�ستان (حور م� ّؤمل) في َغرناط َة،
�سن َة 581هـ. افتراقهِ ماْ � ،أر�سل �أبو َج ْع َف ٍر �إليها هذه ال َ
أبيات: ِ وبع َدْ
الأ�شباح؟ تخونه الذاكرة هنا ت�صمت وال عقيرته بالنداء فيذوب �صداه في عمق م��ن ���ش��رف��ت��ه ،ال��ت��ي ت��ط��ل ع��ل��ى �أح��د
تجيب .لكن منذ تلك اللحظة زرع بداخله ال�ضجيج يقوده ف�ضوله الطفولي �إلى تلك ال�شواطىء البعيدة ،ترك لذاته العنان كي
�أم ًال يظل طول حياته يرويه. القطعة الخ�شبية الم�ش ّكلة بجميل ال�صنعة ت�سيح في الأف��ق� .أم��واج البحر ،ما فتئت
�( -أعطنا لعبتك نت�شارك في الت�سلية). والأناقة ..يطيل الوقوف والنظر والتركيز. ت�ضرب ال�شاطىء ،ك�أنها تحتج على �شيء
�( -إن ��ه لي�س لعبة � ..إن��ي حين �أكبر ( -هل �أعجبتك تلك اللعبة؟ �س�أ�شتريها مبهم غام�ض ي�ؤرقها .برغم كل المكا�سب
�س�أمتطي ح�صان الكلمات كما قال الرجل لك). العلمية التي حققها ،يداهمه �إح�سا�س ال
الطيب� ،س�ألف به العالم) .يت�ضاحك الأوالد رق�ص قلبه الغ�ض فرح ًا وداعبه خياله يفارقه؛ ب�أن �شيئ ًا ما ينق�صه ،وب�أنه مدين
ويتهام�سون .ي�أخذ لعبته ويغادر.. بمباهاة �أقرانه عند ف�ضاء ال�ساحة ،ولم ال ؟ لتلك القرية ال�صغيرة التي ن�ش�أ فيها والبيت
بكلتا يديه يعيد تغليف ح�صانه اللعبة لقد فاز بها و�أ�صبحت له لعبة مثلهم. الذي عرف فيه طعم الأم��ن وال��دفء� .إنها
ويحتفظ به منذ الطفولة ،ومازال يلف به كي يذهب لل�ساحة كان عليه �أن ينتظر �أ�شياء تهفو اليها الروح.
العالم .بحر�ص �شديد ي�ضعه على المن�ضدة، حتى �أذان الع�صر ،حتى ي�أخذ الطريق الذي و���ض��ع فنجان قهوته ال�ساخن على
تخرج منه تنهيدة و�صدى متعة للذكريات يلف القرية ،وعلى جانبيه بيوتها الطينية، المن�ضدة ..تناول بحر�ص �شيئ ًا م��ا ..قد
بنف�سه يتناول فنجان قهوته. ال��ود والمحبة،
ّ التي تغلق �أبوابها على بولغ في العناية به ..ظل �صامت ًا لبرهة من
قاب�ض ًا على لعبته تعلوه الفرحة ،وعند الزمن يت�أمله من خالل نظاراته ال�سميكة،
المنعطف و�صل لنقطة الت�صادم بقالب من المذهب فانك�شف ّ ولم يلبث �أن جذب الخيط
الطوب وق��ع على الأر���ض وبجانبه ما �أخفاه الغالف .وجد نف�سه بالكلية يح ّلق
لعبته .بعد برهة لم ي�شعر ب�شيء عبر الأزمنة والأماكن التي احتفظت بها ْ
�سوى يدين حانيتين تقيمانه ذاك��رت��ه ..بيتهم الطيني ،الم�صطبة التي
تم�سح عنه ما قد علق به، كثيراً ما تقافز عليها وعلت �ضحكاته..
وب�صوت ك�أنه �آت من اللعب في الطين الأ�سود الذي ي�شكل العقول
بئر �سحيقة هم�س البي�ضاء ..حكايات جدته� ،أمه وت�أنيبها له
به: الت�ساخ مالب�سه.
�( -أن�������ت ول ��د ( -ا�صعد خلفي و�أم�سك بجلبابي جيداً
ذو ���س��م��ت ط��ي��ب.. حتى ال تقع).
ه���ذه ل��ع��ب��ت��ك ..لكن �إن ��ه ���ص��وت �أب��ي��ه ال�����ص��ارم الممزوج
غ ��داً تمتطي ح�صان بالحنان والرحمة .ك��ان ج�سمه �ضئي ًال
الكلمات ..لتكن زادك بالن�سبة �إلى دابة تطوي الحقول الخ�ضراء
ثم اختفى في �صحرائك)ّ . وتجعلها تهتز �أم��ام عينيه ال�صغيرتين.
ك�شبح ذاب في الهواء. ترنو ال�شم�س على خجل لل�صباح الباكر،
يريد �أن ير�سم مالمح بينما نباح الكالب ي�أتي من بعيد كريح
الوجه من يكون؟ �أح��د �أف��راد تتوعد والهدف �سوق المدينة الكبير.
القرية ال�صالحين؟ �شبح من ال�سوق مزدحم .بائع لعب الأطفال يرفع
نقد
ال��زم��ن ت ��زداد ج��م��ا ًال وت�ساعد ب�صدقها و�سال�ستها وب�ساطتها وبعدها عن الإيغال تقوم البنية ال�سردية في ق�صة (رياح
المدنية
ّ ونقائها على مواجهة ما �أفرزته في الت�صوير وح�شد المبالغات اللفظية؛ ال�شاطئ الآخر) على العالقة الفارقة بين
اغتراب وت�شيي ٍء وا�ستالب.
ٍ الحديثة من �أ�شاعت حرارة وم�صداقية و�أحدثت ت�أثيراً زمن ال�سرد ،رجل يجل�س على �شرفة تطل
عنوان الق�صة عتبة ن�صية مطابقة وا���ض��ح� ًا ف��ي عملية التلقي ،و�إن كانت على �أحد ال�شواطئ ،وزمن الحكاية التي
لمتنها ،فهي ت��دل دالل ��ة وا�ضحة على الق�صة بني ًة وحكاي ًة فع ًال متخي ًال �ساعد عر�ضت عن طريق اال�سترجاع بالعودة �إلى
محتواها بما في دوال العنوان من طاقة ا���س��ت��خ��دام ال�ضمير ال�����س��ردي (ه ��و) على الطفولة والقرية وذكرياتها الجميلة التي
�شعرية �إيحائية (ري ��اح� ،شاطئ� ،آخ��ر)، حيادية الراوي ،وعزز مقدرة الق�صة على ال تقوى الإن��ج��ازات العلمية المتح�صلة
ما يف�سح في المجال لتداعيات العالقة الإقناع بواقعيتها. للم�سرود عنه على محوها..
الإ�شكالية بين الأن��ا والآخ��ر من انفتاح �أغ��ن��ى الق�صة التنوع الأ�سلوبي في �ساعد على نهو�ض الحكاية ونقلها
�إلى حدود التماهي وذوبان ال�شخ�صية �أو المتن ال�����س��ردي م��ن و�صف وح ��وار جاء �إلى �سردية محكمة التالعب بالزمن من
انغالق بوجه منجزه الح�ضاري والتقوقع كا�شف ًا ع��ن ال�شخ�صيات :الأب ،االب��ن، خالل العالقة بين الحا�ضر (زمن الحكي)
على الذات بحجة الأ�صالة ،ما ي�ؤدي �إلى �أ�صدقاء الطفولة. والما�ضي (زمن الوقائع) بك�سر ال�سيرورة
ا�ستمرار التخلف و�سيادة الجهل. ب��د�أت الق�صة من ال�شرفة مع العلبة الخطية للزمن الح�سابي وتحويله �إلى زمن
الق�صة دال��ة مكثفة محكمة البناء، (اللعبة) وانتهت بها في عملية دائرية حكائي.
حافظ الكاتب فيها على ت��وازن وات��زان مركزيتها دالل��ي� ًا ما قاله ال�شبح( :غ��داً تعدد الأمكنة �أ�ضاف قيمة فنية �إلى
المكونات ال�سردية دون ح�شو �أو �إطناب، �ستمتطي ح�صان الكلمات ،لتكن زادك في البنية الحكائية :القرية ب�سوقها ،والمنزل
مقتدي ًا بن�صيحة ت�شيخوف (الإيجاز قرين �صحرائك)� ،إنها لي�ست لعبة فهي تحمل الذي عرف فيه الطفل الدفء والأمن (ولم
الموهبة). قيمة رمزية تعبر عن مكنون الطفل الذي يلبث �أن جذب الخيط المذهب فانك�شف
مفجرة للمتن، غالب ًا ما تكون الخاتمة ّ �سيلف ال��ع��ال��م متح�ص ًال على مكا�سب ما �أخفاه الغالف ،وجد نف�سه يحلق عبر
محر�ضة على �إع��ادة ق��راءت��ه م��ج��دداً في علمية كبيرة بعد طفولة بائ�سة تج�سدت الأزم��ن��ة والأم��اك��ن ال��ت��ي احتفظت بها
محاولة �أخرى ال�ستخراج دالالت �إ�ضافية في حرمانه ورغبته في �شراء اللعبة من ذاكرته).
منه. ال�سوق ،هذه اللعبة احتلت و�ضع ًا رمزي ًا في الق�صة حفاوة بالمرجعية الواقعية
خ��ات��م��ة الق�صة ل��م تحمل م��ف��اج��أة مفتاحي ًا في الق�صة. ح��ك��اي� ًة ول��غ � ًة و�شخ�صيات ،با�ستثناء
للمتلقي ،لأنه توقع حد�سي ًا �أهمية وقيمة داللة الق�صة: �شخ�صية ال�شيخ التي رفعت الق�صة من
(اللعبة/الح�صان) عملي ًا وداللي ًا ،فك�أن تنفتح الق�صة على غير داللة �أكثرها وهج الواقع �إلى متعة المتخيل ،عزز ذلك
الق�صة بنيت للحكي عن اللعبة ،لذلك احتل و�ضوح ًا: احتوا�ؤها على بع�ض الوم�ضات ال�شاعرية
مو�ضوعها مكان ال�صدارة فيها وجاءت التفوق والتح�صيل العلمي والمدينة (ترنو ال�شم�س على خجل لل�صباح بينما
خاتمتها متوج ًة بها. الأخرى (ال�شاطئ الآخر) مهما كانت درجة نباح الكالب ي�أتي من بعيد كريح تتوعد
(بكلتا ي��دي��ه يعيد تغليف ح�صانه التقدم واالزده��ار فيها ال تن�سي الإن�سان والهدف �سوق المدينة الكبير) ،لكنها ال
اللعبة ويحتفظ بها منذ الطفولة والزال موطنه الأ�صلي :قريته� ،سوقها�،أهله� ،أمه، ت�شكل مكون ًا �سردي ًا مهيمن ًا.
يلف بها العالم). جدته ،و�أ�صدقاء طفولته ،فهي مع تقادم مطابقة اللغة الم�ستخدمة بعفويتها
اللغوية الألمانية ،التي يجمعها التعبير ويعرفنا الم�ؤلف بالم�ؤ�س�سات المعنية (على �صعيد تعزيز ال�����ص��ورة الدولية
الغربي «�أورينتالي�ستيك» � Orinetalistikأي بت�أليف كتابه ،وي�شرح الأهداف التي ت�سعى للعلماء العرب العاملين في مجال اللغة
الدرا�سات ال�شرقية .وبين �أن مفهوم ال�شرق ال �إلى تحقيقها ،ومنها اال�ست�شراق العلمي ،الذي �ذك��ر �أن الدكتور محمود فهمي العربيةُ ،ي� َ
يقت�صر على العرب �أو الم�سلمين فح�سب ،بل يهدف �إلى تكوين مترجمين ودبلوما�سيين ح��ج��ازي ،عمل -بو�صفه �أ���س��ت��اذاً زائ ��راً
ي�ستوعب تقاليد �أوروبا ،ومن ت�أثروا بها في لخدمة تلك الدول التي هي :جمهورية �ألمانيا بجامعات �أوروب��ي��ة ف��ي �ألمانيا والمجر
رو�سيا و�آ�سيا. االت��ح��ادي��ة «�آن����ذاك» ،والنم�سا ،والمنطقة وه��ول��ن��دا وف��رن�����س��ا -على ط��رح كثير من
وت�ضم الدرا�سات ال�شرقية بهذا المعنى، الأكبر من �سوي�سرا؛ فهذه المناطق والبلدان الق�ضايا اللغوية ،وعلى تمكين عالقات
ف��ي ال��ج��ام��ع��ات الم�شار �إل��ي��ه��ا م��ا ي��أت��ي: هي التي تنتج الباحثين في هذا المجال .ثم الحوار الح�ضاري ،وعلى تبادل الخبرات
ال��درا���س��ات الم�صرية القديمة التي ت�سمى يو�ضح �أن الغر�ض من اال�ست�شراق ،هو تولي ي�شار
ُ المتعلقة بالتخطيط اللغوي .وهنا
(�إيجيبتولوجي) ،والدرا�سات ال�شرقية القديمة، العالقات الدبلوما�سية مع الدولة العثمانية الم�ست�شار الوحيد من خارج �أوروباُ �إلى �أنه
والدرا�سات الإفريقية ،والدرا�سات ال�سامية، ومع الأقاليم العربية ،وهذا هو التعبير القديم و�أمريكا منذ (1981م) وحتى رحيله في
والدرا�سات العربية والدرا�سات الإ�سالمية، الذي كان يطلقه الغرب على منطقتنا. هيئة تحرير (مجلة درا�سات اللغة العربية)
وال��درا���س��ات اليهودية وعلم العهد القديم، ويو�ضح �أن هناك اال�ست�شراق الالهوتي، ت�صدر في جامعة هايدلبرج ب�ألمانيا). التي ُ
وعلم ال�شرق الم�سيحي ،والدرا�سات التركية، الذي كان هدفه درا�سة العقيدة الإ�سالمية، ال �أجد �أف�ضل من هذا االقتبا�س من العالم
والدرا�سات الهندية والتبتية ،ودرا�سات �آ�سيا ومحاولة الت�أثير فيها لتحويل الم�سلمين �إلى الدكتور محيي الدين مح�سب ،وهو يتحدث عن
الو�سطى ،والدرا�سات ال�صينية ،وتاريخ فنون الم�سيحية .و�إن كان هذا الكتاب ال يتطرق �إلى العلمة الراحل الدكتور محمود فهمي �أ�ستاذه َّ
�شرق �آ�سيا ،والدرا�سات الكورية ،والدرا�سات هذا الجانب. حجازي ،يوم تتويجه بجائزة الملك في�صل
اليابانية ،والدرا�سات اللغوية بجنوب �شرقي كما �أن هناك اال�ست�شراق العلمي ،الذي العالمية ،لأ�ستهل به قراءتي هذه لكتاب في
�آ�سيا والمجاالت المتخ�ص�صة المت�صلة بها. غايته درا���س��ة اللغة العربية وح�ضارات غاية الأهمية من ت�أليف وترجمة الدكتور
ويذكر الدكتور محمود فهمي حجازي المنطقة ،وفي مقدمتها الح�ضارة العربية حجازي� ،صدر عن المجل�س الأعلى للثقافة
�أن �أكثر هذه الدرا�سات موجودة في جامعات الإ���س�لام��ي��ة ،م��ن حيث تاريخها وتراثها، في م�صر بعنوان (ح��وار الثقافات)؛ وهذا
كثيرة ،ف��ي مقدمتها جامعات :ميونيخ، والحركة العلمية والفكرية والأدبية فيها، يعني �أنه كتبه بالألمانية ثم ترجمه بنف�سه
وبرلين ،وب ��ون ،وه��ام��ب��ورج ،وهايدبرج، ف�ض ًال عن العادات و�أنماط المعي�شة بها. �إلى العربية .وهو يو�ضح في مقدمة الكتاب
وتوبنجن ،وجودجن ،و�إرلنجن ،ونورنبرج، وهذا االتجاه كان �سائداً في جامعات �أن الهدف من و�ضعه �أن نعرف جوانب مهمة
وكولن ،ومون�ستر ،وفيينا ،ومجموع �أق�سامها تلك الدول الأوروبية الم�شار �إليها. من حوار الثقافات بين �أقطار الوطن العربي
ي�صل �إل ��ى مئة ق�سم علمي ف��ي جامعات وال��ف��ت��رة الزمنية ال��ت��ي ين�صب عليها من جانب ،ودول و�سط �أوروب��ا من الجانب
المنطقة اللغوية الألمانية. هذا البحث هي القرن التا�سع ع�شر والقرن الآخر ،من خالل المطبوعات ال�صادرة باللغة
وتت�صل بالتقاليد العلمية في الجامعات الع�شرين ،تلك الفترة ال��ت��ي ازده���ر فيها الألمانية عن التراث العربي والأدب العربي
الألمانية تلك ،الجهود العلمية في جامعتي: اال�ست�شراق بمختلف جوانبه. الحديث ،والمطبوعات المترجمة ال�صادرة
�أم�ستردام وليدن في هولندا ،وفي جامعة ويهتم ال��ك��ت��اب �أي�����ض � ًا بالحديث عن باللغة العربية اعتماداً على الإنتاج الفكري
براغ �أي�ض ًا. الدرا�سات اللغوية ،في جامعات المنطقة الألماني.
العربية �إل��ى �أوروب ��ا ،والترجمات العبرية في وفيما يخت�ص بدرا�سات التراث العربي ،نجد
نوه الكتاب بالباحث الع�صور الو�سطى ،وكذلك َّ �أق�سام درا�سات اللغة العربية و�آدابها ،و�أق�سام
(يوليو�س فلهاوزن) الذي اهتم بتاريخ العرب الدرا�سات ال�سامية في اللغات :العربية والعبرية
قبل الإ�سالم ،وبالتاريخ الإ�سالمي ،وبدرا�سة والآرام��ي��ة والحب�شية ،وف��ي �أق�سام الدرا�سات
كتاب (حوار الن�ص العبري للعهد القديم ،وكذلك اهتم بال�شعر الإ�سالمية فيما يخ�ص العربية والفار�سية
العربي القديم. والتركية ،وهي �أق�سام يغلب عليها التخ�ص�ص
الثقافات) هدف �إلى وه��ن��ا �أود �أن �أو���ض��ح �أن اهتمام ه ��ؤالء التاريخي والح�ضاري في مختلف المجاالت.
التعريف بجوانب الم�ستعربين بال�شعر العربي القديم كان لفهم ثم يتحدث الم�ؤلف عن حركة الترجمة من
مهمة من حوار الن�ص العبري الذي كانت لغته قد ماتت ،على الألمانية �إلى العربية ،وكذلك الحركة ال�سابقة
اعتبار �أن اللغتين العربية والعبرية تنحدران عليها ،التي تمثلت في نقل الكتب من العربية
الثقافات بيننا ودول م��ن ال�سامية ،وذل��ك قبل �أن يتحول اهتمام �إلى اللغات الأوروبية الأخرى.
و�سط �أوروبا الم�ستعربين �إلى درا�سة الثقافة العربية لذاتها. ويحدد الكتاب بالتف�صيل �أهم الكتب العربية
وي�شير الكتاب �أي�ض ًا �إلى ازدهار المدر�سة التي نقلت �إلى اللغات الأجنبية.
الألمانية في علم اللغة .ويذكر �أن (في�شر) �أعد وي�شير �إلى �سال�سل كتب� ،صدرت عن طريق
في ليبزيج درا�سات ن�صية متميزة للن�صو�ص معاهد الدرا�سات الألمانية ،وت�ضم بع�ض الكتب
العربية ،ومنها درا�سة عن الترجمات المتاحة المنقولة من اللغة العربية �إلى اللغة الألمانية،
للقر�آن الكريم ،و�أخرى عن (�أبي العالء المعري)، الغوا�ص
(د َّرة ّ
ومنها على �سبيل المثال :كتاب ُ
كما �أنه �أعد بم�ساعدة تلميذه (بروينليخ) فهر�س ًا الخ َوا�ص) للحريري ،وقد ترجمه (تور في �أوهام َ
عمل د .محمود لل�شواهد العربية ،وهو الذي ُعرف في مجمع بكه) �إلى الألمانية ،وكتاب (ك�شف الظنون عن
اللغة العربية بالقاهرة بـ(المعجم اللغوي �أ�سامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة ،وقد �صدر
فهمي حجازي م�ؤلف التاريخي). في ليبزيج ،وحققه الم�ست�شرق (فلوجل) ،الذي
الكتاب على الق�ضايا ث��م ينتقل �إل���ى ال��درا���س��ات اللغوية عند ترجم وحقق �أي�ض ًا كتاب (الفهر�ست) البن النديم.
اللغوية وتمكين (ت��ي��ودور نولدكه) ال��ذي ك��ان �أ�ستاذاً بجامعة وي�ؤكد الدكتور محمود فهمي حجازي في
(�سترا�سبورج) ،التي كانت في ذلك الوقت �إحدى هذا الكتاب المهم �أن ترجمات الأدب العربي
عالقات الحوار الجامعات الألمانية ،وقد اع ُتبروه �أ�شهر العلماء �إلى اللغات الأوروبية كان لها ت�أثير كبير في
الح�ضاري المتخ�ص�صين في الدرا�سات ال�سامية في ع�صره، بع�ض الم�ؤلفين العالميين ،ومنهم (جوته) في
كما و�صف ب�أنه يتمتع بذكاء حاد مع غزارة في كتابه (ال��دي��وان ال�شرقي) .وي�ستطرد الدكتور
الإنتاج ،وكانت جهوده رائ��دة في مجال علم حجازي في �شرح بع�ض الأعمال التي نقلت من
اللغة ال�سامية المقارن ،وله درا�سة مهمة عن العربية �إلى الألمانية ،ومنها كتاب (اال�شتقاق)
الألفاظ ذات الأ�صول الثنائية ،وعن الأ�ضداد البن ُدريد ،وكتاب (تاريخ مدينة مكة) ،وكتاب
في اللغات ال�سامية ،وعن القر�آن والعربية ،وقد (عجائب البلدان) للقزويني ،وكتاب (معجم
ُجمعت هذه الدرا�سات في مجلدين ،كما �أن له البلدان) لياقوت الحموي ،ف�ض ًال عن الكتب
ي�شير د .حجازي في كتاب ًا حول تاريخ القر�آن ،تعاون في و�ضعه مع التي �ألفها بع�ض الم�ست�شرقين الألمان ،ومنها
كتابه �إلى االهتمام عدد من العلماء ،وهو في ر�أي الم�ستعرب الكبير هذا الكتاب في التعريف بتاريخ الأطباء العرب
(يوهان فك) عالمة محددة لع�صره ،كما يعد وباحثي الطبيعة ،الذي �صدر في عام (1840م)،
في الجامعات العلمية
حتى اليوم مرجع ًا فريداً في المكتبة الألمانية، وكتاب عن الإم��ام ال�شافعي ،و�آخ��ر عن تاريخ
ب�أق�سام اللغات وله درا�سات عن ال�شعر العربي القديم. الخلفاء الفاطميين� ،إلى غير ذلك من الم�ؤلفات
ال�سامية وخ�صو�ص ًا وي�����ص��ل ال��دك��ت��ور ح��ج��ازي �إل� ��ى (ك���ارل التي حظيت باهتمام م�ستعرب مثل (ف�ستفلد).
بروكلمان) �أه��م الم�ست�شرقين الألمان ،الذين ومن �أه��م الم�ستعربين الألمان �أي�ض ًا (�شتاين
درا�سات اللغة �أولوا اهتمام ًا كبيراً لتاريخ �آداب اللغة العربية، �شنايدر) الذي كتب عن المترجمين من اللغتين
العربية وك��ذل��ك ت��ح��دث ع��ن (ل��ي��ت��م��ان) ،وع��ن (ري��ت��ر) اليونانية وال�سريانية �إلى العربية �أي عن ترجمة
وغيرهما من العلماء .ويو�ضح الدكتور محمود التراث اليوناني القديم ال��ذي نقل �إل��ى اللغة
فهمي ح��ج��ازي ،بعمق �شديد ،جهود ه ��ؤالء العربية عبر ه�ؤالء ال�سريان ،كما اهتم بالتعريف
الم�ست�شرقين في درا�سة العالقة بين اللغات بالمترجمين الذين قاموا بنقل الكتب من اللغة
ال�سامية وت�أثيرها في الغرب. العربية �إلى الالتينية في مرحلة انتقال الثقافة
«في ال�صيد»
ترجمة :تح�سين عبدالجبار �إ�سماعيل
ت�أليف :كرج بود نل�سن
دليل على وجود الجامو�س ،وقد �صح قوله، مازالت مرتفعة بع�ض ال�شيء ،فالمنطقة حين �سمعت �صوت محرك الطائرة
فقد ر�أينا بمناظيرنا ونحن نتطلع فوق م�ستوية م�سيجة ،محاطة ب�أنهار كبيرة وهي تهم بالهبوط ،قفزت نحو �سيارتي
الح�شائ�ش العالية ع��دداً من الجوامي�س وبالكثير من الم�ستنقعات الوا�سعة ،تلك ي�صحبني (جال كلينها�س) ،وقدتها متجه ًا
على بعد ( )300ياردة ،بقيت �أنا و(هولت) هي محمية (ماهامب) في زمبابوي .لم نحو المدرج لن�ستقبل ال�ضيوف (هولت)
ج��ان��ب عربتنا ف��ي حين ت��وج��ه ك��ل من نوفق في اليومين الأولين في العثور على و(روج ��ر) و(كين) و(بيتر�سن) والمخرج
(ك��ورن��ال) و(كين) نحو القطيع من جهة ما كنا ن�أمل �أن نراه ون�صطاده ،حتى �إننا (كورنال) من تلفزيون مغامرات ال�صيد.
الي�سار متجنبين مهب الريح لكيال ي�شتم لم ن�شاهد قطعان الأبقار الوح�شية الكبيرة ك��ان ال��غ��ر���ض م��ن زي��ارت��ه��م ال�صيد
القطيع رائحتهم ،و�أخ ��ذا يقتربان منه التي طالما كنا نراها. و�إخ�����راج ف��ي��ل��م ت��ل��ف��زي��ون��ي ،وك� ��ان من
متخفيين. وف���ي ال��ي��وم ال��ث��ال��ث ذه��ب��ت ومعي المحتمل �أن يتحقق الهدفان ب�سهولة ،مع
ا�ستدرت �أنا و(هولت) و�أخذنا نبحث (كورنال) و(كين) نتجول ب�سيارتنا قبل احتمال حدوث بع�ض الإ�شكالية حول �أي
ع��ن ط��ري��دة ع��ل��ى �أم ��ل �أن نلتقي بكين الآخ��ري��ن ،عبر ح�شائ�ش خ�ضراء زاهية من الهدفين يجب �أن يعطى الأولوية في
و(كورنال) ولم نبتعد كثيراً عندما �صاح ن�صور ،وفج�أة طلب �إلي (كورنال) ّ عالية التنفيذ.
(هولت) �أنظر هناك �سمور .تخيلت في البدء �أن �أتوقف ،فقد �شاهد من بعيد مجموعة من وكنت �أتمنى �أن يوفق (كين) في �صيد
�أن (هولت) �أ�صيب ب�ضربة �شم�س فخيل له �إناث ال�سمور ،يتو�سطها ذكر �ضخم .تناول �أول جامو�س ل��ه ،ل��وج��ود العديد منها
�سموراً� ،إال �أنني تحققت �أنه فع ًال
�أنه يرى ّ (كين) بندقيته ،في حين �أم�سك (كورتال) في هذه الجزيرة ،ولرغبته ال�شديدة في
ر�أى �سموراً ،فهناك من بعيد �سمور �أ�سود بالكاميرا ورحنا متجهين نحو القطيع� ،إال ذل��ك ،كما �أن (هولت) ك��ان يرغب ب�صيد
كبير يقف وحده يرعى ،ما يجعله هدف ًا �أن حركتنا كانت مت�أخرة� ،إذ اندفعت تلك ذكر (ال�سمور) ذي الفرو الأ�سود الجميل،
�سه ًال . الحيوانات عبر �أر�ض محروقة نحو �أ�شجار وال��ج��زي��رة ال تخلو م��ن ه ��ذا ال��ح��ي��وان،
�أخذت �أنظر باحث ًا عن (كين) و�صحبه، كثة وح�شائ�ش مت�شابكة عالية ..واختفت. وقد علمت �أن �صياداً وابنه قد ا�صطادا
ف��ر�أي��ت الدليلين قابعين خلف �أ�شجار يمكن للمرء في الأرا�ضي المحروقة، قبل مجيئي �إلى الجزيرة ذك� َ�ر ّي (�سمور)
النخيل� ،إال �أني لم �أ�ستطع ر�ؤية (كين) ،ما �أن يالحظ �آثار �سير الحيوانات على التربة جميلين.
كان لدينا خيار غير �أن نظل ننتظر ب�صمت، وا�ضحة ،لذا تتبعنا �أثر القطيع في البدء ل��م ي��ك��ن ي�����س��اورن��ي ���ش��ك �أن (ك��ي��ن)
نرقب تطور الأح��داث مترددين ،وكان �أن حتى اختفى عند حافة المنطقة الكثيفة �سيح�صل على م��ا يتمناه و�سي�صطاد
جرت الأم��ور ب�شكل ح�سن ،غاب ال�سمور التي عبر �إليها ،الأمر الذي جعل ا�ستمرارنا جامو�س ًا بري ًا ،فقد كنا نرى قطعان ًا من
عن �أنظارنا لفترة ق�صيرة ثم ر�أيناه من بمالحقته متعذرة. الجامو�س في �أغلب الأيام ،وكذلك تمنيت
جديد يظهر يتجه نحونا من خالل �أ�شجار ب��ع��د ���س��اع��ة التقينا ببقية �أع�����ض��اء �أن تتحقق رغبة (هولت) برغم �شعوري ب�أن
النخيل ..لقد اختار طريقه باتجاهنا حتى الفريق ،و�أخذنا نبحث متجولين ،ف�شاهدنا فر�صته في العثور على �سمور وا�صطياده
�صار مكان �سيره بين الدليلين وبيننا، �أ�سراب الوز من بعيد ،تحوم فوق ح�شائ�ش لي�ست بالح�سنة.
وهنا �أثيرت م�س�ألة الأولوية في التنفيذ؛ ال�ساحل ،ف�أخبرنا الدليل �أن وج��ود الوز كنا في منت�صف �شهر �أيلول ،والحرارة
ال ُق ْمقُم
والقط /الع�صفورّ �ضربته �أخذت �شكل الرفرفة، بماردة �ساحرة ،ح�سم الأمر لم�صلحة قبول ما
ب��د ًال من الرفرفة راح يحبو على قائمتيه الحظ.
حباه به ّ
القط،
الخلفيتين وجناحيهّ � ،أم��ا الع�صفورّ / لك حررتني من قمقميَ ، �صرخ به :لأ ّن َك ّ
فعو�ض ًا عن الرك�ض �صار يقفز على قائمتيه مما ت�شتهي�( :شبيك لبيك ،ماردك ثالث �أمنيات ّ
الخلفيتين ،ويرفرف بيديه ،و�أمام هذا الم�شهد البغاث ولم ينطق بكلمة؛ فلم ُ بين يديك) .خاف
�ضحك ال��م��ارد حتى �سالت دم��وع��ه ،و�ألغى يفهم معنى �أن تتح ّقق له ثالث �أمنيات على يد
الأمنية الثانية للبغاث. ال�ضباب الأبي�ض. با�سم �سليمان
هذا ّ
ك � ّل م�شاعر الإح��ب��اط وال��خ��زي والعار، لدي الدهر لأنتظر � ْأن تنطق ّ لي�س المارد:
تنف�سها البغاث ،لك ّنه تك ّلم ب�أمنيته الثالثة: بثالث �أمنيات تافهة.
بالت�أكيد ،في �أح��د ودي��ان ه��ذه الغابة �سمع الع�صفور �صفير الن�سر ،فنطق المنق�ض
ّ البغاث
ع�صفور ُ
َ الج ْد ُجدلمح ُ َ
�صياد� ،أريده ع�صفوراً مثلي و�أنا مثله. ٌ ب�شهوته الأولى� :أترى ذاك الن�سر في الأعلى؟ ففر �إلى دغلة التوت .لم ي�سعف جناحا عليهّ ،
ن ّفذ المارد �أمنية البغاث الأخيرة بملل �أريد � ْأن تجعله بغاث ًا وتجعلني بالمقابل ن�سراً، البغاث من تفادي اال�صطدام ب�أجمة التوت ُ
الحرية خلف تلك الأمنية. باد عليه مع � ّأن ّ ٍ الرعب الذي �أذاقني � ّإياه! فيذوق ّ بعد انق�ضا�ضه كن�سر.
�صوت �إط�لاق نار؛ ال�صياد الذي �صار ُ ُ�سمع ما � ْإن انتهت كلمات الع�صفور حتى كان متخبط ًا بين وريقات ّ وجد البغاث نف�سه
م�ضرج ًا بدمائه ،والبغاث الذي ّ بغاث ًا �سقط له ما �أراد ،لك ّنه لم ي�سمع �سخرية المارد: خ�ضراء وواح��دة كبيرة �صفراء ،ا�ستغرب من
لمرةٍ
مد يده �إلى الم�صباح ،وح ّفه َّ �صياداً ّ�صار ّ البغاث ي�ستن�سر! الورقة ال�صفراء ال�شاحبة الكبيرة ،فنقرها،
واحدة ،و�أمر المارد بالعودة �إلى القمقم� ،إلى الن�سر الذي �صار بغاث ًا يلوذ بالفرار �أمام فلم ُتخرق ،ولم تهت ّز� ،إ ّنما �أعطت رنين ًا خفيف ًا؛
حين ي�ستدعيه لخدمته قائ ًال :الأمنية التي ال البغاث /الن�سر ،للحظة ه��ذا ما ج��رى .في �ف به وج��ه الورقة، جناحه ،ح� ّ َ �أجفله .م� ّ�د
يعول عليها� ،أن�سيت قوانين المردة!؟ تتح ّقق ال ّ اللحظة التالية انقلب الم�شهد ،فالن�سر /البغاث �ضباب �أبي�ض� .سقط ٌ فانتف�ض من عنقها
و�ضع �أول في الجعبة المملوءة طيوراًِ ، تغير ج�سده ،فال هو لمح خياله على لم يلحظ ّ الع�صفور على وجهه ،وعندما ا�ستفاق� ،سمع
بغاث تم �صيده في تاريخ �صيد الطيور .كان ٍ ريح قوية الأر�ض �صغيراً تافه ًا ،وال واجهته ٌ هديراً ك�أ ّنه ماء �شالل.
الج ّني قد ت�ضاءل حجمه حتى �أ�صبح كالبغاث تك�سر جناحيه ال�صغيرين الجديدين ،وكل ما ا�سمك؟ من � ّأي �شجرة عائلة َ أنت؟ ما -من � َ
الج ْد ُجد يق�ضم
في قلب القمقم ،في حين كان ُ ن�سر �آخر ينازعه ال�سيادة، ظ ّنه � ّأن مهاجمه ٌ �أنت؟
ورقة توت خ�ضراء في الأجمة ،ناظراً بعينيه ف�أحنى جناحيه و�ضرب بذيله الهواء ملت ّف ًا البغاث! � -أنا ُ
ع�ش
نحو الأعلى �إل��ى ّ ثم منق�ض ًا على البغاث/ حول نف�سه ،ومن ّ ع�صفور تاف ٌه ،لكن ،ما ا�سمك،
ٌ أعرف �أ ّن َك
ُ �-
بغاث لن يفق�س ٍ يفر
ّ الن�سر فالح�شرة/ الم�شهد؛ الن�سر ،وانقلب وا�سم عائلتك؟
بي�ضه �أبداً. ي�صدق �أ ّنه
ّ من �أمام الن�سر /البغاث ،فهو لم � -أنا الع�صفور ،الع�صفور فقط!
�صار ن�سراً� ،إذ � ّإن عقله وقلبه حظه �سره ّ
ح� ّ�دق �إليه المارد ولعن في ّ
مازاال لع�صفور .وهنا تدخل التعي�س ،وتمتم� :أتكون حريتي على يد ،ال �أحد!
المارد ،و�أعاد الحال �إلى ما أق�ص حكايتي في مجتمع المردة! كيف �س� ّ
كان عليه. �أع�صفور ال ا�سم له! ال عائلة! وال يمكن تمييزه
البغاث يغمره �شعور حريتي! عن غيره من الح�شرات� ،سيكون �سبب ّ
ب��ال��خ��ج��ل ،وه ��و ي ��رى في � ٍآه ،من �سطوة القانون! لو �أ�ستطيع العودة �إلى
ع��ي��ن��ي ال���م���ارد ���س��خ��ري��ة أتحرر على يد الم�صباح ،و�أنتظر دهراً �آخر ،ل ّ
بقط
م� ّ�رة ،فت ّلفت حوله و�إذ ّ من له ا�سم و�شجرة عائلة وتاريخ� ،أفاخر به
وح�شي ،فقال :هناك ،ذلك ٍّ حققت لهُ في مجتمع المردة ،بعد �أن �أكون قد
القط� ،أري��ده ع�صفوراً ّ ثالث �أمنيات ،لكن � ْإن لم �أح ّقق الأمنيات لهذا
و�أن���ا ق � ٌّ�ط .وبلمح النكرة� ،س�أتال�شى.
الب�صر ك ��ان له قرر المارد االعتكاف عن تنفيذ للحظة ّ
ذل�������ك��� .ض��رب القانون ال��ذي يحكمه ،ولينتحر بالتال�شي
القط
الع�صفورّ / فناء ،لكن �سنوات ال�سجن الطويلة في ال ُقمقم، ً
بمخلبه ال��ق� ّ�ط/ امتدت دهوراً ،وتوقه للطيران مع الغيوم ْ التي
لكن
ّ الع�صفور، وارت��ي��اد الأم��اك��ن التي حلم بها ،وال ��زواج
عبدال�سالم العجيلي
م�ؤ�س�س الرواية ال�سورية الحديثة
ِ
لح ْر�صه على مداواة �أهلها بعيادته بال
العجيلي قوله (�إن ما ُع��رِ فَ��ت �سوريا منذ �سالف ال��زم��ان ،ب�أنها مهد العلوم
ُمقابل ،ومن �أ�شهر �آراء ُ
كتبته يكتبه غيري ..لكن دوري في مداواة وال��ح�����ض��ارات وم��وط��ن فال�سفة ال����ر�أي ،ول��ع��ل �أب��رزه��م
النا�س ال يقدر عليه غيري). الطبيب ال��روائ��ي عبدال�سالم ال ُعجيلي ،ال���ذي لقب
المتعلقة
العجيلي بقراءة الكتب ُ اهتم ُ ب���أدي��ب الأط��ب��اء وطبيب الأدب����اء ،فقد جمع ال ُعجيلي
ب�سيرة ر�سول اهلل وال�صحابة ،وكتب التاريخ
بين الطب وكتابة الأدب ،كما ا�شتغل بالعمل ال�سيا�سي.
والق�ص�ص ال�شعبي ،وق��د ع��رف عن حميد �أمير �شفيق ح�سانين
العجيلي ،وكذلك ول���د ع��ب��دال�����س�لام ال ُعجيلي ع���ام (1918م) بمدينة
العجيلي -جد عبدال�سالم ُ ُ
العجيلي -عم والدته � -أنهما تفوقاالرقة في �سوريا ،ودر���س بكلية الطب في جامعة دم�شق ،وبعد تخرجه حمدي ُ
ف��ي��ه��ا ع���ام (1945م) ع��م��ل ط��ب��ي��ب�� ًا ب��ب��ل��دت��ه ال���رق���ة ،ح��ي��ث ك���ان �أك��ث��ر في ت�أليف ال�شعر البدوي ،كما تنتمي �إلى
الأط��ب��اء انتماء لها ،حتى �أُط��ل��ق عليه �أيقونة الرقة و�ضفتها الثانية .عائلة العجيلي الروائية ال�سورية �شهال
العجيلي.
ً
ُ
ه�ل�ا
ُب���ن���ي ت��رك��ت��ن��ي وم�����ض��ي��ت ّ
����ص���ب���رت ل��ع��ل��ن��ا ن��م�����ض��ي ���س��و ّي��ا
ف��ه��ذا العي�ش ب��ع��دك كيف يحلو
�أي�����ا ح��ل��و ال�����س��ج��اي��ا وال ُ��م��ح�� ّي��ا
العجيلي في كتابة �أدب الرحالت ،منها برع ُ
(حكايات من الرحالت -دع��وة �إل��ى ال�سفر-
قناديل �إ�شبيلية ) ،وبالن�سبة �إلى �أدب الحوارات
العجيلي كتابه (�أ�شياء �شخ�صية). فقدم لنا ُ
�أي�ض ًا ب��رع الكاتب المو�سوعي في �أدب
الرثاء ،ف�أ�صدر كتابه (وجه الراحلين) ،كما �ألف
عبد ال�سالم العجيلي مع المجاهد �سلطان با�شا الأطر�ش
ُكتب ًا تندرج تحت �أدب المقالة مثل (�أحاديث
�صديقي ولكن لأنه �شاعر ،و�إ�سبانيا تحتاج �إلى الع�شيات -فل�سطينيات عبدال�سالم العجيلي -
�شاعر). واد ع�صا). في كل ٍ
العجيلي بالبدوي وق��د و���ص��ف ال � ُن � ّق��اد ُ العجيلي في �إحياء �أدب المقامة ،حيث �أ�سهم ُ
ال��ب��رج��وازي �أو ال��ب��رج��وازي النبيل� ،أم��ا نزار تميزت مقاماته بت�سل�سل مقا�صدها وحركية
(العجيلي �أروع بدوي عرفته قباني فقال عنهُ : وم ْن معه ،ولذا �أ�صدر كتابه (المقامات)، البطل َ
المدينة ،و�أروع ح�ضري عرفت ُه البادية). �ضم بع�ض المقامات ال�ساخرة ،كما كتب الذي ّ
�ألف نحو ( )٤٤كتاب ًا قدم الكاتب المح�شو بغنائم الكتابة بع�ض العجيلي المقامة البرازيلية ،ن�سبة �إلى مقهى ُ
ما بين الرواية المجموعات الق�ص�صية ،مثل (بنت ال�ساحرة - العجيلي من �أدعياء ُ فيها �سخر حيث البرازيل،
فار�س مدينة القنطرة � -ساعة المالزم) ،كما الثقافة على ل�سان راوي المقامة عبدال�سالم بن
والق�صة وال�شعر قدم ق�صتي (ف�صول �أبي البهاء -حب �أول وحب محب.
و�أدب الرحالت العجيلي( :با�سمة �أخير) ،ومن �أجمل رواي��ات ُ كتاب ْي (جي�ش الإنقاذ َ جيلي الع
ُ ألف � كما
والمقامات بين الدموع � -أزاهير ت�شرين المدماة � -أر�ض -ال�سيف والتابوت) ،كما كتب ل ِفرقة الفنون
ال�سياد) ،كما �أ�سهم مع بع�ض الكتاب ال�سوريين ّ ال�شعبية في الرقة ،وب��رع في كتابة ق�ص�ص
بـ(ع�صبة
ُ جيلي الع
ُ أ�سماه � ما أليف � ت في الظرفاء الخيال العلمي ،مثل ق�صة (زيلو�س كوكب
ال�ساخرين). العجيلي بقرائه بين الغيرة) ،وفيها يرحل ُ
العجيلي �إلى قرابة ُترجمت معظم كتابات ُ النجوم والمجرات والنيازك.
( )12لغة �أجنبية ،منها الإنجليزية والإيطالية، العجيلي وزي��راً لوزارتي الخارجية ُعي َِن ُ
كما ُترجمت له ثالثة كتب �إلى اللغة الفرن�سية، والإعالم ال�سوري ،ثم تم تعيينه وزيراً للثقافة
�أي�ض ًا ُدر���س��ت بع�ض ُم�ؤلفات �أدي��ب �سوريا، العجيلي نزار عين ُ ع��ام (1962م) ،وعندما ّ
لطالب المدار�س والجامعات. قباني -الموظف بالخارجية ال�سورية -
ترجمت معظم العجيلي علي بع�ض المدار�س �أُطلق ا�سم ُ دبلوما�سي ًا في �سفارة �سوريا ب�إ�سبانيا ،عاتبه
كتاباته �إلى والأحياء وال�سورية ،كما ُح ِو ّل ْت بع�ض رواياته الع ْظمة رئي�س وزراء �سوريا الدكتور ب�شير َ
العجيلي دروع ًا لأعمال تلفزيونية� ،أي�ض ًا نال ُ عينت لا( :ي��ا عبدال�سالم ..لعلك ّ وقتها ،ق��ائ� ً
الإنجليزية و�أو�سمة ،وق��د تناول الكاتب ال�سوري نبيل نزار في �إ�سبانيا ..فقط لأنه �صديقك) ،ف�أجاب
والإيطالية العجيلي ،من خالل ت�أليفه �سليمان ق�صة حياة ُ العجيلي( :لقد نقلته لإ�سبانيا ،لي�س لأن��ه
والفرن�سية ودر�ست لكتاب (حكواتي من الفرات..
في الجامعات عبدال�سالم العجيلي) ،وفي
ع��دده��ا ال�����ص��ادر ف��ي يونيو
ال�سورية
عام (2006م) ،تناولت مجلة
(الكويت) �ست ع�شرة درا�سة
ع��ن �سيرة وم�سيرة ال��روائ��ي
العجيلي .وفي (� 5إبريل عام
2006م) ،رحل كاتب الروائع
تارك ًا �إرث ًا �أدبي ًا نفي�س ًا ال ُيقدر
بثمن.
نزار قباني نبيل �سليمان
�ألي�س مونرو..
�سيدة الق�صة الق�صيرة المعا�صرة
بد�أت مونرو م�سيرتها الإبداعية في �سن
�ألي�س مونرو ،كاتبة ق�صة ق�صيرة كندية الأ�صل تكتب
المراهقة بكتابة الق�ص�ص الق�صيرة ،وقد
�صرحت مرة �أنها كانت تعرف جيداً ب�أنها بالإنجليزية ،ولدت عام (1931م) في والية �أونتاريو،
تريد �أن تكون كاتبة ،فتقول( :لكن في العودة �شيدت مجدها الإبداعي عبر �إنجازها ال�ضخم في مجال
�إلى ذلك الوقت� ،أنت ال تعلن �شيئ ًا مثل هذا الق�صة الق�صيرة ،وتوجته بح�صولها على جائزة (نوبل
لمن حولك) ،لذا ظلت تكتب وتر�سل �إنتاجها ل�ل��آداب) في العام (2013م) ،بعد مناف�سة قوية مع
�سراً �إلى النا�شرين فيرف�ضونه� ،إلى �أن حمل �سو�سن محمد كامل
البريد لها �ست ن�سخ مطبوعة من مجموعتها
�أدب��اء كبار كالأديب �أمبرتو �إيكو ،والروائية جوي�س
�أوتي�س ،وبيتر نادا�ش ،والروائي هاروكي موراكامي .لقبها �سكرتير اللجنة الأول��ى (رق�صة الظالل ال�سعيدة) في العام
المانحة للجائزة بـ(�سيدة الق�صة الق�صيرة المعا�صرة) ،كما نالت لقب (19٦8م) ،حيث كتبتها على م��دار خم�سة
(ت�شيخوف كندا) تيمن ًا بالروائي الرو�سي العظيم �أنطوان ت�شيخوف .ع�شر عام ًا ،فكان ذلك �إعالن ميالدها كاتبة
ر�سمي ًا ،وكان عمرها 37عام ًا ،لكن هذا العمل
يلق االهتمام خارج كندا ،حتى �أ�صدرت لم َ
مجموعتيها (�أقمار الم�شتري) (1982م)،
و(ارت��ق��اء الحب) (1986م) ،حينها عرفت
ال�شهرة ،فقد تجاوزت فيهما �أ�سلوب البناء
التقليدي للق�صة الق�صيرة ،حتى و�صلت �إلى
ما �أ�سمته الروائية مارغريت �أتوود (القدا�سة
الأدبية العالمية).
تتمتع �ألي�س م��ون��رو بثقافة وا�سعة،
وم�لاح��ظ��ة ث��اق��ب��ة ،و�إخ�لا���ص ك��ام��ل لفن
الق�صة الق�صيرة ،فهي �أديبة تمار�س حياتها
الطبيعية ،واعية بذاتها كقا�صة .وت�ؤكد
مونرو� ،أن الق�صة لي�ست مجرد خيار �إبداعي،
ب��ل ه��ي ق ��در ي��ج��ب م��واج��ه��ت��ه ،وت�ضيف:
عندما تكون كاتب ًا ،فهذا يعني �أن��ك ل�ست
مثل غيرك� ،أنت تتح�س�س طريقك في العالم
ال�سري (ال��ك��ون ال��م��وازي) ،ثم تفعل �شيئ ًا
�آخر في العالم الطبيعي� .أما �أحمد ال�شيمي
مترجم مجموعتها (العا�شق الم�سافر) فيقول
عنها�( :إنها كاتبة تكتب فح�سب ،فتقنعك
في كل ق�صة من ق�ص�صها �أن الخيال �أجمل
من الحقيقة ،و�أن الأ�ساطير خير و�أبقى
من حقائق التاريخ ،و�أن الحلم �أجمل من
الواقع.)..
م��ن �أه���م مجموعاتها الق�ص�صية:
(العا�شق الم�سافر ،الهاربة ،الم�شهد من
كا�سل روك ،حلم �أمي ،من تظن نف�سك� ،أقمار
عتبة �أول��ى من عتبات الن�ص ،التي تمكن كثيراً ما نقر�أ ن�ص ًا �شعري ًا ،ولكننا ال
ال��ق��ارئ م��ن ال��دخ��ول ف��ي ملكوت الخيال �دد ل��ه .ومثلنكاد نقب�ض على معنى م��ح� ٍ
وال�صور .في الوقت نف�سه؛ ف�إن غياب العنوان هذه الحالة ال تنطبق فقط على الن�صو�ص
لم ي�أت من ف��راغ ،ذلك �أن ت�سوير الق�صيدة المعا�صرة ،و�إنما على القديمة �أي�ض ًا ،الواردة
و�إحاطة تلك العوالم المحت�شدة فيها بال�سحر في كتب التراث .وب�سبب هذه ال�صعوبة التي
توجد الكثير من والخيال ،وتلخي�صها للقارئ بعنوان مكون نواجهها في فك �أ���س��رار الن�صو�ص ،ف�إننا
من كلمات قليلة ،ربما كان ال يليق بها. غالب ًا ما نذهب �إلى الحديث عن المو�ضوعات
ال�صعوبات التي كيف يمكن مقاربة الن�ص ال�شعري �إذاً؟ العامة التي تدور في فلكها هذه الن�صو�ص.
نواجهها في فك كيف يمكن ال�سفر في تلك الأم��داء ال�شعرية من جهة �أخرى ،ف�إن �أول ما يتبادر �إلى
�أ�سرار الن�صو�ص المخاتلة فيه ،وتلم�س تلك الفتنة الطاغية ذهن القارئ بعد قراءة الن�ص ،هو �أن ما قر�أه
ال�شعرية من ال��ر�ؤى والأح�لام؟ من �أجل الإجابة عن لي�س �سوى جز ٍء من ال�سيرة الذاتية لل�شاعر!
هذه الأ�سئلة ،كان ال بد لنا في البداية ،من لكن القارئ وبقليل من التدقيق ،يمكن �أن
�أن نتعرف �إل��ى م�شاغل ال�شاعر ،والإطاللة يكت�شف �أن ما وجده في الن�ص قد ال يكون
على م��ا يقوم ب��ه وه��و ين�سج ن�صه .كيف له عالقة بال�شاعر! من هنا يقع القارئ في
ي�شتبك م��ع ال��ع��ال��م المحيط ب��ه؟ ث��م كيف الحيرة ،وال يجد جواب ًا لأ�سئلته.
يتعامل مع اللغة وي�ضخ فيها الجمال؟ لعل مما عزز من حدوث هذه الإرباكات في
ال�شاعر العبا�سي (الح�سن بن هانئ) الذي تلقي ال�شعر ،هو ال�شعر نف�سه ،الذي نعثر فيه
عا�ش في القرن الرابع الهجري ،هو خير من على عدد من الإ�شارات التي تلغز الن�صو�ص..
نعثر على العديد يو�صف لنا الحالة ال�شعرية التي يكون عليها منها على �سبيل المثال؛ �أن ق�صائد التراث
ّ
من ق�صائد التراث ال�شاعر �أثناء كتابة الن�ص .والجميل �أن هذا العربي كانت بال عناوين .و�إذا كان ال بد
العربي التي كانت بال التو�صيف يجيء من خالل �شعره� ،إذ يقول: من وجود عالمة دالة على الق�صيدة ،فيتم
عناوين مثل (المية غ���ي���ر �أن�������ي ق����ائ����ل م����ا �أت����ان����ي ن�سبتها �إلى حرف الروي فيها ،ك�أن نقول:
ال�شنفرى) و(دالية م����ن ظ���ن���ون���ي م����كْ����ذب ل��ل��ع��ي��انِ (المية ال�شنفرى) المعروفة بالمية العرب،
�آخ������ذ ن��ف�����س��ي ب���ت����أل���ي���ف ����ش���يءٍ و(دالية طرفة بن العبد) .في �أحيان �أخرى،
طرفة بن العبد) واح���د ف��ي اللفظ �شتى المعاني ٍ كان يتم اللجوء� ،إلى �إقران الق�صيدة بال�شطر
ق��ائ��م ف���ي ال���وه���م ح��ت��ى �إذا ما الأول من البيت الأول فيها ،مثلما هو الأمر
رم����ت����ه رم������ت م���ع���م���ى ال���م���ك���انِ نبك) لل�شاعر (امرئ القي�س). في ق�صيدة (قفا ِ
ح�������س���ن ����ش���يءٍ
ْ ف���ك����أن���ي ت����اب����ع �إن عدم وجود عنوان للن�ص كان ي�ضع
م���ن �أم���ام���ي ل��ي�����س ب��ال��م�����س��ت��ب��انِ القارئ في و�ضع قلق ،فالعنوان هو بمثابة
هذا الن�ص من اقتراحات وحلول �إزاء هذه ف��ي ه��ذه الأب��ي��ات نعثر على مجموعة
الق�ضايا .بمعنى �آخ��ر؛ لعبت الأيديولوجيا من الم�شاهد التي يظهر فيها ال�شاعر وقت
دوراً حا�سم ًا في الحكم على الن�ص. الكتابة :فهو يعتمد فيما يكتبه على ظنونه
ومن المحزن حتى هذه اللحظة� ،أن نجد التي هي �أحالمه ور�ؤاه ،ك�أنه �أراد �أن يقول
�أن معظم ال��درا���س��ات النقدية الت��زال تدور لنا �إن كتابة ال�شعر تعتمد في الدرجة الأولى
العنوان بمثابة
في فلك هذه الجوانب الثانوية التي تتحرك على عالم الخيال .الم�شهد الثاني الذي ير�سمه
عتبة �أولى للن�ص فيها الن�صو�ص ،وذلك في الوقت الذي يتم لنف�سه �أثناء الكتابة ،هو �أنه يعمل على ت�أليف
تمكن القارئ من فيه تجاهل �شبه ت��ام للن�صو�ص نف�سها ن�ص من كلمات معروفة و�أفكار متداولة،
الدخول في ملكوت ولأعماقها التي ت�ضج بالأخيلة ،وبكل ما هو لكنه ف��ي ال��وق��ت نف�سه ن�ص ي��ب��دو ب�صور
الخيال وال�صور جميل ومثير فيها. متعددة وت��أوي�لات كثيرة .الم�شهد الثالث،
وثمة انتباهة حاذقة في عالم النقد، نرى فيه ال�شاعر �أثناء الكتابة ،وهو يقيم في
�أنجزها الناقد الفرن�سي المعروف (روالن عالم الوهم ،و�أبخرة الخيال ،وك�أنه موجود
ب��ارت) في العام ( ،)1967وذلك من خالل في مكان خفي غير معروف� .أخيراً؛ فال�شاعر
كتابه الذي �صدر في ذلك العام ،والذي كان يظهر لنا ،وه��و يت�سقط الجمال المحتجب
بعنوان (موت الم�ؤلف) .لقد قطع بارت في الذي يراه هو ،ولكن ال يراه الآخرون.
هذا الكتاب �أي �صلة للم�ؤلف (ال�شاعر مث ًال) نالحظ من خالل الأبيات ال�سابقة ،كيف
علينا التعرف �إلى بالن�ص المكتوب ،واعتبر �أن الن�ص يتمتع يمكن لل�شاعر �أن ين�سج البنية التخييلية
با�ستقاللية كاملة عن الذي �ألفه ،وبالتالي للن�ص ،والتي هي تختلف عن البنية الواقعية
م�شاغل ال�شاعر
فلي�س ه��ن��اك ع�لاق��ة بين ال�سيرة الذاتية التي ت�شكلها الأح��داث في الحياة العامة.
وكيف ي�شتبك مع للكاتب وبين الن�ص .ف��ي ه��ذه الأط��روح��ة و�أجمل ما ورد في تلك الأبيات هو حديث
العالم المحيط به اهتم بارت اهتمام ًا خا�ص ًا بالقارئ �أي�ض ًا، ال�شاعر عن ذلك الن�ص الذي يتعدد بين �أيدي
وتعامله مع اللغة واعتبره الم�س�ؤول عن �إع��ادة �إنتاج الن�ص، ال��ق��راء ،فكلما ج��رت مطالعته يظهر بهيئة
وكتابته من جديد .من الإ�ضافات المهمة مختلفة .و�أعتقد �أن هذه الر�ؤية الواردة هنا،
التي �أنجزها بارت في هذا الكتاب ،هو �أنه هي واحدة من الر�ؤى العميقة ،التي يمكن �أن
و�ضع نهاي ًة لنظرية المحاكاة التي كانت ت�شكل �أ�سا�س ًا مهم ًا ،لنظرية نقدية خا�صة
�سائدة في الأدب ردح � ًا طوي ًال من الزمن، بال�شعر.
وللفكرة المتداولة التي تقول �إن الفن هو بهذا يمكن القول �إن الن�ص ال��ذي نقع
انعكا�س للواقع. عليه ب�صورته الأولية ،ما هو غير غاللة ما،
ك��ان��ت ه ��ذه الأط ��روح ��ة بمثابة ث��ورة ق�شرة� ،أو ربما قمي�ص يتخفى في �إهابه ن�ص
من الم�ؤ�سف �أن في عالم النقد ،لكن ما ح��دث بعدها ،من �آخر طازج ومختلف .والن�ص المتفوق الأكثر
قبل مدار�س مختلفة ا�شتغلت على �أر�ضية �شعرية من غيره هو ذلك الن�ص الذي يتخلق
معظم الدرا�سات
الن�صو�ص كالبنيوية والتفكيكية� ،أدى �إلى با�ستمرار ،كلما ق��ر�أن��اه ،عن ر�ؤى و�أفكار
النقدية التزال ت�شيئ ال�شعر ،ففقدت تلك �إنتاج درا���س��ات ّ جديدة.
تدور في فلك يدر�س ْ الذي النقد أ�صبحالأطروحة روحها� . الي��زال النقد في العالم العربي م�شغو ًال
الجوانب الثانوية ال�شعر هنا ،بما فيه م��ن عمليات ت�شريح بالهيئة الخارجية للن�ص ،دون النظر �إلى
للن�صو�ص وت��رك��ي��ب و�إح�����ص��اء� ،شبيه ًا ب��ال��درا���س��ات �أع��م��اق��ه .وق��د رك��ز ال��ن��ق��اد ف��ي درا�ساتهم
العلمية! من هنا كانت الحاجة ما�سة �إلى للن�صو�ص على الجوانب الآتية� ،أو ًال :الأفكار
�إع��ادة النظر في التغيرات التي ط��ر�أت على العامة التي يدور في فلكها الن�ص ،وثاني ًا:
هذه الأط��روح��ة ،والتي ال تنا�سب الفن ،مع درا���س��ة ال�سيرة ال��ذات��ي��ة لل�شاعر ،وربطها
�ضرورة االلتفات من جديد �إلى العنا�صر التي بالن�ص ،وبما ورد فيه من ر�ؤى و�أف��ك��ار.
تتكون منها العملية ال�شعرية ،وهي (ال�شاعر/ قيمة ومعيارٍ للن�ص ،وقد ٍ وثالث ًا :البحث عن
الن�ص /القارئ) ..والتي هي عنا�صر تتداخل ت��رك��زت تلك القيمة م��ن خ�لال رب��ط الن�ص
مع بع�ضها بع�ض ًا ،وي�صعب الف�صل بينها. بعدد كبير من الق�ضايا ،وما يمكن �أن يقدمه
جال فيها الباحثون العرب من �شتى �أقطارهم، ُتعد الم�ؤتمرات الفكرية العربية الجادة
و�أ�ضفى عليها والمنطقة م�سحة واع��دة ظلت والفاعلة (على قلتها) في المنطقة العربية
تعي�ش على �أثرها طوي ًال. ُف��ر���ص� ًا ذهبية للنخب ،حيث يتكثف فيها
وق��د ك��ان��ت ح�صيلة م��ا ج ��ادت ب��ه تلك الح�ضور ع��ادة كداللة على ما تكتنزه تلك
الأبحاث الالفتة والد�سمة هذا المجلد (الوثيقة) المجتمعات من طاقات ُمبدعة ،ت�شارك �أو
ال ��ذي تف�ضلت الجمعية ب ��إ���ص��داره ون�شره يمكن �أن ت�شارك في �إعادة بناء الذات العربية،
وتوزيعه على الم�ؤ�س�سات العربية الم�شابهة، كلما �أتيحت لها الو�سائل ومن�سوب الحرية،
�سعي ًا وراء ت�أمل و�إث��راء جادين له ،من �أجل علم ًا �أن ه��ذه المجتمعات مقارنة بغيرها،
�إعادة �سليمة لبع�ض لحمة التوا�صل تلك. الت��زال ُمق�صرة ج��داً في ا�ستيعاب معارف
تعد الأبحاث ورقات و�أبحاث تنوعت بين المحا�ضرات طاقاتها وخبرات روادها ،من �أجل تحقيق �أي
والمداخالت الأكاديمية ،التي تجاوزت كما تقدم مرغوب.
والدرا�سات التي
يبدو الأنماط ال�سائدة من قبل ،تلك التي كانت واقع ال يجب �أن يحول دون االجتهادات
�أ�صدرها م�ؤتمر تقود في معظم الأحيان �إلى بع�ض العقم �أو إن�سان
والتطلعات الفردية ،التي يطمح �إليها � ُ
الجمعية الجزائرية �إلى عرقلة م�سيرات الإب��داع والخلق ،تف�ضل المنطقة ب�شكل عام .ومن بين �أهم الم�ؤتمرات
بجمعها وتن�سيقها الدكتور ر�شيد دح��دوح، التي تر�سخت لدى الجزائريين والعرب منذ
للدرا�سات الفل�سفية
ع�ضو الجمعية البارز ،و�أ�شرف عليها رئي�س �سنوات ذلك الذي نظمته الجمعية الجزائرية
في ق�سنطينة وثيقة الجمعية الدكتور عمر بو �ساحة ،و�شارك فيها للدرا�سات الفل�سفية المعروفة بكثافة ن�شاطاتها
فكرية عربية بطبيعة الحال المخت�صون العرب في ميادين وحيوية تطلعات نخبها ،نحو �إعطاء التوا�صل
الفل�سفة والعلوم الإن�سانية واالجتماعية ،من العربي دوره و�أهميته في خلق الديناميكية
متميزة
كل من تون�س وال�سعودية وم�صر وال�سودان الالزمة والح�ضور القوي والفاعل ،و�صدر عنه
ولبنان وفرن�سا والجزائر� ،إ�ضافة �إلى ح�ضور جملة مهمة من التو�صيات المعمقة والكثيفة،
وم�شاركة �أكثر من ثالثين جامعة. التي ارت�أينا في (ال�شارقة الثقافية) �ضرورة
وربما ك��ان محور التوا�صل بين العرب التطرق �إليها ولمخرجاتها قبل �سنوات في
والغرب ،من �أهم ما تم البحث فيه و�إغنائه، مدينة ق�سنطينة عا�صمة الثقافة العربية
لما كان له من �أهمية ودور في تجديد الفكر وقتها ،والذي احت�صنته كلقا ٍء ا�ستثنائي عبر
العربي المعا�صر (ك�ضرورة ُملحة) ،ولهذا بها (�أي المدينة) من عوالم التاريخ وال�سياحة
فنحن في هذه القراءة المت�أنية للكتاب المهم والتراث ،التي كانت تعي�شها وقتها �إلى عوالم
�إي��اه �سنحاول التركيز �أكثر على المو�ضوع الفكر والإث��راء الإن�ساني ،وهو ما كانت في
ونخت�صر للقارئ والمهتم بع�ض حيثياته حاجة �إل��ى ت�أكيده عبر جملة الموارد ،التي
منا�سبات كثيرة ،ومن �أبواب �شتى منذ القديم، و�سطوره ،التي يذهب بع�ضها مبا�شرة �إلى تلك
غير �أن م�ؤتمر الجمعية الجزائرية للدرا�سات العالقة المتفاقمة مع الغرب ،كم�ستعمر �سابق
الفل�سفية هذا ،و�ضمن جملة الم�ستجدات التي �أحيان ًا �أو كمت�صالحة معه ك�شريك ومتعاون
تطرق �إليها بقوة كما �أ�سلفنا .قد ذهب بعيداً �أحيان ًا �أخرى ،فهذه العالقة كم�سلمة توا�صل
في الت�شخي�ص واقتراح ما يمكن من عوامل ثقافي ناعم �أو متناطح فكري مت�شنج ،لها
م�ساعدة ت��ؤدي �إلى مفهوم الحرية ك�أ�سا�س ما لها وعليها ما عليها ،كما نعلم من �أهمية
�أبحاث الم�ؤتمر لأي تقدم �أو تمدن� ،إ�ضافة طبع ًا �إلى ق�ضايا بين جميع العرب في عملية القراءة والتجديد
تنوعت وتجاوزت حقوق الإن�سان في مواجهة اال�ستبداد .نعم لفكرهم الم�شترك ،لأن التوا�صل المكثف لهم
الأنماط ال�سائدة �إن التوا�صل الثقافي بين الفكر العربي وذلك جميع ًا ولأ�سباب �شتى لم يتوقف يوم ًا عبر
الغربي قد �أدى منذ زم��ن �إل��ى ه��زات كثيرة التاريخ الطويل ،حتى غدت ال�صور الم�شتركة
في الطرح �أدت بدورها �إل��ى معادلة التغيير المن�شودة نقاط ًا محورية في المفهوم الرابط بينهما،
ول��و على مهل وب��ال��ت��دري��ج ،لجعل الثقافة الأمر الذي جعل الطرفين يحددان من خاللها
تتكثف وتتراكم وتتوافق �إل��ى حد بعيد مع ُجملة م��ن القيم التي ال منا�ص م��ن الدفع
بنية االحتكاك المتجددة بالرغم من العوائق �إلى ا�ستدامتها وتبنيها بقوة ،وقد كانت كما
الت�شريعية المتمثلة في مداومة التركيز على نعلم م�صاحبة دائ��م� ًا لالقتراب ال�سيا�سي
الثقافات الوطنية وحدها والذهاب بها بعيد ًا واالقت�صادي ،كذلك ما �ضاعف يوم ًا بعد يوم
في تف�سير التوا�صل كمفهوم �شامل ودائ��م ب�شر بواقعية جديدة، من انطباعاتها العامة ل ُت ِّ
لتقارب الح�ضارات بع�ضها من بع�ض. �أكثر فع ًال في الحياة الثقافية العربية التي
ركز على محور وقد كان من بين �أهم نتائج ذلك الم�ؤتمر كان روادها في المنطقة ممن تدرب في الغرب
الفارق وال�شهير كذلك الت�أكيد على �ضرورة �أ�ص ًال بالتوازي مع رواد �آخرين �أ�سهموا كما
التوا�صل بين العرب الإ���س��راع ف��ي ح��ل ق�ضايا ال��داخ��ل العربية ذكرنا في البناء االقت�صادي ورفع من�سوب
والغرب لتجديد قبل كل �شيء من �أجل معرفة الذات وبنائها التنمية في بالدهم تدفق الثروات والموارد
العقل المعا�صر ب�صالبة وثقة ،ب��دل الت�شويه المتكرر الذي ال�ضخمة وغيرها في المراحل المتالحقة.
اليزال يناف�س ذاته مرحلة �إثر مرحلة وبلداً �إثر وهكذا ،كانت النخبة العربية المت�أثرة
بل ٍد رغم و�ضوح ال�صورة ،مع العلم �أن الحكم والمنتجة للثقافة في مقدمة من تبنى الأفكار،
على الثقافة العربية في الأ�صل ب�أنها كانت وربما العقائد والأل��وان الإيديولوجية وحتى
حكم جائر ٌ جامدة ورجعية �أو �إق�صائية هو ال�سيا�سية ،كذلك الأم ��ر ال��ذي دف��ع ال��دوائ��ر
وغير �صحيح لأن تاريخها الزاهي يقول غير والم�ؤ�س�سات في بالدها �إلى �إن�شاء الجمعيات
ذلك ،وما عملية التجديد هذه وما �سبقها �سوى المتخ�ص�صة التي تعنى بالمجتمعات الغربية
�إحياء لذلك المجد ال��ذي انطف�أ قلي ًال ب�سبب وترجمة ما يمكن ترجمته من �إبداعات لها في
جملة من التمزقات ال�سيا�سية والأيديولوجية، الميادين التاريخية وال�سيا�سية واالقت�صادية،
�أكد �ضرورة الإ�سراع التي �ستنتفي �سريع ًا بدورها بعد موجة نقد وبطبيعة الحال الثقافية الفاعلة بال�ضبط كما
في حل الق�ضايا الذات واالندماج في المد الح�ضاري االن�ساني فعل الغربيون عندما ترجموا التراث العربي
الواعد. دائم ًا و�أخذوا ب�سبله وهم ي�ؤ�س�سون لحداثتهم
العربية للم�شاركة بقي فقط �أن نقول �إن الجمعية الجزائرية ذات يوم.
في المد الح�ضاري للدرا�سات الفل�سفية ،التي ير�أ�سها المفكر وبطبيعة الحال ال يمكن �أن نن�سى في هذا
الإن�ساني المعروف عمر بو�ساحة ،هي اليوم ركيزة ال�سياق �أدوار الباحثين والأكاديميين العرب
متفردة في المنطقة ،حاولت كثيراً والتزال، الذين ا�ستهواهم المناخ العربي الغني ب�شكل
ال ��خ ��روج ب��ال��م��ج��ت��م��ع م��ن ب��ع�����ض ع��وال��م��ه عام ،فف�ضلوا البقاء واال�ستقرار �إلى جوانبه
وكال�سيكياته الباهتة �إلى العولم الإن�سانية والم�ساهمة من خالله ولو عن بعد في تقريب
الأو�سع والأ�شمل ،كما �أ�سلفنا َع� َّل فرج ًا ما الم�سائل الح�سا�سة الخا�صة ب��ه ،وت�شجيع
لا ي�سطع في هذه المنطقة ،التي ينبثق و�أم� ً مجتمعاتهم على �سرعة التفاعل واالندماج
تراجعت كثيراً مقارنة ب�أي مكان �آخر على فيها.
وجه الأر�ض. �صحيح �أن المو�ضوع قد تم التطرق �إليه في
�أ�شرف الع�شماوي:
الأدب جعلني قا�ضي ًا �أكثر رحمة و�إن�سانية
-ال يوجد �سبب محدد ،بل الرغبة في
الكتابة في التعبير عما يدور بخاطري من
�أفكار� ،أريد م�شاركة قارئ ال �أعرفه فيها.
رغبة ملحة لم �أ�ستطع مقاومتها في �سن
الثالثين ،ومن يومها �صارت الكتابة طق�س ًا
يومي ًا على مدار ثالثة وع�شرين عام ًا وحتى
الآن .ربما كان لمالحظة �أحد ر�ؤ�سائي في
النيابة العامة ال��دور الأك��ب��ر ،عندما كنا
بحكم عملنا كمحققين ق�ضائيين في النيابة
العامة الم�صرية ،نقوم بتلخي�ص الق�ضايا
قبل �إحالتها للمحكمة ،فالحظ �شيئ ًا ما في
�أ�سلوبي ،فقام با�ستدعائي ونبهني قائ ًال
بالحرف (نحن نحيل الق�ضايا للقا�ضي
لكي يحكم فيها بالقانون ،ال نحكي له
حكايات عن نف�سية المتهم ،و�صف مكان
الجريمة وب��واع��ث��ه��ا) ،م��ن يومها ب��د�أت
ال��ف��ك��رة تختمر ب��ر�أ���س��ي ،وم�ضيت وراء
الحكاية ومازلت� .ساعدني �أني�س من�صور،
و�إبراهيم عبدالمجيد ،وخيري �شلبي ،مع
حفظ الأل��ق��اب ،وكانوا �سبب ًا في ظهوري
وانت�شاري ،و�س�أظل �أحمل لهم هذا الجميل �أ�شرف الع�شماوي ،القا�ضي الذي اقتحم عالم الرواية،
ما حييت .في تقديري �أن الرابط �إن�ساني
بين الق�ضاء والأدب ،وبالن�سبة لي الق�ضاء وا�ستطاع �أن يحجز لنف�سه مكان ًا على خريطة الكتابة
جعلني �أديب ًا �أغو�ص في �أعماق النفو�س ف��ي م�صر وال��وط��ن ال��ع��رب��ي ،حققت كتاباته نجاحات
ب�صورة �أعمق ،من فرط ما ر�أيت من �آالف كبيرة ومقروئية عالية ،كما تميز ب��غ��زارة الإن��ت��اج.
الق�ضايا ،التي حكمت فيها� ،أما الأدب فقد �أ�صدر ( )8رواي��ات طويلة هي (زم��ن ال�ضباع 2010م)،
جعلني قا�ضي ًا �أكثر رحمة و�إن�سانية. �ضياء حامد
و(ت��وي��ا) ال��ت��ي و�صلت �إل���ى القائمة الطويلة للبوكر
¯ كنت المحقق في ق�ضية محاولة اغتيال للرواية العربية (2012م) ،وترجمت �إلى اللغتين الإيطالية واليابانية.
نجيب محفوظ ،ولم تكن دخلت عالم الأدب
بعد� ،ألم تقلق من مواجهة نف�س الم�صير؟ التي فازت بجائزة �أف�ضل رواية تاريخية ورواي����ة (ال��م��ر���ش��د) ال��ت��ي ف ��ازت بجائزة
-وقتها ل��م �أك ��ن كتبت بعد وكنت من ملتقى مملكة البحرين الثقافي لعام �أف�ضل رواي��ة في ا�ستفتاء القراء بجريدة
منبهراً بالأ�ستاذ محفوظ للغاية كقارئ، (2019م) ،و�أ���ص��در في (2016م) رواي��ة الد�ستور الم�صرية عام ( 2013م) ،ورواية
ولما جل�ست معه لم�ست الجانب الإن�ساني (تذكرة وحيدة للقاهرة ) ،وفي (2018م) (ال��ب��ارم��ان) التي �صدرت في (2014م)،
والح�س الفكاهي ب�سهولة ،وظللت قريب ًا منه ���ص��درت رواي� ��ة (���س��ي��دة ال��زم��ال��ك) ،وف��ي وف��ازت بجائزة �أف�ضل رواي��ة من الهيئة
حتى عام (2000م) ،لكني لم �أ�ستطع �أخذ (2019م) �صدرت رواي��ة (بيت القبطية). العامة للكتاب لعام (2014م) ك�أف�ضل
ر�أيه في م�سودتي الأولى� ،شعرت بخوف من ¯ كيف جاءت خطوة دخولك عالم الأدب، رواية عربية ،وترجمت �إلى اللغات؛ الفرن�سية
�أن يقول لي ر�أيا �سلبي ًا ،لكنني بعد الن�شر وهل هناك رابط بين عالم الأدب وعالم والمقدونية وال�صربية والإنجليزية ،وفي
لم �أ�شعر بالخوف بالتعر�ض للم�صير ذاته، القانون ؟ (2015م) �صدرت له رواية (كالب الراعي)
وخبايا التحقيقات وما يدور بم�سرح الجريمة وال �أظ��ن �أن الأ�ستاذ نجيب نف�سه كان ي�شعر
ب�سهولة� .أما ا�ستدعاء توفيق الحكيم وروايته بالخوف قبلها ،ال �أحد يكتب ب�إخال�ص وينتابه
(يوميات نائب في الأرياف) فلها �سببان؛ الأول خوف �أو قلق ،الهاج�س الأ�سا�سي هو و�صول
�شجعني على دخول تحية وتقدير من تلميذ لأ�ستاذه ،خا�صة �أننا من الفكرة �إلى المتلقي.
عالم الأدب �أني�س نف�س الخلفية المهنية بالنيابة العامة� .أما ال�سبب
الثاني فهو �إي�ضاح معنى ق�صدته بالرواية ،و�أن ¯ كيف تعامل معك الو�سط الأدبي والنقدي،
من�صور و�إبراهيم ال �شيء تغير على مدار خم�سة وثمانين عام ًا، خا�صة �أنك من خارجه ،ومع و�صول روايتك
عبدالمجيد وخيري تف�صلني عن زمن رواية الحكيم .ال �شيء تغير (تويا) �إلى القائمة الق�صيرة لجائزة البوكر
�شلبي في البيروقراطية والقوانين وطريقة التعامل مع العربية؟
المواطنين ،بل زاد عليها الكثير. -الو�سط الثقافي تعامل معي بحذر �شديد
في البدايات عام (2010م)؛ لأنني كما و�صفوني
¯ �أزمة كورونا التي يعي�شها العالم الآن ،هل (من خارج ال�صندوق الأدبي) ،لكن عقب و�صول
�ألهمتك عم ًال جديداً؟ وما هي ر�ؤيتك للأدب بعد روايتي (تويا) لقائمة البوكر ،فوجئت بهجوم
هذه الجائحة؟ �شديد غير مبرر بالن�سبة لي ،وظل هذا الهجوم
الو�سط الأدبي تعامل � -أزمة كورونا كانت �سبب ًا في كتابة �سردية م�ستمراً بعد فوزي بجائزة �أف�ضل رواية عربية
معي بحذر �شديد طويلة بمزاج رائق .العزلة ملهمة وت�ساعد كثيراً عن رواية (البارمان) ،ولوال �أن جمال الغيطاني،
على التركيز� .أنا لم �أكتب عن الوباء ،ولم يلهمني كان رئي�س ًا للجنة التي اختارت روايتي ،لكان
في البدايات لأنني عم ًال جديداً ،لكني ا�ستكملت بحما�س وهمة العمل الهجوم �أ�شد �ضراوة .حتى الآن العالقة بيني
من خارج ال�صندوق الذي بد�أت فيه منذ دي�سمبر الما�ضي ،حيث �أعكف وبين الو�سط االدب��ي �أ�شبه بالحرب ال��ب��اردة،
الأدبي على كتابة رواي��ة جديدة مختلفة في �أجوائها وال �أعرف �سبب ًا محدداً� ،أنا �أكتب وفقط ولم �أعد
عن كل �أعمالي ال�سابقة ،وتدور في عدة �أزمنة ورا�ض عن م�سيرتي ،و�أخذت حقي ٍ �أنظر خلفي،
وتحتاج �إلى تركيز منحنى الوباء �إياه ب�سخاء� .أما في جوائز ومبيعات ونقد �أدبي محترم من كبار
ر�ؤيتي للأدب بعد الجائحة ،ف�أظن �أن الكثيرين النقاد بالوطن العربي ،و�أحترم �أعمال كل من في
من الكتاب �سيت�أثرون الو�سط الأدبي ،لكني ال �أدخل في معارك �أبداً ،وال
بالوباء و�سينجرفون �أظن �أنني �س�أفعلها يوم ًا ما.
ف� ��ي ال ��ك ��ت ��اب ��ة ع��ن��ه،
ورب ��م ��ا ت��ك��ون ه��ن��اك ¯ هل الكتابة عن المهم�شين هي م�شروع �أ�شرف
�أع��م��ال ج��ي��دة ،لكنني الع�شماوي؟
�أظ��ن �أن �أغلب الأعمال � -إلى حد كبير ،المهم�شون حا�ضرون في
ال��ت��ي ت��ت��ن��اول ظاهرة رواياتي� ،أعتقد �أنهم الأولى بالكتابة ،لديهم
�أو ح��دث�� ًا م��ا ب�سرعة درام��ا حقيقية وق�ص�ص �إن�سانية ت�ستحق �أن
تكون �أع��م��ال تقريرية تروى ،كما �أن �أغلب �أفكار رواياتي تدور عن
غير مكتملة وبال ر�ؤية الهموم العامة والنف�س الب�شرية بتناق�ضاتها،
وا�ضحة� .أي�ض ًا �أخ��اف فمن الطبيعي �أن يكون لهم دور البطولة في
م��ن ت��أث��ر ���س��وق الن�شر �أغلب الأعمال� .أتمنى �أن يطول بي العمر وت�سمح
وه����و م���ن ال ��ب ��داي ��ات ال�صحة بكتابة الأفكار التي �أحتفظ بها عنهم،
يتعافى ب��ال��ك��اد ،ولم الأمر يتطلب ع�شرين عام ًا على الأقل.
تكن تنق�صه الجائحة،
الن�شر الإلكتروني لن كقا�ض في كتابتك لرواية ٍ ¯ هل �أث��ر عملك
ي��ك��ون ب ��دي�ل ً�ا ق��وي�� ًا، (بيت القبطية)؟ وما هي داللة ا�ستدعاء توفيق
و�أتمنى ع��ودة الندوات الحكيم وروايته (يوميات نائب في الأرياف)؟
وال ��م ��ع ��ار� ��ض وف��ت��ح � -أي روائي لديه هموم عامة وخا�صة ،ولديه
المكتبات ودعم �صناعة خبرات من عمله وي�ستطيع �أن يرى بعمق �أكثر لو
الن�شر ،لكي تعود على كتب عن وظيفته .بالطبع عملي �ساعدني في
م��ا ك��ان��ت ع��ل��ي��ه على �سهولة الكتابة ال�سردية عن �شخ�صية البطل (نادر
الأقل. فايز) المحقق الق�ضائي ،وجعلني �أ�سرد الحوادث
من م�ؤلفاته
بيت محمود المدر�س الم�سلم العازب ،والذي لج�أت لي�س الف�ضاء الروائي هذا ال�شارع �أو ذلك
�إليه رنا ال�شابة الم�سيحية فراراً من القتال ،لكن �داث ما
ذي��اك المقهى ،حيث تدور �أح� ٌ المنزل �أو ّ
الق�صف المتبادل بين طرفي ال�صراع ي�أتي على في رواية ما .وبعبارة �أدق ،لي�س الف�ضاء الروائي
فيفر منه المحا�صران ،ليتلقف القتل ّ البيت، بالمكان �أو المكون الجغرافي في الرواية ،فقط ،بل
محمود .و�إذا كان حديث الف�ضاء الروائي ي�أتي هو ذلك مجبو ًال بالتاريخ وال�شخ�صية .واالبتداء
قا�صراً ف��ي ه��ذه ال��رواي��ة ،ف��الأم��ر يختلف في بهذا التلخي�ص (القا�صر �أو الجائر) قد اقت�ضاه
رواية يا�سين رفاعية (ر�أ�س بيروت 1992 -م). العزم على الكتابة عن العنقاء بيروت في المدونة
وعنوان الرواية ،هو ا�سم حي بيروتي �شهير .وقد الروائية ال�سورية ،وه��و ما يفوق لبيروت في
اختار بطل الرواية (�أبو ب�سام) بيروت وطن ًا له بعد المدونة الروائية العربية �أو العالمية ،وكذلك ما
�سوريا ،مثلما فعل يا�سين رفاعية الذي عا�ش في لدم�شق /ال�شام� /سوريا /في الرواية اللبنانية.
بيروت ن�صف قرن ،منذ منت�صف �ستينيات القرن ثمة باقة من ال��رواي��ات ،تبدو بيروت فيها
الع�شرين .وكما تلفح ال�سيرية رواية (ر�أ�س بيروت) ف�ضاء وحيداً ،دون �أن ينال من وحدته �أن يتالمح
ً
تلفحها النو�ستالجيا �إلى بيروت ما قبل الحرب. في الرواية ما يلتب�س بف�ضاء �آخر �أو �أكثر ،فيما
الكتابة عن ف�أبو ب�سام ،ينادي بيروت اليوتوبيا التي يحلم تناولت
ُ هو غالب ًا وم�ضات لمكان �أو �أكثر .وقد
بها الفنانون ،ومنها بيروت القديمة الجوهرة، الف�ضاء البيروتي ،في رواي��ات عديدة
َ من قبل
(العنقاء) بيروت في
بيروت الأحياء الفقيرة ،التي لم يكن (�أبو ب�سام) لغادة ال�سمان وحنا مينة وحليم بركات .ولهاته
المدونة الروائية يعرف �أنها في المدينة ،حيث بات حي (ر�أ���س الروايات �أ�صناء ،في ر�أ�سها رواية مروان طه مدور
ال�سورية ما يفوق بيروت) منها �ساحة �صراع ،ولكل ذل��ك يقول (جنون البقر 1992 -م)؛ فالرواية �سير ٌة لبيروت
�سواها من المدونات �أبو ب�سام( :هذه مدينة �ستغرق بدماء �أبنائها). يموت، في زمن الحرب الأهلية ،يرويها ر�ؤوف ّ
الروائية وبالمقابل ،يرى (�أب��و ب�سام) في الزنزانة ،في فيما يروي �سيرة حياته وهو الميت الذي تقاذفته
كابو�س الدم� ،أن بحر الدم يبلغ �صخرة الرو�شة، الحرب من حفرة قذيفة �إل��ى مقبرة جماعية،
ثم يغمر البحر الأزرق ،لكن ال�صخرة تظل م�شرئبة بعدما كان ال�صعود قد تقاذفه حتى بات يطمح
بعنقها .وقد تابع يا�سين رفاعية ما كان في برئا�سة الدولة .وقد تحققت لرواية الكاتب الراحل
روايتيه ال�سابقتين من ر�سم الف�ضاء البيروتي الوحيدة �أولويتها بالبناء ال�سريالي ل�سيرتي
في رواياته (امر�أة غام�ضة 1993 -م) ،و(دماء يموت ،حيث تواترت واندغمت المدينة ورفيق ّ
و(�سوريو ج�سر الكوال -
ّ بالألوان 2006 -م)، الم�شهديات ،وع�صف التخييل ،كما ك��ان للغة
2013م) .ويلفت في الأخيرة �أنها عمن �أ�سميهم ع�صفها ،وبكل ذلك كان للف�ضاء البيروتي امتيازه
بعمال التراحيل ال�سوريين في بيروت. الروائي الفائق.
�إذا كان �أغلب الروايات ال�سورية التي جعلت قبل ذلك ،ومنذ بداية الحرب ،جاءت رواية
ف�ضاء لها ق��د تعلق بالحرب الأهلية ً ب��ي��روت (الممر 1978 -م) ليا�سين رفاعية (- 1934
درة تلك ّ فلعل 1990م)، - (1975 اللبنانية 2016م) ،وتحدد فيها الف�ضاء في الممر داخل
ا�شتغال مطاع �صفدي على (المكان) في هذه الروايات هي (فردو�س الجنون 1996 -م) لأحمد
الرواية ،ق ّل نظيره .وفي تف�صيل القول ،ما ي�ؤكد يو�سف داوود .وقد ترامى ف�ضاء هذه الرواية �إلى
�أن حيدر ما ق�صد بالمكان �إال الف�ضاء. موطن بطلها بليغ حمدي في �سوريا ،و�إلى ما تق ّلب
في رواية (با�سمة بين الدموع 1958 -م) فيه في لبنان ول�سان حاله ينب�ض (�أريد جبهتي)،
لعبد ال�سالم العجيلي (2006 - 1918م) توم�ض وما جبهته �إال بيروت التي ير�سمها كواحة من
�أحيان ًا تكون بيروت ب��ي��روت فقط ف��ي منطلق ال��رواي��ة تحت عنوان لوحات ف�سيف�ساء الموت المكثف والمت�شابه في
(الطريق الزلقة) .وكذلك الأمر في رواية (الجائع �سائر المدن والعوا�صم .وحين ت�س�أل (روز بليغ)
الف�ضاء الوحيد في �إل��ى الإن�سان 1973 -م) للكاتب ع� .آل �شبلي عن جهله ببيروت يخاطبها( :اتركيني �أخترع ما
الرواية و�أحيان ًا (1992 - 1922م) ،حيث يتكرر ما في رواية ينا�سبني ،و�إن لم تقتنعي ب�أن بيروتنا هي كل
تكون واحداً من حنا مينة (الثلج ي�أتي من النافذة) من لجوء بيروت ممكنة في الدنيا ،فاف�صليني من الرواية).
ف�ضاءات الرواية البطل الذي يالحقه الأمن في دم�شق �إبان الوحدة بيروت في (فردو�س الجنون) واقع وخيال،
ال�سورية الم�صرية� ،إلى بيروت. مفردة وجمع ،تراها زهرة كمائن و�ألغام و�أعالم
بخالف ما �سبق في ال��رواي��ات التي كانت وخطب ،وت��راه��ا كذبة حرية ،وواح��ة وبالون ًا
بيروت وحدها ،يبدو ح�ضور الحرب ُ ف�ضاء لها
ً وم�ستنقع ًا م��ن وح ��ول ال��ه��ج��ان��ات ،و(مخب�أ
محدوداً ،ومن ذلك رواية (ج�سر الموت 1997 -م) ل�صعاليك ملفلفين ب�أحجية الوطنجية وبخور
لإبراهيم عبيدو (2015 - 1948م) ،وفيها يروي العروبية وبوهيمية النقد والأنترنا�سيونالية)� .أما
زجه في الرقيب ال�سوري محمود ،ما كابد من ّ زوج (زهرة) فيراها طاحونة ،وي�شبهها ب�سدوم.
ق��وات ال��ردع ،من �صيدا �إل��ى الكرنتينا وبيروت ويجزم الراهب و�أكاديمي الفل�سفة �سليمان� ،أن
ال�شرقية� ،إلى ما تعنونت به الرواية( :ج�سر الموت). اليهود ما كانوا ليبلغوا بيروت لوال �أنها مهزومة
في رواية خيري الذهبي (طائر الأيام العجيبة - منذ دهور .وها هو بليغ يخاطب رواة الرواية ب�أنه
غالب ًا ما ي�سعى الو ْكد في
1977م) ،وكما في (جيل القدر) يكون ُ �سيتابع ما يحلو له من التخيالت ليرى �إلى �أين
الروائي �إلى تج�سيد طالب الجامعة الأمريكية ،لكن الن�ضال الطالبي �سي�صل مع هذه الـ (بيروت) التي يطلب الرواة
بيروت وقيامها من في رواي��ة الذهبي ،ينتهي بال�سقوط على درب منه اختراعها ،والتي لن يجعلها �أقل من تلحي�ص
ال�صحافة والجا�سو�سية� .أما رواية ممدوح عزام محكم لكل هذا ال�شرق الأو�سط �أو الأدنى.
رماد ج�سدها لأنها (�أر�ض الكالم 2005 -م) ،ففيها (تغريبة) عمال تتقد وتت�ألق (فردو�س الجنون) بما �أنجزت
النقاء التراحيل ال�سوريين من ال�سويداء وريفها �إلى م��ن جِ ب ّلة الف�ضاء ال��روائ��ي بجنون المخيلة،
بيروت في خم�سينيات القرن الما�ضي .وقد ترك وببناء ال�شخ�صيات ،وبتالطم الأحداث التي تلطم
هاني الراهب (2000 - 1941م) في روايته الواقع بقدر ما تلطم الخيال ،وكل ذلك في لغة
ي�شف
(خ�ضراء كالبحار )2000 -ا�سم الف�ضاء ّ تمت�ص ال�سخرية والفل�سفة وال�سيا�سة والرطانات
من البناء الروائي الرهيف المحكم والحداثي عن البيروتية ،ليكون للبناء الروائي نهو�ضه الحداثي
الزخم الناري م�ساكنها
ُ بيروت ،التي افتر�س فيها البديع.
كما �سكانها .وبطل ال��رواي��ة النحات والر�سام م��ن ال��رواي��ات المبكرة التي ل��م تكن رهن
(فرا�س) يرى في ح�شا�شته �سقوف المدينة التي ب��ي��روت فقط ،لأن ب��ي��روت واح��د م��ن ف�ضاءات
هدمتها القذائف ،فالزمن هو زمن الحرب ،مع روايتي (جبل القدر 1961 -م) ،و(ثائر محترف
التذكير ب�أن بيروت لي�ست وحدها الف�ضاء في 1962 -م) لمطاع �صفدي (2016 - 1929م).
الف�ضاء في الرواية (خ�ضراء كالبحار) الذي يترامى �أي�ض ًا �إلى كندا ففي الأول��ى تجمع بيروت في الحفل الجامعي
لي�س المكان �أو وب��اري�����س .وم��ن �آخ��ر م��ا لبيروت ف��ي المدونة و�سواه بين �شخ�صياتها من ذل��ك الجيل الذي
الجغرافيا بل هو الروائية ال�سورية ،رواية عبير �إ�سبر (�سقوط حر)، كانت تمور به خم�سينيات القرن الما�ضي ،و�سماه
حيث لم تعد بيروت الجنة ال�ضائعة ،بل المنفى. جمال عبدالنا�صر بما تعنونت الرواية به( :جيل
الف�ضاء المجبول وبعد ،فقد يبدو الف�ضاء الروائي في الروايات ال��ق��در) .وه��و الجيل ال��ذي �سي�شعل رواي��ة (ثائر
بالتاريخ وال�شخ�صية الأربع ع�شرة ال�سابقة قاب�ض ًا ،ولي�س فقط في زمن محترف) �أي�ض ًا ،وفيها ي�ؤوب الثائر (كريم) �إلى
الحرب .غير �أن ما يظل ينب�ض في هذه الروايات، بيروت ليت�أمل حياته من ثورة �إلى �أخرى ،وتكون
كما في مدونة بيروت الروائية ،ما كان منها من بيروت كما كل لبنان فيما زلزله عام (1958م).
�سوريا �أو من لبنان �أو غيرهما ،هو قيامة بيروت وقد ذهب الفيل�سوف ال�سوري الراحل �أحمد حيدر
من رماد ج�سدها ،لأنها العنقاء. (2007 - 1928م) قبل �ستين �سنة �إل��ى �أن
وال�شرا�سة ،و�سفك الدماء ،وانتهاك الحرمات حتى لعل من �أهم مالمح تجربة فركوح ال�سردية،
حرمة الموت. �أن��ه يكتب كتابة واع��ي��ة ب��ذات��ه��ا ،فهو يختار
�أما الأهم في هذه الكتابة التجريبية ،فهو بق�صدية متعمدة التجديد في �شكل الكتابة،
كيف يبتكر فركوح �شك ًال جديداً ل�سرد التجربة ولغتها ،ور�ؤيتها ،بينما يطرح ب�شكل �ضمني
تجربته تدخل الغائرة في العمق ال�سحيق للنف�س الب�شرية، �أحيان ًا ،وب�شكل ظاهر �أحيان ًا �أخرى ،مثل ق�صة
في مجال التجريب و�أن يعبر عنها بكتابة مختلفة ،مت�أنية ،كا�شفة (�أ�سرار �ساعة الرمل � ،)1991س�ؤال الكتابة حول
للحقائق الخافية ،التي يج�سدها من خالل ر�ؤية كيفية توالد الحكايات ،وهل تتوالد في ذهن
الفني الم�شغول
خا�صة ،م�ستمدة من الواقع ،لكنها تحمل الكثير الكاتب مما كان� ،أو مما يعي�ش� ،أو مما يحلم به،
بوعي و�إتقان لحرفة من المرارة ،والوعي ال�شقي ،والغ�ضب المكتوم، ممتزج ًا في كل الأحوال بالخيال؟ وهل هذا هو
الكتابة و�أ�سرارها والغرائبية ،بينما تكمن في الخلفية مناخات الذي ي�شكل كيمياء الن�ص الخا�صة التي تختلف
القمع المعلن والخفي ،الظاهرة والمتوارية خلف من كاتب �إلى �آخر؟
الأقنعة. ي��رى محمد دك���روب� ،أن الحكايات لدى
�إن ال�سرد ينقلب لديه من ت�سجيل حدث واقعي فركوح (�إذ تنكتب ،ف�إنها تتوالد لحظة كتابتها،
بظالله �أو ذكرى م�ستعادة �أو حلم كابو�سي �أو م�شهد ك�أنما ال��رواي��ة ���ص��ارت ه��ي حكاية نف�سها)،
غرائبي� ،أو مقتطفات من �أخبار �صحافية �سيا�سية وي�ضيف؛ �أن كتابة ف��رك��وح ت��دخ��ل ف��ي هذا
�أو يوميات ومذكرات� ،إلى ت�شكيل �سردي مبتكر، الن�سيج من الت�سا�ؤالت والإ�شكاليات التقنية
لديه قدرة فائقة يحمل �صفات هجينة من �أنواع الفنون ،تمتزج فيه الحياتية ،وتطرح علينا ،وعلى نف�سها ،ت�سا�ؤالتها
على الغو�ص في الكتابة باللوحة الت�شكيلية ،وال�صور الفوتوغرافية، و�إ�شكالياتها ،كما تدخل بهذا �أي�ض ًا في مجال
�أعماق النف�س وف��ن ال��ك��والج الب�صري ،وال��ن��ح��ت .ولعل �أب��رز التجريب الفني ،الم�شغول بوعي ،و�إتقان لحرفة
الب�شرية وك�شف ن�صو�ص فركوح في هذا ال�صدد (غريق المرايا) الكتابة و�أ�سرارها� .إنها كتابة تحتفي كما يقول
( )2017حيث تترا�سل الفنون على نحو ي�شكل �إدوارد خراط (بنظرة الن�ص �إلى ذاته في مر�آة
المناطق المعتمة ما ي�شبه التنا�ص في الكتابة الأدبية ،حين يحيل الن�ص نف�سها) ،وهو ما يعرف بـ(ميتافك�شن) �أو
فيها ن�ص ًا ما �إلى ن�ص �آخر ب�صورة وا�ضحة �أو خفية، ما وراء الق�ص.
لكن الإحالة هنا تكون �إلى فنون ب�صرية ،تتداخل �سمة �أخ ��رى ب ��ارزة ف��ي كتابات فركوح،
مع بع�ضها بع�ض ًا ،كما تتداخل مع تفا�صيل الواقع يلتفت �إليها فخري �صالح ،هي قدرته الفائقة
المعي�ش ،والفل�سفة ،والتاريخ ،والأ�سطورة. على الغو�ص في �أعماق النف�س الب�شرية ،وك�شف
المناطق المظلمة المجهولة الكامنة ،والمحركة
للفعل الب�شري على الرغم من خفائها.
�إن فركوح ،ال يكتفي بر�سم المالمح الدقيقة
ل�شخو�صه الروائية والق�ص�صية� ،سواء الج�سدية
�أو النف�سية �أو االجتماعية ،لكنه يغو�ص عميق ًا
ف��ي م��ا يعتمل ف��ي دواخ��ل��ه��م م��ن ���ص��راع��ات،
وتمزقات ،وانهيارات ،ظاهرة �أحيان ًا ،ومموهة
�أحيان ًا �أخ��رى ،لكنها فاعلة في كل الأوق��ات،
وذل��ك بو�صفهم نماذج تعاي�ش الواقع العربي
بت�صدعاته المتتالية ،وانعكا�ساتها على ما يعتمل
في وعي الفرد ،و(ال وعيه) �أي�ض ًا ،في�صير نهب ًا
لأ�شكال القمع المجتمعي على نحو ما يتبدى في
تفا�صيل الحياة اليومية ،الواقعة بدورها تحت
�سطوة االنك�سارات على الم�ستوى العام ،وا�ستبداد
الأعراف ال�سائدة با�سم التقاليد تارة ،وبا�سم من
ينتحلون �سلطة تف�سير المقد�س والمدن�س تارة
�أخرى ،حتى �إن الفرد يبادر �أحيان ًا �إلى الم�شاركة
في قمع نف�سه بنف�سه ،خوف ًا �أو جبن ًا ،نتيجة
غياب الوعي .وفي هذا ال�سياق تنفلت الغرائز
البدائية من عقالها ،وتغو�ص ال��ذات ،دون �أن
تدري ،في جحيم ال�شهوات الوح�شية ،والعنف،
من م�ؤلفاته
اتخذها بع�ض الأدب��اء والفال�سفة لإعادة ي��ب��دو �أن ال��ع��زل��ة ه��ي �أك��ث��ر الأ���ش��ي��اء
االعتبارية للذهنية ،ل��ل��ذات التي تن�شد �إمتاع ًا في ع�صرنا الحالي ،ويبدو �أي�ض ًا
�أدب ال�سكون �أو ال�صمت هو الف�ضيلة ،وتبحث عن اليقين والبرهان ،في �أنها يمكن �أن تكون دافع ًا لإيجاد �أدب
�أدب عالمي معروف وو�سيلة زمن تف�شت فيه �أوبئة كبرى مثل :الكذب، ال�سكون ،ال�صمت� ،أدب الهدوء ،والولوج الى
اتخذها الأدباء لتطهير ال��خ��داع ،ح��ب ال���ذات ،التعالي وغيرها عالم الذات عبر مجتمعات �أ�صبحت العزلة
الذات من الأمرا�ض والأوبئة االجتماعية التي فيها ح�صافة ،والبعاد حكمة ،وال�صمت
تطاول كورونا ،فهي �أكبر من الطاعون، بالغة فوق البالغة المعروفة.
والكوليرا وكورونا وغيرها. ولعلنا نلوذ بال�صمت ،بالجلو�س في
هاربين من كوليرا� ،أو من كوفيد� ،أو من ن��ع��ود ال��ى �أدب االع ��ت ��زال� ،أدب��ي��ات��ه ال��م��ن��ازل ،باالبتعاد ع��ن مخالطة الكل:
ط��اع��ون ،ب��ل ك��ان��وا ه��ارب��ي��ن م��ن ال��ذات وفوائده ،فهو كال�صمت ف�ضيلة كبرى ،وهو الأ�صدقاء ،الأع ��داء( ،الأع��دق��اء) ،وتجيء
�إليها ،ومن المجتمع �إليه ،ومن الواقع �إلى �أحد �أنواع النظر والت�أمل في الكون والعالم ك��ورون��ا لتفر�ض العزلة الق�صرية على
عوالم متخيلة ،مبتغاة ،لذا كانت المدينة وال��ح��ي��اة ،وه��و خرقة ال�صوفي ،وب��ردة العزلة االختيارية التي ي�صنعها الكاتب �أو
الفا�ضلة عند �أفالطون مدينة مثالية ،مثل المحبين ،وبالغة الحكماء والفال�سفة. ال�شاعر لنف�سه ،فهو ينف�صل عن المجتمع -
الجنة والفردو�س الأع��ل��ى :كل في �شغل ومن فوائد و�أدب��ي��ات العزلة التوقف مع ظاهري ًا -لكنه متوا�شج معه في ق�ضاياه،
فكهون ،ولكننا اليوم :كل في �شغل وحيرة، النف�س ومحا�سبتها ،والوقوف �إلى مو�ضع ومع ذلك ال ي�شارك ،ي�صمت ،يتابع ،وهو
هلع من مجهولية الموت والمر�ض ،عبر يقيم فيها ذاته ،ويقوم ما قدم للإن�سانّ ، ف��ي برجه العاجي ال��ذي ابتناه نا�شداً
كمامات التقية ،وعبر مالحقة الف�ضائيات اع��وج ف��ي حياته و�سلوكياته ،يحا�سب الهدوء ،واالختالء مع الذات.
لمتابعة �أخبار المر�ض العالمي الكوني: نف�سه ،ويعيد برمجة عقله و�سلوكياته �إن �أدب ال�سكون� ،أو �أدب ال�صمت،
�أعداد الم�صابين ،حاالت الوفيات� ،أخبار الم�ستقبلية ،ويقيد ذاته ليكبح جماحها، ه��و �أدب عالمي م��ع��روف ،وه��و و�سيلة
م��ن ت��م ح�صرهم ،و�أ���ص��ب��ح ال��خ��وف هو وليقرر ما يريد وما ال يريد ،وما يلزم وما
الم�سيطر على الفرد والمجتمع والكون ال يلزم ،ففي ال�صمت بالغة ال�س�ؤال ،وقوة
والحياة ،ولم نرجع �إلى الخالق كي ننجو االحتمال ،والركون الى الهدوء وال�صفاء من فوائد العزلة التوقف
برحمته ،وكي تتفتح لنا الطرق ون�سعى النف�سي المن�شود. مع النف�س ومحا�سبتها
�إل��ى ال�سالم النف�سي ،وال��ه��دوء المن�شود، لقد �أنتج الكتاب الكبار ابداع ًا �إن�ساني ًا وتقرير ما تريد وما ال
وال�سالم النف�سي واالجتماعي. لا ،وه��م ف��ي عزلتهم ،ول��م يكونوا ه��ائ� ً تريد
النجاة من
ُحرفة الأدب د .حاتم ال�صكر
من ت�سا�ؤالت �أجاب عنها غيالن ،ا�ستوقفني لطالما �ضج الأدب����اء وال��ف��ن��ان��ون عبر
���س ��ؤال ع��ن تف�سير ات��ج��اه غ��ي�لان للدرا�سة التاريخ بال�شكوى مما ي�صيبهم في حياتهم
العلمية وعمله مهند�س ًا ،خالف المتوقع من م��ن �ضنك و�ضيق .وق��د ت��ن��وع ذل��ك العنت
ابن ل�شاعر عربي� ،أ�سهم في تجديد الق�صيدة، والتهمي�ش من مجتمعاتهم و�سلطاتها النافذة،
و�صارت له في ال�شعرية العربية مكانة بارزة، لي�شمل ح�صار �إبداعهم �أو م�صادرته ومنعه،
بل تخطى عمله وطنه والبالد العربية ،وغدا ومالحقتهم بعد قوله �أو ن�شره ،ثم ت�أتي �سلطة
�شاعراً معروف ًا في العالم ،عبر ترجمة �أعماله، العرف نف�سه ،حيث ينالهم من اعترا�ضات
وما ُكتب من درا�سات �أكاديمية ونقدية حول مجتمعهم على �أفكارهم وتجلياتها الن�صية،
�شعره� ،أجاب غيالن ب�أن ما دفعه للدرا�سة �أو تعامله معهم بدون ما ي�ستحقون.
�أ�شد ما يتعر�ض له العلمية بعيداً عن الأدب ،هو ما جرى لوالده لكن �أ�شد ما تعر�ض له الك ّتاب والأدب��اء
في حياته من �شظف العي�ش والتهمي�ش ،وما ف��ي حياتهم ه��و �سلب حقوقهم الفكرية،
الك ّتاب والأدباء �صرح بها في ق�صائده،ناله من ظلم و(ق�سوة) ّ وتجاهل �أو�ضاعهم ،ودفعهم �إلى االفتقار،
هو �سلب حقوقهم ي�شخ�ص هذه الق�سوة
بل جعلته ت�أثراً وغ�ضب ًا ّ وحرمانهم من �أي تميز �أو تعامل ع��ادل..
الفكرية حتى لدى �أهله وحبيباته .ربما لم يكن توجه ف�ض ًال عن المظالم التي وقعت عليهم ،فلم
غيالن للعلم اختياراً واعي ًا ب�شكل متكامل في ينالوا �أي تكريم م�ستحق ي�ضعهم في الذاكرة
حينه ،وال �صادراً عن �إدراك ت��ام ،لكنه في الوطنية لبلدانهم ،عبر تخليدهم في ن�صب
دالالته يرينا هول ما ي�صيب المبدع والمفكر وتماثيل منا�سبة ،واعتماد �أماكن درا�ستهم
في �أوطاننا؛ يناله الحيف ،وتحاربه ال�سلطة وعي�شهم �أماكن تذكارية ترعاها الم�ؤ�س�سات
والمجتمع لتحرمه م��ن وظيفته ،وتراقب ون�شرها� ،أو �إحياء
وجمع م�ؤلفاتهم ْ الثقافيةْ ،
نتاجه ،وال يتلقى من مجتمعه ما ينا�سب ذكراهم ودرا�سة �أعمالهم؛ و�سوى ذلك من
جهده ،وتذهب حقوقه نهب ًا لج�شع النا�شرين �سبل االحتفاء المعنوي بهم ،ما يمكن �أن يعد
وهو�سهم بالبيع والت�سويق. احتفاء بالثقافة والفكر ،وت�شجيع الأفراد على
ل��م ي��ن��ل ال�����س��ي��اب خ�ل�ال رح��ل��ة حياته االحتذاء بهم.
و�سجن
ٌ مبكر
ٌ يتم
الق�صيرة �إال العذاب والعناء؛ ٌ تلك �أفكار عادت لت�شغلني ،و�أنا �أتابع ندوة
وف�ص ٌل م��ن الوظيفة ،وم��ر���ض ل��م يجد من تفاعلية �أقامها برنامج (كتاب مفتوح) ال�شهر
ي�شفيه منه ،وعداء من رفاقه ،وتهم وت�صغير الما�ضي ،وكان ال�ضيف على مدى حلقتين هو
و�شائعات تم�س حياته ال�شخ�صية ،ف�ض ًال غيالن االبن الأكبر لل�شاعر بدر �شاكر
عن وطنيته .يذكر غيالن �أن �أ�سرته لم تكن ال�سياب .ومن �ضمن ما طرح في الندوة
الخالفة التي ن�ش�أ فيها ،وتج�سدت الرفاهية م�ستقرة في �سكن ،وعا�شت في بيوت م�ؤجرة
في ت�شبيهاته و�صوره ،لكن ال�شعر لم ي�ؤهله �أو حكومية� ،سرعان ما ُطلب منهم مغادرتها
للخالفة و�أطيح به ،وثمة من ا�ضطرتهم الفاقة بعد وفاة والده.
و�أدركتهم الحرفة فعمدوا �إلى االنتحار� ،أو �إلى م�س حياة ال�سياب وك��ان الإه��م��ال ق��د َّ
هجر الكتابة والت�أليف .وق��د و�صلت ب�أبي كلها ،وانتهى به الأمر متنق ًال بين م�ست�شفيات
غيالن بدر �شاكر حيان التوحيدي حال ال�ضيق �أنه �أحرق كتبه العوا�صم حتى مات غريب ًا .وليته �سلم من
ال�سياب اتجه �إلى في عملية انتحار رمزي احتجاج ًا على ما الظلم والعنت بعد موته ،فبح�سب ما قال
الدرا�سة العلمية قوبل به من رف�ض وتهمي�ش .فقال في ر�سالة (غ��ي�لان) ،عند طبع �أع��م��ال��ه الكاملة بعد
بعيداً عن معاناة �أبيه جوابية �إلى من المه على حرق كتبه� ،شاكي ًا �سنوات من وفاته ،لم تت�سلم الأ�سرة الحقوق
الأدبية والحياتية مما لقيه (كيف �أتركها لأن��ا���س جاورتهم المن�صو�صة في العقد مع الدار النا�شرة� ،إال
ع�شرين �سنة ،فما �صح لي من �أحدهم وداد؟ بعد �سنين وبتدخل ر�سمي من وزارة الثقافة
وال ظهر لي من �إن�سان منهم حفاظ ،ولقد توا�ص َل ن�شر الطبعات الالحقة، َ العراقية ،كما
ا�ضطررت بينهم بعد ال�شهرة والمعرفة في من دون الوفاء ب� ّأي من م�ستحقات الأ�سرة،
�أوقات كثيرة� ،إلى �أكل الخ�ضر في ال�صحراء، كما هو معتاد في �أعراف �إعادة الن�شر.
و�إلى التكفف الفا�ضح عند الخا�صة والعامة). مقاالت كتبها ال�سياب في حالة توتر
وتمثل ه��ذه الر�سالة عندي دف��اع� ًا عن وت��ج��اذب م��ع الآخ��ري��ن ،ن�شرتها دار ن�شر
المحروفين والمعذبين في زمنهم ،وو�سط معروفة دون ا�ستئذان م��ن ورث��ة ال�سياب،
من ال ي��ق��درون عملهم ،ويتركونهم للفاقة ودون عقد يو�ضح الحقوق بال�ضرورة..
التي �أجبرته وهو في العقد العا�شر من عمره مقاالت لم ين�شرها في كتاب ،خالل حياته
دور ن�شر �شهيرة وبعد م�ؤلفاته الكثيرة في الفل�سفة والأدب لمعرفته بظرفيتها والت�شنج المختفي بين
ت�صدر نتاجات وداً من �أحد. �أن يتغذى بالكفاف ،وال يجد ّ طياتها ..ت�صبح كتاب ًا يتداوله ق��را�ؤه ،حتى
الأدباء بعد رحيلهم وتنب�أ في ثنايا الر�سالة ،بم �ستناله كتبه لو دون مراجعة و�إي�ضاحات بال�سياق الذي
دون ا�ستئذان من حافظ عليها وتداولها من �سيجهلون مبتغاه كتبت فيه ،ون�شرت في ال�صحافة في �أوج
فيها ،ويحرفون كالمه �أو ي�سيئون قراءته. اختالفه مع الآخرين ،واالندفاع في �صياغة
ورثتهم فالتوحيدي لم ير من معا�صريه �إال �أنا�س ًا �أفكاره ب�شكل حجاجي ،ممتثل لوقائع طارئة
ال ي�أبهون به برغم معرفته و�شهرته ،ويزيد ذات ُبعد �شخ�صي غالب ًا.
لالئمه (�إن العلم -حاطك ِ حجة ثابتة بقوله تناول غيالن ،ما ارتكبه النا�شرون ،ال
اهلل ُ -يراد للعمل ،كما �أن العمل يراد للنجاة). �سيما في المواقع الإلكترونية و�سواها من
وهذا ما لم يوفره له علمه وال عمله فيه فلم �أخطاء في �سيرة ال�سياب ،و�إ�شاعة قناعات
ينج من حرفة الأدب..
ُ لي�ست حقيقية كالمبالغة في حالة فقره
ولقد �أدركت الحرفة ك ّتاب ًا و�شعراء كثراً، مث ًال� ،أو الحديث عن عالقاته العاطفية ب�شكل
ف�أكلت �أعمارهم ولم تدعهم يكملون م�شروع م�سيء ل�شخ�صه ،بل ذكر �أن بع�ض المطبوعات
لي�س ال�سياب حالة حياتهم ويوا�صلون نتاجهم ،بل تابعهم الغبن ت�ضمنت �أخطاء في ال�صياغة ،لي�ست في �أ�صول
نادرة فقد تعر�ض حتى بعد وفاتهم ..ولي�س ال�سياب حالة نادرة، الق�صائد ،كما يعرف الجميع.
الكثير من ال�شعراء فقد تعر�ض كثير من �شعراء التجديد والحداثة وك��ان حديث غيالن عن توجهه العلمي
للحرفة والفاقة ،ونالهم العناء والمر�ض، ي�شخ�ص حرفة الأدب التي �أ�صابت والده،
والأدباء للعناء فذهبوا وفي نفو�سهم غ�صة مما الق��وه من والتي تحدثت عنها كتب التراث ،والحرفة
والمر�ض والفاقة جحود ..والأخطر �أن يكون ما نالوه �سبب ًا في التي عنها يتحدثون لي�ست المهنة �أو الميزة
تنفير الآخرين من الأدب و�أ�سبابه ،كما �صرح الحرفةالوظيفية والمهارة ،بل هي رديف ُ
غيالن .وذاك قريب مما قاله �أبو تمام حين (ب�ضم الحاء) التي تدل على الب�ؤ�س والحرمان
�شكا من �أنه لم (يدرك) ما ابتغى لأنه (�أدركته والتعا�سة ،وقد روي في مقتل ال�شاعر عبداهلل
حرفة الأدب) ،الهي ًا بالجنا�س البديعي الذي بن المعتز �أن النا�س قالت قتلته حرفة الأدب
و�سم �أ�سلوبه عن الم�صير الذي القاه بديع لأن��ه تولى الحكم ليلة واح��دة .واب��ن المعتز
�صوره و�ألفاظه وفكره و�أ�شعاره. لم تفقره الحرفة بل كان مرفه ًا في ق�صور
ف�ؤاد قنديل..
روح �شفافة محبة للأدب والفنون
ب���د�أ م�سيرته الأدب ��ي ��ة ف��ي منت�صف
ال�ستينيات ون�شر الق�ص�ص والمقاالت كان متمكن ًا من �أدواته ولغته ويعزف على �أوتار الكلمات
في معظم المجالت وال�صحف الم�صرية بمهارة ،تمنح �سطوره عذوبة و�شجناً ،وقد جعل قلمه
والعربية� ،سافر على نفقته الخا�صة �إلى �سفير ًا للب�سطاء والمهم�شين ،يحلم معهم ويحلم لهم،
ع�شرين دول��ة؛ من اليابان وال�صين �إلى يطارد الكلمات ليقتن�ص �صور ًا لم تخطر على بال� .إنه
�أمريكا للتح�صيل الثقافي والمعرفي .كانت
الأدي��ب ف�ؤاد قنديل ،الذي تخبرنا �سيرته الذاتية �أنه
لقنديل روح محبة ل�ل�أدب والفن ،عا�شقة ناجي العتري�س
للب�شر والحياة ،متطلعة �إلى الجمال ،الذي ول��د في (� 5أكتوبر )1944في م�صر الجديدة لأ�سرة
معو ًال في
هو هدف لكل فكر وفن و�أدب؛ ّ تنتمي لمدينة بنها بمحافظة القليوبية ،وح�صل على لي�سان�س الآداب ق�سم
تغير �سلوكيات الب�شر �صوب هذا الجمال ُّ الفل�سفة وعلم النف�س من جامعة القاهرة .وعمل منذ عام ( )1962في �شركة
على المثقفين الملهمين ،وذلك حتى ت�صبح م�صر للتمثيل وال�سينما ،ثم انتقل عام (� )1977إلى الثقافة الجماهيرية،
الحياة جديرة ب�أن نحياها .وكانت تن�ساب
حيث تولى العديد من المنا�صب الإدارية العليا؛ �أ�س�س الإدارة العامة للن�شر،
في ثنايا �سطوره ،بين الفينة والفينةُ ،جمل
�شاعرية تربت على الن�ص ،فتحيله �إلى والإدارة العامة لرعاية المواهب ،والإدارة العامة لثقافة ال�شباب والعمال.
قطعة من الجمال؛ مهما تناول هذا الن�ص
من مو�ضوعات و�أف��ك��ار ،بعيدة عن الجو
المهي�أ لهذه الدفقات ال�شعرية؛ وهذا لي�س
بم�ستغرب عنه ،فقد ب��د�أ �شاعراً ثم تحول
�إلى الق�صة والرواية ،فاكت�سبت �أعماله تلك
الرائحة ،فحبه الأول يعي�ش معه ويت�سلل
دونما �شعور �إلى �سطوره ،فتقر�أ ك�أنك ت�سمع
(�شدو البالبل) .ذلك (المفتون) ال��ذي ولج
معظم �أبواب الأدب ،م�ستلهم ًا الواقع بعنفه
و�صخبه وق�سوته ليحوله �إلى ن�صو�ص تعين
قارئ �أدبه على موا�صلة وعثاء الحياة.
�آم��ن قنديل ب ��أن دور الأدي ��ب تق�صي
الأل ��م الإن�����س��ان��ي ،والك�شف عنه بمب�ضع
جراح يعرف مواطنه جيداً ،لذا كان يترك
�شخ�صياته ع��ل��ى �سجيتها ك��ي تف�صح
عما تخبئه في دواخلها من خالله .كان
�شاغله ذلك الإن�سان الذي يقترب من حافة
ال�سقوط ،وفي ذلك يقول�( :شاغلي الأوحد
الإن�سان الذي �أ�شعر ب�أنه ُمعر�ض لل�سقوط،
ف�أت�أهب دائم ًا لألحق به ،وكثيراً ما ي�سبقني
وي�سقط ،ف�أ�سجل حالته وا�ستبطن م�شاعره
لأبثها في ن�صو�صي) .عرف �أن الحياة مهما
طالت ف�أمدها ق�صير؛ لذلك انكب على العمل
ب��د�أب و�إ���ص��رار �شديدين يقر�أ ويكتب� .آثر
كانت ت�ساعده على �أن ي�صيب في �أحكامه ع��ا���ش ال��ن��اق��د �إي��ل��ي��ا ح���اوي (–1929
النقدية وتحليالته وت��أوي�لات��ه .ولعل د�أب��ه )2000في ظل �شقيقه ال�شاعر خليل حاوي،
ال��ن��ق��دي وال��ن��ه��ج ال����ذي اخ ��ت ��اره ب��ح��ري��ة، ول��م ي�ش�أ ط��وال حياته �أن يبرح ذل��ك الظل
جعاله ناقداً فريداً ومميزاً عن �سائر النقاد ليخرج �إل��ى �ضوء ال�شهرة على ال��رغ��م من
الأكاديميين و�أ�صحاب المناهج المحددة ،في ذيوع كتبه النقدية ،ال �سيما في الجامعات
معنى االنفتاح على مدار�س نقدية منهجية والأكاديميات .وكان حين ت�س�أله عن نف�سه
عدة ،وعلى تيارات معرفية بعيداً عن االنغالق يتحدث عن �شقيقه ،الذي �آلمه موته الم�أ�ساوي
�ضمن منهج واح��د �أو ر�ؤي��ة نقدية واح��دة. ولبث ي�ؤلمه حتى رمقه الأخير .كان ي�ضع
لم يلتزم في ما وفرادته تنبع �أي�ض ًا من تلك الطوية الأدبية �شقيقه ال�شاعر في المقدمة لين�سحب هو �إلى
كتبه بمنهج ثابت والخامة الإبداعية ،اللتين كانتا تهجعان عالمه الرحب ،عالم النقد الأدب��ي الم�شرع
بل تنقل بين جل فيه .ولم ت�� َأب نزعته الأدبية� ،إال �أن تتجلى على حقول المعرفة ،من فل�سفة وتاريخ وعلم
المناهج م�ستخل�ص ًا في رواي��ات قليلة كتبها في ن َف�س ملحمي، جمال وعلم نف�س.
منها ما يفيده نم عن قدرة في �صوغ اللغة ،وحبك الن�سيج ّ تحل ال��ذك��رى ال��ع�����ش��رون لرحيل �إيليا
الروائي المتين وخلق ال�شخ�صيات التي �شاء ح��اوي ،في مرحلة يعاني فيها لبنان �أ�شد
يحملها الكثير م��ن المالمح والأف��ع��ال ّ �أن لكن هذا الناقد�أزماته� ،سيا�سي ًا واقت�صادي ًاّ ،
ال��ق��دري��ة .ولعل ثقافته الوا�سعة و�إج��ادت��ه يظل حا�ضراً من خالل كتبه التي تربو على
اللغتين الفرن�سية والإنجليزية� ،ساعدتاه في ال�ستين كتاب ًا؛ في النقد الأدب��ي والم�سرحي
االطالع على الآداب ومدار�س النقد العالمية، والفل�سفة والنقد الجمالي ،والت���زال لديه
القديمة والحديثة. مخطوطات ع��دي��دة ل��م ت��خ��رج �إل ��ى ال�ضوء
لم يلتزم �إيليا حاوي ،في معظم ما كتب ومقاالت ال تح�صى ،ما برحت طي الأدراج.
من نقد منهج ًا ثابت ًا ،بل راح يتنقل بين وكتبه التي طالما تناقلها ويتناقلها القراء
متعدد الجذور المناهج م�ستخل�ص ًا منها ما يفيده ،ويخدم والطالب الجامعيون والنقاد على ال�سواء،
والف�ضاءات يلم عمله التحليلي والت�شريحي ،فهو ناقد حر، هي مراجع واف��رة ون��ادرة في الحقول التي
بالفل�سفة وعلم و�أ�صر على �أن يكون ح��راً في ما اختط من تطرقت �إليها بدءاً من ال�شعر العربي القديم،
النف�س والأدب �سبل وطرائق ،هي �سبله وطرائقه التي ا�ستنها وانتهاء بال�شعر العربي الحديث ،عالوة على
بحذاقة ووع��ي ،من تاريخ النقد وحا�ضره، �أبحاث ر�صينة في الأنواع الأدبية والمدار�س
المقارن والأ�سلوبية ومن مدار�سه المتعددة .وكان يدع الن�صو�ص والم�سرح العالمي .ولعل �أكثر ما يميز نتاجه
�أو الكتب والق�ضايا المطروحة للنقد والتحليل، النقدي ،تلك ال�سال�سة في الأ�سلوب وال�سهولة،
تختار تحت مجهره المنهج ال��ذي يالئمها، التي تخفي مرا�س ًا �صعب ًا ،والح�صافة التي
ل��م �أع ��رف ن��اق��داً عا�ش ف��ي الظل مثلما فيعمد �إل��ى م�ساءلتها وتحليلها ونقدها،
ع��ا���ش �إي��ل��ي��ا ح� ��اوي ،ب��ع��ي��داً م��ن الأ���ض��واء م�ستخدم ًا طرائق عدة ،بغية ا�ستنباط الأحكام
والإع�ل�ام وال�صحافة .وكانت ت�صدر كتبه الدقيقة.
ف�ضل العي�ش في من غير �ضو�ضاء �أو متابعة �صحافية ،فال وكان �إيليا حاوي ناقداً متعدد الجذور
الظل بعيداً عن هو ك��ان يعمد �إل��ى ترويجها �إعالمي ًا ،وما والف�ضاءات ،يلم بالفل�سفة �إلمامه بعلم النف�س
الأ�ضواء والإعالم كان ال�صحافيون والنقاد يت�صدون لها �أو والأدب المقارن والبنيوية والأ�سلوبية� ،إ�ضافة
وال�صحافة من غير يكتبون عنها ،علم ًا �أن بع�ض ًا من كتبه ،كانت �إلى اعتماده ال�سيرة والنقد الأدبي القديم �أو
بمثابة الأحداث النقدية ،وخ�صو�ص ًا تلك التي الأ�صيل الذي تلقنه على الآمدي وابن قتيبة
�ضو�ضاء
تناول فيها �أعالم الم�سرح في العالم ،قديمه و�سواهما ..ولم يكن ي�شعر ب�أي ت�شتت منهجي
وحديثه .كتابه مث ًال عن �صموئيل بيكيت، مادام هو قائد ال�صنيع النقدي ،يعرف كيف
هو من �أهم ما كتب عن الم�سرحي الرائد في ي�ستعين بمنهج دون �آخ ��ر� ،أو يعرف متى
الوطن العربي .ويمكن �إدراج��ه �أي�ض ًا �ضمن ينبغي له �أن يلج�أ �إل��ى طريقة نقدية دون
الكتب العالمية المهمة التي تناولت رائد �أخرى.
م�سرح العبث .وكذلك كتابه عن �شك�سبير �أو وف ��ي رح���اب ع��ال��م��ه ال��ن��ق��دي ،الأدب���ي
بيراندللو �أو �سوفوكلي�س �أو �أوجين يون�سكو. والجمالي والم�سرحي ،لم يكن من الم�ستهجن
زخرت م�ؤلفاته في وقد زخرت هذه الم�ؤلفات بمرجعيات نقدية �أن يجتمع �شمل ابن الرومي وام��رئ القي�س
�شاملة ،قديمة وحديثة .وفيها ك��ان يرجع والحطيئة والمتنبي و�إليا�س �أبو �شبكة و�أحمد
عالم الأدب والم�سرح �شوقي ونزار قباني وبدر �شاكر ال�سياب وخليل
ح��اوي �إل��ى الم�صادر �أي�ض ًا ،محل ًال ومفنداً
والنقد بمرجعيات ومترجم ًا في �أحيان. ح��اوي و�سوفوكلي�س و�شك�سبير و�صموئيل
نقدية �شاملة قديمة �أما كتبه النقدية التي و�ضعها عن �شقيقه بيكيت و�أوجين يون�سكو ،و�سواهم ممن ي�صعب
وحديثة ال�شاعر الرائد خليل ح��اوي؛ فهي تعد بين تعدادهم ..وقارئه ي�شعر حق ًا ،كلما انتقل من
�أهم الأبحاث النقدية ،التي تناولت �صاحب كتاب �إلى �آخر� ،أنه ينتقل من منهج �إلى �آخر،
لا و�إ���ض��اءة
(ن��ه��ر ال��رم��اد) ،تحلي ًال وت���أوي� ً وم��ن ن�ص نقدي �إل��ى ن�ص نقدي �آخ��ر .على
لأ�سرار ال�صنيع ال�شعري ،الرمزي وال�صوفي �أن وح��دة التجربة النقدية تكمن في اللغة
والفل�سفي ،وك�شف معانيه و�أبعاده ،وكذلك والأ���س��ل��وب ،اللذين يتيحان للقارئ فر�صة
جمالياته الفنية و�إي��ق��اع��ات��ه المو�سيقية التمتع بما يقر�أ .فال جفاف في اللغة النقدية
ونظامه التفعيلي وبنيانه الهند�سي. وال اف��ت��ع��ال �أو ا�صطناع ،وال ن�����ض��وب ،بل
ك��ان �إيليا ح��اوي ق��ارئ� ًا نهم ًا� ،أم�ضى ن�صو�ص نقدية تهدر كالأنهار ،وتطوف كا�سرة
معظم حياته نا�سك ًا �أو �شبه نا�سك ،منقطع ًا الحواجز وال��ح��دود .وال يتوانى ال��ق��ارئ عن
وجد في عمله �إلى القراءة والت�أليف ،مكب ًا على �آلته الطابعة، اال�ست�سالم �إلى التيار الجارف ،الذي يحمله
ر�سالة �إن�سانية التي ظل متم�سك ًا بها في زمن الآالت الحديثة �إلى عالم من الت�أمل والتحليل والكتابة .ف�إيليا
معرفية ف�أم�ضى �أو الكمبيوتر .وفي عزلته النبيلة تلك ،كان حاوي �أديب �أو كاتب ،قبل �أن يكون ناقداً ،بل
�إيليا حاوي �سعيداً ،غير مبال ال بال�شهرة وال هو �أديب وناقد مع ًا ،خبر �إغراء الكلمة و�سحر
معظم حياته نا�سك ًا بالمنا�صب ..ك��ان يكفيه �أن ينهي �ساعات الكتابة .ولعله في عدم ق�صر فنه النقدي على
منقطع ًا �إلى القراءة تدري�سه الجامعي القليلة ،لينكفئ على �أوراقه منهج واحد� ،شاء �أن ي�شبع نهمه الحارق �إلى
والكتابة كاتب ًا بنهم وغزارة .ولم يكن يثنيه عن عمله الكتابة .ولم يكن يخ�شى ،عندما يختار ال�سيرة،
�شاغل �آخ��ر وال ت�سرقه منا�سبة ،فظل طوال �أن تقوده هذه ال�سيرة �إلى غمار ال�سرد ،فكان
�أعوام مكب ًا على حرفته التي كان يجد فيها يكتب وك�أنه يكتب لنف�سه وعن نف�سه ،متقم�ص ًا
ر�سالة �إن�سانية ومعرفية. روح من يكتب عنه.
ليوناردو دافين�شي
عالم وباحث ومخترع وفنان
اهتمام ًا من الزوجة الأولى �ألبيرا ويمكننا �أن ن�صف ه��ذا الفنان العبقري
دي جوفانتي لكنها ماتت عام ب��ـ (عبقري ك��ل ال��ع�����ص��ور)؛ فهو ح��ال��ة فريدة
( )1464بعد �أن انتقلت العائلة وا�ستثنائية لم تتكرر �إنه عالم وباحث وفنان،
ال��ى فلورن�سا ،ث��م ت ��زوج وال��ده ا�ستطاع �أن يقدم للب�شرية اختراعات و�إنجازات
فران�شي�سكا ،التي �أنجبت �ستة و�أبحاث ًا ومخططات و�أعما ًال فنية ،من الم�ستحيل
�أطفال لي�صبح دافين�شي �شقيق ًا �أن ينجزها �شخ�ص واح���د� ،أو حتى ع�شرة
لا ،وبعد وف��اة �أك��ب��ر ل��ـ ( )12ط��ف� ً �أ�شخا�ص ،حتى �إن بع�ضهم و�صفه ب�أنه ع�شرة
وال��ده ح��دث خ�لاف بينه وبينهم عقول في ج�سم واح��د ،وو�صفه �آخ ��رون ب�أنه
حول الميراث ال��ذي تركه الوالد، عبقري التاريخ الب�شري كله ،في فن الر�سم وفي
كما ورث دافين�شي بع�ض الأموال علوم �أخرى مختلفة.
عن جده الذي تولى تربيته. ذاع��ت �شهرة دافين�شي كفنان ل��م يتكرر،
كان ليوناردو دافين�شي �شاب ًا ونالت (الموناليزا) �شهرة �أ�صابت المتابعين
و�سيم ًا لبق ًا ،ولديه القدرة على والخبراء والمحللين بالده�شة ،لكن دافين�شي كان
الإقناع والحديث بطالقة ،يجيد ال يقل عبقرية في علوم �أخرى وفنون �أخرى غير
رك ��وب الخيل وال��ع��زف بمهارة الر�سم ،فهو نحات ومعماري وباحث ومو�سيقي
على الآالت المو�سيقية بجانب وعالم نبات وعالم خرائط وفلكي وجيولوجي،
الغناء� ..أع�سر� ..سريع الت�شتت.. ومخترع ب��ارع ومهند�س وميكانيكي ومحلل
�أج��اد تعليم نف�سه بعيداً عن �أي وباحث في علم الت�شريح الإن�ساني ،و�شاعر
اللوحة الأكثر �شهرة «الموناليزا» ن��وع م��ن ال�سلطة ،وك��ان��ت لديه ومطرب ومبتكر وفيل�سوف ..لقد اجتمعت كل
قدرة على الإبداع ،فكان يهرب من هذه ال�صفات في دافين�شي -ولد ليوناردو دي
درو�س اللغة الالتينية في البداية ،وتعلم القراءة �سير بييرو دافين�شي يوم (� 15إبريل عام )1452
�أ�شهر �أعماله والكتابة والح�ساب من تلقاء نف�سه تقريب ًا، في بلدة �إيطالية �صغيرة (فن�شي) تبعد قلي ًال عن
الفنية (الموناليزا) وع��اد ليتعلم اللغة الالتينية بجانب مفاهيم المدينة بين �أنجيانو وفالتوغتانو ..والده ال�شاب
الريا�ضيات المعتمدة على المنطق والأدب الثري كاتب العدل ،ووالدته كاترينا فتاة من
و(الع�شاء الأخير) والمو�سيقا والت�صوير. العبيد الذين تم �أ�سرهم من �شمال �إفريقيا ،ليعي�ش
وقبل وفاته �أو�صى في عام (� )1466ألحقه والده بم�شغل للفنون دافين�شي حياة غير مكتملة نتيجة فقدان الأم،
بجميع ممتلكاته يملكه �صديقه �أندريا دل فيروكيو في فلورن�سا، برغم اهتمام والده ورعاية الأ�سرة له ،وهو الأمر
لإخوته وللفقراء التي كانت المركز الرئي�سي للعلوم والفن في الذي جعله ال يهتم كثيراً بتعليمه الأ�سا�سي.
�إيطاليا ،وهناك ب��رزت موهبة دافين�شي في ت��زوج الأب ث�لاث م��رات ،ووج��د دافين�شي
غارودي..
المفكر التنويري د .عبدالعزيز المقالح
�أما ال�صورة الأولى لرد الفعل لدى رجال لم ينل مفكر عالمي ما ناله المفكر روجيه
ال�سلطة التقليدية والمال ،فقد اتخذت �شكل غارودي ،منذ �أعلن �إ�سالمه ،ووجد في الإ�سالم
محاكاة الغرب ،واالن�ضمام الفعلي لوحدانية نهج ًا �إن�ساني ًا ،ي�شق طريق ًا جديداً للإن�سانية في
ال�سوق ،تحت القناع الم�ضلل للمظاهر الدينية ع�صرنا الحديث ،وقد اختار المترجم� ،أن يثبت
ال�شكلية المتعلقة بالتفاهات الخارجية. وجهة النظر هذه في مقدمة كتاب غ��ارودي
وفي ال�صورة الثانية نجد مواجهة خيانات (الإ�سالم) قائ ًال( :لي�س هذا الكتاب تاريخي ًا
�صارخة بهذا القدر ،دخلت ال�شعوب بمجموعها للإ�سالم وال تفكيراً مجرداً في الهوته� ،إنه
في مقاومة الأوامر االقت�صادية ،التي فر�ضت كتاب قام على بركان التوترات التاريخية
في تخليد اال�ستعمار القديم ب�أ�شكال جديدة، المعا�صرة ،التي ي�شكل الم�سلمون محورها
مع ما لها من تبعيات �سيا�سية و�صور الب�ؤ�س الأ�سا�سي� .أم��ا تفكيري ،خالل هذه ال�سنوات
االقت�صادي الناجمة عنها. الع�شر الأخيرة ،ف�إن له جذوره العميقة ،في هذه
غارودي وجد في ول��ك��ن مهما يكن رف�����ض ه��ذه النزعات الهزات ،تلك هي الم�صادر العميقة لهذا التفكير،
الإ�سالم نهج ًا �إن�ساني ًا اال�ستعمارية �سلمي ًا ،ومهما تكن رغبة هذه في عظمة الإ�سالم و�صور االنحطاط التي ورط
ال�شعوب في ا�ستعادة هويتها ،رغبة عادلة فيها.
في ع�صرنا الحديث وم�شروعة ،ف�إنها ال تفلح في �إن�شاء م�شروع �أم��ا الهدف ال��ذي ين�شده هذا الكتاب فهو
حقيقي ،خالق للم�ستقبل ،وكل �شيء يتم كما لو ب�سيط؛ فنحن نعتمد على تحليل العظمة
�أن معار�ضة الغرب ال تكون �إال بتقليد الما�ضي، الما�ضية ،التي عرفها الإ�سالم ،باعتباره مبدع ًا
ما�ض �أ�سطوري� ،سابق للهيمنات التي ق�ضت ٍ لمبادرة تاريخية ،وتحليل �أ�سباب االنحدار
عليها. التي �أخ�ضعته ال�ستعمار الأم�س ،واال�ستعمار
ولم تكن عبقرية فقهائنا الكبار ،وال �سيما الجديد اليوم .ونبحث عن :كيف للإ�سالم �أن
�أبو حنيفة وال�شافعي ،تكمن على وجه الدقة في يعود فيجد مكانه في �إعادة تنظيم عالم �صار
االقت�صار على تكرارٍ حرفي للقر�آن الكريم �أو فو�ضى ،وهيمنة للإمبراطورية نا�شرة النظرية
لتف�سيرات القر�آن ،بل على العك�س ،في �أال ُيقر�أ الليبرالية ،والأكثر تدميراً للعالم برمته ،والتي
القر�آن الكريم بعيون موتى ،ولكن بفكر نقدي مردها وجدانية �إله ال�سوق� ،أي المال� .إن ال�صور ّ
وتاريخي ،ون�ستخل�ص منه المبادئ الأبدية، الحالية لرد فعل العالم الإ�سالمي على هذه
التي تكون القواعد الأ�سا�سية لكل مجتمع الفو�ضى بدت غير ناجعة.
�إن كل ه�ؤالء الرجال ،مهما يكن ا�سم الدين �إن�ساني� ،أي �إلهي (ال�شريعة)� ،أي محاوالت
الذي يعتنقونه ،هم ال�شهداء الأحياء على الإله لتطبيق هذه المبادئ على الأو�ضاع التاريخية
نف�سه. الجديدة (�أي الفقه) ..ومثال ذلك� ،أن قوانين
كتابه لي�س تاريخ ًا ويهدف هذا الكتاب فقط �إل��ى م�ساعدتنا الإرث والزواج وحقوق المر�أة و�صور اللبا�س،
للإ�سالم وال تفكيراً نحن بدورنا ،على �أن نكون رج��ا ًال �صامدين ال يمكن �أن تكون واح��دة في مجتمع بدوي،
�ضد وقاحة ال�سادة. ومجتمع زراع ��ي ومجتمع �صناعي .وكما
مجرداً في الهوته وه��ك��ذا يو�ضح (غ����ارودي) ف��ي مقدمته يبين لنا (�أب��و حنيفة) �أن في و�سع الإن�سان
و�إنما في عظمة الطويلة وجهة نظره ،وكما �أ�شارت المقدمة �أن يكون م�سلم ًا ح�سن الإ���س�لام ،في مجتمع
الإ�سالم للدكتورة (جورجيت عطية �إبراهيم) �إلى بع�ض مختلف جداً عن مجتمع المدينة ،ف�إن الأمر
هذه الحقائق عندما قالت في مقدمتها: اليوم بالن�سبة �إلينا ،بعد �أن تبين كيف يمكن
(ي�سرني �أن �أق��دم للقارئ العربي باكورة �أن نعي�ش الإ�سالم ونعبد اهلل في مجتمعاتنا،
�أعمالي كتاب (الإ�سالم) للمفكر والفيل�سوف ال في االنعزال والحلم بعودة �إل��ى الما�ضي،
الفرن�سي الم�شهور روجيه غارودي ،وتلك الثقة بل بالن�ضال مع كل الم�ؤمنين الذين يعتقدون
التي �أوالن��ي �إياها� .إن قلق النا�شر الم�س�ؤول مثلنا �أن للعالم معنى ،و�أن العالم واحد �ضد
ال يقل عن قلق الباحث ال��ذي ي�سعى دائم ًا كل �صور اال�ستعمار ،ينا�ضل فيه الم�سلمون
�إلى الإجابة عن الأ�سئلة المعرفية الكت�شاف والم�سيحيون والبوذيون ،لكي يعطوا كل �إن�سان
الحقيقة ،ذلك �أن اختيار النا�شر لما ين�شر ُيعد مهما يكن لونه و�أ�صله ودينه كل الو�سائل،
في حد ذاته م�س�ؤولية كبرى ،لأنه يعرف ويدرك التي ت�ساعده على تفتيح كل الإمكانيات التي
العقيدة هي طريقة
مدى ت�أثير الكلمة في عقول النا�س ونفو�سهم، يحملها في داخله.
عمل على �أن نظل و�أولها ديمقراطية الحرف والكلمة ،كي نبوح ونحن ال ن�ستطيع �أن نفعل ه��ذا وحدنا،
�صامدين للمواجهة فيها بمكنونات القلب والفكر والروح ،ون�صبها وال�سبب� ،أو ًال ،هو �أننا ال نملك حلو ًال جاهزة
ومجابهة الظلم كتاب ًا ي��دور في مجمل �أب��ع��اده على ق�ضايا لكل م�شكالت زماننا هذا ،ثم لأن هذا الن�ضال
واال�ستبداد الع�صر ويناق�شها ،وق�ضايا الوطن �ضمن البعد هو ن�ضال كل �أ�صحاب العقيدة �أو الم�ؤمنين
القومي والح�ضاري والإن�ساني). بعقيدة ،مهما يكن نوع �إيمانهم ،وال يهمني
�إذاً ،ال بد من ت�سجيل �صدق الموقف في ما يقوله الإن�سان عن عقيدته �أنا م�سلم �أو �أنا
قولنا� ،إن الإ�سالم بعد حقيقي للح�ضارة التي م�سيحي� ،أو هندو�سي ،بل �إن ال��ذي يهمني،
ننتمي �إليها ،فلم ال يكون البدء من هنا؟!. هو ما تفعله هذه العقيدة في هذا ال�شخ�ص.
وكما ق��ال (غ���ارودي) �أي�ض ًا( :لي�س هذا فالعقيدة لي�ست معتقداً ،بل هي طريقة عمل،
الكتاب تاريخ ًا للإ�سالم� ،إنه محاولة لإطالق والعقيدة هي ما يجعلنا رجا ًال يقفون �صامدين
�أح��ك��ام رزي��ن��ة على الأ���س��ب��اب ال��ت��ي كونت ال م�ست�سلمين ،و�أك��ب��ر ج��ه��اد ه��و �أن نقول
�آمن ب�أن الإ�سالم عظمته و�سببت �أي�ض ًا انح�سارات في الما�ضي نبينا.
الحقيقية على ما يقول ّ
والتبا�سات في الحا�ضر� ،إنه محاولة هدفها �إنك تقول �إنك م�سيحي؛ فهل �أنت م�ستعد مثل
ي�شكل البعد تقديم الفكر والحكم الرزين الذي كون عظمته النبي عي�سى لرف�ض الخ�ضوع لقوانين المعبد
الحقيقي للح�ضارة عبر التاريخ .وال��واق��ع �أن الإ���س�لام يمثل من وقوانين المحتل الروماني حتى الموت؟ وهل
التي ينتمي �إليها الناحية ال�سو�سيولوجية ف��ي نهاية هذه �أنت م�ستعد للمقاومة كما يفعل؟ و�أنت تقول
القرن ُخم�س الإن�سانية .فهل الإ�سالم في هذا �إنني هندو�سي؛ فهل �أنت م�ستعد مثل غاندي
المنظور الكلي نذير بتهديد �أم ب�شير بـ�أمل؟ �إلى �إثارة �شعبك كله �ضد المحتل اال�ستعماري.
وهدفنا �أن ندلي في هذه الم�س�ألة بعنا�صر وتقول �إنك م�سلم ،فهل �أنت م�ستعد مثل نبينا
للتفكير واالختيار) .وفي هذه المالحظات التي لمجابهة تجار مكة؟ �أو لقبول النفي كال�صوفي
�ضمنتها المقدمات ،ما يوحي بالجهد العظيم الأندل�سي ابن عربي� ،أو مثل الأمير عبدالقادر
ال��ذي تحمله (غ� ��ارودي) قبل �إ�سالمه وبعد تلميذ ابن عربي ،لمنح حياتك وحريتك في
�إ�سالمه. �سبيل تحرير �شعبك؟
كتاب (عتبات) حيث عد جينيت العنوان �أهم ويبدو �أن ال�شاعر العربي القديم لم يكن
عنا�صر الن�ص الموازي. بحاجة �إل��ى ت�سمية ق�صيدته �أو عنونتها؛
يعدُّ العتبة الرئي�سة ويرى ليو هوك �أن العنوان هو (مجموعة لأن ا�سمها يولد معها� ،إما في المطلع ،و�إما
كلمات وجمل ،وحتى ٍ العالمات الل�سانية ،من القافية ..وق��د ا�شتهرت الق�صائد العربية
للولوج �إلى الن�ص ن�صو�ص ،قد تظهر على ر�أ�س الن�ص لتدل عليه القديمة بمطالعها ،مثل (بانت �سعاد) �أو
والخطوة الأهم في وتعينه ،وت�شير �إلى محتواه الكلي ،ولتجذب بقوافيها مثل (�سينية البحتري) ،غير �أن
التوا�صل مع المتلقي جمهوره الم�ستهدف)� .إذاً فهو بنية �صغرى ال الإ�شارة �إلى الق�صيدة بمطلعها �أو قافيتها
يمكن ب�أي حال �أن تنف�صل عن البنية الكبرى ال تعطي للقارئ �أو ال�سامع �أي فكرة عن
(الن�ص) التي تندرج تحتها. الق�صيدة� ،إذا لم يكن له �سابق خبرة بها ،وقد
واعتبر العنوان �إلى ٍ
وقت قريب هام�ش ًا ال ال�سنة في ال�شعر العربي �إلى ع�صر �سارت هذه ُّ
يعتبر مفتاح ًا نعبر قيمة له ،وملفوظ ًا لغوي ًا ال يقدم �شيئ ًا لتحليل النه�ضة الحديثة ،حين بد�أت رياح التيارات
الن�ص الأدب��ي؛ لذلك لم يهتم به النقاد ،بل الأدب��ي��ة الغربية تهب على منطقة ال�شرق
به �إلى �أغوار الن�ص تجاوزوه كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى العربي من خالل �أقالم بع�ض المثقفين الذين
ونك�شف مقا�صده التي تحيط بالن�ص� ،إلى �أن جاءت المناهج در�سوا الثقافة الغربية في �أوروبا ،وكان من
المبا�شرة والرمزية النقدية ما بعد البنيوية فخ�صته بقدرٍ كبي ٍر �آثار ذلك ظهور العنوان في الق�صيدة العربية،
م��ن الأه��م��ي��ة؛ واهتمت بتفا�صيل الن�ص وك��ان العنوان في هذه المرحلة ي�شير في
وت�ضاري�سه الإبداعية الفنية كوحدة مكتملة، الغالب �إلى فحوى الق�صيدة ،و�أ�صبح القارئ
بداية بالجانب ال�شكلي ،ثم عتبة العنوان، ي�ستطيع �أن يدرك مو�ضوع الق�صيدة ،الذي
هو ال�ضوء ال�ساطع مروراً بكل تف�صيلة في الن�ص الأدبي؛ حيث �صار جزءاً من مهمة ال�شاعر ،بعد �أن كان من
الذي ينير ظالم �إنها ت�سعى �إلى االنكباب على �أدبية الن�ص مهام القارئ �أو الم�ستمع قديم ًا ،فهو بمثابة
الن�ص وي�ساعد على الداخلية بخالف الجوانب الخارجة عنه، بطاقة تعارف بين الق�صيدة والقارئ يقدمها
واهتمت �أي�ض ًا بالن�ص وعنوانه الذي اعتبرته ال�شاعر قبل الق�صيدة ،فمن الي�سير على
اكت�شاف متاهاته
مكون ًا �أ�سـا�سي ًا ودا ًال من الدوال التي ت�شكل القارئ �أن يدرك مو�ضوعات بع�ض ق�صائد
�أدب���ي���ة خ��ا���ص��ة �أح��م��د �شوقي م��ن عناوينها ،مثل ق�صائد
م�ستقلة ال يمكـن �شوقي (كبار الحوادث في وادي النيل) و(
اال���س��ت��غ��ن��اء �أو نهج البردة) ،ومثل ق�صائد حافظ �إبراهيم
التغا�ضي عنها. (حادثة دن�شواي) ،و(حريق ميت غمر).
وهنا نحاول وق��د اهتم النقاد ف��ي �أوروب���ا بدرا�سة
�أن ن�سلط ال�ضوء كـ(ن�ص) م�ستقل في وقت �سابق جداً ٍّ العنوان
على هذا المكون مقارنة بالنقاد العرب ،ذلك لأن العنوان كان
الأ�����س����ا�����س����ي/ قديم ًا قدم �صناعة الكتب في �أوروبا ،وكان
ال�������ع�������ن�������وان كتاب (الكتب في القرن الثامن) للفرن�سيين
المفتاحي للعمل فران�سوا ف ��روري و�أن���دري فونتانا �أواخ��ر
حافظ �إبراهيم جاك دريدا الفني ،لما ي�شكله �ستينيات القرن الما�ضي ( -)1968باكورة
أولي
من انطباع � ٍّ الإنتاج النقدي الذي يهتم بالعنوان في بحث
ع��ن طبيعة ه��ذا م�ستقل ،كما � ّأن للفرن�سي ليو ه��وك دوراً
ال��ع��م��ل ،ور�سمه �إرها�صي ًا في ت�أ�سي�س علم العنونة ،وذلك
لأف������ق ال��ت��وق��ع عندما كتب كتابيه الم�شهورين (من �أجل
ل� ��دى ال��م��ت��ل��ق��ي، �سيموطيقا العنوان) �أو (عالمة العنوان)،
ي ��خ ��ت ��ل ��ف ه� ��ذا اللذين يعدان من �أ�سا�سيات درا�سة �أ�صول
الأفق في ات�ساعه ونظريات (علم العنونة).
و���ض��ي��ق��ه ع��ل��ى وق ��د ك��ل��ل ج��ي��رار جينيت م��ج��ه��ودات
الم�ش ّكلة
ُ ال��ل��غ��ة �أ�سالفه بالنجاح الباهر المميز حين بنى
للعنوان نف�سه، على ما قدمه �سابقوه ،و�أ�صدر �أول م�صدر
جيرارد جينيت �أحمد �شوقي وت����أت���ي �أه��م��ي��ة حقيقي كامل متكامل في علم العنونة ،وهو
ثقافية وتحدد ق�صديته بم�ساعدة داللتين كون ًا ن�صي ًا ال يقل �أهمية عن
العنوان لكونه ُم ّ
هما :الداللة التجريبية والداللة التاريخية، مكونات الن�ص الأخرى من متن وفكرة يدور
يحمل �أبعاداً داللية وقد حدد جيرار جينيت� ،أربع وظائف للعنوان حولهما الن�ص؛ فالعنوان له دور فاعل؛ حيث
وربما ي�شكل ن�ص ًا ه��ي :الوظيفة التعيينية ،وه��ي التي ُتبرز ي�شكل �سلطة الن�ص وواجهته المرئية للوهلة
موازي ًا هوية الن�ص وانتماءه ،والوظيفة الوظيفية، الأول���ى ،كما �أن��ه الجزء ال��دال من الن�ص،
وه��ي ت ��ؤك��د �أن ال��ع��ن��وان و���ص��ف قبل كل وهذا ما ي�ؤهــله للك�شف عن طبيعة الن�ص،
�شيء ،ووظيف ُة المدلول ،وهي ترتبط والم�ساهمة ف��ي ف��ك غمو�ضه ،ب��ل ي�شارك
بالوظيفة الثانية ،فللعنوان وظيفة م�شارك ًة فاعل ًة في فهم كامل الن�ص؛ وهذا
داللية ف�ض ًال عن وظيفة المدلول؛ ودافع
ٌ يعني �أن العنوان هو مر�آة متن الن�ص،
ن�ص
لأنه ُيعد ن�ص ًا قائم ًا ي�شير �إلى ٍ ّ �أ�سا�سي لقراءته ،ومن ثم ف�إن الأهمية التي
يكتب ،و�أخيراً وظيفة الإغ��راء ،التي يحظى بها العنوان تنبع بداي ًة من اعتباره
ت�ؤكد جاذبية العنوان بالن�سبة �إلى المفتاح الأول في التعامل مع داللة الن�ص،
المتلقي. حيث ال يمكن للقارئ �أن يدخل مغارة كتاب
وقد ظل االهتمام (بالعنونة) مغلقٍ ال يمتلك مفتاحه .العنوان �إذاً هو
في ال��درا���س��ات النقدية العربية ال�ضوء ال�ساطع ال��ذي ُي�ضيء ظالم الن�ص،
وقت قريب، الحديثة غائب ًا حتى ٍ وي�ساعد على ا�ستك�شاف متاهاته ،فهو بذلك
وك� ��ان االه��ت��م��ام م��ن�����ص��ب� ًا على �ضروري �ضرورة الن�ص نف�سه؛ لأنه ال ن�ص
المتن وحده دون نظر �إلى الن�ص من دون عنوان؛ فالمتلقي يدخل �إلى العمل
الموازي/العنوان ،لكن مع انت�شار من بوابة العنوان ،ويوظف خلفيته المعرفية
المناهج النقدية الحديثة ،وانت�شار في ا�ستنطاق دواله وقواعد تركيبه ،وكثيراً
ال��ت��راج��م النقدية المعا�صرة ،ال ما كانت داللية العمل وفهمه ناتجين عن
�سيما الفرن�سية منها� ،أخذ االهتمام فهم عنوانه فهم ًا جيداً؛ لهذا يمثل العنوان
بالعنوان ي ��زداد ،وذل��ك مع بروز اللغوي الأعلى في الن�ص ،وهذه ّ االقت�صاد
اتجاهات ما بعد البنيوية ،وب��د�أ ال�صفة على قدرٍ كبي ٍر من الأهمية.
العنوان يحتل مكان ًة متقدم ًة في وللعنوان وظائف عديدة؛ �إذ يرى كريفل
ه��ذه ال��درا���س��ات م��ن حيث تميزه به ٍو
(�أن للعنوان وظيفة ن�صية؛ لأنه بمثابة ْ
وا�ستقالليته الداللية. يتم الدخول منه �إلى الن�ص� ،إذ ت�ؤطره خلفية
ركزت في بحثها
حول كتاب (�ألف ليلة
وليلة) على ت�أ�صيل
البحث في الإرث
الحكائي وتر�سيخه
في الذاكرة العربية �أثناء تكريمها من عبد النا�صر وثروت عكا�شة
الجهل و�أتعلم ال��دق��ة والمنهجية العلمية، التي طر�أت على الإن�سانية �صياغات جديدة �أو
و�أدركت من خاللها عمق المقولة التي تقول: يعدلها تعدي ًال �شام ًال �إذا لزم الأمر).
العلم ال يعطيك بع�ضه �إال بعد �أن تعطيه كلك. قدمت القلماوي للمكتبة العربية �أعما ًال
�أب��ت القلماوي� ،إال �أن تكون كما تريد، مازالت �شاهدة على مكانتها ور�ؤيتها وعمق
مخل�صة الختياراتها ولر�ؤيتها ولفل�سفتها تحليلها للن�ص والكائن والمجتمع�( ،أحاديث
�أكدت �أن مهمة الناقد ف��ي نه�ضة الإن�����س��ان ،ونه�ضة المجتمع جدتي -ال�شياطين تلهو -ثم غربت ال�شم�س-
�أن يدل وي�شير الم�صري والعربي ،لي�س من خ�لال اختبار �ألف ليلة وليلة� -أدب الخوارج -المحاكاة
ويرينا ما يجب �أن الواقع با�ضطراباته وقلقه في مختبر الذات ف��ي الأدب -ف��ي النقد الأدب���ي -ذك��رى طه
والمجتمع ،و�إنما في مختبر التاريخ ،كما ح�سين) .ف�ض ًال ع��ن ترجماتها المختلفة
نرى اختبرت التاريخ في مختبر الواقع ،فكانت ال��ت��ي ت ��ؤك��د ر�سالتها الأدب��ي��ة والمعرفية
قراءتها للتاريخ عبر الأدب ال لمجرد القراءة والثقافية والإن�سانية .كما تخرج على يديها
والتح�صيل العلمي ،و�إنما لت�ضع هذا التاريخ �أع�لام في النقد والأدب (د.عبدالمح�سن طه
في مختبر الك�شف ،وف��ي مختبر الب�صيرة ب��در -د.عبدالمنعم تليمة -ال�شاعر �صالح
لت�أ�صيل فعل التغيير، عبدال�صبور -الأدي���ب ف���اروق خور�شيد-
ول��ت��ك��ون الكلمة دلي ًال د.جابر ع�صفور).
ل��ل��ج��ي��ل ف� ��ي ت�����ش��ك��ي��ل �أ�ستاذة الأجيال والرائدة في الأدب والنقد
وجوده ،ور�سالة وطنية والن�ضال المجتمعي ،لي�س من �أج��ل حرية
وقومية و�إن�سانية من المر�أة فح�سب ،و�إنما من �أجل حرية المجتمع
�أج��ل رفعة الأم��ة ،فكما ككل ،كان لها الف�ضل في ت�أ�سي�س �أول معر�ض
ترى (�إن �أي �أدب قديم للكتاب في ال�شرق الأو�سط :معر�ض القاهرة
�أو ح ��دي ��ث ،غ��رب��ي �أو الدولي للكتاب في عام ( ،)1967كما �أ�سهمت
���ش��رق��ي� ،أدب �إن�ساني في دفع الحركة الثقافية والأدبية �إلى مقام
ل��ه طاقته التي تم ّكنه الفعل والفاعلية خ�لال ت�سلمها العديد من
من القيام بهذا ال��دور، المنا�صب ال�سيا�سية والثقافية ،لينه�ض
ولكن �أدب �أم��ة بعينها الم�شهد الثقافي على م�ساحة م��ن ال��ر�ؤى
هو الأ�سا�س الأول ،الذي المختلفة ،برهانها على مبد�أ �أن العلم اختالف،
يجب �أن ُيبنى عليه كل تلك الجملة التي كانت حجر الأ�سا�س في تفكير
�صرح لأي �أدب لها بعد الدكتور جابر ع�صفور ،ال��ذي يقول :تعلمت
ذل��ك ،وعلى متانة هذا منها حق االختالف وتعلمت �أن االختالف هو
الأ�سا�س ال �أق��ول متانة �أ�سا�س العلم ..تعلمت كيف �أحترم العلم الذي
البناء كله� ،إنما حياته بدا خلي فلي�س هناك من�صب يفوق العلم الذي
ب�أ�سرها). تحمله نفو�سنا ..وعلمتني �أن �أقلع عن �شجاعة
من م�ؤلفاتها
ت��ن��ق��اد ل��ه��ا ال��ل��غ��ة ط��ائ��ع� ًة والتي ت�سم المجموعة ككل ،وت�ضج بالأ�سئلة
ك��ال�����س��ح��ر .ي��ق��ول ال�����ش��اع��ر: الذاتية التي ي�س�ألها ال�شاعر لنف�سه� ،أو ل�صنوه
(�صبي ح�ضورك.)... ّ ال�شاعر ال��ذي يتلب�سه� ،أو يفتر�ضه ليحاوره،
ف����م����ف����ردة (ال� ���� ��ص� ��ب، وليحملها كل �آماله و�آالمه الما�ضية والحا�ضرة ّ
واالن�صباب) تحيل لفعل مادي وال��ك��ائ��ن��ة والآت���ي���ة ،ف��ي ل��ب��و���س م��ن مخيلة
مح�سو�س ،ولكن ماذا ت�صب؟ مثيولوجية تنم عنها مفردات (الغمر ،الحبر ،رحم
�إنه ح�ضورها� ،أي مجاز ،و�أين؟ الزجاجة ،محاو ًال لملمة �صراخه المكتوم) ،ليبزغ
في ك�أ�س (مح�سو�س مادي)!!! في �صوت الق�صيدة كحكم نهائي :لم تكتمل في
ثم� :ست�سقيه (الح�ضور) وهذا تداع نف�سي فكري الق�صيدة ،وليثبت بعدها في ٍ
(مجاز) �آخر ...ثم ماذا �سي�سقى (مونولوج داخلي) في ختام الن�ص ،ب��أن عدم
ال�شاعر من يديها بعد كل هذا اكتمال الق�صيدة �أف�ضل لجهة ا�ستمرار الحياة،
ال�سكب؟ �إن��ه يطلب �أن ي�سقى ولت�شف ق�صيدته عن مقولة� :إن الق�صيدة ال تكتمل
غيابه ،ولت�أتي ه��ذه الجملة وال ينبغي لها ذلك ،ف�إن اكتملت ماتت وانتهت،
ال�����ش��ع��ري��ة غ��ا���ص��ة ب��ال��ر�ؤى وهذا مناف لكل �شروط الإبداع والحياة..
والإح��االت وال�صور والمجاز، جماليات الن�ص ال�شعري ل��دى ال�شاعر
محلقة على جناح ده�شة ولكن �سلمان( :توليفة النثر) -الوزن ،وكمثال عليها
بهدوء ن��اي ال�شاعر وبوحه، ن�ص (ارتدادات) ،وهو ن�ص مختلف عما تعودته
لأن البوح �أتى �سرائري ًا ذاتي ًا الذائقة والقارئ ،ولعل �أهم ما فيه ،بعد المقوالت
من م�ؤلفاته بنف�س فل�سفي ٍ نف�سي ًا ت�أملي ًا المهمة التي يطلقها ال�شاعر في ثنايا الن�صو�ص،
م�ستوى
ً وثبات وتيرة الن�سيج ال�شعري العالي)، هي التوليفة الفنية المغايرة بين ن�ص نثري
ودالالت و�صوراً بياني ًة ور� ًؤى و�شك ًال ٍ ٍ
ومفردات ون�ص م��وزون ،لت�أتي في ف�ضاء ن�ص متكامل
فني ًا و�إحكام ًا لبناء الن�صو�ص ،ب�شكلٍ يكاد الدار�س المعنى والمبنى :فني ًا ،وحكائي ًا ،و�سردي ًا،
�أو المتذوق عالي التذوق ال يلحظ فيه �أية ثغرة� ،أو ا�ستطاع ال�شاعر تحميلها ما �أراد �أكثر مما لو
هنة� ،أو �ضعف ،بل تجان�س �شبه تام في المحبوك �سكبها في �شكل فني واح��د ،وهي قلما تتوافر
نتلم�س النف�س ال�شعري على طول ن�صو�ص المجموعة ،وهذا من وتنقاد لمن ق�صدها ،وك�أنها على توافق تام
الفل�سفي والنزعة �أجمل و�أبرز ما يميز هذه المجموعة لتكون متوجة م�ضمر مع عنوان الن�ص (ارتدادات).
الت�أملية في متون ل�سني عطاء ومنتج ال�شاعر �سلمان حتى الآن. و(لغة المجاز العالية العابرة للن�صو�ص):
الكثير من ق�صائد ولأتوقف بعد ما تقدم ،عند العنوان نف�سه( :لم والمفتوحة على الده�شة والإح��االت المتعددة،
الديوان تكتمل فينا الق�صيدة) ..والذي كثيراً ما �أحالني، هي ما ي�سم ن�صو�ص المجموعة ككل ،وبالأخ�ص
�أول ما قر�أته �إلى عناوين مماثلة �أو م�شابهة �أو الن�صو�ص الآتية:
مقاربة من الذاكرة ،والتي يوردها كاتب� ،أو �شاعر، (تو�شيحات) :لنت�أمل قوله (في البال �إبريق
بعد مرحلة غير قليلة من تبلور م�سيرته الأدبية يفي�ض بما تعتق ،ك�أ�س �سمارٍ يحاول �أن يطير،
والإبداعية ب�شكل عام ،وبعد كثير من الت�أمل في ونرج�س ْه ،)...وقوله( :في البال ..يا كرزاً يناولني
م�شروعه ال�شعري ،فمث ًال (�أدوني�س) كتب( :الهوية فمي)...
غير المكتملة) ،ومحمد عمران في �أواخ��ر �أيامه هذه اللغة المفتوحة على غير المعتاد من
كتب (ق�صيدة لم تكتمل ،)..ومحمود دروي�ش (ال ال�صور ،والتي باتت �سمة اللغة ال�شعرية والن�سيج
�أري��د لهذي الق�صيدة �أن تنتهي ..)..وغيرها (لم الخا�ص بال�شاعر وحده ،والمفتوحة على �شتى
تكتمل فينا الق�صيدة) ،ولو اكتملت النتهى الإبداع الت�أويالت والتف�سيرات ،ومثل قوله( :حين يبكي
وانتهت التجربة ال�شعرية ،وهذا محال في ال�سيرة على نف�سه ال�صمت) و�س�أقف عند ن�ص (�صبي
الب�شرية والإن�سانية للمبدع.. فادح على لغة المجاز العالية ٍ ح�ضورك) كمثالٍ
بقي �أن نذكر� ،أن المجموعة �صادرة عن هذه؛ ففي هذا الن�ص ،تبرز الغنائية الهادئة
الهيئة ال�سورية للكتاب ،وزارة الثقافة ،في مترف بجمالية ٍ المهودجة على �شجنٍ جميلٍ ْ
مئة وت�سعين �صفحة من القطع المتو�سط ،ت�ضم ٍ
عالية، ٍ
حرفية �شفيفة ،تنم عنٍ ٍ
�شعرية ٍ
لغة
ثمانية و�أربعين ن�ص ًا �شعري ًا. ٍ
�صافية ٍ
رهيفة �شعري متقنٍ ،ون ْف ٍ�س
ٍّ ون�سج
ٍ
محمد عمران
عن البعد المعرفي في الن�ص ال�شعري العربي من بين الأ�سئلة المعرفية التي تطرحها
المعا�صر بالمغرب قائ ًال( :لم يعد المتن ال�شعري ال�شعرية العربية ال��م��ع��ا���ص��رة ،نجد ���س��ؤال
المعا�صر بالمغرب يعرف ح��دوداً في التفاعل المرجعية ،وهو ال�س�ؤال الذي �أثبت جدارته في
مع الثقافة الإن�سانية ،ولم يعد يخ�شى توظيف تو�ضيح خ�صو�صية الق�صيدة وكونية المعرفة.
ما َت َر َّ�سب في ذاكرته من ميراث ح�ضاري �شامل. ف�إذا كان النقاد العرب القدامى ،قد تحدثوا عن
�إن ال�شاعر المغربي المعا�صر تفتح على العطاء هذا ال�س�ؤال انطالق ًا من مفهوم ثقافة ال�شاعر،
الإن�ساني ،وفي الوقت نف�سه انتبه �إلى ما يحيط كما ي�شير �إلى ذلك ابن ر�شيق القيرواني ،في
به من حكايات ،وخرافات و�أح��داث تاريخية م�صدره النقدي ال��ذائ��ع ال�صيت (العمدة في
ون�صو�ص دينية و�شعرية وفكرية ،فدمج كل هذا محا�سن ال�شعر و�آداب���ه) في حديثه عن �أدب
وغيره في بنية الن�ص التي �أ�صبحت معتمدة في ال�شاعر ،ف�إن النقاد العرب المعا�صرين ،قاموا في
تركيبها على �إحاطة ال�شاعر بكل ما يمكن �أن مجمل درا�ساتهم و�أبحاثهم بتحديده في البعد
ي�سهم في بناء عالمه ال�شعري). المعرفي الم�ؤ�س�س على مفاهيم وم�صطلحات
البعد المعرفي وب��ذل��ك ،يتعرف ال��ق��ارئ للن�ص ال�شعري متعددة ،ت�صب كلها في البعد المعرفي المت�أثر
لدى النقاد العرب �إل��ى ك��ل الأ���ص��ول وال��رواف��د وال��م ��ؤث��رات ،من بمجموعة من الأن�ساق الثقافية ،والمكانية،
خالل وقوفه على �س�ؤال المرجعية .فكل حديث واالجتماعية وال�سيا�سية والجمالية؛ لت�صبح
المعا�صرين يت�أثر
عن المرجعية يف�ضي دون محالة �إل��ى الحفر بذلك وظيفة المرجعية من الوظائف التي تك�سب
بمجموعة من ف��ي المكونات الن�صية ،ال��ت��ي ت�ستمد منها الق�صيدة العربية خ�صو�صية هوية ال��ذات ال
الأن�ساق الثقافية موهبة ال�شاعر و�صورها و�أفكارها و�ألفاظها، تكون �إال بها ،ومر�آة االنفتاح على معرفة الآخر،
والفكرية والجمالية وخا�صة بالبحث في التنا�ص والت�أثر والتداخل فهي ا�ستك�شاف لما كان �سبب ًا مبا�شراً في تفاعل
واال�ستلهام .فكم من �شاعر عربي معا�صر ا�شتهر ال�شاعر ،مع تجربته الذاتية والمو�ضوعية ثقافي ًا
بهيمنة مرجعية محددة في م�سيره ال�شعري، وجمالي ًا واجتماعي ًا ومكاني ًا و�سيا�سي ًا.
حتى ُل ِّق َب بها ،وخا�صة المرجعية المكانية، وتعد المرجعية من الو�سائط التي تجمع
ولنا في الخريطة ال�شعرية العربية �أمثلة عديدة بين عملية القراءة ،واال�ستيعاب ،والتفاعل قبل
على ذلك ،فحينما تقول �شاعر المدينة العربية الإب��داع ،وبين عملية الكتابة بو�صفها تعبيراً
مث ًال ،تتم الإ�شارة �إلى ال�شاعر الم�صري �أحمد معرفي ًا عن �أحا�سي�س المبدع� ،إزاء واقعه الر�ؤيوي
عبدالمعطي حجازي ،وديوانه (مدينة بال قلب)، المتعدد .فبوا�سطة البحث فيها ،يتمكن المتلقي
وهو الديوان الذي يتغنى فيه بمدينة القاهرة، من �إدراك الخ�صو�صية الكاملة ،والحقيقية
ليجعلها بنية ت�شكيلية في لوحة (ت�صويرية لل�شعر وعوالم ال�شاعر خا�صة .وهذا ما �أ�شار �إليه
�شاملة ،تزخر بالر�ؤى وال��دالالت)؛ و�إلى �شاعر والم َن ِّظر العربي محمد بني�س ،في حديثه ال�شاعر ُ
المتميزة يمنى العيد قائلة�( :إن الإبداعية الأ���س��ط��ورة مث ًال ،تذهب الذائقة �إل��ى ال�شاعر
العربية بعالقتها بالمكتوب كـ(مرجع) ،هو العراقي ب��در �شاكر ال�سياب ،ال��ذي جعل من
الموروث ،الخا�ص ،والكوني .وبعالقاتها بالحي الرافد الأ�سطوري العربي وغير العربي ،مكون ًا
كـ(مرجع) ،ي�صير مكتوب ًا .بهذه العالقة النقدية رئي�س ًا من مكونات الق�صيدة الجديدة ،وهكذا
خ�صو�صية هوية المزدوجة ،النامية على حد االختالف والنق�ض، دواليك ،وهذا مو�ضوع ي�ستحق الدرا�سة والبحث.
الذات ال تكون �إال تكون الكتابة كتابة معا�صرة ،ويكون القول، �إ�ضافة �إلى ذلك ،فمن مميزات الق�صيدة العربية
في خ�صو�صيته العربية ،معا�صراً ،فخ�صو�صية المعا�صرة عن الق�صائد ال�سابقة ،نجد ميزة
من خالل المرجعية
القول العربي هي خ�صو�صية الموقع ،الذي منه انفتاحها ب�شكل �شامل على مرجعيات عالمية
المعرفية واالنفتاح ينه�ض في هذا الزمن العربي ،وهي خ�صو�صية مختلفة ،لم ي�ألفها القارئ منذ ع�صور َخ َل ْت.
على الآخر العالقة/العالقات التي تنه�ض نقداً بين الموقع ت�أ�سي�س ًا على هذه الفكرة ،كل حديث عن
ومراجعه ن��ق��داً ،تختلف ب��ه الكتابة فتكون المرجعية الغربية ،يكون حديث ًا عن الإحالة
�إبداعا). على المراجع الثقافية والمعرفية التي ك�سبها
فمن الخال�صات التي ن�صل �إليها؛ �إن �س�ؤال ال�شاعر العربي من قراءاته المتعددة للتجارب
المرجعية في ال�شعرية العربية ،قد �أ�سهم في واالتجاهات� ،سواء �أكانت فردية �أم جماعية.
بناء الذات العربية معرفي ًا وثقافي ًا وجمالي ًا، وهنا ال بد �أن نذكر �أن مجموعة من الم�صطلحات
انطالق ًا من خ�صو�صيات تلك الذات ،المنبثقة والمفاهيم النقدية ال�شعرية العربية �أ�صبحت
من ذاكرة تراثية �شعرية باذخةَ ،ق َّل مثيلها في �سائدة في الم�شهد النقدي العربي نتيجة �أثر
ال�شاعر المغربي ذاك��رات العالم ،ومن توظيف داللي وجمالي، المرجعية في ق�صائد ال�شعراء العرب.
ينطلق من م��راع��اة ال�سياق والن�سق ،اللذين لقد نحت النقاد العرب �أف��ك��ار التيارات:
المعا�صر انفتح على يت�صالن وجداني ًا وعقالني ًا بالبنيات الثقافية الكال�سيكية -الرومان�سية -الحداثة وما �شابه
العطاء الإن�ساني والح�ضارية والمجتمعية والجمالية العربية، ذلك ..انطالق ًا من الأثر المرجعي الكامن في �شعر
عموم ًا مع الحفاظ التي كانت وراء الإبداع؛ لينتقي منها ما ينا�سب ال�شعراء .وفي هذه النقطة ،تتحول المرجعية
على ما يحيط به من تجربته؛ �إما متجاوب ًا ومهادن ًا ،و�إما متفاع ًال من ظاهرة الت�أثر والت�أثير �إلى م��ر�آة معرفية
خ�صو�صية وم�شاك�س ًا في الوقت نف�سه ،معلن ًا بذلك عن للخروج من �أَ ْ�سر المحلية وال ُق ْطرية �إلى نطاق
�إ�سهامه بنف�سه في ت�شييد ق�صيدة الذات العربية، العالمية الوا�سع عن طريق �إ���ش��ارات وا�ضحة
ت�شييداً معا�صراً ،ي�ستمد �إبداعيته وفرادته من �أحيان ًا ،وغام�ضة �أحيان ًا �أخرى� ،إلى �أن ال�شاعر
الن�ص العربي بو�صفه (كيان ًا تاريخي ًا يفتح العربي لم يعد �سجين ذاته الثقافية� ،أو �شاعراً
مجراه م�أخوذاً بقديمه وما�ضيه� ،أي ما ت�أ�س�س بالفطرة وال�سليقة ،بل �شاعراً متزوداً بمعرفة
قبله من ن�صو�ص و�إبداعات) ،ومت�أثراً بواقعه الآخ��ر ،وه��ذا لي�س عيب ًا كما راج عند ثلة من
الم�ستنبط من البنيات ال�سيا�سية واالجتماعية النقاد والدار�سين العرب ،لأن ال�شعرية العربية
والح�ضارية والفكرية القديمة والمعا�صرة؛ �أُ ْخ ٌت �شرعية لل�شعريات ال�سائدة في العالم التي
�أ�سهمت المرجعية وم��ن االت�����ص��ال بالثقافات الأخ����رى ،لي�س تمتاح �أفق الإبداعية من �ساللة الت�أثير والت�أثر.
ال�شعرية العربية في لتكرار مكونات تجاربها �أو ا�ستن�ساخ بنيات ومن ثم ،فالعالقة بين مرجعية الذات ومرجعية
بناء الذات العربية م�ضامينها وجمالياتها ،بل لتعميق ال�شعرية الآخ��ر في ال�شعرية العربية ،قائمة على مبد�أ
العربية وجعلها �أكثر �إن�سانية وكونية ،وهي التحاور ولي�س على مبد�أ التقليد .ونعتقد �أن
معرفي ًا وثقافي ًا الغاية التي ا�ستطاع ثلة من رواد ال�شعر العربي المبدع العربي قد عانى كثيراً هذا المبد�أ .لأن
وجمالي ًا المعا�صر الو�صول �إليها ،بحيث ولجت الق�صيدة النقد ترك مرجعية (�صوت) الذات جانب ًا ،واهتم
م�سكن العالمية من باب التعبير الأ�صيل عن بمرجعية (�صدى) الآخ��ر في الن�ص الإبداعي
النف�سية العربية ،بخطابات مختلفة ،تتوك�أ على العربي فقط؛ مع العلم �أن �أكثر المبدعين العرب
مرجعيتين :مرجعية الذات ومرجعية الكونية، تفاع ًال مع الكونية هو �إلى حد بعيد مبدع �أكثر
لت�صبح بذلك ق�صيدة تفر�ض عوالمها على ت�شبع ًا بالذات التراثية من جهة؛ والذات الواقعية
المهتمين والباحثين بكل �أ�صنافهم وميوالتهم، المت�أثرة بالموروث بكل �أ�شكاله و�أنواعه من
مثل باقي ق�صائد الأقطار والأمم في العالم. جهة �أخرى .وهذا ما ت�شير �إليه الناقدة العربية
عزيز �أباظة..
�شاعر كبير القامة والمقام
خ� ّل��ف ع��زي��ز �أب��اظ��ة خم�س مجموعات ول��د ال�شاعر عزيز �أباظة ف��ي(� 3أغ�سط�س ع��ام 1889م) في
�شعرية� ،أواله��ا ديوانه (�أن��ات حائرة) الذي قرية (الربعماية) التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة
ن�شره ف��ي حياته ع��ام (1943م) ،وي�ضم ال�شرقية ،وك��ان وال��ده محمد عثمان �أب��اظ��ة با�شا عمدة في
ق�صائده وبكائياته في زوجته الأولى التي
م�ستهل حياته و�صاحب �أر����ض ،ثم �أ�صبح ع�ضو ًا في مجل�س
رحلت ع��ام (1942م) ،وك��ان��ت ق��د هي�أت
له حياة �سعيدة .وهو �أول ديوان في ال�شعر
�شورى القوانين ،وفي الجمعية الت�شريعية .تفتحت عيونه على
العربي يخ�ص�صه �صاحبه لبكاء زوجته ،وقد خالد بيومي
بيئة �أدبية �شديدة الخ�صو�صية ،ف�أعمامه و�أبناء عمومته،
تابعه في هذا الأمر �شاعران هما عبدالرحمن كانوا ي�سكنون القرى المجاورة لقريته ،وكانت لهم جميع ًا
عناية باللغة والأدب وال�شعر ب�صفة خا�صة ،وك��ان يح�ضر هذه المجال�س �شاعر �صدقي وطاهر �أب��و فا�شا ،وق��د كتب بع�ض
النيل حافظ �إبراهيم ،وال�شيخ عبدالعزيز الب�شري ،ومحمد �صادق عنبر وغيرهم .ق�صائده في م�صر ،وبع�ضها الآخر في مكة
نجيب لقب (بك) ،وفي ال�سنة التالية منح محمود والمدينة حين ق�صدهما حاج ًا �سائ ًال اهلل �أن
تيمور البكوية ب�سبب م�سرحيته (حواء الخالدة). يلهمه ال�صبر ويقوي عزيمته ،ليقوم على رعاية
ولكن ما لبث �أن حدث بع�ض الجفاء ،وقيل �أبنائه بعد رحيل زوجته .ويرى �أباظة� ،أن هذا
�إن �سبب هذه الجفوة م�سرحيته (النا�صر) التي ال��دي��وان يمثل بالن�سبة �إليه حالة من حاالت
�صور فيها �أباظة ف�ساد �أ�سرة حاكمة ،انعك�س على ال�سمو الروحي� ،سواء ر�ضي عنه النا�س �أم لم
البالد كلها. ير�ضوا.
رخية في ولقد �أتيحت لعزيز �أباظة حياة ّ �أما المجموعات الأربع الأخرى ،فقد جمعها
�أ�صدر خم�سة دواوين
ظل �أ�سرة كبيرة مي�سورة ،وتعليم �أو�صله �إلى ون�شرها �صديقه الفنان �أنور محمد ،بعد رحيله
وت�سع م�سرحيات التخرج في كلية الحقوق عام (1923م) وا�شتغل بعام واحد ،وهي( :من ال�شرق والغرب ،وت�سابيح
�شعرية حققت له بالمحاماة لمدة عامين ،ثم التحق بخدمة النيابة قلب ،وفي موكب الحياة ،وفي موكب الخالدين)،
مكانته الأدبية العمومية �سنة (1925م) .عا�ش �أباظة حياة �إ�ضافة �إلى مجموعة �أخيرة �أبدعها في �أخريات
اجتماعية �أدبية حافلة� ،أتاحت له �أن يكون قريب ًا �أيامه وعنوانها�( :إ�شراقات من ال�سيرة العطرة).
من رموز ع�صره من الكتاب وال�شعراء والمفكرين، كتب عزيز �أباظة ت�سع م�سرحيات �شعرية،
�أ�صدقاء �أعمامه ،من �أمثال ال�شيخ عبدالعزيز حققت له مكانة في �إب��داع الم�سرح ال�شعري،
الب�شري ،و�شاعر النيل حافظ �إبراهيم ،ومحمد باعتباره القمة �أو القامة الثانية بعد �أحمد
ال�سباعي ،ومثله الأعلى في ال�شعر و�أ�ستاذه فيه �شوقي ،ال��رائ��د الأول لهذا الفن ال�شعري في
�أحمد �شوقي ،الذي كان يعده خليفة له ،كما كان العربية ،و�صنع �أباظة �صنيع �أ�ستاذه ومثله
ي�أخذ بيده ويوجهه في �سنوات �إبداعه الأولى، الأعلى �أحمد �شوقي في ا�ستلهام التاريخ ليكون
عندما لم�س فيه نبوغه المكبر وموهبته ال�شعرية �إطاراً لم�سرحياته ،وهي :قي�س ولبنى (على غرار
البازغة ،وتمكنه من لغته التي يبدع بها ،ويعبر مجنون ليلى ل�شوقي) ،والعبا�سة ،والنا�صر،
عن �أ�شواقه وخلجات وجدانه؛ نتيجة الطالعه و�شجرة الدر ،وغروب الأندل�س ،و�شهريار ،وقافلة
الوا�سع ،وتمثله لكتابات كبار الأدباء وال�شعراء النور ،وقي�صر� .أما (�أوراق الخريف) فهي م�سرحية
نجح في م�سرحياته القدامى والمحدثين .و�سوف تالزمه هذه ال�صفة ع�صرية.
المميزة (تمكنه من اللغة) ،وخا�صة بعد ح�صوله وفي هذه الم�سرحيات ،يتجاوز عزيز �أباظة
ال�شعرية في تجاوز على ع�ضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الأف���ق ال��درام��ي لأح��م��د ���ش��وق��ي ،وي��ت��ف��وق في
الأفق الدرامي وم�شاركاته في ق�ضايا اللغة والثقافة العربية �إحكام ر�سم ال�شخ�صيات الم�سرحية ،والتعمق
و�إحكام ر�سم طوال �سنواته المجمعية على مدار �أربعة ع�شر في ت�صويرها ،وتحرره من الوحدات التقليدية
ال�شخ�صيات و�سبر عام ًا ،تناول فيها ق�ضايا الم�سرح ال�شعري ،ولغة الثالث :الزمان والمكان والحدث .و�إن لحقت به
�أغوارها ال�شاعر والف�صحى والعامية من زاوية جديدة. وجهت من قبل �إل��ى �شوقي ،وهي التهمة التي ّ
كما قدم درا�سة عن الم�ستعرب الألماني ( �إ ّنو طغيان النزعة الغنائية ،لكن �شوقي يحتفظ
ليتمان) عندما خلفه في ع�ضوية المجمع ،وقد بف�ضل ال�سبق والريادة و�صنع النموذج والمثال.
ا�ستقبله العقاد الذي �سبقه �إلى المجمع بقوله: وقد منح عزيز �أباظة رتبة البا�شوية ،عقب
(�إنه اهتم بالقدرة ولم يهتم بالتقدير ،فلم يعرف ت�أليفه لم�سرحية (العبا�سة) �سنة (1946م) ،وفهم
الرا�صدون هذا الكوكب �إال وهو في برجه الأ�سمى، بع�ضهم �أن الم�سرحية ت�ؤيد حق الملك في الت�صرف
قد جاوز جانبي الأفق ،و�أ�صعد في �سمت ال�سماء). في وزرائه ،وهذا الر�أي بلغ الملك فاروق ،فاهتم
بالم�سرحية لأنه كان قد اختلف مع وزارة الوفد،
وبط�ش بها ،وح�ضر فاورق الم�سرحية وا�ستدعى
�أباظة لمقابلته عدة م��رات ،ويحكي �أباظة في
حواره مع ف�ؤاد دوارة� ،أنه �سمع ب�أذنه النقرا�شي
با�شا رئي�س ال ��وزراء وقتها ،يحتج لأن هناك
وزراء ووكالء لم ي�أخذوا البا�شوية ،فكيف يعطيها
لمدير �أ�سيوط ،ف�أجابه فاروق� :أنا �أمنحه با�شوية
من �أجل الأدب .وبعد �أ�سبوعين �أقيم حفل �شاي
في ق�صر عابدين ،ودعي الفنانون الذين ا�شتركوا
في الم�سرحية ولجنة القراءة ومديرو الفرقة،
عبد العزيز الب�شري محمد عبد الوهاب محمود تيمور ومنحه الملك اللقب ،و�أعطى المرحوم �سليمان
عبدالرزاق الدربا�س:
الم�شهد الثقافي الإماراتي
خ�صب ومتنوع
جبرائيل �سعادة
مبدع متعدد وهو مفرد
�أني�سة عبود
الحرمان من محبوبته دفعه لأن يبذل حبه (�إن الرجل ال��ذي �أمامكم هو عالم �آث��ار،
الكبير باتجاه المعرفة ،ويرهن حياته للآثار ولكن عالم الآث��ار هذا هو �شاعر لأن��ه يع�شق
والأدب وال�شعر والمو�سيقا ،حيث فاز بجائزة وطنه).
الم�سرح عن ن�صه (العا�صي ال ين�سى) في فترة هكذا قدم مدير �آثار فرن�سا وعالم الآثار
الوحدة بين �سوريا وم�صر ع��ام (1960م)، �أندريه ب��اروت الأدي��ب والمو�سيقي جبرائيل
وف ��از بجائزة ال�شعر ع��ن ق�صيدة مكتوبة �سعادة �أثناء �إلقائه محا�ضرته في متحف
بالفرن�سية ،وكتب الق�صة الق�صيرة ون�شر في اللوفر في فرن�سا� .أما في �سوريا فكنا نلقبه
دوريات عربية واجنبية .اهتم بال�ش�أن الثقافي بـ(منارة الالذقية) ،هو ال��ذي يعرفه بحرها
و�أق���ام �أول ��ى دعائمه ف��ي المدينة؛ ف�أ�س�س و�أوابدها و�أبجدية �أوغاريت وقالعها وغاباتها
رابطة ال�شباب ،ثم �أ�س�س النادي المو�سيقي في و�أغ��ان��ي ال��دل��ع��ون��ا وال��ع��ت��اب��ا� ،إ���ض��اف��ة �إل��ى
الالذقية التي كان يحب �أن ي�سميها با�سمها المو�سيقا العربية والعالمية .كان بيته مفتوح ًا
الأوغاريتي (راميتا). لكل الدار�سين والباحثين في �شتى مجاالت
غير �أن��ه تحول ف��ج��أة �إل��ى درا���س��ة �آث��ار العلوم والآداب؛ �إنه جبرائيل �سعادة الذي ولد
لقب بـ(منارة �أوغاريت و�أبجديتها ،بعد �أن وقع في يده كتاب في ع�شرينيات القرن الما�ضي و�أ�س�س للحياة
الالذقية) فقد خبره بعنوان (ر�أ���س �شمرا) �أثناء زيارته لباري�س، الثقافية والمو�سيقية في المدينة ،ثم امتد
بحرها و�أوابدها ما لفت انتباهه �إلى �أهمية مملكة �أوغاريت ن�شاطه �إلى �سوريا كلها ،ومن ثم �إلى العالم،
و�أبجدية �أوغاريت و�أبجديتها ورقمها ومو�سيقاها و�آداب��ه��ا حيث كان يتقن عدة لغات ويكتب ويحا�ضر
�إ�ضافة �إلى تراثها القديمة ،حيث تم العثور على نوتات مو�سيقية بالفرن�سية.
مدونة على رقم فخارية .كان يعتز جداً بتاريخ حين التقيته �أول مرة كانت بت�شجيع من
الغنائي والمو�سيقي
ر�أ�س �شمرا؛ غير �أن البحث في الآثار لم يعقه �أحد الكتاب الكبار الذي ن�صحني بزيارة هذا
عن ت�سلم رئا�سة اتحاد الكتاب في الالذقية، الأديب والباحث ،و�أخذ ر�أيه باعتباري كاتبة
وهو ال�شاعر وكاتب الق�صة ومقدم البرامج جديدة ومن واجبي التعرف �إليه .ومع �أني
الإذاعية ب�أهمية المو�سيقا العربية الأ�صيلة. تهيبت لقاءه وتلعثمت بوجوده� ،إال �أن �صداقة
ك����ان��� ،س��ع��ادة ،ي��ح��ب �أل ��ح ��ان ري��ا���ض �أدبية ومو�سيقية وـــــ (الذقانية) – جميلة
ال�سنباطي والق�صبجي ويعتبرهما �أه��م من جمعتنا وا�ستمرت بيننا.
عبدالوهاب ،وكان عا�شق ًا للتراث المو�سيقي كان مبهراً في ثقافته وجريئ ًا في نقده
الالذقاني بكل �أل��وان��ه؛ ال�شعبي ،والطربي، وق��ول ر�أي��ه .لم يتزوج جبرائيل �سعادة على
ف�شجع الفنانين ال�شباب ولحن لهم ،و�أق��ام الرغم من ق�صة حبه ال�شهيرة لفتاة �سورية ظل
لأجلهم المهرجانات وال��ل��ق��اءات ،كما اهتم يتحدث عنها باحترام و�أل��م .وقيل ظل يحمل
بالجانب ال�سياحي للتعرف �إل ��ى �سوريا �صورتها في محفظته حتى مماته .غير �أن هذا
ل��م يكتف جبرائيل ���س��ع��ادة بالأن�شطة و�أواب��ده��ا وح�ضارتها القديمة ،فكان يطبع
الأدب��ي��ة والفنية والبحث الأث ��ري والبرامج ن�شرات وملخ�صات �سياحية تقدم للزائرين،
الإذاع��ي��ة وال�سياحية ،ب��ل اهتم بالأن�شطة كما كان يقيم الرحالت ال�سياحية �إلى المواقع
الريا�ضية و�أ�س�س نادي ًا ريا�ضي ًا مهم ًا� ،سرعان والقالع الأثرية م�صطحب ًا الأدباء والمو�سيقيين
يتقن عدة لغات ما دمجه مع النوادي الأخرى ،مطلق ًا عليه ا�سم والباحثين.
ّ
وظفها في الكتابة (نادي ت�شرين الريا�ضي) ،ومازال بنف�س اال�سم كان� ،سعادة ،فع ًال منارة للمدينة ي�ضيئها
حتى الآن .وهو مثقف فريد و�شخ�صية نادرة ال بالفن الراقي والمو�سيقا وعلوم الآثار والق�صة
و�إ�صدار الن�شرات يجود بمثلها الزمن دوم ًا� ،شخ�صية تجمع �شتى وال�شعر ،وقد �أ�س�س جمعية راقية �أطلق عليها
والمحا�ضرات الفنون والآداب والمعرفة ،ف�ض ًال عن ت�صنيفه ا�سم (جمعية العاديات) تعنى ب�آثار �سوريا
والندوات حول كعالم �آثار كبير له مكانته الوطنية والدولية، وتاريخها ومعالمها الح�ضارية ،وت�ضم
ع�شقه لوطنه فقد كان يبرمج وقته دقيقة بدقيقة؛ فالوقت كبار الأدب��اء والمثقفين و�أ�صحاب الكفاءات
مقد�س بالن�سبة له ،حيث �إن مواعيده كانت العلمية ،ف�صارت مثل بيت عائلي للمميزين،
مقد�سة وعمله د�ؤوب ال ينتهي ،ما يذكرني حيث يجتمعون ويناق�شون �شتى الق�ضايا
بالروائي الكبير نجيب محفوظ ،ال��ذي كان الجمالية والفكرية في �صالون الندوات ،التي
مثا ًال الحترام الوقت والمواعيد .و�أظن �أن كل كانت تقام في بيت �سعادة الكبير ،الذي تميز
المبدعين الكبار يقد�سون الوقت (لأنه كال�سيف بمكتبته ال�ضخمة المتنوعة ،وبالح�ضور الراقي
�إذا لم تقطعه قطعك). للأع�ضاء وال�ضيوف ،من كل �أنحاء �سوريا
فاز بجوائز �شعرية لم �أزر جبرائيل �سعادة على حين غرة ،على وخارجها.
الرغم من تقديره للمبدع ولل�صداقة ،بل كان ُيحكى �أن �سعادة تلقى هاتف ًا من �سفير
وكتب ون�شر ق�ص�صه علي �أخذ الموعد الم�سبق؛ كان يكره الت�أخير اليونان في العام (1966م) كي ي�ستقبل �أحد
في دوريات عربية ّ
�أو التبكير ..فهو من�شغل جداً ،مو�سوعة تاريخ الأم���راء اليونانيين ال��ذي �سيزور الالذقية،
و�أجنبية وت�سلم الالذقية -بحوث مو�سيقية ،محا�ضرات �أدبية.. باعتباره القن�صل الفخري لليونان ،وعندما
رئا�سة اتحاد الكتاب ترجمات ومقابالت وطالب جامعة يبحثون التقاه �سعادة ،كان الأمير مي�شيل ابن عم الملك
في الالذقية في مكتبته ،وي�ساعده طاقم عمل مثل خلية م�ستلقي ًا ويتحدث �إلى الذين حوله فقال �سعادة
النحل ،ينظم المواعيد واللقاءات والدعوات له (�أنا قن�صل اليونان هنا وقد بلغت �أن �أ�ضع
والمحا�ضرات ،كان م�ؤ�س�سة ثقافية واجتماعية تحت ت�صرفكم ما تحتاجونه) .نظر �إليه الأمير
بحالها قلما نجد نظيره في زماننا. دون اهتمام وقال� :شكراً وهو ممدد .فانزعج
رح��ل جبرائيل ���س��ع��ادة ع��ن عمر ناهز جبرائيل �سعادة وا�ستدار حانق ًا� ،إال �أن الأمير
ال�سبعين عام ًا ،وقد ترك مكتبة �ضخمة ت�ضم ا�ستوقفه وق��ال ل��ه( �أري��د لقاء �شخ�ص يدعى
�أكثر من �ستة ع�شر �ألف كتاب موزعة بين الأدب جبرائيل �سعادة ،لقد قر�أت عنه كثيراً و�سمعت
والمو�سيقا والعلوم والفلك وال�شعر والآثار ،وقد عنه الكثير) .ف�أجاب �سعادة (�أنا هو) ،فقفز الأمير
تبرع بها لجامعة الالذقية (جامعة ت�شرين). من مكانه ووقف باحترام وحياه ب�إجالل.
كرم عربي ًا وعالمي ًا كرم جبرائيل �سعادة في بلدان كثيرة ،لكن لقد كان ا�سم �سعادة ينت�شر ويتجاوز �سوريا
و�أطلق ا�سمه على �سوريا كرمته في حياته و�أطلقت ا�سمه على �إلى العالمية ،حيث كتب بالفرن�سية والعربية
ال�شارع الذي يقع فيه �شارع بيته الذي يقع و�سط الالذقية ويمتد �إلى عن �أوغاريت التي �سحرته .و�أنجز مو�سوعة
منزله وعا�ش فيه البحر غرب ًا ،كما �أنتج عنه وعن – ال ذقيته – تاريخ الالذقية المهمة ،كما عمل على ت�صنيف
طوال حياته التي منحها قلبه وعقله وحبه و�إبداعه ومكتبته المواقع وال��ت�لال الأث��ري��ة ف��ي �سوريا وع��دد
-فيلم وثائقي بعنوان( :رجل ومدينة) .في منها �أكثر من ثالثة �آالف تل ،وكان متحم�س ًا
حياة ه��ذا الباحث كنوز كثيرة ال يت�سع لها ومثابراً لبحوثه� ،إذ تم ت�أ�سي�س رابطة �أ�صدقاء
المجال في هذه العجالة� ،إال �أنه عدة رجال (�أوغاريت) �أوا�سط القرن الما�ضي .وعندما �سئل
في رجل واحد ،وعدة مبدعين في مبدع واحد. عن �سبب اهتمامه الكبير ب�آثار بلده �أجاب:
متعدد وهو مفرد. (الوطن لي�س �أر�ض ًا وح�سب).
�أعمل في �أحد
الأفران نهاراً و�أتفرغ
للكتابة لي ً
ال
تعلمت من مهنة
الخباز ال�صبر
والتحمل واالعتماد
على الذات من كدي
وعرقي
جمال بربري
¯ كيف ح�صلت على منحة التفرغ من وزارة ¯ تقيم في �أ�سوان بعيداً عن �صخب العا�صمة،
ت�أثرت في بداياتي الثقافة؟ وما هي خططك المقبلة؟ هل ت�ؤمن بالعامل الجغرافي في الأدب،
-ح�صلت عليها بعد رحلة معاناة و�سفر �إلى وثنائية (العا�صمة والأقاليم) وم��اذا تعتبر
بالكاتب المغربي القاهرة ( )1000كيلومتر بالقطار لمدة ()14 القاهرة بالن�سبة لك؟
محمد �شكري الذي �ساعة ،قدمت فيها ثالث ن�سخ من كل مجموعة -عندما ب��د�أت الكتابة في قريتي كنت
ا�ستهواني �أ�سلوبه ق�ص�صية وف��ق القواعد ،وبعد ت��داول الطلب، �أت�ساءل ..كيف �أ�صل �إلى نقطة ال�ضوء وعالم
الأدبي وافقوا على المنحة ،وب��إذن اهلل �س�أخ�ص�صها ال�شهرة ،وكتاب يحمل ا�سم جمال بربري ،ولكن
لكتابة رواي��ة ،وكالعادة �ستكون عن الجوع، بف�ضل اهلل وعالم الإنترنت ،و�صلت كلمتي
ولكن برغم فرحي بهذه المنحة ،ف�إن �صعوبة �إلى قلوب النا�س ،وعبرت من م�صر �إلى جميع
الحياة �ست�شكل عائق ًا �أمام محاوالت التفرغ ال��دول .ولكن مازالت القاهرة تمثل لي نقطة
تمام ًا للكتابة. مف�صلية في البلوغ �إلى عالم الجوائز وال�شهرة،
القاهرة هي التي تعطى �صكوك الإب��داع ،فلو
بقي عبا�س محمود العقاد مقيم ًا في �أ�سوان،
هل كنا �سن�سمع به؟
من �أعماله
وكذلك وبر الماعز المتحرك على ظهور الدواب لم يترك الدباغ ،م�ساحاته اللونية الداكنة دون
و�صورة الكعبة التي �أده�شته بمفارقات �ضخامة تعميق ،و�إزاحة نحو ذاكرته الأولى ،فظهور المثلث
المكعب الأ�سود وال ��دوران ،والأبي�ض المنتظم مث ًال� ،أو المكعب هو بمثابة عالمة �إ�شارية على
حولها ،هذا يكفي للدباغ ليقدم لنا جملة تحتمل طبيعة خزانه الب�صري فيما يخ�ص الخيمة والكعبة
�أ�سئلة ال تنتهي ،فهي ال�شهية ال�شغوفة بتحوير مع ًا ،وهي محركات تتحول وتتبدل من موقع
يجرح تلك ال�سكونية وتحريك ج�سد �أ�سود ،يرتفع وينخف�ض ،ويحاور �إلى �آخر ،فالمثلث والمربع والم�ستطيل ،وبع�ض
بمب�ضع المغامرة الم�ساحات البي�ضاء وظاللها الخفيفة التي ت�سيل الألوان كالأحمر والأخ�ضر والفيروزي هي مح�ض
من قوة الدكانة في اللوحة ،ر�سوم الدباغ ،هي مرئيات انغرم بها الفنان ليختبرها في مو�ضع
كنهر عا�ص يبحر
بمثابة ت�شييد لعالمات محورية فيما يخ�ص مرجعياتها ومديات انت�شارها ،في ذاكرة تحت�شد
�ضد التيار مفرداته وعنا�صره الفنية ،وما تحمله من دالالت بتلك الم�شهديات ،فقد �أزاحها من واقعها التقليدي
ورموز ور�سائل بعيدة ،و�صو ًال �إلى �إق�صاء تقليدية لي�أخذها �إلى تاريخ جديد في العمل الفني.
ال�شكل الهند�سي (ال��م��رب��ع) وتقديمه ب�صورة ما �إن ننفذ �إلى مناخات (الدباغ) ال�سوداء
متقدمة ،من حيث طاقة ح�ضوره المحوري في حتى ن�صطدم بعظمة طرائقه ف��ي م��ح��اورات
ال�سطح الت�صويري ،ككينونة تواجه عريها عبر داخلية للون يعد ثقي ًال وجارف ًا في �أي م�ساحة
�ساللة الأ�سود وتجلياته المتعددة يو�ضع ،فتروي�ض الأ�سود يحتاج �إلى ر�ؤية متقدمة
لوحاته ت�سوقنا �إلى �أعتقد �أن ما نراه في بنية العمل الفني لدى للمغامرة فيه ،ف�أ�صبح اللون الأ�سود ج�سداً يظهر
الدباغ ،تعود في وجودها �إل��ى مرجعياته في بقوة الح�ضور ،ويتماهى في م�ساحات �أخرى،
�أ�سئلة تتعلق بقدرة
الحفر (الجرافيك) فقد ازاح الفعل الجرافيكي �إلى تارك ًا خلفه ظال ًال �سالت من ج�سده ،يحيلنا هذا
الفنان على ا�ستنطاق حرية الر�سم وك�سر قوانينه في �سبيل �إيجاد بنية الأمر �إلى �صدقية عالية ونادرة من قبل الدباغ،
طاقة ال�شكل �أكثر قوة وغمو�ض ًا ،لون ينم عن مخبوءات �سرية في الإ�صرار على خطابه المغامر ،والذي القى
المحدود كثيرة داخله ،فهو الذي يمت�ص كل ما يقع عليه �صدى قوي ًا في منت�صف ال�ستينيات من القرن
من �ضوء ،خ ّزان الأ�سرار المب�صور منها والمخبوء الما�ضي ،لي�صبح فارقة مهمة في الت�شكيل
كذلك ،فهو بمثابة الحاجز الذي يحقق وجوده العراقي فيما بعد ،م�ستمداً �إيمانه من طبيعة
بالغمو�ض والعمق وال�سلطة والقوة. محيطه وحيزه البريء ،فالن�ساء يرتدين ال�سواد،
في�صل �سلطان:
الفن لي�س �شرفة تُرى منها
الأ�شياء� ..إنه موقف
يذكر �أن الكاتب والناقد الم�سرحي جوان حركة الم�سرح ال�سوري خا�صة والعربي عامة،
جان خريج المعهد العالي للفنون الم�سرحية� ،إذ �سرعان ما تعود هذه الم�سارح �إلى �أ�صولها
مجمل هذه التجارب ق�سم النقد والدرا�سات الم�سرحية .عمل �أمين ًا ثم المرتبطة بح�ضارة المنطقة روحي ًا وفكري ًا.
كان فيها مجال وا�سع رئي�س ًا لتحرير مجلة (الحياة الم�سرحية) منذ
لالرتجال عام (1999م) وحتى الآن .من �أهم �أعماله ¯ :يعتبر النقاد �أن التجربة الأهم في تاريخ
(وراء ال�ستار -مقاالت نقدية في الم�سرح الم�سرح ال�سوري ،والتي قدمت نموذج ًا �سوري ًا
ال�سوري)( ،م�سرح بال كوالي�س� -إطاللة على لمفهوم الم�سرح التجريبي تمثّلت في م�شروع
الحركة الم�سرحية ال�سورية)( ،ق���راءات في الراحل فواز ال�ساجر ..ما ر�أيك؟
الن�ص الم�سرحي ال�سوري)( ،ق�صة الم�سرح)،
(ح��ك��اي��ات م�سرحية)�( ،سعد اهلل ون��و���س).
¯ هل ن�ستطيع الحديث الآن عن م�سرح �سوري،
يتمتع ب�سمات وخ�صائ�ص معينة� ،أم الحديث
عن م�سرحيات �سورية يغلب عليه طابع
التجريب؟
�شك �أن الم�سرح ال�سوري ،ومن خالل -ال ّ
م�شواره الطويل الممتد زمني ًا �إلى �سبعينيات
القرن التا�سع ع�شر ،مع تجربة رائد الم�سرح
العربي �أبو خليل القباني ،و�صو ًال �إلى يومنا ،قد
ر�سخ �سمات وخ�صائ�ص تميزه عن م�سارح الدول ّ
الأخ��رى� ،سواء من حيث ال�شكل �أو الم�ضمون،
على الرغم من م�شاركته لم�سارح العديد من
البلدان العربية في خ�صائ�صها و�سماتها
العامة ،المعتمدة على النهل من التراث ال�شعبي
الغني ،وما محاوالت التجريب على ّ العربي
ال�شكل الفني �أو الم�ضمون� ،إال �أمور طارئة على
جوان جان
ثريا جبران..
الممثل هو كل الحياة على
�أنور محمد
خ�شبة الم�سرح
ٍ
لحظة، الزمن ,هي ت�شتغل بوعي نف�سي ،كل تمثل لدرجة تح�سب من كثرة دفاعها عن
حتى لو كانت بمقدار ثانية هي ال تهدرها (فكرة) الم�سرح �أنها �ست�سقط على الخ�شبة،
على الخ�شبة ،فالزمن الم�سرحي لي�س لحظة و�شجاعة العروق المتوح�شة ٍ وهي ت ْن�سل ٍ
بقوة
ميتة/ما�ضية مهما كان فيها من خدو�ش من ال�شخ�صية .حتى في م�سرحياتها التي
وندوب وكلوم( .الزمن) عند ثريا -و�أعتقد ا�شتغلتها م��ع المخرج الطيب ال�صديقي
في �أعمالها �أن��ه��ا الممثلة العربية ال��ت��ي ت��ع��رف كيف مثل« :ديوان �سيدي عبدالرحمان المجذوب،
الم�سرحية مع توظفه وتدفعه وهي تتقلب ،تتقنع لتخترق مقامات بديع الزمان الهمذاني ،الإمتاع
حجاب الفكر .وه��ذه تعود لوعيها ب�أهمية وال��م��ؤان�����س��ة ،الفيل وال�����س��راوي��ل ،ال��ح��راز،
الطيب �صديقي دور الممثل؛ روح تحلق وج�سد ينهار ،وقدرة خلقنا لنتفاهم» �أو م�سرحية «�إيمتى نبداو
نجحت في تحويل هائلة على الذهاب �إلى �أق�صى حاالت التوتر �إيمتى» من ت�أليف الراحل محمد بن قطاف
وتكثيف م�شاعر واالنفعاالت والإره ��اق الع�صبي ،وم��ن ثم �إخ����راج ع��ب��دال��واح��د ع����وزري ،ك��ان��ت ثريا
تراها فج�أ ًة وقد فرغتها ،فتحقق �شيئ ًا من جبران في تمثيلٍ مختلف ،تمثيل ال يماثله
ال�شخ�صيات ذروة م�سرحية. تمثيل -تذكرني بالممثلة ال�سورية مها
ثريا جبران وهي تمثل ت�شعل حرائق، ال�صالح؛ الممثلة التي تقب�ض على �أدوار
تفرجينا حتى تلك النار المخنوقة تحت �شخ�صياتها ،فال يفروا منها حتى يعترفوا
الرماد وهي تفحم .فعقلها التمثيلي ال يجن، بما لم يعترفوا به للمحقق .وهذا ما تحققه
و�إن جن فل�ضرورة ال�صراع ،فهي ت�شتغل ٍ
وتكثيف ثريا جبران ،في عمليات تحويلٍ
دوره ��ا كما تلك ال�شجرة ،التي �ضربتها لم�شاعر ال�شخ�صية ،التي تمثلها كانت ملك ًة
�صاعقة وتفحمت ،لكنها ت�ستمر في الإزهار �أو �سيد ًة �أو خادمة؛ هي تعرف كيف تتنكر
لديها تلقائية من ذاك الغ�صن /الخيط النباتي الذي �أفلت وتذهب بالمتفرج ،في�شوف �شروخ النف�س
وعفوية مع وعي من كهربة ال�صاعقة. وت�صدعاتها وانزياحاتها؛ عجزها و�ضعفها
نف�سي باللحظة ممثلة تعرف كيف تلعب بم�شاريع الج�سد وخوار قواها.
الفكرية؛ �سيا�سية ،اجتماعية ،اقت�صادية، في «�أربع �ساعات في �شاتيال» ت�صرخ؛
الآنية ريا�ضية ،فيزيائية ،غرامية .ثمة انعكا�س وك�أن �صراخها �صراخ خر�ساء .هي تطالع،
وث��م��ة م��ن��ع��ك�����س ،وع��ي��ي ووع����ي الآخ����ر- تغرف من العمق؛ عمق الذات الإن�سانية التي
كالهما �أ�سا�س وجودنا .هي تريد �أن تفهم ارتكبت ما ارتكبت من جرائم و�آثام وذنوب،
المتفرج �أن :الخ�صم ،العدو ،ال�شرير ،الطيب، ك�أنها تريدها لي�س ق�����س��راً� -أن تعترف:
المغفل ،المراوغ ،الماكر ،ال�صديق ،العا�شق، ك� ْ�م ك��ان��ت خ�سي�سة وو�ضيعة حين فعلت
المع�شوق ،الخائن ،البطل .اليمكن �أن يتعالى ما فعلت .هو الم�سرح ،التمثيل ،الممثل-
على �إن�سانيته ،لنفتتن بالحرية ،وما لعبة الممثلة التي ت�شتغل دورها �شرير ًة �أم خير ًة
وهم.المرايا �إال ْ بحد�س وا�ست�شعارٍ يقوم على المعرفة ،مع ٍ
ح��رك��ة ال��ج�����س��د ع��ل��ى ال��م�����س��رح وج��ود �شي ٍء من االرت��ج��ال العبقري حين ينقطع
مزجت بين الحوار الوجود ،كما الحوار اللغة هي الوجود .ثريا حبل ال��ك�لام -تتبع �إي��ق��اع النف�س وحميا
ولغة الج�سد جبران تنوجد على الم�سرح لي�س فقط على المو�سيقا للحدث/ال�صراع وهي تمثل؛ تنقل
بمعرفية فنية الخ�شبة/الركح ،بل في بيتها ،في ال�شارع، وتتنقل على الخ�شبة/الركح ،تعبر الزمن
في المطعم ،في المعبد ،المقهى ،الفرا�ش، في «�أربع �ساعات في �شاتيال» من الحا�ضر
عالية في مكتبها وزي��ر ًة للثقافة المغربية ،في، ٍ
وبن�شاط الذي �صار ما�ضي ًا �إلى الم�ستقبل،
في .فاللغة كانت لل�شخ�صية التي تلعبها �أو ذهني حذق ،ترى تلقائيتها وعفويتها من
كانت لغة خطابها اليومي مع النا�س ،ف�إنما �شدة �إيمانها بـ(العقل) حيث الحقيقة التي
لغة تمكننا من ن�شوفها وهي تلعب بها من ٍ نبحث عنها .فتدمغ تعار�ضات الع�ضوي مع
(المعرفة) �أن نعرف ونعرف� ،إلى لغة تجعلنا الح�سي ،وقد فا�ضت روحها ب�آالم الحا�ضر
نح�س ونح�س. الذي يحز ب�سكين الما�ضي .ثريا جبران تمرر
المراجعات ..و�أهميتها
غ�سان كامل ونو�س
الق�ضية.
ّ م�ؤمن ًا بالر�سالة و�أمين ًا على ن�ست�سلم �أحيان ًا للعادة ول�ضغوط الحاجة
�شك في � ّأن � ّأي�� ًا م ّنا ،وف��ي � ّأي
وم��ا من ّ والمتط ّلبات وال��وق��ت� ،أو تهيمن علينا
�سيما في المجال ميدان كان ن�شاطه؛ وال ّ المكابرة والثقة الزائدة بالنف�س ،فنمتنع
وتجدداً وانفتاح ًاّ حيوية
ّ الثقافي ،الأكثر ملي ًا؛
عن �أن نراجع ما �أنجزنا� ،أو نتو ّقف ّ
على مختلف الآف ��اق ،وت�أثيراً في جوانب نقدي ًا في ما نقول �أو نقوم ّ لنف ّكر تفكيراً
يجب �أال تهيمن ال��ح��ي��اة جميعها؛ يحتاج �إل ��ى المراجعة عملي ،بالر�ؤى نظري �أو به ،في � ّأي مجال
ّ ّ
علينا الثقة الزائدة الذاتية� ،أو �إعادة النظر في نتاجه بعد حين ّ نف�سها ،والآل� ّ�ي��ات والأ�ساليب عينها ،من
بالنف�س �أو المكابرة من الزمن� ،أو مرحلة من الم�سيرة التي قد وتغير الأحياز ّ دون اهتمام بمرور الزمن
تطول وتتطاول ،وعليه �أن يتابع الأ�صداء، والبيئات ،وتوافر الممكنات واالحتماالت
ونحن نراجع ما قد التي يتركها عمله ل��دى مختلف ال�شرائح؛ وربما بما اعترانا نحن من تعب الأخ��رىّ ،
�أنجزناه في مرحلة ما وخ�صو�ص ًا من هم حري�صون على الح�ضور تقدم في العمر، �شح �أو �إفال�س� ،أو ّ �أو ملل �أو ّ
والم�شاركة والتفاعل. واختالف في النظرة� ،أو فتور في الحما�سة،
ولي�س �أم��راً مبتوت ًا به �أو مفروغ ًا منه �أو دخ��ول ان�شغاالت �أخ ��رى على الم�سار
التدريجي
ّ الحتمي� ،أو االنتقال ّ التغيير الم�ألوف ..ما ي� ّؤدي �إلى تكرار �أو برودة� ،أو
�اد من م�سار �إل��ى م�سار� ،أو التغير ال��ح� ّ
ّ �أو والفعالية والمردود� ،أو
ّ �ضعف في القيمة
من م�ستوى �إلى �آخ��ر؛ لكن هناك بالت�أكيد الحيوية والمبادرة ّ الت�أثير والتل ّقي ،وافتقاد
�ضرورة للوقوف عند ما كان ويكون ،وفيما والإقدام والمغامرة ..وهذا �أمر خطير ،ينبغي
يتابع العمل في اال ّتجاه يمكن �أن يكون؛ وقد َ عدم اال�ستهانة به �أو اال�ستهتار بتبعاته ،وقد
المجال الثقافي عينه وبوتيرة �أف�ضل ،ونظرة �أو�ضح ،وثقة ال�ضارة؛ الهتمامنا بمتابعة ّ ال نرى �آث��اره
الت�شبث
ّ �أك��ب��ر؛ كما � ّأن م��ن غير المعقول وا�ستمراريته الفاترة وتف�صيالته ّ العمل ذاته،
بحيويته وتطلب
بر�أي �أو موقف �أو تقويم� ،أو اال�ست�سالم ل ّأي عينها ،وردود الأفعال المعتادة ،مع ما قد
ا�ستمرار تجدده أهم ّية بمكان �أن نراجعه، منها؛ بل من ال ّ يعتريها هي الأخرى من عادة� ،أو مجاملة
وانفتاحه يحتاج �إلى و�أن ن�ستمع �إل��ى م��ا يقول الآخ���رون فيه، ؤولية؛
جد ّية �أو م�س� ّ ونفاق وتز ّلف ..وعدم ّ
�أو �أن ننظر في ما يرون هم ،وما ي ّتخذون بل �إ ّننا ن�ستدعيها �أحيان ًا ،ونطالب بها ،وقد
المراجعة الذاتية
من مواقف ،ويطرحون من �أفكار ،ونقارن �سلبية تجاه من يتوانى ّ نظهر ردود �أفعال
و�إعادة النظر مختلف الآراء المتوافقة �أو المتعار�ضة، عن �إب��دائ��ه��ا! وق��د نخا�صم من ي�سارر� ،أو
والتقييم ونناق�شها مع �أ�صحابها� ،أو على الأق� ّل مع يجاهر ب��ر�أي مخالف؛ ح ّتى لو كان ناقداً
إيجابية من
ّ ذواتنا ،ونحاكمها برحابة و� مهتم ًا �صادق ًا
ّ مخت�ص ًا� ،أو متابع ًا
ّ �اداً
ج� ّ
جادة في �سبيل بد من القيام با�ستبيانات ّ ّ وم�صداقيتها� ،أو ّ منظورنا ،ونرى مدى د ّقتها
ذلك ،ت�شمل ما �أُنتج ،ومن �أَنتج ،وما ُن�شر، وخلفياتها، ّ م�صدرها �صحتها ،ون�ستوثق من ّ
الم�صدرة ّ وما ُيعتزم ن�شره ،وما �أهمية المواد بد من ّ ال بل أ�س؛ � ب وال بها، قناعتنا ونختبر
وتقنياتها ،و�أ�ساليب ن�شرها، ّ ومو�ضوعاتها ونتقبل القيام بذلك ،ويمكننا ّ �أن نتوا�ضع،
لي�س �أمراً مبتوت ًا آليات العمل ب�ش�أن ذل��ك ،و�سبل تداولها، و� ّ الأخذ بها �أو ببع�ضها� ،أو بما نقتنع به منها،
والم�ستجدات. ّ �ع
� �واق � �ل
� ل مالءمتها �دى وم � ون�ستقرئ فيه خيراً لنا وللآخرين ،وللم�شهد
به �أو مفروغ ًا منه ويمكن؛ نتيجة ذل��ك ،تغيير المح ّكمين �أو الثقافي العام ،ونتغا�ضى عن �سوى ذلك ،وقد ّ
التغيير الحتمي �أو المقومين �أو النا�شرين؛ �أو � ّأي من الم�س�ؤولين ّ نفيد الآخرين في تفنيد الفكرة� ،أو دح�ضها،
الحاد من م�سار �إلى عن مختلف مراحل العمل بعد التدقيق فيها؛ والتثبتّ وندفعهم �إلى المراجعة والتقويم
كما يمكن تعديل الزوايا والأبواب والمحاور، والتح ّقق منها قبل انت�شارها �أو تعميمها.
�آخر �وي��ات جديدة، �أو تغيير ترتيبها ح�سب �أول� ّ تخ�ص ه��ذه الم�س�ألة � ّأي فرد، ّ ومثلما
ممن ي�ش ّكل عبئ ًا على نتاج مما �أو ّ والتخفيف ّ ف�إ ّنها تعني � ّأية م� ّؤ�س�سة �أو �إدارة �أو جماعة
الم� ّؤ�س�سة ،من دون اال�ست�سالم للمطلوب دوريةطوعي ًا ،وفي �أوقات ّ ّ ر�سمي ًا �أو
ّ م�س�ؤولة
وال�سرعة والم�ألوف والمعتاد و� ّأية اعتبارات مف�صلية؛ كما في � ّأي وقت .ومن ال�ضروري ّ �أو
تردد. �أخرى ،ومن دون � ّأي حرج �أو خجل �أو ّ �أن يقوم بذلك من هو م�س�ؤول وق��ادر على
ويجب االع��ت��راف � ّأن لك ّل م ّنا عمراً، الخط البياني للعمل المنجز؛ لي�س ّ مراقبة
وم�����س��ت��وى ،واه��ت��م��ام � ًا ،وق����درات ،ور�ؤى الكم فح�سب؛ بل ي�شمل ذلك النوع من حيث ّ
يتغير
ومواقف ..ويتفاوت هذا ،ويتمايز ،وقد ّ والقيمة والفائدة وال��ج��دوى؛ من دون �أن
المطلوب �ضرورة ويتحول! ومن الكتابات ما قد ال ينا�سب ّ تطور نن�سى عامل الزمن وت�أثيره ،وت�سارع ّ
الوقوف عند ما كان قر ًاء �أو منا�سبة؛ ومنها ما ّ أو � ا
ً ظرف أو وقت ًا � وتقنياته ،وتزايد متط ّلباته. ّ معطيات الع�صر
لم يعد منا�سب ًا لهذا المنبر ل�سبب �أو �آخر. الثقافي،
ّ و�إذا التفتنا �أكثر �إلى الجانب
ويكون وفي ما يمكن ؤولية، والمو�ضوعية والم�س� ّ ّ وتفر�ض الجر�أة ف�إ ّننا ن��ق��ولّ � :إن على � ّأي كاتب �أو ناقد
�أن يكون بنظرة �أن نقول �إ ّننا نقر�أ �أحيان ًا لك ّتاب لهم �أ�سماء �إعطاء الوقت المنا�سب للمراجعة والتقويم
�أو�ضح وثقة�أكبر وتاريخ وح�ضور كان ،ونتم ّنى �أن يتو ّقفوا واال�ستيثاق ،من جدوى ما �أَنجز ،في نظر
عن الكتابة ،ويكتفوا ب�إنجازهم ال�سابق؛ ل ّأن ذاته على الأق ّل؛ ناهيك عن �آراء الآخرين؛ من
أدبية، يقدمونه ي�ؤ ّثر �سلب ًا في �سمعتهم ال ّ ما ّ دون �أن يعني ذلك االن�شغال بهذا �إلى درجة
تر�سخت عبر الزمن ،ون�أمل� ،أو ننتظر التي ّ التو ّقف عن العمل ،ريثما ت ّت�ضح النتائج؛
من �أحد �أن يقول له مثل هذا الر�أي ،من دون �إذ � ّإن الم�شروع الثقافي مت�صل ومتوا�شج
ا�ستحياء �أو مواربة؛ وقد نكون من ه�ؤالء، ومتفرع ،ولك ّل م ّنا� ،أو يفتر�ض �أن يكون لك ّل ّ
نقدر ،وفي حاجة وال نعترف� ،أو نكابر ،وال ّ الخا�ص ،الذي ي�شتغل عليه، ّ منا م�شروعه
�إل��ى م��ن يقول لنا اح��ت��رام� ًا وت��ق��دي��راً :من ويتمنى �إنجازه ،ويدخل في مفهوم الم�شروع
المفيد لكم ولنا �أن تتو ّقفوا هنا! ولينزعج الثقافي العام؛ وقد يعوزه الوقت ،والعمر
م��ن ي��ن��زع��ج ،وليغ�ضب م��ن ي��غ�����ض��ب� ،أو الق�صير ،وقد تعثره ظروف كثيرة ،وت� ّؤخره
�أهمية �أن تكون يخا�صم من يخا�صم ..نعم؛ الأمر لي�س �سه ًال وم�ستجدة ،عن حاجات وم�ستلزمات دائمة
ّ
للفعل الثقافي قيمة على القائل والمق�صود بالقول ،وال يحدث باطراد ،وقد ال يكون التو ّقف الم�ضي فيه ّ
م�ضافة وجدوى كثيراً ،ويجب �أن يكون الت�صريح به مع ّل ًال، �سلبي ًا؛ ح ّتى �إن كان طارئ ًا غير مح�سوب� ،إذا ّ
نية، وتمعن ،وبح�سن ّ ّ وج��اء بعد درا���س��ة حمل مثل تلك المراجعات ،وعلينا �أن ن�ستفيد
قائمة أهم في النهاية �أن تكون لكن ال ّ ونبل غاية؛ ّ �ضارة نافعة! ورب ّ منه قدر الم�ستطاع؛ ّ
ثقافي تراهن عليه ّ الثقافيّ � ،أي فعل ّ للفعل متقدم ،ف� ّإن من المهم ومن منظور ثقافي ّ
ثقافية� ،أو ّ الثقافية؛ � ّأية م� ّؤ�س�سة ّ الم� ّؤ�س�سة الثقافية �إجراء مثل هذا التقويم؛ ّ للم�ؤ�س�سات
جماعي،
ّ فردي �أو
ّ ثقافي
ّ يبتغيه � ّأي ن�شاط وهو يختلف عن التقويم الإجرائي الوظيفي
عي ،قيمة م�ضافة ،وجدوى تطو ّ وظيفي �أو ّ ّ محدد؛ بل دوري�� ًا� ،أو خالل وقت ّ ّ المطلوب
قائمة �أو منظورة. هو تقويم للأثر والجدوى ،وال ب�أ�س؛ بل ال
م�شاهد من الفيلم
من الفيلم
�شرلوك هولمز
المخبر ال�سري العبقري
ال �شك �أن هذا كله �سيظل دوم� ًا المرجع �شخ�صية �شرلوك هولمز ،التي ابتدعتها قريحة
الذي ُيغ ّذي كل َم ْن له اهتمام بهذا النوع من الكاتب البريطاني (ال�سير �آرثر كونان دويل) وكان
الفنون الإن�سانية. طبيب عيون معروفاً؛ ت�صور ال�شخ�صية الأُ�سطورية
وفى تقديرنا �أن كافة نماذج �شخ�صية ال�سري العبقري ،ال��ذي ي�ستخدم �شخ�صية المخبر
ال�سري التي تزدحم بها الروايات البولي�س ّ
ّ العقل والمنطق ب��ب��راع��ة يح�سدها عليه �أعظم
المعا�صرة �أم��ث��ال :ب���وارو��� ،ش��ارل��ي �شان،
ماجنوم ،والفهد القرمزي� ،إنما تقتب�س كلها �أية مجدي �إبراهيم ال��ع��ل��م��اء وال��ف�لا���س��ف��ة ،ليك�شف غ��وام�����ض ج��رائ��م
من ذلك العبقري �شرلوك هولمز. يعجزعن الإت��ي��ان بها �أع��ظ��م عباقرة الإج����رام..
ال�سري الآفاق ،ما
بلغت �شهرة هذا المخبر ّ
جعل ال�سينما تنتج عدداً كبيراً من رواياته،
ول�سوء الحظ لم تف ال�سينما هذه الروايات
حقها؛ فبراعة �شرلوك هولمز ،تتج ّلى في
ا�ستخدام العقل والمنطق� ،أقل مما تتج ّلى في
الأح��داث المثيرة والعنف ،وهذا �أمر ي�صعب
على ال�سينما تحقيقه كما ينبغي ،ولذلك فقد
تبدو هذه الأفالم ،التي يقوم ببطولتها �شرلوك
هولمز� ،إما ُم ّملة وبطيئة الإيقاع ،و� ّإما �سريعة
الحركة ال يكاد الم�شاهد �أن يلتقط بدقة خيوط
فكرتها ،وق��د يرجع ذل��ك �أي�ض ًا �إل��ى براعة
المم ّثل الذي يقوم بدور هولمز. ُ
وم��ن حيث عالقة �شرلوك هولمز بعالم
الأدب والكتابة ،فقد ن�ش�أت في العالم في
ثالثينيات القرن الع�شرين جماعات �أدبية
متعددة تنت�سب �إلى �شرلوك هولمز ،تتدار�س
وتتعمق في
ّ فيما بينها تلك ال ��رواي ��ات،
فهم خفايا النف�س الب�شرية على الطريقة
(ال�شرلوكية) ،وفي عالم الكتابة ظهر ما ال
يقل عن ثالثين رواية تتناول كلها �شخ�صية
قدم
هولمز �أو مورياتي العدو اللدود له� ،أو ُت ّ
مغامرات جديدة من�سوبة �إلى البطل المعروف.
وف��ي ع��ام (1994م) ن��ال الدكتور كيث
�أوتلي� ،أ�ستاذ علم النف�س التطبيقي في جامعة
�أونتاريو بكندا جائزة الكومنولث البريطاني
(مقدارها ثالثة �آالف �إ�سترليني) عن �أول رواية
كتبها بعنوان (ق�ضية �إميلي) ،تدور حول لقاء
طالب الرفاعي ير�صد مواقف الأدباء العرب حيال الغد والآخر ¯
النه�ضة العربية
في الع�صر الحا�ضر
فبثوا فيها حركات فكرية �أ�س�ست للمدار�س ي ��ذه ��ب ال��ك��ات��ب
والكتاتيب. ف���ي ب���داي���ة ك��ت��اب��ه
وي�ضيف الكاتب� ،أن��ه بالرغم م��ن �أن النه�ضة العربية في
النه�ضة العلمية في م�صر لم يكن الأ�صل الع�صر الحا�ضر �إلى
فيها للكلية الأمريكية وال الكلية الي�سوعية �أن النه�ضة ال�شرقية
�شكيب �أر�سالن
ببيروت ،وال مكاتب الدولة بالأ�ستانة ،ف�إن ال��ع��رب��ي��ة ب����د�أت في
علماءها الأزهريين كانوا الأ�سا�س في نبوغ الواقع تنمو �أكثر على نجالء م�أمون
الدوريات والمجالت العلمية ب�شكل دائم. �أقطاب الفكر العربي ،لذلك يمكن القول �إن ي��د محمد ع��ل��ي ،فهو
ويذهب الكاتب� ،إلى �أن �سوريا �سبقت م�صر ع��دداً كبيراً من �أط��ب��اء �سوريا قد تخرجوا �أول من �أدرك الخطر المحدق بال�شرق من
في ت�أ�سي�س هذا المجمع ،ولكن م�صر �أثرت من الق�صر العيني بم�صر ،ويرى الكاتب �أن جراء جموده على �أ�ساليب العمران القديم،
النه�ضة العربية بالنهو�ض باللغة العربية، ك ًال من القطرين الم�صري وال�شامي ،ي�شدان وجعل ن�صب عينيه مناه�ض ًا للغرب في
كما �أن حكومة القطرين ق��دم��ت خدمات بع�ضهما بع�ض ًا ويدعمان بع�ضهما بع�ض ًا، �أ�ساليبه الجديدة.
جليلة في درا�سة المدائن العربية والتنقيب ويتبادالن الت�أثير في الرقي العقلي والثقافي. ل��ذل��ك يعد محمد ع��ل��ي ،ه��و الم�ؤ�س�س
عن تاريخ العرب ،كما قام ك ٌّل من المجمع كما يرى الكاتب �أن ال�صحافة العربية الحقيقي لهذه النه�ضة ال�شرقية العربية،
الم�صري والمجمع ال�����س��وري بالعديد من كانت من �أهم عوامل هذه النه�ضة ،بما �أثارته لي�س بوادي النيل فح�سب ،بل في البالد التي
الخدمات اللغوية الجليلة ،لمواكبة النه�ضة من الحركة الفكرية ،ونقلت �أخبار الغرب تجاوزت هذا ال��وادي وفي مقدمتها �سوريا،
الع�صرية ،ب�صك الم�صطلحات الجديدة في الناه�ض �إل��ى �أه��ل ال�شرق النائم ،وكانت و�أول م��ن ا�ستقى م��ن ه��ذه النه�ضة ،كان
اللغة العربية. �أول ج��ري��دة عربية ت�صدر ف��ي ال�شرق هي ال�سوريون في عهد محمد علي وولده �إبراهيم
وي�ضيف الكاتب �أنه في القرون الأخيرة، جريدة (الوقائع) الم�صرية ،ويقال �إن �أول كلي ًة عريقة في بيروت، با�شا ،حيث �أ�س�سا ّ
لوال بقاء الأزهر والجامع الأموي والزيتونة، جريدة �صدرت في بالد ال�شام ،كانت جريدة كانت نبرا�س ًا لطالب العلم والمعرفة في بالد
يبق �أثر من �آثار اللغة العربية ودرا�سات لم َ (الأخبار) التي �أن�ش�أها خليل �أفندي الخوري، ال�شام.
ال�شريعة الإ�سالميةُ ،يبقي للأمة الإ�سالمية وذلك في عام (.)1760 وي��ذك��ر ال��ك��ات��ب� ،أن الأم����م الأخ� ��رى
هويتها الحقيقية. وي ��ؤك��د الكاتب ف��ي معر�ض كتابه �أن كالفرن�سيين والألمان والطليان والرو�س ،ر�أوا
وعن ال�شعر وال�شعراء ،يذهب الكاتب �إلى المدار�س في الوطن العربي كانت على هذا �أن �أر�ض �سوريا قابلة لح�صد بذور المعرفة،
�أن اللغة العربية ،قد تم �إحيا�ؤها على �أكمل النحو ،فمدينة بيروت مث ًال وع��دد �سكانها
وج��ه في ع�صر النه�ضة ال�شرقية الحديثة، نحو (� )200ألف ن�سمة ،فيها من المدار�س
حيث تعدد ال�شعراء ال��م��ج��ددون ،مثل عمر والجامعات ما يقارن بجامعات ومدار�س
الأن�سي البيروتي من بيروت ،وبطر�س كرامة �أوروب��ا .وعن تقدم التعليم في �سائر البالد
من حم�ص� .أما عن م�صر؛ فكانت لل�شعر نه�ضة العربية كانت المدار�س الم�سماة بريا�ض
حقيقية ،حيث نه�ض ال�شاعر محمود �صفوت، الأط��ف��ال كثيرة ف��ي م��دن مملكة ال��ع��راق،
بخلق روح جديدة لل�شعر ب�إر�سائه ال�شعر والف�ضل يرجع �إلى المربي العربي الفا�ضل
المر�سل. �ساطع الح�صري� ،أ�ضف �إلى ذلك �أن المكتبة
كما يذهب ال�شاعر �إلى �أن النه�ضة العلمية ت�صدر كثيراً من الكتب المدر�سية ّ بالقاهرة
ف��ي ب�لاد ال�سعودية وال��ي��م��ن ،ق��د �أر�ساها وغيرها �إلى العراق.
المحدثون بتنقية ال��دي��ن م��ن ال��خ��راف��ات، المجمعين
َ وي�����ش��ي��ر ال��ك��ات��ب �إل���ى �أن
و�أن الملك عبدالعزيز �آل �سعود قد �أبهر �أهل العلميين في دم�شق وم�صر ،يعدان �صرحين
المملكة بتحقيق الكثير في مجال التعليم كبيرين على ن�سق الأكاديميات في �أوروبا،
ومحو الأمية ،التي باتت ق�ضية كبرى في وكانا يجمعان العديد من العلماء العرب
اليمن ،و�أ�صبحت الأمية �أمراً نادراً في اليمن والم�ست�شرقين ،الذين يعدون �أ�صحاب �شهرة
حينذاك. �سواء في ال�شرق �أو الغرب ،كما كانا ي�صدران
الأدب المقارن..
علم تفاعل الثقافات العالمية
للمقارنة ،بينما المدر�سة الأمريكية� ،ألغت دور ي��ع��ت��ب��ر ال��دك��ت��ور
الوثيقة كمعيار ،وربطت الق�ضية بعالقة الأدب نذير العظمة من جيل
بغيره من المعارف الإن�سانية ،ورفعت الحدود رواد الحداثة ال�شعرية
والحواجز بين الأدب المقارن والأدب العام، والأدب العربي ،تخرج
�أي باخت�صار؛ (درا�سة الأدب المقارن خارج في جامعة دم�شق عام
د .نذير العظمة
الحدود القومية) ،للو�صول �إلى حقيقة حركة ( )1954وح�صل على
الآداب التبادلية فيما بينها. الدكتوراه في فل�سفة �شعيب ملحم
في الباب الرابع من الكتاب تحت عنوان وهذا يلغي المركزية الأوروبية للثقافة، الأدب من الجامعات
(�شك�سبير العربي)؛ يقدم لنا الم�ؤلف مروحة التي اعتبرت �أن الثقافة الإغريقية اليونانية الأمريكية ،ومار�س التدري�س في جامعات
وا�سعة ع��ن ت��أث��ر ال�شعراء والكتاب العرب هي الأ�سا�س ،و�أن ثقافات ال�شعوب الأخرى، هارفرد ،جورج تاون� ،إنديانا بورتالند ،وعمل
بالكاتب الم�سرحي الإنجليزي ال�شهير ،من وخا�صة ال�شرقية منها ،كان لها �إ�سهامها �أ���س��ت��اذاً ل�ل�أدب المقارن في ع��دة جامعات
خ�لال الثيمات ور�سم ال�شخ�صية والحبكة الوا�سع والعميق في الثقافة الغربية ،والتي عربية ،وله �أكثر من خم�سين م�ؤلف ًا وع�شرات
وال��ح��وار ،وف��ي الق�صيدة العربية الحديثة. ب�شر بها ال�شاعر الألماني الكبير (غوته) في الأب��ح��اث وال��درا���س��ات ف��ي دوري���ات عربية
وفي هذا يرى �أن الم�س�ألة بالن�سبة �إلى المبدع ديوانه (ال��دي��وان ال�شرقي للم�ؤلف الغربي)، و�أجنبية عديدة ،وكتابه هذا له عنوان فرعي:
العربي ،لم تكن الخيار بين موروثين ،الأول م�ؤكداً فيه �أن للأدب روح ًا عالمية ،وهذا كان (درا�سة في تبادل الثيمات والرموز والأ�ساطير
قومي ،والثاني �إن�ساني ،و�أن هويته الح�ضارية بداية االنطالق �إلى ا�ستنباط علوم ومناهج بين الآداب العربية والأجنبية).
ال ت��ؤرق��ه ،بقدر ما ي�ؤرقه �أن يك�شف عنها، متعددة ،كعلم الثيمات ،والرموز والأ�ساطير، ي�شير الم�ؤلف �إل��ى �أن م�صطلح الأدب
ويدفع بها في حركة التاريخ ويخرجها من وحقل الترجمة ،وهجرة الأفكار من ح�ضارة المقارن ،كميدان معرفي ،واجه �صعوبة كبيرة
ال��م��وت ،لأن الميراث الإن�ساني هو ميراث �إلى �أخرى ،والحوافز والتحوالت ،وال تقت�صر في �إث��ب��ات وج��وده حتى ثمانينيات القرن
المبدع ال��ع��رب��ي ،وي�ستعر�ض ال��م��ؤل��ف في فقط على عوامل الت�أثر والت�أثير ،التي يكون الما�ضي ،حيث اعتمدته الجامعات العالمية
�صفحات ع��دة عالقة كل من �أحمد �شوقي، فيها للن�ص ح�ضور اختالف ال ح�ضور ائتالف. غرب ًا و�شرق ًا ،مادة تدري�سية في مناهجها،
ومطران خليل مطران ،وعلي �أحمد باكثير، يعتمد الم�ؤلف على نظرية (الوهج) الذي وت��م �إر���س��اء ق��واع��د منهجية ومعرفية لهذا
ولوي�س عو�ض ،وبدر �شاكر ال�سياب ،و�آخرين؛ تتركه الأعمال الفنية الإبداعية على المبدعين، العلم ،فهو يتميز بدرا�سة الفولكلور والآداب
بوليم �شك�سبير ومدى ت�أثره ب�أ�سلوبه وحبكة وي�ضرب �أمثلة كثيرة على ذلك ،كالوهج الذي ال�شعبية والأ�ساطير ،و�أي�ض ًا يهتم بالعالقة
الم�سرحية ،واالبتعاد �شعري ًا عن النظم �إلى تركته �أعمال (�ألف ليلة وليلة) و(كليلة ودمنة)، بين �أدب��اء وكتاب و�أ�ساليب متنوعة ،ور�صد
تعدد التف�صيالت في الق�صيدة ،واعتماد المادة �أو (ملحمة جلجام�ش) ،وح��دي��ث� ًا (الأر� ��ض المبادالت بينهم ،والينابيع التي ا�ستقوا منها
التاريخية في الأعمال الم�سرحية ،لكنها ال الخراب) لـ(ت�.س �إليوت) وطائر الباترو�س �إبداعاتهم ،وقد برز اتجاهان في تقدير هذه
تتطابق تمام ًا مع �أعمال �شك�سبير وال مع في ق�صيدة البحار القديم ل�صموئيل كولريدج، العالقة ،الأول تمثله المدر�سة الفرن�سية التي
�أهدافها ،و يفرد الكاتب �صفحات عدة لأعمال الذي ا�ستح�ضر من (الرخ) في حكايا ال�سندباد تعد الوثيقة التاريخية الأدبية منهج ًا علمي ًا ّ
جبران خليل جبران وتوفيق الحكيم وغيرهما، ورح�لات��ه ،وق�صيدة (ال��ب��ات��رو���س) ل�شارل
وم��دى ت��أث��ر ج��ب��ران و�أب ��و القا�سم ال�شابي بودلير ،ولكنها بر�ؤية مختلفة .وال يخفى على
بالفيل�سوف الألماني نيت�شه وينتهي الكاتب المطلعين رائعة (دانتي) في الكوميديا الإلهية
�إلى خال�صة ن�شوء منهجية جديدة في الأدب وت�أثره بق�صة الإ�سراء والمعراج ،وهذا ال يعني
المقارن ،ترتكز على �أربعة �أ�س�س �أو ف�ضاءات: �أن كل المبدعين �شرق ًا وغرب ًا با�ستلهامهم
الت�أثر والت�أثير ،نظرية الوهج ،الترا�سل ،نظرية م��وروث��ات ورم ��وز ال�شعوب الأخ� ��رى� ،أنهم
الن�ص الم�ضاد. (�سارقو �أفكار) كما يزعم بع�ض النقاد ،وال
�أن��ه��ا (ت ��وارد خ��واط��ر) �أو م��ا يعرف ب��الأدب
بـ(التنا�ص) بين كاتبين ،و�إنما العبرة في
الكتاب :ف�ضاءات الأدب المقارن كيفية الت�أثير والت�أثر ،وتحويل هذه الرموز
الم�ؤلف :د .نذير العظمة �إلى دالالت قد تكون مختلفة في م�ضامينها
النا�شر :وزارة الثقافة- عن الأ���ص��ل ،وتفتح �أفق ًا معرفي ًا وجمالي ًا،
�سوريا2007 - وف�ضاءات للخيال الخ�صب ،بح�سب الأزمنة
والأمكنة المختلفة.
�إ�شكالية التجديد
فـي الأجنـا�س الأدبـيـة �ضياء الجنابي
على �شكل نظريات معرفية ،تفتح المجال من الالفت للنظر� ،أن الكثير من المبدعين
�أمام �آفاق ر�ؤيوية وا�سعة ،تعمق ال�سياقات العرب منذ ثمانينيات القرن الما�ضي �إلى
ال�سليمة للتنويع الكتابي ،وذلك ي�ؤدي ب�شكل وقتنا هذا ،قد �أداروا ظهورهم لق�ضية ذات
تلقائي �إلى ت�شييد �أ�سا�سات الإن�شاء والبناء �أهمية بالغة ،وهي ق�ضية الأجنا�س الأدبية،
ب�إحكام وتوجيه مقبوليات �أنماطه. وفي الوقت ذاته يحاول الكثير منهم �شرعنة
وبتدقيق النظر ،نكت�شف �أن هناك خيط ًا ذل��ك و�إي��ج��اد غ��ط��اء ن��ظ��ري ل��ه ،يتلخ�ص
رفيع ًا ،يربط منطلقات التحرر ونزعات بالدعوة �إلى التحرر من القوالب الجاهزة،
التحديث من جهة ،ومحددات التجني�س الأدبي وال��ج��ام��دة وب��ث روح ال��ح��داث��ة والتجديد
من جهة �أخرى ،وال بد للكاتب الح�صيف �أو في الم�سارب الإب��داع��ي��ة .ومما ال�شك فيه
المبدع الحقيقي� ،أن يحافظ على هذا الخيط، �أن الدعوة �إلى التحرر والتجديد هي دعوة
من دون التفريط بجانب على ح�ساب الجانب �إيجابية ال غبار على �أهميتها و�أرجحيتها،
الكثير من المبدعين الآخ��ر ،وخ�صو�ص ًا فيما يتعلق بالتجني�س، ولكن ال�س�ؤال المهم هو :هل من المقنع �أن
العرب يدعون �إلى كونها عم ًال ت�صنيفي ًا عقالني ًا ي�سم الأعمال ي�سهم التجديد في �إل��غ��اء ق�ضية �أ�سا�سية
الإبداعية بو�سم خا�ص ،يجعله يت�شاكل مع من ق�ضايا النقد الأدب ��ي ،وه��ي التجني�س
التحرر من القوالب
فئة كتابية معينة ويحقق التوافق القرائي �أو بتعبير �آخ��ر اال�ستغناء ع��ن الأجنا�س
الجاهزة وبث روح معها ،مع الحفاظ على المرونة العالية كي ال الأدبية ،التي من خاللها يتم تحديد المالمح
التجديد ي�سد العقل ال�سبيل على حرية الفعل الإبداعي، الأ�سا�سية للكتابة الإبداعية؟
وال يعيق م�سارات النزعة التجديدية ،وهذه �إن الوعي ب�ضرورة الحفاظ على �صيرورة
الإ�شكالية في حقيقة الأم��ر تجعل الكثير الأج��ن��ا���س الأدب ��ي ��ة ،وم��راع��اة كينونتها
من المبدعين مترددين بين التحرر وعدمه، يفتح الأب��واب على م�صاريعها� ،أمام ن�ضج
ولكن الأجدر بالأمر والأجدى �أن يتم م�سك العملية الإبداعية ،لأن الحفاظ على الجينات
خلقة ،معالع�صا من و�سطها بحرفية وروح ّ الأ�صلية لكل جن�س �أدبي �أو �إبداعي ،يقودنا
مراعاة خ�صو�صية كل طرف من طرفي هذه �إلى احترام الفعل الإبداعي مهما كان �شكله
المعادلة ،وبالتالي ينبغي على المت�صدي �أو لونه ،وه��ذا الوعي بالتالي ي�أخذ على
لفعل الكتابة الأدب��ي��ة �أن يعي طبيعة هذا عاتقه مهمة تقعيد الأ�ساليب الكتابية في
االختالف ،ويعرف �أنه اختالف تنوع ولي�س الأدب ،وم��ن ث��م تقنين الأ�س�س الإبداعية
النقاد للإبداع� ،أمران يهدفان �إلى ت�ضبيب اختالف ت�ضاد ،فعلى الرغم من التنافر
الر�ؤية للتخفيف من �أهمية التجني�س� ،أو الظاهر بينهما ،نجد �أن �أحدهما يكمل الآخر،
رف��ع �ضوابطه ع��ن النتاج الإب��داع��ي ،في فال يمكن م��دح ط��رف وذم الآخ��ر والعك�س
ال بد من ا�ستمرار الوقت ذات��ه ال يمكننا دح�ض ما هو قائم كذلك� ،أي بتعبير �آخ��ر ال ن�ستطيع الحكم
الوعي ب�ضرورة من ت�ضايف نوعي وتداخل �إجنا�سي متحقق ب�صواب �أحدهما وخط�أ الآخر.
الحفاظ على في الكثير من الأع��م��ال الأدب��ي��ة ،وه��و �أمر ل��و �أم��ع��ن��ا ال��ن��ظ��ر ف��ي عملية االل��ت��زام
�صيرورة الأجنا�س واق��ع ال مندوحة عنه ،وم��ن ه��ذا التداخل ب��الأج��ن��ا���س الأدب ��ي ��ة ،وم��دي��ات التجديد
انبثقت �إ�شكاليتان؛ الأول��ى منهما مرتبطة المفتوحة كل واحد على انفراد ،نكت�شف �أن
الأدبية بالعملية الإبداعية التواقة �إلى التحرر من كليهما مطلوبان في العملية الإبداعية ،وال
القيود ،والإ�شكالية الثانية مرتبطة بالعملية يمكن القول� ،إن االلتزام بالتجني�س الأدبي،
النقدية التي تواجه موجات التطور النظري يطم�س �سمة التجديد �أو ي��ف� ّ�رط ف��ي قيمة
الم�ستمرة ،باعتبار �أن النقد �أ�سا�س ًا ،قد غادر الحداثة �أو يوقعنا في فخ القولبة ،وال �إذا
منذ �أمد لي�س بالق�صير منطقة التالقي بين �أطلقنا الأعنة لجياد التجديد الجامحة ،ف�إننا
الكتابة النقدية والكتابة الأدبية متوجه ًا �سنغادر منطقة تحديد الأجنا�س الأدبية
�إلى تبني الأ�س�س العلمية والمنهجية ،وهذا المهمة ،وم��ن هنا ن�ستخل�ص �أن طبيعة
ما �أحدث نقلة نوعية في الممار�سة النقدية، العالقة بين التجني�س الأدب ��ي والتجديد
المعتمدة على مثلث العلم والمنطق والفل�سفة. الإبداعي ،هي عالقة جدلية تماثل �إلى حد
التجديد في الأدب
�إن ق�ضية التداخل الإجنا�سي والت�ضايف بعيد جدلية الإبداع والنقد ،حيث بكليهما مع ًا
عمل ت�صنيعي ال��ن��وع��ي ،ب��ات��ت حقيقة ن��اج��زة ال يمكن يكتمل الم�شروع الأدبي وتتعمق مكنوناته،
عقالني ال يتعار�ض التغا�ضي عنها ،وهذا ما يدعم فكرة التفريع وكما �أن الإبداع في جوهره انعتاق وحرية
مع حرية الفعل والتوليد التي تف�ضي� ،أو ت�سمح بوالدة جن�س تطلقهما المخلية ،ف�إن النقد بحقيقته ارتكاز
الإبداعي وتحديثه ما يحمل �صفات هجينة من جن�سين �أو �أكثر، واع بالأ�ساليب المنهجية العلمية ،مع الفهم ٍ
وهنا يقف التجني�س باعتباره عنوان ًا بارزاً الدقيق والعميق لماورائيات الن�صو�ص،
لإ�شكالية كبرى على �صعيد النقد الأدبي ،في وخال�صة القول ،يتعذر على الأدب بحال
الوقت الذي تفتح الكتابة الإبداعية �أذرعها من الأح��وال ،اال�ستغناء عن الحرية وروح
�أم��ام �أي تقارب �أو اندماج بين الأجنا�س التجديد ف��ي الإب� ��داع ،ال��ذي ه��و م��ن نتاج
الأدبية ،معتبرة ذلك حق ًا طبيعي ًا تكفله حرية المخيلة الحرة ،وفي نف�س الوقت ال يمكنه
المبدع عند الكتابة ،والحرية بطبيعتها ت�أبى اال�ستغناء عن النقد ،ال��ذي هو نتاج العقل
�أن تت�ضايف في قوالب محددة ،و�أمام هذا المح�ض.
وذاك يبقى الخالف على هذه الق�ضية قائم ًا، ه��ن��اك ع��ائ��ق ال ب��د م��ن ال��ت��وق��ف عنده
والتنظير لم يفتر �أو يتوانى عن ت�أطير هذا ومعالجة ما يمكن معالجته لتفاديه ،وهو
االلتزام بالتجديد ال�سجال ،كما �أن االختالف بين الآراء النقدية �أن بع�ض المت�صدين للعملية الأدبية ،ب�شقيها
الأدبي ال يطم�س لم يتوقف ،فمنهم من يقول �إن الأجنا�س الإبداعي والنقدي في العقود الأخيرة ،قد
�سمة التجديد متداخلة فيما بينها ويف�ضي بع�ضها �إلى �أ�صيبوا بحالة من التراخي المعرفي في
بل يج�سد عالقة بع�ض ،ومنهم من يجد �أن التجني�س �أمر ال التعاطي مع متغيرات النظرية الأدبية ،ولم
جدلية �إبداعية يمكن التنازل عنه؛ لأن كل جن�س له �سماته ي�ستطيعوا اللحاق بعربات تطوراتها المهمة
الخا�صة في مجاله وهي الأقدر على تج�سيد ال�سريعة ،ول��م ي��درك��وا قطار الم�ستجدات
الفعل الإبداعي ،ومنهم من يعتقد �أن الحدود المتالحقة ،والحيثيات المتنوعة في ثنائية
بين الأجنا�س الأدبية غير قادرة على ال�صمود الإبداع والنقد مع ًا ،وهذا ما �أدى �إلى بروز
�أمام القدرات االختراقية للمبدعين ،وهذا ما �إ�شكالية خطيرة ،هي مواربة الإب��داع للنقد
يدعو النقد العربي المعا�صر �إلى الت�شخي�ص ومداهنة النقد للإبداع.
ال�صائب لأ�س�س االختالف والخروج بنظرية معلوم �أن ه��ذه ال��م��وارب��ة عند بع�ض
نقدية ،ت�ستوعب �أبعاد هذه الإ�شكالية. الكتاب� ،إذا جاز التعبير ،ومداهنة بع�ض
الخطاب ال�سينمائي
بين �أ�سئلة الفن و�أ�سئلة الحرية
وي ��ق ��ارب ال��ح��ق��ي��وي ،ت��ل��ق��ي ال��خ��ط��اب ه��ن��اك ف���رق في
ال�����س��ي��ن��م��ائ��ي ،م ��ن خ�ل�ال ت��ح��ل��ي��ل خ��ط��اب ال��دالل��ة بين كلمتي
ال�صورة ،ومنذ المقدمة يطرح الكاتب عالقة (خطاب) و(�سينمائي)
المتلقي(الم�شاهد) بهذا الخطاب. ف��ال��خ��ط��اب ي�شتغل
�سليمان الحقيوي وينق�سم الكتاب �إلى ق�سمين كبيرين ،الأول على اللغة� ،سواء على
خ�ص�صه الحقيوي ،لمقاربة مجموعة من ّ م�ستوى الو�صف �أو
الأكاديمي لق�ضايا الت�أويل والتلقي ،واللغة الق�ضايا تحت عنوان (ق�ضايا في التلقي) ،ومن م�ستوى الت�أويل ،في �سعاد �سعيد نوح
النقدية ال�سل�سة والب�سيطة ،والتي يمكن �أن هذه الق�ضايا :مدخل بتعريف ال�صورة على حين �أن (ال�سينمائي)
ي�ستوعبها الجمهور العام غير المتخ�ص�ص، اختالف المجاالت المعرفية التي تداولتها، مفهوم يقوم على لغة مختلفة ومغايرة� ،إنها
وه��ذه المزاوجة بين م�ستويات اللغة ،تتيح وعالقة ال�سينما بحدود التلقي ،ثم ينتقل لغة ال�صورة ،باعتبارها �صناعة لها معجم
مزاوجة �أخ��رى بال�ضرورة بين نوعين من الكاتب �إلى درا�سة عالقة الأدب بال�سينما من تقنيات مختلفة ،والجمع بين المفردتين في
الجمهور ،المتخ�ص�ص والعام؛ ما يتيح للقراء مداخل مختلفة ،منها نقل الرواية �إلى ال�شا�شة تركيب لغوي واحد ،يتطلب �أن نحلل الم�ستوى
الغو�ص في ق�ضايا تتعلق بال�سينما ،وال�صورة وتمثالت القارئ والم�شاهد ،حول ما يقر�أ وما الت�أويلي الداللي ،الذي تقدمه اللغة ال�سينمائية
راهنة و�آنية في �سعي من الكاتب� ،إلى �أن يقدم ي�شاهد من �أعمال �سينمائية وروائية. بمفرداتها المختلفة؛ لدرا�سة مفهوم الخطاب
للقارئ نظريات وم�سائل و�إ�شكاليات فنية وي��رى الكاتب �أن ال�سينما في فترة ما، ال�سينمائي ودالالت��ه وما هي طرائق البحث
و�سينمائية ب�أ�سلوب �سهل ،ي�شجع �أكثر على ا�ستطاعت تطوير �أدواتها الخا�صة ،و�أ�سلوب فيه .هذه المقاربة الت�أويلية قدمها لنا الناقد
القراءة ،ويقدم للقارئ مفاتيح لقراءة الفيلم خطابها المتفرد والمتميز عن الأ�سلوب الأدبي، ال�سينمائي المغربي �سليمان الحقيوي في
ب�صري ًا. مع ا�ستطاعتها الحفاظ مع الأدب على و�شا ِئج، كتابه (الخطاب ال�سينمائي ،ق�ضايا في التلقي
و�أخيراً ،ينهي الكاتب الكتاب بخاتمة تدعو واعتباره واح��داً من المنابع الأ�سا�سية لها، والت�أويل) الذي �صدر �أخيراً ( )2020عن دار
�إل��ى �ضرورة العودة �إل��ى الكثير من الق�ضايا لكن مع ا�ستفادة �أي�ض ًا من الفنون الأخرى، ر�ؤية بالقاهرة.
المتعلقة بتلقي الفن وال�سينما عموم ًا ،في كالت�شكيل والمو�سيقا والرق�ص ،وم��ن بين يهدف الكاتب �إل��ى�( :إع��ادة بناء عالقة
زمن ت�ضيق فيه المعرفة بال�صورة ويكثر فيها مظاهر هذا التطور� ،أن ال�سيناريو ال�سينمائي، معرفية مع خطاب ال�صورة ،الخطاب الذي
ا�ستهالكها .وي�ؤكد ارتباط الفن ب�أ�سئلة الحرية، لم يعد ُيعتبر نوع ًا �أدبي ًا ،كما في ال�سابق. ن�ستهلكه �أكثر من غيره ،لكننا نعرف عنه �أقل
التي غابت عن الوطن العربي .كذلك ي�ؤكد عالقة
ثم ينتقل الكاتب �إل��ى الك�شف عن لغة من غيره) .ويطرح الكاتب �س�ؤا ًال جوهري ًا:
الأدب بال�سينما في ال�سيناريو الم�أخوذ عن ن�ص
النقد ال�سينمائي والمعارك ،التي يخو�ضها (ما ال��ذي يجعل ال�سينما تتفوق على باقي
�سمى بـ(�سينما
�أدبي ،ويك�شف عن مالب�سات ما ُي ّ مع ُ�ص ّناع الفيلم من ناحية والجمهور من الخطابات في �سرد الحكايات والق�ص�ص).
الم�ؤلف) التي يقدمها مخرج برغم طليعيته،
ناحية �أخ��رى ،ويك�شف �أي�ض ًا عن المعوقات
�إال �أن��ه ي�ستغني عن الن�ص الأدب ��ي ،بل يكتب
ال�سيناريو بنف�سه ،ونرى انحياز الكاتب لهذا النوع التي يواجهها النقد في الوطن العربي .ومن
من ال�سينما (�سينما الم�ؤلف) ويرى �أن المخرج ثم ينتقل �إلى معوقات التلقي التي يعانيها
فيها يكون �صاحب ر�ؤية فنية وا�ضحة ومختلفة الجمهور على مختلف م�ستوياته (النخبة-
للمجتمع وللنا�س� ،إذ نجده يولي اهتمام ًا كبيراً الجمهور العام).
عبر �صفحات عدة لتجارب مهمة في هذا ال�سياق، ويذهب الكاتب �إل��ى معالجة مو�ضوع
كتجربة (الموجة الجديدة) الفرن�سية التي جاءت ال�سينما والعنف ،في حين �أن العنوان الفرعي
�أواخر الخم�سينيات ،ودامت طوال عقد ال�ستينيات للكتاب (ق�ضايا التلقي والت�أويل) فقد عالجها
بر�ؤية مختلفة للعمل ال�سينمائي ،تجعل من في الق�سم الثاني ،وهذه الق�ضايا متنوعة تدور
المخرج مرادف ًا للم�ؤلف في الأدب ،و�صاحب ما بين ا�ضطهاد ال�صورة وحكاية ال�صورة،
العمل ال�سينمائي والم�س�ؤول الأول عنه ،ولي�س وحدود الفن والأخالق في ال�سينما ،وال�سينما
مجرد تقني خا�ضع لوجهات نظر المنتجين بين الإب���داع والإن��ت��اج ،وال�سينما والربيع
الطامحين للربح التجاري ،وال مجرد منفذ فقط العربي ،وال�سينما والثورة.
ل�سيناريوهات كتبها الآخرون. �إن���ه ك��ت��اب يجمع ب��ي��ن ع��م��ق ال��ت��ن��اول
الإبداع..
مواكبة الحياة وجمالية الواقع
نواف يون�س
وت�شيخوف و�إدج���ار �آل��ن بو نف�سها على الحالين ،ف�إن النتيجة واحدة ،في ا�ستمرار لي�س �سه ًال على المبدع عموم ًا� ،سواء
الم�شهد الأدب��ي ،مع اختالفات فارقة في هذا البحث الدرامي ،وانتقاله من ع�صر �إلى كان كاتب ًا �أو فنان ًا� ،أن يتوجه نحو التجريب
طبيعة ووظيفة فنياتها التي ا�ستمدت ع�صر ،ومن جيل �إل��ى �آخ��ر ،وهو ما يتيح �أو محاولة التحديث في مجال �إب��داع��ه،
وجودها من فنيات الرواية نف�سها ،فالزمن لنا ر�ؤي��ة تلك التيارات والمدار�س ،التي بعد �أن بات على يقين� ،أن جل التيارات
في الق�صة �أ�صبح محدوداً وق�صيراً ،ولم يعد توالت على الم�شهد الإبداعي ،وخ�صو�ص ًا والأ�ساليب الفنية والأدبية المتبعة ،لم تعد
يمتد حراً وطوي ًال كما في الرواية ،وكذلك ف��ي ال��ق��رن ال��ع�����ش��ري��ن ،ب��ع��د �أن ���س��ادت تواكب متغيرات ومتطلبات ع�صره ،في�سعى
ال�شخ�صيات المتعددة في الرواية ،اقت�صرت الرومان�سية والواقعية لمراحل طويلة بجهد و�شفافية للبحث عن تيار �أو �أ�سلوب �أو
على �شخ�صية واح���دة بطلة ف��ي الق�صة م�سيرة الإب���داع الإن�ساني ،فكان لنا �أن �شكل �أو م�ضمون ،ي�ستر�شد منه ويقدر على
الق�صيرة ،و�أ�صبح الحدث م�ضغوط ًا يتفجر نطلع على الرمزية والتعبيرية والم�ستقبلية ا�ستيعاب ر�ؤيته لروح ع�صره .ولي�س �سه ًال
ب�إيقاع الزمن ال�سريع والجملة المكثفة، والدادائية وال�سريالية والتكعيبية ،وغيرها �أي�ض ًا على المبدع� ،أن يدرك �أو يتو�صل �إلى
ولم يكتف ك ّتاب الق�صة بذلك ،فنف�ضوا هذه من المدار�س والتيارات والنظريات الفنية مبتغاه هذا� ،إال بالكثير من البحث والمعرفة
الفنيات وتالعبوا بزمنها وحدثها ،و�أدخلوا الأدب��ي��ة الفكرية ،وال��ت��ي �أنع�شت الآداب والتجربة الحياتية والفكرية ،خ�صو�ص ًا
ال�شعر والت�شكيل وال�سينما ووظفوا فنياتها والفنون ور�سخت تطورها وتقدمها. بعد �أن �أ�صبح م�ؤمن ًا ،ب�أن هذه الأ�ساليب
في ق�ص�صهم ،كما فعلت ناتالي �ساروت ول��و تتبعنا ظ��اه��رة ت��ط��ور الأج��ن��ا���س الفنية والفكرية لم تعد تجدي نفع ًا ،و�سط
�ف لفهما منذ و�آالن روب جرييه ،وم��ن ل� ّ الأدبية ،للوقوف على تلك ال��ر�ؤى الجديدة، تلك العوامل االقت�صادية واالجتماعية
خم�سينيات القرن الفائت� ،إلى ما و�صلنا التي حدثت �شعري ًا و�سردي ًا ،وكيف �أنتجت وال�سيا�سية والعلمية والثقافية ،والتي
�إليه من معطيات فنية جديدة تكتنف ال�شكل هذه الأجنا�س من رحمها �أ�شكا ًال جديدة، تع�صف وتطيح بكل ما يحيط به في مجال
والم�ضمون في الق�صة الق�صيرة الحديثة. �سنجد (على �سبيل المثال) الحركة المتقدمة حياته و�إبداعه.
ويمكننا �أن نتابع الأمثلة وهي كثيرة ،في ف��ي ال�شعرية ال��ع��رب��ي��ة ،واالح ��ت ��دام حول وهنا تكمن المفارقة ،وي�شتد ال�صراع
الم�سرح وال�سينما والفن الت�شكيلي ،وغيرها.. ق�ضايا ال�شعر ،بدءاً من �أبي تمام والبحتري بين التيارات والأ�ساليب الفنية والأدبية،
ونتابع ن�ص المبدع في محاوالته الد�ؤوبة والنوا�سي وما لحق بها من �أ�شكال جديدة، بل بين المبدعين �أنف�سهم ،فمنهم من يتبنى
مع ر�ؤيته المتجددة ،نحو التعبير بعيداً عما بد�أت مع المو�شح ،ولم تنت ِه مع الكال�سيكية ك�سر و�إلغاء النظريات والأ�س�س التقليدية،
�ألفناه واعتدناه في م�سيرة الآداب والفنون، الجديدة في بدايات القرن الع�شرين ،وما التي يرى �أنها �صارت عالة على �إبداعه،
حيث نلم�س �أن التغيير بحد ذاته �صار واقع ًا �أ�سفرت عنه ب��روز ق�صيدة التفعيلة ،وما ومنهم من يحاول البحث عن �أطر ونظريات
قائم ًا ومرتبط ًا بما يحيط بالمبدع من القته من معار�ضة قبل �أن ت�صبح �شك ًال له ومفاهيم جديدة ،قد ت�ساعده على ابتكار
متغيرات حياتية وفكرية و�إن�سانية ،حتى �شرعيته الفنية والفكرية� ،إلى جانب الق�صيدة معطى جديد يعينه في التعبير عن ذاته
�إنه �أم�سى �ضرورة تالم�س كل مناحي الحياة الكال�سيكية ،وهو ما ينطبق �أي�ض ًا على ما وال��واق��ع ال��ج��دي��د المحيط ب��ه ،وف��ي كال
التي نعي�شها ،لي�صبح المبدع في خ�ضمها، �أطلقنا عليه ق�صيدة النثر ،وما �شكلته من
مر�آة وجود حية ،ال تعك�س الواقع المعي�ش تغيير في ال�شكل والم�ضمون ال�شعري.
وح�سب ،بل تمزج هذا الواقع بالمخيل في نف�س المثال ينطبق �أي�ض ًا على جن�س
التيارات والمدار�س
�سبيل تطويره وتجديده ليبدو �أكثر مثالية الق�صة الق�صيرة ،التي خرجت من عباءة �أنع�شت الآداب والفنون
وجمالية. الرواية ،عندما فر�ضت كتابات موبا�سان ور�سخت تطورها
shj_althaqafiya
Alshariqa althaqafiya
www.alshariqa-althaqafiya.ae