Professional Documents
Culture Documents
الجزء الأول - Copie
الجزء الأول - Copie
تسعى دول العالم خصوصا الدول النامية الى التقدم و النمو االقتصادي ،و االس تثمار يمث ل
قن اة رئيس ية يت دفق عبره ا رأس الم ال و الخ برة العلمي ة و الفني ة الالزم ة لخل ق اقتص اد
صناعي متطور ،لهذا تتسابق معظم الدول لجذب أكثر عدد من االستثمارات .
و تتم يز الدول ة كط رف من أط راف عق د االس تثمار بخصوص يات عدي دة ،و ذل ك لع دة
إعتبارات فهي شخص من أشخاص القانون الدولي العام تتمتع بالسيادة و له ا مزاي ا خاص ة
بها .
و الدولة الط رف في عق د االس تثمار هي الدول ة المض يفة ل ه ،أي ال تي س ينجز المش روع
االستثماري في إقليمها .و عادة ما تكون هذه ال دول هي ال دول النامي ة ال تي تك ون ع اجزة
عن بعث المشاريع االقتصادية الالزمة ،ل ذلك وجب مراع اة خصوص يتها كط رف في عق د
االستثمار و بالتالي حمايتها (الفصل الثاني) ،العتب ارات عدي دة أق رت الق وانين الدولي ة و
الوطنية أسسها (الفصل األول) .
الفصل األول :األساس القانوني للحماية
ال نجد قانون دولي لالستثمار مكتوب و منظم ،بالعودة إلى ما قبل القرن الماض ي و لم يكن
المجتمع العالمي يلحظ هذا الغياب إذ أنه لم يكن يمث ل ح اجزا أم ام تنق ل رؤوس األم وال و
حركيتها .لكن و مع تزايد أهمية االستثمار بالنسبة للدول سواء النامي ة منه ا أو المتقدم ة ،
لحاجة الدول النامية لرأس المال و الخبرة الفنية وحاجة الدول المتقدم ة إلى أس واق تس تثمر
فيه ا رؤوس األم وال الفائض ة ل ديها ،أص بح هن اك وعي من الس لط السياس ية بأهمي ة
النصوص المكتوبة لتنظيم اإلستثمار و تحقيق التنمية .
فبدأت محاوالت حثيثة البرام اتفاقيات متعددة األطراف في عدة مناس بات و من هن ا ج اءت
اتفاقية bogotaاالقتصادية المبرمة في 1948في إطار المؤتمر التاسع للدول األمريكي ة،
و خالل السنوات االخيرة عرف الق انون ال دولي لالس تثمار إهتمام ا أك ثر تمث ل في الس عي
الحاطة االستثمار الدولي باطار قانوني يمكنه من أن يتمتع باكثر فاعلية.
ونالحظ من مختل ف ه ذه الق وانين و االتفاقي ات أن هن اك إهتم ام كب ير بخصوص ية الدول ة
كطرف في عقد االستثمار ،فهي شخص من أشخاص القانون الع ام له ا حص انة تتمت ع به ا
من الممكن أن تتراجع عند إبرامها لعقود دولية (المبحث األول)
كما حظيت مادة االستثمار باهتمام كبير من المشرع التونسي منذ االستقالل و ذلك لما يوفره
االستثمار من مزايا بالغة ،فهو عامل رئيسي يتحكم في معدل النمو االقتصادي للدولة .وقد
حاولت الدول ة التونس ية تحقي ق الت وازن المناس ب بين حقه ا في الس يادة و س ن التش ريعات
المالئمة للتشجيع على االستثمار (المبحث الثاني) .
المبحث األول :الدولة كطرف في اإلستثمار على المستوى الدولي
تعتبر الدولة أهم شخص في القانون ال دولي الع ام ،و ب النظر ألهمي ة مكان ة الدول ة يعطيه ا
القانون الدولي عدي د االمتي ازات المنص وص عليه ا في المعاه دات و المواثي ق الدولي ة ،و
تمثل الحصانة ركيزة من الركائز في تنظيم العالقات بين الدول (الفق,,رة األولى) إال أن ه ذه
الحصانة تتراجع عندما تق وم الدول ة ب ابرام عق ود أو القي ام بتص رفات قانوني ة تعام ل فيه ا
الدولة معاملة األفراد (الفقرة الثانية) .
الفقرة األولى :حصانة الدولة
يعد مبدأ حصانة الدولة من المب ادئ المس لم به ا في الق انون ال دولي الع ام فه و يع ني حري ة
الدولة في تسيير شؤونها الداخلية دون تدخل من دولة أجنبية ،فالعالقات بين الدول يجب أن
تؤسس على مبدأ المساواة في السيادة ( .يجب ذكر المرجع في ذلك )
و تمثل الحصانة قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي الملزمة لجميع الدول و ال تي ال يمكن
ألي دولة مخالفتها ،فهي بالتالي ضمانة حقيقي ة لتك ريس مفه وم س يادة الدول ة في المجتم ع
الدولي و ركيزة أساسية في تنظيم العالقات بين الدول ( .يجب ذكر المرجع في ذلك )
ويهدف مبدأ حصانة الدولة إلى منع بحث المسائل التي تتعلق بأفعال دولة ما في محاكم دولة
أخرى ،أي أنه ال يجوز لدول ة ذات س يادة أن تف رض س لطتها القض ائية على دول ة أخ رى
ذات سيادة ،نظرً ا ألنه ال توجد دولة تملك الح ق ،قض ائيًا وقانون ًي ا ،في الحكم على أفع ال
دولة أخرى ،وذلك استنا ًدا إلى مبدأ سيادة الدول والمساواة بينها الذي نصت عليه العديد من
المعاهدات والمواثيق الدولية ،وفي مقدمتها ميثاق األمم المتحدة ( .يجب ذكر بعض المرجع
في ذلك )
يع د الح ديث عن االس تثمار أم را مس تحدثا ،فق د ازده رت عملي ات االس تثمار ال دولي في
منتصف القرن الماضي ،و يرجع ذلك إلى أن أغلب دول العالم (باس تثناء الص ناعية منه ا)
ك انت دوال س ائرة في طري ق النم و و تمتل ك ث روات طبيعي ة هائل ة ،فتس ارعت ال دول
الصناعية و شركاتها بالحصول على امتيازات إس تثمارية للتنقيب عن ه ذه ال ثروات و ذل ك
عن طريق مشاركة الحكومات الوطنية لتلك الدول أو عن طريق دف ع مب الغ مالي ة من أج ل
إستثمار تلك الثروات .
و لقد تطورت نوعية االستثمار في الدول النامية بالشكل الذي نراه حاليا عن طريق مشاركة
رأس الم ال األجن بي ل رأس الم ال الوط ني ،فأس اس االس تثمار مب ني على دع امتين هم ا
إستغالل الثروات الطبيعي ة لل دول النامي ة أو الس ائرة في طري ق النم و من جه ة ،و إيج اد
1
أسواق جديدة للشركات الصناعية الكبرى لتصريف منتجاتها من جهة أخرى
و قد تعاظمت ح دة المنافس ة الدولي ة على إس تجالب االس تثمارات االجنبي ة ،و على عكس
الص ورة ال تي ك انت س ائدة خالل ب دايات الق رن العش رين ال تي ك ان فيه ا المس تثمرون و
الشركات يتسابقون على كسب رضا الدول المضيفة و التأثير فيها ،أصبحنا اآلن نرى عددا
كب يرا من ال دول في حاج ة ش ديدة إلى رأس الم ال تتس ابق من أج ل أن تجت ذب إليه ا
االستثمارات األجنبية.
و قد كان القانون الدولي في البداية يراعي خصوص ية الدول ة كط رف و ي رى أن ه ال يمكن
تنظير الدولة بمجرد شخص خاص يبرم عقدا و أنه من الضروري إيجاد نظام متميز يمكنها
من ممارسة وظيفتها .2و قد صدرت في هذا اإلطار العديد من القرارات التحكيمية التي تقر
بخصوصية الدولة في المنازعاتمثل الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية س نة
1968تحت عدد 1526و الذي أكدت فيه هيئة التحكيم أن ه من الث ابت أن ه من ح ق الدول ة أن
تلغي اإلمتيازات و أن تسحبها بقرار إنفرادي و لو كانت مسندة بم وجب عق د تب ادلي و أن ه
ليس لقاضي دولة ما – و من باب أولى و أحرى ليس للمحكم – أن يراج ع أس باب الس حب و أن
يعيد الحالة إلى ما كانت عليه ،و ليس له سوى الحكم للمستثمر بالتعويض . 3
1
رمزي ذكي ،التضخم في الوطن العربي ،المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ،لبنان بيروت سنة ، 1986ص 126
2
Philippe Kahn « Contrat d’Etat et nationalisation , Les apports de la sentence arbitrale de 24 mars 1982 ,
Clunet 1982 , p 854 ; commentaire de la sentence Aminoil c / Etat Koweitien
3
Sentence rendue dans l’affaire n°1526 en 1968 , recueil des sentences arbitrales de la CCI (1974-1985) , ICC
ذكر في كتاب Publishing S.A Paris-New York , par Sigvard JARVIN Yves DERAINS , p 215 et ss Observations et Y.D
أحمد الورفلي ،التحكيم الدولي في القانون التونسي و القانون المقارن ،مرجع سابق ،ص 830
كما جاء في القرار التحكيمي الصادر بتاريخ 24مارس 1982عن غرفة التج ارة الدولي ة
في القض ية المش هورة باس م " "Aminoilأن عق د اإلمتي از النفطي الم برم بين الش ركة
المستثمرة و الدولة الكويتية هو "أحد العقود التي تتمتع الدولة في إطارها في جل تش ريعات
العالم بامتيازات خاصة ،بالتوازي مع إلتزامها باحترام التوازن التعاقدي".4
إال أن األمر تغير بتطور القوانين الدولية بصفة عام ة و الق وانين الدولي ة لالس تثمار بص فة
خاصة و التي أصبحت تعتقد بتفوق الدولة على المستثمر ،و ذل ك من خالل ص فتها كس لطة
عام ة تتمت ع بوس ائل قانوني ة لف رض س لطانها و إرادته ا و له ا الح ق في س ن التش ريعات
المالئمة مما يجعلها الطرف األقوى في العقد و أصبحت بالت الي الق وانين تتج ه نح و البحث
عن طرق لتفادي تعسف الدولة و تسلطها .
و المتمعن في ق وانين االس تثمار الي وم يج دها تبحث عن الض مانات الكفيل ة بتوف ير األم ان
القانوني لالستثمار الوافد و المستثمر األجنبي ،فتهيئة االطار الق انوني المناس ب لالس تثمار
تعد أحد العناصر الهامة لتحسين بيئة االستثمار ،و استقرار المعامالت ،و رفع درجة الثقة
في جدارة النظام االقتصادي كك ل .والحماي ة القانوني ة و تيس يير المع امالت و االج راءات
تساهم في منح المستثمرين الشعور باالستقرار الحقيقي الذي يحتاج إلي ه أي اس تثمار طوي ل
األجل .
و يعتبر هذا التوجه أن الدولة تقوم بصنفين من األنشطة :أنشطة مرتبطة بممارسة السيادة ،
و أخرى ذات صبغة صناعية و تجارية تتمثل في إدارة مشاريع أو أعم ال تجاري ة ،و ه ذه
األنشطة األخيرة تخرج عن نطاق الحصانة التي تتمتع بها الدولة .
و في هذا الخصوص نجد و أن أغلب القوانين التي تنص على الحصانة ،غالب ا م ا تس تثني
تطبيق الحصانة إذا كان موضوع ال نزاع تج اري و ليس س يادي .فالدول ة في ه ذا اإلط ار
تعامل معاملة األفراد العاديين (،هل توجد امثلة في ذلك /احكام وقرارات قضائية /مرج ع
فقهي ) فتضطر إلى التنازل عن حص انتها في نط اق األعم ال التجاري ة بص فة عام ة و في
مجال االستثمار بصفة خاصة .
لقد شهدت السنوات األولى للمنتصف الثاني للقرن العشرين (انحصار االستعمار من البل دان
النامية) أكثر الفترات معاداة لتواجد االستثمار األجنبي في البالد النامي ة ،و يرج ع الب احثون
ه ذا الموق ف إلى اعتب ار البل دان النامي ة االس تثمار األجن بي مظه را من مظ اهر الس يطرة
االستعمارية الجديدة ،أمام اعتزاز ه ذه البل دان باس تقالل قراره ا السياس ي و االقتص ادي و
سعيها إلى تقرير نظام اقتصادي دولي جديد .
ولقد برزت أولى التحديات بالنسبة لقانون االستثمار في إيجاد توازن بين مص الح الش ركات
المتعددة الجنسيات في تحقيق هامش من الربح ي برر االس تثمار و المس عى الوط ني للبل دان
4
ذكر في كتاب أحمد الورفلي ،التحكيم الدولي في القانون التوني و القانون Sentence du 24 mars 1982 , Clunet 1982 , p 854
المقارن ،مرجع سابق ،ص 830
النامية الرامي إلى تحقيق تنمية اقتصادية .و هن ا ي أتي دور عق ود االس تثمار ال تي ح اولت
تحقيق هذا التوازن .
5عصام الدين مصطفى بسيم ،النظام القانوني لالستثمارات االجنبية الخاصة في الدول النامية ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق جامعة عين
شمس ، 1975ص 244
و تختلف النظم القانونية التي يتم بمقتضاها نزع الملكي ة ،ت أميم أو مص ادرة أو إن تزاع من
أجل المصلحة العمومية .
التأميم هو إجراء يتم بموجبه نقل الملكية من ملكية خاص ة إلى ملكي ة عام ة بواس طة ق انون
يصدر عن السلطات العامة المختصة بقصد تحقيق مص الح إجتماعي ة ،و االن تزاع من أج ل
المصلحة العامة ه و إج راء إس تثنائي ي رد على العق ار عموم ا و ال يج وز اللج وء إلي ه إال
بصدور قانون و بشرط أن يتم ذلك لتحقيق المصلحة العام ة م ع دف ع تع ويض ع ادل لمال ك
العق ار ،أم ا المص ادرة فهي عقوب ة توق ع على ش خص أو أش خاص معي نين ،و بمقتض اها
تستولي الدولة على كل أو بعض األموال المملوكة لهؤالء األشخاص دون أداء أي تعويض.
و تكون المصادرة إما قضائية أو تشريعية .
بالنسبة لتونس ،فقد اعتمدت آلية التأميم في فترة ما بعد االستقالل ،و قامت باسترجاع العديد
من ممتلكات األجانب .أما اإلنتزاع من أجل المصلحة العمومية فهو منظم بالقانون ع دد 53
لس نة 2016الم ؤرخ في 11جويلي ة 2016و المتعل ق ب االنتزاع من اج ل المص لحة
العمومية ،الذي يسري على الوطنيين و األجانب دون تمييز و يتناول أم والهم و مص الحهم
المالية و االقتصادية الموجودة في إقليم الدولة .و بالنسبة للمصادرة فهي التي تسلط بمقتضى
حكم قضائي نظمها المشرع بالمجلة الجزائي ة ،إذ نص عليه ا ص لب الفص ل 5من المجل ة
كعقوبة تكميلية .
و يعت بر الت أميم أهم آلي ة ل دى الدول ة إلن تزاع ملكي ة االس تثمار من المس تثمر االجن بي ،إذ
يؤسس الفق ه ال دولي مش روعية الت أميم و ح ق ممارس ته في الق انون ال دولي على ق رارات
الجمعية العام ة لالمم المتح دة ال تي تؤك د ع ل ح ق ال دول و الش عوب في تقري ر مص يرها
االقتصادي و حقها في سيادتها الدائمة على موارد ثرواتها الطبيعية .
وقد وجدت تلك القرارات ص دى واس عا من الناحي ة السياس ية و القانوني ة و اس تندت عليه ا
الدول في صراعها مع الشركات االجنبية .و من بين تل ك الق رارات ،الق رار ع دد 1803
الص ادر في 14ديس مبر 1962ال ذي نص على أن "الت أميم او االس تيالء ينبغي ان يقوم ا
على أسس أو أسباب تخص النفع العام أو األمن أو المصلحة الوطنية ،و هي المع ترف به ا
بأنه تتقدم على المصالح الفردية او الخاصة البحتة ،المحلية و االجنبية معا .وفي مثل ه ذه
الحاالت يدفع المالك تعويض مناسب بموجب القواعد النافذة في الدولة ال تي تتخ ذ مث ل ه ذه
االجراءات في ممارستها لسيادتها وف ق الق انون ال دولي .و على اي ة ح ال ،فعن دما ت ؤدي
مسالة التعويض الى خالف ،يجري استنفاذ االختصاص الوط ني للدول ة ال تي اتخ ذت مث ل
6
تلك االجراءات هذا"...
6احمد عبد الرزاق خليفة السعيدان ،القانون و السيادة و امتيازات النفط مقارنة مع الشريعة االسالمية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،الطبعة
االولى ، 1998ص 151-150
و بالرغم من وضوح فقه القضاء الدولي الذي ك رس مش روعية الت أميم بص فته حق ا س ياديا
للدول المضيفة لالستثمار إال أن ه يتج ه التس اؤل ح ول م دى إطالق ه ذا المب دأ و هن ا ي أتي
الحديث عن االلتزام بعدم التأميم .
لم يقع إدراج ه ذا االل تزام في أي ق انون متعل ق باالس تثمار ،فت ونس ال تل تزم مب دئيا بع دم
التأميم من تلقاء نفسها بل البد أن يقع االتفاق على ذلك في إتفاقية ثنائية مع دولة المس تثمر ،
من ذلك ما ورد بالمادة 2من االتفاقية التونسية األلمانية المتعلقة بتشجيع و حماية االستثمار
" عدم تعرض رؤوس األموال المستثمرة في أي من البلدان للتأميم او المصادرة"
و قد قامت الكثير من النظريات بالربط بين سيادة الدولة و االلتزام بعدم الت أميم باعتب ار أن ه
ال يمكن قب ول تخلي الدول ة عن ج زء من حقوقه ا لص الح المس تثمر االجن بي مهم ا ك انت
األسباب و الدوافع ،كما لقي هذا االلتزام معارضة من قبل بعض الدول على أساس مخالفته
للقواعد اآلمرة في القانون الدولي العام .
من المتفق عليه في القانون الدولي كذلك ،بأن لكل دولة ذات سيادة الح ق في أن تف رض م ا
تشاء من ضرائب أو رسوم على األشخاص أو األموال الموجودة في إقليمه ا .و الدول ة في
الواقع تملك سلطات واس عة على األج انب ال ذين يقيم ون في إقليمه ا و ممتلك اتهم ،و يمكن
إنطالقا من سيادتها االقليمية أن تلزمهم بدفع الضرائب و األعباء .
و يؤسس البعض من الفقه اء إلى أن خض وع المس تثمر األجن بي للض ريبة في الدول ة ال تي
يزاول النشاط االستثماري فيها إنما يعد مقابال لما توفره له تل ك الدول ة من الحماي ة و األمن
و الطمأنينة . 7بينما يذهب جانب آخر إلى أن إلتزام األجن بي ب دفع الض رائب ال تي تفرض ها
الدولة يرجع في الواق ع إلى أن خض وع الف رد للض ريبة ال يق وم على فك رة تبعيت ه له ا من
الناحية السياسية بقدر ما يقوم على تبعيته له ا من الناحي ة االقتص ادية ، 8بمع نى أن االل تزام
بأداء الضريبة ال يستند إلى جنس ية الش خص ب ل إلى إقامت ه في الدول ة أو إمتالك ه لم ال أو
قيامه بعمل فيها .
و تمتلك الدولة المضيفة لالستثمار مبدئيا حرية واس عة في ف رض الض رائب المختلف ة على
األجانب الذين يمارس ون نش اطا إس تثماريا في إقليمه ا ،إذ يمكنه ا أن تف رض عليهم أعب اء
مالية تفوق تلك المفروضة على الوطنيين .
اعتمدت الدولة التونسية منذ البداية سياسة تشجيعية لالستثمار و ك انت في ك ل م رة تح اول
أيج اد اآللي ات و الوس ائل المناس بة الس تقطاب االس تثمار األجن بي ،فالض مانات القانوني ة
لالستثمار مازالت تمثل المحور الرئيسي الذي تدور من حوله جميع تش ريعات االس تثمار و
االتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الصدد .
7
أحمد مسلم ،القانون الدولي الخاص :في الجنسية ،و مراكز األجانب ،و تنازع القوانين (القاهرة ،دار النهضة المصرية ، )1954ص 320
8
فؤاد عبد المنعم رياض ،مبادئ القانون الدولي الخاص ،بيروت ،دار النهضة العربية ، 1969ج ، 1ص 375
و حاولت ت ونس وض ع الحل ول القانوني ة المناس بة لع دم عرقل ة االس تثمار من ذل ك تبس يط
إج راءات إنج از المش روعات ،إتاح ة ملكي ة األج انب لألراض ي الفالحي ة و التخفي ف من
العبء الض ريبي ال ذي يف رض على االس تثمار .ك ل ذل ك في إط ار السياس ة التحرري ة
االقتصادية التي انتهجتها منذ االستقالل .
الفقرة الثانية :حق اختيار النظام االقتصادي المالئم
تختلف تشريعات االستثمار من دولة إلى أخرى باختالف عدة عوامل عادة ما تحدد توجهات
المشرع في هذه الدولة أو تلك في صياغة التشريع المنظم لالستثمار ،ومن أهم هذه العوام ل
الظ روف االقتص ادية الس ائدة ،مث ل م دى احتي اج الدول ة المض يفة ل رؤوس األم وال أو
التكنولوجي ا وم دى حاجته ا للم واد الطبيعي ة وم دى توف ير الي د العامل ة الوطني ة وحاجته ا
لتشغيلها ،وحجم السوق المحلي وم دى إس تعابه لمنتوج ات المش اريع االس تثمارية والق درة
الفنية والمالية واللوجستية لتصدير تلك المنتوجات ،يضاف إلى ذلك كله الظروف السياس ية
السائدة في الدولة والتي عادة ما تحدد السياسات االقتصادية التي تنعكس بالضرورة على م ا
يتبناه المشرع.
و يعتبر موضوع تدخل الدولة في النشاط االقتصادي من المواضيع ال تي تناوله ا المفك رون
االقتصاديون منذ القدم إلى غاية اليوم ،فالدولة تحتل مكانة في المجتم ع باعتباره ا الم دبر و
المنظم لش ؤونه و تغلغ ل أجهزته ا في ش تى مج االت الحي اة السياس ية و االقتص ادية و
االجتماعية ،و لقد أصبح واض حا ب أن للدول ة دورا كب يرا في قي ادة و توجي ه االقتص اد بم ا
يحقق األهداف التنموية .
و اختلفت صور و حاالت هذا التدخل من دولة إلى أخ رى من حقب ة زمني ة ألخ رى و ذل ك
نظ را للمس تجدات ال تي تط رأ على الس احة الدولي ة من المتغ يرات الفكري ة و الوق ائع
االقتصادية ،فالدولة ال يمكنها أن تكون حيادي ة ح تى ل و اجته دت في ذل ك ،فهي تلعب دورا
محوريا حتى في أكثر النظم الرأسمالية ،إذ يتطلب التطور االقتص ادي و االجتم اعي للدول ة
ق رارات اس تثمارية على درج ة كب يرة من األهمي ة و الض خامة و الخط ورة ال يمكن أن
يتحملها القطاع الخاص بناء الطرق العامة ،حفظ األمن ،تحقيق العدالة...
تحتل البالد التونسية الرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث األقدمي ة في إب رام االتفاقي ات خاص ة
الثنائي ة (أول إتفاقي ة أمض تها الجمهوري ة الفيدرالي ة االلماني ة م ع الباكس تان في
،)25/12/1959فقد أمضت يوم 2/12/1961أول إتفاقي ة في مج ال االس تثمار و ك ان
ذل ك في "ب ارن " م ع سويس را و ك ان موض وعها "حماي ة و تش جيع إس تثمارات رؤوس
األموال" ،9ثم صدرت مجلة االستثمارات و ذل ك بمقتض ى الق انون ع دد 35لس نة 1969
المؤرخ في 26جوان . 1969
9بمقتضى القانون عدد 63-39بتاريخ ، 4/11/1963انظر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ،العدد 12-8 ، 53نوفمبر 1963
و انتهجت تونس منذ سنة 1986سياسة إقتصادية تحررية تنفيذا لبرنامج االص الح الهيكلي
لالقتصاد ،فتت الت الق وانين المع برة عن ه ذا الخي ار .و تمثلت أولى الخط وات الهام ة في
إصدار مجلة الضريبة على دخل األشخاص الطبيعيين و الض ريبة على الش ركات بمقتض ى
الق انون ع دد 114لس نة 1989الم ؤرخ في 30ديس مبر 1989ال تي بموجبه ا أعطت
الدولة للجباية مكانة هامة و دورا بارزا في تحقيق التنمية االقتصادية و تشجيع المستثمرين.
ثم أصدر المش رع الق انون ع دد 64الم ؤرخ في 29جويلي ة 1991المتعل ق بالمنافس ة و
األسعار و ذلك في إطار السير باالقتصاد الوطني نحو نظام اقتصاد السوق ،و هو م ا تأك د
بصدور مجلة تشجيع االستثمارات و ذلك بموجب القانون عدد 120لس نة 1993الم ؤرخ
في 27ديس مبر 1993ال تي جمعت مختل ف النص وص القانوني ة المتعلق ة باالس تثمار في
مجلة واحدة سهلة الفهم و اإلدراك.10
و بقي نسق إبرام هذه االتفاقيات يشهد ارتفاعا مستمرا حيث أبرمت ت ونس اتفاقي ات ش راكة
مع الغالبية العظمى من الدول المصدرة ل رؤوس االم وال و المنتمي ة لعدي د المن اطق اهمه ا
المناطق العربية و االوروبية المتوسطية .
ثم ،وفي ،2016و بعد تغير النظام السياس ي في ت ونس من ذ ث ورة ،2011ص در الق انون
عدد 71لسنة 2016المؤرخ في 30سبتمبر 2016و المتعل ق باالس تثمار ال ذي ح رص
على تحسين االستثمار و دفع مناخ األعمال ،كما قام هذا القانون بإحداث هيئات جدي دة مث ل
المجلس األعلى لالس تثمار ال ذي يض بط سياس ة و اس تراتيجية و ب رامج الدول ة في مج ال
االستثمار ( .اين القانون الجديد عدد 47لسنة ) 2019؟؟؟؟؟
و تعت بر ت ونس من أهم البل دان ال تي أرس ت سياس ة تش ريعية مكنته ا من تك وين ش بكة من
العالقات اإلتفاقية في ميدان االستثمار الخارجي تتميز بكونها سلسة و متنوعة و ثرية ش كال
و موضوعا.
إن أغلب روابط االستثمار بطبيعتها ذات آجال طويلة إال أن هناك رواب ط اس تثمار ليس له ا
آجال طويلة ،كما هو الشأن بالنسبة لالستثمارات في البورصة التي تكون فوري ة أو مؤقت ة،
كما أنها تكون ذات صلة وثيقة بكيان الدول ة المض يفة س واء بطريق ة مباش رة عن دما يتعل ق
األمر باستغالل الثروات الطبيعية للبالد أو بطريقة غير مباشرة من خالل الت أثير في خط ط
التنمية االقتصادية للبالد ،مما يجعل للدولة كطرف في هذه الروابط ص الحيات و امتي ازات
واسعة.11
الفصل الثاني :األساس الموضوعي ,للحماية
10نادر قيدارة ،دور القاضي في حماية االستثمار ،ملتقى حول اليات حماية االستثمار بكلسة الحقوق و العلوم السياسية بسوسة ، 2006 ،ص
273
11لما احمد كوجان،التحكيم في عقود االستثمار بين الدولة و المستثمر االجنبي وفقا الحكام المركز الدولي لتسوية منازعات االستثمار في
واشنطن ،منشورات زين الحقوقية ،بيروت ،2008ص 75-74
قد يبدو للبعض أن الدولة تمثل الطرف األقوى و المهيمن في عقد االستثمار ،إال أنه واقعي ا
فاألمر على العكس من ذلك ،لهذا نتح دث عن حماي ة الدول ة من تعس ف المس تثمر خاص ة
األجنبي الذي يكون في العادة شركات متعددة الجنسية .
و هذه الحماية تفترضها خصوصية مفهوم الدولة المتعاقدة مع المستثمر باعتبارها تنتمي إلى
نظام قانوني مختلف عنه (المبحث األول) .
و بخالف الخصوصية التي يتمتع بها طرفا العق د ،ف إن عق د االس تثمار ب دوره يتم يز بع دة
خصوصيات جعلته مح ل ج دل فقهي دولي خاص ة ح ول مس ألة طبيعت ه القانوني ة (المبحث
الثاني) .
المبحث األول :خصوصية الدولة الطرف في عقد االستثمار
تقوم عقود االستثمار كبقية العقود األخرى عن د ت وفر الش روط العام ة من أهلي ة و رض ا و
محل و سبب ،لكنها تتميز بخصوصية من حيث أطرافها إذ تجم ع بين ط رفين مختلفين من
حيث الطبيعة ،الدولة كشخص من أشخاص القانون العام و المستثمر كشخص من أشخاص
القانون الخاص .
فتحديد ماهية الدولة و ما يدخل تحت وصف الدول ة من األش خاص المعنوي ة العام ة يتطلب
معرفة مدى تبعي ة أو إس تقاللية تل ك األش خاص عن س لطة اتخ اذ الق رار في الدولة(الفق,,رة
األولى).
كما أن تحقيق التوازن بين ط رفي عق د االس تثمار المنتم يين إلى نظ امين ق انونيين مختلفين
يتطلب تحليل حقوق وواجبات كل طرف منهما(الفقرة الثانية). ,
الفقرة االولى :صفة الدولة كمستثمر
اختلفت التعاريف المقدمة للدولة و تعددت إال أن أغلب هذه التعاريف أجمعت تقريبا على أن
وجود الدولة يفترض إجتماع ثالثة عناصر مادية وهي الشعب و اإلقليم و سلطة تكفل القي ام
بوظائف الدولة في النظام الداخلي و على المستوى ال دولي ، 12و عنص ر ق انوني يتمث ل في
صدور إعتراف دولي بوجود الدولة. 13
و الدولة التي تثبت لها الشخصية الدولية بعناصرها السابقة هي الدولة التامة الس يادة ،ال تي
ال تخضع لسلطة أي دولة أخرى خارجية .
فالدول ة إذا هي الش خص الق انوني الط بيعي في المجتم ع ال دولي ،أي أن له ا أهلي ة التمت ع
بالحقوق و تحمل االلتزامات ،كما تمل ك س لطة التعب يرعن إرادة ذاتي ة في إط ار العالق ات
الدولية .و في هذا اإلط ار يمكن أن ت برم الدول ة عق ود إس تثمار م ع المس تثمرين األج انب
بحسب حاجتها إلى تنفيذ خططها االقتصادية .
12
Paul Reuter , Les indtitutions Internationales , 6éd.Thémis , Paris 1967 , p 105 et ss
13
محمد حافظ غانم ،مبادئ القانون الدولي العام ،دار النهضة العربية ، 1967 ،ص 235و ما بعدها
و عندما تبرم الدولة هذه العقود غالبا ما تبرمها بطرق مباش رة عن طري ق رئيس الدول ة أو
رئيس الحكومة أو أحد الوزراء ،كما يمكن أن تبرمها بطريقة غير مباشرة عن طري ق قي ام
أحد المؤسسات أو الهيئات التابعة لها بإبرامها. 14
و من المتفق عليه أنه في حالة قيام الدولة بابرام عقود االس تثمار بش كل مباش ر عن طري ق
الحكومة ،التي تتخذ القرارت الالزمة للنهوض باالستثمار و تحسين مناخ أعمال االس تثمار
فان هذا األمر ال يثير أي صعوبة ،حيث أن الدول ة بوص فها ش خص من أش خاص الق انون
الدولي العام لها الحق أن تبرم هذه العقود .
تثار الصعوبة عن دما يك ون الط رف ال ذي أب رم عق د االس تثمار مؤسس ة أو هيئ ة عام ة أو
جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية و ذمة مالية مستقلة عن الدولة لكن في عالقة تبعي ة
مع الدولة في نفس الوقت ،فهل تعتبر الدولة طرفا في عقد االستثمار في هذه الحالة .
بالعودة للفقه و فقه القضاء نجد معيارين أساسيين يمكن الرجوع لهما لتحديد آثار العقد على
الدولة و هما المعيار القانوني و المعيار االقتصادي .
*المعيار القانوني
يعتمد هذا المعيار على عملية التوقيع الم ادي للعق د و االس تقاللية القانوني ة ال تي تتمت ع به ا
المؤسسة التي قامت بتوقيع العقد ،15و التي يجب أن تتحمل المسؤلية كاملة و ال دخل للدول ة
في هذا العقد بما أن هذه المؤسسة تتمتع بذمة مالية و شخصية قانونية مستقلة عن الدولة .
و ق د تم األخ ذ به ذا المعي ار في قض ية هض بة االه رام ،حيث قض ت محكم ة االس تئناف
بباريس في 12/7/1984بابطال الحكم التحكيمي الذي أدان الدول ة المص رية إذ أن توقي ع
الهيئ ة العام ة للس ياحة و الفن ادق (ايج وت) ل بروتوكول نواي ا م ع ش ركة ممتلك ات جن وب
الباسيفيك S.P.Pو شركة جنوب الباسيفيك للشرق االوسط S.P.P.M.Eال يل زم الدول ة
المصرية. 16
*المعيار االقتصادي
يستند هذا المعيارعلى تأثير األبعاد االقتصادية و االجتماعية و السياسية ال تي ته دف الدول ة
إلى تحقيقها جراء العقود التي تبرمها الهيئات و المؤسسات التابعة له ا ،أي أن مج رد تمت ع
الهيئات و المؤسسات العمومية بالشخصية القانونية يجب أن ال يحول دون القول بأنها تمث ل
الدول ة على المس توى الق انوني بم ا أن المؤسس ات العمومي ة ذات الص بغة االداري ة و
الجماع ات المحلي ة ال تي أب رمت العق د ووقعت علي ه مادي ا تق وم بتط بيق و تنفي ذ سياس ات
14رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر ،الحماية القانونية لالستثمارات االجنبية المباشرة ،و دور التحكيم في تسوية المنازعات الخاصة بها ،
الطبعة االولى ، 2011دار النشر الحلبي ،ص 102
15سالمة فارس عزب ،وسائل معالجة اختالل توازن العالقات العقدية في قانون التجارة الدولية ،رسالة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة المنوفية
مصر ، 1998 ،ص 99
16ابراهيم محمد العناني ،اللجوء الى التحكيم الدولي ،الطبعة االولى ،دار الفكر العربي ، 1984 ،ص 35
مرسومة من قبل الدولة التي تنتمي اليها و تمثل مصالحها العام ة االقتص ادية و االجتماعي ة
و السياسية على الرغم من تمتعها باالستقاللية القانونية. 17
و قد أخذ المشرع التونسي بهذا المعيار ،كما تبناه المركز الدولي لتسوية نزاعات االس تثمار
في قضية Emilio Agustin Maffeziniضد اسبانيا سنة 1997عندما تمسكت دول ة
إسبانيا بعدم إختصاص المركز ألن النزاع لم يكن بين المس تثمر Maffeziniو إس بانيا ب ل
نشأ بين المستثمر و شركة Sodigaفقضت هيئة التحكيم ب أن تحدي د تبعي ة الجه از للدول ة
18
يكون من خالل معيارين احدهما عضوي و اآلخر وظيفي.
تبرم إذا الدولة في مجال التجارة الدولية بصفة عام ة و في مج ال االس تثمار بص فة خاص ة
عقودا بصفة غير مباشرة و ذلك عن طريق أحد الهيئات العمومي ة أو المؤسس ات العمومي ة
أو الجماعات المحلية .
السلط العمومية أو الهيئة العمومية هي شخص معنوي من أشخاص القانون العام تعمل بإس م
و لحساب الدولة في إطار مرفق ع ام ،فالهيئ ة العمومي ة من خالل ه ذا التعري ف ال تش مل
فقط الهيئ ات المحلي ة ب ل تش مل ك ل ش خص معن وي لتحت وي إذا المؤسس ات ذات الص بغة
االدارية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية و التجارية.19
نالح ظ هن ا أن ه يجب التفري ق بين المؤسس ات العمومي ة و المنش آت العمومي ة إذ أن ه ذه
األخيرة ليست شخصا عموميا ،فيمكن ان تك ون ش ركة تجاري ة .و بالت الي فهي ال تعت بر
هيئة عمومية إال متى تم تكوينها في شكل مؤسسة عمومية و تسمى حينئ ذ مؤسس ة عمومي ة
ذات صبغة صناعية و تجارية 20مثل الشركة التونسية للكهرباء و الغاز و الش ركة التونس ية
للسكك الحديدية ...
أما بالنسبة للمؤسسات العمومية ،فيتفق القانون و الفقه على وجوب ت وفر خص ائص معين ة
كي تكيف مؤسسة ما على أنها مؤسسة عمومية ،إذ يجب أن تتمتع بالشخصية المعنوية بم ا
يمكنها من إكتساب بعض االستقاللية و ذمة مالية مستقلة و أن تضطلع بتسيير مرفق ع ام و
يحق لها القيام بصفقات عمومية .
و تنقس م المؤسس ات العمومي ة إلى مؤسس ات عمومي ة إداري ة و مؤسس ات عمومي ة غ ير
إدارية ،و العقود التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الصبغة االداري ة تكي ف مب دئيا على
أنها عقود إدارية و ترجع بالنظر الى االختصاص المطلق للمحكمة االداري ة و ه و م ا أك ده
فقه قضاء هذه المحكمة ،فاختصاص ها ت برره ص بغة العق د بم ا أن موض وعه يمث ل إنج از
عمومي فهو عقد إداري باألساس. 21
17رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر ،الحماية القانونية لالستثمارات االجنبية المباشرة و دور التحكيم في تسوية المنازعات الخاصة بها ،
الطبعة االولى 2011 ،دار النشر الحلبي ،ص 102
18
Omar E.Garcia-Bolivar , Special Rpecial Report on ICSID . Jurisdiction
19
Ouerfelli Ahmed , L’arbitrage dans la jurisprudence tunisienne , éd.Latrach 2010 , p 118
20محمد بن عبد الغفار " ،التحكيم و المؤسسات العمومية ،منشورات في التحكيم في ظل العولمة" ،ملتقى وطني بالمعهد االعلى للقضاء ،تونس
في 24افريل ، 1998ص 13
21قرار استئنافي صادر عن المحكمة االدارية عدد 1082بتاريخ 1فيفري 1993
أم ا الجماع ات المحلي ة فق د عرفه ا المش رع التونس ي ص لب أحك ام الفص ل 2من مجل ة
الجماعات المحلية بأنها "ذوات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و االس تقاللية االداري ة و
المالية تتكون من بلديات و جهات و أقاليم يغطي كل صنف منها كام ل ت راب الجمهوري ة و
للقانون أن يحدث اصنافا خصوصية من الجماعات المحلية".
و بوجه عام يمكن القول بأن أشخاص القانون العام االعتبارية تشمل الدولة و ك ذلك األقس ام
االدارية و السياسية التابعة لها ،فتقوم هذه الكيانات القانونية ضمن إختصاصها بإبرام عقود
إستثمار و ذلك لتنفيذ بعض جوانب خطة التنمية االقتصادية للدولة ،و في هاته الحالة تعه د
الدولة إلى هذه الهيئات االعتبارية بتنفيذ خططها التنموية فتتمتع بشخصية قانونية مستقلة في
إبرام العقود التي تتطلبها إدارة هذا المرف ق الحي وي و يقتص ر دور الدول ة هن ا على وض ع
22
الخطط و السياسة العامة .
الفقرة الثانية :إنتماء الدولة إلى نظام قانوني مختلف عن المستثمر
القانون الجديد
عرف المشرع التونسي المستثمر صلب الفصل الثالث من قانون 2016المتعلق باالستثمار
بكونه "كل شخص طبيعي أو معنوي ،مقيم أو غير مقيم ينجز استثمارا "
كما عرفته اتفاقية االستثمار المتعددة االطراف MAIالذي اعدته منظمة التعاون االقتصادي
و التنمي ة OECDبان ه "ليس فق ط ه و المتمت ع بجنس ية دول ة متعاق دة و لكن ه ايض ا من
المقيمين بصفة قانونية دائمة على اراضي دولة موقعة و هو أي شخص حقيقي أو إعتب اري
حتى و إن كان النشاط الذي يقوم به ليس ألغراض الربح"
عموما ،فالمستثمر الطرف الثاني في عقد االستثمار عادة ما يكون إحدى الشركات األجنبية
لكن هذا ال يمنع من أن يكون المستثمر شخص طبيعي مواطن في الدولة المضيفة لالستثمار
أو أجنبي عنها .و بالفعل نج د المش رع التونس ي في ق انون 2016لالس تثمار يتح دث عن
المستثمر التونسي و المستثمر األجنبي .
يمكن للدولة المصدرة لرأس المال أن تكون طرف ثاني في عقد االستثمار سواء كانت طرفا
أصليا أو أحد الهيئات التابعة لها ،فال شيء يمنع من ذل ك منطقي ا ،و ذل ك ب الرجوع لمب دأ
السيادة الذي يخول للدولة المصدرة لرأس المال أن تبرم عق ودا ك ذلك . 23و م ا يؤك ده الفق ه
أن هذا األمر ال يثير إشكال باعتبار أن طرفي العقد ينتميان لنفس النظام القانوني .
بالعودة للفص ل الث الث الم ذكور س ابقا ،نج د أن المش رع التونس ي يعتم د معي ارين لتحدي د
طبيعة المستثمر وهما معيار اإلقامة و معيار الجنسية
*معيار الجنسية
22فؤاد محمد محمد ابو طالب ،التحكيم الدولي في منازعات االستثمار االجنبية وفقا الحكام القانون الدولي العام ،دار الفكر الجامعي 30شارع
سوتير االسكندرية ت 4843132 :ص 85
23رمضان علي عبد الكريم دسوقي ،مرجع سابق ،ص 105
بالنسبة لألشخاص الطبيعيين ،فقد خص الق انون التونس ي الجنس ية بمجل ة كامل ة هي مجل ة
الجنس ية م يز من خالله ا بين المواط نين و األج انب .و التفرق ة بين المس تثمر التونس ي و
المستثمر األجنبي ت برز خاص ة في مس ألة التحكيم فالفص ل 24من ق انون االس تثمار لس نة
2016يسمح للمستثمر األجنبي باللجوء إلى التحكيم و ذل ك على عكس المس تثمر التونس ي
الذي قيده المش رع بوج وب ع رض ال نزاع على المص الحة أوال ،ف ان تع ذرت المص الحة
يمكن له اللجوء للتحكيم الدولي إذا كان لالستثمار صبغة دولية .
بالنسبة للشخص المعنوي المسألة تمثل بعض الصعوبة ،حاول المش رع التونس ي حله ا من
خالل المرسوم عدد 14لسنة 1961الم ؤرخ في 30أوت 1961المتعل ق ببي ان ش روط
مباشرة بعض أنواع من النشاط التجاري الذي إعتم د ع دة مع ايير لتحدي د جنس ية الش خص
المعنوي (المقر ،ملكية رأس المال ،إقامة المدير العام . )...
*معيار االقامة
تعد مسألة االقامة جوهرية في قوانين االستثمار الرتباطها بنتائج هامة على مستوى وضعية
المستثمر و امتيازاته و الضمانات الممنوحة له .و على الرغم من تعرض قوانين االستثمار
إلى عنصر االقامة إال أنه ال يوجد أي نص يظبط بدقة ووضوح معيار االقامة.
نجد المشرع التونسي قد نظم المقر بمجلة المرافعات المدنية و التجارية ،إذ أن أهمية المق ر
ت برز على مس توى المع امالت المدني ة و التجاري ة باعتباره ا المح ور األساس ي في نش اط
الشخصية القانونية .
بصفة عامة ،االقامة هي مسألة واقعية تعتمد على عنص ر التواص ل و أحيان ا على عنص ر
مركز النشاط االقتصادي و المهني ، 24كما عرفها فقه القضاء الفرنسي بأنها المكان الذي
يقيم في ه الش خص فعلي ا في أغلب األحي ان و المرك ز ال ذي تجتم ع في ه مص الحه
االقتصادية و المهنية. 25
و سواء كان المستثمر شخص طبيعي أو معنوي ،مواطن أو أجنبي ،و بخالف حالة الدولة
المصدرة لرأس المال الطرف في عقد االستثمار ،فان المستثمر يمثل ش خص من أش خاص
القانون الخاص له نظام قانوني مختلف عن الدولة ،المنتمية ألشخاص القانون العام .
والقانون العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تكون الدولة طرفا فيها
باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ،أما القانون الخاص فهو مجموع ة القواع د ال تي تحكم
العالقات بين األفراد بوصفهم أفرادا .
وأساس التفرقة بين قواعد القانون العام و الخاص هو أن الدول ة باعتباره ا ص احبة الس لطة
العامة تهدف إلى تحقيق المص لحة العام ة للمجتم ع أم ا إذا ك انت ال تم ارس الس يادة فانه ا
24
Niclas Andier , La notion de résidence dans la réglementation des relations finances avec l’étranger , droit et
pratique du commerce international , 15 n°22 , 1989 p 326
25
Arret du conseil de l’Etat Français du 24 octobre 1979 , Dalloz 1979 , p 444
تهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة ،وعلى أساس هذا التمييز فان الدولة إن وجدت طرف ا في
العالقة القانونية باعتبارها صاحبة السيادة كان القانون الذي يحكم العالقة ه و الق انون الع ام
وال يهم أن يكون الطرف اآلخر في العالقة فردا أو جماعة أو هيئ ة إداري ة أو دول ة أخ رى
أما إذا كانت العالقة ال تدخل فيها الدولة باعتبارها ص احبة الس يادة كابرامه ا لبعض العق ود
في مجال االستثمار مثال ،فان القانون المنطبق في مثل هذه األحوال يكون القانون الخاص.
تجدر اإلشارة إلى أنه هن اك رأي فقهي ي رى أن عق ود اإلس تثمار ال يش ترط بالض رورة أن
تكون بين طرفين أحدهما الدول ة أو أح د أش خاص الق انون الع ام ،ب ل يج وز أن تك ون بين
طرفين من أفراد القطاع الخاص مستعملين عقود تعرف بعقود ( B.O.Tالبناء و التشغيل و
نقل الملكية).
هذه العقود تق وم على تموي ل مش روع تعطي بموجب ه االدارة إمتي ازا لف ترة زمني ة مح ددة
لشركة خاصة تضم مجموعة مقاولين أو موظفين إلنجاز و تطوير و إستثمار مش روع ع ام
من البني ة التحتي ة ،فتت ولى ه ذه الش ركة على نفقته ا بن اء و إنج از األش غال و إس تثمار
المشروع طوال فترة العقد ،ثم تسترجع شركة االستثمار كلفة المشروع و األرباح المرتقب ة
26
من العملية و تعيد المشروع إلى االدارة المتعاقدة في نهاية العقد .
تختص الدول ة ال تي يق ع فيه ا االس تثمار من حيث األص ل بتنظيم معامالت ه و حمايت ه عن
طريق وضع مجموعة من القواعد القانونية التي تراها كفيلة بتحقيق أهدافه .
و في هذا الخص وص ،هن اك إلتزام ات ذات ط ابع ع ام يجب على المس تثمر االل تزام به ا
خاصة المستثمر األجنبي منها مثال إحترام القواع د الفني ة الس ائدة في المج ال مح ل العق د ،
إمداد الدولة بأفضل المواد و أكثرها مناسبة للمش روع مح ل التعاق د و إس تخدام التكنولوجي ا
المتطورة ،االعالم و االخبار ومكاشفة الدولة ،التنمية البشرية و تدريب العمالة المحلية ...
وفي المقاب ل تل تزم الدول ة ك ذلك بع دم عرقل ة المش روع االس تثماري و توف ير الض مانات
الالزمة له من خالل التخفيف من األعباء الضريبية و الجمركية المفروضة عليه مثال .
كل هذه االلتزامات من الطرفين تدرج صلب عق د االس تثمار ال ذي ينتمي إلى نظ ام ق انوني
مميز نظرا لخصوصية أطرافه ،لكن كذلك لخصوصية طبيعته العقدية .
المبحث الثاني :خصوصية عقد االستثمار التي تكون الدولة طرفا فيه
أصبحت عقود االستثمار األداة الفاعلة في تحقيق أه داف التنمي ة في المج االت المختلف ة في
دول العالم عامة والدول النامية خاصة ،إذ يعتبر عقد االستثمار ثمرة التطور الطبيعي لدور
الدولة ووظائفها في العصر الح ديث ،حيث انتقلت وظيف ة الدول ة من الدول ة الحارس ة ال تي
تحق ق األمن وال دفاع والع دل إلي الدول ة المتدخل ة في كاف ة مج االت الحي اة االقتص ادية
واالجتماعية والثقافية لتحقيق رفاهية المواطن .
26إلياس ناصيف ،العقود الدولية ،عقد البوت B.O.Tفي القانون المقارن ،منشورات الحلبي الحقوقية ، 2011ص 241
وتتميز عقود االستثمار بطبيع ة خاص ة تختل ف عن العق ود األخ رى (الفق رة األولى) ،كم ا
تتع د أنواعه ا حس ب المج االت المختلف ة لالس تثمار خدمي ة ك انت أو س لعية أو رأس مالي ة
(الفقرة الثانية) .
الفقرة األولى :الطبيعة القانونية لعقد االستثمار عامة
تجدر االشارة أوال إلى أن البعض من الفقهاء اعتبروا أن عقود االستثمار هي اتفاقيات دولية
فهي تصرفات قانونية تنشئ آثارا على عاتق الدولة المتعاقدة و يك ون االختص اص في فض
المنازعات الناشئة عنها مسند إلى هيئات دولية متمثلة في التحكيم الدولي ،وغالبا ما تستبعد
الق وانين الداخلي ة من التط بيق علي المنازع ات الناش ئة عن ه ذه العق ود .كم ا أن عق ود
االستثمار هي عقود تنمية ال تقوم بها إال الدولة من خالل االتفاقيات الدولية التي تبرمها م ع
أطراف دولية أخرى. 27
إال أن هذا االتجاه انتقده أغلب الفقهاء و ذل ك لك ون أن العق د ال دولي س واء ك ان ألغ راض
التنمية أو أن أحد أطرافه شخص قانوني دولي ال يخرجه من فئ ة العق ود الدولي ة ،ب ل تبقي
الصفة العقدية هي األساس في تحديد طبيعة هذه العقود .
عالوة على أن إجراءات نفاذ هذه العقود يكون طبقا للشروط الواردة فيها وليس لم ا ورد في
االتفاقيات الدولية ،كذلك فإن محكمة العدل الدولية لم يحدث له ا أن فص لت في المنازع ات
الناشئة عن العقود الدولية بالرغم من اختصاصها األصيل في الفصل في المنازعات الناش ئة
عن االتفاقيات الدولية وفق نص المادة 38من نظامها األساسي.
اختلف الفقه الدولي حول تحديد طبيع ة عق ود االس تثمار ،و انقس م الج دل في الواق ع ح ول
مس ألتين :تمثلت األولى في المعي ار المح دد لدولي ة عق ود االس تثمار ،أم ا الثاني ة فك ان
االختالف حول ما إذا كانت هذه العقود إدارية أو مدنية .
تعتبر عقود االستثمار من العقود الدولية (بخالف بعض الحاالت) ،باعتبار أن الدول ة تمث ل
طرفا في العقد من جهة ،كما أنها تمثل نشاطات ذات طابع دولي نظرا لوجود أحد العناصر
الدولية فيها من جهة أخرى
و لم يستقر الفقه القانوني على وضع معيار محدد إلضفاء صفة الدولية على عقود االستثمار
إذ إتجه جانب من الفقه إلى األخذ بالمعيار القانوني مدعما رأيه بجمل ة من الحجج واألس انيد
التي لم تسلم من النقد .و من الجانب اآلخ ر ال ذي اعتن ق معي ارا اقتص اديا ص رفا إلض فاء
صفة الدولية علي هذا النوع من العقود ،والذي بدوره لم يسلم من النقد
*المعيار القانوني
حسب المعيار القانوني ،يعد العقد دوليا بصفة عامة عندما تتصل عناص ره القانوني ة ب أكثر
من نظام قانوني واحد بمعنى أن إب رام العق د ك ان في دول ة أجنبي ة أو بين أطرافه ا ش خص
27صالح الدين جمال الدين ،عقود الدولة لنقل التكنولوجيا ،دراسة في اطار القانون الدولي الخاص و القانون التجاري الدولي ،جامعة عين
شمس ، 1993ص 102
أجنبي أو مقيم في دولة غير دولته أو كان تنفيذ العق د في دول ة أجنبي ة يض في علي ه الص فة
الدولية. 28
و ذهب جانب من الفقه الحديث مدعما المعي ار الق انوني في إكس اب عق د االس تثمار للص فة
الدولية إلى وجوب التفرقة بين العناصر الفاعلة والمؤثرة والعناصر غير الفاعلة أو المحايدة
التي تتطرق إلي الصفة األجنبية في العقد.
و قد اعتمد المشرع التونسي هذا المعيار صلب مجلة القانون ال دولي الخ اص عن دما ع رف
العالقة الدولي ة في الفص ل الث اني من المجل ة "تعت بر دولي ة العالق ة ال تي ألح د عناص رها
المؤثرة على األقل صلة بنظام أو بعدة أنظمة قانونية غير النظام القانوني التونسي" .
إال أن هذا المعيار إنتقد لكون ه ي ترك تحدي د م دى فاعلي ة عناص ر العق د من ع دمها لس لطة
القاضي التقديرية ،كما أن هذا المعيار ال يستجيب للتفرق ة بين متطلب ات الحي اة االقتص ادية
الدولية والحياة االقتصادية الداخلية .
*المعيار االقتصادي
استند فقه القضاء الفرنسي في تحديد الصفة الدولية للعقد على معيار إقتص ادي يع د بموجب ه
العق د دولي ا ً إذا ك ان يتص ل بمص الح التج ارة الدولي ة .أي ينط وي على رابط ة تتج اوز
االقتصاد الداخلي لدولة ما ،ويترتب عليها حركة لألموال وانتقالها من مكان إلى آخر.
بما يعني أن إعمال المعيار االقتصادي لدولية العقود ال يتعارض م ع المعي ار الق انوني ،ألن
العقد الذي يترتب عليه حرك ة لألم وال وانتقاله ا من دول ة إلى أخ رى ه و عق د دولي وفق ا ً
للمعيار االقتصادي ،وه و عق د يتص ل بالض رورة ب أكثر من نظ ام ق انوني واح د ،وبالت الي
يكون عقداً دوليا ً وفق ا ً للمعي ار الق انوني في ال وقت نفس ه .إال أن العكس غ ير ص حيح فل و
اكتسب العقد طابعه الدولي وفقا ً للمعي ار الق انوني فليس بالض رورة أن يتحق ق مع ه المعي ار
االقتصادي .من هنا يتبين أن المعيار القانوني لدولية العقد أوسع من المعي ار االقتص ادي و
أن األخذ بالمعيار االقتصادي سيفضي بالض رورة إلى المعي ار الق انوني في حين أن العكس
غير صحيح بالضرورة .
تجدر اإلشارة إلى أن المشرع التونسي إعتمد تعريفا موسعا جدا و خاصا لمسألة الدولي ة في
مجلة التحكيم و ذلك صلب الفصل 48من المجلة بص فة تس مح في بعض الح االت بت دويل
التحكيم رغم عدم وجود عنصر مؤثر و تسمح حتى إلرادة األطراف بت دويل التحكيم بص فة
مصطنعة ،لكن هذا الفصل يبقى استثنائي و خاص بمجال التحكيم. 29
ذهب جانب من الفقه إلى إعتبار أن عقود االس تثمار هي عق ود إداري ة و ذل ك لع دة أس باب
تتمثل أهمها في أن الدولة طرف في هذه العقود تتمتع بصفة السيادة و تمنح للمس تثمر مزاي ا
28فؤاد محمد محمد أبو طالب ،التحكيم الدولي في منازعات االستثمار االجنبية وفقا الحكام القانون الدولي العام ،دار الفكر الجامعي 30شارع
سوتير االسكندرية ت ، 4843132ص 66
29لطفي الشاذلي و مالك الغزواني ،تعليق على مجلة القانون الدولي الخاص ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس ، 2008ص 68
غ ير معت ادة في مج ال العق ود م ع األف راد مث ل اإلعف اء من الض رائب ،كم ا أن اله دف
األساسي لهذه العقود هو تحقيق منفعة عام ة أو تس يير مرف ق ع ام بغض النظ ر عن كونه ا
تهدف إلى الربح كذلك. 30
ظهر موقف فقهي معاكس ردا على االتجاه السابق ،و اعتبر هذا االتجاه أن عقود االستثمار
هي عقود مدنية تخضع للقانون الخاص ،فالعقود المدنية هي ال تي تك ون متوافق ة أك ثر م ع
متطلبات التجارة الدولية بصفة عامة ،إذ أن الدولة في هذه العقود تتعامل مثلها مثل األف راد
العاديين .
و لكل ه ذه االختالف ات ظه ر فق ه ح ديث يعت بر أن عق ود االس تثمار و بص فة عام ة عق ود
التجارة الدولية ترتبط بنظام قانوني له كيانه الخ اص ، 31فهي عق ود تتمت ع بخاص يتين ،من
جهة هي ت وفر الحماي ة للمس تثمر األجن بي ،و من جه ة أخ رى هي تمنح امتي ازات للدول ة
تكفل لها تحقيق المصلحة العامة و هذا ما يشكل التوازن في المراك ز القانوني ة بين أط راف
العقد .
الفقرة الثانية :نطاق عقود االستثمار
ينقسم االستثمار عادة إلى شكلين رئيسيين ،االستثمار األجنبي غ ير المباش ر و يطل ق علي ه
االستثمار العام و االستثمار المباشر و يطلق عليه االستثمار الخاص ،ومعيار التفرقة بينهما
يقوم على أساس الهدف النهائي الذي يقوم عليه المشروع االستثماري :فاالس تثمار الخ اص
يكون هدفه األساسي هو الربح فقط بينما االستثمار العام تك ون أهداف ه باإلض افة إلى ال ربح
أهداف إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية .
*االستثمار غير المباشر
هو االستثمار الذي يتخذ شكل قروض مقدمة من األفراد أو الهيئات أو الش ركات األجنبي ة ،
أو يكون في شكل اكتتاب في األسهم و السندات الصادرة من الدولة المضيفة لرأس المال أو
هيئاتها العامة أو الشركات التي تنشأ فيها ،على أن ال يكون للمستثمر من األسهم م ا يخول ه
حق إدارة الشركة و السيطرة عليها. 32
عرفه المشرع التونسي في الفصل 3من قانون الستثمار بأن ه "المس اهمة النقدي ة أو العيني ة
في رأس مال الشركات بالبالد التونسية سواء عند تكوينها أو عند الترفيع في رأس ماله ا أو
اقتناء مساهمة في رأس مالها" .
من خالل هذا الفصل ربط المشرع التونسي االستثمار بالمساهمة مع القانون ع دد 92لس نة
1988الم ؤرخ في 2أوت 1988المتعل ق بش ركات االس تثمار ،ال ذي يمكن ب اعث
33بشار محمد االسعد ،عقود االستثمار في العالقات الدولية الخاصة ،منشورات الحلبي ،بيروت ،الطبعة االولى ، 2006ص 40
34دريد محمود السامرائي ،مرجع سابق ،ص 63
هذه التفرقة بين االستثمارات المباشرة و غير المباش رة لم تع د الي وم تتمت ع بنفس األهمي ة ،
فمازالت حتى اآلن جميع أشكال اإلستثمار المباشر وغيـر المباشر قائمـة ،إال أن اإلس تثمار
المباشر أصبح هو السائد في العالم .
و تسعى معظم البلـدان الناميـة اليـوم إلى االستثمار المباشر بمحاوالت جدية وبشتى الط رق
وذلك لما يترتب عليه من إنتقال التكنولوجيا الحديثة ،والخبرات الفنية والمهارات التنظيمي ة
إلى الدولة المضيفة .كم ا تعت بر اإلس تثمارات المباش رة مـن أفـضل اإلس تثمارات بالنس بة
للبل دان الص ناعية الرأس مالية إذ ي تيح له ا الس يطرة الفعلي ة على المش روعات اإلس تثمارية
وتوجيهها إلى أغراض اإلنتاج التى تخدم إقتصاده. 35
و اإلستثمارات المباشرة التى يقوم بها المستثمرون األجانب ال تتم إال من خالل إيجاد فروع
للشركات متعددة الجنسيات التـى تفـضل االنفـراد بملكيـة و إدارة المـشروع أو من خالل
إنشاء مشروعات مشتركة مع الدولة المضيفة
-الشركات متعددة الجنسية :
تعرف هذه الشركات على أنها مجموعة شركات مستقلة قانونا ً تقع في أكثر من دولـة تكـون
فـي مجموعها مشروعا ً إقتصاديا ً واحداً أو على األق ل مش روعا ً إقتص اديا ً متناس قا ً يمـارس
أنشطة دولية ،و تعتبر من أهم األشكال ال تي يأخ ذها االس تثمار المباش ر فهي مس ؤولة عن
أكثر من %80من االستثمارات األجنبية على مستوى العالم .
بالنسبة للدولة التونسية ،فقد انضمت إلعالن منطق ة التع اون و التنمي ة االقتص ادية OCDE
حول االستثمار الدولي و الش ركات متع ددة الجنس ية س نة ، 2012و ه و م ا مث ل التزام ا
للدول األعضاء على تطوير المناخ االستثماري و توف ير الظ روف المالئم ة ل دعم مس اهمة
الشركات األجنبية في العمل التنموي لهذه البلدان على المستويين االقتصادي و االجتماعي ،
وشمل اإلعالن على أربع آليات تعلقت بدعم المؤسسات متعددة الجنسيات. 36
-االستثمارات المشتركة :
االستثمار المشترك هو استثمار أجنبي ق ائم على أس اس المش اركة م ع رأس م ال وط ني و
بنسب متفاوتة تتحدد وفقا التفاق الشركاء و حسب القوانين المنظمة لذلك .
بمع نى أن االس تثمار األجن بي المش ترك ينش أ بين حكوم ة أو مس تمثر محلي من جهـة
ومـستثمر أجن بي أو اك ثر من جه ة أخ رى ،ويش ترك الطرف ان بموجب ه في ملكي ة وتموي ل
المشروع في إقليم الطرف األول ويتولى الطرف الث انى خ دمات اإلدارة والتوزي ع وماش ابه
ذلك . 37
35عمر هاشم محمد صدقة ،ضمانات االستثمار االجنبية في القانون الدولي ،دار الفكر الجامعي السكندرية ، 2006ص 10
36الموقع االلكتروني لمنظمة التعاون و التنمية القتصادية .WWW.Oecd.org
37بشار محمد األسعد ،مرجع سابق ،ص 44
و تتن وع العق ود ال تى تبرمه ا ال دول م ع المس تثمرين األج انب بهـدف تنميـة وتطـوير
اإلستثمارات في أقاليمها حسب حاجة الدول ة لتل ك العق ود و ال يمكن حص رها في أن واع أو
نماذج معينة ،بل أن الدول اليوم صارت تبرم هذه العقود بأشكال مختلفة و متنوع ة تناس ب
حاجتها في تنفيذ خططها التنموية واإلقتصادية .فقد تكون هذه العقود عبارة عن إسـتثمارات
فـي البنيـة التحتية االساسية (طرق -جسور -مدارس -مطارات – أنف اق )...أو ق د تك ون
في عقود تمويل أو عقود نق ل التكنولوجي ا أو عق ود الش راء الحكـومى للطيـران أو عقـود
البترول وعقود قسمة االنتاج أو عقود ترميم وصيانة
و لكثرة هذه العقود و اختالفها ،فال يمكن حصرها فهي تتنوع حس ب المج ال يمكن ني فق ط
ذكر البعض منها على نحو مختصر يساعد في فهم و تحديد هذه العق ود بش كل أوض ح مث ل
عقد القرض الدولي ،و هو عقد تق وم بإبرام ه الدول ة بن اء على ق انون ص ادر عن الس لطة
التشريعية بشأن االستدانة من دولة أخرى أو مؤسسة نقدية دولية أو هيئ ة أو ش خص أجن بي
طبيعي أو معن وي ،وذل ك لغ رض إنش اء مش روعات تنموي ة أو لس د العج ز في الموازن ة
العامة للدولة .ومن تطبيقات هذه العقود تلك ال تي يبرمه ا البن ك ال دولي م ع ال دول النامي ة
بشأن االستثمار و التنمية و إنشاء مشروعات البنية األساسية في تلك الدول. 38
كذلك عقد التوري د ال دولي ،ال ذي يع رف بأن ه عق د بين ط رفين الدول ة أو أح د األش خاص
المعنوية العام ة التابع ة له ا من جه ة كط رف أول والعنص ر األجن بي س واء ك ان دول ة أو
شخص معنوي أو طبيعي كطرف ثاني ،يلتزم بمقتضاه الطرف الثاني بتوريد سلع وخدمات
للطرف األول بمقابل يتحصل عليه نظير هذه الخدمات .ويتضح من ذلك أن محل هذا العقد
يرد على منقول (سلع وخدمات) و يقترب في شكله و نظامه القانوني من عقد البيع المعمول
به في القوانين الداخلية .و من أهم تطبيق ات ه ذا العق د العق ود ال تي تبرمه ا الدول ة لتوري د
مستلزمات القوات المسلحة من عتاد ومعدات ومؤن. 39
و على اختالف هذه العقود و تنوعها ،إال أن ما نالحظه و أن االتفاقيات ال تميز أي ص نف
على اآلخر فهي تعامل كل صنف منها بنفس الليونة و السالسة مع اإلبقاء دائم ا على أهمي ة
اإلحالة على قانون البلد المضيف لالستثمار .
38
أسعد طاهر أحمد ،الوجيز في المالية العامة ،دار النهضة العربية القاهرة ، 2001 ،ص 161
39
أسعد طاهر أحمد ،نظرية العقد االداري في الفقه و القضاء ،دار الكتب الوطنية ،بنغازي ، 2014ص 29
خاتمة الجزء األول
تمثل الدولة شخصا من أش خاص الق انون الع ام تتمت ع بالحص انة ال تي تكفله ا له ا المواثي ق
الدولية ،و تتمثل هذه الحصانة أساسا في عدم خضوع الدولة للسلطة القضائية لدولة أخ رى،
فالقانون ال دولي يف رض عالق ة تق وم على المس اواة بين ال دول .إال أن ه و على ال رغم من
أهمية مبدأ الحص انة ،نج د ه ذا المب دأ ي تراجع على مس توى التج ارة الدولي ة عام ة و على
مستوى االستثمار خاصة .فيرى جانب من الفق ه أن الدول ة عن دما تق وم بأعم ال تج ارة أو
أعمال استثمار فهي يجب أن تتخلى عن حصانتها و تعامل معاملة األفراد .
فبتطور القوانين الدولية و قوانين االستثمار بصفة خاصة شاهدنا تراجع لمكان ة الدول ة على
حساب المستثمر الذي أصبح يمثل في أغلب األحي ان ش ركات متع ددة الجنس ية تتم يز بق وة
مالية و أقتصادية قادرة على مجابهة اقتصاد أقوى الدول .
و يأتي إبرام الدولة لعقود االستثمار في ظل سعيها لتحقي ق التنمي ة االقتص ادية ،فاالس تثمار
أصبح اليوم يمثل حاجة هامة و هدف أساسي بالنسبة للدول النامية ،وفي ه ذا اإلط ار ق امت
الدولة التونسية بسن العديد من القوانين في هذا المجال محاولة قدر ما يمكن تحقيق الت وازن
بين سيدتها ال تي تخ ول له ا ف رض الق وانين ال تي تراه ا مناس بة ،وتوف ير ق در مناس ب من
الضمانات للتشجيع على االستثمار في تونس .
و تؤدي األدوات القانونية لتنظيم االستثمار في الدولة دورا كبيرا في توفير المناخ المالئم له
و في تقري ر مب دأ الت وازن بين ط رفي العالق ة االس تثمارية .و لع ل أهم تل ك األدوات هي
عقود االستثمار التي تعد وسيلة التعبير الرسمي عن سياسة الدول ة تج اه االس تثمار .و لكي
تكون هذه العقوج مثمرة فأنه ينبغي أن تتضمن قدرا من الحماية للدولة التي لم تع د الط رف
المهيمن في العقد على عكس ما يروجه له .
إن عقود االستثمار تمثل نوعا من العقود الدولية التي تبرمها الدولة أو الوؤسس ات المعنوي ة
التابع ة له ا م ع ش خص خ اص أجن بي أو م واطن ط بيعي أو معن وي ،يع بر عن ه بص فة
المستثمر ،الذي يلتزم بمقتضى هذه العقود بنق ل القيم االقتص ادية في ش كل رؤوس أم وال و
خبرات و مهارات إلى الدولة المضيفة الستغاللها في مشروعات على أراضيها.
تتميز هذه العالقة التعاقدية بطبيعة خاصة ،ترجع من ناحية إلى طبيعة أطرافه ا كونه ا ت برم
بين ط رف ع ام و ه و الدول ة و ط رف خ اص و ه و المس تثمر ،و من ناحي ة أخ رى إلى
موضوعها إذ أن ما تهدف إليه ه ذه العق ود بش كل أساس ي هم المس اهمة في تحقي ق التنمي ة
االقتصادية للدول ة المض يفة مم ا يكس بها بع دا عام ا يتمث ل في االرتب اط بالمص لحة العام ة
للمجتمع .